Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫احلديث اخلامس‬

‫اإلسالم اتباع ال ابتداع ‪ :‬والرسول الكرمي صلوات اهلل وسالمه عليه حفظ اإلسالم من غلو ‪1.‬‬
‫املتطرفني وحتريف املبطلني هبذا احلديث الذي يعترب من جوامع الكلم ‪ ،‬وهو مستمد من آيات كثرية‬
‫يف كتاب اهلل عز وجل ‪ ،‬نصت على أن الفالح والنجاة يف اتباع هدي رسول اهلل صلى اهلل علييه‬
‫وسلم دون تزيد أو تنطع ؛ كقوله تعاىل ‪ ( :‬قل إن كنتم حتبون اهلل فاتبعوين حُي ببكم اهلل ) [ آل عمران‬
‫‪ ] 31 :‬وقوله ‪ ( :‬وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه وال تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )‬
‫‪ [ .‬األنعام ‪] 153 :‬‬

‫وروى مسلم يف صحيحه أن رسول اهلل صلى اهلل علييه وسلم كان يقول يف خطبه ‪ " :‬خري احلديث‬
‫كتاب اهلل ‪ ،‬وخري اهلدي هدي حممد ‪ ،‬وشر األمور حمدثاهتا ‪ ،‬وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة "‬
‫‪ " .‬ورواه البيهقي وفيه زيادة " وكل ضاللة يف النار‬

‫األعمال املردودة ‪ :‬واحلديث نص صريح يف رد كل عمل ليس عليه أمر الشارع ؛ ومنطوقه يدل ‪2.‬‬
‫على تقييد األعمال بأحكام الشريعة ‪ ،‬واحتكامها كأفعال للمكلفني مبا ورد يف كتاب اهلل أو سنة‬
‫رسول اهلل من أوامر ٍ‬
‫ونواه ‪ ،‬والضالل كل الضالل أن خترج العمال عن نطاق أحكام الشريعة فال‬
‫تتقيد هبا ‪ ،‬وأن تصبح األعمال حاكمة على الشريعة ال حمكومة هلا ‪ ،‬ومن واجب كل مسلم ٍ‬
‫حينئذ‬
‫‪ .‬أن حيكم عليها بأهنا أعمال باطلة ومردودة ‪ ،‬وهي قسمان ‪ :‬عبادات ومعامالت‬

‫أ‪ -‬أما العبادات ‪ :‬فما كان منها خارجاً عن حكم اهلل ورسوله بالكلية فهو مردود على صاحبه ‪ ،‬وهو‬
‫داخل حتت قوله تعاىل ‪ ( :‬أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل يأذن به اهلل ) [ الشورى ‪] 21 :‬‬
‫ومثال ذلك أن يتقرب إىل اهلل تعاىل بسماع األغاين ‪ ،‬أو بالرقص ‪ ،‬أو بالنظر إىل وجوه النساء ‪ ،‬أو‬
‫يكشف الرأس يف غري اإلحرام ‪ .‬أو مبا أشبه ذلك من حمدثات البشر وجنون العصر ‪ ،‬وهؤالء وغريهم‬
‫ممن أعمى اهلل بصريته عن اتباع سبيل احلق ‪ ،‬واتبع سبل الشيطان ‪ ،‬ي ّدعون أهنم يتقربون إىل اهلل مبا‬
‫أحدثوه من أفكار وضالالت ‪ ،‬وهم يف باطلهم كالعرب املشركني الذين ابتدعوا عبادات وقربات ما‬
‫أنزل اهلل هبا من سلطان ‪ ،‬وقال اهلل عز وجل عنهم ‪ ( :‬وما كان صالهتم عند البيت إال ُمكاءً وتصديةً‬
‫‪ [ ) .‬األنفال ‪] 35 :‬‬

‫وقد يظن بعضهم أن ما كان قربة يف عبادة يكون قربة يف غريها مطلقاً ‪ ،‬ومثال ذلك الرجل الذي‬
‫نذر يف عهد رسول اهلل أن يقوم يف الشمس وال يقعد وال يستظل وأن يصوم ‪ ،‬فأمره النيب أن يقعد‬
‫‪ " .‬وأن يستظل وأن يتم صومه‬

‫ويف كتب الفقه تفصيل أحكام العبادات يف اإلسالم وما يرد منها ويبطل عند إحداث زيادة أو نقص‬
‫‪ .‬عما ثبت عن املشرع احلكيم‬

‫ب‪ -‬وأما املعامالت ‪ :‬كالعقود والفسوخ ‪ ،‬فما كان منافياً للشرع بالكلية فهو باطل مردود ‪ ،‬دليل‬
‫ذلك ما حدث يف عهد النيب ‪ ،‬فقد جاءه سائل يريد أن يغري حد الزنا املعهود إىل فداء من املال واملتاع‬
‫‪ ،‬فرد عليه النيب يف احلال وأبطل ما جاء به ‪ ،‬روى البخاري ومسلم أن رسول اهلل جاءه سائل فقال ‪:‬‬
‫" إن ابين كان عسيفاً على فالن فزىن بامرأته ‪ ،‬فافتديت منه مبائة شاة وخادم ؟ فقال النيب ‪ :‬املائة‬
‫‪ " .‬الشاة واخلادم رد عليك ‪ ،‬وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام‬

‫األعمال املقبولة ‪ :‬وهناك أعمال وأمور مستحدثة ‪ ،‬ال تنايف أحكام الشريعة ‪ ،‬بل يوجد يف أدلة ‪3.‬‬
‫الشرع وقواعده ما يؤيدها ‪ ،‬فهذه ال ترد على فاعلها بل هي مقبولة وحممودة ‪ ،‬وقد فعل الصحابة‬
‫رضوان اهلل عليهم كثرياً من ذلك واستجازوه ‪ ،‬وأمجعوا على قبوله ‪ ،‬وأوضح مثال على ذلك مجع‬
‫القرآن يف عهد أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه يف مصحف واحد ‪ ،‬وكتابة نسخ منه وإرساهلا إىل‬
‫األمصار مع القراء يف عهد عثمان بن عفان رضي اهلل عنه ‪ ..‬ومثله الكتابة يف علوم النحو والفرائض‬
‫واحلساب ‪ ،‬والتفسري ‪ ،‬والكالم على األسانيد ومتون احلديث ‪ ...‬وغري ذلك من العلوم النظرية اليت‬
‫ختدم مصادر التشريع األساسية ‪ ،‬أو العلوم التجريبية النافعة اليت ختدم الناس يف معيشتهم ‪ ،‬وتصل هبم‬
‫‪ .‬إىل إعداد القوة وإعمار األرض ‪ ،‬والتمكني لشرع اهلل ‪ ،‬واحلكم مبا أنزل اهلل‬
‫البدعة املذمومة والبدعة احملمودة ‪ :‬ونصل بعد الكالم على األعمال املردودة واألعمال املقبولة إىل ‪4-‬‬
‫نتيجة واضحة وحامسة ‪ ،‬وهي أن بعض األعمال املبتدعة املخالفة لشرع اهلل هي بدع سيئة وضالة ‪،‬‬
‫وبعض األعمال املستحدثة ال ختالف الشرع ‪ ،‬بل هي موافقة له مقبولة فيه ‪ ،‬فهذه أعمال مقبولة‬
‫وحممودة ‪ ،‬ومنها ما هو مندوب ‪ ،‬ومنها ما هو فرض كفاية ‪ ،‬ومن هنا قال الشافعي رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫" ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إمجاعا ًأو أثراً فهو البدعة الضالة ‪ ،‬وما أحدث من اخلري ومل‬
‫‪ " .‬خيالف شيئاً من ذلك فهو البدعة احملمودة‬

‫والبدعة السيئة قد تكون مكروهة وقد تكون حراماً لضررها وفسادها وخمالفتها مقاصد اإلسالم‬
‫وضروراته ؛ وقد تصل باإلنسان إىل الكفر والزيغ والضالل كاالنتماء إىل اهليئات واجلماعات اليت‬
‫تنكر الوحي أو تتنكر لشرع اهلل ‪ ،‬أو تنادي بتحكيم القوانني الوضعية ‪ ،‬وترى يف حتكيم شرع اهلل‬
‫ختلفاً وضعفاً ‪ .‬وكاالنتماء إىل مجاعة يدعون التصوف ‪ ،‬ويستحلون التهاون يف التكاليف الشرعية ‪،‬‬
‫وال يقفون عند حدود ما أحله اهلل وما حرمه ‪ ،‬أو يقولون بوحدة الوجود واحللول ‪ .‬وغريها من‬
‫األحوال واألقوال الضالة الكافرة ‪ ...‬ومن البدع السيئة عند عامة الناس تعظيم بعض األشياء والتربك‬
‫هبا واعتقاد النفع فيها‪ ،‬كتعظيم حنو عني وشجرة وضريح ‪ ،‬وقد صح أن الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫مروا بشجرة سدر قبل حنني ‪ ،‬كان املشركون يعظموهنا وينوطون هبا أسلحتهم ‪ ،‬فقالوا يارسول‬
‫اهلل ‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما هلم ذات أنواط ‪ ،‬فقال هلم رسول اهلل ‪ " :‬اهلل أكرب ‪ ،‬هذا كما قال‬
‫" قوم موسى ‪ :‬اجعل لنا إهلاً كما هلم آهلة ‪ .‬مث قال ‪ :‬إنكم قوم جتهلون ‪ ،‬لرتكنب سنن من كان قبلكم‬
‫‪.‬‬

‫فائدة رواية مسلم " من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو رد " أن بعض املعاندين ببدعة ُسبق إليها ‪5-‬‬
‫‪ ،‬يرد على احتجاجنا عليه بالرواية األوىل فيقول ‪ :‬أنا ما أحدثت يف الدين شيئاً ‪ .‬فنروي له رواية‬
‫‪ .‬مسلم " من عمل عمالً ‪ " .....‬فتفهمه‬
‫ويف احلديث أن من ابتدع يف الدين بدعة ال توافق الشرع فإمثها عليه ‪ ،‬وعمله مردود عليه ‪ ،‬وأنه ‪6-‬‬
‫‪ .‬يستحق الوعيد‬

‫‪ .‬وفيه أن النهي يقتضي الفساد ‪7-‬‬

‫‪ .‬الدين اإلسالمي كامل ال نقص فيه ‪8-‬‬

‫المراجع‬

‫مصطفى البغا‪ ,‬كتاب الوايف يف شرح األربعني النووية‪ ,‬العلوم االسالمية‬

You might also like