المعلم الأول صلى الله عليه وسلم

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 17

‫‪5‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ،‬نبينا حممد‬
‫وعلى آله وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫ف إن من أعظم ج وانب س يرة الن بي ‪ :‬ج انب التعليم والتوجي ه‬
‫تعليم ا‪ ،‬وأحسنهم‬
‫واإلرشاد‪ ،‬فقد كان رسول اهلل ‪ ‬أحسن الناس ً‬
‫وإقناعا‪..‬‬
‫ً‬ ‫حوارا‬
‫وإرشادا‪ ،‬وأحسنهم ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫توجيها‬
‫وكيف ال يكون ‪ ‬كذلك‪ ،‬واهلل سبحانه هو الذي علَّمه كما قال‪:‬‬
‫ك َم ا لَ ْم تَ ُك ْن َت ْعلَ ُم} [النس اء‪ ،]113 :‬وه و ال ذي ه داه‬ ‫{ َو َعلَّ َم َ‬
‫ض ااًّل َف َه َدى} [الض حى‪،]7 :‬‬ ‫وأرش ده‪ ،‬كم ا ق ال‪َ { :‬و َو َج َد َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورا‬ ‫اب َواَل اِإْل َ‬
‫يما ُن َولَك ْن َج َعلْنَاهُ نُ ً‬ ‫ت تَ ْد ِري َما الْكتَ ُ‬
‫وقال‪َ { :‬ما ُك ْن َ‬
‫صر ٍ‬
‫اط ُم ْس تَ ِق ٍيم}‬ ‫ادنَا وِإنَّ َ ِ ِإ ِ‬ ‫َن ْه ِدي بِ ِه من نَ َ ِ ِ ِ‬
‫ك لََت ْه دي لَى َ‬ ‫شاءُ م ْن عبَ َ‬ ‫َْ‬
‫[الش ورى‪ ،]52 :‬وه و ال ذي رس م ل ه ط رق ال دعوة وأس اليبها‪:‬‬
‫ْح ْكم ِة والْمو ِعظَ ِة الْحس نَ ِة وج ِ‬ ‫يل ربِّ َ ِ‬
‫ادل ُْه ْم‬ ‫ََ ََ‬ ‫ك بِال َ َ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫{ا ْدعُ ِإلَى َس ب ِ َ‬
‫ِ‬
‫س ُن} [النحل‪.]125 :‬‬ ‫بِالَّتِي ه َي ْ‬
‫َأح َ‬
‫وق د بيَّن الق رآن الك ريم أن التعليم ه و مقص د أس اسٌ من مقاص د‬
‫ِِ‬
‫ث‬ ‫ين ِإ ْذ َب َع َ‬ ‫بعث ة الن يب ‪ ،‬فق ال تع اىل‪{ :‬لََق ْد َم َّن اللَّهُ َعلَى ال ُْم ْؤ من َ‬
‫فِي ِه ْم َر ُس واًل ِم ْن َأْن ُف ِس ِه ْم َي ْتلُ و َعلَْي ِه ْم آَيَاتِ ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ُم‬
‫ض اَل ٍل ُمبِي ٍن} [آل‬ ‫ْح ْك َم ةَ َوِإ ْن َك انُوا ِم ْن َق ْب ُل لَِفي َ‬ ‫ْكتَ اب وال ِ‬
‫َ َ‬
‫ال ِ‬
‫عم ران‪ ،]164 :‬وال ذي مييز تعليم الن يب ‪ ‬عن غ ريه من املعلمني‬
‫‪6‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫الذي ال يهتدون بالوحي هو ارتباط تعليمه بتزكية النفس ومسوها يف‬


‫ث‬ ‫معايل الكمال‪ ،‬كما يف هذه اآلية ويف قوله تعاىل‪ُ { :‬ه َو الَّ ِذي َب َع َ‬
‫ين َر ُس واًل ِم ْن ُه ْم َي ْتلُ و َعلَْي ِه ْم آَيَاتِ ِه َو ُي َز ِّكي ِه ْم َو ُي َعلِّ ُم ُه ُم‬ ‫فِي ِّ‬
‫اُأْلميِّ َ‬
‫ضاَل ٍل ُمبِي ٍن} [اجلمع ة‪:‬‬ ‫ْح ْك َمةَ َوِإ ْن َكانُوا ِم ْن َق ْب ُل لَِفي َ‬ ‫ْكتَاب وال ِ‬
‫ال َ َ‬
‫ِ‬
‫‪.]2‬‬
‫وقوله تعاىل‪َ { :‬ك َم ا َْأر َس لْنَا فِي ُك ْم َر ُس واًل ِم ْن ُك ْم َي ْتلُ و َعلَْي ُك ْم آَيَاتِنَ ا‬
‫ْح ْك َم ةَ َو ُي َعلِّ ُم ُك ْم َم ا لَ ْم تَ ُكونُ وا‬ ‫ْكتَ اب وال ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُي َز ِّكي ُك ْم َو ُي َعلِّ ُم ُك ُم ال َ َ‬
‫َت ْعلَ ُمو َن} [البقرة‪.]151 :‬‬
‫وقد لخَّص النبي ‪ ‬رسالته بأهنا رسالة تعليمية مرتبطة باليسر ورفع‬
‫تعنتاً‪ ،‬ولكن‬
‫عنتاً وال ُم ِّ‬
‫احلرج عن األمة‪ ،‬فقال‪« :‬إن اهلل لم يبعثني مُ ِّ‬
‫ميسرا» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫معلما ً‬
‫بعثني ً‬
‫وجع ل الن بي ‪ ‬نفس ه مبنزل ه الوال د يف تعليم أبنائ ه م ا جيهل ون فق ال‬
‫عليه الصالة والسالم‪« :‬إنما أنا لكم بمنزلة الوال د أعلمكم» [رواه‬
‫أمحد وأبو داود و حسَّنه األلباين]‪.‬‬
‫وتأتي لفظة الوالد لتلقي ٍ‬
‫بظالل من الرمحة والشفقة واحملبة الصادقة‬
‫واحللم واألن اة على العملي ة التعليمي ة‪ .‬فمن أح رص من الوال د على‬
‫تعليم أبنائه؟ ومن أرحم هبم وأشفق عليهم وأحلم هبم منه؟!‬
‫فهذا هو النبي المعلم الذي اجتمعت فيه كل صفات الكمال يف‬
‫املعلم الن اجح من رأف ة ورمحة وح رص على تعليم الن اس وه دايتهم‪،‬‬
‫‪7‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫ول ِمن َأْن ُف ِس ُكم َع ِز ٌ ِ ِ‬


‫ُّم‬
‫يز َعلَْي ه َم ا َعنت ْ‬ ‫ْ‬ ‫اء ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬لََق ْد َج َ‬
‫يم} [التوب ة‪ ،]128 :‬مع م ا‬ ‫ح ِريص علَي ُكم بِ الْمْؤ ِمنِين رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬
‫آت اه اهلل من ق وة حج ة وروع ة بي ان‪ ،‬فق د أويت ‪ ‬جوام ع الكلم‪،‬‬
‫اختصارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫واختصر له الكالم‬‫ُ‬
‫كالم ا فص اًل‬
‫قالت عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬كان كالم رسول اهلل ‪ً ‬‬
‫كل من مسعه‪[ .‬رواه أبو داود وحسَّنة األلباين]‪.‬‬
‫يفهمه ُّ‬
‫وه ذا من اإلعج از ودالئ ل نبوت ه ‪ ،‬ف إن كث ًريا من الن اس ق د ال‬
‫يفهم ون كالم العلم اء وأص حاب القلم يف كتبهم وص حفهم‪ ،‬بينم ا‬
‫إذا قرأوا أحاديث النيب ‪ ‬فهموها وأحسوا بقرب معانيها من قلوهبم‬
‫مما ال حيت اجون مع ه إىل مزي د بي ان وش رح‪ ،‬وه ذا اليس ر يف الق ول‬
‫والتعبري من صفات املعلم الناجح الذي ال يلجأ إىل الغريب الذي ال‬
‫يعرفه كثري من الناس‪.‬‬

‫الرفق بالمتعلمين‬
‫وق د ك ان ‪ ‬رفي ًق ا ب املتعلمني ال يسبّ وال يض رب وال ي وبّخ وال‬
‫ينه ر؛ ب ل حيلم وي رحم ويص رب على تعليم الن اس وإرش ادهم‪ ،‬م ع م ا‬
‫يقع منهم من شطط واحنراف‪.‬‬
‫ومن صور رفقة ‪ ‬بالمتعلمين‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫‪ -1‬م ا ذك ره معاوي ة بن الحكم الس لمي ‪ ‬قال‪ :‬بينم ا أن ا أص لي‬


‫م ع رس ول اهلل ‪ ‬إذ عطس رجلٌ من الق وم فقلت‪( :‬يرحم ك اهلل)‬
‫فرم اين الق وم بأبص ارهم‪ ،‬فقلت‪ :‬واثُك ل أمِّي اه! م ا ش أنكم تنظ رون‬
‫إيل؟ فجعل وا يض ربون بأي ديهم على أفخ اذهم‪ .‬فلم ا رأيتهم‬ ‫َّ‬
‫ُيصمتونين‪ ،‬لكين سكتّ‪.‬‬
‫النيب ‪ ،‬فب أيب ه و وأمي‪ ،‬م ا رأيت معلِّ ًم ا قبل ه وال بع ده‬
‫فلم ا صلَّى ُّ‬
‫تعليم ا من ه‪ ،‬ف و اهلل م ا كَ َه رين(‪ ،)1‬وال ض ربين‪ ،‬وال ش تمين‪،‬‬
‫أحس ن ً‬
‫قال‪« :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من كالم الناس‪ ،‬إنما‬
‫هو التسبيح‪ ،‬التكبير‪ ،‬وقراءة القرآن» [رواه مسلم]‪.‬‬
‫قال النووي‪( :‬فيه ما كان عليه رسول اهلل ‪ ‬من عظيم اخللق الذي‬
‫ش هد اهلل تع اىل ل ه ب ه‪ ،‬ورفق ه باجلاه ل‪ ،‬ورأفت ه وش فقته علي ه‪ ،‬وفي ه‬
‫التخل ق خبلق ه ‪ ‬يف الرف ق باجلاه ل‪ ،‬وحس ن تعليم ه‪ ،‬واللط ف ب ه‪،‬‬
‫وتقريب الصواب إىل فهمه‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أنس بن مالك ‪‬قال‪ :‬بينما حنن يف املسجد مع رسول اهلل‬
‫‪ ،‬إذ جاء أعرايب فقام يبول يف املسجد‪ ،‬فقال أصحاب رسول اهلل‬
‫‪ :‬مَْه َمْه‪.‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪« :‬دعوه‪ ،‬ال تزرموه(‪ »)2‬فرتكوه حىت بال !!‬

‫‪ )?(1‬كهرين‪ :‬أي قهرين وهنرين‪.‬‬


‫‪ )?(2‬ال تزرموه‪ :‬أي ال جتعلوه يقطع بوله فيتضرر‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫مث إن رس ول اهلل ‪ ‬دع اه فق ال ل ه‪« :‬إن ه ذه المس اجد ال تص لح‬


‫لش يء من ه ذا الب ول والق ذر‪ ،‬إنم ا هي ل ذكر اهلل عزَّ وجلَّ‬
‫والصالة وقراءة القرآن»‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬ف أمر رجاًل من الق وم‪ ،‬فج اء ب دل ٍو من م ٍاء فشنَّه علي ه [متف ق‬
‫عليه]‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬جاء رجل إىل النيبِّ ‪ ‬قال‪ :‬هلكت يا‬
‫رسول اهلل!‬
‫قال‪« :‬وما أهلكك؟»‬
‫قال‪ :‬وقعت على امرأيت يف رمضان‪.‬‬
‫قال‪« :‬هل تجد ما تعتق رقبة؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال‬
‫قال‪« :‬فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال‬
‫قال‪« :‬فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬مث جلس‪ُ ،‬فأيت النيبّ ‪ ‬بََعَر ٍق(‪ )1‬فيه متر‪ ،‬فقال‪َّ « :‬‬
‫تصدق بهذا»‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفقر منا؟ فما بني البتيها أهل بيت أحوج إليه منه‪ .‬فضحك‬
‫الن يب ‪ ‬ح ىت ب دت أنياب ه مث ق ال‪« :‬اذهب فأطعم ه أهلك» [متف ق‬
‫عليه]‪.‬‬
‫‪ )?(1‬العرق‪ :‬الزنبيل والقفة‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫نادم ا على سوء فعله‪ ،‬باحثًا عن‬‫فهذا الرجل ملا جاء معرتفً ا خبطئه‪ً ،‬‬
‫املخ رج الش رعي ملا وق ع في ه من خط أ وزل ل؛ يسّر علي ه الن يب ‪،‬‬
‫ورف ق ب ه ومل يتعنت مع ه‪ ،‬ف أخربه أن علي ه كف ارة‪ ،‬ب دأ فيه ا بعت ق‬
‫رقبة‪ ،‬مث صيام شهرين متتابعني‪ ،‬مث إطعام ستني مسكينًا‪ ،‬فلما مل جيد‬
‫عند الرجل قدرة على شيء من ذلك‪ ،‬أعطاه ما يتصدق به؛ بل إنه‬
‫مسح له بأخذ هذه الصدقة‪ ،‬وأن يطعمها هو وأهله ملَّا رأى ما عليه‬
‫الرجل من ٍ‬
‫فاقة وشدة وحاجة‪.‬‬

‫التوجيه غير المباشر‬


‫ومن حس ن تعليم ه ‪ ‬أن ه ك ان يس تخدم أس لوبًا غ ري مباش ٍر يف‬
‫تص حيح األخط اء‪ ،‬دون أن يلج أ إىل مواجه ة املخط ئني بأخط ائهم‪،‬‬
‫أو يفض حهم أم ام املأل‪ ،‬أو يبحث عنهم إذا ك انوا مس تورين ال‬
‫يعرفهم أحد‪.‬‬
‫ومن صور ذلك ما روته عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬صنع النيبّ ‪‬‬
‫ص في ه‪ ،‬فت نزَّه عن ه ق وم‪ ،‬فبل غ ذل ك الن يب ‪ ،‬فخطب‪،‬‬
‫ش يًئا ف رخَّ َ‬
‫‪11‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫فحمد اهلل مث قال‪« :‬ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فو‬
‫اهلل إني ألعلمهم باهلل‪ ،‬وأشدَّهم له خشية» [رواه البخاري]‪.‬‬
‫إن سرت املخطئ وعدم فضحه أمام املأل له أبلغ األثر يف نفسه؛ ألنه‬
‫يعلم أن املقص د ه و التعليم ال التش هري‪ ،‬وألن املعلم هبذا األس لوب‬
‫حيف ظ مكان ة املخطئ‪ ،‬فيك ون ذل ك أج در بقب ول النص ح وع دم‬
‫مع اودة اخلط أ‪ ،‬م ع ازدي اد حمب ة املعلم وعل و مكانت ه يف قلب املخطئ‬
‫ونفسه‪.‬‬

‫التعليم بالقدوة‬
‫إن كث ًريا من املعلمني ال يتص ورون أمهي ة الق دوة يف التعليم‪ ،‬ف رتاهم‬
‫اف يف س قوط‬ ‫ينص حون الطالب بأش ياء يفعل ون خالفه ا‪ ،‬وه ذا ك ٍ‬
‫مك انتهم أم ام الطالب‪ ،‬وع دم انتف اع الطالب بنص ائحهم؛ ب ل رمبا‬
‫ول د ذل ك ردود فع ٍل عكس ية ل دى الطالب ف زادوا من مس احة‬ ‫ّ‬
‫األخطاء اليت يرتكبوهنا بسبب هذا املعلم‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫ين آ ََمنُ وا‬ ‫َّ ِ‬


‫حذر من هذا السبيل فقال سبحانه‪{:‬يَا َُّأي َه ا الذ َ‬ ‫واهلل تعاىل َّ‬
‫لِ َم َت ُقولُ و َن َم ا اَل َت ْف َعلُ و َن * َك ُب َر َم ْقتً ا ِع ْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُ وا َم ا اَل‬
‫َت ْف َعلُو َن} [الصف‪.]3 ،2 :‬‬
‫س ُك ْم َوَأْنتُ ْم َت ْتلُ و َن‬ ‫وق ال‪َ{ :‬أتَ ُْأمرو َن الن ِ ِ‬
‫س ْو َن َأْن ُف َ‬
‫َّاس ب الْب ِّر َوَت ْن َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اب َأفَاَل َت ْع ِقلُو َن} [البقرة‪.]44 :‬‬ ‫ِ‬
‫الْكتَ َ‬
‫النيب ‪ ‬فقد كان القدوة الصاحلة واألسوة احلسنة ألمته كما قال‬ ‫أما ّ‬
‫تعاىل‪{ :‬لََق ْد َك ا َن لَ ُكم فِي رس ِ ِ‬
‫س نَةٌ} [األحزاب‪:‬‬ ‫ول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َ‬ ‫ْ َُ‬
‫‪ ،]21‬ومن ص ور ذل ك أن ه ‪َّ ‬ملا أم ر مبك ارم األخالق ك ان أحس ن‬
‫الناس خل ًقا‪ ،‬حىت شبهوا خلقه ‪ ‬بالقرآن فقالوا‪ :‬كان خلقه القرآن‪،‬‬
‫ربه تع اىل مبحاس ن األخالق فق ال‪َ { :‬وِإنَّ َ‬
‫ك لَ َعلى ُخلُ ٍق‬ ‫ووص فه ُّ‬
‫َع ِظ ٍيم} [القلم‪.]4 :‬‬
‫أم ا بعض المعلمين‪ -‬هداهم اهلل‪ -‬في هذا الزمان‪،‬‬
‫فإنهم ينهون عن التدخين مثاًل ويتعاطونه‪ ،‬ينهون‬
‫عن الت دخين مثاًل ويتعاطون ه‪ ،‬ينه ون عن س ماع‬
‫الغناء ويستمتعون إليه‪ ،‬ينهون الطالب عن إهمال‬
‫دروس هم وواجب اتهم وه يهمل ون واجبهم في‬
‫التحضير الجيد والشرح المتقن‪ ،‬فال ينتفع الطالب‬
‫بهم إال قلياًل ‪ ،‬وهؤالء نقول لهم‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫هلّا لنفسك كان ذا التعليم‬ ‫يا أيها الرجل المعلم غيره‬


‫كيما يصحُّ به وأنت سقيم‬ ‫تصف الدواء لذي السقام وذي‬
‫عار عليك إذا فعلت عظيم‬
‫ٌ‬ ‫الضنىعن ٍ‬
‫خلق وتأتي مثله‬ ‫ال تَْنه‬
‫التعليم‬

‫التعليم بالحوار واإلقناع العقلي‬


‫ومن صور ذلك أن فتًى شابًّا أتى النيبّ ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل! ائذن‬
‫يل بالزنا !!‬
‫فأقبل عليه القوم فزجروه‪ ...‬وقالوا‪ :‬مَْه َمْه ‪ ..‬فقال النيب ‪:‬‬
‫«ادنه» فدنا منه قريبًا‪.‬‬
‫‪14‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫قال‪« :‬أحتبه ألمك؟»‪.‬‬


‫قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك‪.‬‬
‫قال‪« :‬وال الناس يحبونه ألمهاتهم»‪.‬‬
‫أفتحبه البنتك؟»‪.‬‬
‫قال‪ّ « :‬‬
‫قال‪ :‬ال واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك‪.‬‬
‫قال‪« :‬وال الناس يحبونه لبناتهم»‪.‬‬
‫قال‪« :‬أفتحبه ألختك؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك؟‬
‫قال‪« :‬وال الناس يحبونه ألخواتهم»‪.‬‬
‫قال‪« :‬أفتحبه لعمتك؟»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ال واهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك‪.‬‬
‫قال‪« :‬وال الناس يحبونه لعماتهم»‪.‬‬
‫قال‪« :‬أفتحبه لخالتك؟»‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬جعلين اهلل فداءك‪.‬‬
‫قال‪« :‬وال الناس يحبونه لخاالتهم»‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬فوض ع ي ده علي ه وق ال‪« :‬اللهم اغف ر ذنب ه‪ ،‬وطهِّر قلب ه‪،‬‬
‫وحصن فرجه‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء» [رواه‬
‫ِّ‬
‫أمحد]‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫شك أن هذا األسلوب احلواري أبلغ يف التعليم وتوصيل املعلومة‬


‫وال َّ‬
‫من التوجيه املباشر وخباصة يف مثل هذه احلالة اليت تتعلق بفىت شاب‬
‫قوي يشعر بشهوة عارمة جتاه النساء‪ ،‬فكان التعامل معه حيتاج إىل‬
‫قدر من الصرب والتلطف واإلقناع العقلي‪.‬‬

‫التعليم بالتكرار‬
‫ال شكَّ أن التك رار ي ؤدي إىل رس وخ املعلوم ة يف أذه ان املتعلمني‪،‬‬
‫ومن هنا جلأ النيب ‪ ‬إىل هذا األسلوب التعليمي الصحيح‪ ،‬قال أنس‬
‫‪16‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫‪ :‬كان النيب ‪ ‬إذا تكلم بكلمة أعادها ثالثًا حىت تفهم عنه‪[ .‬رواه‬
‫البخاري]‪ ،‬ومن ذلك أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أال أنبئكم بأكبر الكبائر؟»‬
‫ثالثًا‪ .‬قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪.‬‬
‫قال‪« :‬اإلشراك باهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين»‪.‬‬
‫وك ان متكًئا فجلس فق ال‪« :‬أال وق ول ال زور» فم ا زال يكرره ا‪،‬‬
‫حىت قلنا‪ :‬ليته سكت‪.‬‬
‫فهذا التكرار أتى بالفائدة املرجوّة منه‪ ،‬فعلموا منه تشديد النيبّ ‪ ‬يف‬
‫تأثريا بليغً ا‪ ،‬وخافوا الزلل والوقوع‬
‫شأن قول الزور‪ ،‬فأثر فيهم ذلك ً‬
‫شدد ه ذا‬‫حذر من ه الن يب ‪ ‬ح ىت متن وا أن مل يكن النيبّ ‪ّ ‬‬ ‫فيم ا َّ‬
‫التشديد‪.‬‬

‫التعليم بالدعوة إلى التفكير وإعمال العقل‬


‫‪17‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫إن املعلم الن اجح ه و ال ذي يط رح األس ئلة على طالب ه‪ ،‬وي رتك هلم‬
‫اجملال للتفك ري وإعم ال العق ل للوص ول إىل اإلجاب ة الص حيحة‪ ،‬وال‬
‫كل ما يطرح من أسئلة؛ ألن ذلك‬ ‫يقدم هلم اإلجابات السريعة على ِّ‬
‫يؤدي إىل مخول الطالب وتكاسلهم عن التفكري وبذل اجلهد الذهين‬
‫وصواًل إىل املراد‪.‬‬
‫ومن صور ذلك ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪« :‬إن من الش جر ش جرةٌ ال يس قط ورقُه ا‪ ،‬وإنه ا مث ل‬
‫فحدثوني ما هي؟» فوقع الناس يف شجر البوادي‪.‬‬
‫المسلم‪ّ ،‬‬
‫قال عبد اهلل‪ :‬وقع يف نفسي أهنا النخلة‪ ،‬فاستحييت مث قالوا‪ :‬حدثنا‬
‫ما هي يا رسول اهلل!‬
‫ق ال‪« :‬هي النخلة» [رواه البخ اري]‪ .‬ف النيبّ ‪ ‬ت رك هلم اجملال‪،‬‬
‫كل مبا رأى‪ ،‬فلما مل يصل واحد منهم إىل اجلواب الصحيح‬
‫ليجيب ُّ‬
‫طلبوا من النيب ‪ ‬أن جييبهم فأجاهبم‪.‬‬
‫قال اإلمام العيني‪( :‬فيه استحباب إلقاء العامل املسألة على أصحابه‪،‬‬
‫ليخترب أفهامهم‪ ،‬ويرغبهم يف الفكر)‪.‬‬
‫وق ال ابن حجر‪( :‬وفي ه ض رب األمث ال واألش باه لزي ادة اإلفه ام‪،‬‬
‫وتصوير املعاين لرتسخ يف الذهن‪ ،‬ولتحديد الفكر يف النظر يف حكم‬
‫احلادثة)(‪.)1‬‬

‫معلما ص (‪.)121‬‬
‫(?) النيب ً‬
‫‪1‬‬
‫‪18‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫التعليم بالترهيب والشدة‬


‫وقد يلجأ املريب إىل الرتهيب والشدة إذا وجد أن أسلوب الرتغيب‬
‫كبريا ال ميكن التهاون إزاءه‪.‬‬
‫نفعا‪ ،‬أو إذا كان اخلطأ ً‬
‫واللني مل جيد ً‬
‫‪19‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫ومن صور ذلك أن عمر بن اخلطاب ‪ ‬جاء بكتاب أصابه من بعض‬


‫أه ل الكت اب‪ ،‬فق رأه فغض ب النيبُّ ‪ ‬وق ال‪« :‬أمتهوِّك ون(‪ )1‬فيه ا ي ا‬
‫ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة‪ ،‬ال‬
‫تس ألوهم عن ش يء فيخ بروكم بح ق فتك ذبوا ب ه‪ ،‬أو بباط ل‬
‫فتص دقوا ب ه‪ ،‬وال ذي نفس ي بي ده ل و أن موس ى ‪ ‬ك ان حيًّا‪ ،‬م ا‬
‫وسعه إال أن يتبعني» [رواه أمحد وحسَّنه األلباين]‪.‬‬
‫ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬رأى‬
‫رجل‪ ،‬فنزعه فطرحه‪ ،‬وقال‪« :‬يعمد أحدكم‬ ‫خامتًا من ذهبٍ يف يد ٍ‬
‫إلى جم رة من ن ا ٍر‪ ،‬فيجعله ا في ي ده» فقي ل للرج ل بع د م ا ذهب‬
‫رس ول اهلل ‪ :‬خ ذ خامتك انتف ع ب ه‪ .‬ق ال‪ :‬ال واهلل! ال آخ ذه أب ًدا‪،‬‬
‫وقد طرحه رسول اهلل ‪[ .‬رواه مسلم]‪.‬‬
‫وهنا جند أن تشديد النيب ‪ -‬الذي متثل يف نزع اخلامت من يد الرجل‬
‫وطرحه‪ -‬مقرون باحلرص على هذا الرجل وحمبة اخلري والنجاه له‪،‬‬
‫حيث إن النيب ‪ ‬شبه فعله مبن يضع مجرة نارٍ يف يده‪ ،‬فكأن النيب ‪‬‬
‫بعيدا‪.‬‬
‫ينزع هذه اجلمرة من يد الرجل ويطرحها عنه ً‬
‫وهذا الرتهيب والتشديد املقرون باحملبة واحلرص على سالمة املخطئ‬
‫أو املنص وح يثم ر مزي ًدا من حمب ة املريب أو املعلم؛ ألن املخطئ يعلم‬
‫أن املعلم إمنا أراد بذلك مصلحته وجناته وعدم وقوعه يف اهللكة‪.‬‬

‫‪ )?(1‬متهوكون‪ :‬متحريون‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫المعلم األول ‪‬‬

‫إن املع امل الرتبوي ة لألس اليب النبوي ة يف الرتبي ة والتعليم كث رية ج ًدا‪،‬‬
‫وما هذه األسطر إال قطرة يف حبر منهاج النيب ‪ ‬يف الرتبية والتعليم‪.‬‬
‫فعلى املعلم الن اجح أن ي درس س رية الن يب ‪ ،‬وس نته‪ ،‬وأن يس تخرج‬
‫منها الدالالت الرتبوية يف التعليم واإلرشاد‪ ،‬وأن يستعني على ذلك‬
‫ب الكتب النافع ة املفي دة يف ه ذا اجلانب(‪ ،)1‬واهلل املوف ق واملعني‪ ،‬وه و‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫معلما) للدكتور فضل‬


‫(?) ومن هذه الكتب‪( :‬تربية األوالد في اإلسالم) لعبد اهلل علوان‪ .‬و (النبي ً‬
‫‪1‬‬

‫إهلي ظهري‪ .‬و(منهج التربية النبوية للطفل) حملمد نور سويد‪ .‬و(األساليب النبوية في التعامل مع‬
‫أخطاء الناس) حملمد بن صاحل املنجد وغريها‪.‬‬

You might also like