2 5206281316655441723

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 44

‫نادي االدب الحديث‬

‫العدد األول‬
‫بغداد‪2022/11/25-‬‬

‫نيتشه والزهاوي ‪-‬ما بعد االنسان والقافية‬


‫الموضوع‪ :‬أدب‪ ،‬فلسفة‬
‫تأليف‪:‬سعيد الغانمي‬
‫رت ِ‬
‫هذه المادة بموافقة المؤلف‬ ‫ن ُِش ْ‬

‫اإلشراف العام‪ :‬علي الع ّطار‬


‫التصميم واإلخراج الفني‪ :‬تقى شكر‬

‫‪email: modernliteratureclub@gmail.com‬‬
‫‪instagram:alnadi.iq‬‬
‫‪facebook:alnadi.iq‬‬
‫الزهاوي ونيتشه‬
‫ما بعد االنسان والقافية‬

‫سلسلة إصدارات نادي األدب الحديث‬


‫العدد ‪١‬‬
‫ِ‬
‫مر ًة واحدةً‪ ،‬كتب‬ ‫هاوي يف أدبه ك ِّله نيتشه‪ ،‬صراحةً‪ّ ،‬إل َّ‬‫ُّ‬ ‫الز‬
‫لم يذكر َّ‬
‫(أحب شخص َّية‬ ‫مصري‪:‬‬ ‫صحفي‬ ‫وج َهها إليه‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫مجيبًا عن أسئلة َّ‬
‫وأحب كوبرنيك‪ ،‬ألنَّه َّأو ُل‬ ‫ُّ‬ ‫محمد‪ ،‬ألنَّه من أكربِ المصلحي َن‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وأحب دارون‪ ،‬ألنَّه‬‫ُّ‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫تدور حول َّ‬ ‫ُ‬ ‫أثبت َّ‬
‫أن األرض‬ ‫َ‬ ‫َم ْن‬
‫واكتشف نواميس النُّشوء واالرتقاء‪،‬‬
‫َ‬ ‫عر َفنا ما هو أصل البشر‪،‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأحب نيجه (اقرأ‪ :‬نيتشه) األلماينَّ لجرأته يف القول والكتابة‬
‫ُّ‬

‫فيلسوف العراق يف أوائل القرن‬


‫ُ‬ ‫الحب الذي يكنُّ ُه‬
‫ِّ‬ ‫ما نوع هذا‬
‫ِ‬
‫لفيلسوف ألمانيا يف القرن التاسع عشر؟ ما العالقة بين‬ ‫العشرين‬
‫تصدر له‬
‫ْ‬ ‫هاوي بنيتشه؟ كيف أح َّب ُه ولم‬‫ُّ‬ ‫فلسفتيهما؟ هل تأ َّث َر َّ‬
‫الز‬
‫بسنة؟ برغم االفتقار إلى‬ ‫ٍ‬ ‫األساسي ّإل بعد وفاته‬ ‫ترجم ٌة لكتابِ ِه‬
‫ِّ‬
‫تتلم َس أوجه‬
‫أن َّ‬ ‫كثير من الوقائع والمصادر‪ ،‬ستحاول هذه القراءة ْ‬ ‫ٍ‬
‫وطبيعي أنَّها ستنصرف إلى النَّقد‬‫ٌّ‬ ‫هاوي ونيتشه‪.‬‬‫ِّ‬ ‫الز‬
‫المشاهبة بين َّ‬
‫ِ‬
‫تستغن عنه‬ ‫مما ستنصرف إلى النَّقد التاريخي‪ْ ،‬‬
‫وإن لم‬ ‫الداخلي أكثر ّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪٤‬‬
‫األبدي‬
‫ّ‬ ‫الناموس الدَّ وري والعود‬
‫يد ِه مستعمالً ضمير‬ ‫بخط ِ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ترجمة كتبها‬ ‫هاوي يف‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫يذكر َّ‬
‫َ‬
‫(اشتغل بالفلسفة الغرب َّية متو ِّغالً فيها) قبل‬ ‫الغائب أنَّه‬
‫إلى األستانة سنة ‪ .1896‬فكيف أمكن له التَّو ُّغل يف‬ ‫رحيلِ ِه‬
‫الفلسفة الغرب َّية‪ ،‬وهو ال يعرف سوى بعض ال ُّلغات َّ‬
‫الشرق َّية؟‬
‫أن معلوماته عنها لم تك ْن تتجاوز بعض األفكار العا َّمة التي و َّفرهتا‬
‫ال ريب َّ‬
‫المطبوعات الشام َّية والمصر َّية‪ ،‬ور َّبما بعض المصادر التُّرك َّية األخرى‬
‫ف‬‫أتعر َ‬
‫َّ‬ ‫أن الهدف من رحلته إلى األستانة كان (أن‬‫ويخربُنا َّ‬
‫فت بشاعر التُّرك توفيق فكرت‪ ،‬وصفا‬ ‫فتعر ُ‬
‫َّ‬ ‫بكبار ُأدبائها‪،‬‬
‫بك‪ ،‬وعصمت بك‪ ،‬وسامح بك‪ ،‬والدُّ كتور رضا توفيق(‪.‬‬
‫أهم كتّاب تركيا العثمان َّية الذين‬ ‫وهؤالء ُّ‬
‫الشعراء والكتّاب األتراك من بين ِّ‬
‫ا َّتصلوا بالفكر الغربي الحديث‪ .‬وكان من المعروف َّ‬
‫أن أدب توفيق فكرت‬ ‫ِّ‬
‫القوة وفكرة البقاء لألقوى(‪.‬‬
‫يضج بـ(روح نيتشه يف تمجيد َّ‬
‫على الخصوص ُّ‬
‫كتاب عنوا ُن ُه‬
‫ٌ‬ ‫هاوي يف مصر‬
‫ِّ‬ ‫للز‬
‫السنة نفسها يصدر َّ‬
‫َّ‬ ‫ويف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(الكائنات) ينتهي الفصل األخير منه بشرح نظر َّيته يف‬
‫النَّظر َّية؟‬ ‫هذه‬ ‫هي‬ ‫فما‬ ‫األعظم)‪،‬‬ ‫وري‬
‫الدَّ ِّ‬ ‫(الناموس‬

‫‪٥‬‬
‫اح ُه من اإلسالم ِّيين‪ ،‬يرى‬
‫وشر ُ‬
‫ّ‬ ‫خالفًا لما يراه أرسطو‬
‫الحركة‪ ،‬بل هو السكون بعينِه‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫مقدار‬ ‫الزمان ليس‬
‫أن َّ‬ ‫هاوي َّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫السكنات‬ ‫َّ‬ ‫تعاقب‬
‫َ‬ ‫الزمان يف األساس‬ ‫ب آنات َّ‬ ‫ويعني تعا ُق ُ‬
‫الزمان ك َّل ُه‪.‬‬
‫تضم َّ‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫فإن َّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬ ‫واستناد ًا إلى ذلك‬
‫ُّ‬
‫الزمان من حيث‬ ‫يتكر ُر‪ .‬وإذ ُيقاس َّ‬ ‫ٍ‬
‫تناه‬ ‫والزمان هو ال‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫ِ‬
‫بمقدار الحركة عند أرسطو‪ ،‬فإنَّه ُيقاس‬ ‫توقيت‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫ت فال تخلو من‬ ‫هاوي‪َّ :‬‬
‫(إن الحرك َة مهما اشتدَّ ْ‬ ‫الز‬ ‫الس َك ِ‬
‫نات عند َّ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫بالسرعة‬ ‫الزمن ّ‬
‫يقل ُّ‬ ‫أن َّ‬‫الس َكنات التي تتخ َّل ُلها‪ ،‬وإذ قد شاهدنا َّ‬‫َّ‬
‫الزمان(‪.‬‬
‫والسكون هو َّ‬‫ُّ‬ ‫السكون‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فالزمان هو‬
‫َّ‬ ‫ويكثر بالبطء‪،‬‬
‫ُ‬
‫القوة ‪-‬‬
‫َّ‬ ‫القوة ‪ -‬أو بتعبير أكثر نيتشو َّية‪ :‬إرادة‬
‫َّ‬ ‫وحيث َّ‬
‫إن‬
‫والزمان‬
‫َّ‬ ‫ال متناهية وحيث َّ‬
‫إن أشكال األجرام متناهيةٌ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫الزمان ال يتناهى ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فإن تكرار األجرام يف‬ ‫متناه‪،‬‬ ‫غير‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرض هو‬ ‫الشكل الحاضر من‬‫(لما كان َّ‬ ‫هاوي‪ّ :‬‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫يقول َّ‬
‫الزمان‪،‬‬ ‫هناية من حيث َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يتكر ُر إلى ِ‬
‫غير‬ ‫أحد أشكالها‪ ،‬فهو‬
‫َّ‬
‫كل جر ٍم‬ ‫فإن حجم ِّ‬
‫فاألمر كذلك‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أ ّما من حيث الفضا ُء‪،‬‬
‫يتطو ُر إليها متناهي ٌة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫متناهيان‪ .‬فأشكا ُل ُه التي‬ ‫وأجزا َء ُه‬
‫َّ‬

‫‪٦‬‬
‫نقسم عد ُد ا أل جر ا ِم‬ ‫َ‬ ‫غير ُمتنا ٍه ‪ ،‬فا‬
‫لما كا ن عد ُد ا أل جر ا ِم َ‬ ‫و ّ‬
‫كل‬ ‫غير ا لمتنا هي على ا أل شكا ل ا لمتنا هية ‪ ،‬فيكو ن عد د ِّ‬
‫غير متنا ٍه ‪ .‬و ا أل ر ُض‬ ‫َ‬ ‫ل من هذ ه ا أل شكا ل ا لمتنا هية‬ ‫شك ٍ‬
‫غير ها ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حكم‬ ‫فحكمها‬ ‫ِ‬
‫لحجم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫جز ٌء متنا هي ا أل جز ا ء و ا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هية ا لعد دِ‬ ‫فينتج أ َّن يف ا لسما ء ا آل ن أ ر ضين غير متنا ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫متفر قة‬ ‫ِّ‬ ‫ل من أ شكا لها ا لما ضية و ا آل تية ‪ ،‬و هي‬ ‫على شك ٍ‬
‫ٍ‬
‫شمس‬ ‫ض حو ل‬ ‫كل أ ر ٍ‬ ‫يف ا لفضا ء ‪ ،‬غير ا لمتنا هي ‪ ،‬تد و ر ُّ‬
‫مجر ٍة مثل‬ ‫َّ‬ ‫ل شمسنا يف نظا ٍم مثل نظا مِنا ‪ ،‬يسبح د ا َ‬
‫خل‬ ‫مث ِ‬
‫تقبل ا لخطأ(‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫مجر تنا با لتَّما م ‪ ،‬و هذ ه نتيج ٌة ر يا ض َّي ٌة ال‬ ‫َّ‬
‫أن نظر َّية‬ ‫ٍ‬
‫هاوي هنا على تطبيقات فلك َّية َّ‬ ‫الز‬
‫وال يعني اعتماد َّ‬
‫ِّ‬
‫وري ينحصر تأثيرها يف تكرار الموجودات‬ ‫الناموس الدَّ ِّ‬
‫ٍ‬
‫بسبب من طبيعتها‬ ‫تشمل الموجودات جميعًا‬ ‫ُ‬ ‫الكون َّية‪ ،‬بل‬
‫يتكرر؛‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ِّ‬
‫كل‬ ‫هنائي‪ ،‬وكون‬ ‫ٍ‬
‫زمان ال‬ ‫المتناهية يف‬
‫ِّ‬ ‫ٍّ‬
‫وآخر‬ ‫ِ‬
‫ألرضنا إنسانًا مثلي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مشاهبة‬ ‫ٍ‬
‫أرض‬ ‫ِّ‬
‫كل‬ ‫إن يف‬ ‫) َّ‬
‫َ‬
‫مثلك‪ ،‬وآخري َن مثل غيرنا‪ ،‬قد ولدوا من آبائِهم كما يف‬
‫أرضنا‪ ،‬وقد جرى آلبائِهم فيها ما جرى لهم يف هذه تمامًا(‪.‬‬

‫‪٧‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫السخرية واالستهجان‬
‫لقد كان استقبال هذه النَّظر َّية مزيجًا من ُّ‬
‫هاوي؟ يؤكِّد هو َّ‬
‫أن الناموس‬ ‫ِّ‬ ‫للز‬
‫ولك ْن من أين جاءت هذه الفكرة َّ‬
‫الزمان‬
‫ب على القول بال تناهي َّ‬‫وري نتيجة منطق َّية ال تقبل الخطأ ترت َّت ُ‬
‫الدَّ َّ‬
‫األبدي(‬
‫ِّ‬ ‫أن التَّماثل بينها وبين نظر َّية نيتشه عن (العود‬ ‫والحال َّ‬
‫)‪ (recurrence eternal‬يصل إلى حدِّ التَّطابق‪ ،‬وهذا ما انتبه له‬
‫ٍ‬
‫سياق ال يخلو من االستخفاف‪ .‬يكتب مؤ ِّلف (هكذا تك َّلم‬ ‫الع ّقاد يف‬
‫قبل فما هو اعتقا ُد َك‬ ‫ٍ‬
‫موجود اآلن قد ُو ِجدَ من ُ‬ ‫زرادشت)‪( :‬إذا كان ُّ‬
‫كل‬
‫يف هذا الحين (اقرأ‪ :‬اآلن أو ال َّلحظة)‪ ..‬أفما ترى األشيا َء ك َّلها متداخلةً‪،‬‬
‫يجر نفسه أيضًا؟‪..‬‬
‫كل ما سيكون‪ ،‬بل ُّ‬ ‫يجر ورا َء ُه َّ‬
‫وأن هذا الحين ُّ‬ ‫َّ‬
‫أفما لز َم علينا أن نعو َد تكرار ًا وأبد ًا؟ برغم عدم وضوح فكرة العودة‬
‫األساسي‪ ،‬وهذه واقع ٌة ال يختلف فيها‬
‫ِّ‬ ‫األبد َّية للمثيل لدى نيتشه يف كتابه‬
‫اح ُه الغرب ُّيون‪ ،‬فإنَّها تعتمد على المقدَّ مة النَّظر َّية نفسها التي تعتمد‬
‫شر ُ‬
‫ّ‬
‫الزمان‪ .‬يقول أويغن فنك‪( :‬ينبغي‬ ‫هاوي‪ ،‬وهي ال تناهي َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫عليها نظر َّية َّ‬
‫مجرد ٍ‬
‫زمن خ ِّط ٍّي‬ ‫نتحرى إن كان نيتشه يقصد باألزل َّية َّ‬ ‫َ‬
‫نتساءل وأن َّ‬ ‫أن‬
‫أن معرف ًة أساس َّية للعالم تتج َّلى يف مفهومه لألزل َّية‪.‬‬
‫يمتدُّ إلى ما ال هناية‪ ،‬أم َّ‬

‫‪٨‬‬
‫أن عودة المثيل األزل َّية ُّ‬
‫تظل ضعيفة التَّحديد يف كتاب زاراتوسرتا)‪.‬‬ ‫ذلك َّ‬
‫ويجزم الفيلسوف األلماينُّ (مارتن هايدغر) يف كتابه (نيتشه(‬
‫أنَّه (حين يف ِّكر نيتشه بأصعب األفكار يف ذروة التَّأ ُّمل ‪ ،‬فإنَّه يف ِّكر‬
‫القوة بوصفها عود ًا أبد ّيًا‪ .‬ماذا يعني‬
‫ويتأ َّمل يف (الوجود)‪ ،‬أي إرادة َّ‬
‫ِ‬
‫وأكثرها جوهر َّية؟ األبد َّية‪ ،‬ال بوصفها‬ ‫هذا‪ ،‬إذا أخذناه بأوسع معانيه‬
‫تلتف حول ما ال يتناهى‪ ،‬بل‬ ‫ُّ‬ ‫(آنًا) ساكنًا‪ ،‬وال تتابعًا من اآلنات‬
‫الخفي‬
‫ِّ‬ ‫ينعطف على ذاتِ ِه‪ ،‬وهل ذلك سوى الجوهر‬ ‫ُ‬ ‫(اآلن) الذي‬
‫القوة بوصفها عودة أبد َّية‪،‬‬ ‫(للزمان)؟ َّ‬
‫إن التَّفكير بالوجود‪ ،‬أو إرادة َّ‬ ‫َّ‬
‫بوصف ِه زمانًا(‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أي التَّفكير بأصعب أفكار الفلسفة يعني التَّفكير بالوجود‬
‫مما أرى) َّ‬
‫أن أفكاره‬ ‫هاوي يف َّأول صفحة من كتابه (المجمل ّ‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫يخربُنا َّ‬
‫يذكر ُه من هذه األفكار هو الناموس‬‫ُ‬ ‫وأول ما‬ ‫التي انفر َد هبا كثيرة‪َّ ،‬‬
‫األبدي‬
‫ِّ‬ ‫وري والعود‬
‫أن المماثلة بين الناموس الدَّ ِّ‬ ‫وري‪ .‬وقد رأينا َّ‬
‫الدَّ ُّ‬
‫عند نيتشه تصل إلى حدود التَّطابق‪ .‬إذ يعتمد كِال الفيلسوفين يف إثبات‬
‫ت المزاوجة بين الفكرتين‪ ،‬على أبد َّية‬ ‫(الناموس‪ -‬األبدي)‪ ،‬إذا صح ِ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ف هو نواة‬ ‫زمن مك َّث ٍ‬
‫فتتحول ال َّلحظة إلى ٍ‬ ‫الزمان وتناهي الموجودات‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫يتكر ُر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل ما كان وما سيكون هو كائ ٌن اآلن‪ .‬ولذلك ُّ‬
‫األبد َّية؛ ُّ‬
‫فكل شيء َّ‬

‫‪٩‬‬
‫السبب الذي‬ ‫فال َّلحظة هنا هي ع ِّينة من األبد َّية ُ‬
‫تدور حول ذاهتا‪ .‬وهذا هو َّ‬
‫بوصف ِه زمانًا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سيدعو هايدغر إلى االحتفال بنيتشه فيلسوفًا للوجود‬
‫ِ‬
‫األستاذ‬ ‫هاوي قائالً‪( :‬ما ُ‬
‫بال‬ ‫الز‬ ‫ولقد انتبه الع ّقاد إلى هذه المشاهبة‪َ ،‬‬
‫فنبز َّ‬
‫َّ‬
‫يدفع عن (نظر َّية الدَّ ور والتَّسلسل) كأنَّها نظر َّي ُت ُه التي استنب َطها ولم ُي ْس َب ْق‬
‫ُ‬
‫مذهب من مذاهب الهند األقدمين؟ بل أال‬
‫ٌ‬ ‫الرجعة‬ ‫إليها؟ أال يعلم َّ‬
‫أن َّ‬
‫ف هو‪ ،‬فانتظر‬ ‫تطر َ‬‫ف فيها كما َّ‬ ‫وتطر َ‬
‫َّ‬ ‫أن نيتشه َ‬
‫قال هبا يف هذا العصر‪،‬‬ ‫يعلم َّ‬
‫ٍ‬
‫موجود‪.‬‬ ‫وكل حي ُّ‬
‫وكل‬ ‫يؤوب إلى األرض هومر والمسيح ونيتشه‪ُّ ،‬‬ ‫أن‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫ودوالب الوجود أبد ًا‬ ‫شيء يعود‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫وكل‬ ‫شيء يذهب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫فكل‬
‫ُ‬
‫حاجة إلى كبير عق ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫يدور يف تكرير‪ ...‬ولم يكن نيتشه يف‬ ‫ُ‬
‫ليهتدي إلى نظر َّية الدَّ ور والتَّسلسل‪ ،‬فاألستاذ يعلم أ نَّه‬ ‫َ‬
‫ملتاث الفكر‪ ،‬ور بما علم أ نَّه كان على وشكِ‬ ‫َ‬ ‫كان عبقر ّيًا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫العقول!(‬ ‫تسرتيح إليها‬
‫ُ‬ ‫الجنون يوم اهتدى إلى النَّظر َّية التي ال‬
‫هاوي على اعرتاض الع ّقاد‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫كان بإمكاننا أن نعرف ر َّد َّ‬
‫لوال صم ُت ُه بسبب نربة الع ّقاد الساخرة‪.‬‬

‫أن الع ّقاد يحكم بالمشاهبة استناد ًا إلى كتاب (المجمل)‬


‫وأغلب ال َّظ ِّن َّ‬
‫الذي صدر سنة ‪1926‬‬

‫‪١٠‬‬
‫هاوي‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫يلمح إلى سطو َّ‬ ‫وإلى حوارهما سنة ‪ ،1928‬ولذلك ِّ‬
‫عالمي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫نطاق‬ ‫على نيتشه‪ ،‬بعد أن صار اسم نيتشه معروفًا على‬
‫ٍّ‬
‫يشر إلى‬‫وأن الع ّقاد كان يقرأ باإلنكليز َّية‪ .‬لكنَّه لم ْ‬
‫َّ‬ ‫خصوصًا‬
‫هاوي الذي صدر يف حياة نيتشه سنة ‪،1896‬‬ ‫ِّ‬ ‫للز‬
‫كتاب (الكائنات) َّ‬
‫هاوي قرأ‬ ‫الز‬ ‫شك يف َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ٍ‬
‫وفاة نيتشه بأربع سنوات‪ .‬ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫أي قبل‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫فأخذ عنه كما سنرى فكرة‬ ‫نيتشه بالعرب َّية أو التُّرك َّية‪ ،‬وتأ َّثر به‪،‬‬
‫(السوبرمان) التي لن تظهر يف شعره ّإل عام ‪ ،1924‬ويف نثره ّإل‬
‫ُّ‬
‫وري)‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫يف حواره مع الع ّقاد‪ .‬أ ّما بخصوص فكرة (الناموس الدَّ ِّ‬
‫نيتشه أصدر كتابه (هكذا تك َّلم زرادشت) باأللمان َّية يف أربعة أجزاء‪،‬‬
‫األو ل منها سنة ‪ ،1883‬والجزء األخير يف طبعة‬ ‫َّ‬ ‫صدر الجزء‬
‫ْ‬
‫يكتمل يف طبعة شعب َّية عا َّمة ّ‬
‫إل‬ ‫محدودة جدّ ًا سنة ‪ .1885‬لكنَّه لم‬
‫هاوي ‪ .‬وهذه‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫سنة ‪ ،1892‬أي قبل أربع سنوات فقط من كتاب َّ‬
‫األقل ‪ ،‬لكي يرتجم‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يف‬ ‫مدَّ ة ر َّبما ال تكفي لل َّثقافة العرب َّية‬

‫الكتاب‪ ،‬أو فصول منه‪ ،‬أو حتّى تعريف به إلى العرب َّية أو التُّرك َّية‪،‬‬
‫هاوي فيقتبس منها ما يتأ َّثر به ويؤ ِّلف منه‬
‫ُّ‬ ‫ثم ي َّطلع عليها َّ‬
‫الز‬ ‫َّ‬
‫كتابًا يرس ُل ُه إلى المطابع المصر َّية‪.‬‬

‫‪١١‬‬
‫جوهر ِه إلى تماثل مشروعين مختلفين‬
‫ِ‬ ‫يبقى إذ ًا َّ‬
‫أن التَّماثل يعود يف‬
‫الز مان‪ .‬بل َّ‬
‫إن الرباهين التي يقدِّ ُمها‬ ‫يقو ُم كالهما على فكرة ال هنائ َّية َّ‬
‫هاوي براهين كون َّية‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫نيتشه براهين تأ ُّمل َّية‪ ،‬فيما نجد مثيالهتا عند َّ‬
‫تغذ ي كال المشروعين‪.‬‬‫ِ‬ ‫القو ة هي التي ِّ‬
‫وفلك َّية يف األغلب‪ .‬وإرادة َّ‬

‫‪١٢‬‬
‫الجاذب َّية وال ُّروح الثَّقيل‬
‫يحب أن ُيدعى فيلسوفًا‪ ،‬ال عالمًا‪ .‬وبرغم ذلك َّ‬
‫فإن‬ ‫ُّ‬ ‫هاوي‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫كان َّ‬
‫َّ‬
‫ولعل نظر َّيته يف الدَّ فع‬ ‫الفكري يناقش قضايا علم َّية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫أكثر إنتاجه‬
‫صغير‬
‫ٌ‬ ‫ظهر له ٌ‬
‫مقال‬ ‫ف هبا‪ .‬فقد َ‬ ‫العا ِّم هي أشهر هذه القضايا التي ُع ِر َ‬
‫صغير‬
‫ٌ‬ ‫وكتاب‬
‫ٌ‬ ‫(السنة‪،)1913 ،489 :2 ،‬‬ ‫يف مج َّلة (لغة العرب) َّ‬
‫ٌ‬
‫طويل بعنوان‬ ‫ٌ‬
‫ومقال‬ ‫بعنوان (الجاذب َّية وتعليلها) (بغداد‪،)1910 ،‬‬
‫(الدَّ فع العا ّم وال َّظواهر ال َّطبيع َّية والفلك َّية) ن ُِش َر يف المقتطف (الجزء‬
‫آخر من المقاالت‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫السنة ‪ .)1912‬فضالً عن عدد َ‬ ‫‪ ،2 ،1‬المجلد ‪َّ ،41‬‬
‫هاوي يف هذه المقاالت َّ‬
‫أن الدَّ قائق الما ِّد َّية ال‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫وخالصة رأي َّ‬
‫تتجاذب‪ ،‬كما يذهب إلى ذلك علماء النَّواميس‪ ،‬بل (مذه ُب ُه هو‬
‫دفع الما َّدة للما َّدة إلى ما َّدة‪ ،‬ونزيد َّ‬
‫أن هذا الدَّ فع هو كهربائ َّيتُها‪،‬‬
‫وهذه الكهربائ َّية هي حركتُها‪ .‬وهذه الحركة إذا صاد َف ْت‬
‫َّ‬
‫ألن المماثلة‬ ‫أخرى مماثل ًة تدافعتا‪ ،‬أو مخالف ًة لها تجاذبتا‪،‬‬
‫تستلز ُم المخالفة يف الملتقى‪ ،‬والمخالفة تقتضي المماثلة فيه(‪.‬‬

‫هاوي ما يحدث يف األجرام‬


‫ُّ‬ ‫وهبذا الدَّ فع العا ّم يع ِّلل َّ‬
‫الز‬
‫الدَّ قيقة‪ ،‬واألجرام العظيمة‪،‬كما يعلل به عدد اخر من الظواهر‬
‫الكيمياوية‪.‬‬ ‫واأللفة‬ ‫والظالم‬ ‫والرؤيا‬ ‫والجزر‬ ‫المد‬ ‫مثل‬

‫‪١٣‬‬
‫شديدة من معاصريه‪ .‬فكتب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انتقادات‬ ‫تعرضت هذه األفكار إلى‬ ‫وقد َّ‬
‫والهذيان منها إلى كتابةِ‬
‫ِ‬ ‫(أقرب إلى األحال ِم‬ ‫لويس شيخو‪ ،‬مثالً‪ ،‬أنَّها‬
‫ُ‬
‫هاوي ْ‬
‫وإن يكن (عبقر ّيًا‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫الز‬ ‫رج ٍل عاقلٍ)‪ .‬بينما رأى سالمة موسى َّ‬
‫أن َّ‬
‫ولكنَّه كان لجهلِ ِه بالعلوم الما ِّد َّية يلجأ إلى المنطق ويعتمد عليه‬
‫ٍ‬
‫أسباب اجتماع َّية‬ ‫الوردي ذيوع هذه اآلراء إلى‬ ‫ُّ‬ ‫وحده)‪ .‬وير ُّد د‪ .‬علي‬
‫بأسلوب ال يختلف‬‫ٍ‬ ‫هاوي نظر َّية نيوتن يف الجاذب َّية‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫فيقول‪( :‬انتقد َّ‬
‫المنطقي عن أسلوب أغا رضا األصفهاينِّ يف انتقاد نظر َّية‬ ‫ِّ‬ ‫يف أساسه‬
‫دارون‪ ،‬ولك َّن األفند َّية اعتربوه عبقر ّيًا‪ ،‬ألنَّه استطاع أن ينتقدَ نظر َّي ًة‬
‫يكون له إلما ٌم سوى ما قرأه‬‫َ‬ ‫العلم الحديث‪ ،‬دون أن‬ ‫كربى من نظريات ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مقبول يف أ ّيامنا هذه‪،‬‬ ‫أمر غير‬ ‫عنها يف مج َّلة المقتطف وأمثالها‪َّ .‬‬
‫إن هذا ٌ‬
‫الذكاء الخارق والعبقر َّية(‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عالمات َّ‬ ‫ولكنَّه كان يف تلك األ ّيام ُي َعدُّ من‬
‫ال يكفي القول بخطأ هذه الفرض َّية اجتماع ّيًا أو علم ّيًا للقول بخطئها‬
‫هاوي انجذاب األشياء إلى األرض مثالً‪ ،‬لكنَّه‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫فلسف ّيًا‪ .‬وال ينفي َّ‬
‫ِ‬
‫األرض لألشياء‪ ،‬يع ِّل ُل ُه بدفع‬ ‫ِ‬
‫بجذب‬ ‫السقوط‬‫ال من أن يع ِّل َل هذا ُّ‬
‫بد ً‬
‫أن ما ينفيه هو الجذب‪ .‬وليس الجذب سوى عودةٍ‬ ‫السماء إ ّياها‪ ،‬أي َّ‬
‫َّ‬
‫تمشيًا مع‬ ‫هاوي‪ِّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬ ‫إلى مركز َّية األرض أو نواة َّ‬
‫الذ َّرة‪ .‬ما يريده َّ‬
‫ٍ‬
‫عالم‬ ‫الفلسفي‪ ،‬هو االنعتاق من المركز وال َّط َيران يف‬ ‫روح مشروعه‬
‫ِّ‬

‫‪١٤‬‬
‫مفتوحٍ ال حدود لالنطالق فيه‪ .‬وهنا‪َّ ،‬‬
‫مر ًة أخرى‪ ،‬يتماثل مشرو ُع ُه‬
‫(الروح ال َّثقيل) باعتباره جذبًا‪.‬‬
‫مع مشروع نيتشه الذي تحدَّ ث عن ُّ‬
‫روح ‪.‬‬
‫عادي َ‬
‫َ‬ ‫فكتب يف فص ٍل تحت هذا العنوان قائالً‪( :‬كفاين أن ُأ‬
‫العدو األوكدُ لروح الكثافة‪...‬‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫كل ثقي ٍل ألكون شبيهًا بال ُّطيور‪ ،‬فأنا‬
‫يتوس َل باألنان َّية‬
‫َّ‬ ‫يشعر من نفسه بخ َّفة ال َّطير فعليه أن‬
‫َ‬ ‫َم ْن يريد أن‬
‫لالنعتاق من كثافتِ ِه‪ ...‬لقد بلغت الحقيقة‪ ،‬حقيقتي بسلوكي‪ُ ،‬طرقًا‬
‫جمة فيما ارتقيت المدارج من س ّلم واحدة‪،‬‬ ‫َ‬
‫وسائل َّ‬ ‫عديدة وا ِّتخاذي‬
‫القمة التي أتسن َُّمها اآلن وأرسل منها نظرايت إلى ما بعد(‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ألبلغ‬
‫شراح نيتشه يف العصر الحديث ذلك بقوله‪( :‬طريقة‬
‫ويشرح أفضل ّ‬
‫السماوات‪ ،‬والذي‬
‫زاراتوسرتا طريقة العصافير‪ ،‬فهو الذي ينهض يف َّ‬
‫الكل‪ ،‬فهو إنسان ال َف َوران‬ ‫يقف خارجًا يف ِّ‬ ‫يفيض‪ ،‬والذي ُ‬ ‫يطير‪ ،‬والذي ُ‬ ‫ُ‬
‫الخلق‬‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫يبصر نيتشه عالقات جوهر َّية بين الخ َّفة وال َف َوران‬ ‫الك ِّل ِّي‪..‬‬
‫ُ‬
‫واألنان َّية والعالم‪ :‬فروح ال َّثقالة نقيضتها‪ ،‬ذلك أنَّها تث ِّب ُت اإلنسان يف وضع‬
‫أخالق ٍ‬
‫وإله متعاليين‪ ،‬وتوث ُق ُه بما هو داخل العا َلم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتحم ُل ُه عبء‬ ‫الضياع‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ويصبح ال ِّثقل والجاذب َّية مجاز ًا يعني الحياة المنهارة والمض َّيق عليها‪،‬‬

‫‪١٥‬‬
‫تحم ُل نفسها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء مأخذ ًا ثقيالً‪ ،‬والتي‬ ‫تأخذ َّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫الحياة التي‬
‫ِّ‬
‫وتسير‬
‫ُ‬ ‫كمثل الجمل‪ ،‬باألخالق والعا َلم اآلخر والدِّ ين‪،‬‬
‫متثاقل ًة تحت عبئِها‪ ،‬و ُتلقي على العالم نظر ًة حزين ًة وقاسي ًة(‪.‬‬
‫مجاز للتَّعبير عن الحياة المنهارة‪ .‬تلك هي المسألة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الجاذب َّية‬
‫ٍ‬
‫كل شيء يح ُّن إلى االندفاع‬ ‫ونقيضها هو الدَّ فع العام‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الذ ّرات والكواكب‬‫واالنطالق‪ ،‬ليس اإلنسان وحسب‪ ،‬بل َّ‬
‫ك ُّل ُه‪.‬‬ ‫والعالم‬ ‫والمذنَّبات‬ ‫واألمواج‬ ‫والزالزل‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫والشموس‬
‫ٌ‬
‫أخالق‬ ‫الدَّ فع العا ّم ليس نظر َّي ًة علم َّيةً‪ ،‬بقدر ما هي‬
‫الروح‬
‫هي ُّ‬ ‫ٌ‬
‫وقانون لحركتها المندفعة إلى أمام‪.‬‬ ‫لل َّطبيعة‪،‬‬
‫َ‬
‫ُص ُعد ًا‪.‬‬
‫لرتتقي‬ ‫تستفزها‬‫ُّ‬ ‫الكامنة يف الموجودات التي‬
‫َ‬
‫تشع‬ ‫سبب الجاذب َّية هو َّ‬
‫أن األجسام ُّ‬ ‫َ‬ ‫هاوي‪( :‬يدَّ عي إنشتاين َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫كتب َّ‬
‫المغناطيسي هو الذي يدفع الما َّدة‬
‫ُّ‬ ‫الجو‬
‫ُّ‬ ‫جو ًا مغناطيس ّيًا‪ .‬وهذا‬
‫حولها ّ‬
‫تشع حولها‬ ‫األرض ُّ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ِ‬
‫األرض‪َّ ،‬‬ ‫الحجر على‬
‫ُ‬ ‫يقع‬
‫إلى الما َّدة‪ ،‬وإنَّما ُ‬
‫ّ‬
‫مستقل من‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫يدفع الحجر إلى‬
‫ُ‬ ‫الجو‬
‫ُّ‬ ‫جو ًا مغناطيس ّيًا‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫الجو الذي أحدث ْت ُه األرض‬
‫ُّ‬ ‫الحجر‪ ،‬بل‬
‫َ‬ ‫تجذب‬
‫ُ‬ ‫األرض‪ .‬فاألرض ال‬
‫كتبت‬
‫ُ‬ ‫أنكر الجاذب َّية وأقا َم مقا َمها الدَّ فع‪ ،‬فقد‬
‫يدف ُع ُه‪ ..‬وأنا َّأول َم ْن َ‬
‫األغر قبل ‪ 40‬سنة تقريبًا‪..‬‬ ‫مقاالت نشرها لي المقتطف‬‫ٍ‬ ‫يف ذلك عدَّ ة‬
‫ُّ‬

‫‪١٦‬‬
‫تتم ّإل َّ‬
‫بقوة‬ ‫أن الحركة ال ُّ‬ ‫وخالصة ما ارتأي ُت ُه يف هذا الباب هي َّ‬
‫ولما‬
‫والقوة هي األثير‪ ،‬فالحركة هي نتيجة دفع األثير‪ّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫الدَّ فع‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كانت إلكرتونات الما َّدة يف حركة سريعة فإنَّها تستهلك األثير‬
‫ُّ‬
‫فتختل موازنة األثير يف داخل الما َّدة وخارجها‪،‬‬ ‫بنسبة كثافة الما َّدة‪،‬‬
‫ذرات الما َّدة سدّ ًا لهذا الخلل‪ .‬وهو‬‫فيجري األثير من المحيط إلى ّ‬
‫كل ما َّد ٍة يف طريقه إلى المراكز الكربى‪ .‬وك َّلما‬‫يف جريانِ ِه يدفع َّ‬
‫زادت كثافة الجرم َّ‬
‫فإن جريان األثير إليه‪ ،‬وبعبارة أخرى الدَّ فع إليه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫جريان من الجرم كان الدَّ فع أقوى(‪.‬‬ ‫يكون أقوى وأشدَّ ‪ ،‬وك َّلما َ‬
‫قرب‬
‫هاوي هنا‪ ،‬مثلما كان يعرف يف (الجاذب َّية وتعليلها) أنَّه ال‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫يعرف َّ‬
‫يتحدَّ ث يف داخل فيزياء نيوتن‪ ،‬بل يف داخل فيزياء إنشتاين‪ ،‬فيزياء‬
‫رياضي ال وجود له ّإل على الورق ويف االفرتاضات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عالم‬ ‫تأ ُّمل َّية يف‬
‫ٍّ‬
‫وال َّطبيعة التي يحتكم إليها ليست ال َّطبيعة الموضوع َّية الجماد‪ ،‬بل‬
‫حي ينمو‬‫طبيعة من نوع آخر‪ ،‬طبيعة لها أخالق وإرادة‪ ،‬هي كائ ٌن ٌّ‬
‫ويتطور‪ .‬ما َّد ُتها هي األثير‪ ،‬الذي هو مطلق الحياة يف العالم‪ .‬والفيزياء‬
‫َّ‬
‫هاوي فكتابة‬
‫ّ‬ ‫العلم َّية هي قوانين ال َّطبيعة الميتة‪ ،‬أ ّما ما يريده َّ‬
‫الز‬
‫أخالق ال َّطبيعة الح َّية‪ ،‬األخالق التي تفيض من إرادة الحياة فيها‪.‬‬

‫‪١٧‬‬
‫َّطور عند دارون عن موقفه من هذه‪،‬‬
‫وال يختلف موقفه من نظر َّية الت ُّ‬
‫الموضوعي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مما هو تعليله‬
‫ُّمو أكثر ّ‬
‫يستعير ُه منها هو وازع الن ِّ‬
‫ُ‬ ‫وما‬
‫القوي يف رأيي هو مذهب دارون يف النُّشوء‬
‫ُّ‬ ‫مرةً‪( :‬المذهب‬
‫لقد كتب َّ‬
‫شاع‬
‫واالرتقاء‪ ،‬وقد تبع ُت ُه ولم يتب ْع ُه أحدٌ يف العراق غيري قبلي‪ ،‬وقد َ‬
‫هاوي ال تتجاوز التَّرجمات‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫أن مصادر َّ‬ ‫فيه بسببي)‪ .‬ومن المؤكَّد َّ‬
‫األولى لهيغل وبوخنز وسبنسر‪ ،‬ومؤ َّلفات شبلي شميل‪ .‬واآلن فإنَّنا‬
‫أهم ما‬ ‫َّطور كانت معروف ًة أيضًا قبل دارون‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬ ‫نعرف َّ‬
‫أن نظر َّية الت ُّ‬
‫والصراع‬
‫ِّ‬ ‫جاء به دارون هو تصني ُف ُه لألحياء‪ ،‬وقانو ُن ُه يف بقاء األصلح‪،‬‬
‫هاوي يأخذ من هذه النَّظر َّية‬
‫َّ‬ ‫الز‬
‫من أجل البقاء‪ .‬وهنا أيضًا نجد َّ‬
‫مما يأخذ قوانينها الموضوع َّية‪ .‬ولهذا فإنَّه‬
‫وجموحها أكثر ّ‬
‫َ‬ ‫تط ُّل َعها‬
‫ال يرت َّدد يف أن يستبدل األسطورة باألسطورة‪ ،‬فيختلف مع دارون‬
‫ب الحمام القالّب‪ ،‬مثالً‪،‬‬ ‫مثلما يختلف مع عا َّمة بغداد‪ ،‬يف ع َّلة تق ُّل ِ‬
‫الوقوع‬ ‫يثب عليه ك َّلما أرا َد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫مفرتس ُ‬ ‫صغير‬ ‫حيوان‬ ‫مفرتضًا (وجود‬
‫القلب على عادتِهِ‬ ‫وبقي ّ‬ ‫انقرض ذلك المفرتس‪،‬‬ ‫ثم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إلى األرض)‪َّ ،‬‬
‫يخرتع أمثول ًة لكي يحتفظ بالقانون بوصفه أخالقًا تلقائ َّية‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا فهو‬
‫ٍ‬
‫تفسير‬ ‫محض‬ ‫َ‬ ‫تفسير ُه‬
‫ُ‬ ‫لل َّطبيعة‪ ،‬وليس ُسنَّة موضوع َّية لها‪ ،‬حتّى لو كان‬
‫شعري‪.‬‬
‫ٍّ‬

‫‪١٨‬‬
‫السوبرمـان‬
‫ُّ‬
‫َّطور عنده با ِّتجاه خ ِّط ٍّي‬
‫َّطور‪ .‬ويجري الت ُّ‬
‫هاوي ثقة كبيرة يف الت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫لدى َّ‬
‫نحو األفضل دائمًا‪ ،‬من الجماد إلى النَّبات‪ ،‬إلى الحيوان إلى اإلنسان‪.‬‬
‫سيتطور عن اإلنسان‬
‫َّ‬ ‫هاوي َّ‬
‫أن كائنًا‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫ولك ْن ماذا بعد اإلنسان؟ يرى َّ‬
‫بـ(السربمان)‪ ،‬ويتخ َّي ُل ما سيكون عليه حاله‪( :‬سوف يرقى العقل‬
‫ُّ‬ ‫يسميه‬
‫ِّ‬
‫(السربمان)‪ ،‬كما تو َّلد يف الحيوان‪ .‬وسوف‬ ‫يف اإلنسان‪ ،‬فيتو َّلد منه ُّ‬
‫يعلم اإلنسان برؤيتِ ِه‪ ،‬ويكتشف بعقله‬‫ُ‬ ‫(السربمان) ببديهتِ ِه ما‬
‫يعلم ُّ‬
‫أضعاف ما اكتشفه اإلنسان بعقله اإلنساينِّ‪ ،‬كما َّ‬
‫أن اإلنسان‬ ‫َ‬ ‫(السربماينِّ)‬
‫ُّ‬
‫اكتشف بعقله اإلنساينِّ أضعاف ما اكتشفه الحيوان بعقله الحيواينِّ‪.‬‬
‫َ‬
‫(السربمان) على ال َّطبيعة بعقله الحاضر الممتاز‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وسوف يتس َّلط‬
‫نسميه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حروب دامية‪ ،‬كما انقرض جدُّ ُه‪ ،‬وهو ما ِّ‬ ‫وينقرض أمامه بعد‬
‫ُ‬
‫القوة المدَّ خرة‬
‫(السربمان) َّ‬
‫بالحلقة الوسطى‪ ،‬أمامه‪ .‬وسوف يستخدم ُّ‬
‫السماء‬
‫يف جواهر الما َّدة المفردة‪ ،‬ويستخدم األش َّعة القصيرة اآلتية من َّ‬
‫يف أغراض حياته الفرد َّية واالجتماع َّية‪ ...‬نعم ُّ‬
‫كل ذلك هو اليوم (خيال)‬
‫السربماينِّ(‪.‬‬ ‫ال قيم َة له‪ ،‬ولكنَّه سوف يصبح ح ّقًا ال َ‬
‫ريب فيه بفضل العقل ُّ‬

‫‪١٩‬‬
‫تطور ًا ِّ‬
‫كم ّيًا لدى اإلنسان‬ ‫السربمان ليس ُّ‬
‫واالنتقال من اإلنسان إلى ُّ‬
‫تحول من نو ٍع إلى نوعٍ‪ .‬ويف قصيدة (الحياة وال َّطبيعة)‬
‫نفسه‪ ،‬بل ُّ‬
‫الالعضوي إلى‬
‫ِّ‬ ‫َّطور من‬‫المكتوبة عام ‪ ،1930‬تبدأ سلسلة الت ُّ‬
‫أدق‪ ،‬من الجماد إلى النَّبات إلى الحيوان‬ ‫ٍ‬
‫بعبارة ّ‬ ‫العضوي‪ ،‬أو‬
‫ِّ‬
‫تنتهي باألبيات اآلتية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفر َد بدهائه‪ ،‬لكي‬
‫َ‬ ‫إلى اإلنسان الذي َّ‬
‫أوس ُع‬ ‫وذلك يف الدِّ ِ‬
‫راية‬ ‫َ‬ ‫هذا‬ ‫رمان إذا تو َّلدَ َف ْهو مِن‬ ‫الس ْب ُ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يدفع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألذى ال َّطبيعة بال َّطبيعة‬ ‫الحكيم فإنَّه‬ ‫والس ْب ُ‬
‫رمان هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫مفزع‬ ‫ُ‬ ‫فليس منها‬ ‫َ‬ ‫قاب‬
‫الر ُ‬
‫تعنو ِّ‬ ‫بقوى لها‬ ‫ً‬ ‫مجه ٌز‬
‫ّ‬ ‫والس ْب ُ‬
‫رمان‬ ‫ُّ‬
‫يخضع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رمان لغيره ال‬ ‫والس ْب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رمان مو ّف ٌق يف أمره‬ ‫والس ْب ُ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫هاوي قصيدته (سليل القرد) ويكفي‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫وقبل وفاته بشهر يكتب َّ‬
‫نحذف منها بعض القوايف لنجد أنَّها مقال‪ ،‬وفيها نقرأ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫اإلنسان قِ ْرد ًا كسو ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫فيعود‬ ‫ُّشوء انقالبًا‬ ‫إنَّني أخشى للن ِ‬

‫الخلو َخ ْطبًا جليال‬


‫ُّ‬ ‫كان‬ ‫ٍ‬
‫أرض َ‬ ‫ِ‬
‫الناس َو ْج ُه الـ‬ ‫وإذا ما خال من‬
‫الموت حتّى يزوال‬
‫َ‬ ‫َف َس َي ْم َ‬
‫حون‬ ‫بالعكس عاشوا وجدُّ وا‬ ‫ِ‬ ‫وإذا ما‬
‫منهم َو َأ ْهدى سبيال‬ ‫هو أرقى‬ ‫نس ٌل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫السربمان ْ‬ ‫باسم ُّ‬ ‫وسيأيت‬
‫ليس َي ْب َقى شي ٌء َل ُه مجهوال‬ ‫َ‬ ‫َي َت َق َّصى ُكنْ َه ال َّطبي َع ِة حتّى‬
‫ال ِخداعًا يأيت َوال تضليال‬ ‫الصدْ ُق دي ٌن‬ ‫ِِ‬
‫إنَّما يف حياته ِّ‬

‫‪٢٠‬‬
‫َّطور‪ ،‬فإنَّه يقرتن أيضًا بالبشارة‪.‬‬
‫السربمان بنظر َّية الت ُّ‬
‫برغم اقرتان ُّ‬
‫تفيض‬
‫َّطور‪ ،‬ويقف كبشارة ُ‬ ‫ٍ‬
‫سيتحول إلى غاية ينتهي عندها الت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫فهو‬
‫ٍ‬
‫كل شيء‪ .‬وبذلك ال يعود‬ ‫تجتاح أمامها َّ‬ ‫القوة التي‬ ‫عن إرادة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َّطور وهد َف ُه‪ .‬فلن‬
‫َّطور بقدر ما يكون غاي َة هذا الت ُّ‬
‫السوبرمان نتيج َة الت ُّ‬
‫ُّ‬
‫تجاوز ُه‬
‫ُ‬ ‫السوبرمان قوى ال َّطبيعة ّإل بال َّطبيعة نفسها‪ .‬وال ُّ‬
‫يتم‬ ‫يخرتق ُّ‬
‫يخلص لقواها التي ا َّدخرهتا فيه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتفو ُق ُه عليها ّإل حين‬
‫ُّ‬ ‫لل َّطبيعة‬
‫ِ‬ ‫يتم بإرادة ال َّطبيعة نفسها‪.‬‬
‫وليست‬ ‫السوبرمان على ال َّطبيعة ُّ‬ ‫فتفوق ُّ‬
‫ُّ‬
‫حي ذو‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫الطبيعة هي هذه الما َّدة الموضوع َّية الخام‪ ،‬بل هي كيان ٌّ‬
‫هاوي يف دواوينه على تذكيرنا دائمًا‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫وأخالق‪ .‬ويحرص َّ‬ ‫ٍ‬ ‫روحٍ‬
‫شك‬‫تموت)‪ .‬وال َّ‬
‫ُ‬ ‫بأن ال َّطبيعة هي (األُ ُّم العطوف)‪ ،‬وهي (التي ال‬
‫َّ‬
‫قوة إله َّية فيها‪ .‬والواقع َّ‬
‫أن‬ ‫أن هذا اإلحياء لل َّطبيعة يفرتض وجود َّ‬‫يف َّ‬
‫يصر ُح بوحدة الوجود يف قصيدة (المنظور والمستور)‬
‫هاوي نفسه ِّ‬
‫َّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫المتصوفة بين الظاهر والباطن ‪ -‬قائالً‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬واإلشارة واضح ٌة إلى تفريق‬
‫َّأثير‬ ‫ِ‬
‫وسماء كاهلل يف الت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أرض‬ ‫األثير يف ك ُِّل‬ ‫ولعل‬‫َّ‬
‫َ‬
‫والخ ْلف جا َء يف الت ِ‬
‫َّعبير‬ ‫ُ‬ ‫أص ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ولعل الذا َت ِ‬
‫ين واحد ٌة يف الـ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القدير‬ ‫ِ‬
‫القديم‬ ‫ِ‬ ‫غير اهلل‬ ‫ِ‬
‫ئ َن ُ‬ ‫َمذهبي (وحد ُة الوجود) فال كا‬
‫أجم َع ْت ث َّل ٌة على تكفيري‬
‫َ‬ ‫أنَا هذا فال ُأبالي إذا ما‬
‫أتيت ب ْعدَ ُعصور‬
‫ُ‬ ‫ح َّبذا لو‬ ‫َ‬
‫يفقهون َحديثي‬ ‫ُ‬
‫أهل َع ْصري ال‬
‫‪٢١‬‬
‫ٍ‬
‫صلة بمفهوم إرادة ال َّطبيعة يجع ُلنا‬ ‫السوبرمان ذات‬
‫وكون فكرة ُّ‬
‫ُ‬
‫تربط بين مفهوم‬ ‫ُ‬
‫نتساءل عن مدى تماثل عالقتها بالعالقة التي‬
‫المتصوفة بمبدأ (وحدة الوجود)‪ .‬وقد‬
‫ِّ‬ ‫(اإلنسان الكامل) لدى‬
‫الس َّيد نعمان‬
‫هاوي‪ ،‬فناقشها ِّ‬
‫ِّ‬ ‫كانت هذه األفكار شائع ًة يف عصر َّ‬
‫الز‬
‫والرصايفّ وغيرهما‪ ،‬فهل هناك عالقة بين‬
‫ُّ‬ ‫اآللوسي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫خير الدِّ ين‬
‫المتصوفة؟‬
‫ِّ‬ ‫السوبرمان‪ ،‬وهو اإلنسان الخارق‪ ،‬واإلنسان الكامل عند‬ ‫ُّ‬
‫هاوي كان يعرف فكرة (اإلنسان الكامل) عند‬ ‫َّ‬ ‫الز‬ ‫ال بدَّ َّ‬
‫أن َّ‬
‫سمع هبا يف مجالس أبيه‪ ،‬مفتي بغداد َّ‬
‫الشيخ‬ ‫َ‬ ‫المتصوفة‪ ،‬وال بدَّ أنَّه‬
‫ِّ‬
‫هاوي)‪ .‬ومع َّ‬
‫أن هناك مشاهب ًة بين طبيعة اإلنسان‬ ‫ّ‬ ‫الز‬
‫(محمد فيضي َّ‬‫َّ‬
‫فإن هناك فرقًا كبير ًا أيضًا‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن‬ ‫الكامل واإلنسان الخارق‪َّ ،‬‬
‫المتصوفة سببًا َّأول ّيًا لخلق العالم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فكرة اإلنسان الكامل تأيت عند‬
‫العادي به فيما بعد يف محاولة الوصول إليه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وتش ُّبهًا من اإلنسان‬
‫لرقي اإلنسان يف سلسلة‬ ‫ِّ‬ ‫بينما تأيت فكرة اإلنسان الخارق نتيج ًة‬
‫المتكررة إلى الوجود‪ .‬اإلنسان الكامل بداي ُة العا َل ِم وع َّل ُة‬‫ِّ‬ ‫رجعاتِ ِه‬
‫تطو ِر ِه؛ اإلنسان‬ ‫ُّ‬ ‫وهدف‬
‫ُ‬ ‫وجود ِه‪ ،‬واإلنسان الخارق هناي ُة العا َل ِم‬
‫ِ‬

‫يتغذى من الماضي‪ ،‬واإلنسان الخارق يتش َّك ُل يف المستقبل‪.‬‬


‫الكامل َّ‬

‫‪٢٢‬‬
‫هاوي؟‬
‫ِّ‬ ‫للز‬ ‫إذ ًا من أين جاءت هذه الكلمة ذات ِّ‬
‫الصياغة اإلنكليز َّية َّ‬
‫أفكار ِه‪ ،‬ألنَّها لو كانت كذلك‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫تكون من بنات‬ ‫ال يعقل أن‬
‫لصا َغها بكلمة عرب َّية‪ .‬وال ُيعقل أن تكون تعريبًا عن نيتشه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المتأخرة كلمتي‬ ‫)‪ .(Ubermensch‬وتستخدم التَّرجمات اإلنكليز َّية‬
‫)‪ (man superior‬أو ) ‪ (man higher‬لك َّن التَّرجمات االنكليزية‬
‫ٍ‬
‫واحدة هي ) ‪.(sup erman‬‬ ‫ٍ‬
‫بكلمة‬ ‫ترتجمها‬ ‫يف بداية القرن كانت‬
‫ُ‬
‫(قصة الفلسفة) الذي صدرت‬
‫ترجمها (وبل ديورانت) مثالً يف كتابه َّ‬
‫َ‬ ‫هكذا‬
‫طبعته اإلنكليز َّية األولى عام ‪ .1926‬ومن هنا يأيت تعدُّ د التَّرجمات‬
‫المتفوق)‬
‫ِّ‬ ‫العرب َّية لهذه المفردة‪ ،‬فهي (اإلنسان الخارق) و(اإلنسان‬
‫و(الفائق) و(المجاوز)‪ .‬وكان فيلكس قد ترجمها بـ(اإلنسان الراقي)‪.‬‬
‫هاوي يأخذ هذه الكلمة من التَّرجمات العرب َّية أو‬
‫َّ‬ ‫الز‬ ‫وأغلب ال َّظ ِّن َّ‬
‫أن َّ‬
‫التُّرك َّية عن اإلنكليز َّية وليس األلمان َّية‪ .‬وكانت مج َّلة (العلم) يف بغداد‬
‫نشرت مناقش ًة لرسالة لسالمة موسى عنواهنا ُّ‬
‫(السربمان(‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫عام ‪ ،1910‬قد‬
‫السوبرمان يف كتابات نيتشه يف الجزء الثالث من‬
‫تظهر َّأول إشارة إلى ُّ‬
‫المتفوق)‬
‫ِّ‬ ‫(هكذا تك َّل َم زرادشت)‪(:‬هنالك أيضًا ظفرت بكلمة (اإلنسان‬
‫يجتاز ُه‪ .‬ليس‬
‫ُ‬ ‫وبالتَّعليم القائم على َّ‬
‫أن اإلنسان كائ ٌن يجب أن ينشأ عنه ما‬
‫السعادة يف ظهيرتِ ِه ومسائِ ِه(‪.‬‬ ‫اإلنسان هدفـًا وال غاية‪ْ ،‬‬
‫إن هو ّإل ٌ‬
‫عابـر يدَّ عي َّ‬

‫‪٢٣‬‬
‫يتجاوز ُه‪ ،‬فهو ليس هدف هذه‬
‫ُ‬ ‫ال بدَّ أن يتو َّلدَ من اإلنسان كائ ٌن‬
‫فمجرد‬
‫َّ‬ ‫السوبرمان‪ .‬أ ّما اإلنسان‬
‫إن غايتَها هو ُّ‬‫ال َّطبيعة وغايتها‪ .‬بل ّ‬
‫عابر سبي ٍل ينقل رسالة إرادة الحياة من الحيوان إلى ُّ‬
‫السوبرمان‪.‬‬
‫ُ‬
‫يأخذها نيتشه من نظر َّية‬ ‫ويتساءل أويغن فنك‪( :‬هل تلك فكرة‬
‫َّحول الداروين َّية التي تتَّضح يف النِّهاية ها هنا؟ وهل ترتكز ميتافيزيقا‬
‫الت ُّ‬
‫إن نيتشه يقتصر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نيتشه على فرض َّية مستقاة من العلوم ال َّطبيع َّية؟ كال‪َّ .‬‬
‫على استعادة أفكار شائعة ليصو َغ هبا مشكلته‪ .‬فاإلنسان كائ ٌن‬
‫ألن ال َّطبيعة الك ِّل َّية للحياة‪ ،‬أي إرادة َّ‬
‫القوة‪ ،‬تستبي ُن‬ ‫يتجاوز ذاته‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫َّطور ليع ِّب َر هبا عن‬
‫هاوي كالهما يستعير نظر َّية الت ُّ‬
‫ُّ‬ ‫والز‬
‫فيه)‪ .‬نيتشه َّ‬
‫القوة الكامنة يف قلب ال َّطبيعة الح َّية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مضمون جديد‪ ،‬مضمون إرادة َّ‬

‫‪٢٤‬‬
‫ما وراء الشَّ كِّ واإلميان‬
‫بأكثر من عقد‪،‬‬
‫َ‬ ‫هاوي مجموعة شعر َّية كتبها قبل وفاتِ ِه‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫ترك َّ‬
‫يموت‪ ،‬ولذلك س َّل َمها إلى سالمة‬ ‫َ‬ ‫وأراد لها أن ُت َ‬
‫نش َر بعد أن‬
‫هاوي مصر سنة‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫(لما جاء َّ‬
‫موسى‪ .‬ويروي هذا األخير أ نَّه ّ‬
‫وأنشر ُه له‬ ‫إلي أن أطب َع ُه‬ ‫‪ 1924‬زارين َّ َّ‬
‫َ‬ ‫ثم سل َمني كتابًا عهدَ َّ‬
‫يحب ْ‬
‫أن يرى األثر الذي يحدث له من هذا‬ ‫ُّ‬ ‫بعد وفاته‪ ،‬أل نَّه ال‬
‫الكتاب يف حياته‪ ،‬وهذا الكتاب هو (نزعات إبليس)‪ ،‬ومن‬
‫هذا االسم يدرك القارىء المعنى الذي قصد إليه)‪ .‬وفعالً لم‬
‫نش ِر الكتاب‪ ،‬فقد ضاع‪ ،‬حتّى اسرت َّد ُه هالل ناجي ونشره سنة‬
‫ُي َ‬
‫‪ .1963‬تنتظم قصائد المجموعة يف ش َّقين هما َّ‬
‫الش ُّك واليقين‪.‬‬
‫ِ‬
‫صاحب هذا‬ ‫هاوي بمقدَّ مة وجيزة‪( :‬اختُلِ َ‬
‫ف يف‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫وقد قدَّ َم له َّ‬
‫علي‬
‫ّ‬ ‫كالر ئيس أبي‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الشعر‪ ،‬فمن قائ ٍل إ نَّه لجماعة من الفالسفة‬
‫شك ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫شعر ك ُّل ُه ٌّ‬ ‫كمونة‪ ،‬فقال ما قال من‬ ‫بن سينا وابن رشد وابن ُّ‬
‫ٍ‬
‫شعر ك ُّل ُه يقي ٌن(‪.‬‬ ‫الحق ‪ ،‬فعاد روح ّيًا‪ ،‬وقال ما قال من‬
‫ُّ‬ ‫ثم ظهر له‬ ‫َّ‬

‫‪٢٥‬‬
‫يمر َر شيئًا يف هذه المقدَّ مة‪،‬‬
‫هاوي يريد أن ِّ‬
‫َّ‬ ‫الز‬
‫أن َّ‬‫يبدو يف الظاهر َّ‬
‫مجر د ناق ٍل‬
‫َّ‬ ‫فليس هو المسؤول عن كتابة هذا الدِّ يوان‪ .‬بل هو‬
‫ٍ‬
‫بطريقة ما‪ ،‬وأراد أن يذي َع ُه بين الناس‪.‬‬ ‫أو ناسخٍ عثر عليه‬
‫بكافر ‪ .‬قائل هذا الدِّ يوان هو أحد الفالسفة‬‫ٍ‬ ‫وناقل الكفر ليس‬
‫كمونة‪ .‬ولذلك َّ‬
‫فإن هذا‬ ‫المذكورين‪ :‬ابن سينا‪ ،‬ابن رشد‪ ،‬ابن ُّ‬
‫سيقر ر منذ البداية ليس فقط تخ ِّليه عن مسؤول َّية هذا‬
‫ِّ‬ ‫الناقل‬
‫أن كات َب ُه بدأ متش ِّككًا وانتهى متي ِّقنًا‪.‬‬
‫يقر ر أيضًا َّ‬ ‫ِّ‬
‫الشعر‪ ،‬بل ِّ‬
‫ِ‬
‫هناك إذ ًا تمويهان يف هذه المقدَّ مة‪ ،‬كالهما خطأ‪ .‬إذا خرج‬
‫بالضرورة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫األو ل سقط يف التَّمويه الثاين‬
‫َّ‬ ‫القارئ من التَّمويه‬
‫ُ‬
‫هاوي ‪ ،‬بل أحد الفالسفة‬ ‫ّ‬ ‫الز‬
‫أن شاعر الدِّ يوان ليس َّ‬ ‫األو ل َّ‬
‫َّ‬
‫بالش ِّك وانتهى‬‫َّ‬ ‫أن شاعر الدِّ يوان بدأ‬‫المذكورين‪ ،‬والثاين َّ‬
‫يقر ر الدِّ يوان منذ البداية سو َء تأويلِ ِه ‪ .‬ويبدو‬
‫باليقين‪ .‬هكذا ِّ‬
‫الفخ ‪ ،‬حين جعلوا‬ ‫ِّ‬ ‫قر اء الدِّ يوان وقعوا بعد ذلك يف هذا‬ ‫َّ‬
‫أن ّ‬
‫ينتهي متي ِّقنًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫هاوي نفسه يبدأ متش ِّككًا ويجب أن‬ ‫َّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫هاوي يف نشر الدِّ يوان يف حياته‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫صح هذا لما تر َّد د َّ‬
‫َّ‬ ‫ولو‬

‫‪٢٦‬‬
‫َّص إلى اليقين قض َّية‬‫كان انتهاء الفيلسوف صاحب الن ِّ‬
‫ٍ‬
‫يقين مماثلٍ‪.‬‬ ‫هاوي نفسه إلى‬
‫ُّ‬ ‫الز‬ ‫َ‬
‫يصل َّ‬ ‫مس َّلمة تر َّت َ‬
‫ب عليها أن‬
‫َّص وصال إلى هذا‬
‫هاوي وال صاحب الن ِّ‬
‫ّ‬ ‫الز‬
‫والحقيقة أنَّه ال َّ‬
‫مجرد ناقل‪ ،‬وصاحب التَّجربة يتساوى‬
‫َّ‬ ‫هاوي‬
‫ّ‬ ‫فالز‬
‫َّ‬ ‫اليقين‪.‬‬
‫َّ‬
‫والشيطان‬ ‫والش ُّك واليقين‪ ،‬واهلل‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والش ُّر‪،‬‬ ‫عنده يف النِّهاية الخير‬
‫ِ‬
‫األحضان‬ ‫يا ُأ ُّم ُض ِّميني إلى‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان‬ ‫أرض أن ِ‬
‫ْت األُ ُّم‬ ‫يا ُ‬
‫َّ‬
‫والشيطان‬ ‫وسئمت ذكر اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سئمت من الحياة وطولها‬ ‫إنِّي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫موضوعة المخطوطة إذ ًا ليست االبتداء َّ‬
‫بالش ِّك واالنتهاء باليقين‪،‬‬
‫الش ِّك‬
‫بل التَّوازي بينهما‪ ،‬وبالتالي تجاوز هذا التَّوازي إلى ما وراء َّ‬
‫واليقين‪ ،‬تمامًا كما دعا نيتشه إلى تجاوز األخالق االجتماع َّية‬
‫هاوي هو‬
‫ُّ‬ ‫الز‬ ‫َّ‬
‫والش ِّر‪ .‬ما يريده َّ‬ ‫َّ‬
‫والش ِّر إلى ما وراء الخير‬ ‫يف الخير‬
‫الش َّك واليقين‬
‫حو لت الدِّ يانات َّ‬
‫الخروج من أسر األلفاظ‪ .‬لقد َّ‬
‫الصنم َّية إلى األرض‬ ‫إلى أصنا مٍ‪ ،‬وهو يريد أن يخرج من هذه َّ‬
‫تضم يف داخلها‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬ا ألُ ِّم ‪ ،‬إلى ال َّطبيعة من حيث هي َّ‬
‫قو ة روح َّية‬
‫النَّقيضين معًا‪ .‬فال َّطبيعة هي الوجود الواحد والموجود المتعدِّ د‪.‬‬

‫‪٢٧‬‬
‫ويف هذا اال ِّتجاه أيضًا تسير ملحم ُت ُه (ثورة يف الجحيم)‪ ،‬حيث‬
‫َ‬
‫ويهاجمون زبانيتَها‪.‬‬ ‫السعير‬ ‫يخرتع س ّكان جهن ََّم آل ًة يطفئون هبا َّ‬
‫حر َّ‬ ‫ُ‬
‫لقد كان ُينظر دائمًا إلى هذه القصيدة باعتبار المؤ ِّثر والتَّأثير‪،‬‬
‫والمعر ِّي ‪ ،‬ولك ّن أحد ًا لم‬
‫ِّ‬ ‫فيتحدَّ ث ناقدوها عن تأ ُّثرها بدانتي‬
‫الفلسفي العا ِّم ‪.‬‬ ‫يتساءل عن مدى انسجامها مع مذهبه‬ ‫ْ‬ ‫ينتب ْه ولم‬
‫ِّ‬
‫الشياطين)‬ ‫فـ(احتالل أهل الجحيم للجنَّة طائرين إليها على ظهور َّ‬
‫هاوي يف أحد عناوينها‪ -‬إ نَّما يعني استواء الخير‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫‪-‬كما يقول َّ‬
‫والش ّك واإليمان‪ ،‬والجنان‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والشياطين‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والش ِّر ‪ ،‬والمالئكة‬
‫والنِّيران‪ ،‬والحلم بما يتجاوز هذه ك َّلها إلى ما ورا َءها‪ُ .‬يقال إ نَّه حين‬
‫فلما ك َّل َم ُه يف ذلك‪،‬‬
‫شر ها إلى الملك‪ّ ،‬‬ ‫نظمها (فزع المتز ِّمتون من ِّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫األرض فأضرمتُها‬ ‫عجزت عن إضرا ِم ال َّثورة يف‬
‫ُ‬ ‫أصنع ؟‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬ماذا‬
‫واليقين هو الذي‬‫ِ‬ ‫الش ِّك‬
‫السماء)‪ .‬ولقد كان الحلم بتجاوز َّ‬ ‫يف َّ‬
‫ِ‬
‫قيود األديان ‪ِ،‬‬ ‫ُ‬
‫َّجر د من‬‫(أحب ديان َة الت ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يعتمل يف نفسه حين كتب‬
‫ديني(‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫البشر إلى درجة أن ال يحتاج إلى إصالحٍ‬
‫ُ‬ ‫والمنتظر أن يرقى‬

‫‪٢٨‬‬
‫للش ِّك عند شوبنهور واليقين عند هيغل‪ ،‬يكتب نيتشه‬ ‫ويف نقده َّ‬
‫َّ‬
‫والش ِّر )‪( :‬ما يزال هناك‬ ‫على ٍ‬
‫نحو مماث ٍل يف كتابه (ما وراء الخير‬
‫أن هناك يقينًا مباشر ًا ‪ ،‬مثالً‪،‬‬ ‫يعتقدون َّ‬
‫َ‬ ‫ممن‬ ‫ِ‬
‫راصدون ألنفسهم ّ‬
‫فيقول أحدُ هم (أعتقد)‪ ،‬أو كما تع ّبر خرافة شوبنهور (أريد)‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وعار‬ ‫ٍ‬
‫خالص‬ ‫ٍ‬
‫نحو‬ ‫ِ‬
‫بموضوعها على‬ ‫وكأن المعرفة هنا تمسك‬ ‫َّ‬
‫تزييف من لدن الذات أو الموضوع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بوصفه (شيئًا يف ذاته) دون‬
‫َّ‬
‫والشيء‬ ‫ُ‬
‫شأن المعرفة المطلقة‬ ‫غير َّ‬
‫أن هذا اليقين المباشر‪ ،‬شأ ُن ُه‬
‫أكر ر‬ ‫ُّ‬
‫وسأظل ِّ‬ ‫الصفة والموصوف‪،‬‬ ‫يتضم ُن تناقضًا بين ِّ‬‫َّ‬ ‫يف ذاته‪،‬‬
‫ِ‬
‫نحر َر أنفسنا فعالً من إغراء الكلمات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المر ات أ نَّنا يجب أن ِّ‬
‫مئات ّ‬

‫‪٢٩‬‬
‫رصاع الفيلسوف والشاعر‬
‫هاوي ونيتشه كالهما كان شاعر ًا وفيلسوفًا‪ .‬ولقد‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أ ّد ى هذا االنقسام عند نيتشه إلى جملة من األسئلة‬
‫بقي يف فكر نيتشه‪ .‬فهل نجد‬ ‫أخطر ما َ‬ ‫ُ‬ ‫المهمة‪ ،‬هي تقريبًا‬
‫َّ‬
‫هاوي‪ ،‬وقد كان ُيعاين هذا االنقسام نفسه؟‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫مثيالهتا عند َّ‬
‫يف مقدَّ مة الحقة كت َبها نيتشه لل َّطبعة الثانية (‪ )1886‬من كتا بِ ِه‬
‫(مولد المأساة)‪ ،‬بعنوان (محاولة يف النَّقد الذا يتِّ) يشير نيتشه‬
‫ث‬‫الر وح الجديدة‪ ،‬ال أن يتحدَّ َ‬ ‫يجب أن يغن َِّي تلك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫إلى أ نَّه (كان‬
‫تشف عن تر ُّد ده بين‬ ‫ُّ‬ ‫أن هذه الكلمة‬ ‫هبا)‪ .‬ووجد ن ّقا ُد ُه فيها َّ‬
‫نزوع إلى الفلسفة ِّ‬
‫بكل‬ ‫ِ‬
‫نزوعان ‪:‬‬ ‫يتقاسم ُه‬ ‫الفلسفة والف ِّن ‪ .‬فنيتشه‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫مجر د للبحث‬ ‫َّ‬ ‫نظري‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫دقيق ‪ ،‬وتأ ُّمل‬ ‫تحليلي‬ ‫ٍ‬
‫تفكير‬ ‫ما تتط َّل ُب ُه من‬
‫ٍّ‬
‫لألو ل يتَّجه نحو‬
‫َّ‬ ‫آخر مضا ٌّد‬ ‫ُ‬ ‫ونزوع‬
‫ٌ‬ ‫عن الحقيقة الموضوع َّية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وخيال‪ .‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫وكذب‬ ‫ٍ‬
‫أسطورة‬ ‫بكل ما يستند إليه الف ُّن من‬ ‫الف ِّن ِّ‬
‫هنا َّ‬
‫فإن يف صميم تفكير نيتشه صراعًا ضمن ّيًا بين الفيلسوف‬
‫والشاعر‪ ،‬بين المعرفة العلم َّية واألسطورة الحالمة‪ ،‬بين‬
‫الحقيقة والخيال‪ .‬ويؤ ِّد ي التَّحليل المعر يفُّ للتَّناقض بين هذين‬
‫القطبين إلى تحليل األسطورة بوصفها أساس المعرفة البديه َّية‪،‬‬

‫‪٣٠‬‬
‫األسطوري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وتحليل المعرفة الموضوع َّية بوصفها غاية التَّفكير‬
‫سماها‬
‫المرجو ة (األسطورة) كما ّ‬
‫َّ‬ ‫أسمينا هذه الكلمة‬
‫َّ‬ ‫(وسوا ُء‬
‫المتأخرة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِّ‬ ‫سماها يف أعماله‬‫نيتشه الشاب‪ ،‬أو (الحياة) كما ّ‬
‫محتواها يبقى ماثالً يف سعيه إلى األسطورة‪ ،‬أي َّ‬
‫أن منهجه يف‬
‫المعرفة الباحثة هو نفاذ البصر‪ .‬وهدف المعرفة هي أسطورة‬
‫الرائي وطريق المعرفة هو نفاذ بصر المتش ِّكك)‪ .‬ولقد ساق‬
‫للسؤال نفسه؛ (هل‬
‫هذا التَّناقض نيتشه إلى المساءلة المعرف َّية ُّ‬
‫ٍ‬
‫ومعيار‬ ‫ٍ‬
‫مجر د وسيلة‬ ‫مس َّلمات المنطق مناسبة للواقع‪ ،‬أم أ نَّها‬
‫َّ‬
‫لنا لخلق الواقع ومفهوم الواقع؟ تأكيد الحالة األولى يعني َّ‬
‫أن‬
‫لدى المرء معرف ًة سابق ًة باألشياء‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أمر غير صحيحٍ بالتَّأكيد‪.‬‬
‫تتضمن معيار ًا للحقيقة‪ ،‬بل حاج ًة‬
‫َّ‬ ‫لذلك َّ‬
‫فإن القض َّية المنطق َّية ال‬
‫نسيت‬
‫ْ‬ ‫مجازات‬
‫ٌ‬ ‫الزم ًة لما يجب أن ُي َعدَّ حقيقة)‪ .‬فالحقائق هي‬
‫مجاز َّيتَها‪ ،‬والوقائع ليست موضوع َّية‪ ،‬بل ا ِّتفاقات لغو َّية‪ .‬فهي‬
‫إذ ًا لغة شعر َّية‪ ،‬نس َي ْت شعر َّيتَها وتقنَّعت بقناع الحقائق‪ .‬ولك ْن ال‬
‫بدَّ من فهم هذه ال ُّلغة ِّ‬
‫الشعر َّية فهمًا علم ّيًا ومنطق ّيًا دقيقًا‪ ،‬فما‬
‫ب‬ ‫إن المعيار هو المنطق‪ .‬إذا قبلنا هبذا القول تر َّت َ‬ ‫المعيار؟ س ُيقال َّ‬
‫معيار ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نقر بأ نَّنا نعرف الواقع معرف ًة قبل َّية سابق ًة على اختيار‬
‫عليه أن َّ‬

‫‪٣١‬‬
‫بأن يف المنطق نفسه ُبعد ًا‬
‫نقر َّ‬
‫ب علينا أن َّ‬‫وإذا رفضنا ذلك تر َّت َ‬
‫أسطور ّيًا ال ‪ -‬منطق ّيًا‪ ،‬وبالتالي سنصل إلى تحليل ال ُّلغة‪ ،‬وإلى‬
‫رفع قانون التَّناقض عند أرسطو‪ .‬والمعروف َّ‬
‫أن قانون التَّناقض‬
‫غير ُه ‪ .‬يف حين نجد نيتشه‬
‫يستدعي أن يكون (أ) هو (آ) وليس شيئًا َ‬
‫هنا بخالف ذلك؛ (آ) عنده يساوي (آ) وال يساويه أيضًا‪ .‬من هنا‬
‫أهم َّية تفكيك ال ُّلغة بوصفها العنصر الثالث يف المث َّلث المعر يفِّ‬
‫تأيت ِّ‬
‫يضم ‪ :‬الوقائع‪ ،‬واألفكار‪ ،‬والتَّعبيرات‪ .‬يقول بول دي مان‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫الذي‬
‫ٍ‬
‫خطاب تفكيكي ‪ ،‬أي َّ‬
‫أن التَّفكيك‬ ‫(هذا التَّعقيد سمة الزمة ِّ‬
‫لكل‬
‫ٍّ‬
‫مفر من هذا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بالضرورة‪ .‬وال َّ‬
‫بطريقة مرجع َّية َّ‬ ‫يذكر مغالطة المرجع‬
‫َّص ُيجري أيضًا هذا التَّفكيك ليس أمر ًا ِّ‬
‫نقر ر فعله أو عد َم‬ ‫وكون الن ِّ‬
‫ٍ‬
‫استعمال ل ُّلغة‪ ،‬وهذا االستعمال‪،‬‬ ‫فعلِ ِه برغبتنا‪ .‬فهو مالز ٌم ِّ‬
‫لكل‬
‫فإن االنقالب‬‫قسري إلزامي ‪ .‬فضالً عن ذلك‪َّ ،‬‬
‫ٌّ‬ ‫كما يقول نيتشه‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫َّفكيكي لن يصل‬
‫ِّ‬ ‫المتضمن يف الخطاب الت‬
‫َّ‬ ‫من النَّفي إلى اإلثبات‬
‫بحوث كثيرةٍ‬
‫ٍ‬ ‫أبد ًا إلى النَّظير المقابل لما ينفيه)‪ .‬ويمضي نيتشه يف‬
‫مهمة مثل موقع ال ُّلغة‪ ،‬وال َّلعب بوصفه قانونًا‬
‫لمساءلة موضوعات َّ‬
‫توص َل إليه نيتشه؟‬
‫َّ‬ ‫هاوي إلى ما‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫توصل َّ‬
‫َّ‬ ‫كون ّيًا‪ ...‬إلخ‪ .‬فهل‬

‫‪٣٢‬‬
‫ٍ‬
‫حوار من أخصب الحوارات التي جرت يف بداية القرن بين‬ ‫يف‬
‫المجل ت المصر َّية‪ ،‬نكاد نجد‬ ‫ّ‬ ‫هاوي والع ّقاد على صفحات‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫تكتمل ‪ .‬وكانت البداية حين نشر‬ ‫ْ‬ ‫أفكار ًا مشاهبة‪ ،‬لوال أ نَّها لم‬
‫تونسي‬ ‫ٍ‬
‫قارئ‬ ‫هاوي بعد أن وصلته رسال ٌة من‬‫ِّ‬ ‫الع ّقاد رأيه يف َّ‬
‫الز‬
‫ٍّ‬
‫هاوي شاعر ًا وفيلسوفًا‪ .‬وكان رأي الع ّقاد (أ نَّه‬ ‫ِّ‬ ‫الز‬
‫أثنى فيها على َّ‬
‫صاحب َم َل َكة علم َّية تطرق الفلسفة وتنظم ِّ‬
‫الشعر بأداة العلم‬
‫هاوي المماثل‬
‫ِّ‬ ‫ووسائل ال ُع َلماء)‪ .‬لقد تب ّين للع ّقاد انقسام َّ‬
‫الز‬
‫حشر ُه يف زمرة العلماء‪.‬‬
‫َ‬ ‫الشعر والفلسفة‪ ،‬لكنَّه ارتأى‬ ‫بين ِّ‬
‫صاحب‬ ‫العصري‬ ‫هاوي َّ‬
‫بأن (الشاعر‬ ‫الز‬ ‫ٍ‬
‫وكان حينئذ أن ر َّد َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫وعاطفة ال يبعد هبما عن الواقع المحسوس‪...‬‬ ‫ٍ‬
‫وخيال‬ ‫ٍ‬
‫حقيقة‬
‫وحسب ‪،‬‬ ‫يتحر ى هبا الحقيقة‬ ‫ٍ‬
‫بصيرة‬ ‫صاحب‬ ‫الفيلسوف‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وأن‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫شأن للبديهة فيه ّإل قليالً)‪ .‬وتظهر يف هذا الحوار مراجعة‬ ‫وال‬
‫لمفاهيم كثيرة مثل الحقيقة والخيال والمنطق والعاطفة‪ ،‬غير َّ‬
‫أن‬
‫والشعر‪ ،‬أو بين‬‫ِّ‬ ‫ظل غائبًا هو موقع ال ُّلغة بين الفلسفة‬
‫أهم ما َّ‬
‫َّ‬
‫هاوي من إثارة موضوع ال ُّلغة حين‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫المنطق والواقع‪ .‬ويقرتب َّ‬
‫يقص علينا‬
‫ُّ‬ ‫يتحدَّ ث عن عمى العقل‪( :‬ال ُأ نكر َّ‬
‫أن الخيال كان‬
‫مر ًة وتكذب مرار ًا‪،‬‬
‫قصص ُه كانت وال تزال َت ْصدُ ُق َّ‬
‫َ‬ ‫قصصه‪ ،‬ولك َّن‬

‫‪٣٣‬‬
‫كجزمِ ِه بتالقح اإلنسان والحيوان‪ ،‬ووجود البعبع وأعراس الجان‬
‫الشعوب المنح َّطة أكثر‬ ‫وغير ذلك من الخرافات التي هي اليوم يف ُّ‬
‫بمعزل عن مثل هذه األوهام‪ .‬وأ ّما عمى‬ ‫ٍ‬ ‫منها يف المتمدِّ نة‪ .‬والفلسفة‬
‫الز من ال َّطويل فأل نَّه كان‬ ‫العقل عن نظر َّية النُّشوء واالرتقاء َّ‬
‫كل ذلك َّ‬
‫إن لم‬ ‫أقرب إلى الخيال ْ‬
‫َ‬ ‫يبني عق َل ُه على الحدس والتَّخمين‪ .‬فكان‬
‫ِ‬
‫لحظتان يف تاريخ العقل‪ :‬العمى والبصيرة‪ ،‬وهذه ثنائ َّية‬ ‫ي ُكن َّ‬
‫ْه)ثمة‬
‫السبعينات مع أحد أحفاد نيتشه‬ ‫ستصل إليها الفلسفة الغرب َّية يف َّ‬
‫الفكر ِّيين وهو بول دي مان‪ .‬العمى حين يدَّ عي وصف الواقع فال‬
‫ٌ‬
‫خيال ‪،‬‬ ‫يصدق ‪ ،‬والبصيرة حين يص ُف ُه فال يكذب‪ُّ .‬‬
‫السوبرمان مثالً‬ ‫ُ‬
‫هاوي‬
‫ّ‬ ‫الز‬
‫يوضح َّ‬ ‫ولكنَّه يتوافق مع قوانين ال َّطبيعة وأخالقها‪ .‬وال ِّ‬
‫يفرق بين عمى العقل وبصيرته‪ ،‬أل نَّه لم يعرف أصالً القيمة‬
‫كيف ِّ‬
‫المعرف َّية ل ُّلغة يف صناعة المفاهيم‪ ،‬وأل نَّه يعتقد َّ‬
‫أن البصيرة ال‬
‫يمكن أن تنتاهبا ٌ‬
‫نقط من العمى‪ .‬ويف ذلك الحوار ال بدَّ من عدم‬
‫ال شخص ّيًا بينهما أكثر‬ ‫أن الحوار كان سجا ً‬ ‫األو ل َّ‬
‫إغفال أمرين‪َّ :‬‬
‫اجتماعي‬ ‫ِ‬
‫مما كان حوار ًا ‪ .‬والثاين أ نَّهما معًا كانا ينطلقان من َه ٍّم‬
‫ٍّ‬ ‫ّ‬
‫ُيملي عليهما أن يكون استخدا ُمهما استخدامًا نفع ّيًا تداول ّيًا‪،‬‬

‫‪٣٤‬‬
‫ٍ‬
‫مقالة كت َبها الع ّقاد أن‬ ‫وليس معرف ّيًا خالصًا‪ .‬وكان يف آخر‬
‫اهلل يف‬ ‫َ‬
‫وكتب‪(:‬بارك ُ‬ ‫ونو َه بجنون نيتشه‬
‫ّ‬ ‫هاوي ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫سخر من َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأكثر من أمثاله ‪ ،‬وإن‬ ‫السوء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عق ِل‬
‫َ‬ ‫وصرف عنه ُّ‬
‫َ‬ ‫األستاذ ‪،‬‬
‫أن أمثا َل ُه كثيرون يعدُّ ون بالماليين يف عالم هذا‬
‫يزعم َّ‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫يسخر‬
‫ْ‬ ‫ف الحوار‪ .‬فالع ّقاد لم‬
‫الفضاء)‪ .‬وعند هذه النُّقطة تو َّق َ‬
‫هم ُه بسرقة نيتشه‪ .‬ولهذا سيتو َّقف‬ ‫هاوي فقط‪ ،‬بل ا َّت َ‬ ‫ّ‬ ‫الز‬
‫من َّ‬
‫الر ِّد ‪ ،‬وسيدَّ عي النَّزاهة أمام نفسه قائالً إ نَّه لن‬ ‫هاوي عن َّ‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫بسخرية ‪ .‬لكنَّه سينتقم من الع ّقاد بطريقةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حوار ينتهي‬ ‫يستمر يف‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫أخرى‪ .‬فحين ُيصد ُر الع ّقاد ديوا َن ُه سيتص َّيد هو أخطا َء ُه ال ُّلغو َّية‬
‫الشعر َّية بعقل َّية سوبرمان من القرون األولى‪.‬‬ ‫والنَّحو َّية وسرقاتِ ِه ِّ‬

‫‪٣٥‬‬
‫املرسل‬
‫سوبرمان الشِّ عر َ‬
‫ِ‬
‫واجهت‬ ‫كانت مشكلة المعيار من المشكالت األساس َّية التي‬
‫ٍ‬
‫معيار يكون‬ ‫توفير‬
‫ُ‬ ‫األدبي‪ .‬كيف يمكن‬ ‫هاوي يف نقده‬
‫َّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫يت يف الغالب‪،‬‬ ‫َّهضوي ذا ٌّ‬
‫ِّ‬ ‫موضوع ّيًا؟ المعيار يف األدب الن‬
‫جديد‪ .‬ولكنَّه هبذه الذات َّية يخون‬ ‫ٍ‬ ‫يسعى إلى توطيد نموذجٍ‬
‫ٍ‬
‫ناقد ذراعًا‬ ‫أن ِّ‬
‫لكل‬ ‫الشرق َّ‬‫‪(:‬مما يأسف له األدب يف َّ‬ ‫معيار َّي َت ُه ّ‬
‫الش َعراء‪ْ ،‬‬
‫فإن رآه مساويًا له‬ ‫يقيس به شعور ُّ‬
‫ُ‬ ‫(اقرأ‪ :‬معيار ًا)‬
‫َ‬
‫يقول‬ ‫أليس للشاعر أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كان رديئًا‪.‬‬ ‫كان ج ِّيد ًا ‪ ،‬أو ناقصًا عنه‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫يكون ذرا ُع َك مقياسًا وال يكون‬ ‫لمثل هذا الناقد‪ :‬لماذا‬
‫وستكر ُر نازك المالئكة فيما بعد هذه َّ‬
‫الشكوى‬ ‫ِّ‬ ‫ذراعي؟)‪.‬‬
‫الشعور‬ ‫هاوي ْ‬
‫أن يكون ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫يقرتح َّ‬
‫ُ‬ ‫ويف معركة التَّجديد والتَّقليد‪،‬‬
‫معيار التَّقليد‪:‬‬
‫َ‬ ‫والسمع‬
‫َّ‬ ‫معيار التَّجديد‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وميزان‬ ‫هز النُّفوس وع َّب َر عن ُّ‬
‫الشعور‪،‬‬ ‫)وليكن ميزان الجديد هو ما َّ‬
‫مما ال عالقة له ُّ‬
‫بالشعور‪ .‬هنا‬ ‫السمع‪ ،‬وعاف ْت ُه النَّفس ّ‬‫مج ُه َّ‬ ‫القديم َّ‬
‫كل ما َّ‬
‫يبدو أنَّه أغفل مالحظة ازدواج َّية المعيار‪ّ ،‬‬
‫وإل فما هو ضابط ُّ‬
‫الشعور‬
‫الموضوعي؟‬ ‫ومعيار ُه‪ْ ،‬‬
‫إن لم تكن الذات َّية نفسها التي هي نقيض المعيار‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬

‫‪٣٦‬‬
‫ُ‬
‫وميزان‬ ‫هز النُّفوس وع َّب َر عن ُّ‬
‫الشعور‪،‬‬ ‫)وليكن ميزان الجديد هو ما َّ‬
‫مما ال عالقة له ُّ‬
‫بالشعور‪ .‬هنا‬ ‫السمع‪ ،‬وعاف ْت ُه النَّفس ّ‬
‫مج ُه َّ‬ ‫القديم َّ‬
‫كل ما َّ‬
‫يبدو أنَّه أغفل مالحظة ازدواج َّية المعيار‪ّ ،‬‬
‫وإل فما هو ضابط ُّ‬
‫الشعور‬
‫الموضوعي؟‬ ‫ومعيار ُه‪ْ ،‬‬
‫إن لم تكن الذات َّية نفسها التي هي نقيض المعيار‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫العصري‬
‫ّ‬ ‫ومع حرصه على تأكيد َّ‬
‫أن الحداثة (أي الجديد أو‬
‫بحسب ما كان يستعم ُل ُه من مصطلحات) ليست ظاهرة زمان َّية‬
‫الزمان‪،‬‬
‫بل رؤيو َّية‪( :‬إنِّي ال أنظر إلى القديم والجديد من حيث َّ‬
‫بل أنظر إليهما من حيث النَّزعة)‪ ،‬ومع حرصه على التَّذكير َّ‬
‫بأن‬
‫الجديد موجو ٌد يف القديم ويف الحديث إذا لم يسب ْق ُه أحدٌ إليه(‪،‬‬
‫أهم العوائق يف مشروع الحداثة لديه‪ .‬فالحداثة‬
‫الزمان َّية َّ‬
‫فقد كانت َّ‬
‫ٍكما يفهمها ليست زمان َّية‪ ،‬بل هل نزعة رؤيو َّية‪ ،‬وجنوح إلى‬
‫االبتكار الفن ِِّّي‪ ،‬ولهذا فهي قد توجد يف شعر الجاهل َّية كما توجد يف‬
‫ٍ‬
‫حاضن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫الرؤية بحاجة أيضًا إلى‬ ‫ِّ‬
‫العصري‪ .‬ولك َّن هذه ُّ‬
‫ِّ‬ ‫الشعر‬
‫تمر َد الشاعر الكبير على‬ ‫المسوغات االجتماع َّية‪( :‬مهما َّ‬‫ِّ‬ ‫يو ِّف ُر لها‬
‫مر ًة واحد ًة‬‫يطفر َّ‬
‫َ‬ ‫َّصورات يف أ َّمتِ ِه‪ ،‬فهو ال يستطيع ْ‬
‫أن‬ ‫األساليب والت ُّ‬
‫وإن كثير ًا من‬ ‫َّ‬ ‫تخالف ما أل َف ُه شع ُب ُه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وأساليب‬ ‫إلى تصو ٍ‬
‫رات‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫وتطور أبناء ال ُّلغة(‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تطور ال ُّلغة‬
‫َّطور داخل ُّ‬ ‫مضطرون إلى الت ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫الش َعراء‬ ‫ُّ‬

‫‪٣٧‬‬
‫رؤيوي ‪ ،‬وليست ظاهر ًة زمان َّيةً‪ ،‬ومع ذلك فهي‬
‫ٌّ‬ ‫نزوع‬
‫ٌ‬ ‫الحداثة‬
‫الز مان بوصفه الحاضنة التاريخ َّية لها‪ .‬وهكذا فهي‬ ‫تحتاج إلى َّ‬ ‫ُ‬
‫زمان وقطيعةٌ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الز ما ينَّ‪ .‬فالحداثة إذ ًا‬
‫َّطو ر َّ‬
‫تراعي الت ُّ‬ ‫يجب أن‬
‫َ‬
‫وانفصال يف الوقت نفسه‪ .‬لقد ن َّظ َر‬‫ٌ‬ ‫ف ‪ ،‬ا ِّت ٌ‬
‫صال‬ ‫استمرار وتو ُّق ٌ‬‫ٌ‬
‫ف‬ ‫للز مان فلسف ّيًا على أ نَّه يتخ َّلل الحركة‪ ،‬أو أبدٌ مك َّث ٌ‬ ‫هاوي َّ‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫يف ال َّلحظة الحاضرة‪ ،‬ولكنَّه علم ّيًا كان بحاجة إلى نظر َّية‬
‫الز مان بوصفه تتابعًا خ ِّط ّيًا‪ .‬وهكذا‬ ‫ف فيها َّ‬ ‫َّ‬
‫يتكش ُ‬ ‫َّطو ر التي‬‫الت ُّ‬
‫ٍ‬
‫مشروع رؤية يتجاوز‬ ‫ِ‬
‫أيضًا يف نظرته إلى الحداثة‪ ،‬فالحداثة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الز من‪ ،‬وقد يوجد يف القديم كما يف الجديد‪ .‬ولكنَّه من ناحيةٍ‬ ‫َّ‬
‫بعصر ِه وزمن ِ ِه ‪ ،‬فال يستطيع أن يفار َق ُه ‪ .‬وما‬
‫ِ‬ ‫لصيق‬
‫ٌ‬ ‫مشروع‬
‫ٌ‬ ‫أخرى‬
‫هاوي يف ِّكر‪ ،‬وهو ُيلقي‬
‫ُّ‬ ‫الز‬
‫بين حدَّ ي االستمرار واالنقطاع كان َّ‬
‫بإرضاء الحداثة والتاريخ معًا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العراقي األولى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بذرات النَّقد‬
‫ِّ‬
‫ومشروع ِه اإلصالحي يف الوقت نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طموح ِه الفن ِِّّي‬
‫ِ‬ ‫بإرضاء‬
‫ِّ‬
‫هاوي عدد ًا من المقاالت النَّقد َّية عن ِّ‬
‫الشعر‬ ‫ُّ‬ ‫الز‬
‫ويف عام ‪ 1922‬كتب َّ‬
‫الشعر)‪ ،‬وقد نشرهتا مج َّلة (اليقين) يف تسع حلقات‪،‬‬
‫منها‪( :‬نظرة يف ِّ‬
‫نشرها رفائيل ب ِّطي يف كتابه (سحر ِّ‬
‫الشعر(‪.‬‬ ‫و(محاضرة يف ِّ‬
‫الشعر)‪ ،‬وقد َ‬

‫‪٣٨‬‬
‫هاوي إلى لغة شعر َّية مجنَّحة‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫والمالحظ على هاتين الدِّ راستين لجوء َّ‬
‫أقرب إلى البالغة‬ ‫ٍ‬
‫تكثر من استعارات التَّحليق وال َّط َيران‪ ،‬يف بالغة‬
‫َ‬
‫رسل)‪ ،‬فتحدث زوبعة‬
‫الم َ‬ ‫النِّيتشو َّية‪ .‬ويف عام ‪ 1925‬ينشر مقالة ِّ‬
‫(الشعر ُ‬
‫األثري‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ومحمد هبجت‬ ‫َّ‬ ‫الفضلي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫يف األوساط األدب َّية‪ ،‬وير ُّد شكري‬
‫ٍ‬
‫حسون وآخرون يف سلسلة من المقاالت‪.‬‬ ‫ورفائيل ب ِّطي‪ ،‬وسليم أفندي ُّ‬
‫ويجمع هو ردو َد ُه على اعرتاضاهتم جميعًا يف مقالة بعنوان‪ِّ :‬‬
‫(الشعر‬
‫والر ُّد على ناقديه)‪ .‬وخالصة رأيِ ِه يف هذا األمر َّ‬
‫أن القافية (قيدٌ‬ ‫المرسل َّ‬
‫َ‬
‫الرأي أيضًا نازك المالئكة‬ ‫ِ‬
‫من قيود ِّ‬
‫وستكر ُر هذا َّ‬
‫ِّ‬ ‫يرسف به)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الشعر‬
‫الشعر المرسل ِّ‬
‫بالشعر المنثور‬ ‫بعد ثالثة عقود تقريبًا‪ .‬ولكي ال يختلط ِّ‬
‫هاوي أنَّه لم يدْ ُع إلى هجر الوزن‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الز‬ ‫الذي دعا إليه رفائيل ب ِّطي ِّ‬
‫يوضح َّ‬
‫وسبب التَّكرار‪ .‬وإذا كان الوزن‬
‫ُ‬ ‫بل إلى نز ِع القافية فقط‪ ،‬ألنَّها ُ‬
‫نتاج العادة‬
‫يرسف به هذا القوا ُم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الشعر أو قوا َم ُه‪َّ ،‬‬
‫فإن القافية هي القيد الذي‬ ‫عمو َد ِّ‬
‫ٍ‬
‫حيوان‬ ‫عضوي أو‬ ‫ٍ‬
‫كائن‬ ‫يتحول ِّ‬
‫الشعر إلى‬ ‫ٍ‬
‫بسيط‬ ‫ٍ‬
‫مماثلة‬ ‫وبقياس‬
‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫أنزع من ِّ‬
‫الشعر ما‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫وذيل وأعضاء‪( :‬ال أريد أن‬ ‫له سلسل ٌة فقار َّية‬
‫ِ‬
‫بحكم‬ ‫لصق به‬
‫َ‬ ‫أنزع ما‬
‫َ‬ ‫يكون به شعر ًا‪ ،‬وهو الوزن‪ ،‬بل غايتي أن‬
‫يرسف به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كقيد ثقي ٍل‬ ‫يجر ُه ورا َء ُه‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫كذنب‬ ‫ِ‬
‫العادة من القافية‬
‫ُّ‬

‫‪٣٩‬‬
‫نزع سلسلتِ ِه الفقار َّية‪ ،‬ونزعي للقيد ال‬ ‫ونزعي َّ‬
‫للذنب ال يستلزم َ‬
‫الرجل نفسها منه)‪ .‬ومثلما انقرض ذنب اإلنسان يف‬ ‫يوجب ْنز َع ِّ‬
‫ُ‬
‫َّطور‪ ،‬سينقرض ذيل القصيدة‪ ،‬الذي هو القافية ويصير إلى‬ ‫ِ‬
‫سلسلة الت ُّ‬
‫األول استمرار َّية يحافظ فيها‬ ‫ِ‬
‫هاوي‪َّ .‬‬
‫ِّ‬ ‫الز‬
‫الزوال‪ .‬هنا يتَّضح أمران يف نقد َّ‬
‫َّ‬
‫فاهي‪.‬‬ ‫للشعر ِّ‬
‫الش ِّ‬ ‫استمرار ِّ‬
‫ٌ‬ ‫المرسل‪ ،‬مثالً‪،‬‬
‫َ‬ ‫الالحق على السابق‪ِّ .‬‬
‫الشعر‬
‫متدرج‪ .‬ولكي يكون ِّ‬
‫الشعر‬ ‫تطور ِّ‬
‫َّطور َّية‪ ،‬فاالستمرار يأيت يف ُّ‬
‫والثاين الت ُّ‬
‫الشفاهي ينبغي أن يتخ َّلى عن القيود ُّ‬
‫والذيول‬ ‫للشعر ِّ‬ ‫المرسل استمرار ًا ِّ‬
‫ِّ‬
‫اقتلع‬
‫َ‬ ‫ويحافظ على قوامِ ِه‪ .‬أ ّما شعر رفائيل ب ِّطي المنثور فقد‬
‫َ‬ ‫التي تعو ُق ُه‬
‫أن‬‫واقتطع قوا َم ُه‪ ،‬وهو الوزن‪ .‬ومن الواضح َّ‬‫َ‬ ‫سلسلة ِّ‬
‫الشعر الفقار َّية‬
‫هاوي هنا يف ِّكر من داخل نظر َّية الت ُّ‬
‫َّطور الداروين َّية يف حق ٍل ٍّ‬
‫أدبي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الز‬
‫َّ‬
‫متدرجة‪ ،‬يعدّ ل فيها الماضي‬
‫ِّ‬ ‫َّطور لمتوالية‬
‫فينبغي أن يخضع هذا الت ُّ‬
‫هاوي يستطيع‬
‫ّ‬ ‫الز‬ ‫الحاضر ويك ِّي ُف ُه‪ ،‬دون أن يتقاطع معه‪ .‬صحيح ّ‬
‫أن َّ‬ ‫َ‬
‫الشعر سيتخ َّلى‬ ‫السوبرماينِّ‪ ،‬فيرى َّ‬
‫أن ِّ‬ ‫أن يستشرف المستقبل‪ ،‬بعقله ُّ‬
‫عن القافية ويحتفظ بالوزن‪ ،‬وهذا ما تح َّق َق فعالً يف حركة ِّ‬
‫الشعر‬
‫بقي الوزن)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تذهب القافية ويبقى ِّ‬
‫الشعر شعرا ما َ‬ ‫ُ‬ ‫الحر‪( :‬سوف‬ ‫ِّ‬
‫مما‬
‫يذهب إلى أبعدَ ّ‬
‫َ‬ ‫الشعر المرسل ال ُيريد ْ‬
‫أن‬ ‫لك َّن سوبرمان ِّ‬
‫المحيطون به‪.‬‬
‫َ‬ ‫التاريخي وبيئته المح ِّل َّية واألفند َّية‬
‫ُّ‬ ‫يحتاج ُه ظر ُف ُه‬
‫ُ‬

‫‪٤٠‬‬
‫سرية الكاتب‬

‫سعيد الغانمي‬
‫_كاتب وباحث عراقي يقيم يف أسرتاليا‬
‫_له أكثر من سبعين عمالً مطبوعًا ما بين مرتجم ومؤلف ومحقق‬
‫_نشر مئات المقاالت والرتجمات يف عدد كبير من المجالت والجرائد العربية‬
‫_راجع عدد ًا من الكتب المرتجمة إلى العربية‬
‫_درس اللغة العربية لألجانب واللغة اإلنكليزية للعرب‬ ‫َّ‬
‫_ساهم يف عدد كبير من الملتقيات والندوات األدبية‬

‫ساهم يف إلقاء محاضرات أدبية يف عدد من الجامعات العالمية‪ ،‬مثل جامعة كيرتن‬
‫يف غرب أسرتاليا‪ ،‬وجامعة جورج تاون يف واشنطن وغيرهما‬
‫حصل على جائزة الشيخ زايد يف حقل الفنون والدراسات النقدية‪ 2017 ،‬عن كتابه (فاعلية الخيال‬
‫األدبي(‪.‬‬

‫‪٤١‬‬
‫األعامل املرتجمة‬
‫_اللغة علمًا‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1986 ،‬‬
‫_كتاب الرمل‪ ،‬لبورخس‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬دار منارات‪ ،‬األردن‪1990 ،‬‬
‫_فلسفة البالغة‪ ،‬لريتشاردز (ترجمة باالشرتاك مع المرحوم د‪ .‬ناصر حالوي(‬
‫_المغرب‪2002 ،‬‬
‫_اللغة والخطاب األدبي‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬‬
‫_السيمياء والتأويل‪ ،‬لشولز (ترجمة)‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬‬
‫_العمى والبصيرة‪ ،‬لبول دي مان‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬المجمع الثقايف‪ ،‬اإلمارات‪1994 ،‬‬
‫_الصانع‪ ،‬لبورخس‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬‬
‫_النظرية األدبية المعاصرة‪ ،‬لسلدن‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬‬
‫_شعرية التأليف‪ ،‬ألوسبنسكي‪( ،‬ترجمة باالشرتاك مع د‪ .‬ناصر حالوي(‬
‫_الوجود والزمان والسرد‪ ،‬فلسفة بول ريكور‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪1998 ،‬‬
‫_العمى والبصيرة‪ ،‬بول دي مان‪( ،‬ترجمة‪ ،‬ط‪ ،2‬مزيدة)‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬‬
‫_الممارسة النقدية‪ ،‬بيلسي‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‪2000 ،‬‬
‫_نظرية التأويل‪ ،‬بول ريكور‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪2002 ،‬‬
‫_العرب والغصن الذهبي‪ ،‬ستيتكيفتش‪( ،‬ترجمة)‪ .‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪2005 ،‬‬
‫_سفر التكوين البابلي‪ ،‬دار الجمل‪2007 ،‬‬
‫_الزمان والسرد‪ ،‬بول ريكور‪ ،‬ج‪( ،1‬ترجمة باالشرتاك مع فالح رحيم(‬
‫_الزمان والسرد‪ ،‬بول ريكور‪ ،‬ج‪( ،3‬ترجمة)‪ .‬دار الكتاب الجديد‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬‬
‫_العقل واللغة والمجتمع‪ :‬الفلسفة يف العالم الواقعي‪( ،‬ترجمة) لجون سيرل‬

‫‪٤٢‬‬
‫األعامل املرتجمة‬
‫_الغابة النرويجية (ترجمة) رواية لهاروكي موراكامي‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬‬
‫_بواعث اإليمان (ترجمة) لبول تيليتش‪ ،‬دار الجمل‪ ،‬ألمانيا‪2007 ،‬‬
‫_أساسيات اللغة (ترجمة) لجاكوبسن وهاله (ترجمة)‪ ،‬المركز الثقايف العربي وكلمة‪ ،‬اإلمارات‬
‫_ البصرة وحلم الجمهورية الخليجية‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬لريدر فسر‪ ،‬يصدر عن دار الجمل‪ ،‬ألمانيا‬
‫_التقويم يف النقوش العربية الجنوبية‪ ،‬بيستون (ترجمة)‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬أبو ظبي‬
‫_المقدس واألدب (ترجمة) لنورثروب فراي‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬كلمة ودار الجمل‪2009 ،‬‬
‫_نقد ملكة الحكم (ترجمة) لكانط‪ ،‬كلمة ودار الجمل‪ ،‬بيروت‪2009 ،‬‬
‫_الحضارات األولى (ترجمة) لغلين دانيال‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬دبي الثقافية‪2009 ،‬‬
‫_البابليون (ترجمة) لساكز‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪2009 ،‬‬
‫_اللغة واألسطورة لكاسيرر (ترجمة)‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬كلمة ‪ ،‬اإلمارات‪2009 ،‬‬
‫_ تأمالت يف اسم الوردة‪ ،‬إيكو‪( ،‬ترجمة)‪ ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‬
‫_ مفاتيح اصطالحية جديدة (ترجمة)‪ ،‬المنظمة العربية للرتجمة‬

‫أعامل تحقيقية تراثية‬


‫_شعر ابن العالف‪ ،‬بغداد‪1973 ،‬‬
‫_أبو العيناء البصري‪ :‬حياته وما تبقى من شعره‪ ،‬بغداد‪1975 ،‬‬
‫_الجواب عن األسئلة النصيرية للشيرازي (تحقيق)‪ .‬دار الجمل‪ ،‬كولونا‪ ،‬ألمانيا‪2005 ،‬‬
‫_تنقيح األبحاث يف الملل الثالث (تحقيق)‪ ،‬دار الجمل‪2009 ،‬‬
‫_األعمال الصوفية للنفري‪ ،‬دار الجمل‪ ،‬ألمانيا‪2007 ،‬‬
‫_الملل والنحل‪ ،‬للشهرستاين (تحقيق) دار الجمل‪ ،‬بيروت‪2012 ،‬‬
‫_الزينة ألبي حاتم الرازي (تحقيق وتقديم)‪ ،‬ج‪ ،1‬دارالجمل‪2014 ،‬‬
‫_الزينة ألبي حاتم الرازي (تحقيق وتقديم)‪ ،‬ج‪ ،2‬دار الجمل‪2014 ،‬‬
‫‪٤٣‬‬
‫أعامل تحقيقية تراثية‬
‫_ديوان ابن الحجاج‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الجمل‪2017 ،‬‬
‫_ديوان ابن الحجاج‪ ،‬الجزء الثاين‪ ،‬دار الجمل‪2017 ،‬‬
‫_ديوان ابن الحجاج‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬دار الجمل‪2017 ،‬‬
‫_ديوان ابن الحجاج‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬دار الجمل‪2017 ،‬‬
‫_مخاطبات الوزراء السبعة‪ ،‬الرتجمة العربية لكتاب (سندبادنامة)‪ ،‬دار الجمل‪2018 ،‬‬
‫_نزهة األشواق يف أخبار المتيمين والعشاق‪ ،‬منشورات الجمل‪ ،‬بيروت‬
‫أعامل مؤلفة‬
‫_المعنى والكلمات‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1989 ،‬‬
‫_أقنعة النص‪ ،‬قراءات نقدية يف األدب‪ ،‬دار الشؤون الثقافية‪ ،‬بغداد‪1991 ،‬‬
‫_الكنز التأويل‪ ،‬قراءات يف الحكاية العربية‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬‬
‫_ملحمة الحدود القصوى‪ ،‬المخيال الصحراوي يف أدب إبراهيم الكوين‬
‫_منطق الكشف الشعري‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪1998 ،‬‬
‫_مائة عام من الفكر النقدي‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‪2000 ،‬‬
‫_خزانة الحكايات‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪2004 ،‬‬
‫_أترا ‪ -‬حسيس‪ ،‬ملحمة الخلق والطوفان‪ ،‬المركز الثقايف العربي‪ ،‬بيروت‪2008 ،‬‬
‫_اللغة يف الرواية‪ ،‬كتارا‪ ،‬قطر‪2020 ،‬‬
‫_معمار الفكر المعتزلي‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬بيروت‪2020 ،‬‬
‫_مفاتيح خزائن السرد‪ ،‬دار الرافدين‪ ،‬بيروت‪2021 ،‬‬
‫_خيال ال ينقطع‪ :‬قراءة يف ألف ليلة وليلة‬
‫_ أبعد من واق الواق‪ ..‬أقرب من حبل الوريد‬
‫_ نقشوا على حجر‪ :‬قراءات يف ثقافة مفقودة‬

‫‪٤٤‬‬

You might also like