Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 65

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫مقدمة‬

‫إن احلمد هلل‪ ،‬حنمده‪ ،‬ونستعينه‪ #،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال ِ‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪.‬‬

‫الذين آمنوا اتقوا‪ #‬اهلل حق تقاتِِه وال متوتن ِإال وأنتم مسلِمون} [آل عمران‪:‬‬
‫{يا أيها ِ‬

‫‪.)1( ]102‬‬

‫واح ٍ‬
‫دة وخلق ِمنها زوجها وبث ِمنهما‬ ‫نفس ِ‬ ‫{يا أيها الناس اتقوا ربكم ِ‬
‫الذي خلقكم ِمن ٍ‬
‫الذي تساءلون بِِه واألرحام ِإن اهلل كان عليكم رقِيبا}‬
‫ِرجاال كثِريا ونِساء واتقوا اهلل ِ‬

‫[النساء‪.)2( ]1 :‬‬

‫سديدا يصلِح لكم أعمالكم ِ‬


‫ويغفر لكم ذنوبكم‬ ‫الذين آمنوا اتقوا‪ #‬اهلل وقولوا قوال ِ‬
‫{يا أيها ِ‬
‫يط ِع اهلل ورسوله فقد فاز فوزا ِ‬
‫عظيما}‬ ‫ومن ِ‬

‫أما بعد‬

‫توطئة‬

‫اإلشكالية‬

‫أسباب اختيار الموضوع‬


‫األسباب اليت دفعتين للكتابة يف املوضوع‪ #‬قسمان‪ :‬ذاتية وموضوعية‪#.‬‬

‫فاألسباب الذاتية‪ #‬هي‪:‬‬

‫_تنمية امللكة الفقهية‪ #‬من خالل ربط الفروع بأصوهلا وقواعدها‪ ،‬وال خيفى أن دراسة‬
‫الفروع املتناثرة من خالل ربطها بأصوهلا وقواعدها هو مثرة جليلة من مثرات الفقه‬
‫وأصوله‪.‬‬

‫_الرغبة يف التعرف على علم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪#‬‬

‫_التعرف على بعض أحكام البيوع مع ربطها بقواعد الفقه املخرجة عليها‬

‫_التعرف واالطالع‪ #‬على العديد من كتب الفقه والقواعد الفقهية على اختالف مذاهب‬
‫أصحاهبا وتنوع مناهجهم‪.‬‬

‫_االطالع على بعض مقاصد الشريعة وأسرارها وذلك من خالل دراسة بعض القواعد‬
‫الفقهية اليت يتجلى من خالهلا ذلك‪.‬‬

‫وأسباب موضوعية‪:‬‬

‫_أن علم التخريج علم جليل كبري النفع مل يأخذ حظه الكايف من الدراسة النظرية‬
‫والتطبيقية‪#‬‬

‫_أمهية علم القواعد‪ #‬الفقهية إذ دراسة الفقه عن طريق األصول والقواعد أدعى لفهمه‬
‫وضبطه‬

‫_علم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #‬مل يؤلف فيه على جهة االستقالل‪ #‬كثريا‪ #‬يف‬
‫_حدود علمنا_ فهو ال يزال فتيا وحيتاج إىل مزيد تأصيل وتنظري‪.‬‬
‫أهمية البحث‬

‫تكمن أمهية البحث فيما يلي‪:‬‬

‫_هذا العلم يساعد على معرفة أحكام النوازل واملسائل املستجدة من خالل ربطها بقواعد‬
‫الفقه وإدراجها حتتها‪ ،‬ولكن هذا ال يتحقق لكل أحد بل هو خاص بالعلماء القادرين على‬
‫ذلك ممن تتحقق فيهم شروط أهل التخريج‪.‬‬

‫_تظهر األمهية‪ #‬كذلك من خالل فائدة علم ختريج الفروع على القواعد‪ #‬الفقهية فهو يسهل‬
‫ربط ما ال حيصى من املسائل الفقهية‪ #‬بأصوهلا وقواعدها‪.‬‬

‫_زيادة الثقة يف األحكام املنقولة‪ #‬عن العلماء وذلك حني يعلم أن ما قرروه من أحكام مبين‬
‫على قواعد مضبوطة وله مآخذ ومدارك معلومة‪.‬‬

‫أهداف البحث‬

‫الدراسات السابقة‬

‫من الدراسات اليت اعتنت‪ #‬بتخريج الفروع على القواعد الفقهية‪:‬‬

‫ختريج الفروع على القواعد الفقهية_ دراسة تأصيلية مع مناذج علمية_‬

‫وهي عبارة عن مذكرة خترج تقدم هبا الطالب حممد مومين للحصول على شهادة املاسرت‪،‬‬
‫جبامعة محه خلضر بالوادي‪.‬‬
‫وقد ركز فيها على مسائل يف النوازل الطبية املعاصرة وقام بتخرجيها على القواعد الفقهية‪.#‬‬
‫وتوجد جمموعة من الدراسات األكادميية تقدم هبا جمموعة من الباحثني يف جامعة اإلمام‬
‫حممد بن سعود بالرياض وهي عبارة عن حبوث تكميلية لنيل درجيت املاجستري والدكتوراه‬
‫بعنوان‪ #:‬ختريج الفروع على القواعد‪ #‬الفقهية عند احلنابلة‪ ،‬ومشلت الدراسة كتاب كشاف‬
‫القناع للبهويت يف الفقه احلنبلي‪ ،‬ومن تلك الدراسات‪:‬‬

‫_ختريج الفروع من كتاب كشاف القناع على القواعد الفقهية عند احلنابلة يف فصل‬
‫املصارفة (مجعا ودراسة) حبث تكميلي لنيل درجة املاجستري‬

‫إعداد الطالب‪ :‬يوسف بن عبد اهلل آل فهيد‬

‫_ختريج الفروع من كتاب كشاف القناع على القواعد الفقهية عند احلنابلة من أول باب‬
‫السلم إىل آخر الشرط الثالث (مجعا ودراسة) حبث تكميلي مقدم لنيل درجة املاجستري يف‬
‫الفقه املقارن‬

‫إعداد الطالب‪ :‬راشد بن صاحل بن راشد آل خنني‬

‫_ختريج الفروع من كتاب كشاف القناع على القواعد الفقهية عند احلنابلة يف كتاب‬
‫الشركة حبث تكميلي مقدم لنيل درجة املاجستري يف الفقه املقارن‬

‫إعداد الطالب‪ :‬عبد اهلل بن عبد الرمحن بن عبد اهلل اجلمهور‬

‫وقد استفدنا من هذه البحوث من خالل املنهجية اليت اتبعوها‪ #،‬وذلك بإيراد فروع من‬
‫كتاب كشاف القناع وخترجيها على ما يناسبها من القواعد‪ ،‬مع بيان وجه التخريج‪ ،‬غري‬
‫أن ما اطلعنا عليه من هاته املذكرات مل نر ألصحاهبا اهتماما بالتفريع على القواعد‬
‫الفقهية‪ ،‬وال خيفى أمهية ذلك‪.‬‬
‫_ حبث بعنوان‪" :‬تأصيل علم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #‬وتطبيقاته يف باب املياه‬
‫عند احلنابلة"‬

‫فكرة وإعداد أ د‪ :‬عبد اهلل بن مبارك آل سيف األستاذ يف قسم الفقه كلية الشريعة‬
‫بالرياض العام اجلامعي ‪1434_1433‬ه‬

‫وهو عبارة عن مقال كتبه صاحبه قاصدا منه التأصيل ملسار جديد من مسارات التأليف يف‬
‫الفقه‪ ،‬مع العناية باجلانب التطبيقي‪ #‬يف ذلك‪ ،‬وهو رد الفروع الفقهية إىل قواعدها اليت‬
‫تندرج حتتها مع بيان وجه االرتباط بني الفرع والقاعدة‪ #،‬وقد استفدنا منه يف أخذ نظرة‬
‫وتصور هلذا العلم‪ ،‬بل إن عنوان البحث وفكرة املوضوع قد أخذنامها من هذا املقال‪،‬‬
‫فجزاه اهلل خريا‪.‬‬

‫ومن الكتب‪ #‬املعاصرة اليت اهتمت بالتأصيل والتنظري لعلم التخريج عموما‪:‬‬

‫_كتاب التخريج عند الفقهاء واألصوليني‪ ،‬للدكتور يعقوب الباحسني‪ ،‬وهو أول دراسة‬
‫نظرية تؤصل لعلم التخريج وتبني حدوده ومعامله‪ ،‬وتعتربه علما قائما بذاته‪ ،‬شأنه شأن‬
‫بقية العلوم‪ ،‬وقد استفدنا منه من جهة تصور علم التخريج عموما وختريج الفروع على‬
‫األصول على جهة اخلصوص‪#.‬‬

‫_كتاب "ختريج الفروع على األصول‪ ،‬دراسة تارخيية ومنهجية وتطبيقية"‪ #،‬للدكتور عثمان‬
‫شوشان‪ .‬وهو عبارة عن رسالة علمية مقدمة لنيل درجة املاجستري من كلية الشريعة‬
‫بالرياض‪ ،‬ولعلها أول دراسة خصت علم ختريج الفروع على األصول‪ ،‬كما أفاد بذلك‬
‫بعض الباحثني‪.‬‬
‫_"دراسة حتليلية مؤصلة لتخريج الفروع على األصول عند الفقهاء واألصوليني"‪ ،‬عبارة‬
‫عن دراسة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه يف أصول الفقه‪ ،‬إعداد الطالب‪ :‬جربيل‬
‫بن علي ميغا‪ ،‬جامعة أم القرى مبكة املكرمة‪.‬‬

‫_"علم ختريج الفروع على األصول" للدكتور‪ :‬حممد بكر إمساعيل حبيب‪ ،‬وهو عبارة عن‬
‫حبث منشور يف جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ #،‬تكلم فيه صاحبه‬
‫عن مبادئ علم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #،‬وبني عالقته بعلم الفروق‪ ،‬وعلم‬
‫القواعد الفقهية‪#.‬‬

‫منهجية البحث‬

‫أوال‪ :‬المنهجية المتعلقة بالدراسة‪:‬‬

‫منهجنا املتبع يف حبثنا قائم على تتبع بعض الفروع الفقهية املذكورة يف كتاب‬
‫البيع من كتاب التذييل والتذليل والرتكيز على املسائل املهمة وذلك وفق الطريقة‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫_نبدأ كل فصل بتمهيد يبني ما سيتطرق إليه فيه‪ ،‬مث نذكر مضمون الفصل وبعدها خنتمه‬
‫خبالصة يذكر فيها أهم ما توصلنا إليه‪ ،‬وكل ذلك على وجه االختصار‪.‬‬

‫_نذكر الفرع الفقهي املراد خترجيه وفق ما أورده املؤلف مع بيان اجلزء والصفحة‪.‬‬

‫_يتم تصوير املسألة والفرع الفقهي املراد خترجيه وذلك بالرجوع إىل كالم الشراح يف‬
‫ذلك قدر املستطاع ألن احلكم على الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫_بالنسبة للفروع املراد خترجيها وردها إىل وقواعدها مل نلتزم يف ذلك بكالم‪ #‬عامل معني‪ ،‬بل‬
‫قد تكون‪ #‬املسألة املطروحة من كالم املؤلف نفسه واختياره‪ ،‬أو من كالم من سبقه من‬
‫العلماء املتقدمني أمثال اإلمام مالك أو أيب الوليد الباجي أو غريهم‪ ،‬إذ الغرض واملقصود‬
‫هو التدرب على التخريج‪.‬‬

‫نقوم بتخريج الفرع على القاعدة الفقهية‪ #‬املناسبة له‪ ،‬والطريقة املتبعة‪ #‬يف ذكر القاعدة‬
‫الفقهية كاآليت‪:‬‬

‫_إذا نص املؤلف أو غريه ممن نقل عنهم على القاعدة‪ #‬الفقهية فنذكرها بلفظها‪.‬‬

‫_إذا أومأ وأشار صاحب الفرع إىل القاعدة ومل ينص عليها فنقول‪ :‬أومأ وأشار إىل‬
‫القاعدة وهي‪ :‬مث نذكرها‪.‬‬

‫_إذا مل تذكر القاعدة املخرج عليها فإننا نعمل غلبة الظن يف ختريج الفرع على القاعدة‬
‫املناسبة‪ #‬له‪ ،‬مع بيان وجه التخريج من كالم العلماء قدر اإلمكان‪.‬‬

‫_بعد استخراج القاعدة الفقهية نبني معناها وأدلة اعتبارها من الكتاب والسنة‪.‬‬

‫_نورد وجه ارتباط الفرع الفقهي‪ #‬بالقاعدة املخرج عليها_وجه التخريج_‪.‬‬

‫_نذكر بعض الفروع الفقهية املندرجة حتت القاعدة من خالل الكتب املعتربة يف ذلك‪.‬‬

‫_توثيق األقوال بالرجوع إىل املصادر األصيلة‬

‫ثانيا‪ :‬املنهجية املتعلقة بالبحث عامة‪:‬‬

‫_ترقيم اآليات وبيان‪ #‬موضعها يف السورة برواية ورش عن نافع‬


‫_ختريج األح‪##‬اديث من املص‪##‬ادر املعت‪##‬ربة‪ #‬م‪##‬ع إثب‪##‬ات الكت‪##‬اب‪ #‬والب‪##‬اب واجلزء والص‪##‬فحة وف‪##‬ق‬
‫املنهج اآليت‪:‬‬

‫إن ك ‪##‬ان احلديث يف املوط‪# #‬أ‪ #‬أو يف الص ‪##‬حيحني أو يف أح ‪##‬دمها فنكتفي باإلحال ‪##‬ة فق ‪##‬ط‪ ،‬وإن‬
‫كان يف غريهم فنخرجه منها مع بيان درجته من كالم أئمة الشأن‪.‬‬

‫_ترمجة األعالم غري املشهورين بذكر أمسائهم ونسبهم وتواريخ وفياهتم ومذاهبهم الفقهية‬
‫وأهم مؤلفاهتم‪.‬‬

‫_شرح املصطلحات الغريبة‪ ،‬وذلك باالعتماد على األصول املعتربة يف ذلك مع ذكر اجلزء‬
‫والصفحة‪.‬‬

‫_التعريف باألماكن والبلدان والقبائل وغري ذلك مما ورد يف البحث‪ ،‬وحتديدها مبا هو‬
‫معروف يف زماننا‪.‬‬

‫_العناية بقواعد اللغة العربية أثناء الكتابة‪ #‬واستعمال عالمات الرتقيم املناسبة‪.‬‬

‫_ختم البحث بفهارس فنية متعارف عليها وهي‪:‬‬

‫فهرس اآليات القرآنية‬

‫فهرس األحاديث النبوية واآلثار‬

‫فهرس األعالم‪ #‬املرتجم هلم‬

‫فهرس الكلمات الغريبة واملصطلحات‬

‫فهرس القواعد الفقهية‬

‫فهرس املصادر واملراجع‬


‫‪ -‬فهرس املوضوعات‪#‬‬

‫مناهج البحث‪ ،‬اتبعنا يف حبثنا املناهج‪ #‬اآلتية‪#:‬‬

‫خطة البحث‬

‫اتبعنا اخلطة اآلتية‪#:‬‬

‫احتوت الدراسة على مقدمة وفصلني وخامتة‬

‫أما املقدمة‪ :‬فذكرنا فيها اإلشكالية‪ #،‬مث أسباب اختيار املوضوع‪ ،‬وأمهيته‪ #‬وأهدافه‪ ،‬مث ما‬
‫سبق من دراسات يف املوضوع‪ ،‬ومناهج البحث‪ ،‬ومنهجية البحث‪ ،‬مث خطة البحث‪.‬‬

‫وأما الفصل األول‪ :‬ففيه الدراسة النظرية‪ ،‬وحيتوي على ثالثة مباحث‬

‫املبحث األول‪ :‬نبذة عن املؤلف والكتاب حمل الدراسة وفيه مطلبان‬

‫املطلب األول‪ :‬نبذة عن املؤلف‬

‫املطلب الثاين‪ :‬نبذة عن الكتاب حمل الدراسة‬

‫املبحث الثاين‪ :‬حجية القواعد الفقهية وحكم ختريج الفروع عليها وفيه مطلبان‬

‫املطلب األول‪ :‬حجية القواعد‪ #‬الفقهية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬حكم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪#‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفاهيم ومصطلحات‪ ،‬وفيه مطلبان‬


‫املطلب األول‪ :‬تعريف ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #‬باعتبار أفراده‪ ،‬ويشتمل‬
‫على ثالثة فروع‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف التخريج لغة واصطالحا‬

‫الفرع الثاين‪ :‬تعريف الفروع لغة واصطالحا‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف القواعد الفقهية‬

‫املطلب الثاين‪ :‬تعريف ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #‬باعتباره‪ #‬لقبا على علم معني‬

‫خامتة وفيها أهم النتائج املتوصل إليها يف البحث‬

‫الفصل األول‪ :‬الدراسة النظرية‬

‫المبحث األول‪ :‬نبذة عن المؤلف والكتاب محل الدراسة‬

‫المطلب األول‪ :‬نبذة عن المؤلف‬

‫اختصرنا ترمجة املؤلف من مقدمة كتاب التسهيل والتكميل‪ ،‬للدكتور حممد بن‬
‫حممد سامل بن عبد الودود وكذا‪ #‬مما كتبه عبد اهلل بن حممد سفيان احلكمي يف‬
‫تقدميه لنظم الشيخ سامل رمحه اهلل على كتاب العمدة البن قدامة رمحه اهلل‪،‬‬
‫املسمى‪" :‬املوثق من عمدة املوفق" نظرا لقلة من ترجم للشارح رمحه اهلل بعد‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫اسمه ونسبه وأسرته‬

‫‪ 1‬انظر‪ :‬مقدمة التذليل والتذييل‪ ،‬ص‪ ،38_37‬ومقدمة نظم العمدة ص‪.19‬‬


‫هو حممد سامل بن حممد بن عبد الودود املعروف ب‪ :‬عدود بن حممد حيظيه بن املختار‬
‫بن عبد اهلل احلاج بن املبارك بن أمحد بن حممذ بن أيب بكر بن جعفر البغدادي احلسيين‬
‫وجعفر بغدادي من أسرة بغدادية تنسب إىل احلسني بن علي رضي اهلل عنهما‬

‫كان والده طودا شاخما يف علوم الشرع وعلوم اآللة وكان معدن أخالق عالية‪.‬‬

‫درس الشيخ سامل رمحه اهلل على خاله أمحد حممود بن أمني وخترج يف حمظرة حيظيه بن‬
‫عبد الودود‪.‬‬

‫والدته‪ :‬هي ميمونة النجاح بنت حممد فال الددو بن حممد مولود بن أمحد بن عبد اهلل‬
‫حاج اشتهرت بالعلم بالسرية النبوية‪ #‬وأنساب العرب‪.‬‬

‫امتازت أسرة الشيخ مبكانة علمية مميزة توارثتها األجيال من عهد املبارك اجلد الذي‬
‫حتمل القبيلة امسه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مولده ونشأته?‬

‫ولد الشيخ سامل رمحه اهلل يوم ‪14‬رجب ‪1348‬ه املوافق ‪ 16‬ديسمرب ‪1929‬م بني‬
‫بلدة شهالت وبلدة أكماط ومها اليوم بئران تقعان‪ #‬إىل الشمال الشرقي من مدينة‬
‫نواكشوط تبعدان حوايل ‪130‬كم‬

‫نشأ الشيخ رمحه اهلل يف بيئة متتاز بالعلم دراسة وتدريسا ومذاكرة‪ ،‬وقد بدأت مالمح‬
‫النبوغ تظهر عليه منذ الصغر‪ ،‬فكان رمحه اهلل شغوفا باملطالعة يف كتب أهل العلم‪ ،‬وانتبه‬
‫والداه الذان كانا عاملني كبريين ملوهبته‪ #،‬فأخذا يدربانه على قرض الشعر وعلى املقارنة بني‬
‫النصوص‪ #‬واحلكم عليها‪ ،‬وكان حيضر مجيع دروس والده مما وفر عليه كثريا من الوقت‬

‫‪ 1‬مقدمة‪ #‬التذليل والتذييل‪ ،‬ص‪39‬‬


‫وسرع وترية حتصيله العلمي‪ ،‬فقد استكمل حفظ املتون‪ #‬املقررة يف احملظرة قبل بلوغ سن‬
‫السابع عشرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫دراسته للقرآن وتعلمه‬

‫ترىب الشيخ رمحه اهلل بني نساء حافظات لكتاب اهلل تعاىل ومنهن‪:‬‬

‫_جدته ألبيه مرمي بنت أمني أمحد بن عبد اهلل احلاج وكانت تنسخ املصاحف من حفظها‪،‬‬
‫وحفظ الشيخ أجزاء من القرآن على يديها‪.‬‬

‫_والدته ميمونة النجاح بنت حممد فال وكانت رمحها اهلل متخصصة يف السرية‪ #‬النبوية‬
‫وأنساب العرب‪ ،‬وعنها أخذ هذين العلمني أكثر من غريمها وقال يف ذلك‪:‬‬

‫أنا أمي علمتين السريه‪ #‬وغريها يف مدة يسريه‬

‫_عمته عائشة بنت عبد الودود‪ ،‬وكانت حلقتها عامرة إىل حني وفاهتا سنة ‪1400‬ه وقد‬
‫حفظ الشيخ رمحه اهلل القرآن يف مدة مل تتجاوز سبعة عشر شهرا ويعود الفضل بعد اهلل‬
‫تعاىل إىل هاتني األخريتني‪.‬‬

‫وقد حرص والد الشيخ على توفري الكتب النادرة أو غري الشائعة يف املقررات احملاضرية‬
‫املوريتانية‪ #‬ومن ذلك‪:‬‬

‫_ألفية العراقي يف احلديث‬

‫_كتب ابن هشام قطر الندى وشذور العرب واإلعراب عن قواعد اإلعراب‬

‫_نظم العروض والقوايف البن عبدم الدمياين وغريها من الكتب‬

‫‪ 1‬انظر مقدمة‪ #‬التذليل‪ )41_39( ،‬ومقدمة نظم العمدة (‪)21_20‬‬


‫ومن الكتب‪ #‬اليت كان حيفظها قبل البلوغ كما حدث بذلك بعض خواص طالبه‪:‬‬

‫‪)1‬الكافية‪ #‬الشافية يف النحو والصرف‬

‫‪)2‬ألفية ابن مالك مع اجلامع للمختار ابن بونا وزيادات الناظمني‬

‫‪)3‬ألفية العراقي يف احلديث‬

‫‪)4‬عمود النسب للبدوي‬

‫‪)5‬ألفية السيوطي يف البالغة‪ ،‬وغري ذلك كثري‪.‬‬

‫بلغ الشيخ درجة عالية يف االستيعاب واالستحضار لعدد من الكتب‪ #،‬حىت جعل بعض‬
‫مالزميه يكادون جيزمون حبفظه هلا ومن تلكم الكتب‪ #:‬موطأ‪ #‬اإلمام مالك وصحيح‬
‫البخاري وكافية ابن احلاجب وخزانة األدب واحلماسة أليب متام وغري ذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مسيرته? الوظيفية‬

‫قرر الشيخ رمحه اهلل مبوافقة والده املشاركة يف مسابقة الكتتاب القضاة‪ #،‬وكان من‬
‫أوائل خنبة من القضاة الذين مت ابتعاثهم إىل تونس قبل منتصف ‪1961‬م ملتابعة تكوين‬
‫علمي مكثف يف القضاء‪ ،‬واغتنم فرصة وجوده بتونس‪ #‬للحصول على إجازات علمية من‬
‫كبار العلماء‪.‬‬

‫بعد العودة من تونس ترقى الشيخ يف الوظائف القضائية حىت أصبح رئيسا للمحكمة‬
‫العليا‪ ،‬وكان توليه لذلك فرصة حلل العديد من القضايا واملسائل الصعبة يف باب املواريث‪#‬‬
‫والعقارات‬

‫‪1‬مقدمة‪ #‬التذليل‪ ،‬ص (‪)43_42‬‬


‫وغريها من النزاعات ذات البعد االجتماعي‪.‬‬

‫تقلد الشيخ رمحه اهلل منصب وزير الثقافة والتوجيه اإلسالمي‪ #‬يف أول مجع بني قطاعي‬
‫التوجيه اإلسالمي والثقافة‪ #‬حتت سقف واحد‪ ،‬مث عني مستشارا لرئيس اجلمهورية وبعد‬
‫ذلك أصبح أول رئيس للمجلس اإلسالمي األعلى‪ ،‬وختم هبذه الوظيفة مسريته الراشدة‬
‫مع الوظائف الرمسية‪.‬‬

‫وقد كان الشيخ سامل رمحه اهلل عضوا يف أشهر اجملامع العلمية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫_اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي‬

‫_جممع البحوث اإلسالمية يف األزهر‬

‫_اجمللس اإلسالمي‪ #‬األعلى العاملي‬


‫‪1‬‬
‫آثاره ومؤلفاته‬

‫تنوعت تركة الشيخ سامل رمحه اهلل العلمية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪)1‬دروسه وحماضراته‬

‫يعترب الشيخ رمحه اهلل رائد احملاضرة العامة يف موريتانيا‪ #‬منذ ستينات القرن العشرين‪ ،‬ومل‬
‫يكد هذا العقد ينتهي‪ #‬حىت ظهرت معامل هنضة ثقافية جديدة هتتم باجملاالت الشرعية‬
‫واللغوية والفكرية‪ ،‬وكانت للشيخ رمحه اهلل حلقة علمية منتظمة يف بيته بعد العشاء إىل‬
‫مرور وقت من الليل‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر مقدمة‪ #‬التذليل والتذييل‪ 52_48 ،‬ومقدمة‪ #‬نظم العمدة ‪29‬‬


‫وقد نتج عن هذا العطاء العلمي الكبري عدد كبري من الدروس واحملاضرات العامة اليت‬
‫صيغت بعد ذلك يف برامج وحوارات تبث باستمرار يف وسائل التواصل املسموعة واملرئية‬
‫واملكتوبة يف موريتانيا‪ #‬ويف غريها من دول العامل‪ ،‬وهي تلقى حبمد اهلل قبوال منقطع النظري‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪)2‬المؤلفات‬

‫أ) الكتب‪ #‬املطبوعة‬

‫_"التسهيل والتكميل نظم خمتصر خليل وحاشيته التذييل والتذليل"‬

‫وقد كان الشيخ رمحه اهلل يسميه مشروع العمر بدأ يف تأليفه‪ #‬سنة ‪1409‬ه وانتهى‪#‬‬
‫منه سنة ‪1429‬ه وهو موسوعة يف الفقه املالكي أعدها الشيخ للفتوى وانتخب‪ #‬فيها من‬
‫األقوال األقوى‪ ،‬وحيوي خمتصر خليل وجل شروحه‪ ،‬وزيادات كثرية‪.‬‬

‫_"املوثق من عمدة املوفق" وهو نظم ملنت عمدة الفقه البن قدامة املقدسي‪ #‬رمحه اهلل ركز‬
‫فيه الشيخ على ربط الفروع بأدلتها مع اإلشارة إىل ختريج األحاديث وعللها عند احلاجة‬

‫وعدد أبياته‪3722 #‬بيتا‪.‬‬

‫_"شراع الفلك املشحون بعناوين تبصرة ابن فرحون" وهو نظم لفهرس تبصرة احلكام‬
‫البن فرحون‪.‬‬

‫وأبياته بلغت ‪ 464‬بيتا‪.‬‬

‫وغريها من املؤلفات‪.‬‬

‫المؤلفات المخطوطة‪:‬‬

‫‪ 1‬مقدمة‪ #‬التذليل والتذييل (‪ )52_48‬ومقدمة‪ #‬نظم العمدة ‪31‬‬


‫_نظم سور القرآن‬

‫_رسالة يف حكمة زواج النيب صلى اهلل عليه وسلم بأكثر من أربعة نسوة‬

‫_حبث يف االجتهاد‬

‫_رسالة يف الرد على شبهة عدم املساواة‪ #‬بني اجلنسني يف اإلرث يف اإلسالم‬

‫_نظم دارات العرب‬

‫كما تناول العديد من املسائل العلمية بأنظام ورسائل علمية‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫المشروعات العلمية التي لم تكتمل‬

‫_أصول يف أصول التفسري مساها‪ :‬وسيلة احلصول ملا للتفسري من أصول اعتمد فيه على‬
‫التحبري يف علم التفسري للسيوطي‪ #‬والتيسري يف قواعد التفسري للكافيجي واإلكسري يف قواعد‬
‫التفسري للطويف‬

‫_نظم تقريب التذهيب‪ #‬للحافظ ابن حجر رمحه اهلل‬

‫وقد كان الشيخ رمحه اهلل إماما عظيما مجع بني علوم الشريعة املختلفة من تفسري‬
‫وحديث ولغة وعلوم آلة وغري ذلك‪ ،‬وكان رمحه اهلل ذا أخالق عالية وآداب رفيعة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫شعره‬

‫كان الشيخ سامل رمحه اهلل شاعرا جميدا وامتاز شعره باجلزالة والسالسة والرصانة‬
‫والدقة يف التعبري وقد تعددت أغراض نظمه فمن ذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬املقدمة (‪)52_51‬‬
‫‪ 2‬املقدمة ص‪ 52‬فما بعدها‪ ،‬ومقدمة نظم العمدة ‪ 32‬فما بعدها‪.‬‬
‫الرثاء‪ :‬ولعله أكثر األغراض اليت نظم فيها الشيخ‪.‬‬

‫يقول رمحه اهلل يف رثاء العامل اجلليل حممد سامل بن املختار بن أملا‬

‫أويت احلكم والكتاب صبيا‬ ‫ما عسى أن أقول يف وصف شيخ‬

‫يعبد اهلل بكرة وعشيا‬ ‫مثانني حوال‬ ‫عاش يف طاعة‬

‫فيخرون سجدا وبكيا‪#‬‬ ‫فيه‬ ‫ينظر الغافلون ما هو‬

‫ومن املعاين البديعة قوله يف رثاء حممد بن محني‪:‬‬

‫للقاء احلق والدنيا رفض‬ ‫ابن سيدي بن اليدايل هنض‬

‫واحتل االستسقاء املرتبة الثانية‪ #‬يف أغراض نظمه‪ ،‬يقول رمحه اهلل‪:‬‬

‫ليس شتمرب وال سابقه‬ ‫رازقه‬ ‫اهلل كايف عبده‬

‫خيلف نوء خملف خافقه‬ ‫ال تيأسوا‪ #‬من رمحة اهلل أن‬

‫يسق إليه فضله سائقه‬ ‫توبوا إليه جل واستغفروا‪#‬‬

‫ويقول رمحه اهلل‪:‬‬

‫يا غافر الذنب بل عتاب‬ ‫يا ربنا يا قابل املتاب‬

‫وراحم احلضور واألعراب‬ ‫وباسط الرزق بالحساب‬

‫جتود بالوبل على الروايب‬ ‫أزج لنا بواكر السحاب‬

‫من مائها املنهمل املنساب‬ ‫فترتك القيعان كاجلوايب‬


‫ومل يفت الشيخ رمحه اهلل أن يبني موقف األمة اإلسالمية والعربية من السالم‪ ،‬ومن ذلك‬
‫قوله‪:‬‬

‫نصل الطريق فقد أضر بنا املهل‬ ‫يا أمة العرب األصيلة حيهل‬

‫عن حومة اإلجناز نقصى كاهلمل‬ ‫من منكم يرضى أن نبقى كذا‬

‫ليست هلا جنسية بني الدول‬ ‫نرعى احلضارة فهي إرث شائع‬
‫‪1‬‬
‫وفاته رحمه اهلل‬

‫تويف الشيخ سامل رمحه اهلل ظهر يوم األربعاء ‪4‬مجادى األوىل ‪1430‬ه املوافق ‪29‬‬
‫إبريل ‪2009‬م بقرية أم القرى الواقعة على بعد ‪60‬كم شرق نواكشوط‪ ،‬ودفن عند‬
‫أكماط جبوار والديه يف مدفن األسرة املعروف‪ ،‬فرمحه اهلل رمحة واسعة وجزاه عن اإلسالم‬
‫واملسلمني خري اجلزاء‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المطلب الثاني? لمحة عن الكتاب محل الدراسة‬

‫جاء كتاب التسهيل والتكميل تتوجيا لثقافة حضرية أصيلة وخالصة لثقافة بدوية‬
‫موريتانية مكتوبة‪ #‬نادرة يف بنيتها غريبة يف بيئتها‪ #،‬وقد بلغ الشيخ رمحه اهلل بكتابه هذا يف‬
‫مضمار البحوث العلمية شأوا‪ #‬بعيدا‪ ،‬فبني وصحح‪ ،‬وأصل وأضاف واصطفى من األقوال‬
‫األقوى‪ ،‬يقول يف مقدمته‪:‬‬

‫فجئت من أقواهلم باألقوى‬ ‫وأنا قد أعددته للفتوى‬

‫‪ 1‬املقدمة‪60 ،‬‬
‫‪ 2‬املقدمة‪9 ،‬‬
‫وكتاب التسهيل والتكميل وحاشيته أعده الشيخ سامل رمحه اهلل ليكون‪ #‬مدونة يف الفقه‬
‫املالكي بعد ثالثة عشر قرنا من العطاء‪ ،‬وكان للشيخ ما أراد فقد أعاد صياغة الفقه‬
‫املالكي بطريقة مجعت بني ما دأب عليه علماء شنقيط من ضبط املسائل الفقهية‪ #‬وعقدها‬
‫بالنظم السلس مع العزو إىل املصدر ليسهل احلفظ وتتأتى‪ #‬املعية املستمرة وما انتهجه علماء‬
‫احلضر من مقارنة واستكمال وشرح وترجيح مع اإلتيان‪ #‬باألقوى من األقوال‪.‬‬

‫فقد جاء التسهيل والتكميل نظما رائقا يفصل القول يف موضوعات خمتصر خليل بن‬
‫إسحاق اجلندي ت‪776‬ه ليقتنيها‪ #‬من أراد االطالع‪ #‬على املذهب املالكي‪ #‬وحيفظها من‬
‫مست مهته ملعرفة األحكام‪ ،‬وقد وضع الشيخ رمحه اهلل يف كتابه نفائس ما سطرته أقالم‬
‫علماء املالكية‪#.‬‬

‫والكتاب جيمع بني نظم سلس يسهل حفظه ونثر يسهل فهمه‪ ،‬واشتمل على تنبيهات‪#‬‬
‫حنوية وصرفية ومباحث لغوية تقرب عباراته وتسهل موضوعاته‪.‬‬

‫يقع الكتاب متنا وتعليقات وفهارس يف ست جملدات يربو بعضها على سبع مئة ومثانني‬
‫صفحة وتضم واحدا ومثانني وست مئة وسبعة عشر ألف بيت من مشطور الرجز‪.‬‬

‫‪17171‬هي أبيات التسهيل والتكميل و‪ 510‬بيتا هي جمموع أبيات اجلامع‪.‬‬

‫وجاء يف مقدمة نص التسهيل إشارة إىل بعض ما سعى الشيخ سامل رمحه اهلل إىل حتقيقه‪:‬‬

‫مما خليل قد وعى يف املختصر‬ ‫رام به نعش ذماء احملتضر‬

‫بعد رحيل أهلها مهجوره‬ ‫إذ أصبحت أبوابه املشهوره‪#‬‬

‫يرصها فوق رفوف متحف‬ ‫ال يعتين بطرقها غري حفي‬


‫على املبيديع جبنب الريع‬ ‫كدور حي ذلك القريع‬

‫فكتاب التذييل والتذليل هو عبارة عن شرح لنظم خمتصر خليل يف الفقه املالكي‪ #،‬مجع فيه‬
‫مؤلفه لب شروح خمتصر خليل كشرح احلطاب" مواهب اجلليل" وشرح املواق" التاج‬
‫واإلكليل" وشرح الزرقاين مع حاشية البناين‪ ،‬وكتاب التوضيح خلليل‪ ،‬والعتبية وحنوهم‪،‬‬
‫ومن خالل تتبع شرحه لكتاب البيوع‪ #‬منه‪ ،‬جنده ينقل كثريا عن أقوال أئمة املذهب أمثال‬
‫اإلمام مالك وابن القاسم والباجي واللخمي وابن شاس وابن عرفة وغريهم‪ ،‬مث يناقش‬
‫أقواهلم مع إيراد مآخذهم ومداركهم اليت بنوا عليها أحكامهم‪ ،‬ويرجح يف كثري من‬
‫األحيان‪ ،‬وتبني أن الشيخ يركز على اخلالف داخل املذهب‪ #،‬وال يتطرق إىل اخلالف‬
‫خارجه‪.‬‬

‫المبحث الثاني حجية القواعد? الفقهية وحكم تخريج الفروع عليها‬

‫المطلب األول‪ ?:‬حجية القواعد الفقهية?‬

‫وهذا املبحث من األمهية مبكان‪ ،‬إذ ال خيفى أن إثبات حجية القاعدة الفقهية‪ #‬له فائدته‬
‫ومثرته من جهة االستدالل‪ ،‬وليس القول حبجية القاعدة كعدمه‪ ،‬إذ إن ختريج الفرع‬
‫الفقهي على ما هو حجة ودليل معترب أمر بالغ األمهية‪ ،‬ويظهر بذلك فائدة كبرية لعلم‬
‫ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ ،‬وكفى هبا فائدة خبالف ما لو اعتربت القاعدة‪ #‬الفقهية‬
‫لالستئناس فقط‪ ،‬ومجع الفروع املتماثلة واملسائل املتشاهبة حتت قاعدة واحدة‪.‬‬

‫يقول الدكتور حممد صدقي آل بورنو‪:‬‬

‫"ه‪##‬ذه املس‪##‬ألة‪ #‬على ج‪##‬انب كب‪##‬ري من األمهي‪##‬ة حيث تتعل‪##‬ق ب‪##‬أمر عظيم وه‪##‬و مص‪##‬ادر األحك‪##‬ام‬
‫وأدلته‪#‬ا‪ ،‬وه‪#‬ل تعت‪#‬رب القواع‪#‬د الفقهي‪#‬ة أح‪#‬د أدل‪#‬ة األحك‪#‬ام فيس‪#‬تند إليه‪#‬ا عن‪#‬د ع‪#‬دم وج‪#‬ود نص‬
‫أو إمجاع أو قي ‪##‬اس يف املس ‪##‬ألة؟ وبعب ‪##‬ارة أخ ‪##‬رى‪ :‬ه ‪##‬ل جيوز أن جتع ‪##‬ل القاع ‪##‬دة‪ #‬الفقهي ‪##‬ة دليال‬
‫‪1‬‬
‫شرعيا يستنبط منه حكم شرعي؟»‬

‫وق‪##‬د أب‪##‬دى ال‪##‬دكتور يعق‪##‬وب الباحس‪##‬ني رمحه اهلل تأس‪##‬فه لع‪##‬دم إعط‪##‬اء العلم‪##‬اء ال‪##‬ذين كتب‪##‬وا‪#‬‬
‫يف القواعد‪ #‬الفقهية هذا اجلزئية_مبحث‪ #‬احلجي‪##‬ة واالس‪##‬تداللية_حقه‪#‬ا‪ #‬من التحقي‪#‬ق واإليض‪#‬اح‬
‫والبيان‪ #،‬فقال رمحه اهلل‪" :‬ومن املؤسف أن العلماء‪ ،‬على كثرة ما ألف‪##‬وا يف القواع‪##‬د الفقهي‪##‬ة‪،‬‬
‫مل يعط‪##‬وا ه‪##‬ذا اجلانب من املوض‪##‬وع حق‪##‬ه من الدراس‪##‬ة‪ ،‬ب‪##‬ل إن غ‪##‬البهم أمهل‪##‬وه‪ ،‬ومل يتح‪##‬دثوا‬
‫عن ‪##‬ه‪ ،‬والكث ‪##‬ريون‪ #‬ممن أش ‪##‬اروا يف مق ‪##‬دمات كتبهم إىل أمهي ‪##‬ة ه ‪##‬ذه القواع ‪##‬د‪ ،‬ك ‪##‬انت عب ‪##‬اراهتم‬
‫إنشائية‪ ،‬وغري واضحة املعامل يف الدليلية‪ ،‬ورمبا أفصح بعضهم بشيء من ذلك"‪.2‬‬

‫ومعىن احلجية هو كون القاعدة الفقهية‪ #‬صاحلة ألن يؤخذ منها احلكم؟ أم هي جمرد‬
‫ضابط فقط‬

‫وقد اختلف الفقهاء رمحهم اهلل تعاىل يف حجية القاعدة الفقهية‪ #‬على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫القول األول‪ :‬أن القاعدة‪ #‬الفقهية ليست حبجة‪ ،‬وهو ما ذهب إليه ابن جنيم احلنفي‬
‫‪5‬‬
‫واألستاذ مصطفى الزرقا‪ 4‬وكذا اختيار واضعي جملة األحكام العدلية‪.‬‬
‫‪ 1‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬حممد صدقي آل بورنو‪ ،‬مؤسسة الرسالة العاملية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪ ،‬ص ‪38‬‬

‫‪ 2‬القواعد الفقهية‪ ،‬يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني‪ ،‬مكتبة الرشد الرياض‪ ،‬شركة الرياض للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‬
‫‪271‬‬
‫‪ 3‬زين الدين بن إبراهيم بن حممد بن حممد الشهري بابن جنيم احلنفي‪ ،‬أخذ عن الشيخ العالمة أمني الدين بن عبد العال‬
‫احلنفي‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن احلليب‪ ،‬له تصانيف‪ ،‬منها‪" :‬البحر الرائق‪ ،‬بشرح كنز الدقائق "‪ ،‬وهو أكرب مؤلفاته‪،‬‬
‫وأكثرها نفعا‪ ،‬وله األشباه والنظائر " ضمنه كثريا من القواعد الفقهية‪ ،‬و"البحر الرائق يف شرح كنز الدقائق"‪ ،‬تويف‬
‫سنة ‪970‬ه‪ ،‬انظر ترمجته يف الطبقات السنية يف تراجم احلنفية‪ ،‬ص ‪289‬‬
‫‪ 4‬نقل كالمه يف عدم االحتجاج الدكتور حممد آل بورنو‪ ،‬كما يف الوجيز ص‪.39‬‬
‫‪ 5‬الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬ص‪39‬‬
‫قال حممد آل بورنو‪:‬‬

‫«قال ابن جنيم يف الفوائد الزينية كما نقله عنه احلموي يف غمز عيون‪ #‬البصائر‪ :‬ال جيوز‬
‫الفتوى مبا تقتضيه‪ #‬الضوابط ألهنا ليست كلية بل أغلبية‪ ،‬خصوصا وهي مل تثبت‪ #‬عن اإلمام‬
‫‪1‬‬
‫بل استخرجها املشايخ من كالمه»‬

‫نقل مؤلف قول واضعي جملة األحكام العدلية فقال‪« :‬املقالة‪ #‬الثانِية من املقدمة ِهي عبارة‬
‫القواعد اليِت مجعها ابن جنيم ومن سلك مسلكه من الفقهاء رمِح هم اهلل تعاىل‪ ،‬فحكام‬
‫عن ِ‬
‫‌واحدة‌من ِ‬
‫‌هذه‬ ‫الشرع ما مل يقفوا على نقل ص ِريح ال حيكمون‌مِب جرد‌ااِل ستِناد‌ِإىل ِ‬
‫‪2‬‬
‫‌القواعد إال أن هلا فاِئدة كلية يِف ضبط املساِئل»‬
‫ِ‬

‫ومستند القائلني حبجية القواعد الفقهية ما يلي‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن هذه القواعد مثرة للفروع املختلفة وجامع ورابط هلا‪ ،‬وليس من املعقول أن‬
‫‪3‬‬
‫جيعل ما هو مثرة وجامع دليال الستنباط‪ #‬أحكام الفروع‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أن معظم هذه القواعد ال ختلو عن املستثنيات‪ ،‬فقد تكون املسألة‪ #‬املبحوث عن‬
‫حكمها من املسائل والفروع املستثناة‪ ،‬ولذلك ال جيوز بناء احلكم على أساس هذه‬
‫القواعد‪ ،‬وال يسوغ ختريج أحكام الفروع عليها‪ ،‬ولكنها تعترب شواهد مصاحبة لألدلة‬
‫يستأنس هبا يف ختريج األحكام للوقائع اجلديدة قياسا على املسائل الفقهية املدونة‪.‬‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪39‬‬


‫‪ 2‬تاريخ الدولة العثمانية العلية‪ ،‬حممد فريد بك باشا ابن أمحد فريد باشا احملامي‪ ،‬حتقيق إحسان حقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫النفائس بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1401‬هـ‪ .‬ص‪550‬‬
‫‪ 3‬انظر القواعد الفقهية‪ ،‬يعقوب الباحسني ص‪ ،272‬والوجيز للبورنو ص‪39‬‬
‫الثالث‪ :‬أن هذه القواعد هي من كالم العلماء وكالم الفقهاء بعد الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫ليس حجة باإلمجاع‪.1‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن القواعد‪ #‬الفقهية حجة ودليل صاحل الستنباط أحكام الوقائع واملسائل‬
‫احلاصلة‪.‬‬

‫وهو اختيار أيب طاهر عبد الصمد‪ ،‬املعروف بابن بشري املالكي‪ 2#‬والقرايف املالكي‪#‬‬

‫ومما ذكروه كتعليل لذلك‪ ،‬قوهلم‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أننا استقرأنا األحكام الشرعية‪ ،‬فوجدنا أن الشريعة ال تفرق بني املتماثالت‪ ،‬وتباين‬
‫بني املختلفات‪ ،‬فإذا عرفنا حكم املسائل املتماثلة بواسطة القاعدة الفقهية‪ ،‬فإن كل مسألة‬
‫فيها شك ويقني‪ ،‬فاحلكم أن اليقني ال يرفعه الشك‪ ،‬فإذا عرضت نازلة يبحث عن حكمها‬
‫فإنه يغلب على الظن أن اليقني ال يزول بالشك‪ ،‬فيجمع بني املتماثالت ويوحد بني‬
‫املتشاهبات‪ ،‬وهذا هو معىن احلجية‪.3‬‬

‫ثانيا أهنا ليست قواعد كلية بل أغلبية‪.‬‬

‫يقول أمحد احلموي‪:4‬‬


‫‪ 1‬املقدمات للبيت الفقهي‪ ،‬ص ‪220_219‬‬
‫‪ 2‬الشيخ أبو الطاهر بن بشري التنوخي كان رمحه اهلل إماما عاملا مفتيا جليال فاضال ضابطا متقنا حافظا للمذهب إماما‬
‫يف أصول الفقه والعربية واحلديث من العلماء املربزين يف املذهب‪ ،‬وله كتاب األنوار البديعة إىل أسرار الشريعة‬
‫كتاب جامع من األمهات وله‪ :‬التنبيه على مبادئ التوجيه‪ ،‬ذكر أنه قتل شهيدا‪ :‬قتله قطاع الطريق يف عقبة وقربه هبا‬
‫معروف‪ ،‬ومل يوقف على تاريخ وفاته‪ .‬راجع يف ترمجته يف‪ :‬الديباج املذهب (‪)1/265‬‬
‫‪ 3‬املقدمات للبيت الفقهي‪ ،‬سليمان الرحيلي ص ‪220‬‬
‫‪ 4‬أمحد بن حممد مكي‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬شهاب الدين احلسيين احلموي‪ :‬من علماء احلنفية‪ .‬محوي األصل‪ ،‬مصري‪ .‬كان‬
‫مدرسا باملدرسة السليمانية بالقاهرة‪ .‬وتوىل إفتاء احلنفية‪ .‬وصنف كتبا كثرية‪ ،‬منها (غمز عيون البصائر يف شرح‬
‫األشباه والنظائر البن جنيم‪ ،‬و (كشف الرمز عن خبايا الكنز) فقه أربعة أجزاء‪ .‬تويف سنة ‪1098‬ه انظر ترمجته يف‪:‬‬
‫البدور املضية يف تراجم احلنفية للكمالئي واألعالم للزركلي‪.1/239 #‬‬
‫«ومن مث صرح املصنِف‪ #‬يِف الفواِئ ِد الزينِ ِية بِأنه ال جيوز الفتوى‪ #‬مِب ا ِ‬
‫تقتضيه الضوابِط‌أِل هنا‬ ‫ِ‬

‫مام بل استخرجها املشايِخ ِمن‬ ‫‌ليست‌كلِية‌بل‌أغلبِية خصوصا ِ‬


‫وهي مل تثبت عن اِإل ِ‬
‫‪1‬‬
‫كالم ِه»‬
‫ِ‬

‫ثالثا القول بالتفصيل‪ ،‬وهو اختيار حممد صدقي آل بورنو ويعقوب الباحسني وسليمان‬
‫الرحيلي‪.2‬‬

‫يقول حممد صدقي آل بورنو‪ ،‬بعد أن ساق بعض حجج من قال بصحة االستدالل‬
‫بالقواعد الفقهية‪ #‬على األحكام الشرعية‪:‬‬

‫«وأقول‪ :‬هذا الذي قالوه ال يؤخذ على إطالقه حيث إن القواعد الفقهية ختتلف من حيث‬
‫أصوهلا ومصادرها أوال‪ ،‬مث من حيث وجود الدليل على حكم املسألة‪ #‬املبحوث عنها ثانيا‪.‬‬

‫فمن حيث أصول القواعد ومصادرها فقد عرفنا يف املقدمة السابقة أن من القواعد الفقهية‪#‬‬
‫ما كان أصله ومصدره من كتاب اهلل سبحانه وتعاىل أو من سنة رسوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .‬أو يكون مبنيا على أدلة واضحة من الكتاب والسنة املطهرة‪ ،‬أو مبنيا على دليل‬
‫شرعي من األدلة املعتربة عند العلماء‪ ،‬أو تكون القاعدة مبنية على االستدالل القياسي‬
‫وتعليل األحكام‪.‬‬

‫فإذا كانت القاعدة نصا قرآنيا كرميا فهي قبل أن تكون‪ #‬قاعدة أو جتري جمرى القواعد‪ #‬فهي‬
‫دليل شرعي باالتفاق فهل إذا جرى النص القرآين جمرى القاعدة خرج عن كونه دليال‬
‫‪3‬‬
‫شرعيا معموال به‪ ،‬وال جيوز تقدمي غريه عليه؟»‬

‫‪ 1‬غمز عيون البصائر‪ ،‬أمحد بن حممد احلموي احلنفي‪ ،‬ج‪1‬ص‪ ،37‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‬
‫‪2‬‬

‫‪ 3‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬حممد صدقي آل بورنو‪ 1/46 ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1424‬ه‪.‬‬
‫ويقول الباحسني رمحه اهلل‪:‬‬

‫"وبعد هذه اخلالصة ملا قيل يف حجية القاعدة الفقهية‪ #،‬وما أبديناه من وجهات نظر حول‬
‫بعض اآلراء واالستدالالت‪ #،‬فإن الذي يرتجح لنا‪ ،‬بعد اإلحالة على مصادر تكوين‬
‫‪1‬‬
‫القاعدة‪ ،‬هو التفصيل"‪.‬‬

‫وبعد النظر يف أقوال العلماء الذين قالوا بالتفصيل‪ ،‬تبني أهنم يتفقون على أن القاعدة‬
‫الفقهية إذا كانت نصا شرعيا فهي دليل وحجة يف بناء األحكام الشرعية‪.‬‬

‫وإذا كانت القاعدة مستنبطة‪ ،‬فإن النظر يف حجية القاعدة الفقهية‪ #‬خيتلف باختالف مصدر‬
‫‪2‬‬
‫القاعدة وأصل ثبوهتا‪ ،‬وكذا اتفاق‪ #‬العلماء على ذلك واختالفهم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم التخريج على القواعد الفقهية‬

‫المبحث الثالث مفاهيم ومصطلحات‬

‫‪ 1‬القواعد الفقهية ص ‪.278‬‬


‫‪ 2‬انظر تفصيل قوهلم يف‪ :‬القواعد الفقهية للباحسني ص‪ 278‬وما بعدها‪ ،‬وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو (‬
‫‪ )1/1/46‬وما بعدها‪ ،‬واملقدمات للبيت الفقهي‪ ،‬ص ‪224_221‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم تخريج الفروع على القواعد الفقهية باعتبار أفراده?‬

‫ويشتمل على ثالثة فروع‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف التخريج لغة واصطالحا‬

‫أصالن‪ ،‬وقد ِ‬
‫ميكن‬ ‫ِ‬ ‫أوال‪ :‬التخريج لغة‪ :‬قال ابن فارس‪ 1‬رمحه اهلل‪« :‬اخلاء والراء واجلِيم‬
‫ِ‬
‫الشيء‪ .‬والثايِن ‪ :‬اختِالف‬ ‫اجلمع بينهما‪ِ ،‬إال أنا سلكنا الط ِريق ِ‬
‫الواضح‪ .‬فاألول‪ :‬النفاذ ع ِن‬
‫لون ِ‬
‫ني‪.‬‬

‫فأما األول فقولنا خرج خيرج خروجا‪ .‬واخلراج بِ ِ‬


‫اجلسد‪ .‬واخلراج واخلرج‪ :‬اِإل تاوة ; أِل نه‬
‫ٍ‬
‫وبياض ; يقال نعامة‬ ‫لونان بني ٍ‬
‫سواد‬ ‫مال خي ِرجه ِ‬
‫املعطي‪...‬وأما‪ #‬األصل اآلخر‪ :‬فاخلرج ِ‬

‫خاصرهِت ا‪.‬‬
‫خرجاء وظلِيم أخرج‪ .‬ويقال ِإن اخلرجاء الشاة تبيض‪ِ #‬رجالها ِإىل ِ‬

‫مكان دون ٍ‬
‫مكان‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومن ِ‬
‫الباب أرض خمرجة‪ِ ،‬إذا كان نبتها يِف‬ ‫ِ‬

‫الراعية املرتع‪ِ ،‬إذا أكلت بعضا وتركت بعضا‪ .‬وذلِك ما ذكرناه ِم ِن اختِ ِ‬
‫الف‬ ‫وخرجت ِ‬
‫ِ‬
‫‪2‬‬ ‫اللون ِ‬
‫ني»‬

‫قال يعقوب الباحسني‪ ":‬ويبدو من خالل تتبع معاين املادة يف املعاجم أن املعىن األول‬
‫هو األكثر استعماال فاخلروج عن الشيء هو النفاذ عنه وجتاوزه‪ ،‬ومنه خراج األرض وهو‬
‫غلتها‪.‬‬

‫احملدث‪ ،‬حدث عن‪:‬‬ ‫يب القز ِوييِن ‪ ،‬اِإل مام‪ ،‬العالمة‪ ،‬اللغ ِوي‪ِ ،‬‬ ‫فارس ب ِن زك ِريا بن ِ‬
‫حممد ب ِن حبِ ٍ‬ ‫ني أمحد بن ِ‬ ‫‪« 1‬أبو احلس ِ‬
‫القاس ِم الطربايِن ‪ ،‬مولِده بقز ِوين‪ ،‬وألف كتابه اجململ يف اللغة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أيِب احلس ِن علِ ِي بن ِإ ِ‬
‫براهيم ب ِن سلمة القطان‪ ،‬وأيِب‬
‫ِ‬
‫وثالث‬ ‫مخس وتِسعِني‬
‫وهو على اختصاره مجع شيئا كثريا‪ ،‬وله كتاب حلية الفقهاء‪ ،‬ومات بِالر ِي يِف صف ٍر سنة ٍ‬
‫مائة» انظر ترمجته يف سري أعالم النبالء ‪ 17/103‬ووفيات األعيان‪.1/118‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ 2‬معجم‪ #‬مقاييس اللغة‪ ،‬أمحد بن فارس بن زكريا‪ ،‬حتقيق عبد السالم هارون‪ ،‬الناشر دار الفكر‪ ،‬عام النشر ‪1399‬ه‬
‫(ج‪2‬ص‪)175‬‬
‫والظاهر أن املعىن األول هو األقرب ملا حنن فيه إذ التخريج مصدر للرباعي خرج‬
‫املضعف‪ ،‬وهو يفيد التعدية بأن ال يكون‪ #‬اخلروج ذاتيا‪ ،‬بل من خارج عنه‪ ،‬ومثله أخرج‬
‫الشيء واستخرجه فإهنما مبعىن استنبطه‪ ،‬وطلب إليه أن خيرج‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬التخريج اصطالحا‪ :‬تعددت مفاهيم التخريج عند العلماء‪ ،‬وذلك راجع إىل الفن‬
‫الذي يستعمل فيه‪ ،‬فهو عند احملدثني يطلق على عدة معان منها‪:‬‬

‫‪ )1‬عزو احلديث إىل مصادره األصلية املسندة‪ ،‬فإن تعذرت فإىل الفرعية املسندة‪ ،‬فإن‬
‫تعذرت فإىل الناقلة عنها بأسانيدها‪ #،‬مع بيان‪ #‬مرتبة احلديث غالبا‪ ،‬أو هو الداللة على‬
‫موضوع احلديث يف مصادره األصلية اليت أخرجته‪ ،‬مع بيان درجته صحة وضعفا عند‬
‫‪2‬‬
‫احلاجة إىل ذلك‪ ،‬وهذا املعىن هو الشائع عند املتأخرين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ )2‬إبراز احملدث احلديث أو إظهاره بسنده إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وروايته للناس‪.‬‬

‫‪ )3‬إيراد املصنف احلديث بسنده إىل كتب احلديث اليت أخرجته‪ ،‬ووقعت له اإلجازة‬
‫‪4‬‬
‫بروايتها‪ ،‬وعلى هذا عمل املتقدمني‪.‬‬

‫وعند النحاة‪ ،‬هو تربير اإلشكال أو دفعه‪ ،‬فلو وردت آية مثال على خالف القواعد‬
‫‪5‬‬
‫النحوية فكان ظاهرها مشكال على القاعدة‪ ،‬فإن التخريج دفع هذا اإلشكال وتربيره‪.‬‬

‫‪ 1‬انظر التخريج عند الفقها واألصوليني‪ ،‬يعقوب الباحسني ص‪9‬‬


‫‪ 2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ ،14‬وانظر أيضا‪ :‬التخريج ودراسة األسانيد حممد بازمول ص‪.10‬‬
‫‪ 3‬التخريج الفقهي‪ ،‬ص ‪ ،14‬وانظر كذلك‪ :‬املدخل إىل ختريج الفروع على األصول للرحيلي ص‪12‬‬
‫‪ 4‬التأصيل ألصول التخريج وقواعد اجلرح والتعديل‪ ،‬بكر بن عبد اهلل أبو زيد‪ ،‬دار العاصمة للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪56‬‬
‫‪ 5‬املصدر نفسه ص‪64‬‬
‫أما معىن التخريج عند الفقهاء واألصوليني فقد ذكر الدكتور يعقوب الباحسني له عدة‬
‫إطالقات‪ 6،‬وقال بأهنا تدور يف أكثر من نطاق وأهنم مل يستعملوه مبعىن واحد‪ ،‬وإن كان‬
‫بني هذه املعاين تقارب وتالحم‪ ،‬فمن تلك االستعماالت اليت ذكرها‪:‬‬

‫أ) إطالق التخريج على التوصل إىل أصول األئمة وقواعدهم اليت بنوا عليها ما توصلوا إليه‬
‫من أحكام‪ ،‬يف املسائل الفقهية‪ #‬املنقولة‪ #‬عنهم‪ ،‬وذلك من خالل تتبع تلك الفروع الفقهية‪#‬‬
‫واستقرائها‪ #‬استقراء‪ #‬شامال جيعل املخرج يطمئن إىل ما توصل إليه‪ ،‬فيحكم بنسبة األصل‬
‫إىل ذلك اإلمام‪.‬‬

‫ب) إطالق التخريج على رد اخلالفات الفقهية إىل القواعد األصولية‪ ،‬على منط ما يف‬
‫كتاب (ختريج الفروع على األصول) للزجناين‪ ،‬أو التمهيد يف ختريج الفروع على األصول)‬
‫لألسنوي‪ ،‬أو (القواعد‪ ،‬والفوائد األصولية والفقهية)‪ #‬البن اللحام‪.‬‬

‫ج) وقد يكون التخريج ‪ -‬وهذا هو غالب استعمال الفقهاء ‪ -‬مبعىن االستنباط املقيد‪ ،‬أي‬
‫بيان رأي اإلمام يف املسائل اجلزئية اليت مل يرد عنه فيها نص‪ ،‬عن طريق إحلاقها مبا يشبهها‬
‫من املسائل املروية عنه‪ ،‬أو بإدخاهلا حتت قاعدة من قواعده‪ ،‬والتخريج هبذا املعىن هو ما‬
‫تكلم عنه الفقهاء واألصوليون يف مباحث االجتهاد والتقليد‪ ،‬ويف الكتب املتعلقة بأحكام‬
‫الفتوى‪.‬‬

‫د) وقد يطلقون التخريج مبعىن التعليل‪ ،‬أو توجيه اآلراء املنقولة عن األئمة وبيان مآخذهم‬
‫فيها‪ ،‬عن طريق استخراج واستنباط‪ #‬العلة وإضافة احلكم إليها حبسب اجتهاد املخرج‪ ،‬وهو‬
‫يف حقيقته راجع إىل املعاين السابقة‪ #،‬ألن تلك املعاين ال يتحقق أي منها دون التعليل‬
‫والتوجيه‪ ،‬ومن هذا القبيل‪ #‬ما يسمى (ختريج املناط)‪.‬‬

‫‪ 6‬انظر التخريج عند الفقهاء واألصوليني‪ ،‬ص‪ 12‬وما بعدها‪.‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬تعريف? الفروع لغة واصطالحا‬

‫كل ٍ‬
‫شيء‪ :‬أعاله‪ ،‬واجلمع‬ ‫أوال‪ :‬الفروع لغة مجع فرع‪ ،‬قال ابن منظور رمحه اهلل‪« :‬فرع ِ‬
‫ِ‬
‫الصالة‪#:‬‬ ‫يث افتِ ِ‬
‫تاح‬ ‫فروع‪ ،‬ال يكسر على غ ِري ذلِك‪ .‬ويِف ِ‬
‫حد ِ‬

‫يث قِ ِ‬
‫يام‬ ‫حد ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫شيء‪ :‬أعاله‪ .‬ويِف ِ‬ ‫فروع أذنيه‪ ،‬أي أعالِيها‪ .‬وفرع ِ‬ ‫كان يرفع ِ‬
‫يديه ِإىل ِ‬
‫حديث اب ِن ِذي املِشعا ِر‪ :‬على أن هلم‬
‫ومنه ِ‬
‫فروع الفجر؛ ِ‬
‫ِ‬ ‫رمضان‪ :‬فما كنا ننص ِرف ِإال يِف‬
‫‪1‬‬ ‫فِراعها؛ ِ‬
‫الفراع‪ :‬ما عال ِمن األرض وارتفع»‬

‫ثانيا‪ :‬الفروع اصطالحا‬

‫يقول سعد الشثري‪" :‬أوىل تعريف للفروع أن يقال هي‪« :‬األحكام الشرعية املتعلقة بأفعال‬
‫‪2‬‬
‫املكلفني"‪.‬‬

‫واملراد بالفروع يف العلم الذي ندرسه‪ :‬األحكام الفقهية‪.3‬‬


‫‪4‬‬
‫وقال سليمان الرحيلي‪" :‬وهذا املعىن يطلق عليه بعض العلماء مصطلح الفقه"‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‌الفروع‌وهو ِ‬
‫‌الفقه»‬ ‫ِ‬ ‫يقول البزدوي رمحه اهلل‪ِ « :‬‬
‫‌علم‬

‫فاملراد بالفروع هي األحكام الفقهية‪ #‬اليت دوهنا الفقهاء يف كتب الفقه‪.‬‬

‫‪ 1‬لسان العرب‪ ،‬حممد مجال الدين ابن منظور األنصاري‪ ،‬دار صادر بريوت‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1414‬ه‪ ،‬ج‪8‬ص‪246‬‬
‫‪ 2‬األصول والفروع‪ ،‬سعد الشثري‪ ،‬دار كنوز إشبيليا‪ ،‬ص‪85‬‬
‫‪ 3‬املدخل إىل ختريج الفروع على األصول‪ ،‬سليمان الرحيلي‪ ،‬دار املرياث النبوي للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪ 4‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪14‬‬
‫‪ 5‬كشف األسرار عن أصول فخر اإلسالم البزدوي‪ ،‬عبد العزيز البخاري‪ ،‬وهبامشه‪ :‬أصول البزدوي‪ ،‬الناشر شركة‬
‫الصحافة العثمانية إسطنبول‪ ،‬الطبعة األوىل مطبعة سنده ‪1308‬ه ج‪1‬ص‪.12‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف القواعد الفقهية‬

‫هذا املركب الوصفي‪ ،‬أي القواعد املوصوفة بكوهنا فقهية‪ ،‬أكثر أهل العلم يف تعريف‬
‫املركبات يبدؤون‪ #‬بتعريف اجلزأين فهي مركبة من "القواعد" و"الفقه"‬

‫أوال‪ :‬تعريف القواعد لغة واصطالحا‬

‫تعريف القواعد لغة‪ :‬قال ابن منظور رمحه اهلل‪:‬‬

‫والقواعد‪ :‬األساس‪ِ ،‬‬


‫وقواعد ِ‬
‫البيت ِإساسه‪ .‬ويِف التن ِز ِيل‪" :‬وِإذ يرفع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«القاعدة‪ :‬أصل ِ‬
‫األس‪،‬‬
‫القواع ِد" قال الزجاج‪:‬‬
‫مساعيل"؛ وفِ ِيه‪" :‬فأتى اهلل بنياهنم ِمن ِ‬
‫البيت وِإ ِ‬
‫القواعد ِمن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِإ ِ‬
‫براهيم‬
‫‪1‬‬ ‫القواعد أساطني البِ ِ‬
‫ناء اليِت ِ‬
‫تعمده»‬ ‫ِ‬

‫وقال أيضا‪:‬‬
‫‪2‬‬ ‫"القعود‪ :‬نقيض‪ِ #‬‬
‫القيام‪ .‬قعد يقعد قعودا ومقعدا أي جلس"‬

‫وقال ابن فارس رمحه اهلل‪:‬‬


‫‪3‬‬ ‫«‌‌(قعد) القاف والعني والدال أصل مط ِرد منقاس ال خيلف‪ ،‬وهو ِ‬
‫يضاهي اجللوس»‬

‫فالقاعدة يف اللغة إما مبعىن الثابتة‪ #‬أو مبعىن األصل واألساس ملا فوقه‪ ،‬وكال املعنيني صاحل‬
‫يف القواعد‪ #‬الفقهية فهي ثابتة يف حد ذاهتا وكذا هي أصل وأساس لضبط الفروع الفقهية‪#.‬‬

‫تعريف القواعد اصطالحا‬

‫عرف بعض العلماء القاعدة بأهنا قضية كلية ال أغلبية‪.‬‬


‫‪ 1‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪3/361‬‬
‫‪ 2‬املصدر نفسه‪3/357‬‬
‫‪ 3‬معجم‪ #‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪5/108‬‬
‫قال ابن السبكي‪« :‬فالقاعدة‪ :‬األمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثرية يفهم أحكامها‬
‫‪1‬‬
‫منها»‬
‫‪3‬‬
‫وقال الربكيت‪ 2‬رمحه اهلل‪‌‌« :‬القاعدة‪ #:‬هي قضية كلية‌منطبقة‌على‌مجيع‌جزئياهتا»‬

‫وقال بعضهم هي قضية أغلبية ال أكثرية‪ ،‬قال احلموي رمحه اهلل هي‪« :‬حكم‌أكث ِري‌ال‬
‫‪4‬‬
‫‌كلِي ينطبِق على أكث ِر جزِئياتِِه لِتعرف أحكامها ِمنه»‬

‫ثانيا‪ :‬تعريف الفقه? لغة واصطالحا‬

‫تعريف الفقه? لغة‬

‫واحد ِ‬
‫صحيح‪ ،‬يدل على ِإ ِ‬
‫دراك‬ ‫قال ابن فارس رمحه اهلل‪« :‬الفاء والقاف واهلاء أصل ِ‬
‫‪5‬‬ ‫احلديث أفقهه‪ .‬وكل ِعل ٍم بِ ٍ‬
‫شيء فهو فِقه»‬ ‫ِ‬
‫الشيء والعِل ِم بِِه‪ .‬تقول‪ِ :‬فقهت ِ‬

‫«والفقه‪ #‬هو‪ :‬الفهم‪ .‬قال‪ :‬أويِت فالن فِقها يِف الدين؛ أي‪ :‬فهما‬
‫وقال األزهري رمحه اهلل‪ِ :‬‬
‫فِ ِيه‪ .‬ودعا النيب صلى اهلل ِ‬
‫عليه وسلم اِل ب ِن عباس وقال‪( :‬اللهم علمه الدين وفقهه يِف‬

‫التأ ِويل)؛ أي‪ :‬فهمه تأ ِويله»‬

‫‪ 1‬األشباه والنظائر‪ ،‬تاج الدين ابن السبكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود علي حممد معوض‪ ،‬الناشر دار الكتب‬
‫العلمية بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1411‬ه‪ ،‬ج‪1‬ص‪.11‬‬
‫عمه‬
‫«علي بن السيد مظفر علي الربكيت اجمل ّددي‪ ،‬أمت قراءة القرآن الكرمي يف مخس سنني‪ ،‬وقرأ مبادئ العلم على ّ‬
‫‪2‬‬

‫عبد الديّان‪ ،‬وقرأ "مشكاة املصابيح" سنة ‪ 1349‬هـ‪ ،‬وقرأ الصحاح الستّة سنة ‪ 1351‬هـ‪ .‬من أساتذته‪ :‬أبو احلفاظ‬
‫حممد فصيح املرشد آبادي‪ ،‬وعبد الستار البهاري‪ ،‬صنّف كتبا كثرية‪ ،‬منها‪" :‬فقه السنن واآلثار"‪ ،‬و"حسن اخلطاب‬
‫شوال سنة ‪ 1395‬هـ"‪«.‬البدور املضية يف تراجم احلنفية» (‪/13‬‬‫فيما ورد يف اخلضاب" تويف يوم السبت عاشر ّ‬
‫‪)185‬‬
‫‪ 3‬التعريفات الفقهية‪ ،‬حممد عميم الربكيت‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1424‬هـ‪ ،‬ص‪169‬‬
‫‪ 4‬غمز عيون البصائر‪1/51 ،‬‬
‫‪ 5‬هتذيب اللغة (‪)5/442‬‬
‫فالفقه يف اللغة هو الفهم‪.‬‬

‫تعريف الفقه? اصطالحا‬

‫عرف الفقه اصطالحا‪ ،‬بتعريفات كثرية منها‪ :‬ما نقله التفتازاين عن أصحاب الشافعي‬
‫فقال رمحه اهلل‪« :‬عرف أصحاب الشافعي ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬الفقه بأنه العلم باألحكام‬
‫الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية»‪.1‬‬

‫وقال بدر الدين العيين رمحه اهلل‪« 2:‬هو‌العلم‌باألحكام‌الشرعية‌العملية‌املكتسبة‪ #‬من أدلتها‬


‫التفصيلية»‪.3#‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف القواعد الفقهية‬

‫أشار الدكتور الباحسني رمحه اهلل إىل أن املتقدمني الذين عرفوا القواعد كانت تعريفاهتم‬
‫عامة‪ ،‬ومل يكن من أغراضهم ذكر تعريف خاص بالقواعد الفقهية‪ #،‬لكن مع ذلك فقد‬
‫وجد منهم من عرف القواعد‪ #‬الفقهية باملعىن اخلاص‪ ،‬وذكر منهم أبا عبد اهلل املقري‬
‫وشهاب الدين احلموي‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫مجي ِع جزِئياتِِه لِتعرف أحكامها ِمنه»‬
‫قال احلموي رمحه اهلل‪« :‬حكم كلِي ينطبِق على ِ‬

‫‪1‬التلويح على التوضيح‪ ،‬سعد الدين التفتازاين‪1/19 ،‬‬


‫‪ 2‬محود بن أمحد بن موسى بن أمحد بن حسني بن يوسف بن حممود‪ ،‬قاضي القضاة‪ ،‬بدر الدين العيين‪ ،‬ولد مبصر‬
‫سنة اثنتني وستني وسبعمائة‪ ،‬واشتغل ومهر ودخل القاهرة‪ ،‬وويل احلسبة مرارا وقضاء احلنفية‪ ،‬له شرح صحيح‬
‫البخاري وشرح معاين اآلثار وشرح اهلداية وشرح الكنز وشرح اجملمع وشرح درر البحار وغري ذلك‪ ،‬مات يف ذي‬
‫احلجة سنة مخس ومخسني ومثامنائة» الفوائد البهية يف تراجم احلنفية‪ ،‬ص‪207‬‬
‫‪ 3‬منحة السلوك يف شرح حتفة امللوك‪ ،‬بدر الدين العيين‪ ،‬حتقيق وتعليق أمحد عبد الرزاق الكبيسي‪ ،‬الناشر وزارة‬
‫األوقاف والشؤون‪ #‬اإلسالمية‪ ،‬قطر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1428‬م‪.‬‬
‫‪ 4‬غمز عيون البصائر‪)1/51( ،‬‬
‫وقال املقري رمحه اهلل‪« :‬كل كلي أخص من األصول وسائر املعاين العقلية العامة‪ ،‬وأعم‬
‫‪1‬‬
‫من العقود ومجلة الضوابط‪ #‬الفقهية"‬

‫وأورد التعاريف اليت ذكروها للقواعد الفقهية‪ 2#،‬مث ذكر بعد هذين التعريفني مجلة من‬
‫تعريفات املعاصرين‪ ،‬واختار بعدها تعريفا للقواعد الفقهية‪ #‬فقال رمحه اهلل هي‪ " :‬قضية‬
‫كلية شرعية عملية جزئياهتا قضايا كلية شرعية عملية" أو هي "قضية فقهية كلية‪ ،‬جزئياهتا‬
‫‪3‬‬
‫قضايا فقهية كلية"‪.‬‬

‫وعرفها الدكتور سليمان الرحيلي وفقه اهلل بقوله‪" :‬قضية كلية يتعرف منها حكم اجلزئيات‬
‫‪4‬‬
‫الفقهية مباشرة يف أكثر من باب"‪.‬‬

‫وقال احلصين‪5‬رمحه اهلل‪" :‬القاعدة‪ :‬هي حكم كلي فقهي ينطبق على جزئيات كثرية من‬
‫‪6‬‬
‫أكثر من باب"‬

‫ومن العلماء من عرفها على أهنا قضية أغلبية ال كلية‪ ،‬يقول هبة اهلل التاجي‪ 7‬رمحه اهلل‪:‬‬

‫‪ 1‬قواعد الفقه‪ ،‬أبو عبد اهلل املقري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد الدردايب‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة دار األمان ‪4‬‬
‫‪ 2‬انظر القواعد الفقهية‪ ،‬ص ‪40_39‬‬
‫‪ 3‬القواعد الفقهية‪ ،‬الباحسني ص‪54‬‬
‫‪ 4‬املقدمات للبيت الفقهي‪ ،‬ص ‪202‬‬
‫‪َ 5‬أبو بكر بن حُم َّمد بن عبد الْمؤمن تَِقي الدَّين احلصين الدِّم ْش ِقي‪ #‬احْل سييِن ‪ ،‬مولده‪ #‬يِف َأو ِ‬
‫اخر سنة ا ْثنََتنْي ِ َومخسني‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شهاب الدَّين‬‫َو َسْبعمائة َوقدم دمشق َوسكن البادرائية‪َ ،‬وأخذ َعن الشَّْيخ شرف الدَّين ابْن الشريشي َوالشَّْيخ َ‬
‫ي‪ ،‬له شرح على الْ ِمْن َهاج يِف مخس جملدات‪ ،‬وله كتاب "قواعد الْ ِف ْقه" تويف سنة‪829 :‬ه‪ ".‬انظر ترمجته يف‬ ‫الز ْه ِر ّ‬
‫ُّ‬
‫طبقات فقهاء الشافعية‪ ،‬ابن قاضي شهبة (‪)79_4/78‬‬
‫‪ 6‬القواعد‪ ،‬احلصين ‪1/23‬‬
‫الدمشقي‪ #:‬فقيه حنفي‪ .‬ولد‬‫ّ‬ ‫‪ 7‬هبة اهلل (أو حممد هبة اهلل) بن حممد بن حيىي بن عبد الرمحن بن تاج الدين البعلي‬
‫بعلبك‪ ،‬من مصنفاته‪ " :‬التحقيق الباهر‪،‬‬ ‫ودرس يف اجلامع األموي‪ ،‬وعني لإلفتاء يف ّ‬ ‫بدمشق‪ ،‬وتعلم هبا وبالقاهرة ّ‬
‫شرح األشباه والنظائر البن جنيم" ثالثة جملدات و"الرسالة فيما على املفيت وما له" وكانت وفاته يف األستانة سنة‬
‫‪1224‬ه‪ ،‬ودفن برتبة أسكدار" األعالم للزركلي(‪)8/75#‬‬
‫‪1‬‬
‫"وعند الفقهاء‪ :‬قضية أكثرية تنطبق على أكثر جزئيات موضوعها"‬

‫وقال الدكتور الندوي رمحه اهلل‪« :‬حكم شرعي يف قضية أغلبية يتعرف منها أحكام ما‬
‫‪2‬‬
‫دخل حتتها"‪.‬‬

‫وعرفها أيضا بقوله‪" :‬أصل فقهي كلي يتضمن أحكاما تشريعية عامة من أبواب متعددة يف‬
‫‪3‬‬
‫القضايا اليت تدخل حتت موضوعه"‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف? تخريج الفروع على القواعد الفقهية? باعتباره علما على علم‬
‫معين‬

‫اع ِد الْ ُكلِّيَّ ِة‬


‫َأِلن التَّخ ِريج ي ُكو ُ‪#‬ن ِمن الْ َقو ِ‬
‫َ َ‬ ‫يج‪َ َ ْ َّ ،‬‬ ‫َّخ ِر ِ‬ ‫َأع ُّم ِم َن َّ‬
‫الن ْق ِل َوالت ْ‬ ‫يج َ‬‫َّخ ِر َ‬
‫َأن الت ْ‬‫"و ْاعلَ ْم َّ‬
‫َ‬
‫َأص ٍل جِب َ ِام ٍع ُم ْشَتَر ٍك‪،‬‬ ‫لِِإْل م ِام‪َ ،‬أ ِو الشَّر ِع‪َ ،‬أ ِو الْع ْق ِل‪ِ َّ ،‬‬
‫َأِلن َحاصلَهُ َأنَّهُ بِنَاءُ َف ْر ٍع َعلَى ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضا‬
‫اق َأيْ ً‬‫يف َما اَل يُطَ ُ‬ ‫اع َد ِة تَكْلِ ِ‬
‫الص ْف َق ِة ُفروعا َكثِري ًة‪ ،‬وعلَى قَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َكتَ ْخ ِر ِجينَا َعلَى قَاع َدة َت ْف ِر ِيق َّ ُ ً َ َ َ‬
‫الن ْق ُل‬
‫اب‪َ ،‬و ََّأما َّ‬‫وع ِه‪َ ،‬كما ذَ َكرنَا يِف َغرْيِ َه َذا الْ ِكتَ ِ‬ ‫ول الْ ِف ْق ِه و ُفر ِ‬‫وعا َكثِري ًة يِف ُأص ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُفُر ً َ‬
‫ِ ‪4‬‬
‫وص اِإْل َمام"‪.‬‬‫ص ِ‪#‬‬ ‫ص بِنُ ُ‬‫يج‪َ ،‬ف ُه َو خُمْتَ ٌّ‬‫َّخ ِر ُ‬
‫َوالت ْ‬

‫فمن خالل التفريق الذي ذكره الطويف بني التخريج والنقل والتخريج‪ ،‬ميكن أن نقول بأن‬
‫علم ختريج الفروع على القواعد الفقهية‪ #‬هو "رد الفروع الفقهية‪ #‬وبناؤها‪ #‬على قواعدها‬
‫لوجود جامع مشرتك بينها"‪#‬‬

‫‪ 1‬ذكر هذا التعريف عنه الدكتور عبد الرمحان الشعالن يف حتقيقه لكتاب القواعد للحصين ‪1/22‬‬
‫‪ 2‬القواعد الفقهية‪ ،‬علي الندوي‪ ،‬ص‪43‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪45‬‬
‫‪ 4‬شرح خمتصر الروضة (‪)3/645‬‬
‫ألنه ملا ذكر تعريف التخريج وهو بناء فرع على أصل جبامع بينها‪ ،‬بني مقصوده باألصل‬
‫من خالل التمثيل فقال‪" :‬كتخرجينا على قاعدة تفريق الصفقة فروعا كثرية_وهي‪ #‬قاعدة‬
‫فقهية_ وعلى قاعدة تكليف ما ال يطاق _وهي قاعدة أصولية_ فروعا كثرية"‪.‬‬

‫وعلى هذا انبنا‪ #‬حبثنا‪ ،‬ففي كل مبحث نقوم بذكر الفرع املنقول من الشيخ سامل رمحه‬
‫اهلل عن إمام من األئمة‪ ،‬ونستخرج القاعدة الفقهية‪ #‬اليت يندرج حتتها‪ ،‬واليت إما أن تكون‬
‫من منصوص اإلمام نفسه أو أشري إليها أو بإعمال غلبة الظن يف ذلك‪ ،‬مع بيان وجه‬
‫االندراج‪،‬‬

‫مث التطرق إىل بعض الفروع الفقهية اليت حتويها القاعدة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الدراسة التطبيقية‬

‫المبحث األول‪ :‬صحة البيع ولزومه بكل ما يدل عليه‬

‫نتطرق يف هذا املبحث إىل مسألة متعلقة بركن من أركان البيع وهو الصيغة‪ #،‬وقد ذكر‬
‫املؤلف رمحه اهلل قول أيب الوليد الباجي رمحه اهلل‪" :‬وكل لفظ أو إشارة فهم منه اإلجياب‬
‫والقبول لزم به البيع وسائر العقود" وقول ابن شاس رمحه اهلل مبينا الركن األول من أركان‬
‫البيع‪:‬‬

‫"وهي صيغة اإلجياب والقبول‪ ،‬أو ما (يشاركهما) يف الداللة على الرضا الباطن من قول‬
‫أو فعل قصد به ذلك‪( ،‬فيكفي) املعاطاة‪ #‬واالستيجاب واإلجياب"‪.1‬‬
‫‪2‬‬
‫ذكر هذا عند قول خليل رمحه اهلل‪" :‬ينعقد البيع مبا يدل على الرضا وإن مبعاطاة"‪.‬‬

‫‪ 1‬التذليل والتذييل للتسهيل‪ #‬والتكميل‪ ،‬سامل ولد عدود‪)3/2( ،‬‬


‫المطلب األول‪ :‬بيان معنى الفرع الفقهي‬

‫قال احلطاب رمحه اهلل مبينا معىن قول املصنف رمحه اهلل‪" :‬ينعقد البيع مبا يدل على الرضا‬
‫وإن مبعاطاة"‬

‫"ويعين أن الركن األول الذي هو الصيغة‪ #‬اليت ينعقد هبا البيع هو ما يدل على الرضا من‬
‫البائع ويسمى اإلجياب‪ ،‬وما يدل على الرضا من املشرتي ويسمى القبول‪ ،‬وسواء كان‬
‫الدال قوال كقول البائع بعتك وأعطيتك وملكتك بكذا وشبه ذلك‪ ،‬وقول املشرتي‬
‫‪1‬‬
‫اشرتيت ومتلكت وابتعت وقبلت وشبه ذلك‪ ،‬أو كان فعال كاملعاطاة وهي املناولة"‪#‬‬

‫وقد اتفق الفقهاء على انعقاد البيع باللفظ الدال على الرضا واختلفوا يف انعقاده‬
‫باملعاطاة‪ ،‬وذلك أن الدال على الرضا أحد أمرين‪ :‬األول القول والثاين هو الفعل‪ ،‬والداللة‬
‫الفعلية هي ما اصطلح على تسميتها ببيع املعاطاة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وقد اختلف العلماء يف بيع املعاطاة‪ #‬على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬وهو قول اجلمهور من احلنفية‪ #‬عدا الكرخي‪ ،‬واملالكية واحلنابلة عدا القاضي‬

‫أيب يعلى‪ ،‬أنه يصح بيع املعاطاة‪ #‬مطلقا يف النفيس واحلقري‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬وهو املشهور عند الشافعية‪ ،‬أنه ال يصح بيع املعاطاة مطلقا‪.‬‬

‫‪ 2‬خمتصر العالمة خليل‪ ،‬خليل ابن إسحاق املصري‪ ،‬ص‪ ،143‬احملقق‪ :‬أمحد جاد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار احلديث القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪1426‬ه‬
‫‪ 1‬مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل‪ ،‬أبو عبد اهلل احلطاب الرعيين املالكي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪:‬‬
‫‪1412‬ه‪.‬‬
‫‪ 2‬انظر يف تفصيل املسألة وأدلة املذاهب‪( :‬بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع) (‪ )134 /5‬و(املختصر الفقهي البن‬
‫عرفة) (‪ .)83 /5‬و(اجملموع شرح املهذب) (‪ )162 /9‬و(املغين) (‪)7 /6‬‬
‫القول الثالث‪ #:‬وهو قول الكرخي احلنفي‪ #‬والقدوري والغزايل الشافعي والقاضي أيب يعلى‬
‫احلنبلي‪ ،‬وهو قول وسط فرقوا بني املعاطاة يف األشياء احلقرية‪ #‬واألشياء‪ #‬النفيسة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تخريج الفرع الفقهي على القاعدة وبيان وجه التخريج‬

‫الفرع األول تخريج الفرع الفقهي على القاعدة‬

‫ما نقله املؤلف رمحه اهلل من كالم أيب الوليد الباجي وابن شاس رمحهم اهلل يف بيان انعقاد‬
‫البيع بكل ما يدل عليه ميكن أن خيرج على قاعدة فقهية‪ ،‬ذكرها العلماء وهي قوهلم‪:‬‬
‫"املظنة تنزل منزلة املئنة"‬

‫وقد وردت هذه القاعدة بألفاظ أخرى مغايرة هلا يف املبىن مقاربة هلا يف املعىن‪.‬‬

‫فجاءت يف موسوعة‪ #‬القواعد الفقهية‪ #‬بلفظ‪" :‬مظنة الشيء تقوم مقام حقيقته"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويف لفظ مقارب‪« :‬يقوم ما يدل على اِإل ذن مقامه»‬
‫‪2‬‬ ‫«املظنة‌تقوم‌مقام ِ‬
‫اليق ِ‬
‫ني»‬ ‫ووردت كذلك بلفظ‪ِ :‬‬

‫ومن ذلك ما ذكره الربكيت رمحه اهلل يف قواعد الفقه قال‪ ":‬قاعدة‪ :‬دليل الشيء يف األمور‬
‫الباطنة يقوم مقامه"‪.3‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬وجه تخريج الفرع على القاعدة‬

‫بيانا لوجه ارتباط الفرع الفقهي‪ #‬املذكور بقاعدة "املظنة تنزل منزلة املئنة"‪ #‬ميكن أن يقال‪:‬‬
‫إن مفهم الرضا والدال عليه_وهو الصيغة أو اإلجياب والقبول_إن كانت من البائع مسيت‬

‫‪ 1‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬البورنو‪)4/356( ،‬‬


‫‪ 2‬املوسوعة الفقهية الكويتية (‪)38/145‬‬
‫‪3‬قواعد الفقه‪ ،‬الربكيت‪ ،‬ص‪81‬‬
‫إجيابا‪ ،‬وإن كانت من املشرتي مسيت قبوال‪ ،‬وهي إما قول كقول البائع بعتك وقول‬
‫املشرتي قبلت‪ ،‬أو فعال وهو املعاطاة‪ 1،‬فينزل الدال على الرضا منزلة الرضا الذي هو عمل‬
‫باطن وأمر خفي‬

‫فوجود القول أو الفعل من املتعاقدين مظنة وعالمة على وجود الرضا الباطن منهما‪ ،‬فأقيم‬
‫الظاهر مقام الباطن ونزلت املظنة منزلة املئنة‪.‬‬

‫وملزيد من التوضيح حيسن هنا ذكر ما أورده القرايف رمحه اهلل يف كتابه الذخرية حيث‬
‫يقول‪:‬‬

‫"وإقامة‌صيغ‌العقود مقام الرضا والرضا هو األصل لقوله عليه السالم‪" :‬ال حيل مال امرئ‬
‫‪2‬‬
‫مسلم إال عن طيب نفسه منه"‪ .‬لكن ملا تعذرت معرفته خلفائه أقيمت مظنته مقامه"‬

‫ويقول أيضا كما يف الفروق‪:‬‬

‫األمالك لِقولِِه‬
‫ِ‬ ‫عليه فذلِك كال ِرضا يِف انتِ ِ‬
‫قال‬ ‫لكنه ِ‬
‫خفي ال يطلع ِ‬ ‫"أما ما ينضبِط يِف ِ‬
‫مقادي ِر ِه ِ‬

‫نفس ِمنه"‪ 3‬وال ِرضا أمر‬


‫يب ٍ‬‫عليه وسلم‪" :‬ال ِحيل مال ام ِرٍئ مسلِ ٍم إال عن ِط ِ‬
‫‪ -‬صلى اهلل ِ‬
‫ِ‬
‫املعاطاة‪ #‬قاِئمة مقامه؛ أِل نه يظن ِعندها وألغِي ال ِرضا‬ ‫ِ‬
‫خفي فجعِلت ِ‬
‫الصيغ واألفعال يِف بي ِع‬
‫املاضي ِمن غ ِري أن يكون‪ #‬صدر‬ ‫قال املِ ِ‬
‫لك يِف الزم ِن ِ‬ ‫رضي بِانتِ ِ‬
‫إذا انفرد حىت لو اعرتف بِأنه ِ‬
‫‪4‬‬ ‫ِمنه قول أو فِعل مل يلزمه انتِقال املِ ِ‬
‫لك"‪.‬‬

‫‪" ‌1‬بيع‌املعاطاة وهي أن تعطيه ويعطيك من غري لفظ البيع يكون بينكما"‪ ،‬املدخل البن احلاج (‪)296 /1‬‬
‫‪ 2‬الذخرية‪ ،‬شهاب الدين القرايف‪)2/130( ،‬‬
‫‪ 3‬أخرجه الدارقطين يف السنن بلفظ‪ ":‬ال حيل مال امرئ مسلم إال بطيب نفسه"‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬ج‪3‬ص ‪ ،424‬رقم‬
‫احلديث‪ ،2885 :‬قال األلباين رمحه اهلل‪ :‬صحيح‪ ،‬انظر‪ :‬صحيح اجلامع‪ ،‬ص ‪ ،1268‬رقم احلديث ‪.7662‬‬
‫‪ 4‬الفروق‪ ،‬القرايف‪)2/166( ،‬‬
‫فيتضح جليا من خالل كالم اإلمام القرايف رمحه اهلل أن كل قول أو فعل دل على حصول‬
‫الرضا الذي هو ركن البيع األساس فإنه معترب شرعا ويتم به العقد وينزل منزلة األمر‬
‫املتيقن‪ ،‬فصح بذلك اندراج الفرع حتت القاعدة املذكورة واهلل أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬معنى القاعدة وأدلة اعتبارها‬

‫"قاعدة املظنة تنزل منزلة املئنة"‪ #‬قاعدة فقهية أصولية‪ ،1‬كلية يف الشريعة‪ ،‬تدخل يف مجلة من‬
‫أبواب الفقه‪ ،‬وهي "تعىن بإبراز مقصد من مقاصد الشريعة اإلسالمية السمحة وإظهار‬
‫حكمة من حكمها البالغة املتقنة حيث راعت جانب اليسر ورفع احلرج وسدت باب‬
‫االختالف يف احلكم واالضطراب فيه‪ ،‬تنظيما ألحكام املسائل املتشاهبة يف عقد واحد‪،‬‬
‫وتنسيقا بينها‪ ،‬فجاءت القاعدة مقررة أصال من أصول الشريعة وهو اعتبار الظن الغالب‬
‫‪2‬‬
‫وبناء األحكام عليه بضوابط‪ #‬معينة"‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬معنى القاعدة‬

‫أوال) بيان مفرداتها‪.‬‬

‫املظنة لغة هي‪ :‬املعلم واملوضع‪ ،‬قال الرازي رمحه اهلل‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫الذي يظن كونه فِ ِيه واجلمع (املظان)"‬
‫موضعه ومألفه‪ِ #‬‬ ‫ِ‬
‫الشيء ِ‬ ‫ِ‬
‫"(مظنة)‬

‫‪ 1‬موسوعة القواعد الفقهية‪)10/707( ،‬‬


‫‪ 2‬الفروع الفقهية املندرجة حتت قاعدة‪ :‬املظنة تنزل منزلة املئنة‪ ،‬ديارا سياك‪.)1/76( ،‬‬
‫‪ 3‬خمتار الصحاح‪ ،‬ص‪197‬‬
‫وقال اجلوهري رمحه اهلل‪ ":‬ومظنة الشيء‪ :‬موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه ; واجلمع‬
‫املظان‪ .‬يقال‪ :‬موضع كذا ِ‬
‫مظنة من فالن‪ ،‬أي معلم منه‪ .‬قال النابغة‪ :‬فإن يك عامر قد قال‬
‫‪1‬‬
‫مظنة ِ‬
‫اجلهل الشباب"‬ ‫جهال * فإن ِ‬

‫واملئنة‪ #‬هي العالمة‪#.‬‬

‫ٍ‬
‫مسعود‪ِ 2‬‬
‫رضي اهلل تعاىل عنه‪ِ« :‬إن‬ ‫يث اب ِن‬ ‫قال الرازي رمحه اهلل‪(":‬املِئنة)‪ #‬العالمة‪ #.‬ويِف ِ‬
‫حد ِ‬
‫‪3‬‬
‫قه ِ‬
‫الرجل»‬ ‫اخلطبة مِئنة ِمن فِ ِ‬
‫ِ‬ ‫الصالة‪ #‬وقِصر‬
‫ِ‬ ‫طول‬

‫الصالة‪ #‬وقِصر اخلطبة مِئنة ِمن‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مسعود «إن طول‬ ‫وقال ابن األثري رمحه اهلل‪« :‬يِف ِ‬
‫حد ِ‬
‫يث اب ِن‬
‫‌شيء‌دل‌على ٍ‬
‫‌شيء‌فهو مِئنة‬ ‫فِقه الرجل» أي ِإن ذلِك مِم ا يعرف بِِه فِقه ِ‬
‫الرجل‪‌.‬وكل ٍ‬
‫‪4‬‬
‫عبيد‪ :‬معناه أن هذا مما يستدل به على فِقه الرجل"‪.‬‬
‫له‪...‬وقال أبو ٍ‬

‫واملقصود باملئنة يف القاعدة‪ :‬اليقني واحلقيقة‪#.‬‬

‫فيكون بذلك معىن القاعدة يف اللغة‪ :‬أن الظن يقام مقام اليقني‪.‬‬

‫ثانيا) معنى القاعدة إجماال‪:‬‬

‫وردت هذه القاعدة يف‪« :‬موسوعة‪ #‬القواعد الفقهية» بلفظ‪:‬‬


‫‪5‬‬
‫"دليل الشيء يف األمور الباطنة‪ #‬يقوم مقامه" ويف لفظ‪‌":‬يقوم‌ما‌يدل‌على‌اِإل ذن‌مقامه"‬

‫‪ 1‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‪ ،‬أبو نصر اجلوهري‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عبد الغفور‪ #‬عطار‪ ،‬الناشر‪ :‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1407‬ه‪)6/2160( .‬‬
‫‌الرجل‪ ،‬وقِصر خطبتِ ِه‪ ،‬مِئنة ِمن فِق ِه ِه"‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب‬
‫‌صالة ِ‬‫‪ 2‬أخرجه مسلم‪ #‬يف صحيحه بلفظ‪ِ ":‬إن‌طول ِ‬
‫ختفيف الصالة واخلطبة‪ )2/594( ،‬رقم احلديث‪.869 :‬‬
‫‪ 3‬خمتار الصحاح‪289 ،‬‬
‫‪ 4‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪4/290 ،‬‬
‫‪ 5‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬البورنو (‪)4/356‬‬
‫يقول حممد صدقي بعدما أورد اللفظني السابقني مبينا معىن القاعدة‪:‬‬

‫«وهي أن األمور الباطنة ‪ -‬كالرضا والقبول‪ - #‬ال ميكن االطالع‪ #‬عليها ألهنا مغيبة وال‬
‫ميكن أن تعرف إال من جهة صاحبها بتصرحيه هبا‪ .‬أو قيام دليل عليها فيعترب؛‪ #‬ألنه يقوم‬
‫مقام الصريح كما سبق يف أكثر من موضع‪...‬حيث إن الداللة تقوم مقام الصريح عند‬
‫عدمه؛ ألن األمور الباطنة‪ #‬خلفائها يعسر الوقوف عليها‪ ،‬فأقيم السبب الظاهر مقام الباطن‬
‫‪1‬‬
‫تيسريا‪ ،‬كالرضا فإنه أمر باطن فأدير احلكم مع السبب الظاهر»‬

‫وصاغ احلصين رمحه اهلل يف قواعده هذه القاعدة بصيغة‪ #‬أخرى تبني معناها‪ ،‬فقال رمحه‬
‫اهلل‪:‬‬

‫«قاعدة‪‌:‬األمور‌اخلفية‌أو‌املنتشرة‪ #‬دأب الشارع صلى اهلل عليه وسلم أن يضبطها بوصف‬


‫ظاهر يدور احلكم عليه كقصر السفر فِإنه للمشقة ومشاق املسافرين ختتلف فضبط مبسافة‬
‫معينة هي مظنة املشقة غالبا‪ ،‬وكذا األمور املتعلقة بالباطن وال يطلع عليها ضبطت‬
‫بالوصف الظاهر الذي هو مظنته غالبا‪...‬وكذلك الرتاضي يف العقود فِإنه باطن‪ ،‬فناطه‬
‫الشافعي باإلجياب والقبول"‪.‬‬

‫ويقول أمحد الزرقا رمحه اهلل‪:‬‬

‫عليه‪ ،‬وجيعل وجود الدلِيل وثبوته‬ ‫«‌دلِيل‌الشيء‌يِف األمور ِ‬


‫الباطنة يقوم مقامه فيحال احلكم ِ‬

‫الظاه ِر‪ ،‬وهو الدلِيل‪ ،‬فِيما يتعسر ااِل ِطالع‬


‫مِب ن ِزلة وجود املدلول وثبوته‪ ،‬يعيِن أنه حيكم بِ ِ‬
‫‪2‬‬ ‫ِ‬
‫عليه‪ ،‬وهو األمر الباطين»‬

‫‪ 1‬موسوعة القواعد الفقهية‪)4/356( ،‬‬


‫‪ 2‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬أمحد الزرقا‪345 ،‬‬
‫فكل ما عسر أو استحال االطالع‪ #‬على اليقني فيه فإنه يقام الظن الغالب مقامه‪ ،‬قال حممود‬
‫رجب‪:‬‬

‫" موضوع هاته القاعدة أصل كبري يف الفقه‪ ،‬هو األخذ بالظن الغالب فيما يصعب الوقوف‬
‫على اليقني فيه‪ ،‬وإقامة السبب الظاهر مقام املعىن اخلفي‪ ،‬أو خيتلف باختالف األحوال‬
‫واألفراد واألزمان مما يكون سببا يف وقوع املكلفني يف حرج وضيق‪ ،‬ومقصد الشرع محل‬
‫املكلفني على االنضباط مع رفع احلرج‪ ،‬وتيسري امتثال األوامر لتتحقق الغاية العظمى من‬
‫‪1‬‬
‫خلقهم‪ ،‬فكانت هذه القاعدة‪ #‬حمققة لذلك املقصد العظيم"‬

‫وقد نبه حممد صدقي آل بورنو رمحه اهلل إىل أن املظان إمنا تكون‪ #‬معتربة إذا كانت صادرة‬
‫عن نص أو إمجاع ثابت‪ ،‬فقال رمحه اهلل‪:‬‬

‫«واملظان إمنا يعلم جعلها مظنة بنص أو إمجاع»‪ 2،‬وقال أيضا‪« :‬وال يكون‪ #‬الشيء مظنة‬
‫للشيء باالجتهاد‪ ،‬أو بالتحكم‪ ،‬وإمنا يعلم كون هذا الشيء مظنة للشيء بنص من الكتاب‬
‫‪3‬‬
‫أو السنة أو بإمجاع من الصحابة رضوان اهلل عليهم»‬

‫وذكر السبب يف اعتبار املظنة شرعا‪ ،‬فقال رمحه اهلل‪:‬‬

‫«والذي يدعو إىل اعتبار‪ #‬املظنة أن الشيء قد يدرك وقد ال يدرك‪ ،‬فالناقض من اخلارج من‬
‫السبيلني مدرك يف حال اليقظة‪ ،‬وغري مدرك يف حال النوم‪ .‬فما يدرك يبىن عليه احلكم‪،‬‬

‫‪ 1‬قاعدة املظنة تنزل منزلة املئنة‪ ،‬حممود رجب بسيوين‪ ،‬رسالة علمية ضمن مقتضيات احلصول على درجة املاجستري‪،‬‬
‫جامعة الفيوم كلية دار العلوم‪ ،‬تاريخ النشر‪1439‬ه‪.‬‬
‫‪ 2‬موسوعة القواعد الفقهية‪)10/707( ،‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪)10/707( ،‬‬
‫وما ال يدرك ينظر فيما ميكن أن يكون‪ #‬ويوجد فيه وبسببه‪ ،‬فيكون مظنته ويبىن عليها‬
‫‪1‬‬
‫احلكم‪ ،‬وإن خفيت احلكمة فيها»‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أدلة اعتبار القاعدة‪.‬‬

‫هذه القاعدة الفقهية‪ #‬املهمة من القواعد اليت تشهد هلا نصوص الكتاب والسنة باالعتبار‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬

‫ت فٱمۡ ت ِح ۖ‬
‫نوهن ٱهلل‬ ‫ءامنوا ِإذا جٓاءكم ۡٱل ۡ‬
‫مؤ ِم ٰنت م ٰه ِج ٰر ٖ‬ ‫ٓ‬ ‫‪)1‬قوله تعاىل‪" :‬ﵟ ٰيٓأيها ٱل ِذين‬
‫ۡ‬ ‫مؤ ِم ٰن ٖ‬
‫أعلم بِِإيمٰ نِ ِه ۖن فِإ ۡن علِمۡ تموهن ۡ‬
‫ۡ‬
‫تر ِجعوهن ِإلى ٱل ۖ ِ‬
‫كفار ﵞ [الممتحنة‪]10 :‬‬ ‫ت فال ۡ‬

‫وجه الداللة من اآلية‪:‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬بعض الفروع المندرجة تحت هذه القاعدة‪.‬‬

‫ال خيفى على دارس علم القواعد‪ #‬الفقهية أمهية التفريع عليها إذ هي يف حقيقتها أمر كلي‬
‫حيوي عددا غري حمدود من اجلزئيات مرجعها إىل هذا الكلي‪ ،‬والقاعدة املذكورة‪-‬املظنة‬
‫تنزل منزلة املئنة‪#-‬هي من القواعد‪ #‬املهمة اليت تدخل يف مجلة من أبواب‪ #‬الفقه‪ ،‬وينتظم يف‬
‫سلكها كثري من الفروع الفقهية‪ #،‬ذلك أن العمل بالظن الغالب معترب شرعا فنيط حكم‬
‫اخلفي والباطن به وأقيم مقامه‪.‬‬

‫ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪)10/707( ،‬‬


‫‪ )1‬أن املشرتي لسلعة ومل يرها فله اخليار عند الرؤية لكن إذا تصرف فيها تصرف املالك‬
‫‪1‬‬
‫سقط خياره فتصرفه فيها دليل الرضا‪ ،‬فجعل التصرف يف السلعة مظنة للرضا هبا‪.‬‬

‫‪ ) 2‬التصديق املوجب للنجاة من القتل ملا تعذر االطالع عليه ضبطه الشارع باإلتيان‬
‫‪2‬‬
‫بالشهادتني حىت لو توفرت القرائن على خمالفة الباطن مل يلتفت إليه‪.‬‬

‫‪)3‬إقامة رؤية املبيع مقام الرضا به وبيان ذلك أن من أسباب فساد العقود الغرر واجلهالة‬
‫‪3‬‬
‫فلما وجدت الرؤية انتفيا وأقيمت الرؤية مقام الرضا الباطن إقامة للمظنة منزلة املئنة‪.‬‬

‫‪)4‬تعمد القتل أمر خفي ال ميكن االطالع عليه فجعل الشارع استعمال القاتل لآللة‬
‫اجلارحة املفرقة لألجزاء أو املذهبة لألرواح دليال على التعمد وال يقبل ادعاء اخلطأ‪ ،‬فنزل‬
‫‪4‬‬
‫استعمال اآللة هنا منزلة التعمد‪.‬‬

‫ِ‬
‫اجلملة على أن مالمسة الرجل املرأة األجنبِية‪ #‬تنقض‪ #‬الوضوء‪ ،‬ألهنا‬ ‫ِ‬
‫الفقهاء يِف‬ ‫‪)6‬مجهور‬
‫‪5‬‬
‫وأعطيت حكمه‪ ،‬ألهنا ال تنفك عنه غالِبا‬
‫ني ِ‬ ‫املظنة مقام ِ‬
‫اليق ِ‬ ‫يمت ِ‬‫الشهوة فأقِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مظنة‬

‫فمن خالل ما سبق من كالم العلماء يتبني صحة اندراج الفرع املذكور حتت القاعدة‪،‬‬
‫وأن هاته القاعدة من قواعد الفقه املهمة اليت تتجلى من خالهلا بعض مقاصد الشريعة‪ ،‬من‬
‫رفع احلرج على املكلفني وتيسري األحكام الشرعية عليهم‪ ،‬للقيام هبا على الوجه املطلوب‬
‫فتتحقق بذلك سعادهتم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬عدم جواز التصرف في ملك الغير إال بإذنه‪.‬‬


‫‪ 1‬القواعد الفقهية مع الشرح املوجز‪ ،‬عزت عبيد الدعاس‪ ،‬ص‪111‬‬
‫‪ 2‬قواعد الفقه‪ ،‬احلصين‪)3/234( ،‬‬
‫‪ 3‬الكايف يف فقه اإلمام أمحد‪ ،‬ابن قدامة‪)2/9( ،‬‬
‫‪ 4‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬الزرقا ‪346‬‬
‫‪ 5‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪38/146 ،‬‬
‫نتطرق يف هذا املبحث إىل مسألة فقهية متعلقة ببيع اخليار‪ ،1‬ذكر املؤلف رمحه اهلل حكمها‬
‫عن بعض العلماء ونبني القاعدة اليت تندرج حتتها ووجه ارتباطهما‪.‬‬

‫قال املؤلف رمحه اهلل نقال عن البناين رمحه اهلل‪( :‬وال جيوز للرجل أن يبيع شيئا اشرتاه‪ #‬على‬
‫أن له اخليار فيه قبل أن خيتار)‬

‫ذكر العلماء للبيع تقسيمات خمتلفة‪ ،‬وذلك حبسب االعتبار‪ #‬املتطرق إليه‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫يعرض له من جهة اللزوم وعدمه فجعلوه بيع بت _وهو القطع_ وبيع خيار‪ ،‬واألصل يف‬
‫البيع اللزوم واخليار عارض‪.‬‬

‫وبيع اخليار ينقسم إىل خيار ترو_ ويسمى اخليار الشرطي_ وخيار نقيصة‪ #‬ويسمى _اخليار‬
‫احلكمي _أما األول فهو ما كان متعلقا بأحد املتعاقدين أو كليهما‪ ،‬وخيار النقيصة هو ما‬
‫‪2‬‬
‫تعلق باملبيع‪.‬‬

‫وما ذكره املؤلف متعلق باخليار الشرطي الذي يكون‪ #‬بني املتعاقدين‪#.‬‬

‫"والبيع على اخليار جائز‪ ،‬لقول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل ِ‬


‫عليه وسلم ‪" :-‬املتبايعان‪ #‬باخليار‪،‬‬
‫‪4 3‬‬
‫كل واحد منهما على صاحبه ما مل يفرتقا‪ ،‬إال بيع اخليار"‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬بيان معنى الفرع الفقهي‬

‫ومعىن املسألة املذكورة أن املشرتي يف حالة شرائه سلعة ما‪ ،‬مع ثبوت اخليار الشرطي‬
‫له‪ ،‬أنه ال جيوز له التصرف فيها بالبيع يف مدة اخليار قبل أن خيتار إمضاء العقد‪.‬‬

‫‪ 1‬قال ابن عرفة رمحه اهلل‪" :‬بيع اخليار‪‌:‬بيع‌وقف‌بته أوال على إمضاء يتوقع"‪ .‬املختصر الفقهي (‪)5/390‬‬
‫‪ 2‬مواهب اجلليل‪ ،‬احلطاب‪)4/409( ،‬‬
‫‪ 3‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد‪)2/85( ،‬‬
‫‪ 4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‪ :‬البيعان باخليار ما مل يتفرقا‪ )2/743( ،‬رقم احلديث ‪2005‬‬
‫قال ابن رشد رمحه اهلل‪ ":‬ألن املبتاع قد ال خيرب ما ابتاع‪ ،‬فيحتاج إىل أن خيتربه ويعلم إن‬
‫كان يصلح له أم ال‪ ،‬وإن كان يساوي الثمن الذي ابتاعه‪ #‬به أم ال‪ ،‬وقد حيتاج يف ذلك‬
‫كله إىل رأي غريه‪ ،‬فرييد أن يستشري فيه‪ ،‬فجعل له اخليار رفقا به"‪.1‬‬

‫ويتجلى هبذا عناية الشريعة مبقصد عظيم أال وهو قطع كل سبب موجب للشقاق والنزاع‪#‬‬
‫بني املتعاقدين‪ ،‬فضرب مدة للخيار بني املتعاقدين للتفكر والنظر يف املبيع ليتم العقد بينهما‬
‫وفق ما يرتضيانه وحيقق املصلحة هلما أخذا وإعطاء‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وقد جوز الشرع اخليار‪ ،‬مع أنه يف أصله من أنواع الغرر‪ ،‬وذلك حلاجة الناس إىل ذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني تخريج الفرع الفقهي على القاعدة وبيان وجه التخريج‬

‫الفرع األول‪ :‬تخريج الفرع الفقهي على القاعدة‬

‫ما ذكره املؤلف رمحه اهلل نقال عن البناين رمحه اهلل من عدم جواز تصرف املشرتي بالسلعة‬
‫بيعا يف مدة اخليار قبل اختياره إمضاء العقد‪ ،‬ميكن خترجيه‪ 3‬على قاعدة نص عليها البناين‬
‫رمحه اهلل بعد أن ذكر حكم املسألة السابقة فقال معلال له‪" :‬وهو ظاهر_أي املنع من‬
‫التصرف_ ألنه تصرف يف ملك الغري قبل أن ينتقل ملكه إليه"‪ ،‬فهذا نص منه على أن‬
‫احلكم املذكور خيرج على قاعدة‪ :‬عدم جواز التصرف يف ملك الغري إال بإذنه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وجه تخريج الفرع على القاعدة‬

‫‪ 1‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد‪)2/85( ،‬‬


‫‪ 2‬انظر‪ :‬املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد (‪)2/86‬‬
‫‪ 3‬وقد خرج بعض العلماء املسألة املذكورة على بيع الفضويل‪ ،‬انظر‪ :‬لوامع الدرر يف هتك أستار املختصر‪ ،‬حممد‬
‫الشنقيطي‪.)8/424( ،‬‬
‫بيانا لوجه ارتباط الفرع املذكور بالقاعدة يقال‪ :‬إن عدم جواز تصرف املشرتي يف السلعة‬
‫بالبيع يف مدة اخليار قبل أن خيتار‪ ،‬علل بكون السلعة مل تنتقل إىل ملكه بعد‪ ،‬فهي ال تزال‬
‫يف ملك البائع‪ ،‬فبيعه هلا يعد تصرفا يف ملك الغري دون إذنه‪ ،‬قال حممد عليش رمحه اهلل‪:‬‬

‫"وال ينبغي‪ #‬أن يبيع حىت خيتار شخص (مشرت) يف زمن اخليار ما اشرتاه بشرط خياره‪ ،‬ألنه‬
‫يف ملك البائع وضمانه"‪ 1.‬فتصرفه يعد تصرفا يف ملك الغري‪ ،‬فوضح بذلك اندراج الفرع‬
‫حتت القاعدة املذكورة واهلل أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثالث معنى القاعدة وأدلة اعتبارها‬

‫الفرع األول معنى القاعدة‬

‫وبيانا ملعىن القاعدة املذكورة ننقل ما أورده الزرقا رمحه اهلل حيث يقول‪:‬‬

‫"ال جيوز ألحد " أي ال حيل له وال يصح ِمنه " أن يتصرف " تصرفا فعليا " يِف ملك الغري‬
‫‪2‬‬
‫" سواء كان خاصا أو مشرتكا " بِال ِإذنه " سابِقا‪ ،‬أو ِإجازته الحقا"‬

‫نقل األستاذ عبد اجلبار شرارة قول شفيق العاين يف شرحه هلذه القاعدة حيث يقول‪:‬‬

‫"إن مناط‍ جواز التصرفات ونفاذه يف املال إمنا مرده الوالية‪ #‬اليت قد تكون أصالة أو وصاية‬
‫أو عن طريق الوكالة‪ ،‬وليس لألجنيب عن ذلك املال والية عليه ليعترب تصرفه أو ينفذ‪ ،‬فإذا‬
‫تصرف فقد تعدى‪ ،‬وترتب على املعتدي الضمان‪ ،‬وهذه الكليات متقاربة املعىن وحكمها‬

‫‪ 1‬منح اجلليل شرح خمتصر خليل‪ ،‬حممد عليش‪)5/128( ،‬‬


‫‪ 2‬شرح القواعد الفقهية‪461 ،‬‬
‫واحد‪ ،‬ودليل هذه القواعد احلديث الشريف‪" :1‬كل املسلم على املسلم حرام دمه وماله‬
‫‪2‬‬
‫وعرضه"‬

‫أنواع التصرف واإلذن المذكورين فيها القاعدة‪:‬‬

‫قال حممد مصطفى الزحيلي‪:‬‬

‫"‌ التصرف يف ملك الغري إما فعلي‪ ،‬وهو االستهالك‪ ،‬بأخذ أو إعطاء‪ ،‬فهذا يعترب بال إذن‬
‫تعديا‪ ،‬واملتصرف يف حكم الغاصب‪ ،‬فهو ضامن للضرر‪ .‬وإما قويل بطريق التعاقد كبيع‬
‫ملك الغري‪ ،‬أو هبته‪ ،‬أو إجارته‪ ،‬فإن أعقبه من املتصرف تسليم أصبح فعليا‪ ،‬وأخذ حكم‬
‫الغصب‪ ،‬وإن بقي يف حيز القول كان فضوليا‪ ،‬وعقد الفضويل يتوقف على إجازة املالك‪،‬‬
‫فإن أجازه صح‪ ،‬وإن مل جيزه بطل‪ .‬واإلجازة تلحق األفعال كما تلحق األقوال‪ ،‬فالتصرف‬
‫‪3‬‬
‫الفعلي بال إذن املالك إذا أجازه املالك انقلب مأذونا"‪.‬‬

‫ويقول حممد آل بورنو‪:‬‬

‫"التصرف يف ملك الغري أو حقه يشمل التصرف القويل والتصرف الفعلي بغري إذن املالك‪.‬‬
‫وكل ذلك يعترب اعتداء على حق املالك‪.‬‬

‫وعدم اجلواز شامل جلميع أنواع‪ #‬التصرف من استعمال أو إعارة أو إيداع أو إجارة أو هبة‬
‫أو بيع أو رهن أو غري ذلك من أنواع التصرفات والتصرف الفعلي دون إذن معناه‪ #‬املنع‬

‫‪ 1‬أخرجه مسلم‪ #‬يف صحيحه‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب‪ :‬حترمي ظلم املسلم وخذله واحرتامه ودمه وعرضه‬
‫وماله‪ )4/1986( ،‬رقم احلديث‪2564 :‬‬
‫‪ 2‬أحكام الغصب يف الفقه اإلسالمي‪93 ،‬‬
‫‪ 3‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة‪)1/551( ،‬‬
‫املوجب للضمان والتصرف القويل معناه عدم النفاذ واإلذن قد يكون صرحيا وقد يكون‪#‬‬
‫‪1‬‬
‫داللة‪ .‬وقد يكون‪ #‬والية"‬

‫فنخلص من خالل كالم الزحيلي والبورنو‪ #‬إىل أن‪:‬‬

‫_كل تصرف يف ملك الغري بغري إذنه يعترب اعتداء على حقه‪.‬‬

‫_التصرف يف ملك الغري إما أن يكون‪ #‬قوليا أو فعليا‪.‬‬

‫_موجب التصرف الفعلي الضمان‪.‬‬

‫_موجب التصرف القويل عدم النفاذ‪.‬‬

‫_اإلذن يف التصرف قد يكون قوليا وقد يكون‪ #‬فعليا‪.‬‬

‫مستثنيات القاعدة‪:‬‬

‫من املعلوم أن بعض القواعد‪ #‬الفقهية أو كثريا منها قد يكون هلا استثناءات‪ #،‬ومن ذلك هاته‬
‫القاعدة‪ ،‬فقد ذكر العلماء بعض الصور املستثناة منها‪ ،‬ومما ذكروه‪:‬‬

‫_أنه جيوز للولد والوالِد ِشراء ما حيتاج ِإ ِ‬


‫ليه األب أو االبن امل ِريض بِال ِإذنه وال جيوز يِف‬

‫املتاع‪.2‬‬

‫عليه أن ينفقوا‪ِ #‬‬


‫عليه من‬ ‫_أنه جيوز للرفقة يِف السفر ِإذا مات أحدهم أو مرض أو أغمي ِ‬
‫ماله‪ .‬وكذا لو أنفق بعض أهل احمللة على ِ‬
‫مسجد ال متويِل له من غلته حلصري وحنوه‪ ،‬أو‬

‫‪ 1‬موسوعة القواعد الفقهية‪)8/1001( ،‬‬


‫‪ 2‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬االزرقا‪463 ،‬‬
‫مجيع ذلِك ال يضمن املنفقون‪#‬‬
‫وصي هلم‪ِ ،‬ففي ِ‬ ‫أنفق الورثة ِ‬
‫الكبار على الصغار الذين ال ِ‬

‫ديانة‪ ،‬أما يِف القضاء فهم متطوعون‪.1#‬‬

‫_لو امتنع الدائن من وفاء دينه‪ ،‬وله مال‪ ،‬فباع احلاكم ماله ووفاه عنه‪ ،‬صح‪ ،‬وبرئ منه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وال ضمان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫_الغصوب والودائع إذا أداها أجنيب إىل املالك أجزأت وال ضمان‪.‬‬

‫_لو مرضت الشاة مع الراعي املستأجر يف املرعى مرضا ال ترجى حياهتا معه‪ ،‬فذحبها‪ ،‬فإنه‬
‫ال يضمنها؛ ألن ذلك مأذون فيه داللة‪.‬‬

‫الفرع الثاني أدلة اعتبار القاعدة‬

‫هذه القاعدة الفقهية‪ #‬من القواعد املهمة يف الشريعة‪ ،‬واليت يتجلى فيها مقصد شرعي عظيم‬
‫وهو حسم أسباب النزاع وقطع كل ما يفضي إىل االختالف‪ ،‬وإصالح ذات البني‪.‬‬

‫وقد دل على اعتبارها‪ #‬نصوص‪ #‬من الكتاب والسنة ومن ذلك‪:‬‬

‫كلوا أمۡ ٰولكم ۡبينكم بِ ۡٱل ٰب ِ‬ ‫ۡ‬


‫ط ِل ﵞ [البقرة‪]188 :‬‬ ‫‪ _1‬قوله تعاىل‪ ":‬ﵟ‌وال‌تأ ٓ‬

‫وجه الداللة‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫»‬ ‫‌علَى‌تَ ْك ِر َمتِ ِه‌ِإاَّل ‌بِِإ ْذنِِه‬ ‫ِِ‬
‫‪_2‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬واَل َ‌ي ْقعُ ْد‌يِف َ‌بْيته َ‬

‫‪ 1‬املصدر نفسه‪464 ،‬‬


‫‪ 2‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا‪)1/555( ،‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪)1/555( ،‬‬
‫وجه الداللة‪?:‬‬

‫قال القرطيب رمحه اهلل‪:‬‬

‫"وقوله‪" :‬وال يقعد يف بيته على تكرمته إال بإذنه"‪ ،‬التكرمة هنا‪ :‬الفراش الذي يقعد عليه‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ووجه هذا املنع أنه مبين على منع‌التصرف‌يف‌ملك‌الغري‌إال‌بإذنه"‬

‫المطلب الرابع‪ :‬بعض الفروع المندرجة تحت هذه القاعدة‪:‬‬

‫من الفروع اليت ذكرها الفقهاء حتت هذه القاعدة‪:‬‬

‫_ ال جيوز لألم أن تبيع مال ولدها الصغري لنفقتها إذ ال والية هلا يف التصرف حال الصغر‬
‫‪2‬‬
‫وال يف حفظ املال حال الكرب‪.‬‬

‫_إذا صلى على اجلنازة غري الويل أو السلطان أو القاضي بال إذن القاضي أعادها الويل إن‬
‫‪3‬‬
‫شاء لتصرف الغري يف حقه بال إذنه‪.‬‬

‫_غصب شخص مال آخر بوضع اليد عليه بدون إذن وال توكيل‪ ،‬فهذا حمظور‪ ،‬وجيب‬
‫‪4‬‬
‫عليه رد العني‪ ،‬وإذا تلفت وجب الضمان‪.‬‬

‫‪ 4‬أخرجه مسلم‪ #‬يف صحيحه‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب من أحق باإلمامة؟ رقم احلديث‪،673 :‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة عيسى البايب احلليب وشركاؤه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عام النشر‪1374‬ه_‪1955‬م‪.‬‬
‫‪ 1‬املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪)2/299( #،‬‬
‫‪ 2‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬البورنو‪)8/1002( ،‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪)8/1002( ،‬‬
‫‪ 4‬القواعد الفقهية وتطبيقاهتا‪ ،‬الزحيلي‪)1/552( ،‬‬
‫_أتلف شخص مال غريه باألكل‪ ،‬أو احلرق‪ ،‬أو اإللقاء يف النار‪ ،‬أو يف البحر‪ ،‬فإنه يضمن؛‬
‫‪5‬‬
‫ألنه ال جيوز له أن يتصرف يف ملك غريه بال إذنه‪.‬‬

‫_ من بيده مال‪ ،‬أو يف ذمته دين‪ ،‬يعرف مالكه‪ ،‬ولكنه غائب يرجى قدومه‪ ،‬فليس له‬
‫‪2‬‬
‫التصرف فيه بدون إذن احلاكم‪ ،‬إال أن يكون‪ #‬تافها‪ ،‬فله الصدقة به عنه‪.‬‬

‫فتبني من خالل ما سبق أمهية هذه القاعدة الفقهية‪ #،‬اليت يتجلى من خالهلا وبوضوح مقصد‬
‫شرعي عظيم‪ ،‬وهو قطع وسائل النزاع وسد أسباب الشقاق‪ ،‬فمراعاهتا حيقق أصل‬
‫االئتالف ويسد باب الفرقة واالختالف‪.‬‬

‫المبحث الخامس قاعدة تفريق? الصفقة‬

‫نقل املؤلف رمحه اهلل قول صاحب املدونة‪ :‬من أكرى أرضا بدراهم ومخر فسد مجيعها ومل‬
‫‪3‬‬
‫جيز حصة الدراهم وإن رضي املكرتي برتك اخلمر مل جيز‪.‬‬

‫المطلب األول بيان معنى الفرع الفقهي?‬

‫المطلب الثاني تخريج الفرع الفقهي على القاعدة وبيان وجه التخريج‬

‫الفرع األول? تخريج الفرع الفقهي? على القاعدة?‬

‫‪ 5‬املصدر نفسه‪)1/552( ،‬‬


‫‪ 2‬املصدر نفسه (‪)1/553‬‬
‫‪ 3‬التذليل والتذييل‪)3/28( ،‬‬
‫ما نقله املؤلف رمحه اهلل من كالم صاحب املدونة ميكن خترجيه على قاعدة خمتلف فيها بني‬
‫الفقهاء‪ ،‬وهي قوهلم‪ :‬إذا مجعت الصفقة‪ #‬حالال وحراما هل ميضي احلالل ويرد احلرام‪ ،‬أم‬
‫يرد اجلميع؟ وهذه القاعدة املذكورة من اجتماع احلالل واحلرام يف عقد واحد هي فرع‬
‫عن قاعدة‪ :‬تعدد العقد بتعدد املعقود عليه‪ ،‬أو ما يسمى بقاعدة تفريق الصفقة‪ 1#،‬قال‬
‫الشيخ أمحد ابن أمحد املختار الشنقيطي رمحه اهلل بعد أن ذكر قول الناظم رمحه اهلل‪:‬‬

‫العقد مبعقود له تعدد؟‬ ‫"‪...................‬هل يعدد‬

‫وقوله‪( :‬هل يعدد العقد مبعقود‪...‬إخل)‪ ،‬يريد به‪ :‬العقد هل يتعدد بتعدد املعقود عليه أو ال؟‬

‫وقوله‪( :‬كاحلل مع حرمة بصفقة مجع)‪ ،‬يريد به أنه يبىن على هذه القاعدة ما لو اجتمع‬
‫حالل وحرام بصفقة‪ #‬واحدة‪ ،‬أميضي احلالل ويرد احلرام‪ ،‬بناء على تعدد العقد بتعدد‬
‫‪2‬‬
‫املعقود عليه؟ أم يرد اجلميع بناء على الشطر الثاين؟ "‪.‬‬

‫وللتنبيه فإن السيوطي رمحه اهلل يرى بأن قاعدة تفريق الصفقة هي الفرع عن قاعدة‬
‫اجتماع احلالل واحلرام يف عقد واحد ال العكس‪ ،3#‬ولكن كما قال يعقوب الباحسني رمحه‬
‫اهلل‪:‬‬

‫"وهذا الكالم‪ #‬ال يتجه إال على القول اآلخر عند الشافعية وهو البطالن يف الكل"‪.4‬‬

‫الفرع الثاني وجه تخريج الفرع على القاعدة‬

‫‪1‬‬

‫‪ 2‬إعداد املهج لالستفادة من املنهج‪108 ،‬‬


‫‪ 3‬األشباه والنظائر‪ ،‬ص‪108‬‬
‫‪ 4‬التخريج عند الفقهاء واألصوليني‪106 ،‬‬
‫بيانا لوجه ارتباط الفرع املذكور بالقاعدة يقال‪ :‬إن املسألة‪ #‬املذكورة عن صاحب املدونة‬
‫هي عبارة عن عقد مجع بني حالل وهو _الدراهم_ وحرام _وهو اخلمر_ وهذا متعلق‬
‫بثمن املبيع‪ ،‬فعلى املشهور من مذهب اإلمام مالك رمحه اهلل فإن العقد يبطل _كما سيأيت‬
‫اإلشارة إىل اخلالف يف القاعدة إن شاء اهلل_وهذا ما أشار إليه خليل رمحه اهلل حني بني‬
‫شروط املعقود عليه فقال رمحه اهلل‪" :‬وعدم حرمة ولو لبعضه"‪.1‬‬

‫قال أمحد بن أمحد الشنقيطي‪ #‬رمحه اهلل‪:‬‬

‫"وقوله‪"‌:‬وعدم‌حرمة‌ولو‌لبعضه"‪ ،‬قال املواق‪ :‬مشهور مذهب مالك أن الصفقة‪ #‬إذا‬


‫وحراما بطل مجيعها‪ ،‬ا‪ .‬هـ‪ .‬ذلك أن احملرم منهي عنه‪ ،‬وقد تقدم لك أنه‬
‫ً‬ ‫مجعت حالاًل‬
‫‪2‬‬
‫يشرتط يف املعقود عليه عدم هني عنه"‪.‬‬

‫المطلب الثالث معنى? القاعدة? وأدلة اعتبارها‬

‫الفرع األول معنى القاعدة‬

‫هذه القاعدة املذكورة يف املذهب هي فرع من فروع القاعدة املسماة بتفريق الصفقة‪#،‬‬

‫واملراد بقاعدة تفريق الصفقة‪ #‬كما قال يعقوب الباحسني رمحه اهلل‪ ":‬هو أن جيمع بني ما‬
‫‪3‬‬
‫جيوز بيعه وما ال جيوز يف صفقة واحدة بثمن واحد"‪.‬‬

‫وقد ذكر الطويف احلنبلي رمحه اهلل أنه ينبين على قاعدة تفريق الصفقة كثري من املسائل‬
‫والفروع‪ 4،‬ولكن على وجه العموم فإن هذه القاعدة ينتظم حتتها ثالث صور‪ ،‬حتت كل‬
‫‪ 1‬خمتصر خليل‪ ،‬ص‪144‬‬
‫‪ 2‬مواهب اجلليل من أدلة خليل‪ ،‬أمحد بن أمحد الشنقيطي‪)251 /3( ،‬‬

‫‪ 3‬التخريج عند الفقهاء واألصوليني‪104 ،‬‬


‫‪ 4‬شرح خمتصر الروضة‪ ،‬جنم الدين الطويف‪)3/645( ،‬‬
‫صورة فروع عديدة‪ ،‬قال الباحسني رمحه اهلل‪:‬‬

‫"وقد ذكروا أن هلا_أي تفريق الصفقة_‪ #‬ثالث صور‪:‬‬

‫‪ - 1‬أن يبيع معلوماً وجمهوالً‪ ،‬كقوله بعتك هذه الفرس وما يف بطن هذه الفرس األخرى‬
‫بألف‪ ،‬فهذا البيع باطل ألن اجملهول ال يصح بيعه جلهالته‪ ،‬واملعلوم جمهول الثمن وال سبيل‬
‫إىل معرفته‪ ،‬ألن معرفته إمنا تكون‪ #‬بتقسيط‪ #‬الثمن عليهما‪ ،‬واحلمل ال ميكن تقوميه فيتعذر‬
‫التقسيط‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن يبيع جزءا مشاعاً بينه وبني غريه من دون إذن شريكه‪ ،‬كعبد مشرتك بينهما‪ ،‬أو‬
‫أن يبيع ما ينقسم عليه الثمن أجزاء كقفيزين من صربة واحدة باعهما من ال ميلك إال‬
‫بعضهما‪.‬‬

‫‪ - 3‬أن يكون املبيعان صفقة واحدة‪ ،‬معلومني ولكن ال ينقسم عليهما الثمن باألجزاء‬
‫كعبد وحر وخل ومخر‪ ،‬وعبد غريه وعبده"‪.1‬‬

‫والصورة الثالثة هي اليت يندرج حتتها الفرع الذي ذكره املؤلف عن صاحب املدونة‪.‬‬

‫قال أمحد بن حيىي الونشريسي رمحه اهلل‪" :‬حصل بعض مشايخ املذهب يف الصفقة إذا‬
‫مجعت حالال وحراما تسعة أقوال‪:‬‬

‫األول‪ :‬فسخ اجلميع‬

‫الثاين‪ :‬فسخ ما قابل احلرام‪ ،‬وصحة ما قابل احلالل‬

‫الثالث‪ :‬يتبع األقل األكثر‬

‫‪ 1‬التخريج عند الفقهاء واألصوليني‪)105_104( ،‬‬


‫الرابع‪ :‬الفرق بني أن يعلما معا بالفساد فيبطل مجيعا‪ ،‬أو ال فيبطل ما قابل احلرام ويصح ما‬
‫قابل احلالل‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬الفرق بني ما يصح متلكه فال يبطل إال ما قابل احلرام‪ ،‬وبني ما ال جيوز متلكه‪،‬‬
‫فيبطل مجيعه‪.‬‬

‫السادس‪ :‬الفرق بني أن يسميا لكل سلعة مثنا‪ ،‬فيبطل ما قابل احلرام‪ ،‬أو ال فيبطل مجيعها‪.‬‬

‫السابع‪ :‬الفرق بني أن تكون السلعة ملالك واحد فيبطل مجيعها‪ ،‬أو ملالكني‪ ،‬فيبطل ما قابل‬
‫احلرام‪ ،‬وميضي ما قابل احلالل‪ ،‬وبه قال اللخمي رمحه اهلل‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬إن كان مناب احلالل معلوما ألول وهلة صح ما قابل احلالل‪ ،‬وإال فال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫التاسع‪ :‬إن كان من حق اهلل بطلت كلها‪ ،‬وإن كان من حق املخلوق بطل احلرام فقط"‪.‬‬

‫الفرع الثاني أدلة اعتبارها‬

‫وم َواَل يُ ْف ِطَر‬


‫ص َ‪#‬‬ ‫النيب‪-‬صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬ع ْن َر ُج ٍل نذر أن يقوم وال َ‬
‫يقعد‪َ ،‬ويَ ُ‬ ‫َ‬ ‫"سِئ َل‬
‫ُ‬
‫‪2‬‬
‫ال‪ :‬مروه فليستظل وليتكلم وليقعد وليتم صومه"‬ ‫بنهاره‪ ،‬وال يستظل‪َ ،‬واَل َيتَ َكلَّ َم‪َ ،‬ف َق َ‬

‫وجه الداللة‪?:‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل بعد أن ذكر احلديث‪:‬‬

‫‪ 1‬إيضاح املسالك‪ ،‬الونشريسي‪)108/109( ،‬‬


‫‪ 2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األميان والنذور‪ ،‬باب‪ :‬النذر فيما ال ميلك ويف معصية‪ )6/2465( ،‬رقم‬
‫احلديث‪.6326 :‬‬
‫ص َّح النذر يف القربة‪،‬‬
‫"وفيه دليل على‌تفريق‌الصفقة‪ #‬يف النذر‪ ،‬وأن من نذر قُربةً وغري قُربة َ‬
‫‪3‬‬
‫وبطل يف غري القربة‪ .‬وهكذا احلكم يف الوقف سواء"‪.‬‬

‫ت َأنَا‬
‫ال‪ :‬ا ْشَتَريْ ُ‬ ‫النيب‪-‬صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪َ -‬ف َق َ‬
‫َ‬ ‫َأل الَْبَراءُ بْ ُن َعا ِز ٍب رضي اهلل عنه‬ ‫"و َس َ‬ ‫َ‬
‫ال‪ََّ :‬أما َما َكا َن‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ ،-‬ف َق َ‬ ‫َو َش ِريكي شيئا يدا بيد ونسيئة‪ ،‬فَ َسَألْنَا النَّيِب َّ ‪َ -‬‬
‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫يَ ًدا بِيَ ٍد فَ ُخ ُذوهُ‪َ ،‬و َما َكا َن نَ ِسيَئةً فَ َذ ُروهُ"‪.‬‬

‫وجه الداللة‪?:‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل بعد إيراده احلديث‪:‬‬


‫‪3‬‬
‫‌الص ْف َق ِة"‪#.‬‬
‫يح يِف ‌َت ْف ِر ِيق َّ‬
‫ص ِر ٌ‬ ‫"ذَ َكَرهُ الْبُ َخا ِر ُّ‬
‫ي‪َ ،‬و ُه َو َ‬

‫المطلب الرابع بعض الفروع المندرجة تحت القاعدة‬

‫من الفروع التي ذكرها الفقهاء? تحت هذه القاعدة ما يأتي‪:‬‬

‫_إذا باع الرجل َخاًّل َومَخًْرا‪َْ ،‬أو َشاةً َو ِخْن ِز ًيرا‪َْ ،‬أو َعْب ًدا َو ُحًّرا‪َْ ،‬أو َعْب َدهُ َو َعْب َد َغرْيِ ِه‪َْ ،‬أو‬
‫إخر ِاج َها‪َْ ،‬أو الْم ِاء اجْلَا ِري َم َع َقرا ِر ِه‪َْ ،‬أو َغرْيِ‬ ‫يك ِه‪َ ،‬أو م ِال َّ ِ‬ ‫م ْشَتر ًكا بِغَ ِ إ ْذ ِن َش ِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الز َكاة َقْب َل ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ رْي‬
‫اجْلَا ِري‪ 4‬يف صفقة واحدة‪ ،‬فيخرج هذا على اخلالف يف القاعدة‪.‬‬

‫‪ 3‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬ابن القيم‪)5/436( ،‬‬


‫‪ 2‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب االشرتاك يف الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف‪( ،‬‬
‫‪ )2/884‬رقم احلديث‪2365‬‬
‫‪ 3‬إعالم املوقعني‪)4/249( ،‬‬
‫‪ 4‬األشباه والنظائر‪ ،‬السيوطي‪108 ،‬‬
‫_إذا قال الرجل لزوجته مثال َأنْت طَالِق طَْل َقة ِإاَّل طَْل َقة‪َ ،‬فَي َقع َعلَْي َها طَْل َقة‪َ ،‬ولَو قَ َ‬
‫ال ثَاَل ثًا‬
‫استثنَاء الطلقتني َجاِئز‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِإاَّل ثَاَل ثًا َوقع الثَّاَل ث‪َ ،‬ولَو قيل بُِوقُوع َواح َدة لَ َكا َن متجها‪َ ،‬أِلن ْ‬
‫‪1‬‬
‫‌الص ْف َقة‪#.‬‬ ‫فاملستثين للثالث جامع بني ما جيوز وما اَل جيوز فنخرجه على قَ ِ‬
‫اع َدة‌َت ْف ِريق َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحُت َها‪،‬‬ ‫َأح ُد ََأب َو ْي َها كتَايِب ٌّ‪َ ،‬واآْل َخ ُر جَمُوس ٌّي‪َْ .‬أو َوثَيِن ٌّ‪ :‬اَل حَي ُّل ن َك ُ‬
‫اح َها َواَل َذب َ‬ ‫_ومْن َها‪َ :‬م ْن َ‬
‫َ‬
‫‪2‬‬
‫َّح ِر ِمي‪.‬‬
‫ب الت ْ‬ ‫اَأْلب يِف اَأْلظْ َه ِر‪َ ،‬ت ْغلِيبًا جِلَانِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َولَ ْو َكا َن الْكتَايِب ُّ ُ‬
‫ض مشاعا مس ِج ًدا‪ :‬ص َّح‪ .‬ووج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وز َقْب َل‬ ‫ب الْق ْس َمةُ‪َ ،‬واَل جَيُ ُ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ف ُج ْزءًا م ْن َْأر ٍ ُ َ ً َ ْ‬ ‫_ومْن َها‪ :‬لَ ْو َوقَ َ‬
‫َ‬
‫َّح ِر ِمي يِف اجْلَانَِبنْي ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اِل ِ‬ ‫ب الْمكْث يِف َشي ٍء ِمن ِئ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َأجَزا َها‪َ ،‬واَل ا ْعت َكاف‪َ #‬ت ْغليبًا للت ْ‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫الْق ْس َمة ل ْل ُجنُ ُ‬
‫ذَ َكَرهُ ابْ ُن الصَّاَل ِح يِف َفتَا ِو ِيه‪.3‬‬

‫المبحث السادس‪ ?:‬النهي عن بيع البعير الشارد‪.‬‬

‫نقل املؤلف رمحه اهلل قول ابن القاسم رمحه اهلل‪ ":‬ال أحب شراء الرجل بعريا رآه مهمال يف‬
‫‪4‬‬
‫الرعي‪ ،‬ألنه ال يدري مىت يوجد كإبل األعراب املهملة يف املهامه"‪.‬‬

‫المطلب األول بيان معنى الفرع الفقهي?‬

‫‪ 1‬التمهيد يف ختريج الفروع على األصول‪ ،‬اإلسنوي‪395 ،‬‬


‫‪ 2‬األشباه والنظائر‪ ،‬السيوطي‪106 ،‬‬
‫‪ 3‬املصدر نفسه‪107 ،‬‬
‫‪ 4‬التذليل والتذييل‪)3/20( ،‬‬
‫المطلب الثاني تخريج الفرع الفقهي على القاعدة وبيان وجه التخريج‬

‫الفرع األول? تخريج الفرع الفقهي? على القاعدة?‬

‫هذا الفرع املذكور عن ابن القاسم رمحه اهلل ميكن خترجيه على قاعدة من قواعد الشريعة‬
‫املهمة اليت تعترب أصال من أصول عقود البيوع‪ ،‬وهي قاعدة النهي عن بيوع الغرر وهي‬
‫قول الفقهاء‪ :‬الغرر الكثري يفسد العقود‪ ،‬وقد جاء املنع من بيوع الغرر صرحيا يف السنة‪.‬‬

‫الفرع الثاني وجه تخريج الفرع على القاعدة‬

‫من خالل تعريفات العلماء للغرر ندرك وجه االرتباط بني املسألة املذكورة وبني القاعدة‬
‫اليت خترج عليها‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ول‌الْ َعاقِبَ ِة‪.‬‬
‫الغرر‪ُ :‬ه َو‌الْ َم ْج ُه ُ‬

‫ويقول شهاب الدين القرايف رمحه اهلل‪:‬‬

‫ت ِص َفتُهُ َْأم اَل "‪.2‬‬ ‫"والْغَرر ِ‬


‫ص ُل َْأم اَل ُج ِهلَ ْ‬
‫اصطاَل ًحا َما اَل يَ ْد ِري َه ْل حَيْ ُ‬
‫َ َُ ْ‬

‫ويقول علي اجلرجاين رمحه اهلل‪:‬‬

‫«الغرر‪ :‬ما يكون‪ #‬جمهول العاقبة ال يدرى أيكون‪ #‬أم ال»‪.3‬‬

‫إذا فهم معىن الغرر على ما ذكره العلماء‪ ،‬فيقال‪ :‬إن البعري الشارد يف املهامه‪ ،‬ال يدرى هل‬
‫يوجد أم ال‪ ،‬وإذا وجد هل يوجد على صفة مرضية أم أنه تغري وتبدل‪ ،‬فبيعه على هذا‬

‫‪ 1‬القواعد النورانية‪ ،‬ابن تيمية‪169 ،‬‬


‫‪ 2‬الفروق‪)3/270( ،‬‬
‫‪ 3‬التعريفات‪ ،‬اجلرجاين‪161 ،‬‬
‫الوجه إمنا هو على سبيل املخاطرة‪ ،‬فهذا وجه كون املسألة‪ #‬من بيع الغرر واجملهول العاقبة‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫جاء يف املدونة‪:‬‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ِ -‬م ْن َبْي ِع الْغََر ِر‪،‬‬ ‫ك‪ :‬وَت ْف ِسري ما َنهى عْنه رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫"قَ َال يِل َمال ٌ َ ُ َ َ َ ُ َ ُ‬
‫احلَتُهُ َْأو َدابَّتُهُ َْأو غُاَل ُمهُ‪َ ،‬ومَثَ ُن َه ِذ ِه اَأْل ْشيَ ِاء مَخْ ُسو َن‬
‫الرج ِل قَ ْد ضلَّت ر ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َأ ْن َي ْع ِم َد َّ‬
‫الر ُج ُل إىَل َّ ُ‬
‫ب ِم ْن َم ِال الْبَاِئ ِع‬ ‫ِإ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا آخ ُذها ِمْنك بِعِ ْش ِر ِ‬
‫ِدينَ ًارا َفَي ُق َ‬
‫ين دينَ ًارا فَ ْن َو َج َد َها الْ ُمْبتَاعُ َذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫بِثاَل ثِني ِدينَارا وِإ ْن مَل جَيِ ْدها َذهب الْباِئع ِمْنه بِعِ ْش ِر ِ‬
‫ين دينَ ًارا َومُهَا اَل يَ ْد ِريَان َكْي َ‬
‫ف يَ ُكو ُن‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً َ ْ َ َ َ َ ُ ُ‬
‫ث فِ َيها‬ ‫ك الضَّالَّةُ َكْي َ‬
‫ف ُتْؤ َخ ُذ َو َما َح َد َ‬ ‫ت تِْل َ‬
‫ِ‬
‫ضا إذَا ُوج َد ْ‬ ‫ك‪ ،‬واَل ي ْد ِري ِ‬
‫ان َأيْ ً‬
‫ِ‬
‫َحاهُلَُما يِف ذَل َ َ َ َ‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ مِم‬ ‫ِ‬
‫ص َها َو ِزيَ َاد ُت َها َف َه َذا ْ‬
‫َأعظَ ُم الْ ُم َخاطََرة"‪.‬‬ ‫م ْن َْأم ِر اللَّه َّا يَ ُكو ُن فيه َن ْق ُ‬

‫المطلب الثالث معنى? القاعدة? وأدلة اعتبارها‬

‫الفرع األول معنى القاعدة‬

‫أوال معنى الغرر لغة‬

‫قال الرازي رمحه اهلل‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫"(الْغََر ُر) بَِفْت َحَتنْي ِ اخْلَطَُر"‬

‫ثانيا معنى الغرر اصطالحا‬

‫تبني سابقا أن الغرر هو ما كان جمهول العاقبة‪ ،‬فال يدرى هل يكون‪ #‬أوال‪.‬‬

‫وقد نقل ابن الرصاع رمحه اهلل قول املازري يف تعريف الغرر فقال‪:‬‬
‫‪ 1‬املدونة‪)3/254( ،‬‬
‫‪ 2‬خمتار الصحاح‪ ،225 ،‬انظر كذلك‪ :‬املصباح املنري‪)2/444( ،‬‬
‫‪1‬‬ ‫الساَل َم ِة والْ َعطَ ِ‬
‫ب "‪.‬‬ ‫"قَ َال الْ َما ِز ِر ُّ‬
‫ي ‪ ":‬الْغََر ُر َما َتَر َّد َد َبنْي َ َّ َ‬
‫ص ُل أوال"‪.2‬‬
‫عرف‪ ،‬هل حَيْ ُ‬
‫اهلل‪":‬وأص ُل الغرر هو الذي ال يُ َ‬
‫ْ‬ ‫وقال أبو عبد اهلل البقوري رمحه‬

‫فبناء على هذا يكون معىن القاعدة‪:‬‬

‫النهي عن كل ما مل يعلم وجوده من عدمه‪ ،‬أو مل تعلم قلته من كثرته‪ ،‬أو مل يقدر على‬
‫تسليمه أصال‪ ،‬كالطري يف اهلواء والسمك يف املاء‪ ،‬وذلك ملا فيه من املخاطرة‪ ،‬واإلفضاء إىل‬
‫النزاع والشقاق بني املتعاقدين‪ ،‬فلذلك جاء النهي‪ #‬صرحيا عن بيوع الغرر ألهنا نوع من‬
‫امليسر‪ ،‬يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬

‫َوالْغََرر‪ :‬هو اجملهول العاقبة فإن بيعه من امليسر الذي هو القمار‪ ،‬فبفضي‪ #‬إىل مفسدة امليسر‬
‫اط ِل‪ ،‬الَّ ِذي ُه َو نَ ْوعٌ ِم َن‬
‫ضاء‪ ،‬مع ما فِ ِيه ِمن َأ ْك ِل الْم ِال بِالْب ِ‬ ‫الَّيِت ِهي ِإي َقاع الْعداو ِة‪ #‬والْب ْغ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ُ ََ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ضاءُ‪ 3.‬واهلل تعاىل يقول‪:‬‬ ‫الظُّْل ِم‪ ،‬فَفي َبْي ِع الْغََر ِر ظُْل ٌم َو َع َد َاوةٌ‪َ #‬و َب ْغ َ‬
‫نصابُ َوٱَأۡل ۡز ٰلَ ُم ِر ۡج ‪ٞ‬‬
‫س ِّم ۡن َع َم ِل‬ ‫ﵟ ٰيََٓأيُّهَا ٱلَّ ِذينَ َءا َمنُ ٓو ْا ِإنَّ َما ۡ‬
‫‌ٱلخَ مۡ ُر‌ َو ۡٱل َم ۡي ِس ُر َوٱَأۡل َ‬
‫ٱجتَنِبُوهُ لَ َعلَّ ُكمۡ تُ ۡفلِحُونَ ﵞ [المائدة‪]90 :‬‬ ‫ٱل َّش ۡي ٰطَ ِن فَ ۡ‬

‫وقد بني الفقهاء أن الغرر يف العقود مانع من الصحة‪ 4،‬ولكن ينبغي التنبيه‪ #‬على أن املقصود‬
‫بالغرر املذكور يف القاعدة‪ #‬هو الكثري منه ال مطلق الغرر‪ 5،‬إذ أن اليسري مغتفر شرعا‪،‬‬
‫تيسريا على الناس ورفعا للحرج عنهم‪ ،‬يقول ابن رشد رمحه اهلل مبينا‪ #‬ضابط الغرر الكثري‬

‫‪ 1‬شرح حدود ابن عرفة‪253 ،‬‬


‫‪ 2‬ترتيب الفروق واختصارها‪)2/128( ،‬‬
‫‪ 3‬القواعد النورانية‪ ،‬ابن تيمية‪169 ،‬‬
‫‪ 4‬شرح خمتصر الروضة‪ ،‬الطويف (‪)2/722‬‬
‫‪ 5‬انظر أيضا‪ :‬البيان والتحصيل‪ ،‬ابن رشد (‪)385 /9‬‬
‫الذي تفسد به العقود‪ ":‬وبيع الغرر هو البيع الذي يكثر فيه الغرر ويغلب عليه حىت‬
‫يوصف به‪ ،‬ألن الشيء إذا كان مرتددا بني معنيني ال يوصف بأحدمها دون اآلخر‪ ،‬إال أن‬
‫يكون أخص به وأغلب عليه"‪.1‬‬

‫يقول الباجي رمحه اهلل موضحا معىن األصل الذي أخذت منه القاعدة‪ ،‬وهو‪َ ":‬ن ْهيُهُ ‪-‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ -‬ع ْن َبْي ِع الْغََر ِر"‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ‪َ -‬ع ْن َبْي ِع الْغََر ِر» َي ْقتَضي فَ َس َادهُ‪َ ،‬و َم ْعىَن َبْي ِع الْغََر ِر‪َ ،‬واَللَّهُ‬ ‫« َن ْهيُهُ ‪َ -‬‬
‫ف بَِبْي ِع الْغََر ِر َف َه َذا الَّ ِذي اَل‬
‫وص ُ‬
‫ص َار الَْبْي ُع يُ َ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَْيه َحىَّت َ‬
‫ِِ‬
‫َأعلَ ُم َما َك ُثَر فيه الْغََر ُر‪َ ،‬و َغلَ َ‬
‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِخاَل َ‬
‫ف يِف الْ َمْن ِع مْنهُ‪َ ،‬و ََّأما يَسريُ الْغََر ِر فَِإنَّهُ اَل يَُؤ ثُِّر يِف فَ َساد َع ْقد َبْي ٍع فَِإنَّهُ اَل يَ َك ُ‬
‫اد خَي ْلُو‬
‫يما فِ ِيه ِم ْن الْغََر ِر‪َ ،‬و َه ْل‬ ‫ِ اِل ِ ِ ِ ِ‬
‫َأعيَان الْعُ ُقود ْختاَل فه َما ف َ‬
‫ع ْق ٌد ِمْنه‪ ،‬وِإمَّنَا خَي ْتَلِف الْعلَماء يِف فَس ِاد ْ ِ‬
‫ُ َُُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫الص َّحةَ َْأو ِم ْن َحيِّ ِز الْ َقلِ ِيل الَّ ِذي اَل مَيَْنعُ َها"‪.2‬‬
‫ُه َو ِم ْن َحيِّ ِز الْ َكثِ ِري الَّ ِذي مَيْنَ ُع ِّ‬

‫فتبني بذلك أن الغرر أقسام ثالثة‪:‬‬

‫_كثري‪ ،‬وهذا منهي عنه ومفسد للعقد‪.‬‬

‫_قليل‪ ،‬وهذا مغتفر ومعفو‪ #‬عنه‪.‬‬

‫_مرتدد بني الكثري والقليل‪ ،‬فيختلف حكمه حبسب االختالف يف إحلاقه بأي القسمني‪.‬‬

‫الفرع الثاني أدلة اعتبارها‬

‫األدلة? في النهي عن بيوع الغرر قسمان‪:‬‬

‫األول‪ :‬أدلة عامة فيها التصريح بالنهي عن بيع الغرر‪.‬‬

‫‪ 1‬املقدمات املمهدات (‪)2/71‬‬


‫‪ 2‬املنتقى شرح املوطأ‪ ،‬أبو الوليد الباجي‪)5/41( ،‬‬
‫ص ِاة‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم َع ْن َبْي ِع احْلَ َ‬
‫ال‪َ :‬نهى رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫_عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قَ َ َ َ ُ‬
‫َو َع ْن َبْي ِع الْغََرر‪.1‬‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬


‫الثاين‪ :‬أدلة فيها النهي‪ #‬عن بعض أفراد الغرر وأنواعه‪ #،‬من ذلك هني النَّيِب ّ ‪َ -‬‬
‫ني‪ ،‬وعن بي ِع ِّ ِ‬ ‫يح‪ ،‬والْم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪َ ،‬و َبْي ِع الث ََّم ِر َقْب َل‬
‫السن َ‬ ‫ضام ِ َ ْ َْ‬ ‫َو َسلَّ َم ‪ -‬عن َبْي ِع َحبَ ِل احْلََبلَة‪َ ،‬والْ َماَل ق ِ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪ 2،‬قال فؤاد عبد الباقي رمحه اهلل‪ :‬ولكن‬ ‫صاَل ِح ِه‪َ ،‬و َبْي ِع الْ ُماَل َم َس ِة َوالْ ُمنَابَ َذة‪َ ،‬وحَنْ ِو َذل َ‬
‫بُ ُد ِّو َ‬
‫أفردت بالذكر وهنى عنها لكوهنا من بياعات اجلاهلية املشهورة"‪.3‬‬

‫المطلب الرابع بعض الفروع المندرجة تحت القاعدة‬

‫هذه القاعدة أصل عظيم من أصول كتاب البيوع كما ذكر بعض العلماء‪ ،‬فكل ما كان‬
‫جمهول العاقبة ال يدرى حقيقة أمره‪ ،‬فإنه يدخل يف بيع الغرر‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫ِ‬ ‫يث َأيِب ُهَر ْيَرةَ َر ِضي اللَّهُ َت َعاىَل َعْنهُ َّ‬ ‫_بيع الْماَل مس ِة والْمنَاب َذ ِة‪ ،‬حِل ِد ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ‬
‫َأن َر ُسول اللَّه َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ِ ‪5‬‬
‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َن َهى َع ِن الْ ُماَل َم َس ِة‪َ 4‬والْ ُمنَابَ َذة‪.‬‬

‫ص ِاة‪َ ،‬والَْبْي ِع الَّ ِذي فِيه غرر (‪ )3/1153‬رقم‬ ‫ِ‬


‫أخرجه مسلم‪ #‬يف صحيحه‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬بَاب بُطْاَل ن َبْي ِع احْلَ َ‬
‫‪1‬‬

‫احلديث ‪1513‬‬
‫‪ 2‬انظر املقدمات املمهدات‪ ،‬ابن رشد (‪ )2/71‬والقواعد النورانية‪ ،‬ابن تيمية‪169 ،‬‬
‫‪ 3‬حتقيق صحيح مسلم‪)3/1153( #،‬‬
‫‪ 4‬قال ابن رشد‪ ":‬واملالمسة أن يلمس الرجل الثوب وال ينظر إليه وال يتأمل ما فيه‪ ،‬أو يبتاعه ليال وال ينظر ما فيه‪،‬‬
‫واملنابذة أن ينبذ الرجل إىل الرجل ثوبه وينبذ اآلخر إليه ثوبه على غري تأمل منهما‪ ،‬ويقول كل واحد منهما‪ :‬هذا‬
‫هبذا"‪ ،‬املقدمات املمهدات (‪)71 /2‬‬

‫‪ 5‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪)31/155( ،‬‬


‫_و ِمْنها بيع احْل ص ِاة‪َ ،‬كَأ ْن ي ُقول الْباِئع‪ِ :‬إ َذا رمي ِ ِ‬
‫ك‬‫يع ِمْن َ‬ ‫ب َمبِ ٌ‬‫صا َة َف َه َذا الث َّْو ُ‬
‫ت َهذه احْلَ َ‬ ‫َ ُ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ َ‬
‫يث َأيِب ُهَر ْيَر َة َر ِض َي اللَّهُ َت َعاىَل‬‫الرمي ِصيغَةَ الْبي ِع‪ ،‬حِل ِد ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫جَي‬ ‫ي‬ ‫الت ْف ِس ِري الَّ ِ‬
‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫ك بِ‬
‫َ‬
‫بِ َك َذا‪ ،‬و َذلِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ‪1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاة‪.‬‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم َع ْن َبْي ِع احْلَ َ‬ ‫َعْنهُ قَال َن َهى َر ُسول اللَّه َ‬
‫_ومنها تعليق البيع على شرط مستقبل كمجيء الشهر وقدوم احلاج‪ ،‬ألنه بيع غرر من‬
‫‪2‬‬
‫غري حاجة فلم جيز‪.‬‬

‫‪ 1‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪)31/155( ،‬‬


‫‪ 2‬املهذب‪ ،‬الشريازي‪)20_2/19( ،‬‬
‫_ومنها‪ :‬بيع الثمرة اليت مل ختلق‪ ،‬وبيع املعاومة‪ ،‬وهذا من التعاقد على حمل معدوم‪.‬‬

‫_ومنها َبْي ُع الْبَعِ ِ‪#‬ري الشَّا ِر ِد‪ ،‬والطري يف اهلواء‪ ،‬وبيع اإلنسان ما ليس عنده‪ ،‬والغرر من جهة‬
‫‪1‬‬
‫عدم القدرة على تسليمه‪.‬‬

‫فتبني من خالل ما سبق أن هذه القاعدة أصل كبري من أصول كتاب البيوع‪ ،‬فوجود الغرر‬
‫الكثري يف العقد حيكم ببطالنه‪.‬‬

‫ويتجلى من خالهلا كذلك عناية الشريعة بأحوال املكلفني‪ ،‬إذ راعت الغرر اليسري فألغت‬
‫اعتباره‪ ،‬وذلك ملشقة االحرتاز منه‪.‬‬

‫‪ 1‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪)31/156( ،‬‬

You might also like