Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 16

‫«هندسة ّ‬

‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ّ‬
‫ظل مشروع امليثاق‬
‫من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية»‬
‫ ‬

‫عائشة بوزيد‬
‫‪ -‬طالبة دكتوراه ‪-‬‬
‫باملدرسة الوطنية العليا للعلوم ّ‬
‫السياسية‬
‫ّ‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫بعدة مراحل‪ ،‬مستعينة‬ ‫السياسة الخا جية الجزائرية في تا يخها ّ‬
‫مرت هندسة ّ‬ ‫لقد ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الدبلوماسية منتقلة في ذلك من‬ ‫بأهم أداة من أدواتها أال وهي الهندسة ّ‬‫في ذلك ّ‬
‫دبلوماسية الثورة إلى دبلوماسية القدرة؛ وضمن دبلوماسية القدرة يندرج موضوع‬
‫السلم واملصالحة‬ ‫ظل مشروع امليثاق من أجل ّ‬ ‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ّ‬
‫ّ‬
‫والتكيف‪،‬‬ ‫ّ‬
‫التحمل‪،‬‬ ‫الوطنية»‪ ،‬واملقصود بدبلوماسية القدرة هنا‪ ،‬قدرة الجزائر على‬
‫السيادية‪،‬‬ ‫وعلى إنجاز املشاريع والخروج من األزمة بمفردها مع املحافظة على ثوابتها ّ‬
‫الدولة القاد ة في من الترويج ملشا يع ّ‬ ‫ّ‬
‫وتكلمها بنجاح عن مشروع ّ‬
‫الدول الفاشلة‪.1‬‬ ‫ر‬ ‫ر ز‬
‫السلم واملصالحة الوطنية في الجزائر‪ ،‬دأبت الجزائر ً‬
‫إيمانا منها‬ ‫بعد نجاح مشروع ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية على دول الجوار التي‬ ‫بضرورة تعميم التجربة الجزائرية في ّ‬
‫الساحل‪،‬‬ ‫بالربيع العربي والتهديدات األمنية في ّ‬ ‫تعاني من الفو�ضى بعد إفرازات ما ّ‬
‫سمي ّ‬
‫من منطلق مبدأ تعميم اإلفادة من التجربة الجزائرية في مكافحة اإلرهاب والخروج من‬
‫السلم واملصالحة الوطنية من طرف دول الجوار‬ ‫بتبني مشروع امليثاق من أجل ّ‬‫األ مة ّ‬
‫ز‬
‫التي تعاني من مشاكل داخلية‪.‬‬

‫‪755‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يمكن طرح إشكالية املوضوع كاآلتي‪ :‬كيف يؤثرمشروع امليثاق من أجل‬
‫ّ‬
‫املتغيرات‬ ‫السياسة الخارجية الجزائرية في ّ‬
‫ظل‬ ‫السلم واملصالحة الوطنية في هندسة ّ‬
‫ّ‬
‫اإلقليمية ّ‬
‫الراهنة؟‬
‫ّ‬
‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من األسئلة الفرعية كاآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬ما املقصود بهندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية؟‬
‫‪ .2‬ما هي فرص تعميم مشروع ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية؟‬
‫‪ .3‬ما هي رهانات تعميم مشروع ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية؟‬
‫سيتم اإلجابة عن اإلشكالية املطروحة واألسئلة الفرعية ً‬
‫وفقا ملعالم الخطة‬ ‫ّ‬ ‫إذ‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ّ -‬أو ًال‪ :‬تعريف هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية‬
‫ثانيا‪ :‬الهندسة ّ‬
‫الدبلوماسية من دبلوماسية الثورة إلى دبلوماسية القدرة‬ ‫ً‬ ‫‪-‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬سيرورة وصيرورة مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‬ ‫‪-‬‬
‫ابعا‪ :‬فرص ورهانات تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‬ ‫‪ -‬ر ً‬
‫ّأو ًال‪ :‬تعريف هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية‬
‫السياسة الخارجية مثلها مثل الهندسة في العلوم الطبيعية تعمل من‬ ‫ّإن هندسة ّ‬
‫ً‬
‫تحقيقا إلستراتيجية‬ ‫ميدانيا تجاه قضايا ّ‬
‫معينة‬ ‫ً‬ ‫أجل تحويل وترجمة الثوابت ّ‬
‫السيادية‬
‫ّ‬ ‫هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية املتمثلة في الثبات على إستراتيجية محور‬
‫وبناء عليه‪ ،‬يمكن تعريف هندسة السياسة‬ ‫االستقالل واملحافظة على االستقالل‪ً .‬‬
‫الخارجية الجزائرية كاآلتي‪:‬‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية مفهوم إجرائي يشتمل على منطق وعملية؛‬ ‫هندسة ّ‬
‫ّ‬
‫يستمده من املعارف والعلوم املختلفة كالهندسة‬ ‫فاملنطق مرتبط بمفهوم الهندسة الذي‬
‫السيادية التي تستند عليها ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية‪.‬‬ ‫الوراثية في تحديد الثوابت ّ‬

‫‪756‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫ّأما العملية فمرتبطة باملراحل املختلفة التي شهدتها ّ‬


‫السياسة الخارجية الجزائرية‬
‫ّ ّ‬
‫وتؤثرفي البيئة ّ‬
‫الداخلية والبيئة الخارجية؛ والجمع بين املنطق والعملية في هندسة‬ ‫تتأثر‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية يسمح لنا برصد ثبات ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في‬ ‫ّ‬
‫مواقفها إزاء مختلف القضايا‪.‬‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية هي ذلك‬ ‫وبناء عليه‪ ،‬يمكن القول ّأن هندسة ّ‬ ‫ً‬
‫الجمع بين منطق الهندسة الوراثية ّ‬
‫والرياضية والحاسوبية واملعمارية في تحليل عملية‬
‫ً‬
‫وميدانيا‪ ،‬كما يوضحها شكل الدوائر الهندسية‬ ‫ً‬
‫مبدئيا‬ ‫السياسة الخارجية الجزائرية‬ ‫ّ‬
‫املتقاطعة مع دائرة هندسة السياسة الخارجية اآلتي‪:‬‬
‫شكل يوضح تقاطع هندسة السياسة الخارجية مع مجاالت الهندسة‬
‫ّ‬
‫الرياﺿيات‬

‫المتطابقات‬
‫الشهيرة‬ ‫العلوم‬
‫المصفوفة‬ ‫هندسة‬
‫الهندسة‬ ‫الطبيعية‬
‫اإععالم ﻵﺍلي‬ ‫‪Soft‬‬ ‫السياسة‬
‫الوراثية‬
‫‪Hard‬‬ ‫الخارجية‬
‫العلبة‬
‫السوداﺀ‬

‫العمران‬
‫املصدر‪ :‬إعداد صاحبة املقال‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية هي امتداد لهندسة ّ‬
‫السياسة الداخلية‪،‬‬ ‫ّإن هندسة ّ‬
‫السياسة‬ ‫السياسة الداخلية ّ‬
‫قوية بقدر ما تكون ّ‬ ‫وهي مرآة عاكسة لها؛ فبقدر ما تكون ّ‬
‫الخارجية أقوى‪.‬‬
‫تأثرت باالنعكاسات ّ‬‫ّ‬ ‫السياسة ّ‬ ‫وعليه‪ ،‬يمكن القول ّأن ّ‬
‫السلبية‬ ‫الداخلية للجزائر‬
‫السياسة ّ‬
‫الداخلية منذ‬ ‫لـ‪ 132‬سنة من االحتالل االستيطاني للجزائر‪ ،‬وبذلك عملت ّ‬
‫ّ‬
‫التحرر من التبعية لإلدارة االستعمارية‪.‬‬ ‫االستقالل على‬

‫‪757‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬

‫للسياسة الخا جية الجزائرية ثوابت ومبادئ ّ‬


‫فإن ّ‬
‫السياسة‬ ‫ر‬ ‫من منطلق ّأنه إذا كان ّ‬
‫الداخلية كذلك ثوابت ومبادئ‪ ،‬وإحداها ّ‬
‫مكملة لألخرى‪ .‬كما يرتبط منحنى هندسة‬ ‫ّ‬
‫السياسية ّ‬
‫والسياسية‬ ‫السياسة الخارجية في عالقة طردية مع إحداثيات الهندسة ّ‬ ‫ّ‬
‫السياسة الخارجية ّ‬
‫بالسياسة الخارجية هي عالقة‬ ‫الخارجية يبرز ّأن عالقة هندسة ّ‬
‫الجزء ّ‬
‫بالكل‪ ،‬في املتتالية العالئقية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عالقة احتواء‪ ،‬فاألولى محتواة في الثانية‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة تحليل‪ ،‬فاألولى أداة تحليل للثانية‪.‬‬
‫ّ‬
‫محصلة للثانية‪.‬‬ ‫‪ -‬عالقة سببية‪ ،‬فاألولى‬
‫للسياسة الخا جية‪ّ ،‬‬
‫الداخلية مرآة عاكسة ّ‬ ‫السياسة ّ‬ ‫ً‬
‫انطالقا من ّأن ّ‬
‫فإن هندسة‬ ‫ر‬
‫الداخلية؛ وبما ّأن هندسة‬
‫السياسة الخا جية امتداد ومرآة عاكسة لهندسة السياسة ّ‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫السياسة الخارجية تتأثر باملحيط الداخلي سواء على مستوى الفرد‪-‬القائد‪-‬أو على‬ ‫ّ‬
‫املستوى الجماعي من ناحية طبيعة املجتمع وخصائصه املرحلية أو حتى على مستوى‬
‫ّ‬
‫مستمد‬ ‫السياسة الخارجية هي منطق وعملية‪ ،‬منطق‬ ‫فإن هندسة ّ‬ ‫السلمية»‪ّ ،2‬‬ ‫العالقة ّ‬
‫من أربعة فروع علمية هي الهندسة الوراثية‪ ،‬الهندسة الحاسوبية‪ ،‬الهندسة املعمارية‪،‬‬
‫للسياسة الخارجية‬ ‫املادية وغير ّ‬
‫املادية ّ‬ ‫ّ‬
‫مستمدة من األبعاد ّ‬ ‫الهندسة ّ‬
‫الرياضية‪ .‬وعملية‬
‫السياسية‬ ‫أساسا في ثنائية األبعاد التاريخية والجغرافية‪ ،‬األبعاد ّ‬
‫ً‬ ‫بشكل ّ‬
‫عام واملتمثلة‬
‫واالقتصادية‪ ،‬األبعاد االجتماعية والشخصية لهندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية‪.‬‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية هي‬ ‫كما سبق التأكيد عليه‪ ،‬من ّأن هندسة ّ‬
‫السياسة‬ ‫السياسة الداخلية‪ ،‬وهي مرآة عاكسة لها؛ فبقدر ما تكون ّ‬ ‫امتداد لهندسة ّ‬
‫ّ‬
‫التطرق إليه من‬ ‫ّ‬
‫سيتم‬ ‫السياسة الخارجية أقوى‪ ،‬وهو ما‬ ‫قوية بقدر ما تكون ّ‬‫الداخلية ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‪.‬‬‫خالل مشروع امليثاق من أجل ّ‬

‫‪758‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫ثانيا‪ :‬الهندسة ّ‬
‫الدبلوماسية من دبلوماسية الثورة إلى دبلوماسية القدرة‬ ‫ً‬
‫���������������رف امل����������رح����������وم ام������ح������م������د ي���������زي���������د‪« :‬ال ّ�������دب�������ل�������وم�������اس�������ي�������ة ب ّ‬
‫�������أن�������ه�������ا ال������ع���ل��اق������ات‬ ‫ل������ق������د ع ّ‬
‫ّ‬
‫�������������������������دول ون��������ش��������اط��������ه��������ا ف�����������ي ال����������ع����������ال����������م‪ ،‬ك��������م��������ا أك������������������د ع��������ل��������ى ّأن دب�������ل�������وم�������اس�������ي�������ة‪3‬‬
‫ب��������ي��������ن ال ّ‬
‫ال���ث���ورة ال��ج��زائ��ري��ة ه���ي م���د س���ة ح��دي��ث��ة ت��رب��ط ال��ن��ش��اط ال ّ���دول���ي ب��ال��ن��ش��اط اإلع��ل�ام ّ‬
‫����ي‪.‬ألن‬ ‫ر‬
‫للسفيرأو صاحب القرار‪.‬‬ ‫الدبلوماسية أصبحت تصل إلى الجماهيرقبل وصولها ّ‬ ‫الرسالة ّ‬ ‫ّ‬

‫الدولية‬ ‫بإنها «مجموعة القواعد واألعراف ّ‬ ‫سموحي فوق العادة ّ‬ ‫وعرفها الوزير ّ‬ ‫ّ‬
‫تهتم بتنظيم العالقات بين أشخاص القانون‬ ‫واإلجراءات واملراسم والشكليات التي ّ‬
‫الدولية واملمثلين ّ‬ ‫واملنظمات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولي أي ّ‬ ‫ّ‬
‫الدبلوماسيين‪ ،‬مع بيان مدى حقوقهم‬ ‫الدول‬
‫ّ‬ ‫وواجباتهم وامتيازاتهم وشروط ممارستهم مهامهم ّ‬
‫الرسمية واألصول التي يترتب عليهم‬
‫الدول املتباينة‬ ‫الدولي ومبادئه‪ ،‬والتوفيق بين مصالح ّ‬ ‫ّاتباعها لتطبيق أحكام القانون ّ‬
‫الدولية وعقد‬ ‫السياسية في املؤتمرات واالجتماعات ّ‬ ‫وفن إجراء املفاوضات ّ‬ ‫كما هي‪ّ ،‬‬
‫‪4‬‬ ‫ّ‬
‫االتفاقات واملعاهدات»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫التصور الهند�سي ليس سيرورة عملية خطية فقط‪ ،‬وإنما‬ ‫ّ‬ ‫وانطالقا من مبدأ ّأن‬
‫عملية تستند على مجموعة من املراجع العقالنية تعطي شكل ومحتوى بديل عن ّ‬
‫الحل‬
‫تتضمن تصميم‬ ‫ّ‬ ‫بأنها العملية التي‬ ‫الهند�سي؛ يمكن تعريف الهندسة الدبلوماسية ّ‬
‫الطويل األجل‪ ،‬وهي تهدف إلى إبراز ّ‬ ‫ّ‬
‫أهمية املوقف‬ ‫وتنفيذ وتقييم القرارات ذات األثر‬
‫والثبات عليه‪.‬‬
‫ّأما التعريف العملي للهندسة هي «التخطيط تحت الضغط»‪ ،‬منه استقى مفهوم‬
‫الدبلوماسية الخارجية العمل تحت الضغط‪ ،‬مثل الضغط الذي مورس على‬ ‫الهندسة ّ‬
‫الساحل‪.‬‬ ‫الربيع العربي أو دفعها إلى التهديدات األمنية في ّ‬ ‫لجرها إلى فو�ضى دول ّ‬ ‫الجزائر ّ‬
‫ّ‬ ‫يأتي مفهوم الهندسة ّ‬
‫الدبلوماسية للتمكن من زرع ثقافة املشاريع في ممارسات‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية‪ ،‬فاملشاريع لها قوة البقاء في ّ‬
‫الزمان واملكان‪5‬‬ ‫ّ‬
‫‪ .‬منها مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية على سبيل املثال ال الحصر‪،‬‬

‫‪759‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬
‫تطور هندسة ّ‬
‫الدبلوماسية الجزائرية في‪ :‬دبلوماسية الثورة‬ ‫كما يمكن إيجاز مراحل ّ‬
‫ودبلوماسية القدرة‪ ،‬كما هي ّ‬
‫موضحة في الشكل اآلتي‪:‬‬

‫مخطط توﺿي�ي النتقال هندسة ّ‬


‫الدبلوماسية‬

‫‪1962‬‬
‫الجزائرية‬
‫‪2017‬‬ ‫‪1954‬‬

‫دبلوماسية القدرة‬ ‫دبلوماسية الثورة‬ ‫الهندسة الدبلوماسية‬

‫املحافظة على ﻻﺍستقالل‬ ‫ﻻﺍستقالل‬ ‫إستراتيجية هندسة‬


‫ّ‬
‫السياسة الخارجية‬

‫املصدر‪ :‬إعداد كاتبة املقال‬


‫تطورها من هندسة الثورة‬ ‫الدبلوماسية الجزائرية في مراحل ّ‬‫لقد انتقلت هندسة ّ‬
‫التي تقابلها إستراتيجية هندسة السياسة الخارجية الجزائرية املتمثلة ً‬
‫أساسا في تحقيق‬
‫االستقالل‪ ،‬إلى هندسة القدرة التي تقابلها إستراتيجية املحافظة على االستقالل؛ سواء‬
‫ّ‬
‫التحمل‬ ‫القدرة على االستمرار في معركة البناء والتشييد بعد االستقالل‪ ،‬أو القدرة على‬
‫ً‬
‫خصوصا خالل فترة اإلرهاب‪.‬‬ ‫خالل األزمات‪،‬‬
‫الدبلوماسية الجزائرية في مراحل‬‫الصعوبات التي واجهتها ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫الرغم من ّ‬ ‫وعلى ّ‬
‫ّ‬
‫تطورها بعد االستقالل إال ّأنها بقيت محافظة على مبادئها‪ ،‬بل جعلت من تلك املبادئ‬ ‫ّ‬
‫للدبلوماسية الجزائرية على ّ‬
‫مر املراحل‬ ‫املستمدة من دبلوماسية الثورة القلب ّ‬
‫النابض ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الزمنية املختلفة‪.‬‬
‫كل ّ‬
‫النضاالت التي‬ ‫وعلى مستوى القا ّرة اإلفريقية‪ ،‬ما فتئت الجزائر تسهم في ّ‬
‫تخوضها شعوبها من أجل استكمال تحرير وضمان تنميتها‪ .‬فلقد كان على ّ‬
‫الدبلوماسية‬
‫‪760‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫السيادة الوطنية أن تدعم حضور الجزائر في العالم‪ ،‬وتقود‬ ‫الجزائرية غداة استرجاع ّ‬
‫عضوا كامل الحقوق في املجموعة ّ‬
‫الدولية‪ ،‬وكان عليها زيادة‬ ‫عددا من األنشطة بوصفها ً‬ ‫ً‬
‫السيا�سي للبلد وفي صيانة وحدته‬ ‫على ذلك ّكله‪ ،‬أن تسهم في استكمال االستقالل ّ‬
‫الترابية والحفاظ على حدوده الثابتة‪ ،‬في إطار جهوي ودولي صعب‪ .‬ومن هنا أعطيت‬
‫للدولة االستعمارية‬ ‫خاصة للعمل من أجل تحقيق جالء القوات العسكرية ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهمية‬‫ّ‬
‫‪6‬‬
‫باألمس‪ ،‬والقضاء على جميع قواعدها في البالد‪.‬‬
‫عموديا على هندسة ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫السياسة الخارجية‬ ‫فإذا كانت ‪ 132‬سنة احتالل أثرت‬
‫السياسة الخارجية‬ ‫أفقيا على هندسة ّ‬‫الجزائرية‪ ،‬وإذا كانت عشرية اإلرهاب ّأثرت ً‬
‫وعموديا على هندسة ّ‬
‫ً‬ ‫وتؤثر ً‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجزائرية‪ّ ،‬‬
‫السياسة‬ ‫أفقيا‬ ‫فإن الثورة التحريرية الكبرى أثرت‬
‫الخارجية الجزائرية‪ ،‬وهي مشروع ناجح ّأدى إلى انتزاع االستقالل الوطني ويسعى إلى‬
‫املحافظة عليه اليوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أساسا في القدرة على استكمال االستقالل‬ ‫في حين تتمثل دبلوماسية القدرة‬
‫واملحافظة عليه‪ً ،‬‬
‫بدءا بالتأميمات‪ ،‬القدرة على االعتماد على الذات‪ ،‬القدرة على معركة‬
‫البناء والتشييد‪ ،‬القدرة على مكافحة اإلرهاب‪ ،‬القدرة على الخروج من األزمات لوحدها‪.‬‬
‫القدرة على هندسة املشاريع وتعميمها منها مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة‬
‫ً‬
‫إقليميا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫التطرق إليه من خالل بحث فرص ورهانات تعميه‬ ‫ّ‬
‫سيتم‬ ‫الوطنية‪ ،‬وهو ما‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬سيرورة وصيرورة مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة‬
‫الوطنية‬
‫بعد توقيف املسار االنتخابي إثر فوز الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ سنة ‪ 1991‬التي‬
‫فازت فيها بنسبة ‪  % 80‬من أصوات الناخبين‪ ،‬دخلت البالد في دوامة عنف ظاهره‬
‫سيا�سي وباطنه دموي‪ ،‬وبدأت اآلالف من األرواح تسقط والجسور تنسف وأنهار من‬
‫الدماء تسيل‪ .‬حيث بلغ عدد الضحايا ‪ 200000‬قتيل أو يزيد‪ ،‬بينما فاقت الخسائر‬
‫ظل هذا املشهد ّ‬
‫املروع عملت الجزائر جاهدة على حقن دماء‬ ‫املادية ‪ 20‬مليار دوالر‪ ،7‬في ّ‬

‫‪761‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬

‫بلم شملهم من خالل تغليب ثقافة التسامح فيما بينهم‪ ،‬و إعادة االعتبار‬ ‫الجزائريين ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكامل لقيم املجتمع األصيلة املتمثلة في العدالة االجتماعية والتضامن الوطني‪ .‬والكف‬
‫السياسية التي من شأنها أن تحدث‬ ‫عن استعمال الهوية الوطنية كمجال للمجابهة ّ‬
‫‪8‬‬ ‫ّ‬
‫تصد ًعا في الوحدة الوطنية وتفتح ثغرات للهيمنة الخارجية‪.‬‬
‫كل الجزائريين ‪ ،‬وله محتوى اجتماعي اليمكن فصله عن بعده‬ ‫فاإلسالم هو دين دولة ّ‬
‫‪9‬‬
‫السياسة‪،‬والعنطريقالتمييز‬ ‫الروحي‪.‬غير ّأنهاليجبتوظيفاإلسالماألصيل‪،‬العنطريق ّ‬ ‫ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية الذي‬ ‫‪ .‬وعلى هذه األرضية جاء مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫ً‬
‫يمكن اعتباره امتدادا لقانون الوئام املدني وقانون الرحمة‪ ،‬الذي حاول معالجة األزمة‬
‫الجزائرية بإقرار العفو عن الجماعات املسلحة والجيش اإلسالمي لإلنقاذ‪ ،‬وجاء كذلك‬
‫ليسد الفراغ القانوني للمرحلة املمتدة من ‪ 13‬يناير ‪ 2000‬تاريخ انقضاء مفعول هذا‬
‫القانون إلى يوم االستفتاء على امليثاق وذلك بالتسوية القانونية لبعض األشخاص‬
‫الذين تابوا خالل هذه املرحلة‪ ،‬فميثاق «املصالحة الوطنية « هو جسربين الوئام املدني‬
‫‪10‬‬
‫وسياسة الرحمة والعفو الشامل‪.‬‬
‫السلم واملصالحة الوطنية في سياق نظرة مبنية على‬ ‫وعليه‪ ،‬فلقد جاء مشروع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التدرج في معالجة األزمة وأسبابها ومخلفاها‪ ،‬فكانت في البداية سياسة الرحمة‬
‫في ‪ 1995‬ثم تلتها مبادرة الوئام املدني في ‪ 2000 - 1999‬وأخيرا ّزكى الشعب ّ‬
‫برمته‬
‫سياسة املصالحة الوطنية عن طريق االستفتاء حول ميثاق السلم واملصالحة‬
‫ّ‬
‫الوطنية في ‪ 29‬سبتمبر‪ ، 11 2005‬إذ تؤكد ديباجته بأن «الفتنة الكبرى» التي حاولت‬
‫االنحراف بمسار الجزائر عن جادته الصحيحة هي اعتداء إجرامي ال سابق له‬
‫استهدف تقويض أركان الدولة الوطنية ذاتها‪ ،‬نتج عنه «مأساة وطنية» دفع الشعب‬
‫الجزائري خاللها فدية باهظة من األرواح والدماء وهي من فعل «اإلرهاب الهمجي»‬
‫‪12‬‬
‫الذي يتنافى مع قيم اإلسالم الحق ومثل السلم والتسامح والتضامن اإلسالمية‬
‫‪ .‬فأسباب هذه «الفتنة الكبرى» في مفهوم امليثاق تتلخص في تدجيل مقيت قام‬
‫‪13‬‬
‫أصحابه بتسخير الدين الحنيف وعدد من الجزائريين ألغراض منافية للوطنية‬

‫‪762‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫وعلى هذا األساس يمكن اعتبارمشروع امليثاق من أجل ّ‬


‫السلم واملصالحة الوطنية‬
‫وثبة هائلة للمجتمع كله بما له من قدرة على رسم ما يريده في املستقبل لبناء عالقاته‬
‫االجتماعية على قاعدة جديدة عن طريق االعتراف الجماعي بأخطاء املا�ضي والعزم‬
‫ظل احترام التنوع والتعددية التي تضمنهما قيم األصالة‬ ‫على التمتع معا باملواطنة في ّ‬
‫واملشاركة الديمقراطية والتضامنية‪ ،‬وهي القيم التي تكفلها له دولة الحق والقانون‪،14‬‬
‫ولقد جاء امليثاق من أجل تحقيق األهداف اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬تحقيق السلم ووقف القتال‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق املصالحة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -‬الحفاظ على تماسك املجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬عرفان األمة الجزائرية بمن وقف منها في وجه اإلرهاب‪.‬‬
‫‪15.‬‬ ‫‪ -‬وضع ّ‬
‫آليات عدم تكرارالتجربة اإلرهابية من جديد‬
‫السلم واملصالحة الوطنية للجزائر‪ ،‬على ّ‬
‫حد‬ ‫‪    ‬كما منح مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫الرئيس عبد العزيز بوتفليقة‪    ،‬السالمة من العواصف الهوجاء التي ما انفكت‪،‬‬‫تعبير ّ‬
‫منذ سنوات عديدة‪ ،‬تعتور بلدانا شقيقة‪ ،‬إذ كان لم الشمل نعم الجدار الذي عصم‬
‫‪16.‬‬
‫الجزائرمن املناورات والدسائس التي استهدفت الجزائرأيضا باسم “الربيع العربي”‬
‫السلم واملصالحة الوطنية أن يجد طريقه‬ ‫كما لم يكن ملشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫تمتع بها الشعب الجزائري مفتاح األمن‬ ‫للتجسيد امليداني لوال قيم التسامح التي ّ‬
‫واالستقرار‪ ،‬فمبدأ التسامح هو ما عملت الجزائر على تعميمه في سياستها ّ‬
‫الداخلية‬
‫ونظرا ّ‬
‫ألهميته‬ ‫وفي عالقاتها الخارجية‪ ،‬من خالل مختلف الوساطات التي قامت بها‪ً ،‬‬
‫يتم العمل على تشويهه والتشويش عليه إذ أضحى‬ ‫وضرو ته في العالقات ّ‬
‫الدولية اليوم‪ّ ،‬‬ ‫ر‬
‫«القيمة األكثر تغييبا في العالقات الفردية داخل املجتمعات ومنها إلى العالقات الدولية‬
‫‪17‬‬
‫التي مافتئت تزيد شراسة واضطرابا وتوترا»‪.‬‬

‫‪763‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬
‫ر ً‬
‫ابعا‪ :‬فرص ورهانات تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة‬
‫الوطنية‬
‫السياسة الخارجية هي مرآة عاكسة هندسة ّ‬ ‫ً‬
‫انطالقا من أن هندسة ّ‬
‫السياسة‬
‫السلم واملصالحة الوطنية هي مرآة عاكسة لتعميم مشروع ّ‬
‫السلم‬ ‫فإن جزائر ّ‬‫الداخلية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫واملصالحة الوطنية في الفضاء اإلقليمي للجزائر في مالي وليبيا‪ ،‬ولم ال في سوريا واليمن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألنه مشروع أصيل نابع من عمق املجتمع الجزائري‬ ‫ّ‬
‫ومحصلة ملحاوالت مشاريع سابقة‬
‫ً‬
‫تتويجا لتلك‬ ‫السلم واملصالحة الوطنية‬ ‫الرحمة والوئام املدني‪ ،‬أتى مشروع ّ‬ ‫هي‪ :‬مشروع ّ‬
‫املشاريع‪.‬‬
‫أ‪-‬فرص تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‪:‬‬
‫الداخلية فسيكون‬‫السياسة ّ‬
‫قوة التطبيق على مستوى هندسة ّ‬‫ّكلما كان ملشروع ما ّ‬
‫السياسة الخارجية أكبروالعكس صحيح ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫فرصة للتطبيق على مستوى هندسة ّ‬
‫ناجحا على املستوى ّ‬
‫الداخلي‬ ‫السلم واملصالحة الوطنية كان ً‬‫وبما ّأن مشروع ميثاق ّ‬
‫جيا‪ ،‬فجاء ّاتفاق ّ‬
‫السلم واملصالحة في‬ ‫الداخلية انعكست على فرص تعميمه خار ً‬ ‫فقوته ّ‬
‫ّ‬
‫كل دولة تعاني من أزمة داخلية‬ ‫ً‬
‫تتويجا لهذا التعميم إضافة إلى فرص تعميمه على ّ‬ ‫مالي‬
‫مثل ليبيا أو سوريا‪.‬‬
‫ً‬
‫نموذجا في‬ ‫وبذلك يمكن اعتبار توقيع اتفاق ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية في مالي‬
‫ّ‬
‫طريق التعميم في ليبيا وسوريا واليمن‪ ،‬ومع توفر شرط صدق النوايا‪ ،‬قامت الجزائر‬
‫باملساعدة في فتح حوار بين الفرقاء املاليين الذي ّتوج بتوقيع اتفاق السلم واملصالحة‬
‫املالية في ديسمبر ‪ ،2015‬وهي بصدد جمع الفرقاء األشقاء في دولة ليبيا للعودة ّ‬
‫للسلم‬
‫تجار ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّ‬ ‫ونزع فتيل ّ‬
‫السالح‬ ‫الصراعات التي أنهكت جميع األطراف وال يستفيد منها‬
‫ّ‬
‫البينية وإهدار‬ ‫والصهيونية العاملية التي تجني‪ ،‬منذ ‪ ،1948‬ثمار التشرذم ّ‬
‫والصراعات‬ ‫ّ‬
‫املوارد والتحالفات التي تستهدف عزل أو إضعاف الجار‪ .‬فالجزائر تساعد بشكل ّ‬
‫جاد في‬
‫ّ‬
‫الليبي للثورة التحريرية وال ّ‬ ‫ألنها لم تنس ولن تنس ّ‬ ‫ّ‬
‫يبي‪-‬الليبي ّ‬ ‫ّ‬
‫أدل‬ ‫الدعم‬ ‫دعم الحوار الل‬

‫‪764‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬
‫ّ‬
‫الليبية طرابلس بأحد ّ‬
‫النصوص املرجعية ّ‬
‫للدولة‬ ‫على ذلك من اقتران اسم العاصمة‬
‫‪18‬‬
‫الجزائرية‪.‬‬
‫ويمكن التمثيل ألسهم فرص تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة‬
‫الوطنية على الفضاء اإلقليمي الجزائري في الخريطة التوضيحية كاآلتي‪:‬‬

‫خريطة توضيحية ألسهم فرص ورهانات تعميم مشروع امليثاق‬


‫السلم واملصالحة الوطنية‬
‫من أجل ّ‬
‫ب‪-‬رهانات تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‪:‬‬
‫تعيش الجزائر منذ بداية األلفية الثالثة رهانات على جميع املستويات أخطرها‬
‫الدفع إلى‬‫ما تعيشه على حدودها؛ فالجزائر محاطة بحزام ناري تما س عليها قوى ّ‬
‫ر‬
‫سمي ّ‬
‫بالربيع‬ ‫الجر إلى فو�ضى ما ّ‬‫املتحركة وقوى ّ‬
‫ّ‬ ‫التهديدات األمنية في رمال ّ‬
‫الساحل‬
‫العربي‪ ،‬والجزائراملحاطة بمنطقة رمادية‪ Zones Grises 19‬املتمثلة في حزام التوترات على‬
‫‪20‬‬
‫حدودها‪ ،‬حزام نار متقدة على كل الجبهات ال يمكن أن تكون االستثناء أمام كرة النار‬
‫هذه لو لم تكن لديها إستراتيجية واضحة املعالم في هندسة سياسة خارجية قوامها‬
‫ضحى في سبيله ماليين من الشهداء الجزائريين‬ ‫ضرورة املحافظة على االستقالل‪ ،‬الذي ّ‬
‫املخلصين لوطنهم وشعبهم‪.‬‬
‫‪765‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬

‫ً‬
‫داخليا‪ ،‬بمحاولة ضربه‬ ‫والسؤال الذي يمكن طرحه هنا‪ :‬بماذا يضعف املشروع‬ ‫ّ‬
‫سلبا على فرص تعميمه‪ ،‬بل تزيد رهانات‬ ‫بالتطرف العنيف‪ ،‬وهذا ما سينعكس ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫تم ضرب املرجعية ّ‬ ‫ّ‬
‫سيؤدي‬ ‫ّ‬
‫متطرفة‬ ‫داخليا وظهور ّتيارات‬
‫ً‬ ‫الدينية‬ ‫ألنه إذا ما ّ‬ ‫تعميمه‪،‬‬
‫ً‬
‫ودوليا‪ ،‬ال�شيء الذي‬ ‫ً‬
‫إقليميا‬ ‫ً‬
‫داخليا وبالتالي زيادة رهانات تعميمه‬ ‫إلى إضعاف املشروع‬
‫الراديكالية تجربة للتبادل ومن‬ ‫تنبهت إليه الجزائرمن خالل عرض مشروع القضاء على ّ‬ ‫ّ‬
‫للدبلوماسية الوقائية‬ ‫ً‬
‫فتطبيقا ّ‬ ‫الديمقراطية وعالقتها بمكافحة اإلرهاب‪.‬‬‫ثم مشروع ّ‬ ‫ّ‬
‫التطرف العنيف على محورين أساسيين‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫تستند اإلستراتيجية الجزائرية ملكافحة‬
‫‪ -‬الحفاظ على مستوى عالي من التعبئة واليقظة على مستوى كافة املصالح‬
‫األمنية أثناء قيامها بمهامها ّ‬
‫املؤسساتية املتمثلة في حماية النظام العام وضمان أمن‬
‫األشخاص واملمتلكات‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق سياسة شاملة للقضاء على ّ‬
‫الراديكالية تمزج بين إجراءات سياسية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املؤسسات واملواطنين‬ ‫واقتصادية وثقافية ودينية في اآلن ذاته‪ ،‬وتشارك فيها كافة‬
‫‪21‬‬ ‫هامة من موا د ّ‬
‫الدولة‪.‬‬ ‫وتخصص لها نسبة ّ‬‫ّ‬
‫ر‬
‫الراديكالية تجربة للتبادل هو تركيزه على‬ ‫واملالحظ على مشروع القضاء على ّ‬
‫باتباع إستراتيجية اليقظة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدعوة إلى مشاركة‬ ‫التطرف داخل املجتمع‪،‬‬ ‫تجفيف منابع‬
‫ظل التهديدات األمنية املحيطة بالجزائرمن‬ ‫الجميع‪ ،‬للمحافظة على األمن واالستقرارفي ّ‬
‫ّ‬
‫سيتم تعميم‬ ‫كل جانب‪ .‬وبعد تعميم مشروع ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية في مالي وليبيا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الراديكالية تجربة للتبادل ضمان لتحقيق األمن واالستقرار‪،‬‬ ‫مشروع القضاء على ّ‬
‫ّ‬
‫والتطرف‬ ‫الديمقراطية في مكافحة اإلرهاب‬ ‫لفسح املجال فيما بعد ملشروع آخرهو «دور ّ‬
‫العنيف‪.‬‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية املبنية‬ ‫وبالتالي يمكن القول ّأن إستراتيجية هندسة ّ‬
‫السلم واملصالحة الوطنية الذي‬ ‫أساسا من مشروع ميثاق ّ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫أساسا على املشاريع تنطلق‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية قلبها ّ‬ ‫يمثل نواة إلستراتيجية هندسة ّ‬ ‫ّ‬
‫الصلب القضاء‬

‫‪766‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫والتطرف العنيف وحزامها الواقي مشروع دور ّ‬


‫الديمقراطية في مكافحة‬ ‫ّ‬ ‫على ّ‬
‫الراديكالية‬
‫اإلرهاب‪ ،‬كما هو ّ‬
‫موضح في الشكل اآلتي‪:‬‬

‫مخطط ّ‬
‫يوضح مشاريع هندسة السياسة الخارجية الجزائرية‬

‫مشروع الميثاق من أجل‬


‫ّالسلم واملصالحة الوطنية‬

‫مشروع مكافحة ّالراديكالية‬


‫و ّ‬ ‫دور ّالديمقراطية في مكافحة‬
‫التطرف العنيف "تجربة‬
‫ﻹﺍرهاب و ّ‬
‫التطرف العنيف‬
‫للتبادل"‬
‫املصدر‪ :‬إعداد كاتبة املقال‬

‫وبناء عليه يمكن القول بالترابط املنطقي بين املشاريع الثالث فمشروع ميثاق‬‫ً‬
‫ّ‬
‫والتطرف العنيف‬ ‫السلم واملصالحة الوطنية ّ‬
‫يؤدي إلى التأكيد على محاربة ّ‬
‫الراديكالية‬ ‫ّ‬
‫الديمقراطية التي ّ‬
‫تعد الحزام الواقي للجزائر‬ ‫يؤدي بدوره إلى تعزيز ّ‬
‫الصلب الذي ّ‬
‫القلب ّ‬
‫اليوم في مكافحة اإلرهاب‪.‬‬

‫‪767‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫السلم واملصالحة الوطنية ضمن‬ ‫تندرج فرص تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫ً‬
‫أساسا الرتباطها‬ ‫الدبلوماسية االستباقية ‪ ،Preventive Diplomacy‬وهذا راجع‬ ‫ّ‬
‫أساسا على ضمان األمن واالستقرار‬ ‫الوظيفي بتحقيق األمن القومي الجزائري‪ ،‬املستند ً‬
‫في الفضاء اإلقليمي الجزائري الضامن الوحيد للمواصلة في املشاريع التنموية‪.‬‬
‫السلم واملصالحة‬‫كما يمكن القول ّأن فرص تعميم مشروع امليثاق من أجل ّ‬
‫والتطرف العنيف ستكون أكبر بكثير من‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية لدى ّ‬
‫الدول التي تعاني من اإلرهاب‬
‫ّ‬
‫توفرت اإل ادة ّ‬
‫الداخلية املخلصة لدى جميع األطراف‪ ،‬بتغليب‬ ‫ر‬ ‫رهانات التعميم إذا ما‬
‫صوت الحكمة والعودة إلى تطبيق قيم العفو والتسامح عند املقدرة التي ّ‬
‫نص عليها‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫ّ‬
‫التكلم بنجاح عن ّ‬
‫الدول الفاشلة بعد إصدار نعوم تشومسكي‪Noam‬‬ ‫‪ - 1‬بدأ‬
‫ّ‬ ‫‪ Chomsky‬كتابه ّ‬
‫«الدولة الفاشلة» ‪ ،Failed State‬والذي اعتبر فيه أن بالده الواليات‬
‫ّ‬ ‫املتحدة األمريكية بعد غزوها للعراق دولة فاشلة ّ‬
‫ألنها لم تتمكن من تحقيق املطالب‬
‫ً‬
‫خصوصا بعد األزمة املالية العاملية لـ‪ ،2008:‬فلجأت لالحتالل‬ ‫ّ‬
‫الداخلية للشعب األمريكي‬
‫الداخلي بنجاح وهمي خارجي‪ .‬وامللفت لالنتباه هو تعميم هذا املفهوم‬‫مبررة بذلك فشلها ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫على جميع ّ‬
‫الدول التي تعيش أزمات داخلية وعدم التكلم عن املفهوم كما جاء في أصله‬
‫من ّأن الواليات املتحدة األمريكية دولة فاشلة‪ ،‬وهنا تكمن عبقرية تشومسكي الذي‬
‫الدول بطريقة ذكية‪ ،‬دون املساس بدولته‪.‬حتى تزيد القابلية للفشل لدى‬ ‫ّروج لفشل ّ‬
‫بمجرد القول بالفشل‬‫الداخلية‪ ،‬ألنه ّ‬ ‫األنظمة والشعوب املحبطة واليائسة من أوضاعها ّ‬
‫الداخلية والخا جية لتلك ّ‬
‫الدولة‪.‬‬ ‫معناه عبثية محاولة تحسين األوضاع ّ‬
‫ر‬

‫‪768‬‬
‫«هندسة ّ‬
‫السياسة الخارجية الجزائرية في ظل مشروع امليثاق من أجل السلم واملصالحة الوطنية»‬

‫‪ - 2‬ربيع‪ ،‬حامد‪ ،‬مذكرات في نظرية الدعاية الخارجية‪ .‬مكتبة القاهرة الحديثة‪،‬‬


‫‪ ،1970‬ص ‪.20 - 11‬‬
‫‪ - 3‬بداني أحمد‪ ،‬الجزائر خالل املرحلة االنتقالية ‪ 19‬مارس ‪ -05‬جويلية ‪،1962‬‬
‫قسم التاريخ وعلم اآلثار‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية والحضارة اإلنسانية‪ ،‬إشراف‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد‬
‫املجيد بن نعيمة‪ ،‬املوسم الجامعي‪.2013 - 2012 :‬‬
‫‪ - 4‬فوق العادة سموحي‪ّ :‬‬
‫الدبلوماسية الحديثة‪ ،‬بيروت‪ :‬داراليقظة العربية للتأليف‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1973 ،‬ص‪.3 :‬‬
‫‪ - 5‬على ّ‬
‫حد تعبيرالكاتب الكبيراملرحوم محمد حسنين هيكل‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 6‬أحمد طالب اإلبراهيمي‪« ،‬من الجزائراملجاهدة إلى الجزائراملستقلة‪ :‬دبلوماسية‬
‫الثبات واملثابرة»‪ ،‬ص‪.9 :‬‬
‫‪ - 7‬محمد خلفة‪« ،‬تجربة املصالحة والوئام املدني بالجزائر»‪30/02/2017 ,،‬‬
‫‪www.csds-center.com‬‬
‫السيد اليمين زروال‪ ،‬لنبن الجزائر ً‬
‫معا‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1995‬ص ‪.18‬‬ ‫‪- 8‬برنامج املترشح ّ‬

‫‪ - 9‬املصدرنفسه‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ - 10‬فوزي أوصديق‪« ،‬قراءة في مشروع ّ‬
‫السلم واملصالحة الجزائري»‪,،‬‬
‫‪www.aljazeera.net 14/03/2017‬‬
‫‪ - 11‬محمد كمال رزاق بارة‪« ،‬الحقيقة (غير اإلنتقائية) والعدالة (غير العقابية)‬
‫مقدمة لليوم ّ‬
‫الدرا�سي البرملاني‬ ‫السلم واملصالحة الوطنية»‪ ،‬مداخلة ّ‬ ‫في تفعيل ميثاق ّ‬
‫«السلم واملصالحة الوطنية والتنمية في الجزائر» يوم‪ 29 :‬سبتمبر ‪14 ,،2015‬‬‫حول ّ‬
‫‪www.apn.dz 04/2017/‬‬
‫السلم واملصالحة الوطنية‪.‬‬‫نص مشروع امليثاق من أجل ّ‬‫‪ّ - 12‬‬

‫‪769‬‬
‫املجلة الجزائرية للعلوم القانونية واالقتصادية والسياسية‬

‫‪ - 13‬املصدرنفسه‪.‬‬
‫‪ - 14‬محمد كمال رزاق باره‪ ،‬املرجع ّ‬
‫السابق‪.‬‬
‫‪ - 15‬محمد خلفة‪« ،‬تجربة املصالحة والوئام املدني بالجزائر»‪30/02/2017 ,،‬‬
‫‪www.csds-center.com‬‬
‫‪ - 16‬رسالة الرئيس بوتفليقة بمناسبة الذكرى العاشرة للمصادقة على ميثاق‬
‫السلم واملصالحة والوطنية يوم‪ 28 :‬سبتمبر ‪.2015‬‬
‫‪ - 17‬ميلود شرفي‪« ،‬التنوع واملشاركة والتسامح في منطقة الشرق األوسط وشمال‬
‫إفريقيا باتجاه سالم وتنمية مستدامين»‪ ،‬بيروت‪http://www.ech-chaab.com, ،‬‬
‫‪/21/03/2017‬‬
‫ّ‬
‫خاص للتلفزيون الجزائري‪.‬‬ ‫‪ّ - 18‬‬
‫السيد األخضراإلبراهيمي في لقاء‬
‫‪ - 19‬مفهوم مأخوذ من كتاب‪Sous la direction de Pierre Pasallon : Les zones :‬‬
‫‪grises dans le monde aujourd’hui le non-droit gangnière-t-il la planète ?,‬‬
‫‪.L’Harmattan, Paris-France, 2006‬‬
‫الديمقراطي عند صامويل هنغتنتون في‬ ‫‪ - 20‬على ميزان أو شاكلة كرة الثلج للتحول ّ‬
‫كتابه املوجة الثالثة أو مقال ‪.la boule de gaz‬‬
‫‪ - 21‬وزير الشؤون املغا بية واالتحاد اإلفريقي وجامعة ّ‬
‫الدول العربية‪ ،‬الجزائر‬ ‫ر‬
‫والقضاء على ّ‬
‫الراديكالية تجربة للتبادل‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2015‬ص‪.3 :‬‬

‫‪770‬‬

You might also like