عناصر الخطبة

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 4

‫عناصر الخطبة‬

‫ظاهرتي الكسوف والخسوف وتخويف هللا لعباده ‪ /2‬الواجب على العباد تجاه ظاهرتي الكسوف ‪1/‬‬
‫‪.‬والخسوف ‪ /3‬حرص الرسول صلى هللا عليه وسلم على أمته‬
‫اقتباس‬

‫ووجب على العباد وهم يرون هذه اآليات تترأ في زمانهم حينا بعد حين أن يعودوا إلى هللا بتوبة نصوح‬
‫وعمل صالح ونية خالصة‪ ،‬مع العزم على اصالح األوضاع ورد المظالم وصفاء القلوب وتوحيد الكلمة‬
‫وصيانة الدماء واألعراض‪ ،‬وتوجيه الطاقات والقدرات لتعمير األرض ونشر اإلسالم وإرساء العدل‬
‫‪...‬وتربية النفوس على القيم العظيمة‪ ،‬واللجوء إلى هللا والتضرع بين يديه‪ ،‬وتذكر اآلخرة واالستعداد لها‬

‫‪:‬الخطبة األولى‬

‫اْلَحْم ُد ِهَّلِل َنْح َم ُد ُه َو َنْسَتِع يُنُه َو َنْسَتْغ ِفُر ُه َو َنُعوُذ ِباِهَّلل ِم ْن ُش ُروِر َأْنُفِس َنا َو ِم ْن َس ِّيَئاِت َأْع َم اِلَنا َم ْن َيْهِدِه ُهَّللا َفال‬
‫ُمِض َّل َلُه َو َم ْن ُيْض ِلْل َفال َهاِدَي َلُه َو َأْش َهُد َأْن ال ِإَلَه ِإال ُهَّللا َو ْح َد ُه ال َش ِر يَك َلُه َو َأَّن ُمَح َّم ًدا َع ْبُد ُه َو َر ُسوُلُه‪َ(،‬يا‬
‫َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َح َّق ُتَقاِتِه َو ال َتُم وُتَّن ِإَّال َو َأْنُتْم ُم ْس ِلُم وَن )[آل عمران‪َ( ]102 :‬يا َأُّيَها الَّناُس اَّتُقوا‬
‫َر َّبُك ْم اَّلِذ ي َخ َلَقُك ْم ِم ْن َنْفٍس َو اِحَدٍة َو َخ َلَق ِم ْنَها َز ْو َجَها َو َبَّث ِم ْنُهَم ا ِر َج اًال َك ِثيرًا َو ِنَس اًء َو اَّتُقوا َهَّللا اَّلِذ ي‬
‫َتَتَس اَء ُلوَن ِبِه َو اَألْر َح اَم ِإَّن َهَّللا َك اَن َع َلْيُك ْم َر ِقيبًا) [النساء‪]1:‬؛ (َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا اَّتُقوا َهَّللا َو ُقوُلوا َقْو ًال َسِد يدًا‬
‫* ُيْص ِلْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ِفْر َلُك ْم ُذ ُنوَبُك ْم َو َم ْن ُيِط ْع َهَّللا َو َر ُسوَلُه َفَقْد َفاَز َفْو زًا َع ِظ يمًا)[األحزاب‪ 70 :‬و‬
‫‪ ،]71:‬أما بعد‬

‫عباد هللا‪ :‬الشمس والقمر آيتان من آيات هللا العظيمة الدالة على كمال قدرته وعظيم خلقه سبحانه وتعالى؛‬
‫ولذا نجد أن هللا يذكرهما دائما في كتابه العزيز عند ذكر اآليات العظيمة الدالة على أنه اإلله الحق المتفرد‬
‫بالخلق‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬و ِم ْن آَياِتِه الَّلْيُل َو الَّنَهاُر َو الَّش ْم ُس َو اْلَقَم ُر اَل َتْسُجُدوا ِللَّش ْم ِس َو اَل ِلْلَقَم ِر َو اْسُجُدوا ِهَّلِل‬
‫‪.‬اَّلِذ ي َخ َلَقُهَّن ِإن ُك نُتْم ِإَّياُه َتْعُبُد وَن ) [فصلت‪]37 :‬‬

‫ولما حاج إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬النمرود ذكر له من خصائص هللا التي ال ينازعه فيها أحد تسيير الشمس‬
‫وتحريكها‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬أَلْم َتَر ِإَلى اَّلِذ ي َح آَّج ِإْبَر اِهيَم ِفي ِر ِّبِه َأْن آَتاُه ُهّللا اْلُم ْلَك ِإْذ َقاَل ِإْبَر اِهيُم َر ِّبَي اَّلِذ ي‬
‫ُيْح ِيـي َو ُيِم يُت َقاَل َأَنا ُأْح ِيـي َو ُأِم يُت َقاَل ِإْبَر اِهيُم َفِإَّن َهّللا َيْأِتي ِبالَّش ْم ِس ِم َن اْلَم ْش ِرِق َفْأِت ِبَها ِم َن اْلَم ْغ ِر ِب‬
‫‪َ.‬فُبِهَت اَّلِذ ي َكَفَر َو ُهّللا َال َيْهِد ي اْلَقْو َم الَّظاِلِم يَن ) [البقرة‪]258 :‬‬

‫وإن اختالل نظام هاتين اآليتين من الدالئل العظيمة على قرب القيامة ونهاية هذا العالم؛ فطلوع الشمس‬
‫من المغرب من عالمات الساعة الكبرى التي ال ينفع بعدها صالح أو عمل‪ ،‬كما صح بذلك الخبر عن‬
‫رسول هللا‪ ،‬كما أن ذهاب الشمس والقمر دليل على قيام الساعة‪ ،‬قال تعالى‪َ( :‬فِإَذ ا َبِرَق اْلَبَص ُر َو َخ َس َف‬
‫‪.‬اْلَقَم ُر َو ُج ِمَع الَّش ْم ُس َو اْلَقَم ُر َيُقوُل اِإْل نَس اُن َيْو َم ِئٍذ َأْيَن اْلَم َفُّر )[القيامة‪]10-7 :‬‬

‫قال السعدي ‪-‬رحمه هللا‪َ" :-‬و َخ َس َف اْلَقَم ُر ذهب نوره وسلطانه‪َ ،‬و ُج ِمَع الَّش ْم ُس َو اْلَقَم ُر وهما لم يجتمعا منذ‬
‫خلقها هللا تعالى‪ ،‬فيجمع هللا بينهما يوم القيامة‪ ،‬ويخسف القمر‪ ،‬وتكور الشمس‪ ،‬ويقذفان في النار؛ ليرى‬
‫‪".‬العباد أنهما عبدان مسخران‪ ،‬وليرى من عبدهما أنهم كانوا كاذبين‬

‫ومن الظواهر التي كثرت في هذا الزمان ظاهرتي الكسوف والخسوف‪ ،‬وال تنكسفان لموت أحد أو حياته‪،‬‬
‫وإنما هما آيتان من آيات هللا يخوف بهما عباده حين تكثر الفتن والمعاصي واالعراض عن ما جاء باهلل في‬
‫كتابه أو جاء به رسول هللا ‪-‬صل هللا عليه وسلم‪ -‬في سنته‪ ،‬ليعودوا إلى هللا‪ ،‬وليذكروا حقيقة الحياة الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وفي ذلك زجر وعظة وتخويف‪ ،‬قال ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬بقوله‪" :‬إن الشمس والقمر آيتان من‬
‫‪.‬آيات هللا‪ ،‬ال ينكسفان لموت أحد وال لحياته‪ ،‬وإنما يخوف هللا بهما عباده" (حديث صحيح)‬

‫لذا فكل الظواهر الطبيعية من زالزل وبراكين وفيضانات وشهب ونيازك وكسوف الشمس و خسوف‬
‫القمر تتعدى مفهوم الظاهرة الطبيعية عند المسلمين‪ ،‬لتصبح آية من آيات هللا سبحانه وتعالى ينذر بهما‬
‫عباده؛ فيسارعون إلى التوبة خوفا من عذاب أليم‪ ،‬ورجاء في رحمة هللا ومغفرته ونيل رضوانه‪ ،‬وفي‬
‫ذلك يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬فإن هللا إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله‪ ،‬وإنما‬
‫يخاف الناس مما يضرهم‪ ،‬فلوال إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويًفا‪ ،‬قال‬
‫‪.‬تعالى‪َ( :‬و َم ا ُنْر ِس ُل ِباآْل َياِت ِإاَّل َتْخ ِو يًفا) [اإلسراء‪]59 :‬‬

‫أيها المسلمون‪ :‬ومما يدل على أن ظاهرتي الكسوف والخسوف فيهما تخويف وتذكير للعباد ما ُعرض‬
‫للنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬في مقامه بصالة الكسوف ِم ن أمور اآلخرة ما يزيد المؤمن ِم ن ربه خوًفا‬
‫ورهًبا‪ ،‬ورجاء فيما عنده وطعًم ا‪ ،‬وحًبا له وإجالاًل وتعظيًم ا‪ ،‬ولرسوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬تصديًقا‬
‫‪:‬وتسليًم ا وانقياًدا‪ ،‬وِم ن ذلك‬

‫أواًل ‪ :‬أنه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬رأى الجنة والنار‪ ،‬حيث صَّح أن الصحابة – رضي هللا عنهم – قالوا‪َ" :‬يا‬
‫َر ُسوَل ِهللا َر َأْيَناَك َتَناَو ْلَت َشْيًئا ِفي َم َقاِم َك َهَذ ا‪ُ ،‬ثَّم َر َأْيَناَك َكَفْفَت ‪َ ،‬فَقاَل ‪ِ« :‬إِّني َر َأْيُت اْلَج َّنَة‪َ ،‬فَتَناَو ْلُت ِم ْنَها‬
‫ُع ْنُقوًدا‪َ ،‬و َلْو َأَخ ْذ ُتُه َأَلَك ْلُتْم ِم ْنُه َم ا َبِقَيِت الُّد ْنَيا‪َ ،‬و َر َأْيُت الَّناَر َفَلْم َأَر َك اْلَيْو ِم َم ْنَظًرا َقُّط‪َ ،‬و َر َأْيُت َأْكَثَر َأْهِلَها‬
‫‪".‬الِّنَس اَء‬

‫ثانًيا‪ :‬أنه النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬رأي بعض الناس ُيعَّذ بون في النار‪ ،‬حيث صَّح عنه ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬أنه قال‪َ" :‬م ا ِم ْن َش ْي ٍء ُتوَع ُدوَنُه ِإاَّل َقْد َر َأْيُتُه ِفي َص اَل ِتي َهِذِه‪َ ،‬لَقْد ِج يَء ِبالَّناِر ‪َ ،‬و َذ ِلُك ْم ِح يَن َر َأْيُتُم وِني‬
‫َتَأَّخ ْر ُت ‪َ ،‬م َخ اَفَة َأْن ُيِص يَبِني ِم ْن َلْفِحَها‪َ ،‬و َح َّتى َر َأْيُت ِفيَها َص اِح َب اْلِم ْح َج ِن َيُجُّر ُقْص َبُه ِفي الَّناِر ‪َ ،‬ك اَن َيْس ِرُق‬
‫اْلَح اَّج ِبِم ْح َجِنِه‪َ ،‬فِإْن ُفِط َن َلُه َقاَل ‪ِ :‬إَّنَم ا َتَع َّلَق ِبِم ْح َجِني‪َ ،‬و ِإْن ُغ ِفَل َع ْنُه َذ َهَب ِبِه‪َ ،‬و َح َّتى َر َأْيُت ِفيَها َص اِح َبَة‬
‫اْلِهَّر ِة اَّلِتي َر َبَطْتَها َفَلْم ُتْط ِع ْمَها‪َ ،‬و َلْم َتَد ْع َها َتْأُك ُل ِم ْن َخَش اِش اَأْلْر ِض‪َ ،‬ح َّتى َم اَتْت ُجوًعا‪َ ،‬و َر َأْيُت َأَبا ُثَم اَم َة‬
‫‪َ".‬ع ْمَر و ْبَن َم اِلٍك َيُجُّر ُقْص َبُه ِفي الَّناِر‬

‫ثالًثا‪ :‬أنه أوحي إليه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بفتنة الناس في قبورهم‪ ،‬حيث صَّح عنه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫أنه قال‪َ" :‬م ا ِم ْن َش ْي ٍء ُكْنُت َلْم َأَر ُه ِإاَّل َقْد َر َأْيُتُه ِفي َم َقاِم ي َهَذ ا‪َ ،‬ح َّتى الَج َّنَة َو الَّناَر ‪َ ،‬و َلَقْد ُأوِح َي ِإَلَّي َأَّنُك ْم‬
‫ُتْفَتُنوَن ِفي الُقُبوِر ِم ْثَل – َأْو َقِر يَب ِم ْن – ِفْتَنِة الَّد َّجاِل ‪ُ ،‬يْؤ َتى َأَح ُد ُك ْم ‪َ ،‬فُيَقاُل َلُه‪َ :‬م ا ِع ْلُم َك ِبَهَذ ا الَّرُج ِل ؟ َفَأَّم ا‬
‫الُم ْؤ ِم ُن َأِو الُم وِقُن َفَيُقوُل ‪ُ :‬هَو ُمَح َّم ٌد َر ُسوُل ِهَّللا‪َ ،‬ج اَء َنا ِباْلَبِّيَناِت َو الُهَدى‪َ ،‬فَأَج ْبَنا َو آَم َّنا َو اَّتَبْعَنا‪َ ،‬فُيَقاُل َلُه‪َ :‬نْم‬
‫َص اِلًحا‪َ ،‬فَقْد َع ِلْم َنا ِإْن ُكْنَت َلُم ْؤ ِم ًنا‪َ ،‬و َأَّم ا الُم َناِفُق َأِو الُم ْر َتاُب َفَيُقوُل ‪َ :‬ال َأْد ِري‪َ ،‬سِم ْع ُت الَّناَس َيُقوُلوَن َشْيًئا‬
‫‪َ".‬فُقْلُتُه‬

‫معاشر المسلمين‪ :‬كم ِم ن اآليات الُم فزعات‪ ،‬والعظات الَّز اجرات‪ ،‬والِع بر المتتابعات‪ ،‬والمنذرات‬
‫المتعاقبات‪ ،‬تُم ُّر علينا في هذا الكون المترامي األطراف من أرض وسماوات‪ ،‬ال َيخاف عندها قلب‪ ،‬وال‬
‫تدمع لها عين‪ ،‬وال يحصل حينها توبة‪ ،‬وال معها وبعدها إكثار ِم ن طاعة‪ ،‬وإقالع عن معصية‪ ،‬وقد حَّذ َر نا‬
‫ربنا ‪-‬جَّل وعال‪ -‬أن نكون كالكافرين في اإلعراض عن آياته الحادثة والمشاهدة‪ ،‬فقال ‪-‬سبحانه‪َ( :-‬و َك َأِّيْن‬
‫ِم ْن آَيٍة ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َيُم ُّر وَن َع َلْيَها َو ُهْم َع ْنَها ُم ْع ِرُضوَن َو َم ا ُيْؤ ِم ُن َأْكَثُر ُهْم ِباِهَّلل ِإاَّل َو ُهْم‬
‫ُم ْش ِر ُك وَن َأَفَأِم ُنوا َأْن َتْأِتَيُهْم َغاِشَيٌة ِم ْن َع َذ اِب ِهَّللا َأْو َتْأِتَيُهُم الَّس اَع ُة َبْغ َتًة َو ُهْم اَل َيْش ُعُروَن ) [يوسف‪-105:‬‬
‫‪]107.‬‬

‫والوجب على العباد وهم يرون هذه اآليات تترأ في زمانهم حينا بعد حين أن يهرعوا إلى الصالة في‬
‫مساجدهم وفي بيوتهم‪ ،‬ومن ذلك أن يعودوا إلى هللا بتوبة نصوح وعمل صالح ونية خالصة‪ ،‬مع العزم‬
‫على اصالح األوضاع ورد المظالم وصفاء القلوب وتوحيد الكلمة وصيانة الدماء واألعراض‪ ،‬وتوجيه‬
‫الطاقات والقدرات لتعمير األرض ونشر اإلسالم وإرساء العدل وتربية النفوس على القيم العظيمة‪ ،‬وإن‬
‫من الوجبات على العباد واللجوء إلى هللا والتضرع بين يديه‪ ،‬وتذكر اآلخرة واالستعداد لها؛ لذلك لما‬
‫كسفت الشمس في عهد رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فزع وفزع معه المسلمون فزعًا شديدًا‪ ،‬وخرج‬
‫عليه الصالة والسالم مسرعًا إلى المصلى حتى أن رداءه سقط من عليه ولم يشعر به من شدة فزعه‬
‫وخوفه وهول تلك اآلية العظيمة‪ ،‬وعندما وصل المصلى نادى مناد بالناس (الصالة جامعة)؛ فاجتمع‬
‫‪-.‬الناس رجاًال ونساًء ‪ ،‬صغارًا وكبارًا؛ فصلى بهم‪ ،‬والناس يصرخون ويبكون خوفًا من هللا ‪-‬تعالى‬

‫ومن ذلك كثرة الدعاء واالبتهال إلى هللا‪ ،‬وكثرة الذكر من تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل واستغفار وغيرها‬
‫من األذكار‪ ،‬ثبت في الصحيحين وغيرهما من عدة طرق أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إن‬
‫الشمس والقمر آيتان من آيات هللا يخوف هللا بهما عباده‪ ،‬وإنهما ال يكسفان لموت أحد من الناس‪ ،‬فإذا رأيتم‬
‫منها شيئًا فصلوا وادعوا هللا حتى يكشف ما بكم"‪ ،‬وفي حديث آخر عند البخاري‪" :‬هذه اآليات التي‬
‫يرسلها هللا ال تكون لموت أحد وال لحياته‪ ،‬ولكن يخوف هللا بها عباده‪ ،‬فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى‬
‫‪".‬ذكر هللا تعالى ودعائه واستغفاره»‪ .‬وفي حديث آخر‪« :‬فافزعوا إلى الصالة‬

‫ومن هذه الواجبات‪ ،‬الصدقة واالنفاق في سبيل هللا فقد صح عنه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪" :‬فادعوا‬
‫هللا وكبروا وصلوا وتصدقوا"؛ فإّن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع البالء‪ ،‬ولو كانت من فاجر أو ظالم بل‬
‫من كافر‪ ،‬فإن هللا يدفع بها عنه أنواعًا من البالء‪ ،‬وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم‪ ،‬وأهل‬
‫‪".‬األرض كلهم مقرون به ألنهم جربوه‬

‫وقد دل النقل والعقل والفطرة وتجارب األمم على اختالف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى هللا‬
‫رب العالمين‪ ،‬وطلب مرضاته‪ ،‬والبر واإلحسان إلى خلقه من أعظم األسباب الجالبة لكل خير‪ ،‬وأضدادها‬
‫من أكبر األسباب الجالبة لكل شر‪ ،‬فما استجلبت نعم هللا تعالى واستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب اليه‪،‬‬
‫‪.‬واإلحسان إلى خلقه‬

‫ومن رفق بعباد هللا رفق هللا به‪ ،‬ومن رحمهم رحمه‪ ،‬ومن أحسن إليهم أحسن إليه‪ ،‬ومن جاد عليهم جاد‬
‫عليه‪ ،‬ومن نفعهم نفعه‪ ،‬ومن سترهم ستره‪ ،‬ومن منعهم خيره منعه خيره‪ ،‬ومن عامل خلقه بصفة عامله‬
‫‪.‬هللا تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا واآلخرة‪ ،‬فاهلل تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه‬

‫وقد أوصانا نبينا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬فقال‪" :-‬صنائع المعروف تقي مصارع الُّسوء واآلفات‬
‫والمهلكات‪ ،‬وأهل المعروف في الُّد نيا هم أهل المعروف في اآلخرة" (رواه الحاكم‪ ،‬وصَّححه األلباني)‪،‬‬
‫وفي روايٍة‪" :‬صنائع المعروف تقي مصارع الُّسوء‪ ،‬والَّصدقة خفيا تطفئ غضب الَّرِّب ‪ ،‬وصلة الَّرحم‬
‫زيادة في العمر‪ ،‬وكُّل معروٍف صدقٌة‪ ،‬وأهل المعروف في الُّد نيا هم أهل المعروف في اآلخرة‪ ،‬وأهل‬
‫‪.‬المنكر في الُّد نيا هم أهل المنكر في اآلخرة" (رواه الطبراني‪ ،‬وصَّححه األلباني)‬

‫وعن أسماء بنت أبي بكر ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬قالت‪" :‬أمر النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بالعتاقة في كسوف‬
‫الشمس"؛ فهذه سبعة أشياء أمر النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بها عند الكسوف وكلها ثابتة وهي‪ :‬الصالة‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬والتكبير‪ ،‬والذكر‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والعتق‪ ،‬ولو نظرنا إلى االستغفار وحده‪ ،‬لعلمنا أن‬
‫النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إنما يرشدنا إلى التوبة واإلقالع عن الذنوب والمعاصي التي جلبت هذا‬
‫التخويف اإللهي‪ ،‬ومعلوم لدى الجميع أن االستغفار مشروع في كل حين‪ ،‬ولكن في التأكيد عليه هنا وفي‬
‫‪.‬هذا الوقت داللة واضحة وظاهرة على أن ذنوب العباد هي التي جلبت هذا التخويف‬

‫‪.‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك ردًا جميًال‬

‫‪.‬قلت ما سمعتم واستغفر هللا لي ولكم فاستغفروه‬

‫‪:‬الخطــبة الثانـية‬

‫‪:‬الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪ ،‬أما بعد‬

‫عباد هللا‪ :‬لقد كان رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬حريص على أمته؛ فدلها على كل خير وحذرها من‬
‫كل شر وكان بهم رؤف رحيم؛ ففي حديث ابن عمرو في صفة صالة النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في‬
‫الكسوف ‪" :‬فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي ويقول لم تعدني بهذا وأنا فيهم لم تعدني‬
‫بهذا وأنا فيهم ونحن نستغفرك" (رواه النسائي في السنن الكبرى)‪ ،‬وفي رواية عند أحمد‪َ" :‬و َجَعَل َيْنُفُخ ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َو َيْبِكي َو ُهَو َس اِج ٌد ِفي الَّر ْك َعِة الَّثاِنَيِة َو َجَعَل َيُقوُل َر ِّب ِلَم ُتَع ِّذ ُبُهْم َو َأَنا ِفيِهْم َر ِّب ِلَم ُتَع ِّذ ُبَنا َو َنْح ُن‬
‫َنْسَتْغ ِفُرَك "‪ ،‬وفي هذا الحديث يشير بأبي هو وأمي إلى قول هللا ‪-‬تعالى‪َ( -‬و َم ا َك اَن ُهَّللا ِلُيَع ِّذ َبُهْم َو َأْنَت ِفيِهْم‬
‫َو َم ا َك اَن ُهَّللا ُمَع ِّذ َبُهْم َو ُهْم َيْسَتْغ ِفُروَن )‪َ ،‬قاَل اْبُن َعَّباٍس‪َ" :‬ك اَن ِفيِهْم َأَم اَناِن َنِبُي ِهَّللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫َو اِال ْس ِتْغ َفاُر َقاَل َفَذ َهَب َنِبي ِهَّللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪َ-‬و َبِقَى اِال ْس ِتْغ َفاُر "‪ ،‬والشاهد أنه ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫‪.‬يدعو ربه ويستغفره في سجوده في صالة الكسوف حتى ال يعذب أمته بذنوبهم التي أوجبت غضبه‬

‫أيها المؤمنون‪ :‬عودوا إلى ربكم وتوبوا إليه‪ ،‬وأحسنوا أعمالكم‪ ،‬وقوموا بواجباتكم‪ ،‬وأكثروا من األعمال‬
‫الصالحة‪ ،‬أنشروا ثقافة الحب واألخوة؛ فيما بينكم‪ ،‬واملئوا قلوبكم باإليمان والتقوى‪ ،‬ونظفوا قلوبكم من‬
‫الحقد والحسد والبغضاء والشحناء‪ ،‬وصونوا أعراضكم ودمائكم وأموالكم‪ ،‬التزموا بتعاليم دينكم‪ ،‬واعمروا‬
‫هذه الدنيا بالخير والعدل والعمل والجد‪ ،‬واستعدوا آلخرتكم بكل ما يقربكم إلى هللا‪ ،‬وخذوا الدروس من‬
‫أحداث الزمان ومن هذه الظواهر الكونية‪ ،‬عند ذلك يدفع هللا عنكم الشرور والباليا والمصائب‪ ،‬قال هللا‬
‫تعالى‪َ( :‬و َم ن َيَّتِق َهَّللا َيْج َع ل َّلُه َم ْخ َر ًجا َو َيْر ُز ْقُه ِم ْن َح ْيُث اَل َيْح َتِس ُب َو َم ن َيَتَو َّك ْل َع َلى ِهَّللا َفُهَو َح ْسُبُه ِإَّن َهَّللا‬
‫‪َ.‬باِلُغ َأْم ِر ِه َقْد َجَعَل ُهَّللا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َقْد ًرا) [الطالق‪]3 -2 :‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على خير البرية‪ِ( :‬إَّن َهَّللا َو َم اَل ِئَكَتُه ُيَص ُّلوَن َع َلى الَّنِبِّي َيا َأُّيَها اَّلِذ يَن آَم ُنوا َص ُّلوا َع َلْيِه‬
‫‪َ.‬و َس ِّلُم وا َتْس ِليًم ا) [األحزاب‪]56 :‬‬

You might also like