النظرية الليبيرالية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 24

‫النظرية الليربالية والليبريالية اجلديدة‬

‫يف العالقات الدولية‬


‫(‪)Theory Liberalisme and Neoliberalism‬‬
‫يعود أصل مصطلح الليربالية إىل الكلمة الالتينية )‪ (Liber‬ومعناها ابللغة العربية "حر"‪.‬‬
‫وتعتمد النظرية الليربالية حسب دعاهتا على أساس فكري مفاده االعتقاد أبن اإلنسان ولد حراً‬
‫دون أي قيود من السلطة كونه قادراً على تسيري حياته نظراً لطبيعته اخلرية‪ ،‬وإن وجوده سابق‬
‫على فكرة وجود الدولة يف األصل‪ ،‬ومتحور جوهر الليربالية على اعتبار أن الفرد ميثل الغاية‬
‫والوسيلة‪ ،‬وأن دور الدولة يبقى حمدوداً لتحقيق مبدأ محاية الفرد والسعي ملصاحله‪.‬‬
‫والليربالية مذهب يعتمد احلرية الفردية بكل أشكاهلا وذلك على أثر نيل احلرايت بعد الثورات‬
‫على النظم االقطاعية يف أورواب‪ ،‬فأطلقوا شعار "دعه مير ‪ ..‬دعه يعمل" الذي اعتربه املفكرون‬
‫فيما بعد شعاراً ميثلها‪.‬‬
‫وتعترب الليبريالية جوهراً أساسياً اعتمد عليه أغلب دعاهتا على الرغم من اختالف أفكارهم‪،‬‬
‫وهي حسب رأيهم وسيلة من وسائل االصالح واالنتاج‪ ،‬وميكن توضيح ذلك بشكل أفضل‬
‫إذا اعتربان ان الليربالية أساسها "احلرية" فهي املبدأ واملنتهى والباعث واهلدف‪ ،‬أو كما ذكر‬
‫بعضهم أهنا تصل إىل درجة األصل والنتيجة يف حياة اإلنسان‪ ،‬وهي النظام الفكري الوحيد‬
‫الذي يدعو إىل أن يكون النشاط البشري حراً‪ ،‬وعليه أن من املمكن القول انه ”"اذا كان‬
‫لليربالية من جوهر فهو الرتكيز على أمهية الفرد وضرورة حترره من كل نوع من أنواع السيطرة‬
‫واالستبداد‪ ،‬وان الليربايل يسعى على حنو خاص إىل التحرر من التسلط بنوعيه؛ تسلط الدولة‬
‫(االستبداد السياسي) وتسلط اجلماعة‪.‬‬
‫واجلذور التارخيية لليربالية يف احلركات اليت جعلت الفرد غاية بذاته معارضة يف كثري من االحيان‬
‫التقاليد واالعراف والسلطة‪ ،‬رافضة جعل إرادة الفرد جمرد امتداد إلرادة اجلماعة‪.‬‬
‫وتعريف الليربالية يرتبط مبصطلحي الفردية واحلرية وميكن اعتبارمها من أهم املصطلحات واملفاهيم‬
‫األساسية اليت ارتكزت عليها الليربالية منذ ظهورها كتيار فكري إىل حيز الوجود‪.‬‬
‫وحىت تتضح الفكرة‪ ،‬البد من بيان ماهية املقصود ابلفردية واحلرية ‪.‬فالفردية هي بعد فلسفي‬
‫مرتبط ابلطبيعة اإلنسانية وما ارتبط هبا من حقوق طبيعية على أساس أن الفرد هو احللقة االوىل‬
‫املكونة للمجتمع البشري‪.‬‬
‫فالفردية قامت واعتمدت عليها الليربالية من خالل معرفة مدى أتثري الفردية على الليربالية‬
‫والفردية غري االاننية‪ ،‬و قد ميز "كارل بوبر" بينهما من خالل عقد نوع من املقارنة بني‬
‫املصطلحني إذ أشار إىل أن "الفردية هي مقابل للجماعية لكن االاننية هي مقابلة لإليثار أو‬
‫الغريية"‪.‬‬
‫وميكن التمييز بني اعتبار الفردية مذهباً أو جمرد نزعة‪ ،‬وميكن توضيح ذلك من خالل تعريف‬
‫هذين املصطلحني‪ ،‬على أساس املعىن واملقصود من كل منهما حيث أن املذهب هو عبارة عن‬
‫جمموعة اآلراء والنظرايت الفلسفية اليت ارتبطت ببعضها حىت صارت أقرب لوحدة عضوية‬
‫منسقه ومتكاملة ومتماسكة‪ ،‬أما النزعة فهي عبارة عن قوة أو فعل موجهه يف اجتاه حمدد‪.‬‬
‫وتقوم الفردية على اعتبار أن مصلحة الفرد هي أساس القيمة اإلنسانية يف اجملتمع السياسي‪،‬‬
‫وبقدر ما تتحقق مصاحل األفراد بقدر ما تتأمن مصلحة اجملتمع بشكل كامل‪.‬‬
‫ابختصار؛ حتاول النظرية الليربالية تفسري التفاعالت السياسية يف النظام الدويل من خالل‬
‫االعتماد على جمموعة من الفرضيات املتعلقة ابالعتماد املتبادل‪ ،‬واملنافع املبتغاة من التجارة‬
‫احلرة‪ ،‬واألمن اجلماعي‪ ،‬والتواجد احلقيقي للمصاحل املنسجمة بني الدول‪ ،‬هذا وعلى عكس‬
‫الواقعيني‪ ،‬ينطلق الليرباليون من نظرة متفائلة للنظام الدويل‪ ،‬حبيث يرتكزون على مفهوم التعاون‬
‫ال الصراع كأساس للسلوك الدويل‪ ،‬مبعىن أن الليرباليني يلجؤون لألدوات الدبلوماسية يف العالقة‬
‫بني الدول وحل النزاعات‪ ،‬على عكس الواقعيني الذي يفضلون احلرب كأداة رئيسة يف حل‬
‫النزعات‪ ،‬كما تقدم الليربالية جمموعة من االدعاءات املعيارية أو األخالقية حول أمهية احلرايت‬
‫واحلقوق الفردية‪ ،‬وذلك مبعىن أن السياسية اخلارجية للدول تقوم على جمموعة من القيم واملبادئ‪،‬‬
‫وليس فقط على املصلحة اجملردة‪.‬‬
‫ركائز النظرية الليبريالية‬
‫‪ .1‬العقالنية والطبيعة الفطرية للخري من أهم خصائص اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .2‬يسعى الشعب عقالنياً إىل حتقيق مصاحله بسبب االنسجام بني مصاحل الشعوب‪.‬‬
‫‪ .3‬التعاون ممكن وهو خصيصة أساسية لكل العالقات اإلنسانية‪ ،‬مبا فيها العالقات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫‪ .4‬الليربالية ترفض التمييز بني اجملال الداخلي واجملال الدويل‪.‬‬
‫‪ .5‬احلرية الفردية ذات قيمة أساسية كربى‪.‬‬
‫‪ .6‬للدولة دور مركزي‪ ،‬ولكن ليس وحيداً يف النظام الدويل‪ ،‬حيث إن هناك جمموعة من‬
‫الالعبني من غري الدولة يسامهون يف التفاعالت السياسية الدولية‪.‬‬
‫‪ .7‬فوضوية النظام الدويل وغياب السلطة املركزية‪ ،‬ولكن على عكس الواقعيني‪ ،‬فإن هذه‬
‫الفوضوية تقود للتعاون وليس للصراع؛ وذلك ألن الليرباليني ال يقصرون اهتمامهم‬
‫ابألمن القومي املبين على التهديد العسكري‪ ،‬فمجاالت التهديد عندهم تتسع لتشمل‬
‫ظواهر كاالحتباس احلراري واألمراض عابرة احلدود وغريها؛ األمر الذي يتطلب تعاون‬
‫اجلميع للتصدي هلا‪.‬‬
‫‪ .8‬املصلحة القومية للدول غري مرتبطة فقط ابألمن القومي‪ ،‬بل بتحقيق الشركات‬
‫االقتصادية والتجارية‪ ،‬وبناء بيئة آمنة وجذابة لالستثمار‪ ،‬حبيث تسعى الدول لتعظيم‬
‫قوهتا النسبية ال املطلقة‪ ،‬وذلك ألهنا تؤمن ابلتعاون الدويل‪ ،‬كما أن السعي للقوة املطلقة‬
‫من شأنه أن يضعف عنصر الثقة الذي يعترب مهما يف التعاون وبناء الشراكات‪ ،‬فالدولة‬
‫ليست كيان وحدوي فقط‪ ،‬بل منظومة واسعة يف اختاذ القرار متتد من احلكومات إىل‬
‫األحزاب إىل منظمات اجملتمع املدين إىل الشعب‪ ،‬وكل ذلك عرب القنوات التمثيلية‬
‫الدميقراطية‪.‬‬
‫‪ .9‬الرتكيز على الدور احملوري الذي ميكن أن تقوم به املنظمات الدولية واملنظمات غري‬
‫احلكومية يف تنمية وتطوير التعاون الدويل ملواجهة املسائل املشرتكة ذات االهتمام‬
‫اإلنساين‪ ،‬فالتعاون هنا يعد بديالً عن الصراع واحلرب من أجل التوصل إىل نتائج‬
‫ملموسة يف القضااي العاملية‪ ،‬خصوصاً يف ظل خلو النظام الدويل من سلطة مركزية‪،‬‬
‫كما ألغى الليرباليون التقسيم التقليدي للواقعيني يف التمييز بني السياسة العليا واليت‬
‫تعىن ابلقضااي األمنية‪ ،‬والسياسة الدنيا واليت تعىن بقضااي كالبيئة واالتصاالت؛ األمر‬
‫الذي منح الدول واملنظمات هامشا أوسع يف اجملاالت اليت ميكن أن يتمحور التعاون‬
‫حوهلا‪.‬‬
‫أبرز رواد املدرسة الليبريالية‬
‫أما أهم رواد الليربالية يف القرن العشرين فهم "مايكل دويل"‪" ،‬كارل ديوتسش"‪" ،‬فرانسيس‬
‫فوكوايما"‪" ،‬روبرت كيوهني" و"جوزيف اني"‪ ،‬كما أن من أهم ما كتب يف هذا اجملال هو‬
‫"ديفيد مرتاين"‪ ،‬والذي سلط الضوء فيها على أمهية التعاون الدويل يف ظل التحدايت اليت ابتت‬
‫يفرضها التقدم التكنولوجي والطفرة يف وسائل االتصال احلديثة‪ ،‬فيما كانت أبرز االنتقادات‬
‫املوجه لليربالية هي االعتماد على املؤسسات الدولية يف هتيئة البيئة الدولية املالئمة للسالم‪،‬‬
‫وهذا ينطوي على إشكال أن تعجز هذه املؤسسات عن حتقيق هذه البيئة‪ ،‬إما لعجز بنيوي أو‬
‫لالختطاف من قبل الدول العظمى إذا ما تعارضت مع مصاحلها القومية‪ ،‬كما أن هذه‬
‫املؤسسات قد تسهم يف استمرار الفجوة االقتصادية بني دول الشمال ودول اجلنوب‪ ،‬حيث‬
‫تعاملت الليربالية مثل الواقعية مع النظام الدويل "الوستفايل" على أنه نظام معطى واثبت‪،‬‬
‫وبذلك فإن اختبار األبعاد األخالقية فيه يعود يف األساس ملصلحة الدولة أو الدول اليت تشكل‬
‫الركن األساسي يف هذا النظام‪.‬‬
‫وسنتوقف بشيء من التفصيل عند أفكار كل من جون لوك ومونتيسكيو وجون ستيوارت‬
‫وتوماس هيل جرين‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬جون لوك ( ‪1632‬م – ‪ 1704‬م ) ‪ :‬يعود الفضل له يف املسامهة يف إبراز الليربالية يف‬
‫القرن السابع عشر من خالل وضعه لألفكار الرئيسية اليت ارتكزت عليها الليربالية يف الرتكيز‬
‫على الفرد متجاوزاً يف ذلك بعض األفكار اليت كانت تركز على مفهوم اجملتمع ابلدرجة االوىل‪.‬‬
‫ورأى لوك ان الوضع قبل قيام اجملتمع السياسي اي يف حياة الطبيعة هي حياه عقالنية وطبيعية‬
‫وكان ذلك قبل وجود ما يسمى القانون حيث ساد ابحلياة مبدأين ومها‪:‬‬
‫‪ -‬العقالنية‪ :‬أي إن الدولة كانت تتمتع ابلعقالنية وليس كما وصفها البعض اهنا فوضوية‬
‫الن األفراد حسب رأيهم كانوا يعملون بكامل عقوهلم وعن طريق العقل عملوا على‬
‫االبتعاد عن إيذاء اآلخرين يف كل ما خيصهم من ابب ما يسمى ابحلرية الفطرية‪.‬‬
‫‪ -‬الطبيعة‪ :‬إي إن الدولة الطبيعية كان األفراد يعيشون فيها وحيصلون على حقوقهم عن‬
‫طريق ما يسمى (القانون الطبيعي) ويصلون له بعقوهلم وجيدون فيه حقوقهم مثل احلرية‬
‫وامللكية واملساواة وكل ذلك كان يتحقق على أساس العدالة اخلاصة اليت كانت تقوم‬
‫على أساس حق الفرد‪ .‬وبني لوك أن األفراد عن طريق ما يسمى ابلعقد االجتماعي‬
‫لشؤون السلطة الذي يكون هذا العقد هو الشرعية هلا عن طريق تطبيق القانون‬
‫الطبيعي‪ ،‬وعلى هذا األساس تكون مقيدة وتفقد الشرعية مىت احدثت خروقات يف ما‬
‫رمسته هلا القوانني الطبيعية‪ ،‬وتركز فكر (لوك) جتاه احلرية على الرتكيز على ان ( ملا كان‬
‫الناس مجيعاً احراراً ومتساوين ابلطبيعة فال ميكن انتزاع أي شخص من حالته هذه‬
‫وإخضاعه للسلطة السياسية لشخص أخر إال برضاه‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬مونتيسكيو(شارل لوي دي سيكوندا) ( ‪1689‬م – ‪1755‬م)‪ :‬من املؤسسني لليربالية‪،‬‬
‫مفكر يعتقد ابن القوانني هي الوسيلة إىل احلرية‪ .‬ومن خالل كتابه "روح القوانني" الذي عمل‬
‫فيه على االدعاء ابحلرية يف اجنلرتا عن طريق فصل السلطات الثالث‪ .‬واقام املذاهب‬
‫واالعتقادات األساسية يف انشاء ما ميكن تسميته ابلدستور احلر‪.‬‬
‫ابلنسبة للحرية عند مونتيسكيو فقد ارتبطت ابلعدل إذ ذكر أن وظيفة الدولة ال تقتصر على‬
‫أتمني محاية املواطنني فقط بل أكد على أن من الواجب عليها العمل على أتمني العيش الكرمي‬
‫وحماربة الفقر وتقدمي اخلدمات الصحية‪ ،‬والدعوة إىل الفكر املؤسسي‪.‬‬
‫واحلرية عند مونتيسكيو تستند إىل سلطة القانون وتعين حرية الشعب وأن الطريقة الوحيدة‬
‫للحفاظ على احلرية تكون من خالل فصل السلطات‪ ،‬وأكد ذلك بقوله‪" :‬ال حرية اذا مل‬
‫تنفصل السلطة القضائية عن السلطتني التشريعية والتنفيذية"‪ ،‬وانتقد االستبداد يف اورواب بعد‬
‫عصر التنوير والدعوة إىل احلكم املطلق بقوله "البد من وضع قيود على هذه السلطة املطلقة‬
‫من خالل سلطات تكون لصاحل احلرية والفردية"‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬جون ستيوارت ميل ( ‪1806‬م – ‪1873‬م)‪ :‬يعترب من أهم مفكري الليربالية ومؤسسيها‬
‫اعتمد يف فلسفته على مبدأ "املنفعة" اليت تسعى إىل حتقيق أعظم قدر من السعادة للناس‪،‬‬
‫واعترب أن اهلدف من نشاط األفراد هو حتقيق منفعة خاصة‪ ،‬وهو بذلك يسعى لزايدة املنفعة‬
‫للجميع (املصلحة العامة)‪.‬‬
‫وبني ميل فكره اخلاص ابحلرية الليربالية منطلقاً من القاعدة العامة "إن الفرد حباجة لتطوير‬
‫طبيعته وشخصيته حبرية"‪ ،‬ونتيجة ألن الدميقراطية يف تلك الفرتة قد انتشرت يف بعض اجزاء‬
‫اورواب وبدأت تظهر عيوهبا‪ ،‬كان كتابه "احلرية" قائماً على حتذير الشعوب من مساوئ‬
‫الدميقراطية وشرها ووضع قواعد لتحقيق ما يسمى ابحلرية االجتماعية‪ ،‬وكذلك العمل على‬
‫حترير العالقة بني الفرد واجملتمع من أجل الوصول إىل الكشف عن حقوق أي منهم وبيان‬
‫الواجبات امللقاة عليهم والتعرف على قدر سلطة اجملتمع على الفرد‪ ،‬وحرية الفرد يف فكره‬
‫وعمله"‪.‬‬
‫واعترب ميل أن "احلرية دون قيود فوضى‪ ،‬وأن على الرأي العام أن يعمل مع القوانني الوضعية‬
‫للوصول إىل وضع احلدود اليت ميكن أن تفصل بني احلرية والفوضى‪ ،‬وعن طريق ذلك وصل‬
‫مل إىل وضع سببني يسمحان للدولة ابلتدخل يف شؤون الفرد‪ ،‬األول مرتبط ابلدفاع عن‬
‫النفس‪ ،‬بينما الثاين مبنع ايذاء اآلخرين"‪.‬‬
‫وساهم ميل يف تطوير الليربالية من خالل حماولة إعطاء تعريف خمتلف للحرية حبيث اهنا مل تعد‬
‫تركز ابلدرجة االوىل على احلد من سلطة الدولة وعدم تدخلها‪ ،‬وكذلك إدخال مصطلحي‬
‫"اخلري" و"الرفاهية االجتماعية" واعتبارمها من أسس الليربالية‪ ،‬ومن خالل ذلك عمل على إلغاء‬
‫مبدأ "احلرية املطلقة" ومبدأ "الدولة احلارسة" اليت كان جيب عليها العمل حلماية احلقوق الطبيعية‬
‫لألفراد‪.‬‬
‫وحاول ميل ربط الليربالية السياسية ابلقانون ليكون القانون هو الضامن للحرايت يف اجملتمع‬
‫مع التأكيد على عدم الوصول إىل حالة الفوضى أو عكس ذلك التفريط ابحلرايت مما يؤدي‬
‫إىل الوصول للدكتاتورية‪.‬‬
‫وأكد مل على أن "احلرية الفكرية واحلرية السياسية ومتتع الفرد ابحلكم الشخصي على األمور‬
‫هي اليت جتعل من اجملتمع جمتمعاً ليربالياً تتشكل مؤسساته بطريقة حتقق هذه احلرايت"‪.‬‬
‫وركز ميل على أن السبب الوحيد الذي يعطي األفراد احلق يف التدخل بشؤون اآلخرين هو‬
‫العمل على محاية األفراد من التصرفات السلبية الصادرة ضدهم‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬توماس هيل جرين ( ‪1836‬م – ‪1882‬م)‪ :‬تبدت نظرته الليربالية من خالل إقرار‬
‫الوسائل اإلجيابية لتطبيقها‪ ،‬فمن حق الدولة التدخل يف أي جمال من جماالت احلياة طاملا أهنا‬
‫هتدف إىل حتقيق احلرية االجيابية ملواطنيها من خالل العمل على هتيئة كل الظروف املمكنة‬
‫لتكون للحرية معاين حقيقية‪.‬‬
‫وركز جرين على ضرورة أن تكون القوانني والربامج اليت تضعها احلكومة تساعد احملرومني من‬
‫أفراد الشعب‪ ،‬وتوجد هلم عالقات اجتماعية مرتابطة‪ ،‬وتزيل كافة العقبات من أمامهم‪.‬‬
‫االنتقادات للنظرية الليربالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬فشلت املدرسة الليبريالية يف محاية السالم واألمن يف العامل ويف حتقيق طموحات الساسة‬
‫واملفكرين ورجال القانون يف اجياد منظمة دولية قادرة على منع العدوان‪.‬‬
‫ب‪ -‬ان مبادئ السيادة الوطنية وأتكيد املصلحة القومية انتصرت يف اكثر االحيان على‬
‫قواعد القانون الدويل‪.‬‬
‫ت‪ -‬ان مواقف الدولة قد تتأثر احياان ابلقواعد االخالقية‪ ،‬ولكن يف احيان اخرى ال يكون‬
‫للعوامل االخالقية دور يف التأثري على سلوك الدول‪.‬‬
‫النظرية الليربالية اجلديدة يف العالقات الدولية‬
‫تعد النظرية الليربالية اجلديدة إحدى النظرايت اليت تندرج ضمن االجتاه املعياري يف العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬وهي نظرية تشدد على منطق التعاون والتقارب بني الدول يف العالقات الدولية بدل‬
‫منطق القوة والصراع يف العالقات الدولية‪.‬‬
‫تضمنت النظرية أفكار املدرسة املثالية واملدرسة القانونية واليت تقوم على االعتقاد أبن احلكومة‬
‫الدستورية وحكم القانون من املبادئ القابلة للتطبيق على الصعيد العاملي‪ .‬وتقوم هذه النظرية‬
‫على وجود أساس من االنسجام بني املصاحل احلقيقية للدول‪.‬‬
‫إن التحول حنو النظرية الليربالية اجلديدة جاء نتيجة لتطور األفكار املؤسساتية من أسلوب‬
‫املقارنة _ االجتماعية القائم على القوة واالعتمادية إىل أسلوب االقتصاد القائم على العقالنية‪.‬‬
‫وتعترب الليربالية اجلديدة األمن مسألة أساسية لضمان سالمة الدولة‪ ،‬وأن املؤسسات الدولية‬
‫جتعل من حتقيق األمن أمراً ممكناً ألهنا توفر إطاراً مضموانً للتفاعالت الدولية‪ ،‬وال سيما بعد‬
‫أن ظهرت قضااي جديدة تؤثر على العالقات الدولية مثل قضااي حقوق اإلنسان والبيئة واهلجرة‬
‫واالقتصاد‪.‬‬
‫وقد حازت النظرية الليربالية اجلديدة على مصداقية مع مطلع تسعينيات القرن العشرين ومع‬
‫انتهاء احلرب الباردة‪ ،‬لسببني أساسيني‪:‬‬
‫‪ -‬السبب االول‪ :‬تفسري عدم اقتتال الدول الدميقراطية مع بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ -‬السبب الثاين‪ :‬إن انتصار الليربالية كما روج هلا الليرباليون بعد احلرب الباردة‪ ،‬شجع‬
‫على الدعوة لنشرها على الصعيد العاملي‪.‬‬
‫أهم مبادئ النظرية الليربالية اجلديدة يف فهم العالقات الدولية‬
‫نشري بداية إىل أن الليرباليني يرفضون تلك الصورة اليت تقول هبا الواقعية من أن السياسات‬
‫الدولية تقوم على منطق القوة‪ ،‬فهذه الصورة للسياسات الدولية ال أتخذ يف االعتبار العواقب‬
‫اهلامة لعديد من التطورات املعاصرة حتت أتثري قوى عديدة انبعة من االعتماد الدويل املتبادل‪.‬‬
‫ولقد استمرت أفكار املدرسة الواقعية‪ ،‬متارس سيطرهتا ونفوذها على حقل العالقات الدولية‪،‬‬
‫لكن مع هناية سبعينيات القرن العشرين‪ ،‬عرف املنظور الليربايل تطوراً كبرياً خاصة بعد إصدار‬
‫كتاب روبرت كيوهان (‪ )Robert Keohane‬وجوزيف اني (‪)Josephl Nye‬‬
‫بعنوان (‪ International and world politics‬وتطور العالقات االقتصادية الدولية وتشابكها‬
‫مما أدى إىل تراجع العالقات اإلسرتاتيجية والعالقات ما بني الدولية لصاحل عالقات عرب قومية‬
‫فالليرباليون يرون أبن سياسات العالقات االقتصادية الدولية واقتصادايت العالقات السياسية‬
‫الدولية أي املوضوعات اليت تربز يف نطاق التعاون أو التصارع بني الفاعلني الدوليني‪ ،‬يف سعيهم‬
‫حنو حتقيق أهداف الرخاء والثروةـ متثل حمورا أساسيا يف حمتوى السياسات الدولية‪.‬‬
‫كما أن الليرباليني ينظرون إىل عالقات الدولة – اجملتمع على أهنا هلا أتثريات أساسية على‬
‫سلوك الدولة يف السياسات العاملية‪ ،‬أي أن األفكار االجتماعية واملصاحل واملؤسسات تؤثر على‬
‫السلوك من خالل تشكيل أفضليات الدولة‪ .‬وهذه تعترب غاية مهمة يف ظل احلساابت‬
‫اإلسرتاتيجية للحكومات‪ ،‬وهي العالقات‪ -‬تتشكل بواسطة املؤسسات الداخلية أو بواسطة‬
‫االعتماد االقتصادي املتبادل‪ ،‬أو من خالل األفكار املتعلقة بتوفري احلاجات العامة القومية‬
‫والسياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ .‬وابلتايل فإن الليربالية (الشبكة العنكبوتية) يف تفسريها‬
‫للعالقات العامة عوضت لعبة البلياردو للواقعية (‪ )Boules des billards‬واليت مفادها أن‬
‫العالقات الداخلية واخلارجية غري مرتبطة‪.‬‬
‫وعليه وانطالقا من هذه الرؤى جند أن من أهم مبادئ املنظور الليربايل اجلديد واليت تساعد على‬
‫فهم العالقات الدولية تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ )1‬ميكن تقليص حدة النزاعات بني الدول عن طريق إتباع منطق جديد وهو منطق التعاون‬
‫والتقارب بني الدول وحماولة إجياد قيم مشرتكة فيما بينهم‪.‬‬
‫‪ )2‬التعاون بني الدول يكون إبنشاء مؤسسات ومنظمات تعمل على حتقيق التعاون واألمن‬
‫وتقليص حدة التهديدات‪.‬‬
‫‪ )3‬نشر القيم الدميقراطية وتقليص الوازع العسكري ألن الدميقراطيات يف اعتقادهم اندرا‬
‫ما تدخل فيما بينها وغالبا ما تكون الصراعات بينها وبني دول غري دميقراطية‪.‬‬
‫‪ )4‬نشر التجارة والقيم الليربالية اخلاصة بفتح احلدود والتبادل احلر وتطوير شبكة رأس املال‬
‫فوق القومي‪ ،‬حيث أن هذا التداخل حيقق األمن نتيجة ختوف كل طرف على مصاحله‬
‫االقتصادية اليت تؤدي إىل حتقيق الرفاهية للدول والشعوب وكل الفاعلني يف النظام‬
‫الدويل وابلتايل الوصول إىل العوملة‪.‬‬
‫ونشري هنا إىل أن تقاليد الليربالية تعتمد على الفلسفة السياسية اليت يعود اترخيها إىل جون‬
‫ستيوارت ميل (‪ ،)John Stuart Mill‬مازيين جوزييب (‪ ،)Giuseppe Mazzini‬وودرو‬
‫ويلسون(‪ )Woodrow Wilson‬وجون ماينار كينزو(‪ ،)John Maynard Keynes‬كذلك إىل‬
‫تصورات إميانويل كانط ‪.‬‬
‫الليربالية املؤسساتية‪:‬‬
‫ظهرت النظرية الليربالية املؤسساتية كاستجابة للتغريات الطارئة على واقع العالقات الدولية‪،‬‬
‫فتأثري العوملة وتراجع فعالية الدول كوحدات حتليل أساسية يف العالقات الدولية‪ ،‬واألدوار اليت‬
‫أصبحت تضطلع هبا املؤسسات واملنظمات الدولية واإلقليمية‪ ،‬والثورة التكنولوجية (املوجة‬
‫الثالثة) القائمة على املعلومات واالتصال وتكثيف االعتماد املتبادل‪ ،‬أصبحت تتطلب أنساق‬
‫فكرية و مفاهيمية جديدة غري تلك التقليدية – اليت أمست عاجزة عن حتليل و تفسري التغريات‬
‫و األحداث اجلديدة الشاخصة يف الواقع الدويل – تتماش مع طبيعة التحوالت و رصد أسباهبا‪،‬‬
‫وابلتايل تداعياهتا ( الوظيفة التنبؤية ) يف مرحلة ما بعد احلرب الباردة‪.‬‬
‫وهو ما القى رفضا من قبل املنظرين الواقعيني الذين وجهوا انتقادات حادة إىل الليربالية‬
‫املؤسساتية بناء على االختالف اجلوهري بينهما حول املبادئ األساسية لكل نظرية‪ ،‬حيث‬
‫يرى كينث والتز أن رفض الدور الرئيسي للدولة يف السياسة الدولية ال يكون إال يف حالة أن‬
‫تصل قوة الفاعلني اآلخرين مستوى مكافئ لقوة الدول العظمى‪ ،‬و ليس فقط أن تفوق قوهتا‬
‫بعض الدول الضعيفة‪ ،‬فسلوك املؤسسات العاملية يعترب واحدة من العمليات داخل األجهزة‬
‫العاملية‪ ،‬وهناك فرق بني األجهزة وبني ما يتم بداخلها من إجراءات حيث يتحدى والتز فعالية‬
‫املؤسسات الدولية و أتثريها‪ ،‬و جيادل أبن أتثريها يعتمد على مدى أتييد الدول العظمى هلا‪.‬‬
‫ركزت الليربالية املؤسساتية على مفاهيم وآليات جديدة مثل توفر التوافق اجلماعي بني أعضاء‬
‫جملس األمن‪ ،‬وإدخال حق الفيتو إىل جملس األمن‪ ،‬التعاون عرب الوطين من خالل مفهوم‬
‫التشعب واالنتشار لدافيد ميرتاين‪.‬‬
‫برزت النظرية الوظيفية التقليدية بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وترتكز على مجلة من املسلمات‬
‫أمهها أن الدولة القومية كأهم وحدة تنظيمية يف البيئة الدولية‪ ،‬مل تعد قادرة على تلبية‬
‫االحتياجات األساسية للمجتمع بسبب كون هذه األخرية تتجاوز احلدود اجلغرافية للدولة‪ ،‬غري‬
‫أن مواطن ضعف هذه النظرية تظهر من خالل االنتقادات املوجهة إىل مبادئها‪ ،‬فإذا كانت‬
‫تكاليف الصفقات متدنية‪ ،‬فإنه ميكن إنشاء املؤسسات وتغيريها حبسب اإلرادة‪ ،‬وميكن حينها‬
‫أن نتوقع تزويدان مبؤسسات دولية حبسب الطلب كما أن املؤسسات تبدو كآليات سببية‪،‬‬
‫وابلتايل فهي ال تساهم ‪-‬حبد ذاهتا‪ -‬يف التعاون مبعزل عن العوامل البنيوية املتضمنة‪ ،‬كما ليس‬
‫واضحاً نظرايً‪ ،‬أن املنظمات الدولية تساهم يف حل املشاكل ذات الطابع املعلومايت‪ ،‬كما أن‬
‫الدميقراطيات اليت تتسم ابلشفافية و متتلك سجالً جيداً يف النزوع حنو السلم تستطيع وبشكل‬
‫منفرد تقدمي التزامات موثوقة‪ ،‬كما ال يوجد سند نظري كبري بكون تعزيز الشفافية ضروري‬
‫وتبني دراسات التعاون يف التسلح أن احلكومات الدميقراطية تقيم بدقة األوضاع الداخلية‬
‫لبعضها البعض حىت يف غياب آليات مؤسساتية واضحة للقيام بذلك‪ ،‬وابلتايل األنساق ليست‬
‫ضرورية لتغذية احملتوى املعلومايت للتفاعل بني الدميقراطيات‪ ،‬ومن انحية أخرى ال يوجد أتكيد‬
‫إمربيقي كايف يؤيد وجود ارتباط وثيق بني املؤسسات الدولية و السالم‪ ،‬إذ يشري روندال شولري‬
‫ودافيد بريس‪ ،‬إىل أنه ال يوجد موضوع يف نظرية العالقات الدولية أكثر إاثرة للجدل ‪-‬خالل‬
‫العقد السابق‪ -‬أكثر من حقيقة دور املؤسسات العاملية‪ :‬ملاذا تستثمر الدول فيها؟‪ ،‬كيف‬
‫تؤثر يف خيارات صانعي القرار يف السياسات العاملية؟‪.‬‬
‫وتقوم هذه النظرية على فلسفة الرتكيز على جانب الرخاء االقتصادي واالجتماعي للشعوب‬
‫على حساب تناسي احلدود السياسية للدول‪.‬‬
‫يقضي الطرح املؤسسايت أبمهية املؤسسات‪ ،‬و يقوم على افرتاض أن تكاليف الصفقات املرتبطة‬
‫إبنشاء املؤسسات الدولية مرتفعة‪ ،‬و من هنا فإهنا تظل صامدة حىت بتغري املصاحل اليت أدت‬
‫إىل إنشاءها‪ ،‬كما تساهم املنظمات الدولية يف حل املشاكل ذات الطابع املعلومايت‪ ،‬كما تقدم‬
‫النظرية املؤسساتية حال إلشكالية املأزق األمين كما هو وارد عند وولتز‪ ،‬روبرت جرفيس‬
‫وجيمس فرين وآخرون يثريون حقيقة نقص املعلومات وأن احلكومات جيب أن حتضر نفسها‬
‫لألسوأ‪ ،‬ألهنا ليست متأكدة من نوااي وإمكانيات اخلصوم‪ ،‬واحلل أن املؤسسات تستطيع حل‬
‫هذا املشكل‪ ،‬ألهنا تزودان مبعلومات موثوقة عن اخليارات الوطنية وحول القوة‪.‬‬
‫واحلقيقة أن اجلدل بني الواقعية اجلديدة و الليربالية اجلديدة أصبح موضوعاً يف جمال العالقات‬
‫الدولية إال أنه من الصعوبة مبكان حتاشي نفس اخلالصة اليت توصل إليها جون مريشامير بشأن‬
‫املؤسساتية الليربالية عندما قال‪" :‬لقد ظلت املؤسساتية الليربالية يف مركز مناقشات العالقات‬
‫الدولية ملا يزيد عن العقد لتمثل حقبة طويلة‪ ،‬ابملعايري األكادميية‪ ،‬فإذا ما كان هناك دعم‬
‫امربيقي للمؤسساتية الليربالية‪ ،‬فقد كان من املمكن أن يظهر بعض منها على السطح اآلن‪،‬‬
‫واحلقيقي أنه مت إجراء حبث جترييب عن النظرية إال أن معظم هذا البحث قلل من شــأن املؤسساتيـة‬
‫الليربالية‪ ،‬يف حني أنه أيد الواقعية‪ ،‬وهلذا ليس من املستغرب أن تتحول املؤسساتية الليربالية إىل‬
‫الواقعية‪ ،‬إال أن األمور سوف تتضح إذا ما مت االعرتاف بذلك‪ ".‬أي أن الليربالية املؤسساتية ما‬
‫هي إال الواقعية حتت مسمى آخر‪ ،‬حيث توصف فكرة االعتماد املتبادل املركب لروبرت كوهني‬
‫وجوزيف اني‪ ،‬وهي الفكرة اليت سبقت املؤسساتية الليربالية أبهنا جمرد تعديل للواقعية‪.‬‬
‫فكل من الواقعية اجلديدة والليربالية املؤسسية اجلديدة يبحثان عن تفسري لالنتظام السلوكي‬
‫من خالل فحص الطبيعة الالمركزية للنظام الدويل‪ ،‬ويقران بالمركزية النظام الدويل وأمهية قوة‬
‫الدولة‪ ،‬وتتقاسم الليربالية املؤسسية اجلديدة مع الواقعية الفرضية اليت ترى أبن املسؤولني يف‬
‫الدول حيسبون جيدا التكلفة والفوائد املرجوة من أية أفعال يقومون هبا‪.‬‬
‫بيد أن الليربالية املؤسسية اجلديدة ال تدعي أبن من السهل إجياد االتفاق الدويل أو احملافظة‬
‫عليه ولكنها تفرتض أبن مقدرة الدول على االتصال والتعاون تعتمد على مؤسسات من صنع‬
‫البشر‪ ،‬اليت ختتلف اترخييا وعرب قضااي خمتلفة يف الطبيعة والقوة‪ ،‬والدولة تقع يف مركز تفسريها‬
‫للسياسات الدولية‪ ،‬ولكن هناك قواعد رمسية وغري رمسية تلعب أدوارا كبرية يف الليربالية املؤسسية‬
‫اجلديدة ولكنها ال توجد يف التفسري الواقعي‪.‬‬
‫ترتبط الليربالية املؤسسية اجلديدة بنظام دويل يتوفر فيه شرطان أساسيان‪:‬‬
‫أوال‪ :‬جيب أن يكون بني الفاعلني من الدول وغريها مصاحل متبادلة يرجى احلصول عليها‬ ‫▪‬

‫نتيجة لعملية التعاون‪.‬‬


‫اثنيا‪ :‬أن يكون التغيري يف درجة املأسسة ميارس أتثريا قواي على سلوك الدول‪.‬‬ ‫▪‬

‫املفاهيم األساسية يف التحليل الليربايل اجلديد‬


‫يعتمد التحليل الليربايل اجلديد على جمموعة من املفاهيم يف بناء فرضياته‪ ،‬وينظر بطريقة‬
‫خمتلفة إىل بعض املفاهيم اليت طرحها النموذج الواقعي‪ ،‬مثل‪ :‬القوة واملصلحة القومية واألمن‬
‫ابإلضافة إىل مفهوم االعتماد املتبادل‪.‬‬

‫األمن‪)Security( :‬‬ ‫▪‬


‫ينظر الليرباليون إىل مفهوم األمن من تصور آخر خمالف للتصور الواقعي‪ ،‬حيث‬
‫يستبدلون مفهوم األمن القومي عند الواقعيني مبفهوم األمن اجلماعي‪.‬‬
‫فالليرباليون يرون أن هذا األخري يتحقق من خالل إنشاء منظمات ومؤسسات دولية‬
‫وإقليمية تعمل على ضمان وحتقيق األمن والسالم بطريقة تعاونية وتبادلية بني الدول‪،‬‬
‫وابلتايل وجود فاعلني غري الدولة عكس املنظور الواقعي‪.‬‬
‫وهذا التصور الليربايل البديل يقوم على أساس تشكيل حتالف موسع يضم أغلب‬
‫الفاعلني يف النظام الدويل بقصد مواجهة أي فاعل آخر‪ ،‬والفاعلني هنا قد تكون دول‪،‬‬
‫منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية‪.‬‬
‫كما أن املأزق األمين عند الليرباليني هو انعدام وجود اتصال ونقص املعلومات بني‬
‫األطراف والفاعلني مما يؤدي إىل أزمة ثقة وختوف بني الدول مما يؤدي إىل ظهور حالة‬
‫الال أمن ابلنسبة للدول وحىت ابلنسبة للقوى الكربى‪ ،‬وابلتايل فإن االتصال ين الدول‬
‫عن طريق هذه املؤسسات واملنظمات شيء ضروري ومهم ومركزي لتحقيق األمن‬
‫ابلنسبة للدول‪.‬‬
‫القوة الناعمة (‪)Soft power‬‬ ‫▪‬
‫قدم الليرباليون تصورا آخر ملفهوم القوة بعكس تصور الواقعيني اليت يقوم مفهوم القوة‬
‫لديهم على أساس العوامل املادية‪ ،‬فجوزيف اني (‪ )Joseph Nye‬يرى أبن للقوة‬
‫شقني‪ :‬الشق الصلب والشق الناعم‪.‬‬
‫فهو يرى أن كل من القوة العسكرية واالقتصادية مثاالن للقوة الصلبة وميكن استعماهلا‬
‫لإلقناع (جزرة) أو للتهديد (عصا)‪ .‬كما يرى أن هناك طريقة غري مباشرة ملمارسة‬
‫القوة‪ ،‬إذ إبمكان دولة ما أن تنال النتائج اليت تريدها وذلك ألن الدول األخرى تريد‬
‫أن تتبعها‪ ،‬تعجب بقيمها‪ ،‬تتشبه مبثلها‪ ،‬تطمح للوصول إىل مستوى رخائها‪ .‬وابلتايل‬
‫( ‪Soft‬‬ ‫هذا النوع من القوة جتعل من اآلخرين أن يريدوا ما تريد‪ ،‬وهي القوة الناعمة‬
‫‪ ،)power‬واليت تعرف على أهنا‪ «:‬قدرة بلد ما على إجياد وضع تستطيع فيه بلدان‬
‫أخرى أن تطور أفضلياهتا أو أن تعرف مصاحلها بطريقة متناغمة مع أفضليات وصاحل‬
‫ذلك البلد»‪ ،‬وهي تنشأ من موارد مثل اجلاذبية الثقافية أو اإليديولوجية وكذلك قواعد‬
‫ومؤسسات النظم الدولية‪.‬‬
‫كما يشري جوزيف اني إىل أن القوة الناعمة ليست ضدا للقوة الصلبة ابلضرورة‪،‬‬
‫فالفاتيكان مل تفقد قوهتا الناعمة عندما فقدت قوهتا الصلبة يف إيطاليا‪.‬‬
‫ابإلضافة إىل أنه حيث الدول على اللجوء يف تعامالهتا وخاصة القوة الكربى (الوالايت املتحدة‬
‫األمريكية ‪ )USA‬إىل التقليص من استعمال القوة الصلبة وتعويضها ابستعمال القوة الناعمة‬
‫أي اجملال الثقايف واالقتصادي لالنتشار يف النظام الدويل‪ ،‬حيث أهنا حتقق السلم واألمن وهي‬
‫أقل تكلفة من استعمال القوة الصلبة (‪ )Hard Power‬القوة العسكرية‪.‬‬
‫الليبرياليني‪:‬‬ ‫مفهوم "السالم الدميقراطي" عند‬
‫استندت الليربالية البنيوية إىل فكرة السالم الدميقراطي اليت ظهرت يف مثانينات القرن العشرين‬
‫موضحة أن انتشار الدميقراطية من شأنه أن يؤدي إىل زايدة األمن الدويل‪ ،‬وتعود فكرة السالم‬
‫الدميقراطي إىل األحباث اليت قام هبا كل من"مسول مالفني" و"دافيد سينغر "وكانت يف مقال‬
‫نشر هلما سنة ‪ 1976‬يف صحيفة القدس للعالقات الدولية‪ ،‬بعد أن قاما بتوسيع فكرة "اميانويل‬
‫كانط" لعام ‪ 1796‬يف مقاله "السالم الدائم " والذي اعترب فيه أن احلكومات اجلمهورية‬
‫جتنح للسلم عكس احلكومات اليت حيكمها متسلطون يسعون لتحقيق رغباهتم ‪ ،‬كما دعم‬
‫الفكرة فيما بعد "مايكل دويل" و"بروس روست"‪ ،‬فقد أشار "مايكل دويل" إىل أن التمثيل‬
‫الدميقراطي وااللتزام األيديولوجي حبقوق اإلنسان والرتابط العابر للحدود الوطنية هي العناصر‬
‫األساسية املفسرة للميل إىل لسالم الذي مييز الدول الدميقراطية‪ ،‬وأن اهتزاز األمن مرتبط‬
‫بغياب الصفات والقيم الدميقراطية اليت من دوهنا حيل منطق القوة حمل منطق التوفيق‪ ،‬حيث‬
‫جيادل "مايكل دويل" أبن هناك ثالثة عناصر أساسية وضعها كانط يف مقاله واليت تؤكد أن‬
‫الدول الدميقراطية أقل نزوعا للحرب من الدول غري الدميقراطية‪:‬‬
‫✓ التمثيل الدميقراطي اجلمهوري‪.‬‬
‫✓ االلتزام اإليديولوجي حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫✓ الرتابط العابر للحدود الوطنية‪.‬‬
‫ترتكز فكرة السالم الدميقراطي عند الليبرياليني على مبدأين‪:‬‬
‫‪ o‬املبدأ األول‪ :‬أن الدول الدميقراطية ال تتقاتل فيما بينها‪ ،‬وقد يكون التاريخ دليالً على‬
‫ذلك‪ ،‬ألن التاريخ مل يشهد حرابً بني دولتني دميقراطيتني‪ ،‬ويرى أنصار هذه الفكرة أن‬
‫السبب الذي مينع نشوء حرب بني الدول الدميقراطية يعود إىل عدة أمور‪:‬‬
‫أ‪ -‬أ ّن قرار احلرب يف الدول الدميقراطية ليس سهالً كالدول غري الدميقراطية‪ ،‬ألن‬
‫قرار احلرب يف الدول الدميقراطية البد أن مير عرب مؤسسات التشريع يف الدولة‪،‬‬
‫وهذا من شأنه أن يُعقد املسألة‪ ،‬أما قرار احلرب يف الدول الديكتاتورية فال‬
‫حيتاج إال إىل قرار من رأس الدولة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن هناك ثقة واحرتاماً متبادلني بني الدول الدميقراطية لكوهنا تشرتك بذات‬
‫املبادئ والفلسفة‪ ،‬ومن مث فإهنا لن تلجأ إىل حماربة بعضها‪.‬‬
‫ت‪ -‬أن الدميقراطية من شأهنا أن تكون وعياً شعبياً‪ ،‬وثقافة سياسية‪ ،‬وتنشئة‬
‫اجتماعية متنع من تقبل اجملتمع اجلمعي فكرة احلروب والصراعات العسكرية‬
‫مع الدول األخرى‪.‬‬
‫ث‪ -‬أن الدول الدميقراطية مبا أهنا متتلك آليات دميقراطية ملعاجلة مشاكلها الداخلية‬
‫فإهنا كذلك ستستعمل آلياهتا الدميقراطية يف معاجلة قضاايها اخلارجية‪.‬‬
‫‪ o‬املبدأ الثاين‪ :‬أن العالقات خارج املنطقة الدميقراطية عالقات صراعية‪ ،‬أي أن األصل‬
‫فيها عدم السالم‪ ،‬مبا يف ذلك العالقات بني الدول الدميقراطية مع غري الدميقراطية‪،‬‬
‫ألن "الدولة الطبيعية هي دولة احلرب وليست دولة السالم‪".‬‬
‫وقد أعاد الليرباليون النظر يف مسألة األمن من منظور أكثر اتساعاً ومشولية‪ ،‬من خالل إقحام‬
‫فاعلني من غري الدولة‪ ،‬ليصبح األمن ليس فقط محاية ضد هتديدات الدول األخرى ‪،‬وإمنا من‬
‫هتديدات فاعلني آخرين من غري الدوليني ضمن الرتتيب العاملي‪ ،‬فقوام التصور الليربايل لألمن‬
‫موسع مبعىن ما فوق الدولة ليشمل العوامل املؤسساتية ‪ ،‬االقتصادية والدميقراطية‪ ،‬وهي أبعاد‬
‫أكثر أتثرياً من العمل العسكري يف إقامة السالم‪ ،‬ابعتبار أن السياسات الدنيا هي اليت حتدد‬
‫أجندة األمن وجتعل التعاون الدول أمراً ال مفر منه ‪ ،‬وهو أبرز يف الليربالية اجلديدة‪.‬‬
‫ويقوم االجتاه الليربايل البنيوي على االفرتاضات التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬األفراد واجلماعات يف اجملتمع املدين الوطين وعرب الدويل يشكلون الفاعلني األساسيني‬
‫يف السياسة الدولية‪.‬‬
‫‪ .2‬كل املؤسسات السياسية الدولية مبا فيها الدولة األمة متثل مصاحل بعض وليس كل‬
‫أطراف اجملتمع اخلاضع حلكمها‪.‬‬
‫‪ .3‬سلوك الدولة الذي يعترب حمددا ملستوايت النزاع والتعاون الدويل يعكس طبيعة وشكل‬
‫مقاصد الدولة وخياراهتا‪.‬‬
‫نقد نظرية "السالم الدميقراطي"‬
‫▪ عجزت نظرية "السالم الدميقراطي" يف معاجلة حروب الوكالة‪ ،‬اليت تنشأ عندما تستخدم‬
‫القوى املتحاربة أطرافاً أخرى للقتال بدالً عنها بشكل مباشر خاصة أثناء احلرب الباردة‪.‬‬
‫▪ كان السالم بني الدميقراطيات أثناء احلرب الباردة نتيجة املصاحل املشرتكة هلذه الدول‬
‫يف معارضة الشيوعية‪ ،‬وليس نتيجة الدميقراطية‪ ،‬والتجارة هي سبب السالم وليس‬
‫الدميقراطية‪.‬‬
‫▪ يؤكد التاريخ أن الدول الدميقراطية تطبق معايريها الدميقراطية يف شأهنا احمللي فقط‪ ،‬أما‬
‫يف السياق الدويل فهي تلجأ إىل احللول العسكرية عند تعرض مصاحلها للخطر‪.‬‬
‫حقوق اإلنسان يف النظرية الليربالية‬

‫راجت الليربالية بصفتها التيار اإليديولوجي الذي يطالب ابلتقدم عن طريق احلرية انسجاماً مع‬
‫شعارها املركزي "دعه مير‪ ،‬دعه يعمل"‪ .‬األمر الذي جعل العديد من الفالسفة واملؤرخني جيزمون‬
‫أبن حقوق اإلنسان‪ ،‬ابملفهوم املتداول به اليوم عاملياً‪ ،‬ولد وترعرع يف أحضان النظام الليربايل‪.‬‬
‫وابلنظر إىل املراحل اليت قطعتها الليربالية يف منوها التارخيي فإن نظرهتا حلقوق اإلنسان تغريت‬
‫بتغري تلك املراحل‪ .‬وذلك ما يتضح من خالل ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬مرحلة فلسفة النهضة اليت أعلت من قيمة الفرد‪ :‬اندى رواد النهضة األوروبية حبرية‬
‫الفرد يف كل شيء ابعتبار أن الفرد أسبق من اجملتمع وأمسى منه‪ .‬واعتبار الفرد قيمة‬
‫قائمة بذاهتا له جذور اترخيية تتجه حنو ما يعرف بـ"القانون الطبيعي" الذي منه استلهم‬
‫فالسفة النهضة فكرة اإلنسان الفرد اليت نظر هلا الفيلسوف كانط (عمانويل) جاعال‬
‫بذلك "اإلنسان غاية بذاته وليس وسيلة"‪ ،‬لذا جيب معاملته أخالقيا هبذه الصفة وذلك‬
‫ما أثبته يف كتابه الشهري ‪" :‬مشروع من أجل السلم الدائم"‪.‬‬
‫وهكذا مضى مفكرو الليربالية بعيدا بنظرية القانون الطبيعي حيث اختذوها وسيلة للحد‬
‫من السلطة املطلقة للملوك احلاكمني‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة اعتبار مشروعية السلطة ال تكون إال عرب العقد االجتماعي وحكم القانون‪ :‬إىل‬
‫جانب اعتماد فالسفة الليربالية على القانون الطبيعي لوضع قيود على سلطة وسيادة‬
‫الدولة لصاحل حرية اإلنسان الفرد‪ ،‬وجدوا يف "العقد االجتماعي" وسيلة للمزيد من‬
‫احلد من تلك السلطة من خالل أتكيدهم على املبادئ الثالثة التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن الشعب هو مصدر السلطات مجيعها‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن السيادة حق للشعب وحده‪ ،‬وأن احلاكم ميارس حقوق السيادة ومظاهرها‬
‫فقط‪.‬‬
‫ت‪ -‬إن الدولة هي جهاز ذو أساس تعاقدي‪.‬‬
‫وهبذه املبادئ وصل مفكرو الليربالية إىل حقيقة هامة‪ ،‬مفادها أن مقياس احلرايت‬
‫واحلقوق داخل الدولة هو يف مدى خضوع املشرع حلكم القانون‪.‬‬
‫‪ .3‬مرحلة إجياد التوازن الصعب بني الغاية الفردية والوسيلة اجلماعية‪ :‬من الطبيعي أن‬
‫يتصادم االجتاه الفردي املعتمد على نظرية احلقوق الطبيعية والقانون الطبيعي مع االجتاه‬
‫الشعيب الدميقراطي الذي متثله نظرية "العقد االجتماعي"‪ ،‬وقد ظهر هذا التصادم جلياً‬
‫يف نتائج الثورة الفرنسية‪ .‬ولكن كيف؟‬
‫فإذا كان العمال قد حتالفوا مع البورجوازية وفرضوا سن دستور للبالد‪ ،‬فإنه "ما إن سن‬
‫الدستور حىت سن وفق إرادة الطرف األقوى يف التوازن االجتماعي اجلديد‪ ،‬وبدل احلرية‬
‫واإلخاء واملساواة‪ ،‬حفر على نصب الثورة‪ :‬املال والسلطة والتنافس‪ .‬يف التاريخ كما يف‬
‫امليثولوجيا كثريا ما يولد األقزام من عشق العمالقة"‪.‬‬
‫ونفس الشيء يراه "روجي غارودي إذ يقول‪" :‬إن دستور ‪ 1793‬وإن قرر مبدأ االقرتاع‬
‫العام إال أنه مل يطبق"‪ .‬واألغرب من ذلك العملية اليت تبعته‪ ،‬عملية قطع رؤوس‬
‫املعارضني ابسم إرادة األغلبية‪ .‬وقد حصل الشيء نفسه يف ثورة االستقالل ابلوالايت‬
‫املتحدة األمريكية فيما بعد‪ ،‬إذ أنه إذا كان صدور إعالن فرجينيا لعام ‪ 1776‬جاء‬
‫ليؤكد سيادة الشعب واملساواة يف احلقوق السياسية واحلرية الشخصية‪ ،‬فإن اإلعالن‬
‫نفسه بقي ومها‪ .‬فالثورة مل تتورع يف إابحة اسرتقاق السود وحرماهنم من حقوقهم املدنية‬
‫والسياسية‪ .‬هلذه األسباب حاول مفكرو الليربالية إجياد الوسائل اليت حتول دون استبداد‬
‫األغلبية ابألقلية‪ ،‬فوجدوا ضالتهم يف اعتبار القيمة القانونية إلعالانت احلقوق اليت ترد‬
‫عادة يف مقدمات الدساتري أمسى من النصوص الدستورية نفسها ألهنا سابقة عن‬
‫الدولة‪ .‬ومعناه أن املشرع الدستوري ال ينشئ هذه احلقوق وإمنا يكشف عنها ألهنا‬
‫سابقة عنه وذلك ألهنا كمينة يف اإلنسان ذاته كطبيعة جوهرية‪.‬‬
‫‪ .4‬مرحلة وضع الدساتري يف القرن التاسع عشر‪ :‬إذا ما تتبعنا التطور التارخيي للحرايت‬
‫واحلقوق سنالحظ أهنا قد بدأت كفكرة يدعو هلا املفكرون مث صارت عقيدة وبرانجما‬
‫لكفاح الشعوب ضد احلكام الطغاة سعيا وراء التحرر‪ .‬وقد تبلور كفاح الشعوب خالل‬
‫القرن ‪ 19‬أبورواب يف شكل واثئق قانونية (دساتري) تتضمن الشروط اليت أملتها الشعوب‬
‫املنتصرة على حكامها‪ ،‬وتلك الشروط تتمثل يف حقوق وواجبات كل من احلكام‬
‫واحملكومني معا‪ .‬وهبذا وصلت الليربالية يف القرن التاسع عشر إىل مرحلة النضج الذي‬
‫جتلى يف مظهرين‪:‬‬
‫أ‪ -‬املظهر السياسي‪ :‬أتسيس دولة القانون‬
‫ب‪ -‬املظهر االجتماعي واالقتصادي‪ :‬جعل حق امللكية مقدسا يعلو على مجيع‬
‫احلقوق‪.‬‬
‫‪ .5‬مرحلة االنتقال اخلجول من الفردية إىل اجلماعية‪ :‬مع القرن العشرين وابنتصار الثورة‬
‫االشرتاكية البلشفية عام ‪ 1917‬أحدثت األفكار االشرتاكية تطوراً هاماً يف الفكر‬
‫السياسي واالجتماعي اإلنساين‪ .‬فبعد أن كانت فكرة احلقوق الفردية الطبيعية هي‬
‫الطاغية يف النظرة الليربالية‪ ،‬حل حملها "فكرة التضامن" اليت كادت أن جتعل املصلحة‬
‫االجتماعية العامة تعلو على سيادة الفرد املزعومة‪ .‬وهبذا املفهوم اجلديد صار الفكر‬
‫الليربايل مييز بني نوعني من الدميقراطية‪:‬‬
‫‪ )1‬ـ الدميقراطية السياسية‪ :‬وهدفها األساسي هو احلد من السلطة السياسية‪.‬‬
‫‪ )2‬ـ الدميقراطية االجتماعية‪ :‬وهدفها املركزي هو حتقيق العدالة االجتماعية ما‬
‫أمكن‪.‬‬
‫لكن بظهور األنظمة الديكتاتورية (هلرت‪ ،‬فرانكو‪ ،‬ساالزار‪ )..‬وابندالع نريان احلرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬انتهكت حقوق اإلنسان أميا انتهاك بفعل عدم احرتام السلطات الوطنية ملنطوق الواثئق‬
‫اليت تنص على حقوق اإلنسان مما دفع ابألنظمة الليربالية الدميقراطية أن تتزعم املنتظم الدويل‬
‫إلصدار اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان يف عام ‪ .1948‬وقد كانت معامل الفلسفة الليربالية‬
‫واضحة يف مضامني جل مواده الثالثني الشيء الذي جعل وجيعل األنظمة الدميقراطية الليربالية‬
‫تدعي اليوم أن العامل مدين هلا بتقرير حقوق اإلنسان وأبهنا صاحبة الفضل يف إقرار تلك‬
‫احلقوق وتقنينها وإضفاء الشرعية عليها يف مواثيق وإعالانت دولية‪.‬‬
‫ومع ذلك هناك من يرى أن "حقوق اإلنسان ال ينبغي البحث عنها حقيقة يف نصوص املشرعني‬
‫أو يف صياغة الفقهاء أو يف أقوال الفالسفة واخللقيني‪ ،‬أي ال ينبغي أن ينظر إليها من خالل‬
‫تلك القواعد النظرية واإلعالانت‪ ..‬وإمنا ينبغي البحث عن حقوق اإلنسان يف املمارسات‬
‫والتطبيقات على أرض الواقع"‪.‬‬
‫وإذا ما أخذان هبذا الرأي فإن املرء سيندهش‪ ،‬ال حمالة‪ ،‬إذا علم أن الوالايت املتحدة األمريكية‬
‫كأقوى دولة ليربالية وأكرب "حماضر" أمام العامل يف مادة حقوق اإلنسان‪ ،‬مل تصادق على العهدين‬
‫الدوليني‪ ،‬منذ عام ‪1966‬م‪ .‬وقد يستغرب املرء أكثر إذا الحظ أن عشرات اإلعالانت واملواثيق‬
‫ال زالت خالية من توقيع عشرات الدول الكربى والصغرى على حد سواء‪ ،‬وعلى سبيل املثال‬
‫نذكر‪:‬‬
‫❖ صادقت الوالايت املتحدة األمريكية على سبعة مواثيق فقط ووقعت على ستة أخرى‬
‫فقط من بني اخلمسة والعشرين ميثاقا أساسيا‪ ،‬ومل تصادق كما قلنا على العهدين‬
‫الدوليني إال عام ‪.1992‬‬
‫❖ صادقت فرنسا على سبعة عشر اتفاقا ووقعت على اثنني آخرين فقط‪.‬‬
‫❖ صادقت بريطانيا على سبعة عشر اتفاقا من بني مخسة وعشرين اتفاق دويل أساسي‬
‫يهم موضوع حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫من خالل هذه األمثلة وغريها يتبني لنا أن الدول الليربالية اليت تدعي اليوم أبن العامل مدين هلا‬
‫إبخراج اإلعالانت الدولية حلقوق اإلنسان إىل الوجود وبدفاعها عن تطبيق بنودها عامليا‪،‬‬
‫تتعامل يف تطبيقات تلك البنود بشكل انتقائي وإيديولوجي داخل أوطاهنا‪ ،‬فهي تسارع إىل‬
‫املصادقة على إعالانت احلقوق املدنية والسياسية بينما تتلكأ عن املصادقة على إعالانت‬
‫احلقوق االقتصادية واالجتماعية كما الحظنا ذلك سابقا‪ .‬وهذه االنتقائية تبدو عادية إذا علمنا‬
‫أن األنظمة الليربالية يف جوهرها ومبادئها تعطي األمهية واألولوية للحقوق املدنية والسياسية اليت‬
‫ختدم الدميقراطية السياسية اليت تطالب هبا‪ ،‬يف حني أهنا ال تعري نفس االهتمام لتطبيق احلقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية اليت تتالءم مع الدميقراطية االجتماعية اليت هي من صميم مبادئ‬
‫الفلسفة االشرتاكية أكثر من نظريهتا الليربالية‪.‬‬
‫قائمة أببرز املراجع اليت ميكن أن يستفيد منها الطالب‬
‫الكتب‪:‬‬
‫▪ قنصوه ‪ ،‬ايسر ( ‪ 2004‬م ) ‪ ،‬الليربالية إشكالية املفهوم ‪،‬القاهرة ‪ :‬دار مدبويل‪.‬‬
‫▪ مل ‪ ،‬جون ستيوارت ( ‪ 1996‬م ) ‪ ،‬أسس الليربالية السياسية ‪ ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة مدبويل‬
‫▪ فرج ‪ ،‬أنور حممد ( ‪ 2007‬م ) ‪ ،‬نظرية الواقعية يف العالقات الدولية – دراسة مقارنة يف ضوء‬
‫النظرايت املعاصرة ) السليمانية ‪ :‬كردستان للدراسات اإلسرتاتيجية‬
‫▪ جابر ‪ ،‬فايز صاحل ( ‪ 1985‬م ) ‪ ،‬الفكر السياسي احلديث ‪ ،‬عمان ‪ :‬مكتبة احملتسب‪.‬‬
‫▪ اهلياجنة ‪ ،‬حممد ( ‪ 2001‬م ) ‪ ،‬الفكر السياسي احلديث واملعاصر ( عمان‪.‬‬
‫▪ مصطفى ‪ ،‬عبد اجلبار ( ‪ 1982‬م ) ‪ ،‬الفكر السياسي الوسيط واحلديث) بغداد‪ :‬وزارة التعليم‬
‫العايل‪.‬‬
‫▪ بوعزة ‪ ،‬الطيب ( ‪ 2009‬م ) ‪ ،‬نقد الليربالية‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرايض‪ :‬مكتبة امللك فهد‪.‬‬
‫▪ البطوش ‪ ،‬بسام عبد السالم ( ‪ 2008‬م ) ‪ ،‬جذور الليربالية العربية – حالة مصر عمان‪ :‬دار‬
‫الكنوز‪.‬‬
‫▪ غريفش‪ ،‬مارتن و أوكاالهان‪ ،‬تريي ( ‪ 2008‬م ) ‪ ،‬املفاهيم األساسية يف العالقات الدولية ‪ ،‬ترمجة‬
‫مركز اخلليج ‪،‬ديب ‪ :‬مركز اخلليج لألحباث‪.‬‬
‫▪ األصبحي‪ ،‬أمحد ( ‪ 2000‬م)‪ ،‬تطور الفكر السياسي‪،‬ج ‪ + 1‬ج ‪ ،3‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار البشري‬
‫▪ ابراهيم‪ ،‬موسى ( ‪2011‬م )‪ ،‬الفكر السياسي احلديث واملعاصر( بريوت‪ :‬دار املنهل اللبناين‪.‬‬
‫▪ حممود‪ ،‬حممد عثمان )‪، ( 2014‬العدالة االجتماعية الدستورية يف الفكر الليربايل السياسي املعاصر‪،‬‬
‫ط‪ (،1‬الدوحة‪ :‬املركز العريب لالحباث ودراسة السياسات)‪.‬‬
‫▪ زهره‪ ،‬عطا ( ‪2013‬م )‪ ،‬النظرايت املعاصرة يف العالقات الدولية‪ ،‬ط‪ ، 1‬عمان‪ :‬مطابع الدستور‪.‬‬
‫*املراجع االجنبية‪:‬‬
‫‪– Fukuyama, Francis ( 1992) ,The Of History and The Last Man,( New‬‬
‫‪York: Maxwell Macmillan International).‬‬
‫‪– Fukuyama, Francis ( 1989) ,End Of History? ,( New York: National‬‬
‫‪Interest, Summer).‬‬
‫‪– Karen A, Mingst( 2003),Essentials Of International Relations,‬‬
‫‪Second,W.W.Norton&Company, New York.‬‬
‫–‬ ‫‪David‬‬ ‫‪A,‬‬ ‫‪Baldwin‬‬ ‫‪Editor‬‬ ‫‪(1993),‬‬ ‫‪,Neorealism‬‬ ‫‪And‬‬
‫‪Neoliberalism,(Columbia University Press: New York).‬‬
‫‪– Mill.Juhn Stuart ( 1963). Callected Works Of John Stuart‬‬
‫‪Mill.J.m.Robson University Of Turonto Press.‬‬
‫‪– Juson Brennon ( 2012) , Liberalism: What Every One Needs To‬‬
‫‪know. Oxford.‬‬
‫‪– Skinner ( 1978) The Foundation Of Modern Political Though 2 vol‬‬
‫‪Cambridge Press.‬‬
‫*الدورايت واالحباث‪:‬‬
‫• البدوي ‪ ،‬مجال ابراهيم ( ‪2008‬م )‪ ،‬الليربالية ‪ :‬دراسة الجتاه العالقة بني الشق السياسي‬
‫واالقتصادي‪ ،‬جملة مصر املعاصرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬مج ( ‪ ، )100‬ع )‪( 489‬‬
‫• العراقي‪ ،‬سهام ( ‪1990‬م )‪ ،‬الرتبية الليربالية دراسة فلسفية لتطوير املفهوم واحملتوى ع (‪،)10‬‬
‫جملة كلية الرتبية جامعة طنطا‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫• شقري‪ ،‬صاحل ( ‪1999‬م)‪ ،‬مالمح الليربالية يف فلسفة لوك السياسية ‪ ،‬جملد (‪ ،)20‬ع (‪)96‬‬
‫‪ ،‬جملة الفكر العريب ‪ ،‬معهد االمناء العريب‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫• غباش‪ ،‬منويب( ‪2011‬م) ‪ ،‬الليربالية ‪ :‬فلسفة أم ايديولوجيا‪ ،‬جملد ‪ ،31‬عدد ‪،157 – 156‬‬
‫جملة الفكر العريب املعاصر‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫• مجال الدين ‪ ،‬جبار ( ‪2011‬م) ‪ ،‬الليربالية وافاقها املستقبلية ‪ ،‬عدد ‪ ، 15‬جملة مركز الكوفة‬
‫‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫• نقرش‪ ،‬عبد هللا و مصطفى ‪ ،‬حممد خري ( ‪2003‬م ) ‪ ،‬الفلسفة الليربالية والدستور األردين‬
‫لعام ‪1952‬م ‪ ،‬جملد ‪ ، 30‬عدد ‪ ، 1‬جملة دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪ ،‬عمان ‪،‬‬
‫اجلامعة االردنية‪.‬‬
‫• عقيل‪ ،‬وصفي حممد ( ‪2015‬م ) ‪ ،‬التحوالت املعرفية للواقعية والليربالية يف نظرية العالقات‬
‫الدولية املعاصرة ‪ ،‬جملد ‪ ، 42‬عدد ‪ ، 3‬جملة دراسات‪ :‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪ ،‬عمان ‪،‬‬
‫اجلامعة االردنية‪.‬‬
‫• زيداين‪ ،‬سعيد ( ‪1997‬م ) ‪ ،‬الليربالية ومفهوم الدولة احملايدة ‪ ،‬ع ‪ ، 179‬جملة املستقبل العريب‪،‬‬
‫بريوت‬
‫• السليمي‪ ،‬عبد الرحيم بن صمايل ‪ ،‬الليربالية نشأهتا وجماالهتا ‪ ،‬منشور على االنرتنت‪.‬‬
‫• جملة الفكر العريب ‪ ،‬شقري‪ ،‬صاحل ‪ ،‬مالمح الليربالية يف فلسفة لوك السياسية ‪ ،‬جملد (‪ ،)20‬ع‬
‫(‪1999 ( ، )96‬م)‪ ،‬معهد االمناء العريب‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫• جملة مصر املعاصرة ‪ ،‬البدوي ‪ ،‬مجال ابراهيم ‪،‬الليربالية ‪ :‬دراسة الجتاه العالقة بني الشق‬
‫السياسي واالقتصادي‪،‬مصر‪،‬مج(‪،)100‬ع(‪2008(،)489‬م)‬
‫• ربيع‪ ،‬حممد حممود ( ‪1994‬م ) ‪ ،‬االفكر السياسي الغريب ‪ ،‬فلسفته ومناهجه من افالطون إل‬
‫ماركس ‪،‬ط ‪ ( ، 1‬الكويت ‪ :‬مطبوعات جامعة الكويت ) ‪ ،‬ص ‪402‬‬
‫• جملة املستقبل العريب ‪ ،‬زيداين ‪ ،‬سعيد ‪ ،‬الليربالية ومفهوم الدولة احملايدة‪ ،‬ع ‪1999 ( ،179‬م)‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫• الغذامي‪ ،‬عبد هللا ( ‪2013‬م ) ‪ ،‬الليربالية اجلديدة ‪،‬ط ‪ ( ، 1‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقايف‬
‫العريب)‪،‬‬
‫• مل ‪ ،‬جون ستيوارت ( ‪ 1996‬م ) ‪ ،‬أسس الليربالية السياسية ‪ ،‬ترمجة ‪ :‬امام عبد الفتاح و‬
‫ميشيل متياس ‪ ( ،‬القاهرة ‪ :‬مكتبة مدبويل )‪.‬‬
‫• عطا ( ‪2013‬م ) ‪ ،‬النظريات المعاصرة في العالقات الدولية ‪ ،‬ط‪ ( ،1‬عمان ‪ :‬مطابع الدستور )‪،‬‬

You might also like