Materi Mahad

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 86

‫أدبالطالبني‬

‫‪i‬‬
ii
‫أدبالطالبني‬

‫‪iii‬‬
‫أدبالطالبني‬
‫حقوق النشر @ معهد اجلامعة‬
‫جامعة سوانن أمبيل اإلسالمية احلكومية‬

‫جلنة التأليف‬

‫‪iv‬‬
‫تقديم‬

‫‪v‬‬
‫كلمة رئيس الجامعة‬

‫‪vi‬‬
‫فهرس املحتويان‬

‫‪5‬‬ ‫تقدي ‪.‬م‬


‫‪6‬‬ ‫كلمة رئيس الجامعة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫فهرس املحتويان‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫أهمية النية في األعمال‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫العلم النافع‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫حفظ الوقت‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫تحريم الظلم‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫حقيقة الزهد وفضيلته‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الطيبات في الحياة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫البربالوالدين ; في حياتهما و بعد مماتهما‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫التوسط في اللباس‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫محبة الصالحين‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫منع الضرر وال ضر ‪.‬ار‬
‫‪47‬‬ ‫أدب‪‎‎‬ما‪‎‎‬عند‪‎‎‬النوم‪‎‎‬واالستيقاظ‪‎‎‬منه‪.‎‎‬‬
‫‪49‬‬ ‫صالة‪‎‎‬الجماعة‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫قيام الليل‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪‎‬الغير‬
‫محبة‪. ‎‬‬
‫‪57‬‬ ‫البعد‪‎‎‬عن‪‎‎‬الغضب‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الصدق واملنع عن الكذب‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫املنكر‬
‫األمرباملعروف والنهي عن ‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫أمرأداء األمانة‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫منع قطع الرحم وأمرصلتها‪.‬‬

‫‪vii‬‬
‫‪77‬‬ ‫الخمر‬
‫‪.‬‬ ‫منع شرب‬
‫‪81‬‬ ‫البرحسن الخلق‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫فضل تعلم القرآن وتعليمه‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫فضل قول ال اله إال هللا‪.‬‬
‫‪89‬‬ ‫الطها َرة‪.‬‬ ‫املقدمة في َ‬
‫‪91‬‬ ‫أقسام املياه‪.‬‬
‫‪95‬‬ ‫النجاسة وكيفية إزالتها‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫الوضوء‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪103‬‬ ‫الغسل‏‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫َ‬
‫التي ّمم‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫‪111‬‬ ‫الصالة‪.‬‬ ‫املقدمة في‬
‫‪115‬‬ ‫شروط صحة الصالة وأركانها‪.‬‬
‫‪119‬‬ ‫سنن الصالة ومكروهاتها‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫صالة الجماعة‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫صالة الجمعة‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫املسافر‬
‫‪.‬‬ ‫صالة‬
‫‪135‬‬ ‫َّ‬
‫صالة النوا ِفل‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫املقدمة في الصيام‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫أنواع الصيام‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫شروط الصيام‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫أركان الصيام ومفطراته‪.‬‬
‫‪159‬‬ ‫آداب الصيام ومكروهاته‪.‬‬
‫‪163‬‬ ‫قضاء صوم رمضان والفدية والكفارة‪.‬‬
‫‪167‬‬ ‫املقدمة في الزكاة‏‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫الفطر‬
‫‪.‬‬ ‫زكاة‬
‫‪175‬‬ ‫الفطر‬
‫‪.‬‬ ‫مصارف زكاة‬
‫‪179‬‬ ‫قائمة املراجع‪.‬‬

‫‪viii‬‬
‫أهمية النية في األعمال‬

‫ُ َ َ ْ ْ َ َّ‬ ‫َ ْ َ ْ ُْ ْ ْ َ َ َ ْ‬
‫اب ر�ضي هللا عنه قال‪‎ ‎‬‏‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ص‬ ‫عن أ ِمي ِر الؤ ِم ِنين أ ِبي ح ٍ‬
‫ف‬
‫َ ُ ْ ُل َّ َ ْ َ ْ َ ُ َّّ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ َ‬
‫ات‪،‬‬ ‫الني ِ‬ ‫هللا صلى هللا عليه وسلم يقو ‪‎ِ ( :‬إنما‏األعمال‪‎ِ ‎‬ب ِ‬ ‫س ِمعت َرسول ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫هللا‪‎َ ‎‬و َر ُس ِول ِه ف ِه ْج َرت ُه ِإلى‬
‫ِ‬ ‫َو ِإن َما ِلك ِ ّل ْام ِر ٍئ َما ن َوى‪ ،‬ف َم ْن كانت ِه ْج َرت ُه ِإلى‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫‏هللا َو َر ُس ْو ِل ِه‪َ ،‬و َم ْن كان ِه ْج َرت ُه ِل ُدن َيا ُي ِص ْي ُب َها أ ْ ‪‎‬و ِ‪‎‬ا ْم َرأ ٍة َين ِك ُح َها‪ ،‬ف ِه ْج َرت ُه‬
‫ِ‬
‫َ َ َ َ َ َْ‬
‫ِإلى ما هاجر ِإلي ِه)‪.‬‏رواه البخاري‬

‫معاني املفردات‬
‫ال ِبلنِّي ِ‬
‫ات) فيه من أوجه البالغة‬ ‫َع َم ُ َ‬ ‫قوله صلى هللا عليه وسلم (إَِّنَا اْأل ْ‬
‫احلصر‪ ،‬وهو إثبات احلكم يف‏املذكور ونفيه عما سواه‪ .‬أي ال عمل إال ابلنية‪.‬‬
‫أما كون إمنا فال تفيد إال للتأكيد كما كان عليه ‏بعض األصوليني‪ ،‬وقيل إمنا‬
‫إفادته له ابملنطوق قيل ابملفهوم‪ ،‬ووجهه أبن « إن « لإلثبات و« ما‏‏« للنفي‬
‫فيجب اجلمع بينهما وليس كالمها متوجهني إىل املذكور وال إىل غري املذكور بل‬
‫اإلثبات‏متوجه إىل املذكور والنفي إىل غري املذكور‪.‬‏‬
‫النيات مجع نية وهي القصد إىل الفعل‪ .‬قال الشيخ أبو سليمان اخلطايب‬
‫‪ :‬معىن النية‏قصدك الشيء بقلبك وحترى الطلب منك له‪ .‬وقال النووي القصد‬
‫أي عزمية القلب‪ .‬وقال‏البيضاوي إن النية هي عبارة عن انبعاث القلب حنو ما‬
‫يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو ‏دفع ضر حاال أو مآال‪ .‬وذهب شهاب‪‎‬‬
‫‪‎‬الدين الكوراين الشافعي يف إعمال الفكر والرواايت يف ‏شرح حديث « إمنا‬
‫األعمال ابلنيات » إىل أن النية هي التوجه القليب حنو الفعل البتغاء رضوان‏هللا‬
‫تعاىل وامتثال حكمه مقرتنة ابلفعل كانت أم ال‪ ،‬مثل حديث أيب عمران اجلوين‬

‫‪1‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫ب‬ ‫ب لُِفالَ ٍن َك َذا َوَك َذا‪ ،‬فَي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ي َر ِّ‬ ‫ك ‪ :‬اكتُ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫عند ابن أيب‏الدنيا قال (ينَادي اْملل َ‬
‫إِنَّهُ َلْ يـَْع َم ْلهُ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إِنَّهُ‏نـََواهُ)‪ ،‬والفرق بني النية واإلرادة أن النية البد ابلفعل‪،‬‬
‫واإلرادة إما ابلفعل أم ال‪.‬‏‬

‫شرح الحديث‬
‫دل احلديث على أن النية معيار لصحة األعمال‪ ،‬فإذا صلحت النية‬
‫صلح العمل‏والعكس صحيح‪ .‬فقد قال النووي أنه ال بد يف كل عمل املسلم‬
‫أن تكون فيه نية تدور حول‏هذه الثالثة‪ ،‬وهي ‪:‬‏‬
‫أن يفعل ذلك خوفا من هللا تعاىل‪ ،‬وهذه عبادة العبيد‪ .‬فإذا قيل أيهما أفضل‬
‫العبادة مع‏اخلوف أو مع الرجاء؟ قال الغزايل رمحه هللا تعاىل ‪ :‬العبادة مع‬
‫الرجاء أفضل ألن الرجاء يورث‏احملبة واخلوف يورث القنوط‪.‬‏‬
‫أن يفعل ذلك لطلب اجلنة والثواب‪ ،‬وهذه عبادة التجار‪.‬‏‬
‫أن يفعل ذلك حياء من هللا تعاىل وأتيدة حلق العبودية والشكر‪ ،‬ويكون‪-‬مع‬
‫ذلك‪ -‬قلبه خائفا‪ ،‬‏ألنه ال يدري هل قبل عمله مع ذلك أم ال؟‪ .‬وهذه‬
‫ت لَهُ َعائِ َشةُ‬
‫عبادة األحرار وإليه أشار رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ملا‏قَالَ ْ‬
‫ت تـوَّرمت قَ َدماه‪ :‬ي رسو ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هللا‪....‬‬ ‫ي قَ َام م َن الَّ ْلي ِل َح َّ ََِ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫رضي هللا عنها ح ْ َ‬
‫ال‪( :‬أَفَالَ‬‫َخَر؟ قَ َ‬ ‫َّم م ْن َذنْبِ َ‬
‫ك َوَما َت َّ‬ ‫ك َما تـََقد َ‬
‫ف َه َذا َوقَ ْد‏ َغ َفَر هللاُ لَ َ‬ ‫أَتـَتَ َكلَّ ُ‬
‫أَ ُك ْو ُن َعْب ًدا َش ُك ْوًرا)‪.‬‏‬

‫وذلك ألن قدر العمل يتعلق ابلنية اليت اندفعت حدوث ذلك العمل‪،‬‬
‫بدليل ما قاله ابن ‏املبارك ‪ :‬كم من عمل قليل عظمته النية‪ ،‬وكم عمل عظيم‬
‫حقرته النية‪ .‬وعلى سبيل املثال ‪ :‬‏هناك أربعة رجال يتوضؤون‪ ،‬واألول يتوضأ‬
‫بنية الوضوء للصالة‪ ،‬والثاين للصالة وامتثال أمر‏هللا‪ ،‬والثالث للصالة وامتثال‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪2‬‬


‫أمر هللا واتباع سنة رسول هللا‪ ،‬والرابع للصالة وامتثال أمر هللا‏واتباع سنة رسول‬
‫هللا وتكفري الذنوب‪ .‬كلهم توضؤوا نفس الوضوء ولكن التفاوت ابلدرجات‬
‫‏حسب النية‪ .‬ومثال آخر‪ ،‬رجل صلى وأم الناس يف صالة العشاء وأحسن‬
‫صالته وقراءته ليتلذذ‏هبا الناس ويعجب هبا‪ ،‬فكانت الصالة تصح والقراءة غري‬
‫مقبولة عند هللا‪ .‬ومثال الواقع يف ‏جامعتنا‪ ،‬مع السهولة أن جند الطلبة جلسوا‬
‫يف املسجد‪ ،‬إذا كان جلوسهم لنية االسرتاحة‏فليس هلم يف األخرة من خالق‪.‬‏‬
‫َخَر َج‬‫َن َم ْع َن بْ َن يَِزيْ َد يـَُق ْو ُل ‪ :‬كاَ َن أَِب يَِزيْ ُد أ ْ‬
‫ويف حديث رواه البخاري‪ ،‬أ َّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫د َننِيـر يـتصد ُ ِ‬
‫َخ ْذتـَُها فَأَتـَيـْتُهُ‬
‫ت فَأ َ‬‫ض َع َها عْن َد َر ُج ٍل ِف الْ َم ْسجد‪ ،‬فَجْئ ُ‬ ‫َّق ‏بَا‪ ،‬فـََو َ‬ ‫َ َْ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبَا‪ ،‬فـََق َ‬
‫اص ْمتُهُ إ َل َر ُس ْول هللا صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ت‪.‬‏فَ َخ َ‬ ‫ال ‪َ :‬وهللا َما إايَّ َك أ ََرْد ُ‬
‫ت َي َم ْع ُن‪ .‬هذا يدل على‏أن النية‬ ‫َخ ْذ َ‬‫ك َما أ َ‬ ‫ت َي يَِزيْ ُد‪َ ،‬ولَ َ‬ ‫ك َما نـََويْ َ‬
‫ال ‪ :‬لَ َ‬‫فـََق َ‬
‫روح العمل بل وحىت ورد يف فتح الباري بشرح صحيح البخاري أن نية املؤمن‬
‫خري من‏عمله‪ ،‬وهذا ليس دليال يف جواز ترك العمل بسبب وقوع النية‪ .‬وإمنا‬
‫كانت صحة العمل دائما‏تتعلق خبلوص النية‪ .‬خبالف لو وقع أحد يف احملرمات‬
‫واملنهيات بنية طيبة فال اعتبار هلذه ‏النية ألن الغزايل يقول ‪ :‬أن النية تؤثر يف‬
‫املباحات والطاعات فحسب‪ ،‬وأما املنهيات فال‪ ،‬فإنه‏لو نوى أن يسر إخوانه‬
‫مبساعدهتم على شرب اخلمر مثال‪ ،‬مل تنفع النية فيه‪ .‬واملثال الواقع يف ‏يومنا‪،‬‬
‫املصافحة بني الرجال والنساء‪ ،‬لو صافح أحد زميلته األجنبية بنية إدخال‬
‫السرور فيها‏فال تعترب هذه النية‪ ،‬ألهنا تقع يف احملرمات‪ .‬انتهى‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬حث العلماء‪ -‬ومنهم عبد الرمحن بن مهدي‪ -‬على‬
‫من صنف الكتاب‏ألن يبتدئ مببحث يتحدث عن النية تنبيها للطالب على‬
‫تصحيح النية‪ .‬وكذلك لطلبتنا األعزاء‏ينبغي هلم أن يصححوا نياهتم يف طلب‬
‫العلم حذرا من أن وقعوا يف سوء النية إابن طلبهم ‏العلم‪ ،‬واملثال اجللي الواقع‬
‫اليوم نية الطالب يف طلب العلم جمرد لطلب العمل‪ ،‬فقد بدت ‏هذه النية يف‬
‫بداية التحاقهم ابجلامعة حىت جند غري قليل منهم تفكروا يف اختيار القسم‬
‫‏الدراسي الذي وعدهم سرعة الغوص يف حبار العمل‪ .‬إايكم وهذه النية يف طلب‬
‫(م ْن تـََعلَّ َم ِع ْل ًما ِّمَا‬
‫العلم أيها‏الطلبة‪ ،‬ألن الرسول قد حذران بقوله الشريف ‪َ :‬‬
‫‪3‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬
‫ضا ِم َن ُّ‬
‫الدنـْيَا‪َ ،‬لْ َِي ْد‬ ‫صي ِ‬ ‫ِ لَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ب بِه َعَر ً‬ ‫يـَبـْتَغ ْي به َِو ْجهَ هللا ِ َعَّز َِ‏و َج َّل‪ ،‬الَ يـَتـََعلَّ ُمهُ إ ليُ ْ ُ‬
‫الَنَّة يـَْوَم الْقيَ َامة) أي رحيها‪.‬‏فلتكن نياتكم لوجه هللا عز وجل وأما أمور‬ ‫ف ْ‬ ‫َع ْر َ‬
‫الدنيا فاهلل أيتيكم السهولة فيها كما ورد يف حديث‏رواه ابن ماجه (من َكانَتِ‬
‫َْ‬
‫َّ‬‫ِ‬ ‫ت ِم َن ُّ‬ ‫الدنـيا َهَّه‪ ،‬فـَّر َق هللا علَي ِه أَمره‪ ،‬وجعل فـ ْقره بـي عيـنـي ِه‪ ،‬وَل يْ ِ‬
‫‏الدنـْيَا إل َما‬ ‫ُّ َْ ُ َ ُ َ ْ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ ُ َْ َ َ ْ َْ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ُكتِ‬
‫ب لَهُ‪َ .‬وَم ْن َكانَت اْآلَخَرةُ نيـَّتَهُ‪َ ،‬جَ َع هللاُ لَهُ أ َْمَرهُ‪َ ،‬و َج َع َل غنَاهُ ِف قـَْلبِه‪َ ،‬وأَتـَْتهُ‬
‫َ‬
‫الدنـيا‏وِهي ر ِ‬
‫اغ َمةٌ)‪ .‬وهللا أعلم ابلسرائر‪.‬‏‬ ‫ُّ َْ َ َ َ‬

‫التمرينات‬
‫ما الفرق بني النية واإلرادة ؟‬
‫كيف أتثر النية على العمل؟ اشرح وهات مثاال‪.‬‬
‫هل جاز ملن يرتكب املعصية لنية صاحلة؟ اشرح مع الدليل‪.‬‏‬
‫اشرح ما الذي ينبغي لطالب العلم أن ينوي أثناء طلبه العلم؟‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪4‬‬


‫العلم النافع‬

‫ال ‪َ :‬ق َ ُ ْ ُ‬ ‫هللا َع ْن ُه َما‪َ ،‬ق َ‬


‫َع ْن َجابر ْبن َع ْبد هللا َ �ض َي ُ‬
‫هللا‪‎ ‎‬صلى هللا‬ ‫ال َرسول ِ‬ ‫ِ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ َ َ ْ َُ‬ ‫ٍ ِ َ ُ ْ َ ْ ً َ ً َ َ َ َّ ُْ‬
‫اهلل ِمن ِعل ٍ ‪‎‬م ‪‎‬ل ينف ‪‎‬ع(‪‎‬‏‪.‬‬
‫عليه وسلم ‏‪ ‎‬‏)‪ ‎‬سلوا هللا ِعلما نا ِفعا‪ ،‬‏وتعوذوا ِب ِ‬
‫رواه ابن ماجه‪ ،‬وعن جابربن عبد هللا ر�ضي هللا عنهما‪،‬‏‪‎‎‬قال ‪ :‬قال رسو‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ َْ ََ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ ْ‬
‫‏هللا صلى هللا عليه وسلم) ال ِعل ُم ِعل َم ِان‪ِ :‬عل ٌم ِفي‪‎ ‎‬القل ِب‪ ،‬فذ ِل َك ال ِعل ُم‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ ُ‬ ‫َّ ُ َ ْ ٌ َ َ ّ َ‬
‫‏هللا‪‎َ ‎‬على ْاب ِن َآد َم‪( .‬أخرجه‬‫النا ِفع‪ ،‬و ِعلم على ِاللس ِان‪ ،‬فذ ِلك حجة ِ‬
‫املنذري في الترغيب‏‪‎‎‬الترهيب)‬

‫معاني املفردات‬
‫ُح َّجة ‏ ‪ :‬الدليل والربهان‏‬

‫شرح الحديث‬
‫كبريا‪ ،‬وذلك من خالل الدعوة إىل‬ ‫اهتماما ً‬ ‫ً‬ ‫وقد اهتم اإلسالم ابلعلم‬
‫التفكر‪ ،‬والنظر‪ ،‬‏والتدبر‪ ،‬وإعمال العقل‪ .‬ويف ذلك يقول احلق تبارك وتعاىل‬
‫ِ‬ ‫(أَوَل يـتـ َف َّكروا ما بِ ِ ِ ِ ٍ‬
‫ي * أ ََوَلْ يـَْنظُُرْوا ِف‬‫صاحبِ ُك ْم م ْن جنَّة‪ ،‬‏إِ ْن ُه َو إِالَّ نَذيـٌْر ُمبِ ٌْ‬‫َ ْ ََ ُ َ َ‬
‫ض َوَما َخلَ َق هللاُ ِم ْن َش ْي ٍء َوأَ ْن َع َسى ‏أَ ْن يَ ُك ْو َن قَ ْد‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬‫السمو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت َّ‬ ‫ملَ ُكو ِ‬
‫َ ْ‬
‫ث بـَْع َدهُ يـُْؤِمنـُْو َن)‏‪ 1.‬وقد جعل اإلسالم من طريق‬ ‫َي ح ِدي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اقـْتـََر َ َ ُ ُ ْ َ ّ َ ْ‬
‫أ‬‫ب‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫َج‬
‫أ‬ ‫ب‬
‫ك‬‫‪(:‬م ْن َسلَ َ‬ ‫العلم طري ًقا ‏إىل اجلنة‪ ،‬حيث يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم َ‬

‫األعراف ‪155 - 154 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫‪5‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫طَ ِريـًْقا يـَبـْتَغِ ْي فِْي ِه ِع ْل ًما َس َّه َل هللاُ لَهُ‏طَ ِريـًْقا إِ َل ْ‬
‫الَن َِّة)‪ .‬رواه الرتمذي‏‬
‫وكما أن اهتمام اإلسالم ابلعلم كبري‪ ،‬اهتم كذلك ابلعلم الذي يكون‬
‫سببا لنجاح صاحبه‏يف الدارين‪ ،‬ألنه ليس كل علم حيمل لصاحبه فضال وأجرا‬
‫عند هللا‪ ،‬ولكن هناك علم يسبب‏الشؤم واخلسر لصاحبه‪ ،‬واألول يسمى العلم‬
‫النافع مث الثاين العلم غري النافع‪ .‬فينبغي لطالب ‏العلم أن يعرف حقيقة العلم‬
‫النافع وضده ليميزمها أثناء طلبه العلم حىت يسري يف طريق صحيح ‏موافق مبا‬
‫سلك به العلماء الصاحلون‪ .‬والشرح سيأيت فيما يلي بعون هللا عز وجل‪.‬‏‬

‫حقيقة العلم النافع‬


‫قال صاحب احلكم وصفا عن العلم النافع بقوله ‪ :‬العلم النافع هو الذي‬
‫ينبسط يف‏الصدر شعاعه‪ ،‬ويكشف عن القلب قناعه‪ .‬لعل ظاهر هذه احلكمة‬
‫يوهم أن يف العلم‪ -‬حبد‏ذاته – ما هو انفع وما هو غري انفع‪ ،‬ولكن احلق ليس‬
‫كذلك‪.‬‏‬
‫العلم من حيث هو إدراك الشيء على ما هو عليه‪ ،‬انفع دائما ومرغوب‬
‫فيه من كل‏األحوال‪ .‬نضرب لكم مثاال‪ ،‬هناك رجل يتعمق يف حبار علم الطب‪،‬‬
‫مث يعمل يف جمال طيب‪ ،‬يعاجل ‏أمراض الناس ويصف هلم الدواء وما إىل ذلك‪.‬‬
‫فطبعا هذا العلم انفع‪ .‬مث ماذا أراد ابن عطاء هللا‏يف تقسيمه للعلم انفعا وغري‬
‫انفع؟؟‬
‫واجلواب أن هذا التقسيم ليس انظرا إىل العلم ذاته ألن العلم كله انفع‪،‬‬
‫وإمنا هو انظر إىل ‏قصد من ميارسه‪ ،‬فمن كان قصده ابلعلم الذي يتعلمه أو‬
‫يعلمه متفقا مع ميزان الشرع وهديه‪،‬‏فهو ابلنسبة إىل قصده علم انفع‪ .‬من كان‬
‫قصده به خمالفا مليزان الشرع وهديه‪ ،‬فهو ابلنسبة إىل‏قصده علم غري انفع‪ .‬وأما‬
‫ميزان الشرع يف هذا فليس انظرا إال إىل ما يقرب العبد إىل معرفة هللا ‏ويزيده‬
‫إلتزاما هبديه‪ ،‬أو حيجبه عن معرفة هللا‪ ،‬ويزيده ابتعادا عن هديه‪.‬‏‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪6‬‬


‫عالوة على ذلك‪ ،‬كان العلم النافع – يف اخلطاب الديين – هو العلم‬
‫الذي يقربك من هللا‪،‬‏ويكشف عنك احلجب الذي ينساك عن هللا ولو تعمقت‬
‫يف أي علوم كانت‪ .‬كلما مل يزدك علمك ‏خشية هلل فهذا ليس يسمى علما‬
‫انفعا‪ ،‬ولو غصت يف حبار علم الدين مثل الفقه واحلديث‏والتفسري‪ ،‬كما قال‬
‫ِ‬
‫ت اخلَ ْشيَةُ َم َعهُ) وكما قال صلى هللا عليه وسلم‬ ‫(خيـُْر اْلع ْل ِم َما َكانَ ْ‬
‫ابن عطاء هللا َ‬
‫ِ‬
‫(م ِن ْازَد َاد ِع ْل ًما َ‏وَلْ يـَْزَد ْد ُه ًدى‪َ ،‬لْ يـَْزَد ْد م َن هللا إَِّل بـُْع ًدا)‪ ،‬وكما وصفه القرآن ملن‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬‫ِ‬
‫يسمى ابلعامل‪ ،‬ينبغي له أن‏يتصف ابخلشية (إنَا َيْ َشى هللاُ م ْن عبَاده اْلعُلَ َماءُ)‪.‬‏‬
‫ومن املؤسف جدا‪ ،‬أننا نرى التناقض املنطقي يف جامعتنا اإلسالمية‪.‬‬
‫الطالب يتعلمون ‏علوم الدين وبعضهم قد سبقهم التعلم يف املعاهد الدينية‬
‫قبل التحاقهم ابجلامعة‪ ،‬لديهم العلم ‏ابحلالل واحلرام‪ .‬ولكن أكثرهم وقعوا يف‬
‫احلرام الذي قد عرفوا‪ ،‬أليس هذا علم غري انفع؟؟‏أنتيكم ابملثال‪ :‬املصاحبة بني‬
‫الفتيات والشباب احملرمة ابلضرورة‪ .‬أما يعلمون أن املصاحبة اليت ‏يتولد منها‬
‫مس األجنبية وقبلتها ‪ -‬بل وحىت وقعوا يف الزان ‪ -‬حرام؟ أليس هذا علم غري‬
‫انفع؟؟ إذن‪،‬‏أين علمكم اي شباب؟؟‬
‫لقد صح قول أيب الفرج ابن اجلوزي رمحه هللا يف الفرق بني ذنب العامل‬
‫واجلاهل حيث‏أنه يقول‪ :‬رأيت مجاعة من العلماء يتفسحون ويظنون أن العلم‬
‫يدفع عنهم و ما يدرون أن العلم‏خصمهم وأنه يُغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل‬
‫أن يغفر للعامل ذنب وذاك ألن اجلاهل مل يتعرض ‏ابحلق والعامل مل يتأدب معه‪.‬‬
‫احذروا من العذاب املضاعف اي شباب‪ ،‬فقد قال الغزايل يف إحياءه ‏‏‪ :‬وإمنا‬
‫يضاعف عذاب العامل يف معصيته‪ ،‬ألنه عصى من علم‪ .‬وكذلك أشار إليه‬
‫املصطفى صلى‏هللا عليه وسلم يف حديث رواه الطرباين يف الصغري والبيهقي يف‬
‫ِ ِ ِ‬
‫شعب اإلميان حيث قال النيب (إِ َّن‏أ َ‬
‫َش َّد الن ِ‬
‫َّاس َع َذ ًاب يـَْوَم الْقيَ َامة َعالٌ َلْ يـَنـَْف ْعهُ‬
‫هللاُ بِعِْل ِم ِه) والعياذ ابهلل‪.‬‏‬
‫تذكروا أيها الطلبة‪ ،‬أن عصيان العامل وفسوقه دليل على أننا نعيش يف‬
‫آخر الزمان كما ‏أشار إليه املصطفى صلى هللا عليه وسلم يف قوله (يَ ُك ْو ُن ِف‬

‫‪7‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫الزم ِ‬ ‫ِ‬
‫اق)‪ .‬نسأل هللا عز‏وجل علما انفعا وعمال‬‫ال َوعُلَ َماءُ فُ َّس ٌ‬
‫اد ُج َّه ٌ‬
‫ان عُبَّ ٌ‬ ‫آخ ِر ََّ‬
‫متقبال ونعوذ به من علم غري انفع وعمال مردودا‪ .‬وهللا أعلم ابلصواب‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫‏ما املقصود ابلعلم النافع؟ اشرح شرحا وافيا !‏‬
‫ِلَ يكون علم اللسان حجة هللا على ابن آدم ؟‬
‫هل الرجل الذي تعمق يف العلم مث دخل العمل يف جماله بعد خترجه من اجلامعة‪،‬‬
‫هل‏هذا علم انفع؟؟ ملاذا؟‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪8‬‬


‫حفظ الوقت‬

‫(م ْن ُح ْس ِن‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫صلى‬ ‫هللا‬


‫ِ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬
‫ال َر ُس ْو ُ‬
‫ل‬ ‫َع ْن َأبي ُه َرْي َر َة َق َ‬
‫ِ‬
‫إ ْس َال ِم ْالَ ْرء َت ْر ُك ُه َما َال َي ْعن ْيه)‪‎‬وفي حديث‏آخر‪َ :‬ع ْن ْابن َع َّباس َ �ض َي هللاُ‬
‫ٍ ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ال النب ُّي صلى هللا عليه وسلم (‪ِ ‎‬ن ْع َمتان َمغ ُب ْون ِف ْيه َما ك ِث ْيرٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ال ‪ :‬ق َ‬ ‫َع ْن ُه َما َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ َّ ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫الصحة والفراغ)‪ ‎.‬رواه‪.....‬؟؟؟‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫اس‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ِمن‬

‫معاني املفردات‬
‫يـَْعنِْي ِه ‪ :‬يفيده يف العاجل واآلجل من األعمال واألقوال‪.‬‏‬
‫ب ‪-‬ابلتسكني‪ -‬يف البيع‪،‬‬ ‫َم ْغبـُْو ٌن ‪ :‬فيهما أي ذو خسران فيهما‪ .‬والغَ ْ ُ‬
‫ب ‪-‬ابلتحريك‪ -‬يف الرأي‪.‬‏وغبنت رأيك أي نسيته‬
‫والغَ َُ‬
‫وضيعته‬

‫شرح الحديث‬
‫اهتم اإلسالم ابلزمن وعناه عناية عظيمة‪ ،‬حىت قسم ربنا جل جالله به‬
‫ص ِر‪ ،‬إِ َّن ‏اْ ِإلنْ َسا َن لَِف ْي ُخ ْس ٍر)‪1‬‏ ‏ هذا دليل واضح على أن‬
‫(واْ َلع ْ‬
‫حيث قال ‪َ :‬‬
‫الزمن املهيأ ليس إال مسري االمتحان اليت ال بد فيها‏من النتيجة إما أن نكون‬
‫من الناجحني أم اخلاسرين‪ .‬اإلنسان مسؤول عن عمره فيما أفناه كما‏أشار إليه‬

‫العصر ‪2-1 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫‪9‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫ىت يُ ْسأ ََل َع ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َ(ل تـَُزْو ُل قَ َد َما الْ َعْبد يـَْوَم اْلقيَ َامة َح َّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب‬‫أ َْرِبَ ٍع ‪َ :‬ع ْن عُ ْم ٍره فْي َِما‏ِأَِفـْنَاهُ‪َ ،‬و َعِ ْن َِشبَِابه فْي َما أَبْ َله‪َ ،‬و َع ْن َماله م ْن أَيْ َن ا ْكتَ َس َ‬
‫َوفْي َما أَنـَْف َقهُ‪َ ،‬و َع ْن ع ْلمه َما َذا َعم َل فْيه)‪.‬‏على الطالب الذكي أن يرتب أوقاته يف‬
‫احلياة حىت ال يضيعها ولو اثنية واحدة‪ .‬ال ينبغي له أن‏يقضي الوقت فيما ليس‬
‫له فائدة لدنياه وآخرته مثل سهر الليل ابلقهوة واملالهي وفضول الكالم ‏حىت‬
‫منتصف الليل بل وحىت الصبح مع األصدقاء‪ .‬هذا ال يفيده شيئا إال ضررا‪.‬‏‬
‫قال الكرماين رمحه هللا‪ :‬نعمة الفراغ والصحة إذا مل يستعمال فيما ينبغي‬
‫فقد غنب‏صاحبهما فيهما أي ابعها ببخس ال حتمد عاقبته أو ليس له يف ذلك‬
‫رأي البتة‪ ،‬فإن اإلنسان إذا مل ‏يعمل الطاعة يف زمن الصحة ففي زمن املرض‬
‫أوىل‪ .‬وقال ابن اجلوزي ‪ :‬فمن استعمل فراغه‏وصحته يف طاعة هللا فهو املغبوط‪،‬‬
‫ومن استعملها يف معصية هللا فهو املغبون‪ ،‬ألن الفراغ يعقبه ‏الشغل والصحة‬
‫يعقبها السقم‪ ،‬ولو مل يكن إال اهلرم‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‏‬

‫يود الفىت طول السالمة والغىن * فكيف ترى طول السالمة يفعل‬
‫يرد الفىت بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام وحيمل‬

‫وقال الشافعي رضي هللا عنه ‪ :‬صحبت الصوفية‪ ،‬فلم أستفد منهم سوى‬
‫حرفني‪ ،‬أحدمها قوهلم ‪ :‬‏الوقت سيف‪ ،‬فإن مل تقطعه قطعك‪ ،‬وذكر الكلمة‬
‫األخرى‪ ،‬و نفسك إن شغلتها ابحلق وإال ‏شغلتك ابلباطل‪ .‬وقتك سيفك‪،‬‬
‫وحياتك ستنتهي والبقاء منك السؤال عند ذي اجلالل واإلكرام ‏عن العمر‬
‫واحلياة اليت قضيتها‪ .‬ولذلك فاغتنم وقتك وصحتك وحياتك كما يف حديث‬
‫ك قـَْب َل‬‫ك‪َ ،‬و ِص َّحتَ َ‬ ‫ك قـَْب َل َهَرِم َ‬ ‫رواه ابن ‏عباس (اِ ْغتَنِ ْم خَْ ًسا قـَْبل خَْ ٍ‬
‫س‪َ :‬شبَابَ َ‬
‫اك قـبل فـ ْق ِرَك‪،‬‏وفـرا ََغك قـبل ش ْغلِ‬
‫ك)‪.‬‏‬‫ك‪َ ،‬و ِغنَ َ َْ َ َ َ ََ َ َْ َ ُ َ َ َ َ َ َْ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬‫ت‬‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ك‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ا‬‫ي‬‫ح‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ك‬ ‫َس َق ِم َ‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪10‬‬


‫عليكم أن تعمروا أوقاتكم ابخلريات كلها‪ ،‬ألنكم إذا متم فال فرصة لكم‪.‬‬
‫واملوت اي إخوان‏أيتيكم بال املوعد‪ ،‬إنه شيئ جميئه مكتوب يف الكتاب أيتيك‬
‫ابلفجأة‪ ،‬ال أحد يعرف مىت تنتهي‏حياته‪ .‬ولذلك عمروها ابلصاحلات حىت إذا‬
‫جاء أجلكم وأنتم يف حسن األعمال‪ .‬كما قال الشاعر‪:‬‏‬
‫اغتنم يف الفراغ فضل ركوع * فعسى أن يكون موتك بغتة‬
‫كم من صحيح رأيت من غري سقم * ذهبت نفسه الصحيحة فلتة‪.‬‏‬

‫أتملوا أيها اإلخوان‪ ...‬كيف إذا جاءان املوت بغتة وحنن يف معصية‬
‫ربنا؟؟ حنن يف مركب‏الدراجة النارية ويف وراءان حبيبتنا وهي امرأة أجنبية ال حتل‬
‫لنا‪ ،‬ويف أثناء السري حدثت بنا حادثة‏املرور اليت تسبب موتنا‪ ،‬وحنن منوت يف‬
‫معصية ربنا‪ .‬أتملوا! أيها اإلخوان‪.--‬‏‬

‫التمرينات‬
‫ملاذا وجدان كثريا من الناس مغبونون يف الصحة والفراغ؟‬
‫هات مثاال عن حفظ الوقت يف حياتكم كطالب اجلامعة؟‬
‫ملا حث اإلسالم على حفظ الوقت وحرم إضاعته ؟؟ اشرح شرحا واضحا !‏‬

‫‪11‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪12‬‬
‫تحريم الظلم‬

‫َ َّ‬ ‫َ َ‬
‫الن ِبي صلى هللا عليه وسلم‪َ ،‬ع ْن‪‎َ ‎‬رِّب ِه َع َّز‬ ‫َع ْن أ ِبي ذ ٍّر ر�ضي هللا عنه‪ ،‬ع ِن‬
‫ُْ َ ُ‬
‫�سي‪‎َ ‎،‬و َج َعلت ُه َب ْينك ْم‬
‫ّ َ َّ ْ ُ ُّ ْ َ َ َ َ ْ‬
‫ف‬ ‫‏ن‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬‫الظ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ي‬‫اد‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َو َج َّل َأ َّن ُه َق َ‬
‫ال ‪‎َ ( :‬يا ع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َح َّر ًما َف َل َت َظ َالُ ْوا‪‎)‎‬‏‪ .‬وفي حديث أخر‪َ ،‬ع ْن َجاب ‏‪‎‬ر‪‎‬ر�ضي هللا عنه َأ َّن َر ُس ْولَ‬
‫ات َي ْومَ‬ ‫ُّ ْ َ ِ ٍ َ َّ ُّ‬
‫الظ ْل َم ُظ ُل َم ٌ‬ ‫َ َ َّ ُ‬
‫ال‪‎ِ ( :‬اتق ْوا الظلم‪‎ ‎،‬ف ِإن‬ ‫هللا صلى ‏هللا عليه وسلم ق‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ َ َّ ُ ْ ُّ َّ َ َّ ُّ ُّ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ‬
‫ال ِقيام ِة‪ .‬واتقوا الشح‪ ،‬ف ِإن ‏الشح أهلك من‪‎ ‎‬قبلكم‪ ،‬حملهم على أن‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُّ‬
‫است َحل ْو َم َحا ِر َمك ْم‪ .)‎‬رواه‪.......‬؟‬ ‫سفكوا ِدماءهم‪ ،‬و‬

‫معاني املفردات‬
‫الظُّْل ُم ‪ :‬وضع الشيء يف غري موضعه الشرعي‪ ،‬ويقال اإليذاء ابلقول‬
‫أو‪‎‎‬الفعل أو جماوزة احلد‏والتصرف يف ملك الغري‪.‬‏‬
‫ُّح ‪ :‬البخيل‬
‫الش ُّ‬

‫شرح الحديث‬
‫تقدس ربنا عن الظلم‪ ،‬وهو مستحيل يف حق هللا تعاىل‪ ،‬ألن هللا لي ‪‎‬‬
‫س‬
‫‪‎‬بظالم للعبيد‪ .‬مث‏حرم هللا الظلم خللقه بقوله‏‪‎)‎‬فال تظاملوا‪‎(‎‬‏ أي ال يظلم‪‎‎‬بعضكم‬
‫بعضا‪ .‬ألن الظلم شيء حذره النيب‏صلى هللا عليه وسلم حتذيرا‪‎‎‬شديدا كما يف‬
‫حديثه توصية لنا على ترك الظلم ‪-‬ولو يف شيء بسيط‪-‬وليس جزاء‏الظلم إال‬
‫‪‎‬ح َّق ْام ِر ٍئ ُم ْسلٍِم بِيَ ِمْينِ ِه فـََق ْد‬ ‫النار‪ ،‬قال النيب صلى هللا عليه وسلم‏‪ِ )‎‬‬
‫‪‎‬م ْن اقـْتَطَ َ‪‎‬ع َ‬
‫َ‬

‫‪13‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫ال َر ُج ٌل ‪َ :‬وإِ ْن َكا َن َشيـْئًا يَ ِسيـًْرا َي‬
‫‏علَْي ِه اجلَنَّةَ‪ ،‬فـََق َ‬
‫َّار‪َ ،‬و َحَّرَم َ‬
‫ب ِهللاُ لَهُ الن َ‬
‫أ َْو َج َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬وإِ ْن قَضيـْبًا م ْن أ ََراك) أي عصا‏منه‪.‬‏‬ ‫َر ُس ْوَل هللا؟ فـََق َ‬
‫ومن آفات الظلمكما أشار إليه احلديث وقوع الظلمة يف يوم القيامة‪،‬وذلك‬
‫ألن الظلم‏الذي صدر منا ليس إال دينا يقتضي الوفاء يوم القيامة‪،‬‬
‫فكيف إذا جئنا يوم القيامة ومائة ألف إنسان أو أكثر يطلبوننا بديون‬
‫خمتلفة‪ ،‬من أخذ‏مال‪ ،‬وإيذاء القلب‪ ،‬والقذف‪ ،‬والضرب وغري ذلك من املظامل‬
‫اليت ارتكبناها يف الدنيا‪ ،‬مث ماذا‏يبقى من حسناتنا؟ ألن الظلم ميحق حسنات‬
‫الظامل‪ ،‬ملا رواه البيهقي إبسناد جيد‪ ،‬عن ستة أو‏سبعة من أصحاب رسول هللا‬
‫الرجل لَتـرتـ َفع لَه يـوم الْ ِقيام ِة ِ‬
‫ت يـََرى‬ ‫صحيـَْفتُهُ َح َّ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ِ ،‬قالوا ‪ :‬إِ َّن َّ ُ َ ُْ َ ُ ُ َْ َ َ َ َ‬
‫آد َم تـَتَّبِعُهُ َح َّت َما يـَبـَْقى لَهُ َح َسنَةٌ‪َ ،‬وُْي َم ُل َعلَْي ِه ِم ْن‬
‫‏ن ٍج‪ .‬فَ َما تـََز ُال َمظَالُ بَ ِن َ‬ ‫أَنَّهُ َ‬
‫َسيِّئَاتِِ ْم) أي املظلوم‪.‬‏‬
‫ومن آفاته أن مينع إجابة الدعاء‪ ،‬وحجب املطر من السماء‪ ،‬والنصر‬
‫من األعداء‪ .‬وروى ‏الطرباين عن ابن مسعود رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا‬
‫اب‏لَ ُك ْم‪َ ،‬وتَ ْستَ ْس ُق ْوا فَ َل تُ ْس َق ْوا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عليه وسلم قال ‪( :‬الَ تَظْل ُم ْوا فـَتَ ْدعُ ْوا فَ َل يُ ْستَ َج ُ‬
‫صُروا)‪ .‬وقال سفيان الثوري ‪ :‬بلغين أن بين ‏إسرائيل قحطوا‬ ‫ِ‬
‫َوتَ ْستـَْنصُرْوا فَ َل تـُْن َ‬
‫سبع سنني حىت أكلوا امليتة من املزابل‪ ،‬وأكلوا األطفال‪ ،‬وكانوا كذلك خيرجون‬
‫إىل ‏اجلبال يبكون ويتضرعون‪ ،‬فأوحى هللا تعاىل إىل أنبياءهم عليهم السالم‪:‬‬
‫(لو مشيتم إيل أبقدامكم‏حىت حتفى ركبكم‪ ،‬وتبلغ أيديكم عنان السماء‪ ،‬وتكل‬
‫ألسنتكم عن الدعاء فإين ال أجيب لكم‏داعيا‪ ،‬وال أرحم لكم ابكيا‪ ،‬حىت تردوا‬
‫املظامل إىل أهلها‪ ،‬ففعلوا فمطروا من يومهم)‪.‬‏‬
‫وال يستحق الظلوم شفاعة املصطفى صلى هللا عليه وسلم يف اآلخرة‪ ،‬ملا‬
‫رواه الطرباين يف الكبري‪ ،‬ورجاله‏ثقات‪ ،‬عن أيب أمامة رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫اع ِ ْت‪ :‬إِ َم ٌام ظَلُ ْوٌم‬ ‫ِ ِِ‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (صنـَْفان م ْن أ َُّم ِ ْت لَ ْن تـَنَا َلَُما َش َف َ‬
‫‏ َغ ُش ْوٌم‪َ ،‬وُك ُّل َغ ٍال َما ِرٍق) فاإلمام الظامل لرعيته ال ترتفع صالته فوق رأسه شربا ملا‬
‫ص َلهتُُْم فـَْو َق ُرُؤْو ِس ِه ْم ِشبـًْرا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ورد عن النيب‏صلى هللا عليه وسلم (ثَالَثَةٌ َل تـَْرتَف ُع َ‬
‫أدب الطالبني‬ ‫‪14‬‬
‫ط‪،‬‬ ‫رجل أ ََّم قـوما وهم لَه َكا ِرهو َن أَي لِظُْل ِم ِهم‪ ،‬وامرأَةٌ‏بتَت وزوجها علَيـها س ِ‬
‫اخ ٌ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ َْ َ‬ ‫َ ُ ٌ َْ ً َ ُ ْ ُ ُ ْ ْ‬
‫ان)‪.‬‏‬ ‫وأَخو ِان متَصا ِرم ِ‬
‫َ ََ ُ َ َ‬
‫إايكم ودعاء املظلوم أيها اإلخوان‪ ،‬ألنه مستجاب عند هللا تعاىل ملا رواه‬
‫أمحد والرتمذي‏وابن ماجه وغري هم من احملدثني‪ ،‬عن أيب هريرة رضي هللا عنه‬
‫‏الصائِ ُم َح َّت‬
‫قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (ثََلثَةٌ َل تـَُرُّد َد ْع َوتـُُه ْم‪َّ :‬‬
‫ال َم ُام الْ َع ِاد ُل‪َ ،‬وَد ْع َوةُ الْ َمظْلُ ْوِم‪ ،‬يـَْرفـَعُ َها هللاُ فـَْو َق الْغَ َم ِام‪َ ،‬ويـَْفتَ ُح َلَا‬
‫يـُْف ِطر‪ ،‬و ِْ‬
‫َ َ‬
‫ك ولَو بـَْع َد ِح ْ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي)‪.‬‏‬ ‫اب َّ ّ َ َُ ْ َّ ُّ َ َّ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ‬
‫ن‬
‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬‫َ‬‫ل‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬ ‫ب‬ ‫الر‬ ‫ل‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫اء‬ ‫م‬ ‫‏الس‬ ‫أَبـَْو َ‬

‫التمرينات‬
‫ما معىن الظلم وهات مثاال؟‬
‫ما الذي سينال الظامل من ظلمه يف الدنيا؟‬
‫هات مثاال الظلم الذي ارتكبه طالب العلم يف اجلامعة؟‬

‫‪15‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪16‬‬
‫حقيقة الزهد وفضيلته‬

‫َ َّ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َّ َ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ َ‬
‫‪‎‬ح َّدثنا‬ ‫حدث ِني أبوعبيدة بن أ ِبي السف ِرقال ‪ :‬حدثنا ِشهاب بن عب ٍاد قال‏‪:‎‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خ ِال ٌد ْب ُن َع ْم ٍرو الق َر ِ�ش ْي‪َ ،‬‏ع ْن ُسف َيان الث ْو ِر ّ ِي‪َ ،‬ع ْن أ ِبي َحا ِز ٍم‪َ ،‬ع ْن َس ْه ِل‬
‫النب َّي صلى هللا عليه وسلم َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َّ‬ ‫ْبن َس ْع ٍد َّ‬
‫ال‪َ :‬‏يا‬ ‫ِ‬ ‫اع ِدي‪ ،‬قال‪ :‬أتى‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫اس‪َ .‬ف َقالَ‬ ‫َ ُ ْ َل ُ َّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َ ُ َ َ َ َّ َ َّ‬
‫الن ُ‬ ‫هللا دل ِني على عم ٍل ِإذا أنا ع ِملته أحب ِني هللا وأحب ِني‬ ‫رسو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ُسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم (ا ْ هد في ُّ‬
‫‏الدن َيا ُي ِح ُّبك هللا‪َ ،‬وا ْزهد ِف ْي َما‬ ‫ِز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫في أ ْي ِدي الناس ُي ِح ُّب َك الن ُ‬ ‫َ‬
‫اس)‪ .‬رواه ابن ماجه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫معاني املفردات‬
‫الزهد ‪ :‬لغة َزِه َد فيه وعنه‪ُ -‬زْه ًدا وزهادة ‪ :‬أعرض عنه‪ ،‬وتركه الحتقاره‪ ،‬أو‬
‫لتحرجه منه أو لقلته‪،‬‏و َزُه َد يف الشيء رغب عنه‪ ،‬يقال‏‪‎:‎‬زهد يف الدنيا أي‬
‫ترك حالهلا خمافة حسابه وترك حرامها خمافة‏عقاهبا‪ .‬ويف االصطالح هو عبارة‬
‫عن انصراف الرغبة عن الشيء إىل ما هو خري منه‪ ،‬وشرط ‏املرغوب عنه أن‬
‫يكون مرغواب بوجه من الوجوه‪ ،‬فمن رغب عن شيء ليس مرغواب فيه وال مطلواب‬
‫‏يف نفسه مل يسم زاهدا‪ ،‬كمن ترك الرتاب ال يسمى زاهدا‪‎.‎‬‬

‫شرح الحديث‬
‫فقوله صلى هللا عليه وسلم (ازهد يف الدنيا) دال على عظيم الزهد يف‬
‫حياة اإلنسان‪ ،‬بل إنه يتفوق درجة فوق‏الورع‪ ،‬ألن الورع ترك ما خيشى ضرره‬
‫يف اآلخرة إما من شبهة أو حرام‪ ،‬وأما الزهد فهو ترك ما ال‏ينفع يف اآلخرة ولو‬

‫‪17‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫كان حالال‪ .‬وازهد يف الدنيا أي اترك ما ال ينفعك يف اآلخرة من الدنيا‪ ،‬حيبك‬
‫‏هللا جوااب وجزاء منه ملن يزهد يف الدنيا‪ .‬ومسيت الدنيا ملا كنا نعيش فيه لوجهني‪:‬‬
‫األول دنيا يف‏الزمن‪ ،‬أي الزمن يف الدنيا أقصر من الزمن يف اآلخرة لدليل قوله‬
‫ف َسنَ ٍة ِمَّا تـَعُد ُّْو َن)‏‏ ‪ .‬والثاين دنيا يف املرتبة‪.‬‏‬ ‫عز وجل ‪( :‬إِ َّن يـَْوًما ِعْن َد َربِّ َ‬
‫ك‏ َكأَلْ ِ‬

‫وينقسم الزهد على أربعة أقسام ‪:‬‏‬


‫أحدها فرض على كل مسلم‪ ،‬وهو الزهد يف احلرام‪ .‬والثاين زهد مستحب‪،‬‬
‫وهو على درجات يف ‏االستحباب حبسب املزهود فيه‪ ،‬وهو الزهد يف املكروه‬
‫وفضول املباحات والتفنن يف الشهوات‏املباحة‪ .‬والثالث زهد الداخلني يف هذا‬
‫الشأن‪ ،‬وهم املشمرون يف السري إىل هللا‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‏‬
‫‏أحدمها الزاهد يف الدنيا مجلة‪ ،‬وليس املراد ختليها من اليد وال إخراجها وقعودها‬
‫صفرا‪ ،‬وإمنا ‏املراد إخراجها من قلبه ابلكلية‪ ،‬فال يلتفت إليها وال يدعها‬
‫تساكن قلبه‪ ،‬وإن كانت الدنيا يف يده‪.‬‏فليس الزهد أن ترتك الدنيا من يدك‬
‫وهي يف قلبك‪ ،‬وإمنا الزهد أن ترتكها من قلبك وهي يف يدك‪.‬‏وهذا كحال‬
‫اخللفاء الراشدين‪ .‬فالتصور اإلسالمي للحياة الدنيوية عبارة عن أهنا مزرعة‬
‫اآلخرة ‏ومطية هلا‪ ،‬وأن مثل بقاء اإلنسان فيها مثل الراكب قم اسرتاح يف‬
‫ظل شجرة مث راح وتركها‪.‬‏‬
‫والنوع الثاين من زهد املشمرين يف السري إىل هللا هو الزهد يف النفس‪ ،‬وهو‬
‫أصعب األقسام‏وأشقها كرتك الفضول عن الكالم واملزاح وما إىل ذلك‪.‬‏‬
‫وقوله (ازهد فيما يف أيدي الناس) أي ال تتطلع ملا يف أيديهم‪ ،‬ارغب عما‬
‫يف أيدي الناس حيبك‏الناس‪ ،‬وهذا يتضمن ترك سؤال الناس أي أن ال تسأل‬
‫الناس شيئا‪ ،‬ألنك إذا سألت أثقلت ‏عليهم‪ ،‬وكنت دنيا سافال ابلنسبة هلم‪،‬‬
‫لقول املصطفى صلى هللا عليه وسلم (اليد العليا خري من اليد السفلى)‪.‬‏‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪18‬‬


‫ومن احلديث ينبغي لطالب العلم أن يفكر فيما يتوقع يف حياته األخروية‪،‬‬
‫حىت يزهد يف دنياه ألجل‏األخرة دون أن يعيش عيش الفقر والرذيل‪ ،‬ألن جوهر‬
‫الزهد يف القلب وال يف اليد‪ .‬فإذا كان‏الطالب يزهد يف الدنيا فهو دائما يعمر‬
‫أوقاته وأايمه ابألمور اليت تتعلق حبياته األخروية ابلتماشي‏مع حياته الدنوية ألهنا‬
‫مزرعة األخرة‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫ما حقيقة الزهد ؟‏‬
‫اذكر عن أنواع الزهد ؟‬
‫رجل له قليل من املال‪ ،‬ولكنه أمسك ماله‪ ،‬حىت لو أتى إليه سائل‏ ال يعطيه ألن‬
‫خياف أال أيكل بعد إعطاء السائل‪ .‬هل الرجل يتصف بصفة الزاهد؟ ملاذا؟‬

‫‪19‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪20‬‬
‫الطيبات في الحياة‬

‫هللا صلى هللا عليه‪‎‎‬وسلم‬ ‫ِ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬


‫ال َر ُس ْو ُل‬ ‫َع ْن َأبي ُه َرْي َر َة ر�ضي هللا عنه َق َ‬
‫َ ُّ َ ِ َّ ُ َّ َ َ ّ ٌ َ َ ْ َ ُ َّ َ ّ ً َ َّ َ‬
‫هللا َأ َم َر ْالُ ْؤم ِن ْي َن ب َما َأ َمرَ‬
‫ُِ ِ‬ ‫‪ :‬أيها‏الناس ِ‪،‬إن هللا ط ِيب ل يقبل ِإل ط ِيبا‪ .‬و ِإن‬
‫ص ِال ًحا‪،‬‬ ‫اع َمل ْوا َ‬ ‫الر ُس ُل ُك ُل ْوا م َن‪‎ ‎‬الط ّي َبات َو ْ‬
‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ال ‏‏‪َ :‬يا َأ ُّي َ‬
‫ب ِه ْالُ ْر َس ِل ْي َن‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ِ‬
‫ال ‪ :‬‏‪‎َ (‎‬ي َاأ ُّي َها َّالذ ْي َن َأ َم ُن ْوا ُك ُل ْوا م ْن َط ّي َبات ماَ‬‫َ‬ ‫ِّ َ َ ْ َُ ْ َ َ ْ ٌ ‪َ َ 1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ ِني بما تعملون ع ِليم‪ .‬‏ ‏ وق‬
‫ِ َ َ ْ َِ ُ ْ ‪َ ْ َ ِ َ ُّ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ ُ َ ُ َّ َ َ َ َّ ُ 2‬‬
‫رزقناكم)‪ .‬‏ ‏ ثم ذكر الرجل ي ِطيل السفر‏أشعث أغبر‪ ،‬يمد يدي ِه ِإلى‬
‫ام‪،‬‬‫ام‪َ ،‬‏و َم ْل َب ُس ُه َح َر ٌ‬ ‫ام‪َ ،‬و َم ْش َرُب ُه َح َر ٌ‬ ‫الس َم ِاء‪َ ،‬يا َر ّب‪َ ،‬يا َر ّب‪َ .‬و َم ْط َع ُم ُه َح َر ٌ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ِ‬
‫اب ِلذ ِل َك‪ .‬رواه مسلم‬ ‫وغ ِذي ِبالحر ِام‪ ،‬فأنى يستج‬

‫معاني املفردات‬
‫الطيب ‪ :‬من األعمال ما كان خالصا هلل‪ .‬والطيب من األرزاق ما اكتسب عن‬
‫طريق‏احلالل‪‎.‎‬‬
‫أشعث أغرب أي أشعث يف شعره لقلة تعهده ابلدهن ورعايته ابلتمشيط‪،‬‬
‫أغرب من‏الرتاب‪ .‬تصوير عن عدم االهتمام أبمرنفسه‪‎.‎‬‬

‫شرح الحديث‬
‫هناك العالقة بني العبادة املهيأة هلل واملأكوالت اليت أكل العباد‪ .‬ومن‬
‫املئومنون ‪51 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬
‫البقراة ‪172 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫‪21‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫الشروط ‏الباطنية لقبول العبادة خلوص ما أكلناه عن احلرام والشبهات‪‎.‎‬‏ ألن‬
‫عبادتنا يف احلقيقة‏تكون دليال لصدق إمياننا لربنا الذي أمران بعبادته‪‎.‎‬‏ وهو الرب‬
‫الذي يتصف ابلكمالية‏واجلمالية‪ ،‬إنه مجيل حيب اجلمال‪ ،‬إنه طيب ال يقبل إال‬
‫طيبا‪ .‬واملشكلة اليت تدور‏حولنا عدم االهتمام ابملأكوالت اليت أنكل‪ ،‬علينا أن‬
‫نعرف بدقة مما صنع‪ ،‬أ من‏حالل أم حرام؟ ألهنا تؤثر على عبادتنا خاصة يف‬
‫مثل هذا الزمن اآلخري‪ ،‬االهتمام ابملأكوالت قليل جدا‪ ،‬وذلك لقد أشار إلينا‬
‫ت َعلَى الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫نبينا املصطفى يف حديثه الذي رواه‏البخاري يف صحيحه‪( :‬سيأْ ِ‬
‫ََ‬
‫الَرِام)‪ .‬قال صاحب الزبد‬ ‫‏الالَ ِل أ َْم ِم َن ْ‬
‫َزَما ٌن َل يـُبَ ِال الْ َم ْرءُ َما أ ُِخ َذ ِمْنهُ‪ ،‬أَ ِم َن ْ‬
‫وصفا ملن أكله حرام وهو يتعبد فعبادة‏حمبوطة‪ ،‬قال رمحه هللا‪:‬‏‬

‫وطاعة ممن حراما أيكل * مثل البناء فوق موج جيعل‪.‬‏‬

‫هناك آاثر ألكل احلرام اليت ال بد لطلب العلم أن يعرفها حتذيرا واحتياطا‬
‫هلا‪ ،‬والشرح كما يلي ‪:‬‏‬
‫أوال‪ :‬عدم إجابة الدعوة لقوله صلى هللا عليه وسلم لسعد بن أيب وقاص‬
‫َّع َوِة) رواه الطرباين‪.‬‬
‫اب الد ْ‬
‫ك تَ ُك ْن ُم ْستَ َح َ‬
‫ب َمطْ َع َم َ‬ ‫ِ‬
‫(ي َس ْع ُد‪ ،‬أَط ْ‬
‫رضي هللا‏عنه ‪َ :‬‬
‫وهذا احلديث‏يتماشي مع احلديث السابق ذكره الذي حتدث عن رجل أيكل‬
‫ويشرب احلرام مث ‏يدعو هللا‪ ،‬فأىن يستجاب؟‪ .‬فانظر رمحك هللا إىل أثر أكل‬
‫احلرام يف منع إجابة ‏الدعاء‪ ،‬وما حيلة اإلنسان إذا انقطعت عنه أسباب‬
‫السماء؟‪ .‬أتمل يف قول الشاعر‪:‬‏‬

‫حنن ندعو اإلله يف كل كرب * مث ننساه عند كشف الكروب‬


‫فكيف نرجو إجابة الدعاء * قد سددان طريقها ابلذنوب‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪22‬‬


‫اجا‬‫الر ُج ُل َح ًّ‬ ‫اثنيا‪ :‬مانع للعبادة وكل ما فيه حرام‪ .‬ويف احلديث (إَ َذا َخَر َج َّ‬
‫السماءِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ك‪َ ،‬ن َداهُ ُمنَاد م َن َّ َ‬ ‫ك هللاُ لَبـَّْي َ‬ ‫ض َع ِر ْجلَهُ ِ ْف اْلغَْرِز‪ ،‬فـَنَ َادى لَبـَّْي َ‬ ‫بِنـََف َقة‏طَيِّبَةً َوَو َ‬
‫ك َمبـُْرْوٌر َغيـَْر َمأْ ُزْوٌر‪َ .‬وإِ َذا‬‫ك َحلَ ٌل َو َح ُّج َ‬ ‫ك‪ ،‬زاد َك حلَل ور ِ‬
‫احلَتُ َ‬ ‫ك‏وس ْع َديْ َ َ ُ‬ ‫‪ :‬لَبـَّْي َ‬
‫خرج بِنـ َفََق ٍَة ‏خبِيـث ٍة فـوضع َِرجٌلَهَ َ ِيف الْغَرِز فـنادى لَبـَّيك هللا لَبـَّيك‪َ ،‬نداه منادٍ‬
‫ْ ََ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َُ‬ ‫َ َ َ َ َ َْ ََ َ َ ْ ُ‬
‫ك َغيـُْر‬ ‫ِمن َّ ِ‬
‫ك َحَر ٌام‪َ ،‬و َح ُّج َ‬ ‫ك‪َ ،‬ز ُاد َك َحَر ٌام‪َ ،‬ونـََف َقتُ َ‬ ‫‏س ْع َديْ َ‬
‫َ‬ ‫ك َوَل‬ ‫الس َماء َل لَبـَّْي َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب َعْب ٌد َم ًال م ْن َحَرام فـَيـُْنف ُق مْنهُ‬ ‫‏املسند َ(ل ِيَ ْكتَس ُ‬ ‫َمبـُْرْور)‪ .‬رواه الطرباين‪ .‬ويف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ظَ ْه ِرِه إالَّ َكا َن َز َادهُ‬ ‫َّق بِه‏فـَيـُتـََقبَّ ُل مْنهُ‪َ ،‬وَل يـَتـُْرُكهُ َخ ْل َ‬ ‫صد ُ‬ ‫َ‬ ‫فـَيـُبَ َارُك لَهُ فْي ِه‪َ ،‬وَل يـَتَ‬
‫الس ِّيءَ ِب ْلَ َس ِن‪ ،‬إِ َّن‬‫لس ِّي ِء َولَ ِك ْن يَْ ُح ْو َّ‬ ‫الس ِّيءَ ‏ابِ َّ‬
‫إَ َل النَّا ِر‪ ،‬إِ َّن هللاَ َل يَْ ُح ْو َّ‬
‫ث)‪ .‬رواه اإلمام‏أمحد‪.‬‏‬ ‫الَبِْي َ‬ ‫ث َل يَْ ُح ْو ْ‬ ‫الَبِْي َ‬ ‫ْ‬
‫الَ َس ِد‬‫اثلثا‪ :‬فساد القلب‪ ،‬قال النيب صلى هللا عليه وسلم (أََل إِ َّن ِف ْ‬
‫الَ َس ُد ُكلُّهُ‪ ،‬أََل َوِه َي‬ ‫ت فَ َس َد ْ‬ ‫الَ َس ُد ُكلُّهُ‪َ ،‬وإِ َذا فَ َس َد ْ‬‫صلُ َح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫‏صلُ َح ْ‬ ‫ضغَةً‪ ،‬إِ َذا َ‬ ‫ُم ْ‬
‫ب)‪ .‬متفق عليه‪.‬‏قال ابن حجر رمحه هللا‪ :‬فيه التنبيه على تعظيم قدر القلب‬ ‫اْل َق ْل ُ‬
‫واحلث على صالحه‏واإلشارة إىل أن لطلب الكسب أثرا فيه‪ .‬سئل اإلمام أمحد‬
‫بن حنبل رمحه هللا‪ :‬مب‏تلني القلوب؟ قال ‪ :‬أبكل احلالل‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫ما عالقة أكل احلرام ابلعبادة؟ هات دليال !‏‬
‫ما الذي سيناله آكل احلرام يف الدنيا واآلخرة؟ اشرح شرحا وافيا !‏‬

‫‪23‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪24‬‬
‫البربالوالدين ; في حياتهما و بعد مماتهما‬

‫اح ُب‬ ‫ص‬‫ال ‪َ :‬ح ّد َثن ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ ّ َ‬


‫ق‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ا‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫و‬‫ر‬ ‫م‬ ‫َعن ْال َول ْيد ْبن ْال َع ْي َزار‪َ ،‬أ َّن ُه َسم َع َأ َبا َع ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْ ِ ِ‬ ‫ٍَ‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هللا‪ -‬ق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدار‪ -‬وأش َ‬‫َ‬ ‫َهذه َّ‬
‫هللا ‏صلى هللا‬ ‫ال ‪ :‬سألت َرسول ِ‬ ‫ار ِإلى د َِار عب ِد ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال ‪ :‬الصلة على وق ِتها‪ .‬قلت ‪:‬‬ ‫هللا؟ ق َ‬‫ِ‬ ‫عليه وسلم‪ :‬أ ُّي الع َم ِال أح ُّب ِإلى‬
‫ُ َّ َ ٌّ َ َ ُ َّ ُّ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َّ َ ٌّ َ َ ُ ْ‬
‫ال ‪:‬‏ث َّم ال ِج َه ُاد ِف ْي َس ِب ْي ِل‬ ‫ثم أي ؟ قال ‪ :‬ثم ِبر الو ِالدي ِن‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ ق‬
‫هللا‪ .‬رواه مسلم‪.‬‏‬ ‫ِ‬

‫معاني املفردات‬
‫الصالة علي وقتها أي يف وقتها‪ ،‬واألفضل يف أول وقتها‪.‬‏‬
‫الرب ابلوالدين أي اإلحسان إليهما‪.‬‏‬

‫شرح الحديث‬
‫دل احلديث على أن بر الوالدين من األعمال اليت حيبها هللا تعاىل‪ ،‬بل‬
‫(ع ْن‬
‫املصطفى‪َ ،‬‬ ‫وحىت كان برمها سببا لدخول اجلنة أم النار‪ ،‬كما ورد يف حديث‬
‫ال ‪:‬‬ ‫الوالِ َديْ ِن َعلَى َولَ ِد ِهَا؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪ :‬ايَ َر َس ْوَل هللا‪َ ،‬ما َح ُّق َ‬ ‫أِ ْ‬
‫َب أ َُم َامةَ‪ ،‬أ َّ‬
‫َن َر ُجالً قَ َ‬
‫ك َو َن ُرَك)‪ .‬وإذا تعرض لشخص‏اخليار بني اجلهاد وبر الوالدين‪ ،‬فكان‬ ‫ُهَا َجنـَّتُ َ‬
‫بر الوالدين مقدم على اجلهاد‪ .‬كما ورد يف احلديث (أَتَى رجل إِ َل رسوِل ِ‬
‫هللا‬ ‫ِ َ َِ ٌ َ ُ ْ‬
‫ال‪َ :‬ه ْل بَِق َي‬ ‫الِ َه َاد‪ ،‬الَ أَقْد ُر َعلَْيه‪ .‬قَ َ‬‫ال ‪ :‬إِ ّن أ ْشتَ ِه ْي ْ‬
‫صلى هللا عليه وسلم َ‏وقَ َ‬
‫ال ‪ :‬أ ُِمي‪ .‬قَ َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج‬
‫ت َح ٌّ‬ ‫ت فَأَنْ َ‬‫ال ‪ :‬قَاتل َّل ِف بِِّرَها‪ ،‬فَِإ َذا فـََع ْل َ‬ ‫َح ٌد؟ قَ َ ّ‬ ‫ك أِ َ‬‫ِم ْن َوال َديْ َ‬
‫َوُم ْعتَ ِمٌر َ‏وُمَاه ٌد)‪ .‬أما األمر ابلرب للوالدين فال ينحصر يف حياهتما‪ ،‬والشرح كما‬
‫يلي ‪:‬‏‬

‫‪25‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫البرلهما في حياتهما‬
‫ينبغي لكل ولد أن يرب والديه‪ ،‬ألن برمها يتتابع اخلري كله‪ .‬أما الرب هلما‬
‫إابن حياهتما فيكون يف حنو القول الكرمي هلما‪ -‬كما أشار إليه‏قوله تعاىل‪ :‬إما‬
‫يبلغن عندك الكرب أحدمها أو كالمها فال تقل هلما أف وال تنهرمها وقل هلما‬
‫قوال كرميا‪ -‬و الدعاء هلما – كما أشار إليه‏القرآن‪ :‬واخفض هلما جناح الذل‬
‫من الرمحة وقل رب ارمحهما كما ريباين صغريا‪ ،-‬والطاعة هلما يف كل أمر إال يف‬
‫ت َْت ِت اِ ْمَرأَةٌ َكا َن‬ ‫ث عن عب ِد ِ‬
‫هللا بْ ِن عُ َمَر قَ َ‬
‫ال ‪َ :‬كانَ ْ‬
‫ِ ٍ‬
‫املعصية‪ ،‬فـََق ْد َ‏وَرَد ِف َحديْ َ ْ َْ‬
‫ِ‬
‫َّب صلى‬ ‫ت‪ .‬فَأَتَى عُ َم ُر‏النِ َّ‬
‫ال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬طَلّ ْقهُ‪ ،‬فَأَبـَْي ُ‬
‫ال ِل‪ :‬أ ِ‬
‫عُ َمُر يَ ْكَرُه َها‪ ،‬فـََق َ‬
‫َط ْع أ ََب َك‪ .‬ويف مثل هذا احلديث وقع كثريا يف زماننا‪،‬‬ ‫هللا عليه وسلم‪ ،‬فـََق َ ْ‬
‫مع السهولة لنا أن جند األبناء تتخاصمون ‏مع األابء يف أمور اختيار الزوج‪.‬‬
‫واألحسن لطالب العلم أن يفضل خيار آابءهم على خيارهم‪ ،‬ألن الطاعة هلم‬
‫أمر ليس لنا املفر من أال‏ننفذها إال يف أمور تتعلق مبعاصي رب العاملني‪.‬‏‬
‫نظرا إىل مكانة بر الوالدين العظيمة‪ ،‬فبالطبع له فوائد وفضائل كثرية‪،‬‬
‫ت َمْي ُم ْو َن بْ َن‬ ‫ِ‬ ‫منها ما ورد يف احلديث ‪:‬حدَّثنا حزم بن أِ ٍ‬
‫َب َح ْزم الْقطعي ‏سَ ْع ُ‬ ‫َ ََ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬ ‫ال رسو ُل ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب أَ ْن ُيَ َّد لَهُ ِ ْف عُ ْم ِرِه‪َ ،‬ويـَُز َاد لَهُ‬‫َح َّ‬
‫وسلم(م ْن أ َ‬
‫َ‬ ‫هللا صلى هللا عليه‬ ‫ْ‬ ‫سيَاه قَ َ َ ْ‬
‫ِف ِرْزقِ ِه‪ ،‬فـَْليَِ َّب َوالِ َديِْه)‪ ،‬ويف‏حديث آخر‪ ،‬عن عبد الرمحن بن مسرة قال‪ :‬خرج‬
‫علينا رسول هللا ذات يوم وحنن يف مسجد املدين‪ ،‬فقال‪ :‬رأيت رجال من أميت‬
‫جاءه‏ملك املوت ليقبض روحه‪ ،‬فجاءى بره بوالديه فرده عنه‪.‬‏‬
‫وكما أن يف بر الوالدين من فوائد وفضائل العظيمة‪ ،‬كان يف عقوقهما‬
‫آاثم أليمة بل وحىت يعجل هللا امث العاق ابلوالدين يف الدنيا كما ‏يف الرواية‪،‬‬
‫أن العوام بن حوشب قال ‪ :‬نزلت مرة حيا إىل جانب ذلك احلي مقربة‪ ،‬فلما‬
‫كان بعد العصر انشق منها القرب‪ .‬فخرج رجل‏رأسه محار وجسده إنسان فنهق‬
‫ثالث هنقات مث انطبق عليه القرب‪ ،‬فإذا عجوز تغزل شعرا أو صوفا فقالت يل‬
‫امرأة أخرى ‪ :‬ترى تلك‏العجوز؟ قلت ‪ :‬ما هلا ؟ قالت ‪ :‬تلك أم هذا‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫وما كان قصته؟ قالت‪ :‬كان يشرب اخلمر‪ ،‬فإذا راح تقول له أمه‪ :‬اي بين‪ ،‬اتق‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪26‬‬


‫هللا إىل‏مىت تشرب اخلمر؟ فيقول هلا‪ :‬إمنا أنت نتهقني كما ينهق احلمار‪ .‬قالت‬
‫‪:‬فمات بعد العصر‪ ،‬قالت ‪ :‬فهو ينشق عنه القرب بعد العصر كل ‏يوم فينهق‬
‫ثالث هنقات مث ينطبق عليه القرب‪.‬‏‬

‫البرلهما بعد مماتهما‬


‫العالقة بني الوالد والولد ال تنقطع بعد موت الوالد‪ ،‬بل ال يزال له حق‬
‫ال ‪:‬‬ ‫من ولده‪ ،‬كما ورد يف حديث املصطفى‪ ،‬عن السدي بن عبيد‪،‬‏عن أبيه‪ ،‬قَ َ‬
‫ي َش ْيءٌ أَبُِّرُهَا بِِه بـَْع َد َم ْوتِِ َما؟ قَ َ‬
‫ال‬ ‫هللا َه ْل بَِق َي ِم ْن بِِّر أَبـََو َّ‬
‫ال رجل‪ :‬ي رسول ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬
‫ِ‬
‫ال ْستِ ْغ َف ُار َلَُما‪َ ،‬وإِنـَْقاذُ َع ْه ِدهَا‪َ ،‬وإِ ْكَر ُام‬ ‫‪ :‬نـعم‪ .‬أَربع ِخص ٍال‪ :‬الدُّعاء َلما‪ ،‬‏و ِْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََِ ِْ ْ َ ُ ِ َ ِ َ ُ َُ ِ َ‬
‫ِ‬
‫ك إّلَ م ْن قـَْبله َما‪.‬‏‬‫ِ‬ ‫الرح ِم الَِّت َل َرح َم لَ َ‬ ‫صديْق ِه َما‪َ ،‬وصلَةُ َّ‬‫َ‬
‫أما دعاء الولد واستغفاره يكون سببا الرتفاع مقام الوالد يف اآلخرة‪ ،‬كما‬
‫أفاده قول النيب عليه أفضل الصالة والسالم‪ ،‬عن أيب هريرة‏رضي هللا عنه‪ :‬أن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬إن هللا عز وجل لريفع الدرجة للعبد الصاحل‬
‫يف اجلنة‪ ،‬فيقول‪ :‬اي رب‪ ،‬أىن يل‏هذا؟ فيقول ‪ :‬ابستغفار ولدك لك‪.‬‏‬
‫ومن الرب هلما بعد موهتما أن يتصدق الولد ألجلهما كما ورد يف احلديث‬
‫أنه صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬ما علَى أ ِ‬
‫َّق أَ ْن َْي َعلَ َها‬
‫صد َ‬ ‫َحد ُك ْم إِ َذا أ ََر َاد أَ ْن يـَتَ َ‬‫َ َِِ َ‬
‫َج ِرهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجُرَها م ْن َغ ْي أَ ْن يـَنـْتَق َ‬
‫ِ‬ ‫ان ُمسلِم ْ ِ‬
‫ي‪ ،‬فـَيَ ُك ْو ُن ل َوال َديْه أ ْ‬ ‫ِِ ِِ‬
‫ص م ْن أ ْ‬ ‫ل َوال َديْه إ ْن َك َ ْ َ‬
‫ال‪ :‬أَ ْن َس ْع َد بْ َن عُبَ َاد َة‬ ‫َش ْيءٌ‪ .‬ويف حديث أخر عن ابن عباس‏رضي هللا عنهما قَ َ‬
‫َن أ ُِّمي‬ ‫ال‪ :‬ي رسوَل ِ‬
‫هللا‪ ،‬أ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َعنـَْها‪ ،‬فـََق َ َ ٍَ ُ ْ‬ ‫ت أ ُُّمهُ َوُه َو َغائ ٌ‬‫رضي هللا عنها‪ ،‬تـُُوفّيَ ْ‬
‫تـوفِّيت وأ ََن َغائِ‬
‫ال‪ :‬نـََع ْم‪.‬‬ ‫ت بِ َش ْيء َعنـَْها؟ قَ َ‬ ‫ص َّدقْ ُ‬‫‏عنـَْها‪ ،‬فـََه ْل يـَنـَْفعُ َها إِ ْن تَ َ‬
‫ب َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُُ َ ْ َ‬
‫ص َدقَةٌ َعنـَْها‪.‬‏‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ :‬فَِإ ّن أُ ْشه ُد َك أ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َن َحائط ْي َ‬ ‫قَ َ‬
‫و إضافة على ذلك‪ ،‬ينبغي للولد أن حياول على فعل اخلريات كلها‪،‬‬
‫وجيتنب عن السيئات‪ .‬إذا كان حيب ويرحم والديه املتوفيني‪ .‬ألن‏أعمال األحياء‬
‫تعرض لألموات‪ .‬فإذا كانت خريا استبشروا وفرحوا‪ ،‬وإن كانت سيئة حزنوا‬

‫‪27‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫وبكوا‪ .‬وذلك قد ورد عن املصطفى‏حديث رواه أنس بن مالك أنه يقول ‪ :‬قال‬
‫ض َعلَى أَقَا ِربِ ُك ْم َو َع َشائِِرُك ْم ِم َن‬ ‫وسلم ‪( :‬إِ َّن أ َْع َمالَ ُك ْم تـُْعَر ُ‬ ‫النيب صلى هللا عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اْألَمو ِ‬
‫الله َّم َل ُتتـْ ُه ْم‬
‫ك قَالُْوا ُ‬ ‫ات فَِإ ْن‏ َكا َن َخيـًْرا ا ْستـَْب َشُرْوا بِه‪َ ،‬وإِ ْن َكا َن َغيـَْر َذل َ‬ ‫َْ‬
‫ت تـَْهديـَُه ْم َك َما َه َديـْتـَنَا)‪ .‬أيها الولد‪ ..‬أليس من السعادة أن ترى والديك‬ ‫ِ‬
‫َح َّ‬
‫‏يبتسمان من عملك؟ ومن العقوق هبما أن جتعلهما حيزانن ويبكيان من فعلك؟‬
‫تذكر أيها الولد‪ ،‬سيئاتك حتزهنما وتؤملهما‪،‬أليس لك‏قلب؟ وهللا املستعان إىل‬
‫صراط اجلنان‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫ما حقيقة الرب للوالدين يف حياهتما؟ هات املثال الواقع يف احلياة !‏‬
‫كيف طريقة الرب للوالدين بعد مماهتما؟ أذكر واشرح !‏‬
‫هل استغفار الولد لوالديه املتوفيني وصل إليهما؟‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪28‬‬


‫التوسط في اللباس‬

‫(م ْن َت َر َك ِّال َلب َ‬


‫اس‬ ‫عن معاذ بن أنس ر�ضي هللا عنه أن رسول هللا قال ‪َ :‬‬
‫َ َ ُ ً ّ َ ُ َ َ ْ ُ ََْ َ َ ُ ُ َ ْ َ ْ َ َ ََ ُُ ْ ْ ََ‬
‫س‏الخل ِئ ِق‬ ‫ل وه َو يق ِد َر عل ْي ِه‪ ،‬دعاه هللا ْ يوم ال ِقيام ِة على رؤو ِ‬ ‫تواضعا ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ّ ُ ْ‬
‫ال ْي َم ِان ش َاء َيل َب ُس َها) رواه الترمذي‪.‬‏‬
‫حتى ُيخ ِي َره ِمن أ ّ ِي ُحل ِل ِ‬

‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ‬


‫(إن هللا ُي ِح ُّب أن َي َرى أث َر ِن ْع َم ِت ِه َعلى َع ْب ِد ِه )‪.‬رواه الترمذي‬‫وفي حديث آخر‬

‫معاني املفردات‬
‫حلل اإلميان ‪ :‬ما يعطى أهل اإلميان من حلل اجلنة‪.‬‏‬

‫شرح الحديث‬
‫من خالل هذا احلديث‪ ،‬أدب اإلسالم أبدب مظهره يسري ولكن أيثر‬
‫أتثريا عظيما يف اجملتمع‪ .‬ويف احلديث األول تربية عن ترك ‏اللباس اجليد غالية‬
‫الثمن لزهده أو للحفظ عن اإليذاء اآلخرين يف مثل اجملتمع العادي‪ .‬وذلك‬
‫خبالف لو عاش بني أانس قد أنعم هللا عليهم ‏ويلبسون الثياب الرفيعة غري‬
‫احملرمة‪ ،‬فله أن يلبس ثيااب حسنة إظهارا لنعمة هللا اليت أنعمها له‪.‬‏‬
‫وخاصة لطالب العلم‪ ،‬عليهم أن يلبسوا ثيااب بسيطة‪ ،‬ألهنم جاؤوا من‬
‫خمتلفة اخللفيات االقتصادية‪ ،‬بعضهم من األغنياء وبعضهم من‏متوسطي احلال‬
‫واآلخر من الفقراء‪ .‬وذلك لتحقيق املساوات بينهم يف اللباس وال يوجد أي‬
‫تفوق مال يؤذي قلوهبم‪.‬‏‬

‫‪29‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫واحلق أن التوسط ليس فقط يف اللباس‪ ،‬بل كثري من أحوال الناس مثل‬
‫األكل والشرب واملسكن نظرا إىل اجملتمع الذي عاش فيه‪.‬‏ولكن هذا ليس دليال‬
‫على التفاخر ابلثياب النفيسة الغالية الثمن‪ ،‬هذا فقد أتديب اإلسالم للناس‬
‫حذرا عن إيذاء اجلريان‪ .‬أما إذا سلم من ‏إيذاء اآلخرين فال أبس عليه بشرط‬
‫أال ميسه شيء من احلرام حنو لبس الرجل الذهب‪ .‬وقد ورد عن أيب حنيفة‬
‫أنه أمر العلماء أبن ‏يلبسوا ثيااب غالية تعظيما للعلم حيث أنه قال ‪( :‬عظموا‬
‫عمائمكم)‪ ،‬وكذلك اإلمام مالك يلبس ثيااب حسنة ويتطيب أبحسن طيب‬
‫حينما‏يعلم طالبه احلديث‪ .‬وكذلك ينبغي لنا أن نلبس خيار لباس بني يدي‬
‫َح َس َن ثِيَابَهُ ِ‏ف الْعِْي َديْ ِن)‪،‬‬
‫سأْ‬‫ربنا يف العبادة‪ ،‬كما ورد عن رسول هللا ( َكا َن يـَْلبَ ُ‬
‫رواه ابن جرير‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫كيف يتعامل الرجل مع اآلخرين يف اجملتمع العادي؟‬
‫ما فائدة التوسط يف اللباس ؟‬
‫هل اللباس الذي يتابعه شباب اليوم من املمثل أم الزي احلديث يتالئم مع تعاليم‬
‫اإلسالم؟ اشرح!‏‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪30‬‬


‫محبة الصالحين‬

‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ ُ للَّ َ َّ‬ ‫ْ َ‬


‫هللا َعل ْي ِه َو َسل َم‬ ‫صلى‬ ‫عن ع ِل ّ ٍي ر�ضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ٌ ُ َّ َ ٌّ َ َ ْ َ ُ للَّ ُ َ ْ َ ُ َ ْ ٌ ْ َ َ َ‬
‫ال ْسل ِم ك َم ْن ل َس ْه َم ل ُه ‪،‬‬ ‫‪(:‬ثلث هن حق ‪ :‬ل يجعل ا من له سهم ِفي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫َ‏ول َيت َولى اللَّ َع ْب ٌد ف ُي َو ِل ِيه غ ْي َر ُه ‪َ ،‬ول ُي ِح ُّب َر ُج ٌل ق ْو ًما ِإل ُح ِش َر َم َع ُه ْم)‪.‬‬
‫رواه الطبراني‬

‫َّ‬ ‫َ َ َ َ للَّ ُ َ ْ ُ َ َّ َ ُ ً َ َ َ َ َّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِه َو َسل َم َع ِن‬ ‫�ضي ا عنه ‪ ،‬أن رجل سأل الن ِبي صلى‬ ‫سر ِ‬ ‫عن أن ٍ‬
‫َ‬
‫ال ‪ :‬ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ‪َ :‬و َماذا أ ْع َد ْدت ل َها ؟ ق َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ‪َ :‬م َتى َّ‬
‫الس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الس َ‬ ‫َّ‬
‫‏�ش ْي َء‬ ‫اعة ؟ ق َ‬ ‫اع ِة ‪ ،‬فق َ‬
‫َّ ّ ُ ُّ للَّ َ َ َر ُ َ ُ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َ‬
‫ال ‪ :‬أنت َم َع َم ْن‬ ‫‪ ،‬إل أ ِني أ ِحب ا و سوله صلى هللا علي ِه وسلم ‪ ،‬فق‬
‫َ ِْ َ ْ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َّ َ َّ ُ َ َْ‬
‫أحببت ‪ .‬قال أنس ‪ :‬فما ف ِرحنا ِب�شي ٍء ف ِرحنا ِبقو ِل الن ِبي صلى هللا‏علي ِه‬
‫َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ٌ َ َ َ ُ ُّ َ َّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِه‬ ‫وسلم ‪ :‬أنت مع من أحببت ‪ ،‬قال أنس ‪ :‬فأنا أ ِحب الن ِبي صلى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َس َّل َم َو َأ َبا َب ْكر َو ُع َم َر ‪َ ،‬و َأ ْ ُجو َأ ْن َأ ُكو َن َم َع ُه ْم ب ُح ّبي إ َّي ُ‬
‫اه ْم َ‏و ِإن ل ْم أ ْع َم ْل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ْ َ‬
‫ِب ِمث ِل أ ْع َم ِال ِه ْم(‪ .‬رواه البخاري ومسلم‬

‫معاني املفردات‬
‫َس ْه ٌم ‪ :‬احلظ والنصيب‬
‫يتـََولَّ ‪ :‬اختذه وليا وأحبه أو نصره ويقال توىل األمر أي تقلده وقام به‬
‫ُح ِشَر ‪ :‬مجع وضم بعضه إىل بعض ويقال يوم احلشر أي يوم القيامة أو يوم‬
‫البعث‬

‫‪31‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫شرح الحديث‬
‫احملبة املقصودة يف احلديث نوعان ‪:‬‏‬
‫النوع األول ‪ :‬احملبة الدينية‪ ،‬أي احملبة ألجل الدين واملعتقد‪ ،‬فمن أحب‬
‫الصاحلني لصالحهم وأحب ما هم عليه من التقوى والدين‪ُ ،‬‏رِجي أن جيمعه هللا‬
‫هبم يف جنته‪ ،‬ومن أحب الكفار لكفرهم ومعتقدهم‪ ،‬وواالهم على ما هم فيه‪،‬‬
‫كان ذلك أيضا سببا لدخول النار‏معهم‪.‬‏‬
‫قال ابن بطال رمحه هللا ‪ :‬بيان هذا املعىن أنه ملا كان احملب للصاحلني إمنا‬
‫اعتقادا‬
‫أحبهم من أجل طاعتهم هلل ‪ ،‬وكانت احملبة عمال من‏أعمال القلوب‪ ،‬و ً‬
‫هلا‪ ،‬أاثب هللا معتقد ذلك ثواب الصاحلني‪ ،‬إذ النية هي األصل‪ ،‬والعمل اتبع‬
‫‏هلا‪ ،‬وهللا يؤيت فضله من يشاء‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪(:‬وإِ ْن َج َ‬
‫اه َد َاك‬ ‫تفسري قوله تعاىل َ‬ ‫وقال احلافظ ابن كثري رمحه هللا – يف‬
‫ك بِِه ِع ْل ٌم فَالَ تُ ِط ْع ُه َما‪)1:‬‏ ‏ أي وإن حرصا ‏عليك أن‬
‫س لَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫لتُ ْشرَك ْب َما لَْي َ‬
‫تتابعهما على دينهما إذا كاان مشركني‪ ،‬فإايك وإايمها‪ ،‬ال تطعهما يف ذلك‪،‬‬
‫إيل يوم القيامة‪ ،‬فأجزيك إبحسانك‏إليهما‪ ،‬وصربك على دينك‪،‬‬ ‫فإن مرجعكم ّ‬
‫وأحشرك مع الصاحلني‪ ،‬ال يف زمرة والديك‪ ،‬وإن كنت أقرب الناس إليهما يف‬
‫الدنيا‪ ،‬فإن املرء إمنا حيشر‏يوم القيامة مع من أحب‪ ،‬أي ‪ :‬حبا دينيا ؛ وهلذا‬
‫ي)‪ .2‬‏« انتهى من‬ ‫لندخلَنـَّهم ِف َّ ِِ‬
‫ات ِ‬ ‫ال ِ‬‫قال ‪(:‬والّ ِذين آمنـوا وع ِملُوا َّ ِ‬
‫الصال ْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫الص َ‬ ‫ْ َ َ ُْ َ َ‬
‫تفسري‏القرآن العظيم»‪.‬‬
‫ويقول ابن حجر اهليتمي رمحه هللا – يف حديثه عن كبرية حمبة الظلمة ‪-‬‬
‫أو الفسقة وبغض الصاحلني ‪ « -‬عد هذين كبرية هو ما دلت‏عليه األحاديث‬
‫ب) وله وجه‪ ،‬إذ الفرض أنه أحب الفاسقني‬ ‫َح َّ‬
‫الصحيحة ‪( :‬املرءُ َم َع َم ْن أ َ‬
‫العنكبوت ‪8 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫العنكبوت ‪9 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪32‬‬


‫لفسقهم‪ ،‬وأبغض الصاحلني لصالحهم‪ ،‬‏وظاهر أن حمبة الفسق كبرية كفعله‪،‬‬
‫وكذا بغض الصاحلني؛ ألن حب أولئك الفاسقني وبغض الصاحلني يدل على‬
‫انفكاك ربقة اإلسالم‏وعلى بغضه‪ ،‬وبغض اإلسالم كفر‪ ،‬فما يؤدي إليه ينبغي‬
‫أن يكون كبرية « انتهى ابختصار من « الزواجر عن اقرتاف الكبائر‪.‬‏‬
‫النوع الثاين‪ :‬احملبة املوجبة لتشابه األعمال واألخالق‪ ،‬فمن أحب أحد‬
‫العلماء الصاحلني وتشبه مبا هو عليه من الصالح والتقوى دخل اجلنة بذلك‪،‬‬
‫ومن أحب الفاسقني أو الكافرين‪ ،‬وأدت به حمبته إىل‏التشبه أبحواهلم ومعاصيهم‬
‫كان معهم يف العقاب أيضا‪.‬‏‬
‫أما احلب الدنيوي الذي يكون ابعثه قرابة أو صداقة أو مصلحة مادية أو‬
‫زواج أو غري ذلك من أسباب الدنيا الفانية‪ ،‬فال يكون سببا‏للجمع يف احملشر‬
‫أو املصري‪ ،‬فاملسلم الذي حيب والدته غري املسلمة حبا فطراي‪ ،‬وال حيشر معها‪،‬‬
‫وغري املسلم الذي حيب صديقه‏املسلم مثال من غري إسالم وإتباع ال حيشر معه‪،‬‬
‫وهكذا كل أنواع احملبة الدنيوية ال مدخل هلا يف معىن هذا احلديث‪.‬‏‬
‫ويقول الزرقاين رمحه هللا‪( :‬املرء مع من أحب) يف اجلنة حبسن نيته من‬
‫غري زايدة عمل ؛ أل ّن حمبته هلم لطاعتهم‪ ،‬واحملبة من ‏أفعال القلوب‪ ،‬فأثيب‬
‫على ما اعتقده ؛ ألن األصل النية‪ ،‬والعمل اتبع هلا‪ ،‬وال يلزم من املعية استواء‬
‫الدرجات‪ ،‬بل ترفع احلجب حىت‏حتصل الرؤية واملشاهدة‪ ،‬وكلٌّ يف درجته‪.‬‏‬
‫قال بعض العلماء منها السخاوي يف شرح الزرقاين على املواهب اللدنية‬
‫ابملنح احملمدية ‪ :‬ومعىن احلديث أنه إذا أحبَّهم عمل مبثل‏أعماهلم ‪ ،‬قال احلسن‬
‫قوما اتبع آاثرهم ‪ ،‬واعلم أنك لن تلحق ابألخيار حىت تتبع‬‫أحب ً‬‫البصري ‪ :‬من َّ‬
‫آاثرهم ‪ ،‬فتأخذ هبديهم ‪ ،‬وتقتدي‏بسنتهم ‪ ،‬وتصبح ومتسي على مناهجهم ‪،‬‬
‫حرصا أن تكون منهم‪.‬‏‬
‫ً‬
‫ومع ذلك ننبه الشباب إىل أن التعلق ابلالعبني واملمثلني – أبخبارهم‬
‫وأحواهلم وأايمهم ‪ -‬إمنا هو من األوهام واخلياالت اليت ال جتر ‏إليهم إال كل‬

‫‪33‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫فساد وشر ‪ ،‬وهي الباب للتخلق أبخالقهم ‪ ،‬والعمل مبثل أعماهلم ؛ فإن بني‬
‫الظاهر والباطن ارتباطا ال جيهله أحد ‪ ،‬‏واملشاكلة يف الظاهر توجب احملبة يف‬
‫الباطن‪ ،‬وهكذا العكس ابلعكس‪.‬‏‬
‫أما احلب النافع فهو حب الصاحلني والناجحني واملبدعني فيما يعود‬
‫ابلنفع على األمة والبشرية مجيعا ‪ ،‬حبا يدفع حنو التقدم والنجاح ‏يف الدنيا‬
‫واآلخرة إبذن هللا تعاىل ‪.‬‏‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ‪ :‬وهذا احلديث حق فإن كون‬
‫احملب مع احملبوب أمر فطري ال يكون غري ذلك وكونه معه هو‏على حمبته إايه‬
‫فإن كانت احملبة متوسطة أو قريبا من ذلك كان معه حبسب ذلك وإن كانت‬
‫احملبة كاملة كان معه كذلك واحملبة ‏الكاملة جتب معها املوافقة للمحبوب يف‬
‫حمابه إذا كان احملب قادرا عليها ‪ ،‬فحيث ختلفت املوافقة مع القدرة ‪ ،‬يكون قد‬
‫نقص من‏احملبة بقدر ذلك وإن كانت موجودة ‪ ،‬وحب الشيء وإرادته يستلزم‬
‫بغض ضده وكراهته مع العلم ابلتضاد‪ .‬انتهى من جمموع‏الفتاوى‪ .‬وهللا أعلم ‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫مااملراد مبحبة الصاحلني ؟‬
‫‏ما حكمة حمبة الصاحلني ؟‬
‫ما معىىن احملبة يف هذا احلديث؟ اذكر واشرح‪.‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪34‬‬


‫منع الضرر وال ضرار‬

‫ُ َ ْ َ َّ‬ ‫َع ْن َأب ْي َس ِع ْيد َس ْعد ب ْن ِس َنان ْال ُخ ْدر ّي َ‬


‫�ض َي هللا عنه ‪ :‬أن َر ُس ْو َل‪ِ ‎‬‬
‫‪‎‬هللا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ِ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ ِ َ َ َ‬
‫صلى هللا علي ِه وسلم قال ‪(:‬ل ضرر ول ِضرار)‪ ،‬حديث حسن‪‎‎‬رواه ابن‬
‫ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا‪ ،‬ورواه مالك في املوطأ‪‎ ‎‬مرسال‪َ :‬ع ْن‬
‫َّ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َّ ّ َ َّ ُ َ‬
‫هللا َعل ْي ِه َ‏و َسل َم‪ ‎ ‎،‬فأ ْسقط أ َبا‬ ‫عمرو ب ِن يحيى عن أ ِبي ِه ع ِن الن ِب ِي صلى‬
‫ًَ‬
‫ض َها َب ْعضا‪‎.‎‬‬‫َسع ْيد‪َ ،‬و َل ُه ُط ُر ٌق ُي َق ّوي َب ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬

‫معاني املفردات‬
‫ضرر ‪ :‬الضيق‪ ،‬أذي‪ ،‬شدة‪ ،‬مكروه أي العلة تعقد عن جهاد‬
‫ضرار ‪:‬ضار‪ ،‬يضار‪ ،‬أضار‪ ،‬مصدر ضرار‪ ،‬مضارة‪ ،‬ضارته احلوادث‪ ‎‬‬
‫‪‎:‬أضرت به‪ ،‬آملته‪ ،‬احلقت به ضرارا‪‎.‎‬‬

‫شرح الحديث‬
‫امتازت قواعد الشريعة اإلسالمية بشموليتها واتساع معناها‪ ،‬حبي ‪‎‬‬
‫ث‬
‫‪‎‬يستطيع املرء أن يعرف من خالهلا احلكم الشرعي لكثري من‏املسائل اليت‪‎‎‬تندرج‬
‫حتتها‪ ،‬ومن مجلة تلك القواعد العظيمة‪ ،‬ما ورد من قول النيب صلى هللا عليه‬
‫‏ضَرَر َوَل ِضَر َار»‪‎‎‬فإن هذا احلديث على قصره يدخل‪‎‬يف كثري من‬
‫«ل َ‬ ‫وسلم‪َ :‬‬
‫ويبي السياج احملكم الذي بينته الشريعة‪‎ ‎‬لضمان مصاحل‬ ‫األحكام الشرعية‪ّ ،‬‬
‫الناس‪ ،‬يف‏العاجل واآلجل‪‎.‎‬‬
‫وإذا عدان إىل لفظ احلديث‪ ،‬فإننا جند أنه قد نفى الضرر أوال‪ ،‬مث نفى‪‎‬‬

‫‪35‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‪‎‬الضرار اثنيا‪ ،‬وهذا يشعران بوجود فرق بني معىن الضرر‏ومعىن الضرار‪ ،‬وقد ذك ‪‎‬ر‬
‫تصور ملعىن الكلمتني ‪:‬أن نفي الضرر‪‎‬‬
‫‪‎‬العلماء كالما مطوال حول ذلك‪ ،‬وأقرب ّ‬
‫‪‎‬إمنا قُصد به عدم وجود ‏الضرر فيما شرعه هللا لعباده من األحكام‪ ،‬وأما نفي‪‎‬‬
‫‪‎‬الضرار ‪ :‬فأُريد به هني املؤمنني عن إحداث الضرر أو فعله‪‎.‎‬‬
‫يرسخ معاين الرمحة‬
‫ومن هنا‪ ،‬فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين اإلسالمي ّ‬
‫والتيسري‪ ،‬وعدم تكليف اإلنسان ما ال يطيق‪ ،‬فال ميكن أن ‏جتد يف أحكامه‬
‫مضرة أو هنيا عن شيء حيقق املصلحة الراجحة‪ ،‬وإذا نظرت إىل ما‬ ‫أمراً مبا فيه ّ‬
‫جاء حترميه يف القرآن الكرمي أو‏يف السنة النبوية فالبد أن جتد فيه خبثا ومفسدة‪،‬‬
‫ث)‪ 1.‬ومن انحية أخرى فإن كل ما‬ ‫(وُيَِّرُم َعلَْي ِه ُم ا َلْبَائِ َ‬
‫مصداقا لقوله تعاىل ‪َ :‬‬
‫ورد ‏يف الكتاب والسنة من أوامر‪ ،‬فاألصل أهنا مقدورة‪ ،‬داخلة ضمن حدود‬
‫الطاقة‪ ،‬وإذا عرض لإلنسان أحوال متنعه من إمتام االمتثال ‏ابألمر الشرعي‪،‬‬
‫يلم به مرض أو عجز أو حنومها‪ ،‬فهنا أييت التخفيف من هللا تعاىل‪ ،‬كما‬ ‫كأن ّ‬
‫يف رخصة اإلفطار يف هنار رمضان‪ ،‬‏ورخصة اجلمع والقصر يف الصالة‪ ،‬وغري‬
‫ذلك كثري‪.‬‬
‫على أن الضرر املنفي يف الدين ال يتناول العقوبة والقصاص ؛ ألن عقاب‬
‫‏اﺠﻤﻟرم على جرميته هو السبيل الوحيد الذي يردع الناس عن انتهاك حدود هللا‪،‬‬
‫واالعتداء على حقوق اآلخرين‪ ،‬بل إننا نقول ‪ :‬إن هذه ‏احلدود اليت شرعها‬
‫هللا عزوجل هي مقتضى العدل واحلكمة‪ ،‬إذ ال يُع َقل أن نغلّب جانب مصلحة‬
‫الفرد على حساب مصلحة اجملتمع‏كله‪ ،‬وال يُعقل أن ننظر بعني العطف على‬
‫وجل‪(:‬ولَ ُك ْم ِف‬
‫َ‬ ‫اجلاين‪ ،‬ونتناسى حق من جىن عليهم‪ ،‬لذلك يقول هللا عز‬
‫ُول ْالَلْب ِ‬
‫اب لَ َعلَّ ُك ْم تـَتـَُّق ْو َن)‪.‬‏‬ ‫ِ‬
‫اص َحيَاةٌ َي‏أ ِ َ‬
‫ص ِ‬‫الْق َ‬
‫‪2‬‬

‫األعراف ‪157 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫البقرة ‪179 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪36‬‬


‫ومل يقتصر احلديث على نفي الضرر يف الشريعة‪ ،‬بل أتبعه ابلنهي عن‬
‫إضرار العباد بعضهم لبعض‪ ،‬فاملكلف منهي عن كل فعل ‏يرتتب عليه إضرار‬
‫اآلخرين‪ ،‬سواء قصد صاحبه اإلضرار أم مل يقصد‪ .‬وهذا أصل عظيم من أصول‬
‫الدين ؛ فإن الفرد إذا التزم ‏بصيانة حقوق غريه وعدم اإلضرار هبا‪ ،‬فإن من‬
‫شأن ذلك أن تقل املنازعات بني الناس‪ ،‬فينشأ اجملتمع على أساس من االحرتام‬
‫‏املتبادل بني أفراده‪.‬‏‬
‫أما إذا ختلى الناس عن العمل هبذا املبدأ‪ ،‬وصار كل إنسان ينظر إىل‬
‫مصلحته دون أي اعتبار لآلخرين‪ ،‬فهنا حتصل الكارثة‪ ،‬وتشيع‏األاننية املدمرة‪،‬‬
‫حرم اإلسالم الضرار بكل‬ ‫وهذا ما جاء اإلسالم إبزالته والقضاء عليه‪ .‬لقد ّ‬
‫حرم ‏اإلضرار ابآلخرين منذ والدهتم إىل حني‬ ‫صوره‪ ،‬ومجيع أشكاله‪ ،‬حىت ّ‬
‫وفاهتم‪ ،‬بل وبعد موهتم‪ ،‬فحرم إضرار األم بولدها‪ ،‬كما قال هللا تعاىل‪(َ :‬ل‬
‫وحرم إضرار املوصي يف‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وحرم تغيري الوصية بعد مساعها‪ّ ،‬‬
‫ض َّار َوال َدةٌ‏ب َولَد َها)‪ّ ،‬‬
‫تُ َ‬
‫‪3‬‬

‫حرم سب األموات‪ ،‬‏فما أعظمها من‬ ‫وصيّته‪ ،‬وحفظ لألموات حقوقهم حىت ّ‬
‫شريعة‪ ،‬وما أحسنه من دين‪.‬‏‬

‫‏ التمرينات‬
‫ما معىن الضرر ؟‬
‫ما الفرق بني ضرر وضرار؟ هات مثاال!‬
‫كيف كان موفق اإلسالم عنه ؟‬

‫البقرة ‪233 :‬‬ ‫ ‬‫‪3‬‬

‫‪37‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪38‬‬
‫أدب‪‎‎‬ما‪‎‎‬عند‪‎‎‬النوم‪‎‎‬واالستيقاظ‪‎‎‬منه‪‎‎‬‬

‫عن‪‎‎‬حذيفة‪‎‎‬وأبي‪‎‎‬ذر‪‎‎‬ر�ضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنهما‪‎‎‬قاال‪‎‎‬كان‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا علي ‪‎‬ه‬


‫َ َ ْ َ ّ ُ َّ َ ْ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫‪‎‬وسلم‪:‬‏‪َ َ َ َ َ ‎‎‬‬
‫ظ‬‫اش ِه‪‎‎‬قال‪‎ِ ‎‬باس ِمك‪‎‎‬الله ‪‎‬م‪‎‬أحيا‪‎‎‬وأموت‪‎‎‬و ِإذا استيق ‪‎‬‬
‫‏(إذا‏‪‎‎‬أوى‪‎ِ ‎‬إلى‪ِ ‎‎‬فر ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‪‎‬ق َ َ‬
‫‪‎‬هلل‪‎‎‬ال ِذي‪‎‎‬أحيانا‪‎‎‬بعدما‪‎‎‬أماتنا‪‎‎‬و ِإلي ِه‪‎‎‬النشور)‪.‬‏‪‎‎‬رواه البخاري‬ ‫ال‪‎‎‬الحمد‪ِ ‎‬‬

‫معاني املفردات‏‬
‫أوى‪ ‎‎‬‏‪ :‬أويت‪ ،‬آوي‪ ،‬أيوي‪ ،‬آو‪ ،‬مصدر إيواء ويقال أوى إىل فراش‬
‫أو إىل غرفة نومه أي انتقل‪ ،‬ذهب‏‬
‫فراش‏ ‏‪:‬‏‪‎‎‬ما يفرش وينام عليه‬
‫استيقظ ‪ :‬يقال استيقظ من نومه وغريه‪ ،‬وحنوه أيقظه أي جعله يقوم‬
‫من النوم‬
‫النشور‏ ‏‪ :‬بعث املوتى يوم القيامة أو قام من املوت ويقال يوم النشور ‪:‬‬
‫يوم القيامة‏‬

‫شرح الحديث‏‬
‫النوم‪‎ ‎‬واإلستيقاظ من‪‎ ‎‬نعمة هللا‪‎ ‎‬سبحانه‪‎ ‎‬وتعاىل‪‎ ‎‬علينا لذلك‪‎ ‎‬شرع‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬لن‪‎‬ا‬
‫‪‎‬أذكارا‪‎‎‬عند‪‎‎‬النوم‪‎‎‬واالستيقاظ‪‎‎‬واألكل والشرب‪‎‎‬ابتداء‪‎‎‬وانتهاء‪‎‎‬بل‪‎‎‬حىت‪‎‎‬عند‪‎‎‬دخول‪‎‬‬
‫‪‎‬اخلالء‪‎ ‎‬وعند‪‎ ‎‬اللباس‪‎ ‎‬كل‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬من أجل‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬تكون‪‎ ‎‬أوقاتنا‪‎ ‎‬معمورة‪‎ ‎‬بذكر‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عز‪‎‬‬

‫‪39‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‪‎‬وجل‪‎‎‬ولوال‪‎‎‬أن‪‎‎‬هللا‪‎‎‬شرع‪‎‎‬لنا‪‎‎‬ذلك لكان‪‎‎‬بدعة‪‎‎‬ولكن‪‎‎‬هللا‪‎‎‬شرع‪‎‎‬لنا‪‎‎‬هذا‪‎‎‬من‪‎‎‬أجل‪‎‬‬
‫‪‎‬أن‪‎‎‬تزداد‪‎‎‬نعمته‪‎‎‬علينا‪‎‎‬بفعل‪‎‎‬هذه الطاعات‪‎.‎‬‬
‫ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ اﻟﺬي ذﻛﺮﻩ اﳌﺆﻟﻒ ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ وأﰊ ذر رﺿﻲ اﷲ‬
‫ﻋﻨﻬﻤﺎ أن اﻟﻨﱯ ﺻﻠﻰ اﷲ‏ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻛﺎن إذا أوى إﱃ ﻓﺮاﺷﻪ ﻗﺎل ﺎﺑﲰﻚ اﻟﻠﻬﻢ‬
‫أﺣﻴﺎ وأﻣﻮت‪ .‬إذا أوى ﻳﻌﲏ إذا ذﻫﺐ إﱃ ﻓﺮاﺷﻪ‏وأراد أن ﻳﻨﺎم ﻗﺎل ﺎﺑﲰﻚ اﻟﻠﻬﻢ‬
‫أﺣﻴﺎ وأﻣﻮت ﻷن اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ ﻫﻮ اﶈﻴﻲ اﳌﻤﻴﺖ ﻓﻬﻮ اﶈﻴﻲ ﳛﻴﻲ‏ﻣﻦ ﺷﺎء‬
‫وﻫﻮ اﳌﻤﻴﺖ ﳝﻴﺖ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻓﺘﻘﻮل ﺎﺑﲰﻚ اﻟﻠﻬﻢ أﺣﻴﺎ وأﻣﻮت أي أﻣﻮت ﻋﻠﻰ‬
‫اﲰﻚ وأﺣﻴﺎ ﻋﻠﻰ‏اﲰﻚ‪.‬‏‬
‫وﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻫﺬا اﻟﺬﻛﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻮم ﻫﻮ أن اﻟﻨﻮم ﻣﻮت ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻮت أﺻﻐﺮ ﻛﻤﺎ‬
‫ﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ وﻫﻮ اﻟﺬي ‏ﻳﺘﻮﻓﺎﻛﻢ ﺎﺑﻟﻠﻴﻞ وﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺟﺮﺣﺘﻢ ﺎﺑﻟﻨﻬﺎر ﰒ ﻳﺒﻌﺜﻜﻢ وﻗﺎل‬
‫ﺗﻌﺎﱃ(ﷲ ﻳﺘﻮﰱ اﻷﻧﻔﺲ ﺣﲔ ﻣﻮهتا واﻟﱵ ﱂ ﲤﺖ ‏يف منامها)‏‪1‬‏ وﳍﺬا ﻛﺎن رﺳﻮل‬
‫اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ إذا ﻗﺎم ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎل اﳊﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي أﺣﻴﺎﺎﻧ ‏ﺑﻌﺪﻣﺎ‬
‫أﻣﺎﺗﻨﺎ وإﻟﻴﻪ اﻟﻨﺸﻮر ﻓﺘﺤﻤﺪ اﷲ اﻟﺬي أﺣﻴﺎك ﺑﻌﺪ اﳌﻮت وﺗﺬﻛﺮ أن اﻟﻨﺸﻮر ﻳﻌﲏ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻮر‏واﻹﺧﺮاج ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻮر ﻳﻜﻮن إﱃ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻓﺘﺘﺬﻛﺮ ﺑﺒﻌﺜﻚ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﺘﻚ‬
‫اﻟﺼﻐﺮى ﺑﻌﺜﻚ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﺘﻚ‏اﻟﻜﱪى وﺗﻘﻮل اﳊﻤﺪ ﷲ اﻟﺬي أﺣﻴﺎﺎﻧ ﺑﻌﺪ إذ أﻣﺎﺗﻨﺎ‬
‫وإﻟﻴﻪ اﻟﻨﺸﻮر وﰲ ﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﳊﻜﻤﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ‏ﰲ ﻫﺬا اﻟﻨﻮم اﻟﺬي ﺟﻌﻠﻪ اﷲ‬
‫راﺣﺔ ﻟﻠﺒﺪن ﻋﻤﺎ ﺳﺒﻖ وﺗﻨﺸﻴﻄﺎ ﻟﻠﺒﺪن ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ وأﻧﻪ ﻳﺬﻛﺮ أﻳﻀﺎ ﺎﺑﳊﻴﺎة‬
‫‏اﻷﺧﺮى ﺗﺬﻛﺮ ﺑﺬﻟﻚ إذا ﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻗﱪك ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻚ ﺣﻴﺎ إﱃ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ‪.‬‏‬
‫وﻫﺬا ﻳﺰﻳﺪك إﳝﺎﺎﻧ ﺎﺑﻟﺒﻌﺚ واﻹﳝﺎن ﺎﺑﻟﺒﻌﺚ أﻣﺮ ﻣﻬﻢ ﻟﻮﻻ أن اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻳﺆﻣﻦ ﺄﺑﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺒﻌﺚ‏وﳚﺎزى ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﺎ ﻋﻤﻞ وﳍﺬا ﳒﺪ ﻛﺜﲑا أن ﷲ ﻳﻘﺮن‬
‫اإلميان ابليوم اآلخر ﺎﺑﻹﳝﺎن ﺑﻪ ﻋﺰ وﺟﻞ ﻛﻤﺎ ‏ﻗﺎل ﺗﻌﺎﱃ (اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﷲ‬
‫واﻟﻴﻮم اﻵﺧﺮ)‪.‬‏‬

‫الزمر ‪42 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪40‬‬


‫صالة‪‎‎‬الجماعة‬

‫عن‪‎ ‎‬ابن‪‎ ‎‬عمر‪‎ ‎‬ر�ضي‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عنهما‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬رسول‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬صلى هللا عليه وسلم قا ‪‎‬ل‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ّ‬
‫‪‎‬صال ِة‪‎‎‬الف ِذ‪‎ِ ‎‬ب َس ْب ٍ ‪‎‬ع َ‪‎‬و ِعش ِرْي َن‪‎َ ‎‬د َر َجة)‪ .‬متفق‪‎‬‬ ‫‪‎:‬‏(صال ‏‪‎‬ة‪‎‬الجماع ِ‪‎‬ة‪‎‬أفضل‪‎ِ ‎‬من‪‎‬‬
‫‪‎‬عليه عن أبي هريرة ر�ضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ َ ُ‬ ‫َ َُ ْ‬
‫صال ِت ِه ِفي َب ْي ِت ِه َو ِف ْي‬ ‫اع ِة ‏تض َّعف على‬ ‫(صالة ا َّلر ُج ِل ِفي الجم‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫أح َس َن ا ُلو َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضأ ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫سوقه خ ْم َسة وعشرين ضعفا ‪ ،‬وذلك أن ُه إذا ت َو َّ‬ ‫َ‬
‫ضوء‬
‫ْ َ‬ ‫ً َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ ْ َ‬
‫‏ث َّم خ َر َج ِإلى امل ْس ِج ِد ال يخرجه إال الصالة ‪ ،‬لم َيخط خطوة إل ُر ِف َعت له‬
‫املالئكة ُتصلي ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ ُ ّ‬
‫علي ِه‬ ‫وحط عنه بها‏خطيئة ‪ ،‬فإذا صلى لم تزل‬ ‫بها درجة‬
‫َّ‬
‫حم ُه ‪،‬‏وال يزال في صالة ما‬ ‫صل عليه ‪ ،‬اللهم ار ْ‬ ‫صال ُه ‪ :‬اللهم ّ‬
‫ِ‬
‫ام في ُم َ‬‫َ َ َ‬
‫ما د ِ‬
‫َ َ َّ َ َ‬
‫الصل ‪‎‬ة ‪‎.‬‬ ‫انتظر‬

‫معاني املفردات‬
‫الفذ‪ ‎‎‬‏‪ :‬الفرد‬
‫درجة‏ ‏‪ :‬مجع درج و درجات أي مرقات أو طبقة من املراتب او منزلة‬
‫ورتبة يف الشرف‏‬
‫ضعف‏ ‏‪ :‬ضعف الشيء أو العدد أي مثله‪ ،‬أو هو الذي يثنيه‏‬

‫شرح الحديث‬
‫اتفق العلماء على أن صالة اجلماعة من أفضل العبادات وأجل‪‎‎‬الطاعات‪.‬‬
‫والقول الراجح أهنا ‏واجبة أيمث اإلنسان برتكها ولكنه إذا صلى وحده قبلت‬
‫صالته فليست شرطا لصحة الصالة ويدل عليه ‏قوله‪( :‬صالة اجلماعة أفضل‬

‫‪41‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫من صالة الفذ بسبع وعشرين درجة) ووجه الداللة أنه لوكانت صالة املنفرد‏ال‬
‫ثواب فيها ما صحت املفاضلة ولكن أيمث اإلنسان الذي ال يصلي مع اجلماعة‪.‬‏‬
‫احلديث األول ‪ :‬عن عبد اهللا بن عمر رضي اهللا عنهما ‪ :‬أن رسول اهللا‬
‫صلى اهللا عليه وسلم‏قال‪( :‬صالة اجلماعة أفضل من صالة الفذ بسبع وعشرين‬
‫درجة) أحدها ‪ :‬استدل به على صحة الفذ‪،‬‏وأن اجلماعة ليست بشرط‪ .‬ووجه‬
‫الدليل منه ‪ :‬أن لفظة « أفعل « تقتضي وجود االشرتاك يف األصل‏مع التفاضل‬
‫يف أحد اجلانبني‪ .‬وذلك يقتضي وجود فضيلة يف صالة الفذ وما ال يصح فال‬
‫فضيلة فيه‪ .‬وال‏يقال ‪ :‬إنه قد وردت صيغة « أفعل‪‎« ‎‬من غري اشرتاك يف األصل‬
‫; ألن هذا إمنا يكون عند اإلطالق‪.‬‏‬
‫‏ وأما التفاضل بزايدة عدد يقتضي بياان‪ .‬وال بد أن يكون مثة جزء معدود‬
‫يزيد عليه أجزاء أخر‪.‬‏كما إذا قلنا ‪ :‬هذا العدد يزيد على ذاك بكذا وكذا من‬
‫اآلحاد‪ .‬فال بد من وجود أصل العدد‪ ،‬وجزء‏معلوم يف اآلخر‪ ،‬ومثل هذا‪ .‬ولعله‬
‫أظهر منه‏‪‎:‎‬ما جاء يف الرواية األخرى « تزيد على صالته وحده‪ ،‬أو‏تضاعف‬
‫« فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزاد عليه‪ ،‬وعدد يضاعف‪ .‬نعم ميكن من‬
‫قال أبن صالة الفذ‏من غري عذر ال تصح ‪ -‬وهو داود على ما نقل عنه ‪ -‬أن‬
‫يقول‪‎: ‎‬التفاضل يقع بني صالة املعذور فذا‏والصالة يف مجاعة‪ .‬وليس يلزم إذا‬
‫وجدان حممال صحيحا للحديث أكثر من ذلك‪ .‬وجياب عن هذا أبن‏‏« الفذ‬
‫« معرف ابأللف والالم‪ .‬فإذا قلنا ابلعموم دل ذلك على فضيلة صالة اجلماعة‬
‫على صالةكل‏فذ فيدخل حتته الفذ املصلي من غري عذر‪.‬‏‬

‫التمرينات‪‎‎‬‬
‫ما هي صالة اجلماعة ؟‬
‫ما حكم صالة اجلماعة ؟‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪42‬‬


‫قيام الليل‬

‫ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ْ َ َُ َ َ ْ ُ ْ‬
‫(عل ْيك ْم‬ ‫صلى هللا علي ِه وسلم أنه قال‪:‬‬ ‫عن أ ِب ْي أمامة عن ْ َرسول ِ‬
‫هللا‬
‫َّ ٌ‬ ‫ُ ٌ َ ُ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫الل ْيل َفإ َّن ُه َدأ ُب َّ‬
‫الص ِال ِح ْين ‏ق ْبلك ْم‪َ ،‬و ُه َو ق ْرَبة ِإلى َرِّبك ْم‪َ ،‬و ُمك ِف َرة‬
‫َّ‬
‫ِب ِق َي ِام‬
‫َ َ َْ ٌ َ ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ َّ ّ َ‬
‫الث ِم)‪.‬‏‬
‫ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫اة‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ِللس ِي‬

‫معاني املفردات‬
‫دأب ‏ ‏‪ :‬العادة أو الشأن‏‬
‫قربة‏ ‏‪ :‬ما يتقرب به إىل هللا تعاىل من أعمال الرب والطاعة‏‬
‫مكفرة‏ ‏‪ :‬ما يستغفر به اآلمث من صدقة وصوم وحنو ذلك‏‬
‫ومنهاة ‪ :‬الغاية أو النهاية‬
‫اإلمث ‏‪ :‬ذنب أو خطيئة الذي يستحق فاعله العقوبة عليه‏‬

‫شرح الحديث‬
‫قيام الليل عادة الصاحلني دائماً‪ ،‬وكل الصاحلني من عهد آدم اىل نبينا‬
‫وعليه الصالة والسالم مدمي‏قيام الليل‪ ،‬وأن يصلوا هللا عز وجل يف الليل‪،‬ويكفر‬
‫هللا عز وجل عنكم السيئات تكفرياً عظيماً‪ ،‬وكفر ‏الشيء مبعىن سرته وغطاه‪،‬‬
‫كأن هللا عزوجل ميحو عنكم هذه السيئات‪ ،‬وذلك أبن غطاها وألغاها وسرتها‬
‫‏وجعلها هباءً‪.‬‏‬
‫إذاً من فضل قيام الليل أنه تشبه ابلصاحلني‪ ،‬ومن تشبه بقوم فهو‬

‫‪43‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫منهم‪،‬وهو تقرب إىل هللا عز‏وجل‪ ،‬وهو مكفر للسيئات‪ ،‬وهو سبب يف البعد‬
‫عن اآلاثم‪ ،‬والصالة تنهى عن الفحشاء واملنكر‪ ،‬أي‪:‬‏صالة الفريضة الصحيحة‬
‫اخلالصة هلل تعاىل‪ ،‬وزايدة على ذلك‪ :‬قيام الليل فإنه ينهى عن اآلاثم‪‎.‎‬‏ ومن‬
‫‏األحاديث الصحيحة أيضاً ما رواه الرتمذي عن عمرو بن عبسة رضي هللا عنه‬
‫ب ِم َن الْ َعْب ِد ِ ْف‬
‫الر ُّ‬ ‫أنه مسع النيب صلى هللا‏عليه وسلم يقول‪( :‬أَقـَْر ُ‬
‫ب َما يَ ُك ْو ُن َّ‬
‫ف اللَّْي ِل ْال ِخ ِر)‪ ،‬فاهلل قريب من عباده ‏سبحانه‪ ،‬وهو مست ٍو على عرشه‬ ‫جو ِ‬
‫َْ‬
‫يقرب من العبد كما يشاء سبحانه وتعاىل‪ ،‬فاهلل يقرب عبده إليه‪،‬وهو ‏قريب‬
‫من عبده؛ يسمعه ويبصره ويعطيه ويرمحه سبحانه وتعاىل‪ ،‬فأقر بساعة إجابة‬
‫يستجيب هللا عز وجل ‏فيها الدعاء يكون معه بعونه وبركته ورمحته ومعيته‬
‫سبحانه‪ ،‬قريب منه وهو يصلي له يف جوف الليل‏اآلخر‪‎.‎‬‏‏‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫استَطَ ْع َ‬ ‫جاءِ يف الصحيح أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬فَِإن ْ‬
‫اع ِة فَ ُك ْن) وذكر هللا أعم من أن تقوم‬ ‫‏الس َ‬
‫ك َّ‬ ‫أَ ْن تَ ُك ْو َن م َّْن يَ ْذ ُك ُر هللاَ ِ ْف تِْل َ‬
‫للصالة‪ ،‬فلعلك تقدر على الصالة‪ ،‬ولعلك تكون مريضاً يف‏هذا الوقت وانئما‬
‫على سريرك‪ ،‬ولك عادة أن تقوم الليل‪ ،‬فإذا بك وأنت على سريرك يف هذه‬
‫اللحظات‏تقوم من الليل ذاكراً هللا عز وجل بلسانك‪ ،‬فاحلديث هنا مل خيصص‬
‫الصالة وال غريها ولكنه عامٌّ يشمل‏ذكر هللا وغريه‪ ،‬فذكر هللا يكون يف الصالة‪،‬‬
‫كذلك يكون ابالستغفار والدعاء‪ ،‬فأنت يف هذه اللحظات‏يف الثلث األخري‬
‫من الليل أقرب ما تكون من ربك‪ ،‬وأقرب ما يكون هللا عز وجل منك يف هذا‬
‫قيام ِ‬
‫الليل‬ ‫الوقت‪،‬‏فاحرص عليه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬قال عبد هللا علوي احلداد ‪ِ :‬إن َ‬
‫النفس و ال‏سيما بعد النوم‪ .‬وإمنا يصري خفيـ ًفا ِب ِ‬
‫العتياد‬ ‫شيئ على ِ‬ ‫ِمن أث َقل ٍ‬
‫َ ْ‬
‫وامل َد َاوَمة‪ ،‬واملجاهدة يف أول األم ِر‪.‬‏‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‏ ومن األسباب امليسرة على اإلنسان ىف قيام الليل ‪-‬نقال عن الغزاىل‪-‬‬
‫الشروط الظاهرة و الشروط ‏الباطنة‪‎ .‎‬وأما الشروط الظاهرة فهي أن اليكثر‬
‫األكل والشرب‪ ،‬وأن ال يتعب ابلنهار ىف األعمال و أن ال‏يرتك‪‎‎‬القيلولة ابلنهار‬
‫وغريها‪ .‬وأما الشروط الباطنة فهي سالمة القلب عن احلقد على املسلمني‪،‬‬
‫وخوف ‏غالب يلزم القلب مع قصر األمل‪ ،‬و أن يعرف فضل قيام الليل من‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪44‬‬


‫محبة‪‎‎‬الغير‬

‫عن أنس بن مالك ر�ضي هللاا عنه خادم رسول هللاا صلى هللاا عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫أن النبي صلى هللاا عليه‏وسلم قال ‪( :‬ال ُيؤ ِم ُن أ َح ُدك ْم َح َّتى ُي ِح َّب ِل ِخ ْي ِه‬
‫َْ‬
‫َما ُي ِح ُّب ِلنف ِس ِه)‪ .‬رواه البخاري ومسلم‬

‫معاني املفردات‬
‫يؤمن‏ ‏‪ :‬وثق به وصدقه‪ ،‬ال يؤمن أحدكم أي ال يبلغ عبد حقيقة‬
‫اإلميان‏‬
‫حيب‏ ‏‪ :‬رغب يف الشيئ‪ ،‬امليل إىل األشخاص أو األشياء اجلذابة‏‬

‫شرح الحديث‬
‫حرص اإلسالم بتعاليمه وشرائعه على تنظيم عالقة الناس برهبم تبارك‬
‫وتعاىل‪ ،‬حىت ينالوا السعادة يف ‏الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويف الوقت ذاته شرع هلم ما‬
‫ينظم عالقتهم بعضهم ببعض؛ حىت تسود األلفة واحملبة يف ‏اجملتمع اإلسالمي‪،‬‬
‫وال يتحقق ذلك إال إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غريه حرصه‬
‫اإلسالمي قوي الروابط‪ ،‬متني‬
‫ّ‬ ‫على مصلحته ‏الشخصية‪ ،‬وبذلك ينشأ اجملتمع‬
‫األساس‪.‬‏‬
‫ومن أجل هذا اهلدف‪ ،‬أرشد النيب صلى اهللا عليه وسلم أمته إىل حتقيق‬
‫مبدأ التكافل واإليثار‪ ،‬‏فقال‪( :‬اليؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب‬
‫لنفسه)‪ ،‬فبني أن من أهم عوامل رسوخ اإلميان يف ‏القلب‪ ،‬أن حيب اإلنسان‬

‫‪45‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫لآلخرين حصول اخلري الذي حيبه لنفسه‪ ،‬من حلول النعم وزوال النقم‪ ،‬وبذلك‬
‫‏يكمل اإلميان يف القلب‪‎.‎‬‬
‫وإذا أتملنا احلديث‪ ،‬لوجدان أن حتقيق هذا الكمال اإلمياين يف النفس‪،‬‬
‫يتطلب منها مسوا يف التعامل‪،‬‏ورفعة يف األخالق مع الغري‪ ،‬انطالقا من رغبتها‬
‫يف أن تُعامل ابملثل‪ ،‬وهذا حيتّم على صاحبها أن يصرب ‏على أذى الناس‪،‬‬
‫ويتغاضى عن هفواهتم‪ ،‬ويعفو عمن أساء إليه‪ ،‬وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل إنه‬
‫يشارك ‏إخوانه يف أفراحهم وأتراحهم‪ ،‬ويعود املريض منهم‪ ،‬ويواسي احملتاج‪،‬‬
‫ويكفل اليتيم‪ ،‬ويعيل األرملة‪ ،‬وال أيلو‏جهدا يف تقدمي صنائع املعروف لآلخرين‪،‬‬
‫ِببشاشة وجه‪ ،‬وسعة قلب‪ ،‬وسالمة صدر‪‎.‎‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﳛﺐ ﻟﻠﻨﺎس اﻟﺴﻌﺎدة ﰲ دﻧﻴﺎﻫﻢ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻪ ﳛﺐ ﳍﻢ أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﻦاﻟﺴﻌﺪاء‬
‫ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ ،‬ﳍﺬا ﻓﻬﻮ ‏ﻳﺴﻌﻰ داﺋﻤﺎ إﱃ ﻫﺪاﻳﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‪ ،‬وإرﺷﺎدﻫﻢ إﱃ ﻃﺮﻳﻖ‬
‫َﺣ َﺴ َﻦ ﻗـَْﻮًﻻ ًََِّﳑ ْﻦ َد َﻋﺎ إِ َﱃ ِﷲ‬
‫(وَﻣ ْﻦ‏أ ْ‬
‫ﺗﻌﺎﱃ ‪َ :‬‬ ‫اﳍﺪى‪ ،‬واﺿﻌﺎ ﻧﺼﺐ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻗﻮل ﷲ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﺻِﺎ ًﳊﺎ َوﻗَ َ‬ ‫ِ‬
‫ﺎل إِﻧَِّﲏ ﻣ َﻦ اُْﳌ ْﺴﻠ َ‬
‫ﻤﲔ)‪.‬‏‬ ‫َو َﻋﻤ َﻞ َ‬
‫‪1‬‬

‫وﻳﺘﺴﻊ ﻣﻌﲎ اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻟﻴﺸﻤﻞ ﳏﺒﺔ اﳋﲑ ﻟﻐﲑ اﳌﺴﻠﻤﲔ‪ ،‬ﻓﻴﺤﺐ ﳍﻢ أن‬
‫ﳝﻦ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻹﳝﺎن‪ ،‬‏وأن ﻳﻨﻘﺬﻫﻢ اﷲ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺎت اﻟﺸﺮك واﻟﻌﺼﻴﺎن‪،‬‬
‫وﻳﺪل ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﳌﻌﲎ ﻣﺎ ﺟﺎء ﰲ رواﻳﺔ اﻟﱰﻣﺬي ﳍﺬا ‏اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ‪( :‬وأحبب ﻟﻠﻨﺎس ﻣﺎ ﲢﺐ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﺗﻜﻦ ﻣﺴﻠﻤﺎ)‪.‬‏‬
‫وﻟﻨﺎ ﰲ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﺧﲑ أﺳﻮة ﰲ ﺣﺐ اﳋﲑ ﻟﻠﻐﲑ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻮ عليه الصالة والسالم ﱂ ‏ﻳﻜﻦ ﻳﺪﺧﺮ ﺟﻬﺪا ﰲ ﻧﺼﺢ اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬وإرﺷﺎدﻫﻢ‬
‫إﱃ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﺻﻼح اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة‪ ،‬روى اﻹﻣﺎم ﻣﺴﻠﻢ أن ‏اﻟﻨﱯ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫وﺳﻠﻢ ﻗﺎل ﻷﰊ ذر رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ ‪( :‬ﺎﻳ أﺎﺑ ذر إﱐ أراك ﺿﻌﻴﻔﺎ‪ ،‬وإﱐ أﺣﺐ ﻟﻚ‬
‫ﻣﺎ‏أﺣﺐ لنفسي‪ ،‬ال أتمرن على اثنني‪ ،‬وال تولني مال يتيم)‪.‬‏‬

‫فصلت ‪33 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪46‬‬


‫أﻣﺎ ﺳﻠﻔﻨﺎ اﻟﺼﺎﱀ رﲪﻬﻢ اﷲ‪ ،‬ﻓﺤﻤﻠﻮا ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﺗﻘﻬﻢ ﻫﺬﻩ اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﻨﺒﻮة‪،‬‬
‫ﻛﺎﻧﻮا أﻣﻨﺎء ﰲ أداﺋﻬﺎ ﻋﻠﻰ‏ﺧﲑ وﺟﻪ‪ ،‬ﻓﻬﺎ ﻫﻮ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻳﻘﻮل‪:‬‬
‫(إﱐ ﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ اﻵﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﺎب اﷲ‪ ،‬ﻓﺄود أن‏اﻟﻨﺎس ﻛﻠﻬﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ أﻋﻠﻢ‪،‬‬
‫وﳌﺎ أراد ﳏﻤﺪ ﺑﻦ واﺳﻊ رﲪﻪ اﷲ أن ﻳﺒﻴﻊ ﲪﺎرا ﻟﻪ‪ ،‬ﻗﺎل ﻟﻪ رﺟﻞ ‪:‬‏‏»أﺗﺮﺿﺎﻩ ﱄ؟‬
‫« ﻓﺮد ﻋﻠﻴﻪ ‪ « :‬ﻟﻮ ﱂ أرﺿﻪ ﻟﻚ‪ ،‬ﱂ أﺑﻌﻪ»)‪ .‬وﻫﺬﻩ اﻷﻣﺜﻠﺔ وﻏﲑﻫﺎ ﻣﺆﺷﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺴﻤﻮ‏اﻹﳝﺎﱐ اﻟﺬي وﺻﻠﻮا إﻟﻴﻪ‪ ،‬واﻟﺬي ﺑﺪورﻩ أﲦﺮ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ اﳌﻮاﻗﻒ اﳌﺸﺮﻓﺔ‪.‬‏‬
‫وﻣﻦ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت ﻫﺬا اﳊﺪﻳﺚ‪ ،‬أن ﻳﺒﻐﺾ اﳌﺴﻠﻢ ﻷﺧﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺒﻐﻀﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫وﻫﺬا ﻳﻘﻮدﻩ إﱃ ﺗﺮك ﲨﻠﺔ ‏ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺬﻣﻴﻤﺔ‪ ،‬ﻛﺎﳊﺴﺪ واﳊﻘﺪ‪ ،‬واﻟﺒﻐﺾ‬
‫ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬واﻷﺎﻧﻧﻴﺔ و اﳉﺸﻊ‪ ،‬وﻏﲑﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎت‏اﻟﺬﻣﻴﻤﺔ‪ ،‬اﻟﱵ ﻳﻜﺮﻩ أن ﻳﻌﺎﻣﻠﻪ‬
‫اﻟﻨﺎس هبا‪.‬‏‬
‫واملالحظ ﻓﺈن ﻣﻦ ﲦﺮات اﻟﻌﻤﻞ هبذا اﳊﺪﻳﺚ اﻟﻌﻈﻴﻢ أن ﻳﻨﺸﺄ ﰲ اﻷﻣﺔ‬
‫ﳎﺘﻤﻊ ﻓﺎﺿﻞ‪ ،‬ﻳﻨﻌﻢ أﻓﺮادﻩ ﻓﻴﻪ ‏ﺄﺑواﺻﺮ اﶈﺒﺔ‪ ،‬وﺗﺮﺗﺒﻂ ﻟﺒﻨﺎﺗﻪ ﺣﱴ ﺗﻐﺪو ﻗﻮﻳﺔ‬
‫ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻛﺎﳉﺴﺪ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﻘﻮي‪ ،‬اﻟﺬي ﻻ ﺗﻘﻬﺮﻩ‏اﳊﻮادث‪ ،‬وﻻ ﺗﻐﻠﺒﻪ اﻟﻨﻮاﺋﺐ‪،‬‬
‫ﻓﺘﺘﺤﻘﻖ ﻟﻸﻣﺔ ﺳﻌﺎدهتا‪ ،‬وﻫﺬا ﻫﻮ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﺘﻤﲎ أن ﻧﺮاﻩ ﻋﻠﻰ أرض‏اﻟﻮاﻗﻊ‪ ،‬واﷲ‬
‫اﳌﻮﻓﻖ واﳍﺎدي إﱃ ﺳﻮاء اﻟﺴﺒﻴﻞ‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫اكتب حديث حمبة‪‎‎‬على‪‎‎‬الغري ؟‬
‫ملاذا حيث اإلسالم على املسلم أن حيب غريه ؟‬

‫‪47‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪48‬‬
‫البعد‪‎‎‬عن‪‎‎‬الغضب‬

‫َّ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َّ َ ُ ً َ َ َّ ّ َ َّ ُ َ‬
‫‪‎‬هللا‪‎َ ‎‬عل ْي ِه َو َسل َم ‪:‎‬‏‬ ‫ل‪‎‬قال‪‎ِ ‎‬للن ِب ِ‪‎‬ي‪‎‬صلى‪‎‬‬
‫�ضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪‎‎،‬أن‪‎‎‬رج ‪‎‬‬ ‫َعن‪‎‎‬أ ِبي‪‎‎‬هرير ‪‎‬ة‪‎‬ر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ض ْب‪‎‎،‬ف َر َّد َد م َرا ًرا‪‎‎،‬ق َ‬ ‫ْ‬
‫ض ْب)‪ .‬رواه‪‎‎‬البخاري‬ ‫‪‎‬ل‪‎‬تغ‬ ‫ال‪:‬‏‪‎ ‎‬‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬أ ْو ِص ِن ْي‪ ،‬قال‪‎ :‬‬
‫(ل‪‎‬تغ‬

‫معاني املفردات‏‬
‫تغضب ‪ :‬غضب يغضب غضبا ومغضبة أي استجابة النفعال‪ ،‬تتميز‬
‫ابمليل إىل االعتداء‪ ،‬الذي‏يبغض غريه ويثور عليه وحيب‬
‫االنتقام منه‬

‫شرح الحديث‏‬
‫خلق‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎‎‬آدم‪‎‎‬عليه‪‎‎‬السالم‪‎‎‬من‪‎‎‬تراب‪‎‎‬األرض‪‎‎‬جبميع‪‎‎‬أنواعه‏‪‎-‎‬األبي ‪‎‬‬
‫ض‬
‫ذريته‪‎‬‬
‫‪‎‬منها‪‎ ‎‬واألسود‪‎ ‎،‬والطيب‪‎ ‎‬والرديء‪‎ ‎،‬والقاسي‪‎ ‎‬واللني‪‎ ‎،‎- ‎‬فنشأت‪‎ ‎‬نفوس ّ‬
‫‪‎‬متباينة‪‎‎‬الطباع‪‎‎،‬خمتلفة‪‎‎‬املشارب‪‎‎،‬فما‪‎‎‬يصلح‪‎‎‬لبعضها‪‎‎‬قد‪‎‎‬ال‪‎‎‬يناسب‪‎‎‬غريها‪ ،‬ومن‪‎‬‬
‫‪‎‬هذا‪‎ ‎‬املنطلق‪‎ ‎‬راعى‪‎ ‎‬النيب‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬وسلم‪‎ ‎‬ذلك‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬وصاايه‪‎ ‎‬للناس‪‎ ‎،‬إذ كان‪‎‬‬
‫‪‎‬يوصي‪‎‎‬كل‪‎‎‬فرد‪‎‎‬مبا‪‎‎‬يناسبه‪ ،‬وما‪‎‎‬يعينه يف هتذيب نفسه وتزكيتها‪.‬‏‬
‫فها‪‎‎‬هم‪‎‎‬صحابة‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎،‬يتسابقون‪‎‎‬إليه‪‎‎‬كي‪‎‎‬يغنموا‬
‫منه‪‎‎‬الكلمة‪‎‎‬اجلامعة‪‎‎‬والتوجيه‪‎‎‬الرشيد‪‎‎،‬وكان‪‎‎‬منهم‪‎‎‬أبو‪‎‎‬الدرداء‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪‎‎‬‏‪-‬كما‪‎‬‬
‫‪‎‬جاء‪‎‎‬يف‪‎‎‬بعض‪‎‎‬الرواايت‪‎‎،‎- ‎‬فأقبل‪‎‎‬بنفس‪‎‎‬متعطشة‪‎‎‬إىل‪‎‎‬املريب‪‎‎‬العظيم‪‎‎،‬يسأله وصية‪‎‬‬
‫‪‎‬جتمع‪‎‎‬له‪‎‎‬أسباب‪‎‎‬اخلري‪‎‎‬يف‪‎‎‬الدنيا‪‎‎‬واآلخرة‪‎‎،‬فما‪‎‎‬زاد‪‎‎‬النيب‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه وسلم‪‎‎‬على‪‎‬‬
‫ب)‪.‬‏‬‫ضْ‬ ‫‪‎‬أن‪‎‎‬قال‪‎‎‬له‪(َ :‬ل‪‎‎‬تـَ ْغ َ‬

‫‪49‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫وهبذه الكلمة‪‎ ‎‬املوجزة‪‎ ‎،‬يشري‪‎ ‎‬النيب‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬وسلم‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬خطر‪‎ ‎‬هذ‪‎‬ا‬
‫‪‎‬مّزقت‪‎ ‎‬به‪‎ ‎‬من‪‎‬‬
‫‪‎‬اخللق و الذميم‪‎ ‎،‬فالغضب‪‎ ‎‬مجاع‪‎ ‎‬الشر‪‎ ‎،‬ومصدر‪‎ ‎‬كل‪‎ ‎‬بليّة ‪‎ ،‎‬فكم‪ُ ‎‬‬
‫‪‎‬صالت‪ ،‬وقُطعت‪‎ ‎‬به‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬أرحام‪‎ ‎،‬وأُشعلت‪‎ ‎‬به‪‎ ‎‬انر‪‎ ‎‬العداوات‪‎ ‎،‬وارتُكبت‪‎ ‎‬بسببه‪‎‬‬
‫‪‎‬العديد‪‎‎‬من التصرفات‪‎‎‬اليت‪‎‎‬يندم‪‎‎‬عليها‪‎‎‬صاحبها‪‎‎‬ساعة‪‎‎‬ال‪‎‎‬ينفع‪‎‎‬الندم‪‎.‎‬‬
‫إنه‪‎ ‎‬غليان‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬القلب‪‎ ‎،‬وهيجان‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬املشاعر‪‎ ‎،‬يسري‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬النفس‪‎ ‎،‬فرت ‪‎‬‬
‫ى‬
‫‪‎‬صاحبه حممر‪‎ ‎‬الوجه‪‎ ‎،‬تقدح‪‎ ‎‬عينيه‪‎ ‎‬الشرر‪‎ ‎،‬فبعد‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬كان‪‎ ‎‬هادائ‪‎ ‎‬متزان‪‎ ‎،‬إذا‪‎ ‎‬به‪‎‬‬
‫‪‎‬يتحول‪‎ ‎‬إىل كائن‪‎ ‎‬آخر‪‎ ‎‬خيتلف‪‎ ‎‬كلية‪‎ ‎‬عن‪‎ ‎‬تلك‪‎ ‎‬الصورة‪‎ ‎‬اهلادئة‪‎ ‎،‬كالربكان‪‎ ‎‬الثائر‪‎‬‬
‫‪‎‬الذي‪‎‎‬يقذف محمه‪‎‎‬على‪‎‎‬كل‪‎‎‬أحد‪‎.‎‬‬
‫ك‬ ‫َسأَلُ َ‬ ‫وهلذا‪‎‎‬كان‪‎‎‬النيب‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬يكثر‪‎‎‬من‪‎‎‬دعاء‪( :‬اللَّ ُه َّ‪‎‬م‪‎‬إِِّ‪‎‬‬
‫ن‪‎‬أ ْ‬
‫ضا) رواه‪‎‎‬أمحد ‪.‬‏‪‎‎‬فإن‪‎‎‬الغضب‪‎‎‬إذا‪‎‎‬اعرتى‪‎‎‬العبد‪ ،‬فإنه‬ ‫ضِ‬
‫ب‪‎َ ‎‬و ِّ‬
‫الر َ‬ ‫‪‎‬ف‪‎‬الْغَ َ‬ ‫َكلِ َمة‪ْ َ‎‬‬
‫‪‎‬الَ ِّق‪‎ ِ ‎‬‬
‫قد‪‎‎‬مينعه‪‎‎‬من‪‎‎‬قول‪‎‎‬احلق‪‎‎‬أو‪‎‎‬قبوله‪‎‎،‬وقد‪‎‎‬ش ّدد‪‎‎‬السلف‪‎‎‬الصاحل‪‎‎‬رضوان‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليهم يف‪‎‬‬
‫‪‎‬التحذير‪‎‎‬من‪‎‎‬هذا‪‎‎‬اخللق‪‎‎‬املشني‪‎‎،‬فها‪‎‎‬هو‪‎‎‬علي‪‎‎‬بن‪‎‎‬أيب‪‎‎‬طالب‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪:‬‏‪‎‎‬أول‪‎‬‬
‫‪‎‬الغضب‪‎‎‬جنون‪‎‎‬وآخره‪‎‎‬ندم‪‎‎،‬ورمبا‪‎‎‬كان‪‎‎‬العطب‪‎‎‬يف‪‎‎‬الغضب‪.‬‏‬
‫مكتوب‪‎‎‬يف‪‎‎‬احلِكم‪ :‬اي‪‎‎‬داود‪‎‎‬إايك‬ ‫ٌ‬ ‫يقول عروة‪‎‎‬بن‪‎‎‬الزبري‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنهما‪:‬‬
‫وشدة‪‎‎‬الغضب‪ ،‬فإن‪‎‎‬شدة‪‎‎‬الغضب‪‎‎‬مفسدة‪‎‎‬لفؤاد‪‎‎‬احلكيم وأُثر‪‎‎‬عن‪‎‎‬أحد‪‎‎‬احلكماء‬
‫أنه‪‎‎‬قال‪‎‎‬البنه‪ ،‬اي‪‎‎‬بين‪‎‎،‬ال‪‎‎‬يثبت‪‎‎‬العقل‪‎‎‬عند‪‎‎‬الغضب‏كما‪‎‎‬ال‪‎‎‬تثبت روح‪‎‎‬احلي‪‎‎‬يف‪‎‬‬
‫‪‎‬التنانري‪‎‎‬املسجورة‪ ،‬فأقل‪‎‎‬الناس‪‎‎‬غضبا‪‎ً‎‬أعقلهم‪ ،‬وقال‪‎‎‬آخر‪ .‬ما‪‎‎‬تكلمت‪‎‎‬يف‪‎‎‬غضيب‪‎‬‬
‫‪‎‬قط‪‎‎‬مبا‪‎‎‬أندم‪‎‎‬عليه‪‎‎‬إذا‪‎‎‬رضيت‪.‬‏‬
‫ومن‪‎‎‬الصفات‪‎‎‬اليت‪‎‎‬امتدح‪‎‎‬هللا بعباده‪‎‎‬املؤمنني‪‎‎‬يف‪‎‎‬كتابه‪‎‎،‬ما‪‎‎‬جاء‪‎‎‬يف‪‎‎‬قوله‬
‫ني َع ِن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫تعاىل‪( :‬الَّ ِذين يـْن ِف ُقو َن ِف َّ ِ‬
‫ني الْغَْي َظ َوالْ َعاف َ‬
‫‏السَّراء َوالضََّّراء َوالْ َكاظم َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِِ ‪1‬‬
‫ني)‏‏‪ .‬فهذه‏‪‎ ‎‬اآلية‪‎ ‎‬تشري‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬أن ‏الناس‪‎ ‎‬ينقسمون‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬ثالثة‪‎‬‬ ‫ب الْ ُم ْحسن َ‬ ‫اللُ ُِي ُّ‬
‫َو َّ‬
‫‪‎‬مراتب‪‎: ‎‬فمنهم‪‎‎‬من‪‎‎‬يكظم‪‎‎‬غيظه‪‎‎،‬ويوقفه‪‎‎‬عند‪‎‎‬حده‪ ،‬ومنهم‪‎‎‬من‪‎‎‬يعفوا‪‎‎‬عمن‪‎‎‬أساء‪‎‬‬

‫ال عمران ‪134 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪50‬‬


‫‪‎‬إليه‪‎‎،‬ومنهم‪‎‎‬من‪‎‎‬يرتقي‪‎‎‬به‪‎‎‬مسو‪‎‎‬خلقه‪‎‎‬إىل‪‎‎‬أن‪‎‎‬يقابل إساءة‪‎‎‬الغري‪‎‎‬ابإلحسان‪‎‎‬إليه‪‎.‎‬‬
‫وهذا‪‎‎‬يقودان‪‎‎‬إىل‪‎‎‬سؤال‪‎‎‬مهم‪:‬‏‪‎‎‬ما‪‎‎‬هي‪‎‎‬الوسائل‪‎‎‬اليت‪‎‎‬حتد‪‎‎‬من‪‎‎‬الغضب‪‎‎،‬وتعني‬
‫العبد‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬التحكم‪‎ ‎‬بنفسه‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬تلك‪‎ ‎‬احلال؟‪‎ ‎‬لقد‪‎ ‎‬بينت‪‎ ‎‬الشريعة‪‎ ‎‬العالج‪‎ ‎‬النافع‬
‫لذلك‪‎‎‬من‪‎‎‬خالل‪‎‎‬عدة‪‎‎‬نصوص‪‎‎،‬وهو‪‎‎‬يتلخص‪‎‎‬فيما‪‎‎‬أييت‪‎: ‎‬‬
‫أوال‪:‬‏‪‎‎‬اللجوء‪‎‎‬إىل‪‎‎‬هللا‪‎‎‬سبحانه‪‎‎‬وتعاىل‪‎‎‬ابلدعاء‪‎‎،‬فالنفوس‪‎‎‬بيد‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪ ،‬وهو‪‎‬‬
‫ب لَ ُك ْم)‪2.‬‏‏‏‬ ‫ال ربُّ ُكم ادع ِون أ ِ‬
‫َستَج ْ‬ ‫(وقَ َ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫‪‎‬املعني‪‎‎‬على‪‎‎‬تزكيتها‪‎‎،‬يقول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪َ :‬‬
‫اثنيا‪‎: ‎‬التعوذ‪‎‎‬ابهلل‪‎‎‬من‪‎‎‬الشيطان‪‎‎‬الرجيم‪‎‎،‬فهو‪‎‎‬الذي‪‎‎‬يوقد‪‎‎‬مجرة‪‎‎‬الغضب‪‎‎‬يف‬
‫ان نـزغٌ فَاستعِ ْذ ِب َِّ‬
‫لل)‪.3‬‏‬ ‫َّك ِم َن الشَّْيطَ ِ َْ ْ َ‬ ‫القلب‪‎‎،‬يقول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪َ :‬‏وإِ َّما يـَنـَْز َغن َ‬
‫‪‎‬امحر‪‎‬‬
‫‪‎‬مر‪‎ ‎‬النيب‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬وسلم‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬رجلني‪‎ ‎‬يستبّان‪ ،‬فأحدمها‪ّ ِ ‎‬‬ ‫وقد‪ّ ‎‬‬
‫ن َ‪‎‬ل ْ‬
‫َعلَ ُ‪‎‬م‪َ ‎‬كل َمةً‪‎،‬‬ ‫‪‎‬وجهه‪‎‎،‬وانتفخت‪‎‎‬أوداجه‪‎‎،‬فقال‪‎‎‬النيب‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪( :‬إِِّ‪‎‬‬
‫‪‎‬ما‪‎‬‬ ‫ال ‪‎ :‬أَعوذ‪ِ ِ ُ‎‬‬
‫هلل‪‎ِ ‎‬م ‪‎‬ن ‪‎‬الشَّيطَ ِ‬ ‫‪‎‬عْن ‪‎‬هُ‪‎‬ما‪َِ ‎‬‬
‫‪‎‬عْن ‪‎‬هُ َ‬
‫ب َ‬‫ان‪َ ،‬ذ َه َ‪‎‬‬ ‫‪‎‬ب َ ْ‬ ‫‪‎‬ي ُد‪‎ ‎،‬لَ ْ‪‎‬و ‪‎‬قَ َ‪ْ ُ ‎‬‬ ‫ب َ َ‬ ‫‪‎‬لَ ْ‪‎‬و ‪‎‬قَا َلَا‪َ ‎ ‎‬ذ َه َ‪‎‬‬
‫‪‎‬ي ُد)‪.‬‏‪‎‎‬وعلى‪‎‎‬الغاضب‪‎‎‬أن‪‎‎‬يكثر‪‎‎‬من‪‎‎‬ذكر‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎‎‬واالستغفار‪‎‎‬؛ فإن‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬يعينه‪‎‬‬ ‫َِ‬
‫‪‎‬على‪‎‎‬طمأنينة‪‎‎‬القلب‪‎‎‬وذهاب‪‎‎‬فورة‪‎‎‬الغضب‪‎.‎‬‬
‫اثلثا‪‎: ‎‬التطلع‪‎‎‬إىل‪‎‎‬ما‪‎‎‬عند‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎‎‬من‪‎‎‬األجور‪‎‎‬العظيمة‪‎‎‬اليت‪‎‎‬أعدها‪‎‎‬ملن‬
‫كظم‪‎‎‬غيظه‪‎‎،‬فمن‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬ما‪‎‎‬رواه‪‎‎‬أبو‪‎‎‬داود‪‎‎‬بسند‪‎‎‬حسن‪‎‎،‬أن‪‎‎‬النيب‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪‎‬علَى‪‎‎‬أَ ْ‪‎‬ن‪‎‬يـُْنف َذهُ‪َ ‎،‬‬
‫‪‎‬د َع ‪‎‬اهُ‪‎‬هللا‪‎ُ‎‬تـَبَ َارَك‪‎َ ‎‬وتـََع َال‬ ‫(م ْ‪‎‬ن‪َ ‎‬كظَ َم‪َ ‎‎‬غْيظًا‪‎َ ‎‬وُه َ‪‎‬و‪‎‬قَادٌر‪َ ‎‬‬ ‫وسلم‪‎‎‬قال‪َ :‬‬
‫‪‎‬شاءَ)‪.‬‏‬ ‫‪‎‬الُْوِ‪‎‬ر َ‬
‫َي ْ‬ ‫‪‎‬يََِّي‪‎‬هُ ِ‪‎‬م ْ‪‎‬ن‪‎‬أ ِّ‪‎‬‬
‫تُ‬ ‫‪‎‬ح َّ‪‎‬‬ ‫علَى‪‎‎‬رُؤو ِس‪ِ ْ ‎‬‬
‫‪‎‬الََلئ ِق‪َ ‎،‬‬ ‫َ ُْ‬
‫رابعا‪‎ : ‎‬اإلمساك‪‎ ‎‬عن‪‎ ‎‬الكالم‪‎ ‎،‬ويغري‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬هيئته‪‎ ‎‬اليت‪‎ ‎‬عليها‪‎ ‎،‬أبن‪‎ ‎‬يقعد‪‎‬‬
‫‪‎‬إذا‪‎ ‎‬كان واقفا‪‎ ‎،‬ويضطجع‪‎ ‎‬إذا‪‎ ‎‬كان‪‎ ‎‬جالسا‪‎ ‎،‬كما‪‎ ‎‬قال‪‎ ‎‬النيب‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎‬‬
‫ب‪‎َ ‎‬وإَِّ‪‎‬ل‬ ‫س‪‎ ‎،‬فَِإ ْ‪‎‬ن ‪َ ‎‬ذ َه َ‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬وسلم‪( :‬إِ َذا َغ ِ‬
‫ضُ‬ ‫‪‎‬عْن ‪‎‬هُ‪‎‬الْغَ َ‬‫ب َ‬ ‫َح ُد ُك ْم‪‎َ ‎‬وُه َ‪‎‬و ‪‎‬قَائ ٌ‪‎‬م ‪‎‬فـَْليَ ْجل ْ‬
‫ب ‪‎‬أ َ‬
‫ض َ‪‎‬‬

‫غافر ‪60 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫فصلت ‪36 :‬‬ ‫ ‬‫‪3‬‬

‫‪51‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪52‬‬
‫الصدق واملنع عن الكذب‬

‫ص َّلى‪ُ ‎‬‬
‫‪‎‬هللا‪‎‬‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ َ ُس ْو ُل‪‎‎‬هللا َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫�ضي هللا‪‎‎‬عنه‪‎-‎‬‏ قال‪:‬‏‪‎‎‬قال‪‎‎‬ر‬ ‫‪‎‬هللا‪‎‎‬ب ِن‪‎‎‬مسعود ‪-‬ر ِ‬ ‫عن‪‎‎‬عب ِد‪ِ ‎‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ َ‬
‫‪‎‬الص ْدق‪‎َ ‎‬ي ْه ِد ْي‪‎ِ ‎‬إلى‪‎ ‎‬ال ِب ّ ِر‪‎َ ‎،‬و ِإ َّن‪‎ ‎‬ال ِب َّ‪‎‬ر‬ ‫ن‬
‫‪‎‬‬ ‫الص ْدق‪‎َ ‎‬فإ َّ‬ ‫(ع َل ْي ُك ْ‪‎‬م ‪‎‬ب ّ‬ ‫َ‪‎‬ع َل ْيه‪‎َ ‎‬و َس َّل َم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪‎‬الصدق‪َ ‎‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص ُدق‪‎َ ‎‬و َيت َح َّرى‪ّ ‎‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‪‎‬ي ْه ِد ْي‪‎ ‎‬إلى ال َجن ِة‪‎َ ‎،‬و َما‪‎َ ‎‬ي َز ُ‬
‫‪‎‬حتى‪‎ُ ‎‬يكت َب‪‎‬‬ ‫ِ‬
‫‪‎‬الر ُج ُل‪‎َ ‎‬ي ْ‬ ‫ال‪َّ ‎‬‬
‫ِ‬
‫‪‎‬ال ُف ُج ْور‪‎َ ‎،‬وإنَّ‬ ‫ّ ْ ً َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ َ ْ ْ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ْ ِ ِ‬ ‫ى‬
‫‪‎‬‬ ‫ل‬ ‫‪‎‬إ‬‫ِ‬ ‫‪‎‬‬
‫ي‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫‪‎‬ي‬ ‫‪‎‬‬
‫ب‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫‪‎‬ال‬ ‫ن‬
‫‪‎‬‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫‪‎‬ف‬ ‫‪‎‬‬
‫ب‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ال‬‫و‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ي‬ ‫إ‬ ‫‪‎‬و‬
‫َ ِ‬ ‫‪،‬‬
‫‪‎‬‬ ‫قا‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫‪‎‬ص‬‫ِ‬ ‫هللا‬
‫‪‎‬‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِ‪‎‬عن‬
‫‪‎‬ال َكذ َب َحتى‪َّ‎‬‬ ‫َ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‪َ ُ َّ ‎‬‬ ‫ْال ُف ُج ْو َ‪‎‬ر َ‪‎‬ي ْه ِد ْي‪‎ ‎‬إلى‪‎ ‎‬النار‪‎َ ‎،‬و َما‪‎َ ‎‬ي َز ُ‬
‫َّ‬
‫‪‎‬الرج ُل‪‎ ‎‬يك ِذ ُب‪‎ ‎‬ويتح َّرى‪ِ ‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ً َ ْ َ َ ْ‬ ‫َُْ َ َْ‬
‫‪‎‬المام‪‎‎‬مس ِلم‪‎ِ ‎‬في‪‎‎‬ص ِحي ِح ِه‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫‪‎‬‬ ‫ج‬‫ر‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫)‪.‬‬ ‫ابا‬ ‫ذ‬ ‫‪‎‬ك‬ ‫‪‎‬هللا‬
‫‪‎‬‬‫ِ‬ ‫‪‎‬‬
‫د‬ ‫‪‎‬يكتب‪‎ِ ‎‬عن‬

‫معاني املفردات‏‬
‫الصدق ‪ :‬م ـ ـ ـ ــطابقة الكالم للواقع حبسب اعتقاد املتكلـ ــم أو مـ ـ ـ ـ ــطابقة احلقيقة‬
‫والواقع من غري كذب‪.‬‏‬
‫ِ‬
‫الرب ‏‪ :‬اخلري‪ ،‬أكثر من اإلحسان‪ ،‬ويقال بر عمـ ـ ــله أي صلـ ـ ـ ـ ــح‪ ،‬بر ربه أي‬
‫ّ‬
‫أطاعه‪.‬‏‬
‫يتحرى ‏‪ :‬اجته ـ ـ ـ ـ ــد يف طلبه ودق‪ ،‬ويقال يتحرى األمور أي يتقصاها ابلبحث‬
‫َّ‬
‫والتنقيب والتفتيش‪ ،‬ويقال‏يتحرى صحة األخبار أي أن يتأكد منها‬
‫من مصادرها‪.‬‏‬
‫الفجور ‪ :‬الفسق أو إرتكاب املعاصي‪.‬‏‬

‫‪53‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫شرح الحديث‏‬
‫إن‪‎‎‬ديننا‪‎‎‬اإلسالمي‪‎‎‬دين‪‎‎‬الصدق‪‎‎،‬فاإلسالم‪‎‎‬ال‪‎‎‬يقبل‪‎‎‬من‪‎‎‬أتباعه‪‎‎‬أن‪‎‎‬يكونوا‬
‫كذابني‪‎‎‬ملا‪‎‎‬ورد‪‎‎‬يف‪‎‎‬احلديث‪‎:‎‬أن‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬سئل‪‎: ‎‬‏(أيكون‏‪‎‬‬
‫الً ‪‎‬؟‪‎ ‎‬قال‪‎ : ‎‬نعم‪‎ ‎،‬أيكون املؤمن‪‎‬‬ ‫‪‎‬املؤمن‪‎ ‎‬جباانً؟‪‎ ‎‬قال‪‎ : ‎‬نعم‪‎ ‎،‬أيكون‪‎ ‎‬املؤمن‪‎ ‎‬خبي ‪‎‬‬
‫اك‪‎‬‬‫َخ َ‬ ‫ِ‬ ‫تِ‬
‫‪‎‬خيَانَة‪‎ً‎‬أَ ْن ُتَ ّد َ‪‎‬‬
‫ث‪‎‬أ َ‬ ‫‪‎‬كذاابً‪‎‎،‬قال‪‎: ‎‬ال)‪.‬‏‪‎‎‬ولقوله‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪َ ( :‬كبـَُر ْ‪‎‬‬
‫ك‪‎‬بِِه‪‎‎‬مص ِّد ٌق‪‎‎‬وأَنْ ‪ِ ِ ‎‬‬ ‫ِ‬
‫ب)‪.‬‏‬ ‫ت‪‎‬لَ‪‎‬هُ‪‎‬بِه‪َ ‎‎‬كاذ ٌ‬ ‫‪‎‬ه َ‪‎‬و‪‎‬لَ َ‪َ َ َ ُ ‎‬‬ ‫‪‎‬حديْثا‪ُ ً‎‬‬‫َ‬
‫ومن‪‎‎‬املعلوم‪‎‎‬أن‪‎‎‬الصدق‪‎‎‬من‪‎‎‬أكرم‪‎‎‬الصفات‪‎‎‬وأعظم‪‎‎‬األخالق‪‎‎،‬فهو خلق‪‎‬‬
‫‪‎‬إسالمي‪‎‎‬جليل‪‎‎‬ولباس‪‎‎‬من‪‎‎‬التقوى‪‎‎‬مجيل‪‎‎،‬فقد‪‎‎‬دعا‪‎‎‬ديننا‪‎‎‬اإلسالمي احلنيف‪‎‎‬إىل‪‎‬‬
‫ك‪‎‬لَ َعلى‪‎‬‬ ‫(وإِنَّ َ‏‪‎‬‬
‫‪‎‬األخالق‪‎‎‬حيث‪‎‎‬مدح‪‎‎‬هللا‪‎‎‬نبينا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم بقوله‪‎:‎‬‏ َ‬ ‫‪‎‬مكارم‪‎‬‬
‫‪‎‬ع ِظي ٍم)‪‎‎،1‬فجاء‪‎‎‬عليه‪‎‎‬الصالة‪‎‎‬والسالم ليقود‪‎‎‬البشرية‪‎‎‬إىل‪‎‎‬اخلري‪‎‎،‬حيث‪‎‎‬دعا‪‎‬‬ ‫‪‎‬خلُ ٍق‪َ ‎‬‬
‫ُ‬
‫‪‎‬إىل‪‎ ‎‬كل‪‎ ‎‬فضيلة‪‎ ‎‬و عن‪‎ ‎‬كل‪‎ ‎‬رذيلة‪ ،‬كما‪‎ ‎‬أخذ‪‎ ‎‬أبيديهم‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬الظلمات‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬النور‪‎،‬‬
‫‪‎‬ومن‪‎ ‎‬اجلنب‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬الشجاعة‪ ،‬‏ومن‪‎ ‎‬البخل‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬السخاء‪‎ ‎‬والكرم‪‎ ‎،‬ومن‪‎ ‎‬الرذائل‪‎ ‎‬إىل‪‎‬‬
‫‪‎‬الفضائل‪‎ ‎،‬ومن‪‎ ‎‬الظلم إىل‪‎ ‎‬العدل‪‎ ‎،‬ومن‪‎ ‎‬اخليانة‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬األمانة‪‎ ‎،‬ومن‪‎ ‎‬الكذب‪‎ ‎‬إىل‪‎‬‬
‫‪‎‬الصدق‪‎‎،‬فرسولنا صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬كان‪‎‎‬يُعرف‪‎‎‬ابلصادق‪‎‎‬األمني‪‎‎‬قبل‪‎‎‬بعثته‪‎،‬‬
‫‪‎‬فلما ازداد متسكاً هبذه الفضيلة حىت‪‎ ‎‬شهد‪‎ ‎‬له‪‎ ‎‬أعداؤه‪‎ ‎‬بذلك‪ ،‬وكذلك‪‎ ‎‬كان‪‎‬‬
‫‪‎‬األنبياء‪‎‎‬واملرسلون‪‎‎‬عليهم‪‎‎‬الصالة‪‎‎‬والسالم‪‎‎‬حيث‪‎‎‬يقول هللا‪‎‎‬عن‪‎‎‬خليله‪‎‎‬إبراهيم‪‎‎‬عليه‪‎‬‬
‫‪‎‬ص ِّدي ًقا‪‎ ‎‬نَّبِيًّا)‪2‬‏ ‪،‬ويقول‪‎‬‬ ‫اب إِبـر ِاهيم‪‎ ‎‬إِنَّ‪‎‬ه ‪َ ‎‬كا َ‪‎‬ن ِ‬
‫‪‎‬ف ‪‎‬الْكتَ ِ َْ َ ُ‬
‫‪‎‬الصالة‪‎ ‎‬والسالم‪( :‬واذْ ُك ‪‎‬ر ِ ‪ِ ‎‬‬
‫َ ْ‬
‫اعْي َ‪‎‬ل‪‎‬إِنَّ‪‎‬هُ‪َ ‎‬كا َ‪‎‬ن‬ ‫اب‪‎‎‬إِ ْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬ف‪‎‬الْ َِ‬
‫ت‬‫ك‬ ‫‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫‪‎‬‬ ‫ك‬ ‫ذ‬
‫ْ‬ ‫ا‬
‫(و‬ ‫السالم‪:‬‬ ‫و‬ ‫‪‎‬‬‫ة‬
‫‪‎‬‬ ‫الصال‬ ‫‪‎‬عن‪‎‎‬سيدان‪‎‎‬إمساعيل‪‎‎‬عليه‬
‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫‪‎‬ص ِاد َق‪‎ ‎‬الْ َو ْع ِد َوَكا َ‪‎‬ن َ‪‎‬ر ُس ًول‪‎ ‎‬نَّبِيًّا)‪ ،3‬ويقول‪‎ ‎‬عن‪‎ ‎‬إدريس عليه‪‎ ‎‬الصالة‪‎ ‎‬والسالم‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪‎‬علِيًّا)‪‎‎4،‬ويقول‬ ‫‪‎‬‬
‫ان‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫‪‎‬م‬ ‫‪‎‬‬
‫اه‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ـ‬ ‫ف‬
‫ر‬ ‫‪‎‬و‬ ‫‪*‎‬‬‫ا‬ ‫ي‬‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ َ ّ ً ًّ َ َ َْ َ ُ َ ً َ‬‫ب‬‫َّ‬
‫ن‬ ‫‪‎‬‬‫ا‬
‫‪‎‬‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫ِ‬
‫‪‎‬ص‬‫ن‬
‫‪‎‬‬ ‫ا‬‫ك‬ ‫‪‎‬‬‫‪‎‬‬
‫ه‬‫َّ‬
‫ن‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫‪‎‬‬‫‪‎‬‬
‫يس‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫د‬‫ِ‬‫إ‬ ‫‪‎‬‬ ‫ِ‬
‫اب‬
‫‪‎‬‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫‪‎‬ا‬‫ف‬
‫‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ك‬
‫َ ُْ‬‫ذ‬
‫ْ‬ ‫ا‬‫(و‬

‫القلم ‪4 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫مرمي ‪41 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫مرمي ‪54 :‬‬ ‫ ‬‫‪3‬‬

‫مرمي ‪57 - 56 :‬‬ ‫ ‬‫‪4‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪54‬‬


‫‪‎‬الر ُس ُ‪‎‬ل َ‪‎‬وأ ُُّمهُ ِص ِّدي َقةٌ)‪5‬‏‬
‫ت ِ‪‎‬من‪‎‎‬قـَْبلِ ِه‪ُّ ‎‬‬
‫‪‎‬خلَ ْ‪‎‬‬ ‫‪‎‬م ْرَي‪‎َ‎‬إِال‪‎َ َّ‎‬ر ُس ٌ‬
‫ول‪‎‎‬قَ ْ‪‎‬د َ‬ ‫‏(ما‏‪‎‎‬الْ َم ِس ُ‪‎‬‬
‫يح‪‎‬ابْ ُن‪َ ‎‬‬ ‫أيضا‪َّ ‎:‎‬‬
‫‪ ،‬أي‪‎ :‎‬وأمه‪‎ ‎‬مرمي‪‎ ‎‬موصوفة‪‎ ‎‬مبالزمة‪‎ ‎‬الصدق‪‎ ‎‬والعفاف‪‎ ‎‬والطهارة‪‎ ‎‬يف كل‪‎ ‎‬أقواهلا‪‎‬‬
‫‪‎‬وأعماهلا‪‎‎‬وسلوكها‪‎.‎‬‬
‫إن‪‎ ‎‬اخلري‪‎ ‎‬كله‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬الصدق‪‎ ‎‬لقوله‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬وسلم‪« :‬حتروا الصدق ‪،‎‬‬
‫‪‎‬وإن‪‎‎‬رأيتم‪‎‎‬اهللكة‪‎‎‬فيه‪‎‎،‬فإن‪‎‎‬النجاة‪‎‎‬فيه‪‎‎،‬وجتنبوا‪‎‎‬الكذب‪‎‎،‬وإن‪‎‎‬رأيتم‪‎‎‬أن النجاة‪‎‎‬فيه‪‎،‬‬
‫‪‎‬فإن‪‎‎‬اهللكة‪‎‎‬فيه»‏‬
‫لذلك‪‎ ‎‬فقد‪‎ ‎‬أرشدان‪‎ ‎‬صلى‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬وسلم‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬وجوب‪‎ ‎‬تنشئة‪‎ ‎‬األبناء عل ‪‎‬ى‬
‫‪‎‬خلق‪‎‎‬الصدق‪‎‎‬حىت‪‎‎‬يشبوا‪‎‎‬على‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬فمن‪‎‎‬شب‪‎‎‬على‪‎‎‬شيء‪‎‎‬شاب‪‎‎‬عليه‪ ،‬ملا‪‎‎‬ورد‪‎‬‬
‫‪‎‬أن‪‎‎‬أم‪‎‎‬عبد‪‎‎‬هللا‪‎‎‬بن‪‎‎‬عامر‪‎‎‬بن‪‎‎‬ربيعة‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنهادعت‪‎‎‬ولدها‪‎‎‬عبد هللا‪‎‎،‬ورسول‪‎‬‬
‫‪‎‬هللا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬يف‪‎‎‬بيتها‪‎‎،‬فقالت‪‎‎‬لولدها تعال أعطك‪‎‎‬شيئاً‪‎‎،‬فقال‪‎‎‬هلا‪‎‬‬
‫ال‬ ‫ت‪‎:‎‬أ ُْع ِطْي ِه‪‎‎‬تَْراً‪ ،‬فـََق َ‪‎‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‏(ما َذا‏‪‎‎‬أ ََرْدت‪‎‎‬أَن تـُْعطْيه؟ فـََقالَ ْ‬
‫‪‎‬النيب صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪:‬‏‪َ ‎‎‬‬
‫ِ‬ ‫‪‎‬علَْي ِ‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬علَْي ِه‪‎َ ‎‬و َسلَّ َم إِنَّ َ‪‎‬‬
‫ك‪‎‬ك ْذبَةٌ)‪.‬‏‬ ‫ت َ‬‫ك‪‎‬لَ ْ‪‎‬و‪‎َ ‎‬لْ‪‎‬تـُْعطه لَ ُكتبَ ْ‪‎‬‬ ‫‪‎‬صلَّى‪‎‎‬هللا‪َ ُ‎‬‬
‫َ‬
‫وجيب‪‎‎‬علينا‪‎‎‬حتذير‪‎‎‬األبناء‪‎‎‬من‪‎‎‬مصاحبة‪‎‎‬الكذابني‪‎‎‬فاملرء‪‎‎‬على‪‎‎‬دين‪‎‎‬خليله‪،‬‬
‫ملا‪‎‎‬روي‪‎‎‬عن‪‎‎‬اإلمام‪‎‎‬البخاري‪‎‎‬رمحه‪‎‎‬هللا‪‎‎‬أنه‪‎‎‬خرج‪‎‎‬يطلب‪‎‎‬احلديث‪‎‎‬من‪‎‎‬رجل‪ ،‬فرآه‪‎‬‬
‫‪‎‬قد‪‎ ‎‬هربت‪‎ ‎‬فرسه‪‎ ‎،‬والرجل‪‎ ‎‬يشري‪‎ ‎‬إليها‪‎ ‎‬برداء‪‎ ‎‬كأن‪‎ ‎‬فيه‪‎ ‎‬شعرياً‪‎ ‎،‬فجاءته‪‎ ‎‬فأخذها‪،‬‬
‫فقال‪‎ ‎‬البخاري‪‎ : ‎‬أكان‪‎ ‎‬معك‪‎ ‎‬شعري؟‪‎ ‎،‬فقال‪‎ ‎‬الرجل‪‎ :‎‬ال‪‎ ‎،‬ولكين‪‎ ‎‬أومهتها‪‎ ‎،‬فقال‬
‫‏البخاري‪‎:‎‬ال‪‎‎‬آخذ‪‎‎‬احلديث‪‎‎‬ممن‪‎‎‬يكذب‪‎‎‬على‪‎‎‬البهائم‪‎.‎‬‬
‫وبني‪‎‎‬عليه‪‎‎‬الصالة‪‎‎‬والسالم أن‪‎‎‬هللا‪‎‎‬مع‪‎‎‬الصادقني‪‎‎،‬وأن‪‎‎‬الصدق‪‎‎‬يف التجار‪‎‬ة‬
‫ي‬ ‫‪‎‬ال َِم ْ ُ‪‎‬‬
‫‪‎‬الص ُد ْو ُق‪ْ ‎‬‬‫َّاجُ‏‪‎‬ر َّ‬ ‫‪‎‬يكون‪‎‎‬سببا‪‎ً‎‬للخري‪‎‎‬والربكة‪‎‎‬لقوله‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎:‎‬‏ (الت ِ‬
‫‪‎‬ما‪‎َ ‎‎‬لْ‪‎‬يـَتـََفَّرقَا‪‎‎،‬فَِإ ْ‪‎‬ن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي‪‎‬والش ِ‬ ‫ي‪‎‬و ِ ِ ِ‬
‫ُّه َداء)‪ ،‬قوله‪‎‎‬أيضا‪:‬‏‏(الْبَيِّ َعان ِب ْليَا ِ‏‪‎‬ر َ‬
‫الص ّديْق ْ َ‪َ َ ‎‬‬ ‫‪‎‬م َ‪‎‬ع‪‎‬النَّبِيِّ ْ َ‪ّ َ ‎‬‬‫َ‬
‫ِ‬
‫‪‎‬ف بـَْيعهما‪‎ ‎‬‏‪-‬أي‪‎ ‎‬البائع‪‎ ‎‬واملشرتي‪‎َ ‎،‬وإ ْ‪‎‬ن ‪َ ‎‬كتَ َما‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪‎‬ص َد َق‪‎ ‎‬الْبـَيّ َعان‪‎َ ‎‬وبـَيـَّنَا‪‎ ‎‬بـُْورَك‪َ ‎ ‎‬لَُما‪ْ ‎‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‪‎‬وَك َذ َب‪‎‎‬فـََع َسى‪‎‎‬أَ ْ‪‎‬ن‪‎‬يـَْرَبَا‪‎‎‬رْبا‪‎َ ً‎‬ويُْ َح َقا‪‎‎‬بـََرَكة‪‎َ‎‬بـَْيعهما)‪ .‬وحذر‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‬‬

‫املائدة ‪75 :‬‬ ‫ ‬‫‪5‬‬

‫‪55‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪56‬‬
‫األمرباملعروف والنهي عن املنكر‬

‫عن‪‎‎‬أبي‪‎‎‬سعيد‪‎‎‬الخدري‪‎‎‬ر�ضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪‎‎‬قال‪‎: ‎‬سمعت‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى هللا‬


‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َْ َ‬
‫عليه وسلم يقول‪‎َ : ‎‬م ْن‪‎َ ‎‬رأى‪‎ِ ‎‬منك ْ‪‎‬م ُ‪‎‬منك ًرا‪‎ ‎‬فل ُيغ ِّي ْر ُ‪‎‬ه ِ‪‎‬ب َي ِد ِه‪‎ ‎،‬ف ِإن‪‎ ‎‬ل ْم َي ْست ِط ْ ‪‎‬ع‬
‫َ ْ َْ َ ْ َ ْ َ َْ ََ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ض َعف‪‎‎‬ا ِإل ْي َم ِان‪ .‬رواه مسلم‪.‬‏‬ ‫‪‎‬ف ِب ِل َسا ِن ِه‪‎‎،‬ف ِإن‪‎‎‬ل ‪‎‬م‪‎‬يست ِط ‪‎‬ع‪‎‬ف ِبقل ِب ِه‪‎‎،‬وذ ِلك‪ ‎‎‬أ‬

‫معاني املفردات‏‬
‫ُمْن َكًرا ‏‪ :‬ك ـ ـ ـ ـ ــل ما حتـ ـ ــكم العقول الصحيحة بقبحه أو يقبِّحه الش ــرعُ أوحيرمه‬
‫ ‬ ‫أو يكرهه‬

‫شرح الحديث‬
‫ترتبط‪‎ ‎‬خريية‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬األمة‪‎ ‎‬ارتباطا‪‎ ‎‬وثيقا‪‎ ‎‬بدعوهتا للحق ومحايتها للدين ‪،‎‬‬
‫‪‎‬وحماربتها‪‎‎‬للباطل‪ .‬وذلك‪‎‎‬أن‪‎‎‬قيامها هبذا الواجب حيقق هلا التمكني ىف األرض‪‎،‬‬
‫‪‎‬ورفع‪‎ ‎‬راية‪‎ ‎‬التوحيد‪‎ ‎،‬وحتكيم‪‎ ‎‬شرع‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬ودينه‪.‬‏‪‎ ‎‬وهذا‪‎ ‎‬هو‪‎ ‎‬ما‪‎ ‎‬مييزها‪‎ ‎‬عن غريها‪‎ ‎‬من‪‎‬‬
‫‪‎‬األمم‪‎‎،‬وجيعل‪‎‎‬هلا‪‎‎‬من‪‎‎‬املكانة‪‎‎‬ما‪‎‎‬ليس‪‎‎‬لغريها‪‎‎،‬ولذلك‪‎‎‬امتدحها‪‎‎‬هللا تعاىل‪‎‎‬يف‪‎‎‬كتابه‪‎‬‬
‫ف‬ ‫‪‎‬تْمرو َن ِبْلـمعرو ِ‬ ‫ت‪‎‬للِن ِ‬
‫َّاس‪ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ ‎‬‬ ‫ُخ ِر َج ْ‪‎‬‬ ‫ٍ‬
‫‪‎‬العزيز‪‎‎‬حني‪‎‎‬قال هللا تعاىل‪ُ ( :‬كنـْتُ ْم‪َ1 ‎‬‬
‫‪‎‬خيـَْ‪‎‬ر‪‎‬أ َُّمة‪‎‎‬أ ْ‬
‫هلل)‪.‬‏‏‏‬ ‫‏ب ِ‬ ‫وتـَنـَْهو َن َع ِن اْملـُْن َك ِر وتـُْؤِمنـُو َن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وعالوة‪‎‎‬على‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬فإن‪‎‎‬يف‪‎‎‬أداء‪‎‎‬هذا‪‎‎‬الواجب‪‎‎‬الرابين‪‎‎‬محاية‪‎‎‬لسفينة‪‎‎‬اﺠﻤﻟمتع‪‎‬‬
‫‪‎‬من الغرق‪‎ ‎،‬ومحاية ‏لصرحه‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬التصدع‪‎ ‎،‬ومحاية‪‎ ‎‬هلويته‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬االحنالل‪‎ ‎،‬وإبقاء‪‎‬‬

‫ال عمران ‪110 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫‪57‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‪‎‬لسموه‪‎ ‎‬ورفعته‪ ،‬وسببا‪‎ ‎‬للنصر‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬األعداء ‏والتمكني‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬األرض‪‎ ‎،‬والنجاة‪‎ ‎‬من‪‎‬‬
‫‪‎‬عذاب‪‎‎‬هللا‪‎‎‬وعقابه‪‎.‎‬‬
‫وخلطورة‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬القضية‪‎ ‎‬وأمهيتها‪‎ ‎‬؛‪‎ ‎‬ينبغي‪‎ ‎‬علينا‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬نعرف‪‎ ‎‬طبيعة‪‎ ‎‬األم ‪‎‬ر‬
‫‪‎‬ابملعروف والنهي‪‎‎‬عن‪‎‎‬املنكر‪‎‎،‬ونعرف‪‎‎‬شروطه‪‎‎‬ومسائله‪‎‎‬املتعلقة‪‎‎‬به‪.‬‏‪‎‎‬ومن‪‎‎‬هنا‪‎‎‬جاء‪‎‬‬
‫‪‎‬هذا احلديث‪‎ ‎‬ليسهم‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬تكوين‪‎ ‎‬التصور الواضح‪‎ ‎‬جتاه‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬القضية‪‎ ‎،‬ويــبني‪‎ ‎‬لنا‪‎‬‬
‫‪‎‬كيفية التعامل‪‎‎‬مع‪‎‎‬املنكر‪‎‎‬حني‪‎‎‬رؤيته‪.‬‏‬
‫لقد‪‎ ‎‬بني‪‎ ‎‬احلديث‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬إنكار‪‎ ‎‬املنكر‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬مراتب‪‎ ‎‬ثالث‪‎ : ‎‬التغيري‪‎ ‎‬ابليد‪،‬‬
‫والتغيري ابللسان‪‎ ‎،‬والتغيري‪‎ ‎‬ابلقلب‪‎ ‎،‬وهذه‪‎ ‎‬املراتب‪‎ ‎‬متعلقة‪‎ ‎‬بطبيعة‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬املنكر‬
‫ونوعه‪‎‎،‬وطبيعة‪‎‎‬القائم ابإلنكار‪‎‎‬وشخصه‪‎‎،‬فمن‪‎‎‬املنكرات‪‎‎‬ما‪‎‎‬ميكن‪‎‎‬تغيريه‪‎‎‬مباشرة‬
‫ابليد‪‎‎،‬ومن‪‎‎‬املنكرات‪‎‎‬ما‪‎‎‬يعجز املرء‪‎‎‬عن‪‎‎‬تغيريه‪‎‎‬بيده‪‎‎‬دون‪‎‎‬لسانه‪‎‎،‬واثلثة‪‎‎‬ال‪ُ‎‎‬يكن‬
‫‏تغيريها‪‎‎‬إال‪‎‎‬ابلقلب‪‎‎‬فحسب‪‎.‎‬‬
‫ؤد‪‎‎‬إنكار‪‎‬ه‬‫فيجب‪‎‎‬إنكار‪‎‎‬املنكر‪‎‎‬ابليد‪‎‎‬على‪‎‎‬كل‪‎‎‬من‪‎‎‬مت ّكن‪‎‎‬من‪‎‎‬ذلك‪‎‎،‬ومل‪‎‎‬يُ ّ‬
‫مفسدة‪‎‎‬أكرب‪ ،‬وعليه‪‎:‎‎‎‬جيب‪‎‎‬على‪‎‎‬الوايل‪‎‎‬أن‪‎‎‬يغري‪‎‎‬املنكر‪‎‎‬إذا‪‎‎‬صدر‪‎‎‬من‪‎‎‬الرعيّة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪‎‬إىل‬
‫وجيب‪‎ ‎‬مثل‪‎ ‎‬ذلك‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬األب‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬أهل بيته‪‎ ‎،‬واملعلم‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬مدرسته‪‎ ‎،‬واملوظف‪‎ ‎‬يف‬
‫‪‎‬قصر‪‎‎‬أح ٌد‪‎‎‬يف‪‎‎‬واجبه‪‎‎‬هذا‪‎‎‬فإنه‪‎‎‬مضيّع‪‎‎‬لألمانة‪‎‎،‬ومن ضيّع‪‎‎‬األمانة‪‎‎‬فقد‬ ‫عمله‪‎‎،‬وإذا‪ّ ‎‬‬
‫‏أمث‪‎‎،‬ولذلك‪‎‎‬جاءت‪‎‎‬نصوص‪‎‎‬كثرية‪‎‎‬تنبّه‪‎‎‬املؤمنني‪‎‎‬على‪‎‎‬وجوب‪‎‎‬قيامهم‪‎‎‬مبسؤوليتهم‬
‫الكاملة‪‎ ‎‬جتاه‪‎ ‎‬رعيتهم‪‎ - ‎‬واليت‪‎ ‎‬يدخل‪‎ ‎‬فيها‪‎ ‎‬إنكار‪‎ ‎‬املنكر‪‎ ‎،‎- ‎‬فقد‪‎ ‎‬روى‪‎ ‎‬اإلمام‬
‫البخاري‪‎ ‎‬ومسلم‪‎ ‎‬عن‪‎ ‎‬عبد هللا‪‎ ‎‬بن‪‎ ‎‬عمر‪‎ ‎‬رضي‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عنهما‪‎ ‎،‬أنه‪‎ ‎‬مسع‪‎ ‎‬رسول‪‎ ‎‬هللا‬
‫اع‪‎‬وهو‬ ‫‪‎‬فاإلمام‪‎‬ر ٍ‪‎‬‬
‫ُ‪‎‬‬ ‫‪‎‬ومسؤول عن‪‎‎‬رعيّتِ ِه‪‎،‬‬
‫ٌ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪‎‎‬‏‪( :‬كلكم‪‎‎‬ر ٍ‪‎‬‬
‫اع‬
‫‪‎‬مسؤول‪‎‎‬عن‪‎‎‬رعيّته‪‎‎،‬واملرأة‪‎‎‬يف بيت‬ ‫ٌ‬ ‫اع‪‎‬وهو‪‎‬‬‫‏مسؤول‪‎‎‬عن‪‎‎‬رعيّته‪‎‎،‬والرجل‪‎‎‬يف‪‎‎‬أهله‪‎‎‬ر ٍ‪‎‬‬
‫ٌ‬
‫اع‪‎‬وهو‪‎‎‬مسؤول‬ ‫زوجها‪‎‎‬راعيّ‪‎‬ةٌ‪‎‬وهي‪‎‎‬مسؤول ‪‎‬ةٌ‪‎‬ع ‪‎‬ن‪‎‬رعيّتها‪‎‎،‬واخلادم‪‎‎‬يف‪‎‎‬مال‪‎‎‬سيده‪‎‎‬ر ٍ‪‎‬‬
‫‪‎‬مسؤول‪‎‎‬عن‪‎‎‬رعيّته)‪.‬‏‬
‫ٌ‬ ‫عن‪‎‎‬رعيّته‪ ،‬فكلكم‪‎‎‬ر ٍاع وكلكم‪‎‬‬
‫فإذا‪‎‎‬عجز‪‎‎‬عن‪‎‎‬التغيري‪‎‎‬ابليد‪‎‎،‬فإنه‪‎‎‬ينتقل‪‎‎‬إىل‪‎‎‬اإلنكار‪‎‎‬ابللسان‪‎‎،‬كما‪‎‎‬يف قوله‬
‫‪‎‬وخيوفه‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‏‏(فَإ ْ‏‪‎‬ن‪َ ‎‬لْ يَ ْستَط ْ‪‎‬ع‪‎‬فَبل َسانه)‪ .‬فيذ ّكر‪‎‎‬العاصي‪‎‎‬ابهلل‪ّ ‎،‬‬
‫من‪‎‎‬عقابه‪‎‎،‬على‪‎‎‬الوجه‪‎‎‬الذي‪‎‎‬يراه مناسبا‪‎‎‬لطبيعة‪‎‎‬هذه‪‎‎‬املعصية‪‎‎‬وطبيعة‪‎‎‬صاحبها‪‎.‎‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪58‬‬


‫وإن‪‎‎‬عجز‪‎‎‬القائم‪‎‎‬ابإلنكار‪‎‎‬عن‪‎‎‬إبداء‪‎‎‬نكريه‪‎‎‬فعال‪‎‎‬وقوال‪‎‎،‬فال‪‎‎‬أقل‪‎‎‬من‪‎‎‬إنكار‬
‫املنكر‪‎‎‬ابلقلب‪ ،‬وهذه‪‎‎‬هي‪‎‎‬املرتبة‪‎‎‬الثالثة‪‎‎،‬وهي‪‎‎‬واجبة‪‎‎‬على‪‎‎‬كل‪‎‎‬أحد‪‎‎،‬وال‪‎‎‬يُعذر‬
‫شخص برتكها‪ ،‬ألهنا مسألة قلبية اليتصور ‏اإلكراه على تركها‪ ،‬أوالعجز عن‬
‫فعلها‪‎‎،‬يقول‪‎‎‬علي‪‎‎‬بن‪‎‎‬أيب‪‎‎‬طالب‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪ ( :‬إن‪‎‎‬أول ما‪‎‎‬تغلبون‪‎‎‬عليه‪‎‎‬من‬
‫‪‎‬جهاد ‪‎‬أبيديكم‪‎ ‎ ‎،‬مث ‪‎‬اجلهاد‪‎ ‎‬أبلسنتكم‪‎ ‎،‬مث‪‎ ‎‬اجلهاد‪‎ ‎‬بقلوبكم‪‎ ‎،‬فمىت‪‎ ‎‬مل‬
‫اجلهاد‪‎ٌ : ‎‬‬
‫يعرف قلبه‪‎‎‬املعروف‪‎‎‬وينكر‪‎‎‬قلبه‪‎‎‬املنكر‪‎‎‬انتكس‪.‬‏‬
‫وإذا‪‎ ‎‬ضيعت‪‎ ‎‬األمة‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬الواجب‪‎ ‎‬ابلكلية‪‎ ‎،‬وأمهلت العمل‪‎ ‎‬به‪‎ ‎،‬عمت‬
‫املنكرات‪‎‎‬يف‪‎‎‬اﺠﻤﻟمتعات‪‎‎،‬وشاع‪‎‎‬الفساد‪‎‎‬فيها‪‎‎،‬وعندها‪‎‎‬تكون‪‎‎‬األمة‪‎‎‬مهددة‪‎‎‬بنزول‬
‫العقوبة اإلهلية عليه‪ ،‬واستحقاق الغضب واملقت‏من هللا تعاىل‪.‬‏‬
‫واملتأمل‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬أحوال‪‎ ‎‬األمم‪‎ ‎‬الغابرة‪‎ ‎،‬جيد‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬بقاءها‪‎ ‎‬كان‪‎ ‎‬مرهوان‪‎ ‎‬أبداء‪‎ ‎‬هذه‬
‫األمانة‪‎‎،‬وقد‪‎‎‬جاء يف‏القرآن‪‎‎‬الكرمي‪‎‎‬ذكر‪‎‎‬شيء‪‎‎‬من‪‎‎‬أخبار‪‎‎‬تلك‪‎‎‬األمم‪‎‎،‬ومن أبرزها‪‎‬‬
‫ن‪‎‬إِسرائِيل على‪‎‎‬لِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ان‪‎‬‬ ‫‪‎‬فيها ‪ :‬لُع َ‪‎‬ن‪‎‬الذيْ َ‪‎‬ن‪َ ‎‬ك َفُرْوا‪‎‎‬م ْ‪‎‬ن‪‎‬بَِ ‪َ َ َ ْ َ ْ ‎‬‬ ‫‪‎‬أمة‪‎‎‬بين‪‎‎‬إسرائيل‪‎‎‬اليت‪‎‎‬قال‪‎‎‬هللا‪‎‬‬
‫‪‎‬ع ْ‪‎‬ن‬ ‫اه ْو َ‪‎‬ن َ‬
‫ص ْو‪2‬ا‪‎َ ‎‬وَكانـُْوا يـَْعتَ ُد ْو َن‪َ ‎ ‎،‬كانـُْوا‪‎ ‎‬الَ‏يـَتـَنَ َ‬ ‫ك ‪‎‬بَا‪َ ‎‬‬
‫‪‎‬ع َ‬
‫ِ‬ ‫‪‎‬م ْرَي‪‎ َ‎‬ذلِ َ‪‎‬‬ ‫ِ‬
‫‪‎‬داَُوَد‪‎َ ‎‬وعْيسى‪‎ ‎‬ابْ ِن‪َ ‎‬‬
‫‪‎‬ما‪َ ‎‎‬كانـُْوا‪‎‎‬يـَْف َعلُ ْو َن‪.‬‏‬
‫سَ‬‫‪‎‬مْن َك ٍ‪‎‬ر‪‎‬فـََعلُ ْوهُ‪‎‎،‬لَبِْئ َ‪‎‬‬
‫ُ‬
‫وتكمن‪‎‎‬خطورة‪‎‎‬التفريط‪‎‎‬يف‪‎‎‬هذا‪‎‎‬الواجب‪‎‎،‬أن‪‎‎‬أيلف‪‎‎‬الناس‪‎‎‬املنكر‪‎‎،‬ويزول‪‎‬‬
‫‪‎‬يف قلوهبم‪‎‎‬بغضه‪‎‎،‬مث‪‎‎‬ينتشر‪‎‎‬ويسري‪‎‎‬فيهم‪‎‎،‬وتغرق‪‎‎‬سفينة‪‎‎‬اﺠﻤﻟمتع‪‎‎،‬وينهدم‪‎‎‬صرحها‪.‬‏‪‎‬‬
‫‏‪ ‎‬ويف‪‎ ‎‬ذلك‪‎ ‎‬يضرب‪‎ ‎‬لنا رسول هللا‪‎ ‎‬صلى هللا ‏عليه وسلم‪‎ ‎‬مثال‪‎ ‎‬رائعا‪‎ ‎‬يوضح‪‎ ‎‬هذه‬
‫احلقيقة‪.‬‏‪‎‎‬فعن‪‎‎‬النعمان‪‎‎‬بن‪‎‎‬بشري‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنهما‪‎‎‬أن‪‎‎‬النيب‪‎‎‬صلى هللا عليه‏وسلم‬
‫قال‪‎‎‬‏‪( :‬مثل‏‪‎‎‬القائم‪‎‎‬على‪‎‎‬حدود‪‎‎‬هللا‪‎‎‬والواقع‪‎‎‬فيها‪‎‎‬كمثل‪‎‎‬قوم‪‎‎‬استهمو‪‎‬ا‪‎‬على سفينة‪‎،‬‬
‫‪‎‬فأصاب‪‎ ‎‬بعضهم‪‎ ‎‬أعالها‪‎ ‎‬وبعضهم‪‎ ‎‬أسفلها‪‎ ‎،‬فكان‪‎ ‎‬الذين‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬أسفلها‪‎ ‎‬إذا استقوا‪‎‬‬
‫‪‎‬مروا‪‎‎‬على‪‎‎‬من‪‎‎‬فوقهم‪‎‎،‬فقالوا‪‎: ‎‬لو‪‎‎‬أان‪‎‎‬خرقنا‪‎‎‬يف‪‎‎‬نصيبنا‪‎‎‬خرقا‪‎‎‬ومل نؤذ‪‎‎‬من‪‎‬‬ ‫‪‎‬من‪‎‎‬املاء‪ّ ‎‬‬
‫‪‎‬فوقنا‪‎‎،‬فإن‪‎‎‬يرتكوهم‪‎‎‬وما‪‎‎‬أرادوا‪‎‎‬هلكوا‪‎‎‬مجيعا‪‎‎،‬وإن‪‎‎‬أخذوا‪‎‎‬على‪‎‎‬أيديهم جنوا‪‎‎‬وجنوا‪‎‬‬
‫‪‎‬مجيعا)‪ .‬رواه‪‎‎‬البخاري‪‎.‎‬‏‏‬

‫املائدة ‪79 - 78 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫‪59‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‪‎‎‬إن‪‎‎‬هذا‪‎‎‬الواجب‪‎‎‬هو‪‎‎‬مسؤولية‪‎‎‬اجلميع‪.‬‏‪‎‎‬وكل‪‎‎‬فرد‪‎‎‬من‪‎‎‬هذه‪‎‎‬األمة‪‎‎‬مطال ‪‎‬‬
‫ب‬
‫‪‎‬أبداء‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬املسؤولية‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬حسب‪‎ ‎‬طاقته‪‎ ‎،‬واخلري‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬األمة‪‎ ‎‬كثري‪‎ ‎،‬بيد‪‎ ‎‬أننا‪‎‬‬
‫‪‎‬حباجة‪‎‎‬إىل‪‎‎‬املزيد‪‎‎‬من‪‎‎‬اجلهود‪‎‎‬املباركة‪‎‎‬اليت‪‎‎‬حتفظ‪‎‎‬لألمة‪‎‎‬بقاءها‪‎‎،‬وحتول‪‎‎‬دون‪‎‎‬تصدع‬
‫بنياهنا وتـزعزع أركاهنا‪.‬‏‬

‫التمرينات‬
‫ما املراد ابملنكر يف احلديث السابق؟‬
‫أذكر ما تفعل حني ترى املنكرات يف اجلامعة املباركة؟‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪60‬‬


‫أمرأداء األمانة‬

‫َّ‬ ‫َ َّ ُ َ‬ ‫َع ْن‪‎َ ‎‬أب ْي‪‎ُ ‎‬ه َرْي َر َ‪‎‬ة َ‪‎‬ر�ض َي‪‎ُ ‎‬هللا‪‎َ ‎‬ع ْن ُه‪‎َ ‎‬ق َ‬
‫ال‪‎َ :‎‬ق َ‬
‫‪‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎َ ‎‬عل ْي ِه َو َسل َ‪‎‬م ‪:‬‬‫ال‪‎َ ‎‬ر ُس ْو ُل‪‎ِ ‎‬هللا‪‎‬‬ ‫ِ‬
‫َ ّ ْ ِ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ََ‬
‫‪‎‬‏(أ ِ ‏‪‎‬د‪‎‬األمان ‪‎‬ة ِ‪‎‬إلى‪‎‎‬م ِن‪‎‎‬ائتمنك‏و ‪‎‬ال‪‎‬تخن‪‎‎‬من‪‎‎‬خانك)‪ .‬رواه‪‎‎‬أبو‪‎‎‬داود‬

‫معاني املفردات‏‬
‫أ َِّد ‏‪َّ :‬أدى‪ ،‬أوصله‪ ،‬سلِّم‏‬
‫اْأل ََمانَةَ ‏‪ :‬ثبات على العهد‪ ،‬وفاء‪ .‬عكسها اخليانة‏‬
‫َتُ ْ‪‎‬ن‪ ‎‬‏‪ :‬مصدرها اخليانة وهي عدم صيانة األمانة ونقضها‏‬

‫شرح الحديث‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم (أ َِّد) بفتح‪‎‎‬اهلمزة‪‎‎‬وكسر‪‎‎‬الدال‪‎‎‬وجواب‪‎‎‬يف‪‎‎‬الواجب ‪،‎‬‬
‫‪‎‬ونداب‪‎‎‬فيما تطلب‪‎‎‬فيه‪‎‎‬املعاونة من‪‎‎‬األداء‪ .‬قال‪‎‎‬الراغب‪‎:‎‬‏ وهو‪‎‎‬دفع‪‎‎‬ما‪‎‎‬جيب‪‎‎‬دفعه‪‎‬‬
‫‪‎‬وتوفيته‪ ،‬أي‪‎‎‬أوصل (اْأل ََمانَةَ) وهي‪‎‎‬كل‪‎‎‬حق‏لزمك أداؤه وحفظه‪‎‎،‬ومن‪‎‎‬قصرها‪‎‬‬
‫‪‎‬على‪‎‎‬حق احلق‪‎‎‬أو‪‎‎‬حق‪‎‎‬اخللق‪‎‎‬فقد‪‎‎‬قصر‪.‬‏‬
‫قال‪‎‎‬القرطيب‪‎:‎‬‏ األمانة‪‎‎‬تشمل‪‎‎‬أعداد‪‎‎‬كثرية‪‎‎،‬لكن‪‎‎‬أمهاهتا الوديعة واللقطة‬
‫‪‎‬م ِن‪‎‎‬ائـْتَ َمنَ َ‬
‫ك) عليها‪‎‎‬وال‪‎‎‬مفهوم‪‎‎‬له‪‎‎‬بل‪‎‎‬غليب‪‎‎،‬فإن‪‎‎‬حفظها‪‎‎‬أثر‬ ‫لَ‬‫والرهن‪‎‎‬والعارية (إِ َ‪‎‬‬
‫كمال‪‎‎‬اإلميان‪‎‎‬فإذا‪‎‎‬نقص‪‎‎‬نقصت‪‎‎‬األمانة‪‎‎‬يف‪‎‎‬الناس‪‎‎،‬وإذا‪‎‎‬زاد‪‎‎‬زادت‪.‬‏‬
‫واملراد‪‎:‎‬‏ من‪‎‎‬جعل‪‎‎‬لك‪‎‎‬الشرع‪‎‎‬على‪‎‎‬ماله‪‎‎‬بدا‪‎‎‬فشمل‪‎‎‬ما‪‎‎‬إذا‪‎‎‬ألقت‪‎‎‬الريح‪‎‎‬ثواب‬
‫يف‪‎ ‎‬بيتك‪‎ ‎‬أو‪‎ ‎‬دخل‪‎ ‎‬فيه ‏جائع‪‎ .‎‬واملراد‪‎ ‎‬أبدائها‪‎ ‎‬إيصاهلا‪‎ ‎‬إليه‪‎ ‎‬ابلتخلية‪‎ ‎‬بينه‪‎ ‎‬وبينها‪.‬‏‪‎‬‬

‫‪61‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‪‎‬فليست‪‎ ‎‬األمانة‪‎ ‎‬ابملعىن‪‎ ‎‬املصطلح‪‎ ‎‬عليه‪‎ ‎‬عند‪‎ ‎‬الفقهاء‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬أهنا الوديعة اليت مل‬
‫يضمنها ابليد إذا مل يقصر‪.‬‏‬
‫وقال‪‎‎‬النواوى‪‎:‎‬الظاهر‪‎‎‬أن‪‎‎‬املراد‪‎‎‬ابألمانة‪‎‎‬التكليف‪‎‎‬الذي‪‎‎‬كلف‪‎‎‬هللا‪‎‎‬به‪‎‎‬عباد‪‎‬ه‬
‫‪‎‬علَى‪‎‬‬ ‫‪‎‬ال ََمانَة‪َ َ‎‬‬
‫ضنَا‪ْ ‎‬‬ ‫‪‎‬والعهد الذى‪‎‎‬أخذه‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليهم‪ .‬وهي‪‎‎‬اليت‪‎‎‬يف‪‎‎‬قوله‪‎‎‬تعاىل‪( :‬إِ َّ‪‎‬ن َ‬
‫‪‎‬عَر ْ‬
‫‪‎‬ي ِم ْلنـََها‪‎ ‎‬وأَ ْش َف ْق ‪‎‬ن ِ‪‎‬منـَْها‪‎ ‎‬ومحَلَ َها‪ِْ ‎‬‬ ‫ض‪‎َ ‎‬واجلِبَ ِال فَأَبـَْ َ‪‎‬‬ ‫‪‎‬السماو ِ‬
‫ات َو ْال َْر ِ‬
‫‪‎‬النْ َسا ُن‪.‬‏‪‎‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ي ‪‎‬أَ ْ‪‎‬ن َْ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫وما َج ُه ًول‪.‬‏‏ ويف‪‎‎‬النهاية‪‎:‎‬األمانة‪‎‎‬تقع‪‎‎‬على‪‎‎‬الطاعة‪‎‎‬والعبادة‪‎‎‬والوديعة‪‎‬‬ ‫‪‎‬إنَّ‪‎‬هُ‪َ ‎‬كا َ‪‎‬ن‪‎‬ظَلُ ً‬
‫‪1‬‬

‫‪‎‬والثقة‪‎ ‎‬واألمان‪‎.‎‬‏ وقال‪‎ ‎‬الفخر‪‎ ‎‬الرازى‪‎ :‎‬قال‪‎ :‎‬هي‪‎ ‎‬التكليف‪‎ ‎،‬مسي‪‎ ‎‬أمانة‪‎ ‎‬ألن‪‎ ‎‬من‪‎‬‬
‫وىف‪‎‬فله‪‎‎‬الكرامة‪.‬‏‪‎‎‬‬ ‫‪‎‬قصر‪‎‎‬فعليه‪‎‎‬الغرامة‪‎‎‬ومن ّ‪‎‬‬
‫وملا‪‎ ‎‬كانت‪‎ ‎‬النفوس‪‎ ‎‬نزاعة‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬اخليانة‪‎ ‎‬رواغة‪‎ ‎‬عند‪‎ ‎‬مضايق‪‎ ‎‬األمانة‪‎ ‎،‬ورمبا‪‎‬‬
‫ك) أي‪‎ ‎‬ال‪‎‬‬ ‫‪‎‬خانَ َ‬
‫‪‎‬م ْ‪‎‬ن َ‬
‫‪‎‬تُ ْ‪‎‬ن َ‬ ‫(و ‪‎‬الَ َ‬
‫‪‎‬أتولت جوازها‪‎ ‎‬مع من‪‎ ‎‬مل‪‎ ‎‬يلتزمها‪‎ ‎‬أعقبه وبقوله‪َ :‬‬
‫‪‎‬تعامله مبعاملته‪‎‎‬وال‪‎‎‬تقابل‪‎‎‬خيانته خبيانتك‪‎‎،‬فتكون‪‎‎‬مثله‪‎‎،‬وليس‪‎‎‬منها‪‎‎‬ما‪‎‎‬أيخذه‪‎‬‬
‫‪‎‬اإلنسان من‪‎‎‬مال‪‎‎‬من‪‎‎‬جحده‪‎‎‬إذ‪‎‎‬ال‪‎‎‬تعدى‪‎‎‬فيه‪‎.‎‬‬
‫واملراد‪‎:‎‬إذا‪‎‎‬خانك‪‎‎‬صاحبك‪‎‎‬فال‪‎‎‬تقابله‪‎‎‬جبزاء‪‎‎‬خيانته‪‎‎،‬وإن‪‎‎‬كان‪‎‎‬حسنا‪‎‎‬أي‬
‫جائزا‪‎ ‎‬بل‪‎ ‎‬قابله‪‎ ‎‬ابألحسن‪‎ ‎‬الذي‪‎ ‎‬هو‪‎ ‎‬العفو‪‎ ‎‬وادفع‪‎ ‎‬ابليت‪‎ ‎‬هي‪‎ ‎‬أحسن‪‎ .‎‬وهذا‪‎ ‎‬كما‬
‫قاله الطييب‪‎‎‬أحسن‪‎.‎‬وهذه‪‎‎‬مسألة‪‎‎‬تتكرر‪‎‎‬على‪‎‎‬ألسنة‪‎‎‬الفقهاء‪‎.‎‬وهلم‪‎‎‬فيها‪‎‎‬أقوال‪‎:‎‬‬
‫األول‪‎:‎‬ال‪‎‎‬ختن‪‎‎‬من‪‎‎‬خانك‪‎‎‬مطلقا‪‎‎،‬وهو‪‎‎‬ظاهر‪‎‎‬احلديث‪.‬‏‬
‫الثاين‪‎ : ‎‬خن‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬خانك‪‎ .‎‬قاله‪‎ ‎‬الشافعي‪‎ ‎‬وهو‪‎ ‎‬مشهور‪‎ ‎‬مذهب‪‎ ‎‬مالك‪‎.‎‬‏‬
‫وأجابوا عن‪‎‎‬هذا‪‎‎‬احلديث‪‎‎‬أبنه‪‎‎‬مل‪‎‎‬يثبت‪‎.‎‬واملعىن‪‎: ‎‬ال‪‎‎‬أتخذ‪‎‎‬منه‪‎‎‬أزيد‪‎‎‬من‪‎‎‬حقك‪،‬‬
‫أو‪‎‎‬هو إشارة‪‎‎‬إىل‪‎‎‬األكمل‪‎‎‬كما‪‎‎‬مر‪‎.‎‬‬
‫الثالث‪‎:‎‬إن‪‎‎‬كان‪‎‎‬مما‪‎‎‬ائتمنك‪‎‎‬عليه‪‎‎‬من‪‎‎‬خانك‪‎‎‬فال‪‎‎‬ختن‪‎‎،‬وإن‪‎‎‬كان‪‎‎‬ليس‪‎‎‬يف‬
‫يدك فخذ‪‎‎‬حقك‪‎‎‬منه‪‎.‎‬قاله‪‎‎‬مالك‪‎‎‬رمحه‪‎‎‬هللا‪‎.‎‬‬

‫سورة األحزاب ‪72 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪62‬‬


‫الرابع‪‎: ‎‬إن‪‎‎‬كان‪‎‎‬من‪‎‎‬جنس‪‎‎‬حقك‪‎‎‬فخذه‪‎‎‬وإال‪‎‎‬فال‪‎.‎‬قاله‪‎‎‬أبو‪‎‎‬حنيفة‪‎‎‬رمح ‪‎‬ه‬
‫‪‎‬هللا‪‎.‎‬‏ قال‪‎ ‎‬ابن‪‎ ‎‬العربـي‪‎ : ‎‬والصحيح‪‎ ‎‬منها‪‎ ‎‬جواز‪‎ ‎‬االعتداء‪‎ ‎‬أبن‪‎ ‎‬أتخذ‪‎ ‎‬مثل‪‎ ‎‬مالك‬
‫من‪‎‎‬جنسه‪‎‎،‬أو غري‪‎‎‬جنسه‪‎‎‬إذا‪‎‎‬عدلت‪‎‎،‬ألن‪‎‎‬ما‪‎‎‬للحاكم‪‎‎‬فعله‪‎‎،‬إذا‪‎‎‬قدرت‪‎‎‬تفعله‬
‫اضطررت‪‎‎‬أهــ‪ .‬زرقاين ومناوي‪‎.‎‬‬
‫وسبب‪‎‎‬احلديث‪‎‎‬كما‪‎‎‬رواه‪‎‎‬إسحاق‪‎‎‬بن‪‎‎‬راهويه‪‎‎‬ىف‪‎« ‎‬مسنده‪‎»‎‬أن‪‎‎‬رجال‪‎‎‬زىن‬
‫ابمرأة‪‎ ‎‬أخر‪‎ ‎‬مث‪‎ ‎‬متكن‪‎ ‎‬اآلخر‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬زوجة‪‎ ‎‬الزاىن‪‎ ‎‬أبن‪‎ ‎‬تركها‪‎ ‎‬عنده‪‎ ‎‬وسافر‪‎ ‎،‬فاستشار‬
‫النبىي‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬ىف‪‎‎‬األمر‪‎‎‬فذكر‪‎‎‬احلديث‪‎.‎‬ذكره‪‎‎‬الزرقاىن‪‎‎‬على‪‎‎‬املواهب‪‎.‎‬‬

‫التمرينات‏‬
‫ما معىن أد األمانة ىف احلديث السابق؟ وأت له األمثلة يف احلياة اليومية؟‬
‫كيف حكم اخليانة ؟ وماذا فعلنا حني خيون علينا بعض أصدقائنا يف اجلامعة؟‬

‫‪63‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪64‬‬
‫منع قطع الرحم وأمرصلتها‬

‫عن‪‎‎‬جبير‪‎‎‬بن‪‎‎‬مطعم‪‎‎‬ر�ضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪‎: ‎‬أن‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى هللا عليه وسلم‬


‫اط ُ ‪‎‬ع َّ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َ َّ َ َ‬
‫‪‎‬الر ِح ِم)‪ .‬رواه‪‎‎‬البخارى‪‎‎‬ومسلم‬ ‫(ال‪‎‬يدخ ُل‪‎‎‬الجن ‪‎‬ة‪‎‬ق ِ‬
‫قال‪‎ :‬‬

‫معاني املفردات‏‬
‫اجلنة ‏‪:‬احلديقة ذات النخل والشجر‪ ،‬والفردوس السماوي‏‬
‫قاطع ‏‪ :‬ترك التعامل معه‏ ‬
‫الرحم ‏‪ :‬القرابة أو أسباهبا‏ ‬

‫شرح الحديث‬
‫أن‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬قال‪( :‬ال‪‎‎‬يدخل‪‎‎‬اجلنة‪‎‎‬قاطع الرحم)‪.‬‬
‫هذا‪‎ ‎‬احلديث‪‎ ‎‬يتأول‪‎ ‎‬أتويلني‪‎:‎‬‏ أحدمها‪‎ : ‎‬محله‪‎ ‎‬على‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬يستحل‪‎ ‎‬القطيعة‪‎ ‎‬بال‪‎‬‬
‫‪‎‬سبب‪‎‎‬وال‪‎‎‬شبهة‪‎‎‬مع‪‎‎‬علمه بتحرميها‪‎‎،‬فهذا‪‎‎‬كافر‪‎‎‬خيلد‪‎‎‬يف‪‎‎‬النار‪‎‎‬وال‪‎‎‬يدخل‪‎‎‬اجلنة‪‎‬‬
‫‪‎‬أبدا‪‎.‎‬‏ والثاين‪‎:‎‬معناه‪‎‎‬ال‪‎‎‬يدخلها‪‎‎‬يف‪‎‎‬أول‪‎‎‬األمر‪‎‎‬مع‪‎‎‬السابقني‪‎‎،‬بل‪‎‎‬يعاقب‪‎‎‬بتأخره‬
‫القدر الذى‪‎‎‬يريده‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎.‎‬‬
‫‏ والرحم‪‎‎‬اليت‪‎‎‬توصل‪‎‎‬وتقطع‪‎‎‬وترب‪‎‎‬إمنا‪‎‎‬هي‪‎‎‬معىن‪‎‎‬من‪‎‎‬املعاين‪‎‎،‬وليست‪‎‎‬جبسم‪،‬‬
‫و‪‎ ‎‬إمنا‪‎ ‎‬هي‪‎ ‎‬قرابة‪‎ ‎‬ونسب‪‎ ‎‬جتمعه‪‎ ‎‬رحم‪‎ ‎‬والدة‪‎ ‎‬ويتوصل‪‎ ‎‬بعضه‪‎ ‎‬ببعض‪‎ ‎‬فسمي‪‎ ‎‬ذلك‬
‫االتصال‪‎‎‬رمحا‪‎.‎‬‏ واملراد‪‎: ‎‬تعظيم‪‎‎‬شأن‪‎‎‬الرحم‪‎‎‬وفضيلة‪‎‎‬واصليها‪‎‎‬وعظيم‪‎‎‬إمث‪‎‎‬قاطعيها‪.‎‬‬
‫‪‎‬هلذا‪‎‎‬مسي العقوق‪‎‎‬قطعا‪‎‎،‬والقطع‪‎‎‬الشق‪‎‎،‬كأنه‪‎‎‬قطع‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬السبب‪‎‎‬املتصل‪‎.‎‬وحقيقة‪‎‬‬
‫‪‎‬الصلة العطف‪‎‎‬والرمحة‪‎.‎‬‬

‫‪65‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫قال‪‎‎‬القاضي‪‎‎‬عياض‪‎:‎‬وال‪‎‎‬شك‪‎‎‬أن‪‎‎‬صلة‪‎‎‬الرحم‪‎‎‬واجبة‪‎‎‬يف‪‎‎‬اجلملة‪‎‎‬وقطيعتها‬
‫معصية‪‎‎‬كبرية‪‎‎،‬ولكن‪‎‎‬الصلة‪‎‎‬درجات‪‎‎‬بعضها‪‎‎‬أرفع‪‎‎‬من‪‎‎‬بعض‪‎‎‬وأدانها‪‎‎‬ترك‪‎‎‬املهاجرة‬
‫وصلتها‪‎‎‬ابلكالم‪‎‎‬ولو‪‎‎‬ابلسالم‪‎.‎‬وخيتلف‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬ابختالف‪‎‎‬القدرة‪‎‎‬واحلاجة‪‎.‎‬فمنها‬
‫واجب ومنها‪‎‎‬مستحب‪‎‎،‬لو‪‎‎‬يصل‪‎‎‬بعض‪‎‎‬الصلة‪‎‎‬ومل‪‎‎‬يصل‪‎‎‬غايتها‪‎‎‬ال‪‎‎‬يسمى‪‎‎‬قاطعا‬
‫ولو‪‎‎‬قصر عما‪‎‎‬يقدر‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وينبغي‪‎‎‬له‪‎‎‬ال‪‎‎‬يسمى‪‎‎‬واصال‪‎.‎‬‬
‫واختلفوا‪‎‎‬يف‪‎‎‬حد‪‎‎‬الرحم‪‎‎‬اليت‪‎‎‬جتب‪‎‎‬صلتها‪‎‎،‬فقيل‪‎: ‎‬هو‪‎‎‬كل‪‎‎‬رحم‪‎‎‬حمرم‪‎‎‬حبيث‬
‫لو‪‎ ‎‬كان‪‎ ‎‬أحدمها‪‎ ‎‬ذكرا‪‎ ‎‬واآلخر‪‎ ‎‬أنثى‪‎ ‎‬حرمت‪‎ ‎‬مناكحتهما‪‎ ‎،‬فعلى‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬ال‪‎ ‎‬يدخل‬
‫أوالد‪‎ ‎‬األعمام‪‎ ‎‬و‪‎ ‎‬ال‪‎ ‎‬أوال‪‎ ‎‬األخوال‪‎ .‎‬واحتج‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬القائل‪‎ ‎‬بتحرمي‪‎ ‎‬اجلمع‪‎ ‎‬بني‪‎ ‎‬املرأة‬
‫وعمتها‪‎ ‎‬أو‪‎ ‎‬خالتها‪‎ ‎‬ىف‪‎ ‎‬النكاح‪‎ ‎‬وحنوه‪‎ ‎‬وجوز‪‎ ‎‬ذلك‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬بنات‪‎ ‎‬األعمام‪‎ ‎‬و‪‎ ‎‬األخوال‬
‫وقيل‪‎‎‬هو‪‎‎‬عام‪‎‎‬يف‪‎‎‬كل‪‎‎‬رحم‪‎‎‬من‪‎‎‬ذو‪‎‎‬األرحام‪‎‎‬يف‪‎‎‬املرياث‪‎‎‬يستوي‪‎‎‬احملرم‪‎‎‬وغريه‪.‬‏‬
‫ويف‪‎‎‬احلديث‪‎‎‬األخر‪‎:‎‬عن‪‎‎‬أنس‪‎‎‬رضي‪‎‎‬هللا‪‎‎‬عنه‪‎‎‬قال‪‎:‎‬قال‪‎‎‬رسول‪‎‎‬هللا‪‎‎‬صلى ‪‎‬‬
‫هللا‬
‫ص ْ‪‎‬ل َ‪‎‬رِحَهُ)‪.‬‬
‫‪‎‬ف‪‎‬أَثَِرِه‪‎‎‬فَلِي ِ‬
‫َ‬ ‫‪‎‬ف‪ِ ‎‬رْزقِ ِه‪‎َ ‎‬ويـُْن َس‪‎‬أَ‪‎‬لَ‪‎‬هُ ِ ‪‎‬‬
‫ط‪‎‬لَ‪‎‬هُ ِ ‪‎‬‬
‫ب‪‎‎‬أَ ْ‪‎‬ن‪‎‬يـُْب َس َ‪‎‬‬
‫َح َّ‬
‫‏(م ْ‏‪‎‬ن‪‎‬أ َ‬
‫‪‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪َ ‎: ‎‬‬
‫رواه‪‎‎‬البخاري‪‎‎‬ومسلم‏‬
‫وشرح‪‎ ‎‬هذا‪‎ ‎‬احلديث‪‎ :‎‬‏ (بسط‏‪‎ ‎‬الرزق) توسيعه‪‎ ‎‬وكثرته‪ ،‬وقيل‪‎ ‎‬الربكة‪‎ ‎‬فيه‬
‫(وينسأ) هبمز‪‎‎،‬أي‪‎‎‬يؤخر‪.‬‏‪‎‎‬واألثر‪‎‎‬األجل‪‎‎‬ألنه‪‎‎‬اتبع‪‎‎‬للحياة‪‎‎‬يف‪‎‎‬أثرها‪‎‎‬والتأخري‪‎‎‬يف‬
‫األجل‪‎ ‎‬فيه سؤال‪‎ ‎‬مشهور‪.‬‏‪‎ ‎‬وهو‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬اآلجل‪‎ ‎‬واألرزاق‪‎ ‎‬مقدرة‪‎ ‎‬ال‪‎ ‎‬تزيد‪‎ ‎‬وال‪‎ ‎‬تنقص‬
‫ِ‬ ‫كما قال هللا تعاىل‪( :‬ولِ ُك ِ‪‎‬ل‪‎‬أ َُّم ٍة أ ِ‬
‫اعة‪‎َ ً‎‬وَل‬ ‫َجلُ ُه ْم‪‎َ ‎‬ل‪‎‎‬يَ ْستَأْخ ُرو َ‪‎‬ن َ‬
‫‪‎‬س َ‬ ‫اءَ‪‎‬أ َ‬ ‫َج ٌ‪‎‬ل‪‎‬فَإ َذا‪َ ‎‬‬
‫‪‎‬ج ‪‎‬‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫‪1‬‬
‫‏يَ ْستـَْق ِد ُمو َن)‪.‬‏‬
‫و‪‎ ‎‬أجاب‪‎ ‎‬العلماء‪‎ ‎‬أبجوبة‪ .‬و الصحيح‪‎ ‎‬منها‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬هذه‪‎ ‎‬الزايدة‪‎ ‎‬ابلربكة‪‎ ‎‬يف‪‎‬‬
‫‪‎‬عمره والتوفيق‪‎ ‎‬للطاعات‪‎ ‎‬وعمارة‪‎ ‎‬أوقاته‪‎ ‎‬ينفعه‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬األخرة‪‎ ‎‬وصيانتها عن‪‎ ‎‬الضياع‪‎‬‬
‫‪‎‬وغري‪‎‎‬ذلك‪.‬‏‬
‫والثاين‪‎:‎‬أنه‪‎‎‬ابلنسبة‪‎‎‬إىل‪‎‎‬ما‪‎‎‬يظهر‪‎‎‬للمالئكة‪‎‎‬يف‪‎‎‬اللوح‪‎‎‬احملفوظ‪‎‎‬وحنو‪‎‎‬ذلك‪.‬‬

‫سورة األعراف ‪34 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪66‬‬


‫فيظهر‪‎ ‎‬هلم‪‎ ‎‬يف‪‎ ‎‬اللوح‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬عمره‪‎ ‎‬ستون‪‎ ‎‬سنة‪‎ ‎‬إال‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬يصل‪‎ ‎‬رمحه‪‎ ‎،‬فإن‪‎ ‎‬وصلها‪‎ ‎‬زيد‬
‫له‪‎ ‎‬أربعون‪‎ ‎،‬وقد‪‎ ‎‬علم‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬سبحانه‪‎ ‎‬ما‪‎ ‎‬سيقع‪‎ ‎‬له‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬ذلك‪‎ ‎‬وهو‪‎ ‎‬معىن‪‎ ‎‬قوله‪‎ ‎‬تعاىل‪‎:‎‬‏‬
‫ت‪‎ ‎‬و ِعْن َد‪‎‬ه ‪‎‬أ ُُّم‪‎ ‎‬الْ ِكتَ ِ‬
‫اب)‪2.‬‏ ‏ وفيه‪‎ ‎‬ابلنسبة‪‎ ‎‬إىل‪‎ ‎‬علمه‪‎ ‎‬وما‬ ‫‪‎‬ما‪‎ ‎‬يَ َشاء‪‎َ ُ‎‬ويـُثْبِ ُ َ ُ‬
‫‪‎‬الل‪َ ُ‎‬‬
‫(يَْ ُحو‏‪َّ ‎‬‬
‫‏سبق‪‎‎‬به قدره‪‎‎،‬وال‪‎‎‬زايدة‪‎‎،‬بل‪‎‎‬هي‪‎‎‬مستحيلة‪‎.‎‬و‪‎‎‬ابلنسبة‪‎‎‬إىل‪‎‎‬ما‪‎‎‬يظهر‪‎‎‬للمخلوقني‬
‫تتصور الزايدة‪‎‎،‬وهي‪‎‎‬مراد‪‎‎‬احلديث‪‎.‎‬‏ والثالث‪‎: ‎‬أن‪‎‎‬املراد‪‎‎‬بقاء‪‎‎‬ذكره‪‎‎‬اجلميل‪‎‎‬بعده‪‎‬‬
‫‪‎‬فكأنه‪‎ ‎‬مل ميت‪‎ .‎‬حكاه‪‎ ‎‬القاضى‪ ،‬وهو‪‎ ‎‬ضعيف‪‎ ‎‬أو‪‎ ‎‬ابطل‪‎ .‎‬قاله‪‎ ‎‬النووي‪‎ ‎‬رمحه‪‎ ‎‬هللا‪‎‬‬
‫‪‎‬تعاىل‪‎‎‬انتهى بتصرف‪‎‎‬من‪‎‎‬شرح مسلم‪‎‎‬للنووي‪‎.‎‬‬
‫واخلالصة‪‎‎‬أن‪‎‎‬اإلسالم‪‎‎‬حث‪‎‎‬علينا‪‎‎‬أن‪‎‎‬ال‪‎‎‬نقطع‪‎‎‬الرحم‪‎‎،‬بل‪‎‎‬أيمر‪‎‎‬أن‪‎‎‬نصلها‬
‫يف‪‎‎‬مجيع‪‎‎‬األوقات‪ ،‬إذ‪‎‎‬به‪‎‎‬تنشأ‪‎‎‬بيننا‪‎‎‬و‪‎‎‬بني‪‎‎‬الرحم‪‎‎‬املودة‪‎‎‬و‪‎‎‬الرمحة‪‎‎‬املوصلة‪‎‎‬إىل بسط‬
‫األرزاق‪‎‎‬وأتخري‪‎‎‬األثر‪‎‎‬واألجل‪.‬‏‬

‫التمرينات‏‬
‫اط ‪‎‬ع َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ب‪‎‎‬أَ ْ‪‎‬ن‪‎‬يـُْب َس َ‪‎‬‬
‫ط‬ ‫َح َّ‬ ‫‪‎‬الرح ِم» ؟‪ ،‬و َ‬
‫«م ْ‪‎‬ن‪‎‬أ َ‬ ‫احلديثني ‪‎ « :‬الَ‪‎‬يَ ْد ُخ ُ‪‎‬ل‪‎‬اْ ِجلَنَّة‪‎َ‎‬قَ ُِ‬ ‫‏ما معىن‬
‫‪‎‬ف‪‎‬أَثَِرِه‪‎‎‬فَلي ِ‬
‫ص ْ‪‎‬ل َ‪‎‬رحَهُ»؟‏‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬ف‪ِ ‎‬رْزقِ ِه‪‎َ ‎‬ويـُْن َس‪‎‬أَ‪‎‬لَ‪‎‬هُ ِ ‪‎‬‬
‫‪‎‬لَ‪‎‬هُ ِ ‪‎‬‬
‫وصلة الرحم من أسباب بسط األرزاق وأتخري األجل‪ .‬وكيف معناها مع أن‪‎‬‬
‫‪‎‬أجل الناس‪‎‎‬وأرزاقهم‏جترى على قدره تعاىل؟‬

‫سورة الرعد ‪39 :‬‬ ‫ ‬‫‪2‬‬

‫‪67‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪68‬‬
‫منع شرب الخمر‬

‫عن ابن عباس ر�ضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ْ َ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ُ ُ َ‬
‫اح ك ِ ّل ش ٍّر)‪ .‬رواه الحاكم‪‎‎‬‬‫وسلم ‪(ِ :‬اجتـ ِنبوا الخمر‪،‬‏ف ِإنها ِمفت‬

‫الل صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‪‎‬ابن ُع َم َر �ضي‪‎‎‬هللا عنهما‪ -‬قال ‪ :‬قال َ ُسو ُل َّ‬ ‫َعن‪ْ ‎‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫لخمْـ َر في ُّ‬
‫الد ْنياَ‬ ‫ام‪َ .‬و َم ْن َشر َب ْا َ‬ ‫َ َِ ُِ‬
‫‏(ك ُّل ُم ْسكر َخ ْم ٌر‪َ ،‬‏و ُك ُّل ُم ْسكر َح َر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫قال‪‎ :‎‬‬
‫آلخ َر ِة)‪ .‬رواه‏البخاري ومسلم‪‎‎‬‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َُ َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فمات وهو يد ِمنها لم يش َربها ِفي ا ِ‬

‫معاني املفردات‬
‫‏ اِ ْجتَـنِبـُْوا‪ :‬ابتعد عنه‬
‫اح ‏‪ :‬آلة الفتح والغلق‏‬ ‫ِ‬
‫م ْفتَ ُ‬
‫‏ يُ ْد ِمنـَُها ‏‪ :‬من «أدمن» معناه أدام فعلها والزمها ومل يقلع عنها‪ ،‬داوم‬
‫عليها وواظب ‏‬

‫شرح الحديث‬
‫عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪( :‬اِ ْجتَـنِبـُْوا اْخلَ ْمَر)‏مصدر مخره إذا سرته مسي به عصري العنب إذا اشتد‬
‫ألنه خيمر العقل‪ .‬وهو حرام مطلقا وكذلك كل ما ‏أسكر عند األكثر وإن مل‬
‫يسكر لقلته‪ .‬بل الشافعي وأمحد ومالك على وصفها بذلك‪ .‬فعندهم اخلمر كل‬

‫‪69‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫‏مسكر‪ ،‬أي ما من شأنه اإلسكار‪ .‬فشمل العصري واإلعتصار والبيع والشراء‬
‫واحلمل واملس والنظر‏وغيىرها‪.‬‏‬
‫واملراد ابجتـناهبا‪ ،‬اجتـناب تعاطيها ملا فيها من األضرار اجلسمية واخللقية‬
‫والنفسية والروحية‪ .‬فال ‏يليق ابملسلم أن يقرب منها ألهنا أم اخلبائث ومنبع‬
‫الشرور‪ .‬وحترميها يقتـضى جتنبها بكل طريق‪ .‬والشارع ‏سد الذريعة إىل تناوهلا‬
‫بكل مـمكن والريب أن بني سد الذريعة إىل تناوهلا وفتح الذريعة إىل تناوهلا‬
‫تناقضا‏وتعارضا‪ .‬وإهنا أيضا شديدة املضرة ابلدماغ الذي هو مركز العقل عند‬
‫األطباء وكثري من الفقهاء‏واملتكلمني‪.‬‏‬
‫قال بقراط ابن ابراقلس‪ :‬ضرر اخلمر ابلرأس شديد ألنه يسرع اإلرتفاع‬
‫إليه ويـرتفع ابرتفاعه ‏األخالط اليت تعلو يف البدن وهو كذلك يضر ابلذهن‬
‫اح ُك ِّل َشٍّر) كان مغلقا من زوال العقل‏والوقوع يف املـنهيات وحصول‬ ‫ِ ِ‬
‫(فَإنـََّها م ْفتَ ُ‬
‫األسقام واآلالم‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‏‬
‫ول َِّ‬
‫الل صلى هللا عليه وسلم‬ ‫‏ َع ِن‪‎‎‬ابْ ِن عُ َمَر رضي‪‎‎‬هللا عنهما قال ‪ :‬قال َر ُس ُ‬
‫ال‪‎ :‎‬‏( ُك ُّل ُم ْس ِك ٍر ‏خٌَْر) أي خمامر للعقل ومغطيه‪ .‬يعين أن اخلمر إسم لكل‬ ‫قَ َ‬
‫ما يوجد فيه اإلسكار سواء كان من عنب أو ‏عسل أو نقيع زبيب أو متر أو‬
‫غريها‪ .‬واستدلوا مبطلق قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ُ ( :‬ك ُّل) على حترمي ما‏يسكر‬
‫ولو مل يـكن شرااب‪ .‬فدخل حنو حشيش وبنج وغريها من أنواع املـخدرات‪ .‬وقد‬
‫جزم اإلمام النواوي‏أبهنا مسكرة‪ .‬وجزم آخرون بـأهنا مـخدرة‪.‬‏‬
‫ات َوُه َو‬ ‫خلمـَْر ِيف ُّ‬
‫الدنـْيَا فَ َم َ‬ ‫(م ْن َش ِر َ‬
‫ب اْ َ‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫يُ ْد ِمنـَُها) مصرا عليها ومدمن‏اخلمر هو املالزم هلا املداوم على شرهبا‪ ،‬املستحل‬
‫آلخَرِة) يعين مل يدخل اجلنة‬ ‫هلا‪ .‬وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪َ ( :‬ل ي ْشربـها ِف‏اْ ِ‬
‫ْ َ َ َْ‬
‫ألن اخلمر شراب أهل اجلنة‪ .‬فإذا مل يشرهبا مل يدخلها‪ ،‬أو يدخلها وحيرم‏شرهبا‬
‫أبن تنـزع منه شهوهتا‪.‬‏‬
‫و قال املرحوم عبد احلميد كشك‪ :‬إن شرب اخلمر هلا نتائج وأضرار‪ .‬منها‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪70‬‬


‫انـتـزاع أنوار اإلميان‪ ،‬‏واستحقاق اللعن والطرد من رمحة الرمحن‪ ،‬وجلب اهلموم‬
‫واألحزان‪ ،‬وتضييق الرزق‪ ،‬والوقوع يف مجيع ‏الشرور واملعاصى‪ ،‬وحترمي دخول‬
‫اجلنان‪ ،‬وعذاب هللا لشارهبا وعقابه كعقاب عابد األواثن‪ ،‬وحيشره هللا يوم‬
‫‏القيامة ظمآن‪ ،‬وال يقبل هللا عباده أربعني صباحا‪ ،‬ويستحق اإلهانة واإلزدراء‬
‫والتحقري من الصغري‏والكبري‪ ،‬واجلليل واحلقري‪ ،‬ويستحق اجللد والتعزير‪ ،‬وحلول‬
‫غضب اجلبار عليه‪ .‬ولو مات على هذه احلالة‏حرم عليه من رمحة هللا وثوابه‪،‬‬
‫وإذا مات يف حالة سكره يعذبه هللا بسكره يف قربه ليذوق مرارة فعله‪ ،‬وال‏يقدم‬
‫على شرهبا إال من اليؤمن ابهلل وأليرجو لقاء هللا‪ .‬انهيك عن أضرارها املدمرة‬
‫للجسم واملال‏واألسرة‪ .‬اهـ بتصرف‪.‬‏‬

‫التمرينات‏‬
‫ملاذا حرم اإلسالم شرب اخلمر على املسلمني؟‏‬
‫أذكر أضرار شرب اخلمر يف اجلسم؟‏‪‎‬‬
‫وكيف املراد ابجتناب اخلمر كما يف احلديث السابق ؟‏‬

‫‪71‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫أدب الطالبني‬ ‫‪72‬‬
‫البرحسن الخلق‬

‫َّ‬ ‫ْ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫هللا َعن ُه‪َ ،‬ع ِن الن ِب ّ ِي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫�ضي‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ان‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫الن َّواس ْ‬
‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫ع ِن‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َق َ‬
‫اك ِفي نف ِس َك َوك ِر ْهت أن َيط ِل َع‬
‫ال‪( :‬الب ُّر ُح ْس ُن الخلق‪َ ،‬واإلث ُم َ‏ما َح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َعل ْي ِه الناس)‪ .‬رواه مسلم‬
‫ُ‬

‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َْ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ََْ ُ‬
‫هللا صلى هللا‬ ‫�ضي َهللا عنه قال‪ :‬أتيت رسو ِ‬ ‫وعن و ِابصة ب ِن معب ٍد ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‪( :‬ج ْئ َت َت ْسأ ُل ‏عن الب ّر؟‪ ،‬قلت‪ :‬ن َع ْم‪ ،‬فق َ‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم َف َق َ‬
‫استفت‬‫ِ‬ ‫ال‪:‬‬
‫اط َم َأ َّن إ َل ْيه ْا َلق ْل ُب‪َ ،‬‏و ْاإل ْث ُم ماَ‬‫َ َ َّ ِ ْ َ ْ َّ ْ ِ ُ َِ ِ ْ‬ ‫َق ْل َب َك‪ ،‬الب ُّر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫الن‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫اطم‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َح َ‬
‫س‪ ،‬وتردد ِفي الصد ِر‪ ،‬و ِإن أفتاك الناس وأفتوك)‪ .‬حديث‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫الن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫اك‬
‫بإسناد‬ ‫حنبل والدارمي‬ ‫حسن‪ ،‬رويناه في ‏مسندي اإلمامين أحمد بن‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حسن‪‎.‎‬‬ ‫ٍ‬

‫معاني املفردات‏‬
‫الب ‏‪ :‬كلمة جامعة لكل صفات اخلري كالتقوى والطاعة والصلة والصدق ىف‬‫ِ ُّ‬
‫احلديث‏‬
‫اك‏ ‏‪ :‬رسخ يف النفس‏‬
‫َح َ‬

‫شرالحديث ‪:‬‏‬
‫‏‏ قوله صلى هللا عليه وسلم ‪ُّ ِ :‬‬
‫(الب ُح ْس ُن اخلُلُ ِق) وقد تقدم الكالم يف‬

‫‪73‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫حسن اخللق‪ .‬قال ابن‏عمر‪ :‬الرب أمر هني وجه طلق ولسان لني‪ .‬وقد ذكر هللا‬
‫هلل َواْليـَْوِم اآلخر)‪.‬‏‬
‫ِِ ‪1‬‬ ‫لب من‏آمن ِب ِ‬ ‫آية مجعت أنواع الرب فقال تعاىل‪ِ ِ :‬‬
‫(ولك َّن اْ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك) أي اختلج‬ ‫اك ِف نـَْف ِس َ‬ ‫(واْ ِإل ْثُ َما َح َ‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫وتردد ومل تطمئن النفس‪.‬‏ويف احلديث دليل على أن اإلنسان يراجع قلبه إذا أراد‬
‫اإلقدام على فعل شيئ‪ .‬فإن اطمأنت إليه النفس ‏فعله‪ ،‬ومل تطمئن تركه‪ ،‬وقد‬
‫حبث الكالم على الشبة يف حديث‪ :‬احلالل بني واحلرام بني‪.‬‏‬
‫ويروى أن آدم عليه الصالة والسالم أوصى بنيه بوصااي‪ .‬منها أنه قال‪:‬‬
‫إذا أردت فعل شيء فإن‏اضطربت قلوبكم فال تفعلوه‪ ،‬فإين ملا دنوت من أكل‬
‫الشجرة اضطرب قليب عند األكل‪ .‬ومنها أنه قال‪:‬‏إذا أردمت فعل شيئ فانظروا‬
‫يف عاقبته فإين لو نظرت يف عاقبة األكل ما أكلت من الشجرة‪ .‬ومنها أنه‏قال‪:‬‬
‫علي‬
‫إذا أردمت فعل شيئ فاستسريوا األخيار‪ ،‬فإين لو استشرت املالئكة ألشاروا ّ‬
‫برتك األكل من‏الشجرة‪.‬‏‬
‫َِّ ِ‬
‫َّاس) ألن الناس‬ ‫(وَك ِرْه َ‬
‫ت أَ ْن يَطل َع َعلَْيه الن ُ‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫قد يلومون اإلنسان على ‏أكل الشبهة‪ ،‬وعلى أخذها‪ ،‬وعلى نكاحها‪ ،‬وعلى‬
‫نكاح امرأة قد قيل إهنا وضعت معه‪ .‬وهلذا قال ‏صلى هللا عليه وسلم‪ :‬كيف‬
‫وقد قيل؟‪ .‬وكذلك احلرام إذا تعاطاه الشخص يكره أن يطلع عليه الناس‪.‬‏ومثال‬
‫احلرام‪ :‬األكل من مال الغري‪ .‬فإنه جيوز إن كان يتحقق رضاه‪ ،‬فإن شك يف‬
‫رضاه حرم األك‪ ،‬‏وكذلك التصرف يف الوديعة بغري إذن صاحبها‪ ،‬فإن الناس‬
‫إذا اطلعوا على ذلك أنكروه عليه‪ ،‬وهو يكره ‏اطالع الناس على ذلك ألهنم‬
‫ينكرون عليه‪.‬‏‬
‫س‪َ ،‬وتـََرَّد َد ِف‬ ‫(واْ ِإل ْثُ َما َح َ‬
‫اك ِف النـَّْف ِ‬ ‫‏ وقوله صلى هللا عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫َّاس َ‏وأَفـْتـَْو َك) مثاله اهلدية إذا جاءتك من شخص غالب‬ ‫الص ْد ِر‪َ ،‬وإِ ْن أَفـْتَ َ‬
‫اك الن ُ‬ ‫َّ‬

‫البقرة ‪177 :‬‬ ‫ ‬‫‪1‬‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪74‬‬


‫فضل تعلم القرآن وتعليمه‬

‫ْ َّ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َّ َ‬
‫�ض َي اللَّ ُ َعن ُه ‪ ،‬أن َر ُسو َل اللَّ ِ صلى هللا عليه‬ ‫ِ‬
‫ان َ‬
‫ر‬ ‫عن عثمان ب ِن عف‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫ال ‪( :‬خ ْي ُرك ْم َم ْن‪‎‎‬ت َعل َم‏الق ْرآن َو َعل َم ُه)‪ .‬رواه البخارى‏‬‫وسلم ق‬

‫معاني املفردات‏‬
‫‪‎‎‬تـََعلَّ َم ‏‪ :‬أتقن وعرف‏‬
‫َعلَّ َم ‏‪ :‬جعله يعرفه‪ّ ،‬‬
‫فهمه إايه‏‬

‫شرح الحديث ‪:‬‏‬


‫‏(ع ْن) أيب عمرو ذي النورين (عُثْ َما َن) بْ ِن َع َّفا َن بن أيب العاص بن أمية بن‬
‫َ‬
‫عبد مشس بن عبد‏مناف بن قصي القرشي األموي املكي مث املدين أمري املؤمنني‬
‫واثلث اخللفاء الراشدين‪ .‬ويقال له ذو‏النورين ألنه تزوج بنيت رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم إحدامها بعد األخرى‪.‬‏‬
‫(خيـُْرُك ْم) اي معشر القراء من معلمني ومتعلمني‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫(م ْ‪‎‬ن‪‎‬تـََعلَّ َم) أي من كان‏تعلمه ىف القرآن ال يف غريه‪ ،‬إذ خري الكالم كالم هللا‪.‬‬
‫َ‬
‫فكذا خري الناس بعد النبيني من اشتغل به‏‏(الْ ُق ْرآ َن) هو يطلق على بعضه وعلى‬
‫كله‪ ،‬ويصح إرادة البعض ابعتبار أن من وجد معه ولو آية من ‏القرآن الكرمي‬
‫خري ممن مل يكن كذلك‪.‬‏‬
‫(و َعلَّ َمهُ) خملصا يف كال األمرين مبتغيا به وجه‬
‫‏ قوله صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫هللا تعاىل عامال مبا فيه‏من األخالق واآلداب واألحكام‪ ،‬أما إذا مل يعمل مبا فيه‬

‫‪75‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫من األحكام‪ ،‬ومل يقف عند حدوده‪ .‬فهو كما‏قال صلى هللا عليه وسلم‪( :‬إِ َّن‬
‫اب أَقـواما وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ِريْ َن)‪ .‬رواه مسلم‬ ‫ض ُع بِه َ‬ ‫هللاَ يـَْرفَ ُع بَ َذا الكتَ ِ َْ ً َ َ َ‬
‫ووجه أخريية من تعلم القرآن وعلمه ما جاء ىف الصحيح من حديث عبد‬
‫ي َجنـْبـَْي ِه‪‎‬‬ ‫ِ‬
‫(م ْ‪‎‬ن ‪‎‬قـََرأَ الْ ُق ْرآ َن فـََقد ْ‬
‫استَ ْد َر َج النـُّبـَُّوَة بـَْ َ‬ ‫هللا بن عمر رضي هللا ‏عنهما‪َ :‬‬
‫‪َ ‎‬غيـَْر أَنَّهُ ال يُوحى إِلَْي ِه)‪ .‬رواه مسلم وغريه من‏األحاديث‪ .‬فإذا حاز خري الكالم‬
‫وتسبب مع ذلك أن يكون غريه مثله فقد أحلق ببعض درجات‏األنبياء‪ ،‬وكان‬
‫من مجلة الصديقني القائمني حبقوق احلق وحقوق اخللق على أقصى الطاعة‬
‫وأكمل‏اإلتباع‪.‬‏‬
‫فإن الذى يعلم غريه حيصل له النفع املتعدي خبالف من يعمل فقط‪.‬‬
‫واستفيد من ربط التعلم‏والتعليم ابلقرآن أن املراد به كالم هللا ال املعىن النفسي‬
‫القائم ابلذات‪ ،‬بل اللفظ املتعبد بتالوته املنزل على‏سيدان حممد صلى هللا عليه‬
‫وسلم لإلعجاز أبقصر سورة منه‪ .‬إهـ ـ ــ‪ .‬دليل الفاحلني بتصرف‪.‬‏‬

‫التمرين‏‬
‫ما الفرق بني تعليم القرآن وتعلمه؟‏‬
‫أذكر سببا‪ ،‬ملاذا انل الناس اخلري أعظمه حيث كانوا متعلمني أو معلمني؟‏‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪76‬‬


‫فضل قول ال اله إال هللا‬

‫ال‪‎ ‎‬رسول‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬صلى هللا عليه‬ ‫عن‪‎ ‎‬معاذ‪‎ ‎‬بن‪‎ ‎‬جبل‪‎ ‎‬ر�ضي‪‎ ‎‬هللا‪‎ ‎‬عنه‪‎ ‎‬قال‪‎َ : ‎‬ق َ‬
‫َ َ َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ َ‬
‫لجن ‪‎‬ة(‪‎‬‏‪ .‬رواه‏‪‎ ‎‬أبو‪‎ ‎‬داود‬ ‫‪‎‬آلإله‪‎ِ ‎‬إ ‪‎‬ال ‪‎‬هللا‪‎ ‎‬دخل‪‎ ‎‬ا‬
‫آخر ك ِ ِ‬
‫ه‬
‫‪‎‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ال‬ ‫وسلم ‪ :‬‏‪‎)‎‬من‪‎ ‎‬كان ِ‬
‫وأحمد‪‎‎‬والحاكم‪‎‎‬وصححه‬

‫معاني املفردات‬
‫آخُر ‏‪ :‬مقابل األول‏‬ ‫ِ‬
‫‏ َكالَِم ِه ‏‪ :‬قول‪ ،‬حديث‏‬
‫‪‎‎‬دخل‏ ‏‪ :‬عكس خرج منه‏ ‬

‫شرح الحديث‬
‫آخُر َكالَِم ِه) يف‪‎ ‎‬الدنيا‪ .‬قال‪‎ ‎‬أب ‪‎‬و‬ ‫وقوله صلى هللا عليه وسلم (م ‪‎‬ن ‪َ ‎‬كا َن ِ‬
‫َْ‬
‫يف ‪‎‬موضع‪‎ ‎‬نصب‪‎ ‎‬خرب‪‎‬‬ ‫‪‎‬البقاء‪‎ ‎‬ابلرفع‪‎ ‎‬إسم‪‎ ‎‬كان ‏وجيوز‪‎ ‎‬عكسه‪‎.‎‬‏ وكلمة التوحيد‪‎ ‎ ‎‬‬
‫‪‎‬كان‪ .‬وقوله صلى هللا عليه وسلم (آلإِله‪‎ َ‎‬إِال‪‎َّ‎‬هللا) أبن‪‎ ‎‬مل يتكلم‪‎ ‎‬بعدها‪‎ ‎‬بشيء‪.‬‬
‫(د َخ َ‪‎‬ل‪‎‬اْجلَنَّةَ) أي‪‎‎‬مع السابقني‪‎.‎‬‬
‫وقوله صلى هللا عليه وسلم َ‬
‫قال‪‎‎‬ابن‪‎‎‬رسالن‪‎: ‎‬معىن‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬ال‪‎‎‬بد‪‎‎‬له‪‎‎‬من‪‎‎‬دخول‪‎‎‬اجلنة‪‎‎،‬فإن‪‎‎‬كان‪‎‎‬عاصيا‬
‫غري‪‎‎‬اتئب فهو‪‎‎‬يف‪‎‎‬خطر املشيئة‪‎‎،‬حيتمل‪‎‎‬أن‪‎‎‬يغفر‪‎‎‬هللا‪‎‎‬له‪‎‎‬وحيتمل‪‎‎‬أن‪‎‎‬يعاقبه ويدخل‪‎‬‬
‫‪‎‬اجلنة‪‎‎‬بعد‪‎‎‬العقاب‪ ،‬وحيتمل‪‎‎‬أبن‪‎‎‬يكون‪‎‎‬من‪‎‎‬وفق ألن‪‎‎‬يكون‪‎‎‬آخر‪‎‎‬كالمه‪‎:‎‬‏ الإله‪‎‎‬إال‪‎‬‬
‫‪‎‬هللا‪‎‎،‬يكون‪‎‎‬ذلك‪‎‎‬عالمة‪‎‎‬على‪‎‎‬أن هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎‎‬يعفو‪‎‎‬عنه‪‎‎‬فال‪‎‎‬يكون‪‎‎‬يف‪‎‎‬خطر املشيئة‪‎‬‬
‫‪‎‬تشريفا‪‎‎‬له‪‎‎‬على‪‎‎‬غريه‪‎‎‬ممن‪‎‎‬مل‪‎‎‬يوفق‪‎‎‬أن‪‎‎‬يكون‪‎‎‬آخر كالمه‪‎:‎‬الإله‪‎‎‬إال‪‎‎‬هللا‪‎.‎‬‏‏‬

‫‪77‬‬ ‫مركز معهد اجلامعة‬


‫فنسأل‪‎‎‬هللا‪‎‎‬أن‪‎‎‬جيعلنا‪‎‎‬يف اخلامتة‪‎‎‬من‪‎‎‬أهل‪‎‎‬ال‪‎‎‬إله‪‎‎‬إال‪‎‎‬هللا‪‎‎‬حقا‪‎‎‬ومقاال‪‎‎‬ظاهرا‬
‫وابطنا‪‎ ‎،‬حىت نودع‪‎ ‎‬الدنيا ‏غري‪‎ ‎‬ملتفتني‪‎ ‎‬إليها‪‎ ‎‬بل‪‎ ‎‬متربمني‪‎ ‎‬منها‪‎ ‎‬وحمبني‪‎ ‎‬للقاء‪‎ ‎‬هللا‬
‫تعاىل‪.‬‏‪‎‎‬‏‏‬
‫وهبذا‪‎ ‎‬يعرف‪‎ ‎‬أن‪‎ ‎‬كلمة‪‎ ‎‬الشهادة‪‎ ‎‬من‪‎ ‎‬جوامع‪‎ ‎‬الكلم‪‎ ‎‬الىت‪‎ ‎‬بعث هبا رسول‬
‫هللا صلى هللا‪‎‎‬عليه‪‎‎‬وسلم‪‎‎‬وهي‪‎‎‬اليت‪‎‎‬شهد‪‎‎‬هللا هبا لنفسه وشهدت هبا املالئكة‬
‫واألنبياء‪‎‎‬واألمم املهتدين‪‎.‎‬‏‏‬
‫قال‪‎‎‬احلليمي‪‎‎‬والبيهقي‪‎: ‎‬وهي‪‎‎‬الكلمة‪‎‎‬الباقية‪‎‎‬يف‪‎‎‬عقب‪‎‎‬إبراهيم‪‎‎‬عليه‪‎‎‬الصالة‬
‫و السالم‪‎‎،‬وهي‪‎‎‬كلمة‪‎‎‬التوحيد‪‎‎،‬وكلمة‪‎‎‬اإلخالص‪‎‎،‬ودعوة‪‎‎‬للحق‪‎‎،‬وأمر‪‎‎‬املأمورين‬
‫أن يقولوها‪‎ ‎‬ويعتقدوها‪‎ ‎‬وهي‪‎ ‎‬أفضل‪‎ ‎‬شعب‪‎ ‎‬اإلميان‪‎ .‎‬وهي‪‎ ‎‬بضع‪‎ ‎‬وسبعون‪‎ ‎‬شعبة‪،‬‬
‫وهي‪‎‎‬كلمة اإلسالم‪‎‎‬الذى‪‎‎‬هو‪‎‎‬دين‪‎‎‬هللا‪‎‎‬يف‪‎‎‬األرض‪‎‎‬والسماء‪‎.‎‬‏‏‬
‫فهي‪‎‎‬أول‪‎‎‬الواجبات‪‎‎‬وألزمها‪‎‎‬وأوالها‪‎‎‬وأشرفها‪‎‎‬وأعالها‪‎‎‬واستدامتها‪‎‎‬واجبة‪،‬‬
‫وذلك أبن‪‎ ‎‬ال أييت‪‎ ‎‬مبا‪‎ ‎‬ينافيها‪‎ ‎‬كالردة‪‎ ‎،‬والعياذ‪‎ ‎‬ابهلل‪‎ .‎‬وال‪‎ ‎‬يناقضها‪‎ ‎‬مما‪‎ ‎‬يقتضي‬
‫التكفري‪‎‎‬شرعا‪ ،‬وإن‪‎‎‬ادعى‪‎‎‬أنه‪‎‎‬إن شاء‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪‎.‎‬‏‏‬
‫وختم‪‎ ‎‬العمر هبا ‏‪‎ ‎‬واجب‪‎ ‎‬أيضا‪‎ ‎،‬فهي‪‎ ‎‬أيضا‪‎ ‎‬آخر‪‎ ‎‬الواجبات‪‎ ‎‬‏‪.‬وكل‏‪‎ ‎‬كال ‪‎‬م‬
‫‪‎‬جتده يف توهينها‪‎ ‎‬أو‪‎ ‎‬توهني ‏ثواهبا‪‎ ‎‬فال‪‎ ‎‬تلتفت‪‎ ‎‬إليه‪‎ ‎‬وال‪‎ ‎‬تعبأن‪‎ ‎‬به‪‎ ‎‬وإن‪‎ ‎‬نسب‪‎ ‎‬إىل‪‎‬‬
‫‪‎‬بعض‪‎‎‬األولياء‪‎‎‬فهو‪‎‎‬غلط‪‎‎‬وإحلاد‪‎‎‬يف‪‎‎‬الدين‪‎‎،‬وال‪‎‎‬يرى‪‎‎‬هللا‪‎‎‬يف‪‎‎‬الدار‪‎‎‬اآلخرة‪‎‎‬إال‪‎‎‬من‪‎‬‬
‫‪‎‬جاء‏‪‎‎‬خالصا‪‎‎‬من‪‎‎‬قلبه‪‎‎،‬عليها‪‎‎‬حنيا‪‎‎‬وعليها‪‎‎‬منوت‪‎‎‬وعليها‪‎‎‬نبعث‪‎‎‬إن‪‎‎‬شاء‪‎‎‬هللا‪.‬‏‬
‫‪‎‎‬اللهم‪‎‎‬اجعلنا‪‎‎‬عند‪‎‎‬املوت‪‎‎‬انطقني‪‎‎‬ابلشهادة‪‎‎‬عاملني هبا خملصني بطمأنينة‬
‫ويقني‪‎‎‬آمني‪‎‎‬آمني‪‎‎‬اهـ ـ‪.‬‏‪‎‎‬كشف‪‎‎‬الغطاء‪‎‎‬للبدر‪‎‎‬حسني‪‎‎‬األهدل‪‎‎‬رمحه‪‎‎‬هللا‪‎‎‬تعاىل‪.‬‏‬

‫التمرينات‏‬
‫ما معىن هذا احلديث؟‏‬

‫أدب الطالبني‬ ‫‪78‬‬

You might also like