Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 74

‫حراس اجلبل‬

‫تدقيق لغوي‪ :‬سالم موعد‬ ‫تأليف‪ :‬أمحد حوراني‬


‫رسوم‪ :‬رياض سحلول‬ ‫تصميم‪ :‬معتصم حنتولي‬
‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫‪2021‬‬

‫يمنع نشر أو تصوير أو تخزين أي‬

‫جزء من هذا العمل ومن بشكل‬

‫تجاري أو بشكل خاص وبأي‬

‫شكل من األشكال دون موافقة‬

‫خطية من المؤلف‬

‫‪ISBN‬‬
‫الفهرس‬
‫َّ‬
‫‪2‬‬ ‫وصول عمار‬

‫‪6‬‬ ‫االستقبال‬

‫‪10‬‬ ‫خريطة القرية‬

‫‪19‬‬ ‫البالون الحارق‬

‫‪28‬‬ ‫حجر و مقالع‬

‫‪32‬‬ ‫الصخرة تقاوم‬

‫‪42‬‬ ‫احتفاالت على الجبل‬


‫ّ‬
‫‪52‬‬ ‫عمار يف القدس‬

‫‪66‬‬ ‫على أبواب بيتا‬


‫َّ‬
‫وصول عمار‬

‫عمار قادم ّ‬
‫عمار قادم!‬ ‫ركض محمد فرحا وهو يصرخ بأعلى صوته ّ‬
‫هش ْت مها وقاطعته تقصد ابن ّ‬ ‫ُ َ‬
‫عمنا عمار؟‬ ‫د‬
‫ً‬
‫‪ -‬نعم نعم قال محمد فرحا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬يا سالم وأخيرا بعد طول غياب لكن متى؟‬
‫‪-‬إنه على الطريق كما أخبرني‬
‫أبي وسوف يعبرون جسر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الملك حسين غدا صباحا‪.‬‬
‫‪ -‬الحمد لله‪.‬‬
‫ً‬
‫إياك أن تخبريه شيئا‪.‬‬ ‫‪-‬لكن ِ‬
‫‪ -‬و ِل َم ال؟‬
‫شيء لوحده‬ ‫‪-‬سوف يعرف كل ٍ‬
‫ً‬
‫الحقا سكت برهة ثم قال‪ :‬أنا‬
‫ً‬
‫أخاف عليه فإنه ليس معتادا‬
‫على هذه الحياة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬تعتقد ذلك حقا؟ أظن أنه شجاع بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬نعم سنرى ذلك الحقا‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يغب فيه القمر ولم ينم فيه ّ‬ ‫ً‬
‫طويال لم ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محمد ومها‬ ‫كان ليال صيفيا‬
‫ً‬
‫اللذان افترشا سطح المنزل هربا من الحر‪ ،‬وبقيت أعينهم تحلق في‬
‫الفضاء‪..‬‬

‫الشمس ترسل أشعتها الدافئة يستيقظ ّ‬


‫محمد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طويال قال ّ‬
‫محمد متثائبا‪.‬‬ ‫‪ -‬نمنا‬
‫ً‬
‫‪ -‬نعم لم أدرك أني سأنام أصال‪.‬‬
‫وفجأة ينظر االثنان إلى بعضهما ويصرخان‪ّ :‬‬
‫عمار!‬

‫محمد ومها النتعال الحذاء الوحيد على السطح‪ ،‬وفي اآلخر‬‫يتزاحم ّ‬


‫تنجح مها بانتزاع الحذاء وتركض نحو الدرج في حين يقفز ّ‬
‫محمد‬
‫من على سطح الدار إلى الشرفة‪ ،‬ويتسلل منها إلى الحقل ويضحك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرحا فخورا‪ :‬لقد سبقتك‪.‬‬
‫تصل مها الهثة‪ ،‬أوقد فعلتها؟‬
‫يضحك االثنان‪ ،‬ويتجهان إلى دار عمهما أبي ّ‬
‫عمار‪ ،‬يطرقان الباب‪،‬‬
‫ً‬
‫لكن عبثا يفعالن‪ ،‬فال أحد في الدار‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تشتد شمس الظهيرة وما زاال ينتظران على قارعة الطريق مقابل ذلك‬
‫الباب الحديدي المزركش بورود حديدية جميلة‪ ،‬لكن لم تمضي‬
‫لحظات حتى أقبلت أمهم‪.‬‬

‫‪-‬ماذا تفعلون هنا يا أوالد؟ لقد‬


‫ظننتكم نائمين في الدار‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪-‬نعم كنا نائمين إلى أن أيقظتنا شمس‬
‫الصباح قالت مها‪.‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫‪-‬جئنا نستقبل َّ‬
‫محمد‪ :‬لكن‬ ‫عمارا قال‬
‫يبدو أنه تأخر‪.‬‬
‫‪ -‬نعم صحيح كان من المفترض أن‬
‫يصلوا منذ ساعة لكن تأخروا أثناء‬
‫ّ‬
‫دخولهم‪ ،‬فقد أخرهم حاجز لقوات‬
‫االحتالل بعد عبورهم الجسر‪ ،‬اآلن‬
‫هم على الطريق‪ .‬اتبعاني اآلن لتتناولوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قليال من الطعام ولتحضروا شيئا لدار‬
‫عمكم ليأكلوه‪ ،‬ال بد أنهم متعبون‪...‬‬

‫‪5‬‬
‫االستقبال‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قماش كبيرة‬‫ٍ‬ ‫قطعة‬ ‫تحضر مها‬
‫محمد‬ ‫على الطاولة بينما يضع ّ‬
‫عليها بضع بيضات بلدية‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬
‫تسرع مها لتضع بعض الزيتون‪،‬‬
‫ً‬ ‫بينما يلقي ّ‬
‫محمد فيها قليال من‬
‫الزعتر وما زاال يلقيان فيها الطعام حتى مآلها‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وضعت األم فيها خبزا سميكا‪.‬‬

‫وأخذت تضم قطعة القماش الكبيرة من أطرافها‬


‫البعيدة ثم تربط كل جزئين متقابلين بإحكام‪،‬‬
‫َّ‬
‫حملتها وكأنها تتأكد من وزنها وأن الطفلين قادران‬
‫على حملها‪ ،‬نظرت إليهما برهة‪ ،‬ثم وضعتها على‬
‫الطاولة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬حسنا! يمكنكما حملها إلى دار عمكم أبي‬
‫َّ‬
‫عمار اعتقد أنهما هناك اآلن‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يقفز ّ‬
‫محمد بخفة إلى الكرسي المقابل للزوادة ويلتقطها بيده‬
‫ً‬
‫اليمنى بسرعة ثم يضحك عاليا وهو يقول‪ :‬سبقتك يا مهاااااااآخ‬
‫لكنه في تلك اللحظة يقع من الكرسي ويطير الزاد بالهواء ليسقط‬
‫بين يدي مها‪ ..‬ثم ينفجر الجميع من الضحك‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫يذهب الطفالن باتجاه منزل عمهما‪.‬‬
‫محمد يلبس بنطاله األزرق المفضل لديه‪ ،‬ال أحد على‬‫كان ّ‬
‫ً‬ ‫اإلطالق يعلم لماذا يفضل ّ‬
‫محمد ذلك البنطال فهو ممزق قليال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من جهة الركبة ومهترئ قليال من الجهة الخلفية وأصبح لونه باهتا‬
‫ً‬
‫قليال‪ ..‬في حين كانت مها تلبس أجمل ما لديها‪ ،‬في الحقيقة هي‬
‫دائما هكذا تبدو ‪ ،‬فقد اعتادت على أن تحافظ على أناقتها ولو لم‬
‫يكن عندها غير هذه الثياب‪.‬‬
‫محمد ومها صوت سيارة قادمة من الخلف‪ ،‬يحدقان‬ ‫يسمع ّ‬
‫إليها بدقة‪ ،‬تظهر امرأة لم يعرفانها بالبداية‪ ،‬ثم يلمحان قبعة عمهما‪،‬‬
‫تلك القبعة المدورة األنيقة‪.‬‬
‫محمد ومها إلى بعضهما ويركضان خلف السيارة وما‬‫ينظر ّ‬
‫هي إال بضعة أمتار حتى وصلوا إلى المنزل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫عمها ّ‬
‫بالزوادة قائلة‪:‬‬ ‫عمار بينما تعاجل مها ّ‬
‫محمد على َّ‬
‫يقفز ّ‬
‫‪ -‬ال بد أنكم جائعون فقد صنعتها أمي ألجلكم‪.‬‬
‫ً‬
‫بك يا صغيرتي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أهال‬ ‫‪ -‬ههه‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫يضع ّ‬


‫الزوادة جانبا ويحملها عاليا ويقذفها بالهواء لقد‬
‫أصبحت أثقل وأكبر ويضحك الجميع‪..‬‬
‫عمار‪ :‬أحضرت لكما بعض الهدايا‪.‬‬ ‫‪ -‬قال َّ‬
‫‪ -‬قالت مها وهي تضحك‪ :‬هناك الكثير لنتحدث به‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫محمد هامسا بصوت منخفض‪ :‬والكثير من العمل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫خريطة القرية‬

‫وعمار ومها إلى سطح‬‫محمد َّ‬


‫صعد ّ‬
‫المنزل عند المساء‪ ،‬فالمساء ملجأ من‬
‫حر نهار الصيف الذي يقطع األنفاس‪.‬‬
‫أحضر ّ‬
‫محمد ِالبطيخ األحمر اللذيذ‬
‫ً‬
‫بينما أحضرت مها كيسا من البذر‬
‫المحمص‪.‬‬
‫ّ‬
‫عمار في القمر وكأنه يراه ّأول‬
‫حدق َّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫‪-‬منذ زمن بعيد لم أر القمر بوجهه‬
‫المشرق‪.‬‬
‫ً ًّ‬ ‫ً‬
‫مشعا وكأنه يشارك األوالد فرحتهم‪.‬‬ ‫كان القمر جميال مكتمال‬
‫ً‬ ‫ثم أتبع َّ‬
‫عمار قائال‪ :‬هكذا هنا في هذه البلدة يبدو أكبر من أمريكا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حيث غالبا ما يكون القمر مختبئا خلف العمارات الطويلة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬قالت مها‪ :‬هو دائما هكذا جميل‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ُ‬ ‫بينما كان يأكل ّ‬
‫محمد ِالبطيخ بشراهة قال بصوت مرتفع‪ :‬ك ْل‬
‫ُ‬
‫ك ِل المزيد من ِالبطيخ فال أجمل ال أطيب من ِالبطيخ ال القمر وال‬
‫غيره‪ ...‬يضحك الجميع‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقف َّ‬
‫عمار واستنشق نفسأ عميقا وبينما أخذ يزرفه انتبه‬
‫ً‬
‫أضواء متناثرة من على الجبل المقابل فتساءل مندهشا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لوجود‬
‫محمد ومها إلى‬ ‫هل أصبح أهل القرية يبنون في حقولهم؟ نظر ّ‬
‫بعضهما وكأنهما فقدا القدرة على الكالم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ما بالكما؟ قال ّ‬
‫عمار مقاطعا صمتهما‪.‬‬
‫‪-‬إنها م م م مس ت قالت مها وكأنها طفل ذو سنتين ونصف بدأ اآلن‬
‫يتعلم الكالم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬نعم إنهم يبنونها منذ أيام قال محمد متألما‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬صاح َّ‬
‫عمار وقد ظهرت عليه عالمات االنفعال‪ :‬بربكما قوال شيئا‬
‫ً‬
‫أفهمه ما هذه ال م م مس ت وماذا يبنون؟ لم أفهم شيئا‪.‬‬
‫محمد وأردف‪ :‬لقد أتى مستوطنون يريدون السيطرة‬ ‫‪-‬مستوطنة قال ّ‬
‫على الجبل وأحضروا معهم كرفاناتهم‪.‬‬

‫بدعم من قوات االحتالل‪ ،‬أدخلت مها هذه الكلمات على الفور‬ ‫‪ٍ -‬‬
‫وكأنها على عجلة من أمرها‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قال َّ‬
‫عمار حزينا‪ :‬وهل استولوا عليها بالفعل؟‬
‫‪-‬قالت مها‪ :‬نعم وباللحظة نفسها قال ّ‬
‫محمد‪ :‬ال‪...‬ثم نظرا إلى‬
‫بعضهما وهزا رأسهما وقاال‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪-‬صاح َّ‬
‫عما مندهشا‪ :‬الله أكبر! لم أفهم شيئا أحدكما يقول‪ :‬نعم‬
‫ُّ‬
‫سأجن ما‬ ‫واآلخر يقول‪ :‬ال‪ ،‬ثم تقوالن لبعضكما‪ :‬صحيح‪ ،‬يا إلهي‬
‫القصة؟!‬

‫‪12‬‬
‫ً‬
‫‪-‬قالت مها‪ :‬حسنا سأحاول التوضيح أكثر‪ ،‬في الصباح يأتي‬
‫المستوطنون برفقة قوات االحتالل المدججين باألسلحة بينما‬
‫ينصب المستوطنون كرفاناتهم الجديدة ليحتفلوا بنجاحهم‬
‫بنصب تلك الكرفانات‪....‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬ثم أردف ّ‬
‫محمد مقاطعا‪ :‬وفي الليل يأتي أهالي القرية ويبدؤون‬
‫فعاليات اإلرباك الليلي‪.‬‬
‫عمار وكأن الدهشة دخلت‬ ‫‪-‬آه! اإلرباك الليلي وما هو؟ تساءل َّ‬
‫عينيه فوسعتهما أكثر‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ً‬
‫في تلك اللحظة دخل ضجيج مخيف مرافقا إياه بشعالت اللهب‬
‫التي بدأت تنتشر على سفح الجبل‪ .‬وقف ّ‬
‫محمد وقال‪ :‬ذلك ما‬
‫أتحدث عنه‪ ،‬وأشار بيمينه إلى ذلك الضجيج‪.‬‬

‫ركض الثالثة إلى أقرب نقطة على سطح المنزل ليشاهدوا ذلك‬
‫التجمع‪.‬‬
‫‪-‬في الليل يعود الجبل إلى أهله قال محمد ثم تابع‪ ،‬حيث يقوم‬
‫أهالي القرية بمهاجمة تلك الكرفانات فيهرب المستوطنون وجنود‬
‫االحتالل‪.‬‬
‫كر ٌّ‬
‫وفر قالت مها‪.‬‬ ‫‪ -‬هي تلك ٌّ‬

‫‪14‬‬
‫عمار وقد بدا على صوته بعض القلق‪ :‬ومتى ستنتهي هذه القصة؟‬‫‪-‬قال َّ‬
‫‪-‬تنتهي هذه القصة عند ّأول إشراقات الفجر قالت مها‪ ،‬سكتت برهة‬
‫ثم قالت‪ :‬عند الفجر يأتي النصر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أسراب من‬ ‫استمر الثالثة بالتحديق إلى جموع النار حتى ْ‬
‫بدت وكأنها‬
‫النمل األحمر يصعد إلى أعلى التل وما هي إال سويعات حتى احترقت‬
‫الكرفانات معلنة بدء فجر يوم جديد‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫محمد متثائبا‪ :‬الحمد لله‪ ،‬تصبحون على خير‪.‬‬
‫افترش الثالثة سطح المنزل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ّ َ‬
‫محمد ف ِز ًعا ما هذا؟ وبدأ يتحسس خده األيمن وهو‬ ‫‪ -‬آاااااخ استيقظ‬
‫يقول‪ :‬آه خدي‬
‫ً‬ ‫‪ -‬آسف قال ّ‬
‫عمار خجال‪.‬‬
‫ً‬
‫صفعة من َّ‬ ‫‪ -‬لحظات قليلة حتى أدرك ّ‬
‫عمار‪.‬‬ ‫محمد أنه تلقى‬
‫عمار هذه ّ‬ ‫حقا أنا آسف قال َّ‬ ‫ً‬
‫المرة األولى التي أفعلها بحياتي لم‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫أعتد أن أضرب أحدا وأنا نائم‪.‬‬
‫عمه ّ‬ ‫خده ثم سأل ابن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬قال ّ‬
‫عمار‪ :‬هل‬ ‫يتحسس‬ ‫محمد‪ :‬ال بأس وهو‬
‫ً‬
‫نمت جيدا؟‬
‫‪-‬نعم إنها أجمل بمئة مرة من النوم على سريري الضخم في أمريكا‬
‫هنا أجمل‪ .‬بينما كانت مها تغط في نومٍ عميق‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬انتظر انتظر ال تذهب سأحضر شيئا قال محمد‪.‬‬
‫حسنا قال َّ‬‫ً‬
‫عمار‬ ‫‪-‬‬
‫غطت المكان‪ .‬وما هي‬ ‫وفي هذه اللحظات انبعثت رائحة خبز جميلة ّ‬
‫ً‬ ‫إال لحظات حتى أحضر ّ‬
‫محمد عصا طويلة‪.‬‬
‫عمار‪.‬‬ ‫ظهرت عالمات اإلرباك على َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬لقد ظننت أنك ستحضر خبزا طازجا وليس عصا‪.‬‬
‫محمد‪ :‬أال يمكنك التفكير إال في بطنك؟‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫ُ‬
‫‪ -‬رائحة الخبز الشهية تشعرني بالجوع فماذا أفعل بالعصا؟‬
‫خاشع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬قالها‬

‫‪16‬‬
‫على تراب متناثر على سطح المنزل بدأ يرسم ّ‬
‫محمد خريطة‪.‬‬

‫‪ -‬لمعت عينا َّ‬


‫عمار‪ ،‬أهذه خريطة القرية؟‬
‫‪ -‬نعم إنها هي‪.‬‬
‫عمار باهتمام‪ :‬وأين نحن اآلن؟‬‫‪ -‬تساءل َّ‬
‫محمد إشارة × وأجاب باقتضاب‪ :‬هنا‪.‬‬ ‫وضع ّ‬
‫ً‬
‫حسنا وأين الجبل؟‬
‫محمد مرة أخرى إشارة × وأجاب باقتضاب آخر‪ :‬هنا‪.‬‬ ‫وضع ّ‬
‫وأين مدخل القرية؟‬
‫‪17‬‬
‫طريق بتلك العصا على جانب الجبل‪ ،‬ثم طريق آخر‬ ‫محمد برسم‬‫هم ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫من فوق‪ ،‬وطريق آخر مقابل الجبل في القسم الغربي دون أن يقول شيئا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫قال َّ‬
‫عمار مشغوال بالنظر إلى تلك الخريطة‪ :‬إذا هي كذلك!‬
‫ً‬ ‫هز ّ‬
‫محمد رأسه داللة على الموافقة‪.‬‬
‫‪ -‬وما دورك أنت؟‬
‫ً‬
‫‪-‬أحمل الحصى الصغيرة وأحيانا أحضر بعض الطعام والماء أخبئهما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى جانب تلك الشجرة‪ ،‬ووضع عودا خشبيا صغيرا على الخريطة‬
‫فبدا كأنه شجرة‪.‬‬
‫عمار‪ :‬ثم ماذا بعد؟‬ ‫‪ -‬سأل َّ‬
‫‪-‬ينتهي دوري وفي المساء يأتي من يستطيع أن يكون هناك ليبدأ‬
‫فعاليات اإلرباك الليلي‪.‬‬
‫عمار‪.‬‬ ‫‪ -‬هذا جنون قال َّ‬
‫ً‬
‫‪ -‬ال بأس غدا ستتعود على هذا‪.‬‬
‫يتعود على شيء‪ ،‬وبدا عليها بعض القلق‬ ‫متذمر‪ :‬لن ّ‬‫بصوت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-‬قالت مها‬
‫ثم أردفت قائلة‪ :‬هكذا قالت أمي هو لن يكون هناك‪.‬‬
‫عليك أفهم هذا ولكن ما قصدته‪...‬‬ ‫‪ -‬ال ِ‬
‫عال‪ :‬ال يهم ما تقصد المهم أنه لن يكون هناك‪.‬‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬قاطعته مها‬
‫لبست حذاءها ولملمت حاجاتها وانصرفت‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫البالون الحارق‬

‫في إحدى ليالي آب الجميلة جلس الثالثة‬


‫على سطح المنزل يتناولون ِالبطيخ األحمر مع‬
‫الجبن البلدي اللذيذ لكن سرعان ما انكسرت‬
‫بأصوات بدأت تعلو من الجهة‬
‫ٍ‬ ‫تلك األمسية‬
‫الغربية من ناحية الجبل‪ .‬توجه الثالثة إلى سور‬
‫السطح لمراقبة ما يحدث‪.‬‬

‫‪-‬يبدو أن الليلة ستكون ثقيلة عليهم قال‬


‫ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫عمار‪ :‬لماذا؟‬‫‪ -‬سأل ّ‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫صباحا أتت ٌ‬‫ً‬
‫إضافية داعمة للمستوطنين وهذا ما سيعرقل‬ ‫قوات‬ ‫‪-‬اليوم‬
‫تقدم المتظاهرين‪.‬‬
‫‪-‬ليت عندنا طائرات تستطيع الوصول إلى تلك الكرفانات البعيدة‬
‫قالت مها‪ .‬في هذه األثناء أتت نسمة هواء ليلية باردة طار معها شعر‬
‫مها باالتجاه الغربي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ش َّ‬ ‫ُد ِه َ‬
‫عمار وهو ينظر إلى شعر مها‪ ،‬كأن فكرة عصفت ذهنه‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫عمار‪ :‬الهواء!‬‫‪ -‬صاح َّ‬
‫ً‬ ‫‪ -‬سأل ّ‬
‫محمد مندهشا‪ :‬وما بال الهواء؟‬
‫عمار‪ :‬يمكننا استخدام الهواء لنستطيع الوصول إلى الكرفانات‪.‬‬ ‫‪-‬قال ّ‬
‫ً‬ ‫مثال؟ قال ّ‬ ‫ً‬
‫محمد مستهزئا‪.‬‬ ‫‪ -‬كأن نطير‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪-‬ال بل نرسل من خالله بالونا حارقا أجاب َّ‬
‫عمار ثم تابع قائال‪ :‬نجهز‬
‫مرطب بالمياه ثم ّ‬ ‫بالونا بحبل طويل ّ‬ ‫ً‬
‫نحمله بشعلة نارية ليطير بها إلى‬ ‫ٍ‬
‫األعلى‪.‬‬
‫ّ‬
‫صمت الجميع في تلك اللحظة وكأن الزمن كله توقف وما هي‬
‫محمد على الشرفة واختفى في ظالم الليل ثم عاد‬ ‫إال لحظات حتى قفز ّ‬
‫ً ًّ‬ ‫ً‬
‫ورديا‬ ‫بسرعة متسلقا الشرفة بسرعة جنونية ثم أخرج من جيبه بالونا‬
‫ّ‬
‫ودون أن يتكلم بكلمة واحدة نفخ البالون وحاول ربطه إال أنه لم يفلح‬
‫ّ‬
‫بذلك‪ ،‬فأخذت مها منه البالون ولفت عنق البالون حول إصبعها الصغير‬
‫ثم عقدته بخفة وأعادته إليه‪.‬‬

‫ً‬ ‫‪-‬قال ّ‬
‫محمد‪ :‬حسنا! ورمى البالون إلى األعلى فطار البالون وكأنما‬
‫أخذ الهواء يلعب به‪ .‬ولكن سرعان ما ارتطم بأحد الجدران وأعاقه‬
‫ّ‬
‫عن الحركة‪ .‬تبادل الجميع النظرات وكأن اإلحباط خطف قلبهم‬
‫الصغير‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -‬قالت مها‪ :‬تذكروا الفيزياء يا شباب‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬سأل ّ‬
‫محمد مندهشا‪ :‬وكيف نستفيد من الفيزياء يا صبية؟‬
‫ّ‬
‫متساو داخل البالون وخارجه إال أن البالون‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬قالت مها‪ :‬وزن الهواء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفسه يشكل وزنا إضافيا على الهواء‪ ،‬ويسبب هذا إعاقة طيران‬
‫البالون لكن لو وضعنا مادة أخف من‬
‫ّ‬
‫الهواء سننجح ونجعل البالون يحلق‬
‫ً‬
‫عاليا‪ ...‬يمكننا أن نمأل البالون هيليوم‬
‫فهو أخف من الهواء ويساعد على‬
‫تحقيق هدفنا‪.‬‬
‫‪ -‬سأل َّ‬
‫عمار‪ :‬من أين سنأتي بالهليوم؟‬
‫‪ -‬من محل الهدايا أجاب ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إذا سنعمل على هذا غدا صباحا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ً‬
‫وفي صباح اليوم التالي وتحديدا بعد اإلفطار تجمع الثالثة على‬
‫ً‬ ‫سطح المنزل وألقى ّ‬
‫محمد كيسا من النقود المعدنية‪ ،‬نظرت مها إليه‬
‫عمار قطعة نقود ّ‬ ‫ً‬
‫صغيرا‪ ،‬ثم وضع َّ‬ ‫ً‬
‫كيسا َ‬
‫ورقية‪،‬‬ ‫آخر‬ ‫وألقت هي األخرى‬
‫محمد‪ :‬لقد حانت ساعة الصفر‪.‬‬ ‫وتبادل الثالثة النظرات‪ ،‬قال ّ‬

‫‪22‬‬
‫ً ّ‬ ‫ً‬
‫تحرك الثالثة إلى دكان أبي عيسى وقد كان دكانا صغيرا إال أنه يبدو‬
‫ً‬
‫شيء يخطر ببالك تقريبا‪.‬‬‫مثل صندوق العجائب حيث يحتوي كل ٍ‬
‫ًّ‬
‫في البداية تردد الثالثة مدة عند مدخل الدكان‪ ،‬دخلت مها في البداية‬
‫ولحقها االثنان اآلخران‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬سألت بصوت مرتفع وبكل ثقة‪ :‬أريد بالون هيليوم‪.‬‬
‫رد أبو عيسى‪ :‬ماذا ستصنعين ببالون هيليوم؟‬ ‫‪َّ -‬‬
‫‪-‬لدينا تجربة علمية الليلة‪ ،‬لم ترد مها أن تكذب ولم ترد أن تخبر أبا‬
‫عيسى بما قرروا فعله‪.‬‬
‫ٌ ً‬
‫جميل جدا‪ ،‬يمكنك اختيار أحد البالونات وسأقوم بنفخها‪.‬‬ ‫‪ -‬تجربة!‬
‫ً‬
‫بخيط أحمر رفيع بإحكام‬
‫ٍ‬ ‫وربطه‬ ‫منفوخا‬ ‫أعطى أبو عيسى البالون‬
‫وأعطاه لمها‪ .‬أخذت مها البالون وأخذت تجري تجاه المنزل في حين‬
‫ّ‬
‫ومحمد وعند باب المنزل وقفت مها وهي تلهث‪.‬‬ ‫لحقها ّ‬
‫عمار‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫محمد الهثا‪ :‬ما بالك؟‬
‫ُ َّ‬
‫‪ -‬لم ن ِعد خطة‪.‬‬

‫خطة حتى يتمكنوا من إدخال‬ ‫أدرك الثالثة أنهم يحتاجون اآلن إلى ّ‬
‫محمد إلى المنزل وأحضر‬ ‫البالون إلى المنزل دون أن ينتبه أحد‪ .‬دخل ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خيطا طويال وربطه بالخيط األزرق وقذف البالون بالهواء فطار إلى أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محاديا سطح المنزل وبينما كان يفعل ذلك كان َّ‬
‫عمار واقفا‬ ‫أصبح‬
‫هناك على سطح المنزل ينتظر وصول البالون وبالفعل وصل البالون‪،‬‬
‫بمسمار قديم كان قد اخترق أحد‬ ‫عمار وأدخله ثم ربطه‬‫فالتقطه ّ‬
‫ٍ‬
‫الجدران‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ٌ‬
‫انصرف األوالد دون أن يتكلم أحد منهم بأي كلمة وكأنهم كانوا‬
‫يعرفون مهمتهم التالية‪ ،‬وعند المساء اجتمع الثالثة مرة أخرى على‬
‫السطح‪.‬‬
‫ربط ّ‬
‫محمد البالون بحبل مبلل طويل‪.‬‬
‫وربطت مها الحبل بقطعة قماش صغيرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أما على الجهة المقابلة لهم فقد بدأت فعاليات اإلرباك الليلي‬
‫ً‬
‫حيث بدت شعالت النار تنتشر تدريجيا على سفح الجبل محاولة‬
‫حد ّ‬
‫معين‪.‬‬ ‫الصعود إلى األعلى لكن يبدو أنها توقفت عند ٍ‬‫ُّ‬

‫‪ -‬حان الوقت‪ ،‬قال محمد‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ -‬نعم كل شيء يبدو جاهزا قال ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫متحمسة‪.‬‬ ‫‪ -‬إذا ماذا ننتظر؟ سألت مها‬

‫عمار البالون بإحكام بينما أشعلت مها قطعة القماش‪،‬‬ ‫أمسك ّ‬


‫قليال وكأنه ينتظر إشارة من نسمة عابرة ّ‬‫ً‬ ‫وانتظر ّ‬
‫ليحملها البالون‪.‬‬ ‫عمار‬
‫ً‬
‫أطلق البالون قائال‪ :‬باسم الله‪ ،‬بدا البالون وكأنه يعرف طريقه‪...‬تابع‬
‫الثالثة بنظراتهم البالون بتفاؤل حذر‪ .‬اجتاز البالون جموع المتظاهرين‬
‫وما إن رأوه حتى صاروا يصفقوا ّ‬
‫ويكبروا‪.‬‬
‫تجاوز البالون رؤوسهم ثم تجاوز رؤوس حاجز قوات االحتالل‬
‫والذين بدوا عاجزين ومرتبكين أمام بالون صغير ثم وصل البالون‬
‫إلى الكرفانات ولكن حدث ما كان يخشاه الثالثة‪ .‬لقد طار البالون‬
‫فوق الكرفانات المنتصبة على رأس الجبل ولم يرتطم ٍّ‬
‫بأي منها على‬
‫اإلطالق‪ .‬شعر الثالثة الصغار باإلحباط فقد أنفقوا كل ما يملكون من‬
‫مدخرات في سبيل إنجاح هذا األمر‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وبينما هم كذلك حصل ٌ‬
‫أمر آخر غير متوقع وغير مفهوم‪.‬‬
‫‪ -‬صاح ّ‬
‫عمار بأعلى صوته‪ :‬الله أكبر انظروا هناك‪.‬‬
‫‪ -‬قال ّ‬
‫محمد‪ :‬ماذا يحدث؟‬
‫‪-‬يبدو أن حاجز قوات االحتالل انسحب‪ ،‬وبدأت جموع المتظاهرين‬
‫ً‬ ‫بالوصول إلى القمة‪ .‬تابع ّ‬
‫عمار منفعال ‪ :‬لم أفهم كيف هذا؟‬

‫وبالفعل وصل المتظاهرون الغاضبون إلى قمة الجبل وأنجزوا مهمتهم‪.‬‬

‫في اليوم التالي أدرك الثالثة أن الخوف من بالونات أخرى دفع‬


‫ّ‬
‫قوات االحتالل إلى االنسحاب وهذا ما مكن المتظاهرين من وصولهم‬
‫إلى القمة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫حجر و مقالع‬

‫ً‬ ‫استيقظ ّ‬
‫محمد باكرا عند بدء وصول‬
‫ّ‬
‫وانسل بخفة‬ ‫خيوط الصباح األولى‪،‬‬
‫باتجاه الشرفة ونزل منها بهدوء‪ ،‬واختفى‬
‫في الحقل خلف شجرة الزيتون‪ ،‬انتبه‬
‫عمار إليه فتبعه بهدوء‪ ،‬بحث عنه بين‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫شجر الزيتون ولكن دون جدوى‪ ،‬وفي اللحظة التي قرر فيها العودة‬
‫ً‬
‫حبل يضرب الهواء وكأن مروحة تعمل وسط الحقل‪،‬‬ ‫سمع صوت ٍ‬
‫ثم ما لبث أن سمع أثر سقوط حجر‪ ،‬وفجأة ظهر ّ‬
‫محمد‬
‫أمامه‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تفعل هنا؟ قال محمد‬
‫عمار‪ :‬أنت ما الذي تفعله هنا؟ لقد سمعت ماذا‬ ‫‪-‬أجاب ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تفعل‪ ،‬ثم مد قدميه ورأسه محاوال أن ينظر إلى ظهره‬
‫وقال‪ :‬ما هذا الذي تخفيه خلف ظهرك؟‬
‫ً‬ ‫ارتبك ّ‬
‫محمد قليال ثم تراجع خطوة إلى الوراء‪ :‬ال شيء‪،‬‬
‫وأكمل‪ :‬إنها قطعة حبل‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫محمد ثم أتبعها خطوة أخرى‪.‬‬ ‫عمار خطوة باتجاه ّ‬ ‫اقترب ّ‬
‫‪ -‬أتظنني أحمق إنه مقالع أليس كذلك؟‬
‫ً‬
‫‪ -‬حسنا إنه هو أتدرب به على إصابة األهداف‪.‬‬
‫محمد لو تعلم أمك لنهتك عن ذلك‪.‬‬ ‫‪ -‬ويحك يا ّ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪-‬نعم صحيح لذا أنا أخرج باكرا وأتدرب بعيدا قبل أن يستيقظ أحد‪.‬‬
‫‪ -‬لكن سأخبر أمك وأباك بكل شيء‪.‬‬
‫‪ -‬ال ال تفعل ً‬
‫رجاء‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إذا عليك أن تدربني على المقالع‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫محمد مترددا‪ :‬لكن‪...‬‬
‫عمار بنبرة حادة وجازمة‪ :‬لكن‬ ‫‪-‬قال ّ‬
‫سأخبر والديك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫مقالع‪ ،‬وهنا نضع‬ ‫‪-‬حسنا هذا اسمه‬
‫الحجر ومن هنا نمسك بـ ‪...‬‬
‫‪-‬تمهل تمهل على رسلك واحدة‬
‫عمار‬‫واحدة‪ .‬قال َّ‬

‫‪29‬‬
‫على غصن قديم جاف بدأ ّ‬
‫محمد يوجه ضرباته الضربة تتلوها‬
‫ّ ّ ً‬ ‫ٍ‬
‫األخرى‪ ،‬بدأ يعلم عمارا استخدام المقالع وبعد محاوالت حثيثة‬
‫عمار من ضرب أول حجر باتجاه الهدف لكن لم يصبه بل‬ ‫تمكن ّ‬
‫ً ً‬
‫كان بعيدا جدا‪.‬‬
‫‪ -‬علينا العودة اآلن‪ ،‬قال ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫أنته بعد بنبرة حزينة ثقيلة قال َّ‬
‫عمار‬ ‫‪-‬لكني أحتاج إلى التدريب لم ِ‬
‫‪ -‬نعم يمكننا أن نعود ّمرة أخرى ونتدرب على المزيد قال ّ‬
‫محمد‬

‫محمد المقالع تحت التراب إلى جانب شجرة زيتون كبيرة‪.‬‬ ‫أخفى ّ‬
‫عمار هيا لنتسابق لتلك الشجرة‪.‬‬ ‫‪ -‬ها ّ‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫رد ّ‬‫‪ّ -‬‬
‫متعب قليال‪.‬‬ ‫عمار ال أريد أنا‬
‫‪ -‬بل يجب أن نفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬و ِل َم ذلك؟‬
‫‪ -‬ستعرف في حينها‪.‬‬
‫وكررا السباق أكثر من ّمر ٍة إلى أن‬
‫وعمار يتسابقان ّ‬ ‫محمد ّ‬ ‫انطلق ّ‬
‫تعب كالهما‪ ،‬ثم عادا إلى المنزل‪.‬‬
‫ً‬ ‫عند باب المنزل كان والد ّ‬
‫عمار يقف هناك وكأنه ينتظر أحدا من‬
‫سفر طويل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬أين كنتما بنبرة يعلوها االنفعال سأل أبا ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫كنا نتسابق أجاب محمد‬ ‫‪ّ -‬‬
‫كل هذا سباق؟‬‫‪َ -‬أو ُّ‬
‫ً‬ ‫عمار ّ‬‫‪ -‬أجاب ّ‬
‫والتعب باديا عليه‪ :‬نعم لقد تعبنا من السباق‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ارتاح وجه أبي ّ‬
‫عمار قليال وقال‪ :‬حسنا ال تطيال الغياب مرة أخرى‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومحمد‪ :‬سنفعل إن شاء الله‪.‬‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫عمار‬
‫وعمار إلى بعضهما وضحكا ضحكة خبيثة وانصرفا‬ ‫محمد ّ‬
‫نظر ّ‬

‫‪31‬‬
‫راكضين‪.‬‬
‫الصخرة تقاوم‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫كان يوم الجمعة عندما بدأت المظاهرات مجددا تحديدا بعد‬
‫ّ‬
‫صالة الجمعة‪ ،‬حيث سار الشبان المتظاهرون باتجاه الجبل وما‬
‫ً‬
‫لبثوا أن صعدوا الجبل قليال فباغتتهم من خلفهم من طريق الجبل‬
‫وصر المتظاهرون من‬ ‫ُ‬
‫دوريات جنود االحتالل‪ ،‬وفي تلك اللحظة ح ِ‬
‫األمام ومن الخلف وأصاب االرتباك والفوضى جموعهم‪ ،‬وانفصل‬
‫محمد عن ّ‬
‫عمار‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪32‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمار هاربا باتجاه القرية حصل بعض ّالتدافع ووقع أرضا‬
‫هم ّ‬
‫وبينما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتجمد وكأنه الصنم‪.‬‬ ‫حاول ّالنهوض فإذا به يقف‬

‫اقترب جنود االحتالل المدججون باألسلحة باتجاهه أكثر بينما‬


‫ّ‬
‫قام بعض الشبان بضربهم بالحجارة واألخشاب لمحاولة عرقلة‬
‫ّ ً‬ ‫كل هذا حصل بينما كان ّ‬ ‫ّ‬
‫تقدمهم‪ُّ ،‬‬
‫متجمدا في مكانه ينظر‬ ‫عمار‬
‫إلى الجانب المنحدر من الجبل‪ .‬لم يب َق َّإل ب ُ‬
‫ضع أمتار بينه وبين‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫تدريجيا ُّ‬
‫كل‬ ‫قوات االحتالل حينما بدأ المتظاهرون باالنسحاب‬
‫وعمار ٌ‬
‫واقف كالصنم‪.‬‬ ‫هذا ّ‬

‫‪33‬‬
‫َّ ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫عمارا لم يلتفت ولم‬ ‫عمااااار صرخ أحد الملثمين عاليا وكأنه يعرفه لكن‬
‫ً‬
‫معنيا بهذا االسم‪ .‬ثم ركض هذا الملثم باتجاه ّ‬
‫عمار‬ ‫يتحرك وكأنه ليس‬
‫وحمله قبل أن يصل الجنود إليه وركض به تجاه القرية‪.‬‬
‫مكان آمن قال الملثم‪ :‬ماذا كنت تفعل هناك أجننت؟!‬
‫عندما وصلوا إلى ٍ‬
‫ّ‬ ‫لم يتكلم ّ‬
‫واحدة بل حضن الملثم‬
‫ٍ‬ ‫بكلمة‬
‫ٍ‬ ‫عمار‬
‫وبعد دقيقتين‪ ،‬أنت ما الذي تفعله هنا ظننتك في المسجد قال ّ‬
‫عمار‬
‫ً‬
‫خاشعا‪.‬‬

‫‪34‬‬
35
‫في المساء وبينما اجتمع الثالثة كالعادة كان ّ‬
‫محمد يأكل ِالبطيخ‬
‫ً‬ ‫األحمر بشراهة بينما كان ّ‬
‫َ‬
‫عمار واقفا ينظر باتجاه الجبل‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫ً‬
‫قليال من البطيخ إنه لذيذ قال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مشغول باألكل‬ ‫محمد وهو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وك‬ ‫‪-‬تعال‬
‫ً‬ ‫لم يجب ّ‬
‫عمار شيئا‪.‬‬
‫‪-‬أنا أعرف ما حدث قال ّ‬
‫محمد وتابع إنها الصدمة‪ ،‬شعرت بالصدمة‬
‫من المواجهات ال بأس أنت صغير‬
‫ولم تتعود بعد على المواجهات‪...‬‬
‫عمار كالم ّ‬
‫محمد ثم‬ ‫تجاهل ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ابتعد قليال وأحضر معه عصا‪.‬‬
‫‪-‬هل يمكن لهذه العصا أن توقع‬
‫صخرة كبيرة؟ سأل ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫محمد ومها من ّ‬
‫السؤال‬ ‫‪ُ -‬ذ ِه َل ّ‬
‫وفتحا فمهما وكأنهما ّ‬
‫تجمدا‬
‫‪-‬أحتاج إلى عصا أكبر وأصلب‬
‫من هذه هل تستطيعا أن تحضرا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تتسمرا هكذا؟‬ ‫واحدة بدال من أن‬

‫‪36‬‬
‫ُ‬
‫‪-‬سأجلب لك واحدة بعد أن تخبرني لماذا تحتاجها؟ قالت مها بدهاء‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أخبرتك اآلن‪ ،‬أريد أن ّ‬
‫أحرك صخرة كبيرة‪.‬‬
‫محمد‪ :‬ولكن قوتك ال تكفي لذلك ال بد أن تطلب‬ ‫‪-‬أجاب ّ‬
‫ً‬
‫مساعدة منا أيضا من أجل أن تنجح في ذلك‪ّ ً .‬‬‫تابع ّ‬
‫محمد أكل ِالبطيخ بشراهة أقل ثم أردف قائال‪ :‬فكر باألمر‬
‫إذا أردت العصا بالتأكيد سنساعدك بالعثور على واحدة جيدة‬
‫وبحملها وبنقلها إلى تلك الصخرة التي تكلمت عنها‪.‬‬
‫عمار باالرتياح فاقترب من ّ‬
‫محمد ومها وبدأ بأكل ِالبطيخ‪.‬‬ ‫شعر ّ‬

‫‪37‬‬
‫ً‬ ‫في اليوم التالي وعندما استيقظ ّ‬
‫عمار وجد أمامه عصا طويلة وقوية‬
‫جف فأصبح بجفافه أقسى وأقوى‪.‬‬ ‫وكأنها غصن شجرة قديم ّ‬
‫ّ‬
‫ويتفحصه‬ ‫وقبل أن‪ ،‬يغسل وجهه أمسك ّ‬
‫عمار هذا الغصن وبدأ يقلبه‬
‫من كل الجهات‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬صاح مبتسما‪ ،‬هذا بالضبط ما أريد‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬قالت مها‪ :‬إذا ما الخطة؟‬
‫عمار خشبة وبدأ يرسم ويقول‪:‬‬‫رملية أمسك ّ‬
‫ٍ‬ ‫أرض‬
‫‪ -‬على ٍ‬
‫الجبل هنا‪ .‬المستوطنة هنا‪ .‬المتظاهرون هنا‪ .‬الجنود يأتون من هنا‪.‬‬
‫محمد ومها رأسيهما موافقين‪.‬‬‫هز ّ‬‫أليس كذلك؟! ّ‬
‫لن نستطيع هزيمة الجنود برمي األحجار ولكن نستطيع أن نعرقل‬
‫تقدمهم من هذا االتجاه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أجاب محمد واثفا‪ :‬نعم بالتأكيد‪.‬‬
‫في يوم الجمعة الفائت وجدت أن هناك على جانب الجبل صخرة‬
‫ً َّ ّ‬
‫كبيرة جدا إل أنها قابلة للحركة كما بدا لي إذا ما نجحنا وألقينا تلك‬
‫ّ‬ ‫الصخرة على الطريق ّ‬
‫السفلي فإننا بذلك نعرقل تقدم الجنود‪.‬‬
‫ُأ ِص ْيب ّ‬
‫محمد ومها بالذهول‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ً ً‬ ‫تنفس ّ‬ ‫ّ‬
‫عمار بعمق وقال‪ ،‬حسنا إذا هذه هي الخطة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وفي يوم الخميس ظهرا ذهب الثالثة لمعاينة المكان الذي تكلم‬
‫عمار وحاولوا زحزحة الصخرة‪ ،‬وبالفعل بدت الصخرة سهلة‬‫عنه ّ‬
‫الحركة‪ ،‬وضع الثالثة أدواتهم هناك بالقرب من الصخرة وعادوا إلى‬
‫المنزل‪ .‬في يوم الجمعة أحضرت مها معها ثالث كوفيات‪.‬‬

‫‪ -‬هذا مهم من أجل ّأل يتعرف علينا الجنود قال ّ‬


‫محمد‪.‬‬
‫ّلثم ٌّ‬
‫كل منهم اآلخر واتجهوا إلى المكان المتفق عليه‪.‬‬

‫خرج الناس من صالة الجمعة‪ ،‬واتجه المتظاهرون إلى الجبل كالعادة‬


‫التي اعتادوها‪ .‬شاهد الثالثة سيارات الجنود تتجه إلى المتظاهرين‪.‬‬
‫أعطى ّ‬
‫عمار إشارة البدء‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫محمد إلى العصا ووضع مقدمتها تحت الصخرة ووضعت‬ ‫هرع ّ‬
‫ً‬
‫مها حجرة وثبتتها أسفل العصا من جانب المقدمة ووقف الثالثة‬
‫على الجهة المقابلة للصخرة وبدؤوا بالضغط على العصا‪ ،‬تحركت‬
‫الصخرة من مكانها ولكن ّ‬
‫القوة لم تكن كافية لدحرجتها‪ ،‬حاولوا‬
‫الضغط أكثر ولكن لم تنجح الخطة‪ ،‬وبسرعة صعدت مها على‬
‫صخرة أعلى منها ثم قفزت على العصا من جهة ّ‬
‫محمد فإذا بالصخرة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ترتفع وتتدحرج باتجاه الطريق وتتصلب هناك ثابتة مشكلة عائقا‬
‫أمام الجنود‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫عندما رأى المتظاهرون جنود االحتالل عالقين خلف الصخرة ّدبت‬
‫بهم الحماسة وفرحوا ّ‬
‫وكبروا وركضوا باتجاه الكرفانات وأحرقوها‪.‬‬
‫بينما عاد الصغار الثالثة بسرعة إلى القرية فرحين بما فعلوه بجنود‬
‫االحتالل‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫احتفاالت على الجبل‬

‫جهزت مها الفطور ووضعته في‬‫ّ‬


‫اللون وكان‬
‫أبيض ِ‬ ‫كيس صغير َ‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ستة أشخاص على‬ ‫الفطور يكفي‬
‫َّ‬
‫أن الذين سيتناولونه ثالثة أشخاص‬
‫فقط‪.‬‬
‫‪-‬أين سنتجه اآلن؟ سأل ّ‬
‫عمار وهو ‪d‬‬
‫يتثائب‪.‬‬
‫‪ -‬هناك على سفح الجبل تحت تلك الشجرة أجاب ّ‬
‫محمد‪.‬‬
‫محمد باتجاه الجبل فإذا ٌ‬
‫أوالد كثر وبعض األهالي يتجهون‬ ‫‪-‬نظر ّ‬
‫إلى سفح الجبل‪.‬‬
‫ً‬ ‫هيا بسرعة قبل أن تطير الشجرة‪ ،‬قال ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫محمد متلهفا‪.‬‬
‫ّ‬
‫علق ّ‬ ‫‪-‬الشجرة ال تطير يا ّ‬
‫عمار‬ ‫محمد بل عقلك هو الذي سيطير‬
‫ً‬
‫ساخرا‬

‫‪42‬‬
‫المرة اتجه ّ‬
‫عمار إلى الشرفة نفسها‬ ‫قفز ّ‬
‫محمد إلى الشرفة‪ ،‬وهذه ّ‬
‫ً‬
‫ويبدو أنه قرر أن يقفز إليها أيضا‪ .‬أمسك أنبوب تصريف المياه‬
‫بكلتا يديه ّ‬
‫وحرك قدمه اليمنى باتجاه الهواء ثم اليسرى لكنه بقي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عالقا في الهواء ممسكا بكلتا ذراعيه بأنبوب تصريف المياه وكأن‬
‫يديه ّ‬
‫تجمدتا في تلك اللحظة‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫ّ ّ ّ ً‬
‫عمارا عال ٌق فوقه‪ ،‬نظر إليه وقال بذكاء‪ :‬اجمع‬ ‫الحظ محمد أن‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫قدميك مع بعضهما واثني رجليك واشدد ظهرك واترك األنبوب‪.‬‬
‫َّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سمع ّ‬
‫عمار تلك الكلمات وجمع قدميه وثنى رجليه وشد ظهره إل أنه‬
‫لم يستطع أن ُي َ‬
‫فلت يديه‪.‬‬
‫رد ّ‬
‫عمار‪.‬‬ ‫‪ -‬ال أستطيع بصوت يائس َّ‬
‫ٍ ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪-‬إذا سأنتظرك حتى تتعب ثم تسقط أرضا وتنزل على ظهرك وتتكسر‬
‫أضالعك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬اسكت قليال‪ ،‬حسنا‪ ،‬سأحاول‪ ،‬وأخيرا أفلت يديه ونزل على قدميه‪.‬‬
‫ّ ً‬ ‫‪ -‬قال ّ‬
‫متحمسا‪ :‬رائع‪.‬‬ ‫محمد‬
‫تسلل االثنان إلى الحقل وهناك كانت مها بانتظارهما وقد بدت عليها‬
‫بعض عالمات الغضب‪.‬‬
‫كل هذا الوقت؟ ّ‬
‫هيا أسرعا قبل أن تطير‬ ‫‪-‬يا لكما من بطيئين ِل َم ُّ‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قاطعها ّ‬
‫عمار ساخرا‪ :‬الشجرة ال تطير‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬بل تطير وسيطير عقلي أيضا‪.‬‬
‫ومحمد دون أن يجرؤا على إصدار أي صوت‪.‬‬‫ّ‬ ‫‪ -‬ضحك ّ‬
‫عمار‬
‫ركض الثالثة باتجاه سفح الجبل نحو الشجرة الكبيرة وكانت المفاجأة‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -‬يا إلهي لقد طارت الشجرة قالت مها غاضبة‪.‬‬
‫هناك على جانب الشجرة األيمن جلس ثالثة أوالد آخرون تظللوا‬
‫تحت فيء الشجرة الكبيرة‪.‬‬
‫‪ -‬أنا آسف ّإنه خطئي قال ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫‪ -‬ال عليك‪ ،‬سنعثر على مكان آخر قالت مها‪.‬‬
‫‪-‬تعالوا تعالوا انضموا إلينا صرخ أحد األوالد من جانب الشجرة‬
‫األيمن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نظر الثالثة إلى بعضهم بينما قال ّ‬
‫عمار‪ :‬ألم أقل لكم إن الشجرة‬
‫ال تطير‪ .‬ضحك الجميع ثم اتجهوا إلى تلك الشجرة الكبيرة التي‬
‫بحنان من أشعة الشمس‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بدت كأنها تحضنهم وتحميهم‬

‫‪45‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اقتسم الجميع طعام اإلفطار الذي أصبح مزيجا مزدوجا من الفطور‬
‫نفسه فالزعتر والزيتون والزيت والجبن والخبز والبندورة الحمراء والخيار‬
‫األخضر كل هذا تكرر مرتين‪.‬‬
‫‪ -‬قال ّ‬
‫عمار‪ :‬غريب!‬
‫‪ -‬ما الغريب؟ أجاب أحد األوالد‬
‫َّ ّ‬
‫‪-‬كل أهل القرية تأكل الفطور نفسه ال بد أنه‬
‫الفطور الرسمي ألهل القرية‪.‬‬
‫ضحك الجميع وتشاركوا في األكل‪ .‬بينما ّ‬
‫هم‬
‫ّ‬
‫عمار بالتهام ّ‬
‫حبة بندورة حمراء كبيرة سمع‬
‫الجميع صوت فرقعة ّ‬
‫سيارة‪.‬‬
‫‪-‬يا إلهي لقد عادوا لينغصوا عيشتنا قال أسامة‬
‫ّ‬
‫وهو أطول األوالد الموجودون تحت الشجرة ثم‬
‫ً‬
‫تابع قائال ال يريدون أن يتركونا بسالم‪.‬‬

‫نظر الجميع باتجاه دورية جنود االحتالل التي‬


‫ّأول ما فعلته طلبت من الجميع إخالء سفح‬
‫ً‬
‫الجبل‪ .‬لقد كان الجبل عامرا بأشجاره وغراسه‬
‫ً‬
‫الصغيرة واليوم ازداد جماال باألوالد الذين‬
‫‪46‬‬
‫اجتمعوا دون موعد وكأنهم في عيد‪ ،‬إال أن الفرحة لم تدم بقدوم دورية‬
‫لجيش االحتالل‪.‬‬

‫اتجهت مجموعة من األوالد من جهة الشمال باتجاه الدورية ثم لحقتها‬


‫مجموعة أخرى من جهة الجنوب ثم مجموعة أخرى من جهة الشرق‬
‫ً‬ ‫وقف ّ‬
‫عمار وقال محبطا‪ :‬يبدو أن الحفلة قد انتهت اآلن‪.‬‬

‫ً‬
‫وقف أسامة وقال معترضا‪ :‬بل اآلن بدأت‬
‫ً‬
‫فعال‪.‬‬
‫ركض ّ‬
‫محمد باتجاه الدورية كالفهد‬
‫ً‬
‫السريع وكان ّأول المقتربين وأمسك حجرا‬
‫بيده الصغيرة ورماه باتجاه الجنود‪ ،‬فوقع‬
‫ً‬
‫الحجر قريبا من قدم الجندي‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ً‬ ‫دا أكثر دقة على التصويب قال ّ‬ ‫ّ ً‬
‫عمار مستغربا‪.‬‬ ‫‪-‬لقد ظننت أن محم‬
‫‪-‬هو كذلك لكن هذا اسمه تحذير أجابت مها وعيناها ترقب‬
‫الحدث‬
‫‪ -‬أطلق أحد الجنود طلقة باتجاه السماء‪.‬‬
‫‪ -‬قال أحد األوالد‪ :‬يبدو أنهم ال يريدون التراجع‪.‬‬
‫ساد المكان صمت مطبق دقيقتين كاملتين بدت كأنهما سنتان‪.‬‬
‫بدأت المجموعة الشمالية من األوالد بإمطار الجنود بالحجارة بينما‬
‫ً‬ ‫التف ّ‬
‫محمد بسرعة خلف صخرة كبيرة وضرب منها حجرا أصاب‬
‫ً‬
‫رأس أحد الجنود‪ ،‬ثم ما لبث أن شارك الجميع تقريبا في رمي‬
‫الحجارة وهرب الجنود إلى السيارة المصفحة مذعورين‪.‬‬
‫اختباء الجنود أجج الحماس في األوالد الذين اقتربوا أكثر‬
‫السيارة‪ ،‬لكن سرعان ما أتت ثالث‬ ‫وسددوا الضربات المباشرة على ّ‬
‫محملة بالجند نجدة لتلك الدورية المحاصرة‪ .‬أدرك األوالد‬ ‫سيارات ّ‬ ‫ّ‬
‫مفر فقد حانت الساعة‪ ،‬فإما أن ُيقاموا وإما أن يهربوا أصبح‬
‫أنه ال ّ‬
‫المشهد أكثر عدوانية إذ بدأ الجنود بتصويب الطلقات والغاز‬
‫ّ‬
‫المسيل للدموع والقنابل الصوتية باتجاه األطفال وما هي إال لحظات‬
‫حتى وصل األهالي ليساعدوا األوالد‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأخيرا بدأ الجنود بالتقهقر أمام صمود األوالد واألهالي معا‪.‬‬
‫ً‬ ‫صرخ ّ‬
‫عمار فرحا‪ :‬ها هم تراجعوا‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالمجان‪.‬‬ ‫أجاب أحد األوالد‪ :‬ال تفرح ال شيء عندهم‬
‫ً‬ ‫هم ّ‬‫بينما ّ‬
‫محمد بالمقدمة معلنا النصر بغرسه العلم على الصخرة‬
‫بحمم‬
‫ٍ‬ ‫الكبيرة عاجلته رصاصة اخترقت بطنه الصغير أحس حينها‬
‫َ‬
‫حمراء مألت‬ ‫ببقعة‬
‫ٍ‬ ‫كالبركان تخرج من بطنه‪ ،‬وضع يده عليها فإذا‬
‫يده‪ ،‬عندها أغمض عينيه‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫بعد مرور يومين على الحادثة‪.‬‬

‫‪-‬هل سقط العلم؟ كانت تلك أولى كلمات ّ‬


‫محمد بعد غيبوبة‬
‫امتدت يومين كاملين في المستشفى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬بل ظل مرفوعا يا بطل! أجاب أبوه بثقة‬
‫‪ -‬ابتسم ّ‬
‫محمد وأكمل نومه‪.‬‬
‫بحال جيدة‪ ،‬لكن يحتاج‬
‫‪-‬قال الطبيب‪ :‬الحمد لله على السالمة! إنه ٍ‬
‫إلى الراحة‪.‬‬
‫سمع الجميع كلمات الطبيب وخرجوا من الغرفة‪ ،‬وبعد يومين‬
‫َّ ّ ً‬
‫محمدا بإمكانه الخروج إلى المنزل‪.‬‬ ‫آخرين قال الطبيب‪ :‬إن‬
‫عند باب المستشفى اجتمع نحو عشرين من أصدقاء ّ‬
‫محمد‬
‫وزمالئه في الدراسة ليستقبلوه بالورود واألزهار الجميلة‪.‬‬
‫محمد على األكتاف إلى أن وصل إلى السيارة التي أخذته‬‫ُحمل ّ‬
‫باتجاه المنزل‪.‬‬

‫‪50‬‬
51
‫ّ‬
‫عمار يف القدس‬

‫ّ‬
‫جهز ّ‬
‫عمار حقيبته الصغيرة‬
‫فقد حانت رحلة القدس‪،‬‬
‫ركب ّ‬
‫سيارة التويوتا‬
‫الحمراء التي استأجرها‬
‫أبوه للرحلة‪ ،‬كانت عالية‬
‫وواسعة‪ ،‬ركب ّ‬
‫عمار في‬
‫المقعد الخلفي فتح النافذة‪.‬‬
‫نلتقي غدأ إن شاء الله قال ّ‬
‫عمار وهو ينظر إلى محمد ومها‪.‬‬
‫كنت أتمنى أن أكون معك ألصلي باألقصى لكن ال أستطيع‪ .‬قال‬
‫محمد بحزن‬
‫بفضل جوازك األمريكي تستطيع حتى الوصول إلى المريخ‬
‫قالت مها مازحة‬
‫ً‬ ‫لكن ليس إلى كوريا الشمالية‪ .‬أجاب ّ‬
‫عمار مبتسما‬
‫ضحك الجميع‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫السيارة بحذر عبر الدرب الرملي بينما كان ّ‬
‫عمار ينظر إلى‬ ‫سارت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محمد ومها وكأنه يريدهما أن يحلقا فوق الحاجز الذي يمنعهما‬
‫من الوصول إلى القدس‪.‬‬
‫ً‬ ‫اتجهت ّ‬
‫ملتو وكأنه‬
‫ٍ ٍ‬ ‫بطريق‬ ‫اتجهت‬ ‫ثم‬ ‫عقربا‬ ‫باتجاه‬ ‫جنوبا‬ ‫السيارة‬
‫جسد أفعى إلى طريق رام الله نابلس‪ ،‬على أن الطريق ال يتجاوز‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الستين كيلو مترا إال أنه بدا مرهقا ومتعبا فقد كان عليهم أن‬
‫حر شهر آب وحواجز جنود االحتالل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يتحملوا ّ‬

‫‪53‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬أوه كم هي صعبة هذه الطريق قال ّ‬
‫عمار متأففا‪.‬‬
‫‪-‬نعم لكن القدس تستحق هذا‪ :‬العناء قالت أم ّ‬
‫عمار مواسية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ال أفهم شيئا إنها فقط مدينة‪.‬‬
‫‪ -‬سنرى ذلك‪ .‬قالت األم‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ال أفهم لماذا كل هذه الجنود هنا؟ قال ّ‬
‫عمار منفعال‪.‬‬
‫‪-‬إنهم يحرسون تلك المستوطنات وأشارت األم بيدها إلى‬
‫مستوطنة نفيه دافيد وتابعت هؤالء أتوا من بيوتهم في أمريكا‬
‫وروسيا وأوروبا ليسرقوا األراضي الزراعية والغنية بالمياه‬
‫ضيقون على الفلسطينيين عيشتهم‪ ،‬فإذا ما ُجرح أحدهم‬ ‫ُوي ّ‬
‫اتصل بجنود االحتالل الذين يهبون لحمايتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬يا إلهي كيف يمكن لشخص أن يسرق شخصا آخر فقط ألنه‬
‫يملك السالح؟ صاح ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫ً ّ ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ثم قاإلنها الحياة لألقوى‬ ‫هز األب رأسه موافقا‪،‬‬
‫‪ -‬قالت األم معترضة بل لألذكى ‪ ،‬وألصحاب الح ّق‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ولكن لماذا نحن ضعفاء قال ّ‬
‫عمار حزينا‬
‫ّ‬
‫تمكن ابن ّ‬ ‫‪-‬لو ّ‬
‫عمك محمد وبقية األوالد من‬ ‫كنا ضعفاء لما‬
‫هزيمة قوات االحتالل على سفح الجبل‪ .‬قال األب‬

‫‪54‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬لكن ‪ ..‬أقصد‪ ..‬سكت ّ‬
‫عمار محاوال تجميع األفكار برأسه من‬
‫جديد‪ ،‬أقصد يا أبي لماذا نحن ضعفاء لدرجة أن يسرق اآلخرين‬
‫أرضنا‬

‫‪55‬‬
‫‪ -‬األب‪ :‬كم عدد الفلسطينيين قبل النكبة؟‬
‫ً‬ ‫‪ّ -‬‬
‫عمار‪ :‬مليون تقريبا‬
‫‪ -‬األب‪ :‬كم عددهم اآلن ؟‬
‫‪ -‬أكثر من ثالثة عشر مليونا‪.‬‬
‫‪ -‬األب‪ :‬هل تنازل هؤالء عن حلمهم في إقامة دولتهم؟‬
‫‪ّ -‬‬
‫عمار‪ :‬بال‪ ،‬بل يحلمون بالعودة‬
‫‪ -‬األب‪ :‬هل عندنا القدرة على توليد الحياة؟‬
‫‪ّ -‬‬
‫عمار‪ :‬لم أفهم!‬
‫‪ -‬األب‪ :‬هل الفلسطينيين مجتمعات متخلفة بائسة؟‬
‫عمار‪ :‬بل منتجين ّ‬
‫وعمال وأكاديميين ومتعلمين‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪-‬تدخلت األم وكأنها لملمت بعض األفكار قائلة على عجل‪:‬‬
‫ً‬
‫بسؤال آخر‬
‫ٍ‬ ‫تردفه‬ ‫أن‬ ‫أيضا‬ ‫سؤالك جيد ومنطقي ومن المفيد‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫‪-‬حاول ّ‬
‫عمار أن ينظر إلى أمه إل أن بصره تعلق بشجرة زيتون‬
‫قديمة وكبيرة على جانب الطريق بالقرب من بلدة جبع‪ ،‬قال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عمار ما هو؟ بينما بقيت عيناه معلقة بالشجرة‬
‫‪ -‬لماذا هاجرنا إلى أمريكا؟ قالت األم‪.‬‬
‫‪ -‬بسبب عمل أبي‪ ،‬أجاب ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ -‬األم‪ :‬وما الفائدة من عمله‪.‬‬
‫عمار‪ :‬المال‪.‬‬‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬األم‪ :‬وهل المال ّقوة؟‬
‫‪ّ -‬‬
‫عمار‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قطع حوارهما حاجز آخر على الطريق‪،‬‬


‫أطل جندي من نافذة ّ‬
‫السيارة‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يتكلم كلمة واحدة بل مد ذراعه‬
‫ً‬
‫وكأنه يريد شيئا ما‪ ،‬عرف األب ما‬
‫يريده فأعطاه أوراق ّ‬
‫السيارة والجواز‬
‫األمريكي‪ ،‬عندها أشار الجندي بيده‬
‫إلى أبي ّ‬
‫عمار أنه بإمكانه المسير‪.‬‬
‫بينما على الجانب اآلخر وقفت‬
‫طابور طويل‬ ‫عشرات ّ‬
‫السيارات في‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫لمركبات فلسطينية‪ .‬أخيرا وصلت‬
‫ّ‬
‫السيارة إلى وجهتها نحو المدينة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫عمار برفقة والديه إلى باب العمود حيث كان ّ‬
‫يعج بالبائعين‬ ‫دخل ّ‬
‫الذين افترشوا األرض يبيعون منتجاتهم الريفية ذات الروائح‬
‫الجميلة‪ ...‬أنا جائع قال ّ‬
‫عمار‬
‫ً‬
‫‪ -‬حسنا يمكننا أن نأخذ فطورنا ونتجه إلى االقصى قالت األم‬

‫بينما توجه األب إلى بائع متجول واشترى بعض الفالفل وناول‬
‫ً‬
‫بعضا منها‪ .‬شعر ّ‬ ‫ّ ً‬
‫عمار بالبؤس وقال لنفسه‪ :‬يا إلهي‬ ‫وعمارا‬ ‫زوجته‬
‫لكن الجوع أجبره على‬‫فالفل باردة! وكيف سيأكلها اإلنسان؟ َّ‬
‫أن يقضم القرص األول وما إن أطبقت أسنانه على القرص حتى‬
‫ّ‬
‫تغيرت مالمح وجهه وشعر بالعجب الشديد‪ ،‬ما هذه القرمشة!‬
‫قال ّ‬
‫عمار لنفسه‬

‫‪58‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وغل في شيء بارد وحلو‬
‫استمرت أسنانه بالقضم فإذا هي ت ِ‬ ‫بينما‬
‫وطري وحامض‪..‬‬
‫عمار حتى بدا وجهه وكأنه‬ ‫عندها فقط اندفع الدم في عروق ّ‬
‫تحول إلى حبة بندورة ممتلئة‪ .‬صاح ّ‬
‫عمار‪ :‬يا إلهي ما هذه الفالفل‬ ‫ّ‬
‫العجيبة المحشوة؟ لم أتذوق مثلها في حياتي بينما ضحك‬
‫الوالدان موافقين‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫عمار إلى األقصى‪ ،‬أبهرته تلك ّ‬
‫القبة الذهبية ولم يفهم‬ ‫وصل ّ‬
‫ً‬ ‫لماذا سجد ّ‬
‫أبواه عند دخولهما الساحة بينما وقف مذهوال‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫المغطى‬ ‫مستسلما للجمال األزرق المزركش بالفنون العربية‬
‫بقبة ذهبية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫كل شيء فعلوه هناك‪ ،‬أفطروا الحمص والفالفل مع الكعك‬
‫ّ‬ ‫المقدسي‪ّ ،‬‬
‫تجولوا وصلوا الظهر‪ ،‬شاركوا بالنشاطات المقامة‪،‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫وسلموا على ّ‬
‫المصلى‬ ‫الحراس‪ ،‬دخلوا‬ ‫تحدثوا مع المعتكفين‬
‫المرواني وقبة الصخرة ومصلى الرحمة وقبة النبي سليمان عليه‬
‫السالم وكل األماكن‪...‬‬

‫عمار ّ‬
‫ليتنزه في ساحة المسجد فإذا به‬ ‫بعد صالة العصر خرج ّ‬
‫يرى بعض المستوطنين ينظرون إلى قبة الصخرة ويصلون صلوات‬
‫تلمودية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬


‫تعجب كثيرا فكيف للمستوطنين أن يتمادوا ليصلوا داخل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األقصى‪ .‬شعر بالخذالن‪ ،‬فكر بقذفهم بالحجارة ولكن حدثته‬
‫ٌ‬ ‫ٌ ٌ‬
‫صغير في مواجهة هذا الجمع‬ ‫حجر وولد‬ ‫نفسه ما الذي سيفعله‬
‫من المستوطنين بحماية جنود االحتالل؟ بدأ العجز يتسسل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شيئا يجفف دمه‪ّ .‬‬
‫تجمد في مكانه عاجزا تلفت يمينا‬ ‫داخله وكأنه‬
‫ً‬
‫وشماال ولكن العجز كان ّ‬
‫سيد الموقف‪ ،‬قال لنفسه وكأنه يصرخ‬
‫داخلها‪ :‬يا إلهي ماذا أفعل؟ أين ّ‬
‫محمد؟ أين مها؟‬
‫‪61‬‬
‫أغمض عينيه وجثى على ركبتيه وفجأة قفز ّ‬
‫محمد ومها من السور‬
‫الخلفي من جهة المستوطنين ثم تبعهم عدد من أبناء القرية وبدأ‬
‫محمد برمي الحجارة بالمقالع بينما قامت مها برش المستوطنين‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫بالماء وتقدم هو والتقط بعض الحجارة وبدأ بقذفهم‪...‬‬

‫‪ّ -‬‬
‫عمار! سمع صوت أمه التي أيقظته من حلمه‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ماذا تريدين؟‬
‫‪ -‬قلقنا عليك‪.‬‬
‫‪ -‬أنا قادم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬حسنا ال تتأخر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أغمض ّ‬
‫يأت أحد لحلمه‪ ،‬شعر بالضيق الشديد‬‫عمار عينيه ولكن لم ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وظل يفكر ويفكر ليس‬ ‫وكأنه ُهزم هزيمة عظيمة‪ .‬ذهب إلى والديه‬
‫َّ‬
‫بشيء إل بما أحس به من هزيمة وعجز‪.‬‬
‫بعد صالة العشاء خرج ّ‬
‫عمار برفقة أبويه من المسجد وهم في‬
‫ّ ً‬
‫تجمعا ألحد المستوطنين الذين تجمهروا لسبب‬ ‫طريقهم شاهدوا‬
‫ما‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ً‬ ‫ازدادت نبضات قلب ّ‬
‫عمار الصغير وبدأ الدم يجري وكأن وحشا‬
‫ّ‬
‫تتجمد من البرد‪ ،‬قال لنفسه‪ :‬لن‬ ‫ما يطارده ّ‬
‫وأحس أن أطرافه بدأت‬
‫ُ‬
‫أهزم في اليوم نفسه مرتين‪ .‬وكأن فكرة ما خطرت في باله فأخرج‬
‫هاتفه ّالنقال‪َّ ،‬فعل البث المباشر على الفيس بوك وطلب من أبيه‬
‫وصلها بالكاميرا الحديثة‪ ،‬ففعل ذلك بسرعة ولم يناقشه في شيء‪،‬‬
‫ً‬
‫مكان مرتفع ابدأ‬
‫قال ألبيه منفعال‪ :‬عندما أصل هناك وأشار بيده إلى ٍ‬
‫ً‬ ‫بتصويري‪ّ ،‬‬
‫هز األب رأسه موافقا‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫حجر قديم مرتفع وسط جموع المستوطنين وقال‬ ‫ّ‬
‫صعد عمار إلى ٍ‬
‫بلهجة أمريكية جميلة‪ :‬مرحى! سنلعب اليوم لعبة والرابح سوف‬
‫يحصل على تذاكر رحلة ألمريكا لمدة أسبوع شاملة التكاليف‪.‬‬

‫بدأ المستوطنون بالتصوير فاللهجة األمريكية والكاميرا الحديثة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫يعرض المسابقة‪ ،‬فيما تسابق‬‫ِ‬ ‫أمريكيا‬ ‫برنامجا‬ ‫أوحت إلى الجموع أن‬
‫عمار‪ .‬حينها‬ ‫مصوران آخران بتوجيه الميكروفونات واألضواء على ّ‬ ‫ّ‬
‫َّ‬ ‫شعر ّ‬
‫عمار بالهدوء من جديد وأن بيده اآلن زمام األمر‪ .‬من يستطع‬
‫َّ ّ‬
‫منكم أن يثبت أن جد جده ُولد في القدس فسيربح معنا الليلة‪،‬‬
‫هدوء عجيب‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ش جميع المستوطنين في‬ ‫ُد ِه َ‬

‫ّ‬
‫تقدم ّ‬
‫عمار وأخذ هاتف أحد‬ ‫انكسر ّمرة أخرى هذا الهدوء حينما‬
‫المستوطنين وقال له هذا الهاتف لي‪.‬‬
‫ً‬
‫اندهش المستوطنون وقال متجمدا بل الهاتف لي‪.‬‬
‫قال ّ‬
‫عمار برهن ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫استشاط المستوطن غضبا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ً‬ ‫عاجله ّ‬
‫عمار قبل أن يقول شيئا هذا لي والدليل أنه في جيبي اآلن‪.‬‬
‫ً‬
‫بينما اشتعل المستوطن غضبا كان البقية يضحكون باستخفاف غير‬
‫مدركين لما يخطط له ّ‬
‫عمار‪.‬‬
‫‪ -‬من أي بلد أتيت؟ سأل عمار المستوطن‪.‬‬
‫‪ -‬من بولندا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬حسنا أتيت من بولندا مع الهاتف أم بدونه؟‬
‫‪ -‬بل أتيت بدونه‪.‬‬
‫‪ -‬هل اشتريته هنا؟‬
‫‪ -‬نعم كنت في تل أبيب واشتريته‬
‫‪ -‬وأين تسكن؟‬
‫‪ -‬هنا في القدس‪.‬‬
‫‪ -‬وهل اشتريت مسكنك؟‬
‫تلعثم المستوطن بينما ُصعق اآلخرون وبدأوا بالهيجان والسب‬
‫ً ً‬ ‫والتهجم على ّ‬
‫عمارا من الساحة‬ ‫عمار حتى تدخلت الشرطة وطردت‬
‫رفقة والديه‪.‬‬
‫ّ‬
‫المحلية‬ ‫ضجت وسائل التواصل االجتماعي واألخبار‬ ‫وفي اليوم التالي ّ‬
‫والعالمية بما صنعه ّ‬
‫عمار‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫على أبواب بيتا‬

‫عمار ووالداه في القدس وضواحيها‬ ‫أكمل ّ‬


‫ً‬
‫وصوال إلى بيت لحم‪ ،‬ثم توجهت السيارة‬
‫ً‬ ‫إلى طريق رام الله نابلس‪ ،‬بدا ّ‬
‫عمار مشغوال‬
‫بعض الشيء في تلك ّ‬
‫السيارة الواسعة والتي‬
‫يعمل تكييفها على كبح جماح حرارة‬
‫شمس آب‪.‬‬
‫‪-‬بماذا تفكر يا ّ‬
‫عمار؟ قالت األم أراك‬
‫مشغول البال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قليال‪ ،‬ال شيء أو شيء‪ ،‬ال أعرف بل‪ .‬وسكت ّ‬
‫عمار قليال ثم قال‬ ‫‪-‬نعم‬
‫ّ‬
‫قلت لي إن المال ّقوة أليس كذلك؟‬
‫عندما كنا متجهين إلى القدس ِ‬
‫‪ -‬بلى إنه كذلك‪.‬‬
‫‪ -‬وهل المال أهم من األرض؟‬
‫‪ -‬المال من أجل إعمار األرض‪.‬‬
‫‪-‬إذا كان المال ليس أهم من األرض فلماذا نترك األرض ونذهب إلى‬
‫أمريكا؟‬

‫‪66‬‬
‫‪-‬نعم صحيح وسؤالك ذكي لقد قطع علينا ذلك الجندي في ذلك‬
‫اليوم حديثنا ولم نكمله‪ ،‬هناك فرق بين إعمار األرض وبين بيعها‬
‫فنحن لم نبع أرضنا ومنزلنا هناك في بيتا‪.‬‬
‫‪-‬لكن لم أفهم لآلن لماذا هاجرنا لماذا نترك كل هذه األرض وأقاربنا‬
‫لنعيش في تلك البالد البعيدة؟‬
‫‪-‬األرض تحتاج لمن ّ‬
‫يعمرها‪ ،‬عمارة األرض تستلزم علينا أن نزيد من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ّقوتنا المالية والعلمية‪ ،‬إنك تتلقى تعليما جيدا هناك‪ ،‬وغدا ستكبر‬
‫وتتعلم بإحدى الجامعات وتساهم في عمارة بلدنا‪ ،‬وأنا نفسي‬
‫ً‬
‫عمال ّ‬
‫يطور نفسه والذي من‬ ‫درست هناك بينما كان أبوك يؤسس‬
‫خالله يفيد نفسه وأخوته ويساعدهم‪ .‬وهكذا كلنا نستفيد دون أن‬
‫ّ‬
‫نفرط باألرض‪.‬‬
‫‪-‬فهمت فهمت لكن ال أريد أن أذهب إلى أمريكا اذهبوا وحدكم‪.‬‬
‫‪-‬األب‪ :‬انظر إلى تلك الشجرة التي على الطريق أشار إلى شجرة‬
‫زيتون عمالقة‪ ،‬نحن كتلك الشجرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪ -‬كيف ذلك؟ الشجرة ثابتة ونحن نتحرك‪.‬‬
‫‪ -‬األب‪ :‬هل تعتقد أن جذورها أكبر من فروعها؟‬
‫‪ -‬لم أفهم‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪-‬جذور هذه الشجرة ضاربة في األرض ثابتة لكن أغصانها مثمرة‬
‫تعانق السماء وتحمل الخير والبركة‪ ،‬نعم ال تتحرك الشجرة ولكن‬
‫الله أعطانا القدرة على التحرك كما أعطانا القدرة على التشبث‬
‫ً‬
‫باألرض تماما مثل تلك الشجرة‪.‬‬
‫ً‬
‫لحظة ما سنعود‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬األم‪ :‬مهما ابتعدنا تبقى جذورنا هناك‪ ،‬غدا عند‬
‫لنعيش هنا فنحن باقون كما الزيتون والزعتر‪ .‬وأنت تعود أقوى‬
‫وتفيد أهلك وأقاربك بعلمك وعملك‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬تابع ّ‬
‫عمار النظر إلى الطريق متنقال بنظره بين شجرة وأخرى إلى أن‬
‫وصلوا بيتا‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫عندما وصلت ّ‬
‫السيارة إلى المنزل بدأ بعض األوالد بالتجمهر حول‬
‫بعمار الذي كان حديث الصحف ومواقع التواصل‬ ‫السيارة مرحبين ّ‬
‫ّ‬
‫االجتماعي‬

‫‪69‬‬
‫ً‬ ‫فيما بادلهم ّ‬
‫عمار تلك المشاعر وذهبوا جميعا إلى الجبل فيما‬
‫انعكس ظلهم على األرض ليبدو وكأنهم أطول وأضخم‪.‬‬

‫‪70‬‬
71
‫«إهداء الى أطفال بيتا وأطفال فلسطين»‬

‫قصة ثالثة أوالد أحدهم يعود من أمريكا ليقضي عطلته الصيفية‬


‫فعاليات مناهضة لالحتالل‬
‫في بلدته بيتا والتي تزامن وجوده مع ّ‬
‫الذي يسعى للسيطرة على األراضي في جبل صبيح‪.‬‬
‫صحيح أن األوالد صغار لكنهم ُأجبروا على مواجهة االحتالل‬
‫لدفاعهم عن وجودهم وأرضهم‪.‬‬

‫عمار هو الشخصية الرئيسة في القصة والتي تعكس‬


‫ّ‬
‫شخصية ولد غني مرتاح بعيدًا عن ظروف رمي الحجارة‬
‫المدة‬
‫ّ‬ ‫والتظاهر ومواجهة االحتالل‪ ،‬لكن وجوده في هذه‬
‫القصيرة في بيتا جعله يتطور ويكبر بسرعة عجيبة‪.‬‬
‫محمد هو ابن العم ذلك الفتى متعدد المواهب‬
‫ّ‬
‫في مواجهة االحتالل‪.‬‬
‫محمد الجريئة والقوية واألنيقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مها ابنة العم وأخت‬

You might also like