الفرد والديمقراطية وسيلة للتنمية الشاملة من منظور مالك بن نبي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫الفرد والدميقراطية وسيلة للتنمية الشاملة‬

‫من منظور مالك بن نيب‬

‫د‪ .‬سلوى بن جديد‬

‫جامعة باجي خمتار ـــ عنابة‬

‫مقدمـــــة‪:‬‬
‫جيعل ماكل بن نيب من هممة البناء الثقايف والبناء ادلميقراطي‪ ،‬بعد نيل بدلان العامل العريب واالسالي‬
‫اس تقاللها الشلكي‪ ،‬يف مقدمة ا ألولوايت‪ ،‬و أأن الانطالق من هذا البناء يف مسرية التمنية يعد رضورة‬
‫ال مناص مهنا حىت و أأن مرت س نني طويةل عن اترخي هذا الاس تقالل‪ ،‬اذلي يمل انقصا اذا هو جتاهل‬
‫أأمهية البناء الثقايف والبناء ادلميقراطي‪ ،‬فالتفكري يف مسأأةل التمنية واحلضارة عند ماكل بن نيب‪ ،‬هو تفكري‬
‫يف مسأأةل الثقافة وادلميقراطية(‪.)4‬‬
‫وسيمت الرتكزي يف هذه الورقة عىل أأمهية البناء الثاين "ادلميقراطية" كوس يةل وغاية يف مرشوع التمنية‬
‫الوطنية الشامةل من منمور ماكل بن نيب‪ ،‬اذلي يعترب أأول من كتب عن ادلميقراطية ــــ هبذا املصطلح‬
‫ـــــ يف العامل العريب‪ ،‬واكن ذكل يف مخسينات القرن املايض يف حمارضة بعنوان "ادلميقراطية يف االسالم"‪،‬‬
‫منشورة يف كتابه "تأأمالت" كام سيمت الاهامتم ابلفرد كوحدة حمورية يف مرشوع التمنية الوطنية الشامةل‬
‫ويف املرشوع احلضاري‪ ،‬اذلي كتب عنه ماكل بن نيب مضن اهامتماته الرئيس ية بـ"مشالكت احلضارة"‪.‬‬
‫وس نعرض لهذه املسائل من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أأوال‪ :‬الفرد حمور املرشوع التمنوي واحلضاري‬
‫‪- 4‬الفرد من خالل الربانجمني الثقايف والس يايس‪.‬‬
‫‪- 4‬مفهوم"الس ياسة"عند ماكل بن نيب‪.‬‬
‫‪- 3‬ترقية املر أأة ‪ ...‬اجناح لربامج التمنية واملرشوع احلضاري‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫اثنيا‪ :‬ادلميقراطية عند ماكل بن نيب وس يةل وغاية تمنوية وحضارية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الفرد حمور املشروع التنموي واحلضاري‪.‬‬
‫يفرس ماكل بن نيب اهامتمه ابلفرد كوحدة يف حتليالته العلمية ملشالكت احلضارة‪ ،‬بأأن الفرد هو النواة‬
‫يف أأي جممتع أأو كيان س يايس‪ ،‬فهو أأصغر وحدة اجامتعية حتمل خصائص اللك‪ ،‬يقول ماكل بن نيب‪:‬‬
‫"انه من خصائص احلضارة أأن تطبع مجيع حقائقها الثقافية وخصائصها ا ألخالقية وامجلالية والصناعية يف‬
‫املنمر االنساين ويف المنوذج الاجامتعي اذلي يتحرك فيه"(‪.)4‬‬
‫ويف هذا الس ياق يقول ادلكتور أأسعد السحمراين‪ " :‬تبد أأ معلية التطور من االنسان ألنه اخمللوق الوحيد‬
‫القادر عىل قيادة حركة البناء وحتقيق قفزات نوعية‪ ،‬متهد لمهور احلضارة‪ ،‬أأما املادة مفهام يكن من أأمرها‬
‫تكديسا وزايدة‪ ،‬فاهنا تبقى جتميع مكي ال يعطي معىن كيفيا نوعيا اال ابس تخدام االنسان هل"(‪.)3‬‬
‫فرتكزي ماكل بن نيب عىل الفرد اذن يأأيت اقتناعا منه بأأن جناح أأو فشل أأي س ياس ية مرهون مبدى تقبل‬
‫هذا الفرد لها‪ ،‬حيث يقول يف هذا الس ياق‪" :‬اذا أأردت أأن تصلح أأمر ادلوةل أأصلح نفسك" (‪،)0‬‬
‫واملالحظ أأن تكوين الفرد‪ ،‬يعد اجناز فيه ضامن الس مترار ادلوةل واجملمتع حيث انه يف حاةل ما اذا تعرض‬
‫البناء الس يايس لهزات كبرية‪ ،‬فان ادلوةل تس متر وتتجاوز حمنهتا بفضل وعي أأفرادها‪ ،‬ولنا مثال عىل هذا‬
‫يف حادثة صفني حيث اس مترت ادلوةل االسالمية بفضل ما أأوتيت من وعي وتعقل دلى العامة من‬
‫املسلمني اذلين مل هيمهم ال عيل كرم هللا ووهجه وال معاوية‪ ،‬بل هللا ونرش الرساةل احملمدية‪ ،‬حفملوها‬
‫وراحوا هبا غراب ورشقا فاحتني‪ ،‬غري مبالني بدمشق أأو املدينة‪.‬‬
‫مفاكل بن نيب تعامل يف حتليالته ملشالكت احلضارة مع وحدتني أأساس يتني هام احلضارة والفرد‪ ،‬ا ألوىل‬
‫كأوسع وحدة اجامتعية ميكن أأن تتحقق يف التارخي والثانية كأصغر وحدة برشية ألي بناء اجامتعي‪،‬‬
‫ومشلكة املسمل بعد هذا يه عنده مشلكة حضارة‪ ،‬وليست مشلكة دوةل كام يراها الكثري من املثقفني‬
‫اجلزائريني‪.‬‬
‫ومشلكة احلضارة تتطلب حلوال ال عىل مس توى ادلوةل حفسب‪ ،‬بل أأوال وقبل لك يشء عىل مس توى‬
‫الفرد‪ ،‬الن ترقية الفرد يه ابلرضورة تقدم لدلوةل يف حني العكس ليس حصيح ابلرضورة‪ ،‬حيث أأن‬
‫تقدم ادلوةل قد يكون ما يصطلح عليه ماكل بن نيب بـ"حاةل حضارة" وليس حضارة‪ .‬أأي أأن جناح أأي‬
‫بناء مادي أأو اجامتعي امنا يضمن عىل مس توى أأصغر وحدة فيه‪ ،‬فاذا اكنت هذه الوحدة من النوع الرفيع‬
‫واملتني جاء البناء قواي رصينا أأما اذا مت الاهامتم ابلشلك الهنايئ للبناء فقط مع عدم الاكرتاث بوحداته‬
‫الصغرية ولبناته‪ ،‬فان العمل يكون حامت غري متني وقابل لالهنيار عىل نفسه أأمام أأبسط حادثة ‪.‬‬

‫‪-6-‬‬
‫مث ان الس ياس ية اليت هتمت ابلرتكزي عىل الفرد‪ ،‬تكون أأكرث مردودية من غريها‪ ،‬و أأكرث فعالية وابختصار‬
‫فان" لك تفكري يف مشلكة االنسان هو يف الهناية تفكري يف مشلكة احلضارة"‪ ،‬مبعىن أأن الرتكزي عىل‬
‫الفرد ليس فيه أأي مضيعة للوقت‪ ،‬فتكوين االنسان املسمل وترقيته‪ ،‬معل من ورائه يتحقق أليا بناء‬
‫ادلوةل ذات الس يادة)‪ (L'Etat Souverain‬ومهنا فامي بعد بناء احلضارة‪ .‬وهكذا يعترب بناء الفرد‪ ،‬هو‬
‫بناء لدلوةل وسعي حنو احلضارة ‪.‬‬
‫وحياول ماكل بن نيب من خالل الرتكزي عىل الفرد يف حتليالته أأن يقنع امجليع ابن التغري‬
‫الاجامتعي ال يفرض من فوق يف شلك س ياسة حيددها النمام احلا م بعيدا عن مكوانت الفرد وتطلعاته‪،‬‬
‫بل ان التغري الاجامتعي ينبع من ذات اجملمتع‪ ،‬أأي يأأيت بدافعية ذاتية جممتعية‪ ،‬وقودها جوهر الثقافة‪.‬‬
‫ان س ياس ية ادلوةل وتعريفها لعملها يف املواثيق ووضعها لطرق حامية لتكل ا ألعامل‪ ،‬من التخريب‬
‫والاحنراف‪ ،‬يراه ماكل بن نيب معال غري اكف لنجاح مشاريع التمنية‪"،‬فالس ياسة ال تس تطيع أأن تكون‬
‫العمل اذلي تقوم به ا ألمة لكها اال بقدر ما تكون مطبوعة يف معل لك فرد مهنا‪ ،‬و أأكرث من هذا يعترب‬
‫ماكل بن نيب" االنسان عنرصا يف املرشوع الس يايس من وهجتني‪ :‬أأي ابعتباره" ذاات "حتقق الغاية من‬
‫الس ياس ية و"موضوعا"‪ ،‬هو بعينه الغاية املرجوة "‪ ،‬وهكذا فرتكزي ماكل بن نيب عىل الفرد هل ما يربره‪،‬‬
‫فهو يريد أأن يكون الفرد‪ ،‬فاعل وليس مفعول به‪.‬‬
‫‪- 4‬الفرد من خالل الربناجمني الثقايف والسياسي‬
‫اذا اكنت الس ياسة عند ماكل بن نيب جزءا ال يتجز أأ من الثقافة‪ ،‬فاهنا من هجة أأخرى ويف ر أأيه تمتزي‬
‫عهنا نوعيا‪ ،‬فاذا اكنت الثقافة تركز بصفة عامة عىل الفرد فان الس ياسة ختاطب أأساسا امجلاعة‪ ،‬وعليه‬
‫ميكن القول ان الفرد يف جمال الثقافة هو مرادف مصطلحي"الشعب" و"امجلاهري" يف جمال الس ياسة ‪.‬‬
‫يقول ماكل بن نيب يف هذا الس ياق أأن "الثقافة تعمل عىل توجيه الطاقات الفردية لتحقيق بناء الفرد يف‬
‫ادلاخل ابلنس بة اىل مصلحته‪ ،‬ولتحقيق ماكنته يف اجملمتع ابنسجام تكل املصلحة مع مصلحة اجملمتع ‪ ...‬يف‬
‫حني تعمل الس ياسة عىل توجيه الطاقات الاجامتعية لتحقيق بناء اجملمتع يف ادلاخل وحتقيق ماكنته يف‬
‫اخلارج "(‪.)5‬‬
‫وعندما ر أأى ماكل بن نيب أأن واقع العامل العريب واالسالي يف حاجة اىل تغيري ال يف جمال الس ياسة‬
‫حفسب بل يف جمال الثقافة بصفة عامة ر أأى تبعا ذلكل انه من ابب املنطق والفعالية الرتكزي نمراي‬
‫وتطبيقيا عىل الفرد بدل الشعب اذلي يبقى مفهومه حىت يف جمال الس ياسة مائعا‪ ،‬وهكذا فاذا اكنت‬

‫‪-7-‬‬
‫الس ياسة غايهتا كسب الر أأي العام ورضاء امجلاهري والشعب علهيا‪ ،‬فان الفرد هو غاية الثقافة حسب ما‬
‫نس تخلصه من فكر ماكل بن نيب يف هذا املوضوع ‪.‬‬
‫ويف هذا الس ياق نرى أأن ا ألنممة الس ياس ية الصادقة مع شعوهبا يه تكل اليت تنهتج يف مرحةل تكوين‬
‫ادلوةل س ياسة لها مالمح الثقافة يف خماطبهتا الفرد‪ ،‬ألن اجملمتع يف هذه املرحةل يكون حباجة اىل ارساء‬
‫عادات وتقاليد جديدة لتكوين املعادةل الاجامتعية الساحنة بتحقيق التمنية املنشودة‪ ،‬والفرد يف هذا‬
‫اجلانب يكون هو املقصود‪ ،‬ومرة اجتازت ادلوةل هذه املرحةل بنجاح ميكهنا عندئذ امتالك س ياسة‬
‫ختاطب امجلاهري‪ ،‬فلك فرد يكون قد فهم دوره يف اجملمتع‪.‬‬
‫فس ياسة خماطبة الفرد قرينة مرحةل اعطاء البناء الثقايف الاجامتعي مالحمه ا ألساس ية‪ ،‬وميكن الاس تغناء‬
‫عهنا يف مرحةل البناء الاقتصادي اذلي يتطلب ابلعكس خطاب س يايس يرتكز عىل الشعب كطاقة‬
‫غري جمزئة ‪.‬‬
‫ففي احلاةل اليت توجد علهيا بدلان العامل العريب واالسالي حيبذ ماكل بن نيب اتباع س ياسة اصالح‬
‫االنسان‪ ،‬ال تنممي مجوع الشعب كام سعى اىل ذكل جامل ادلين ا ألفغاين(‪ ،)0‬ألهنا أأمضن من حيث‬
‫املردود‪ ،‬عىل اصالح وتنممي مجوع الشعب‪ ،‬حيث يكسب اجملمتع لك أأفراده‪ ،‬يف حني أأن تنممي امجلاهري‬
‫معلية ال ميكن من خاللها التأأكد من حقيقة صقل لك السلوكيات وتغيري اذلهنيات‪ ،‬فالفرد يذوب سلبا‬
‫يف امجلاعة وال يعود يتحرك اال يف وسطها‪ ،‬حيث مييل اىل الاتاكل عىل الغري‪ ،‬وال يواجه الواقع منفردا‬
‫وال يبادر بيشء‪ ،‬فهو يتلقى فقط أأو يرد الفعل‪.‬‬
‫س ياسة الارتاكز عىل الفرد بدل امجلاهري حتول دون حتول امجلاهري اىل أأبواق تردد ما يطلب مهنا‪ ،‬عندما‬
‫يتحول القادة اىل زعامء اكريزماتيني‪ ،‬كام أأهنا حت رمل لك فرد من أأفراد اجملمتع مسؤولية اجناح مشاريع التمنية‬
‫وتزوده ابلوعي احلضاري واحلس املدين‪ .‬حصيح أأن مثل هذه الس ياسة ال تمثر يف احلني لكن جين مثارها‬
‫يشء أأكيد‪ ،‬فاذا اكن اصالح الفرد معل يتطلب ادلقة والعقالنية وفيه مشقة فانه يف املقابل معل ابجتاه‬
‫تمنية فعلية وحضارة واثقة اخلطى‪.‬‬
‫يف حني الس ياسات اليت ترتكز عىل امجلاهري‪ ،‬تعد س ياسات شعباوية وابلتايل غري دميقراطية‪ ،‬وحىت‬
‫لو مل تسعى اىل ذكل فان امجلاهري يف ظل مثل هذه الس ياسات تكون عرضة لترسب الانهتازيني‬
‫وا ألميني الهيا والتحمك يف مصريها من خالل ش بكة حممكة من عالقات املصاحل اخلاصة‪ ،‬ان مثل هذه‬
‫الس ياسات ميكن أأن حتقق حاةل حضارة ال حضارة‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫واملالحظ يف هذا الس ياق أأن طبيعة اجملمتع تتدخل بطريقة واحضة يف حتديد طبيعة الس ياسات‬
‫اليت ينبغي اتباعها‪ ،‬حيث أأن نتاجئ س ياسة ترتكز عىل امجلاهري ختتلف من جممتع فاليح اىل جممتع رعوي‪.‬‬
‫وانه من ا ألسهل وا ألفيد تنممي امجلوع يف جممتع فاليح الن الفرد فيه مزود بغريزة احلياة امجلاعية‪)1( ،‬‬

‫اكجملمتع املرصي‪ ،‬اذلي يضطر فيه الفرد اىل حتقيق معاشه ابلعمل وسط امجلاعة‪ ،‬فالفرد يف اجملمتع الفاليح‬
‫دليه واعي بأأنه ال يس تطيع الاس تقالل بنفسه وبنشاطه‪ ،‬الن ذكل قضاء عىل مصادر حياته وعيشه‪،‬‬
‫فهو وحدة يف اطار جامعة ال تقوم بذاهتا بل ابلتعاون مع وحدات أأخرى مشاهبة‪ ،‬فالفرد خاضع غري ممترد‬
‫عىل احلياة امجلاعية ويمتتع بعقلية حتلل يف اطار امجلاعة‪ ،‬فهو عىل هذا لني املزاج سهل االخضاع يف‬
‫الماهر‪ ،‬لكنه ميكل يف املقابل رصيد ثقايف متني حيول يف احلقيقة دون خضوعه فعليا‪ ،‬وهكذا مفن‬
‫السهل التخطيط هل يف اطار امجلوع وحتريكه يف اطارها‪ .‬اذا اكن من املمكن جملمتع رعوي أأن يتحول اىل‬
‫جممتع فاليح فان العكس غري ممكن‪ ،‬فالطبيعة اجلامدة يف اخضاع مس متر من قبل االنسان‪.‬‬
‫واملالحظ أأن ادلوةل االسالمية ا ألوىل عندما أأرادت بناء جمد لها‪ ،‬مل ترض عامصة‬
‫المرباطوريهتا اال مدان هنرية وسهلية كدمشق وبغداد ألهنا أأدركت أأن الرتحال والتصحر ظواهر تفقد‬
‫احلضارة أأسسها وقاعدهتا للحياة امجلاعية (‪ ،)8‬فزحزحت العامصة من املدينة اىل دمشق مث بغداد ‪.‬‬
‫يف حني يتطلب جممتع رعوي اكجملمتع اجلزائري وا ألفغاين وضع س ياسات ترتكز عىل الفرد الن هذا‬
‫ا ألخري اعتاد العزةل يف املناطق السهبية واجلبلية والصحراوية ويتحرك وحده وسط الطبيعة بكثري من‬
‫احلرية والمترد عىل احلياة امجلاعية‪ ،‬حيث انه من الصعب اخضاعه لس ياسة معينة وخاصة اذا اكنت‬
‫ترتكز عىل خماطبة امجلاهري‪ ،‬فالفرد يف اجملمتع الرعوي واجلبيل وحدة مس تقةل يف حتقيق أأمنه الغذايئ ويف‬
‫مواهجة حتدايت الطبيعة‪ ،‬وعليه فان حماوةل التخطيط هل يف اطار امجلوع معل ال فائدة كبرية ترىج منه‪،‬‬
‫ينبغي أأوال اصالحه بطريقة منفردة ليصبح قابل للتطويع‪ ،‬وعليه فا ألفغاين حيامن سعى اىل تنممي امجلوع‬
‫يف اجملمتع ا ألفغاين الرعوي اكن خاطئا‪ ،‬واكن ابن ابديس حمقا يف س ياس ته الصالح الفرد‪ ،‬هذا ابالضافة‬
‫اىل أأن ا ألول ركز معهل يف اجملال الس يايس يف الوقت اذلي اكن ينبغي أأن يبد أأ ابلعمل الثقايف(‪.)9‬‬
‫وهكذا فان س ياسة الرتكزي عىل الفرد عند تأأسيس ادلول يه املضمونة مثارها يف اجملمتعني‬
‫الفاليح والرعوي‪ ،‬يف حني أأن س ياسة الرتكزي عىل امجلاهري يف نفس املرحةل من معر ادلول ال ميكن‬
‫أأن تفيد اال يف جممتع فاليح وابس تعامل خطاب اجامتعي ال س يايس ‪.‬‬
‫ومن هنا يتحمت عىل ا ألنممة الس ياس ية يف العامل العريب واالسالي وقادة احلراكت االسالمية‬
‫أأن جييدوا دراسة اذلات اجملمتعية يف بدلاهنم قبل التوجه الهيا بأأي خطاب‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫‪- 4‬مفهوم"السياسة"عند مالك بن نيب‬
‫وتبقى الس ياسة اكنت ترتكز عىل الفرد أأم الشعب يه واحدة من حيث املضمون ويعرفها‬
‫ماكل بن نيب بأأهنا" ختطيط للحياة تتجىل فيه اخلصائص ا ألخالقية والفكرية والاجامتعية اليت تتصف‬
‫هبا بيئة معينة وشعب معني(‪ ،" )46‬ويعرفها أأيضا بأأهنا "يف جوهرها مرشوع لتنممي التغريات املتتابعة‬
‫يف ظروف االنسان و أأوضاع حياته "(‪ )44‬وبأأهنا "العمل املنمم لـجامعة معينة بلك ما تقتضيه وتفرتضه‬
‫لكمتا تنممي وجامعة" (‪ ،)44‬وبأأهنا "معلية استبطان القمي وحماوةل التأأمل يف الصورة املثىل خلدمة الشعب"‬
‫(‪.)43‬‬
‫واجلدير ابملالحمة أأن س ياسة خماطبة الفرد تشرتط يف رجل ادلوةل ا ألول أأن تكون هل سامت القائد أأو‬
‫الزعمي "املريب ــــــ ‪ "Educateur‬اذلي ال خيجل من خماطبة الفرد يف ترصفاته وسلوكه جتاه نفسه‬
‫واجملمتع‪ ،‬وال نقول اجتاه ادلوةل أأي خماطبة الفرد يف عالقته ابجملمتع وليس املواطن يف عالقته ابدلوةل‪.‬‬
‫ويرى ماكل بن نيب أأن انفصال معل ادلوةل عن الفرد اذلي يعيش يف نطاقها يدل عىل‬
‫دكتاتورية النمام القامئ وهذا يعين من هجة اثنية أأن هناك فصل معنوي لـ" ادلوةل "عن" الوطن"‪ ،‬وجعز‬
‫الس ياسة يف التأأثري عىل نشاط لك فرد‪ ،‬جعزها يف حتريك الطاقات حنو هدف حمدد مدرك(‪.)40‬‬
‫واملالحظ أأن اجلزائر منذ اس تقاللها تعيش انفصال معل ادلوةل عن الفرد فهيي"دوةل" دلى فئة قليةل‬
‫من الشعب ينبغي احملافمة عىل سلطاهنا‪ ،‬ويه"وطن" دلى ا ألغلبية جيب أأن حترتم حقوقه‪ ،‬كام توجد‬
‫فئة أأصبحت معتربة ال جتد نفسها ال يف الوطن وال يف ادلوةل‪ ،‬الختالط ا ألمر واملفاهمي علهيا‪.‬‬
‫والفكرة اليت أأراد ماكل بن نيب الوصول الهيا يه أأن "التعاون بني ادلوةل والفرد عىل الصعيد‬
‫الاجامتعي والاقتصادي والثقايف هو العامل الرئييس يف تكوين س ياسة تؤثر حقا يف واقع الوطن"(‪)45‬‬

‫واملالحظ أأن لك ما ح رذر منه ماكل بن نيب قد حدث بامتمه يف وطنه الصغري‪ ،‬وكأن عقل خفي مناهض‬
‫ملاكل بن نيب قد معل وخطط من أأجل أأن حيصل ذكل ابذلات‪ ،‬انتقاما منه ومن ا ألرض اليت أأجنبته ‪.‬‬
‫وهكذا يقدم ماكل بن نيب طبيعة عالقة ادلوةل ابلفرد مكؤرش هام عىل طبيعة نماهما الس يايس ومدى‬
‫اس تعداده لتقبل فكرة انبثاق س ياسة ادلوةل من قمي الشعب وتضمهنا لتطلعاته احلقيقية‪ ،‬وسنتوسع يف‬
‫الفكرة يف احملور املوايل اخلاص ابدلميقراطية‪.‬‬
‫‪- 3‬ترقية املرأة ‪ ..‬إجناح لربامج التنمية واملشروع احلضاري‬

‫‪- 10 -‬‬
‫اذا اكن االسالم ال خيص املر أأة بتكوين منفرد عن الرجل‪ ،‬واذا اكن ماكل بن نيب أأيضا يرى فامي‬
‫يتعلق ابملر أأة‪ ،‬انه ال بد أأن تطرح مشلكة "انباهتا" مثلها مثل الرجل حىت ال تغرس جذورها أأيامن اكن‬
‫وكيفام اكن(‪ ،)40‬فانين أأرى أأن ما عانته املر أأة يف العامل العريب واالسالي منذ عرص الاحنطاط ـــــ بغض‬
‫النمر عن مشالكت احلضارة اليت رزحت ومازالت بثقلها عىل املر أأة والرجل معا ــــــ من كبت واضطهاد‬
‫الرجل املسمل لها ابمس ادلين والتقاليد‪ ،‬يس تدعي من دول العامل العريب واالسالي ختصيص س ياسات‬
‫فعاةل لرتقية املر أأة املسلمة تعيد لها الثقة يف ديهنا وثقافهتا‪ ،‬مث ان هذه الس ياسة ستمثر ال حماةل بمنو متوازن‬
‫للمجمتع الن منوه مير حامت عرب الهنوض ابملر أأة‪.‬‬
‫ان املر أأة املسلمة ال جتد يف واقعها شيئا من ديهنا‪ ،‬هذا ا ألخري اذلي حتول مع الزمن يف نمرها اىل وس يةل‬
‫لتكريس وضعها "مبثاليته اليت ال تتحقق"‪ ،‬وعليه ر أأت انه من ا ألفضل لها الفرار اىل منط حياة حتقق من‬
‫خالهل ولو شلكيا انرشاهحا وتبلور فيه خشصيهتا وان اكن عىل حساب قمي اجملمتع اذلي تنمتي اليه‪ ،‬هذا‬
‫اجملمتع اذلي تأأثر بوضوح من حتول املر أأة املسلمة عن قميه ابعتبارها كام قالت عائشة بنت الشاطيء يف‬
‫احدى حمارضاهتا‪ ،‬أأن املر أأة تعد نصف اجملمتع واملؤثرة يف نصفه الثاين‪.‬‬
‫اذن جيب أأن تكون هناك س ياسة يف بدلان العامل العريب واالسالي تلتقط املر أأة املسلمة من هامش‬
‫احلياة ومن الاغرتاب الثقايف اذلي هاجرت اليه مرمغة‪ ،‬وتعمل عىل ترقيهتا واسعادها‪ ،‬كغاية يف حد‬
‫ذاهتا وكوس يةل ورشط ال بد منه الجناح املرشوع الثقايف‪ ،‬مبفهوم بن نيب الواسع للثقافة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ادلميقراطية عند ماكل بن نيب وس يةل وغاية تمنوية وحضارية‬
‫يسمل ماكل بن نيب ابدلميقراطية يف االسالم وحيدد مبارشة مواصفاهتا حىت ال يرتك جماال للسؤال اذلي‬
‫مفاده هل توجد دميقراطية يف االسالم‪ ،‬ويعرف ماكل بن نيب االسالم من خالل حديث نبوي رشيف‪:‬‬
‫"االسالم ان تعبد هللا وال ترشك به وتقمي الصالة وتؤدي الزاكة وتصوم رمضان"‪ .‬ومن هنا يرى ماكل‬
‫بن نيب انه اذا اكن االسالم تقرير خبضوع االنسان اىل سلطة هللا فان ادلميقراطية تقرير سلطة االنسان‬
‫يف اجملمتع)‪.)41‬‬
‫واذا اكن الشعور ادلميقراطي يف أأورواب يعترب النتيجة واملأل الطبيعي حلركة االصالح والهنضة ابعادة‬
‫الاعتبار اىل االنسان اذلي هضمت حقوقه‪ ،‬الطبقة ادلينية واجلهل‪ ،‬فان هذا ال مينع من أأن تطبق‬
‫ادلميقراطية يف غري أأورواب‪ ،‬الن جوهرها انساين‪ ،‬وعليه من املمكن أأن ختدم االنسان يف أأي ماكن‪.‬‬
‫وادلميقراطية حسب ماكل بن نيب ليست يه معلية تسلمي سلطات اىل امجلاهري بنصوص قانونية بل يه‬
‫"مرشوع تثقيف يف نطاق أأمة باكملها وعىل مهنج شامل يشمل اجلانب النفيس وا ألخاليق والاجامتعي‬

‫‪- 11 -‬‬
‫والس يايس")‪ ،)48‬حىت ال يرتك انسان واحد يشعر ابلعبودية النسان أخر أأو ابلعبودية للفقر واجلهل‪،‬‬
‫حىت ال يكون هناك انسان اتبع لخر بسبب هجهل أأو أأميته أأو فقره‪ ،‬وحىت ال يرتك هناك انسان يشعر‬
‫برضورة اس تعباد انسان أخر ألي سبب اكن‪.‬‬
‫ومن هنا نس تخلص أأن ادلميقراطية يه القضاء عىل الشعور ابلتبعية عىل مس توى الفرد وادلوةل‪ ،‬تبعية‬
‫فرد لخر نتيجة فقر أأو هجل وتبعية دوةل ألخرى نتيجة قابليهتا ذلكل‪ .‬واملسؤولية هنا ملقاة عىل الطرفني‬
‫وخباصة الطرف اذلي يشعر برضورة تبعيته للخر‪.‬‬
‫وهكذا تتضح حقيقة أأن الشعور ادلميقراطي عند ماكل بن نيب هو احلد الوسط بني طرفني متناقضني‬
‫هام "الاس تعباد" و"العبودية"‪ ،‬مبعىن انه التخلص من رواسب العبودية ومن نزعات الاس تعباد)‪، (19‬‬
‫والشعور ابالس تعباد أأو ابلعبودية يعد نفيا للشعور ابدلميقراطية وميكن أأن نرمز لالس تعباد ابالس تعامر‬
‫وللعبودية ابلقابلية للتبعية‪.‬‬
‫والسؤال اذلي يطرحه ماكل بن نيب هنا هو فامي تمتثل الوسائل اليت يكفل هبا االسالم حتقيق الشعور‬
‫ادلميقراطي‪ .‬فريى أأن اجلواب ال يتعلق بنص فقهيي مس تنبط من القرأن والس نة بل يتعلق جبوهر االسالم‬
‫بصفة عامة‪ .‬ويضيف أأن "االسالم ليس دس تورا يعلن ويرصح بل مرشوع دميقراطي تفرزه املامرسة"‪،‬‬
‫انطالقا من املبادئ اليت أأقرها االسالم واليت يه يف صورة بذور تغرس يف الوعي االسالي ودوافع‬
‫وشعور عام يكون املعادةل االسالمية يف لك فرد من اجملمتع(‪.)46‬‬
‫ويكون ادلس تور يف هذه احلاةل انعاكس لواقع واس تجابة لرضورة معينة‪ ،‬أأي النتيجة الشلكية للمرشوع‬
‫ادلميقراطي(‪ ،)44‬واذا عدان اىل نص القرأن الكرمي جند فيه من الايت الكثري اليت تتلكم عن مقت‬
‫االسالم لروح العبودية والاس تعباد‪ ،‬واعتبار ذكل رشك ابهلل(‪ ،)44‬وهكذا حيفظ االسالم املسمل من‬
‫الزناعات اليت تتناىف والشعور ادلميقراطي ابلنص القرأين وليس فقط من خالل اجلو اذلي يعمل عىل‬
‫اجياده‪.‬‬
‫واملالحظ أأن ادلميقراطية كجزء من الثقافة االسالمية تتحقق من خالل ثالث معليات‪:‬‬
‫‪-4‬تطعمي اذلات بقمي قرأنية وسنية‪،‬‬
‫‪-4‬حتصني اذلات ضد نزاعات الاس تعباد‪،‬‬
‫‪-3‬تصفية اذلات من نزاعات العبودية‪.‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫وما يسجل بشأأن ادلميقراطية الليربالية‪ ،‬يه أأهنا تتجسد يف منح احلقوق والضامانت الاجامتعية للفرد‬
‫وترتكه بعد ذكل عرضة اما لزناعات الهمينة الاقتصادية والاحتاكر كطرف يقع عليه ثقلها‪ ،‬أأو يوقع ثقلها‬
‫عىل الخرين‪ ،‬وعليه فادلميقراطية الليربالية ال تقيض عىل الزنعة الاس تعبادية والعبودية متاما كام تفعل‬
‫ادلميقراطية يف االسالم‪ ،‬بل ترتك هلام بذور يف النفوس‪ ،‬الن نطاقها الواقع الاجامتعي امللموس يف حني‬
‫تالحق ادلميقراطية االسالمية نزاعات العبودية والاس تعباد اىل النفس البرشية كرشط تتحقق به هذه‬
‫ادلميقراطية‪.‬‬
‫واجلدير ابالشارة أأن ادلميقراطية كقمي معنوية رضورية حلياة الفرد وادلوةل ليست يف ر أأينا من صنع اترخي‬
‫أأورواب بل يه حتت أأسامء خمتلفة) شورى‪ ،‬سلطة الشعب ‪ (...‬نتيجة موضوعية لتطور احلضارات حيث‬
‫ال ميكن أأن تمثر هذه ا ألخرية بتقدم العلوم دون توفر جو معني يسمح بذكل‪ .‬هذا اجلو اذلي نسميه يف‬
‫العرص احلديث ابدلميقراطية‪ ،‬يصبح من العوامل املؤثرة اجيابيا يف اس مترار احلضارة بعد أأن اكن من نتاجئها‪.‬‬
‫وابن خدلون حيامن قال " أأن الممل مؤذن خبراب العمران"(‪ )43‬امنا أأراد أأن يقول ان ادلميقراطية مبصطلحات‬
‫عرصان من مس تلزمات احلياة املمتدنة ابعتبارها نقيض الممل اذلي يراد به الاس تعباد‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح أأن للك ثقافة دميقراطيهتا اليت تقرتب من املفهوم العام لدلميقراطية املنايف‬
‫للعبودية والاس تعباد‪ ،‬وان أأية دميقراطية امنا تطرح يف نطاق املقومات ا ألساس ية لثقافة اجملمتع املعين هبذه‬
‫ادلميقراطية‪.‬‬
‫وهكذا فادلميقراطية ليست ثقافة وامنا وس يةل وألية لتمثني الثقافة ولتحرير طاقات الفرد املبدعة وحتقيق‬
‫الانسجام بني مكوانت ادلوةل مما حيقق قوهتا ومناعهتا‪ ،‬ألنه كام قال ابن خدلون " ‪ ...‬اذا اكنت امللكة‬
‫و أأحاكهما ابلقهر والسطوة واالخافة‪ ،‬فتكرس حينئذ من سورة بأأسهم (يقصد الرعية أأو املواطنني يف‬
‫عرصان) ملا يكون من التاكسل يف النفوس املضطهدة ")‪.(24‬‬
‫فادلميقراطية بعد هذا يه ما عرب عنه ماكل بن نيب يف س ياق اخر مبناخ فكري ( ‪Climat‬‬
‫‪ )Culturel‬ترتعرع فيه مواقف جديدة جتاه العمل واملعرفة(‪ ،)45‬هذا املناخ اذلي من شأأنه توقيف جهرة‬
‫ا ألدمغة اليت ترجع أأس باهبا أأساسا كام يقول اىل فقدان املربرات الكفيةل بشد العزامئ ورفع اهلمم اىل‬
‫مس توى املسؤوليات املنوطة ابلعلامء واملثقفني(‪.)40‬‬
‫وادلميقراطية يف االسالم عىل هذا‪ ،‬يه لك املبادئ اليت قررها االسالم يف اجملال الس يايس والاجامتعي‬
‫والاقتصادي محلاية حرية الفرد واجملمتع‪ .‬وادلوةل املسلمة يف هذا الس ياق يه دوةل ال ترىض لشعهبا‬
‫وخملتلف الشعوب ابالس تعامر وال ابلقابلية هل‪ ،‬ومن خالل دراستنا للحضارة وادلميقراطية واالسالم جند‬

‫‪- 13 -‬‬
‫أأهنا يف النتيجة مصطلحات متعددة ملفهوم واحد ميجد االنسانية )‪ (l'Humanisme‬وخيدم البرشية‬
‫)‪.(l'Humanité‬‬
‫والحظ ماكل بن نيب أأن لك ادلايانت وا أليديولوجيات تش يد حرية الفرد واجملمتع عىل تقييد للحرية‬
‫الفردية‪ ،‬ويبقى الاختالف بيهنا فقط يف املواضيع اليت ميسها هذا التقييد‪ ،‬الن "الطاقة الطبيعية للفرد‬
‫اذا حترر دومنا اشرتاط‪ ،‬تكون مكتسحة جمتاحة حبيث تقوض النمام وتلهتم الانضباط وجتعل العمل‬
‫املشرتك مس تحيال" حفرية االنسان عند ماكل بن نيب كام يه عند جل املفكرين ال ميكن أأن تكون مطلقة‬
‫بل جيب أأن ختضع ملرشوطية جتعل مهنا طاقة خمصصة للمراي ادلقيقة اليت يس هتدفها جممتع بصدد بناء‬
‫كيانه(‪.)41‬‬
‫وادلميقراطية يف هذا الس ياق لو متنح مجةل واحدة للشعب يف ليةل وحضاها لتغدو حامت شيئا مضاعف‬
‫النتشار الفوىض‪ ،‬ان لك يشء مينح دفعة واحدة ال تكون هل فعالية حىت ادلواء اذلي لو يتناول دفعة‬
‫واحدة قصد جتميع جناعته قد يؤدي اىل املوت املؤكد‪ ،‬فكذكل ا ألمر ابلنس بة للمشاريع الس ياس ية‬
‫والاجامتعية‪"،‬ان البذرة اليت يقدر لها أأن تنبت جيب أأوال أأن تدفن يف الرتاب"(‪ )48‬والفكرة اليت يقدر‬
‫لها أأن تتجسد يوما ما جيب أأوال أأن ختمتر يف العقول‪ ،‬وحىت القرأن يرى ماكل بن نيب لو انه "اكن قد‬
‫نزل مجةل واحدة لتحول رسيعا اىل لكمة مقدسة خامدة واىل فكرة ميتة واىل جمرد وثيقة دينية ال مصدرا‬
‫يبعث احلياة يف حضارة وليدة"(‪.)49‬‬
‫وبصفة عامة فان انزتاع رضاء الشعوب عىل أأنممهتا يف العامل العريب واالسالي يفرض عىل هذه ا ألخرية‬
‫أأن حتمك من خالل ا ألوىل و أأن تكون عقلها املفكر حىت ينطبق دلى الغالبية مفهوم ادلوةل عىل مفهوم‬
‫الوطن‪ ،‬واذا تعذر هذا العامل يؤكد ماكل بن نيب فان القطيعة املعنوية سوف تعزل ادلوةل عن الوطن‬
‫وتشل الطاقات الاجامتعية(‪ ،)36‬وتغدو ادلوةل اطارا أأجوف من الشعب اذلي يشلك يف ا ألصل جزءا‬
‫ال يتجز أأ من مكوانهتا‪.‬‬
‫ويف هذا الس ياق يرى ماكل بن نيب أأن "التعاون بني ادلوةل والفرد ال بد هل من جذور يف عقيدة تس تطيع‬
‫وحدها أأن جتعل مثن اجلهد حممتال همام اكنت قميته دلى صاحبه"(‪ ،)34‬ان جناح س ياسة ا ألنممة يف العامل‬
‫العريب واالسالي يتوقف عىل ما يتحقق من اقتناع ا ألفراد هبا‪ ،‬واس تعداداهتم جتاهها‪ ،‬وان هذا الاقتناع‬
‫واالدراك ال يمت أأيضا اال مبا دلى الفرد من مؤهالت فكرية وثقافية بصفة عامة‪ ،‬ومبا يف الس ياسة من‬
‫انسجام مع القمي املعنوية جملمتعه‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫ويرى ماكل بن نيب أأن التجانس بني معل ادلوةل ومعل الفرد يتحقق يف مضري الفرد وجيعل هذا الضمري‬
‫موضوعا من انحية وحكام من انحية أأخرى‪ ،‬حيث يرى ماكل بن نيب أأن "الس ياسة اليت تريد تلقني‬
‫هذا الضمري مربراهتا و أأهدافها علهيا أأن جتعهل حكام يصدر بلك حرية حمكه يف ذكل"(‪.)33‬‬
‫خالصة‪ :‬وهكذا يتضح من خالل هذه الورقة أأن ماكل بن نيب ينمر لدلميقراطية كحاجة وظيفية ماسة‬
‫وحيوية ملسار التمنية وللمرشوع احلضاري‪ ،‬فبقدر ما يراها غاية منشودة من قبل ا ألفراد وامجلاعات‬
‫ومؤسسات ادلوةل واجملمتع‪ ،‬بقدر ما يراها وس يةل بأأيدهيم لتحقيق الغاايت والتطلعات‪.‬‬
‫كام يتضح أأن للفرد من خالل حتليل ماكل بن نيب ملشالكت احلضارة دخل كبري يف اجناح أأو افشال‬
‫أأهداف س ياسة ثقافية أأو اجامتعية معينة‪ ،‬و أأن هذه حقيقة ال ينبغي عىل احلكومات وا ألنممة يف دول‬
‫العامل العريب واالسالي أأن تتجاهلها‪ ،‬حيث مل يبق علهيا اال أأن ختتار بني تأأهيل الفرد أأو جتريده من‬
‫وسائل التحليل الصحيح للس ياسة والواقع واحلمك علهيام‪ .‬فاذا يه أأهلته اىل احلياة احلضارية أأكسبت‬
‫النجاح لس ياساهتا والاس تقرار للمجمتع وادلوةل‪ ،‬واذا يه أأرادت ابعاده عن الساحة حبجة عدم كفاءته‬
‫جنت عىل نفسها‪ ،‬وهكذا ما عىل هذه ا ألنممة واحلكومات اال أأن تسارع يف تأأهيل الفرد الدخاهل من‬
‫الباب اذلي ال هيدد كيان ادلوةل واجملمتع‪ ،‬يف مرحةل من التارخي البرشي ال تغفر ألي اكن ا ألخطاء‪ ،‬بسبب‬
‫تعقيداهتا وكرثة فواعلها وتعارض مصاحلهم‪.‬‬
‫اهلوامش‪:‬‬
‫‪ -1‬ماكل بن نيب‪ ،‬فكرة ا ألفريقية ا ألس يوية يف ضوء مؤمتر ابندونغ‪ ،‬ترمجة عبد الصبور شاهني دمشق ‪:‬‬
‫دار الفكر‪ ،4984 ،‬ص ‪.435‬‬
‫‪ -4‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ - 3‬أأسعد السحمراين‪ ،‬ماكل بن نيب مفكرا اصالحيا‪ .‬الطبعة‪ ،4‬بريوت‪ :‬دار النفائس‪ ،4980 ،‬ص‬
‫‪464 – 466‬‬
‫‪ -0‬ماكل بن نيب‪ ،‬بني الرشاد والتيه‪ .‬الطبعة ا ألوىل‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،4918 ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -5‬ماكل بن نيب‪ ،‬تأأمالت‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بدون اترخي‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ -0‬ماكل بن نيب‪ ،‬وهجة العامل االسالي‪ ،‬ترمجة عبد الصبور شاهني دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،4984 ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫‪ -8‬ينمر‪ :‬ماكل بن نيب‪ ،‬فكرة كومنوالث اسالي‪ ،‬ترمجة الطيب الرشيف يف "سلسةل" الثقافة االسالمية‬
‫(مرصية) القاهرة‪ :‬املكتب الفين للنرش‪ ،‬فيفري ‪ ،4906‬ص‪.15‬‬
‫‪ -9‬فيه اشارة للموضوع يف‪ :‬عبد هللا رشيط‪ ،‬املشلكة االيديولوجية وقضااي التمنية‪ .‬اجلزائر‪ :‬ديوان‬
‫املطبوعات اجلامعية‪ ،4984 ،‬ص ‪.18 – 11‬‬
‫‪-46‬بن نيب‪ ،‬وهجة العامل االسالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪- 44‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪- 44‬بن نيب‪ ،‬بني الرشاد والتيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪-43‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫‪- 40‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪-45‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪- 40‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪-41‬بن نيب‪ ،‬تأأمالت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00- 04،03‬‬
‫‪-48‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14-16‬‬
‫‪-49‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.01-00‬‬
‫‪-46‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 16‬و‪.14‬‬
‫‪- 44‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪- 44‬قرأن كرمي‪ ،‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪ ،98- 90‬وسورة القصص الية ‪.83‬‬
‫‪-43‬بن نيب‪ ،‬تأأمالت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪-40‬عبد الرحامن ابن خدلون‪ ،‬املقدمة‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب اللبناين ومكتبة املدرسة‪ ،4906 ،‬ص ‪00‬‬
‫‪-45‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.446‬‬
‫‪- 40‬ماكل بن نيب‪ ،‬املسمل يف عامل الاقتصاد‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الرشوق‪ ،‬ب ‪ .‬ت‪ ،‬ص ‪.440‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫‪-41‬املرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪- 48‬ماكل بن نيب‪ ،‬أفاق جزائرية‪ :‬للحضارة‪ ،‬للثقافة‪ ،‬للمفهومية‪ ،‬ترمجة الطيب الرشيف‪ .‬اجلزائر‪ :‬مكتبة‬
‫الهنضة اجلزائرية‪ ،‬بدون اترخي‪ ،‬ص ‪.481 – 480- 485‬‬
‫‪- 49‬ماكل بن نيب‪ ،‬يف همب املعركة‪ :‬ارهاصات الثورة‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،4984 ،‬ص ‪.454‬‬
‫‪-36‬ماكل بن نيب‪ ،‬الماهرة القرأنية‪ ،‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،4984 ،‬ص ‪.415‬‬
‫‪-34‬بن نيب‪ ،‬بني الرشاد و التيه‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.14‬‬
‫‪- 34‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫‪-33‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪14 – 14‬‬

‫‪- 17 -‬‬

You might also like