Professional Documents
Culture Documents
حراس الجبل
حراس الجبل
2021
خطية من المؤلف
ISBN
الفهرس
َّ
2 وصول عمار
6 االستقبال
عمار قادم ّ
عمار قادم! ركض محمد فرحا وهو يصرخ بأعلى صوته ّ
هش ْت مها وقاطعته تقصد ابن ّ ُ َ
عمنا عمار؟ د
ً
-نعم نعم قال محمد فرحا.
ً
-يا سالم وأخيرا بعد طول غياب لكن متى؟
-إنه على الطريق كما أخبرني
أبي وسوف يعبرون جسر
ً ً
الملك حسين غدا صباحا.
-الحمد لله.
ً
إياك أن تخبريه شيئا. -لكن ِ
-و ِل َم ال؟
شيء لوحده -سوف يعرف كل ٍ
ً
الحقا سكت برهة ثم قال :أنا
ً
أخاف عليه فإنه ليس معتادا
على هذه الحياة.
ً
-تعتقد ذلك حقا؟ أظن أنه شجاع بما فيه الكفاية.
ً
-نعم ..نعم سنرى ذلك الحقا.
2
يغب فيه القمر ولم ينم فيه ّ ً
طويال لم ْ ً ً
محمد ومها كان ليال صيفيا
ً
اللذان افترشا سطح المنزل هربا من الحر ،وبقيت أعينهم تحلق في
الفضاء..
3
تشتد شمس الظهيرة وما زاال ينتظران على قارعة الطريق مقابل ذلك
الباب الحديدي المزركش بورود حديدية جميلة ،لكن لم تمضي
لحظات حتى أقبلت أمهم.
4
-نعم كنا نائمين إلى أن أيقظتنا شمس
الصباح قالت مها.
ّ ُ ً -جئنا نستقبل َّ
محمد :لكن عمارا قال
يبدو أنه تأخر.
-نعم صحيح كان من المفترض أن
يصلوا منذ ساعة لكن تأخروا أثناء
ّ
دخولهم ،فقد أخرهم حاجز لقوات
االحتالل بعد عبورهم الجسر ،اآلن
هم على الطريق .اتبعاني اآلن لتتناولوا
ً ً
قليال من الطعام ولتحضروا شيئا لدار
عمكم ليأكلوه ،ال بد أنهم متعبون...
5
االستقبال
ً َ ُ
قماش كبيرةٍ قطعة تحضر مها
محمد على الطاولة بينما يضع ّ
عليها بضع بيضات بلدية ،ثم
ُ
تسرع مها لتضع بعض الزيتون،
ً بينما يلقي ّ
محمد فيها قليال من
الزعتر وما زاال يلقيان فيها الطعام حتى مآلها ،ثم
ً ً
وضعت األم فيها خبزا سميكا.
6
يقفز ّ
محمد بخفة إلى الكرسي المقابل للزوادة ويلتقطها بيده
ً
اليمنى بسرعة ثم يضحك عاليا وهو يقول :سبقتك يا مهاااااااآخ
لكنه في تلك اللحظة يقع من الكرسي ويطير الزاد بالهواء ليسقط
بين يدي مها ..ثم ينفجر الجميع من الضحك.
7
يذهب الطفالن باتجاه منزل عمهما.
محمد يلبس بنطاله األزرق المفضل لديه ،ال أحد علىكان ّ
ً اإلطالق يعلم لماذا يفضل ّ
محمد ذلك البنطال فهو ممزق قليال
ً ً
من جهة الركبة ومهترئ قليال من الجهة الخلفية وأصبح لونه باهتا
ً
قليال ..في حين كانت مها تلبس أجمل ما لديها ،في الحقيقة هي
دائما هكذا تبدو ،فقد اعتادت على أن تحافظ على أناقتها ولو لم
يكن عندها غير هذه الثياب.
محمد ومها صوت سيارة قادمة من الخلف ،يحدقان يسمع ّ
إليها بدقة ،تظهر امرأة لم يعرفانها بالبداية ،ثم يلمحان قبعة عمهما،
تلك القبعة المدورة األنيقة.
محمد ومها إلى بعضهما ويركضان خلف السيارة وماينظر ّ
هي إال بضعة أمتار حتى وصلوا إلى المنزل.
8
عمها ّ
بالزوادة قائلة: عمار بينما تعاجل مها ّ
محمد على َّ
يقفز ّ
-ال بد أنكم جائعون فقد صنعتها أمي ألجلكم.
ً
بك يا صغيرتي.
ِ أهال -ههه
9
خريطة القرية
10
ُ بينما كان يأكل ّ
محمد ِالبطيخ بشراهة قال بصوت مرتفع :ك ْل
ُ
ك ِل المزيد من ِالبطيخ فال أجمل ال أطيب من ِالبطيخ ال القمر وال
غيره ...يضحك الجميع.
ً وقف َّ
عمار واستنشق نفسأ عميقا وبينما أخذ يزرفه انتبه
ً
أضواء متناثرة من على الجبل المقابل فتساءل مندهشا: ٍ لوجود
محمد ومها إلى هل أصبح أهل القرية يبنون في حقولهم؟ نظر ّ
بعضهما وكأنهما فقدا القدرة على الكالم.
11
ً -ما بالكما؟ قال ّ
عمار مقاطعا صمتهما.
-إنها م م م مس ت قالت مها وكأنها طفل ذو سنتين ونصف بدأ اآلن
يتعلم الكالم.
ً
-نعم إنهم يبنونها منذ أيام قال محمد متألما.
ً -صاح َّ
عمار وقد ظهرت عليه عالمات االنفعال :بربكما قوال شيئا
ً
أفهمه ما هذه ال م م مس ت وماذا يبنون؟ لم أفهم شيئا.
محمد وأردف :لقد أتى مستوطنون يريدون السيطرة -مستوطنة قال ّ
على الجبل وأحضروا معهم كرفاناتهم.
بدعم من قوات االحتالل ،أدخلت مها هذه الكلمات على الفور ٍ -
وكأنها على عجلة من أمرها.
ً -قال َّ
عمار حزينا :وهل استولوا عليها بالفعل؟
-قالت مها :نعم وباللحظة نفسها قال ّ
محمد :ال...ثم نظرا إلى
بعضهما وهزا رأسهما وقاال :صحيح.
ً ً -صاح َّ
عما مندهشا :الله أكبر! لم أفهم شيئا أحدكما يقول :نعم
ُّ
سأجن ما واآلخر يقول :ال ،ثم تقوالن لبعضكما :صحيح ،يا إلهي
القصة؟!
12
ً
-قالت مها :حسنا سأحاول التوضيح أكثر ،في الصباح يأتي
المستوطنون برفقة قوات االحتالل المدججين باألسلحة بينما
ينصب المستوطنون كرفاناتهم الجديدة ليحتفلوا بنجاحهم
بنصب تلك الكرفانات....
ً -ثم أردف ّ
محمد مقاطعا :وفي الليل يأتي أهالي القرية ويبدؤون
فعاليات اإلرباك الليلي.
عمار وكأن الدهشة دخلت -آه! اإلرباك الليلي وما هو؟ تساءل َّ
عينيه فوسعتهما أكثر.
13
ً
في تلك اللحظة دخل ضجيج مخيف مرافقا إياه بشعالت اللهب
التي بدأت تنتشر على سفح الجبل .وقف ّ
محمد وقال :ذلك ما
أتحدث عنه ،وأشار بيمينه إلى ذلك الضجيج.
ركض الثالثة إلى أقرب نقطة على سطح المنزل ليشاهدوا ذلك
التجمع.
-في الليل يعود الجبل إلى أهله قال محمد ثم تابع ،حيث يقوم
أهالي القرية بمهاجمة تلك الكرفانات فيهرب المستوطنون وجنود
االحتالل.
كر ٌّ
وفر قالت مها. -هي تلك ٌّ
14
عمار وقد بدا على صوته بعض القلق :ومتى ستنتهي هذه القصة؟-قال َّ
-تنتهي هذه القصة عند ّأول إشراقات الفجر قالت مها ،سكتت برهة
ثم قالت :عند الفجر يأتي النصر.
ٌ
أسراب من استمر الثالثة بالتحديق إلى جموع النار حتى ْ
بدت وكأنها
النمل األحمر يصعد إلى أعلى التل وما هي إال سويعات حتى احترقت
الكرفانات معلنة بدء فجر يوم جديد.
ً -قال ّ
محمد متثائبا :الحمد لله ،تصبحون على خير.
افترش الثالثة سطح المنزل.
15
ّ َ
محمد ف ِز ًعا ما هذا؟ وبدأ يتحسس خده األيمن وهو -آاااااخ استيقظ
يقول :آه خدي
ً -آسف قال ّ
عمار خجال.
ً
صفعة من َّ -لحظات قليلة حتى أدرك ّ
عمار. محمد أنه تلقى
عمار هذه ّ حقا أنا آسف قال َّ ً
المرة األولى التي أفعلها بحياتي لم -
ً
أعتد أن أضرب أحدا وأنا نائم.
عمه ّ خده ثم سأل ابن ّ ّ ّ -قال ّ
عمار :هل يتحسس محمد :ال بأس وهو
ً
نمت جيدا؟
-نعم إنها أجمل بمئة مرة من النوم على سريري الضخم في أمريكا
هنا أجمل .بينما كانت مها تغط في نومٍ عميق.
ً
-انتظر انتظر ال تذهب سأحضر شيئا قال محمد.
حسنا قال ًَّ
عمار -
غطت المكان .وما هي وفي هذه اللحظات انبعثت رائحة خبز جميلة ّ
ً إال لحظات حتى أحضر ّ
محمد عصا طويلة.
عمار. ظهرت عالمات اإلرباك على َّ
ً ً ً
-لقد ظننت أنك ستحضر خبزا طازجا وليس عصا.
محمد :أال يمكنك التفكير إال في بطنك؟ -قال ّ
ُ
-رائحة الخبز الشهية تشعرني بالجوع فماذا أفعل بالعصا؟
خاشع.
ٍ بصوت
ٍ -قالها
16
على تراب متناثر على سطح المنزل بدأ يرسم ّ
محمد خريطة.
18
البالون الحارق
19
عمار :الهواء! -صاح َّ
ً -سأل ّ
محمد مندهشا :وما بال الهواء؟
عمار :يمكننا استخدام الهواء لنستطيع الوصول إلى الكرفانات. -قال ّ
ً مثال؟ قال ّ ً
محمد مستهزئا. -كأن نطير
ً ً ً
-ال بل نرسل من خالله بالونا حارقا أجاب َّ
عمار ثم تابع قائال :نجهز
مرطب بالمياه ثم ّ بالونا بحبل طويل ّ ً
نحمله بشعلة نارية ليطير بها إلى ٍ
األعلى.
ّ
صمت الجميع في تلك اللحظة وكأن الزمن كله توقف وما هي
محمد على الشرفة واختفى في ظالم الليل ثم عاد إال لحظات حتى قفز ّ
ً ًّ ً
ورديا بسرعة متسلقا الشرفة بسرعة جنونية ثم أخرج من جيبه بالونا
ّ
ودون أن يتكلم بكلمة واحدة نفخ البالون وحاول ربطه إال أنه لم يفلح
ّ
بذلك ،فأخذت مها منه البالون ولفت عنق البالون حول إصبعها الصغير
ثم عقدته بخفة وأعادته إليه.
ً -قال ّ
محمد :حسنا! ورمى البالون إلى األعلى فطار البالون وكأنما
أخذ الهواء يلعب به .ولكن سرعان ما ارتطم بأحد الجدران وأعاقه
ّ
عن الحركة .تبادل الجميع النظرات وكأن اإلحباط خطف قلبهم
الصغير.
20
-قالت مها :تذكروا الفيزياء يا شباب.
ً -سأل ّ
محمد مندهشا :وكيف نستفيد من الفيزياء يا صبية؟
ّ
متساو داخل البالون وخارجه إال أن البالون
ٍ -قالت مها :وزن الهواء
ً ً
نفسه يشكل وزنا إضافيا على الهواء ،ويسبب هذا إعاقة طيران
البالون لكن لو وضعنا مادة أخف من
ّ
الهواء سننجح ونجعل البالون يحلق
ً
عاليا ...يمكننا أن نمأل البالون هيليوم
فهو أخف من الهواء ويساعد على
تحقيق هدفنا.
-سأل َّ
عمار :من أين سنأتي بالهليوم؟
-من محل الهدايا أجاب ّ
محمد.
ً ً ً
-إذا سنعمل على هذا غدا صباحا.
21
ً
وفي صباح اليوم التالي وتحديدا بعد اإلفطار تجمع الثالثة على
ً سطح المنزل وألقى ّ
محمد كيسا من النقود المعدنية ،نظرت مها إليه
عمار قطعة نقود ّ ً
صغيرا ،ثم وضع َّ ً
كيسا َ
ورقية، آخر وألقت هي األخرى
محمد :لقد حانت ساعة الصفر. وتبادل الثالثة النظرات ،قال ّ
22
ً ّ ً
تحرك الثالثة إلى دكان أبي عيسى وقد كان دكانا صغيرا إال أنه يبدو
ً
شيء يخطر ببالك تقريبا.مثل صندوق العجائب حيث يحتوي كل ٍ
ًّ
في البداية تردد الثالثة مدة عند مدخل الدكان ،دخلت مها في البداية
ولحقها االثنان اآلخران.
23
-سألت بصوت مرتفع وبكل ثقة :أريد بالون هيليوم.
رد أبو عيسى :ماذا ستصنعين ببالون هيليوم؟ َّ -
-لدينا تجربة علمية الليلة ،لم ترد مها أن تكذب ولم ترد أن تخبر أبا
عيسى بما قرروا فعله.
ٌ ً
جميل جدا ،يمكنك اختيار أحد البالونات وسأقوم بنفخها. -تجربة!
ً
بخيط أحمر رفيع بإحكام
ٍ وربطه منفوخا أعطى أبو عيسى البالون
وأعطاه لمها .أخذت مها البالون وأخذت تجري تجاه المنزل في حين
ّ
ومحمد وعند باب المنزل وقفت مها وهي تلهث. لحقها ّ
عمار
ً -قال ّ
محمد الهثا :ما بالك؟
ُ َّ
-لم ن ِعد خطة.
خطة حتى يتمكنوا من إدخال أدرك الثالثة أنهم يحتاجون اآلن إلى ّ
محمد إلى المنزل وأحضر البالون إلى المنزل دون أن ينتبه أحد .دخل ّ
ً ً
خيطا طويال وربطه بالخيط األزرق وقذف البالون بالهواء فطار إلى أن
ً ً
محاديا سطح المنزل وبينما كان يفعل ذلك كان َّ
عمار واقفا أصبح
هناك على سطح المنزل ينتظر وصول البالون وبالفعل وصل البالون،
بمسمار قديم كان قد اخترق أحد عمار وأدخله ثم ربطهفالتقطه ّ
ٍ
الجدران.
24
ٌ
انصرف األوالد دون أن يتكلم أحد منهم بأي كلمة وكأنهم كانوا
يعرفون مهمتهم التالية ،وعند المساء اجتمع الثالثة مرة أخرى على
السطح.
ربط ّ
محمد البالون بحبل مبلل طويل.
وربطت مها الحبل بقطعة قماش صغيرة.
25
أما على الجهة المقابلة لهم فقد بدأت فعاليات اإلرباك الليلي
ً
حيث بدت شعالت النار تنتشر تدريجيا على سفح الجبل محاولة
حد ّ
معين. الصعود إلى األعلى لكن يبدو أنها توقفت عند ٍُّ
26
وبينما هم كذلك حصل ٌ
أمر آخر غير متوقع وغير مفهوم.
-صاح ّ
عمار بأعلى صوته :الله أكبر انظروا هناك.
-قال ّ
محمد :ماذا يحدث؟
-يبدو أن حاجز قوات االحتالل انسحب ،وبدأت جموع المتظاهرين
ً بالوصول إلى القمة .تابع ّ
عمار منفعال :لم أفهم كيف هذا؟
27
حجر و مقالع
ً استيقظ ّ
محمد باكرا عند بدء وصول
ّ
وانسل بخفة خيوط الصباح األولى،
باتجاه الشرفة ونزل منها بهدوء ،واختفى
في الحقل خلف شجرة الزيتون ،انتبه
عمار إليه فتبعه بهدوء ،بحث عنه بين ّ
ّ
شجر الزيتون ولكن دون جدوى ،وفي اللحظة التي قرر فيها العودة
ً
حبل يضرب الهواء وكأن مروحة تعمل وسط الحقل، سمع صوت ٍ
ثم ما لبث أن سمع أثر سقوط حجر ،وفجأة ظهر ّ
محمد
أمامه.
-ماذا تفعل هنا؟ قال محمد
عمار :أنت ما الذي تفعله هنا؟ لقد سمعت ماذا -أجاب ّ
ً ّ
تفعل ،ثم مد قدميه ورأسه محاوال أن ينظر إلى ظهره
وقال :ما هذا الذي تخفيه خلف ظهرك؟
ً ارتبك ّ
محمد قليال ثم تراجع خطوة إلى الوراء :ال شيء،
وأكمل :إنها قطعة حبل.
28
محمد ثم أتبعها خطوة أخرى. عمار خطوة باتجاه ّ اقترب ّ
-أتظنني أحمق إنه مقالع أليس كذلك؟
ً
-حسنا إنه هو أتدرب به على إصابة األهداف.
محمد لو تعلم أمك لنهتك عن ذلك. -ويحك يا ّ
ٌ ً ً
-نعم صحيح لذا أنا أخرج باكرا وأتدرب بعيدا قبل أن يستيقظ أحد.
-لكن سأخبر أمك وأباك بكل شيء.
-ال ال تفعل ً
رجاء.
ً
-إذا عليك أن تدربني على المقالع.
ً -قال ّ
محمد مترددا :لكن...
عمار بنبرة حادة وجازمة :لكن -قال ّ
سأخبر والديك.
ٌ ً
مقالع ،وهنا نضع -حسنا هذا اسمه
الحجر ومن هنا نمسك بـ ...
-تمهل تمهل على رسلك واحدة
عمارواحدة .قال َّ
29
على غصن قديم جاف بدأ ّ
محمد يوجه ضرباته الضربة تتلوها
ّ ّ ً ٍ
األخرى ،بدأ يعلم عمارا استخدام المقالع وبعد محاوالت حثيثة
عمار من ضرب أول حجر باتجاه الهدف لكن لم يصبه بل تمكن ّ
ً ً
كان بعيدا جدا.
-علينا العودة اآلن ،قال ّ
محمد.
أنته بعد بنبرة حزينة ثقيلة قال َّ
عمار -لكني أحتاج إلى التدريب لم ِ
-نعم يمكننا أن نعود ّمرة أخرى ونتدرب على المزيد قال ّ
محمد
محمد المقالع تحت التراب إلى جانب شجرة زيتون كبيرة. أخفى ّ
عمار هيا لنتسابق لتلك الشجرة. -ها ّ
ً ٌ رد ّّ -
متعب قليال. عمار ال أريد أنا
-بل يجب أن نفعل ذلك.
-و ِل َم ذلك؟
-ستعرف في حينها.
وكررا السباق أكثر من ّمر ٍة إلى أن
وعمار يتسابقان ّ محمد ّ انطلق ّ
تعب كالهما ،ثم عادا إلى المنزل.
ً عند باب المنزل كان والد ّ
عمار يقف هناك وكأنه ينتظر أحدا من
سفر طويل.
ٍ
30
-أين كنتما بنبرة يعلوها االنفعال سأل أبا ّ
عمار.
كنا نتسابق أجاب محمد ّ -
كل هذا سباق؟َ -أو ُّ
ً عمار ّ -أجاب ّ
والتعب باديا عليه :نعم لقد تعبنا من السباق.
ً ً ارتاح وجه أبي ّ
عمار قليال وقال :حسنا ال تطيال الغياب مرة أخرى.
ّ
ومحمد :سنفعل إن شاء الله. -قال ّ
عمار
وعمار إلى بعضهما وضحكا ضحكة خبيثة وانصرفا محمد ّ
نظر ّ
31
راكضين.
الصخرة تقاوم
ً ً
كان يوم الجمعة عندما بدأت المظاهرات مجددا تحديدا بعد
ّ
صالة الجمعة ،حيث سار الشبان المتظاهرون باتجاه الجبل وما
ً
لبثوا أن صعدوا الجبل قليال فباغتتهم من خلفهم من طريق الجبل
وصر المتظاهرون من ُ
دوريات جنود االحتالل ،وفي تلك اللحظة ح ِ
األمام ومن الخلف وأصاب االرتباك والفوضى جموعهم ،وانفصل
محمد عن ّ
عمار. ّ
32
ً ً
عمار هاربا باتجاه القرية حصل بعض ّالتدافع ووقع أرضا
هم ّ
وبينما ّ
ّ ّ
ويتجمد وكأنه الصنم. حاول ّالنهوض فإذا به يقف
33
َّ ّ ً ً ّ
عمارا لم يلتفت ولم عمااااار صرخ أحد الملثمين عاليا وكأنه يعرفه لكن
ً
معنيا بهذا االسم .ثم ركض هذا الملثم باتجاه ّ
عمار يتحرك وكأنه ليس
وحمله قبل أن يصل الجنود إليه وركض به تجاه القرية.
مكان آمن قال الملثم :ماذا كنت تفعل هناك أجننت؟!
عندما وصلوا إلى ٍ
ّ لم يتكلم ّ
واحدة بل حضن الملثم
ٍ بكلمة
ٍ عمار
وبعد دقيقتين ،أنت ما الذي تفعله هنا ظننتك في المسجد قال ّ
عمار
ً
خاشعا.
34
35
في المساء وبينما اجتمع الثالثة كالعادة كان ّ
محمد يأكل ِالبطيخ
ً األحمر بشراهة بينما كان ّ
َ
عمار واقفا ينظر باتجاه الجبل.
ٌ ً
قليال من البطيخ إنه لذيذ قال ّ ْ ُ
مشغول باألكل محمد وهو ِ ل وك -تعال
ً لم يجب ّ
عمار شيئا.
-أنا أعرف ما حدث قال ّ
محمد وتابع إنها الصدمة ،شعرت بالصدمة
من المواجهات ال بأس أنت صغير
ولم تتعود بعد على المواجهات...
عمار كالم ّ
محمد ثم تجاهل ّ
ً ً
ابتعد قليال وأحضر معه عصا.
-هل يمكن لهذه العصا أن توقع
صخرة كبيرة؟ سأل ّ
عمار.
محمد ومها من ّ
السؤال ُ -ذ ِه َل ّ
وفتحا فمهما وكأنهما ّ
تجمدا
-أحتاج إلى عصا أكبر وأصلب
من هذه هل تستطيعا أن تحضرا
ّ ً
تتسمرا هكذا؟ واحدة بدال من أن
36
ُ
-سأجلب لك واحدة بعد أن تخبرني لماذا تحتاجها؟ قالت مها بدهاء.
-لقد أخبرتك اآلن ،أريد أن ّ
أحرك صخرة كبيرة.
محمد :ولكن قوتك ال تكفي لذلك ال بد أن تطلب -أجاب ّ
ً
مساعدة منا أيضا من أجل أن تنجح في ذلكّ ً .تابع ّ
محمد أكل ِالبطيخ بشراهة أقل ثم أردف قائال :فكر باألمر
إذا أردت العصا بالتأكيد سنساعدك بالعثور على واحدة جيدة
وبحملها وبنقلها إلى تلك الصخرة التي تكلمت عنها.
عمار باالرتياح فاقترب من ّ
محمد ومها وبدأ بأكل ِالبطيخ. شعر ّ
37
ً في اليوم التالي وعندما استيقظ ّ
عمار وجد أمامه عصا طويلة وقوية
جف فأصبح بجفافه أقسى وأقوى. وكأنها غصن شجرة قديم ّ
ّ
ويتفحصه وقبل أن ،يغسل وجهه أمسك ّ
عمار هذا الغصن وبدأ يقلبه
من كل الجهات.
ً
-صاح مبتسما ،هذا بالضبط ما أريد.
ً
-قالت مها :إذا ما الخطة؟
عمار خشبة وبدأ يرسم ويقول:رملية أمسك ّ
ٍ أرض
-على ٍ
الجبل هنا .المستوطنة هنا .المتظاهرون هنا .الجنود يأتون من هنا.
محمد ومها رأسيهما موافقين.هز ّأليس كذلك؟! ّ
لن نستطيع هزيمة الجنود برمي األحجار ولكن نستطيع أن نعرقل
تقدمهم من هذا االتجاه.
ً
-أجاب محمد واثفا :نعم بالتأكيد.
في يوم الجمعة الفائت وجدت أن هناك على جانب الجبل صخرة
ً َّ ّ
كبيرة جدا إل أنها قابلة للحركة كما بدا لي إذا ما نجحنا وألقينا تلك
ّ الصخرة على الطريق ّ
السفلي فإننا بذلك نعرقل تقدم الجنود.
ُأ ِص ْيب ّ
محمد ومها بالذهول.
38
ً ً تنفس ّ ّ
عمار بعمق وقال ،حسنا إذا هذه هي الخطة. -
ّ ً
وفي يوم الخميس ظهرا ذهب الثالثة لمعاينة المكان الذي تكلم
عمار وحاولوا زحزحة الصخرة ،وبالفعل بدت الصخرة سهلةعنه ّ
الحركة ،وضع الثالثة أدواتهم هناك بالقرب من الصخرة وعادوا إلى
المنزل .في يوم الجمعة أحضرت مها معها ثالث كوفيات.
39
محمد إلى العصا ووضع مقدمتها تحت الصخرة ووضعت هرع ّ
ً
مها حجرة وثبتتها أسفل العصا من جانب المقدمة ووقف الثالثة
على الجهة المقابلة للصخرة وبدؤوا بالضغط على العصا ،تحركت
الصخرة من مكانها ولكن ّ
القوة لم تكن كافية لدحرجتها ،حاولوا
الضغط أكثر ولكن لم تنجح الخطة ،وبسرعة صعدت مها على
صخرة أعلى منها ثم قفزت على العصا من جهة ّ
محمد فإذا بالصخرة
ً ً ّ
ترتفع وتتدحرج باتجاه الطريق وتتصلب هناك ثابتة مشكلة عائقا
أمام الجنود.
40
عندما رأى المتظاهرون جنود االحتالل عالقين خلف الصخرة ّدبت
بهم الحماسة وفرحوا ّ
وكبروا وركضوا باتجاه الكرفانات وأحرقوها.
بينما عاد الصغار الثالثة بسرعة إلى القرية فرحين بما فعلوه بجنود
االحتالل.
41
احتفاالت على الجبل
42
المرة اتجه ّ
عمار إلى الشرفة نفسها قفز ّ
محمد إلى الشرفة ،وهذه ّ
ً
ويبدو أنه قرر أن يقفز إليها أيضا .أمسك أنبوب تصريف المياه
بكلتا يديه ّ
وحرك قدمه اليمنى باتجاه الهواء ثم اليسرى لكنه بقي
ً ً
عالقا في الهواء ممسكا بكلتا ذراعيه بأنبوب تصريف المياه وكأن
يديه ّ
تجمدتا في تلك اللحظة.
43
ّ ّ ّ ً
عمارا عال ٌق فوقه ،نظر إليه وقال بذكاء :اجمع الحظ محمد أن
ُ ّ
قدميك مع بعضهما واثني رجليك واشدد ظهرك واترك األنبوب.
َّ ّ ّ سمع ّ
عمار تلك الكلمات وجمع قدميه وثنى رجليه وشد ظهره إل أنه
لم يستطع أن ُي َ
فلت يديه.
رد ّ
عمار. -ال أستطيع بصوت يائس َّ
ٍ ٍ
ً ً
-إذا سأنتظرك حتى تتعب ثم تسقط أرضا وتنزل على ظهرك وتتكسر
أضالعك.
ً ً ً
-اسكت قليال ،حسنا ،سأحاول ،وأخيرا أفلت يديه ونزل على قدميه.
ّ ً -قال ّ
متحمسا :رائع. محمد
تسلل االثنان إلى الحقل وهناك كانت مها بانتظارهما وقد بدت عليها
بعض عالمات الغضب.
كل هذا الوقت؟ ّ
هيا أسرعا قبل أن تطير -يا لكما من بطيئين ِل َم ُّ
الشجرة.
ً -قاطعها ّ
عمار ساخرا :الشجرة ال تطير.
ً
-بل تطير وسيطير عقلي أيضا.
ومحمد دون أن يجرؤا على إصدار أي صوت.ّ -ضحك ّ
عمار
ركض الثالثة باتجاه سفح الجبل نحو الشجرة الكبيرة وكانت المفاجأة.
44
-يا إلهي لقد طارت الشجرة قالت مها غاضبة.
هناك على جانب الشجرة األيمن جلس ثالثة أوالد آخرون تظللوا
تحت فيء الشجرة الكبيرة.
-أنا آسف ّإنه خطئي قال ّ
عمار.
-ال عليك ،سنعثر على مكان آخر قالت مها.
-تعالوا تعالوا انضموا إلينا صرخ أحد األوالد من جانب الشجرة
األيمن.
ّ نظر الثالثة إلى بعضهم بينما قال ّ
عمار :ألم أقل لكم إن الشجرة
ال تطير .ضحك الجميع ثم اتجهوا إلى تلك الشجرة الكبيرة التي
بحنان من أشعة الشمس.
ٍ بدت كأنها تحضنهم وتحميهم
45
ً ً
اقتسم الجميع طعام اإلفطار الذي أصبح مزيجا مزدوجا من الفطور
نفسه فالزعتر والزيتون والزيت والجبن والخبز والبندورة الحمراء والخيار
األخضر كل هذا تكرر مرتين.
-قال ّ
عمار :غريب!
-ما الغريب؟ أجاب أحد األوالد
َّ ّ
-كل أهل القرية تأكل الفطور نفسه ال بد أنه
الفطور الرسمي ألهل القرية.
ضحك الجميع وتشاركوا في األكل .بينما ّ
هم
ّ
عمار بالتهام ّ
حبة بندورة حمراء كبيرة سمع
الجميع صوت فرقعة ّ
سيارة.
-يا إلهي لقد عادوا لينغصوا عيشتنا قال أسامة
ّ
وهو أطول األوالد الموجودون تحت الشجرة ثم
ً
تابع قائال ال يريدون أن يتركونا بسالم.
ً
وقف أسامة وقال معترضا :بل اآلن بدأت
ً
فعال.
ركض ّ
محمد باتجاه الدورية كالفهد
ً
السريع وكان ّأول المقتربين وأمسك حجرا
بيده الصغيرة ورماه باتجاه الجنود ،فوقع
ً
الحجر قريبا من قدم الجندي.
47
ً دا أكثر دقة على التصويب قال ّ ّ ً
عمار مستغربا. -لقد ظننت أن محم
-هو كذلك لكن هذا اسمه تحذير أجابت مها وعيناها ترقب
الحدث
-أطلق أحد الجنود طلقة باتجاه السماء.
-قال أحد األوالد :يبدو أنهم ال يريدون التراجع.
ساد المكان صمت مطبق دقيقتين كاملتين بدت كأنهما سنتان.
بدأت المجموعة الشمالية من األوالد بإمطار الجنود بالحجارة بينما
ً التف ّ
محمد بسرعة خلف صخرة كبيرة وضرب منها حجرا أصاب
ً
رأس أحد الجنود ،ثم ما لبث أن شارك الجميع تقريبا في رمي
الحجارة وهرب الجنود إلى السيارة المصفحة مذعورين.
اختباء الجنود أجج الحماس في األوالد الذين اقتربوا أكثر
السيارة ،لكن سرعان ما أتت ثالث وسددوا الضربات المباشرة على ّ
محملة بالجند نجدة لتلك الدورية المحاصرة .أدرك األوالد سيارات ّ ّ
مفر فقد حانت الساعة ،فإما أن ُيقاموا وإما أن يهربوا أصبح
أنه ال ّ
المشهد أكثر عدوانية إذ بدأ الجنود بتصويب الطلقات والغاز
ّ
المسيل للدموع والقنابل الصوتية باتجاه األطفال وما هي إال لحظات
حتى وصل األهالي ليساعدوا األوالد.
48
ً ً
وأخيرا بدأ الجنود بالتقهقر أمام صمود األوالد واألهالي معا.
ً صرخ ّ
عمار فرحا :ها هم تراجعوا.
ّ
بالمجان. أجاب أحد األوالد :ال تفرح ال شيء عندهم
ً هم ّبينما ّ
محمد بالمقدمة معلنا النصر بغرسه العلم على الصخرة
بحمم
ٍ الكبيرة عاجلته رصاصة اخترقت بطنه الصغير أحس حينها
َ
حمراء مألت ببقعة
ٍ كالبركان تخرج من بطنه ،وضع يده عليها فإذا
يده ،عندها أغمض عينيه.
49
بعد مرور يومين على الحادثة.
50
51
ّ
عمار يف القدس
ّ
جهز ّ
عمار حقيبته الصغيرة
فقد حانت رحلة القدس،
ركب ّ
سيارة التويوتا
الحمراء التي استأجرها
أبوه للرحلة ،كانت عالية
وواسعة ،ركب ّ
عمار في
المقعد الخلفي فتح النافذة.
نلتقي غدأ إن شاء الله قال ّ
عمار وهو ينظر إلى محمد ومها.
كنت أتمنى أن أكون معك ألصلي باألقصى لكن ال أستطيع .قال
محمد بحزن
بفضل جوازك األمريكي تستطيع حتى الوصول إلى المريخ
قالت مها مازحة
ً لكن ليس إلى كوريا الشمالية .أجاب ّ
عمار مبتسما
ضحك الجميع.
52
السيارة بحذر عبر الدرب الرملي بينما كان ّ
عمار ينظر إلى سارت ّ
ّ ّ
محمد ومها وكأنه يريدهما أن يحلقا فوق الحاجز الذي يمنعهما
من الوصول إلى القدس.
ً اتجهت ّ
ملتو وكأنه
ٍ ٍ بطريق اتجهت ثم عقربا باتجاه جنوبا السيارة
جسد أفعى إلى طريق رام الله نابلس ،على أن الطريق ال يتجاوز
ً ً ً
الستين كيلو مترا إال أنه بدا مرهقا ومتعبا فقد كان عليهم أن
حر شهر آب وحواجز جنود االحتالل. ّ
يتحملوا ّ
53
ً -أوه كم هي صعبة هذه الطريق قال ّ
عمار متأففا.
-نعم لكن القدس تستحق هذا :العناء قالت أم ّ
عمار مواسية.
ً
-ال أفهم شيئا إنها فقط مدينة.
-سنرى ذلك .قالت األم.
ً -ال أفهم لماذا كل هذه الجنود هنا؟ قال ّ
عمار منفعال.
-إنهم يحرسون تلك المستوطنات وأشارت األم بيدها إلى
مستوطنة نفيه دافيد وتابعت هؤالء أتوا من بيوتهم في أمريكا
وروسيا وأوروبا ليسرقوا األراضي الزراعية والغنية بالمياه
ضيقون على الفلسطينيين عيشتهم ،فإذا ما ُجرح أحدهم ُوي ّ
اتصل بجنود االحتالل الذين يهبون لحمايتهم.
ً
-يا إلهي كيف يمكن لشخص أن يسرق شخصا آخر فقط ألنه
يملك السالح؟ صاح ّ
عمار.
ً ّ ّ ّ -
ثم قاإلنها الحياة لألقوى هز األب رأسه موافقا،
-قالت األم معترضة بل لألذكى ،وألصحاب الح ّق
ً -ولكن لماذا نحن ضعفاء قال ّ
عمار حزينا
ّ
تمكن ابن ّ -لو ّ
عمك محمد وبقية األوالد من كنا ضعفاء لما
هزيمة قوات االحتالل على سفح الجبل .قال األب
54
ً -لكن ..أقصد ..سكت ّ
عمار محاوال تجميع األفكار برأسه من
جديد ،أقصد يا أبي لماذا نحن ضعفاء لدرجة أن يسرق اآلخرين
أرضنا
55
-األب :كم عدد الفلسطينيين قبل النكبة؟
ً ّ -
عمار :مليون تقريبا
-األب :كم عددهم اآلن ؟
-أكثر من ثالثة عشر مليونا.
-األب :هل تنازل هؤالء عن حلمهم في إقامة دولتهم؟
ّ -
عمار :بال ،بل يحلمون بالعودة
-األب :هل عندنا القدرة على توليد الحياة؟
ّ -
عمار :لم أفهم!
-األب :هل الفلسطينيين مجتمعات متخلفة بائسة؟
عمار :بل منتجين ّ
وعمال وأكاديميين ومتعلمين. ّ -
-تدخلت األم وكأنها لملمت بعض األفكار قائلة على عجل:
ً
بسؤال آخر
ٍ تردفه أن أيضا سؤالك جيد ومنطقي ومن المفيد
ّ ّ ّ -حاول ّ
عمار أن ينظر إلى أمه إل أن بصره تعلق بشجرة زيتون
قديمة وكبيرة على جانب الطريق بالقرب من بلدة جبع ،قال
ّ ّ
عمار ما هو؟ بينما بقيت عيناه معلقة بالشجرة
-لماذا هاجرنا إلى أمريكا؟ قالت األم.
-بسبب عمل أبي ،أجاب ّ
عمار.
56
-األم :وما الفائدة من عمله.
عمار :المال.ّ -
-األم :وهل المال ّقوة؟
ّ -
عمار :نعم.
57
عمار برفقة والديه إلى باب العمود حيث كان ّ
يعج بالبائعين دخل ّ
الذين افترشوا األرض يبيعون منتجاتهم الريفية ذات الروائح
الجميلة ...أنا جائع قال ّ
عمار
ً
-حسنا يمكننا أن نأخذ فطورنا ونتجه إلى االقصى قالت األم
بينما توجه األب إلى بائع متجول واشترى بعض الفالفل وناول
ً
بعضا منها .شعر ّ ّ ً
عمار بالبؤس وقال لنفسه :يا إلهي وعمارا زوجته
لكن الجوع أجبره علىفالفل باردة! وكيف سيأكلها اإلنسان؟ َّ
أن يقضم القرص األول وما إن أطبقت أسنانه على القرص حتى
ّ
تغيرت مالمح وجهه وشعر بالعجب الشديد ،ما هذه القرمشة!
قال ّ
عمار لنفسه
58
ُ ّ
وغل في شيء بارد وحلو
استمرت أسنانه بالقضم فإذا هي ت ِ بينما
وطري وحامض..
عمار حتى بدا وجهه وكأنه عندها فقط اندفع الدم في عروق ّ
تحول إلى حبة بندورة ممتلئة .صاح ّ
عمار :يا إلهي ما هذه الفالفل ّ
العجيبة المحشوة؟ لم أتذوق مثلها في حياتي بينما ضحك
الوالدان موافقين.
59
عمار إلى األقصى ،أبهرته تلك ّ
القبة الذهبية ولم يفهم وصل ّ
ً لماذا سجد ّ
أبواه عند دخولهما الساحة بينما وقف مذهوال
ّ ً
المغطى مستسلما للجمال األزرق المزركش بالفنون العربية
بقبة ذهبية.
60
كل شيء فعلوه هناك ،أفطروا الحمص والفالفل مع الكعك
ّ المقدسيّ ،
تجولوا وصلوا الظهر ،شاركوا بالنشاطات المقامة،
ُ ّ ّ
وسلموا على ّ
المصلى الحراس ،دخلوا تحدثوا مع المعتكفين
المرواني وقبة الصخرة ومصلى الرحمة وقبة النبي سليمان عليه
السالم وكل األماكن...
عمار ّ
ليتنزه في ساحة المسجد فإذا به بعد صالة العصر خرج ّ
يرى بعض المستوطنين ينظرون إلى قبة الصخرة ويصلون صلوات
تلمودية.
ّ -
عمار! سمع صوت أمه التي أيقظته من حلمه.
-ماذا ماذا تريدين؟
-قلقنا عليك.
-أنا قادم.
ً
-حسنا ال تتأخر.
ٌ أغمض ّ
يأت أحد لحلمه ،شعر بالضيق الشديدعمار عينيه ولكن لم ِ
ّ ّ ّ
وظل يفكر ويفكر ليس وكأنه ُهزم هزيمة عظيمة .ذهب إلى والديه
َّ
بشيء إل بما أحس به من هزيمة وعجز.
بعد صالة العشاء خرج ّ
عمار برفقة أبويه من المسجد وهم في
ّ ً
تجمعا ألحد المستوطنين الذين تجمهروا لسبب طريقهم شاهدوا
ما.
62
ً ازدادت نبضات قلب ّ
عمار الصغير وبدأ الدم يجري وكأن وحشا
ّ
تتجمد من البرد ،قال لنفسه :لن ما يطارده ّ
وأحس أن أطرافه بدأت
ُ
أهزم في اليوم نفسه مرتين .وكأن فكرة ما خطرت في باله فأخرج
هاتفه ّالنقالَّ ،فعل البث المباشر على الفيس بوك وطلب من أبيه
وصلها بالكاميرا الحديثة ،ففعل ذلك بسرعة ولم يناقشه في شيء،
ً
مكان مرتفع ابدأ
قال ألبيه منفعال :عندما أصل هناك وأشار بيده إلى ٍ
ً بتصويريّ ،
هز األب رأسه موافقا.
63
حجر قديم مرتفع وسط جموع المستوطنين وقال ّ
صعد عمار إلى ٍ
بلهجة أمريكية جميلة :مرحى! سنلعب اليوم لعبة والرابح سوف
يحصل على تذاكر رحلة ألمريكا لمدة أسبوع شاملة التكاليف.
ّ
تقدم ّ
عمار وأخذ هاتف أحد انكسر ّمرة أخرى هذا الهدوء حينما
المستوطنين وقال له هذا الهاتف لي.
ً
اندهش المستوطنون وقال متجمدا بل الهاتف لي.
قال ّ
عمار برهن ذلك.
ً
استشاط المستوطن غضبا.
64
ً عاجله ّ
عمار قبل أن يقول شيئا هذا لي والدليل أنه في جيبي اآلن.
ً
بينما اشتعل المستوطن غضبا كان البقية يضحكون باستخفاف غير
مدركين لما يخطط له ّ
عمار.
-من أي بلد أتيت؟ سأل عمار المستوطن.
-من بولندا.
ً
-حسنا أتيت من بولندا مع الهاتف أم بدونه؟
-بل أتيت بدونه.
-هل اشتريته هنا؟
-نعم كنت في تل أبيب واشتريته
-وأين تسكن؟
-هنا في القدس.
-وهل اشتريت مسكنك؟
تلعثم المستوطن بينما ُصعق اآلخرون وبدأوا بالهيجان والسب
ً ً والتهجم على ّ
عمارا من الساحة عمار حتى تدخلت الشرطة وطردت
رفقة والديه.
ّ
المحلية ضجت وسائل التواصل االجتماعي واألخبار وفي اليوم التالي ّ
والعالمية بما صنعه ّ
عمار.
65
على أبواب بيتا
66
-نعم صحيح وسؤالك ذكي لقد قطع علينا ذلك الجندي في ذلك
اليوم حديثنا ولم نكمله ،هناك فرق بين إعمار األرض وبين بيعها
فنحن لم نبع أرضنا ومنزلنا هناك في بيتا.
-لكن لم أفهم لآلن لماذا هاجرنا لماذا نترك كل هذه األرض وأقاربنا
لنعيش في تلك البالد البعيدة؟
-األرض تحتاج لمن ّ
يعمرها ،عمارة األرض تستلزم علينا أن نزيد من
ً ً ً
ّقوتنا المالية والعلمية ،إنك تتلقى تعليما جيدا هناك ،وغدا ستكبر
وتتعلم بإحدى الجامعات وتساهم في عمارة بلدنا ،وأنا نفسي
ً
عمال ّ
يطور نفسه والذي من درست هناك بينما كان أبوك يؤسس
خالله يفيد نفسه وأخوته ويساعدهم .وهكذا كلنا نستفيد دون أن
ّ
نفرط باألرض.
-فهمت فهمت لكن ال أريد أن أذهب إلى أمريكا اذهبوا وحدكم.
-األب :انظر إلى تلك الشجرة التي على الطريق أشار إلى شجرة
زيتون عمالقة ،نحن كتلك الشجرة.
ٍ
-كيف ذلك؟ الشجرة ثابتة ونحن نتحرك.
-األب :هل تعتقد أن جذورها أكبر من فروعها؟
-لم أفهم.
67
-جذور هذه الشجرة ضاربة في األرض ثابتة لكن أغصانها مثمرة
تعانق السماء وتحمل الخير والبركة ،نعم ال تتحرك الشجرة ولكن
الله أعطانا القدرة على التحرك كما أعطانا القدرة على التشبث
ً
باألرض تماما مثل تلك الشجرة.
ً
لحظة ما سنعود
ٍ -األم :مهما ابتعدنا تبقى جذورنا هناك ،غدا عند
لنعيش هنا فنحن باقون كما الزيتون والزعتر .وأنت تعود أقوى
وتفيد أهلك وأقاربك بعلمك وعملك.
ً -تابع ّ
عمار النظر إلى الطريق متنقال بنظره بين شجرة وأخرى إلى أن
وصلوا بيتا.
68
عندما وصلت ّ
السيارة إلى المنزل بدأ بعض األوالد بالتجمهر حول
بعمار الذي كان حديث الصحف ومواقع التواصل السيارة مرحبين ّ
ّ
االجتماعي
69
ً فيما بادلهم ّ
عمار تلك المشاعر وذهبوا جميعا إلى الجبل فيما
انعكس ظلهم على األرض ليبدو وكأنهم أطول وأضخم.
70
71
«إهداء الى أطفال بيتا وأطفال فلسطين»