Professional Documents
Culture Documents
الجزء3 Compressed
الجزء3 Compressed
http://journals.iu.edu.sa/ILS/index.html
اهليئة االستشاريَّة
مسو األمري د /سعود بن سلمان بن حممد آل سعود أ .د /سعد بن تركي اخلثالن
أستاذ العقيدة املشارك جبامعة امللك سعود عضو هيئة كبار العلماء (ساب ًقا)
أ .د /مساعد بن سليمان الطيار أ .د /عبد اهلادي بن عبد اهلل محيتو
أستاذ التفسري جبامعة امللك سعود أستاذ التعليم العايل يف املغرب
أ .د /عبد القادر بن حممد عطا صويف أ .د /رمضان حممد أمحد الروبي
أستاذ العقيدة ابجلامعة اإلسالمية أستاذ االقتصاد واملالية العامة جبامعة األزهر ابلقاهرة
أ .د /حممد بن أمحد برهجي أ .د /عبد اهلل بن عبد العزيز الفاحل
أستاذ القراءات جبامعة طيبة أستاذ فقه السنة ومصادرها ابجلامعة اإلسالمية
( )يرجع يف تفصيل هذه القواعد العامة إىل املوقع اإللكرتوين للمجلة
http://journals.iu.edu.sa/ILS/index.html
اآلراء الواردة فـي البحوث املنشورة تعرب عن وجهة نظر
الباحثني فقط ،وال تعرب بالضرورة عن رأي اجمللة
حمتويات العدد
Prepared by :
Dr. Ibrahim Ghonaim Al-Hees
An assistant professor in the department of
jurisprudence and its fundamentals in Kuwait University
Email: dr. alhees@gmail. com
ملخص البحث
تناول هذا البحث يف مباحثه األربعة دراسة استقرائية حتليلية ملنهج الفتوحي يف كتابه
"خمتصر التحرير يف أصول الفقه" ومصطلحاته اليت سار عليه ،وقد تبني أن املؤلف اقتصر
يف خمتصره على ثالثة مصطلحات :أوهلا« :يف وجه»؛ وقصد به أن القول املقدم غريه ،وقد
ذكر هذا املصطلح يف مخسة مواضع فقط .وأما الثاين والثالث :فهما «يف قول» ،أو «على
قول»؛ وقد ذكر األول منهما ( ) 42مرة ،وذكر اآلخر يف موضع واحد فقط ،وقصد هبما:
قوة اخلالف يف املسألة ،أو اختلف الرتجيح بني األصحاب ،أو مل يطلع على قول مصرح
ابلتصحيح ألحد القولني أو األقوال .وقد توص البحث ل ى تتائج؛ منها:
أوًل :من خالل دراسة مجيع املسائ اليت قال عنها يف املنت« :ييف َو ْجه» ،أو «يف ا
قول» ،أو «على قول» ،يظهر جليًّا :أن املؤلف التزم مبنهجه الذي رمسه لنفسه يف مقدمة
كتابه ،ومل خيالفه لًل يف مسألة واحدة.
اثتياا :سلك املؤلف يف اختيار القول الصحيح يف املذهب طريقني :األول :أته اتتقى
ما قَد َمهُ املرداوي يف كتابه «حترير املنقول» من األقوال اليت يف املسألة .والثاتية :أن يكون
القول عليه األكثر من احلنابلة.
اثلثاا :أن هذا املنهج الذي سار عليه املؤلف يعد من زايداته وتصرفاته اليت متيز هبا
يف خمتصره عن أصله «حترير املنقول»ً ،ل سيما يف قوله «يف وجه»؛ ألته ترجيح منه ألحد
األقوال يف املسألة مع وجود اخلالف فيها بني األصحاب.
ابعا :أن مجلة من املسائ اليت قال فيها «يف قول» ،أو «على قول» ولن مل يصرح را
املؤلف فيها ابلرتجيح لًل أته ميكن اخللوص ل ى معرفة املذهب من هذه األقوال يف املسألة؛
لتصرحيهم أبته قول أكثر األصحاب أو أته القول األظهر يف املسألة.
الكلمات املفتاحيَّة( :أصول الفقه -خمتصر التحرير -الفتوحي -منهج الفتوحي
يف خمتصر التحرير -أصول الفقه عند احلنابلة).
31
Abstract
This research dealt in its four chapters with an inductive and analytical
study of Al-Futuhi’s approach in his book "Mukhtasar Al-Tahreer fi Usoul
Al-Fiqh" and his terminologies that he used it. It became clear that the author
only used three terminologies in his Mukhtasar: The first: "in a way" ،and he
meant the opinion that takes precedence over the others ،this term was only
mentioned in only five places. As for the second and third: they are "in a
saying" or "according to a saying": the first of them was mentioned (24)
times ،and the other was mentioned in one place only ،and by them he
meant: the strength of disagreement in the matter ،or the preference differed
among the companions ،or he did not see a saying permission to correct one
of the two sayings or sayings. The research reached results ،the most
important of which are :
First: By examining all the issues about which he said in the text: "on the
face" or "on a saying" or "on a saying" ،it becomes clear that the author
adhered to his approach that he drew for himself in the introduction to his
book and did not deviate from it except on one matter .
Second: The author followed two paths in choosing the correct saying in
the madhhab: The first: He selected what Al-Merdawi presented in his book
"Tahrir al-Manqoul" from among the sayings on the issue. And the second:
that the opinion of him is more than that of the Hanbalis .
Third: This approach that the author followed is one of his additions and
actions that distinguished him in his summary from his original "Tahreer al-
Manqoul" ،especially in his saying "in the face" ; Because he preferred one
of the sayings in the matter ،despite the existence of disagreement among the
companions .
Fourth: A number of issues in which he said "in a saying" or "according
to a saying ،" even if the author did not explicitly state the weighting ،but it
is possible to conclude the knowledge of the doctrine from these sayings in
the issue; For their statement that it is the saying of most of the companions ،
or that it is the most apparent saying in the matter .
Keywords: (Fundamentals of jurisprudence - Mukhtasar al-Tahrir - al-
Futuhi - the approach of al-Futuhi in Mukhtasar al-Tahrir - the principles of
jurisprudence according to the Hanbalis).
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
31
املدقِّمة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف األتبياء واملرسلني ،تبينا
حممد ،وعلى آله وصحبه والتابعني .أما بعد:
فإن من أشهر كتب أصول الفقه املعتمدة عند متأخري احلنابلة كتاب «خمتصر
التحرير يف أصول الفقه» للعالمة حممد بن أمحد الفتوحي (ت274هـ)؛ وذلك إلمامة
مؤلفه يف املذهب ،وقصره على قول واحد هو املعتمدة يف املذهب -حبسب ما أدى
لليه اجتهاد مؤلفه ،-وألته خمتصر من كتاب «حترير املنقول وهتذيب علم األصول»
للشيخ عالء الدين املرداوي ،املعروف مبصحح املذهب ومنقحه.
وقد أ َْوَدع الفتوحي يف مقدمة خمتصره هذا معامل منهجه الذي سار عليه يف
تصنيفه له ،فبني طريقة اتتقائه للقول الراجح يف املسائ اخلالفية ،ووضع مصطلحات
يشري هبا ل ى القول الراجح يف املسألة أو قوة اخلالف فيها أو اختالف الرتجيح بني
األصحاب ،أو مل يطلع على مصرح ابلتصحيح ،وهذه املصطلحات هي قوله« :يف
َو ْجه» ،أو «يف قول» ،أو «على قول».
وقد رغبت يف مجع هذه املسائ اليت قال فيها« :يف َو ْجه» ،أو «يف قول» ،أو
«على قول» ،مث دراسة منهج املؤلف يف كتابه من خالل هذه املسائ ،مبييناا مدى
التزامه مبنهجه الذي رمسه ،وه خالف فيها أصله؟ أو أضاف عليه؟ وهل ميكن معرفة
31
( )1وهو منشور للكرتوتياا ،بدون اسم ال ناشر ،وللعلم :مل أعلم عن هذا البحث لًل بعد حتكيم
حبثي ،وذلك إبشارة كرمية من أحد احملكني.
31
مراجعة أصول ابن مفلح ،والتحرير وشرحه التحبري للمرداوي ،والذخر احلرير للبعلي،
وغريها من كتب األصول عند احلاجة لذلك.
-4ذكرت تسبة األقوال يف املسألة كما أوردها املؤلف يف شرحه مع عزوها ل ى
مقتصرا يف الغالب على أقوال احلنابلة فقط دون غريهم؛ ألنا مصادرها األصلية،
املقصود حترير مذهب احلنابلة أو معرفة ي
قول أكثرهم ،مضي افا عليها قول بقية احلنابلة
ممن وقفت على قول هلم يف هذه املسألة ومل يشر املؤلف لقوهلم؛ لما لعدم اطالعه على
قوهلم أو لتأخر عصرهم عنه.
-5أورد املؤلف أقوال األصوليني يف بعض هذه املسائ اخلالفية دون أن يذكر
قول أحد من احلنابلة ،فاجتهدت يف بيان القول األقرب للمذهب.
فيها َ
-6مل أقصد يف هذا البحث الرتجيح يف هذه املسائ اخلالفية ملعرفة الصحيح
أهال لذلكً ،ل سيما وقد ترك الرتجيح فيها األكابر يف معرفة
يف املذهب؛ ألين لست ا
املذهب كابن مفلح واملرداوي والفتوحي والبعلي ،ومث هذه املسائ حتتاج ل ى ي
عامل
أمضى عمره يف دراسة أصول املذهب وفروعه ،ولمنا قصدت األخذ من أقواهلم ومن
أقوال غريهم من احملققني يف املذهب ملعرفة القول األقرب ل ى أصول املذهب وقواعده
قدر اإلمكان.
سادسًا :خمطط البحث.
وقد قسمت البحث على مقدمة ،وأربعة مباحث ،وخامتة ،وهي:
املقدمة.
املبحث األول :ترمجة خمتصرة عن املؤلف ،وبيان منهجه ومصطلحاته يف
كتابه «خمتصر التحرير».
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
31
املبحث الثاين :املسائل اليت قال فيها املؤلف« :يف َو ْجه».
املبحث الثالث :املسائل اليت قال فيها املؤلف« :يف قول».
املبحث الرابع :املسائل اليت قال فيها املؤلف« :على قول».
اخلامتة:
وفيها أهم النتائج والتوصيات.
02
املبحث األوَّل :ترمجة خمتصرة عن املؤلف ،وبيان منهجه ومصطلحاته يف
كتابه «خمتصر التحرير»
وفيه مطلبان:
املطلب األوَّل :ترمجة خمتصرة عن املؤلف
هو :حممد بن أمحد بن عبد العزيز ال ُفتوحي ،تقي الدين ،القاضي أبو بكر بن
شهاب الدين الشهري بـ ـ ـ «ابن النجار».
ولد ابلقاهرة سنة (828هـ) ،وتشأ هبا يف أسرة عرفت ابلعلم ،فأخذ الفقه
واألصول وغريه عن مجلة من أه العلم ،أبرزهم :والده .وقد اتتهى لليه -بعد والده
،والرائسة فيه .وأخذ عنه مجلة من أه العلم ،من -معرفة فقه اإلمام أمحد
أشهر مصنفاته« :منتهى اإلرادات» وشرحه ،و«خمتصر التحرير» وشرحه .وقد تويف
ابلقاهرة سنة (274ه)(.)1
املطلب الثاني :بيان منهج املؤلف ومصطلحاته يف كتابه «خمتصر التحرير»
لن معرفة منهج مؤلف ما يف كتاب له ،لما ابلرجوع ل ى تصريح مؤلفه ابملنهج
اتما
الذي سار عليه فيه وهو الغاية ،ولما ابًلستقراء لكالمه ،واًلستقراء قد يكون ًّ
انقصا ،والكتاب حم البحث -وهو خمتصر التحرير -من الكتب اليت
وقد يكون ا
( )1ينظر :عبد القادر اجلزيري ،الدرر الفرائد املنظمة ،ت :اجلاسر (ن :دار اليمامة ،الرايض ،ط:
ُ
1281 ،1م) .)1882-1884/4( ،ابن محيد ،السحب الوابلة ،ت :بكر أبو زيد وعبد
الرمحن العثيمني (ن :مؤسسة الرسالة ،ط4117 ،1 :م) .)888 - 882/4( ،خري الدين
الزركلي ،األعالم (ن :دار العلم للماليني ،ط4114 ،8 :م).)6/6( ،
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
03
صرح مؤلفه مبنهجه يف أتليفه ،فقد تص الفتوحي يف مقدمة خمتصره بقوله( :فَـ َه َذا
ول ي
الف ْق يه، ول» ييف أُص ي يب يعْل يم األُص يول ،وَهتْ يذ يي ي
ُ ُ صٌر ُْحمتَو َعلَى َم َسائ ي َ « :حت يري ير الْ َمْنـقُ َخمُْتَ َ
احلْنـبلي يي تَـغَم َده هللا تَـع َ ي ي ي ي ي
َس َكنَهُ ا ى بيَر ْمحَتهَ ،وأ ْ ُ ُ َ مجَْ يع الشْي يخ الْ َعال َمة َع َالء الدي ين الْ َمْرَدا يو يي َْ َ
َقو يالَ ،خال يم ْن فَ يسيح جنتي يه :يمما قَدمهُ ،أو َكا َن َعلَْي يه ْاألَ ْكثَـر يمن أ ْ ي
َص َحابنَاُ ،دو َن األ َ ُ ْ َ َ َ
فَ ،ويم ْن َعْزيو َم َقالَ ،ل ى َم ْن لايهُ قَ َيد علَى مع يرفَ ية اخليَال ي ي ي
الَ .وَم ََت قَول َاثن لًل ل َفائ َدة تَ يز ُ َ َ ْ
ف أَ يو اخليَال ُ
ي ْ ي ي
ت« :يف َو ْجه»؛ فَالْ ُم َقد ُم َغ ْريُهَُ .و«يف» ،أ َْو « َعلَى قَول» ،فَإذَا قَ يو َ
قُـْل ُ ي
ص يرح ي ي الرتيجيح ،أَو َم َع لطْ َال يق ال َقولَ ْ ي
ني ،أَ يو األَْقـ َوال ،ل ْذ َملْ أَطل ْع َعلَى ُم َ ف ْ ُ اختَـلَ َ
ْ
يح)(.)1 ص يح ييابلت ْ
وحم البحث هنا هو معرفة منهجه يف حترير املذهب وطرق ترجيحه بني
األقوال ،ومصطلحاته فيها ،وبيان الراجح من األقوال يف املسائ اليت أطلق اخلالف
فيها دون ترجيح.
فأما منهجه يف الرتجيح ،فقد بينه املؤلف يف أمرين:
-1أته منت اقى يمما قَد َمهُ املرداوي من األقوال اليت يف املسألة.
مؤخرا
-2أن يكون القول عليه األكثر من أَصحابنا .وظاهره :ولو كان القول ا
يف كتاب (حترير املنقول للمرداوي)(.)4
(وَم ََت قـُْلت« :ييف
وأما مصطلحاته فيه؛ فقد ذكرها مع بيان قصده فيها بقولهَ :
ف ،أَ يو اختـلَف ي اخليَال ُ ي ي
يح،
الرتج ُ
َْ َ ْ ي ْ َو ْجه» :فَالْ ُم َقد ُم َغ ْريُهَُ .و«يف أ َْو َعلَى قَـ ْول» ،فَإ َذا قَ يو َ
(( )1ص.)112-111
( )4ينظر :حممد ابن عثيمني« ،شرح خمتصر التحرير»( ،ط4111 ،1 :م)( ،ص.)18
00
ص يح ي
يح)(.)1 ي ي أ َْو َم َع لطْ َال يق الْ َقولَ ْ ي
ص يرح يابلت ْ
ني ،أَ يو ْاألَْقـ َوال ،ل ْذ َملْ أَطل ْع َعلَى ُم َ ْ
وعليه؛ فمَت قال« :ييف َو ْجه» :فَالْ ُم َقد ُم غريه ،أي املعتمد يف املذهب غري ما
قال :لته كذا يف وجه ،أي أن الراجح خالف القول الذي ذكره يف املسألة ،فإذا قال:
حيد(.)4
حيد يف وجه ،فمعناه :أن الصحيح أته ُّ
العلم ًل ُّ
ولذا قال« :يف قول» أَو «على قول» ،فمعناه أحد ثالثة أمور(:)1
األول :أن اخلالف يف املسألة قوي(.)2
الثاين :أته اختلف الرتجيح فيها بني األصحاب(.)8
=
قاله األصحاب عند املصنف).
( )1استعمال هذه املصطلحات غري معهودة يف كتب األصول ،بينما هي مشهورة يف كتب الفقه.
ينظر مثاًل لذلك :ابن مفلح ،الفروع .6/1املرداوي ،اإلتصاف .8/1
( )4أقول لع :املؤلف عدل عن قوله «يف قول» ل ى «على قول» يف هذا املوضع؛ ألته أورده عند
الكالم على معىن حرف «يف» ،فن اسب يف الصياغة أن يعدل عنها؛ لكي ًل يتكرر حرف
كثريا يف موضع واحد ،أو قد يوهم ذلك :أته يريد بيان املعىن ًل أته حيكي اخلالف.
«يف» ا
وهللا أعلم.
01
املبحث الثاني :املسائل اليت قال فيها املؤلف« :فِي وَجْهٍ»
تقدم أن من مصطلحات املؤلف يف كتابه خمتصر التحرير قوله« :ييف َو ْجه»،
ويعين به :أن امل َقدم غريه ،أي املعتمد يف املذهب غري ما قال :أته كذا يف وجه ،أي
ُ
أن الراجح خالف القول الذي ذكره يف املسألة( .)1ويف هذا املبحث حصر جلميع
املسائ اليت قال فيها يف خمتصره يف «ييف َو ْجه» ،وهي مخس مسائ ،بياهنا فيما أييت:
املسألة األوىل :حّ العلم.
قال الفتوحي يف خمتصره (ص( :)112الْعيْل ُمً :ل ُحيَ ُّد «ييف َو ْجه»).
املسألة :ه العلم له حد مييز به أم ًل؟
حيد( ،)4فقد قال يف
تص املؤلف يدل على :أن الصحيح يف املذهب أته ُّ
شرحه ...( :فالصحيح عند أصحابنا واألكثر :أنه حيد .وهلم يف حده عبارات.
جازما مطاب اقا")(.)1
متييزا ا
و"املختار منها أن يقال" :هو صفة مييز املتصف هبا ...ا
املسألة الثانية :حكم التكليف عدقلًا مبا ال يطاق.
وم بييه :في ْع ٌ بي َشْر يط ْلم َكاتيهي.
قال الفتوحي يف خمتصره (صَ ( :)172والْ َم ْح ُك ُ
ص ُّح يمبُ َحال ليغَْيريهيً ،ل لي َذاتييه َو َع َادةا ،لًل َع ْق اال «ييف َو ْجه»).
فَـي ي
َ
عقال التكليف بفع حمال لذاته أو عادة؟ املسألة :ه يصح ا
( )1حممد بن مفلح« ،أصول الفقه» ،ت :فهد الس َد َحان( ،ن :مكتبة العبيكان ،ط1222 ،1 :م)،
(.)486 :1
( )4ينظر :آل تيمية« ،املسودة يف أصول الفقه» ،ت :حممد حميي الدين عبد احلميد( ،ن :مطبعة
املدين ،وصورته دار الكتاب العريب)( ،ص.)72
( )1ينظر :أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية« ،جمموع الفتاوى» ،ت :عبد الرمحن ابن قاسم( ،ن :جممع
امللك فهد ،املدينة النبوية ،تشر1228 :م) (.)271-271 :8
( )2الفتوحي ،شرح الكوكب املنري ( .) 286 :1وينظر :سليمان بن عبد القوي الطويف« ،شرح خمتصر
الروضة» ،ت :عبد هللا الرتكي( ،ن :مؤسسة الرسالة ،ط1287 ،1 :م)( ،ص.)26-28
01
املستحي العقلي ،وهذا ما فسره به البعلي بقوله( :وًل يصح عند األكثر التكليف
عقال» يعين لذاته ،فيجوز
مبحال لذاته ...وًل ابحملال عادة « ...لًل» احملال « ا
التكليف به «يف وجه» ،وعليه مل يصح عند األكثر)( .)1ويقوي هذا املعىن :أن
ص ُّح يمبُ َحال ليغَْيريهي ،ال
املؤلف كتب العبارة خبطه يف النسخة الثاتية للمنت هكذا( :فَـي ي
َ
قال أو عاد ًة ،وعلى القول به ،مل يقع) ،مث أعاد صياغتها يف النسخة األخرية لِ َذاتِِه ع ً
له ل ى ما هو مثبت.
عقال بفع حمال عادة.
-3أن اخلالف يف املذهب وقع يف حكم التكليف ا
عقال ابحملال لذاته ،ويبقى اخلالف يف
فيكون اًلتفاق يف الرتجيح على عدم التكليف ا
احملال عادة عقالا ،فأجازه اآلمدي ومجع ،ومنعه األكثر .وهذا قد يفهم من قول
الفتوحي( :وقال اآلمدي ،ومجع من العلماء :جيوز التكليف ابحملال عادة ،ومل يستثنوا
عقال» ،ول ى هذا القول أشري يف املنت بقوله «يف وجه»)( .)4ويدل
«لًل» احملال « ا
كالزِم ِن العاجز عن املشي واألعمى
لذلك قول ابن تيمية( :وأما العاجز عن الفعل َّ
العاجز عن النظر وحنو ذلك ،فهؤًلء مل يكلفوا مبا يعجزون عنه ،ومث هذا التكليف
عقال:
اقعا يف الشريعة ابتفاق طوائف املسلمني ...وأما جواز هذا التكليف ا
مل يكن و ا
عقال طائفة من املثبتة للقدر من أصحاب أيب
فأكثر األمة تفت جوازه مطل اقا ،وجوزه ا
احلسن األشعري ،ومن وافقهم من أصحاب مالك والشافعي وأمحد؛ كابن عقيل
عمدا .وقال يف شرحه ...( :ما ًل خي بصدقه فيما دلت عليه املعجزة فهو معصوم
ا
لمجاعا ...وكذا هو معصوم من فع ما يوجب خسة أو لسقاط
فيه من وقوع كبرية ا
سهوا؛ ففيه قوًلن :أحدمها :وهو قول
عمدا) مث قال( :وأما جواز وقوع ذلك ا
مروءة ا
القاضي من أصحابنا واألكثر أنه جيوز ذلك ...والقول الثاين :وهو املشار لليه
سهوا ،وهو قول ابن أيب موسى)(.)1
سهوا» أته ًل جيوز ذلك عليه ا
بقوله «ويف وجه :ا
سهوا ...فيه قوًلن :فعند القاضي
وقد سبقه املرداوي ل ى ذلك بقوله( :فعله ا
-من أصحابنا -واألكثر جيوز ذلك .)4()...
املسألة الرابعة :من قال لرجعية «طَلَّدقْتُكِ» ،وادعى اإلخبار عن الطالق
املاضي ،فهل تطلق أم ال؟
ت. ال ليرجعيية" :طَل ْقتُ ي
ك" .طَلُ َق ْ (و ْلو قَ َ َ ْ قال الفتوحي يف خمتصره (صَ :)412
و«ييف وجه» :ولي ين ادعى م ي
اضياا). َ َْ َ َ َ
ك" ،وقصد اإلخبار بذلك املسألة :من قال لزوجته املطلقة طالقاا رجعيًّا "طَل ْقتُ ي
ًل اإلتشاء ،فه تطلق أم ًل؟
بني املؤلف يف شرحه( :)1أن الصحيح يف املذهب أهنا تطلق؛ ألته لتشاء ،ولو
قال أردت اإلخبار بذلك( ،)2فقال«( :ولو قال لرجعية :طلقتك ،طلقت» على
املسألة اخلامسة :من أقسام عّم التأثري -يف قوادح العلة -عّمه
يف األصل.
َص ِل؛ َكـَ « :مبي ٌ
يع َغ ْريُ قال الفتوحي يف خمتصره (صَ ...( :)141و َع َد ُمهُ ِيف ْاأل ْ
َمْرئيي ،فَـبَطَ َ َكالط ْيري ييف ا ْهلََو ياء» .فَالْ َع ْج ُز َع ين الت ْسليي يم ُم ْستَ يق َ .ويـُ ْقبَ ُ« :ييف َو ْجه»).
املسألة :ه يقب القدح يف العلة بعدم التأثري يف األص أم ًل؟
تص املؤلف يدل على :أن الصحيح يف املذهب عدم قبول القدح يف العلة
بعدم التأثري يف األص ،قال يف الشرح( ...( :)1والقسم الثاين من أقسام عدم التأثري
«عدمه يف األص » :أبن يستغىن عنه بوصف آخر لثبوت حكمه بدوته) ل ى أن قال:
(ويقب القدح بعدم التأثري يف األص «ييف َو ْجه» ،قال ابن مفلح وغريه :وقبوله ورده
مبين على تعلي احلكم بعلتني( .)4ومل يقبله أبو حممد الفخر لمساعي ،بناء على هذا.
وقبله املوفق يف الروضة وغريه).
املبحث الثالث :املسائل اليت قال فيها املؤلف« :يف قولٍ»
أورد الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير مصطلح «يف قول» ( )41مرة ،وقد تص
يف مقدمة الكتاب أن هذا املصطلح يقصد به أحد ثالثة أمور( :)1لما أن يكون
قواي ،أو اختلف الرتجيح فيها بني األصحاب ،أو عند لطالقه
اخلالف يف املسألة ًّ
اخلالف يف املسألة على قولني أو أقوال؛ ألته مل يطلع على قول مصرح ابلتصحيح
قلت :اقتصر ابن مفلح على القول األول فقط( ،)1وقدمه املرداوي يف
تبعا ()4
التحرير ،بينما أطلق الفتوحي اخلالف على قولني دون ترجيح لًل أته صرح -ا
للمرداوي -أبن القول الثاين هو قول األكثر(.)1
املسألة الثانية :من معاني حرف (إذْ).
اس ٌم لي َماض .و«ييف قَـ ْول»:
قال الفتوحي يف خمتصره (ص"( :)181لي ْذ"ْ :
َوُم ْستَـ ْقبَ ).
املسألة :ه من معاين «ل ْذ» أن تكون ظرفاا للزمان املستقب ؟
اخلالف على قولني:
القول األول :قد أتيت ظرفاا للزمان املستقب .وهو قول ابن مالك وطائفة(.)2
القول الثاينً :ل تقع ظرفاا للزمان املستقب .وهو قول األكثر(.)8
قلت :ذكر املرداوي اخلالف يف املسألة دون ترجيح مث بني أن القول الثاين هو
اسم ملاض ظَْرفاا ،...وملستقب ومنعه األكثر)( ،)6لكن ي
قول األكثر ،وتصه"( :ل ْذ"ٌ :
(ً )1ل سيما أن هذه العبارة منقولة بنصها من تشنيف املسامع ( )222/1والغيث اهلامع
(ص ،)128وقد صرحا فيهما أبن القول األول هو األصح.
( )4الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)478/1
( )1وهو قول الرازي وغريه .ينظر :الرازي ،حممد بن عمر« ،احملصول يف علم األصول» ت :طه
العلواين( ،ن :مؤسسة الرسالة ،ط1227 ،1 :م) .)181 :1( ،املرداوي ،التحبري (.)721 :4
( )2وهو قول املعتزلة ومن وافقهم .ينظر :علي بن حممد اآلمدي« ،اإلحكام يف أصول األحكام»،
ت :عبد الرزاق عفيفي( ،ن :املكتب اإلسالمي ،دمشق -بريوت ،ط1214 ،4 :هـ) (:1
.)87املرداوي ،التحبري (.)721 :4
11
للقول األول( ،)1وًل أدري أقصد ترجيحه أم ًل .ورجح الشيخ ابن عثيمني :التفريق
بني الشكر واملعرفة(.)4
املسألة الرَّابعة :أفعال اهلل وأوامره.
ْمة «ييف يي ي (وفي ْعلُهُ تَـ َع َ
ا ى َوأ َْم ُرهًُ :ل لعلة وحك َ قال الفتوحي يف خمتصره (صَ :)186
قَـ ْول»).
املسألة :ه أفعال هللا وأوامره لعلة وحكمة أم ًل؟
القول األول :أهنما ًل لعلة وًل حلكمة .وهو اختيار القاضي أيب يعلى(،)1
وابن الزاغوين ،وحكي عن كثري من أصحابنا ،وغريهم(.)2
القول الثاين :أهنما لعلة وحكمة .وهو اختيار ابن عقي ( ،)8وأيب
اخلطاب(................................................................ ،)6
( )1ينظر :املرداوي ،التحرير (ص .)22الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)111 :1
( )4ينظر :ابن عثيمني ،شرح خمتصر التحرير (ص.)428
( )1ينظر :أبو يعلى حممد بن احلسني الفراء« ،العدة يف أصول الفقه» ،ت :أمحد املباركي( ،بدون
انشر ،ط1221 ،4 :م) .)241 :4( ،أبو يعلى ،املعتمد يف أصول الدين (ص.)117
( )2ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)181-181 :1املرداوي ،التحرير (ص .)111الفتوحي ،شرح
الكوكب املنري (.)114 :1
( )8ينظر :أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية« ،منهاج السنة النبوية يف تقض كالم الشيعة القدرية» ،ت:
حممد رشاد( ،ن :جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،ط1286 ،1 :م)-124 :1( ،
.)121املرداوي ،التحبري (.)781-781 :4
( )6ينظر :املصدرين السابقني.
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
وابن تيمية( ،)1والطويف( ،)4وابن القيم( ،)1وابن قاضي اجلب ،وحكي عن لمجاع
السلف(.)2
قلت :أطلق ابن مفلح واملرداوي والفتوحي القولني يف املسألة دون ترجيح(،)8
لكن الذي قدمه املرداوي( )6هو القول األول ،وًل أدري أقصد به الرتجيح أم ًل.
وتق البعلي يف شرحه( )7القول األول فقط .بينما وصف الشيخ ابن عثيمني القول
الثاين -يف شرحه -أبته الصواب املقطوع به( ،)8ويرجح هذا القول ما تص عليه
ابن تيمية بقوله( :مجهور أه السنة :يثبتون احلكمة يف أفعال هللا تعا ى ،وأته يفع
لنفع عباده ومصلحتهم)( ،)2وقال يف موضع آخر( :الذي عليه السلف واألمة
خطااب(.)1
القول الثاين :أن ًل يسمى ا
قلت :هذا اخلالف يرد على من جع الكالم املعىن النفسي وهي طريقة
األشاعرة ،وتص املرداوي على ذلك( :وهذا جار على رأي األشعرية يف الكالم).
وجع شهاب الدين الكوراين اخلالف بينهم يف هذه املسألة لفظي ،فقال( :اختلف
خطااب أم ًل؟
ا ه يسمى يف أن الكالم يف األزل ،أي :املعىن القدمي القائم بذاته
وهذا حبث لفظي ،لذ هو مبين على تفسري اخلطاب ،فمن فسر اخلطاب بتوجيه
خطااب ،ومن فسره ابلكالم املوجه حنو املتهيئ
ا الكالم حنو الغري لإلفهام ،يسميه
لإلفهام فال)(.)4
أما أه السنة فال يرد عليهم ذلك؛ ألن كالمه أزيل من حيث اجلنس،
حادث من حيث اآلحاد ،واخلطاب آحاد فال يستلزم ي
القدم ،وعليه فال حمذور من
اإلطالقني عند أه السنة؛ ألن آحاد الكالم ليست قدمية( .)1ولذلك قال ابن مفلح
( )1وهو قول أيب بكر الباقالين ،واآلمدي ،وغريمها .ينظر :أبو بكر حممد بن الطيب الباقالين (ت
211هـ)« ،التقريب واإلرشاد (الصغري)» ،ت :عبد احلميد أبو زتيد( ،ن :مؤسسة الرسالة،
بريوت ،ط1228 ،4 :م) ( .)111-422 :4الزركشي ،البحر احمليط ( .)168 :1اآلمدي،
اإلحكام (.)182-181 :1
( )4أمحد بن لمساعي الكوراين (821هـ)« ،الدرر اللوامع يف شرح مجع اجلوامع» ،ت :سعيد اجمليدي،
(ن :اجلامعة اإلسالمية ،املدينة املنورة4118 ،م) ) 111 :1( ،بتصرف يسري .وذهب الزركشي
يف سالس الذهب (ص )26ل ى أن اخلالف ليس لفظيًّا فقال( :وكنت أحسب أن اخلالف
وفرعا ،)...مث ذكر أصلها وفرعها.
أصال ا
لفظي لذلك ،مث ظهر يل :أن هلذه املسألة ا
( )1ينظر :ابن عثيمني ،شرح خمتصر التحرير (ص .) 471 - 462أمحد احلازمي ،شرح خمتصر
أيضا :ابن تيمية ،جمموع الفتاوى
التحرير ،شرح صويت (مفرغ)( ،الشريط :12 :ص .)11وينظر ا
=
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
بعدما أورد املسألة (ولقائ أن يقول :لمنا يصح هذا [أي :اخلالف يف الكالم ه
خطااب يف األزل؟] على قدم الكالم الذي هو القول) قال املرداوي( :وهذا
ا يسمى
الذي قاله يتوجه) ،وعليه فال يرد ذلك على مذهب أه السنة كما تقدم ،والذي
يظهر يل :أن ابن مفلح واملرداوي والفتوحي أوردوا هذه املسألة تنزاًل على ما يذكر يف
كتب األصول( ،)1ويشعر بذلك أهنم مل ينسبوا القولني ألحد من علماء احلنابلة.
املسألة السابعة :ترك امتثال األمر الوارد على أشياء على جهة التخيري.
قال الفتوحي يف خمتصره (صَ ...( :)162ك َما ًل َأيْ َمثُ لَ ْو تَـَرَك َها يس َوى بيَق ْد ير -
س -يع َق ي
اب أ َْد َان َها «ييف قَـ ْول»). ًل تَـ ْف ي
املسألة :لذا أُمر بواحد من أشياء على جهة التخيري؛ كخصال الكفارة ،فَََرت َك
لمجاعا ،ولمنا أيمث على واحد منها فقط ،لكن وقع اخلالف
ا الك ً ،ل أيمث على الك
يف قدره على أقوال:
القول األول :أيمث بقدر عقاب أدانهاً ،ل أته تفس عقاب أدانها .وهو قول
القاضي أيب يعلى(.)4
القول الثاين :يعاقب على تفس األدىن(.)1
=
( )877 :14و(.)412 :18
( )1ينظر :احلازمي ،شرح خمتصر التحرير (الشريط :12 :ص.)11
( )4ينظر :أبو يعلى ،العدة ( .)116 :1آل تيمية ،املسودة (ص.)48
( )1ينظر :الزركشي ،البحر احمليط ( .)488 :1الربماوي ،الفوائد السنية ( .)482 :1املرداوي،
التحبري ( .)822 :4ومل ينسب املرداوي والفتوحي هذا القول ألحد ،والذي تدل عليه عبارة
الزركشي والربماوي :أته قول أكثر الشافعية على خالف بينهم ،وعبارهتم( :يعاقب على األدىن):
=
12
القول الثالث :يثاب على واحد ،وأيمث به .وهو قول أيب اخلطاب( ،)1وابن
عقي ( .)4ومثله هذا القول أو حنوه :ما قي :أيمث على واحد ًل بعينه ،كما هو
واجب عليه(.)1
قلت :وقع اضطراب يف النسخ اخلطية لكتاب التحرير للمرداوي ،فالنص يف
لمجاعا؛ بل
بعضها مشعر بتقدمي القول الثاين وتصها( :ولن ترك الك مل أيمث عليه ا
على أدانها .وقال القاضي ،وأبو الطيب :بقدر عقاب أدانهاً ،ل أته تفسه ،)...
فقوله( :ب على أدانها) :حيتم تفسه وحيتم قدره ،لكن ملا أورد كالم القاضي
جبملة مستقلة أشعران أبته قول آخر يف املسألة ،وهو الذي عليه أكثر النسخة اخلطية
للمنت .ويف بعض النسخة اخلطية للمنت جاء النص فيها هكذا( :ولن ترك الك مل أيمث
لمجاعا؛ ب قال القاضي وغريه :أيمث بقدر عقاب أدانهاً ،ل أته تفسه ،)...
عليه ا
=
فيحتم تفسه أو قدره.
( )1ينظر :أبو اخلطاب حمفوظ الكلوذاين« ،التمهيد يف أصول الفقه» ،ت :مفيد أبو عمشة وحممد بن
علي بن لبراهيم( ،ن :مركز البحث العلمي ولحياء الرتاث اإلسالمي -جامعة أم القرى ،دار املدين
للطباعة والنشر والتوزيع ،ط1288 ،1 :م) .)121-121 :1( ،ابن مفلح ،أصول الفقه (:1
.)414املرداوي ،التحبري (.)822 :4
( )4ينظر :علي بن حممد بن عقي « ،الواضح يف أصول الفقه» ،ت :د .عبد هللا الرتكي( ،الناشر:
مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط1222 ،1 :م) .)84 ،72 :1( ،ابن مفلح ،أصول الفقه (:1
.)414املرداوي ،التحبري (.)822 :4
( )1ذكر هذا القول املرداوي يف املرداوي التحبري ( ،) 822 :4مث أرجعه ل ى عني القول الثالث ،فقال:
(قال أبو اخلطاب ،وابن عقي :يثاب على واحد وأيمث به .وقي :أيمث على واحد ًل بعينه كما هو
واجب عليه ،ولعله قول أيب اخلطاب ،وابن عقي ).
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
13
وهذا يدل على ترجيح القول األول( .)1وهللا أعلم.
املسألة الثامنة :حكم من أنكر حكمًا قطعيًّا.
قال الفتوحي يف خمتصره (ص( :)411و«ييف قَـ ْول» :يَ ْك ُف ُر ُمْن يك ُر ُح ْكم
قَطْعيي) .وقال يف شرحه"( :ويف قول" ابن حامد ومجع" يكفر منكر حكم "لمجاع"
قطعي")(.)4
املسألة :جاحد حكم لمجاع قطعي ،ه يكفر أم ًل؟
اختالف العلماء يف هذه املسألة على ثالثة أقوال:
القول األول :أته يكفر .وهو قول ابن حامد ،ومجع من أصحابنا،
وغريهم( ،)1وحكي عن أكثر العلماء(.)2
القول الثاين :أته ًل يكفر لكن يفسق .وهو قول القاضي أيب يعلى( ،)8وأيب
اخلطاب( ،)6ومجع من احلنابلة وغريهم(.)7
( )1ينظر :املرداوي ،التحرير (ص .)182املرداوي ،التحبري ( :822 :4حاشية.)1 ،1 :
( )4الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)464/4
( )1ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)122ابن مفلح ،أصول الفقه (.)281 :4
( )2ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)282 :4املرداوي ،التحبري (.)1681-1672 :2
( )8ينظر :أبو يعلى ،العدة (.)1111 :2
( )6ينظر :الكلوذاين ،التمهيد (.)424 :1
( )7ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)122املرداوي ،التحبري ( .)1672 :2الطويف ،شرح خمتصر
الروضة (.)117-116 :1
10
القول الثالث :أته يكفر بنحو العبادات اخلمس .وهو قول الطويف(،)1
والكناين( ،)4وهو معىن كالم احلنابلة يف كتبهم الفقهية(.)1
قلت :قال ابن مفلح( :وحكي األول عن أكثر العلماء ،وًل أظن ا
أحدا ًل
يكفر من جحد هذا)( .)2وهلذا رجح املرداوي القول بتكفري منكر احلكم القطعي
املشهور دون اخلفي ،بقوله( :وهلذا وغريه قلنا :واحلق أن منكر اجملمع عليه الضروري،
قطعا ،وكذا املشهور فقطً ،ل اخلفي يف األصح
واملشهور املنصوص عليه :كافر ا
فيهما)( .)8وقد اتبعه الفتوحي على هذا القول يف شرحه( .)6وبناء عليه ،فالذي
يظهر يل :أن الفتوحي أورد اخلالف هنا لقوته ًل لعدم الرتجيح .وهللا أعلم.
( )1ينظر :الطويف ،شرح خمتصر الروضة ( .) 117 :1وقصر كالمه على العامل ،الذي يفرق بني أتواع
اإلمجاع ،ويتصرف يف األدلة .أما العامي فرجح :أته يكفر مطل اقا.
( )4ينظر :أمحد بن لبراهيم بن تصر الكناين« ،بلغة الوصول ل ى علم األصول» ،ت :حممد الفوزان (ن:
دار البشائر اإلسالمية ،بريوت ،ط4112 ،1 :م)( ،ص .)112
( )1ينظر :موفق الدين عبد هللا ابن قدامة« ،املغين» ،ت :عبد اَّلل الرتكي ،عبد الفتاح احللو( ،ن :دار
عامل الكتب ،الرايض ،ط1227 ،1 :م) .)478 :14( ،ابن مفلح ،أصول الفقه (.)282 :4
علي بن سليمان املرداوي« ،اإلتصاف يف معرفة الراجح من اخلالف» ،ت :عبد هللا الرتكي – عبد
الفتاح احللو( ،ن :هجر للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط1228 ،1 :م) .)112 :47( ،حممد بن
أمحد الفتوحى (274هـ)« ،معوتة أويل النهى شرح املنتهى» ،ت :عبد امللك الدهيش ،توزيع:
مكتبة األسدي ،مكة املكرمة( ،ط4118 ،8 :م).)122 :1( ،
( )2ابن مفلح ،أصول الفقه (.)282 :4
( )8املرداوي ،التحبري (.)1681 :2
( )6ينظر :الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)461/4
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
املسألة التاسعة :هل خرب اآلحاد يفيّ العلم أم ال؟
يد :يعْل اما تَظَ يرًّاي.(ويُيف ُ قال الفتوحي يف خمتصره عن خرب اآلحاد (صَ :)411
اد ْاألَئيم ية الْ ُمتـ َف يق َعلَْي يه ْم ،يم ْن يد الظن فَـ َق ْط َولَ ْو َم َع قَ يرينَة؛ لًل ل َذا تَـ َقلَهَُ :
آح ُ َو َغ ْريُهُ :يُيف ُ
ول ،فَالْعيْل َم «ييف قَـ ْول»). طُرق متَسا يوية ،وتُـلُيقي يابلْ َقب ي
ُ ُ َ َ َ َ ُ
املسألة :ه خرب اآلحاد يفيد العلم لذا تقله آحاد األئمة املتفق عليهم من
طرق متساوية وتلقي ابلقبول أم ًل يفيده؟
اخلالف على قولني:
القول األول :أته يفيد العلم .وهو قول القاضي( ،)1وأيب اخلطاب( ،)4وابن
الزاغوين( ،)1وابن تيمية( ،)2وغريهم( ،)8وتسب ل ى أكثر األصوليني(.)6
القول الثاين :أته ًل يفيد العلم .وهو قول ابن عقي (.................... )7
( )1ينظر :أبو يعلى ،العدة ( .)211-211 :1القاضي أبو يعلى حممد الفراء (ت288هـ)« ،لبطال
التأويالت ألخبار الصفات» ،ت :حممد احلمود النجدي( ،ن :دار ليالف الدولية – الكويت،
ط1228 ،1 :م)( ،ص.)118 ،128
( )4ينظر :الكلوذاين ،التمهيد (.)81 :1
( )1ينظر :علي بن عبد هللا الزاغوين« ،اإليضاح يف أصول الدين» ،ت :عصام السيد حممود( ،ن:
مركز امللك فيص ،ط4111 ،1 :م)( ،ص.)177
( )2ينظر :ابن تيمية ،جمموع الفتاوى ( )184-181 :11و( .)487 :41آل تيمية ،املسودة
(ص.)428
( )8ينظر :أبو يعلى ،العدة (.)211-211 :1
( )6ينظر :ابن تيمية ،جمموع الفتاوى (.)184-181 :11
( )7ينظر :ابن عقي ،الواضح ( )462-461 :1و( .)184 :2ابن تيمية ،جمموع الفتاوى (:11
=
11
( )1ينظر :أبو يعلى ،العدة ( .)811 :4آل تيمية ،املسودة (ص.)27
( )4ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص.)27
( )1ينظر :املرداوي ،التحبري (.)4141 :8
( )2ينظر :ابن قدامة ،روضة الناظر (.)8 :4
( )8ينظر :يوسف ابن اجلوزي« ،اإليضاح لقواتني اًلصطالح يف اجلدل واملناظرة» ،ت :حممود الدغيم،
(مكتبة مدبويل( ،)1228 ،ص.)118
( )6ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)722 :4الربماوي ،الفوائد السنية ( .)117 :1املرداوي،
التحبري (.)4142 :8
( )7ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)27ابن مفلح ،أصول الفقه (.)781 :4
11
أوجه مث صحح القول األول( ،)1وهو الذي قدمه املرداوي يف التحرير( ،)4وًل أدري
أقصد ترجيحه أم ًل.
املسألة الثانية عشر :اجلواب غري املستدقل.
ابً :ل الْ ُم ْستَ يق َُّ :اتبي ٌع لي ُس َؤال يف قال الفتوحي يف خمتصره (صَ ( :)421و ْ
اجلََو ُ
وص يه).
ومهي .و«ييف قَـول» :وخص ي
ُ ُ ْ
عم ي
ُُ
املسألة :ه اجلواب غري املستق يتبع السؤال يف خصوصه أم ًل؟
اخلالف على قولني:
القول األول :أن اجلواب غري املستق يتبع السؤال يف خصوصه .وهو قول
القاضي أيب يعلى( ،)1وأيب اخلطاب( ،)2وغريمها(.)8
القول الثاين :أن اجلواب غري املستق ًل يتبع السؤال يف خصوصه .وهو ظاهر
كالم الشافعي وأمحد ،وحكاه اجملد وابن مفلح واملرداوي عن األصحاب(.)6
قلت :الذي يظهر أن القول الثاين هو املقدم يف املذهب ،وهو القول ابلتعميم،
؛ يدل لذلك قول اجملد ابن تيمية عن هذا القول( :قلت :وهذا ظاهر كالم أمحد
يصلني أحد العصر إال يف بِن قريظة» ،فأدرك بعضهم العصر يف
َّ األحزاب « :-ال
الطريق ،فقال بعضهمً :ل تصلي حَت أنتيها ،وقال بعضهم :ب تصلي ،مل يُرد منا
احدا منهم(.)1
ذلك ،ف ُذكر للنيب ،فلم يعنف و ا
فاخلالف وقع بني الصحابة يف فهم هذا النص ،وك طائفة فعلت ما أدى
لليه اجتهادها ،وفي ْع الفريقني يرجع ل ى ختصيص العموم ابلقياس وعدمه( ،)4وقد
اختلف أه العلم بعدهم يف أيهما أصوب على قولني:
القول األول :أن األصوب من صلى يف الطريق يف الوقت .وهو ما ذهب لليه
ابن تيمية( ،)1وابن رجب(.)2
والقول الثاين :أن األصوب من صلى يف بين قريظة بعد الوقت(.)8
قلت :قال شيخ اإلسالم ابن تيمية عن هذه املسألة( :وهي مسألة اختلف
احلاجة ،فإن استلزم احلم أتخري بيان عن وقت احلاجة ،فه ُحيم اللفظ املطلق يف
لثبات على الكام الصحيح أم على لطالقه؟
اخلالف على قولني:
القول األول :أته حيم املسمى يف لثبات ً -ل تفي -على الكام
الصحيحً ،ل على لطالقه .وهو قول بعض حمققي أصحابنا(.)1
والقول الثاين :أن اللفظ املطلق حيم على لطالقه .وهو قول بعض احملققني
من أصحابنا وغريهم(.)4
قلت :قدم املرداوي يف كتابه التحرير القول الثاين( ،)1وقد صرح البعلي بذلك
يف قوله( :وقدمه صاحب األص )( ،)2يعين :املرداوي .بينما اقتصر ابن مفلح يف
أصوله( )8على القول األول فقط .وقد كتب الفتوحي يف تسختيه اخلطيتني ملنت
( )1ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)22ابن تيمية ،جمموع الفتاوى ( .)126-128 :41ابن مفلح،
أصول الفقه ( .)226 :1ابن اللحام ،القواعد والفوائد األصولية ( .)1121 :4املرداوي ،التحبري
( .)4724 :6الفتوحي ،شرح الكوكب املنري ([ .)212 :1من القائلني به :اجملد ابن تيمية .كما
يف املسودة].
( )4ينظر :ابن اللحام ،القواعد والفوائد ( .)1121 :4املرداوي ،التحبري ( .)4724 :6الفتوحي،
شرح الكوكب املنري ([ .) 212 :1لع من القائلني به :شيخ اإلسالم ابن تيمية .ينظر :جمموع
الفتاوى (.])126-128 :41
(( )1ص .)418وينظر :املرداوي ،التحبري (.)4724 :6
( )2البعلي ،الذخر احلرير (ص.)881
(.)226 :1( )8
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
خمتصر التحريرً( :ل على لطالقي يه« :يف وجه») بدل (يف قول)( ،)1وقد صرح يف
مقدمة خمتصره بقوله( :ومَت قلت« :يف وجه» فاملقدم غريه)( .)4فعلم منه :أته كان
يرجح القول الثاين ،مث يف النسخة األخرية اليت فيها الشرح َع َد َل عن قوله (يف وجه)
ل ى (يف قول) ،فيحتم :أته قصد لطالق اخلالف دون ترجيح ،أو قصد قوة اخلالف
ًل عدم الرتجيح ،ولع اًلحتمال الثاين -وهو قوة اخلالف -هو األقرب ملا سبق
من قرائن .وهللا أعلم.
املسألة اخلامسة عشر :من شروط العلة.
(وأَ ْن
قال الفتوحي يف خمتصره (ص - )426عند كالمه على شروط العلة َ :-
صيص). ًل تَـريجع علَي يه إبييبطَال .و«ييف قَـول» :وًَل بيتَخ ي
ْ َ ْ ْ َ َْ ْ
املسألة :ه من شروط العلة :أن ًل تعود على حكم األص الذي استنبطت
منه بتخصيص ،أم ليس ذلك من شرطها؟ للعلماء يف ذلك قوًلن(.)1
قلت :أطلق ابن مفلح واملرداوي والفتوحي اخلالف يف ذلك دون ترجيح أو
تقدمي ألحد القولني على اآلخر ،ودون عزو لقائله(.)2
وقد تق املرداوي قول الربماوي( )8يف هذه املسألة ما تصه( :وأما عودها
( )1ينظر :الفتوحي ،خمتصر التحرير (ص .)461أما النسخة اخلطية للشرح فهي (يف قول).
( )4املصدر السابق (ص.)112
( )1ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)1421 :1املرداوي ،التحبري ( .)1466 :7الفتوحي ،شرح
الكوكب املنري (.)84 :2
( )2ينظر :املصادر السابقة.
( )8الربماوي ،الفوائد السنية (.)261/2
11
بتخصيص النص ،فللشافعي فيه قوًلن مستنبطان يمن اختالف قوله يف تقض الوضوء
{ :ﯤ ﯥ ﯦ} مبس احملارم .ففي قول :ينقض؛ متس اكا ابلعموم يف قوله
تظرا ل ى َك ْون امللموس مظنة
[سورة النساء .]43:ويف قول وهو الراجحً :ل ينقض؛ ا
لالستمتاعً ،لسيما لذا فُسرت املالمسة يف اآلية ابجلماع؛ فعادت العلة على عموم
النساء ابلتخصيص بغري احملارم .ومثله :حديث «النهي عن بيع اللحم ابحليوان»(:)1
شام للمأكول وغريه ،والعيلة فيه -وهو معىن الراب -تقتضي ختصيصه ابملأكول؛
ألته بيع يربَ يوي أبصله ،فما ليس بي يربَ يوي ًل مدخ له يف النهي؛ فلذلك جرى
للشافعي قوالن يف بيع اللحم ابحليوان غري املأكول ،مأخذمها ذلك).
مث قال املرداوي بعد هذا النق ( :قلت :وألصحابنا يف ك من املسألتني
قوًلن ،والصحيح النقض مبس احملارم ،وصحة البيع يف بيع اللحم ابحليوان
مطل اقا(.)1()4
ومفهوم كالم املرداوي يدل على عدم ترجيحه يف املسألة ،وكذا تق هذا النص
( )1أخرجه :مالك بن أتس (172هـ)« ،موطأ اإلمام مالك» ،رواية :أيب مصعب الزهري املدين ،ت:
بشار عواد -حممود حممد خلي ( ،ن :مؤسسة الرسالة – بريوت ،ط1221 ،1 :م):4( ،
.)66-62 :688
مأكوًل كان أو ًل فال لشكال .أما لذا قصد أته
ا ( )4قوله (مطل اقا) :لذا مح على غري جنسه
يشم من جنسه ومن غري جنسه ،فهذا خمالف ملا قرره يف «اإلتصاف» ()21-21 :14
و«التنقيح املشبع» (ص ) 442وغريمها :من أن املذهب أته ًل يصح بيع حلم حبيوان من
جنسه ،ويصح بغري جنسه .وهللا أعلم.
( )1املرداوي ،التحبري (.)1466 :7
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
خمتصرا -الفتوحي يف شرحه ( )81-84/2دون ترجيح .وهللا أعلم.
-ا
املسألة السادسة عشر :الدقول باملوجب يف اإلثبات.
السؤ ُال عن َزَكاةي ي قال الفتوحي يف خمتصره (ص( :)116فَـيج ي ي
اب :ب َالم الْ َع ْهدَ ،و ُّ َ َ ْ
َُ ُ
السويم ،وي ي
ص ُّح «ييف قَـ ْول»). ْ ََ
وجب( )1يف اإلثبات ،فقال«( :اخلي املسألة :ضرب املؤلف ا
مثاًل للقول ابلْ ُم َ
حيوان يسابق عليه ففيه الزكاة كإب » .فيقال مبوجبه يف زكاة التجارة ،أي مبوجب
وجوب الزكاة يف اخلي لذا كاتت للتجارة .والنزاع :يف زكاة العني ،ودليلكم :لمنا أوجب
قوًل ابملوجب .فيجاب:
الزكاة يف اجلملة ،فإن ادعى أته أراد زكاة العني ،فليس هذا ا
بالم العهد؛ ألن العهد مقدم على اجلنس والعموم ،والسؤال عن زكاة السوم ،فالعلة
ليست مناسبة لزكاة التجارة لمنا املناسب املقتضي هو النماء احلاص )(.)4
فهذا املثال وقع فيه اخلالف على قولني:
القول األول :أته ًل يصح .وهو اختيار أيب اخلطاب( ،)1وابن عقي (.)2
( )1القول ابملوجب وهو أحد قوادح العلة :هو تسليم مقتضى الدلي مع بقاء النزاع[ .ينظر :الفتوحي،
خمتصر التحرير (.])118
( )4الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)122-128 :2
( )1ينظر :الكلوذاين ،التمهيد ( .)188- 187 :2املرداوي ،التحبري (.)1681-1684 :7
( )2ينظر :ابن عقي ،الواضح ( .)467 :4ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)1217 :1املرداوي ،التحبري
(.)1681-1684 :7
11
والقول الثاين :أته يصح .وهو اختيار املوفق ابن قدامة( ،)1وغريه(.)4
قلت :أطلق ابن مفلح واملرداوي والفتوحي اخلالف يف هذه املسألة دون ترجيح
ألحد القولني( ،)1لكن الذي قدمه املرداوي هو القول األول( ،)2وًل أدري أقصد
ترجيحه أم ًل؟
معنى تعبّه بشرع من قبله. املسألة
قال الفتوحي يف خمتصره (ص( :)128فَـ ُه َوَ :شْرعٌ لَنَا َما َملْ يـُْن َس ْخَ .وَم ْعنَاهُ «ييف
قَـ ْول» :أَتهُ ُم َوافي ٌقً ،ل ُمتَابي ٌعَ .ويـُ ْعتََربُ «ييف قَـ ْول» :ثـُبُوتُهُ قَطْ اعا).
هذا النص فيه مسألتان:
املسألة األوىل :أن الصحيح من املذهب أن النيب كان متعب ادا بشرع من
شرعا لنا ما مل يرد يف شرعنا ما
قبله قب البعثة وبعدها ،فيكون شرع من قبلنا ا
ينسخه( ،)8لكن وقع اخلالف يف معناه على قولني:
موافق لشرع من قبله ًل متابع له ،أي يلزمنا أحكامه من القول األول :أته
( )1ينظر :ابن قدامة ،روضة الناظر ( .) 111-111 :4ابن مفلح ،أصول فقه (.)1217 :1
املرداوي ،التحبري (.)1681-1684 :7
( )4ينظر :الطويف ،شرح خمتصر الروضة (.)864-861 ،-887 :1
( )1ينظر :ابن مفلح ،أصول فقه ( .)1217-1216 :1املرداوي ،التحبري (.)1684-1681 :7
الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)122-128 :2
( )2ينظر :املرداوي ،التحرير (ص.)111
( )8ينظر :ابن عقي ،الواضح ( .)182 :2املرداوي ،التحبري ( .)1778 :8الفتوحي ،شرح الكوكب
املنري (.)214 :2
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
حيث لته صار شريعة لنبينا؛ ًل من حيث كان شريعة ملن قبله .وهو رأي القاضي أيب
يعلى( ،)1وغريه(.)4
والقول الثاين :أته شرع مل ينسخ ،فيعمنا لفظاا .قال به القاضي أبو يعلى
أيضا( ،)1وأبو حممد البغدادي( .)2قال ابن تيمية( :على هذا يكون ثبوته يف حقنا
ا
لما لشمول احلكم لفظاا ،ولما ابلعق بناء على أن األص تساوى األحكام)(.)8
قلت :قال ابن تيمية عن القول الثاين( :هذه الطريقة فيها تظر)( .)6وقد أورد
ابن مفلح واملرداوي والفتوحي والبعلي القولني يف املسألة دون ترجيح(.)7
املسألة الثانية :ه يعترب يف حجية شرع من قبلنا ثبوته بدلي قطعي أم ًل؟
اخلالف على قولني(:)8
( )1ينظر :أبو يعلى ،العدة ( .)781 :1ينظر :الكلوذاين ،التمهيد (.)216 ،211-211 :4
املرداوي ،التحرير (ص.)148
( )4ينظر :الربماوي ،الفوائد السنية ( .)168 :8املرداوي ،التحبري (.)1778 :8
( )1ينظر :أبو يعلى ،العدة ( .)761- 761 :1آل تيمية ،املسودة (ص .)188ابن مفلح ،أصول
الفقه ( .)1221 :2املرداوي ،التحبري (.)1778 :8
( )2يف جدله .ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)186املرداوي ،التحبري (.)1778 :8
( )8ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)186ابن تيمية ،املستدرك على جمموع الفتاوى (.)114 :4
( )6ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)188ابن تيمية ،املستدرك على جمموع الفتاوى (.)114 :4
( )7ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)1221 :2املرداوي ،التحبري ( .)177 :8الفتوحي ،شرح
الكوكب املنري ( .)211 :2البعلي ،الذخر احلرير (ص.)786
( )8ينظر :املرداوي ،التحبري ( .)1772 :8الفتوحي ،شرح الكوكب املنري ( .)211 :2البعلي،
الذخر احلرير (ص.)787-786
11
قطعا؛ لما بكتاب ،أو خبرب الصادق، القول األول :يعترب ثبوت كوته ا
شرعا هلم ا
أو بنق متواتر ،فأما الرجوع لليهم ،أو ل ى كتبهم فال .وقد أومأ ل ى هذا اإلمام أمحد،
وهو قول القاضي أيب يعلى( ،)1وابن عقي ( ،)4وغريمها(.)1
القول الثاين :أته يثبت ا
أيضا أبخبار اآلحاد عن تبينا .وهو قول ابن تيمية
وغريه(.)2
)(.)8 قلت :قال ابن تيمية( :الصحيح أته يثبت أبخبار اآلحاد عن تبينا
وقد أطلق ابن مفلح واملرداوي والفتوحي اخلالف دون ترجيح ألحد القولني يف
املسألة( ،)6واقتصر البعلي يف املسألة على ليراد القول األول فقط( .)7وهللا أعلم.
:حكم املدقلّ؟ وإذا حكم حبكم خيالف مذهب إمامه؟ املسألة
ْم ُم َقليد. ي ي
(ويَص ُّح «يف قَـ ْول»ُ :حك ُ قال الفتوحي يف خمتصره (صَ :)182
ب َلم يام يه .و«ييف قَـ ْول»ُ :خمَالََفةُ الْ ُم ْف ييت تَص ويـْنـ َقض «ييف قَـول» :ما خالَ ي ي
ف فيه َم ْذ َه َ
ْ َ َ َ َُ ُ
َلم يامهي؛ َك ُم َخالََف ية تَ ي
ص الشا يريع).
( )1اآلمدي ،اإلحكام ( .)412 :2وينظر :الغزايل ،املستصفى (ص .)168ابن مفلح ،أصول الفقه
( .)1814 :2املرداوي ،التحبري (.)1278 :8
( )4ينظر :آل تيمية ،املسودة (ص .)817ابن القيم ،لعالم املوقعني (.)86 :4
( )1الفتوحي ،شرح الكوكب املنري (.)871/2
( )2ينظر :ابن القيم ،لعالم املوقعني ( .)86 :4املرداوي ،التحبري ( .)2172 :8الفتوحي ،شرح
الكوكب املنري ( .)861 :2الفتوحي ،معوتة أويل النهى (.)412 :7
12
( )1ينظر :أمحد بن محدان احلراين« ،صفة املفيت واملستفيت» ،ت :أبو جنة احلنبلي( ،ن :دار
الصميعي ،الرايض ،ط4118 ،1 :م) (ص .)178-172املرداوي ،التحبري (- 1278 :8
.)1272
( )4ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)1811 :2املرداوي ،التحبري (.)1278 :8
( )1ينظر :الغزايل ،املستصفى (ص .)168اآلمدي ،اإلحكام ( .)412 :2ابن مفلح ،أصول الفقه
( .)1814 :2املرداوي ،التحبري (.)1278 :8
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
13
صحة حكم املقلد ،ولذا حكم فهو من ابب اإلخبار ًل الفتوى ،فإذا خالف حكمه
قول لمامه فينقض حكمه .وهللا أعلم.
املسألة الثانية والعشرون :هل يدقال لنيب وجمتهّ -وعامي
ٍّ عدقالً -
«أخرب فإنك ال خترب إال بصواب»؟
(جيوز أَ ْن يـ َق َ ي
ال لنَييب َوُْجمتَ يهدْ « :
اح ُك ْم قال يف الفتوحي يف خمتصره (صُ ُ َُ :)186
ك ًل ُختْيربُ ليًل ي ي ي ي
َخي ْرب ،فَيإت َ
اب» َ ،...ول َعامي َع ْق اال ،و«ييف قَـ ْول»َ « :وأ ْ
ص َو ٌ
ت فَـ ُه َو َ
مبَا شْئ َ
ص َواب»). ي
بَ
املسألة :جيوز أن يقال لنيب وجمتهد «احكم مبا شئت فهو صواب» ،وكذا
عقال:-
شرعا ،-لكن ه جيوز أن يقال لنيب ،وجمتهد ،وعامي -ا
لعامي عقالا ً-ل ا
«أخرب فإتك ًل خترب لًل بصواب»؟(.)1
اخلالف على قولني:
القول األول :جيوز أن يقال له ذلك .وهو قول القاضي أيب يعلى( ،)4وابن
عقي (.)1
القول الثاينً :ل جيوز أن يقال له ذلك .وهو قول أيب اخلطاب الكلوذاين(.)2
قلت :ظاهر كالم ابن مفلح ترجيح القول األول؛ ألته تعقب قول أيب اخلطاب
( )1ينظر :اآلمدي ،اإلحكام ( .)412 ،412 :2ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)1842 :2املرداوي،
التحبري ( .)2111 :8البعلي ،الذخر احلرير (ص.)846
( )4ينظر :أبو يعلى ،العدة (.)1888- 1887 :8
( )1ينظر :ابن عقي ،الواضح (.)218 :8
( )2ينظر :الكلوذاين ،التمهيد (.)177- 176 :2
10
املرداوي()1 ومل يتعقب القول األول( .)1وقدم املرداوي القول األول( ،)4وتق
()2
ب ابن مفلح دون التعليق عليه ،فدل ظاهر صنيعهما :أهنما والفتوحي تَـ َع ُّق َ
يرجحان هذا القول .وهللا أعلم.
املسألة الثالثة والعشرون :أيهما يدقّم عنّ التعارض التنبيه أم النص؟
(وتَـْنبييهٌ(َ :)8كنَص «ييف قَـ ْول»).
قال الفتوحي يف خمتصره (صَ :)172
املسألة :أيهما يقدم عند التعارض يف املنت التنبيه أم النص؟ على قولني(:)6
القول األول :التنبيه مث النص أو أقوى منه .وهو قول ابن تيمية(.)7
القول الثاين :يقدم النص على التنبيه .وهو قول أيب اخلطاب(.)8
قلت :والقول األول هو الذي اقتصر عليه املرداوي يف «التحرير»( )2ومل يشر
أيضا :البعلي يف
فيه ل ى القول الثاين ،مما يدل على ترجيحه له .واقتصر عليه ا
قلت :والقول األول هو الذي اقتصر عليه ابن مفلح يف أصوله( ،)1واملرداوي
يف «التحرير»( ،)4فلم ينقال القول الثاين.
وقدم املرداوي يف شرحه( )1القول الثاين -عند الكالم على أوجه ترجيح أحد
األصلني على اآلخر يف القياس -وتقدميه له هو املوافق ملا ذهب لليه -يف أول ابب
الرتجيح والتعارض -يف التحرير وشرحه( )2عند كالمه على األدلة :أته يقدم دلي
اإلمجاع على الكتاب والسنة وغريمها؛ لوجهني:
معصوما من اخلطأ.
ا قاطعا
األول :كوته ا
والثاين :كوته آمناا من النسخ والتأوي ،خبالف ابقي األدلة فإن النسخ يلحقها
والتأوي يتجه عليها.
أيضا :حكى اخلالف يف املسألة هنا دون ترجيح ألحد القولني ،مع
والفتوحي ا
تصرحيه يف مقدمة ابب التعارض والرتجيح -عند الكالم على ترتيب األدلة -يف
خمتصر التحرير وشرحه بنص ما قاله املرداوي :من تقدمي اإلمجاع مث الكتاب والسنة،
وسبب تقدميه عليهما(.)8
القول األول :هي مبعىن «الظرفية» .وهو قول أكثر البصريني وغريهم ،وقال به:
أبو البقاء العكربي(.)1
القول الثاين :هي مبعىن «على» .وهو قول الكوفيني وابن مالك ،وقال به:
القاضي( ،)4وأبو اخلطاب( ،)1وابن عقي ( ،)2وأكثر األصحاب(.)8
قلت :الظاهر :أن املقدم يف املذهب هو القول الثاين؛ ألته قول أكثر
األصحاب؛ ألن املصنف ذكر يف مقدمة خمتصره طرق ترجيح القول عند اًلختالف،
َص َحابينَا)( ،)6فلع ليراد اخلالف هنا من ي أحدها :أن يكون القول :ي
(علَْيه األَ ْكثَـ ُر م ْن أ ْ
َ
ابب قوة اخلالف ًل عدم الرتجيح .وهللا أعلم.
h
( )1ينظر :التبيان يف لعراب القرآن ( .)827/4ابن مفلح ،أصول الفقه (.)124- 121 :1
املرداوي ،التحبري (.)627-626 :4
( )4ينظر :العدة (.)418/1
( )1ينظر :التمهيد (.)117/1
( )2ينظر :الواضح (.)141/1
( )8ينظر :ابن مفلح ،أصول الفقه ( .)124-121 :1املرداوي ،التحبري (.)627-626 :4
( )6الفتوحي ،خمتصر التحرير (ص.)111
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
اخلامتة
احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات ،وأختم فيما أييت أبهم النتائج
والتوصيات:
أوالً :أهم النتائج:
-1سلك املؤلف يف اختيار القول الصحيح يف املذهب طريقني:
األول :أته اتتقاه مما قَد َمهُ املرداوي يف كتابه «حترير املنقول» من األقوال اليت يف
املسألة.
الثاين :أن يكون القول عليه األكثر من احلنابلة .وظاهره :ولو كان القول
مؤخرا يف كتاب «حترير املنقول» للمرداوي.
ا
-2ذكر املؤلف يف خمتصره ثالثة مصطلحات فقط ،هي:
سادسا ذكره يف
ا وموضعا
ا األول« :يف وجه» :وقد ذكره يف ( )8مواضع فقط.
بعض النسخ اخلطية املتقدمة ،مث عدل عنه ل ى «يف قول» يف النسخة اخلطية األخرية.
موضعا.
والثاين« :يف قول» :وقد ذكره يف ( )42ا
والثالث« :على قول» :وقد ذكره يف موضع واحد فقط.
-3قصد املؤلف بقوله« :ييف َو ْجه» :أن القول امل َقدم غريه ،أي املعتمد يف
ُ
املذهب غري ما قال :لته كذا «ييف َو ْجه» ،أي أن الراجح خالف القول الذي ذكره يف
11
h
12
ابن اجلوزي ،يوسف بن عبد الرمحن« ،اإليضاح لقواتني اًلصطالح يف اجلدل -1
واملناظرة» ،ت :حممود حممد السيد الدغيم( ،مكتبة مدبويل.)1228 ،
ابن اللحام ،عالء الدين بن حممد بن عباس البعلي (ت 811هـ)« ،القواعد -4
والفوائد األصولية وما يتبعها من األحكام الفرعية» ،ت :عايض الشهراين،
وانصر الغامدي( ،ن :دار البلد-مصر ،دار الفضيلة-السعودية ،ط،1 :
4117م).
ابن اللحام ،عالء الدين بن حممد بن عباس البعلي« ،املختصر يف أصول الفقه»، -1
ت :حممد مظهر بقا( ،ن :جامعة امللك عبد العزيز -مكة املكرمة).
ابن تيمية ،تقي الدين أمحد بن عبد احلليم (ت 748هـ)« ،جمموع الفتاوى»، -2
ت :عبد الرمحن ابن قاسم( ،ن :جممع امللك فهد ،املدينة النبوية1228 ،م).
ابن تيمية ،تقي الدين أمحد بن عبد احلليم« ،املستدرك على جمموع فتاوى شيخ -8
اإلسالم» ،ت :حممد بن عبد الرمحن بن قاسم( ،بدون انشر ،ط،1 :
1218هـ).
ابن تيمية ،تقي الدين أمحد بن عبد احلليم« ،رفع املالم عن األئمة األعالم»، -6
(طبع وتشر :الرائسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد،
الرايض1281 ،م).
ابن تيمية ،تقي الدين أمحد بن عبد احلليم« ،منهاج السنة النبوية يف تقض كالم -7
الشيعة القدرية» ،ت :حممد رشاد سامل( ،ن :جامعة اإلمام حممد بن سعود
اإلسالمية ،ط1286 ،1 :م).
ابن حزم ،أبو حممد علي بن أمحد (ت286هـ)« ،اإلحكام يف أصول األحكام»، -8
قوبلت على الطبعة اليت حققها :الشيخ أمحد حممد شاكر( ،ن :دار اآلفاق
اجلديدة ،بريوت).
ابن محدان ،أمحد بن محدان احلراين (628هـ)« ،صفة املفيت واملستفيت» ،ت :أبو -2
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
13
جنة احلنبلي مصطفى( ،ن :دار الصميعي ،الرايض ،ط4118 ،1 :م).
ابن رجب ،عبد الرمحن بن أمحد (728هـ)« ،جامع العلوم واحلكم يف شرح -11
مخسني حديثا من جوامع الكلم» ،ت :شعيب األرانؤوط -لبراهيم ابجس( ،ن:
مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط1227 7 :م).
ابن رجب ،عبد الرمحن بن أمحد (ت 728هـ)« ،شرح عل الرتمذي» ،ت :مهام -11
عبد الرحيم سعيد( ،ن :مكتبة املنار ،األردن ،ط1287 ،1 :م).
ابن رجب ،عبد الرمحن بن أمحد« ،فتح الباري شرح صحيح البخاري» ،ت: -14
حممود بن شعبان ،وآخرين( ،ن :مكتبة الغرابء األثرية -املدينة النبوية ،ط،1 :
1226م).
ابن عثيمني ،حممد بن صاحل« ،شرح خمتصر التحرير»( ،ط4111 ،1 :م). -11
ابن عقي ،أبو الوفاء علي بن حممد (ت 811هـ)« ،الواضح يف أصول الفقه»، -12
ت :عبد هللا الرتكي( ،الناشر :مؤسسة الرسالة ،بريوت ،ط1222 ،1 :م)
ابن قدامة ،موفق الدين عبد هللا بن أمحد (641هـ)« ،املغين» ،ت :عبد اَّلل -18
الرتكي ،عبد الفتاح احللو( ،ن :دار عامل الكتب ،الرايض ،ط1227 ،1 :م).
ابن قدامة ،موفق الدين عبد هللا بن أمحد« ،روضة الناظر وجنة املناظر» ،ت :د. -16
شعبان حممد لمساعي ( ،ن :مؤسسة الراين ،ط4114 ،4 :م).
ابن قيم اجلوزية ،حممد بن أيب بكر (ت781هـ)« ،لعالم املوقعني عن رب -17
العاملني» ،ت :مشهور بن حسن ،شارك يف التخريج :أمحد عبد هللا أمحد( ،ن:
دار ابن اجلوزي ،السعودية ،ط 1241 ،1 :هـ).
ابن قيم اجلوزية ،حممد بن أيب بكر« ،مفتاح دار السعادة ومنشور وًلية العلم -18
واإلرادة» ،ت :عبد الرمحن ابن قائد( ،ن :دار عامل الفوائد ،مكة املكرمة ،ط:
1214 ،1هـ).
ابن مفلح ،مشس الدين حممد املقدسي (ت761هـ)« ،أصول الفقه» ،ت :فهد -12
الس َد َحان( ،ن :مكتبة العبيكان ،ط1222 ،1 :م).
أبو يعلى ،حممد بن احلسني الفراء ( 288هـ)« ،العدة يف أصول الفقه» ،ت: -41
أمحد بن علي املباركي( ،ط1221 ،4 :م).
10
األرموي ،اتج الدين حممد بن احلسني (ت681هـ)« ،احلاص من احملصول» -41
ت :عبد السالم هارون( ،ن :جامعة قاريوتس ،بنغازي1222 ،م).
آل تيمية« ،املسودة يف أصول الفقه» ،مجعها وبيضها :أمحد بن حممد بن أمحد -44
بن عبد الغين احلراين الدمشقي (ت 728هـ) ،ت :حممد حميي الدين عبد
احلميد( ،ن :مطبعة املدين ،وصورته دار الكتاب العريب).
اآلمدي ،علي بن حممد« ،اإلحكام يف أصول األحكام» ،علق عليه :عبد الرزاق -41
عفيفي( ،الناشر :املكتب اإلسالمي( ،دمشق -بريوت) ،ط1214 ،4 :هـ).
البخاري ،حممد بن لمساعي « ،صحيح البخاري» ،ت :مجاعة من العلماء، -42
صورها بعنايته :د .حممد زهري الناصر ،ط1244 ،1 : (الطبعة :السلطاتية ،مث َ
هـ لدى دار طوق النجاة -بريوت).
الربماوي ،مشس الدين حممد بن عبد الدائم (811هـ)« ،الفوائد السنية يف شرح -48
األلفية» ،حتقيق :عبد هللا رمضان موسى( ،الناشر :مكتبة التوعية اإلسالمية،
مصر ،ط4118 ،1 :م).
البعلي ،أمحد بن عبد هللا بن أمحد (ت 1182هـ)« ،الذخر احلرير بشرح خمتصر -46
التحرير» ،ت :وائ الشنشوري( ،الناشر :املكتبة العمرية -دار الذخائر،
القاهرة ،ط4141 ،1 :م).
البيضاوي؛ عبد هللا بن عمر بن حممد« ،منهاج الوصول ل ى علم األصول» ،ت: -47
شعبان حممد لمساعي ( ،ط.)4118 ،1 :
اجلراعي ،أبو بكر بن زايد ( 881هـ)« ،شرح خمتصر أصول الفقه ًلبن اللحام»، -48
ت :عبد العزيز القايدي ،وآخرين( ،ن :لطائف للنشر ،الكويت ،ط،1 :
4114م).
الدبوسي ،أبو زيد عبيد هللا بن عمر (ت211هـ)« ،تقومي األدلة يف أصول -42
الفقه» ،ت :خلي امليس( ،ن :دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط4111 ،1 :م).
الرازي ،فخر الدين حممد بن عمر (ت616هـ)« ،احملصول يف علم األصول» ت: -11
طه جابر العلواين( ،ن :مؤسسة الرسالة ،ط1227 ،1 :م).
الزاغوين ،أبو احلسن علي بن عبد هللا« ،اإليضاح يف أصول الدين» ،حتقيق: -11
اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير « :يف وج ٍه» ،أو «يف قولٍ » ،أو «على قولٍ» -دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة -
11
عصام السيد حممود( ،تشر :مركز امللك فيص ،ط4111 ،1 :م).
الزركشي ،حممد بن عبد هللا بن هبادر (ت 722هـ)« ،البحر احمليط يف أصول -14
الفقه»( ،ن :دار الكتيب ،ط1222 ،1 :م).
السبكي؛ عبد الوهاب بن علي« ،مجع اجلوامع يف أصول الفقه» ،ت :عبد املنعم -11
خلي لبراهيم( ،ن :دار الكتب العلمية4111 ،م).
السمعاين ،منصور بن حممد (ت 282هـ)« ،قواطع األدلة يف األصول» ،ت: -12
حممد حسن الشافعي( ،ن :دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط1222 ،1 :م).
السيوطي ،جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر (ت 211هـ)« ،تدريب الراوي -18
يف شرح تقريب النواوي» ،ت :تظر حممد الفاراييب( ،ن :دار طيبة).
الطويف ،سليمان بن عبد القوي (ت716 :هـ)« ،شرح خمتصر الروضة» ،ت: -16
عبد هللا الرتكي( ،ن :مؤسسة الرسالة ،ط1287 ،1 :م).
العراقي ،ويل الدين أمحد بن عبد الرحيم (ت 846هـ)« ،الغيث اهلامع شرح -17
مجع اجلوامع» ،ت :حممد اتمر( ،ن :دار الكتب العلمية ،ط 4112 ،1 :م).
الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد (ت 818هـ)« ،املستصفى» ،ت :حممد عبد -18
السالم عبد الشايف( ،ن :دار الكتب العلمية ،ط1221 ،1 :م).
الفتوحي ،حممد بن أمحد بن عبد العزيز (ت274هـ)« ،شرح الكوكب املنري = -12
املخترب املبتكر شرح املختصر» ،ت :حممد الزحيلي وتزيه محاد( ،ن :مكتبة
العبيكان ،ط1227 ،4 :م).
الفتوحي ،حممد بن أمحد بن عبد العزيز« ،خمتصر التحرير يف أصول الفقه» ،ت: -21
لبراهيم غنيم احليص( ،ن :دار ركائز ،الكويت ،ط4144 ،1 :م).
الفتوحي ،حممد بن أمحد بن عبد العزيز« ،معوتة أويل النهى شرح املنتهى» ،ت: -21
عبد امللك الدهيش ،توزيع :مكتبة األسدي ،مكة املكرمة( ،ط4118 ،8 :م).
القشريي ،مسلم بن احلجاج (ت461 :هـ)« ،صحيح مسلم» ،ت :حممد فؤاد -24
عبد الباقي( ،ن :مطبعة عيسى البايب احلليب وشركاه ،القاهرة1288 ،م).
الكلوذاين ،أبو اخلطاب حمفوظ بن أمحد (ت811هـ)« ،التمهيد يف أصول -21
الفقه» ،ت :مفيد حممد أبو عمشة ،وحممد بن علي بن لبراهيم( ،ن :مركز
11
البحث العلمي ولحياء الرتاث اإلسالمي -جامعة أم القرى ،دار املدين ،ط،1 :
1288م).
-22املرداوي ،عالء الدين علي بن سليمان (ت 888هـ)« ،اإلتصاف يف معرفة
الراجح من اخلالف» ( ،املطبوع مع املقنع والشرح الكبري) ،حتت :عبد هللا الرتكي
– عبد الفتاح احللو( ،الناشر :هجر للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط،1 :
1228م).
-28املرداوي ،عالء الدين علي بن سليمان« ،التحبري شرح التحرير يف أصول الفقه»،
ت :د .عبد الرمحن اجلربين ،وآخرين( ،ن :مكتبة الرشد ،الرايض ،ط،1 :
4111م).
-26املرداوي ،عالء الدين علي بن سليمان« ،حترير املنقول وهتذيب علم األصول»،
ت :عبد هللا هاشم وهشام العريب( ،ن :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،قطر،
ط4111 ،1 :م).
- دراسة أصوليَّة استقرائيَّة حتليليَّة- »ٍ أو «على قول،» ٍ أو «يف قول،» «يف وج ٍه: اصطالح الفتوحي يف كتابه خمتصر التحرير
11
bibliography
Prepared by :
Dr. Abdur Rahmaan Muhammad Namankani
Assistant Professor at the Department of Fundamentals
of Jurisprudence at the Faculty of Sharī'ah, Islamic
University of Madinah
Email: dr.a.namankani@gmail.com
ملخص البحث
Abstract
املدقِّمة
احلمد هلل الذي دلنا على طريقه املستقيم ،وجع ديننا دين اإلسالم ملة أبينا
لبراهيم ،وشرع لنا الشرائع ،وبني لنا األحكام بسنة سيدان حممد ذي اخللق العظيم،
صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه ،ومن سار على هنجهم من اجملتهدين يف الشرع
القومي.
وبعد:
فإن ألفاظ اللغة العربية ذات دًلًلت متنوعة ،فمنها :ما يدل على فرد واحد،
أو أفراد كثرية حمصورة ،أو غري حمصورة ،ومنها ما يدل حبقيقته أو جمازه ،دًللة صرحية
أو كنائية ،ومنها ما يدل بعبارته أو لشارته ،ومنها ما يدل دًللة ظاهرة ،أو خفية.
والقرآن الكرمي الذي هو مصدر األحكام الشرعية تزل ابللغة العربية ،واستعم
{ :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ألفاظها مبختلف أتواعها ،قال هللا
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ} [سورة الشعراء ،]195-193:وكذلك ك ما صدر
من قول فهو :عريب مبني؛ ألته أفصح من تطق ابلضاد ،وكما ورد: عن الرسول
"ًل حييط ابللغة لًل تيب"(.)1
( )1ينظر :الشافعي" ،الرسالة" ،حتقيق :أمحد شاكر (بلد الطبعة ،مكتبة احلليب:1 )1188 ،
=
11
هلذا كله كان بدهيا أن يُعىن علماء األصول -وهم املختصون بوضع املناهج
لفهم كتاب هللا ،وسنة رسوله ،واستنباط األحكام منهما -بدراسة األلفاظ
العربية من هذه النواحي املختلفة ،ويضعوا القواعد والضوابط اليت حتدد املسار الذي
يسلكه ك من أراد معرفة األحكام الشرعية من الكتاب والسنة ،وقد فعلوا ذلك بك
جترد ،ولخالص ،ومبعايري بلغت الغاية يف الدقة.
وكان من الضروري أن يقع بينهم بعض اًلختالف يف تلك القواعد والضوابط
الكلية؛ ًلختالف املدارس يف العصر األول ،وتنوع اًلجتهادات واألتظار واألفهام،
وًل سيما ما يتعلق منها مبباحث" دًلًلت األلفاظ "اليت دارت حوهلا أقوال علماء
األصول.
وًل ميكن أن تدرك أحكام الشرع الثابتة ابلقرآن والسنة لًل مبعرفة أقسام" النظم
واملعىن " ،فيجب معرفة أقسامهما؛ لتحص معرفة أحكام الشرع؛ لذ تصوص الكتاب
والسنة حبر عميق ًل تنقضي عجائبه ،وًل تنتهي غرائبه(.)1
ومن املناهج اليت ينبغي ضبطها واًلعتناء هبا منهج" :مدرسة احلنفية" اليت
متيزت مبناهجها املتعددة ،وأصوهلا املتشعبة ،وقواعدها املختلفة يف استنباط األحكام
الشرعية من األدلة املرعية.
=
،12السيوطي ،جالل الدين "اإلتقان يف علوم القرآ " ،حتقيق :حممد أبو الفض لبراهيم،
(بلد الطبعة ،دار اهليئة املصرية .146 :4 ،)1122 ،من قول الشافعي.
( )1البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" ،حتقيق :عبد هللا بن حممود بن عمر (ط ،1
بريوت ،دار الكتب العلمية1218 ،ه ــ).11 :1 ،
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
ومن األمور اليت متيزت هبا مدرسة احلنفية :التقسيمات اإلمجالية لدًلًلت
األلفاظ يف الكتاب والسنة ،وما يتعلق بذلك من أحكام ومثرات ،مما يوجب على
الباحثني النظر والتأم يف تلك التقسيمات ،وما حييط هبا من خفااي يف الزوااي ،يمن
تظر يف :أتواع التقسيمات عندهم ،وأعدادها ،وترتيبها ،واملسائ املتعلقة هبا.
هلذا كله :أحببت أن أشارك يف اًلطالع على ما كتبوا يف هذا الباب ،حماواًل
أن أص ل ى شيء يبدي عن القشر اللباب ،وقد مسيت البحث:
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة
-دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
أهّاف البحث:
هتدف الدراسة ل ى الرغبة يف التعمق يف منهج احلنفية فيما يتعلق ابلدًلًلت؛
ًلستخراج املعاين اخلفية اليت قصدوها يف ذكر تلك التقسيمات ،واستقراء الكتب
واملصنفات املؤلفة يف ذلك؛ ليظهر الفرق بني طريقة املتقدمني واملتأخرين ،وتوصيف
أسباب اًلختالف بينهم يف التقسيمات ،وأعدادها ،وترتيبها ،ووجه الضبط فيها.
منهج البحث:
يتبع هذا البحث املنهج التحليلي اًلستقرائي؛ لذ تطرقت فيه للحديث عن
مراتب دًلًلت األلفاظ عند احلنفية ابًلعتبارات األربعة املختلفة عندهم ،وأبرزت
الفرق لمجاًل بني التقسيمات ،وأسباب اختالفهم فيها ،ومراتبها عند التعارض ،من
خالل مدوانت احلنفية األصولية ،املتقدمة واملتأخرة على قدر الطاقة والوسع.
الّراسات السابدقة:
مل أقف على دراسة تتعلق بتحلي واستقراء أقسام دًلًلت األلفاظ عند احلنفية
وًل سيما فيما يتعلق ابملقارتة بني مناهجهم والتطرق ًلختالفهم يف التقسيمات ولبراز
أسباب اًلختالف بينهم مع ذكر وجه الضبط فيه.
وك هذه األمور اليت ذكرهتا تعترب لضافة يف حبث هذه التقسيمات من حيث
هي بغض النظر عن تعريفات املصطلحات وأحكامها فهذا ًل يتعلق به حبثي.
حّود البحث وجماله:
يعد هذا البحث حبث ا حتليلي ا استقرائيا؛ لذ تطرقت فيه للحديث عن مراتب
دًلًلت األلفاظ عند احلنفية ابًلعتبارات األربعة املختلفة عندهم ،وأبرزت الفرق
لمجاًل بني التقسيمات ،وأسباب اختالفهم فيها ،وما يرتتب على ذلك من مثرات
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
وتتائج ،من خالل مدوانت احلنفية األصولية ،املتقدم واملتأخرة على قدر الطاقة
والوسع.
خطة البحث:
يشتم البحث على مقدمة ،ومتهيد ،ومبحثني ،وخامتة .رمسها كالتايل:
أما املقدمة فقد اشتملت على استهالل ،وعلى أسباب اختيار املوضوع،
وحدوده ،وخطة البحث ،واملنهج املسلوك فيه.
وأما التمهيد ،ففيه مطلب واحد :وهو :التعريف مبفردات العنوان لغة
واصطالحا.
وأما املبحثان فيشتمالن على مطالب وفروع ،هاك ذكرها:
إمجاال.
املبحث األول :مناهج احلنفية يف حبث دالالت األلفاظ ً
وفيه مطلبان:
منوذجا).
املطلب األول :طريقة املتقدمني قب الدبوسي ( æاجلصاص ا
ومن بعده من أصحاب املتون املعتمدة املطلب الثاين :طريقة الدبوسي
والشروح واحلواشي.
وفيه فرعان:
لمجاًل.
الفرع األول :اختالفهم يف تقسيمات الدًلًلت ا
الفرع الثاين :اختالفهم يف ترتيب الدًلًلت ،وتعدادها ،ووجه الضبط فيها.
الفرع الثالث :تظرات منهجية حتليلية يف التقسيمات.
تفصيال.
ً املبحث الثاين :مناهج احلنفية يف حبث دالالت األلفاظ
وفيه أربعة مطالب.
11
املطلب األول :يف وجوه النظم "الوضع" يف الكتاب والسنة عند احلنفية.
وفيه فرعان:
الفرع األول :تقسيمات احلنفية لوجوه النظم يف الكتاب والسنة ،ووجه الضبط
فيها.
الفرع الثاين :أحكام هذه التقسيمات عند التعارض.
املطلب الثاين :يف وجوه البيان يف الكتاب والسنة عند احلنفية.
وفيه فرعان:
الفرع األول :تقسيمات احلنفية لوجوه البيان يف الكتاب والسنة ،ووجه الضبط
فيها.
الفرع الثاين :أحكام هذه التقسيمات عند التعارض.
املطلب الثالث :يف وجوه اًلستعمال وجرايته يف الكتاب والسنة عند احلنفية.
وفيه فرعان:
الفرع األول :تقسيمات احلنفية لوجوه اًلستعمال وجرايته يف الكتاب والسنة،
ووجه الضبط فيها.
الفرع الثاين :أحكام هذه التقسيمات عند التعارض.
املطلب الرابع :يف وجوه اًلستدًلل ،ومعرفة املراد يف الكتاب والسنة عند
احلنفية.
وفيه فرعان:
الفرع األول :تقسيمات احلنفية لوجوه اًلستدًلل ،ومعرفة املراد يف الكتاب
والسنة ،ووجه الضبط فيها.
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
الفرع الثاين :أحكام هذه التقسيمات عند التعارض.
اخلامتة:
وفيها أهم تتائج البحث وتوصياته.
فهرس املصادر واملراجع.
منهج البحث:
ويتضمن أمرين:
األول :منهج الكتابة يف املوضوع ذاته.
َّ
ويتمث يف النقاط التالية:
أ-اًلعتماد يف حبث املسائ على املصادر األصيلة يف ك مبحث حبسبه ،مع
اًلستفادة من كتب املعاصرين فيما له عالقة بذلك املبحث.
ب-ذكر اخلالفات األصولية عند احلنفية ،وتقريرها ،والتنبيه على ما يرتتب
عليها من مثرات وتتائج.
الثاين :منهج التعليق والتهميش.
ويكون على ضوء النقاط التالية:
-1عزو اآلايت ل ى سورها ،مع ذكر رقم اآلية ،واسم السورة ،وكتابتها ابلرسم
العثماين.
-2عزو األحاديث ل ى مظاهنا من كتب احلديث ،فإن كان يف الصحيحني أو
أحدمها أكتفي ابإلحالة ،ولن كان يف غريها ذكرت حكم أه الشأن فيها.
-3أبني معاين األلفاظ الغريبة ،وأوثقها من معاجم اللغة املعتمدة ،أو من كتب
أه الفن الذي يتبعه معىن هذا اللفظ.
12
( )1طباطبا ،حممد بن أمحد بن حممد بن أمحد بن لبراهيم" ،عيار الشعر" ،حتقيق :عبد العزيز بن
انصر املاتع (القاهرة ،مكتبة اخلاجني) .ص.412 :
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
13
التمهيّ :التعريف مبفردات العنوان لغةً واصطالحًا
يشتم عنوان البحث على مصطلحني أصوليني ،ومها" :دًلًلت األلفاظ"،
فنحتاج ل ى تعريف ك منهما على يح َدة:
فالدالالت :مجع دًللة.
والداللة لغة :مصدر دل يدل دًللة -بفتح الدال وهو أفصح ،وروي بكسر
الدال ،وروي بضمها .-واجلمع :يأدلة ،و يأدًلء ،واًلسم :الدًللة -ابلكسر ،والفتح
الدلييلي :علمه ابلدًللة ورسوخه فيها
الدلُولة ،و ي
،-و ُّ
وهلا معان منها :اإلابتة ،واهلداية واإلرشاد(.)1
والداللة يف االصطالح :هي كون الشيء حبالة يلزم من العلم به العلم بشيء
آخر(.)4
وهذا التعريف من أشهر التعريفات؛ وهو أخص من املعىن اللغوي؛ ألته يدل
على أن هناك تالزما بني الدال واملدلول ،حبيث لذا فهم الدال فهم املدلول.
فالشيء األول هو :الدال ،والشيء الثاين هو :املدلول ،سواء كان هذا اللزوم:
عقليا أو عرفيا ،وسواء كان كليا أو جزئيا.
والدال :لما أن يكون لفظا أو غري لفظ ،فتنقسم الدًللة -هبذا اًلعتبار -ل ى
( )1اإلفريقي ،ابن منظور" ،لسان العرب"( ،ط ،1بريوت ،دار صادر1212 ،هــ)،422 :11 ،
الزبيدي ،مرتضى" ،اتج العروس من جواهر القاموس"( ،ط ،1بريوت ،دار الفكر،
1212هـ).228 :48 ،
( )4تكري ،القاضي عبد النيب بن عبد الرسول األمحد" ،دستور العلماء" ،ترمجة :حسن بن هاين
(ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية 1241هـ).76 :4 ،
10
قسمني مها:
القسم األول :الدًللة اللفظية.
القسم الثاين :الدًللة غري اللفظية.
وك من هذين القسمني ينقسم ابعتبار لضافته ل ى العق والطبع والوضع ل ى
ثالثة أقسام هي كما يلي:
القسم األول :دًللة عقلية ،تسبة ل ى العق ،ومسيت هبا؛ ألته ليس للوضع
والطبع مدخ فيها.
القسم الثاين :دًللة طبيعية ،تسبة ل ى الطبيعة ،ومسيت بذلك؛ لدخول الطبع
فيه دون العق والوضع.
القسم الثالث :دًللة وضعية ،تسبةا ل ى الوضع ،ومسيت بذلك؛ ألن للوضع
دخالا اتما يف الدًللة جبع اجلاع (.)1
مث الداللة اللفظية الوضعية تنقسم ل ى ثالثة أقسام :مطابقة ،وتضمن ،والتزام.
ألهنا لن كاتت دًللة اللفظ املوضوع على متام ما وضع له :فمطابقة ،كدًللة
اإلتسان على احليوان الناطق .ولًل :فإن كاتت دًللة اللفظ املوضوع على جزء ما
وضع له ،أو على خارج ًلزم ملا وضع له لزوما ذهنيا بينا ابملعىن األخص :فاألول:
تضمن ،كدًللة اإلتسان على احليوان أو الناطق ،والثاين :التزام ،كدًللة العمى على
البصر.
( )1احلنفي ،أبو البقاء" ،الكليات ،معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية" ،حتقيق :عدانن
درويش -حممد املصري (بريوت ،مؤسسة الرسالة).212 :1 ،
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
ومدار اإلفادة واًلستفادة على :الدًللة اللفظية الوضعية.
وعرفوا الدًللة اللفظية الوضعية -وهي املقصودة يف علم األصول -أبهنا :فهم
املعىن من اللفظ(.)1
واعرتض عليه :أبن الفهم لن كان مصدرا مبنيا للفاع – أعين :الفامهية -
فهو صفة السامع ،ولن كان مبنيا للمفعول -أعين املفهومية -فهو صفة للمعىن ،فال
يصح محله على الدًللة اليت هي صفة اللفظ.
( :)4أبان ًل تسلم أن الفهم ليس صفة وأجاب عنه احملقق التفتازاين
اللفظ؛ فإن الفهم وحده ولن كان صفة الفاهم ،وكذا اًلتفهام وحده صفة املعىن؛ لًل
أن فهم املعىن من اللفظ صفة اللفظ؛ فإن معىن فهم املعىن من اللفظ ،أو اتفهام املعىن
منه هو معىن كون اللفظ حبيث يفهم منه أو ينفهم منه املعىن.
غاية ما يف اجلواب :أن الدًللة مفرد يصح أن يشتق منه صفة حتم على
اللفظ ،وفهم املعىن واتفهامه مركب ًل ميكن اشتقاقها منه لًل بواسطة ،مث أن يقال:
اللفظ منفهم منه املعىن(.)1
( )1التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" ،حتقيق :زكراي عمريات (ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية،
1216ه ــ).481 :1 ،
( )4سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد هللا التفتازاين ،العالمة الكبري ،أحد أئمة العربية والبيان
واملنطق ،صاحب "شرح الشمسية يف املنطق" و"التلويح يف أصول الفقه" ،وله غري ذلك من
التصاتيف ،ولد سنة714( :هـ) ،ومات سنة724( :هـ) .اتظر :ابن حجر" :الدرر الكامنة"
،114 :6وخملوف" ،شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية" .678 :1
( )1التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" ،حتقيق :زكراي عمريات (ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية،
=
11
( )1جزء من بيت يف الكندي ،امرؤ القيس بن حجر بن احلارث" ،ديوان ام يرئ القيس" ،اعتىن
به :عبد الرمحن املصطفاوي (ط ،4بريوت ،دار املعرفة1248 ،هـ ــ) ،ص.12 :
( )4التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" ،حتقيق :زكراي عمريات (ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية،
1216ه ــ).81 :1 ،
مدرسا ،مث
( )1العامل الفاض يوسف بن حسني الكرماسيت ،فقيه حنفي ،برع يف العلوم مث صار ا
قاضياا ،وله مصنفات منها" ،حاشية املطول" و"شرح الوقاية" و"الوصول ل ى علم األصول"،
وغريها كثري ،مات سنة216( :هـ) .اتظر" :سلم الوصول ل ى طبقات الفحول" ،211 :1
والزركلي" ،األعالم" " ،447 :8معجم املؤلفني" .422 :11
( )2الكرماسيت ،يوسف بن حسني" ،زبدة الوصول ل ى عمدة األصول" ،حتقيق :محد بن محدي
الصاعدي (الكويت ،وزارة األوقاف والشؤون اًلسالمية).142 :1 ،
11
املبحث األوَّل :مناهج احلنفية يف حبث دالالت األلفاظ إمجاالً
وفيه مطلبان:
املطلب األوَّل :طريدقة املتدقِّمني قبل الّبوسي ( æاجلصاص منوذجًا)
ًل خيفى على الباحثني يف علم أصول الفقه :أن القرن الثالث للهجرة مل يصلنا
منه أي كتاب من كتب علم أصول الفقه استقالًل ،وأن رسالة الشافعي -املتوىف سنة
412هـ -ظلت مؤثرة يف كتاابت القرن الثالث اليت مل تبلغنا منها لًل شذرات متفرقة
يف املصادر املتأخرة ملختلف علماء املذاهب ،وأغلبها رسائ صغرية مل حتفظ ل ى يومنا
هذا ،لًل ما أدرج منها يف أتليفات أخرى.
وكذلك احلال يف القرن الرابع للهجرة ،فال تتعدى أكثر الكتب املهمة املؤلفة
. فيه كوهنا شرحا لرسالة اإلمام الشافعي
فك من ساهم يف كتابة علم األصول يف تلك الفرتة من خمتلف املذاهب:
سائرا على هنجه ،أو يكون قد اختذ لتقرير كان لما ملتزما بطريقة الشافعي
أصوله سبيالا آخر.
فاملالكية واحلنابلة من الفريق األول؛ لذ قَبي املالكية أصول الشافعي وارتضوا
منهاجه ،وزادوا عليه ما خالفهم فيه من :لمجاع أه املدينة ،واملصاحل املرسلة.
وكذلك احلنابلة ساروا على هنجه وأضافوا ما خالفهم فيه.
أما احلنفية -وهم حم اعتنائنا -فقد أتثروا مبنهجه لمجاًل وأخذوا مما أخذ،
وزادوا ما خالفهم فيه مث :العرف واًلستحسان؛ لكنهم ساروا يف تقرير األصول
وكتابتها على غري األسلوب اًلستدًليل الذي سلكه الشافعية.
وألج أن يتضح هذا الفرق :أحتدث إبشارات خمتصرة عن أبرز مدون من
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
املدوانت األصولية عند احلنفية يف القرن الرابع اهلجري ،أًل وهو كتاب اإلمام
اجلصاص( ،)1ويسمى" :الفصول يف األصول" ،أليب بكر أمحد بن علي الرازي
اجلصاص(171هـ).
وهو يف تظر بعض الباحثني املعاصرين :أهم حمطة يف التجديد األصويل بعد
اإلمام الشافعي ،ألته تضمن لضافات على مستوى املضمون والشك .
املباحث اللغوية ،ودًلًلت األلفاظ، فعلى مستوى املضمون :فقد أكم
السنة ،كما طور البحث يف تناول دلي اإلمجاع،
واملوضوعات املشرتكة بني الكتاب و ُ
والقياس ،واًلستحسان ،ومبحث اًلجتهاد.
أما على مستوى الشـك والصياغة :فقد جتاوز العرض املتفرق ملباحث األصول
الذي متث يف كتاب" الرسالة "للشافعي ،وذلك برتتيبه لألبواب والفصول ترتيباا
منطقيا ،وعرضه ملباحث الكتاب عرضا علميا.
وتربز قيمة كتاب "الفصول" للجصاص يف النقاط التالية:
أ-أته من املؤلفات األو ى اليت تقدم لنا صورة وافية وشاملة عن التأليف
" .وهذا ما تنبئ عنه األبواب املوجودة يف األصويل بعد "رسالة اإلمام الشافعي
كتاب "الفصول يف األصول" ،واليت مل تعهدها يف "الرسالة".
( )1أبو بكر أمحد بن علي الرازي احلنفي -املعروف ابجلصاص -لمام كبري الشأن ،سكن
بغداد ،وعنه أخذ فقهاؤها ،ولليه اتتهت رايسة األصحاب ،كان لمام أصحاب أيب حنيفة،
وكان مشهورا ابلزهد ،أمتنع من القضاء ،ومن مصنفاته" :الفصول يف األصول" ،و"أحكام
القرآن" ،ولد سنة118( :هـ) ،وتويف سنة171( :هـ) .اتظر" :طبقات الفقهاء" ص،122 :
واحلنفي ،حميي الدين" ،اجلواهر املضية" ،82 :1وابن قطلوبغا" ،اتج الرتاجم" ص.17 :
11
وهذه األبواب ستكون أساسا يتكرر يف املدوانت األصولية الالحقة على غرار
أبواب :احلقيقة واجملاز ،واحملكم واملتشابه ،واألمر والنهي وغريها.
وعليه :فقد شغ كتاب الفصول دورا مهما يف حركة تدوين علم أصول الفقه؛
. ففيه لضافات على ما أتى به الشافعي
ب-أته ضمن يف كتابه وسفره املبارك آراء مشايخ احلنفية املتقدمني ،وًل سيما
آراء شيخه اإلمام أيب احلسن عبيد هللا بن احلسني الكرخي احلنفي (ت 121هـ)()1
الذي اتتهت لليه رائسة املذهب احلنفي ،واتتشر أصحابه يف البالد ،وله رسالة خمتصرة
يف األصول ،عليها مدار فروع احلنفية.
ج-متيز أسلوب كتاب الفصول للجصاص :بسالمة الرتكيب ،والعرض العلمي
املنظم يف املباحث كافة.
يف تقرير املوضوع الذي يعنون له لن احتاج ل ى شرح وتقرير ،مث فيبدأ
يعرض آراء الفقهاء ومواقفهم جتاهها ،ويفص الكالم يف تدوين آراء مشايخ احلنفية
لن كان هلم رأي وموقف يف املوضوع ،مث حيدد موقفه من تلك األقوال تصحيحا أو
ترجيحا ،واستدًلًل لذلك.
ويتم البحث عنده بذكر أدلة املخالفني وتقضها بطريقة موضوعية.
( )1أبو احلسن عبيد هللا بن احلسني بن دًلل بن دهلم ،الفقيه الكرخي ،لليه اتتهت رايسة العلم
يف أصحاب أيب حنيفة ،وكان ورعا ،أخذ عنه أبو بكر الرازي وأبو بكر الدامغاين ،ومجاعة،
اتتشرت تالمذته يف البالد ،واشتهر امسه ،وبعد صيته ،وكان من العلماء العباد ذا هتجد،
عاش مثاتني سنة ،تويف سنة121( :هـ) ،اتظر :البغدادي ،اخلطيب" ،اتريخ بغداد" :14
،72والشريازي" ،طبقات الفقهاء" ،ص ،124 :والذهيب" ،سري أعالم النبالء" .246 :18
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
11
من اًلستشهاد ابآلايت القرآتية واألحاديث النبوية ،وحتليلها مبا د-يكثر
يتالءم مع املوضوع ،ويلتزم تطبيق قواعد األصول على اآلايت واألحاديث النبوية يف
ج املباحث ،مما يعطي األصول صورة عملية تطبيقية.
يتفق منهجه يف هذا اجلاتب مع منهج اإلمام الشافعي؛ لذ كان وهو
كالمها يركز على اجلاتب العملي التطبيقي يف كيفية تطبيق القواعد والقواتني األصولية
على املصادر التشريعية.
ويعترب هذا الكتاب -أعين :الفصول -مبثابة املقدمة العلمية ،واملدخ
األصويل لكتاب اجلصاص املهم جدا يف تفسري القرآن الكرمي -وًل سيما آايت
األحكام ،وهو كتاب" :أحكام القرآن".
ه-ميتاز كتاب اجلصاص -عند احلنفية -بقيمة مهمة من حيث التوثيق؛
ًلشتماله على آراء وتصوص األصوليني من احلنفية املتقدمني الذين فقدت كتبهم،
مث :عيسى بن أابن (ت441هـ)( )1فقد تق عنه يف أكثر من مخسني موضع ا،
وشيخه الكرخي (ت 121هـ) فقد تق عنه يف أكثر من سبعني موضعا؛ ب قد ينق
عن أئمة املذهب تقوًلت ًل تكاد توجد لًل يف كتابه.
فكتاب الفصول يعد أول كتاب جامع ملسائ األصول عند احلنفية -على
( )1عيسى بن أابن بن صدقة ،فقيه العراق ،تلميذ حممد بن احلسن ،وقاضي البصرة ،له تصاتيف
وذكاء مفرط ،وفيه سخاء وجود ،تويف :سنة (441هـ) .اتظر" :أخبار القضاة" ،171 :4
والبغدادي ،اخلطيب "اتريخ بغداد" " ،187 :11اجلواهر املضية" ،211 :1والذهيب" ،سري
أعالم النبالء" .221 :11
322
( )1أبو زيد عبد هللا بن عمر بن عيسى الدبوسي ،القاضي ،البخاري ،العالمة ،الفقيه احلنفي؛
=
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
323
لشاراته هلا.
ولعل السبب يف عدم تنصيصه على التقسيمات واكتفائه ابإلشارة والتطبيق
عليها :أن اًلعتناء ابحلدود واملصطلحات جاء بعد ذلك يف مدرسة السمرقندينيً ،ل
؛ لذ لن املتقدمني يف الكتابة -وًل سيما العراقيني سيما يف زمن اإلمام الدبوسي
-اهتموا ابًلستدًلل واًلحتجاج مع التمثي واإلشارة ل ى األقسام ،وهذا شأن ك
العلوم تبدأ يف النمو والنضج شيئا فشيئا ،كما تلحظ ذلك جليا يف كتابة اإلمام
،وكذا يف علم مصطلح احلديث بني املتقدمني واملتأخرين. الشافعي
يف مباحث دًلًلت األلفاظ فيربز يف األسطر أما ما يتعلق مبنهجه
القادمة:
لمجاًل بدًلًلت األلفاظ الواضحة :الظاهر ،والنص ،واحملكم، قد استدل
ومساها هبذه املسميات ،كما استدل بدًلًلت األلفاظ املبهمة :اجملم ،واملتشابه،
ومساها أيضا ابمسها ،وأكثر من اًلستدًلل بدًلًلت األلفاظ ابعتبار وضعها :العبارة،
واإلشارة ،والدًللة ،واًلقتضاء ،وأحياان يسميها ابمسها ،وأحياان يذكرها بلوازمها ،أو
معناها اللغوي.
ومن أكثر الدًلًلت استخداما عند اجلصاص :دًلًلت األلفاظ ابعتبار
=
كان من كبار أصحاب أيب حنيفة ،عامل ما وراء النهر ،ومن مصنفاته "تقومي أصول الفقه"،
و"األسرار"" ،األمد األقصى" تويف ببخارى سنة211( :هـ) .اتظر :ابن خلكان" ،وفيات
األعيان" ،28 :1والذهيب" ،سري أعالم النبالء" ، 841 :17والصفدي" ،الوايف ابلوفيات"
.411 :17
320
( )1اجلصاص" ،الفصول يف األصول"( ،ط ،4الكويت ،وزارة األوقاف الكويتية1212 ،ه ــ)،
،21 :1وما بعده.
( )4اجلصاص "الفصول".121 :1 ،
( )1اجلصاص "الفصول".441 :1 ،
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
321
ب-دالالت األلفاظ ابعتبار االستعمال (احلقيقة واجملاز).
توسع يف هذا املبحث ،وعرف احلقيقة واجملاز ،وذكر تلحظ أن اجلصاص
تقسيماهتما ،وأحكامهما ،والتعارض بينهما.
" :ابب القول يف احلقيقة واجملاز .قال أبو بكر :يف لغة العرب: يقول
احلقيقة واجملاز .فاحلقيقة :ما مسي به الشيء يف أص اللغة وموضوعها .واجملاز :هو ما
جيوز به املوضع الذي هو حقيقة له يف األص ،ومسي به ما ليس اًلسم له حقيقة.
حيد ذلك أبن احلقيقة :ما ًل ينتفي عن مسمياته حبال ،واجملاز: وكان أبو احلسن
ما ينتفي عن مسمياته حبال"(.)1
ج-دالالت األلفاظ ابعتبار وجوه البيان (دالالت األلفاظ الواضحة
واخلفية).
الدًلًلت من حيث الظهور واخلفاء ،وأشار ل ى بعض انقش
املصطلحات ،ومنها :أته ذَ َكَر فص "الظواهر" ،وأشار ل ى عدة مسائ حتتها ،وأهنا
حتم على ظاهرها وًل تصرف لًل بدلي صحيح يدل على التخصيص أو التأوي أو
النسخ.
وذكر مصطلح "النص" وأته ًل خيتلف كثريا عن الظاهر لًل أته يبني املراد ،وأته
يشم العام واخلاص ،وأن حكمه كحكم الظاهر(.)4
وتعرض ملصطلحي املفسر واحملكم ،وأهنما أقوى من دًللة الظاهر والنص،
وفرق بينهما(.)1
كما أته انقش مصطلح اإلمجال ،وأطال فيه ،وقسمه ل ى قسمني.
" :فص :قال أبو بكر :اجملم على وجهني :أحدمها :يقارب معناه يقول
العام يف مواضع فسماه جممال، معىن العموم .وقد ذكر أبو موسى عيسى بن أابن
وهذا كالم يف العبارة ًل يقع يف مثله مضايقة .والوجه اآلخر :أن يكون اإلمجال يف
لفظ واحد جمهول ،فهذا ًل يكون عموما وًل عبارة عنه ،حنو قوله تعا ى{ :ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ} [سورة الذاريات.)4("]19:
وتعرض ملصطلح املتشابه ،ورأى أته يرد ل ى احملكم ،وكأن املتشابه عنده
يتضمن املشك واخلفي وبعض أتواع اجملم ،كما هو العموم املعهود يف مصطلح
املتقدمني(.)1
د-دالالت األلفاظ ابعتبار كيفية داللة اللفظ على املعىن.
وهي تنقسم على املشهور عند الدبوسي ومن وافقه ل ى أربعة أقسام :العبارة
واإلشارة والدًللة واًلقتضاء.
مل يصرح هبذه املصطلحات لكنه يتوافق يف التطبيق ويبدو أن اجلصاص
واحلكم مع منهج متأخري احلنفية يف ذلك ،فالعبارة عنده :دًللة الصيغة على املعىن
( )1يراجع ذلك يف كتاب أحكام القرآن للجصاص فقد ذكر فيه أمثلة عديدة ،ويراجع كذلك
فيما سبق لمجاًل كتاب" :تطور الفكر األصويل احلنفي ،دراسة اترخيية حتليلية تطبيقية"
للدكتور هيثم خزتة ،وكتاب "منهج اجلصاص يف الدًلًلت ،دراسة تطبيقية على أحكام
القرآن" رسالة ماجستري للباحث :خالد العازمي ،اجلامعة األردتية ،وكتاب" :املصطلح
األصويل بني اجلصاص والدبوسي" للباحثني :فاتن حداد وحممود جابر .ومقال" :جتديد
أصول الفقه عند احلنفية -أبو بكر الرازي اجلصاص أمنوذجا "-للدكتور /محداي الذويب.
321
( )1الدبوسي ،أبو زيد" ،تقومي األدلة يف أصول الفقه" ،حتقيق :خلي حميي الدين امليس( ،ط ،1
بريوت ،دار الكتب العلمية1241 ،ه ــ).217 :1 ،
( )4الدبوسي ،أبو زيد "التقومي" .811 :1
321
( )1مشس األئمة أبو بكر حممد بن أمحد بن أيب سه السرخسي ،أحد الفحول األئمة الكبار
مناظرا ،لزم اإلمام أاب حممد احللواين
فقيها أصولياا ا
متكلما ا
ا لماما حجة
أصحاب الفنون ،كان ا
كتاب يف أصول الفقه ،يعرف بـ" :أصول حَت خترج به ،أملى "املبسوط" وهو يف السجن ،وله ٌ
السرخسي" ،تويف يف حدود سنة221( :هـ) .اتظر :ابن قطلوبغا" ،اتج الرتاجم" ص،411 :
واحلنفي ،حميي الدين" ،اجلواهر املضية" ص.88 :
( )4أبو احلسن علي بن حممد بن احلسني بن عبد الكرمي ،املعروف بفخر اإلسالم البزدوي ،فقيه
أصويل ،من أكابر احلنفية ،صاحب تصاتيف ،منها "املبسوط" ،و" كنز الوصول" ويعرف بـ:
"أصول البزدوي" .تويف سنة284( :هـ) .اتظر :احلنفي ،حميي الدين" ،اجلواهر املضية"
( ،1142والنسفي" ،القند" ص ،882 :والذهيب" ،سري أعالم النبالء" .614 :18
332
مث عقد ابابا للبيان ،وبعده النسخ من حيث اجلواز والتفسري ...لخل.
لمجاًل يف على ترتيب اإلمام الدبوسي وقد سار السرخسي
التقسيمات للدًلًلت مع اًلختالف يف التعبري ،ومن ذلك:
،وهو -1تسميته ابب "النظم صيغة ولغة" ابسم قريب مما مساه الدبوسي
قوله" :ابب أمساء صيغة اخلطاب يف تناوله املسميات ،وأحكامها"( )1مث ذكر األقسام
األربعة.
-4تسميته ابب وجوه البيان ابسم آخر ،وهو قوله" :ابب أمساء صيغة
اخلطاب يف استعمال الفقهاء ،وأحكامها"( )4مث ذكر األقسام الثماتية ابعتبار الظهور
واخلفاء.
-1ذكر ابب احلقيقة واجملاز والصريح والكناية( )1عقب ابب البيان من غري
. تبويب بعنوان عام ،كما فع ذلك الدبوسي
،وهو -2تسميته ابب وجوه الوقوف على املراد ...كما مساه الدبوسي
قوله" :ابب بيان األحكام الثابتة بظاهر النص دون القياس والرأي"(.)2
وأما اإلمام الثاين :فهو أبو العسر فخر اإلسالم علي بن حممد البزدوي
(ت284ه) ،صاحب كتاب " :كنز الوصول ل ى معرفة األصول" ،وهو صاحب
( )1السرخسي" ،أصول السرخسي" ،حتقيق :أبو الوفاء األفغاين( ،دار الكتاب العريب،
1174هـ).142 :1 ،
( )4السرخسي" ،أصول السرخسي" .161 :1
( )1السرخسي" ،أصول السرخسي" .171 :1
( )2السرخسي" ،أصول السرخسي" .416 :1
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
333
. النـ َفس املؤثر فيمن بعده من أصوليي احلنفية ،وسأتق تقسيماته بعباراته
مقسما لدًلًلت األلفاظ عند احلنفية" :ولمنا يعرف يقول البزدوي
أحكام الشرع مبعرفة أقسام النظم واملعىن ،وذلك أربعة أقسام فيما يرجع ل ى معرفة
أحكام الشرع:
القسم األول :يف وجوه النظم صيغةا ولغةا.
والثاين :يف وجوه البيان بذلك النظم.
والثالث :يف وجوه استعمال ذلك النظم ،وجرايته يف ابب البيان.
والرابع :يف معرفة وجوه الوقوف على املراد واملعاين على حسب الوسع
واإلمكان ولصابة التوفيق.
أما القسم األول فأربعة أوجه :اخلاص والعام واملشرتك واملؤول.
أيضا :الظاهر والنص واملفسر واحملكم ،ولمنا يتحقق
والقسم الثاين أربعة أوجه ا
معرفة هذه األقسام أبربعة أخرى يف مقابلتها ،وهي :اخلفي واملشك واجملم واملتشابه.
والقسم الثالث أربعة أوجه أيضا :احلقيقة واجملاز والصريح والكناية.
أيضا :اًلستدًلل بعبارته -وهو ما عرب عنه
والقسم الرابع أربعة أوجه ا
الدبوسي بـ ـ ـ :عني النص -وإبشارته وبدًللته وابقتضائه.
وبعد معرفة هذه األقسام :قسم خامس ،وهو وجوه أربعة أيضا :معرفة
مواضعها ومعاتيها وترتيبها وأحكامها.
وأص الشرع هو الكتاب والسنة ،فال حي ألحد أن يقصر يف هذا األص ؛
،مستعيناا به ،راجياا ب يلزمه حمافظة النظم ،ومعرفة أقسامه ومعاتيه مفتقرا ل ى هللا
330
( )1البزدوي ،فخر اإلسالم" ،أصول البزدوي" .مطبوع مع شرحه كشف األسرار عن أصول فخر
اإلسالم البزدوي"( ،بريوت ،-دار الكتاب العريب1122 ،هـ) ،ص .26-28
( )4عالء الدين أبو بكر حممد بن أمحد السمرقندي ،اإلمام الفقيه األصويل ،اشتهر بكتابه "حتفة
الفقهاء" وله كتاب يف أصول الفقه مساه" :ميزان الفصول يف تتائج العقول" ،تويف سنة:
(281هـ) .اتظر" :اجلواهر املضية" ص ،18 :وابن قطلوبغا" ،اتج الرتاجم" -ص،487 :
والزركلي" ،األعالم" .117 :8
( )1أبو الربكات عبد هللا بن أمحد بن حممود النسفي ،عالمة الدتيا ،تفقه على مشس األئمة
الكردري ،تصاتيفه مفيدة يف الفقه واألصول منها" :الكايف يف شرح الوايف"" ،املنار يف أصول
الفقه" ،وهو من أشهر متون احلنفية يف األصول ،وغريها ،تويف سنة711( :هـ) .اتظر" :الدرر
الكامنة يف أعيان املائة الثامنة" " ،17 :1املنه الصايف" " ،74 :7الطبقات السنية يف
تراجم احلنفية" .182 :2
َخ يسي َكيت احلنفي ،فقيه أصويل ،من أه
( )2حسام الدين أبو عبد هللا حممد بن حممد بن عمر األ ْ
أخسيكت من بالد فرغاتة ،له "املنتخب يف أصول املذهب" ويعرف بـ ـ ـ " :املنتخب
=
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
331
الفرع الثاني :اختالفهم يف ترتيب الّالالت ،وتعّادها ،ووجه الضبط
فيها.
اختلف أصوليو احلنفية يف ترتيب هذه التقسيمات ،أعين :تقسيمات
الدًلًلت ابًلعتبارات األربعة السابق ذكرها على منهجني:
املنهج األول :ذهب فخر اإلسالم ،ومن اتبعه من املتأخرين كصاحب املنار:
ل ى تقدمي التقسيم ابعتبار الوضع ،مث التقسيم ابعتبار ظهور املعىن وخفائه عن اللفظ،
مث ذكروا التقسيم ابعتبار استعماله يف املعىن؛ وعللوا ذلك أبن التصرف يف الكالم
توعان :تصرف يف اللفظ ،وتصرف يف املعىن ،وأن األول مقدم ،مث اًلستعمال مرتب
على ذلك ،حَت كأته لوحظ أوًل املعىن ظهورا أو خفاءا ،مث استعمال اللفظ فيه؛ ألن
الظهور هو املقصود من اًلستعمال(.)1
املنهج الثاين :تقدمي تقسيم الوضع مث اًلستعمال مث البيان ،مث اًلستدًلل؛
وعليه صدر الشريعة( )4ومن اتبعه؛ ألن السابق يف اًلعتبار هو وضع اللفظ للمعىن،
=
احلسامي" "دقائق األصول والتبيني" ،تويف سنة622( :هـ) .اتظر" :اجلواهر املضية يف طبقات
احلنفية" " ،141 :4األعالم" " ،48 :7معجم املؤلفني" " ،481 :11سلم الوصول ل ى
طبقات الفحول" .428 :1
( )1التفتازاين ،سعد الدين" ،التلويح" ،86 :1النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن
األصول" ،حتقيق :جمموعة من الرسائ العلمية يف اجلامعة اإلسالمية ابملدينة املنورة سنة:
1218-1212هـ .177 :1
( )4عبيد هللا بن مسعود بن عبيد هللا بن حممود - ،املعروف بـ ـ ـ :صدر الشريعة ،-اإلمام
العال مة ،واحلرب املدقق الفهامة ،صاحب التصاتيف املفيدة؛ منها" :التنقيح" يف أصول الفقه،
=
331
مث استعماله فيه ،مث ظهور املعىن ،وخفاؤه من اللفظ املستعم فيه؛ ألن الظهور يعد
من اًلستعمال ،وبعد ذلك يكون البحث عن كيفية دًللة اللفظ على املعىن املستعم
هو فيه ظاهرا كان أو خفيا(.)1
واختلفوا كذلك يف تعداد هذه األقسام على مناهج متنوعة ،وهي:
قسما
-1ذهب اجلمهور من احملققني والشراح ل ى أن أقسام الدًلًلت عشرون ا
تفصيال ،وذلك أن ك تقسيم من التقسيمات األربعة على أربعة أقسام ،واألربعة لذا
ا
ضربت يف األربعة تكون :ستة عشر ،وهناك أربعة أخرى تقاب القسم الثاين ،وهي:
اخلفي واملشك واجملم واملتشابه ،فيكون اجملموع عشرين.
-4ذهب بعضهم ل ى أن أقسام الدًلًلت مثاتون قسما ،وذهبوا ل ى أن ك
واحد من العشرين السابق ذكرها ينقسم على أربعة أقسام ،فإذا ضربت هذه األربعة
يف عشرين تكون :مثاتني ،وهي جمموع األقسام(.)4
عن بعض احملققني أن أقسام الدًلًلت تبلغ ل ى -1ذكر اهلندي()1
=
وشرحه املسمى بـ ـ ـ " :التوضيح" ،و"شرح الوقاية" ،تويف سنة727( :هـ) .اتظر :ابن قطلوبغا،
"اتج الرتاجم" ص ،411 :و"الطبقات السنية" " ،242 :2معجم املؤلفني" لعمر كحالة :6
.426
( )1احملبويب ،صدر الشريعة" ،التوضيح يف ح غوامض التنقيح" ،حتقيق :زكراي عمريات (بريوت،
دار الكتب العلمية1216 ،هـ ــ) ،86 :1 .النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن
األصول" .178 :1
(" )4التبيني" لإلتقاين .181 :1
( )1الشيخ الفاض الكبري العالمة صفي الدين ب ن تصري الدين بن تظام الدين الردولوي اهلندي،
=
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
331
سبعمائة ومثاتية وستني ،وحاصله :أن القسم الثالث -أعين قسم اًلستعمال -يكون
يف ك قسم من اًلثين عشر اليت قبله ،فتكون :مثاتية وأربعني ،مث القسم الرابع -أعين
وجوه اًلستدًلل -يكون يف ك من الثماتية واألربعني ،فتبلغ مائة واثنني وتسعني ،مث
القسم اخلامس -أعين معرفة مواضعها - ...يكون يف ك من املائة واثنني وتسعني،
فيكون اجملموع ما ذكر.
. وسبب هذا االختالف راجع ل ى التقسيم اخلامس الذي ذكره البزدوي
وذلك أته ملا اتقسم ما يرجع ل ى معرفة أحكام الشرع من الكتاب عشرين
قسما ،كما مر معنا ،مث اتقسم ك واحد منها ابعتبار القسم اخلامس أربعة أقسام:
قسما ،على ما هو الظاهر ،فذهب البعض ل ى ظاهر هذا
صار أقسام الكتاب مثاتني ا
التقسيم.
وأجاب احملققون كالعالء البخاري( )1ومن وافقه أبته :مشك ؛ وعللوا ذلك
بكالم تفيس ،وحاصله :أن التقسيم على أتواع:
-1تقسيم اجلنس ل ى أتواعه ،أبن يؤخذ بزايدة قيد قيد ،وهو التقسيم املصطلح
=
كان اندرا من توادر الدهر يف العلم ،وله مصنفات عديدة منها "دستور املبتدئ" يف الصرف،
"معدن األصول"" ،شرح املنتخب على احلسامي" ،وكاتت وفاته سنة812( :هـ) .اتظر:
"تزهة اخلواطر وهبجة املسامع والنواظر" .486 :1
( )1عبد العزيز بن أمحد بن حممد ،عالء الدين البخاري احلنفي ،اإلمام البحر يف الفقه واألصول،
له تصاتيف ،منها :شرح أصول البزدوي ،ومساه" :كشف األسرار" ،وشرح أصول
األخسيكيت" ،تويف سنة742( :هـ) .اتظر :احلنفي ،حميي الدين" ،اجلواهر املضية" (،826
وابن قطلوبغا" ،اتج الرتاجم" ص ،188 :والزركلي" ،األعالم" .11 :2
331
بني أه العلم ،وًل بد فيه من أن يكون مورد التقسيم مشرتكا بني أقسام ،فإتك لذا
قسمت اجلسم ل ى :مجاد وحيوان :كان ك واحد منهما جسما ،ولذا قسمت احليوان
جسما وحيو ااان.
ل ى لتسان وفرس وطري :كان ك واحد منهما ا
-4تقسيم الك ل ى أجزائه كتقسيم اإلتسان ل ى :احليوان والناطق.
وًل يستقيم فيه لطالق اسم الك على ك قسم بطريق احلقيقة ،فإن اسم
اإلتسان ًل يطلق على :احليوان والناطق؛ ب يطلق على اجملموع.
-1تقسيم الشيء ابعتبار أوصافه ،كتقسيم اإلتسان ل ى :عامل وكاتب ،وأبيض
ومن أن يوجد يف اجلميع من وأسود ،وًل بد فيه من اشرتاك مورد التقسيم أيضا ،ي
يوصف ابلكتابة دون العلم ،وابلبياض دون السواد ،وابلعكس؛ ليتميز ك قسم عن
غريه يف اخلارج.
ولو تؤم فيما حنن بصدده فليس هو من قبي األول؛ لعدم اشرتاك مورد
التقسيم فيه بني األقسام؛ لذ ًل ميكن أن حيكم على مأخذ العام مثال أبته عام ،وًل
على مأخذ اجملاز أبته جماز؛ ب ًل ميكن أن حيكم على ما ذكران أته من الكتاب،
وأص َمورد التقسيم :الكتاب.
وًل هو كذلك من قبي الثاين؛ ألن معرفة موضع اًلشتقاق ليس من أجزاء
اخلاص ،وكذا معرفة معناه وحكمه وترتيبه ،وقس عليه سائر األقسام.
وًل هو من قبي الثالث كذلك؛ ألن مورد التقسيم ليس مبشرتك ،وألن معرفة
مأخذ اشتقاق لفظ اخلاص ليس وصفا حلقيقة اخلاص ،وهو لفظ الطواف أو الركوع
والسجود مثال ،كما أن معرفة مأخذ اشتقاق لفظ اإلتسان ًل يكون وصفا حلقيقة
اإلتسان ،وكذا معرفة معناه وحكمه وترتيبه ليست من أوصافه ،فال يستقيم هبذا
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
331
اًلعتبار أيضا.
كما ًل يستقيم أن يقال :اإلتسان أقسام :قسم منه أن مأخذ امسه :اإلتس،
وقسم منه أن معناه :حيوان انطق ،وقسم منه أته :مقدم على الفرس يف الشرف.
ولئن ُسلي َم أن املعاين املذكورة من أوصاف ك فرد ابعتبار تعلقها به؛ -لذ
صح أن يقال :اخلاص الذي مأخذ اشتقاق امسه كذا ،أو معناه كذا ،أو حكمه كذا
أيضا؛ لذ ًل بد من أن يتميز ك قسم عن غريه مبا خيصه؛ ليظهر فائدة
ً :-ل يستقيم ا
التقسيم.
وميكن القول أبن اخلاص :أربعة أقسام ،والعام كذلك ل ى آخر األقسام؛ وقد
تعذر ذلك ههنا؛ ألن املعاين املذكورة ًلزمة لك فرد من أفراد ك قسم؛ لذ ما من
خاص لًل وًلمسه مأخذ ،وله معىن ،وحكم ،وترتيب ،فكيف يتميز خاص عن خاص
ابعتبار هذه املعاين؟
وهذا كما يقال :اإلتسان قسمان ،قسم منه عريض األظفار ،وقسم منه
مستوي القامة ،وفساده ظاهر؛ ألن املعنيني من لوازم ك فرد ،فبيم يتميز أحد
القسمني عن اآلخر؟!.
وًل يقال :التمييز بني املعنيني اثبت يف العق ،فيكفي ذلك لصحة التقسيم؟
ألته يقال :ذلك ساقط اًلعتبار يف التقسيم؛ لذ التكلف ل ى هذا احلد يف
خصوصا
ا التقسيم ليس من عادة أه العلم ،ولتك ًل جتد تقسيما يف توع من العلوم
يف العلوم اإلسالمية هبذا اًلعتبار.
فثبت عند احملققني :أن تقسيم الكتاب على مثاتني قسما غري متضح؛ ب
331
على املعىن :هو التقسيمات دون حقيقة األقسام؛ لذ ليس للقرآن والسنة قسم يشتم
على اخلاص والعام واملشرتك واملؤول ،وقسم آخر يشتم على احلقيقة واجملاز والصريح
والكناية ،وغري ذلك؛ ب لن مجيع القرآن واحلديث ينقسم ل ى اخلاص والعام واملشرتك
واملؤول ابعتبار ،مث مجيعه كذلك ينقسم ل ى احلقيقة واجملاز والصريح والكناية ،وهكذا،
فكان األو ى أن يطلق عليها تقسيمات؛ ًل أقسام(.)1
فيكون ذكرهم لألقسام هنا من قبي ذكر املسبب ولرادة السبب؛ فإن التقسيم
سبب حلصول األقسام.
خاصا
وعلى هذا فيمكن أن جتتمع أقسام التقسيمات املختلفة ،فيكون اللفظ ًّ
وحقيقة؛ ألن التباين يكون يف األقسام حتت التقسيم الواحد ،كاخلاص مع العام،
فهما متباينان ،وأما أقسام التقسيمات املتعددة فال تكون متباينة(.)4
" :واعلم أته جيب يف ك قسم من هذه األقسام أن يقول صدر الشريعة
يعترب من حيث هو كذلك؛ حَت ًل يتوهم التنايف بني ك قسم وقسم ،فإن بعض
األقسام قد جيتمع مع بعض ،وبعضهاً :ل ،مث قولنا :جرت العيون ،فمن حيث لن
العني وضعت اترة للباصرة ،واترة لعني املاء :تكون العني مشرتكة هبذه احليثية ،ومن
حيث لن العيون شاملة ألفراد تلك احلقيقة ،وهي :عني املاء مثال :تكون عامة هبذه
احليثية .فعلم :أته ًل تنايف بني العام واملشرتك؛ لكن بني العام واخلاص تناف؛ لذ ًل
( )1اإلزمريي ،حممد" ،حاشية األزمريي"( ،مطبعة حممد البوسنوي1488 ،ه ــ).114 :1 .
( )4النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" ،127 :1السنبلي احلنفي ،حممد
بن حسني" ،حاشية السنبلي"( ،بريوت ،دار الكتب العلمية1218 ،ه ــ).24 :1 .
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
303
ميكن أن يكون اللفظ الواحد خاصا وعاما ابحليثيتني ،فاعترب هذا يف البواقي فإته
سه بعد الوقوف على احلدود اليت ذكران"(.)1
النظرة الثانية:
ه الثبوت هلذه األقسام بطريق العق أو اًلستقراء؟ وه هي اثبتة يف اخلارج؟
احملققون من احلنفية يرون أهنا اثبتة استقراءا ،وهو اًلستقراء التام فيما ميكن أن
حيصر وتضبط أفراده ،وهذا كذلك ،وذكرهم له بطريقة وصورة اًلستدًلل العقلي؛ ألته
جائز ليراده به كما هو مقرر يف علم املناظرة؛ ألن دًلئ احلصر اليت ذكرها الشارحون
غري اتمة .وليست هذه األقسام اثبتة يف اخلارج؛ ب هي اعتبارات عقلية(.)4
النظرة الثالثة:
:معرفة وجوه الوقوف على املعاين مبعرفة :مواضعها جع اإلمام البزدوي
ومعاتيها وترتيبها وأحكامها :من مجلة أقسام الكتاب يف ظاهر كالمه ،فكيف جييب
عنه الشراح الذين جعلوا األقسام ًل تتجاوز العشرين؟
وقد أجاب الشراح َّ
بعدة أجوبة:
-1أته مل يرد بقوله" :قسم خامس" أته قسيم األقسام األربعة املتقدمة؛ ألته ًل
يستقيم؛ ب أراد :أن معرفة تلك األقسام متوقفة على هذا القسم ،فكأته قسم خامس
هلا ،فليس هو يف الواقع تقسيما للقرآن؛ ب تقسيم ألسامي أقسام القرآن؛ ألج أن
(" )1حاشية عزمي زاده" ، 161 :1اهلندي احلنفي حممد بن أيب سعيد" ،تور األتوار يف شرح
املنار"( ،بريوت /لبنان ،دار الكتب العلمية1218 ،هــ).88 :1 .
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" .47 :1
( )1ابن جنيم" ،فتح الغفار"( ،ط ،1بريوت ،دار الكتب العلمية1244 ،ه ــ) .18 :1
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
301
كتابه العزيز قسم الكتاب ل ى قسمني :حمكم ومتشابه( ،)1فتكون هذه التقسيمات
خمالفة للكتاب؟
وأجيب :أبته ليس املقصود من التقسيم احلصر؛ لوجود أقسام أخرى مث ما
كالصالة والزكاة ،وغري ذلك من يتوقف معرفته من الكتاب على بيان الرسول
سائر اجملمالت ،فصار هناك قسم آخر خارجا عنهما مجيعا ،فاتتفى دعوى احلصر،
وعليه فيصح استنباط التقسيمات ابختالف اًلعتبارات ،مما يتضح أله اًلجتهاد
من السادات(.)4
املبحث الثاني :مناهج احلنفية يف حبث دالالت األلفاظ تفصيالً
وفيه أربعة مطالب:
املطلب األوَّل :يف وجوه النظم" الوضع "يف الكتاب والسنة عنّ احلنفية
وفيه فرعان:
الفرع األول :تدقسيمات احلنفية لوجوه النظم يف الكتاب والسنة ،ووجه
الضبط فيها.
وجه الشيء لغةً :طريقه ،يقال :ما وجه هذا األمر؟ أي :ما طريقه؟
وقي الوجه مبعىن :اجلهة واًلعتبار ،فيكون املعىن :يف اعتبارات النظم صيغة
ولغة(.)1
وهذا التقسيم يتعلق ابلنظم تفسه حبسب توحد املعىن وتكثره ،ويتعلق ابملفردات
ًل املركبات؛ ولذا قدمه على غريه.
وقد قسم مجهور احلنفية وجوه النظم ل ى أربعة ،وهي:
اخلاص ،والعام ،واملشرتك ،واملؤول(.)4
لمجاًل.
وهذا التقسيم اتفق عليه املتأخرون ا
ووقع اخلالف يف املؤول وكوته من أقسام النظم على قولني:
القول األول :أن املؤول يدخ يف أقسام النظم ،وعليه اجلمهور؛ ألن احلكم
بعد التأوي يضاف ل ى الصيغة واللغة؛ كأن الصيغة كاتت هلذا املعىن من اًلبتداء مع
اًلحتمال؛ ألن لضافة احلكم ل ى الدلي األقوى أو ى؛ وهلذا كان احلكم يف املنصوص
عليه مضافا ل ى النص ًل ل ى العلة؛ ألته أقوى منها ،ولن كان يف غري حم النص
مضافا ل ى العلة.
خبالف املفسر؛ ألن التفسري الالحق به مثله يف القوة ،فيجوز لضافة احلكم
ل ى املفسر ،وهذا كاجملم لذا حلقه البيان خبرب الواحد يكون ذلك اثبتا قطعا ،ولن كان
خرب الواحد ًل يوجب احلكم بنفسه قطعا؛ ألن بعد البيان يضاف احلكم ل ى املفسر؛
لكوته أقوى ًل ل ى خرب الواحد.
( )1الرامشي ،علي بن حممد" ،فوائد البزدوي" ،حتقيق :عامر بن أمحد النداوي (بريوت ،دار
الكتب العلمية1218 ،هــ) .168 :1
( )4التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" .88 :1
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
301
القول الثاين :أن املؤول ليس من أقسام النظم؛ ب من أقسام البيان كاملفسر،
وبه قال العالء البخاري ،وصدر الشريعة()1؛ ألته من عم اجملتهد فيكون تسبته ل ى
النظم مشكالا؛ ألته لن كان يستقيم فيما لذا ترجح بعض وجوه املشرتك ابلرأي :فال
يستقيم فيما لذا ظهر املراد من اخلفي أو املشك ابلرأي ،وًل فيما لذا مح الظاهر أو
النص على بعض حمتمالته بدلي ظين؛ ألهنا ليست من أقسام الصيغة واللغة(.)4
وبناءا على هذا فإن صاحب التوضيح مل يعد املؤول ،وأدرج اجلمع املنكر بناءا
على ما اختاره من أته واسطة بني اخلاص والعام(.)1
وقد اختلفت عباراهتم يف ضبط هذا التقسيم ،وهاك بعضها:
-1اللفظ املوضوع :لما أن يكون وضعه لكثري ،أو لواحد.
واألول :لما أن يكون وضعه للكثري بوضع كثري ،أو ًل ،فإن كان بوضع كثري
حمصورا يف عدد معني حبسب دًللة اللفظ،
ا فهو :املشرتك ،ولًل :فإما أن يكون الكثري
أو ًل ،فإن مل يكن حمصورا :فإن كان اللفظ مستغرقا جلميع ما يصلح له من آحاد
حمصورا يف عدد
ا ذلك الكثري فهو :العام ،ولًل فهو :اجلمع املنكر وحنوه ،ولن كان
معني فهو من أقسام اخلاص.
( )1البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" ،28-22 :1احملبويب ،صدر الشريعة" ،التوضيح
يف ح غوامض التنقيح".82 :1 ،
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" ،28 :1الرهاوي" ،حاشية الرهاوي"( ،دار
سعادت ،مطبعة عثماتية1118 ،ه ــ) .181 :1
( )1احملبويب ،صدر الشريعة" ،التوضيح يف ح غوامض التنقيح" ،82 :1ابن جنيم" ،فتح
الغفار".12 :1 ،
301
فينحصر اللفظ هبذا التقسيم يف :املشرتك والعام واخلاص ،والواسطة بينهما،
فاملشرتك :ما وضع ملعىن كثري بوضع كثري.
من أن املؤول خارج عن أقسام الوضع؛ وهذا على رأي صدر الشريعة
ألته ليس ابعتباره ،ب ابعتبار رأي اجملتهد(.)1
وتوضيح اخلالف فيه أن يقال :اللفظ لن وضع للكثري وضعا متعددا:
فمشرتك ،كالعني مثال وضع اترة للباصرة ،واترة للذهب ،واترة لعني امليزان.
احدا ،والكثري غري حمصور:
حدا أي :وضع للكثري وضعا و ا ولن وضع وضعا وا ا
فعام لن استغرق مجيع ما يصلح له ،ولًل فجمع منكر وحنوه ،فإن مل يستغرق مجيع ما
يصلح له ،مث :رأيت مجاعة من الرجال ،فعلى قول من ًل يقول بعموم اجلمع املنكر:
يكون اجلمع املنكر واسطة بني اخلاص والعام ،وعلى قول من يقول بعمومه يراد
ابجلمع املنكر هاهنا اجلمع املنكر الذي تدل القرينة على أته غري عام ،فإن هذا يكون
واسطة بني العام ،واخلاص ،حنو :رأيت اليوم رجاًل؛ فإن من املعلوم أن مجيع الرجال
غري مرئي.
ولن كان الكثري حمصورا ،كالعدد والتثنية ،أو وضع للواحد :فخاص ،سواء كان
الواحد ابعتبار الشخص كزيد ،أو ابعتبار النوع كرج وفرس.
مث املشرتك لن ترجح بعض معاتيه ابلرأي يسمى :مؤوًل(.)4
( )1فرشة ،عبد اللطيف" ،حاشية أتوار احللك ،لعبد اللطيف فرشة" ،حتقيق :للياس قبالن
(لستاتبول ،دار اإلرشاد1218ه ــ) .184 :1
( )4احملبويب ،صدر الشريعة" ،التوضيح يف ح غوامض التنقيح".82 :1 ،
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
301
-4أن تفس النظم ًل خيلو من أن يدل على مدلول واحد وهو اخلاص ،أو
أكثر بطريق الشمول وهو العام ،أو بطريق البدل من غري ترجح البعض على الباقي
وهو املشرتك ،أو مع ترجحه وهو املؤول.
وها هنا نظرات حتليلية يف هذا التقسيم أمجلها يف النقاط اآلتية:
األوىل :قد عرب فخر اإلسالم ومن وافقه عن الوضع بقوله :يف وجوه النظم:
صيغة ولغة ،فما هو مقصوده من ذلك؟
واختلفوا يف املقصود من لفظي :الصيغة واللغة ،على قولني:
األول :أن الصيغة واللغة مرتادفان ،واملقصود واحد ،وهو تقسيم النظم ابعتبار
معناه تفسه؛ ًل ابعتبار املتكلم والسامع.
الثاين :أهنما عبارة عن الوضع ،وعليه األكثر؛ ألن الصيغة هي اهليئة العارضة
للفظ ابعتبار احلركات والسكنات ،وتقدمي بعض احلروف على بعض ،واللغة هي
اللفظ املوضوع ،واملراد هبا هاهنا :مادة اللفظ ،وجوهر حروفه بقرينة اتضمام الصيغة
لليها.
فالواضع كما عني حروف "ضرب" إبزاء املعىن املخصوص :عني هيئته إبزاء
معىن املضي ،فاللفظ ًل يدل على معناه لًل بوضع املادة واهليئة ،فعرب بذكرمها عن
وضع اللفظ(.)1
واحلاصل :أن لك لفظ :معىن لغوي ،وهو ما يفهم من مادة تركيبه .ومعىن
صيغي ،وهو ما يفهم من هيئته ،أي حركاته وسكناته وترتيب حروفه؛ ألن الصيغة
( )1النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" .162 :1
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
301
ينافيه(.)1
الرابعة :لمنا ذكروا مؤول املشرتك يف وجوه الصيغة واللغة خبالف مفسر
املشرتك؛ ألته يف حكم اخلاص ،أو هو مندرج حتت اخلاص.
وميكن أن يقال :أبن مفسر املشرتك ملا حلقه البيان القاطع من قب املتكلم
فيضاف حكمه ل ى تفسري املتكلم؛ ًل ل ى الواضع ،فيخرج من وجوه الصيغة ،ويدخ
يف وجوه البيان(.)4
" :ذكر فخر اإلسالم وغريه :أن أقسام النظم صيغة ولغة يقول التفتازاين
أربعة :اخلاص والعام ،واملشرتك واملؤول ،وفسر املؤول مبا ترجح من املشرتك بعض
وجوهه بغالب الرأي ،وأورد عليه :أن املؤول قد ًل يكون من املشرتك ،وترجحه قد ًل
يكون بغالب الرأي ،كما ذكر يف امليزان :أن اجملم واملشك واخلفي واملشرتك لذا
مفسرا ،ولذا زال خفاؤها بدلي فيه شبهة كخرب
حلقها البيان بدلي قطعي يسمى ا
مؤوًل.
الواحد والقياس يسمى ا
وأجيب عن األول :أبته ليس املراد تعريف مطلق املؤول ،ب املؤول من
املشرتك؛ ألته الذي من أقسام النظم صيغة ولغة.
وعن الثاين :أبن غالب الرأي معناه الظن الغالب ،سواء حص من خرب
الواحد ،أو القياس ،أو التأم يف الصيغة"(.)1
( )1النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" .162 :1
( )4النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" .166 :1
( )1التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" .82 :1
312
اخلامسة :قد اعرتض البعض على التقسيم ابعتبار الوضع وأته غري منحصر يف
األربعة؛ بدلي أن املطلق واملقيد غري هذه األربعة؟
وأجابوا عن ذلك :أبهنا داخلة فيه؛ فإن املطلق :لما عام أو خاص أو مشرتك،
ولمنا يكون غري منحصر أن لو وجد مطلق أو مقيد خارج عن هذه األقسام ،ومل
يوجد(.)1
الفرع الثاني :أحكام هذه التدقسيمات عنّ التعارض.
لذا تعارض العام مع اخلاص؛ فإن له صورا متعددة ،وأحو ااًل خمتلفة.
وحاصل الكالم فيه عندهم :أته لن تعارض اخلاص والعام أبن يدل أحدمها
على ثبوت حكم ،واآلخر على اتتفائه :فإما أن يعلم أتخر أحدمها عن اآلخر ،أو ًل.
فإن مل يعلم التاريخ :مح على املقارتة ،ولن جاز أن يكون أحدمها يف الواقع
انسخا؛ لتأخره مرتاخيا ،واآلخر منسوخا لتقدمه ،ولمنا قيد بذلك؛ ًلحتمال أن يكون
انسخا ،ولذا مح على املقارتة:
خمصصا ًل ا
ا اخلاص يف الواقع موصوًل ابلعام فيكون
يثبت حكم التعارض يف القدر الذي تناوله اخلاص ،والعام مجيعا؛ ًل يف القدر الذي
تفرد العام بتناوله؛ فإن حكمه اثبت بال معارض.
وإن علم التاريخ :فاملتأخر لما العام ولما اخلاص ،فعلى األول :يكون العام
موصوًل به،
ا انسخا للخاص ،وعلى الثاين :يكون اخلاص خمصص ا للعام لن كان ا
وانسخا له يف قدر ما تناوًله لن كان مرتاخيا عنه(.)4
( )1أبو منصور حممد بن حممد بن حممود املاتريدي ،متكلم أصويل ،من كبار العلماء ،خترج أبيب
تصر العياضي ،كان يقال له لمام اهلدى ،له كتاب "التوحيد" ،وكتاب "املقاًلت" ،وكتاب
"بيان أوهام املعتزلة" ،وكتاب "أتويالت القرآن" ،وله كتب شَت ،تويف سنة111( :هـ) .اتظر:
"اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية" " ،111 :4معجم املؤلفني" " ،111 :11سلم الوصول
ل ى طبقات الفحول" .488 :1
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" .2 :1
310
به على حسب وجوب العم ابلظاهر؛ لًل أن وجوب العم ابلظاهر اثبت قطعا،
ووجوب العم ابملؤول اثبت مع احتمال السهو والغلط فيه ،فال يكون قطعا مبنزلة
العم خبرب الواحد؛ ألن طريقه غالب الرأي ،وذلك ًل ينفك عن احتمال السهو
والغلط(.)1
املطلب الثاني :يف وجوه البيان يف الكتاب والسنة عنّ احلنفية
وفيه فرعان:
الفرع األول :تدقسيمات احلنفية لوجوه البيان يف الكتاب والسنة ،ووجه
الضبط فيها.
املراد هنا :تقسيمه بعد الرتكيب حبسب ظهور املعىن للسامع وخفائه عليه؛
ألن املراد من البيان ههنا :لظهار املعىن أو ظهوره للسامع ،وذلك لمنا يكون بعد
الرتكيب ،وهو املراد من قوهلم :البيان بذلك النظم.
ويسمى عند البعض بـ ـ ـ" :املتقابالت" ،والتقاب جنس حتته أتواع أربعة:
التناقض ،والتضاد ،والتضايف ،وامللكة والعدم ،وقد يطلق على ك واحد من هذه
األربعة اسم الضد يف اصطالح الفقهاء ،وهو املراد هاهنا ،فيكون التقدير :األقسام
اليت ك واحد منها يضاد اآلخر(.)4
ولمنا ذكر يف هذا القسم املتضادات يف مقابلتها؛ ألهنا ًل تكون متضادة يف
أتفسها؛ ألن يف الك ظهورا ،والظهور ًل يضاد الظهور ،خبالف القسم األول
( )1البابريت احلنفي ،أكم الدين" ،التقرير ألصول البزدوي" ،181 :1ابن جنيم" ،فتح الغفار"،
.12 :1
( )4النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" .47 :4
( )1النعماين اهلندي احلنفي ،صفي الدين" ،معدن األصول" .11 :1
311
هذا التقسيم ينظر فيه حبسب استعمال املتكلم؛ ألن اللفظ بسبب اًلستعمال
يتصف بكوته حقيقة أو جمازا؛ ًل ابلوضع .وهو من صفات الكالم عند األكثرين
دون اإلسناد ،ولذا وصف النسبة ابحلقيقية واجملازية دون احلقيقة واجملاز؛ لًل أن
اتصاف الكالم هبما لمنا هو ابعتبار اإلسناد(.)1
والفرق بني هذا القسم والقسم الثاين :أن القسم الثاين يف تفس البيان ،وهذا
القسم يف كيفية استعمال اللفظ يف ابب البيان ،وهو يشم القسمني األولني؛ ألن
األول خاص ابملفردات "الوضع" ،والثاين خاص ابملركبات "الظهور واخلفاء" ،وهذا
القسم جيري فيهما(.)4
وهلذا ذكر اجملاز يف أقسام استعمال النظم الذي هو راجع ل ى املتكلم،
واملقتضى يف أقسام الوقوف على املراد الذي هو حظ السامع(.)1
وقد أطبقوا على تقسيم هذا النوع ل ى أربعة ،وهي :احلقيقة واجملاز ،والصريح
والكناية.
وقد اختلفت عباراهتم يف ضبط هذا التقسيم ،وهاك ضابطا منها:
-1أن اللفظ املستعم ًل خيلو :من أن يكون مستعمال يف موضوعه ،وهو:
مستعمال فيما وضع له لقرينة ،وهو :اجملاز.
ا احلقيقة ،أو ًل يكون
( )1التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" ،111 :1الرهاوي" ،حاشية الرهاوي" .187 :1
( )4ابن جنيم" ،فتح الغفار" ،21 :4 ،اللكنوي ،حممد بن عبد احلليم" ،قمر األقمار على كشف
األسرار"( ،مصر ،املطبعة األمريية1116 ،ه ــ).616 :1 .
312
( )1اهلندي احلنفي حممد بن أيب سعيد" ،تور األتوار يف شرح املنار".616 :1 ،
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" .24 :4
( )1السرخسي" ،أصول السرخسي" .182 :1
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
313
املطلب الرابع :يف وجوه االستّالل ،ومعرفة املراد يف الكتاب والسنة عنّ
احلنفية
وفيه فرعان:
الفرع األول :تدقسيمات احلنفية لوجوه االستّالل ،ومعرفة املراد يف
الكتاب والسنة ،ووجه الضبط فيها.
هذا التقسيم يتعلق بوجوه الوقوف ،أي وقوف السامع على مراد املتكلم ومعاين
الكالم ،وهو قسم اًلستثمار واًلستدًلل ،فهو يرجع ل ى اجملتهد(.)1
وعرب عنه بعضهم بقوله" :يف وجوه اقتناص احلكم من النظم"(.)4
وهو ولن كان صفةا للمستدل ،وليس من أقسام الكتاب؛ لكن ملا مل تفد
األقسام بدوته عده منها ،أو من ابب التسامح(.)1
واحلاصل :أن اًلستدًلل صفة املستدل ًل النظم ،ولمنا صفة النظم هو ذات
عبارة النص(.)2
وقد قسموا وجوه االستدالل إىل أربعة :اًلستدًلل بعبارة النص -وهو ما
عرب عنه الدبوسي ب ـ ـ ـ :عني النص -وإبشارته وبدًللته وابقتضائه.
وقد اختلفت عباراهتم يف ضبط هذا التقسيم ،وهاك ضابطا منها:
-1أته ًل خيلو من :أن يستدل يف لثبات احلكم ابلنظم -تفس اللفظ ،-أو
غريه.
واألول :لن كان مسوقا له فهو :العبارة ،ولن مل يكن فهو :اإلشارة .والثاين:
شرعا فهو :اًلقتضاء ،ولن مل يكن
لن كان مفهوما لغة فهو :الدًللة ،ولن كان مفهوما ا
مفهوما لغة وًل شرعا فهي :التمسكات الفاسدة(.)1
وها هنا نظرات حتليلية يف هذا التقسيم أمجلها يف النقاط اآلتية:
األوىل :اعلم أن عامة األصوليني من احلنفية املتقدمني جعلوا احملذوف من ابب
املقتضى ،ومل يفصلوا بينهما ،فقالوا :هو جع غري املنطوق منطوقا؛ لتصحيح
اتبع املتقدمني ،وجع املنطوق .وأته يشم اجلميع ،والقاضي اإلمام أبو زيد
احدا.
قسما و ا
ا الك
فرأى أن العموم متحقق يف بعض أفراد هذا النوع مث جاء اإلمام البزدوي
-أعين احملذوف -فسلك طريقة أخرى ،وفص بني ما يقب العموم وما ًل يقبله،
وجع ما يقب العموم قسما آخر غري املقتضى ومساه حمذوفا ،وعليه سار املتأخرون
بعده(.)4
فكان هلذا اًلختالف أثر يف التقسيم ،ووجه الضبط فيه.
الثانية :قد ذكروا فروق ا بني املقتضى واحملذوف -بناء على قول من فرق
بينهما ،-ومنها:
( )1تكري ،القاضي عبد النيب بن عبد الرسول األمحد" ،دستور العلماء".76 :4 ،
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" .422 :4
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
311
-1أن املقتضى شرعي خبالف احملذوف فإته لغوي.
-4أن كال من ي
املقتضي واملقتضى مرادين للمتكلم ،خبالف ابب احلذف؛ فإن
املراد فيه هو احملذوف دون املصرح به.
-1أن املقتضى ًل يقب العموم خبالف احملذوف فإته يقبله(.)1
الثالثة :قد يقال :أبن قوهلم" :عبارة النص" يف هذا التقسيم يتعارض مع
مصطلح النص يف ابب البيان ،فما الفرق بينهما؟
وأجابوا عن ذلك :أبته ًل يراد ابلنص هنا :النص اًلصطالحي وهو ما يقاب
الظاهر؛ ب املراد بعبارة النص :عينه -كما عرب الدبوسي عنه بذلك ،-فاإلضافة
من قبي :مجيع القوم ،وك الدراهم.
الرابعة :قد يقال :أبن قوهلم يف تعريف عبارة النص" :العم بظاهر ما سيق
الكالم له" ،فما الفرق بني السوق هنا وبني السوق يف مصطلح النص يف ابب البيان؟
وأجابوا عن ذلك :أبته ًل يراد ابلسوق هنا ما أريد يف معىن النص؛ ب املراد
به هنا :جمرد التكلم به إلفادة معناه سواء كان سوقا أصليًّا ،أو ًل(.)4
اخلامسة :الثابت ابلدًللة قد يكون ظاهرا كحرمة الضرب الثابتة بنص
التأفيف ،وقد يكون خفيًّا كثبوت الكفارة يف املتنازع فيه مبنزلة الثابت ابإلشارة ،وقد
ظاهرا وخفيًّا.
يكون ا
( )1اإلخسيكي احلنفي ،حسام الدين" ،املذهب يف أصول املذهب على املنتخب"( ،سوراي ،دار
الفرفور1212 ،هـ).181 :1 .
( )4ابن جنيم" ،فتح الغفار".22 :4 ،
311
فأما املعىن الذي تعلق به احلكم فال بد من أن يكون ظاهرا يعرفه أه
اللسان ،ولًل كان قياسا ًل دًللة(.)1
الفرع الثاني :أحكام هذه التدقسيمات عنّ التعارض.
لذا تعارضت هذه األقسام فيقدم األقوى على ما دوته ،فتقدم العبارة ،مث
اإلشارة ،مث الدًللة ،مث اًلقتضاء ،وذلك يف صور منها:
-1تعارض اإلشارة مع الدًللة ،فتقدم اإلشارة؛ ألن يف اإلشارة وجد النظم
واملعىن اللغوي ،ويف الدًللة مل يوجد لًل املعىن اللغوي ،فتقاب املعنيان وبقي النظم
ساملا عن املعارضة يف اإلشارة ،فرتجحت بذلك.
:لن الكفارة جتب يف القت العمد؛ ألهنا ملا ومثال ذلك :ما قال الشافعي
{ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ وجبت يف القت اخلطإ للجناية مع قيام العذر بقوله
ﭞ ﭟ} [سورة النساء ]24 :اآلية؛ فألن جتب ابلعمد وًل عذر فيه من ابب
أو ى.
{ :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ويعارضها قوله
ﮙ ﮚ} [سورة النساء ]21 :فإته يشري ل ى عدم وجوب الكفارة فيه ،وذلك ألته
جع ك جزائه جهنم؛ لذ اجلزاء اسم للكام التام ،فلو وجبت الكفارة معه كان
املذكور بعض اجلزاء ،فلم يكن كامال اتما ،فرجحت اإلشارة على الدًللة.
-4تعارض اًلقتضاء مع أحد األتواع الثالثة؛ فإن الثابت ابلنص أو لشارته أو
دًللته يكون أقوى من الثابت ابملقتضي؛ ألته اثبت ابلنظم أو ابملعىن اللغوي ،فكان
( )1يشري بذلك ل ى ما رواه عبد الرزاق يف "مصنفه" ( ،)12811 ،12814وأمحد يف "مسنده"
كما يف الزيلعي" ،تصب الراية" ،16 :2والبغوي يف "مسند ابن اجلعد" ،ص،281 :
والبيهقي يف "الكربى" ،812 :8من طريق زوجة أيب لسحاق ،أهنا دخلت على عائشة يف
تسوة فسألتها امرأة فقالت :اي أم املؤمنني ،كاتت يل جارية ،فبعتها من زيد بن أرقم بثمان
مائة ل ى أج ،مث اشرتيتها منه بست مائة ،فنقدته الستمائة ،وكتبت عليه مثان مائة ،فقالت
عائشة" :بئس وهللا ما اشرتيت ،وبئس وهللا ما اشرتي ،أخربي زيد بن أرقم :أنه قد أبطل
إال أن يتوب" ،فقالت املرأة لعائشة :أرأيت لن أخذت رأس مايل جهاده مع رسول هللا
ورددت عليه الفض ؟ قالت { :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ } [سورة البقرة ]478:اآلية ،أو
قالت{ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ} [سورة البقرة ]472:اآلية .ينظر :الزيلعي" ،تصب
الراية" .16 :2
( )4البخاري ،عالء الدين" ،كشف األسرار" .417 :4
311
املبحث الثالث :وجوه النظم والبيان واالستعمال واالستّالل ،وعالقتها
باللفظ واملعنى
اختلف أصوليو احلنفية يف العالقة بني هذه األقسام األربعة ،وبني اللفظ
واملعىن ،أي أن هذه األقسام ه ترجع ل ى اللفظ فقط ،أم املعىن ،أم البعض دون
البعض ،وكان خالفهم على أقوال:
-1ذهب بعضهم ل ى أن أقسام التقسيم الرابع أقسام للمعىن ،والبواقي للنظم،
وهو ظاهر عبارة البزدوي يف تقسيمه؛ ألته ذكر يف األقسام الثالثة األ َُول لفظ النظم،
وما هو صفة اللفظ ،وذكر يف القسم الرابع لفظ املعاين(.)1
-4وذهب بعضهم ل ى أن قسمي :الدًللة واًلقتضاء أقسام للمعىن ،والبواقي
للنظم(.)4
-1وذهب كثري من احملققني كصدر الشريعة ومنال خسرو( )1ل ى أن اجلميع
وميال ل ى الضبط ،كما قالوا :القرآن
أقسام اللفظ ابلنسبة ل ى املعىن؛ أخذا ابحلاص ،ا
( )1التفتازي ،سعد الدين" ،التلويح" ،81 :1وفرشة ،عبد اللطيف" ،حاشية أتوار احللك ،لعبد
اللطيف فرشة" .128 :1
311
خاصة"(.)1
وقد حقق هذه املسألة مبا ًل مزيد عليه اإلمام البابريتُّ( )4يف تقريره على
البزدوي(.)1
h
اخلامتة
h
تقسيمات دالالت األلفاظ عند احلنفيَّة -دراسة حتليليَّة استقرائيَّة -
313
bibliography
Prepared by :
Dr. Muhammad bin Qaynan bin Abu al-Rahman Al-Nutaifat
Associate Professor - King Saud University, College of
Education, Department of Islamic Studies, Course of
Islamic Jurisprudence and its Fundamentals
Email: abomalek22@hotmail.com
ملخص البحث
معرفة اللغة اليت تزل هبا القرآن والسنة وما كان الصحابة يفهمون عند مساع
تلك األلفاظ؛ هو ما قرره الشافعي يف كتبه األصولية ،وقد اختلف عن األصوليني يف
بيان «البيان» ،واشتملت طريقته يف بيان مصطلح «البيان» على تصوص الشريعة
وليرادها ،فكان عن األمهية العلمية توضيح اًلختالف يف منهجية املصطلح األصويل
بني الشافعي وغريه ،وتدور مشكلة البحث حول اًلختالف بني الشافعي واجلصاص
حمدودا بتعريف «البيان» عند الشافعي واعرتاضات
يف مصطلح «البيان» فجاء البحث ا
اجلصاص عليه ،وما يقتضي ذلك من اًلستقراء والتحلي ،واإلجابة عن األسئلة
التالية:
ما هو «البيان» عند الشافعي؟
وما هي اعرتاضات اجلصاص على اإلمام الشافعي؟
وما مدى صحة اعرتاضات اجلصاص على الشافعي؟
واعتمدت املنهج اًلستقرائي والتحليلي فتوصلت ل ى ما يلي:
الشافعي يعتمد يف تعريف «البيان» على استقراء استعماًلت الشريعة هلا ،ومل
يكن ملنهج املناطقة أثر يف طريقته ،فكان مهه بيان منهجية اًلستدًلل ابلنصوص
الشرعية واستعماًلهتا ،وأما اعرتاضات اجلصاص فلم ي
حيرر فيها موطن النزاع؛ فالشافعي
ص َد َحداص قَ َ
ص َد «البيان» من جهة كيفيات وروده يف الشريعة ومراتبه .واجلص ُ قَ َ
«البيان» من جهة ماهيته.
الكلمات املفتاحية( :األصول -البيان -املصطلح).
310
Abstract
املدقِّمة
اخلليفة"(.)1
فاستخالفه يف األرض ولعماره هلا كاتت الغاية -منها -عبادته ،وهذه املهمة
مثارها لًل ابللغة اليت هبا البيا ُن.
ًل تتحقق وًل تُؤيت َ
{ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ قال
ﮁ} [سورة الرمحن.]4-1:
قال احلسن" :يعين :النُّطق ،قال الضحاك ،وقتادة ،وغريمها :يعين :اخلري والشر.
وقول احلسن -هاهنا -أحسن وأقـوى؛ ألن ي
السياق يف تعليمه -تعا ى -القرآ َن ،وهو
أداءُ تالوته ،ولمنا يكون ذلك بتيسري النُّطق على اخلَْلق ،وتسهي خروج احلروف من
مواضعها من احللق واللسان والشفتني ،على اختالف خمارجها وأتواعها"(.)4
فتعليم البيان أييت -يف الرتتيب -بعد خلق اإلتسان؛ ليتضح لنا أن البيان من
ُ
أه يم خصائص اإلتسان .ويقول اجلاحظ -يف ذات ي
السياق" :-ألن مدار األمر على
َمحَ َد"(.)1
ني؛ كان أ ْ
البيان والتبيني ،وعلى اإلفهام والتفهيم ،وكلما كان اللسان أَبْ ََ
كبريا ،حيث جاء ي
تطوارا ا
شهدت اللغةُ العربية -بعد تزول القرآن الكرمي ُّ - وقد
اإلسالم حبضارة جديدة ،عرب عن منهجه يف قيامها مبفردات عربية هلا مدلوًلت
فمثال :الصالة -يف
شرعية خاصة؛ فكان ًل بد من معرفة مراد الشارع مبصطلحاته ،ا
( )1عبد الرمحن بن انصر السعدي" .تفسري السعدي" .احملقق :عبد الرمحن بن معال اللوحيق.
(الطبعة :األو ى ،مؤسسة الرسالة1241 ،هـ 4111-م).22 :1 .
( )4السعدي" ،تفسري السعدي".282 :7 .
( )1عمرو بن حبر اجلاحظ" .البيان والتبيني"( .بريوت :دار ومكتبة اهلالل1241 ،هـ).11 :1 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
األص :-هي "الدعاء" ،ويف الشرع :هي "عبادة خمصوصة".
لرث آابئيهم يف قال ابن فارس " :كاتت العرب يف جاهليتها على لرث يمن ي
ْ
حالت أحو ٌال، ْ ابإلسالم وآداهبم وتَ َسائيكهم وقرابينيهم ،فلما جاء هللا
لغتيهم ي
اضع
اضع ل ى مو َ ظ من مو َ قلت من اللغة ألفا ٌ أمور ،وتُ ْ ُبطلت ٌ
دايانت ،وأ ٌْ سخت
وتُ ْ
رطت؛ فكان مما جاء يف اإلسالم رعت ،وشرائ َط ُش ْ ائع ُش ْ
يدت ،وشر َ ُخَر؛ بزايدات يز ْ أَ
ذكر املؤمن ،واإلميان -وهو التصديق ،-مث زادت الشريعة شرائ َط وأوصافاا مبا ُيمس َي ُ
املؤمن – ابإلطالق -مؤمناا .ل ى أن قال :ومما جاء يف الشرع( :الصالة) وأصله يف ُ
)1 (
لغتهم :الدعاء ،كذلك (الصيام) أصله عندهم :اإلمساك" .
أفض َ اخللق أمجعني ،صـارت أحاديثه أفصح ي ي ومبجيء تبينا حممد ،
ْت على ضل ُ الكالم بعد القرآن الكرمي؛ عن أيب هريرة عن الن ييب حممد قال( :فُ ِ
ب ،وأ ِ ُعطيت جوامع ال َكلِ ِم ،ونُ ِ ِ
الغنائم،
ُ ت يل ُحلَّ ْ ابلر ْع ِ
ت ُّ ص ْر ُ َ األنبياء بِ ِست :أ ُ
وختِ َم يب النَّبيُّون)(.)4ْق كافَّةًُ ،
ُرسلت لل َخل ِ
ورا ومسج ًدا ،وأ ُ األرض طَ ُه ً
ُ علت يل
وج ْ ُ
( )1أمحد بن فارس بن زكرايء" .الصاحيب يف فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب يف كالمها".
(الطبعة :األو ى ،حممد علي بيضون1218 ،هـ1227-م).22 .
( )4أخرجه حممد بن لمساعي البخاري" .صحيح البخاري" .احملقق :حممد زهري بن انصر الناصر.
(الطبعة :األو ى ،دار طوق النجاة (مصورة عن السلطاتية إبضافة ترقيم حممد فؤاد عبد
« :نصرت ابلرعب مسرية الباقي)1244 ،هـ) .كتاب اجلهاد والسري ،ابب قول النيب
شهر» 82 :2رقم 4277؛ ومسلم بن احلجاج" .صحيح مسلم" .احملقق :حممد فؤاد عبد
الباقي( .بريوت :دار لحياء الرتاث العريب) ،كتاب املساجد ومواضع الصالة ،ابب جعلت يل
وطهورا ،171 :1 .رقم ،841من حديث أيب هريرة .
ا مسجدا
ا األرض
311
( )1أخرجه اإلمام أمحد بن حممد" .مسند اإلمام أمحد بن حنب " .احملقق :شعيب األرتؤوط -
عادل مرشد ،وآخرون ،لشراف :د عبد هللا بن عبد احملسن الرتكي( .الطبعة :األو ى ،مؤسسة
الرسالة1241 ،هـ 4111 -م) ،286 :2 .رقم 4761؛ سليمان بن األشعث" .سنن أيب
داود" .احملقق :حممد حميي الدين عبد احلميد( .صيدا – بريوت :املكتبة العصرية) .كتاب
األدب ،ابب ما جاء يف الشعر ،111 :2 ،رقم 8111؛ وحممد بن عيسى والرتمذي" .سنن
الرتمذي" .حتقيق وتعليق :أمحد حممد شاكر ،حممد فؤاد عبدالباقي ،لبراهيم عطوة عوض.
(الطبعة الثاتية ،مصر :شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب1128 ،ه1278 ،م).
كتاب األدب ،ابب ما جاء لن من الشعر حكمة ،118 :8 ،رقم 4828؛ وحممد بن يزيد،
ابن ماجه" .سنن ابن ماجه" .حتقيق :حممد فؤاد عبدالباقي( .دار لحياء الكتب العربية،
فيص عيسى البايب احلليب) .كتاب األدب ،ابب الشعر ،11416 :4 ،رقم ،1786من
طرق عن مساك بن حرب ،عن عكرمة ،عن ابن عباس ،عن النيب به.
وقال الرتمذي" :هذا حديث حسن صحيح" ،وحسن لسناده حممد انصر الدين األلباين يف
"سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها"( .الطبعة األو ى ،الرايض :مكتبة
املعارف للنشر والتوزيع ،،جـ 1218 :2 - 1هـ 1228 -م ،جـ 1216 :6هـ 1226 -
م ،جـ 1244 :7هـ 4114 -م).112 :2 .
سحرا ،118 :7رقم 8767؛ ومسلم،وأخرجه البخاري ،كتاب الطب ،ابب لن من البيان ا
كتاب اجلمعة ،ابب ختفيف الصالة واخلطبة ،822 :4من طريق أيب وائ :خطبنا عمار،
فأوجز وأبلغ ،فلما تزل قلنا :اي أاب اليقظان لقد أبلغت وأوجزت ،فلو كنت تنفست ،فقال:
،يقول « :إن طول صالة الرجل ،وقصر خطبته ،مئنة من فقهه، لين مسعت رسول هللا
سحرا» ،واللفظ ملسلم.
فأطيلوا الصالة ،واقصروا اخلطبة ،وإن من البيان ً
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
ادات الشارع من ألفاظه هو ما كان من وهلذا كان املنطق الذي تُفهم به مر ُ
معهود أه العربية أثناء التنزي ،قال شيخ اإلسالم" :اللغة العربية من الدين ،ومعرفتها
فرض ،وًل يُفهم لًل بفهم اللغة العربية ،وما ًل
السنة ٌ
اجب ،فإن ْفهم الكتاب و ُّ
فرض و ٌ
ٌ
اجب على األعيان ،ومنها ما هو
اجب ،مث منها ما هو و ٌ
يتم الواجب لًل به فهو و ٌ
ُّ
اجب على الكفاية ،وهذا معىن ما رواه أبو بكر بن أيب شيبة :حدثنا عيسى بن
و ٌ
يوتس ،عن ثور ،عن عمر بن يزيد قال :كتب عمر ل ى أيب موسى األشعري :
السنة ،وتَفقهوا يف العربية ،وأ َْع يربُوا القرآ َن فإته عريب»( ،)1ويف
«أما بعد ،فتَفقهوا يف ُّ
حديث آخر عن عمر أته قال« :تَـ َعل ُموا العربيةَ؛ فإهنا يمن يدينيكم ،وتَـ َعل ُموا
عمر يمن فقه العربية وفقه ي ي ي ()4
ائض؛ فإهنا من دينكم» ،وهذا الذي أ ََمَر به ُ الفر َ
الدين فيه فقهُ أقوال وأعمال ،ففقهُ العربية هو الشريعة؛ جيمع ما ُحيتاج لليه؛ ألن ي
( )1أخرجه أبو بكر عبد هللا بن حممد ،ابن أيب شيبة" .الكتاب املصنف يف األحاديث واآلاثر".
احملقق :كمال يوسف احلوت( .الطبعة :األو ى ،الرايض :مكتبة الرشد1212 ،هـ):6 .
،116رقم . 42212ولسناده ضعيف؛ لالتقطاع بني عمرو بن دينار وعمر بن اخلطاب،
فعمرو بن دينار لمنا يروي عن صغار الصحابة ،واًلتقطاع بينه وبني عمر بن اخلطاب
ظاهر ،فوًلدته كاتت بعد سنة مخس وأربعني بيقني ،فإته تويف وقد جاوز السبعني كما قال
ابن حبان ،ووفاته كاتت سنة مخس أو ست وعشرين ومائة كما قال اإلمام أمحد .ينظر:
"التهذيب".11 :8 .
( )4أخرجه ابن أيب شيبة يف "املصنف" ،116 :6 .رقم ،42244من طريق احلسن البصري عن
عمر . ولسناده ضعيف؛ ألن احلسن لمنا ولد لسنتني بقيتا من خالفة عمر كما يف
"التهذيب".461 :4 .
311
( )1أمحد بن عبد احلليم ،ابن تيمية" .اقتضاء الصراط املستقيم ملخالفة أصحاب اجلحيم" .احملقق:
انصر عبد الكرمي العق ( .الطبعة :السابعة ،بريوت ،لبنان :دار عامل الكتب1212 ،هـ -
1222م).417 :1 .
( )4أمحد بن عبد احلليم ،ابن تيمية" .جمموع الفتاوى" .احملقق :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم.
(املدينة النبوية ،اململكة العربية السعودية :جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف،
1216هـ1228/م).116 :7 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
ذلك من اًلستقراء والتحلي والنقد.
أسئلة البحث:
-1ما هو «البيان» عند الشافعي؟
-2ما هي اعرتاضات اجلصاص على اإلمام الشافعي؟
-3ما مدى صحة اعرتاضات اجلصاص على الشافعي؟
أهّاف البحث:
-1بيان «البيان» عند الشافعي.
-2ذكر ليرادات اجلصاص ومدى صحتها.
منهج البحث:
سرت يف هذا البحث وفق ما يلي:
وقد ُ
قمت جبمع تصوص الشافعي يف «البيان» واعرتاضات
منهج اًلستقراء :حيث ُ
اجلصاص الواردة يف كتاب «الفصول».
قمت بتحلي كالم الشافعي يف «البيان» مث حتلي
منهج التحلي النقديُ :
اعرتاضات اجلصاص وتقدها.
الّراسات السابدقة:
مل أجد َمن أفرد اعرتاضات اجلصاص على اإلمام الشافعي يف تعريفه للبيان
وتقدها من جهة املنهجية الكلية واجلزئية.
خطة البحث:
املبحث األول :اإلمام الشافعي واملصطلح األصويل.
املبحث الثاين« :البيان» عند الشافعي.
312
( )1حممد بن مكرم ،ابن منظور" .لسان العرب"( .بريوت – لبنان :دار صادر).817 :4 .
( )4حممد بن حممد الزبيدي" .اتج العروس من جواهر القاموس" .احملقق :جمموعة من احملققني.
(دار اهلداية).881 :6 .
( )1علي بن حممد اجلرجاين" .التعريفات" .احملقق :ضبطه وصححه مجاعة من العلماء إبشراف
الناشر( .الطبعة :األو ى ،بريوت – لبنان :دار الكتب العلمية1211 ،هـ 1281-م).22 .
( )2عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي" .معجم مقاليد العلوم يف احلدود والرسوم" .احملقق :أ .د
حممد لبراهيم عبادة( .الطبعة :األو ى ،القاهرة -مصر :مكتبة اآلداب1242 ،هـ -
4112م).11 .
310
اللهم ،هذا
اكتب :ابمسك َّكتااب ،قال رسول هللا ْ ( : أه َ مكة ،وكتب بينه وبينهم ا
ُ ِ
بن عمرو :لوبن عمرو) .فقال ُسهي ُ ُ
رسول هللا ُس َهْي َل َ حمم ٌد
صا ََلَ عليه َّما َ
بن ي
اصطلح عليه حمم ُد ُ
َ اكتب :هذا ما
ك ،ولكن ْ رسول هللا؛ مل أُقَاتلْ َ
أتك ُشهدت َ ُ
بن عمرو"(.)1 ي ي
وسهي ُ ُ
عبدهللا ُ
اضعة اليت اتفق عليها أه العلم يف علم من
فاملصطلح توع من أتواع الْ ُم َو َ
العلوم ،فهو -لفظاا -دال على مفهوم علمي؛ وعليه :فال بد من بيان مفهوم
املصطلح من داخ العلم؛ وذلك ابستقراء كالم أه العلم مث بيان مقصودهم من
العملية اًلستنباطية اًلجتهادية من النصوص الشرعية لذا كان املصطلح أصوليًّا ،فإذا
وضعنا لفظاا؛ فإن هذا اللفظ يدل على املفهوم املراد من كالم أه العلم يف هذا
التخصص بطريق اًلستقرار.
وقال ابن تيمية" :وما من أه فن لًل وهم معرتفون أبهنم يصطلحون على
ألفاظ يتفامهون هبا مرادهم ،كما أله الصناعات العملية ألفاظ ي
يعربون هبا عن
خاصا ،ومرادهم هبا غري املفهوم منها يف أص
صناعتهم ،وهذه األلفاظ ُعرفية ُعْرفاا ًّ
ابطال"(.)4
اللغة ،سواء كان ذلك املعىن حقًّا أو ا
( )1أخرجه اإلمام أمحد يف "مسنده" ،414 :11 .رقم ، 18211من طريق حممد بن لسحاق
بن يسار ،عن الزهري حممد بن مسلم بن شهاب ،عن عروة بن الزبري ،عن املسور بن خمرمة،
ومروان بن احلكم ...احلديث .يف حديث طوي .قال علي بن أيب بكر اهليثمي" .جممع
الزوائد ومنبع الفوائد" .احملقق :حسام الدين القدسي( .القاهرة :مكتبة القدسي1212 ،هـ،
1222م)« :128 :6 .رواه أمحد ،ورجاله رجال الصحيح».
( )4ابن تيمية" ،درء تعارض العق والنق ".441 -444 :1 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
وعالقته ابملصطلح األصلي فإته من العلماء الذين قد
شافعي
وأما اإلمام ال ُّ
ميزوا املصطلحات األصولية عن بعضها؛ وذلك لضبط عملية اًلستنباط من القرآن
السنة ،فأخذ يُع يرف املصطلحات الشرعية من داخ استعماًلت الشريعة لأللفاظ؛ و ُّ
وذلك ابستقراء تصوص الشريعة وما كان عليه من أه العلم يم ْن جادة يف بيان معاين
النصوص.
قال احلازمي" :حَت جاء أبو عبدهللا حممد بن لدريس الشافعي ،فإته
خاض تياره وكشف أسراره واستنبط َمعينه ،واستخرج َدفينه ،واستفتح اببه ،ورتب
فأتيت أاب عبد هللا أمحد بن قدمت من مصرُ ، ُ أبوابه .قال حممد بن مسلم بن وارة:
ت ،ما حنب أ ي
الشافعي ؟ قلتً :ل .قال :فَـرطْ َ
ي ب
كتبت ُكتُ َ
ُسل ُم عليه ،فقال يلَ : َ
ي
منسوخه حَت َجالَ ْسنَا رسول هللاي من
حديث يي اجملم من املفسر ،وًل َان يس َخ
عرفنا َ
الشافعي.
افعي يف كتاب (الرسالة) من هذا الف ين أحاديث ،ومل يستنزف
وقد ذكر الش ُّ
َمعينه فيها؛ لذ مل يضع (الرسالة) هلذا الف ين وحده ،غري أته أشار ل ى قطعة صاحلة
الباحث عن
َ توجد يف غضون األبواب يمن كتبه ،ولو كاتت موجودةا َألَ ْغنَ ي
ت
الطلب"(.)1
قال الشيخ أبو زهرة" :لن الشافعي -يف رسالته -قد َحرَر معىن (النَّسخ) فيما
ساق من أدلة وأمثلة ،فميزه عن (تقييد املطلَق) و(ختصيص ي
العام) ،وجعلهما من توع
( )1أبو بكر حممد بن موسى احلازمي" .اًلعتبار يف الناسخ واملنسوخ من اآلاثر"( .الطبعة:
الثاتية ،حيدر آابد ،الدكن :دائرة املعارف العثماتية1182 ،هـ).1 .
311
ي
يسمون (البيان) .وكثريٌ من املتقدمني من الصحابة والتابعني َ -
ومن بعدهم -كاتوا ُّ
(تقييد املطلَق) تَس اخا ،و(ختصيص ي
العام) تَ ْس اخا ،حَت كان منهم من جيع َ ْ
َّسخ) ،وميزه بني تلك
الشافعي َحرَر معىن (الن ْ
ُّ (اًلستثناء) تَ ْس اخا ،وهكذا ،فلما جاء
اإلطالقات الواسعة اليت كان -إبدماجها فيه -غري متميز ،وجع التخصيص والتقييد
ص بعد أن يكون اثبتاا"(.)1
رفع حك يم الن ي من ابب بيان املراد ابلن ي
ص ،وأما الن ْس ُخ فهو ُ
يف كتاب (الرسالة) عندما تطرق ل ى واملتتبي ُع لكالم اإلمام الشافعي
(النَّسخ) لكي مييز بينه وبني (ختصيص ي
العام) و(تقييد املطلَق) يدرك املنطلق الذي ْ
َّسخ)
يف تقرير املصطلحات الشرعية ،فعندما َحرَر مصطلح (الن ْ اتطلق منه
ليميزه ،فإته اتطلق من النصوص الشرعية ،وذلك من جهة وقوعه يف الشريعة؛
ابستقراء النصوص الشرعية اليت يرى أهنا (نسخ) ،واستنبط منها تعريف مصطلح
َّسخ) وضوابطه ،فأص هذا الباب وف اقا لي َما هو متك يرر من استعماًلت الن ييب
(الن ْ
من جهة الناسخ واملنسوخ؛ وما فهمه الصحابة من احلوادث اليت وقعت للن ييب
وهذا يَلزم منه معرفةُ اتريخ الناسخ واملنسوخ؛ ابستقراء تصوص الشريعة اإلسالمية من
وضبَ َط ي ي
جهة استعمال الن ييب هلا ،فينظر املتقدم واملتأخر وحيكم به؛ وف اقا هلذا َحد َد َ
ف ي
املصطلح األصويل عنده من داخ املنظومة الشرعية ،خبالف من جاء بعده ممن أَل َ
ازي) ،أو طريقة املعتزلة ي
(م َن اآلمدي ،والر ي
ايل ،و ي (كاجلويين ،والغز ي
ي وف اقا للطريقة األشعرية
حد النسخ على البصري) فإهنم اعتمدوا يف ي
ي القاضي ي
عبد اجلبا ير ،ل ى أيب احلسني
( )1حممد أمحد مصطفى ،أبو زهرة" .الشافعي حياته وعصره وآراؤه الفقهية"( .الطبعة الثاتية،
القاهرة :دار الفكر العريب ،بدون اتريخ).467 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
العقلي من جهة التحسني والتقبيح؛ فأتتج جمموعة من املسائ ،سواءٌ كان يفي احلكم
صياغة ي
حد النسخ أو يف املسائ املرتتيبة عليه يف هذا الباب وف اقا للمنهج العقلي يف
التحسني والتقبيح .هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن اإلمام الشافعي رأى أن
َّسخ) حيتاج ل ى بيان ،و ُّ
السنةُ بيا ٌن للقرآن ،فاهللُ هو الذي أعطى القوة اًلستدًللية (الن ْ
للسنة النبوية ،وذلك يف مواطن كثرية من كتابه العزيز{ :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ُّ
{ :ﮕ ﮖ ﮗ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ} [سورة النساء ،]59:وقوله
{ :ﮠ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} [سورة النور ،]56:وقول هللا
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ} [سورة
ذهب احلشر ،]1:وغري ذلك من األدلة الدالة على ُح يجية ُّ
السنة النبوية؛ ووف اقا هلذا َ
السنة ًل تَـْن َس ُخ القرآ َن؛ ألهنا فرعٌ عنه ،فلما كان «البيان» قد يكون بني
ل ى أن ُّ
وم َقيد -وك ُّ ذلك داخ حتت انسخ ومنسوخ ،وبني عام وخاص ،وبني ُمطْلَق ُ
األصويل للنسخ صياغةا تُف يرق
ي بصياغة املصطلح لشافعي
ُّ «البيان» -قام اإلمام ا
جهيت وقوعه يف الشريعة اإلسالمية ي
بينه بني (تقييد املطلَق) و(ختصيص العام) من َْ
والبيان الشرعي.
الشافعي يف توضيح
ي َّسخ) كمثال على منهجية
ولعلنا أنخذ مصطلح (الن ْ
َّسخ) إبيراد تصوص من كتابه
من (الن ْ فعي
املصطلحات ،وميكن معرفة مراد الشا ي
تعرضه للنسخ ومسائله .واجلدير ابلذكر أن الشافعي مل يَعمد ل ى
(الرسالة) عند ُّ
التأم يف تصوصه ،وتعامله مع األدلة؛ ميكن معرفة َّسخ) بتعريفه ،ولكن عند ُّ
(الن ْ
"ووجهَ هللاُ رسولَهُ للقبلة يف الصالة ل ى بيت
تعريفه لـلنسخ .ومن ذلك قولُهُ َ :
املقدس ،فكاتت القبلة اليت ًل حي ُّ -قب تسخها -استقبال غريها ،مث تَ َس َخ هللاُ قبلة
311
أبدا ملكتوبة،
استقبال بيت املقدس ا
ُ ووج َههُ ل ى البيت ،فال حي ُّ ألحد
بيت املقدسَ ،
وًل حي ُّ أن يستقب غري البيت احلرام".
التوجه ل ى بيت املقدس -أَاي َم َوجهَ هللاُ
مث قال" :وك كان حقًّا يف وقته ،فكان ُّ
أبداً ،ل حي ُّ وجه ل ى البيت احلرام ا احلق يف الت ُّ لليه تَبييهُ -حقًّا ،مث تسخه ،فصار ُّ ي
استدًلًل ابلكتاب
ا استقبال غريهي يف مكتوبة ،لًل يف بعض اخلوف ،أو انفلة يف سفر؛ ُ
السنة .وهكذا ك ُّ ما تَ َس َخ هللاُ ،ومعىن (تَ َس َخ) :تَـْرُك فَـْر يض يه :كان حقًّا يف وقته، و ُّ
يدرك
طيعا به وبرتكه ،ومن مل ْ ضهُ ُم ا وتَـْرُكهُ حقًّا لذا تسخه هللاُ؛ فيكون َمن أ َْد َرَك فَـْر َ
اسخ له(.)1 ي
الفرض الن ي طيعا ابتيباع
ضهُ ُم ا
فَـْر َ
،حصر مصطلح "فالشافعي
ُّ قوله" :ومعىن (تسخ) :ترك فرضه ...
للحكم املنسوخ.
رفع ُ
(النسخ) يف :أته ٌ
يف كتاب "النسخ" من كتابه الشافعي
ُّ ومن يتتبع األمثلة اليت ساقها
َ
(الرسالة)؛ جيد املنهج األصي يف بيان املصطلحات الشرعية -ابستقراء استعماًلت
الشريعة هلا من خالل النصوص الشرعية -فقال:
فرسا
كب ا مالك ،عن ابن شهاب ،عن أتس بن مالك ،أن النيب ر َ "أخربان ٌ
وصلينا وراءه فَص يرع عنه؛ فج يح ي
ش شقُّهُ األمين؛ فصلى صال اة من الصلوات وهو قاع ٌدَ ، ُ َ ُ َ
فصلُّوا ً
قياما، اإلمام ليؤمتَّ به ،فإذا صلَّى ً
قائما َ ُ ودا ،فلما اتصرف قالَّ ( :إَّنا ُجعِ َل
قُـ ُع ا
رفع فارفعوا ،وإذا قال :مسع هللا ملن محده ،فقولوا :ربَّنا كع فاركعوا ،وإذا َ وإذا ر َ
( )1حممد بن لدريس الشافعي" .الرسالة" .احملقق :أمحد شاكر( .الطبعة األو ى ،مصر :مكتبه
احلليب1188 ،هـ1221/م).141 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
أمجَعون)"(.)1 فصلُّوا ُجلُ ً
وسا ْ َّ
ولك احلمد ،وإذا صلى ً
جالسا َ َ
مالك ،عن هشام بن عروة ،عن أبيه :أن رسول هللا خرج يف
مث قال" :أخربان ٌ
قائم يصليي ابلناس ،فاستأخر أبو بكر ،فأشار لليه ُ
رسول مرضه ،فأتى أاب بكر وهو ٌ
أتت ،فجلس رسول هللا ل ى جنب أيب بكر ،فكان أبو بكر يصليي بصالة هللا :أَ ْن كما َ
رسول هللا ،وكان الناس يصلُّون بصالة أيب بكر"(.)4
قاعدا،
الشافعي" :فلما كاتت صالة الن ييب يف مرضه الذي مات فيه ا
ُّ مث قال
قياما؛ استدللنا على أن أمره للناس ابجللوس يف سقطته عن الفرس قب
والناس خلفه ا
قاعدا ،والناس
مرضه الذي مات فيه ،فكاتت صالته -يف مرضه الذي مات فيه ا
قياما -انسخةا أل ْن جيلس الناس جبلوس اإلمام".
خلفه ا
تصا) ،فعندما ذكر آية
ويظهر هذا بوضوح يف (ابب الفرائض اليت أتزل هللا ًّ
الليعان والقاذف للمحصنات قال:
عاما،
ظاهرُه ًّ
وصفت من أن القرآن عريب ،يكون منه ُُ "ويف هذا الدلي على ما
لكن ك ُّ واحدة ي
اخلاصً ،ل أن واحد اة من اآليتني تَ َس َخت األخرى ،و ْ
ُّ وهو يُراد به
( )1أخرجه اإلمام مالك يف "املوطأ" ،118 :1 .رقم ، 16ومن طريقه البخاري ،كتاب األذان،
ابب لمنا جع اإلمام ليؤمت به ،112 :1رقم 682؛ ومسلم ،كتاب الصالة ،ابب ائتمام
املأموم ابإلمام ،118 :1رقم .211
( )4أخرجه اإلمام مالك يف "املوطأ" ،116 :1 .رقم .18وأخرجه البخاري ،كتاب األذان ،ابب
حد املريض أن يشهد اجلماعة ،111 :1رقم 662؛ ومسلم ،كتاب الصالة ،ابب
استخالف اإلمام لذا عرض له عذر من مرض وسفر ،111 :1 ،رقم ،218من طريق
. األعمش ،عن لبراهيم ،عن األسود ،عن عائشة
311
َخ َذ تفاصيلَها؛
طرق «البيان» أ َ
ويشهد لذلك أن اإلمام الشافعي ملا أَمج َ َ
ويضرب عليها املثال(.)1 ي ي
فصلُها يف أبواب
ُ ُ
ابب البيان األول:
يف املتمتيع { :ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ قال هللا
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ
ﰚﰛ } [سورة البقرة ]196:فكان بييناا عند َمن ُخوطب هبذه اآلية أن صوم الثالثة يف
احلج ،والسبعة يف امل يرجع عشرةُ أَايم كاملة.
َ
ي
مث اتبع البيان هبذه الطريقة حَت عقد مخسة فصول وهو يبني كيفيتها ،...فمر ُاد
ومناهجها يف بيان األحكام الشرعية؛ وهذا ما
ُ طرق الشريعةاإلمام من (البيان) هو ُ
التأليفي يف كتابه (الرسالة) ،فهو ملا بني (البيان اخلامس)
ي صنيعهُ يف سياقه
يدل عليه ُ ُّ
ع يف معرفة لسان العرب كضابط منهجي يف
وأته ًل فرق بني اًلجتهاد والقياسَ ،شَر َ
اًلستنباط ،فقال:
بدأت
يدل على أَ ْن ليس من كتاب هللا شيءٌ لًل بلسان العرب .ولمنا ُ والقرآن ُّ
ليضاح ُمجَ ي
ي وصفت ،من أن القرآن تزل بلسان العرب دون غريه؛ ألته ًل يعلم يمن ُ مبا
ي ي ي ي ي يعْل يم
وتفرقَها.معاتيهُّ ، الكتاب أح ٌدَ ،ج يه َ َس َعةَ لسان العرب ،وكثرَة وجوهه ،ومج َ
اع
ت على َمن َج يه َ لسا َهنا. ي
ت عنه الشُّبَهُ اليت َد َخلَ ْ ومن َعل َمهُ اتت َف ْ َ
العرب بلساهنا ،على ما تَـ ْع ير ُ
ف خاطب هللاُ -بكتابه َ - َ الشافعي" :فإمنا
ُّ قال
ب ي ي ي يمن معاتيها ،وكان مما تَ ُ
عرف من معاتيها :اتساعُ لساهنا ،وأن فطَْرتَهُ أ ْن ُخياط َ
العام ،الظاهر ،ويستغىن أبَويل هذا منه عن ي
آخ يرهي. ظاهارا ،يُراد به ُّ عاما ،ي ابلشيء منه ًّ ي
ُ ُْ َ
ب به ي دل على هذا ببَـ ْع ي اخلاص؛ فيُستَ ُّ
ض ما ُخوط َ ُّ ْ العام ،ويَ ْد ُخلُهُ
ظاهرا يُراد به ُّ وعاما ا ًّ
ف يف يسياقه أته يُراد به غريُ ظاهريه"(.)1 وظاهرا يـُ ْعَر ُ
ا اخلاص.
ُّ ظاهرا ،يُراد به
وعاما ا فيه؛ ًّ
ص السابق فقال: مث عقد أبو اااب تفصيليةا ملا أمجله يف الن ي
اخلصوص.
َ ابب :بيان ما أُتْ يزَل من الكتاب عام الظاه ير ،وهو ُ
جيمع العام و
اخلصوص.
ُ عاما يُراد به العامُّ ،ويدخله تزل من الكتاب ًّ ابب :بيان ما َ
اخلاص.
ُّ تزل من الكتاب عام الظاه ير ،يُراد يبه ُكلي يه ابب :بيان ما َ
ي
ابب :الصنف الذي يـُبَي ُ
ني سياقُهُ معناه.
ابطنه ،دو َن ظاهرهي. يدل لفظُه على ي ي
ابب :الصنف الذي ُّ ُ
اخلاص(.)4 السنةُ -خاصةا -على أته يُراد به ت ُّعاما ،دل ي
ُّ تزل ًّ َابب :ما َ
جامع ألمور
ٌ اسم
الشافعي يف (الرسالة) أن (البيان) ٌ ُّ قال الزركشي" :وذكر
( )1أبو بكر أمحد بن علي اجلصاص" .الفصول يف األصول" .دراسة وحتقيق :د .عجي جاسم
النشمي( .الطبعة الثاتية ،الكويت :وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية1212 ،هـ1222/م).
. 11 :4واتظر :علي بن حممد اآلمدي" .اإلحكام يف أصول األحكام" .علق عليه :عبد
الرزاق عفيفي( .الطبعة :الثاتية ،دمشق – بريوت :املكتب اإلسالمي 1214 ،هـ).14 :1 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
اجلصاص مقام:
ولنا مع كالم َّ
أوًل :معرفة احلدود واملصطلحات العلمية من األمهية مبكان يف صياغة العلوم؛
ا
التصورات الذهنية ،وًل ميكن أن يكون ذلك لًل عن طريق اللغة ،واألُمم
وذلك لضبط ُّ
يف بيان احلدود واملصطلحات تنطلق من لغتها؛ وذلك ألن اللغة من ي
أخص خصائص
علومهم؛ فيكون هبا التمييز بني
التصورات اليت تُبىن عليها ُ
ُّ األُمم ،وهبا تُصاغ
التصورات تبدأ يف الذهن ،فمَت
التصورات؛ وذلك أن ُّ
املصطلحات والعلوم من جهة ُّ
التصورات اليت هي عبارة عن معان ذهنية يشرتك يف
تكون لدى الفرد جمموعةٌ من ُّ
حال الشخص وطريقة تفكريه ومصادر ي
تلقيه؛ فيتكون املعىن الذهين يف تكوينها ُ
الذهن ،وًل ميكن اكتشافه لًل عن طريق األلفاظ ،فيقوم الشخص برتمجة هذه املعاين
الذهنية ل ى ألفاظ … ،هذه األلفاظ واملصطلحات ليست جمردة ولمنا هي عبارة عن
مك يون ذهين حبال املتكليم ومقاصده وعادته يف التخاطب؛ وعليه :فاملصطلح يُدرس
املنهج التجريدي عند بيان معناه ،وهذا
ك به َ وف اقا للمحيط الذي تكون فيه وًل يُ ْسلَ ُ
الشافعي يف بيان (البيان)؛ فإته بينه من النصوص الشرعية ،ومل
ُّ اإلمام
الذي َد َر َج عليه ُ
يبينه ابلبحث يف ماهيته -كما هو حال من جاء بعده ،-ولمنا كان تظره يف النصوص
وم َع ياينَ متشعيبةا ،مث اتضح
أصوًل للبيان َ
الشرعية ومنهجها يف «البيان» ،فوجد أن هناك ا
له أهنا على مراتب علمية من جهة القوة اًلستدًللية ،فأخذ يف متيي يز «البيان» ي
وبيان
التصورات وأتواع
ُّ منهج لسالمي يف بيان
ائي ،وهذا ٌ الوصفي اًلستقر ي
ي مراتبه ابملنهج
السياق الذي تكوتت فيهوقوعها يف تصوص الشريعة ،وهو اعتبار احلال والعلم و ي
املصطلحات ،وهذا يكفي يف متيُّزها عن بعضها البعض ،فإذا مت التمييز بني
ط لتطبيقاته العلمية، املصطلحات العلمية وتشأ عن ذلك يصحةٌ يف ُّ
التصورات وضب ٌ
311
حد احلدود وتعريف املصطلحات ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية: فهذا يكفي يف ي
ي
"احملققون من النُّظار يعلمون أن احلد فائدته التمييز بني احملدود وغريه كاًلسم ،ليس
فائدته تصوير احملدود وتعريف حقيقته"(.)1
وهذا التمييز يف احلدود له أشكال ي
متعددة يف حميط العلوم الشرعية ،منها بيان
حقيقته ،ومنها بياته يف املثال ،ومنها البيان ابملراد ،ومنها ما يُعرف ابللغة ،ومنها ما
ابلعرف.
يُعرف ُ
مجلةا قول اجلصاص" :مل ي
يبني ماهية «البيان» ،وًل صفته؛ ألته ذكر اثتيااُ :
تلك اسم يشتم ُ على أشياءَ ،مث ًل ي ُ
يبني جمهولةا؛ فكان مبنزلة من قال« :البيان» ٌ
األشياءَ ما هي".
التعريف ابملاهية مل يكن من مسالك العلماء قب ترمجة (املنطق) اليوانين؛ وهلذا
ي ي
فالشافعي عرف (البيان) مبا يوضحه يف ذهن املتلقي .هذا على التسليم أبن َ
مقام ُّ
الشافعي أراد توضيح مسالكُّ مقام تعريف ابلبيان ،وهذا ًل يُ َسل ُم ،ب
الشافع يي ُ
الشريعة يف البيان ومراتبها وكيفياهتا.
لظهار
ُ ِ
املاهوي) بقوله" :البيان اص حياكم الشافعي على قواعد (احلَ ِد
واجلص ُ
ويشتبه من أجله ،وأصله -يف منفصال مما يلتبس به،
ا وليضاحهُ للمخاطب
ُ املعىن
اللغة :-القطع والفص "()4؛ فهو جرى على طريقة املناطقة يف تفسري املاهية ،وهو
الشافعي ،ولمنا طر ُق البيان ،ومراتبه ،وكيفياهتا لتوضيح منهج الشريعة يف
ُّ أمر ًل يريده
ٌ
( )1أمحد بن عبد احلليم ،ابن تيمية" .الرد على املنطقيني"( .بريوت ،لبنان :دار املعرفة).12 .
( )4اجلصاص" ،الفصول يف األصول".6 :4 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
اإلفصاح عن أحكامها.
اثلثاا :أول َمن أص وتظر ملنهج املناطقة يف احلدود ،وأدخله يف أصول الفقه،
ًّ
مستقال عنو َن له اباب
هو أبو بكر الباقالين يف كتابه (التقريب واإلرشاد) ،وجع له ا
حد ي
احلد؟ حد ي
احلد ،لن قال قائ :ما ُّ بقوله :ابب القول يف ي
قي له :هو القول اجلامع املاتع ي
املفسر ًلسم احملدود وصفته على وجه حيصره
على معناه؛ فال يُدخ فيه ما ليس منه ،ومينع أن خيرج منه ما هو منه ،فهذا هو ُّ
احلد
الفقهي الذي يُضرب للفص بني احملدود وما ليس منه.
ُّ الكالمي
ُّ الفلسفي
ُّ
الفقهي ،وبني ي
احلد ي الكالمي
ي املنطقي
ي مشرتك بني ي
احلد ٌ ولطالق اسم ي
"احلد" ُ
الصناعي ،ي
كحد الدار والبستان(.)1 ي اهلندسي
ي
مث أخذ ينظر يف الزايدة والنقصان يف ي
احلد.
مث تتابع مجع من األصوليني يف لدخال ي
احلد وتظريته عند املناطقة يف كتب َ ٌ
البصري يف كتاب (املعتمد) ،حيث
ُّ أصول الفقه ،وممن أدخلها يف تصاتيفه أبو احلسني
اًلمسي والتعريف ي
ابحلد( ،)4ب حَت ي انقش الغرض من ا ي
حلد ،والفرق بني التعريف
كتب احلنابلة األصولية أتثرت مبنهج أيب بكر الباقالين يف لدخال احلدود ومباحثه يف
اباب يف احلدود على غرار ما
أصول الفقه ،فهذا شيخ احلنابلة أبو يعلى الفراء يعقد ا
( )1أبو بكر حممد بن الطيب الباقالين" .التقريب واإلرشاد" .احملقق :د .عبد احلميد بن علي أبو
زتيد( .الطبعة :الثاتية ،مؤسسة الرسالة1218 ،هـ 1228 -م).122 :1 .
( )4حممد بن علي الطيب" .املعتمد يف أصول الفقه" .احملقق :خلي امليس( .الطبعة :األو ى،
بريوت :دار الكتب العلمية1211 ،هـ).228 :4 .
311
( )1حممد بن احلسني الفراء" .العدة يف أصول الفقه" .حققه وعلق عليه وخرج تصه :د أمحد بن
علي بن سري املباركي( .الطبعة :الثاتية1211 ،هـ 1221 -م).72 :1 .
( )4الغزايل" ،املستصفى".28 :1 .
( )1ابن تيمية" ،الرد على املنطقيني".12 :1 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
وًل يُشرتط يف ذكر األوصاف الذاتية من اجلنس الغريب والفص ( ،)1يقول ابن
سائر ي
عقي ً" :ل جيوز أن أتيت يف احلد ابملشرتك ،كقولك يف العلم :لدر ٌاك ،فيدخ فيه ُ
ي
درك احلواس"(.)4
اثلثاا :احلدود توعان:
ورد به الوحي؛ فهذا جيب القول به والتسليم مبراد هللا ورسوله
النوع األول :حد َ
منه ،ولو مل تَفهم معناه.
فهم العلماء؛
النوع الثاين :حد مل يَرد به الوحي ،وهو كاحلدود اليت يتنازعها ُ
فصح املتكلي ُم عن مراده هبا.
فهذه ليس فيها لثبات وًل تفي حَت ي ي
ُ ٌ ٌ
أمر ي
قال ابن تيمية " :ولذا كان فائدة احلد بيان مسمى اًلسم ،والتسميةُ ٌ
املسمي ولُغتيه"(.)1
لغوي وضعي؛ رجع يف ذلك ل ى قصد ذلك ي
ُ
يف التعاريف واحلدود األصولية؛ ًل جند الشافعي
ي وعندما تستعرض منهج
األثر يف طريقته لتعريف املصطلحات ،ومن أشهر هذه املصطلحات
ملنهج املناطقة َ
تعريفه للبيان يف كتاب "الرسالة" حيث يقول" :البيان :اسم جامع ملعان جمتمعةي
ٌ ٌ
األصول ،متشعي يبة الفروع"(.)2
( )1حممد حسن مهدي" ،املنطق األرسطي بني القبول والرفض".22 .
( )4علي بن عقي " .الواضح يف أصول الفقه" .احملقق :د .عبد هللا بن عبد احملسن الرتكي.
(الطبعة :األو ى ،بريوت – لبنان :مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع1241 ،هـ -
1222م).16 :1 .
( )1ابن تيمية" ،جمموع الفتاوى".21 :2 .
( )2الشافعي" ،الرسالة".64 .
312
فهو هنا -على منهج املناطقة -مل ي
يبني ماهية «البيان» ،وًل صفاته الذاتية،
يمن ذكر اجلنس والفص ،وممن تقد الشافعي -على طريقة املناطقة يف احلدود
الشافعي
ي والتعريفات -أبو بكر اجلصاص ،حيث قال" :وهذه العملية -أي :تعريف
للبيان -اليت ذكرها ،فيها خل من وجوه:
ص َد به ل ى صفته ،مل ي
يبني به ماهية «البيان» أحدها :أن ما َحد به «البيان» وقَ َ
اسم يشتم ُ علىذكر مجلةا جمهولةا؛ فكان مبنزلة من قال« :البيان» ٌ وًل صفته؛ ألته َ
يبني تلك األشياء ما هي ،فالذي وصف به «البيان» هو ابإللباس أشبه أشياء ،مث ًل ي ُ
منه ابلبيان؛ ألته مل يذكر املعاين اجملتمعة األصول املتشعيبة الفروع ما هي ،وما َحدُّها،
وصفتُها"(.)1
وجوه «البيان»؛
أردف بذلك َ
-ملا عرف «البيان» مبا سبقَ - فالشافعي
ُّ
ليتبني للقارئ مر ُادهُ ابلبيان.
ويظهر هذا جليًّا يف تعريفه للقياس ،حيث يقول" :قال :فما القياس؟ أهو
اًلجتهاد؟ أم مها مرتادفان؟
ملعىن واحد. ي
قلت :مها امسان ا ُ
اعهما؟ ي
قال :فما مج ُ
( )1اجلصاص" ،الفصول يف علم األصول"7 :1 .؛ واتظر :عبد هللا بن أمحد ،ابن قدامة" .روضة
الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنب " .قدم له ووضح
غوامضه وخرج شواهده :الدكتور شعبان حممد لمساعي ( .الطبعة الثاتية ،مؤسسة الراين
للطباعة والنشر والتوزيع 1241 ،ه ـ 4114 -م).848 :1 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
313
ًلزم ،أو على سبي احلق فيه دًللةحكم ٌ قلت :ك ُّ ما تزل مبسلم ففيه ٌ ُ
طلب الدًللةَ موجودة؛ وعليه :لذا كان فيه بعينه ٌ
حكم؛ اتـبَـ َعهُ ،ولذا مل يكن فيه بعينه؛ َ
على سبي احلق فيه ابًلجتهاد ،واًلجتهاد القياس"(.)1
فالشافعي – هنا -مل يتجه ل ى بيان املاهية والصفات الذاتية للقياس ،ب
ُّ
عرفه مبا مييزه عن غريه عند القارئ.
كشي يف كتابه (البحر احمليـط)" :قال القاضي أبو الطيب :وهذا
اثلثاا :تق الزر ُّ
ص َفهُ أبته
ص َد به َو ْ
يصح؛ ألن الشافعي مل يَقصد َحد «البيان» ،ولمنا قَ َ اًلعرتاض ًل ُّ
اعه خمتلفة يف «البيان» ،وهي متفقة يف أن اسم «البيان» يقع عليها، جامع أتو ُ
اسم ٌٌ
درك معناه من غري ني من بعض ،فكان منهـا ما يُ َ َجلَى وأَبْ َُ
فبعضها أ ْ
وخمتلفة يف مراتبهاُ ،
ص والعموم والظاهر ودلي وتفكر ،ومنه ما حيتاج ل ى دلي ،وهذا كاخلطاب ابلن ي تدبُّر ُّ
ختلفت مراتبُها فيه .وكذا قال الصرييف وابن
ْ ومجيع ذلك بيا ٌن -ولن ا
اخلطاب وحنوهُ ،
فورك :مر ُاد الشافع يي أن اسـم «البيان» يقع على اجلنس ،ويقع حتته أبواب خمتلفة
الشافعي :ليس حبد
ي البصري عن تعريف
ُّ املراتب ابجلالء واخلفاء .وقال أبو احلسني
جامعا قد بينـه أه ُ اللغة وأته يتشعب ل ى
أمرا ا
وصف «البيان» أبته جيمع ا
ُ ولمنا هو
أقسام كثرية".
االعرتاض الثاني:
حتديدا (للبيان) وًل
أيضا :فإن ما ذكره ًل جيوز أن يكون اقال اجلصاص" :و ا
وص افا له بوجه؛ ألته يُش يرك فيه ما ليس ببيان وًل يمن جنسه؛ لذ كان أكثر األشياء
متشاركةا يف أهنا جمتمعة األصول متشعيبة الفروع؛ لذ ليس حيتم قوله( :جمتمعة
ُخر"(.)1 ي
األصول متشعبة الفروع) لًل أته جيمعها أص ٌ واح ٌد مث تنقسم ل ى معان أ َ
مقصودهُ تعريف (البيان) لكي
ُ ملا عرف (البيان) مل يكن الشافعي
ُّ اإلمام
مقصودهُ بيان فضال عن كوته معرفاا ي
ابحلد األرسط يي املاهو يي ،ولمنا مييزه عن غريه ،ا
ُ
منهجية اًلستدًلل ابلنصوص الشرعية يف بيان األحكام الشرعية ،ي
فالسياق الذي ورد
فيه مصطلح (البيان) ٌ
سياق وصفي ،فقال سؤاله الشهري :كيف البيان؟ فهو يريد بيان
فالشافعي وضع هذا التعريف للبيان قب أن يكون له
ُّ الكيفية الشرعية يف «البيان»،
يف أصويل بني علماء األصول .قصد هبذا التعريف ليضاح أصول «البيان» الذيتعر ٌ
السنة
السنة الواردة للقرآن أو تصوص ُّ شرعا بنصوص القرآن وتصوص ُّ يقع به ا
السنـة ،فهذه كلُّها ٌ
أمور جامعة ملعان املش يرعة ،وكذلك القياس املستنبَط من الكتاب و ُّ
جمتمعة األصول ،متشعي يبة الفروع .وعلى فرض التسليم أبن الشافعي أراد حتديد
ي
الشافعي يف توضيح املصطلحات يقوم على مسلك
ي مصطلح (البيان) فإن منهج
التوضيح ابًلستقراء لنصوص الشريعة وليراد األمثلة على ذلك ،فعندما أراد متييز
النسخ عن (ختصيص ي
العام) و(تقييد املطلَق) اتطلق من بياهنا ابملثال -كما سبق
بياته.-
ابن تيمية يف أقسام احلدود اللفظية فقال" :وهذا الذي
املسلك ُ
َ وقد قرر هذا
يقال له :حد حبسب اًلسم واملقول يف جواب ما هو؟ من هذا النوع ،وقد يكون امساا
يدل على الذات مع صفة أخرى ،كما مرادفاا ،وقد يكون مكافئاا غري مرادف حبيث ُّ
اًلمتثال.
ِ (:
الك ْربُ بَطَ ُر احلَ ِق وقع «البيان» يف الشريعة؛ كما قالوعلى هذا َ
ي
بالزمه الظاه ير لك ي أحد(.)4 َّاس)()1؛ ففسره
ط الن ِ
وغَ ْم ُ
االعرتاض الثالث:
أيضا :فإته َمسى قوله تعا ى { :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
قال اجلصاص" :و ا
بياان لقوله تعا ى{ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮠﮡ} [سورة األعراف]142:؛ ا
بياان يف شرع وًل لغة؛ ﮚ ﮛ} [سورة األعراف ،]142:وهذا ًل ي
يسميه أح ٌد ا
يلتبس ،وليس يف ذك ير األربعني
منفصال مما ُ
ا ألن «البيان» هو لظهار املعىن وليضاحه
ليضاح ملا أشك ابلكالم
ٌ لظهار شيء ،وًل
ُ -بعد تقدمي ذك ير الثالثني والعشر -
أتكيدا وتقر ايرا ،كما يؤكيد بتكرار اللفظ كقوله تعا ى{ :ﯗ
األول ،ولمنا يسمى كذلك ا
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ} [سورة الشرح.)1("]6-5:
( )1أخرجه مسلم ،كتاب اإلميان ،ابب حترمي الكرب وبياته ،21 :1 ،رقم ،21من حديث ابن مسعود
.
( )4لبراهيم بن موسى الشاطيب" .املوافقات" .احملقق :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان.
(الطبعة :األو ى ،دار ابن عفان1217 ،هـ1227/م) .67 :1 .واتظر - :ال َكلْ َوذَاين حمفوظ
بن أمحد" .التمهيد يف أصول الفقه" .دراسة وحتقيق :جـ ( 4 ،1د .مفيد حممد أبو عمشة)،
جـ ( 2 ،1د .حممد بن علي بن لبراهيم)( .الطبعة :األو ى ،مركز البحث العلمي ولحياء
الرتاث اإلسالمي -جامعة أم القرى ،دار املدين للطباعة والنشر والتوزيع 1216 ،هـ -
1288م)82 :1 .؛ وابن العريب" ،احملصول".87 .
( )1اجلصاص" ،الفصول يف األصول".12 :4 .
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
311
الر ُّد:
َّ
اهتموا ابملصطلح األصويل؛
يُعترب أبو بكر اجلصاص من أوائ األصوليني الذين ُّ
وهذا واضح يف ابتكار مصطلحات ،منها :اًلستثناء املنفص ،واًلستثناء املتص ،
ص ،،فقد ذكر سبب اخلالف بني احلنفية وغريهم يف ابب والزايدة على الن ي
اًلستحسان ،ورده ل ى املصطلح ومعرفته ،كما أته كان ي
يوضح الفرق بني املصطلحات
فمثال يف النسخ بيان ملدة الفرض األول ،ويف التخصيص بيان
األصولية ابلتعريف ،ا
احلكم يف بعض ما مشله اًلسم ،كما أته يف كتابه (الفصول) كان له منهج يف بداية
األبواب األصولية ،فقد كان األص عنده أن يفتتح الباب بتعريفه وبيان حدود
مصطلحاته الرئيسة.
وقل ايال ما كان يهم التعريف ،أو يرتك تعريف مصطلح مهم كاإلمجاع ،وقد
يذكر القاعدة األصولية مث يُع يرف مصطلحاهتا ،كما يف قوله" :ومَت تناول اللف ُ
ظ
جماز ،ويف اآلخر حقيقةٌ؛ فالواجب محله على احلقيقة ،وًل
ني هو يف أحدمها ٌ معني ي
يُصرف ل ى اجملاز لًل بدًللة؛ ألن األظهر من األمساء أن ك شيء منها فهو مستعم ٌ
العدول به عن موضعه لًل بدًللة .واحلقيقة هي اللفظ
ُ يف موضعه ،وًل يُعق منه
املستعم يف موضعه املوضوع له يف اللغة .واجملاز هو املعدول به عن حقيقته
َ
واملستعم يف غري موضعه املوضوع له يف أص اللغة ،وًل جيوز أن يُعدل به عن جهته
وموضعه لًل بدًللة"(.)1
اًلصطالحي ،وكثريا ما ي
يوضح – ي ومنهجه كان -يف الغالب -ذكر التعريف
ا
اصطالحا
ا ص ،فعرفه بعده -املعىن اللغوي للمصطلح ،ومن أمثلة ذلك تعريفه للن ي
ص :ك ُّ ما يتناول عيناا خمصوصةا حبكم ظاهر املعىن بَي ي
ني املراد؛ فهو تص، بقوله" :الن ُّ
أيضا؛ وذلك ألته ًل فرق بني الشخص املعني -لذا أ يُش َري
وما يتناوله العموم فهو تص ا
لليه بعينه -وبني حكمه وبني ما يتناوله العموم .لذ كان العموم امساا جلميع ما تناوله
واتطوى حتته"(.)1
ص لغةا ،وأطال واستشهد ملعاتيه اللغوية ي
ابلشعر مث شرع يف تعريفه ملصطلح الن ي
واستعمال العرب .وهذا يُغاير ما اعتيد ًلح اقا من التمهيد والتوطئة للتعريف
ي
اللغوي وشرح األصول اللغوية للمصطلح .ومل يبتدئ اًلصطالحي بذكر التعريف
ي
اًلصطالحي سوى مرة واحدة عندما عرف (النسخ) لغةا مث عرفه
ي ي
اللغوي مث ابلتعريف
ابًلصطالحي،
ي ي
اللغوي أبرز َعالقة التعريف
ني و َ
اصطالحا ،ويف املوضع تفسه بَ َ
ا
وتكررت لشارته لتلك العالقة يف مواطن أخرى ،لكن الغالب عليه اهتمامه إببراز
اللغوي لًل يف مواطن كثُر فيها اخلالف حول املصطلح ي اًلصطالحي دون
ي التعريف
ي
اللغوي على صحة ُّ
يستدل ابملعىن ومعناه .ولع الداعي لذلك عند اجلصاص أته
اللغوي يدلي
ُّ ص ،فاملعىناًلصطالحي ،كما يف تعريفه ملصطلح الن ي
ي اختياره للتعريف
معرتض"(.)4
ٌ اعرتض عليه
على صحة التعريف لذا َ
الشافعي يف كتاب (الرسالة) فقد بني
ُّ وهذا املنهج مل يكن عليه اإلمام
شيء منه؛ ألته كان يضع قواعد منطلقة من تصوص الشريعة واستقرائها.
االعرتاض الرابع:
"ومل يذكر اإلمجاع يف أقسام (البيان) ،وكان اإلمجاع أَو ى بذكره يف ذلك من
القياس واًلجتهاد؛ ألن اإلمجاع ُحجة هللا تعا ىً ،ل جيوز وقوع اخلطأ فيه"(.)1
الردُّ:
َّ
الشافعي ،وقد اعرتض
ي اتب البيان يف األدلة الشرعية عند
كشي" :فهذه مر ُ
قال الزر ُّ
قوم وتومهوا أته أمه قسمني ،ومها :اإلمجاع ،وقول اجملتهد إذا انقرض عصره
عليه فيها ٌ
الشافعي؛ ألن ك واحد منهما لمنا يُتوص لليه أبحد
ُّ وانتشر من غري نكري .ولمنا مل يذكرمها
تصا
الشافعي؛ ألن اإلمجاع ًل يصدر لًل عن دلي ،فإن كان ًّ
ُّ األقسام اخلمسة اليت ذكرها
فهو من القسم األول ،ولن كان استنباطاا فهو من اخلامس ،فإن قي :فينبغي أن ًل يذكر
ي
القشرييً :ل ابن ص .قلنا :ألج هذا قال ُ
لمام احلرمني و ُ أيضا (القياس)؛ ألته مستني ٌد ل ى الن ي
ا
مدفع للسؤال .لكنه مدفوع بوجهني:
ص؛ فاستغىن بذكر ي
أحدمها عن أحدمها :أن اإلمجاع على غري ما دل عليه الن ُّ
اآلخر ،خبالف اآلخر فإته لمنا دل على وجوب العم به وليس ًّ
داًل على مدلوله؛ فلذلك
أفرده ابلذكر.
والثاين :حيتم أن يكون الشافعي تعرض ملراتب البيان املوجودة يف ك ي عصر،
؛ فلهذا أغفله. واإلمجاع مل يوجد يف عصره
واعرتض آخرون فقالوا :مل يذكر دلي اخلطاب -وهو ُحجةٌ عنده .-
h
اخلامتة
َّأوًال :النتائج.
-1منهج اإلمام الشافع يي يف بيان املصطلحات الشرعية؛ ابستقراء استعماًلت
الشريعة هلا -من خالل النصوص الشرعية .-
أثر يف طريقة اإلمام يف تعريف املصطلحات.
-2مل يكن ملنهج املناطقة ٌ
يف «البيان» لكي مييزهمقصودهُ تعر َ
ُ الشافعي ملا عرف «البيان» مل يكن
ُّ -3
مقصودهُ بيا ُن منهجية األرسطي املاهو يي ،ولمنا
ي فضال عن كوته معرفاا ي
ابحلد عن غريه ،ا
ُ
اًلستدًلل ابلنصوص الشرعية يف بيان األحكام الشرعية ،ي
فالسياق الذي ورد فيه
مصطلح (البيان) ٌ
سياق وصفي.
ي
ليضاح صفة «البيان» الذي يقع به «البيان» ا
شرعا ُ الشافعي
ي قصد اإلمام
ُ -4
بياان ملشك القرآن ،أو السنة الواردة ا
وسنة ،وتصوص ُّ بنصوص الوحي من قرآن ُ
السنة.
املبين على أصول الكتاب و ُّالسنة املش يرعة ،وكذلك االجتهاد ُّ
تصوص ُّ
ص َدفالشافعي قَ َ
ُّ -5اعرتاضات أيب بكر اجلصاص مل حي يرر فيها موطن النيزاع؛
ص َد ( َح َّد ِ ِ ِ ِ ِ
(البيان من جهة كيفيَّات وروده يف الشريعة ومراتبه) ،واجلص ُ
اص قَ َ
جهة ماهيَّ ِته).
«البيان» من ِ
(دليل اإلمجاع من البيان)؛ ألته (مل يقع إال بعد
َ الشافعي
ُّ اإلمام
-6مل يذكر ُ
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
023
النبوة) ،خبالف ما ذُكر من أتواع «البيان».
عهد َّ
اثنيًا :التوصيات.
يوصي الباحث بتعميق املوازتة العلمية بني املنهج األصويل عند اإلمام الشافعي
واجلصاص.
h
020
اآلمدي ،علي بن حممد" .اإلحكام يف أصول األحكام" .علق عليه :عبد -1
الرزاق عفيفي( .الطبعة :الثاتية ،دمشق – بريوت :املكتب اإلسالمي،
1214هـ).
لبراهيم عبيد طه أمحد" .البيان وأقسامه عند األصوليني" .جملة كلية -4
الدراسات اإلسالمية والعربية بكفر الشيخ ،العدد الرابع ،اإلصدار الثاين،
اجمللد األول لعام .4141
ابن أيب شيبة ،أبو بكر عبد هللا بن حممد" .الكتاب املصنف يف األحاديث -1
واآلاثر" .احملقق :كمال يوسف احلوت( .الطبعة :األو ى ،الرايض :مكتبة
الرشد1212 ،هـ).
األلباين ،حممد انصر الدين" ،سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من -2
فقهها وفوائدها"( .الطبعة األو ى ،الرايض :مكتبة املعارف للنشر والتوزيع،
جـ 1218 :2 - 1هـ 1228 -م ،جـ 1216 :6هـ 1226 -م ،جـ
1244 :7هـ 4114 -م).
الباقالين ،أبو بكر حممد بن الطيب" .التقريب واإلرشاد" .احملقق :د .عبد -8
احلميد بن علي أبو زتيد( .الطبعة :الثاتية ،مؤسسة الرسالة1218 ،هـ -
1228م).
البخاري ،حممد بن لمساعي " .صحيح البخاري" .احملقق :حممد زهري بن -6
انصر الناصر( .الطبعة :األو ى ،دار طوق النجاة (مصورة عن السلطاتية
إبضافة ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي)1244 ،هـ).
الرتمذي ،حممد بن عيسى" .سنن الرتمذي" .حتقيق وتعليق :أمحد حممد -7
شاكر ،حممد فؤاد عبد الباقي ،لبراهيم عطوة عوض( .الطبعة :الثاتية،
مصر :شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب1128 ،ه1278 ،م).
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
021
ابن تيمية ،أمحد بن عبد احلليم" .اقتضاء الصراط املستقيم ملخالفة أصحاب -8
اجلحيم" .احملقق :انصر عبد الكرمي العق ( .الطبعة :السابعة ،بريوت،
لبنان :دار عامل الكتب1212 ،هـ 1222 -م).
ابن تيمية ،أمحد بن عبد احلليم" .الرد على املنطقيني"( .بريوت ،لبنان :دار -2
املعرفة).
ابن تيمية ،أمحد بن عبد احلليم" .جمموع الفتاوى" .احملقق :عبد الرمحن بن -11
حممد بن قاسم( .املدينة النبوية ،اململكة العربية السعودية :جممع امللك فهد
لطباعة املصحف الشريف1216 ،هـ1228/م).
اجلاحظ ،عمرو بن حبر" .البيان والتبيني"( .بريوت :دار ومكتبة اهلالل، -11
1241هـ).
اجلرجاين ،علي بن حممد" .التعريفات" .احملقق :ضبطه وصححه مجاعة من -14
العلماء إبشراف الناشر( .الطبعة :األو ى ،بريوت – لبنان :دار الكتب
العلمية1211 ،هـ 1281-م).
اجلصاص ،أبو بكر أمحد بن علي" .الفصول يف األصول" .دراسة وحتقيق: -11
د .عجي جاسم النشمي( .الطبعة الثاتية ،الكويت :وزارة األوقاف
والشئون اإلسالمية1212 ،هـ1222/م).
اجلويين ،عبد امللك بن عبد هللا" .الربهان يف أصول الفقه" .احملقق :صالح -12
بن حممد بن عويضة( .الطبعة األو ى ،بريوت – لبنان :دار الكتب العلمية،
1218هـ .)1227 -
احلازمي ،أبو بكر حممد بن موسى" .اًلعتبار يف الناسخ واملنسوخ من -18
اآلاثر"( .الطبعة :الثاتية ،حيدر آابد ،الدكن :دائرة املعارف العثماتية،
1182هـ).
ابن حجر العسقالين ،أمحد بن علي" .هتذيب التهذيب"( .الطبعة :األو ى، -16
اهلند :مطبعة دائرة املعارف النظامية1146 ،هـ).
021
الس يج ْستاين ،سليمان بن األشعث" .سنن أيب داود" .احملقق :حممد أبو داود ي -17
حميي الدين عبد احلميد( .صيدا – بريوت :املكتبة العصرية).
الزبيدي ،حممد بن حممد" .اتج العروس من جواهر القاموس" .احملقق: -18
جمموعة من احملققني( .دار اهلداية).
الزركشي ،حممد بن عبد هللا" .البحر احمليط يف أصول الفقه" .حتقيق :حممد -12
حممد اتمر( .بريوت :دار الكتب العلمية 1241 ،-هـ).
أبو زهرة ،حممد أمحد مصطفى" .الشافعي حياته وعصره وآراؤه الفقهية". -41
(الطبعة الثاتية ،القاهرة :دار الفكر العريب ،بدون اتريخ).
السعدي ،عبد الرمحن بن انصر" .تفسري السعدي = تيسري الكرمي الرمحن -41
يف تفسري كالم املنان" .احملقق :عبد الرمحن بن معال اللوحيق( .الطبعة:
األو ى ،مؤسسة الرسالة1241 ،هـ 4111-م).
السمعاين ،منصور بن حممد" .قواطع األدلة يف األصول" .احملقق :حممد -44
حسن حممد حسن امساعي الشافعي( .الطبعة :األو ى ،بريوت ،لبنان :دار
الكتب العلمية1218 ،هـ1222/م).
السيوطي ،عبد الرمحن بن أيب بكر" .معجم مقاليد العلوم يف احلدود -41
والرسوم" .احملقق :أ .د حممد لبراهيم عبادة( .الطبعة :األو ى ،القاهرة -
مصر :مكتبة اآلداب1242 ،هـ 4112 -م).
الشاطيب ،لبراهيم بن موسى" .املوافقات" .احملقق :أبو عبيدة مشهور بن -42
حسن آل سلمان( .الطبعة :األو ى ،دار ابن عفان1217 ،هـ1227/م).
الشافعي ،حممد بن لدريس" .الرسالة" .احملقق :أمحد شاكر( .الطبعة األو ى، -48
مصر :مكتبه احلليب1188 ،هـ1221/م).
الشافعي ،حممد بن لدريس" .الرسالة" .حتقيق :أمحد شاكر( .ط،1 -46
اإلسكندرية – مصر :دار العقيدة1281 ،هـ4112/م).
الشيباين ،أمحد بن حممد" .مسند اإلمام أمحد بن حنب " .احملقق :شعيب -47
اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي -دراسة نقديَّة -
021
األرتؤوط -عادل مرشد ،وآخرون ،لشراف :د عبد هللا بن عبد احملسن
الرتكي( .الطبعة :األو ى ،مؤسسة الرسالة1241 ،هـ 4111 -م).
الطيب ،حممد بن علي" .املعتمد يف أصول الفقه" .احملقق :خلي امليس. -48
(الطبعة :األو ى ،بريوت :دار الكتب العلمية1211 ،هـ).
ابن عقي ،علي بن عقي " .الواضح يف أصول الفقه" .احملقق :د .عبد هللا -42
بن عبد احملسن الرتكي( .الطبعة :األو ى ،بريوت – لبنان :مؤسسة الرسالة
للطباعة والنشر والتوزيع1241 ،هـ 1222 -م).
ابن فارس ،أمحد بن فارس بن زكرايء" .الصاحيب يف فقه اللغة العربية -11
ومسائلها وسنن العرب يف كالمها"( .الطبعة :األو ى ،حممد علي بيضون،
1218هـ1227-م).
فاض حممود قادر" .البيان عند األصوليني" .جملة العلوم اإلسالمية العدد -11
العشرون لعام (.)1212
الفراء ،حممد بن احل سني" .العدة يف أصول الفقه" .حققه وعلق عليه وخرج -14
تصه :د أمحد بن علي بن سري املباركي( .الطبعة :الثاتية1211 ،هـ -
1221م).
ابن قدامة ،عبد هللا بن أمحد" .روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه -11
على مذهب اإلمام أمحد بن حنب " .قدم له ووضح غوامضه وخرج
شواهده :الدكتور شعبان حممد لمساعي ( .الطبعة الثاتية ،مؤسسة الراين
للطباعة والنشر والتوزيع 1241 ،ه ـ 4114 -م).
القشريي ،مسلم بن احلجاج" .صحيح مسلم" .احملقق :حممد فؤاد عبد -12
الباقي( .بريوت :دار لحياء الرتاث العريب).
ابن كثري ،لمساعي بن عمر" .تفسري ابن كثري = تفسري القرآن العظيم". -18
احملقق :سامي بن حممد سالمة( .الطبعة :الثاتية ،دار طيبة للنشر والتوزيع،
1241هـ 1222 -م).
021
ال َكْل َو َذاين حمفوظ بن أمحد" .التمهيد يف أصول الفقه" .دراسة وحتقيق :جـ -16
( 4 ،1د .مفيد حممد أبو عمشة) ،جـ ( 2 ،1د .حممد بن علي بن
لبراهيم)( .الطبعة :األو ى ،مركز البحث العلمي ولحياء الرتاث اإلسالمي -
جامعة أم القرى ،دار املدين للطباعة والنشر والتوزيع 1216 ،هـ -
1288م).
ابن ماجه ،حممد بن يزيد" .سنن ابن ماجه" .حتقيق :حممد فؤاد عبد -17
الباقي( .دار لحياء الكتب العربية ،فيص عيسى البايب احلليب).
مازن ،فاتن ،وجابر ،حممود صاحل" .املصطلح األصويل بني اجلصاص -18
الدبوسي" .دراسات علوم الشريعة والقاتون ،اجمللد 22عدد ،1 ي و
(4112م).
ابن منظور ،حممد بن مكرم" .لسان العرب"( .بريوت – لبنان :دار -12
صادر).
اهليثمي ،علي بن أيب بكر" .جممع الزوائد ومنبع الفوائد" .احملقق :حسام -21
الدين القدسي( .القاهرة :مكتبة القدسي1212 ،هـ1222 ،م).
- دراسة نقديَّة- اعرتاضات أبي بكر اجلصَّاص على مصطلح البيان عند اإلمام الشافعي
021
bibliography
Prepared by :
Prof. Dr. Suleiman bin Mohammed Al-Najran
Professor, Qassim University, College of Sharia,
Department of Fundamentals of Jurisprudence
Email: smn8899@gmail.com
ملخص البحث
حمددات املصلحة املرسلة :شروطها؛ فهي الكاشفة لسب تنزيلها ،الرامسة ملسار
أتثريها؛ لذا عين العلماء بشروطها عناية كبرية ،فال جند عامل ا تصدى للمصلحة
املرسلة ،لًل ذكر شروطا هلا ،بني مضيق وموسع فيها ،ولذا أتملت كالم األصوليني
جتد من يرفض األخذ ابملصلحة املرسلة ،غالبا يقصد املطلقة عن بعض الشروط ،ومن
أيخذ ابملصلحة املرسلة ًل يقصد لطالقها ،ب املقيدة ابلشروط؛ فأضحت شروط
املصلحة املرسلة هي املعربة عن املصلحة املرسلة ذاهتا؛ ألن هبا يكشف حقيقة
املصلحة املرادة ،ويعرف هبا العم والرتك معا ،واإلمامان اجلويين ،والغزايل يعدان من
أوسع من تكلم عن املصلحة املرسلة عموما ،وعن شروطها خاصة؛ فجاءت
شروطهما للمصلحة كاشفة عن حقيقة املصلحة ،مقيمة لطرق اًلستدًلل هبا.
الكلمات املفتاحية( :شرط -مصلحة مرسلة -اجلويين -الغزايل).
031
Abstract
املدقِّمة
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف اخللق ،وعلى آله وصحبه
أمجعني.
وبعد:
فاملصلحة قطب رحى الشريعة ،عليها مدارها ،ولليها مآهلا ،منها مبتدأ احلكم
ولليها منتاه ،هبا تبىن األحكام وتضبط األوصاف ،يعظم احلكم بعظمتها ،ويضعف
بضعفها ،هي يعدة اجملتهد وزاده وذخريته عند التباس األحكام واشتباهها؛ يفرق فيها
بني املختلفات ولن تشاهبت صورها ،وجيمع فيها بني املفرتقات ولن تباينت ظواهرها،
وتبىن عليها املستجدات والنوازل عند لعواز النصوص وفقدهاُ ،متازج املصاحل األحكام
وتداخلها ،وًل تنفص عنها ،يزيد ك واحد منهما اآلخر قوة ولحكاما؛ فاملصلحة
جارية ومؤثرة يف احلكم قبله ومعه وبعده ،قبله :مبعرفة وضبط العل واملعاين ،ومعه:
والتحقيق والرتتيب ،وبعده ابملآًلت والعواقب واآلاثر ،قال الرازي ابلتنزي
(ت616هـ)" :فثبت أن أتثري املصاحل واملفاسد يف األحكام أتثري حقيقي جوهري
أصلي .وأما أتثري األوصاف يف األحكام ،فهو أتثري جمازي عرضي غريب"(.)1
( )1فخر الدين الرازي« .مناظرات فخر الدين الرازي يف بالد ما وراء النهر» .حتقيق :د .فتح هللا
=
031
وقال أيضا" :لان ملا أتملنا الشرائع وجدان األحكام واملصاحل متقارتنيً ،ل ينفك
أحدهم عن اآلخر ،وذلك معلوم بعد استقرار أوضاع الشرائع"(.)1
وقال ابن العريب (ت821هـ)" :وعلى املقاصد اتبنت أحكام الشريعة،
وابملصاحل ارتبطت"(.)4
وحمددات املصلحة املرسلة شروطها؛ الكاشفة لسب تنزيلها ،الرامسة ملسار
أتثريها؛ لذا عين العلماء بشروطها عناية كبرية ،فال جتد عامل ا تصدى للمصلحة ،لًل
ذكر شروطها ،بني مضيق وموسع فيها ،ولذا أتملت كالم األصوليني جند من يرفض
األخذ ابملصلحة املرسلة ،غالبا يقصد املطلقة عن بعض الشروط ،ومن أيخذ
ابملصلحة املرسلة ًل يقصد لطالقها ،ب املقيدة ابلشروط؛ فأضحت شروط املصلحة
املرسلة هي املصلحة املرسلة ذاهتا؛ ألن هبا يكشف حقيقة املصلحة املرادة ،ويعرف هبا
العم والرتك معا ،واإلمامان اجلويين ،والغزايل يعدان من أوسع من تكلم عن املصلحة
املرسلة عموما ،وعن شروطها خاصة؛ فجاءت شروطهما للمصلحة كاشفة عن
حقيقة املصلحة ،مقيمة لطرق اًلستدًلل هبا ،مع حتلي لنظرهتم هلذه الشروط.
مشكلة البحث:
ملا كان اجلويين (ت278هـ) ،والغزايل (ت818هـ) íأبرز من تكلم عن
=
خليف( ،بريوت :دار املشرق).48 :1 ،
( )1فخر الدين حممد بن عمر الرازي« ،احملصول يف علم األصول» .حتقيق :طه العلواين( ،ط،1
الرايض :جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية).172 :8 ،
( )4أبو بكر حممد بن عبد هللا املعافري ابن العريب « .القبس شرح موطأ مالك بن أتس» .حتقيق:
حممد ولد كرمي( ،ط ،1بريوت :دار الغرب اإلسالمي1224 ،م).1117 :1 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
031
شروط املصلحة املرسلة من املتقدمني ،أحببت لظهار هذه الشروط ،وجتليتها ،مع
قراءة حتليلية هلذه الشروط عند ك لمام ،وميكن أن تنفص مشكلة البحث ل ى أربعة
أسئلة ،هي موضع الدراسة:
-1ما املباين اليت قام عليها الشرط املصلحي؟
-2ما الشرط املصلحي عند اجلويين؟
-3ما الشرط املصلحي عند الغزايل؟
-4ه كم اجلويين والغزايل ،الشرط املصلحي حال التنزي ؟
حّود البحث:
ستقتصر هذه الدراسة ،على الشرط املصلحي ،املتعلق ابملصاحل املرسلة ،عند
لمام احلرمني اجلويين (ت278هـ) ،والغزايل (ت818هـ) ،íدون غريمها ،ودون
شروط املصاحل األخرى.
أهّاف البحث:
-1بيان املباين اليت أقيم عليها الشرط املصلحي.
-4الكشف عن الشرط املصلحي عند اجلويين ،عددا وتوعا.
-3الكشف عن الشرط املصلحي عند الغزايل ،عددا توعا.
-4لظهار موقف اجلويين والغزايل من الشرط املصلحي ،حال التنزي .
الّراسات السابدقة:
الدراسات املتعلقة ابملصلحة ًل حياط هبا كثرة ،لكن من أبرز الدراسات اليت هلا
تعلق بشروط املصلحة املرسلة ،مخس دراسات:
-1ضوابط املصلحة املرسلة ،وأمثلتها الفقهية ،قاسم حممد ،جامعة دمشق،
031
كلية الشريعة ،قس أصول الفقه1211 ،هـ .تناول الباحث فيها شروط املصلحة
املرسلة ،بشك جمم ،وتطبيقاهتا الفقهية.
-2املصلحة املرسلة حقيقتها وضوابطها ،د .تور الدين اخلادمي ،تطرق
للضوابط يف الباب الثاين ،دون تظر لك عامل بعينه.
-3املصلحة املرسلة ،ضوابطها ،وتطبيقاهتا يف الفقه اإلسالمي ،ماجستري ،مسية
قرين ،جامعة احلاج األخضر ،ابتنة ،اجلزائر1211 ،ـ 1214هـ .حيث جاء املبحث
الثاين من الفص الثاين يف الضوابط ،فناقشت هذه الضوابط على طريقة الدراسات
السابقة ،أبخذ ك ضابط على حدة ،ومناقشته ،دون تظر لك عامل بعينه.
-4املصلحة املرسلة :دراسة يف تشأة املصطلح وتطور املفهوم ،د .تعمان
جغيم ،جملة الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة الكويت ،اجمللد ،14العدد
4117 ،118م .عنيت الدراسة بتتبع مصطلح املصلحة املرسلة منذ تشأته والتطور
احلاص عليه ،دون عناية مبقارتة شروط املصلحة بني اجلويين ولمام احلرمني.
-5املصاحل املرسلة ،للشيخ حممد األمني الشنقيطي ،اجلامعة اإلسالمية،
للمصلحة املرسلة ،دون النظر للجويين والغزايل حتديدا يف 1211هـ .أص الشيخ
شروطهما للمصلحة املرسلة.
وهذه الدراسات عنيت بشروط املصلحة املرسلة لمجاًل ،دون تظر تفصيلي
للشروط بني اجلويين والغزايل خاصة ،وهذا ما تفرتق به هذه الدراسة.
منهج البحث:
اعتمد البحث على املنهج اًلستقرائي التحليلي النقدي.
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
031
مفردات البحث:
جاء البحث يف مقدمة ،ومتهيد ،وأربعة مباحث ،وخامتة:
املبحث األول :مباين الشرط املصلحي.
املبحث الثاين :الشرط املصلحي عند اجلويِن.
املبحث الثالث :الشرط املصلحي عند الغزايل.
املبحث الرابع :وفاء اجلويِن والغزايل بكمال الشرط املصلحي.
اخلامتة:
املصادر:
002
متهيّ :يف تعريف املصلحة املرسلة لغةً واصطالحا ،وأمساء املصلحة املرسلة
أ-املصلحة يف اللغة :أصلها من الفع الثالثي" :صلح" "يصلح " "صالحا"،
وهو األمر احلسن الذي يكون على هيئة اتمة ،وهو ضد الفساد ،وجيوز يف الثالثي
وصلَح صالحا(.)1
صلُح الشيء صالحاَ ،
فتح عينه وضمها ،يقالَ :
ب-أمساء املصلحة املرسلة :حيسن هنا ليراد أمساء "املصلحة املرسلة" لذ
وصلت حنو أربعة عشر امسا فمن أمسائها" :املناسب املرس " ،و"املعىن املرس "،
و"املرس " ،و"املناسبة املرسلة" ،و"اًلستدًلل املرس " ،و"اًلستصالح"،
و"اًلستدًلل" ،و"الرأي املرس " ،و"املرس املالئم" ،و"املناسب املالئم املرس "،
و"القياس املرس " ،و"قياس املصلحة " ،و"القياس املصلحي" ،و"القياس امليسر"(،)4
وهذا يدل على عناية علماء األصول الكبري هبذا األص ؛ لذ ًل يتعدد املسمى لشيء
لًل لذا عظم أثره ،وكثر استعماله ،وتنوعت متعلقاته.
ج-املصلحة املرسلة اصطالحا :أشهر تعريفات املصلحة املرسلة ،تعريفان:
األول :ما حده لمام احلرمني (ت278هـ)؛ لذ يعد هذا التعريف أول تعريف
مكتم للمصلحة املرسلة ،أتيت عليه غالب شروط احلدود حيث عرف املصلحة
املرسلة ،ومساها بـ ـ ـ "اًلستدًلل" أبته" :معىن مشعر ابحلكم ،مناسب له ،فيما يقتضيه
( )1اتظر :أمحد بن فارس ،بن زكرايء القزويين الرازي ،أبو احلسني "معجم مقاييس اللغة" .احملقق:
عبد السالم حممد هارون( ،ط ،1بريوت :دار الفكر) .111 :1
( )4اتظر :حبثا حمكما للباحث بعنوان" :الرتادف يف املصطلح األصويل" ،جملة البحوث
اإلسالمية ،العدد ،116حمرم ،صفر ،ربيع األول ،ربيع اآلخر1221( ،هـ).
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
003
الفكر العقلي ،من غري وجدان أص متفق عليه ،والتعلي املنصوب جار فيه"(،)1
وسيأيت إبذن هللا شرح هذا التعريف ،وبياته يف املبحث األول.
الثاين :تعريف الغزايل(ت818هـ) حيث عرفها بـ ـ ـ" :ك معىن مناسب
للحكم ،مطرد يف احكام الشرعً ،ل يرده أص مقطوع به ،مقدم عليه من كتاب ،أو
سنة ،أو لمجاع؛ فهو مقول به"( )4وب ـ ــ" :ما مل يشهد له من الشرع ابلبطالن ،وًل
ابًلعتبار ،تص معني"( ،)1ويف موضع آخر عرفه أبته" :رد الفرع ل ى األص ،مبعىن
مناسب" حيث قال بعده" :فهو الذي تريده ابًلستدًلل املرس "( ،)2وذكر يف
تعريف آخر أبن اًلستدًلل املرس " :هو الذي ًل يشهد له أص معني"( ،)8وعرفه
أيضا بـ"التعلق مبجرد املصلحة ،من غري استشهاد أبص معني"(.)6
وكلها تعاريف متقاربة ،تدور على عدم وجود أص معني خاص يشهد له
ابًلعتبار ،وًل ابإللغاء ،واملعتمد عليه املناسبة اجلامعة بني الفرع واألص ،وهذا معىن
( )1أبو املعايل عبد امللك اجلويين" ،الربهان يف أصول الفقه " .حتقيق :عبد العظيم حممود الديب،
(ط ،2مصر ،املنصورة :دار الوفاء1218 ،هـ).741 :4 ،
( )4أبو حامد حممد بن حممد الطوسي الغزايل« ،املنخول من تعليقات األصول» .حتقيق :د.
حممد حسن هيتو( ،ط ،1بريوت :دار الفكر املعاصر1212 ،هـ).268 :1 ،
( )1أبو حامد الغزايل« ،املستصفى يف علم األصول»( .ط ،4بريوت :الكتب العلمية):1 ،
.172
( )2أبو حامد حممد الغزايل" ،شفاء الغلي يف بيان الشبه واملخي ومسالك التعلي " .حتقيق :د.
محد البيسي( ،بغداد :مطبعة اإلرشاد1121 ،هـ).417 :1 ،
( )8الغزايل" ،املستصفى".118 :1 ،
( )6الغزايل" ،شفاء الغلي ".417 :1 ،
000
تسميتها مصلحة مرسلة ،أي مطلقة مل يعتربها الشارع ،ومل يلغها ،قال الزركشي
(ت722هـ)" :وهلذا مسيت " مرسلة " أي مل تعترب ،ومل تلغ"(.)1
وك من جاء بعد الغزايل(ت818هـ) أخذ تعريفه؛ كالرازي (ت616هـ)" :ما
مل يشهد له ابًلعتبار وًل ابإلبطال تص معني"(.)4
وعرفه أيضا بتعريف املالئم وهو" :ما اعترب جنس الوصف يف جنس احلكم..
قال :وهو املصاحل املرسلة"( ،)1وابن قدامة (ت" :)641ما مل يشهد له إببطال ،وًل
اعتبار معني"( ،)2واآلمدي (ت611هـ)" :املناسب الذي مل يشهد له أص من
أصول الشريعة ابًلعتبار بطريق من الطرق املذكورة ،وًل ظهر للغاؤه يف صورة ،ويعرب
عنه ابملناسب املرس "( ،)8والقرايف (ت682هـ) أبهنا املصاحل اليت" :مل يرد فيها تص،
وًل هني عن اعتبارها"( ،)6ويف موضع اثن عرفها أبهنا" :املناسب الذي ًل يعلم أن
( )1بدر الدين حممد بن هبادر الزركشي" .البحر احمليط" (دار الكتيب).81 :8 ،
( )4فخر الدين حممد بن عمر الرازي« ،احملصول يف علم األصول» .حتقيق :طه العلواين( ،ط،1
الرايض :جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية).161 :6 ،
( )1الرازي" ،احملصول".167 :8 ،
( )2أبو حممد ،عبد هللا بن أمحد املقدسي ابن قدامة" ،روضة الناظر وجنة املناظر" .حتقيق :د.
شعبان لمساعي ( ،ط ،1الراين).272 :1 ،
( )8أبو احلسن سيف الدين علي اآلمدي" .اإلحكام يف أصول األحكام"( .ط ،1بريوت :دار
الكتاب العريب1212 ،هـ.482 :1 ،
( )6شهاب الدين أمحد بن لدريس القرايف" ،تفائس األصول يف شرح احملصول" .احملقق :عادل
أمحد عبد املوجود ،علي حممد معوض( ،ط ،1مصر :مكتبة تزار مصطفى الباز1216 ،هـ -
1228م).1166 :7 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
001
الشرع ألغاه ،أو اعتربه ،وهذا هو املصاحل املرسة"( ،)1ويف موضع اثلث عرفها أبهنا:
املناسب املالئم الذي مل يشهد له أص معني ابًلعتبار؛ فاعترب جنس الوصف يف
جنس احلكم( ،)4ويف موضع رابع" :ما مل يشهد له ابعتبار ،وًل إبلغاء"( ،)1والطويف
(ت716هـ)" :ما مل يشهد له الشرع ببطالن وًل اعتبار معني"( ،)2والشاطيب
(ت721هـ)" :اعتبار املناسب الذي ًل يشهد له أص معني"( ،)8مث زاد الشاطيب
هذا التعريف ليضاح ا " :وهو أن يوجد لذلك املعىن جنس اعتربه الشارع يف اجلملة
بغري دلي معني ،وهو اًلستدًلل املرس ،املسمى ابملصاحل املرسلة"(.)6
ودار هذا التعريف للمصلحة املرسلة على ثالثة أصول:
أ-عدم وجود أص شرعي خاص.
ب-وجود أص عام.
ج-مناسبة احلكم ،لتحقيق مقاصد الشريعة.
املبحث األوَّل :الشرط املصلحي ،من حيث التنازع والبناء
املطلب األوَّل :تنازع األصول للشرط املصلحي:
جاءت شروط املصلحة بني السعة والضيق عند العلماء ،مبنية على أصلني،
أص يوسع فيها ،وأص يضيق ،وك أص ينازع اآلخر:
الفرع األول :األصل املوسع.
كثرة النوازل والوقائع واملستجدات :وهذا يستدعي حاجة كبرية لالجتهاد
املصلحي؛ فرمبا توسع من غلب هذه النظرة العم ابملصلحة املرسلة ،وخفف
الشروط؛ فإن كثرة النوازل والوقائع تتطلب أحكاما حاضرة ،واجتهادات شاهدة،
وتظرا قائما سريعا لبناء احلكم الشرعي الصحيح املتلقى عن شريعتنا املباركة ،وغالبا ًل
تفي تصوص الشريعة املنطوقة ،وًل معاتيها القريبة املأخوذة عن القياس أبحكام
احلوادث ،فتتوقف أحكام غالبها على النظر يف معاين النصوص العامة ،لبناء األحكام
عليها ،وهي املصلحة املرسلة ،ولًل تُرك الناس عطالا ،بال اجتهاد ،واتفصلت الشريعة
عن حياة املكلفني ،ووقعت املفاسد الكبرية بتعطي الشريعة عن الناس ،واتقطاع الناس
عن أحكامها ،وهذا جير خلروج الناس عن حكم الشرع ،الذي جع هللا أحكامه ابقية
ل ى يوم القيامة.
وخري مثال للوصول ل ى األحكام ابملناسب املرس ،ما تزل ابألمة يف جائحة
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
001
"كوروان" ،فقد جاء فيها أكثر من مثاتني انزلة( ،)1كاتت املصلحة فيها طريق احلكم،
ومأخذ النظر ،وسبي اًلجتهاد ،كلي ا أو جزئي ا؛ كتعطي اجلمع واجلماعات كلية،
والعجز عن استعمال املاء والرتاب يف الوضوء ،وترك تغسي املوتى املصابني بكوروان،
وتعذر تكفينهم ابلكيفية الشرعية ،ودفنهم يف التوابيت ،والتباعد بني الناس ،وترك
املصافحة ،وترك تراص الصفوف يف الصالة ،ومباعدة الزوجني عن بعضهما عند
لصابة أحدمها ،وحجر الناس يف منازهلم ،واًلعتكاف يف البيوت ،وصالة العيد يف
البيوت ،وأتثريها على حول الزكاة ،وتقلي احلجاج ،وليقاف العمرة ،وأثرها على
العقود الشرعية ...لخل؛ فبنيت أحكام هذه النوازل يف غالبها على املصلحة املرسلة
املقامة على مصاحل الشريعة الكلية ،حبفظ الضرورايت اخلمس ،اليت جاءت هبا
النصوص العامة؛ ًلتعدام النص اخلاص ،وهذا هنج الصحب الكرام؛ قال لمام احلرمني
(ت278هـ)" :والوقائع ترتى ،والنفوس ل ى البحث طلعة ،وما سكتوا ـ أي الصحابة ـ
عن واقعة ،صائرين ل ى أته ًل تص فيها"(.)4
فاجتهاد العلماء يف النوازل واحلوادث "يف مدرج الوحي يف زمان الرس
؛ كشأن أحكام ،فقد كان الوحي هو املطلوب يف زمان الرس
احلوادث ،ومح للخلق عليها؛ فحني اتقطع الوحي واتقضى زماته ،وضع هللا
،وحيم اًلجتهاد من الفقهاء يف موضع الوحي ،ليصدر منه بيان أحكام هللا
( )1اتظر :كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة أم القرى ،الدلي الفقهي جلائحة كوروان:
https: //makkah. org. sa/nawazel/ar
( )4اجلويين" ،الربهان يف أصول الفقه".11 :4 ،
001
( )1أبو املظفر ،منصور بن حممد السمعاين ،احلنفي مث الشافعي « .قواطع األدلة يف األصول».
حتقيق :حممد حسن لمساعي ( ،ط ،1بريوت :دار الكتب العلمية1218 ،هـ).18 :1 ،
( )4اتظر :اآلمدي" ،اإلحكام يف أصول األحكام"412 :2 ،؛ األصفهاين ،أبو القاسم حممود
بن عبد الرمحن" .بيان املختصر شرح خمتصر ابن احلاجب" .حتقيق :حممد مظهر( ،ط،1
السعودية :دار املدين1216 ،هـ).181 :1 ،
( )1السمعاين" ،قواطع األدلة" .12 :4
( )2اتج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي" ،مجع اجلوامع يف أصول الفقه" .حتقيق :عقيلة
=
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
001
وقوع وقائع تركت بال اجتهاد ،قال ابن دقيق العيد (ت714هـ)" :واألرض ًل ختلو
من قائم هلل ابحلجة ،واألمة الشريفة ًل بد فيها من سالك ل ى احلق ،على وضح
احملجة ،ل ى أن أييت أمر هللا ،يف أشراط الساعة الكربى"( ،)1وكان أقوى مستمسك
هلم يف أحكام النوزال املصلحة.
الفرع الثاني :األصل املضيق.
هذا أص حتوطي جلناب الشريعة من اًلعتداء على حدود أوامرها وتواهيها
الشريفة ،بدعوى املصلحة ،يقاب األول ،مما يستدعي زايدة الشروط فيها ،وتقلي
اًلتفتاح على املصاحل؛ ألن التوسع ابملصاحل وتقلي الشروط ،جير غالبا ل ى جتاوز
النصوص الشرعية ،حَت يف املنصوص عليه ،وجتاوز ضوابط املصلحة املرسلة ،فكلما
محلت الشرع ،وأقيمت عليه األحكام الشرعية، ًلح رأي فيه مصلحة من املصاحل ُي
وًليزال الناس على هذا النهج حَت يعتدى على أص أحكام الشريعة ابسم املصلحة،
ويتجاوز فيها حدودها حمملة على املقاصد واملعاين الكلية ،وهلذا جند كالم العلماء
الكبار؛ كالباقالين (ت211هـ) ،واجلويين (ت278هـ) ،وابن السمعاين (ت282هـ)،
والغزايل (ت818هـ) وغريهم يتحوطون كثريا للعم ابملصاحل ،خشية على أص
أحكام الشريعة أن يعتدى عليها.
قال لمام احلرمني (ت278هـ)" :وعلى اجلملة من ظن أن الشريعة تتلقى من
=
حسني( ،ط ،1بريوت :دار ابن حزم1214 ،هـ).144 :1 ،
( )1أبو الفتح تقي الدين حممد بن دقيق العيد" ،شرح اإلملام أبحاديث األحكام" .حتقيق :عبد
العزيز بن حممد السعيد( ،ط ،1دار أطلس1218 ،هـ).41 :1 ،
001
استصالح العقالء ،ومقتضى رأي احلكماء ،فقد رد الشريعة ،واختذ كالمه هذا ل ى رد
الشرائع ذريعة .ولو جاز ذلك ،لساغ رجم من ليس حمصن ا ،لذا زان يف زمننا هذا ملا
خيله هذا القائ ،وجلاز القت ابلتهم يف األمور اخلطرية ،ولساغ لهالك من خياف
غائلته يف بيضة اإلسالم ،لذا ظهرت املخاي والعالمات ،وبدت الدًلًلت ،وجلاز
اًلزدايد على مبالغ الزكوات عند ظهور احلاجات .)1("...
وهذا يفسر لنا موقف أحد علماء الشرع الكبار من املصلحة املرسلة ،وهو ابن
دقيق العيد(ت714هـ)؛ لذ ختوف وحتوط كثريا للعم ابملصلحة املرسلة خلطورهتا ،مع
ابلشريعة :أصوًلا وفروع ا ،معقوًلا ومنقوًلا؛ فقال" : سعة علمه ،وتفاذ بصريته
اًلسرتسال يف ذلك عظيم ،ويقع
ُ جير ل ى النظر فيما يسمى "مصلحة مرسلةا" ،و
وهذا ُّ
فيه منكرات عظيمةُ الوقع يف الدين ،واسرتسال قبيح يف أذى املسلمني ،ولست ي
أتك ُر ٌ
على من اعترب أص املصاحل املرسلة ،لكن حيتاج ل ى تظر شديد ،وأتم سديد ،ي
وعدم َ
التجاوز للحد املعترب"(.)4
فكاتت املوازتة بني هذين األصلني الكبريين أصعب املوازانت وأشقها ،وأوعر
ً ،ل أظن أن يف مراقي النظر ،وأشد مسالك اًلجتهاد على أه الفقه بشرع هللا
الشريعة أشد من اًلجتهاد املصلحي املرس ؛ فالناس أبه اًلجتهاد يهتدون ،وبرأيهم
يستضيئون ،وعلى حكمهم يردون ،ومنه يصدرون؛ لذا وصف لمام احلرمني
( )1أبو املعايل ،عبد امللك بن عبد هللا اجلويين" ،غياث األمم يف التياث الظلم" .حتقيق عبد
العظيم لديب( ،ط ،4مكتبة لمام احلرمني1211 ،هـ).412 :1 ،
( )4ابن دقيق العيد" ،شرح اإلملام أبحاديث األحكام".417 :4 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
001
(ت278هـ) أه اًلجتهاد يف الشرع بـ"قومة للملة ،وحفظة للشريعة"( ،)1ويف موضع
آخر وصفهم ابألطواد الضامنني؛ فقال" :املستند املعتضد يف الشريعة تقلتها،
واملستقلون أبعبائها ومحلتها ،وهم أه اًلجتهاد ،الضامون ل ى غاايت علوم الشرع،
شرف التقوى والسداد ،فهم العماد واألطواد ،فلو شغر الزمان عن األطواد واألواتد،
فعند ذلك ألتزم شيمة األانة واًلتئاد ،فليت شعري ما معتصم العباد ،لذا طما حبر
الفساد؟ واستبدل اخللق اإلفراط والتفريط عن منهج اًلقتصاد ،وبُلي املسلمون بعامل ًل
يوثق به لفسقه ،وبزاهد ًل يقتدى به خلرقه؟! أيبقى بعد ذلك مسلك يف اهلدى ،أم
ميوج الناس بعضهم يف بعض مهملني سدى ،متهافتني على مهاوي الردى؟"(.)4
فإذا اخت أو توقف تظر أه اًلجتهاد ،أو ضاقت عليهم منافذ اًلجتهاد
ومسالكه ،اضطربت األصول عندهم ،وتعسر تظرهم يف النوازل؛ فعاد هذا كله على
الشريعة ابلضعف ،وتردد الناس بني غال وجاف يف احلكم الشرعي؛ فتضيع الشريعة
من أصلها؛ فوجب على أه اًلجتهاد النظر القائم على املصلحة بشروطها وقيودها
وضوابطها الشرعية املعتربة ،دون مبالغة يف الشروط يؤدي ل ى تعطيلها ،ودون تساه
يؤدي ل ى مصادمة قواطع األحكام وتصوصها املتيقنة؛ فتقوم حياة الناس على شريعة
رب العاملني على منحى وسط ،وصراط قصد عدل ،وميزان قسط ،شام كام لك
مصلحة ،مع حفظ كام لكليات الشريعة وجزئياهتا؛ فتغطي خمتلف تقلبات أحوال
املكلفني ،وتنوع تصرفاهتم؛ فهذا املنهج اآلخذ بطريق الوسط ضامن لبقاء الشريعة
وافية مبتطلبات اخللق ،مبق على اتقياد اخللق ألحكام الشرع ،حافظ أص الشريعة
وكماهلا.
املطلب الثاني :بناء الشرط املصلحي
ت ظهر لشكالية التأصي لالستدًلل ابملصلحة املرسلة من جهة ضبط شروط
اًلستدًلل هبا ،وقد ذكر ذلك الغزايل (ت818هـ) يف مقدمة كالمه عن "اًلستدًلل
املرس " فقال " :فليعلم أوًل أن هذا عمدة كتاب القياس ،ووجه لعواصه :أن الصحابة
هم قدوة األمة يف القياس ،وعلم قطعا اعتمادهم على املصاحل ،مع أهنم مل
ينحصروا عليها يف بعض املسائ ،ومل يسرتسلوا أيضا اسرتساًلا عام ا؛ لذ املصاحل كاتت
تنقسم لديهم ل ى املرتوك ،ول ى معمول به ،ومل يضبطوا لنا ما تتمسك به ،وًل يظن هبم
أهنم ضنوا إببدائها بعد أن عرفوها ،واملصاحل شَت ،وقد عسرت املآخذ ،وقصرت عن
الدًللة على ضبطها"(.)1
فالغزايل (ت818هـ) ذكر أوجها من لشكالية اًلستدًلل ابملصاحل وصعوبتها:
أخذوا ببعض املصاحل ،وتركوا بعضها ،ومل حيرروا لنا ضابط امللغى أبن الصحابة
واملعترب ،أي مل يبينوا شروط العم ابملصلحة املرسلة ،ومع كثرة املصاحل وتنوعها،
وقصور الدًللة ،وعسر الوقوف على املآخذ يف ك مصلحة؛ أرجع اًلستدًلل
ابملصاحل ل ى الغموض واإلعواص.
فهذا وجه من اإلشكال ابًلستدًلل ابملصلحة املرسلة ،وذكر وجها آخر يف
( )1أبو حامد حممد بن حممد الغزايل ،الطوسي" ،شفاء الغلي يف بيان الشبه واملخي ومسالك
التعلي " .احملقق :د .محد الكبيسي( ،ط ،1بغداد :مطبعة اإلرشاد1121 ،هـ 1271م):1 ،
.417
( )4اجلويين" ،الربهان يف أصول الفقه" .718 :4
010
ذلك أن النظر حيلق ويعلو كثريا ،ورمبا اشتط ،لكنه عند التنزي يتطلب املراجعة والنظر
فيها ،وهذا ما سيظهر عند مقارتة شروط اًلستدًلل ابملصلحة املرسلة ،مع واقع
التطبيقات ،إبذن هللا.
املبحث الثاني :الشرط املصلحي عنّ إمام احلرمني
املطلب األوَّل :احلّ الشرطي للمصلحة عنّ اجلويين
جند لمام احلرمني (ت278هـ) جهد ليضبط اًلستدًلل ابملصلحة املرسلة،
ويفرق بني من ابلغ ابألخذ ابًلستدًلل ابملصلحة دون ضبط ،وبني من ردها مجلة،
وبني من أخذ هبا بضوابط فهو أسعد املذاهب؛ لذ اصطلح لمام احلرمني ،على
املرس "، و":الرأي املرسلة" و":املعاين "اًلستدًلل"، بـ ـ ـ: تسميتها
و"اًلستصالح"( ،)1وعقد هلا" :الكتاب الرابع" من الربهان ،ومساه" :كتاب
اًلستدًلل".
وعرفه أبته" :معىن مشعر ابحلكم ،مناسب له ،فيما يقتضيه الفكر العقلي،
من غري وجدان أص متفق عليه ،والتعلي املنصوب جار فيه"( ،)4ومن هذا احلد
يظهر أبن "اًلستدًلل املرس " عنده له ثالثة أوصاف ،هي يف حقيقتها شروط للعم
ابملصلحة املرسلة:
األول :مناسبة اًلستدًلل ،واملناسبة حتتم أمرين:
أ-مناسبة شرعية :مبعىن أن املصلحة املرسلة تناسب أحكام الشرع ،وًل تكون
( )1اتظر :اجلويين" ،الربهان يف أصول الفقه"741 :4 ،؛ السمعاين" ،قواطع األدلة"482 :4 ،؛
الغزايل" ،شفاء الغلي " ،417 :1 ،وما بعدها؛ الغزايل« ،املستصفى يف علم األصول»:1 ،
.171
011
األحكام ل ى النصوص لتوقف اًلجتهاد والفتوى ابلنوازل واحلوادث املستجدة اليت ًل
تنقطع.
النتيجة :أهنم تظروا ملعاين الشريعة الكلية وأصوهلا العامة ،وأقاموا أحكام
املستجدات واألقضية عليها؛ فاتسع هلم اًلجتهاد ،ومل يكن منهج الصحب الكرام
قصر األحكام على القياس إبجياد أص ،مث لحلاق الوقائع عليه ،لذا وجدت فيه العلة،
ل ى تقرير األحكام وفق معاين األحكام الكلية ،دون قصر على ب تعدوا هذا
أعيان املعاين اخلاصة(.)1
هذا معىن وخملص ما ذكره لمام احلرمني (ت278هـ) ،ومما يالحظ :أته اجتهد
يف الفص بني شروط املصلحة عند اإلمام مالك ،وشروط املصلحة عند اإلمام
الشافعي يف "اًلستدًلل املرس " ،فالشروط اليت اعتربها الشافعي تنقطع عنه مفاسد
اًلستدًلل املرس اليت ذكرها القاضي الباقالين (ت211هـ) ،خبالف اإلمام مالك
فهي ًلزمة له ،كما قرره اجلويين.
املطلب الرابع :الشرط املصلحي بني اإلمامني :مالك والشافعي ،حسب رأي إمام
احلرمني
يفرتق رأي اإلمام الشافعي ،عن رأي اإلمام مالك يف األخذ ابملصلحة املرسلة ـ
حسب تظر لمام احلرمني ـ من جهتني:
األوىل :أن الشافعي أخذ أبصول معللة ،اتفق القايسون على عللها ،وجع
( )1اتظر :اجلويين" ،الربهان يف أصول الفقه"741 :4 ،ـ 748؛ واتظر :الغزايل« ،املستصفى يف
علم األصول»421 :1 ،؛ الغزايل" ،املنخول".267 :4 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
عتصمه ،وجع اًلستدًلًلت قريبة منها ،ولن مل تكن أعياهنا.
تلك العل ُم َ
الثانية :أن الشافعي ًل أيخذ مبصلحة ،مل يشهد هلا عم الصحابة والتابعني؛
لذ عاشوا حنو مائة سنة؛ فاألمد الطوي ًل خيلو عن جراين ما يقتضي مث ما يعتقده
مالك ،مث مل جير ما يثبت عنهم أخذ حكم مل يشهد له الشرع( ،)1كما سبق بياته يف
شروط املصلحة املرسلة.
فهذا الضبط من الشافعي يف املصلحة ـ حسب رأي لمام احلرمني (278هـ) ـ
خيالف فيها اإلمام مالك؛ لذ جوز مالك التعلق بك رأي مرس ً :ل تص فيه ،لذا مل
يصدمه تص؛ فيكتفي أًل يكون يف الشريعة أص يدرؤوه :من تص كتاب ،أو سنة،
أو لمجاع ،ومل جيع ضابطا يضبط هذا الرأي؛ فمفاسد اًلحتجاج بـ"اًلستدًلل املرس
"اليت ذكرها القاضي الباقالين (ت211هـ) ًلزمة ملالك وأصحابه ،دون الشافعي؛ قال
لمام احلرمني (ت278هـ)" :وأما ما ذكره القاضي من املسلك األول ففي طرد كالم
الشافعي ما يدرؤوه ...وأما ما ذكره من خروج األمر عن الضبط ،واملصري ل ى
ورهطه"(.)4 احنالل ،ورد األمر ل ى آراء ذوي األحالم؛ فهذا لمنا يلزم مالكا
وجند الغزايل (ت818هـ) هنا وافق قول لمام احلرمني (ت278هـ) من جهة
الفرق بني مذهيب الشافعي ومالك ،يف شروط العم ابملصلحة املرسلة؛ أبن الشافعي
هنجا له يف اعتبار املصلحة ،فقال" :فإن قي ما الفرق بني جع منهج الصحابة
حيث اتتهى األمر به يف اتباع املصاحل ل ى القت يف مذهبكم ،ومذهب مالك
التعزير ،والضرب جملرد التهمة ،وقت ثلث األمة ًلستصالح ثلثيها ،ومصادرة مال
األغنياء عند املصلحة؟ وما الذي منعكم من اتبعاها؟ ،واحلاجة قد متس ل ى التعزيز
ابلتهمة؛ فإن األموال حمقوتة ،والسارق ًل يقر ،ولثباته ابلبينة عسر ،وًل وجه إلظهارها
لًل ابلضرب ،وهذه مصلحة ظاهرة ،ل ى غري ذلك مما عداها.
قلنا :الفرق بيننا أتنا تنبهنا ألص عظيم ،مل يكرتث مالك به ،وهو أان قدمنا
الصحابة على قضية املصلحة ،وك مصلحة يعلم على القطع وقوعها يف زمن
وامتناعهم عن القضاء مبوجبها فهي مرتوكة ،وتعلم على القطع أن الصحابة
األعصار ًل تنفك عن السرقة ،وكان ذلك يكثر يف زمن الصحابة ،ومل يعزروا ابلتهمة،
ومل يقطعوا قط لساانا يف اهلذر ،مع كثرة اهلذران ،وًل صادروا غنيا مع كثرة األغنياء،
ومسيس احلاجات ،وك ما امتنعوا عنه منتنع عنه ،ومالك مل ينتبه هلذا األص "(.)1
فجع الغزايل (ت818هـ) الصحابة مرجع النظر املصلحي؛ فك ما يتوقع أته
حيص يف زمن الصحابة ،ومل يقولوا به مصلحي ا ،جيب اطراحه ولمهاله ،وتنظر ل ى ك
مصلحة أعملوها فنأخذ هبا.
وهذا استدًلل واسع صعب ،حيتاج ل ى قياس احلوادث والنوازل يف ك زمن
على احلوادث والنوازل اليت تزلت ابلصحابة ،وهذا من لشكاًلت اًلستدًلل
ابملصلحة املرسلة.
فه صمد لمام احلرمني (ت278هـ) ،والغزايل (ت818هـ) أمام هذا الشرط
الصعب حال التنزي ؟ .هذا ما سيتم مناقشته.
( )1اتظر :أبو احلسن علي بن حممد بن حممد بن حبيب املاوردي ،البصري البغدادي" .احلاوي
الكبري"( .بريوت :دار الفكر).146 :16 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
واضحا على املسائ واألحكام؛ فهو فرق تظري غري عملي؛ ألتنا ابستقراء العم
بضبط "اًلستدًلل املرس " جنده يعود ألمرينً ،ل اثلث هلما :املناسبة اليت تشم
الشرعية والعقلية ،واتتفاء املعارض اخلاص املعترب هلذه املصلحة من النصوص؛ فإذا
حتقق هذان الشرطان أخذ ابملصلحة املرسلة ،عند ك العلماء؛ وهلذا فإن الغزايل
(ت818هـ) قال يف مسألة :املرأة لذ أذتت لوليني يزوجاهنا؛ فزوجاها ،وًل يعرف
أسبقهما " :وقد اختلف فيها قول الشافعي ،وهو دلي ميله ل ى املصاحل ورعايتها؛ لذ
هذه املسألة ًل تظري هلا :فالعسر احلاص ابلنسيان مل يرد قط يف الشرع معتربا يف فسخ
العقد؛ ولكنه -على اجلملة -مالئم جلنس تصرفات الشرع؛ فإن الشرع يرى فسخ
العقود :لذا تعذر امضاؤها"(.)1
فالغزايل أثبت أبته مل يرد هلا تظري يف الشرع ،على حسب ما اشرتط اجلويين،
ومع ذلك اجتهد فيها الشافعي اجتهادا مصلحيا لوجود املناسبة؛ فلم يتوقف الشافعي
ابًلجتهاد فيهاً ،لتعدام األص القريب منها.
ب-بني الغزايل (ت818هـ) ضابط األخذ ابملصلحة املرسلة بكوهنا" :ك
معىن مناسب للحكم ،مطرد يف أحكام الشرعً ،ل يرده أص مقطوع به ،مقدم عليه
من كتاب ،أو سنة ،أو لمجاع؛ فهو مقول به ،ولن مل يشهد له أص معني"(.)4
فنص الغزايل (ت818هـ) على شروط املصلحة املرسلة ،أبته ًل يلزم شهادة
أص معني هلا لذا كاتت مناسبة :أي دل العق عليها ،واطردت دًلًلت الشريعة
العامة عليها ،وًليرده أص مقطوع من تص قطعي ،أو لمجاع ،أو قياس ،وكأته يرد
على لمام احلرمني (ت278هـ) الذي اشرتط شهادة أص معني للمصلحة املرسلة،
وهلذا قال الرازي (ت616هـ)" :ولًل فعموم كوته وصفا مصلحيا ،مشهود له
ابًلعتبار"(.)1
فالغزايل (ت818هـ) يؤكد دائما أبن مقصد الشريعة القطعيً ،ل حيتاج ل ى
شهادة أص ؛ فقال" :فهذا مقطوع به من مقصود الشرع واملقطوع به ًل حيتاج ل ى
شهادة أص "( ،)4ب لته يف أساس القياس قال" :فمهما مل تكن املصلحة من جنس
املصاحل اليت أمهلها الشرع ،فال يبعد اتباعها"()1؛ فلم يردها ألص شرعي ،لمنا اشرتط
عدم للغاء ولمهال الشرع هلا ،ومل يشرتط هنا كوهنا مقطوعا هبا ،مث ذكر أبن هذا الذي
ذهب لليه الشافعي؛ لذ أخذ الشافعي مبصاحل ًل أص هلا شرع ا ،لًل كوته مل يرد ما
يدفعها ،من ذلك مثالني:
األول :أته قال يف رج وطأ جارية ابنه فأحبلها :أن احلَبَ يكون سبب ا
لنق امللك من اًلبن ل ى األب ،من غري وجود تص فيه ،وًل وجود أص معني
يشهد لنق امللك مبث هذا العذر ،والعلة املصلحية فيه :أن األب يستحق
ا يإلعفاف على ولده ،ومال الولد معرض حلاجة أبيه يف حفظ دينه وتسبه ،وقد
بقبول أو رد؛ ألن ك النوازل مرتددة بني أصول شرعية؛ لما أن تكون مصلحتها
أغلب فتلحق ابملصاحل ،أو تكون مفسدهتا أغلب فتلحق ابملفاسد ،وًل يعدم أص
شرعي تلحق به املصاحل واملفاسد؛ هلذا قال الغزايل (ت818هـ)" :فقد تبني أن ك
"مصلحة مرسلة" فال بد أن تشهد أصول الشريعة :لما بردها ،أو قبوهلا"(.)1
وكان الغزايل قد بني هذا األص وشرحه فقال" :والصحيح أن "اًلستدًلل
املرس " يف الشرع ًل يتصور ،حَت تتكلم فيه بنفي أو أثبات؛ لذ الوقائع ًل حصر هلا،
وكذا املصاحل ،وما من مسألة تفرض لًل ويف الشرع دلي عليها :لما ابلقبول ،أو ابلرد؛
فإان تعتقد استحالة خلو واقعة عن حكم هللا تعا ى؛ خالف ا ملا قاله القاضي"(.)4
وبني جتاذب املصاحل واملفاسد لك واقعة ،فال خترج عنها" :فالوقائع لن وقعت
يف جاتب الضبط أحلق به ،ولن وقعت يف اجلاتب اآلخر أحلق به ،ولن ترددت
بينهما ،وجتاذبه الطرفان أحلق أبقرهبما ،وًل بد وأن يلوح الرتجيح ًل حمالة؛ فخرج به:
أن ك مصلحة تتخي يف ك واقعة حمتوشة ابألصول املتعارضةً ،ل بد أن تشهد
حمال
األصول لردها ،أو قبوهلا؛ فأما تقدير جرايهنا مهمالا غفالاً ،ل يالحظ أصالاٌ :
ختيله"(.)1
-2أما لن كان يقصد لمام احلرمني (ت 278هـ) بـ ـ ـ "األص " األص اخلاص فهذا
هو القياس ،هو خارج عن حد اًلستدًلل املرس ؛ فالقياس لحلاق فرع أبص ملعىن
اإلمام الشافعي عن ا يإلمام مالك ،وهو :وجود أص يشهد للمصلحة املرسلةً ،ل معىن
له ،حال التنزي والتطبيق على املسائ الفقهية ،ولو وجد فهو أكم ،لكن ًل يتوقف
العم ابملصلحة املرسلة عليه.
وهو ما أكده الزجناين (ت686هـ) ملا قاب بني رأي اإلمامني الشافعي ،وأيب
ل ى أن التمسك ابملصاحل املستندة ل ى كلي حنيفة ،فقال" :ذهب الشافعي
الشرع ،ولن مل تكن مستندة ل ى اجلزئيات اخلاصة املعينة جائز .)1("...
وضرب لذلك مثاًل :بضبط العم الكثري والعم القلي املبط للصالة؛
فالكثري ما يعتقده الناظر لليه متحلالا عن الصالة وخارج ا عنها ،كما لو اشتغ
ابخلياطة والكتابة؛ فهذا مبط للصالة ،والعم القلي ما ًل يعتقد الناظر مرتكبه
خارج ا عن الصالة؛ كتسوية ردائه ،ومسح شعره ،مث قال" :وليس هلذا التقدير أص
خاص يستند لليه ،ولمنا استند ل ى أص كلي ،وهو أته قد تقرر يف كليات الشرع :أن
الصالة مشروعة للخشوع ،واخلضوع؛ فما دام اإلتسان على هيئة اخلشوع يعد مصلي ا،
ولذا اخنرم ذلك ًل يعد مصليا"( .)4وهنا الشافعي مل يشبه ذلك أبص خاص ،ب
اعتمد على املعىن الكلي.
ومثله أيضا قت اجلماعة ابلواحد الذي أخذ به الشافعي؛ فعقب عليه الزجناين
(ت686هـ) بقوله" :وهذه مصلحة ،مل يشهد هلا أص معني يف الشرع ،وًل دل عليها
تص كتاب وًل سنة ،ب هي مستندة ل ى كلي الشرع ،وهو حفظ قاتوته يف حقن
من أصول الشريعة ،قال :وما حكاه أصحاب الشافعي عنهً ،ل يعدو هذه
املقالة"(.)1
ه-وأكد ذلك القرايف (ت682هـ) لذ بني أبن ك العلماء يكتفون مبجرد
املناسبة يف املصاحل املرسلة( ،)4وقال الزركشي (ت722هـ)" :فإن العلماء يف مجيع
املذاهب يكتفون مبطلق املناسبة ،وًل معىن للمصلحة املرسلة لًل ذلك"( ،)1دون ما
يذكره لمام احلرمني من اشرتاط أص خاص يشهد لتلك املصلحة ،حَت لن ابن
السبكي (ت771هـ) قال يف اًلستدًلل املرس " :قبله مالك مطلقا ،وكاد لمام
احلرمني يوافقه ،مع مناداته عليه ابلنكري"( ،)2وكالم ابن السبكي صحيح؛ لذ أقام
لمام احلرمني كثريا من املسائ خصوصا يف "الغياثي" على املصلحة املرسلة ،دون
وجود شاهد خاص يشهد هلا ،كما سيأيت إبذن هللا يف املبحث الرابع.
و-لذا جند لمام احلرمني (ت278هـ) تفسه ،عاد وبني أبن اإلمام مالكا أخذ
( )1الزركشي" ،البحر احمليط" .82 :8 ،وكتاب" جنة الناظر ،وجنة امل ي
ناظر" يف اجلدل ،إلمساعي
ُ ُ
بن علي البغدادي غالم ابن امليين(ت611هـ) بكسر امليم ،وتشديد النون وكسرها ،أحد
علماء احلنابلة يف عصره ،مفقود ،أخذ ابن قدامة (ت641هـ) غالب هذا اًلسم لكتابه:
"روضة الناظر ،وجنة املناظر" منه .اتظر" :األقوال األصولية أليب حممد لمساعي بن علي
البغدادي ،يف مسائ احلكم واألدلة الشرعية ،ودًلًلت األلفاظ" د .أمحد السراح .حبث
حمكم يف جملة احلكمة ،العدد (.121 :1 ،)11
( )4اتظر :القرايف" ،شرح تنقيح الفصول".122 :1 ،
( )1الزركشي" ،البحر احمليط يف أصول الفقه".478 :7 ،
( )2السبكي" ،مجع اجلوامع".241 :1 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
013
ابملصاحل املرسلة ،وفق ضوابط ومنهج الصحابة ،لكنه رمبا مل حيط حبقائقها أحياان؛
فقال " :وًل جيوز التعلق عندان بك مصلحة ،ومل ير ذلك أحد من العلماء ،ومن ظن
ذلك مبالك فقد أخطأ؛ فإته قد اختذ من أقضية الصحابة أصوًلا ،وشبه هبا
مأخذ الوقائع؛ فمال فيما قال ل ى فتاويهم وأقضيتهم؛ فإذا مل ير اًلسرتسال يف
املصاحل ،ولكنه مل حيط بتلك الوقائع على حقائقها"(.)1
مث وقع ما مياثلها أو فإذا وجدت قضااي مصلحية حكم هبا الصحابة
يقارهبا يف عهد لمام من األئمة؛ فك األئمة يقربون ويشبهون األحكام هبا؛ فإن
تطابقت أخذوا بنفس احلكم ،ولن تقاربت قربوا وشبهوا احلكم هبا مقاربة ًل مطابقة
ومماثلة ،ولن تباعدت تزعوا ًلجتهاد مصلحي ،معتربين أبصول الشرع.
ومن أج ما سبق تعجب الطاهر بن عاشور (ت1121هـ) من موقف لمام
احلرمني (ت278هـ) من املصلحة املرسلة حيث قال" :ولين ألعجب فَرط العجب من
لمام احلرمني -على جاللة علمه ،وتفاذ فهمه -كيف تردد يف هذا املقام"(،)4
ويقصد برتدده يف األخذ ابملصلحة املرسلة أتصيالا ،واحلقيقة أن تردد لمام احلرمني مل
يكن كلي ا ،ب جزئيا من أتثري الباقالين (ت211هـ) عليه من جهة األصول؛ وهلذا ملا
جاء للتنزي ،ولقامة األحكام العملية يف كتابه "الغياثي" بىن غالبه ،لن مل تق كله
على املصلحة املرسلة؛ لذ حترر من أتصيالت الباقالين اليت ًلزمته يف أصول الفقه.
خالفتم وجه املصلحة ،ولن رأيتم ذلك :اخرتعتم أمرا بدعا ًل يالئم وضع الشرع .قلنا:
لن اتفق ذلك -ولع مزاج العصر قريب مما صوره السائ -فيجوز لك واحد أن
يزيد على قدر الضرورة ،ويرتقى ل ى قدر احلاجة يف األقوات واملالبس واملساكن؛ ألهنم
لو اقتصروا على سد الرمق :لتعطلت املكاسب ،واتبرت النظام ،ومل يزل اخللق يف
مقاساة ذلك ل ى أن يهلكوا .وفيه خراب أمر الدين ،وسقوط شعائر اإلسالم ،فلك
واحد أن يتناول مقدار احلاجة ،وًل ينتهي ل ى حد الرتفه والتنعم والشبع"()1؛ فقصر
ذلك على احلاجيات ،دون التحسينيات.
وهلذا قال األبياري (ت616هـ) يف عد املذاهب يف املصلحة املرسلة:
"واملذهب الرابع :ما ذهب لليه أبو حامد ،وهو أن املناسب الذي ًل يشهد له أص
اقعا يف الرتبة األخرية من رتب املناسبات ،مل يقب .واختلف قوله يف
معني ،لن كان و ا
الواقع يف الرتبة املتوسطة ،وهي رتبة احلاجات ،فقبله يف "شفاء الغلي " ،ورده يف
"املستصفى" ،وهو آخر مصنفاته"(.)4
الفرع الثالث :املستصفى.
مث ضي ق هذا املعىن يف "املستصفى" وهو آخر مصنفاته األصولية ،وجع
املصلحة املناسبة اليت ترجع ل ى أص عائدة ل ى حقيقة القياس ،فقال " :املصلحة
ابإلضافة ل ى شهادة الشرع ثالثة أقسام :قسم شهد الشرع ًلعتبارها ،وقسم شهد
لبطالهنا ،وقسم مل يشهد الشرع ًل لبطالهنا وًل ًلعتبارها .أما ما شهد الشرع
"وكان هذا التفااتا ل ى مصلحة ُعلم ابلضرورة كوهنا مقصود الشرعً ،ل بدلي واحد،
وأص معني ،ب أبدلة خارجة عن احلصر ،لكن حتصي هذا املقصود هبذا الطريق:
وهو قت من مل يذتب غريب ،مل يشهد له أص معني؛ فهذا مثال مصلحة غري
مأخوذة بطريق القياس ،على أص معني .واتقدح اعتبارها ابعتبار ثالثة أوصاف :أهنا
ضرورية ،قطعية ،كلية"(.)1
فهذه شروط الغزايل (ت818هـ) يف املصلحة املرسلة يف "املستصفى" الذي
هو آخر كتبه األصولية كوهنا :ضرورية ،ويقابلها التحسينية واحلاجية ،فلم جيوز األخذ
هبما ،وكوهنا قطعية ،ويقابلها :الظنية أو املتومهة ،ومل جيوز األخذ هبما ،وكوهنا كلية:
ويقابلها اجلزئية ،فلم جيوز األخذ هبا ،قال الشاطيب (ت721هـ)" :وذهب الغزايل ل ى
أن املناسب لن وقع يف رتبة التحسني والتزيني مل يعترب حَت يشهد له أص معني ،ولن
وقع يف رتبة الضروري فميله ل ى قبوله ،لكن بشرط .قال :وًل يبعد أن يؤدي لليه
اجتهاد جمتهد .واختلف قوله يف الرتبة املتوسطة ،وهي رتبة احلاجي ،فرده يف
"املستصفى " وهو آخر قوليه ،وقبله يف " شفاء العلي " كما قب ما قبله"(.)4
يف شرطه املصلحي املطلب الثاني :اضطراب الغزالي
ملا تنظر للغزايل (ت818هـ) جند له توع اضطراب يف تقرير املصلحة املرسلة
بشروطها ،حَت يف "املستصفى" ،يظهر من اآليت:
-1جوز ختصيص العموم ابملصلحة ،ومل يشرتط للمصلحة املخصصة أي
للخالف يف اتباعها ،ب جيب القطع بكوهنا حجة .وحيث ذكران خالفا فذلك عند
تعارض مصلحتني ومقصودين ،وعند ذلك جيب ترجيح األقوى"()1؛ فأعاد اخلالف
ل ى تعارض املصاحلً ،ل ل ى رتبها ،وهو هبذا يقوض ما بناه سابقا.
ه-هذا الرتدد يوضح لنا حجم اإلشكال بضبط اًلستدًلل ابملصلحة املرسلة
عند الغزايل :اترة أطلق اًلستدًلل هبا كما يف كتابيه" :املنخول" ،و"أساس القياس"،
مث رجع وقيدها يف "شفاء الغلي " بكوهنا" :حاجية" أو "ضرورية"؛ فأخرج التحسينية
منها ،مث رجع يف "املستصفى" ،وجع املصلحة املرسلة من األصول املوهومة ،يعين
غري معتربة بك مراتبها ،وقارهنا يف أكثر من موضع بـ ـ ـ "اًلستحسان" ،وأطلق عبارته:
"فإن من صار ل ى مصلحة فقد شرع ،كما أن من استحسن فقد شرع" ،وقصر
املصلحة املعتربة اليت يعم هبا بكوهنا" :ضرورية" ،ومل يقف عند كوهنا "ضرورية" ،ب
زاد كوهنا" :قطعية"" ،كلية" ،و" :قطعية" أي ًل تكون متومهة أو مظنوتة ،و" كلية"
أي ًل تكون جزئية وخاصة ببعض األفراد ،ومع ذلك عاد مرة أخرى وتردد وأطلق هذا
القيود بعد صفحات ،وجع النظر لتعارض املصاحل ًل لرتبها ،مث ختم ذلك بقوله:
"وتبني أن اًلستصالح ليس أصالا خامس ا برأسه ،ب من استصلح فقد شرع ،كما أن
من استحسن فقد شرع"( ،)4قال الشاطيب (ت721هـ) يف الغزايل" :واختلف قوله يف
الرتبة املتوسطة ،وهي رتبة احلاجي ،فرده يف "املستصفى" وهو آخر قوليه ،وقبله يف
يناسب ما أراه وأحتراه .وهكذا سبي التصرف يف الوقائع املستجدة ،اليت ًل توجد فيها
و ،مل جيدوا يف الكتاب والسنة لًل أجوبة العلماء معدة ،وأصحاب املصطفى
تصوصا معدودة ،وأحكاما حمصورة حمدودة ،مث حكموا يف ك واقعة عنت ،ومل جياوزوا
وضع الشرع ،وًل تعدوا حدوده؛ فعلموان أن أحكام هللا تعا ى ًل تتناهى يف الوقائع،
وهي مع اتتفاء النهاية عنها صادرة عن قواعد مضبوطة"(.)1
ًل تتناهي يف الوقائع"، والشاهد من هذا قوله" :فعلموان أن أحكام هللا
أصال لك وهنا يلتقي معه القرايف؛ فالقرايف جع اجتهادات الصحابة
اًلجتهادات املصلحية ،فال تكون أصال يقاس عليها ك انزلة ًل يتعداها يف أي
املصلحية يكون أصالا لالتطالق يف اًلجتهاد مصلحة انزلة ،ب أص اجتهاداهتم
يف ك املصاحل ،مع مراعاة اًلعتبارات اًلجتهادية اليت راعوها ،هذا رأي القرايف.
وهو رأي لمام احلرمني هنا؛ فأطلق لمام احلرمني املصلحة ،ومل يشرتط هلا شاهد
يف أخذهم ابملصاحل، قريب ،كما اشرتطه يف الربهان ،اعتبارا حبال الصحابة
واألمثلة اليت ذكرها بعد هذا شاهدة على هذا.
املطلب الثاني :الغزالي
أما الغزايل (ت 818هـ) فنجده أيضا مل أيخذ مبسائ مل يعهد هلا أص ،ومل
يعرف هلا شاهد عن السابقني ،فقال" :فإن قي لو حدثت واقعة مل يعهد مثلها يف
عصر األولني ،وسنحت مصلحة ًل يردها أص ،ولكنها حديثة فه تتبعوهنا؟ قلنا:
ومل يرد النص من شرائط اإلمامة يف شيء ،لًل يف النسب؛ اذ قال " :لن اًلئمة من
قريش" فأما ما عداه؛ فإمنا أخذ من الضرورة ،واحلاجة املاسة يف مقصود اإلمامة
لليها"(.)1
وهلذا قال القرايف (ت682هـ) أيض ا" :ولمام احلرمني قد عم يف كتابه املسمى
بـ ـ ـ "الغياثي" أمورا ،وجوزها ،وأفَت هبا ،واملالكية بعيدون عنها ،وجسر عليها ،وقاهلا
للمصلحة املطلقة ،وكذلك الغزايل يف "شفاء الغلي " ،مع أن اًلثنني شددا اإلتكار
علينا يف املصلحة املرسلة"(.)4
h
( )1الغزايل ،أبو حامد" ،فضائح الباطنية ،وفضائ املستظهرية" .أعتىن به وراجعه :حممد علي
(بريوت :املكتبة العصرية1244 ،ه 4141م).121 :1 ،
( )4القرايف" ،شرح تنقيح الفصول".226 :1 ،
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
اخلامتة
بعد أن َمن هللا علي وتفض إبمتام هذه الدراسة ،أحب أن أضع بني يدي
القارئ الكرمي ،أبرز النتائج اليت توص لليها البحث:
-1تنازعت األصول الشرط املصلحي ،بني السعة والضيق؛ فمن ضيق العم
ابملصلحة املرسلة ،أكثر الشروط ،ومن وسع العم ابملصلحة املرسلة ،خفف الشروط،
أقاموا أحكاما وكان من أسباب اًلضطراب يف الشرط املصلحي ،أن الصحابة
كثرية على املصاحل ،دون متهيد هلا أبوجه بناء احلكم عليها.
-2جاء الشرط املصلحي عند اجلويين متنوعا ،قوامه أربعة :كون احلكم
مناسب ا ،وًل يرده أص خاص ،وأن يكون معلالا ،وأن يطلب له شاهد قريب من
الشرع ،أو من عم السلف.
-3الشرط املصلحي -حسب رأي اإلمام اجلويين -عند اإلمام الشافعي :أن
يقوم له شاهد يف عم السابقني ،أو قُربه من األصول الشرعية املعهودة ،أما اإلمام
مالك فيكتفي مبجرد املناسبة ،وعدم وجود أص خاص يدفعه.
-4وجود شاهد أو عم للسلف ،بكوته شرطا للمصلحة عند الشافعي ،مل
يكن ظاهرا حال تنزي الشافعي لألحكام الفقهية ،على املصلحة.
-5الغزايل يف مبتدأ كتبه كاملنخول ،وأساس القياس ،قل الشروط املصلحية؛
011
فاكتفى أبي مصلحة مناسبةً ،ل يصادمها تص خاص ،مث ضيق هذا يف شفاء الغلي ؛
فقصر املصلحة على الضروري واحلاجي ،دون التحسيين ،مث يف املستصفى قصر ذلك
على الضروري ،وقصر الضروري على الكلي القطعي.
-6حص للغزايل توع اضطراب يف تقرير توع املصلحة حَت يف املستصفى،
فتارة يقيدها بشروط ،واترة يطلقها؛ فبني مبتدأ كالمه ومنتهاه ضرب من اًلختالف،
ًلحظ هذا الطاهر بن عاشور.
-1مل يلتزم اجلويين ،وًل الغزايل ،شرط األص القريب ،وًل شرط عم السلف،
ًلعتبار املصلحة ،حال تنزي األحكام.
التوصيات.
-1زايدة الدراسة للشرط املصلحي ،ملن أتى بعد اجلويين والغزايل ،ممن كاتت
هلم عناية ابلشرط املصلحي؛ كالعز بن عبد السالم ،والقرايف ،والطويف ،والشاطيب،
للكشف عن مسار الشرط املصلحي يف التنزي الفقهي ،يف تسلسله الزمين التارخيي،
ومدى أتثره أو حترره من شروط اإلمامني :اجلويين والغزايل ،يف املصلحة.
-2ضبط املصلحة املرسلة ،من جهة مسالكها ،لسعة تنزيالهتا احلكمية.
-3تكثيف الدراسة يف حسن تقدير املصاحل املرسلة املقدرة؛ لئال حيص زل
وخل ،زايدة أو تقصا ،يف حتقيق مناطاهتا الفقهية.
h
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
ابن العريب ،أبو بكر حممد بن عبد هللا املعافري« .القبس شرح موطأ مالك -1
بن أتس» .حتقيق :حممد ولد كرمي( ،ط ،1بريوت :دار الغرب اإلسالمي،
1224م).
ابن دقيق العيد ،أبو الفتح تقي الدين حممد بن علي بن وهب القشريي. -4
"شرح اإلملام أبحاديث األحكام" .حتقيق :عبد العزيز بن حممد السعيد،
(ط ،1دار أطلس1218 ،هـ).
ابن عاشور ،حممد بن الطاهر بن عاشور« .مقاصد الشريعة اإلسالمية». -1
حتقيق :حممد الطاهر امليساوي( ،ط ،1األردن ،عمان :دار النفائس،
1241هـ).
ابن فارس ،أمحد بن زكرايء القزويين الرازي" ،معجم مقاييس اللغة" .احملقق: -2
عبد السالم حممد هارون (ط ،1بريوت :دار الفكر).
ابن قدامة ،أبو حممد ،عبد هللا بن أمحد املقدسي" .روضة الناظر وجنة -8
املناظر" .حتقيق :د .شعبان لمساعي ( ،ط ،1الراين).
اإلبياري ،علي بن لمساعي " .التحقيق والبيان يف شرح الربهان يف أصول -6
الفقه" .حتقيق :د .علي اجلزائري( ،ط ،1الكويت :دار الضياء،
1212هـ).
األصفهاين ،أبو القاسم حممود بن عبد الرمحن" .بيان املختصر شرح خمتصر -7
ابن احلاجب" .حتقيق :حممد مظهر( ،ط ،1السعودية :دار املدين،
1216هـ).
اآلمدي ،أبو احلسن سيف الدين علي" .اإلحكام يف أصول األحكام". -8
011
(ط ،1بريوت :دار الكتاب العريب1212 ،هـ).
جغيم ،د .تعمان" ،املصلحة املرسلة :دراسة يف تشأة املصطلح وتطور -2
املفهوم" .جملة الشريعة والدراسات اإلسالمية( ،جامعة الكويت ،اجمللد ،14
العدد 4117 ،118م).
اجلويين ،أبو املعايل عبد امللك بن عبد هللا" .الربهان يف أصول الفقه". -11
حتقيق :عبد العظيم حممود الديب( ،ط ،2مصر ،املنصورة :دار الوفاء،
1218هـ).
اجلويين ،أبو املعايل ،عبد امللك بن عبد هللا" .غياث األمم يف التياث -11
الظلم" .حتقيق عبد العظيم لديب( ،ط ،4مكتبة لمام احلرمني1211 ،هـ).
اخلادمي ،د .تور الدين «املصلحة املرسلة :حقيقتها وضوابطها»( .ط،1 -14
بريوت :دار ابن حزم1241 ،هـ).
الرازي ،فخر الدين« ،مناظرات فخر الدين الرازي يف بالد ما وراء النهر». -11
حتقيق :د .فتح هللا خليف( ،بريوت :دار املشرق).
الرازي ،فخر الدين« ،احملصول يف علم األصول» .حتقيق :طه العلواين، -12
(ط ،1الرايض :جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية).
الزركشي ،بدر الدين حممد بن هبادر" .البحر احمليط" (دار الكتيب). -18
الزجناين ،أبو املناقب شهاب الدين حممود" .ختريج الفروع على األصول". -16
حتقيق :حممد الصاحل( ،ط ،8بريوت :مؤسسة الرسالة1212 ،هـ).
السبكي ،لتاج الدين عبد الوهاب" .مجع اجلوامع يف أصول الفقه" .حتقيق: -17
عقيلة حسني( ،ط ،1بريوت :دار ابن حزم1214 ،هـ).
السراح ،د .أمحد" ،األقوال األصولية أليب حممد لمساعي بن علي البغدادي، -18
يف مسائ احلكم واألدلة الشرعية ،ودًلًلت األلفاظ" جملة احلكمة ،العدد
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
(.)11
السمعاين ،أبو املظفر ،منصور بن حممد بن عبد اجلبار ابن أمحد املروزي -12
التميمي احلنفي مث الشافعي« .قواطع األدلة يف األصول» .حتقيق :حممد
حسن لمساعي ( ،ط ،1بريوت :دار الكتب العلمية1218 ،هـ).
الشاطيب ،لبراهيم بن موسى اللخمي الغرانطي" .اًلعتصام" .حتقيق ودراسة: -41
د .حممد بن عبد الرمحن الشقري ،وآخرين( ،ط ،1السعودية :دار ابن
اجلوزي 1242هـ4118م).
الشاطيب ،لبراهيم بن موسى اللخمي الغرانطي" .املوافقات" .احملقق :أبو -41
عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان( ،ط ،1دار ابن عفان 121 ،هـ
1227م).
الشنقيطي ،الشيخ حممد األمني" ،املصاحل املرسلة" .اجلامعة اإلسالمية، -44
1211هـ).
الطوسي ،أبو حامد حممد بن حممد" .أساس القياس" حتقيق :د .فهد -41
السدحان( ،الرايض :مكتبة العبيكان1211 ،هـ).
الطويف ،أبو الربيع ،جنم الدين ،سليمان بن عبد القوي بن الكرمي -42
الصرصري" ،شرح خمتصر الروضة" .احملقق :عبد هللا بن عبد احملسن الرتكي،
(ط ،1بريوت :مؤسسة الرسالة1217 ،هـ 1287م).
الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد الطوسي« .املنخول من تعليقات -48
األصول» .حتقيق :د .حممد حسن هيتو( ،ط ،1بريوت :دار الفكر
املعاصر1212 ،هـ).
الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد الطوسي" ،شفاء الغلي يف بيان الشبه -46
واملخي ومسالك التعلي " .احملقق :د .محد الكبيسي( ،ط ،1بغداد :مطبعة
011
اإلرشاد1121 ،هـ 1271م).
الغزايل ،أبو حامد حممد بن حممد" ،شفاء الغلي يف بيان الشبه واملخي -47
ومسالك التعلي " .حتقيق :د .محد البيسي( ،بغداد :مطبعة اإلرشاد،
1121هـ).
الغزايل ،أبو حامد« .املستصفى يف علم األصول»( .ط ،4بريوت :الكتب -48
العلمية).
الغزايل ،أبو حامد" ،فضائح الباطنية ،وفضائ املستظهرية" .أعتىن به ،حممد -42
على (بريوت :املكتبة العصرية1244 ،ه 4141م).
قاسم حممد" .ضوابط املصلحة املرسلة ،وأمثلتها الفقهية"( .جامعة دمشق، -11
كلية الشريعة ،قسم أصول الفقه1211 ،هـ).
القرايف ،شهاب الدين أمحد بن لدريس" .شرح تنقيح الفصول يف اختصار -11
احملصول" .علق عليه :أمحد فريد( ،ط ،1بريوت :دار الكتب العلمية،
1248هـ).
القرايف ،شهاب الدين أمحد بن لدريس" ،تفائس األصول يف شرح -14
احملصول" .احملقق :عادل أمحد عبد املوجود ،علي حممد معوض( ،ط،1
مصر :مكتبة تزار مصطفى الباز1216 ،هـ 1228 -م).
قرين ،مسية قرين« .املصلحة املرسلة ،ضوابطها ،وتطبيقاهتا يف الفقه -11
اإلسالمي» رسالة ماجستري( ،اجلزائر ،جامعة احلاج األخضر ،ابتنة،
1211ـ 1214هـ).
املا وردي ،أبو احلسن علي بن حممد بن حممد بن حبيب البصري البغدادي. -12
"احلاوي الكبري"( .بريوت :دار الفكر).
النجران ،أ .د .سليمان بن حممد "الرتادف يف املصطلح األصويل" ،جملة -18
الشرط املصلحي بني اجلويين والغزالي -قراءة حتليليَّة -
011
البحوث اإلسالمية ،العدد ،116حمرم ،صفر ،ربيع األول ،ربيع اآلخر،
(1221هـ).
012
bibliography
Prepared by :
Dr. Muhammad Ahmed Omer Babiker
Professor, Associate Professor Of Islamic Economic
Department Of Islamic Economic Sharia'a College
Islamic University Of Madinah
Email: hashimo0966@gmail.com
ملخص البحث
يعاجل البحث الغاايت أو املقاصد اليت ينبغي أن يتبعها املسلم عند لتفاقه
واستهالكه ،واليت ًل تُل َفى جمموعةا يف مكان واحد ،وًل هي متناسقة يف وجودها.
ويذكر ما يؤيدها من تطبيقات معاصرة هلا .وأمهية البحث تنشأ من أن العم هبذه
املقاصد حيدث التوازن يف لتفاق املسلم بني ما هو مادي وما هو معنوي ،وما هو
دتيوي وما هو أخروي .وهدف البحث لظهار هذه املقاصد ليعم هبا املسلم ليعدل
سلوكه اًلستهالكي وف اقا هلا .ويفرتض أن العم مبقاصد اًلستهالك يؤدي ل ى
التخصيص الكفؤ للموارد.
ويتبع املنهج اًلستقرائي واًلستنباطي والتحليلي للتوص ل ى ما خيدم أغراض
البحث .وأهم ما تتج عن هذا البحث :أن اتباع املقاصد اًلستهالكية ينتج عنه
التخطيط اًلستهالكي السليم إلتفاق الدخ ،عن طريق التوازن بني أمر الدتيا وأمر
اآلخرة .ويوصي إببراز هذه املقاصد وتشرها ألج العم هبا.
الكلمات املفتاحية( :املقاصد الشرعية -املقاصد القرآتية لالستهالك -أتواع
اًلستهالك -قواعد اًلستهالك -أثر مقاصد اًلستهالك -التطبيقات املعاصرة).
011
Abstract
منهج البحث
التحلي اًلقتصادي.
هيكل البحث:
ويتكون من مقدمة وأربعة مباحث ،على هذا النحو:
املبحث األول :مفهوم املقاصد يف الشريعة اإلسالمية.
املبحث الثاين :الغاية من االستهالك.
املبحث الثالث :املقاصد الشرعية االقتصادية يف القرآن وأتثريها يف
السلوك االستهالكي.
املبحث الرابع :النماذج والتطبيقات املعاصرة ملقاصد االستهالك الشرعية.
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
013
( )1اجلوهري ،لمساعي بن محاد( :معجم الصحاح) ،مرتب ترتيبا ألفبائيا وفق أوائ احلروف،
=
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
ويف املعجم الوسيط :قصد الطريق قصدا :استقام .وقصد له ،ولليه :توجه لليه
عامدا ،ويقال قصده .القصد -يقال :هو على القصد وعلى قصد السبي .لذا كان
راشدا والقصد استقامة الطريق .يقال طريق قصد :سه مستقيم(.)1
املطلب الثاني :املدقاصّ يف اصطالح األصوليني
هذا مما اجتهد فيه املعاصرون من علماء املقاصد ملا مل يبلغهم عنها شيء من
تعريفها عند املتقدمني من علماء األصول .ولكنهم استأتسوا بعبارات الشاطيب يف
موافقاته .وبنوا على ما كتبه اإلمام حممد الطاهر بن عاشور يف مقاصده .واختلفت
عباراهتم يف التعريف تبعا ًلختالف مداركهم وفهمهم ،كغريها من علوم الشريعة
الفرعية.
فابن عاشور يقول هي :املعاين واحلكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال
التشريع أو معظمها حبيث ًل ختتص مالحظتها ابلكون يف توع خاص من أحكام
الشريعة(.)4
=
اعتىن به :خلي مأمون شيحا( ، ،ط1211 ،2 :هـ 4114 -م ،بريوت :دار املعرفة ) ،ص
. 861
( )1ابن عاشور ،حممد الطاهر( ،مقاصد الشريعة اإلسالمية) ،حتقيق ومراجعة :الشيخ حممد
احلبيب بن اخلوجة 1248( ،ه – 4112م ،طبعة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية –
قطر)168 :1 ،
( )4احلسن ،خليفة اببكر( ،فلسفة مقاصد التشريع يف الفقه اإلسالمي وأصوله)1287( ،م ،جملة
كلية الشريعة والقاتون ،اإلمارات العربية املتحدة) ،العدد ،1ص ،8موجود يف قالب يب دي
لف.
011
وقال خليفة اببكر احلسن هي :الروح العامة اليت تسري يف كيان تلك األحكام
واملنطق الذي حيكمها ويربز خصوصياهتا وينبئ عن متيز أسلوهبا وتفرد طريقتها
وارتباطها أبسسها ومنطلقاهتا.
وعرفها يوسف العامل أبهنا :الغاية اليت يرمي لليها التشريع واألسرار اليت وضعها
الشارع احلكيم عند ك حكم من األحكام(.)1
تتلخص التعريفات املتقدمة يف اتفاقها على املكوانت التالية ملقاصد الشريعة:
-املعاين واحلكم واملقاصد اليت يرمي لليها الشرع.
-مشول هذه املعاين والغاايت لعموم أحكام الشريعة وخصوصياهتا.
-حتقيق مصاحل العباد.
-األسرار الكامنة يف أحكام الشرع ومقاصده.
وهي أمور بال شك خادمة حلركة املعاش اليت ميارسها اإلتسان املسلم ،ويتوخى
أن تكون وفق أهدافه احلياتية.
من املمكن صياغة تعريف مما تقدم على هذا النحو:
"املقاصد الشرعية هي :املقاصد واألهداف واحلكم اليت تنطوي عليها مصاحل
اخللق واملبثوثة يف النصوص واألحكام الشرعية ،واليت جتلب املنافع وتدفع املضار،
حتقي اقا لسعادة الدارين".
( )1العامل ،يوسف حامد( ،املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية) ( ،ط1214 ،1 :ه1221-م،
هريتد ،فرجينيا ،الوًلايت املتحدة األمريكية ،املعهد العاملي للفكر اإلسالمي) ،ص ،81
موجود على قالب يب دي لف.
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
1/2/1أنواع املدقاصّ الشرعية:
قسم اإلمام الشاطيب املقاصد الشرعية ل ى ضربني :مقاصد أصلية ومقاصد
اتبعة.
ًلحظ فيها للمكلف ،ألهنا قيام مبصاحلوعرف املقاصد األصلية أبهنا :اليت َ
عامة مطلقة .وهي تنقسم ل ى ضرورية عينية ول ى ضرورية كفائية .فالدينية على ك
مكلف يف تفسه ،فهو مأمور حبفظ دينه اعتقادا وعمالا ،وحبفظ تفسه قيام ا
بضرورايت حياته ،وحبفظ ماله استعاتة على لقامة تلك األوجه األربعة ،من الدين
والنفس والعق والنس ( .)1ويظهر من هذا ،التعلق اللصيق بني املقاصد الشرعية
واملقاصد الدتيوية اًلستهالكية.
أما الكفائية فيقصد هبا كوهنا منوطة ابلغري أن يقوم هبا على العموم يف مجيع
املكلفني ،لتستقيم األحوال العامة اليت ًل تقوم اخلاصة لًل هبا.
وهو ًلحق ابألول ،لذ ًل يقوم العيين لًل ابلكفائي .والقائم بذلك خليفة هللا
يف عباده على حسب قدرته(.)4
أما املقاصد التابعة فعنده :أهنا اليت روعي فيها حظ املكلف .فمن جهتها
حيص له مقتضى ما جب عليه من تي الشهوات واًلستمتاع ابملباحات وسد
( )1الشاطيب ،لبراهيم بن موسى اللخمي الغرانطي( ،املوافقات يف أصول الشريعة) ،شرحه وخرج
أحاديثه :عبد هللا دراز ،وضع ترامجه :حممد عبد هللا دراز ،خرج آايته وفهرس موضوعاته :عبد
السالم عبد الشايف حممد( ،ط4112 ،4م ،بريوت :دار الكتب العلمية) ،ص 141
( )4ابن عاشور( ،مقاصد الشريعة)168 :1 ،
011
اخلالت .لذ خلق له شهوة الطعام والشراب ليحركه ذلك الباعث ل ى التسبب يف سد
هذه اخللة مبا أمكنه(.)1
ويرى الشاطيب أن املقاصد التابعة خادمة للمقاصد األصلية ومكملة هلا(.)4
2/2/1الصفات الضابطة للمدقاصّ الشرعية:
ذهب ابن عاشور ل ى تقسيم املقاصد الشرعية ل ى توعني َحلي َظ فيه املعاين،
خبالف تقسيم الشاطيب الذي َحلي َظ فيه الطلب من جهة املكلف.
فقسمهما ل ى :معان حقيقية ومعان عرفية عامة .ويرى اتضباط هذه املقاصد
أبربعة شروط هي :الثبوت والظهور واًلتضباط واًلطراد.
ضرا ،حبيث
أما احلقيقية فهي اليت هلا حتقق يف تفسها حبيث جتلب تفعا وتدفع ا
تدرك العقول السليمة مالءمتها أو منافرهتا هلا .والعرفية هي اجملرابت اليت ألفتها تفوس
اجلماعة واستحسنتها استحساانا انشئا عن جتربة مالءمتها لصالح اجلمهور،
كاإلحسان وعقوبة اجلاين(.)1
3/2/1ابتناء مدقاصّ الشريعة اإلسالمية:
يرى ابن عاشور أن ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة اإلسالمية
األعظم وهو الفطرة( .)2وأن السماحة أول أوصاف الشريعة وأكرب مقاصدها ،فإن
العامة(.)1
وأما التحسينات ،فتعىن األخذ مبا يليق مبحاسن العادات ،وجتنب املدتسات
اليت أتتفها العقول الراجحات ،وجيمع ذلك قسم مكارم األخالق(.)4
وهي جترى فيما جترى فيه ،يف العادات ،كآداب األك والشرب وجماتبة املآك
النجسات واملشارب املستخبثات ،واإلسراف واإلقتار يف املتناوًلت .قال الشاطيب:
ك مرتبة من هذه املراتب ينضم لليها ما هو كالتتمة والتكملة ،حبيث لذا فقد مل خي
الشاطيب لتتمات التحسينات ابإلتفاق من طيبات حبكمتها األصلية .وميث
املكاسب( .)1وشرط التكملة أًل يعود اعتبارها على األص ابإلبطال( .)2واملقاصد
الضرورية يف الشريعة أص للحاجية والتحسينية(.)8
واحملافظة على واحد منها يقتضي احملافظة على اآلخر؛ ألن احلاجي خادم
للضروري ،والتحسيين خادم للحاجي ،والضروري هو املطلوب.
االستهالك املعاشي:
أما اًلستهالك املعاشي :فهو اًلستهالك املأمور به لبقاءا للنفس ولحياءا هلا،
لتقوم بوظيفتها من العبادة واًلعمار قال { :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ } [سورة
األعراف ،]31:وقال :ﭐﭐ { ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ } [سورة األعراف ،]17:واملعايش :مجع
التحرف الذي يؤدي لليه(.)1
معيشة ،وهي لفظة تعم املأكول الذي يعاش به و ُّ
االستهالك الرفاهي:
وأما اًلستهالك الرفاهي :فهو الزائد على أص املعاش حبيث يُ ُّ
عد صاحبه
مسرف ا مبا يتجاوز حدود املعروف .لذلك قال تعا ى يف ضبط اًلستهالك( :وًل
تسرفوا) فيه أن التزام ترك اإلسراف يؤدي ل ى توجيه اًلتفاق ل ى مصاحل أخرى للفرد
واجملتمع ،ويف هذا ختصيص للموارد .قال يزيد بن حبيب :هم الذين ًل يلبسون الثياب
طعاما للذة( .)4وسيأيت بسط الكالم عن اإلسراف.
للجمال وًل أيكلون ا
االستهالك التعاوني:
وأما اًلستهالك التعاوين أو اًلستبقائي أو التعاوضي :فهو طلب صاحبه
العي َوض األخروي مبا يبذله للمسكني من طعام أو ثياب وحنو ذلك .وبه يقع التعاون
بني الواجد وغري الواجد ،ويستبقي الفاع لذلك من طيباته حلياته األخرى ،كما فع
( )1املنذري ،زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي( ،الرتغيب والرتهيب من احلديث الشريف)،
ضبط أحاديثه وعلق عليها :مصطفى حممد عمارة ،ط1188، 1/هـ ـ 1268م دارلحياء
الرتاث العريب ،دون بلد) . 117، 21 :1 ،رواه الرتمذي وقال :حديث غريب ،وابن ماجة
واحلاكم والبيهقي.
( )4مسلم ،أبو احلسني بن احلجاج( ،صحيح مسلم) ،كتاب الزهد ،ابب فض اإلتفاق على
املساكني وابن السبي ،حديث ( ،7271ط 1241، 4/هـ 4111 -م ،دار السالم –
الرايض) ،ص .1421
( )1اتظر :الباحث( ،معاجلة الكفارات الشرعية ملشكلة الفقر) ،جملة بيت املشورة ،جملة دولية
حمكمة يف اًلقتصاد والصريفة اإلسالمية( ،العدد ، 7أكتوبر 4117م ،دولة قطر) ،ص
. 118 ، 141 ، 116
010
الفقراء ،مث كفارة اإلفطار وخمالفات احلج وكفارة اليمني وكفارة الظهار وكفارة القت .
فهو استهالك ولتفاق جربي لفاع املخالفة من غري اتتفاع له مبا خيرجه من طعام
وحنوه ،ب ليكون استهالكا ملن اتتق لليه الطعام وهم املساكني .فهو بذلك استهالك
تقوميي ،أي لتصحيح خطأ املكلف الذي يقع فيه .والعلماء على خالف يف كوهنا
عقوبة أم عبادة.
يتحص من ذلك تقومي السلوك اًلقتصادي للفرد املسلم ،وتتهذب تفسه،
ويتعدل سلوكه اإلتفاقي ،فيحتاط من الوقوع يف مث هذه املخالفات القولية أو
الفعلية(.)1
املطلب الثاني :الغايات أو املدقاصّ الّنيوية واألخروية لالستهالك
ًل يستهلك املسلم ألغراض دتيوية فحسب ،ب يتعدى ذلك ل ى مزج تيته عند
استهالكه مبقاصد أخروية .وبذلك تتم منفعته الكلية من اًلستهالك .لذ ًل تتعلق
املنفعة بوقت الدتيا فقط ،ب كذلك أبمر اآلخرة وأمدها .وهو ما جيع استهالك
املسلم يف توازن .وهذه املقاصد أو الغاايت اًلستهالكية هي ما يبتغيه املسلم من
سلوك يهذب به لتفاقه ،ويتبع فيه لرشادات الشريعة.
أوالً :املدقاصّ الّنيوية لالستهالك.
هناك مقاصد متعددة يسعى املسلم ل ى حتقيقها من خالل فع اًلستهالك.
( )1اتظر :الباحث( ،معاجلة الكفارات الشرعية ملشكلة الفقر) ،جملة بيت املشورة ،جملة دولية
حمكمة يف اًلقتصاد والصريفة اإلسالمية( ،العدد ، 7أكتوبر 4117م ،دولة قطر) ،ص
118 ، 141 ، 116
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
ومجلتها تنحصر يف أربعة مقاصد.
-1مدقصّ استبدقاء احلياة:
مبعىن أته يستهلك لبقاءا حلياته املأمور حبفظها من بني مقاصد الشرع اخلمسة
واليت منها حفظ النفس .وهو مقصد يكاد يتوجه لليه ك اإلتفاق اًلستهالكي،
خاصة عند الفقراء وفئات الدخ املنخفض ،حبكم السلوك الفطري والعفوي .وًل
تكاد تتوجه عناية هؤًلء ل ى اًلدخار ،لقصور دخوهلم عن استيفاء ضروراهتم.
-2مدقصّ مراعاة حظ األجيال الدقادمة:
يدخ يف ذلك توفري فاض اإلتفاق للقريب واجلار وغريمها ،وكذلك مراعاة
عدم استنفاد املوارد مجلة واحدة يف أوقات استخدامها .وهذا ألن للغري ممن أييت بعد
للنيب ذلك ،حق ا يف هذه املوارد .ويف هذا مراعاة أمر الندرة ،وقد أشار عمر
بعدم حنر اإلب ،حَت ًل يق الظهر ،واستبقاءا هلا لألجيال التالية(.)1
وهذا املقصد مطلوب من اجلماعة ،كاحلكومات ،كما هو مطلوب من
األفراد .فيمتنع التبذير يف حقهم أو اإلسراف .وقد قال تعا ى يف حق حفظ مال اليتيم
{ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ} [سورة النساء ،]6:قال ابن العريب: قال
لسرافاا :يعين جماوزاة من أموالكم اليت تنبغي لكم ل ى ما ًل حي لكم من أمواهلم.
( )1اتظر احلديث يف :البخاري ،حممد بن لمساعي ( ،صحيح البخاري) ،كتاب الشركة ،ابب
الشركة يف الطعام والنهد والعروض ،حديث رقم ، 4282وكتاب اجلهاد والسري ،ابب مح
الزاد يف الغزو ،حديث رقم ( ، 4284ط1212 ،4/ه – 1222م ،دار السالم للنشر
والتوزيع ،الرايض) ،ص .221 ،214
011
( )1ابن العريب ،حممد بن عبد هللا( ،أحكام القرآن) ،حتقيق :مصطفى أبو املعاطي( ،ط،1/
1218ه4112-م ،دار الغد اجلديد -القاهرة).122 :1،
( )4الباحث( ،الوجيز يف علم اًلقتصاد اإلسالمي)( ،ط1246 ،1/ه – 4118م ،مطبعة جي
اتون ،اخلرطوم) ،ص41
( )1الشيباين ،حممد بن احلسن( ،كتاب الكسب) ،ويليه رسالة احلالل واحلرام ًلبن تيمية ،اعتىن
هبما :عبد الفتاح أبو غدة( ،ط1217 ،1ه4116-م ،القاهرة :دار السالم) ،ص .166
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
مدفوع ابحلاجة ،مقرتن ابإلمكان.
ثانيا :املدقاصّ األخروية لالستهالك:
استجالاب لثواب اآلخرة ،وتقرااب ل ى هللا
ا وهي مقاصد يلتمس املسلم فعلها
تعا ى .يدخ فيها ما يستهلكه املسلم ألج تفسه ،أو ما ينفقه على غريه على سبي
فرض الكفاية.
-1مدقصّ التعبّ:
مبعىن أن املستهلك املسلم يتعاطى فع اًلستهالك مبختلف احتياجاته ليتمكن
من عبادة هللا وطاعته ،ولًل ضعف عن الطاعة لن مل يتناول القدر املندوب لليه(.)1
اًلستهالك ألج اللذة أو املباهاة؛ ألته مفسد
َ أما لته يتجنب من فعله هذا،
لنيته ،مع يوق لدرك حاجته من تعظيم الثواب.
ويندرج استهالك املسلم حتت عموم األمر بعمارة األرض ،لذ ًل يكون عمارة
وتنمية ولتتاج من غري استهالك ،أو طلب على اإلتفاق .فاًلستهالك واإلتتاج
متداخالن مرتابطانً ،ل ينفك أحدمها عن اآلخر.
-2مدقصّ الدقيام بفرض الكفاية:
قد ًل ينفق الشخص على استهالك تفسه ،ب على استهالك غريه ،فيكون
بذلك مؤدايا لفرض من فروض الكفاية ،املعرب عنها إبطعام املضطرين وكسوة العارين،
وهو مما يثاب على فعله ويعاقب على تركه(.)4
والفقري واملضطر واحملتاج واملسكني ،غري متعيينني ،ب هم على اإلهبام ،وهم
متعني كذلك .لكن يقع فرض أه حاجة .والذي ينفق عليهم أو حيسن لليهم ،غري ي
الكفاية على القادرين من الواجدين وأه اليسار ،ما ُويجد هؤًلء احملتاجون .وقيام
البعض يغين اآلخرين عن اإلتفاق .كما يقول علماء األصول :طلب الكفاية متوجه
على اجلميع ،لكن لذا قام به بعضهم سقط عن الباقني(.)1
املبحث الثالث :قواعّ االستهالك واملدقاصّ الشرعية له يف الدقرآن الكريم
متمثال يف القرآن والسنة -بقواعد عامة وخاصة يف ا جاء اإلسالم -
اًلستهالك ،ولن كان ضبط هذه القواعد مبصطلحاهتا ومفاهيمها مما ُخيتلَف فيه بني
العلماء ،ويتغاير بني جمتمع وآخر ،لًل أن أصول هذه املصطلحات واملفاهيم اليت ي
متكن
لقواعد اًلستهالك ،متفق عليها .وهذه القواعد اًلستهالكية ميكن تصنيفها حبسب
اهلدف منها ،ل ى قسمني :األول" :اًلستهالك التوجيهي" والثاين" :اًلستهالك
املقاصدي" .فعندما يبني القرآن األسس اليت ينبغي على املسلم أن يتبعها يف سلوكه
اًلستهالكي ،فهو بذلك يرشده ويوجهه ل ى ما ينضبط به لتفاقه اًلستهالكي ،فهو
بذلك استهالك توجيهي ،فهو يعين جبملة التوجيهً ،ل بتفاصيله .وعندما يقرتن هذا
التوجيه أبهداف ومقاصد مرشدة ،فعندئذ هو استهالك مقاصدي؛ أي :موجه جتاه
حتقيق مقاصد ترتبط ابلفرد واجملتمع ،والدتيا واآلخرة .وهو بذلك يهتم ابلتفاصي .
=
عليه :طه عبد الرؤوف سعد1188 ( ،هـ 1268-م ،دار الشرق للطباعة ،القاهرة):1 ،
.181
( )1الشاطيب ( ،املوافقات) ،ص .111
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
من هذه القواعد العامة اليت يتأسس عليها اًلستهالك عند املسلم :قاعدة
"احلالل واحلرام" ،وقاعدة "القصد واًلعتدال ومدحه" ،وقاعدة "اإلسراف واإلقتار
وذمه" ،فهي مبثابة أصول وقواعد لالستهالك ًل يسع املسلم تركها.
أما القواعد اخلاصة فهي تشتم على ُم َويجهات تفصيلية تتعلق ابإلتفاق
اًلستهالكي ،يدخ يف ذلك :كيفية التصرف يف حلوم األضاحي لذ لن توزيعها،
يكون على ثالثة -على وجه الندب :-استهالك وتوزيع وادخار ،فاألول والثالث
ملالك اللحم وأهله ،والث اين للمجتمع حوله ،من فقراء ومساكني من أه احلاجة
والقرابة.
كما تشم هذه القواعد اخلاصة تقسيم الداخ ل ى معدة اإلتسان لل ثالثة:
طعام وشراب وتفس ،وكذلك تفقة اإلتسان املسلم ،جيع منها جزءاا لنفسه ،وجزءاا
لزوجه ،وجزءاا ألوًلده ،وجزءاا لدابته ،وهكذا يتوجه اإلتفاق اًلستهالكي فينضبط وفق
قواعد توجيهية حتم مقاصد وأهداف ا كلية وجزئية.
كذلك توجيه الشريعة وتدهبا للمسلم لتقسيم لتفاقه بني من يعول من زوجة
وأوًلد ،ودابة ،وصدقات ،لضافة ل ى الواجبات كالزكوات.
يتنزل تفصي ذلك يف ثالثة مطالب:
املطلب األول :قواعد اًلستهالك يف اًلقتصاد اإلسالمي
املطلب الثاين :أهداف اًلستهالك التوجيهي واًلستهالك املقاصدي
املطلب الثالث :مقاصد اًلستهالك يف القرآن وأثرها يف توجيه السلوك
اًلستهالكي للمسلم.
011
املطلب األوَّل :قواعّ االستهالك يف االقتصاد اإلسالمي
سبق قب ُ أن القرآن جاء بقواعد عامة وقواعد خاصة تضبط استهالك الفرد
املسلم ،وتصرفه يف ماله ،وأن القصد هو توجيهه ولرشاده ل ى ما فيه سعادة الدارين.
ويقع ههنا بياهنا.
ومها قاعداتن من حيث التصنيف اجلُ َملي:
األو ى :القواعد العامة أو الكلية.
الثاتية :القواعد اخلاصة أو اجلزئية.
وهذا ابستقراء آايت القرآن.
1/1/3ماهية قواعّ االستهالك:
يقصد بقواعد اًلستهالك :القواعد الضابطة ًلستهالك أو لتفاق املسلم ،واليت
توجهه ل ى كيفية تنظيم استهالكه وفق األصول اإلسالمية واملقاصد الشرعية ،حتقي اقا
ألهدافه الدتيوية واألخروية.
2/1/3أنواع قواعّ االستهالك:
أوالً :الدقواعّ العامة أو الكلية.
هذه القاعدة العامة تضم الكليات العامة املبيينة لنوع اًلستهالك وكيفيته وكمه،
وهو تقسيم ضابط لألفعال ،موجه للغاايت .وتنقسم ل ى ثالثة.
الدقواعّ الثالث:
-1قاعدة احلالل واحلرام.
-4قاعدة القصد واًلعتدال ومدحه.
-1قاعدة اإلسراف والتبذير واإلقتار وذمه.
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
011
-1قاعّة احلالل واحلرام (النوع):
وحيظر،
حيرم عليه ُ ي ي
وهي قاعدة مبينة لنوع ما َحي ُّ ويُباح للمسلم تعاطيه ،وما ُ
من املآك واملشارب واملساكن واملكاسب واملراكب ،وسائر ما يُتمتع به .وحمصلها
أوامر ومندوابت ،ومناهي ومكروهات ،كلها داعية حلفظ البدن ولقامة النوع البشري
وصياتته.
فهي لذاا قاعدة متعلقة جبنس املستمتَع به ،اأاي كان ،يعم املسلم يف لطارها من
احلالل واحلرام.
قال ابن حزم :وأمجعوا أن اكتساب املرء من الوجوه املباحة ،مباح .واتفقوا أن
كسب القوت من الوجوه املباحة له ولعياله ،فرض ،لذا قدر عليه .وكذلك حكى
ا ًلتفاق على فرضية ما يسترت به املرء من بناء ،أو اكتساب منزل أو مسكن يسرته.
قال :واتفقوا أن اًلتساع يف املكاسب واملباين من يح ،لذا أدى مجيع حقوق هللا ،
مباح(.)1
يعرف الغزايل احلالل املطلق بقوله :هو الذي خال عن ذاته الصفات املوجبة
للتحرمي يف عينه ،واحن عن أسبابه ما تطرق لليه حترمي أو كراهية .قال :واحلرام احملض
هو ما فيه صفة حمرمة ًل يشك فيها ،كالشدة املطربة يف اخلمر ،والنجاسة يف البول،
( )1ابن حزم ،أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد األتدلسي( ،مراتب اإلمجاع يف العبادات
واملعامالت واًلعتقادات) ،بعناية :أمحد حسن لسرب( ،ط1218 ،4/ه4112-م ،دار ابن
حزم ،بريوت-لبنان) ص 481؛ الغزايل ،حممد بن حممد بن حممد( ،لحياء علوم الدين)،
ضبط وتوثيق :أمحد عناية – أمحد زهوة( ، ،د.ط1212 ،ه4111-م ،دار الكتاب
العريب) ،ص .862
122
( )1أخرجه أمحد ( 4162والطرباين يف مسند الشاميني ( 28واللفظ هلما والديلمي يف الفردوس
األعلى ( ) 6111ابختالف يسري .الباحث احلديثي .حبث فوري يف املوسوعة احلديثية ابلدرر
السنية.
( )4اتظر :األصفهاين ،احلسني بن حممد بن املفض الراغب( ،مفردات ألفاظ القرآن) ،حتقيق:
صفوان عدانن داوودي ،ط1211 ،8/ه4111-م ،دار القلم -دمشق) ،ص .674
( )1الغزايل ،حممد بن حممد بن حممد( ،ميزان العم ) ،كتب هوامشه :أمحد مشس الدين ،ط،1/
1212ه1282-م ،دار الكتب العلمية ،بريوت-لبنان) ،ص ،118بتصرف.
120
وح يف َظ األص أو الرقبة ،فليس مببذر .ومن أتفق درمهاا يف حرام ،فهو مبذر ُحيجر عليه
َ
يف تفقة درهم يف احلرام ،وًل ُحيجر عليه ببذله يف الشهوات ،لًل لذا خيف عليه
تبذيرا. ()1
النفاد .فينقلب ا
ويف املفردات :التبذير :التفريق ،وأصله للقاء البذر وطرحه ،فاستعري لك مضيع
ملاله ،فتبذير البذر :تضييع يف الظاهر ملن مل يعرف مآل ما يلقيه(.)4
ويف التعريفات :التبذير :هو تفريق املال على وجه اإلسراف( .)1واإلسراف:
ائدا على ما ينبغي ،خبالف التبذير ،فإته صرف الشيء
صرف الشيء فيما ينبغي ز ا
فيما ًل ينبغي(.)2
وأما اإلقتار :قال يف املقاييس :قرت :القاف والتاء والراء ،أص صحيح يدل
على جتميع وتضييق .واإلقتار :التضييق .يقال :قَََرت الرج على أهله يَـ ْق ُرت ،وأقرت وقرت.
وم يقرت(.)8
القرت :تقلي النفقة ،وهو إبزاء اإلسراف ،وكالمها مذموم .ورج قَتور ُ
وقال ابن العريب يف السراج :وأما اإلقتار :فهو حبس املال عن حقوق هللا
تعا ى ،أو عن الصدقة التطوع؛ ًلبتغاء ثواب هللا .فأما التضييق على النفس عن
ﯡ ﯢ} [سورة النحل.]5:
-8الداللة على منافع البحر؛ التجارة والسفر واستخراج احللي :النح .12
{ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ قال
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ} [سورة النحل.]14:
يف اجلملة ،فإن األهداف التوجيهية تعم على توجيه األهداف املقاصدية
بتفصيالهتا .
2/3/3أثر مدقاصّ االستهالك على السلوك االستهالكي للمسلم:
لن مرتكز سلوك املسلم وتصرفاته ألج الكسب واملعايش ،على اإلميان .فهو
احملرك واملوجه واملرشد والقائد جلميع حركاته وغاايتهً ،ل يصدر لًل عنها .وقد قبح
الشرع لتيان املمنوعات ،وحسن اجتالب املشروعات .كما مدح املأمورات وذم
املنهيات .والك مقصوده اجتالب املصاحل واستدفاع املفاسد ،لييَ ْحيَا املؤمن يف جو
من طمأتينة النفس ،وليتيسر له العبادة من غري اضطراب أو اختالل.
وقد تقدمت املقاصد القرآتية اليت حتفظ الكليات اخلمس ،واليت تعم على
دفع املضار وجلب املنافع ،وتكثري املصاحل وتقلي املفاسد .وهي مناهي وأوامر
ودًلًلت؛ هادية ملصاحل اإلتسان ،ليبلغ ما أراد هللا له من العبادة والطاعة ،وتيسري
الوصول ل ى سعادة الدارين.
من أج ذلك تعلقت أبفعال اإلتسان ممادح ومذام ،حتثه على تعاطي السلوك
القومي .ومن هذا ،السلوك اًلستهالكي الذي هو جزء من السلوك العام للمسلم.
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
133
1/2/3/3الصفات املمّوحة والصفات املذمومة يف إنفاق املال:
ومقصودها مح املسلم على حسن التصرف يف املال ،من جهة اًلستهالك
واإلتفاق ،ومن مث حفظ احلقوق وصياتة املوارد من اإلهدار.
(أ) الصفات املمّوحة يف املال:
وقد بينها القرآن.
{ :ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ} [سورة الفرقان.]61: -1القوام .قال
{ :ﮝ ﮞﮟ ﮠﮡ } [سورة آل عمران.]49: -4اًلدخار .قال
{ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ } [سورة البقرة.]195: -3اإلتفاق يف سبي هللا .قال
{ :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ} [سورة -4اإلقراض .قال
البقرة.]245:
{ :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ } [سورة -5العفو؛ املواساة .قال
البقرة.]219:
{ :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ } [سورة -6اإليثار .قال
احلشر.]9:
(ب) الصفات املذمومة يف املال:
وبياهنا كذلك يف القرآن:
{ :ﭛﭜﭝ } [سورة األعراف.]31: -1اإلسراف .قال
{ :ﯼﯽ} [سورة الفرقان.]61: -2اإلقتار .قال
{ :ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة اإلسراء.]26: -3التبذير .قال
{ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ } [سورة -4الرتف .قال
130
اإلسراء.]16:
{ :ﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇ -5اًلكتناز .قال
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ} [سورة التوبة.]34:
{ :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ } [سورة -6البخ .قال
احلديد.]24:
{ :ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ } [سورة البقرة.]219: -1الراب .قال
{ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة -9أكله ابلباط .قال
النساء.]29:
{ :ﰏﰐ ﰑ ﰒ } [سورة الشعراء.]193: -9البخس .قال
{ :ﯖ ﯗ ﯘ} [سورة املطففني.]1: -17التطفيف .قال
{ :ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯩ -11الرايء واملن واألذى .قال
ﯪﯫ ﯬ ﯭ } [سورة البقرة.]264:
ما تقدم من املمادح املالية ومذامها تعم على تغذية املسلم بسلوكيات انفعة
توعا من
وتبعا ًلمتثال املسلم هلذه املعاين يتولد ا
حلفظ املال وماتعة من لهداره .ا
السلوك يثمر حتقيق األهداف اًلقتصادية واًلجتماعية .فاملمادح تعم على حسن
توزيع املال ومشاركته مع الغري احملروم ،على وجه املواساة أو اإليثار أو اإلقراض ،لخل.
واملذام يضبط صاحبه من اًلسرتسال يف مجع املال بغري وجه حق أو هضم حق غريه،
عن طريق الراب أو ابلباط أو البخس والتطفيف .ابجلملة فهو يعم يف لطار القواعد
ات فعله على الفرد وعلى اجملتمع.
الكلية واجلزئية ،أو العامة واخلاصة ،فيتوزع بذلك مثر ُ
كما يتحقق من هذا السلوك فضيلة العدالة ،بضمان حسن توزيع الدخ وعوائد
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
131
اإلتتاج .فاخلصال املذمومة من ( )6 – 1ماتعة للحق ،وواضعة له يف غري موضعه،
وحابسة له عن مستحقيه .واخلصال من ( )11 – 7آخذة للحق من أهله بغري يحليه،
ومنَـ يقصة له من غري سبب وًل جهد.
ُ
وتعم ،يف اجلاتب اآلخر ،الصفات احملمودة على حسن توجيه لتفاق املال،
فضيليت القوام
َ املستحقة ( .)6 –1ينشأ ذلك من استعمال
َ ووضعه يف مواضعه
واًلدخار (.)4 -1
ابجلملة ،لإلتسان املسلم مقاصد دتيوية يعم من ورائها على لشباع حاجاته
املتعددة ،من خالل النعم اليت آاتها هللا له ،بشرط التخلق ابلفضائ الشريفة
واألخالق الفاضلة ،ويف حدود املقاصد الشرعية واملبادئ اإلسالمية .واهلدف النهائي
حتقيق التعبد والطمأتينة لك أحد ،والعدالة يف حتصي احلاجات لك أفراد اجملتمع.
املبحث الرابع :النماذج والتطبيدقات املعاصرة ملدقاصّ االستهالك الشرعية
.وأما التطبيقات ففي العصر احلديث .والك أما النماذج فمن عهد عمر
دال على لمكاتية تطبيق معاين السلوك اًلستهالكي وتنزيلها وقابليتها للتطبيق .ويف
املبحث مطلبان:
املطلب األول :مناذج عُ َمرِية يف مدقاصّ االستهالك
وهي مناذج وجدت طريقها ل ى التطبيق ،على النطاق اجلزئي وعلى النطاق
من مقاصد تدل على بُعد تظر الكليُ ،متَـ َعلقُهُ اًلستهالك ،وما قصد لليه عمر
يف استشراف املستقب املرتكز على احلاضر ،وادخار الفائض للغري ،أو ل ى وقت
احلاجة.
131
-1النطاق اجلزئي:
يف الزهد ،ولرادته مح الناس على هذه الفضيلة، وهو ما يتعلق بسرية عمر
فيما يتعلق بضبط اًلستهالك الشخصي .فقد جاء عنه من غري وجه أته كان يرى
ترك الرتفُّه يف املآك واستبقاء الطيبات ل ى الدار اآلخرة.
روى مالك يف موطئه عن حيىي بن سعيد ،أن عمر بن اخلطاب أدرك جابر بن
عبد هللا ومعه يمحال حلم ،فقال :ما هذا؟ فقال :قَ يرْمنا ل ى اللحم ،فاشرتيت بدرهم
حلما ،فقال عمرَ :أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه؟ أين تذهب ا
عنكم هذه اآلية{ :ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ} [سورة
األحقاف.)1(]27:
ومن وجه آخر ،وفيه :وكلما اشتهى أحدكم شيئاا أكله ،أًل يطوي بطنه جلاره
وضيفه(.)4
وهو مقصد مدفوع ابملآل ،كما تقدم عن عمر يف منع أك البيض ،استبقاءا له
دجاجا .ففيه أتجي اًلستهالك ل ى وقت احلاجة لتكتم منافع السلعة .أما ا ليكون
اللحم فلما كان من السلع الرفاهية( ،)1فإن استبقاء مثنه لينتفع به الغري من جار أو
( )1ابن عبد الرب( ،اًلستذكار) . 121 :8 ،قال أبو عمر :روي هذا اخلرب عن عمر من وجوه ،مث
شرع يذكرها .رواه مالك بن أتس( ،املوطأ) ،ابب ما جاء يف أك اللحم ،أثر ،217لعداد
وتقدمي :حممد عبد الرمحن املرعشلي( ،ط1241 ،1/ه ،4111-دار لحياء الرتاث العريب،
بريوت-لبنان) ،ص .872
( )4ابن عبد الرب( ،اًلستذكار).121 :8 ،
( )1ابن عبد الرب( ،اًلستذكار).182 :8 ،
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
131
قريب أو مسكني يف الضرورايت من املطعم ،يعظم تفعه وتزداد بركته ،على ما يف ذلك
من حتوي الطلب على سلع رفاهية ل ى سلع ضرورية ،ينتج منها زايدة الطلب على
األخرية .وهذا يبني حقيقة السلوك اًلستهالكي اًلقتصادي اجلزئي للمسلم.
من املقاصد الظاهرة الناشئة عن هذا السلوك:
-1مقصد حفظ الدين؛ حببس اًلستهالك اآلين يف رفاهي عاج ،ولبداله
ابستهالك استبقائي (تعاوين) ،حيفزه رجاء ثواب اآلخرة يف اآلج .
-4مقصد حفظ النفس؛ بتأجي استهالك شخصي يف سلعة رفاهية ،بغرض
استيفاء سلعة ضرورية حملتاج لليها.
-1مقصد حفظ املال؛ كما يُرى ذلك من أتجي أك البيض ،ألج ارتفاع
استثمارا للمال .ففيه حفظ األصول ل ى لابن
ا دجاجا .ألن فيه
ا منفعته بصريورته
اكتمال منافعها .وهو مقصد تثمريي للمال.
-2النطاق الكلي:
تعديال لوضع
ويتعلق حبم احلاكم الناس على فع اقتصادي يتص ابملعاش ،ا
ويضر أتجيله .وهو أمر كلي ،لكن يشرتك فيه أفراد اجملتمع ،ابعتبار
تفعهُّ ،
طارئ ،يَـ ُع ُّم ُ
مجاعية التعاون.
للنيب يوضح ذلك لمالق الناس ومههم بنحر لبلهم ،ولشارة عمر
مبسلك آخر ،لذ روى البخاري يف صحيحه(:)1
يف حنر لبلهم فأذن ت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النيب
عن سلمة :قالَ :خف ْ
فقال :اي هلم ،فلقيهم عمر فأخربوه فقال :ما بقاؤكم بعد لبلكم؟ فدخ على النيب
رسول هللا ،ما بقاؤهم بعد لبلهم؟ فقال رسول هللا ِ ( :
اند يف الناس أيتون بفضل
فدعا وبرك عليه، أزوادهم) ،فبُ يسط لذلك تيطَع وجعلوه على النطع فقام رسول هللا
مث دعاهم أبوعيتهم فاحتثى الناس حَت فرغوا مث قال رسول هللا ( :أشهد أن ال إله
إال هللا وأين رسول هللا).
وفيه لشارات اقتصادية ،متعلقها استهالكي:
-1يخفة األزواد :وهي اإلمالق :الفقر ،الذي هو لعواز الطعام( ،)1وميث ذلك
املشكلة أو األزمة اًلقتصادية.
-4ما بقاؤكم بعد لبلكم :وهي تسبُّب اختيار النحر يف اهللكة( )4على املاشي.
وهي تعرب عن آاثر سالبة ملعاجلة مشكلة هلا بدي يآمن.
-1مجع فض األزواد :معاجلة تفضيلية ًل آاثر هلا سالبة ،تقوم على مجع
فائض األقوات (النـ ْهد) ،مث يستهلك ك واحد حبسب حاجته ًل مبقدار ما شارك فيه
من قوت (أصول أو أعيان استهالكية) حَت ًل خترج عن حد املساواة(.)1
-2سياسة أم كرامة (معجزة)؟ :هي كرامة ومعجزة لكنها محلت معىن
له .متعلقها وجود البدي أو اخليار وموافقة النيب السياسة .بدلي لشارة عمر
اخلامتة
تنزيلها على الواقع املعاصر وتعميم تطبيقها حبسب حال ك بلد وأحواله( ،الفرض
الرابع).
-8تعدد أتواع اًلستهالك يعم ،يف حال تعريف الناس هبا وتشرها ،على
تبصريهم أبولوايت اإلتفاق .فيتجنبون ما هو حاجي رفاهي يف حال تزاحم احلاجات،
وًل يقدموته على ما هو ضروري معاشي.
-6أن تطبيق سلوك الصحابة واخللفاء الراشدين مث عمر ،يف اإلتفاق
اًلستهالكي ،من ضرورايت هذا العصر ،الذي اخت فيه ميزان العدل يف اًلستهالك،
وصار األمر منفرطاا غري منضبط ،مما يؤثر سلباا على جمموع لتفاق اجملتمع وعلى
حاجاته املتعددة ،اليت ًل تتسع هلا موارده.
-7تبني دور احلاكم أو احلكومة يف توجيه اًلستهالك العام للناس حنو غاايت
ختدم مقاصد الشرع وأهداف اجملتمع ،ومتنع خروجه عن حد اًلعتدال والتوسط.
منعا أو
يظهر ذلك يف للزام احلاكم أو جهة اًلختصاص بنمط معني من اًلستهالك ،ا
هتذيباا.
اثنيًا :التوصيات.
وبناؤها على ما تقدم من تتائج ،دون متاثلها يف العدد:
-1ضرورة لظهار مقاصد اًلستهالك وتشرها يف اجملتمع ،ألج ختصيص سليم
وكفؤ ملوارد اجملتمع والفرد ،وتوزيع يتسم ابلعدالة فيما يتعلق حبق الفقراء يف أموال
األغنياء والواجدين.
-4هناك حاجة ل ى تعريف الناس مبحاسن ضبط اًلستهالك ،وأمهية ذلك يف
رصد املوارد وادخارها ل ى وقت احلاجة لليها ،مع مراعاة حق األجيال القادمة.
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
101
-1تعريف مجهور الناس من أفراد وجمموعات ،مبا فيها احلكومات ،بيرتَ ي
ب ُ
احلاجات وكيفية تنظيمها ووضعها يف موضعها املرسوم هلا يف الشريعة؛ من ضروري
وحاجي وحتسيين.
-2العم على ليضاح مناذج الصدر األول من اإلسالم ،واملنعكسة يف حسن
لدارة اإلتفاق ولحكام ضبط اًلستهالك ،والبناء عليها بتطبيقها على مؤسسات
خمتارة ،ليتم بعدها التقومي واملراجعة والتعميم ،يف حال النجاح.
-8بظهور التجارب املعاصرة ملقاصد اًلستهالك الشرعية ،فإته ابإلمكان
التمدد يف تشرها والعم هبا ،بعد حصر املواطن اليت حيتاج اجملتمع فيها ل ى ضبط
استهالكه وترشيده.
h
101
ابن العريب ،حممد بن عبد هللا بن حممد" .أحكام القرآن" .حتقيق :مصطفى -1
أبو املعاطي( ،ط ،1/القاهرة :دار الغد اجلديد1218 ،ه4112-م).
ابن العريب ،حممد بن عبد هللا بن حممد" .سراج املريدين يف سبي الدين". -4
ضبط تصه وخرج أحاديثه ووثق تقوله :د .عبد هللا التورايت( ،ط ،1/اململكة
املغربية :دار احلديث الكتاتية1218 ،ه4117-م).
ابن بطال ،علي بن خلف" .شرح ابن بطال على صحيح البخاري" .حققه -1
وخرج أحاديثه :مصطفى عبد القادر عطا( ،ط ،4/بريوت-لبنان :دار
الكتب العلمية1216 ،ه4118-م).
ابن حزم ،علي بن أمحد بن سعيد األتدلسي" .مراتب اإلمجاع يف العبادات -2
واملعامالت واًلعتقادات" .بعناية :أمحد حسن لسرب( ،ط ،4/بريوت -
لبنان :دار ابن حزم1218 ،ه4112-م).
ابن شبه ،عمر بن شبه" .كتاب اتريخ املدينة" .حققه :فهيم حممد -8
شلتوت( ،د .ت ،د .د ،يب دي لف).
ابن عاشور ،حممد الطاهر" .مقاصد الشريعة اإلسالمية" .حتقيق ومراجعة: -6
الشيخ حممد احلبيب بن اخلوجة( ،قطر :وزارة األوقاف والشؤون اًلسالمية،
1248ه – 4112م).
ابن عبد الرب ،يوسف بن عبد هللا" .اًلستذكار" .علق عليه ووضع -7
حواشيه :سامل حممد عطا -حممد علي معوض( ،ط ،1/بريوت لبنان :دار
الكتب العلمية4111 ،م).
ابن عبد السالم ،عبد العزيز السلمي" .قواعد األحكام يف مصاحل األانم". -8
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
101
راجعه وعلق عليه :طه عبد الرؤوف سعد( ،القاهرة :دار الشرق للطباعة،
1188هـ 1268-م).
ابن عطية ،عبد احلق بن غالب" .احملرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز". -2
حتقيق :عبد السالم عبد الشايف( ،ط ،2/بريوت – لبنان :دار الكتب
العلمية1217 ،ه – 4116م).
ابن فارس ،أمحد بن زكراي" .مقاييس اللغة" .راجعه وعلق عليه :أتس حممد -11
الشامي( ،د.ط ،.القاهرة :دار احلديث1242 ،ه4118-م).
ابن كثري ،لمساعي بن عمر" .تفسري القرآن العظيم" .راجعه وتقحه :الشيخ -11
خالد حممد جمرم( ،د.ط ،.بريوت – لبنان :املكتبة العصرية1218 ،ه -
4112م).
أبوظيب ،صحيفة 48أغسطس 4144م. -14
األصفهاين ،احلسني بن حممد" .مفردات ألفاظ القرآن" .حتقيق :صفوان -11
عدانن داوودي( ،ط ،8/دمشق :دار القلم1211 ،ه4111-م).
الباجي ،سليمان بن خلف" .احلدود يف األصول" .املطبوع مع اإلشارة يف -12
أصول الفقه ،حتقيق :حممد حسن حممد حسن لمساعي ( ،ط ،1/بريوت-
لبنان :دار الكتب العلمية1242 ،ه4111-م).
الباجي ،سليمان بن خلف" .لحكام الفصول يف أحكام األصول" .حتقيق -18
ودراسة :أ .د .عمران علي أمحد العريب( ،بريوت-لبنان :دار ابن حزم،
.)4112-1211
الباحث" :الوجيز يف علم اًلقتصاد اإلسالمي"( .ط ،1/جي اتون، -16
اخلرطوم1246 :ه4118 -م).
البخاري ،حممد بن لمساعي " .صحيح البخاري"( .ط ،4/الرايض :دار -17
101
السالم للنشر والتوزيع1212 ،ه – 1222م).
اجلرجاين ،علي بن حممد" .التعريفات" .حتقيق وتعليق :عبد الرمحن عمرية، -18
(ط ،1/بريوت :عامل الكتب1217 ،ه1287-م).
اجلوهري ،لمساعي بن محاد" .معجم الصحاح" .مرتب ترتيب ا ألفبائي ا وفق -12
أوائ احلروف ،اعتىن به :خلي مأمون شيحا( ،ط ،2/بريوت :دار املعرفة،
1211هـ 4114 -م).
احلسن ،خليفة اببكر" .فلسفة مقاصد التشريع يف الفقه اإلسالمي -41
وأصوله"1287( .م ،جملة كلية الشريعة والقاتون ،اإلمارات العربية
املتحدة) ،العدد ،1موجود يف قالب يب دي لف.
اخلليج ،صحيفة 48أغسطس (4144م). -41
الراكوبة ،صحيفة 42شوال 1214هalrakoba. net ، -44
الشاطيب ،لبراهيم بن موسى" .املوافقات يف أصول الشريعة" .شرحه وخرج -41
أحاديثه :عبد هللا دراز ،وضع ترامجه :حممد عبد هللا دراز ،خرج آايته
وفهرس موضوعاته :عبد السالم عبد الشايف حممد( ،ط ،4/بريوت :دار
الكتب العلمية4112 ،م).
الشيباين ،حممد بن احلسن" .كتاب الكسب ،ويليه رسالة احلالل واحلرام -42
ًلبن تيمية" .اعتىن هبما :عبد الفتاح أبو غدة( ،ط ،1/القاهرة :دار
السالم1217 ،ه – .)4116
العامل ،يوسف حامد" .املقاصد العامة للشريعة اإلسالمية" ( .ط،1 : -48
هريتد ،فرجينيا ،الوًلايت املتحدة األمريكية :املعهد العاملي للفكر
اإلسالمي1214 ،ه1221-م) .موجود على قالب يب دي لف.
عكاظ 42 ،حمرم 1222ه – 47أغسطس 4144م ،عربية -46
مقاصد االستهالك وأثرها يف توجيه السلوك االستهالكي يف االقتصاد اإلسالمي ،وتطبيقاتها املعاصرة
101
.Skynews
الغزايل ،حممد بن حممد بن حممد :لحياء علوم الدين ،ضبط وتوثيق :أمحد -47
عناية – أمحد زهوة،دار الكتاب العريب ،د.ط1212 ،ه4111-م.
الغزايل ،حممد بن حممد" .ميزان العم " .كتب هوامشه :أمحد مشس الدين، -48
(ط ،1/بريوت-لبنان :دار الكتب العلمية1212 ،ه1282-م).
مالك بن أتس" .املوطأ" .لعداد وتقدمي :حممد عبد الرمحن املرعشلي، -42
(ط ،1/بريوت-لبنان :دار لحياء الرتاث العريب1241 ،ه4111-م).
جملة بيت املشورة :جملة دولية حمكمة يف اًلقتصاد والصريفة اإلسالمية ،دولة -11
قطر ،العدد ، 7أكتوبر (4117م).
مسلم ،ابن احلجاج" .صحيح مسلم"( .ط ،4/الرايض :دار السالم، -11
1241ه4111 -م).
مصطفى ،لبراهيم وآخرون" .املعجم الوسيط"( .جممع اللغة العربية :اإلدارة -14
العامة للمعجمات ولحياء الرتاث).
املنذري ،زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي" .الرتغيب والرتهيب من -11
احلديث الشريف" .ضبط أحاديثه وعلق عليها :مصطفى حممد عمارة،
(ط ،1/بريوت :دار لحياء الرتاث العريب1188 ،هـ 1268 -م).
هسربيس ،صحيفة ،األحد 41توفمرب 11:11 ،4144 -12
اليوم السابع ،صحيفة 12أكتوبر 4144م. -18
اليوم ،42اًلثنني 41توفمري alyaum24.com ،4144 -16
101
bibliography
Prepared by :
Prof. Dr. Mohammed Ali Mohammed Al-Qarni
Professor, Specialty of (Law), Department of
Jurisprudence, Faculty of Sharia and Fundamentals of
Religion, King Khalid UniversityM Abha, Kingdom of
Saudi Arabia
Email: mog9600@gmail.com
ملخص البحث
تقوم اًلتفاقيات التجارية الدولية بدور ابرز يف العالقات الدولية اًلقتصادية والتجارة
العاملية ،وظهرت تلك اًلتفاقيات كمحاوًلت فعلية لتوحيد القاتون الدويل يف املسائ التجارية،
اليت فرضت ضرورات تطورها وتبادهلا جتاوز احلدود اجلغرافية املتعارف عليها للدول املعاصرة،
واعتناق هذا النوع من النظم ،وحيث أبرمت اململكة العربية السعودية عددا من اًلتفاقيات
واتضمت لليها ،واتتهى تظام احملاكم التجارية السعودي ل ى النص على مكاتتها ضمن مصادر
القضاء التجاري السعودي وقوهتا امللزمة ،كان من األمهية مبكان التعريف هبا وحبث املركز القاتوين
لتلك اًلتفاقيات ابلنسبة ل ى النظام السعودي الداخلي ،ومراح اعتمادها ضمنه كمصدر للقواعد
النظامية ،مع تناول موقف الفقه القاتوين املقارن واألتظمة املعاصرة من ذلك ،كما تناول البحث
تبذة عن تشأة اًلختصاص القضائي للمحاكم التجارية وترتيب مصادر القضاء التجاري لثر النص
على مرتبة اًلتفاقيات التجارية الدولية ضمن مصادر القضاء التجاري ،ابستعمال منهج البحث
اًلستقرائي التحليلي املقارن ،حيث ينطلق من استقراء النصوص النظامية املتعلقة جبواتب الدراسة
وحتليلها ومقارتتها ابًلجتاهات القاتوتية واملمارسات الدولية املعاصرة ،وصوًلا ل ى تتائج الدراسة اليت
من أمهها :أن النظام السعودي أيخذ مببدأ ثنائية القاتوتني (الدويل والداخلي) ويتم لدماج
اًلتفاقيات التجارية الدولية عن طريق لصدار مرسوم ملكي ابعتمادها ،وًل تسري قب هذا
اإلجراء ،ويتضمن النظام آلية رقابية تعد لجراء وقائيا لضمان عد م خمالفة تصوص اًلتفاقيات
الدولية للنظام الداخلي أو تعارضها معه ،وتتمث يف اختصاص جملسي الشورى والوزراء بدراسة
اًلتفاقيات واملعاهدات ولبداء الرأي حياهلا ،وتبعا هلذا فقد حسم تظام القضاء التجاري مسألة
ترتيب القوة اإللزامية لالتفاقيات الدولية بني مصادره ،وأولوية تطبيقه على النصوص اخلاصة يف
النظام الداخلي .وابهلل التوفيق.
الكلمات املفتاحيَّة( :اًلتفاقيات الدولية -القضاء التجاري -مصادر القضاء التجاري
-القضاء السعودي).
111
Abstract
املدقِّمة
تطورت قواعد القاتون الدويل يف العقود األخرية تطورا كبريا ،بسبب تشابك
العالقات واملصاحل اًلقتصادية والتجارية ،وحركة رؤوس األموال والشركات العاملية
وحنوها ،واتعكس ذلك ابلضرورة على تطوير القواعد القاتوتية احلاكمة للمنازعات
فع يرفت قواعد اإلسناد الدولية ،اليت ترشد القاضي ل ى القاتون
الناشئة عن ذلكُ ،
واجب التطبيق على املراكز القاتوتية ذات العنصر األجنيب ،ولكن تطور العالقات
اخلاصة الدولية كان أقصى من قواعد اإلسناد ،فظهرت فكرة تطبيق قواعد موضوعية
تتضمن القواعد املباشرة للعالقة ذات العنصر األجنيب( ،)1وذلك عن طريق توحيد
القاتون التجاري هلدف معاجلة تفاوت األحكام والقواعد اخلاصة ابلتنظيم التجاري،
وإلهناء حالة التنازع بني القواتني الوطنية عند وجود عنصر أجنيب يف املنازعات
التجارية ،مث تطورت تلك القواعد ووجدت تطبيقها يف القضاء الوطين يف املوضوعات
اليت تظمتها بغض النظر عن جنسية األطراف ،وأخذت أشكاًلا متعددة أمهها:
-1القواعد اًلتفاقية املوحدة.
( )1د .رمزي حممد دراز" ،فكرة تنازع القواتني يف الفقه اإلسالمي"( .الطبعة األو ى ،بريوت:
منشورات احلليب4111 ،م).141 ،114 ،
111
أهمية املوضوع:
-1تطور اًلتفاقيات التجارية الدولية واتضمام اململكة لليها.
-2اختالف الفقه القاتوين والقواتني املعاصرة يف املوقف من سراين اًلتفاقيات
التجارية الدولية يف القاتون الداخلي للدولة.
-3حتديد مكاتة اًلتفاقيات التجارية الدولية ضمن مصادر القضاء السعودي
ومدى مرجعيتها ألحكامه.
( )1د .محد هللا حممد محد هللا" ،النظام التجاري السعودي"( .الطبعة الثاتية ،جدة :مكتبة
خوارزم1248 ،هـ).41 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
أسباب اختياره:
-1ما سبق بياته من أمهيته.
-2التعرف على آلية تفاذ اًلتفاقيات التجارية الدولية يف النظام السعودي
الداخلي.
-3حداثة صدور تظام احملاكم التجارية وًلئحته التنفيذية الذي تص على
تطبيق اًلتفاقيات التجارية الدولية ،ووضعها يف ترتيب واضح بني مصادر القضاء
التجاري.
مشكلة البحث وأسئلته:
تظرا ًلمتداد تطبيق اًلتفاقيات التجارية الدولية يف اجملال الداخلي للدول
املعاصرة ،يتفاوت تعام الدول معها قبوًلا وردا ،ويتفاوت مستوى لحاطتها
ابلضماانت اليت حتد من منازعتها لقواعد األتظمة الداخلية ،وتضمن سراين تطبيقها،
ومن هنا يثور السؤال الرئيس هلذا البحث :ما مفهوم اًلتفاقيات التجارية الدولية وما
موقف الفقه القاتوين واألتظمة املعاصرة من لعماهلا يف القواتني الداخلية ،وموقف
النظام السعودي منها ومكاتتها بني مصادر القضاء التجاري السعودي؟ ويتفرع عن
هذ السؤال عدة أسئلة أمهها:
-1ما مفهوم اًلتفاقيات التجارية الدولية؟ وما األثر القاتوين هلا يف القواتني
الداخلية يف فقه القاتون املقارن؟
-2ما موقف الدساتري املعاصرة والنظام السعودي من اًلتفاقيات التجارية
الدولية؟
-3ما مصادر القضاء التجاري السعودي ،وما أتواعها؟ وما مكاتة اًلتفاقيات
111
https: //www. boe. gov. ( )1موقع هيئة اخلرباء على شبكة املعلومات:
sa/ar/Pages/default. asp
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
الالحقة لصدوره تعديالت وللغاءات متتابعة ،من أوسعها للغاء البابني الثالث والرابع
منه بصدور تظام املرافعات الشرعية ابملرسوم امللكي رقم (م )1/بتاريخ 1218هـ وفق ا
للفقرة (أوًلا )4/من املرسوم ،وللغاء الباب الثاين بصدور النظام البحري التجاري
ابملرسوم امللكي رقم(م )11بتاريخ 1221/2/8ه وفق ا للمادة ( )121منه ،وغريها
من التعديالت اليت ليس من غرض البحث استقصاؤها(.)1
واستمرت احملكمة التجارية يف ممارسة اختصاصاهتا حَت صدر قرار جملس
الوزراء رقم 124يف 1172/11/47هـ إبلغاء احملكمة التجارية وتق اختصاصاهتا ل ى
احملاكم العامة.
استمر تظر القضااي التجارية أمام احملاكم العامة حَت صدور قرار جملس الوزراء
السعودي رقم ( )448بتاريخ 1181/6/4هـ ،ابتتقال وًلية القضاء التجاري ل ى
وزارة التجارة والصناعة ،وقد بقي هذا اًلختصاص ما يقارب سبعة وعشرين عاما،
تتج عنه تشكي جمموعة كبرية من اللجان القضائية تظرا لتنوع املنازعات التجارية،
ومنها :هيئة ابسم "هيئة فض املنازعات التجارية" يف 1184/1/48هـ ،لتتو ى
اختصاصات احملكمة التجارية ،وأسند ل ى هيئة أخرى الفص يف منازعات الشركات
التجارية .ومت توحيد هاتني اهليئتني يف هيئة واحدة ابسم هيئة حسم املنازعات التجارية
( )1ينظر :حممد حسن اجلرب" ،القاتون التجاري السعودي"( .الطبعة الرابعة ،الرايض :دون انشر،
1217هـ) 18 ،؛ د .سعيد حيىي" ،الوجيز يف النظام التجاري السعودي"( .الطبعة السابعة،
جدة :شركة مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع4112 ،م)41 ،؛ د .أمحد صاحل خملوف،
"الوسيط يف شرح التنظيم القضائي اجلديد ابململكة العربية السعودية"( .الطبعة األو ى،
الرايض :مطبوعات معهد اإلدارة1212 ،هـ).128 ،
111
( )1ينظر يف اتريخ القضاء التجاري يف اململكة :اجلرب" ،القاتون التجاري السعودي"18 ،؛
خملوف "الوسيط يف شرح التنظيم القضائي اجلديد ابململكة العربية السعودية"121 ،؛ محزة
علي املدين" ،القاتون التجاري السعودي"( ،الطبعة األو ى ،جدة :دار املدين للطباعة والنشر
والتوزيع1216 ،هـ).18 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
درجتني مها:
-1حماكم الدرجة األو ى التجارية.
-2الدوائر التجارية مبحاكم اًلستئناف.
ومتارس احملكمة العليا رقابتها على األحكام الصادرة عن هذه احملاكم ومدى
صحة تطبيق قواعد الشرع والنظام وتوحيد اًلجتهاد القضائي وفقا للمادتني (،11
)11من تظام القضاء.
املطلب الثاني :اختصاصات حماكم الدقضاء التجاري السعودي
استحدث تظام القضاء السعودي الصادر عام 1248هـ لتشاء حماكم
متخصصة اتبعة لوًلية جهة القضاء العام ابململكة ،وتعد الدرجة األو ى من درجات
التقاضي ومنها :احملاكم التجارية وفق ا للمادة ( )2منه ،وتكون دوائر جتارية متخصصة
يف احملاكم العامة يف حال مل تنشأ حمكمة جتارية يف املراكز واحملافظات (م 41قضاء)
وقد حدد تظام احملاكم التجارية 1221هـ ،الصادر ابملرسوم امللكي رقم م 21/واتريخ
1221/8/18هـ ،اختصاصات هذه احملاكم فنصت املادة ( )16على أن" :ختتص
احملكمة ابلنظر يف اآليت:
-1املنازعات اليت تنشأ بني التجار بسبب أعماهلم التجارية األصلية أو التبعية.
-2الدعاوى املقامة على التاجر يف منازعات العقود التجارية ،مَت كاتت قيمة
املطالبة األصلية يف الدعوى تزيد على مائة ألف رايل ،وللمجلس عند اًلقتضاء زايدة
هذه القيمة.
-3منازعات الشركاء يف شركة املضاربة.
-4الدعاوى واملخالفات الناشئة عن تطبيق أحكام تظام الشركات.
111
( )1د .حممد عبد العزيز شكري" ،املدخ ل ى القاتون الدويل العام وقت السلم"( .دار الفكر،
1281م).171 ،
( )4د .عبد الكرمي علوان" ،الوسيط يف القاتون الدويل العام"( .الطبعة الرابعة ،عمان :دار
الثقافة4112 ،م).482 ،
111
صيغة مكتوبة والذي ينظمه القاتون الدويل سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان
متصلتان أو أكثر ومهما كاتت تسميته اخلاصة" .ويف القاتون الدويل احلديث تطلق
املعاهدة واًلتفاقية ابلرتادف وجرى العم على عدم التفريق بينهما(.)1
واستحدث جممع اللغة العربية ابلقاهرة تعريف ا للمعاهدة أبهنا" :اتفاق بني
دولتني أو أكثر لتنظيم عالقات بينهما"(.)4
املطلب الثاني :موقف الّساتري املعاصرة من العالقة بني االتفاقيات التجارية
الّولية والدقوانني الّاخلية
للتعرف على موقف الدول املعاصرة من العالقة بني اًلتفاقيات الدولية
كثريا ما تُفصح عن هذاوقواتينها الداخلية يكون الرجوع للنصوص الدستورية اليت ا
املوقف( ،)1وهناك اجتاهان للدول املعاصرة حيال تفاذ األتظمة واًلتفاقيات الدولية يف
قاتوهنا الداخلي ومها:
األول :أن اًلتفاقيات الدولية أتخذ حكم القاتون الداخلي وتطبق بصفة
مباشرة مبجرد التصديق عليها (اجتاه وحدة القاتوتني).
( )1كما يف اتفاقية فينا املادة ( ) 1/4وهي اتفاقية بشأن قاتون املعاهدات ،مت اعتمادها يف أعمال
مؤمتر األمم املتحدة 44مايو 1262م ودخلت حيز النفاذ يف 47يناير 1281م.
( )4لبراهيم مصطفى ،أمحد الزايت ،حامد عبد القادر ،حممد النجار" ،املعجم الوسيط"( .لصدار
جممع اللغة العربية ابلقاهرة).112/4 ،
( )1د .حممود مرشحه" ،الوجيز يف القاتون الدويل العام"( .سوراي :منشورات جامعة حلب،
1222م).468 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
واآلخر :أن اًلتفاقيات الدولية ًل تنفذ يف القاتون الداخلي لًل بواسطة تشريع
داخلي يقضي إبدماجها وتطبيقها ابعتبارها أصبحت جزءاا من القاتون الداخلي(.)1
وابستقراء ذلك فقد اجتهت دساتري بعض الدول ل ى النص على مسو
اًلتفاقيات الدولية على القواتني الوطنية ومن ذلك الدستور السويسري (م)111
واهلولندي (م )21والفرتسي (م )88واألمريكي (م )6واألسباين (م.)26
يف حني اجتهت دول أخرى ل ى تنظيم آلية قبول اًلتفاقيات الدولية ولدماجها
يف القاتون الداخلي ومن ذلك :السعودية (م 71أساسي) ،اإلمارات (م 148 ،27
الدستور) ،الكويت (م 71الدستور) البحرين (م ،)17األردن (م 11الدستور)(.)4
مث تفاوتت هذه اجملموعة يف املوقف من تعارض أو تنازع اًلتفاقية الدولية مع
القاتون الوطين ،فبعضها حسم املوقف ابلنص على أولوية معينة ،والبعض اآلخر
سكت عن حتديد األو ى منهما( ،)1وسنتعرف يف املبحث الثاين على املوقف الذي
اتتهى لليه النظام السعودي خبصوص املسائ التجارية.
( )1أبو هيف" ،القاتون الدويل العام"( ،اإلسكندرية :منشأة املعارف1266 ،م).88 ،
( )4الشمري" ،األثر القاتوين للمعاهدات الدولية يف النظام والقضاء الوطين-دراسة مقارتة"،
(رسالة ماجستري بكلية القاتون يف جامعة اإلمارات العربية املتحدة4118 ،م)،11 ،48 ،
.18
( )1د .وليد بيطار" ،القاتون الدويل العام "( .بريوت :املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر
والتوزيع4118 ،م) .126
112
املطلب الثالث :موقف الفدقه الدقانوني من العالقة بني االتفاقيات الّولية
والدقوانني الّاخلية
تناول الفقه القاتوين مسألة العالقة بني اًلتفاقيات الدولية والقواتني الداخلية،
وظهرت تظريتان أساسيتان يف هذا املوضوع مها :تظرية ثنائية القاتوتني ،وتظرية وحدة
القاتوتني ،ولك منهما طبيعتها وأساسها القاتوين وتتائجها.
أوالً :نظرية ثنائية القانونني.
وتقوم على أساس أن قواعد القاتون الدويل مستقلة عن قواعد القاتون
الداخلي ،ولك منهما لطاره وأساسه ،وابلتايل ًل ميكن تطبيق قواعد القاتون الدويل
لًل لذا أصبحت جزءاا من القاتون الداخلي عن طريق السلطة التشريعية يف الدولة،
ويبقى لك منهما جماله وموضوعه( ،)1وتستند هذه النظرية ل ى عدد من احلجج
أمهها:
-1اختالف مصدر ك من القاتوتني ،فالقاتون الداخلي جيد مصدره يف لرادة
الدولة املنفردة حيث أييت عن طريق لصدار األتظمة واللوائح ،أما القاتون الدويل
فمصدره اإلرادة املشرتكة للدول اليت تبلورت يف هذا اًلتفاق ،أو القاتون الذي مت
التوافق عليه(.)4
( )1د .علي لبراهيم" ،النظام القاتوين الدويل والنظام القاتوين الداخلي :صراع أم تكام ،دراسة
تظرية تطبيقية يف ضوء أحدث الدساتري وأحكام احملاكم"( .القاهرة :دار النهضة العربية،
1228م)17 ،؛ علوان" ،الوسيط يف القاتون الدويل العام".41 ،
( )4د .حممد القامسي" ،العالقة بني القاتون الدويل العام والقاتون الداخلي ،دراسة تطبيقية على
=
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
113
وقد اتتقد هذا الدلي أبته خيلط بني أص القاعدة القاتوتية ووسيلة التعبري
عنها ،فأص القاعدة القاتوتية يف القاتوتني الدويل والداخلي هو اًلستجابة للظروف
اًلجتماعية والعوام اًلقتصادية واملتغريات الدولية ،ولكن ختتلف طريقة لصدار
القواتني حبسب اإلرادة املنفردة أو املشرتكة اليت تقف وراءها(.)1
-2اختالف املركز القاتوين للدولة يف القاتوتني ،فالدولة حني تصدر القاتون
الداخلي فهي يف موضع السيادة على لقليمها ورعاايها فهي تفرض القاتون وخيضع له
التابعون له ،وتصدر القواتني الداخلية عن طريق السلطة املختصة ولجراءاهتا يف ذلك،
أما يف اًلتفاقيات الدولية فتكون الدول يف مركز متساو ويتم التفاوض واًلتفاق
لتنسيق القواتني أو اًلتفاقيات(.)4
واتتقد هذا الدلي أبته تغاف عن طبيعة املعاهدات الدولية وأهنا تكون ملزمة
حَت للدول اليت مل تساهم يف تكوينها(.)1
كما يوجه النقد الدائم هلذه النظرية أبهنا تؤدي ل ى مسؤولية الدولة على
=
دولة اإلمارات العربية املتحدة" .جملة األمن والقاتون 4111( ،4م)8 :؛ عمر أبو اخلري،
"تفاذ املعاهدات الدولية يف النظام القاتوين الداخلي"( .القاهرة :دار النهضة العربية،
4111م).12 ،
( )1د .حممد عبد احلميد ،حممد الدقاق ،لبراهيم خليفة" ،القاتون الدويل العام"( .اإلسكندرية:
دار املطبوعات اجلامعية4111 ،م).114 ،
( )4موفق احملاميد" ،القيمة القاتوتية للمعاهدات الدولية يف الدستور األردين 1284م" .جملة
احلقوق 4111( .2م).247 :
( )1د .احملاميد" ،القيمة القاتوتية للمعاهدات الدولية يف الدستور األردين 1284م".211 ،
110
النطاق الدويل لعدم أخذها مبا توافق عليه اجملتمع الدويل ،ورمبا يؤثر ذلك يف العالقات
اًلقتصادية وحركة التجارة بني تلك الدولة ودول العامل(.)1
اثنيًا :نظرية وحدة القانونني.
تقوم هذه النظرية على أساس أن القاتون الدويل والداخلي فرعان لنظام قاتوين
احدا ًل ينفص
تظاما قاتوتياا و ا
واحد ،مبعىن أن قواعد القاتون الدويل والداخلي تعد ا
عن بعضه ،وهذا النظام الواحد يتضمن قواعد قاتوتية ليست على درجة واحدة ،ب
هي متدرجة ويكون القاتون الدويل هو اجلزء األمسى ،وبدون هذا اًلعتبار سيتم عزل
القاتون الدويل عن الداخلي ورفضه ،وبناء على هذه النظرية يقوم القاضي الوطين
بتطبيق قواعد القاتون الدويل بشك مباشر ويكون جزءاا من النظام القاتوين
الداخلي(.)4
وتستند هذه النظرية ل ى حجج أمهها:
-1وحدة مصدر القاتوتني وهو ما سبقت اإلشارة لليه من الظروف
مصدرا لظهور القاعدة القاتوتية اليت
ا اًلجتماعية واًلقتصادية والواقعية ،اليت تكون
تستمد صفة اإللزام من اًلتفاق عليها استجابة للضرورة واحلاجة لتنظيم العالقات
الدولية(.)1
( )1د .وائ عالم" ،وضع املعاهدة الدولية يف دستور دولة اإلمارات العربية املتحدة" .جملة
الشريعة والقاتون ( .82السنة .121 :)48
( )4د .شليب لبراهيم" ،مبادئ القاتون الدويل العام"( .بريوت :الدار اجلامعية ،بدون اتريخ)،
.111
( )1د .الشافعي بشري" ،القاتون الدويل العام يف السلم واحلرب"( .اإلسكندرية :دار الفكر
=
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
-2وحدة األشخاص املخاطبون أبحكام القاتوتني ،فالدولة شخصية معنوية
وهذه صفتها يف القواتني واًلتفاقيات الدولية فهي خماطبة بشك مباشر ،أما األفراد
الذين ينتمون لليها فيخاطبون هبا عن طريق دولتهم فهو خطاب غري مباشر(.)1
ورغم أن هذه النظرية حتظى بتأييد غالبية الفقه الدويل وأحكام احملاكم
الدولية( )4لًل أهنا مل تسلم من النقد ،كالقول أبن القاتون الداخلي أسبق يف الظهور
من القاتون الدويل فكيف يتبع القدمي احلديث()1؟ ولكن يبدو أته اتتقاد شكلي
خصوصا مع تطور طبيعة احلياة دائما، ي
ا معيارا لألصوب واألصلح ا
فليس الق َدم واحلداثة ا
الدولية واجتاهها للتقنني املوحد ،كما القول هبذه النظرية يفرتض حصول التعارض
والتنازع بني القاتوتني ،مما أدى ل ى ظهور اجتاهني يف الفقه املقارن لتحديد القاتون
الذي يُعطى األولوية( ،)2ومها:
االجتاه األول :وحدة القاتوتني مع مسو القاتون الداخلي ،وذلك أتكيدا لسيادة
الدولة؛ وألن لبرام الدولة لالتفاقية الدولية لمنا جاز استنادا ل ى قواعد النظام الداخلي
من حيث األص ،وابلتايل فال يسوغ أن يسمو الفرع على األص ( .)8وقد اتتقد هذا
=
اجلامعي ،بدون اتريخ).86 ،
( )1د .علوان" ،الوسيط يف القاتون الدويل العام".46 ،
( )4د .احملاميد" ،القيمة القاتوتية للمعاهدات الدولية يف الدستور األردين1284م" ،ص.211
( )1د .علي صادق أبو هيف" ،القاتون الدويل العام".22 .
( )2فهد انيف الشمري" ،األثر القاتوين للمعاهدات الدولية يف النظام والقضاء الوطين-دراسة
مقارتة".12 ،
( )8د .احملاميد" ،ا لقيمة القاتوتية للمعاهدات الدولية يف الدستور األردين1284م".114 ،
111
اًلجتاه أبته يتجاه أمهية القاتون الدويل ويؤدي ل ى هدم فكرته بعدم تنفيذه واًللتزام
به ،كما أن أتسيس للزامية املعاهدات الدولية على القواعد الداخلية ًل يُسلم هبا ،فإذا
حص تعدي يف تلك القواعد فه يعين لبطال اًلتفاقيات الدولية؟ مع أته تقرر يف
قواعد اًلتفاقيات واملعاهدات الدولية ويف العرف الدويل سراين املعاهدات املربمة
وعدم أتثرها ابلتغيريات الدستورية الطارئة للدول(.)1
االجتاه الثاين :وحدة القاتوتني مع مسو القاتون الدويل ،ابعتبار أته يتم حتديد
قيام الدولة وشخصيتها ومركزها القاتوين عن طريق قواعد القاتون الدويل ،مبا يعين مسو
مركزه على القواتني الداخلية ،ورغم اتتقاد هذا اًلجتاه أبحقية القاتون الداخلي ابلسمو
مراعاة ألسبقيته التارخيية لًل أته حيظى بتأييد غالب فقهاء القاتون وأحكام احملاكم
الدولية(.)4
املطلب الرَّابع :موقف النظام السعودي من االتفاقيات التجارية الّولية ومّى
تطبيدقها يف النظام الّاخلي
ابلرجوع ل ى األتظمة األساسية يف اململكة العربية السعودية وعلى رأسها
النظام األساسي للحكم وتظام جملس الشورى وتظام جملس الوزراء وفق ا للمرسوم
عددا من النصوص اليت تتعرف من
امللكي رقم (م )14/بتاريخ 1214/8/46هـ ،جند ا
خالهلا على موقف النظام السعودي من اًلتفاقيات التجارية الدولية ومدى تطبيقها
يف النظام الداخلي ،وميكن استعراضها كما أييت:
( )1د .احملاميد" ،القيمة القاتوتية للمعاهدات الدولية يف الدستور األردين1284م".211 ،
( )4أبو اخلري" ،تفاذ املعاهدات الدولية يف النظام القاتوين الداخلي".12 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
األداة النظامية إلصدار املعاهدات واالتفاقيات الدولية:
تنص املادة ( 71تظام أساسي) على أن" :تصدر األتظمة واملعاهدات
واًلتفاقيات الدولية واًلمتيازات ويتم تعديلها مبوجب مراسيم ملكية" ،فهذا النص
حيدد األداة التنظيمية اليت تصدر من خالهلا اًلتفاقيات الدولية وهي املرسوم امللكي،
ئيسا
ومكتواب بتوقيع امللك بصفته ر ا
ا حمددا
واملرسوم امللكي :أداة تنظيمية تتخذ شكالا ا
ومرجعا جلميع السلطات بعد أن يسبقه قرار من السلطة التنظيمية (بفرعيها
ا للدولة
جملس الشورى وجملس الوزراء) يف موضوعه(.)1
دراسة املعاهدات واالتفاقيات الدولية قبل إصدارها:
تنص املادة ( 18جملس الشورى) على أن "تصدر األتظمة واملعاهدات
واًلتفاقيات الدولية واًلمتيازات وتعدل مبوجب مراسيم ملكية بعد دراستها من جملس
الشورى" كما تنص املادة ( 41جملس الوزراء) على أته "مع مراعاة ما ورد يف تظام
جملس الشورى ،تصدر األتظمة واملعاهدات واًلتفاقيات الدولية واًلمتيازات وتعدل
مبوجب مراسيم ملكية بعد دراستها من جملس الوزراء".
سراين املعاهدات واالتفاقيات الدولية:
تصبح هذه املعاهدات أو اًلتفاقات بعد توقيعها والتصديق عليها من جملس
الوزراء جزءا من النظام الداخلي للدولة حيث تتجاتس أحكامه مع أحكامها وتلتزم
( )1د .حممد بن عبد هللا املرزوقي " ،السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية "( .الطبعة
األو ى ،الرايض :مكتبة العبيكان1248 ،هـ).164 ،
111
بتنفيذها ومن مث تعترب مصدرا تنظيميا( ،)1وهلذه اًلتفاقيات يف اململكة قوة األتظمة
لذا صادق عليها جملس الوزراء وصدر هبا مرسوم ملكي ،لذ تصبح بذلك يف منزلة
النظام الداخلي فيلزم تطبيقها( ،)4خصوصا مع تص املادة احلادية والثماتون من
النظام األساسي للحكم على أن "ًل خي تطبيق هذا النظام مبا ارتبطت به اململكة
العربية السعودية مع الدول واهليئات واملنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات".
وملزيد من اإليضاح :ي
يفرق بعض الباحثني بني توعني من اًلتفاقيات الدولية
اليت تكون اململكة طرفاا فيها من حيث املنهج الالزم إلقرار ك منهما(:)1
النوع األول :اًلتفاقيات الدولية متعددة األطراف ،واليت تسمى كذلك
املعاهدات.
وهذا النوع اليت تكون متعددة األطراف لما أن تكون اًلتفاقية دخلت حيز
التنفيذ دولياا مبوافقة العدد الالزم لنفاذها بنصوصها اليت اتفق عليها وًل جمال للتعدي
فيها ،ولما أهنا مل تدخ حيز التنفيذ لعدم اكتمال العدد الالزم لنفاذها حسب
تصوصها املعروضة دون تعدي فيها ،ويف كال احلالني يكون للدولة املوافقة عليها كليا،
أو املوافقة مع لبداء التحفظات عند التوقيع ابلقدر الذي جتيزه تصوصها أو رفض
املعاهدة كليا وعدم اًلتضمام لليها.
( )1اتظر :د .حممد السيد عرفة" ،القاتون الدويل اخلاص للمملكة العربية السعودية"( .الطبعة
األو ى ،الرايض :دار املؤيد 1241 ،هـ).11 ،
( )4د .عبد الرمحن ال قاسم" ،القاتون الدويل اخلاص وأحكامه يف الشريعة اإلسالمية وتطبيقه يف
النظام السعودي"( .الطبعة األو ى ،القاهرة :مطبعة السعادة 1127 ،هـ).18 ،
( )1املرزوقي" ،السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية ".426 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
النوع الثاين :اًلتفاقيات الدولية (الثنائية) وطبيعة هذا النوع ختضع إلرادة
ال طرفني بعد التفاوض وتبادل وجهات النظر ومتر بعدة مراح من الدراسة وميكن
لمجال لجراءاهتا يف النظام السعودي يف ضوء األحكام املنظمة لعقد اًلتفاقيات الدولية
وخباصة ما ورد يف لجراءات عقد اًلتفاقيات الدولية الصادرة بقرار جملس الوزراء ،رقم
1412اتريخ 1127/2/41هـ املعدل بقرار جملس الوزراء رقم 21واتريخ
1214/8/14هـ وما ورد يف األمر السامي رقم 48281واتريخ 1214/8/14هـ،
وذلك يف أربع مراح :
املرحلة األوىل :مرحلة التوقيع ابألحرف األوىل.
وهو التوقيع الذي يقوم به الوزير املعين أو املفوض من الدولة على اًلتفاقية
بصفة مبدئية ،بعد رجوعه ل ى جملس الوزراء وهو توقيع ًل يولد أي التزام ،ولمنا غرضه
هو الكشف عن التوص مع الطرف اآلخر ل ى صيغة مقبولة يف اجلملة ،وصاحلة ألن
يرفعها ك طرف ل ى حكومته للنظر فيها.
املرحلة الثانية :مرحلة التفويض ابلتوقيع النهائي.
ويتم ذلك بصدور قرار من جملس الوزراء بتفويض املسؤول املمث للدولة
ابلتوقيع النهائي عليها لذا مل يكن له أي ملحوظات عليها ،فإن كان للمجلس
ملحوظات عليها فإته يعيدها ل ى املسؤول املعين للتفاوض مع الطرف اآلخر بشأن
تلك امللحوظات ،فإن وافقه الطرف اآلخر عليها يقوم ابلتوقيع عليها ،ولن مل يوافقه
وتوصال ل ى صيغة أخرى فإن املسؤول املعين يعيد الرفع عنها من غري توقيع ليقرر
جملس الوزراء ما يراه ،لًل أته لذا كاتت امللحوظات أو التعديالت غري جوهرية ،وًل
مؤثرة على اًللتزامات املتبادلة فإن املسؤول يقوم ابلتوقيع عليها ،وهذا التوقيع ًل
111
يضفي على اًلتفاقية قوة تنفيذية ،ولمنا يكسبها مرحلة متقدمة من القبول ،حبيث
تكشف للطرف اآلخر أبن هذه الصيغة تفتح اجملال أمام ك من الطرفني ًلختاذ
اإلجراءات الالزمة حسب قاتون بلده للموافقة على هذه اًلتفاقية ،متهيدا إلمتام
اإلجراءات الدستورية لدخوهلا حيز التنفيذ.
املرحلة الثالثة :املوافقة النهائية املقرتنة إبعداد املرسوم امللكي الالزم
للموافقة عليها.
ويف هذه املرحلة تكون اًلتفاقية قد مت التوقيع عليها من قب املسؤول ابلتوقيع
النهائي وفق ا للقرار الصادر من جملس الوزراء بذلك كما أشري لليه يف املرحلة الثاتية.
املرحلة الرابعة :صدور املرسوم امللكي الالزم للموافقة على هذه االتفاقية.
وبه تعترب اًلتفاقية انفذة املفعول بعد تبادل واثئق التصديق بني الطرفني،
ويسمى يف الفقه القاتوين "التصديق" وهو اإلجراء الداخلي الذي مبقتضاه تقر السلطة
املختصة ابلدولة بقبول أحكام اًلتفاقية أو املعاهدة واًللتزام هبا(.)1
وهذه املراح تتميز هبا اًلتفاقية الثنائية عن املعاهدات من حيث لجراءات
املوافقة عليها حَت ولن اختلطت معها يف التسمية( ،)4كما أهنا متث ضماانت
=
اليت تناولتها من حيث األمهية أو احلجية .ينظر :حممد يوسف علوان" ،القاتون الدويل العام".
(عمان :دار وائ للنشر4117 ،م).148 ،
( )1د .انصر الغامدي" ،املدخ لدراسة السياسة الشرعية واألتظمة املرعية ،دراسة تطبيقية على
األتظمة السعودية"( .الطبعة األو ى ،مكة املكرمة :دار طيبة اخلضراء1216 ،هـ).286 ،
112
الداخلي ،فيجب أن تلتزم احملاكم الوطنية بتطبيق أحكامها اليت تسري على مجيع
األفراد والسلطات داخ اململكة ،فتكون قواعدها ملزمة ألطراف اًلتفاقية ومصدرا
رمسيا لألتظمة ابململكة ،وًل جيوز لألتظمة الداخلية خمالفتها( ،)1ويف لشارة ألمهية
تطبيق اًلتفاقيات الدولية تصت املادة ( 81أساسي) على أن "ًل خي تطبيق هذا
النظام -أي األساسي للحكم -مبا ارتبطت به اململكة العربية السعودية مع الدول
واهليئات واملنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات" ،كما تصت املادة ( 4حتكيم)
على عدم اإلخالل بتطبيق اًلتفاقيات الدولية اليت تكون اململكة طرفا فيها عند
تطبيق أحكامه ،وتصت املادة ( 182النظام البحري التجاري) على أته "ًل خي
تطبيق أحكام هذا النظام ابلتزامات اململكة يف اًلتفاقيات واملدوانت الدولية ذات
الصلة اليت صدقت عليها ،كما ًل خي أبحكام تظام (قاتون) اجلمارك املوحد لدول
جملس التعاون لدول اخلليج العربية وًلئحته التنفيذية" ،لذ أن اإلخالل هبا يضع الدولة
يف مركز املسؤولية أمام الدول األعضاء يف اًلتفاقية أو النظام ،ويعترب الفقه القاتوين
هذا اًللتزام التزاما بتحقيق تتيجة وليس جمرد التزام ببذل عناية(.)4
وأشري هنا ل ى صراحة النظام السعودي حني اجته ل ى أولوية تطبيق اًلتفاقيات
التجارية الدولية على النظام الداخلي ،فعرب عن ذلك بلفظ السراين (م ً 1لئحة
احملاكم التجارية) حيث يعين ذلك استكمال املنظم للتشريعات واإلجراءات الالزمة
( )1د .حسام الدين سليمان توفيق" ،القاتون التجاري السعودي"( .الطبعة األو ى ،الرايض :دار
الكتاب اجلامعي1212 ،هـ).41 ،
( )4أبو اخلري" ،تفاذ املعاهدات الدولية يف النظام القاتوين الداخلي".61 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
113
لتطبيقها ،فإن جمرد اعرتاف أي تظام يف الدول املعاصرة ابتفاقية دولية ولدماجها يف
النظام الداخلي ًل يعين ابلضرورة تطبيقه من قيب السلطات القضائية والتنفيذية ،فقد
يكون غري قاب للتطبيق حلاجته ل ى صدور تنظيمات أو لجراءات تنفيذية أو مكملة
يرتبط سراين القاتون الدويل أو اًلتفاقية ابستكماهلا(.)1
املبحث الثاني :مصادر الدقضاء التجاري السعودي
تظرا ًلرتباط موضوع البحث بتسمية مصادر القضاء التجاري السعودي
وترتيبها ،اقتضى األمر أن يتناول البحث تلك املصادر بشيء من البيان ،وحيث تتنوع
مصادر األتظمة ل ى رمسية وغري رمسية؛ مت بيان املصادر الرمسية للقضاء التجاري
السعودي يف (املطلب األول) ،مث بيان املصادر غري الرمسية (اًلسرتشادية) للقضاء
التجاري السعودي يف (املطلب الثاين) لينتهي ل ى بيان أثر سراين اًلتفاقيات التجارية
الدولية على مصادر القضاء التجاري السعودي يف (املطلب الثالث) ،فيما أييت:
املطلب األوَّل :املصادر الرمسية يف الدقضاء التجاري السعودي
تطلق كلمة (املصدر) يف اللغة على أص الشيء ومنشئه وما يُشتق منه،
ومقدم ك شيء وأوله( ،)4والقضاء -كغريه ً -ل بد له من مصدر يعود لليه ومنشأ
ُ
ينتج عنه ،ومصادر القضاء هلا لطالقات خمتلفة يف فقه النظام ،أقرهبا ملقصود البحث
( )1الشمري" ،األثر القاتوين للمعاهدات الدولية يف النظام والقضاء الوطين-دراسة مقارتة".21 ،
( )4مجال الدين ابن منظور" ،لسان العرب"( .الطبعة الثالثة ،بريوت :دار صادر1212 ،هـ):2 ،
،226لمساعي بن محاد اجلوهري" ،الصحاح :اتج اللغة وصحاح العربية" .حتقيق :أمحد عبد
الغفور عطار( ،الطبعة الرابعة ،بريوت :دار العلم للماليني1217 ،هـ).712 :4 ،
110
معنيان(:)1
املصادر الرمسية األصلية للقضاء التجاري :أي األص الذي تستقى منه
األحكام وتصاغ على أساسها ،فريجع لليها القاضي إلتشاء حكمه وبنائه ،ألهنا
قواعد ملزمة لعموم األشخاص ،فمصادر النظام التجاري مبعىن :مصادر القواعد
مرجع القاضي وعمدته
واألحكام اليت تُبىن عليها أحكام القضاء التجاري فتكون َ
إلصدار األحكام املوضوعية واإلجرائية يف القضية اليت يفص فيها(.)4
ا ملصادر الرمسية االحتياطية (االسرتشادية) للقضاء التجاري :أي األدلة
والقواعد اليت تستمد منها األحكام أو ًل ختالفها عند استمدادها من غريها ،عند
عدم وجود النص النظامي امللزم ،وبيان املصادر الرمسية على النحو اآليت:
أوالً :التنظيم التجاري (األنظمة التجارية).
واملقصود به ما يَ ُسنه ويل األمر ويضعه من األتظمة واألحكام واإلجراءات
املنوطة ابملصلحة لتنظيم أمور التجارة والتجار وضبط عالقاهتم ومعامالهتم مبا ًل
خيالف الشريعة اإلسالمية( ،)1ويسمى يف القاتون املقارن "التشريع" وهو :سن الشريعة
( )1تتنوع لطالق ات مصادر القاعدة القاتوتية ل ى مصادر رمسية واحتياطية وتفسريية ،ومصادر
اترخيية ،ومصادر مادية ،وهي لطالقات يتناوهلا الفقهاء ابلشرح يف مداخ القاتون عموم ا.
( )4ينظر :د .بكر عبد الفتاح السرحان" ،املدخ ل ى علم القاتون"( .الطبعة األو ى ،عمان :دار
املسرية1211 ،هـ)28 ،؛ أ .د .عطية عبد احلليم صقر" ،املدخ ل ى دراسة األتظمة :تظرييت
القاتون واحلق"( .كتاب منشور على صفحة املؤلف على شبكة املعلومات).66 ،
( )1د .عبد العال أمحد عطوة" ،املدخ ل ى علم السياسة الشرعية"( .الطبعة األو ى ،الرايض:
تشر جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية1212 ،هـ).86 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
ووضع األحكام والقواتني(.)1
وهذا التنظيم جزء من السياسة الشرعية اليت جعلتها الشريعة لوًلة األمور لتدبري
مصاحل األمة فيما سكتت عنه الشريعة أو استجد يف حياة الناس أو دعت لليه
حاجات التنظيم اإلجرائي واإلداري( ،)4مع مراعاة الشروط التالية:
-1أًل خيالف النظام أحكام الشريعة الثابتة ابألدلة الشرعية من كتاب وسنة
ولمجاع وقياس ،ألن املخالفة هلا سبب لبطالهنا ولهدار اًلحتجاج والعم هبا.
-2أًل خيالف النظام مقاصد الشريعة الكلية وأصوهلا العامة املقررة يف
تشريعاهتا.
-3أن يستند النظام ل ى أدلة الشرع اًلجتهادية بشرائط ك منها.
-4أن تكون الغاية من التنظيم لقامة احلق والعدل ورفع الظلم والفساد وحفظ
احلقوق ولقامة دين هللا وشريعته(.)1
والنظام هبذه الشروط والضوابط جزء ًل يتجزأ من السياسة الشرعية وليس
خمالفا للشرع ،ب جزء منه(.)2
( )1د .املرزوقي" ،السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية"86 ،؛ وتنظر (م )67من النظام
األساسي للحكم.
( )4د .املرزوقي" ،السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية".21-88 ،
( )1د .األلفي" ،املدخ لدراسة األتظمة القاتوتية يف اململكة" ،ص.161
( )2د .املرزوقي" ،السلطة التنظيمية يف اململكة العربية السعودية".88 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
النظام يراعيه القاضي التجاري وفق تدرج القواعد القاتوتية :النظام فالالئحة فالقرار.
واستجابة لواقع التجارة ومتغريات النشاط اًلقتصادي واًلستثماري وحركة
التجارة الدولية ،وللحاجة العملية ل ى لصدار أتظمة جتارية تواكب ذلك الواقع وتلك
املتغريات ،فقد صدرت مجلة من األتظمة واللوائح التجارية يف اململكة تعاجل شَت
املوضوعات واملسائ التجارية(.)1
( )1موقع مركز الواثئق واحملفوظات وموقع هيئة اخلرباء على شبكة املعلومات ،حيتوي على مجيع
األتظمة واللوائح ذات العالقة ويتم حتديثها بشك مستمر ،ومنها :تظام مكافحة الغش
التجاري الصادر ابملرسوم امللكي (م )8/يف 1181/8/12هـ ،تظام الوكاًلت التجارية
الصادر ابألمر امللكي رقم (م )11/واتريخ 1184/4/41هـ وتعديالته ،وًلئحته التنفيذية
ابلقرار الوزاري ( )1827واتريخ 1211/8/42هـ ،تظام األوراق التجارية الصادر ابملرسوم
امللكي رقم ( )624يف 1181/2/46هـ ،تظام العالمات التجارية الصادر ابملرسوم امللكي
رقم (م )8/يف 1212/8/2هـ ،تظام الدفاتر التجارية الصادر ابألمر امللكي رقم (م)61/
واتريخ 1212/14/47هـ ،تظام الغرف ة التجارية والصناعية الصادر ابألمر امللكي رقم (م)6/
واتريخ 1216/4/46هـ ،تظام السج التجاري الصادر ابألمر امللكي رقم (م )16/واتريخ
1216/4/42هـ ،تظام األمساء التجارية الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م )18يف
1241/8/14هـ ،تظام استثمار رأس املال األجنيب الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م)1/
واتريخ 1241/1/18هـ ،تظام البياانت التجارية الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م)18/
واتريخ 1241/2/12هـ ،تظام الرهن التجاري الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م )78/يف
1242/11/41هـ ،تظام املنافسة الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م )48/يف 1248/8/2هـ،
املعدل ابملرسوم (م )42/يف 1218/2/11هـ ،تظام اإلفالس الصادر ابملرسوم امللكي رقم
(م )81/يف 1212/8/48هـ ،النظام البحري التجاري الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م)11/
واتريخ 1221/2/8هـ ،تظام التجارة اإللكرتوتية الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م)146/
=
111
=
واتريخ 1221/11/7هـ ،تظام الشركات الصادر ابملرسوم امللكي رقم (م )114/يف
1221/14/1هـ ،وغريها من األتظمة واللوائح املعمول هبا قضاء وتنظيما.
( )1القرطيب" ،اجلامع ألحكام القرآن"( .بريوت :دار لحياء الرتاث العريب1218 ،هـ) 411 :6؛
حممد التهاتوي" ،كشاف اصطالحات الفنون والعلوم" ،ت :رفيق العجم ،علي دحروج.
(الطبعة األو ى ،بريوت :مكتبة لبنان1226 ،م).1118 ،
( )4ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية أته اصطالح متأخري الفقهاء" .جمموع فتاوى شيخ اإلسالم
أمحد بن تيمية" ،مجع وترتيب عبد الرمحن بن قاسم وابنه حممد( .جدة :دار املدين) :12
.112
( )1د .عبد الرزاق السنهوري ،د .أمحد أبو ستيت" ،أصول القاتون"( .القاهرة :مطبعة جلنة
التأليف والرتمجة والنشر1281 ،م).112 ،111 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
الصحايب وشرع َم ْن قبلنا واًلستحسان واًلستصالح واًلستصحاب والعرف(.)1
-األحكام اليت تستمد من قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها املعتربة كنفي
الضرر وجلب املصاحل واملساواة ورعاية احلقوق وحفظ الضرورات ورفع احلرج ومنع
الضرر وحتقيق العدل وما ل ى ذلك من القواعد العامة اليت قررهتا تصوص الكتاب
والسنة وًل يستطيع أن يشذ عنها قاتون يُراد به صالح األمم ولسعادها(.)4
كما جتدر اإلشارة ل ى دخول قواعد العدالة اليت تعتربها القواتني املعاصرة
مصدرا تفسريايا أو احتياطيا؛ ضمن عموم أحكام الشريعة اإلسالمية ،فتحقيق العدل
قاعدة من قواعد الشريعة اإلسالمية ومقصد من مقاصدها وضابط ًلجتهاد القاضي،
فالشرع لمنا هو لتحقيق العدل وضمان احلقوق "فهي جزء من الشرع الذي هو عدل
كله( ،")1وقد أحالت بعض األتظمة ل ى مصدرية مبادئ العدالة ،فقد تصت املادة
( ) 1/18من تظام التحكيم السعودي على أته "لذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على
تفويض هيئة التحكيم ابلصلح جاز هلا أن حتكم به وفق مقتضى قواعد العدالة
واإلتصاف".
وحيث لن الشريعة اإلسالمية هي دستور هذه البالد وحم استمداد أحكام
( )1ينظر يف تعريف هذه املصادر وبيان مكاتتها وحجيتها الكتب املؤلفة يف أصول الفقه ومصادر
التشريع اإلسالمي.
( )4د .الغامدي" ،املدخ لدراسة السياسة الشرعية واألتظمة املرعية"81-84 ،؛ عبد الرمحن
اتج" ،السياسة الشرعية والفقه اإلسالمي"( .الناشر :موقع األلوكة على شبكة املعلومات)،
.81
( )1ابن القيم" ،الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية".12 ،
111
القضاء واألتظمة( ،)1فقد اشتملت أحكام الشريعة اإلسالمية على قواعد وأحكام
املعامالت التجارية لمجاًلا وتفصيالا ،وتظرايت وفروع ا ،ولع من أهم قواعد وأحكام
التشريع التجاري اإلسالمي ما يلي:
-1اعتبار الرضائية يف املعامالت دون التقيد ابلشكليات وقيود اإلثبات ،مع
مشروعية التوثيق لتحقيق املصاحل وحفظ احلقوق.
-2أحكام البيع والشركات والوكالة والضمان والكفالة والرهن.
-3أحكام العقد من تشأته حَت احنالله واتقضائه وقد شكلت تظرية رئيسية
يف الفقه اإلسالمي عليها قوام اًللتزامات.
-4أحكام األوراق التجارية والصكوك املالية واحلوالة.
-5أحكام اإلفالس واإلعسار وآاثرمها.
-6حترمي الراب والغش واًلحتكار والتعسف يف استعمال احلق واإلتالف ،وتفي
الضرر واإلضرار.
-1تظرية األموال وما يعترب ماًلا وما ًل يعترب.
-9أحكام التعام مع األشخاص الطبيعية واملعنوية وعوارض صحة املعامالت
العائدة ل ى الشخص وما يتعلق بذلك.
على أته ينبغي اإلشارة ل ى أن من طبيعة التشريع اإلسالمي يف املعامالت عدم
اإليغال يف التفصيالت والتفريع ،ولمنا وضع املبادئ العامة والقواعد الكلية ومراعاة
العل واملصاحل ،مث تستوعب اًلجتهادات الواسعة حاجات الناس ومستجدات زماهنم
( )1د .الغامدي" ،املدخ لدراسة السياسة الشرعية واألتظمة املرعية".248 -246 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
ضمن حدود الشريعة وأدلتها وتظرايهتا احلية اليت مل تضق حباجة تشريعية أبدا(،)1
فأحكام الشريعة اإلسالمية هي النظام فيما ليس فيه تص تظامي كاشف عن احلكم،
وهي املرجع واملستند (أبدلتها وقواعدها ومقاصدها) فيما يصدر من أتظمة جتارية
خاصة لتنظيم احلقوق والواجبات واملراكز القاتوتية يف القضااي التجارية.
اثلثاً :العرف.
يقصد ابلعرف "جمموعة من القواعد غري املكتوبة الناشئة من سلوك األفراد
املطرد يف مسألة معينة مع اعتقادهم للزامية هذا السلوك"( ،)4ويف حني يفرد فقهاء
القاتون التجاري العرف والعادات التجارية ابعتبارها مصدرا رمسي ا للقاتون التجاري،
جندها كذلك ضمن مصادر التشريع اإلسالمي ،فاعتبار أحكام الشريعة اإلسالمية
مصدرا للقواعد القاتوتية التجارية يتضمن اعتبار العرف لكوته مصدرا من مصادر
التشريع اإلسالمي ،وهذا مينح العرف ميزة يف الرتتيب الفقهي على ترتيب القاتون
التجاري الذي جيعله يف املرتبة الثالثة غالب ا ،ومن القواعد الفقهية املقررة "املعروف بني
التجار كاملشروط بينهم( ،")1وذلك بتوافر الشروط التالية:
( )1د .حممد أمحد شبري" ،املعامالت املالية املعاصرة"( .الطبعة الثالثة ،عمان :دار النفائس،
1212هـ) 17 ،؛ د .حممد مصطفى الشنقيطي" ،دراسة شرعية ألهم العقود املالية
املستحدثة"( .الطبعة الثاتية ،املدينة املنورة :مكتبة العلوم واحلكم1244 ،ه) .12 :1
( )4أ .د .حممد جرب األلفي" ،املدخ لدراسة األتظمة القاتوتية يف اململكة العربية السعودية".
(الطبعة الثاتية ،الرايض :دار التحبري للنشر والتوزيع1221 ،هـ).167 ،
( )1أ .د .حممد مصطفى الزحيلي" ،القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف املذاهب األربعة"( .الطبعة
األو ى ،دمشق :دار الفكر 1247 ،هـ) 181 :1؛ أ .د .يعقوب عبد الوهاب الباحسني،
=
112
-1أن يكون العرف مطردا غالبا يف مجيع احلاًلت حبيث ًل يتخلف لًل اندرا.
-2أن يكون العرف عام ا يف البالد أو يف بلد معني أو بني فئة معينة كالتجار.
-3أن يكون العرف موجودا أو قائما وقت لتشاء التصرف لذا ًل عربة ابلعرف
الطاري.
-4أًل خيالف تصا من كتاب أو سنة صحيحة أو لمجاعا أو أصالا قطعيا.
-5أًل يعارضه تصريح خبالفه من املتعاقدين.
-6أن يكون العرف ملزما(.)1
رابعاً :أحكام القضاء.
ويقصد به جمموعة احللول واملبادئ القضائية اليت يسري عليها القضاء ،ويعترب
مصدرا اسرتشادايا (غري رمسي) يف القاتون املقارن فيما ًل تص فيه( .)4وقد فرق النظام
السعودي بني السوابق القضائية واملبادئ القضائية؛ فالسوابق القضائية هي ما صدر
من األحكام القضائية على وقائع معينة ًل يوجد تص شرعي أو تظامي على حكمها
ومل يسبق تقرير حكم كلي هلا ،فإذا جرى تقعيدها وأتصيلها وصح مأخذهاُ :عدت
مستندا للقاضي يف حكمه القضائي يف تقرير حكم الواقعة الكلي ،أما السوابق اليت ًل
ا
=
"املفص يف القواعد الفقهية "( .الطبعة الثاتية ،الرايض :دار التدمرية1214 ،هـ).288 ،
( )1قرار جملس جممع الفقه اإلسالمي التابع ملنظمة التعاون اإلسالمي جبدة ،رقم ()8 /2 /27
يف دورته اخلامسة املنعقدة يف الكويت (6-1مجادى األو ى 1212ه) وتصه يف جملة اجملمع
1212( .8ه) .4241 :2
( )4السرحان" ،املدخ ل ى علم القاتون".146 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
113
أص هلا أو ظهر من األدلة ما هو أصوب منها فال اعتبار هلا( ،)1ومبا أهنا تتيجة
اًلجتهاد القضائي عند عدم النص الشرعي أو النظامي يف موضوع النزاع ،فإذا استقر
العم القضائي حبكم معني جتاه عدة حاًلت؛ وتواترت السوابق فإن من شأهنا تشوء
مبادئ قضائية مستقرة.
واملبادئ القضائية تُعرف أبهنا" :القاعدة القضائية العامة املوضوعية واإلجرائية
اليت تقررها احملكمة العليا وتُراعى عند النظر يف القضااي واألحكام والقرارات"(.)4
وعرفت أبهنا :ما صدر عن السلطة املختصة من قواعد مقررة للحكم هبا على توع
معني من القضااي احتدت يف مأخذها واستقر العم هبا(.)1
وقد أسند تظام القضاء السعودي ل ى اهليئة العامة للمحكمة العليا اًلختصاص
بتقرير مبادئ عامة يف املسائ املتعلقة ابلقضاء؛ وذلك وف اقا للمادة (/4/11أ) ،كما
أُسند هلا تقرير العدول عن مبدأ قضائي سبق العم به وفقا للمادة ( )12من ذات
النظام ،وهبذا يكون النظام القضائي السعودي قد أرسى العم ابملبادئ القضائية
وجع هلا حجية اإللزام فال يعدل عنها لًل بقرار أعلى ،كما أن العم هبا يف احملاكم
يكون بقرار من رئيس اجمللس األعلى للقضاء ،وهي إبقرارها من الوزير املختص تكون
( )1الشيخ عبد هللا آل خنني" ،توصيف األقضية"( .الطبعة الثاتية ،الرايض :دار ابن فرحون،
1212هـ).224 ،221 ،
( )4وزارة العدل" ،مدوتة املبا دئ والقرارات الصادرة من اهليئة العليا والدائمة والعامة ابجمللس
األعلى للقضاء واحملكمة العليا"( .الطبعة األو ى ،الرايض1212 :هـ).11 ،
( )1الشيخ عبد هللا آل خنني" ،السوابق القضائية"( .الناشر :موقع األلوكة على شبكة
املعلومات).
110
( )1ابعتبار القرار أحد درجات النظام الداخلي كما سبق بياته.
( )4د .حممد القرين" ،دور السياسة الشرعية يف تكمي الفراغ التنظيمي يف النظام السعودي".
(حبث حمكم ومقبول للنشر مبجلة جامعة طيبة لآلداب والعلوم اإلتساتية)47 ،؛ د .األلفي
"املدخ لدراسة األتظمة القاتوتية يف اململكة العربية السعودية".121 ،187 ،
( )1عبد العزيز سعد الدغيثر" ،حجية السوابق القضائية" .جملة العدل الصادرة عن وزارة العدل
السعودية 1248( .12هـ).126 ،181 ،178 :
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
( )1منشورة على موقع األماتة العامة جمللس التعاون لدول اخلليج العربية على شبكة املعلومات.
( )4ينظر :السرحان" ،املدخ ل ى علم القاتون" ،ص.148
( )1السنهوري ،أبو ستيت" ،أصول القاتون".81 ،
( )2السنهوري ،أبو ستيت" ،أصول القاتون".124 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
العصور يف وضع حلول ملسائ ليس فيها تص مباشر مبا حيقق العدل واملصلحة
استنادا ل ى األصول العامة للتشريع اإلسالمي( ،)1ويؤكد أمهية هذا املصدر اعتبار
الشريعة اإلسالمية مصدرا اترخييا لألتظمة السعودية ،وحيث استمدت منها فإن
الرجوع ل ى فقهها معني على فهم النص وتطبيقه التطبيق الصحيح ،وًل يُغف ما
قامت به اجملامع الفقهية املعاصرة من اجتهادات مجاعية وما أصدرته من أحباث
وقرارات يف مستجدات العصر ومن أمهها ما يتعلق ابملسائ اًلقتصادية واملصرفية
واحلقوق املعنوية والتعامالت اإللكرتوتية وغريها مما له مساس ابملسائ التجارية(.)4
-2أصول الفقه اإلسالمي:
ًل يتطرق الباحثون يف مصادر القضاء التجاري السعودي ل ى مرجعية قواعد
أصول الفقه اإلسالمي لتحديد مضمون النص النظامي وتفسريه وتنزي دًللته على
األحكام ،مع أن اًلعتداد هبذا املصدر يعترب تتيجة طبيعية ملرجعية الشريعة اإلسالمية
ألحكام األتظمة السعودية ،وقد تصت عليها األتظمة املعاصرة املستمدة من الفقه
اإلسالمي كنظام املعامالت املدتية اإلمارايت (م ،)4والقاتون املدين العريب املوحد
(م ،)88والقاتون املدين األردين (م )1ومشروع النظام املدين املوحد لدول جملس
التعاون اخلليجي (م ،)87وأوردت بعض القواتني مجلة من القواعد األصولية ضمن
موادها خصوصا املتعلقة بفهم النص وتفسريه ودًللته( ،)1وهذا يلفت اًلتتباه ل ى
ضرورة اًلهتمام هبذا اجلاتب -تظرايا وعملي ا -ملا حيققه من ربط األتظمة التجارية
أبصوهلا ،وضبط آلية استنباط األحكام ،وتقارب اًلجتهادات القضائية ،وهو ما جيع
قواعد أصول الفقه اإلسالمي املصدر التفسريي األول يف هذا املقام.
-3تعليقات وآراء شراح األنظمة وفقهاء القانون واملؤلفون يف نظرايته
وتعديالته:
حيث لته من املتصور أن يقوم الفقه القاتوين بطرح بعض اًلفرتاضات أو
احللول أو اقرتاح املعاجلات النظامية ملا قد يعرتي تصوص األتظمة من خطأ أو قصور
أو غياب ،ومع أهنا ًل حتم أي للزام هبا ،لكن ميكن اًلسرتشاد واًلستئناس آبرائهم
ًلستخالص األحكام القضائية أو سن األتظمة أو تعديلها( ،)4وخصوص ا ما يطرحه
فقهاء القواتني املستمدة من الفقه اإلسالمي حيث تتوافق طبيعتها مع أساس التنظيم
يف اململكة العربية السعودية.
-4السوابق القضائية:
وهي أحكام قضائية اجتهادية مل يستقر العم هبا ،فال تكون حجة على
اجتهادات القضاء ،ولكنها تكون من ابب اًلستئناس واإلرشاد للقاضي ،الذي يلزمه
اًلجتهاد والتحري خبصوص القضية اليت ينظرها ،وًل يلزمه العم ابجتهاد غريه يف
قضائه.
( )1منها على سبي املثال يف القاتون املدين األردين :م.1/412 ،1/28
( )4د .السرحان" ،املدخ ل ى علم القاتون".148 ،
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
املطلب الثالث :أثر سريان االتفاقيات التجارية الّولية على مصادر الدقضاء
التجاري السعودي
عطف ا على مستجدات تظام احملاكم التجارية وًلئحته التنفيذية ،يظهر
للمتأم أن مبدأ أولوية تطبيق اًلتفاقيات التجارية الدولية على األتظمة الداخلية مل
تعد حم جدال أو تقاش يف النظام التجاري السعودي ،الذي اجته خبطوة حامسة
ابلنص على ترتيب مصادر القواعد التجارية أمام القضاء وتدرج تطبيقها ،وهو اًلجتاه
الذي أخذت به جمموعة من الدول املعاصرة ،يف حني ما زالت ترتدد دول أخرى يف
األخذ به ،حيث جاء يف املادة الثاتية من تظام احملاكم التجارية ما تصه" :دون لخالل
مبا تصت عليه األتظمة التجارية واًلتفاقيات الدولية اليت تكون اململكة طرف ا فيها
تسري أحكام النظام والالئحة على احملكمة والدعاوى اليت ختتص بنظرها" .وأوضحت
الالئحة التنفيذية هلذه املادة ترتيب هذه املصادر كاآليت:
أ-النص الوارد يف اًلتفاقية الدولية اليت تكون اململكة طرفا فيها.
ب-النص اإلجرائي اخلاص الوارد يف األتظمة التجارية واللوائح والقواعد
املتصلة هبا.
ج-النص الوارد يف النظام والالئحة".
لن رجوع القاضي التجاري ل ى املصادر اليت تصت عليها هذه املادة وهبذا
التدرج ليس أمرا تقديرايا له ،ب أمر وجويب يقتضيه لعمال النص اخلاص أعاله
ولعمال النصوص النظامية العامة ،اليت توجه القاضي ل ى تطبيق األتظمة املرعية اليت ًل
ختالف الكتاب والسنة( ،م 28أساسي ،م 1تظام القضاء) ،وهي تصوص واضحة يف
للزام القاضي ابألخذ هبذه القواعد الدولية للحكم يف املسائ التجارية؛ ويكون ذلك
111
من تلقاء تفسه لعماًلا للنص دون التوقف على متسك أحد اخلصوم بتطبيقها.
وهنا قد خيطر التساؤل اآليت :لن القاضي يف النظام السعودي ملزم بتطبيق
أحكام الشريعة اإلسالمية وفقا للنظام األساسي للحكم (م )28وتظام القضاء (م،)1
فه يعترب تقدمي احلكم ابلنص الوارد يف اًلتفاقية الدولية اليت تكون اململكة طرف ا فيها
وجياب عن هذا
خروجا عن هذا اإللزام وحيدة عن أحكام الشريعة اإلسالمية؟ ُ
التساؤل ابآليت:
-1أن النظام الذي قرر حاكمية الكتاب والسنة ومرجعية أحكام الشريعة؛ هو
ذاته النظام الذي أعطى األولوية للنص الوارد يف اًلتفاقية الدولية اليت تكون اململكة
طرفا فيها ،وًل يُتصور أن يكون هذا تعارضا أو تسياانا لتلك املبادئ التشريعية ،ولكنه
ضم ل ى معاهدةمن ابب أن النظام الذي قرر ذلك؛ ًل يصح أن يوقع اتفاقية أو يَـْن َ
دولية خمالفة للشريعة العامة يف اململكة ولنظامها العام دون حتفظ عليه أو رفضه كليا،
حيث ختضع تلك اًلتفاقيات للدراسة والفحص قب التصديق عليها ،وابلتايل فما
يقره النظام السعودي أبدواته التنظيمية من اتفاقيات فاألص أهنا ًل تكون خمالفة
للكتاب والسنة ،ولًل كاتت معيبة بعدم املشروعية وخاضعة للبطالن من احملكمة العليا
لذا مت القضاء هبا بني أطراف النزاع ،حيث أسند تظام القضاء لليها وفقا للمادة
( )11مراقبة سالمة تطبيق أحكام الشريعة اإلسالمية وما يصدره ويل األمر من أتظمة
ًل تتعارض معها ،ولذا للقاضي استبعاد تطبيق القواعد املخالفة ألحكام الشريعة
وللنظام العام الداخلي وتطبيق ما يتفق مع أحكام الشريعة(.)1
( )1د .أمحد عبد الكرمي سالمة" ،القاتون الدويل اخلاص السعودي"( .الرايض :النشر العلمي
=
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
-2أن السلطة التنظيمية يف النظام السعودي بتصديقها على املعاهدة وفق
التنظيم اخلاص هبا جتعلها ضمن النظام الداخلي وجزءا منه ،فيكون تطبيق القاضي هلا
ابعتبارها جزءا من تظام الدولة ًل ابعتبارها اتفاقية دولية.
-3من حيث احلكم الشرعي لدخول الدولة اإلسالمية يف اًلتفاقيات
واملعاهدات الدولية فقد قرر الفقهاء مشروعية املعاهدات واًلتفاقيات اليت تربمها
الدولة مع غريها لتحقيق مصاحل رعاايها ،ومن ضمنها املتعلقة أبمور التجارة؛ مَت
حتققت شروط معينة أمهها :الرتاضي على شروطها وأحكامها واحلاجة لليها وحتقيقها
ملصاحل املسلمني ،ومشروعية حملها وموضوعها أبن ًل تصادم تص ا أو حكم ا شرعي ا
قطعيا أو تتضمن شروطا فاسدة تضر ابملسلمني ودولتهم( .)1فإذا استكملت شروطها
فقد أمر هللا ابلوفاء ابلعقود والعهود( ،)4ولذا ظهر للدولة اإلسالمية بعد ذلك وجود
مفاسد أو أخطاء أو جتاوزات يف تطبيق النظام أو اًلتفاقية الدولية مبا ينال من
شرعيتهما فإهنا تنسحب منها أو تُعلق عضويتها بناء على تلك املتغريات(.)1
وبناء على ما تقدم أُخلص ملحوظايت حيال تسمية مصادر القضاء التجاري
=
جبامعة امللك سعود1218 ،هـ).821 ،
( )1د .حامد سلطان" ،أحكام القاتون الدويل يف الشريعة اإلسالمية"( .القاهرة :دار النهضة
العربية1286 ،م)416 ،؛ د .أمحد أبو الوفاء" ،املعاهدات الدولية يف الشريعة اإلسالمية".
(القاهرة :دار النهضة العربية1211 ،هـ).62 ،
( )4يف اآلية ( )1من سورة املائدة ،واآلية ( )12من سورة اإلسراء.
( )1دايرو يوسف الصديقي" ،املستجدات الفقهية يف العالقات الدولية"( .الطبعة األو ى ،عمان،
دار النفائس4114 ،م).117 ،
112
h
110
اخلامتة
أهم النتائج:
-1خيتلف موقف الدول والقواتني املعاصرة من اًلتفاقيات التجارية الدولية تبع ا
للنظرية اليت تتبناها سواء يف اًلعرتاف هبا أو احللول اليت تضعها لكيفية التعام معها
عند تعارضها مع القاتون الداخلي ،وهي من املسائ اليت جرت العادة على حسمها
يف دستور الدولة أو أتظمتها األساسية.
-2أخذ النظام السعودي مببدأ ثنائية القاتوتني (الدويل والداخلي) ،ويتم لدماج
اًلتفاقيات التجارية الدولية عن طريق لصدار مرسوم ملكي ابعتمادها ،وًل تسري قب
هذا اإلجراء.
-3تضمن النظام السعودي آلية رقابية تعترب لجراء وقائيا لضمان عدم خمالفة
تصوص اًلتفاقيات التجارية الدولية للنظام الداخلي أو تعارضها معه ،وتتمث يف
اختصاص جملسي الشورى والوزراء بدراسة اًلتفاقيات واملعاهدات ولبداء الرأي
حياهلا.
-4حسم تظام القضاء التجاري مسألة ترتيب القوة اإللزامية لالتفاقيات
التجارية الدولية بني مصادره ،وأولوية تطبيقها على النصوص اخلاصة يف النظام
الداخلي.
سريان االتفاقيات التجاريَّة الدوليَّة يف النظام السعودي وأثرها يف مصادر القضاء التجاري
111
-5بعد دراسة مصادر القضاء التجاري السعودي فهي تنقسم ل ى مصادر
رمسية واسرتشادية؛ ترتيبها على النحو التايل:
-1املصادر الرمسية :وتتمث يف:
أ-القواتني واًلتفاقيات الدولية ،مث األتظمة التجارية اليت تصدر عن السلطة
التنفيذية بدرجاهتا (النظام -الالئحة -القرار) ،وتدخ املبادئ القضائية ضمن هذا
النوع ابعتبار أداة صدورها.
ب-أحكام الشريعة اإلسالمية :ويُرجع لليها عند عدم وجود تظام خاص
يتضمن قاعدة ميكن تطبيقها على املنازعة ،وتدخ ضمنها قواعد العرف وقواعد
العدالة.
-4املصادر اًلسرتشادية :ومتثلها :قواعد أصول الفقه اإلسالمي ،وآراء
اجملتهدين يف الفقه اإلسالمي وشراح الفقه القاتوين ،والسوابق القضائية.
أهم التوصيات:
ينتظر املهتمون -مع التطور التقين املشهود خلدمات القضاء التجاري -أن
صادق عليها ،على موقع القضاء تقوم الوزارة إبعادة تشر اًلتفاقيات الدولية املُ َ
التجاري على شبكة املعلومات ،وتشر األحكام القضائية اليت استندت عليها ،مما
حيقق اإلثراء املعريف ويربز اًلجتهاد القضائي ويساعد يف تعميق الدراسات البحثية
املتخصصة.
h
111
bibliography
Prepared by :
Sharifa bint Hamad bin Mayoud Al-Harthy
Master of Public Law - Taif University ،College of
Sharia and Regulations ،Department of Regulations
Email: Sharifa1997m@gmail. com
ملخص البحث
Abstract
املدقِّمة
لن مفهوم احلبس ًل ينطوي فقط على ليداع احملبوس يف املؤسسة العقابية حتت
حبسا ،واألص
احلراسة املشددة ابلشك التقليدي ،فك ما يقيد حرية اإلتسان يعد ا
" :احلبس الشرعي ليس يف احلبس هو احلد من حرية احملبوس .ويقول ابن القيم
هو السجن يف مكان ضيق ،ولمنا هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه
حيث شاء"( ،)1وعقوبة احلبس التقليدي من أقدم العقوابت اليت وجدت يف الشرائع
السابقة ،ولسنا بصدد اتتقاد هذه العقوبة على اإلطالق ،وًل تبجي بدائلها بغلو
يزعزع هيبة العقاب يف النفوس ،وًل ميكننا أن تنكر مزاايها كعقوبة مبا حتققه من
لجيابيات على اجملتمع بعزل اجملرمني اخلطرين عنه وحفظ أمنه.
أيضا أن هنم السلبيات الناجتة عنها ،وقد تسببت هذه السلبيات يف
وًل ميكن ا
احلاجة ل ى استحداث عقوابت بديلة للحبس ،ولع مما يؤيد اًلجتاه التطويري
السع ي
ودي أمهية لألتظمة العقابية ،ويزيد اًلهتمام ابلعقوابت البديلة لدراك املنظم ُّ ُ
العقوابت البديلة ،واحلاجة ل ى تطوير السياسة العقابية يف اململكة ،وطرح مشروع
( )1حممد بن أيب بكر ابن قيم اجلوزية» ،الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية«( .ط ،2دار علوم
الفوائد) ،ص.462
120
لنظام خاص هبا (مشروع تظام العقوابت البديلة) والذي يُلتمس فيه دمج القضاء
الرتبوي ابلقضاء اجلزائي ،واًلهتمام إبصالح اجلاين ،والنأي به عن سلبيات السجون.
وعرف املشروع العقوابت البديلة أبهنا" :األعمال والتدابري واإلجراءات البديلة
لعقوبة اجللد أو السجن الذي ًل تتجاوز مدته ثالث سنوات ،واليت ختضع لسلطة
القضاء التقديرية ،ويكون من شأهنا حتقيق املصلحة املرجوة من العقاب ،وضمان حق
وحددت فيها العديد من العقوابت البديلة من اجملين عليه وحقوق اجملتمع"()1
ُ
ضمنها :تقييد احلرية خارج السجن يف تطاق مكاين حمدد ومناسب بوضع القيد
اإللكرتوين يف معصم احملكوم عليه( )4اليت هي موضوع حبثنا وتعد من أهم العقوابت
البديلة للسجن يف الساحة اجلنائيةً ،ل سيما بعد لثبات جناحها يف الكثري من الدول
اليت طبقتها ضمن سياستها العقابية .ولعلنا يف هذا البحث تسلط الضوء بشك
خاص على املراقبة اإللكرتوتية وأمهيتها يف الوسط العقايب احلديث.
الّراسـات السابدقـة:
أ-عبد هللا اليوسف ،آراء القضاة والعاملني يف السجون وحو البدائل
االجتماعية للعقوابت البديلة عن السجن 2006م :أوضحت تتائج هذه الدراسة
أن غالبية القضاة والضباط واإلخصائيـني اًلجتماعيني لديهم آراء لجيابية حنو بدائ
ودي؛ ويف هذا لشارة واضحة السع ي
السجون ،ويعتقدون أته ميكن تطبيقها على اجملتمع ُّ ُ
ل ى أن الظروف مهيأة إلجياد جمموعة من البدائ للسجون.
السع ي
ودي.( )1املادة األو ى من مشروع تظام العقوابت البديلة -من النظام ُّ ُ
السع ي
ودي.( )4املادة الرابعة والثامنة عشرة من مشروع تظام العقوابت البديلة -من النظام ُّ ُ
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
121
وكشفت تتائج الدراسة عن أن بعض القضاة ًل يزالون يضعون السجن يف ُسلم
أولوايت العقوبة؛ مما حيتاج ل ى املزيد من الدراسة والبحث .كما أكدت الدراسة أن
بعض الضبـاط مـا زال لديهم قناعـة بدور السجن يف جمال العقوبة ،وًل يقتنعون
بسلبيات السجن؛ مما يتطلب املزيد من التوعية ابلعقوابت البديلة للحبس ،وهو ما
حنن بصدده يف هذا البحث املخصص إلحدى العقوابت البديلة (الوضع حتت املراقبة
اإللكرتوتية).
السع ِ
ودية ب -نورة القحطاين ،اجتاهات أعضاء هيئة التدريس ابجلامعات ُّ ُ
حول نظام املراقبة اإللكرتونيَّة كبديل عن االحتجاز والعقوابت البديلة عن
ودي 2020م :كشفت تتائج هذه السع ِ
السجن قصرية املدة للمرأة يف اجملتمع ُّ ُ
الدراسة عن موافقة أفرادها بدرجة عالية ًّ
جدا على املربرات اليت تدفع ابجتاه تطبيق
السع ي
ودي، املراقبة اإللكرتوتية كبدي عن السجن قصري املدة للمـرأة يف اجملتمع ُّ ُ
وتصدرها املربرات الصحية والنفسية واملعاانة النفسية للسجينة وأفراد أسرهتا ،واألمراض
النفسية اليت قد تصيبها تتيجة اإلبعاد بينها وبني أطفاهلا.
مث املربرات اًلجتماعية وعدم قدرة السجينة وأسرهتا على التكيف مع اجملتمع
تتيجة الوصم اًلجتماعي ،وأته تظام جينب السجينات العزلة اًلجتماعية ،وحيد بدرجة
كبرية من الوصم اًلجتماعي .واقتصر البحث على دراسة حال السجينة ومعاانهتا
املرتتبة على احلبس.
ويف هذا البحث سيتم التطرق ل ى أ وضاع السجني بشك عام على مستوى
اجلنسني ،وما لجيابيات وسلبيات وضعه حتت املراقبة اإللكرتوتية مع أهم شروط
وضوابط التنفيذ.
121
اهلّف من البحث:
تسليط الضوء على عقوبة الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية ومعرفة مدى
السع ي
ودية. فاعليتها كعقوبة ولمكاتية تطبيقها يف اململكة العربية ُّ ُ
أهمية البحث من الناحية النظرية والعملية يف اآلتي:
من الناحية النظرية :أاثر تظام املراقبة اإللكرتوتية كبدي لعقوبة السجن كثري
من اجلدل والعديد من األسئلة ،وأمهها مدى مناسبة هذا اإلجراء أو اجلزاء اجلنائي
البدي للسجن لتنفيذه على أرض الواقع ،وتزيد من أمهيته النظرية تدرة البحوث
السع ي
ودية. والدراسات يف جمال عقوبة املراقبة اإللكرتوتية يف املكتبة القاتوتية ُّ ُ
وأما من انحية األمهية العملية :فهي تكمن يف اًلستفادة من التطور التقين يف
عصران وتوظيفه يف جمال األتظمة اجلزائية والذي يساعد اجلهات املختصة بتنفيذ
العقوبة البديلة عن السجن بشك غري تقليدي خارج أسوار املؤسسة العقابية؛ مما
يسهم يف احلد من مساوئ السجن.
إشكالية البحث:
ما زالت املراقبة اإللكرتوتية يف جمال العقوابت اجلنائية واعتبارها عقوبة حمققة
ألهدافها ًّ
حمال للشك؛ ومن هنا تثور األسئلة اآلتية:
ه ميكن للمراقبة اإللكرتوتية كعقوبة أن حت حم السجن ،وه ستحقق
كعقوبة الغاية من العقوابت؟
ه ستحافظ على املصلحة العامة وردع اجملرم وعدم العودة لألفعال اجملرمة؟
ه ميكن من خالهلا لصالح وتقومي سلوك اجملرم؟
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
121
منهجية البحث:
اعتمدان على املنهج الوصفي لعرض مجيع التفاصي املتعقلة مبشكلة البحث
واملنهج التحليلي لآلراء واألفكار حول هذه العقوبة ،كما استعنا ببعض النصوص
القاتوتية من األتظمة اجلزائية اليت جعلت املراقبة اإللكرتوتية جزءاا من سياستها
العقابية ،كقاتون اإلجراءات اجلزائية اإلمارايت وقاتون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري.
خطة البحث:
قُسم هذا البحث ل ى مبحثني رئيس ي
ني تسبقهما مقدمة. َ
املبحث األول :ماهية املراقبة اإللكرتونيَّة وأساليبها ومربراهتا.
املبحث الثاين :اإلطار القانوين لتطبيق عقوبة الوضع حتت املراقبة
اإللكرتونيَّة.
اخلامتة:
تتضمن أهم النتائج والتوصيات.
121
املبحث األوَّل :ماهية املراقبة اإللكرتونيَّة وأساليبها ومربراتها
يتطلب فهم عقوبة الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية بيان ماهية املراقبة
اإللكرتوتية من حيث النشأة واملفهوم ،وبيان األساليب الفنية والتي ْقنيية لتنفيذها ،وأهم
مربرات استخدامها ،وقد قسمنا هذا املبحث ل ى ثالثة مطالب ليتم توضيح تشأة
ومفهوم املراقبة اإللكرتوتية يف املطلب األول ،وتناولنا يف املطلب الثاين األساليب الفنية
لتطبيق املراقبة اإللكرتوتية ،مث عرضنا يف املطلب الثالث أهم مربرات استخدام املراقبة
اإللكرتوتية.
املطلب األول :نشأة ومفهوم املراقبة اإللكرتونيَّة
توعا ما ،فنجد هلا أ اثرا يف اإلمرباطورية الروماتية
تعد فكرة اًلعتقال احلر قدمية ا
القدمية ،فقد ُع يرف فيها تظام اًلعتقال احلر وللزام احملكوم عليه ابلبقاء يف منزله،
وذلك حتت حراسة أمنية مع تعيني كفي أو ضامن له يقوم هذا األخري بتمثيله أمام
جملس القضاء .لًل أن هذا النظام مل يستمر ومل يتطور ًل يف مرحلة احملاكمة
"التوقيف"( ،)1وًل يف مرحلة تنفيذ العقوبة (بعد صدور احلكم ابحلبس) وذلك لعدم
رضا القضاة عنه ًلعتبارهم أن هذا اإلجراء أو النظام خم ابألمن؛ فهو لجراء رضائي
غري مقرتن بضماانت تكف جناحه مث للزام احملكوم عليه بدفع كفالة مالية(.)4
يف الدول األجنبية :ترجع تشأة تظام املراقبة اإللكرتوتية ل ى الوًلايت املتحدة
( )1صفاء أواتين» .الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية "السوار اإللكرتوين" يف السياسة العقابية
الفرتسية« .جملة جامعة دمشق للعلوم اًلقتصادية والقاتوتية 4112( ،1م).111 :
121
( )1أمحد زاهر» .دور الوسائ التكنولوجية احلديثة يف تنفيذ اجلزاءات اجلنائية (املراقبة اإللكرتوتية
الثابتة واملتحركة)« .جملة الفكر القاتوين واًلقتصادي 4111( ،2م).144 :
( )4أ-األمر 18-4الصادر يف 4118م املعدل واملتمم لقاتون اإلجراءات اجلزائية.
ب-تبيلة صدرايت» .الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية كنظام جديد لتكييف العقوبة"دراسة يف
ضوء القاتون 18-11املتمم لقاتون تنظيم السجون ولعادة اإلدماج اًلجتماعي
للمحبوسني« .جملة الدراسات والبحوث القاتوتية 4118( ،12م).188 :
132
( )1القاتون البحريين رقم 18لسنة 4117م بشأن العقوابت والتدابري البديلة.
( )4القاتون اإلمارايت رقم 17لسنة 4118م بشأن تعدي بعض أحكام تظام اإلجراءات اجلزائية
الصادر بقاتون احتادي رقم 18سنة 1224م.
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
133
أيضا أبهنا :املراقبة عن بعد وميكن من خالهلا التأكد من وجود ()1
وعرفَت ا
القضائية ُ ،
أو غياب شخص عن املكان املخصص إلقامته مبوجب حكم قضائي يسمح فيه
للمحكوم عليه ابلبقاء مبنزله وحتديد حتركاته ومراقبتها بواسطة جهاز يثبت يف معصمه
أو أسف قدمه( ،)4ويرى البعض أهنا :للزام احملكوم عليه ابإلقامة يف حم لقامته أو
مكان سكنه خالل وقت حمدد ،ويتم التأكد من ذلك عن طريق جهاز لرسال يوضع
يف يد احملكوم عليه متص جبهاز الكمبيوتر يف مركز املراقبة تتم من خالله معرفة لذا
موجودا يف املكان والزمان احملد َدي ين من قب اجلهة املنفذة أم ًل(.)1
ا كان احملكوم عليه
وعرفت أبهنا :اإلقامة اجلربية ابلوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية أو مبا يُ َسمى
ابلسوار اإللكرتوين ،وللزام احملكوم عليه أو احملبوس احتياطيًّا ابلتواجد يف حم لقامته أو
منزله خالل ساعات حمددة تتم متابعته فيها ،وهي أحد األساليب املبتكرة لتنفيذ
السجن(.)2 العقوبة أو "التوقيف" خارج
ومما سبق نتوصل إىل تعريف نظام الوضع حتت الرقابة اإللكرتونيَّة:
هو أمتتة( )8عقوبة احلبس أو اإلجراء اًلحرتازي املقيد للحرية "التوقيف"
إبدخاهلا يف عامل التي ْقنيية احلديثة لتصبح األجهزة اإللكرتوتية حم املؤسسة العقابية أو
الدائرة املقيدة حلرية اجلاين أو املتهم ،وهي الرقيب عليه والراصد جلميع حتركاته يف
النطاق الزماين واملكاين احملدد له ،سواء كان يف حدود منزله ،أو كان يف حدود بلدته،
اعتمادا على تقارير هذه الوسائط اإللكرتوتية يـُ ْعَرف مدى اتضباطية احملكوم عليه
و ا
ومالءمة هذا اإلجراء أو العقوبة البديلة له واإلخالل غري املربر من قب احملكوم عليه
تعيده ل ى األص يف العقوابت واإلجراءات اًلحرتازية البديلة عن السجن.
=
ضئيال من التدخ البشري .األمتتة اإلدارية :يقصد هبا أمتتة
درا ا التكنولوجيات اليت تتطلب ق ا
كثريا من وقتهم.
املهام التقليدية اليت يؤديها املوظفون اإلداريون وأتخذ ا
األمتتة الصناعية :يقصد هبا استخدام أتظمة التحكم اآليل يف خمتلف مراح التصنيع وتشم
أدوات األمتتة :أجهزة الكمبيوتر ،والروبواتت ،وتيْقنييات املعلومات اليت متكن من أتدية املهام
اليت يؤديها اإلتسان عادة على أن يقتصر التدخ البشري على مناسبات اندرة مث لعادة
الربجمة ومعاجلة اًلختالًلت " .دلي مصطلحات هارفارد بزتس ريفيو "دلي مصطلحات
هارفرد بزتس ريفيو متت الزايرة يف 6ص يوم 4144/1/17م ،شرح معىن "األمتتة"
( - )Automationدلي مصطلحات هارفارد بزتس ريفيو (.)hbrarabic. com
أمتتة العقوبة :هي استبدال دور "التوقيف" واملؤسسات العقابية واملوظفني املختصني ابلرقابة
عليهم وحراستهم بوسائ وأجهزة للكرتوتية لتنفيذ العقوبة البديلة عن السجن على املتهم أو
مباشرا
اجلاين ويتم من خالهلا لتفاذ القاتون وتطبيق العقاب ،وترتبط هذه اًلجهزة ارتباطاا آليًّا ا
– أوتوماتيكيًّا -بتقارير دورية عن حالة احملكوم عليه ابلوضع حتت الرقابة اإللكرتوتية مع
أجهزة احلاسب اآليل املركزية اخلاصة ابجلهة املختصة رقابيًّا عن متابعة حالة اخلاضع للمراقبة
اإللكرتوتية.
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
131
أمهية املراقبة اإللكرتونيَّة:
-تسهم املراقبة اإللكرتوتية يف ختفيف ُّ
تكدس وازدحام السجون اليت أصبحت
من أكرب املشكالت اليت تواجه املسؤولني على مرافق العدالة اجلنائية ،وذلك بسبب ما
تولده من مشكالت أخرى ،فعلى املستوى الصحي تسببت يف اتتقال واتتشار
األمراض كاإليدز والتهاب الكبد الوابئي بني النزًلء يف املؤسسات العقابية وبني
العاملني فيها ،ومتتد خطورة هذه األمراض واتتشارها ل ى خارج حميط السجن من
الزوار وأسر العاملني يف املؤسسات العقابية وازدايد حاًلت العنف واًلعتداءات
اجلنسية ،وتعاطي املخدرات(.)1
-تسهم املراقبة اإللكرتوتية يف احلد من ضغط النفقات على السجون؛ لذ
تؤدي عقوبة الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية ل ى توفري تفقة اإليواء والكسوة والطعام
وتفقات تشغي املؤسسة العقابية من كهرابء وماء وحراسات وخمتصي الربامج
التأهيلية ،كما يسهم يف احلفاظ على اًلستقرار املادي ألسر املعاقبني ببقاء املعاقبني
يف أعماهلم يرعون ويوفرون احتياجات أسرهم وازدايد شعور املعاقب ابملسؤولية جتاه
أسرته ،ومن جاتب آخر تعفى الدولة من صرف الرواتب املخصصة لدعم أسر
السجناء.
-جتنب املراقبة اإللكرتوتية احملكوم عليه سلبيات السجن اليت قد تؤثر على
سلوكه؛ مما يزيد يف صعوبة لعادة أتهيله اجتماعيًّا ًل سيما لذا كان اخلاضع للعقوبة
( )1عبد اإلله حممد النوايسة» .أحكام املراقبة اإللكرتوتية كبدي للحبس اًلحتياطي يف التشريع
اإلمارايت :دراسة حتليلية« .جملة كلية القاتون الكويتية العاملية 4141( ،11م).181 :
131
من صغار السن ،كما حتد هذه العقوبة من امتداد الضرر على أسرة املعاقب وعمله،
فإذا كان اأاب أو ًّأما يعي ويريب أبناءه فغيابه عن رعايتهم وتوجيههم قد يتسبب يف
اضمحالل سلوك األبناء وضياعهم ،وأتثر العم يكون بتعط حركة التنمية لقلة
املوارد البشرية.
-حتد املراقبة اإللكرتوتية من سلبيات السجن بشك خاص على فئة
األحداث( )1حيث تسمح للحدث ابلنشوء يف ظ أسرته وحتت رعايتهم ،وًل ميكن
أن يهم ش دور األسرة يف مث هذه احلالة لتصحيح سلوك احلدث ولعادة أتهيله
ابلطريقة الصحيحة .حيث تعد األسرة هي الوحدة املركزية املسؤولة عن التنشئة
اًلجتماعية األولية لألبناء ،فهي اليت متث اجملتمع وتنوب عنه يف القيام هبذه املهمة
الرتبوية(.)4
أيضا يف التقلي من جرائم العود فاختالط اجملرم غري اخلطري ابجملرمني
-تسهم ا
اخلطرين يف السجون يزيد من معلوماته من خربات اجملرمني السابقة ،ويكتسب
أساليب جديدة للجرمية وعالقات تعينه على ارتكاب اجلرائم وتساعده ،واملراقبة
اإللكرتوتية تقل من هذا اًلختالط غري احملمود ،ومن انحية أخرى جتع املراقبة
اإللكرتوتية اخلاضع هلا يف لطار رقايب دائم مما يسهم يف بناء حاجز خوف من العودة
( )1احلدث هو "ك ذكر أو أتثى أمت السابع ة ومل يتم الثامنة عشرة من عمره" املادة األو ى من
ودي الصادر مبرسوم ملكي بتاريخ 4118/8/1م. السع ي
تظام األحداث ُّ ُ
( )4حممود سليمان موسى » ،اإلجراءات اجلنائية لألحداث اجلاحنني دراسة مقارتة يف تشريعات
الدول العربية والقاتون الفرتسي يف ضوء اًلجتاهات احلديثة يف السياسة اجلنائية«( ،ط،1
اإلسكندرية :دار املطبوعات اجلامعية4118 ،م).81 ،
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
131
للجرمية؛ ألته يدرك أته سيكون حتت املراقبة الدائمة اليت ستفقده حريته الشخصية.
-تسهم يف احلد من املساس بقرينة الرباءة ،فـ ـ ـ "التوقيف" يف مرحلة التحقيق
يعد من صور احلبس غري املربر ،حَت ولن دعت احلاجة لليه ،فاحلبس عقوبة ،ويرتتب
عليها العديد من األضرار املادية واملعنوية ،وًل ميكن أن يعاقب شخص بعقوبة ما وهو
مل تثبت لداتته ،وينتفي عنه أص براءته ،فاًلهتام مرحلة شك ،ويقني الرباءة ًل يزول
بشك اإلداتة .فال جيوز حرمان أي شخص من حريته لًل مبسوغ شرعي ،ومن كان
ضحية لتوقيف أو اعتقال غري مربر كان له احلق يف املطالبة ابلتعويض( .)1فاملراقبة
اإللكرتوتية يف جمال "التوقيف" خاصةا تسهم يف احلد من التعدي على حرية
األشخاص ،ويف املقاب ختفف األضرار الناجتة من هذا اإلجراء اًلحتياطي البدي عن
"التوقيف" ،ويكون التعويض عنه أق مقارتة ابلتعويض عن "التوقيف".
وًل تعين اإلجيابيات سالفةا الذكر خلو عقوبة املراقبة اإللكرتوتية من السلبيات
واليت تلخصها يف النقاط اآلتية:
-قد تتسبب عقوبة املراقبة اإللكرتوتية يف مشكالت صحية على اخلاضع هلا
تتيجة أتثره ابلذابابت الصادرة من أجهزة التتبع والرصد كالسوار املثبت على يده أو
قدمه ملدة طويلة.
-التأثري السليب على الصحة النفسية للخاضع للمراقبة اليت قد تتسبب يف
( )1علي حممد الدابس ،وعلي عليان أبو زيد» ،حقوق اإلتسان وحرايته ودور شرعية اإلجراءات
الشرطية يف تعزيزها دراسة حتليلية لتحقيق التوازن بني حقوق اإلتسان وحرايته وأمن اجملتمع
عمان – األردن :دار الثقافة للنشر والتوزيع4117 ،م).
وقضاء)«( ،ط َ ،2
ا وفقها
(تشر ايعا ا
131
اتعزال اخلاضع للمراقبة عن أسرته ،واستمرار شعوره ابلضيق وابلتوتر والقلق؛ تتيجة
شعوره أبته مراقب يف مجيع أحواله وتصرفاته وأقواله على مدار ساعات يومه.
-اتتهاك اخلصوصية الفردية للمعاقب ًلعتبارها صورة من صور التعدي على
حرمة البيوتً ،ل سيما أته قد حيدث تعسف يف استخدام هذا احلق من قب اجلهات
الرقابية املعنية إبدارة عملية املراقبة ،ولساءة استعمال هذا النظام(.)1
-قد يتعرض اخلاضع للمراقبة اإللكرتوتية للتمييز يف املعاملة؛ تتيجة لرؤية
جهاز التتبع املثبت على جسده مما يسبب النفور منه واحتقاره من قب بعض أفراد
اجملتمع.
املطلب الثاني :األساليب الفنية لتطبيق عدقوبة املراقبة اإللكرتونيَّة
تتنوع أساليب املراقبة اإللكرتوتية حبسب طبيعة التقييد الرقايب على اخلاضع
كامال للحرية حبيثً :ل ميكن للخاضع له مغادرة
تقييدا ا
للرقابة اإللكرتوتية ما لذا كان ا
منزله فيصبح املنزل مبنزلة السجن له ،والنوع اآلخر وهو أكثر مروتة :والذي حيدد فيه
حدودا مكاتية أو زماتية معينة ًل ميكنه تعديها.
للخاضع للرقابة اإللكرتوتية ا
أوال :أساليب املراقبة اإللكرتونيَّة الثابتة أو اجلامدة.
ً
يف احلالة األوىل :خيضع املراقَب ل ى الرقابة بواسطة النداءات اهلاتفية العشوائية
على اهلاتف األرضي يف مقر لقامته فيستقب النداء ،ويرد عليه عرب رمز صويت ،وتتم
مقارتته بنسخة صوتية مسجلة له ساب اقا لدى مركز اجلهة األمنية املختص ابلرقابة ،ولذا
لوحظ فرق بني الصوت املستجيب للنداء اهلاتفي والنسخة الصوتية املسجلة لدى
( )1تظام التطابق الصويت :يعتمد هذا النظام بواسطة اهلاتف على اًلتصال اخلاضع للرقابة يف
مكان لقامته احملدد للمراقبة خالل فرتات زمنية متفرقة ،يقوم فيها جهاز احلاسب املركزي
إبجراء مقارتة آلية لنربات الصوت ،وأتكيد صوت اجمليب على النداء مع البصمة الصوتية
املسجلة سل افا لدى املركز ،ويف الوقت ذاته حيدد مكان وتوقيت اًلتصال آليًّا ويف حالة عدم
مطابقة ك أو بعض من املعطيات يقوم ابلتنبيه ولصدار لشعار مبخالفة قواعد تطبيق النظام.
أمين الزييت » ،العقوابت البديلة عن السجن القصرية املدة وبدائلها«( ،ط ،1القاهرة :دار
النهضة العربية4111 ،م).81-72 ،
131
اإللكرتوتية جزءاا منها .حيث يتم حتديد مقر لقامة اثبت للخاضع للمراقبة ،وتعيني
(مستقب ) موصول ابهلاتف يستقب خط هاتفي فيه ويتم تثبت جهاز مراقبة ُ
اإلشارات أو الذبذابت املرسلة لليه من جهاز املراقبة (املرس ) املثبت يف جسد
اخلاضع للمراقبة كإسورة يف معصمه أو قدمه ،وينق جهاز املراقبة (املستقب )
ُ
اإلشارات املرسلة لليه بطريقة مباشرة أوتوماتيكية ل ى جهاز احلاسب املركزي يف مقر
اإلدارة املعنية ابإلشراف على التنفيذ واملراقبة؛ ويفهم من تق هذه اإلشارات أو
الذبذابت وجود اخلاضع للمراقبة ابملكان احملدد له ويف حال ضعف أو اتعدام التقاط
اإلشارات أو الذبذابت يص تنبيه مباشر ل ى جهاز احلاسب املركزي يف اإلدارة بتغيب
اخلاضع للمراقبة عن املكان احملدد له ،وحيتوي اجلهاز على بطارية احتياطية تسمح
ابستمرار العم يف حال اتقطاع الكهرابء ،وميكن للجهة املختصة ابلرقابة تتبع النقاط
اجلغرافية حلام السوار عند حدوث أي أمر طارئ خيرق تظام املراقبة اإللكرتوتية.
اثنيًا :أساليب املراقبة اإللكرتونيَّة املتحركة أو املرنة.
كامال عن األساليب (الثابتة أو
ًل ختتلف الوسائ يف هذه األساليب اختالفاا ا
اجلامدة) من الناحية التي ْقنيية.
ففي حالة التحقق ابلصوت والصورة :عن طريق النداءات اهلاتفية
والكامريات املذكورة سل افا يكون اًلختالف بني األسلوبني اجلامد واملتحرك يف طريقة
اًلستخدام األكثر مروتة ،فقد ختفف الرقابة على بعض اخلاضعني هلا حبيث حيدد
تطاق زمين معني يلتزم فيه اخلاضع للمراقبة خالل ساعات حمددة بوجوده يف مكان
لقامته لرصد حضوره والتزامه ابلنظام للكرتوتيًّا؛ ويسمح له خارج أوقات املراقبة من
صباحا حَت
ممارسة حياته مث أن يسمح له التنق يف حدود بلدته فقط من السابعة ا
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
131
اخلامسة مساءا ،حبيث يستطيع اخلاضع للرقابة من الذهاب ل ى عمله ،أو الذهاب ل ى
مقر دراسته يف حال كان طالباا وتتاح له الفرصة لشراء حاجاته لذا كان يسكن مبفرده.
أما يف حالة استخدام السوار اإللكرتوين :ابألسلوب املرن أو املتحرك
فيستبدل ربط خط اهلاتف األرضي ابلسوار اإللكرتوين بشرحية ( )GSMللهاتف
النقال كجهاز لرسال يعم خباصية ( )GPSلتحديد املوقع على اخلريطة بواسطة
(مستقبي )
األقمار الصناعية فريس السوار اإلشارات أو الذبذابت ل ى جهاز آخر ُ
يثبت على جسد اخلاضع للمراقبة يف حزام حول الوسط ،متص أبجهزة احلاسب
املركزية لدى اجلهة املختصة ابلرقابة؛ فتكون حتركات اخلاضع للمراقبة مرصودة
ابستمرار لدى أجهزة الرقابة املركزية على مدار الساعة()1؛ مما ميكن املوظف املختص
من متابعة احملكوم عليه ،وقياس مدى اتضباطه بشروط الوضع حتت الرقابة
اإللكرتوتية .ويتميز هذا األسلوب ابستمرار املراقبة فيه على مدار الساعة بواسطة
تظام ) )GPSوبدقة عالية .ولكن قد تضعف الدقة يف هذا األسلوب لذا كان اخلاضع
موجودا يف منطقة يوجد فيها مبان شاهقة أو عوازل للموجات(.)4
ا للمراقبة
َّأما أحدث وسائل املراقبة اإللكرتونيَّة املتحركة فهي :املراقبة بواسطة
التطبيقات اإللكرتونيَّة اليت يتم حتميلها على أجهزة اهلاتف الذكية حيث مت
استحداثها يف عام (4141م) ألغراض احرتازية وقائية سببها تفشي وابء (كوفيد 12
( )1رامي القاضي» .توظيف التي ْقنييات احلديثة يف جمال السياسة العقابية (السوار اإللكرتوين
منوذجا) « .جملة الفكر الشرطي 4117( ،111م).468 :
ا
( )4أمين الزييت ،مرجع سابق ،ص.81
102
( )1موقع منظمة الصحة العاملية اإللكرتوين متت الزايرة يف 11ص يوم 4144/1/44م منظمة
=
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
103
اخلصائص التِ ْقنِيَّة للمراقبة اإللكرتونيَّة :عدم قابلية اًلخرتاق :يلزم أن تكون
الوسائط اإللكرتوتية املستخدمة للمراقبة مؤمنة غري قابلة لإلزالة أو الكسر أو الفتح
والنزع وغري قابلة للتعطي والقرصنة بسهولة.
عدم قابلية الكشفً :ل بد أن تكون املعلومات املستمدة من املراقبة حممية ًل
يستطع الكشف عنها واًلطالع عليها سوى اجلهة املنوطة ابلتنفيذ والرقابة.
الدقة واملوثوقيةً :ل بد أن تكون الوسائ اإللكرتوتية املستخدمة للمراقبة جمربة
وجيدة مبا يكفي إلعطاء أدق النتائج املرجوة.
ربمج الوسائط الرقابية اإللكرتوتية حبدود معقولة ًل
احرتام اخلصوصية :يلزم أن تُ َ
تدخال يف التفاصي الدقيقة يف حياة اخلاضع للمراقبة(.)1
ا تشك
املطلب الثالث :األسباب واملربرات الستخّام املراقبة اإللكرتونيَّة
مكافحة اكتظاظ السجون :تعد مشكلة ازدحام املؤسسات العقابية
ُّ
فالتكدس املوجود يف ُّ
وتكدسها من أبرز وأهم املشكالت اليت تواجه القائمني عليها.
السجون يعرق تنظيم وتطبيق الربامج التأهيلية واإلصالحية على النزًلء( .)4وجيدر بنا
=
الصحة العاملية | املكتب اإلقليمي لشرق املتوسط | التقارير | | COVID-19
املواضيع الطبية (.)who. int
( )1عبدهللا كباسي» ،املراقبة اإللكرتوتية ابستعمال السوار اإللكرتوين«( ،كلية احلقوق والعلوم
السياسية جامعة ابجي خمتار عنابة4117 ،م) ،ص.44
( )4أمحد بالل» ،علم العقاب (النظرية العامة والتطبيقات)« (ط ،1القاهرة :دار الثقافة العربية،
1282م).
100
( )1أمحد سرور» ،الوسيط يف قاتون العقوابت القسم العام«( ،ط ،6القاهرة :دار النهضة العربية،
4118م).242 ،
( )4صفاء أواتين ،مرجع سابق ،ص.181
( )1ساهر الوليد» .مراقبة املتهم للكرتوتيًّا كوسيلة للحد من مساوئ "التوقيف" دراسة حتليلية«.
جملة اجلامعة اإلسالمية للدراسات اإلسالمية 4111( ،1م).628-661 :
101
اختالطهم ابجملرمني(.)1
ويرى البعض أن من أهم شروط تطبيق النظام هو موافقة احملكوم عليه؛ حيث
ًل ميكن جناح وحتقيق أهداف هذه العقوبة ولعادة التأهي اًلجتماعي للخاضع
للمراقبة اإللكرتوتية بدون رضاه وموافقته( .)4كما جيب مراعاة اللياقة الصحية
للخاضع للمراقبة اإللكرتوتية إبخضاعه ل ى فحص خاص يتم فيه التأكد من مالءمة
حالته الصحية حلم السوار اإللكرتوين املخصص ملراقبته بدون أن يعرضه ل ى
مشكالت جسدية وصحية ،سواء كان بطلب من املنفذ عليه العقوبة مث لقرار املنظم
اإلمارايت هذا احلق ابلطلب يف تظام اإلجراءات اجلزائية اًلحتادي يف املادة رقم ،182
أو كان لجر ااء يتخذه القاضي من تلقاء تفسه قب أن يصدر قراره ابلوضع حتت املراقبة
اإللكرتوتية.
الشروط اخلاصة ابلسلطة املختصة إبصدار حكم أو قرار الوضع حتت
الرقابة اإللكرتونيَّة :يصدر قرار الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية يف ثالث مراح ،وك
مرحلة يُ ْسنَد اًلختصاص فيها ل ى جهة معينة فاملرحلة األو ى :مرحلة التحقيق
اًلبتدائي واليت خيضع فيها املتهمون للحبس اًلحتياطي "التوقيف" ،وتكون فيها
بديال عن السجن ويسند اًلختصاص فيها ل ى جهة
املراقبة اإللكرتوتية لجراءا ا
التحقيق.
املرحلة الثاتية :مرحلة احملاكمة واليت يصدر فيها احلكم ابإلداتة والعقوبة البديلة
( )1حممد عقيدة» ،أصول علم اإلجرام«( ،ط ،4القاهرة :دار الفكر العريب1222 ،م).411 ،
( )4أمحد فاروق زاهر ،مرجع سابق ،ص.147
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
101
عن السجن من قاضي املوضوع ،وتكون من صالحياته أن يستبدل ابلسجن عقوبة
املراقبة اإللكرتوتية.
املرحلة الثالثة :مرحلة تنفيذ العقوبة واليت يكون فيها احملكوم عليه يف السجن
تظاما ،ويرى قاضي التنفيذ من تلقاء تفسه تعدي
وقضى يف عقوبته مدة معينة ا
عقوبته بناءا على اقرتاح يقدمه مدير السجن(.)1
الشروط املاديَّة :يستلزم تنفيذ املراقبة اإللكرتوتية عدة شروط مادية:
أوًل :أن يكون لدى اخلاضع للمراقبة اإللكرتوتية مكان لقامة مستقر فيه اثبت
ا
ومعلوم لدى اجلهات احلكومية.
اثتياا :أن يزود مكان لقامة املراقب خبط هاتف خاص لعملية املراقبة فقط(.)4
اثلثاا :أن يتم حتديد ساعات معلومة معينة من اجلهة املختصة للخاضع للمراقبة
يلتزم فيها بوجوده يف املكان املخصص ملراقبته يف حال كاتت العقوبة املقررة عليه
تسمح له ابحلركة خارج تطاق املراقبة لساعات معينة يف اليوم.
وينبغي لتنفيذ املراقبة اإللكرتوتية توفُّر عدة أجهزة للكرتوتية معينة تلتزم بتوفريها
اجلهة املختصة أوهلا :جهاز لرسال إلرسال اإلشارات ،وهو الذي يثبت على جسد
اخلاضع للمراقبة على شك سوار يف يده أو قدمه وجهاز آخر (مستقب ومرس ) تتم
برجمته وتوصيله ابهلاتف ،فيستقب اإلشارات والذبذابت املرسلة لليه من السوار (جهاز
( )1حممد صبحي سعيد» .املراقبة اإللكرتوتية كبدي للعقوابت البديلة عن السجن :دراسة
مقارتة« .جملة البحوث القاتوتية واًلقتصادية 4117( ،28م).728 :
( )4عبد هللا كباسي ،مرجع سابق.78 :74 ،
101
اإل رسال) ويقوم بعد اًلستقبال إبرسال لشارات مبثابة تقرير فوري ل ى جهاز احلاسب
املركزي يفهم منها وجود اخلاضع للمراقبة داخ النطاق املكاين أو الزماين احملدد له.
واجلهاز األخري هو جهاز احلاسب املركزي الذي جيب توفره يف مركز اجلهة املعنية
ابلرقابة ،والذي يدير عملية املراقبة ،ويعاجل البياانت املرسلة لليه ،ويستبني من خالله
املوظف املختص مدى اتضباط املراقب ،والتأكد من سالمة األجهزة املخصصة
للمراقبة من التلف أو العط أو حماوًلت اخرتاقها.
الضوابط القانونية للمراقبة ابستعمال السوار اإللكرتوين:
-صدور القرار ابلوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية من اجلهة القضائية
املختصة( )1اليت حيددها املنظم ،واليت جيب عليها األخذ يف اًلعتبار سوابق املتهم ،أو
كبريا جدًّا ،والظروف اليت مت ارتكاب اجلرمية فيها.
صغريا أو ا
اجلاين وعمره ،وما لذا كان ا
-احملافظة على احلرية الشخصية ،واًلكتفاء مبراقبة اخلاضع للمراقبة بشك
سطحي ميكن من خالله معرفة مكان وزمان املراقب مبا خيدم املصلحة العامة بدون
التعمق ابملراقبة ل ى درجة تنتهك فيها خصوصية املراقب كالتجسس عليه وعلى أه
بيته يف حياهتم الشخصية()4؛ ألن يف ذلك اتتها اكا منهيًّا عنه خيرج عن املقتضى
{ :ﭝﭞ } [سورة احلجرات.]12: الشرعي للعقوبة ،وقد قال
اليت مل يثبت هبا لداتة املتهم وبني املصلحة العامة ،وجند أن من التشريعات اليت وظفت
بديال
املراقبة اإللكرتوتية يف مرحلة التحقيق املنظم اإلمارايت؛ حيث اعتربها لجراءا ا
للحبس اًلحتياطي وخيَول تظام اإلجراءات اجلزائية اإلمارايت يف املادة 161للجهة
بدًل عن
املختصة ابلتحقيق أن تصدر األمر ابلوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية ا
"التوقيف" مَت اقتضت املصلحة العامة ذلك.
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة جزائية :تعد عقوبة املراقبة اإللكرتوتية
من ضمن العقوابت البديلة لعقوبة احلبس؛ لذ أخذت به الكثري من األتظمة العقابية
حلماية األفراد املخطئني من السجن وسلبياته الناجتة من اختالط اجملرمني غري اخلطرين
على اجملتمع ابجملرمني اخلطرين ،ومن التشريعات اليت اعتربت املراقبة اإللكرتوتية عقوبة
بديلة عن عقوبة السجن املنظم اإلمارايت الذي جع من املراقبة اإللكرتوتية عقوبة
بديلة عن عقوبة السجن قصري املدة ،وحدد املدة بسنتني كحد أقصى(.)1
أما املنظم الكندي فقد تظر ل ى عقوبة املراقبة اإللكرتوتية كعقوبة تكميلية
إليقاف التنفيذ ولعقوبة الغرامة( ،)4ويف لجنلرتا ُعدت عقوبة قائمة بذاهتا فيحكم على
وعدت كذلك عقوبة
اخلاضع للمراقبة اإللكرتوتية بلزومه بيته ومراقبته للكرتوتيًّاُ ،
تكميلية لعقوبة العم للمصلحة العامة(.)1
( )1املادة 188من تظام اإلجراءات اجلزائية اإلمارايت الصادر بقاتون احتادي رقم ( )18لسنة
1224م.
( )4أسامة حسنني ،مرجع سابق ،ص.12
( )1عمر سامل ،مرجع سابق ،ص.27
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
113
املطلب الثالث :انتهاء املراقبة اإللكرتونيَّة وآثارها
تنتهي املراقبة اإللكرتوتية يف صورتني األو ى :اتتهاء املدة النظامية املعينة هلا
والثاتية :بسحب قرار الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية ،وسحب القرار لما يكون
بسبب رغبة اخلاضع للمراقبة اإللكرتوتية ،أو لثبوت تعرضه ألزمة صحية بسبب
العقوبة .أو يكون بسبب خمالفته للشروط والضوابط املفروضة عليه من اجلهة
القضائية ،أو أن يكون السحب بسبب صدور حكم جديد ابإلداتة أو ابلرباءة على
اخلاضع للمراقبة.
وهذا طب اقا ملا أشار لليه املنظم اإلمارايت يف تظام اإلجراءات اجلزائية اإلمارايت يف
حاًلت للغاء قرار الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية يف املادة 168و 188و182
و.176
ويف ك األحوال عدا الرباءة يرتتب على سحب القرار يف مرحلة التنفيذ لرجاع
املعاقب ل ى العقوبة األصلية يف تقييد احلرية (السجن) ،وحتسب املدة املتبقية له من
اتريخ خضوعه للمراقبة اإللكرتوتية ،فتخصم املدة اليت خضع فيها للمراقبة من املدة
املتبقية للعقوبة(.)1
h
اخلامتة
يف ختام هذا البحث توصلت ل ى أن عقوبة الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية من
أهم العقوابت البديلة اليت خيتلط فيها اجلزاء ابلرتبية والتهذيب وحتقيق الغاية من
العقوبة بردع املعاقب وليالمه ولعطائه فرصة حقيقية يف احملافظة على استقرار حياته
األسرية والعملية والعلمية واًلجتماعية ،كما تؤثر لجيابيًّا يف املصلحة العامة ابستمرار
سري عجلة التنمية بدون عرقلة للمعاقَب العام أو املتعلم ،كما توفر امليزاتية
املخصصة لإلتفاق على السجناء وأسرهم الذين تناسبهم عقوبة الوضع حتت املراقبة
اإللكرتوتية ابستغالهلا يف تشغي وتطوير املرافق العامة.
وخنتم هذا البحث ببيان أبرز النتائج اليت مت التوص لليها وأهم التوصيات وفق
التفصي اآليت:
أوال :أهم النتائج.
ً
-1حتقق عقوبة الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية اهلدف من العقوبة بتقييد حرية
اخلاضع هلا والتضييق عليه ابحلد الكايف واملنطقي -ابلنسبة للمجرم غري اخلطي -
الذي يضمن ليالمه من هذا القيد.
-4حتقق املراقبة اإللكرتوتية ردع اخلاضع للمراقبة ،وعدم عودته للجرمية تتيجة
مفتقدا حريته ،وشعوره مبراقبة أفعاله ،ورصد مجيع حتركاته خالل
ا عيشه ملدة طويلة
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
111
يومه.
-1معرفة املراقَب أته خيضع لعقوبة بديلة عن عقوبة احلبس ،واستمرار استفادته
من هذه العقوبة البديلة قائم على مدى اتضباطه لشروطها يستثري مهته ابحملافظة على
التزامه ابلشروط ،وتقومي سلوكه لكي يثبت للجهة القضائية مدى جديته واتضباطه
بدون احلاجة ل ى ليداعه يف السجن.
اثنيا :أهم ِ
التوصيَات. ً
-1توصي إبدخال العقوابت البديلة ل ى حيز التنفيذ ،وخاصة عقوبة الوضع
حتت املراقبة اإللكرتوتية ضمن السياسة العقابية يف اململكة؛ لتعدد لجيابياهتا مقاب
سلبياهتا القليلة ،واستحداث لدارات خمتصة عمليًّا وعلميًّا يف فروع النيابة العامة
واحملاكم اجلزائية لإلدارة واإلشراف على تنفيذ لجراء أو عقوبة الوضع حتت املراقبة
اإللكرتوتية يف مرحليت التحقيق واحملاكمة.
-4عدم تطبيق هذه العقوبة على اجملرمني اخلطرين على اجملتمع ،واًلكتفاء
بتطبيقها على اجملرمني غري اخلطرين الذين ليس لديهم مي يف األساس ل ى اجلرمية.
h
111
ابن قيم اجلوزية ،حممد بن أيب بكر" .الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية". -1
(ط ،2دار علوم الفوائد).
األحول ،يوسف" .التعويض عند التوقيف يف التشريع الفرتسي"( .ط،1 -4
القاهرة :دار النهضة4118 ،م).
أواتين ،صفاء" .الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية السوار اإللكرتوين يف -1
السياسة العقابية الفرتسية" .جملة دمشق للعلوم اًلقتصادية والقاتوتية ،1
(4112م).
بالل ،أمحد" .علم العقاب (النظرية العامة والتطبيقات)"( .ط ،1القاهرة: -2
دار الثقافة العربية1282 ،م).
الدابس ،علي حممد وأبو زيد ،علي عليان" .حقوق اإلتسان وحرايته ودور -8
شرعية اإلجراءات الشرطية يف تعزيزها :دراسة حتليلية لتحقيق التوازن بني
وفقها وقضاءا)" (ط ،2 حقوق اإلتسان وحرايته وأمن اجملتمع (تشر ايعا ا
األردن :دار الثقافة للنشر والتوزيع4117 ،م).
َعمانُ ،
زاهر ،أمحد" .دور الوسائ التكنولوجية احلديثة يف تنفيذ اجلزاءات اجلنائية -6
(املراقبة اإللكرتوتية الثابتة واملتحركة)" .جملة الفكر القاتوين واًلقتصادي ،2
(4111م).
الزييت ،أمين" .العقوابت البديلة عن السجن القصرية املدة وبدائلها"( .ط،1 -7
القاهرة :دار النهضة العربية4111 ،م).
سامل ،عمر" .املراقبة اإللكرتوتية طريقة حديثة لتنفيذ العقوبة البديلة عن -8
السجن خارج السجن"( ،ط ،1القاهرة :دار النهضة العربية4118 ،م).
سرور ،أمحد" .الوسيط يف قاتون العقوابت -القسم العام"( .ط ،6القاهرة: -2
دار النهضة العربية4118 ،م).
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
111
صدرايت ،تبيلة" .الوضع حتت املراقبة اإللكرتوتية كنظام جديد لتكييف -11
العقوبة دراسة يف ضوء القاتون 18-11املتمم لقاتون تنظيم السجون
ولعادة اإلدماج اًلجتماعي للمحبوسني" .جملة الدراسات والبحوث
القاتوتية 4118( ،12م).
عبيد ،أسامة" .املراقبة اجلنائية اإللكرتوتية دراسة مقارتة"( .ط ،1القاهرة: -11
دار النهضة العربية4112 ،م).
عقيدة ،حممد" .أصول علم اإلجرام"( .ط ،4القاهرة :دار الفكر العريب، -14
1222م).
علوش ،حممد حسن علي" .املراقبة اإللكرتوتية ابستعمال السوار اإللكرتوين -11
بديال عن عقوبة السجن من منظور الفقه اإلسالمي" .جملة املدوتة جممع ا
الفقه اإلسالمي ابهلند 4141( ،48م).
القاضي ،رامي" .توظيف التي ْقنييات احلديثة يف جمال السياسة العقابية -12
منوذجا)" .جملة الفكر الشرطي 4117( ،111م). (السوار اإللكرتوين ا
كباسي ،عبد هللا" .املراقبة اإللكرتوتية ابستعمال السوار اإللكرتوين" .كلية -18
احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة ابجي خمتار عنابة4117( ،م).
الكساسبة ،فهد" .دور النظم العقابية احلديثة يف اإلصالح والتأهي دراسة -16
مقارتة"4114( ،4 .م).
حممد ،صبحي سعيد" .املراقبة اإللكرتوتية كبدي للعقوابت البديلة عن -17
السجن :دراسة مقارتة" .جامعة املنوفية ،كلية احلقوق ،جملة البحوث
القاتوتية واًلقتصادية 4117( ،28م).
موسى ،حممود سليمان" .اإلجراءات اجلنائية لألحداث اجلاحنني دراسة -18
مقارتة يف تشريعات الدول العربية والقاتون الفرتسي يف ضوء اًلجتاهات
احلديثة يف السياسة اجلنائية"( .ط ،1اإلسكندرية :دار املطبوعات اجلامعية،
4118م).
111
النوايسة ،عبد اإلله حممد" .أحكام املراقبة اإللكرتوتية كبدي للحبس -12
اًلحتياطي يف التشريع اإلمارايت :دراسة حتليلية" .جملة كلية القاتون الكويتية
العاملية 4141( ،11م).
الوليد ،ساهر" .مراقبة املتهم للكرتوتيًّا كوسيلة للحد من مساوئ" التوقيف -41
"دراسة حتليلية" .جملة اجلامعة اإلسالمية للدراسات اًلسالمية ،1
(4111م).
األمر 18-4الصادر يف 4118م املعدل واملتمم لقاتون اإلجراءات اجلزائية -41
اجلزائري.
القاتون اإلمارايت رقم 17لسنة 4118م بشأن تعدي بعض أحكام تظام -44
اإلجراءات اجلزائية الصادر بقاتون احتادي رقم 18سنة 1224م.
القاتون البحريين رقم 18لسنة 4117م بشأن العقوابت والتدابري البديلة. -41
دلي مصطلحات هارفرد بزتس ريفيو متت الزايرة يف 6ص يوم -42
4144/1/17م.
شرح معىن" األمتتة "( - )Automationدلي مصطلحات هارفارد -48
بزتس ريفيو (.)hbrarabic. com
ودية الصادر عن وزارة السع ي
مشروع تظام العقوابت البديلة يف اململكة العربية ُّ ُ -46
العدل.
منظمة الصحة العاملية ،املكتب اإلقليمي لشرق املتوسط ،التقارير، -47
،COVID-19املواضيع الطبية (.)who. int
موقع منظمة الصحة العاملية متت الزايرة يف 11ص يوم 4144/1/44م. -48
ودية الصادر مبرسوم ملكي بتاريخ السع ي
تظام األحداث يف اململكة العربية ُّ ُ -42
4118/8/1م.
الوضع حتت املراقبة اإللكرتونيَّة كعقوبة بديلة عن السجن يف اململكة العربيَّة السعوديَّة
111
bibliography
Prepared by :
Dr. Hamad Abdullahh hamad Alsaqabi
Associate Professor of Dawa and Islamic Culture ،
Department of Dawa and Islamic Culture ،College of
Sharia & Islamic Studies ،Qassim University
Email: h.alsaqabi@qu.edu.sa
ملخص البحث
Abstract
املدقِّمة
قائال:
احلمد هلل الذي حفز عباده على العم الصاحل يف احلياة الدتيا واآلخرة ا
{ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ} [سورة
الكهف ،]37:والصالة والسالم على تيب الرمحة وآله وصحبه أمجعني ،وبعد:
اهتماما ابلغاا ،وأولْته عناية
ا فقد اهتمت الشريعة اإلسالمية مبوضوع التحفيز
فائقة ،مل يلقها يف غريها من الشرائع واحلضارات األخرى ،حيث حث هللا عباده
املؤمنني يف آايت كثرية يف كتابه العزيز ابملسارعة ل ى العم الصاحل وحسن العبادة،
واستخالف األرض وعمارهتا ،وطلب معايل األمور ،ولدراك حسن الكمال ،واملنافسة
على املراتب العليا ،حتقي اقا هلدفهم السامي املتمث يف تي أعلى درجات اجلنان ،فقال
{ :ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ} [سورة املطففني ،]26:وقال
{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ} [سورة آل عمران ،]133:وغري ذلك من اآلايت اليت تدعو ل ى التحفيز
والعم وترك التواك والتكاس .
قائد األمة ،وحمفزها األول ،ورائدها يدعو ل ى ذلك يف وكذلك كان النيب
أيضا ،حيث وضع قواعد عملية تطبيقية لتحفيز صحابته األبرار ،وأمته من
ك حني ا
وسيلته بعدهم ،استخدم فيها وسائ متعددة وأساليب متنوعة ،فكان حتفيزه
111
( )1رواه الرتمذي يف "سننه" ،حديث رقم ( ،)4671أبواب العلم ،ابب ما جاء الدال على اخلري
كفاعله (.)21 :8
ضا َم َو ااات.)116 :1( ،
َحيَا أ َْر ا
ب َم ْن أ ْ
( )4رواه البخاري يف "صحيحه" ،كتاب املزارعةَ ،اب ُ
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
جتمع كافة اجلواتب املادية واملعنوية يف عملية التحفيز ،وبني احلضارة الغربية اليت
تعتمد على اجلاتب املادي فقط ،وتوليه أمهية تغلب على اجلاتب املعنوي ،وفيها
تغلب القواتني واجلزاءات الصارمة على الرمحة واملغفرة ،كما أهنا هتم بشك كبري
اجلواتب األخالقية واإلتساتية ،املتمثلة يف القيم واملبادئ ،وتتعلق مبباهج احلياة الدتيا
وزخارفها الزائلة.
كما عرض الباحث ما تناولته الدراسات السابقة من سبق ومتيز الشريعة
اإلسالمية يف استخدام احملفزات املعنوية واملادية منها وما هلا من أثر فعال على سلوك
األفراد حيث أبرزت دراسة ،فاطمة مجيل ،وحممد عقلة ،اهتمام اإلسالم ابحملفزات ملا
هلا من مردود لجيايب يف تعزيز الروح املعنوية واألداء الفعلي لإلتسان يف مجيع ميادين
احلياة اإلتساتية الدتيوية واألخروية .وأن اللبنات األو ى للمحفزات كاتت موجودة يف
الشريعة اإلسالمية واملتمثلة يف القرآن الكرمي والسنة ،وليست من املواضيع اإلدارية
البحتة يف علم اإلدارة احلديث.
استشعارا من الباحث لواجبه الدعوي والثقايف؛ رأى أن من واجبه أن يسهم
ا و
يف هذا اجلهد بدراسة مقارتة ،يرغب من خالهلا يف لبراز سبق اإلسالم يف حتفيز
األفراد عن احلضارات الغربية .لذلك كان هذا البحث:
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة
والثقافة الغربيَّة
حائرا؛ وهللا املستعان؛ وعليه
تقصا؛ أو هتدي ا
سائال هللا أن تسد هذه الدراسة ا
ا
وحده التكالن.
111
موضوع الّراسة:
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبوية يف الشريعة اإلسالمية والثقافة الغربية
-دراسة مقارتة .-
أهمية الّراسة:
-1التعرف على مكاتة وأمهية التحفيز يف الشريعة اإلسالمية.
-2التعرف على خصائص الشريعة اإلسالمية.
-3التعرف على التطبيقات النبوية لقيمة التحفيز.
-4الفرق بني التحفيز يف الثقافة اإلسالمية.
-5التعرف على ماهية التحفيز يف الثقافة الغربية.
مشكلة الّراسة:
تربز مشكلة الدراسة يف التعرف على اإلجابة عن السؤال الرئيس :ما الفرق
بني التحفيز يف الشريعة اإلسالمية من خالل التطبيقات النبوية والثقافة الغربية؟
أهّاف الّراسة:
تتحدد أهداف الدراسة فيما يلي:
-1بيان مكاتة وأمهية التحفيز يف الشريعة اإلسالمية.
-2التعرف على التطبيقات النبوية لقيمة التحفيز يف الشريعة اإلسالمية.
-3لبراز سبق احلضارة اإلسالمية وتفوقها على غريها من احلضارات فيما خيص
جمال القيم عامة ،وقيمة التحفيز خاصة.
-4بيان مدى حرص اإلسالم على اجلمع بني اجلواتب املادية واملعنوية واحلث على
العم الذي هو أساس اإلتتاج.
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
تساؤالت الّراسة:
حتاول هذه الدراسة اإلجابة عن التساؤل الرئيس التايل:
ما الفرق بني قيمة التحفيز يف الشريعة اإلسالمية والثقافة الغربية؟
ويتفرع عن هذا التساؤل الرئيس األسئلة التالية:
-1ما مفهوم التحفيز يف الشريعة اإلسالمية؟
-2ما هي أدلة التحفيز يف الشريعة اإلسالمية؟
-3ما هي التطبيقات النبوية لقيمة التحفيز وأثره على الفرد؟
-4ما هو التحفيز يف الثقافة الغربية؟ وما هي تظرايته؟
الّراسات السابدقة:
الدراسة األوىل :دور اإلسالم يف إثراء احملفزات اإلدارية :دراسة أتصيلية،
حتليلية ،عامودي ،فاطمة مجي أمحد .اإلبراهيم ،حممد عقلة (م .مشارك) ،الناشر:
اجلامعة األردتية -عمادة البحث العلمي ،اجمللد /العدد :مج ،26ع4112 ،1م.
وقد خلصت الدراسة ل ى أن احملفزات هي لحدى األتظمة اإلدارية اليت برزت
أمهيتها يف العصر احلديث خصوص ا يف ميادين الكفاءة واإلتتاج ،جاعلة من احملفزات
وسيلة مادية دتيوية حبتة .يف حني ربطت الشريعة اإلسالمية احملفزات أبمور الدين؛
لتقويتها والتأكيد على أمهية استعماهلا يف حياة الفرد واجملتمع املسلم .فجاءت هذه
الدراسة لتؤص حقيقة احملفزات اإلدارية يف الشريعة اإلسالمية ،وبيان سبق الشريعة يف
لرساء قواعدها للبشرية.
وتتفق هذه الدراسة مع دراسة الباحث يف موضوع الدراسة وهو التحفيز من
املنظور اإلسالمي وأثره على األفراد ،وبيان سبق الشريعة اإلسالمية يف أتصي مفاهيم
111
قيمة التحفيز وتطبيقاهتا املتنوعة ،ولكنها ختتلف عن دراسة الباحث يف اقتصارها على
احملفزات اإلدارية فقط ،بينما تنوعت دراسة الباحث لتشم قيمة التحفيز يف كافة
اجملاًلت من خالل التطبيقات النبوية ،وكذلك الفروقات بينه وبني الثقافة الغربية.
الدراسة الثانية :التحفيز من منظور إسالمي ودوره يف جودة األداء ،حممد،
حممد عبد احلميد ،الناشر :جامعة األزهر -كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنات
بكفر الشيخ ،اجمللد /العدد :ع ،1مج ،4مصر.4117 ،
وقد هدف البحث ل ى توضيح التحفيز من منظور لسالمي من حيث ماهيته
وأتواعه وطرقه ومعوقاته وشروط جناح تطبيقه ،وأثره يف الوصول ل ى جودة األداء .وقد
تظرا لشموهلا
اتتهى البحث ل ى أن منظمة التحفيز اإلسالمي فريدة من توعها ا
واستيعاهبا ألفض ما جاءت به النظرايت احلديثة يف التحفيز ،كما أظهرت بوضوح
األمهية العظيمة للتحفيز يف اإلسالم ،وتنوعه وتنوع أساليبه واستخداماته حسب
فضال عن أمهيته العظيمة يف حتقيق جودة األداء واإلبداع والتميز .ومن مث
األحوال ،ا
أوصى البحث بضرورة تطبيق منهج التحفيز اإلسالمي يف مجيع جواتب حياة األمة
على مستوى األفراد واجملتمعات واملنظمات.
وقد اتفقت تلك الدراسة مع دراسة الباحث يف تناول موضوع قيمة التحفيز
من منظور لسالمي .واختلفت عن دراسة الباحث يف تركيزها على جودة األداء ،بينما
ركزت دراسة الباحث على التحفيز يف كافة اجلواتب ،لضافة ل ى تناول التحفيز يف
أيضا ،كما استخدم الباحث املنهج املقارن يف بيان الفروقات بني املنظور الغريب ا
التحفيز يف اإلسالم والثقافة الغربية.
الدراسة الثالثة :أساليب التحفيز والتشجيع يف ضوء السنة النبوية :دراسة
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
موضوعية ،الشطي ،حممد يوسف رجب ،الناشر :جامعة الكويت -جملس النشر
العلمي ،مج ،11ع ،111الكويت.4118 ،
وقد تناولت الدراسة أمهية التحفيز والتشجيع ،وأوضحت أمهية هذا اجملال
التحفيزي من خالل عرض بعض النماذج من السنة النبوية الشريفة ،وعرضت مسألة
التحفيز والتشجيع بنوعيه املادي واملعنوي ،يف شَت جماًلت احلياة املختلفة.
وقد اتفقت تلك الدراسة مع دراسة الباحث يف جاتب التحفيز يف السنة
النبوية ،واختلفت تلك الدراسة عن دراسة الباحث يف تركيزها على السنة النبوية فقط،
بينما تناولت دراسة الباحث اآلايت الكرمية من القرآن الكرمي واألحاديث الشريفة من
السنة النبوية ،ابإلضافة ل ى التحفيز يف املنظور الغريب ،وعقد مقارتة بني التحفيز يف
الشريعة اإلسالمية واملنظور الغريب لبيان الفروقات بينهما وسبق اإلسالم يف ذلك
اجملال ،وبيان مسات الشريعة اإلسالمية ولبراز مكاتة الفرد يف اإلسالم ،وكذلك املنهج
البحثي املستخدم ،حيث استخدمت تلك الدراسة املنهج املوضوعي ،فيما استخدم
الباحث املنهج املقارن.
الدراسة الرابعة :التحفيز املادي أمهيته وأسبابه وضوابطه يف ضوء السنة
النبوية ،احملمد ،حممد زهري عبد هللا ،الناشر :جامعة األزهر -كلية الشريعة والقاتون
بتفهنا األشراف -دقهلية ،ع .41ج ،1مصر.4118 ،
وقد هدفت الدراسة ل ى :بيان أمهية التحفيز املادي ،وآاثره يف دفع الناس حنو
التميز .وذكر أهم الشبهات اليت أثريت حول التحفيز املادي ،مث دفعها .وبيان أسباب
التحفيز املادي يف السنة النبوية .وبيان ضوابط التحفيز املادي يف السنة النبوية.
وتتفق تلك الدراسة مع الدراسة احلالية يف أهنا تناولت موضوع البحث وهو
112
( )1ينظر أمحد بن فارس بن زكراي القزويين "معجم مقاييس اللغة ،حتقيق :عبد السالم هارون ،دار
الفكر1122 ،هـ 1272 -م ،)88/4( ،مادة (حفز).
( )4الشريف املرتضى علي بن احلسني " ،أمايل املرتضى غرر الفوائد ودرر القالئد" .حتقيق :حممد
أبو الفض لبراهيم( ،ط ،1القاهرة :دار لحياء الكتب العربية ،)1282 ،ص .824
( )1زين الدين أبو عبد هللا حممد بن أيب بكر الرازي" ،خمتار الصحاح" ،حتقيق :يوسف الشيخ
حممد( ،ط ،8بريوت -صيدا :املكتبة العصرية -الدار النموذجية1241 ،هـ 1222 /م)،
.76 :1
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
التحفيز اصطالحًا:
ًل خيرج املعىن يف اًلصطالح غالباا عن املعىن يف اللغة ،ومن هنا تعددت
تعريفات التحفيز وتنوعت ،ومن بينها أن التحفيز هو عبارة عن" :مؤثرات خارجية،
حتفز الفرد وتشجعه على القيام أبداء أفض "(.)1
خصائص الشريعة اإلسالمية:
متيزت الشريعة اإلسالمية بعدة خصائص ،اتفردت هبا عن سائر الشرائع
ابقية وحمفوظة حبفظه ،خامتة والقواتني األخرى ،فهي شريعة رابتية من عند هللا
وانسخة لكافة الشرائع ،قائمة على العدل واملساواة والرمحة والرتاحم والعم ،هتتم
اهتماما ابلغاا ابإلتسان وجتعله حمور اهتمامها ،وتراعي مصاحله.
ا
"ولن هذه الشريعة الغراء اليت تعلو الشرائع كلها قد استمدت تصوصها من
القرآن الكرمي ،والسنة النبوية ،اليت تتصف ابلدميومة ،واًلستمرار ،والثبات ،ابعتبارها
أحكاما ُمنزلةا من عند هللا ،وهي هبذه الصفات ذات األبعاد األخالقية،
قواعد و ا
واًلجتماعية ،واًلقتصادية ،قادرة على احتواء حاجات البشر من عبادات،
ومعامالت ،كما أهنا قادرة على النهوض ابألمم ،وحتقيق القوة ،والعدالة ،واحلارسة
متکامال ،يتحقق فيه التكاف
ا عادًل
حرا اجمتمعا ا
األمينة على أخالقياهتا ،اليت تقيم ا
اًلجتماعي ،والذي يقوم على ترابط األفراد وآتزرهم من خالل عقيدة ،وأخالق،
وعم ،لهنا أسس الشريعة السمحة ،اليت تقوم على التوجيه ،والتقومي ،وحتديد
( )1عبد اجمليد عبد الغين الطجم ،وآخرون" ،السلوك التنظيمي"( .دار النوابغ ،جدة1217 :ه)،
ص .21
111
الغاايت ،وحتقيق القيم اإلتساتية ،مبا يعود على الناس ابخلري ،يف لطار مصاحلهم
الذاتية ،ومصلحة اجملتمع"( .)1ولن الشريعة اإلسالمية هي وحدها القادرة على لجياد
التوازن بني الفرد واجملتمع الفاض ،القائم على التعاون على اخلري ودفع الشر ،حبيث ًل
يطغى فريق على فريق ،فتتكون البيئة الصاحلة اليت تبين الفضيلة وتقضي على الرذيلة،
ك ذلك مبيزان اإلميان ابهلل ،واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر(.)4
على تبيه رسالةا وسطاا ،وازتت بني اإلتسان كله، ولقد أتزل هللا
فتكاملت فيه صورته البشرية دون لخالل أو طغيان جلاتب على جاتب آخر؛ لذ مل
تفص بني اجلاتب الروحي فيه واملادي ،كما هو شأن الغالني يف شريعة هللا الذين
يلزمون اإلتسان إبلغاء أحد اجلاتبني فيه ،األمر الذي أدى -أو كاد أن يؤدي -ل ى
تدمري اإلتساتية أبسرها.
فالعقيدة أساسها التوازن فال هي جنحت ل ى اًلعتقاد يف أي شيء دون برهان
أو دلي ،وًل هي رفضت اًلعتقاد يف أي شيء دون اإلتصات لصوت الشرع وتداء
العق ،وكذلك أسست العبادات والشعائر على التوازن بال غلو وًل تقصري ،وكلفت
اإلتسان بتكليفات وتشريعات يف حدود طاقته ،دون تضييق اخلناق يف التحرمي أو
التساه يف اإلابحة والتحلي .
ولن اإلسالم يدعو ل ى التعاون وحتقيق اللُحمة اًلجتماعية وتبذ الفرقة والتفرق
( )1عبد السالم التوجني" ،الشريعة اإلسالمية يف القران الكرمي تظرية احلق مميزاهتا وخصائصها
ومبادئها"( .ط ،4لبيبا ،منشورات مجعية الدعوة اإلسالمية العاملية.18 :1 ،)1227 ،
( )4اتظر :املرجع السابق.
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
{ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ واًلختالف والتشتت الذي ميزق األمة ،حني قال
ﭵ ﭶﭷ } [سورة آل عمران ]173:ول ى الرمحة يف كافة املعامالت ولني اجلاتب.
كما أته ًل وجود يف اإلسالم لوسطاء وًل شفعاء بني هللا وعباده ،فاملسلم
: يدعو ربه يف ك وقت وحني وهللا يفرح بدعاء عبده واحتياجه له كما قال
{ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ} [سورة البقرة.]196:
كما أن مفهوم العبادة يف اإلسالم يتسم ابلشمولية ،فهي ًل تتوقف عند
الشعائر الدينية الظاهرة فحسب ،ب متتد جواتبها لتشم كافة حياة املسلم ،فالعبادة
،واآلداب اخلاصة واملمارسات اليومية احلياتية ،وعالقته مع تنظم عالقته مع خالقه
أسرته واجملتمع الذي يعيش به ،وكذلك البيئة اليت حتيط به ،فالعبادة يف اإلسالم تربط
بني األمور الدينية واألمور الدتيوية ومتزج بينهما وكثري ما أتيت اآلايت اليت جتمع
جنباا ل ى جنب مع املعامالت اإلتساتية واألخالق احلميدة من العالقة مع اخلالق
{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ غري تفريق ،كما يف قوله
ﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭨ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ
ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ} [سورة البقرة.]111:
وهي شريعة خريية تدعو ل ى عم اخلري واملسارعة لليه فخري الناس أتفعهم
{ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ للناس ،قال
ﭧ ﭨ ﭩﭪ } [سورة آل عمران.]117:
111
كما أهنا شريعة بُنيت على األفكار الواضحة اليت أسس عليها تظام حياة الفرد
دائما؛ ألهنا هي
املسلم ،فاعتنقها ودعا لليها على بصرية ،مؤمناا هبا ،متذكارا هلا ا
الضابط جلميع سلوكياته ،وتصرفاته والرقيب على أعماله وحياته.
ونستطيع الدقول إن الشريعة اإلسالمية متيزت بعّة خصائص أبرزها:
-رابتية املصدر :فهي من هللا ول ى هللا ،فغاية املسلم ومقصده هي بلوغ مرضاة
عنه ،فاملسلم يستمد شرائعه من القرآن الكرمي كالم هللا الذي أوحاه ل ى تبيه، هللا
عباده بضرورة وأفعاله وتقريراته اليت أمر هللا مث السنة النبوية ،وهي أقوال النيب
عددا من املصادر الفرعية للشريعة
التأسي هبا .ومن هذين املصدرين مت اشتقاق ا
كالقياس واإلمجاع واًلستحسان والعرف وغريها.
-شريعة قائمة على العدل واملساواة.
-مشولية تلك الشريعة وتوازهنا ،فهي شريعة شاملة تغطي ك جواتب احلياة،
وتوازن بني العبادة واحلياة.
-املثالية الواقعية ،فهي مبنية على أهنا سلوك أفراد يعيشوته وميارسوته يومياا،
وواقعية يف معاجلة سلوكيات أفرادها.
-الوسطية :وهي شريعة قائمة على الوسطية السمحة فهي وسط بني املغاًلة
{ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ} [سورة البقرة.]143: والتفريط قال
-العقالتية :فهي تدعو ل ى لعمال العق ،والتفكر يف خلق هللا وبديع صنعه
وآايته الكوتية ،وهي ختاطب العقول قب القلوب.
-اخلريية :فهي شريعة جامعة لك أعمال اخلري والرب تدعو لليه وترىب املسلمني
عليه وحتثهم على العم به ،وتنبذ ك أعمال الشر والسوء.
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
-اإلجيابية واملسؤولية :هي شريعة تدعو ل ى حتم املسؤولية واإلجيابية يف
اجملتمع فالفرد فيها ليس معزول عن ابقي أفراد اجملتمع ،ومن عالمة اإلميان أن حيب
عن تفسه وعمن املرء لغريه ما حيبه لنفسه ،كما أن ك فرد مسؤول أمام هللا
يعول ،وكما أن ك فرد فيها يتحم تتيجة أفعاله وحياسب أمام هللا عنها.
التحفيز يف الشريعة اإلسالمية:
سعى الدين اإلسالمي ل ى حتفيز األفراد واجملتمعات على العم من أج حتقيق
اهلدف والرسالة اليت كلف اخلالق هبا عباده ،وهي استخالف األرض وعمارهتا ،قال
{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ } [سورة البقرة،]37:
{ :ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ } [سورة هود.]61: وقال
ومن املعلوم أن اًلستخالف يف األرض وعمارهتا لن يكون سوى ابجلد
واًلجتهاد والكد والعم ،ولن يتأتى ذلك براحة األبدان والتكاس واخلمول ،ولـما
كاتت النفس البشرية متي ل ى الراحة واًلستجمام أكثر منها ل ى العم واإلتتاج
واملشقة ،برزت احلاجة املاسة ل ى ما يشحذ اهلمم ،ويشد على األيدي ،ويدفع ل ى
العم اجلاد ،الذي حيقق اإلتتاج والرقي والتقدم ،ويص ابألمة ل ى مصاف األمم،
والتكاس خمالف لفطرة الشريعة اليت دعت ل ى العم وكسب الرزق احلالل ،والتحفيز
ما هو لًل لعطاء األفراد دفعةا معنويةا بتحريك املشاعر والوجدان ،أو ماديةا كاملكافآت
والعوائد اًلقتصادية؛ لعم ما يلزم عمله ،ولجناز ما ينبغي لجنازه؛ وذلك إباثرته لفع
الشيء ،وخيتلف التحفيز يف الشريعة اإلسالمية عن الشرائع األخرى ،لذ يف اإلسالم
يتم دمج احلوافز املعنوية مع احلوافز املادية.
وقد زخرت الشريعة اإلسالمية ابآلايت الدالة على حتفيز املسلمني على خريي
111
( )1صاحل محيد العلي" ،عناصر اإلتتاج يف اًلقتصاد اإلسالمي والنظم اًلقتصادية املعاصرة -
دراسة مقارتة"( .ط ،1دمشق -بريوت ،اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع 1241 ،هـ -
4111م) ،ص .414
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ} [سورة
النحل.]91:
{ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ -مضاعفة احلسنات ،قال
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ} [سورة األنعام.]167:
{ :ﮟ ﮠ ﮡ -التشجيع على الكسب من عم اليد ،قال هللا
ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ} [سورة يس.]35:
{ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ -الدعوة ل ى الكسب الطيب ،قال
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة البقرة.]169:
{ :ﯙ ﯚ -اًلقتداء ابألتبياء يف العم وتعلم الصناعة ،قال هللا
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ} [سورة األنبياء.]97:
-اجلمع بني الدتيا واآلخرة واجلاتب الروحاين واملادي ،واملوازتة بينهما ،قال
{ :ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ} [سورة
القصص.]11:
التحفيز باجلزاءات.
حمذرا عباده { :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ -قال
{ :ﭑ ﭒ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ} [سورة الزلزلة ،]9-1:وقال
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ
ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ} [سورة آل عمران.]37:
يف قصة ذي القرتني{ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ -قال
112
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ}
[سورة الكهف.]99-91:
وغري ذلك من اآلايت الكثرية ،اليت حتفز األفراد على اًلمتثال واملسارعة ل ى
العم الصاحل.
املطلب الثاني :التطبيدقات النبوية لدقيمة التحفيز وأثرها يف اإلسالم
وهو اإلمام والقائد والقدوة واملريب ،التحفيز يف مجيع جماًلت استخدام النيب
احلياة ويف خمتلف الظروف واألماكن واألوقات ،أبساليب متنوعة؛ لتحفيز أصحابه
وأمته من بعده ،فتارة يستخدم اللني واترة يستخدم الشدة ،وأخرى يستخدم الرتهيب
والرتغيب ،وغري ذلك من أساليب تغرس الطمأتينة والراحة النفسية يف قلوب
مستمعيه ،وتدفعهم ل ى املسارعة ل ى العم .
ورىب عليها صحابته وهنا بعض من التطبيقات النبوية اليت استخدمها النيب
. الكرام
على العمل الصاحل باملثوبة ودخول اجلنة. أوالً :حتفيزه
لن الغاية القصوى لك مؤمن واليت يسعى هلا بك ما أويت من قوة هي الفوز
بدخول اجلنان اليت عرضها السموات واألرض وما أعد هللا فيها لعباده املؤمنني ،ففيها
ما ًل عني رأت وًل أذن مسعت وًل خطر على قلب بشر ،فنفس املؤمن تواقة ل ى
الوصول ل ى تلك الغاية السامية ،واًلتتقال من رغد الدتيا الزائ ل ى تعيم اآلخرة
الوعد بدخول اجلنة وسيلة حتفيزية هامة ملن امتث ألوامر الباقي ،فاستخدم النيب
ورسوله ،فكاتت تلك الوسيلة التحفيزية خري معني على حتقيق الدعوة ل ى هللا
ودافعا ل ى حسن العبادة ،وك ما فيه خري وصالح
العم الصاحل وفع اخلريات ،ا
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
113
لإلسالم واملسلمني يف الدتيا واآلخرة ،ومن ذلك ما ورد عنه :
-حتفيزه صحابته وأمته من بعده على البعد عن احملرمات ابللسان والفرج
ني ِر ْجلَْي ِه ِ
ني َحلْيَ ْيه َوَما بَْ َ ض َم ْن ِيل َما بَْ َ ول اَّللي قَ َ
الَ « :م ْن يَ ْ لدخول اجلنة ،فعن رس ي
َْ َُ
ض َم ْن لَهُ اجلَنَّةَ»(.)1 أَ ْ
س بْ ين َماليك، -حتفيزه على الشهادة يف سبيل هللا وبيان فضلها ،فعن أَتَ ي
س ُّرَها أ ََّهنَا تَ ْرِج ُع إِ َىل ِ ِ الَ « :ما ِم ْن نَ ْفس متَُ ُ َع ين الني ييب قَ َ
وتَْ ،لَا عْن َد هللا َخ ْريٌ ،يَ ُ
الش ِهي ُد ،فَِإنَّهُ يَتَ َم َّىن أَ ْن يَ ْرِج َع ،فَ يُ ْقتَ َل ِيف
يها ،إَِّال َّ ِ الدُّنْ يَاَ ،وَال أ َّ
َن َْلَا الدُّنْ يَا َوَما ف َ
ادةِ»( .)4وفيه حتفيز وتشجيع على الصرب يف مالقاة ض ِل َّ
الش َه َ الدُّنْ يَا لِ َما يَ َرى ِم ْن فَ ْ
العدو وعدم الفرار والتضحية والذود ابلنفس يف سبي لعالء راية اإلسالم وأن
الشهادة يف سبي هللا ًل يُلقاها لًل الصابرون.
على حفر بئر رومة اليت فيها منفعة عظيمة -حتفيزه لصحابته
يب َ « :م ْن َْحي ِف ْر ال الني ُّ
للمسلمني ،وكذلك جيش العسرة بثواب دخول اجلنة ،قَ َ
الع ْس َرةِ فَ لَهُ اجلَنَّةُ»
ش ُ َّز َجْي َ
الَ « :م ْن َجه َ بِْئ َر ُر َ
ومةَ فَ لَهُ اجلَنَّةُ» .فَ َح َفَرَها ُعثْ َما ُنَ ،وقَ َ
فَ َجهَزهُ ُعثْ َما ُن( ،)1وغري ذلك من األحاديث النبوية الشريفة.
ب حفظ( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه " .حديث رقم ( ،)6272كتاب الرقائقَ ،اب ُ
اللسان.)111 :8( ،
ب بيان فض ( )4أخرجه مسلم ،يف "صحيحه " .حديث رقم ( ،)1877كتاب اإلمارةَ ،اب ُ
الشهادة يف سبي هللا.)1228 :1( ،
ب َمنَاقي ي
ب ُعثْ َما َن بْ ين َعفا َن أيَيب َع ْمرو ( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .كتاب املناقبَ ،اب ُ
ال ُقَريش يي (.)11 :8
110
ب لي َذا أ ْ
َسلَ َم ( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)1186كتاب اجلنائزَ ،اب ُ
ض َعلَى الصي ييب ا يإل ْسالَ ُم؟.)22 /4( ، ي
صلى َعلَْيهَ ،وَه ْ يـُ ْعَر ُ
اتَ ،ه ْ يُ َ الصي ُّ
يب فَ َم َ
ب قَـ ْويل الني ييب : ( )4أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)6148كتاب األدبَ ،اب ُ
«يَ ِس ُروا َوالَ تُ َع ِس ُروا».)11 /8( ،
111
ِ ِ
وب َّ
اَّللُ َعلَى َم ْن ابَ ،ويَتُ ُب أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ َواد َاينَ ،ولَ ْن ميَََْلَ فَاهُ إَِّال َُّ
الرت ُ َح َّ
َذ َهب أ َ
لتأليف ب»( ،)1فكاتت تلك وسيلة حتفيزية عظيمة استخدمها املصطفى ََت َ
حتفيزا
القلوب الغليظة اليت حتم احلقد والكراهية لإلسالم واملسلمني ،فكان يعطيهم ا
وغرسا
اقتالعا ملشاعر الكراهية والبغضاء من النفوس ،ا
ورجاء يف دخوهلم اإلسالم و ا
عوضا عنها ،ورغبةا يف كف سوء أعماهلم عن املستضعفني من ملشاعر احلب ا
املسلمني .ومل يقتصر حتفيزه ابجلواتب املادية على غري املسلمني فقط ،ولكن امتد
ليشم املسلمني ليحقق التكام واأللفة والتوازن بني طبقات اجملتمع ،ومن تلك
التطبيقات النبوية التحفيزية ما يلي:
اإل ْس َالِم َشْي ئًا إَِّال
َعلَى ِْ ول ِ
هللا قالَ « :ما ُسئِ َل َر ُس ُ -فعن أتس
الَ :اي فَ َر َج َع إِ َىل قَ ْوِم ِه ،فَ َق َ ني،ني َجبَ لَ ْ ِاءهُ َر ُج ٌل فَأَ ْعطَاهُ غَنَ ًما بَْ َ
ال :فَ َج َ أَ ْعطَاهُ ،قَ َ
ِ قَ وِم أ ِ
اء َال ََيْ َشى الْ َفاقَةَ»(.)4 َسل ُموا ،فَِإ َّن ُحمَ َّم ًدا يُ ْعطي َعطَ ً
ْ ْ
-حتفيزه املؤلفة قلوهبم أبن يعطيهم من الغنائم ومن عطااي بيت مال
ال :لَما اصم ،قَ َاملسلمني؛ حتفيزا لقلوهبم ليدخلوا اإلسالم ،فعن عب يد اَّللي ب ين زي يد ب ين ع ي
ْ َْ ْ َ َْ ا
ص َار ي ي
اس ييف امل َؤل َفة قُـلُ ُ
وهبُْمَ ،وَملْ يـُ ْعط األَتْ َ أَفَاءَ اَّللُ َعلَى َر ُسولييه يَـ ْوَم ُحنَ ْني ،قَ َس َم ييف الن ي
ُ
ي
الَ « :اي َم ْع َش َر اسَ َ َ ْ ُ ََ َ َ ،
قـ ف م ه ـ بط خ ف اب الن َ َص َ َشْيـئاا ،فَ َكأَهنُْم َو َج ُدوا لي ْذ َملْ يُصْبـ ُه ْم َما أ َ
( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،) 2111كتاب املغازي ،ابب غزوة الطائف
(.)187 :8
ب َما ُسئي َ َر ُس ُ
ول ( )4أخرجه مسلم ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)1411كتاب الفضائ َ ،اب ُ
هللاي َشْيـئاا قَ ُّط فَـ َق َ
ال ًَل َوَكثْـَرُة َعطَائييه (.)1816 :18
111
أخروية ،ودتيوية ،واملدح والثناء والنداء أبحب األمساء وسائ تربوية استخدمها النيب
للتحفيز على الدخول يف اإلسالم من غري املسلمني ،ودعوة للمسلمني ل ى املثابرة
على العم الصاحل وشحذ اهلمم.
كما أن الطبائع البشرية ختتلف من شخص ل ى آخر ،فقد يؤثر احلزم والشدة
يف الشخصيات املرتددة والضعيفة ،ولكنه ًل يتناسب مع الشخصيات اليت تشعر
ابلعزة واألتفة ،وقد يناسب اللني شخصيات وًل يناسب شخصيات أخرى ،لذا توع
يف استمالة وأتليف القلوب؛ ليستنفر جهود األشخاص ،ويستخرج أفض ما النيب
،وعلمها ألصحابه حتفيز النفوس بداخلها .ومن تلك األساليب اليت طبقها النيب
قواي لتحقيق الغاايت
وحمفزا ا
عظيما امدخال ا
ا ابملدح والثناء ،فاملدح والثناء قد يكوان
حاضرا يف حياته وسريته
ا واألهداف املرجوة .وجند هذا األسلوب التحفيزي املهم
ومن ذلك: العطرة
الذي كان يرعى للغالم عبد هللا بن مسعود -مدح وثناء النيب
وتشجيعا له على
ا حتفيزا
الغنم ،حينما رأى النيب أماتته فقال له لتك غالم ُمعلم ،ا
الدخول يف اإلسالم منطل اق ا لعجابه حبسن خلق النيب وما رأى من معجزات وقف
ذهب لليه وتطق متأمال ،وحني مسع هذا الغالم امل ـُـعلم خبرب النيب
عقله أمامها ا
حممدا رسول هللا؛ ليكون من السابقني األولني ابلشهادة :أشهد أن ًل لله لًل هللا وأن ا
من املهاجرين واألتصار الذين أسلموا قب أن يدخ النيب دار األرقم بن أيب األرقم،
ي "ف َع ْن َعْب يد اَّللي ،قَ َ
يب َوأ ََان ت أ َْر َعى َغنَ اما ل ُع ْقبَةَ بْ ين أيَيب ُم َعْيط ،فَ َمر ييب الني ُّ الُ :كْن ُ
ال« :فَ َه ْل ِم ْن ت :تَـ َع ْمَ ،ولَ يك يين ُم ْؤمتََ ٌن ،قَ َ ِ
ال ييلَ « :اي غُ َال ُمَ ،ه ْل م ْن لَ َب؟» قُـْل ُ ُغ َال ٌم فَـ َق َ
َب فَ َحلَبَهُ ييفضْر َع َها ،فَـنَـَزَل الل ََُ َشاة َملْ يَ ْن ُز َعلَْي َها الْ َف ْح ُل؟» قَ َ
ال :فَأَتَـْيـتُهُ ،فَ َم َس َح
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
ِِ لي َانء ،فَش يرب وس َقى أَاب بكْرُ ،مث ،قَ َ ي
تَ :اي ت ،فَـ ُقْل ُصْ ال للضْريع« :انْ َقلصي» فَاتْـ َقلَ َ َ َ ََ َ َ
ك غُ َالمٌ اَّللُ إِنَّ َ
ك َّ ول اَّللي َعلي ْم يين يم ْن َه َذا الْ َق ْويل ،فَ َم َس َح َرأْ يسي َوقَ َ
ال« :يَ ْر َمحُ َ َر ُس َ
ُم َعلَّ ٌم»(.)1
وحتفيزا له على ا تشجيعا
ا -ثناؤه على الصحايب سلمة بن األكوع
ول هللايال َر ُس ُ شجاعته وقوته يف قتال ومالحقة املشركني الذي أغاروا على أب النيب ،قَ َ
الُ :مث أ َْعطَ ياين ري َر َّجالَتِنَا َسلَ َمةُ» ،قَ َ ري فُ ْر َسانِنَا الْيَ ْوَم أَبُو قَ تَ َ
ادةََ ،و َخ ْ َ َ « :كا َن َخ ْ َ
ني سهم الْ َفا ير يس ،وسهم الر ياج ي ،فَجمعهما ييل َي
مج ايعاُ ،مث أ َْرَدفَيين ي ول هللاي
َ ََُ َ َ ََْ َس ْه َم ْ َ ْ َ َر ُس ُ
ني لي َ ى الْ َم يدينَ ية( .)4وقد مجع النيب هنا بني ول هللاي وراءه علَى الْع ْ ي ي ي
ضبَاء َراجع َ ََ َُ َ َ َر ُس ُ
ماداي.
معنواي ،وأعطاه من الغنائم ا معا ،فأثىن عليه ا التحفيز املعنوي واملادي ا
ابلتصريح املباشر بذكر -وهذا حتفيز آخر جلمع من صحابته الكرام
أمته ل ى التمث هبا ،وأن يتخذوهم فضائلهم وخصائصهم الكرمية اليت دعا النيب
قدوةا من بعد النيب ،فلما كان هؤًلء الكرام الربرة هبذه الصفات ،وجب على
ال: ول اَّللي قَ َ س بْ ين َماليك ،أَن َر ُس َ فع ْن أَتَ ي
املسلمني اًلقتداء هبم واقتفاء أثرهمَ ،
اء ُعثْ َما ُن، َص َدقُ ُه ْم َحيَ ً ُّه ْم ِيف ِدي ِن َّ
اَّللُ ُع َم ُرَ ،وأ ْ «أ َْر َح ُم أ َُّم ِيت ِأب َُّم ِيت أَبُو بَكْرَ ،وأَ َشد ُ
ُيب بْ ُن َك ْعبَ ،وأَ ْعلَ ُم ُه ْم اب َِّ
اَّلل أ َُّ اه ْم َعلِ ُّي بْ ُن أَِيب طَالِبَ ،وأَقْرُؤ ُه ْم لِ ِكتَ ِ
َ ضُ َوأَقْ َ
( )1أخرجه ابن ماجه ،يف "سننه" .حديث رقم ( ،)182افتتاح الكتاب يف اإلميان وفضائ
الصحابة والعلم ،فضائ زيد بن اثبت.)88 :1( ،
ب َمنَاقي ي
ب قُـَريْش:2( ، ( )4أخرجه البخاري " ،سننه" .حديث رقم ( ،)1812كتاب املناقبَ ،اب ُ
)172
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
اجلوارح اليت هي العم ،فهناك الكثري من العقول والقلوب اليت ًل يصلح معها الوعيد
والتهديد واملثابة دون معرفة األسباب اليت دفعت ل ى املنع أو احلظر.
كثريا .ومن ذلك:
ل ى هذا األسلوب ا وقد جلأ النيب
-احلوار الذي دار بني النيب والشاب الذي أاته وطلب منه أن أيذن له
ول هللاي ،ائْ َذ ْن ييل الَ :اي َر ُس َ ال :لين فَ اَت َش ًّااب أَتَى النييب فَـ َق َ فع ْن أيَيب أ َُم َامةَ قَ َ ابلزانَ ،
ال: ال« :ا ْدنُ ْه» ،فَ َد َان يمْنهُ قَ يريباا .قَ َ ياب يلزَان ،فَأَْقـبَ َ الْ َق ْوُم َعلَْي يه فَـَز َج ُروهُ َوقَالُواَ :م ْهَ .م ْه .فَـ َق َ
اس
"وًَل الن ُ الَ : الًَ :لَ .وهللاي َج َعلَيين هللاُ في َداءَ َك .قَ َ ك؟» قَ َ ال« :أَ ُِحتبُّهُ ِأل ُِم َ س قَ َ فَ َجلَ َ
الًَ :ل .وهللاي اي رس َ ي
ول هللا َج َعلَيين هللاُ َ َ َُ ك؟» ،قَ َ ال« :أَفَ تُ ِحبُّهُ ِالبْ نَتِ َ ُيحيبُّوتَهُ يألُم َهاهتيي ْم" .قَ َ
الًَ :ل .وهللاي
َ ك؟» قَ َ ال« :أَفَ تُ ِحبُّهُ ِألُ ْختِ َ اس ُيحيبُّوتَهُ ليبَـنَاهتيي ْم" .قَ َ "وًَل الن ُ الَ : في َداءَ َك قَ َ
ال: ك؟» قَ َ ال« :أَفَ تُ ِحبُّهُ لِ َع َّمتِ ََخ َواهتيي ْم" .قَ َ ال" :وًَل الن ي ي
اس ُحيبُّوتَهُ أل َ ُ
ي
َج َعلَيين هللاُ ف َداءَ َك .قَ َ َ
ِ اس ُيحيبُّوتَهُ لي َعماهتيي ْم" .قَ َ ًَلَ .وهللاي َج َعلَيين هللاُ في َداءَ َك .قَ َ
ال« :أَفَ تُحبُّهُ "وًَل الن ُ الَ :
ال: اس ُيحيبُّوتَهُ يخلَ َاًلهتيي ْم" .قَ َ"وًَل الن ُ الَ : الًَ :لَ .وهللاي َج َعلَيين هللاُ في َداءَ َك .قَ َ ك؟» قَ َ ِخلَالَتِ َ
ص ْن فَ ْر َجهُ» قَ َ
ال :فَـلَ ْم الله َّم ا ْغ ِفر َذنْ بهُ ،وطَ ِهر قَ لْبهُ ،وح ِ الُ « : ض َع يَ َدهُ َعلَْي يه َوقَ َفَـ َو َ
ْ َ َ ْ َ ََ
ت لي َ ى َش ْيء(.)1 ي ي
ك الْ َف ََت يَـْلتَف ُيَ ُك ْن بَـ ْع ُد ذَل َ
ياسة يف احلوار الس ي ويف هذا احلديث بيان ملا كان عليه النيب يمن حس ين ي
ُ ُّ
وتلطفه مع الشاب الفيت الذي قهرته شهوته وأراد أن يرتكب الزان ،وصربه عليه ،على
ب َك ْس ي
ب الر ُج ي ( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)4174كتاب البيوعَ ،اب ُ
َو َع َملي يه بييَ يد يه.)87 :1( ،
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
113
ِ ال رس ُ ي
َح ُد ُك ْم ُح ْزَمةً ول اَّلل َ« :ألَ ْن َْحيتَط َ
ب أَ وعن أيب ُهَريْـَرَة ،قال :قَ َ َ ُ
َح ًدا ،فَ يُ ْع ِطيَهُ أ َْو ميَْنَ َعهُ»(.)1 ِ ِ
َعلَى ظَ ْه ِرهَ ،خ ْريٌ لَهُ م ْن أَ ْن يَ ْسأ ََل أ َ
ويف ذلك دعوة صرحية ل ى ذم الكس واخلمول والركون ل ى سفاسف األمور
والتحفيز على العم والسعي احلثيث له مهما كان توع العم وطبيعته ،ولن
اًلكتساب بعم شاق كاًلحتطاب ،فهو خري من سؤال الناس واًلحتياج لليهم،
وليراق ماء وجهه ،فإن مل يعطوه وقع ذلك يف تفسه واتتشر احلسد والبغض والكراهية
لذا كان التحفيز على العم أسلم وأتفع للفرد وللمجتمع.
على استغالل تعمة الصحة والفراغ ،أفض استغالل ابلعم -حتفيزه
الصاحل الدتيوي واألخروي ،واجلهد واًلجتهاد والدعوة أبًل يغف أحد عن اإلتتاج
واًلستثمار يف الوقت واجلهد طاملا هللا أعطاك الصحة والوقت ،فقال " :نِْعمتَ ِ
ان َ
َم ْغبُو ٌن فِي ِه َما َكثِريٌ ِم َن الن ِ
َّاسِ :
الص َّحةُ َوال َف َراغُ"( ،)4واألحاديث النبوية الشريفة يف
ذلك كثرية.
ب َك ْس ي
ب الر ُج ي ( )1أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)4172كتاب البيوعَ ،اب ُ
َو َع َملي يه بييَ يد يه.)87 :1( ،
( )4أخرجه البخاري ،يف "صحيحه" .حديث رقم ( ،)6214كتاب الرقائق ،ابب ًل عيش لًل
عيش اآلخرة.)88 /8( ،
110
املبحث الثاني :التحفيز يف الثدقافة الغربية والفرق بينه وبني الشريعة
اإلسالمية
املطلب األوَّل :التحفيز يف الثدقافة الغربية :املفهوم واالسرتاتيجيات
تظرا ألمهيته
انل مصطلح التحفيز اهتمام العديد من العلماء والباحثني ،ا
البالغة ،فالتحفيز هو ممارسة للتأثري يف اإلتسان من خالل حتريك الرغبات والدوافع
استعدادا لتقدمي أدق وأفض ما
ا واحلاجات ،وذلك لغرض لشباعها ،وجعلهم أكثر
لديهم ،وذلك هبدف حتقيق مستوايت عالية من اإلجناز واألداء يف املنظمة أو اجلاتب
الذي ينتمي لليه اإلتسان ،فللتحفيز جواتب وقوى مؤثرة يف سلوك اإلتسان أبساليب
وطرق ووسائ معينة ،قد تكون هذه الطرق معنوية أو مادية ،هبدف لشباع الرغبات
واحلاجات اإلتساتية ،وحتقيق الغاايت املنشودة ،فالتحفيز من األسس املهمة لضمان
حتقيق األهداف ،وتوفري الرغبة عند األفراد يف العم ،ويعترب حالياا من أهم أتشطة
املنظمات واجملتمعات الفاعلة والناجحة اليت تتنافس مع طبيعة العم والعاملني كأفراد
ومجاعات ،وضرورة احرتامها وتقديرها لألفراد واجلماعات ك حسب مهاراته وقدراته
البشرية.
ولذا تظران ل ى مفهوم مصطلح التحفيز يف الثقافة الغربية فإتنا تالحظ تعدد
املفاهيم واملعاين هلذا املصطلح ،وذلك على حد تعبري املعرف له ،ومن بني هذه
التعريفات ما يلي:
التحفيز كما عرفه " " Dimokأبته عبارة عن "العوام اخلارجية اليت جتع
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
جهدا أكرب مما يبذله
األفراد ينهضون بعملهم على حنو أفض ويبذلون معه ا
غريهم"(.)1
كذلك يُعرف " "pinderالتحفيز أبته هو "جمموعة من القوى النشيطة اليت
تصدر من داخ الشخص ومن حميطه يف آن واحد ،وهي حتث الفرد العام على
تصرف معني يف عمله"(.)4
ل ى جاتب تعريف "للتون مايوا" للتحفيز أبته" :هو شعور داخلي لدى الفرد
يولد لديه الرغبة يف اختاذ تشاط أو سلوك معني يهدف منه ل ى حتقيق أهداف معينة،
من خالل حتفيزهم على العم بكفاءة"(.)1
كذلك التحفيز عند "فريديريك سكيرت" هو عبارة عن" :ممارسة لدارية للمدير
للتأثري يف العاملني من خالل حتريك الدوافع والرغبات واحلاجات لغرض لشباعها،
استعدادا لتقدمي أفض ما عندهم هبدف حتقيق مستوايت عالية من
ا وجعلهم أكثر
األداء واإلجناز يف املنطقة ،ويؤكد هذا التعريف أن التحفيز من اختصاص املدير،
والغرض منه تعبئة العاملني وجعلهم أكثر جاهزية بدتياا وتفسياا ألج ترمجة هذا
( )1طاهر حممود الكاللدة" ،تنمية ولدارة املوارد البشرية"( .األردن ،دار عامل الثقافة للنشر
والتوزيع4118 ،م) ،ص .118
( )4محداوي وسيلة" ،لدارة املوارد البشرية"( .اجلزائر ،ديوان املطبوعات اجلامعية4112 ،م) ،ص
.181
( )1براء رجب تركي" ،تظام احلوافز اإلدارية ودورها يف صق ومتكني قدرات األفراد"( ،ط،1
عمان ،دار الراية4118 ،م) ص .87
111
( )1بسمة بوكرش" ،سياسة التحفيز وتنمية العالقات العامة يف املؤسسة" ،رسالة ماجستري غري
منشورة ،كلية اآلداب والعلوم اإلتساتية واًلجتماعية ،جامعة عنابة4111 ،م4114-م،
(ص.)128
( )4تنمية ولدارة املوارد البشري ،طاهر حممود الكاللده ،الطبعة األو ى ،عمان ،دار عامل الثقافة
للطباعة والنشر والتوزيع4118 ،م( ،ص .)118
( )1كيث ديفيز" ،السلوك اإلتساين يف العم ،دراسة العالقات اإلتساتية والسلوك التنظيمي"،
ترمجة الدكتور /سيد عبد احلميد مرسي والدكتور /حممد لمساعي (ط ،4القاهرة ،هنضة مصر
للطباعة والتوزيع1221 ،م) ،ص .618
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
ولذا تظران ل ى النظرايت الغربية املفسرة ملصطلح التحفيز يف الثقافة الغربية
فنالحظ اهتمام الكثري من الباحثني لنظرايت التحفيز ،وذلك على النحو التايل(:)1
النظرية الكالسيكية للتحفيز :ومن أهم مؤسسيها فريديريك اتيلور سنة
1221م ،وأطلق عليها مصطلح اإلدارة العلمية ،وقام من خالهلا بدراسة وتصميم
طرق العم بصورة تزيد من كفاءة العام وتزيد من لتتاجيته وتقوم هذه النظرية على
اًلفرتاضات التالية:
-1أن مشكلة عدم الكفاءة هي مشكلة اإلدارة وليست مشكلة العام .
-4لدى العمال اتطباع يف أهنم لذا أدوا العم بسرعة فستستغين اإلدارة عنهم،
ويصبحون عاطلني ،وابلتايل فإن لطالة مدة اإلجناز يعين ضمان عم ملدة
أطول.
-1من مسؤولية اإلدارة توفري األفراد املناسبني لعم معني ،وتدريبهم على أكثر
الوسائ كفاءة ألداء عملهم.
-2للعمال مي طبيعي للعم أبق من طاقاهتم.
ومن ذلك كله تالحظ أن هذه النظرية قد أمهلت اجلاتب اإلتساين يف العملية
اإلدارية ،فتنظر للعام كأته آلة وعنصر من عناصر اإلتتاج األخرى مث املال،
األرض ،اليد العاملة ،وتتجاه أن الفرد كائن حي لديه أحاسيس ومشاعر.
نظرية العالقات اإلنسانية للتحفيز :وصاحب هذه النظرية هو للتون مايوا،
( )1تور الدين حاروش" ،لدارة املوارد البشرية"( .ط ،1اجلزائر ،دار األمة للطباعة والرتمجة
والتوزيع4111 ،م) ،ص .112
111
وقد ظهرت كرد فع للنظرية الكالسيكية واهتمت ابلعنصر البشري وعالقات األفراد
مع رؤسائهم ومجاعة العم داخ املؤسسة ،وتضيف هذه النظرية أبن للعام
حاجات جسمية وتفسية واجتماعية زايدة عن احلاجات املادية ،وعليه تؤكد أن
العام يسعى ل ى لشباع حاجات أخرى خمتلفة عن احلاجات اليت تستهدف األجر،
وهذا من خالل التجربة املدروسة ابكتشاف أثر ظروف العم املادية(.)1
نظرية ( ،(xو) ،(yل "دوغالس ماك غريقور" للتحفيز ،وقد ذكر دوغالس
ماك أن التحفيز يف املنظمات سليب ،وأن املسؤولني يفرضون أسلوب اإلكراه يف العم
بطرق خفية(.)4
نظرية احلاجات األساسية ل "دافيد ماك ليالند" ،وتسمى ا
أيضا بنظرية
اإلجناز حيث يري صاحب هذه النظرية أن فهم التحفيز يتوقف على معرفة ثالث
حاجات أساسية ،وذلك علي النحو التايل(:)1
حيث أن األفراد الراغبني بشدة يف السلطة ،مييلون
-احلاجة ل ى السلطةُ ،
ملمارسة التأثري والرقابة والقوة ،فهم يطمحون للمناصب القيادية.
( )1أمحد عثمان لبراهيم" ،تظم احلوافز وأثرها على الرضا الوظيفي ،دراسة حالة كلية التجارة
جبامعة النيلني"( .رسالة ماجستري ،جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ،كيلة الدراسات
التجارية4111 ،م)( ،ص .)167
( )4عمار بوحوش " ،تظرايت اإلدارة احلديثة يف القرن احلادي والعشرين"( .ط ،1اجلزائر ،دار
الغرب اإلسالمي4116 ،م) ،ص .24
( )1بشري العالق" ،اإلدارة احلديثة تظرايت ومفاهيم"( .األردن ،دار اليازوري العلمية للنشر
والتوزيع4118 ،م) ،ص .112-118
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
-احلاجة لإلجناز ،األشخاص الذين تتوفر لديهم هذه احلاجة يرغبون يف
النجاح وخيافون من الفش ،وهم غالباا حيبون التحدي.
-احلاجة لالتتماء ،األفراد الذين تتوفر لديهم هذه احلاجة يشعرون ابلسرور
عند شعورهم حبب اآلخرين هلم.
ومن ذلك كله تالحظ اًلختالف الكبري يف مفهوم التحفيز يف الثقافة الغربية
ويف النظرايت املفسرة هلذا املصطلح ،ويرجع ذلك اًلختالف ل ى اختالف وجهات
تظر الباحثني هلذا املصطلح ،فنالحظ أن منهم من يركز ويعتمد على التحفيز املادي
كوسيلة من الوسائ املناسبة لتحفيز األفراد ،ومن بينهم من يعتمد على التحفيز
املعنوي ،ومن هم من يعتمد على التحفيز السليب أو اإلجيايب كوسيلة من وسائ حتفيز
األفراد.
سبل التحفيز يف الثدقافة الغربية:
للتحفيز يف الثقافة الغربية سب معينة ،تساهم يف عملية التحفيز ،وتتنوع هذه
السب وتتعدد حسب ما تدعو لليه احلاجة ،ومن بني سب التحفيز يف الثقافة الغربية
ما يلي:
-فرص الرتقي ،والرتقية عملية تق العام من وظيفة ل ى أخرى ،تتضمن
زايدة يف الواجبات واملسؤوليات والصالحيات ،ويصاحب الرتقية عادة زايدة يف املزااي
مهما
عامال ا
معا ،وتعد الرتقية ا املادية أو املعنوية اليت يتلقاها العام ،أو كلتيهما ا
للعام ،ألهنا تعد من احلوافز اليت هلا دور مهم يف لاثرة الدافعية لدى العاملني،
ليحسنوا أداءهم ،ويزيدوا لتتاجهم ،لذ ًلبد للعام الكفء من أن يعطي سبباا عملياا
111
( )1الوجيز يف لدارة املوارد البشرية ،حممد قاسم القريويت ،الطبعة األو ى ،عمان ،دار وائ للطباعة
والنشر والتوزيع4111 ،م( ،ص .)481-422
( )4لدارة املوارد البشرية (حنو منهج اسرتاتيجي متكام ) ،حممد بن دليم القحطاين ،الطبعة
األو ى ،الرايض ،مكتبة امللك فهد الوطنية4118 ،م( ،ص .)187
( )1أمحد سيد مصطفى" ،لدارة املوارد البشرية ،رؤية اسرتاتيجية معاصرة"( .ط ،4القاهرة ،حقوق
الطبع والنشر حمفوظة للمؤلف4118 ،م( ،ص .)228
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
العمولة يعطي أرضية آمنة ملواجهة أعباء املعيشة ،مع أن هذا اجلزء ًل يرتبط
مبجهودهم البيعي أو الوظيفي التخصصي(.)1
املطلب الثاني :أهمية التحفيز وأهّافه يف الثدقافة الغربية والفروقات يف
الشريعة اإلسالمية
تتضح أمهية التحفيز يف الثقافة الغربية من خالل كوته يساهم يف لشباع
مهما يف ذاته،
حاجات األفراد العاملني ،ورفع روحهم املعنوية ،ما حيقق هدفاا لتساتياا ا
ئيسا له اتعكاساته على زايدة لتتاج هؤًلء األفراد ،وتعزيز اتتمائهم ،وعالقتهم
وغرضا ر ا
ا
مع املؤسسة ولدارهتا ،ومع أتفسهم وزمالئهم.
حيث يعد
مقوما أساسياا يف املؤسسات املبدعةُ ،
ل ى جاتب أن التحفيز يُعد ا
ومطلواب وتؤص ذلك بواسطة حوافز وأساليب وتظم تعمق
ا متجددا
ا اإلبداع هدفاا
لميان العاملني هبذه املبادئ(.)4
هاما يف حتفيز
دورا ا
ابإلضافة ل ى ما تالحظه من أمهية التحفيز يف كوته يؤدي ا
العاملني على العم ،وحتسني أدائهم وزايدة لتتاجهم من حيث الكم والنوع ،وهذا
يتوقف على مدى توافر الشروط التالية(:)1
( )1لدارة املوارد البشرية ،أمحد ماهر ،اإلسكندرية ،الدار اجلامعية ،للطباعة والنشر والتوزيع،
1222م( ،ص .)422
(Loring. " Compensation in the ،steven H. ; Mackenzi ،Appeibaum )4
Year 2000: pay for performance?" (Health Manpower
.pp. 31-39 ،1996) ،Management. Vol. 22. No. 3
("Using Team-Individual Reward and Recognition ،Ron ،Cacioppe )1
=
112
( )1حممد غازي العمرات" ،حمفزات السلوك التطوعي يف الفقه اإلسالمي" .جملة جازان .1
( :)4118ص .86 ،81 ،71
110
الثقافة الغربية يف حتفيزها لألفراد بدرجة كبرية على اجلاتب املادي احملسوس ،أي على
النتائج املرتتبة والعوائد امللموسة عند القيام بذلك اجلهد ،وما هي اجلزاءات املنتظرة
حيال التقصري يف القيام بذلك اجلهد ،وما النفع الذي سيعود على األفراد ،وأُ َسرهم
من أمور حسية ملموسة ،ويغف بشك ما اجلاتب الروحاين واألمور املستقبلية الغيبية،
فالنظرة لديهم مادية حبتة ،كما هو احلال يف النظام الرأمسايل احلايل لديهم.
بينما التحفيز يف الشريعة اإلسالمية يتسع ويتداخ ليشم كافة اجلواتب
معا ،ولن كان للجاتب الروحاين ،والوعود الرابتية اليت وعد هللا هبااملعنوية واملادية ا
عباده املؤمنني يف اآلخرة اجلاتب األعظم.
فالتحفيز يف اإلسالم له العديد من اًلعتبارات ،وذلك على النحو التايل:
اعتبار ديين ،وهو التحفيز عن طريق الرتغيب أو الرتهيب ابلعم ،ووسيلة
تعزيزية لتحصي اجلزاء والثواب مكافأة عن العم ،فاجلنة من التحفيز اإلجيايب اليت
أيضا ل ى
تدفع ل ى العم واملسارعة ل ى اخلريات ،والنار من احملفزات السلبية اليت تدفع ا
العم ،ولكن مع اخلوف من اقرتاف السيئات واملنكرات.
اعتبار تفسي ،فاحملفزات طريق موافق لفطرة اإلتسان اجملبولة حنو السعي
لتحقيق الرضا والسعادة يف حتصي األفض واألحسن يف املخرجات سواء كاتت أداءا
تتاجا.
أم ل ا
اعتبار مادي ،فالتحفيز عن طريق املكافآت املادية بكافة أشكاهلا الدتيوية،
وطريق للمكافآت الغيبية األخروية ،فهي طريق إلشباع اًلحتياجات الذاتية اليت هبا
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
تتوفر احلياة الطيبة الكرمية للبشر(.)1
اعتبار معنوي ،فالتحفيز طريقة مثلى للتشجيع على اًلبتكار واإلبداع واإلتتاج
من خالل غرس القيم األخالقية اإلسالمية من الرب واخلري والعم ،واليت تنعكس على
سلوك األفراد العاملني وابلتايل على اجملتمع ،ومن مث القيام ابملسؤولية اليت أوك هللا
عباده هلا وهي عمارة األرض واستخالفها ،فمن خالل التحفيز يتحقق العمران
البشري(.)4
فالفرق بني التحفيز يف اإلسالم ويف الثقافة الغربية يتضح من خالل هدف ك
ومعنواي،
ا وماداي،
ا منهما ،فالتحفيز يف اإلسالم يهدف ل ى اًلرتقاء ابإلتسان دينياا،
وتفسياا ،على خالف التحفيز يف الثقافة الغربية واليت أمهلت اجلاتب اإلتساين يف
العملية اإلدارية ،فتنظر للعام كأته آلة وعنصر من عناصر اإلتتاج األخرى مث املال،
أيضا وأن الفرد كائن حي لديه أحاسيس ومشاعر،
األرض ،اليد العاملة ،وجتاهلها ا
وجتاهلها اًلرتقاء به ،ولمنا اًلرتقاء لصاحب العم أو من يقوم التحفيز من أجله.
( )1حممد يوسف الشطي ،أخرون "التحفيز والتشجيع يف ضوء السنة النبوية دراسة موضوعية".
(جملة الشريعة والدراسات اإلسالمية :)4118( ،111 ،ص .188
( )4ينظر :دور احلوافز املادية واملعنوية يف رفع مستوى أداء العاملني من وجهة تظر ضباط األمن
العام املشاركني يف موسم احلج ،الواب ،جامعة انيف العربية للعلوم األمنية ،رسالة ماجستري
يف العلوم اإلدارية411 ،م( ،ص )48-47بتصرف يسري.
111
اخلامتة
أبرز النتائج:
-1أن منظومة التحفيز يف اإلسالم هي فريدة من توعها فاقت كافة املنظومات
األخرى ،حيث وازتت بني اجلواتب املادية واجلواتب املعنوية ،ومل يطغى أحدمها على
اآلخر بشك كبري.
-4من أبرز التطبيقات النبوية اليت كاتت هلا أثر فعال يف عملية التحفيز،
حبسن اخللق واملعاملة الطيبة. حتفيزه
كاتت سبباا مباشرا يف دخول الناس يف -1أن تنوع أساليب التحفيز عنده
املدتية وقوهتا. قواي يف لتشاء دولته
داعما ا
اجا كما أهنا كاتت ا
دين هللا أفو ا
-2ركزت الثقافة الغربية يف عملية التحفيز على اجلاتب اإلداري بشك كبري
واملتعلق مبسألة العم واإلتتاج واإلجناز وكفاءة العم داخ املؤسسات ،بينما اتسمت
الشريعة اإلسالمية ابلشمولية يف تناول كافة جواتب احلياة ،واستيعاب أفض ما
جاءت به النظرايت احلديثة يف التحفيز.
-8رغم تركيز الثقافة الغربية على اجلاتب اإلداري بشك كبري لًل لهنا مل هتتم
ومعنواي ،وتفسياا ،خبالف الشريعة اإلسالمية.
ا وماداي،
ابإلتسان دينياا ،ا
-6من أبرز مميزات التحفيز يف اإلسالم أن ك عم يقوم به املسلم يف الدتيا
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
ينتفع به ،أو يفيد به غريه جيد ثوابه يف الدتيا واآلخرة.
التوصيات:
بعد أن عرض الباحث جوهر التحفيز يف اإلسالم والفروقات بينه وبني املنظور
الغريب يوصي الباحث:
-1وضع اسرتاتيجية تعليمية يشارك فيها القيادات والكوادر التعليمية وأولياء
األمور ،هبدف تعزيز التطبيقات النبوية املتعلقة ابلتحفيز لدى النشء الذين هم هدف
العملية التنموية ومن مث تعميمها على املراح التعليمية املختلفة.
-4العم على لجياد برامج تطبيقية سواء حضورية ،أو تقنية تساعد القيادات
يف كافة املؤسسات على تعزيز القيم النبوية متمثلة يف التحفيز داخ مؤسساهتم.
-1النظر بعني اًلعتبار على اإلرث اإلسالمي وما حيويه من أخالقيات وقيم
سبق هبا احلضارات األخرى واستخراجها واًلستفادة منها يف كافة اجملاًلت.
-2لتشاء مراكز وكراسي حبثية متخصصة داخ اجلامعات تعىن فقط ابلقيم
النبوية واألخالق اإلسالمية.
h
111
لبراهيم ،أمحد عثمان" .تظم احلوافز وأثرها على الرضا الوظيفي ،دراسة حالة -1
كلية التجارة جبامعة النيلني"( .رسالة ماجستري ،كيلة الدراسات التجارية،
جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا4111 ،م).
ابن حبان ،حممد بن حبان " .اإلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان ". -4
حتقيق شعيب األرتؤوط( .ط ،1بريوت :مؤسسة الرسالة1218 ،ه).
ابن حنب ،أبو عبد هللا أمحد بن حممد " .مسند اإلمام أمحد بن حنب ". -1
حتقيق شعيب األرتؤوط -عادل مرشد ،وآخرون( .ط ،1بريوت ،مؤسسة
الرسالة 1241 ،هـ 4111 -م).
ابن ماجة ،حممد بن يزيد " .سنن ابن ماجه " .حتقيق شعيب األرتؤوط -2
(ط ،1بريوت :دار الرسالة العاملية1211 ،ه).
البخاري ،حممد لمساعي " .صحيح البخاري" .حتقيق حممد زهري بن انصر -8
الناصر( .ط ،1بريوت :دار طوق النجاة1244 ،ه).
الرتمذي ،حممد بن عيسى" .سنن الرتمذي" .حتقيق أمحد حممد شاكر، -6
ولبراهيم عطوة( .ط ،4القاهرة :مكتبة مطبعة مصطفى البايب احلليب
وأوًلده1128 ،هـ).
التوجني ،عبد السالم" .الشريعة اإلسالمية يف القرآن الكرمي تظرية احلق -7
مميزاهتا وخصائصها ومبادئها"( .ط ،4ليبيا ،منشورات مجعية الدعوة
اإلسالمية العاملية1227 ،م).
الرازي ،حممد بن أيب بكر" .خمتار الصحاح" .حتقيق :يوسف الشيخ حممد. -8
(ط ،8بريوت :املكتبة العصرية -الدار النموذجية1241 ،هـ 1222 /م).
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
اجلهين ،عبد هللا بن سليمان" .تقييم تظم حوافز العم يف املديرية العامة -2
للجوازات من وجهة تظر األفراد العاملني فيها ،دراسة ميداتية على لدارة
جوازات جدة"( .رسالة ماجستري غري منشورة ،معهد الدراسات العليا،
قسم العلوم الشرطية ،أكادميية انيف العربية للعلوم األمنية1228 ،م).
الشريف املرتضى ،علي بن احلسني" .أمايل املرتضى غرر الفوائد ودرر -11
القالئ " .حتقيق حممد أبو الفض لبراهيم( ،ط ،1القاهرة :دار لحياء
الكتب العربية1282 ،م).
الشطي ،حممد يوسف ،آخرون "التحفيز والتشجيع يف ضوء السنة النبوية -11
دراسة موضوعية" .جملة الشريعة والدراسات اإلسالمية.)4118( ،111 ،
الطجم ،عبد اجمليد عبد الغين ،وآخرون " .السلوك التنظيمي "( .دار -14
النوابغ ،جدة1217 :ه).
العمرات ،حممد غازي "حمفزات السلوك التطوعي يف الفقه اإلسالمي" .جملة -11
جازان 4118( .1م).
العالق ،بشري" .اإلدارة احلديثة تظرايت ومفاهيم"( .األردن :دار اليازوري -12
العلمية للنشر والتوزيع4118 ،م).
العلي ،صاحل محيد" .عناصر اإلتتاج يف اًلقتصاد اإلسالمي والنظم -18
اًلقتصادية املعاصرة -دراسة مقارتة"( .ط ،1دمشق – بريوت :اليمامة
للطباعة والنشر والتوزيع 1241 ،هـ 4111-م).
القحطاين ،حممد بن دليم" .لدارة املوارد البشرية ،حنو منهج اسرتاتيجي -16
متكام "( .ط ،1الرايض :مكتبة امللك فهد الوطنية4118 ،م).
القريويت ،حممد قاسم" .الوجيز يف لدارة املوارد البشرية"( .ط ،1عمان :دار -17
وائ للطباعة والنشر والتوزيع4111 ،م).
111
القزويين ،أمحد بن فارس" .معجم مقاييس اللغة .حتقيق عبد السالم هارون. -18
([ط] ،بريوت :دار الفكر1122 ،هـ 1272 -م).
الكاللدة ،طاهر حممود" .تنمية ولدارة املوارد البشرية"[( .ط] ،األردن :دار -12
عامل الثقافة للنشر والتوزيع4118 ،م).
النيسابوري ،مسلم بن حجاج" .صحيح مسلم" .حتقيق حممد فؤاد عبد -41
الباقي( .ط ،1بريوت :طبع دار لحياء الرتاث1128 ،م).
الواب ،عبد الرمحن بن علي" .دور احلوافز املادية واملعنوية يف رفع مستوى -41
أداء العاملني من وجهة تظر ضباط األمن العام املشاركني يف موسم احلج"
(رسالة ماجستري ،كلية الدراسات العليا ،قسم العلوم اإلدارية ،جامعة انيف
العربية للعلوم األمنية4118 ،م).
تركي ،براء رجب" .تظام احلوافز اإلدارية ودورها يف صق ومتكني قدرات -44
األفراد"( .ط ،1عمان ،دار الراية4118 ،م).
حاروش ،تور الدين" .لدارة املوارد البشرية"( .ط ،1اجلزائر ،دار األمة -41
للطباعة والرتمجة والتوزيع4111 ،م).
محداوي ،وسيلة" ،لدارة املوارد البشرية"[( .ط] ،اجلزائر ،ديوان املطبوعات -42
اجلامعية4112 ،م).
بوحوش ،عمار" .تظرايت اإلدارة احلديثة يف القرن احلادي والعشرين". -48
(ط ،1اجلزائر ،دار الغرب اإلسالمي4116 ،م).
بوكرش ،بسمة" .سياسة التحفيز وتنمية العالقات العامة يف املؤسسة". -46
(رسالة ماجستري غري منشورة ،كلية اآلداب والعلوم اإلتساتية واًلجتماعية،
جامعة عنابة4111 ،م4114-م).
كيث ديفيز" ،السلوك اإلتساين يف العم ،دراسة العالقات اإلتساتية -47
قيمة التحفيز بني التطبيقات النبويَّة يف الشريعة اإلسالميَّة والثقافة الغربيَّة -دراسة مقارنة -
111
والسلوك التنظيمي" ،ترمجة سيد عبد احلميد مرسي ،وحممد لمساعي ( .ط،4
القاهرة ،هنضة مصر للطباعة والتوزيع1221 ،م).
-48مصطفى ،أمحد سيد" .لدارة املوارد البشرية ،رؤية اسرتاتيجية معاصرة".
(ط ،4القاهرة ،حقوق الطبع والنشر حمفوظة للمؤلف4118 ،م).
Loring. "Compensation ،steven H. ; Mackenzi ،Appeibaum -42
in the Year 2000: pay for performance?" (Health Manpower
.pp. 31-39 ،1996) ،Management. Vol. 22. No. 3
"Using Team-Individual Reward and ،Ron ،Cacioppe -11
Recognition Strategies to Drive organizational Success".
(Leadership and Organization Development Journal. Vol. 20.
.Pp. 321-322 ،199) ،No. 6
112
bibliography
Prepared by :
Dr. Yaqob Bin Yosef Alanqeri
Associate Professor of Islamic Culture ،College of
Sharia and Islamic Studies ،Qassim University
Email: ankry@qu. edu. sa
ملخص البحث
تعد األحاديث النبوية أحد املصادر األصلية يف جمال القيم اإلسالمية اليت
تكسبها قوة يف اًلمتثال واًللتزام ،وقد تضمنت أحاديث الس َفر يف صحيح مسلم
مجلة من القيم ،واتبعت املناهج التالية :اًلستقرائي واًلستنباطي والوصفي يف استخراج
تلك القيم وبيان دًللتها.
وجاء البحث يف مطلبني ،املطلب األول :القيم التشريعية ،وقد بلغت القيم
املستنبطة من أحاديث الس َفر أربعة ،وهي :قيمة اًلقتداء والتأسي ،واًللتزام أبحكام
اإلسالم ،والسمع والطاعة ،والتيسري ،واملطلب الثاين :القيم اخلُلُقية ،وبلغت القيم
املستنبطة ستة ،وهي :قيمة التواضع ،واإلحسان ،والعدل ،واًلعتدال ،والعفة،
والتقوى ،وهذه القيم املستنبطة منها ما هو منصب على أحكام اإلسالم التشريعية
ولظهار اشتماهلا عليه وتفردها ،ومنها ما هو منصب على ترسيخها وتعميقها يف تفس
الفرد املسلم.
الكلمات املفتاحية( :صحيح مسلم -القيم -السنة النبوية -السفر).
111
Abstract
The hadiths of the prophet are one of the original sources in the
field of Islamic values that gaive them strength in compliance and
commitment ،and the hadiths of the travel in Sahih Muslim included a
set of values. The following approaches were followed: inductive ،
deductive and the descriptive ،applied in extracting those values and
indicating their significance .
The research consisted two topics ،the first topic: the legal values ،
and the values deduced from the hadiths of travel under this topic are
four ،namely: the value of imitation and emulation ،and adherence to
the rulings of Islam ،hearing and obedience ،and simplifying ،and the
second topic: moral values ،and the values deduced under this topic
are six ،namely: the value of humility ،charity ،justice ،moderation ،
chastity ،piety ،and these values derived from what is based on the
legal provisions of Islam and to show its inclusion and uniqueness ،
including what is to consolidate and deepen them in the Muslim
individual .
Keywords: (Sahih Muslim - values - Sunnah - travel).
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
املدقِّمة
تُـ َع ُّد القيم من اجملاًلت احليوية يف احلياة اإلتساتية ،وهي الضابط ُّ
لتصرفات
اإلتسان وسلوكه يف هذه احلياة ،سواءٌ أكان مع حميطه القريب أم البعيد ،فغياب القيم
يؤدي ل ى تتائج وآاثر سيئة على اجملتمع ي
مبكوانته ،وظهور واضطراهبا يف اجملتمع ي
السلبيات واإلشكاًلت ي
املتعددة الفكرية والسلوكية واًلجتماعية واألسرية بني أفراده.
ومصدرا دورا أساسيًّا يف حياة املسلم واجملتمع املسلم، ي
ا وتُشك القيم اإلسالمية ا
ومنهجا للحياة الفردية
ا ها ًّما لالرتقاء ابإلتسان ل ى مدارج الكمال اإلتساين،
واجملتمعية ،ومتتاز منظومة القيم اإلسالمية ابستمدادها من املصادر األصلية يف الدين
وثباات اإلسالمي؛ الكتاب الكرمي والسنة النبوية ،مبا ي ي
كسبها قوةا يف اإللزام واًللتزام هبا ،اُ
تغريها ،فعلى سبي املثال :قيمة اإلميان فضيلة ًل يتغري معيارها يف ُحكمها وعدم ُّ
بزمان وًل مكان وًل بيئة.
منبع ًل ينضب ًلستخراج القيم اإلسالمية أبتواعها،
لذلك فالنصوص النبوية ٌ
ي
املتعددة اإلرشادات والتوجيهات املتعلقة جبزئيات القيم فهي حتوي يف سياقاهتا
اإلسالمية ،فتجد األحاديث املتنوعة املتعلقة مبوضوعات الدين اإلسالمي ،اليت
ستخرج منه احلكم الشرعي،
تتضمن الدًللة على القيم اإلسالمية ،فالسياق النبوي يُ َ
أيضا القيم اإلسالمية أبتواعها ،وهذا فيه من دًلئ اإلعجاز
كما يُستنبَط منه ا
111
وحي من هللا ،وأن هذه التضمينات القيمية يفواإلثبات على أن األحاديث النبوية ٌ
النصوص النبوية املتنوعة هلا مقاصد سامية ي
وح َكم ابهرة.
املتضم ينة للقيم اإلسالمية :تلك النصوص اليت ورد
ي ومن مجلة األحاديث النبوية
عموما؛ فقد ي
كر للسفر ،سواءٌ أكان يف أسفار النيب أو يف السفر ا يف سياقها ذ ٌ
احتوت على قيم لسالمية عديدة راقية ،متعليقة ابإلتسان ،وابلتعام مع احليوان ،وقد
جاء هذا البحث ليُسلي َط الضوء على النصوص النبوية املتعليقة ابلسفر يف صحيح
مسلم ،واستنباط القيم اإلسالمية منها ،مبا يعود ابلنفع على الفرد واجملتمع املسلم.
أسئلة البحث:
يتمحور سؤال البحث الرئيس حول :ما القيم اإلسالمية املتضمنةُ يف أحاديث
السفر يف صحيح مسلم؟ ويتفرع عنه األسئلة اآلتية:
-1ما القيم التشريعية املتضمنةُ يف أحاديث السفر؟
-4ما القيم اخلُلُقية املتضمنةُ يف أحاديث السفر؟
أهميَّة البحث:
ي
البحث يف اآليت: تكمن أمهيةُ
السنة النبوية؛ لكوهنا املصدر الثاين
-1أمهية البحث عن القيم اإلسالمية يف ُّ
كسب تلك ي
القيَ َم أصالةا ،وقوةا يف من املصادر األصلية للثقافة اإلسالمية ،مما ي ي
ُ
امتثاهلا.
-4استجالء القيم اإلسالمية املتضمنة يف أحاديث السفر؛ مبا يُث يري َ
جمال القيم
اإلسالمية.
السنة النبوية. اهتمامه مبجال ي
القيَم من خالل ُّ -1لبراز عناية اإلسالم و ي
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
ت اتتباه الباحثني للقيام ابلدراسات والبحوث ي
ذات -2لسهام البحث يف لَْف ي
الصلَة ي
ابلقيَم يف ُكتُ ي
ب السنة. ي
عىن
كذلك تفارق دراسيت احلالية الدراسة السابقة يف موضوعها وحدودها؛ فدراسيت تُ َ
عىن ابستنباط
ابستنباط القيم اإلسالمية من أحاديث السفر ،وأما الدراسة السابقة فتُ َ
القيم الرتبوية من القصص النبوي.
-4أثر وسائ السفر احلديثة على رخصة السفر:
دراسة للباحث :د .لبراهيم بن سامل الصغري ،منشورة يف جملة القرطاس ،العدد
(4141 ،)16م.
هتدف الدراسةُ ل ى بيان وسائ السفر ،ومشروعيته ،واملسافة اليت جيوز فيها
الرتخص فيه ُبر َخص السفر.
ومدته ،وتوع السفر الذي جيوز ُّ
األخذ ُبر َخص السفر ُ
وختتلف دراسيت احلالية عن الدراسة السابقة يف اجتاهها وموضوعها ،فدراسيت
احلالية تتجه ل ى استنباط القيم اإلسالمية من أحاديث السفر ،وهذا جاتب من الثقافة
اإلسالمية ،أما الدراسة السابقة فهي تتجه ل ى بيان األحكام املتعليقة ابلسفر ،وهذا
جاتب الفقه اإلسالمي.
حّود البحث:
قتصر البحث على دراسة ي
القيَم اإلسالمية املتضم ينة يف األحاديث اليت ورد ي
يَ ُ
كر السفر يف «صحيح مسلم» ،أو ما يدل عليه من األلفاظ ،وسواءٌ أكان ورد ي
فيها ذ ُ
يف سياق أسفار النيب ،أو يف السفر بشك عام.
منهج البحث:
استخدام املنهج اًلستقرائي واًلستنباطي ،من ي
البحث اقتضت طبيعةُ هذا
َ
خالل تَتبُّ يع األحاديث اليت ورد فيها يذكر السفر يف صحيح مسلم ،واستنباط ي
القيَم ُ
اإلسالمية املتضم ينة فيها ،ومن مث املنهج الوصفي من خالل املعرفة الدقيقة والتفصيلية
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
123
لعناصر املوضوع ،والوقوف على دًللتها(.)1
خطة البحث التَّفصيليَّة:
املقدمة :تشتم على أسئلة البحث ،وأمهيته ،وأهدافه ،والدراسات السابقة،
وحدود البحث ،ومنهجه.
التمهيد :التعريف مبصطلحات الدراسة.
املبحث األول :القيم التشريعية املتضمنة يف أحاديث السفر.
املبحث الثاين :القيم اخلُلُقية املتضمنة يف أحاديث السفر.
وتتضمن أهم النتائج والتوصيات.
َّ اخلامتة:
( )1اتظر :أمحد حسني الرفاعي" ،مناهج البحث العلمي تطبيقات لدارية واقتصادية"( ،ط،1 .
عمان :دار وائ 4112 ،م).144 ،
120
التمهيّ :التعريف مبصطلحات الّراسة
-1القيم يف اللغة:
ي
صحيحان، ي
أصالن جاء يف معجم مقاييس اللغة(" :قوم) القاف والواو وامليم
ي ُّ
مت الشيءَ أحدمها على مجاعة انس ،ورمبا استُعري يف غريهم ...ومن الباب :قو ُ يدل ُ
تقوي اـما ،وأص ُ القيمة الواو ،وأصلُه أتك تُيقيم هذا مكا َن ذاك.)1(" ...
اسم لي َما يقوم به الشيء ،أي: وقال الراغب األصفهاين" :القيام والقوامٌ :
عمد ويُسنَد لليه ...واإلقامة يف املكان :الثبات ،ولقامةُ ي ي
يثبت ،كالعماد والسناد؛ ل َما يُ َ
تثقيف.)4(" ... ي ي ي
الشيء :تَـ ْوفيَةُ حقه ...وتقومي الشيءُ :
ويتضح مما سبق أن مادة (قوم) استُ ي
عملَت يف اللغة العربية ملعان عدة ،واملعىن
األقرب ل ى موضوع البحث هو التثقيف.
ُ اللغوي
وأما يف االصطالح:
َّ
فتعددت التعريفات اًلصطالحية ملفهوم ي
القيَم ،ومن تلك التعريفات:
-التعريف األول :أتـها "القواعد اليت تقوم عليها احلياة اإلتساتية ،وختتلف هبا
عن احلياة احليواتية"(.)1
( )1أمحد بن فارس" ،معجم مقاييس اللغة" ،حتقيق :عبد السالم هارون1122( ،ه ،دار
الفكر).21 :8 ،
( )4الراغب األصفهاين" ،مفردات ألفاظ القرآن" ،حتقيق :عدانن داوودي( ،ط ،2دمشق :دار
القلم1211 ،هـ4112 ،م).621 -621 ،
وقسما علميًّا"( ،ط.
ختصصا ومادةا ا
ا ( )1عبد هللا بن لبراهيم الطريقي وآخرون" ،الثقافة اإلسالمية
1217 ،1ه).12 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
121
مهتداي مبجموعة -التعريف الثاين :أتـها "حكم ي ي
صدره اإلتسان على شيء ما
ا ُ ُ
حمد ادا املرغوب فيه واملرغوب عنه مناملبادئ واملعايري اليت ارتضاها الشرع ،ي
السلوك"(.)1
ومن خالل التعريفني السابقني ميكن القول أبن ي
القيَم هي :جمموعة من القواعد
فق تلكواألحكام وال ُـمثُ اليت تقوم عليها احلياةُ اإلتساتية ،وتوجيه تلك احلياة َو َ
القي يم.
-2اإلسالم يف اللغة:
جاء يف معجم مقاييس اللغة(" :سلم) السني والالم وامليم معظم اببه من
الصحة والعافية ...اإلسالم ،وهو اًلتقياد؛ ألته يَسلَم من اإلابء واًلمتناع"(.)4
المةُ :الرباءة ،وتَ َسل َم منه أي:
الم والس َ
ويف معجم لسان العرب(" :سلم) الس ُ
ي ()1
اًلستسالم :اًلتقياد ،وا يإلسالمُ
ُ اإلسالم و
ُ سالم ...و
تربأ" ،مث قال" :السالم :اًلست ُ
لظهار اخلضوع ولظهار الشريعة ،والتزام ما أتى به النيب "(.)2
من الشريعة ُ
ويُستخلَص مما سبق أن اإلسالم يدور معناه على اًلستسالم ،واًلتقياد،
واإلخالص ،وهذه املعاين الثالثة ًل تضاد بينها.
( )1حامد زهران" ،علم النفس اًلجتماعي"( ،ط ،1 .القاهرة :عامل الكتب1277 ،م).114 ،
( )4ابن فارس" ،معجم مقاييس اللغة".21 :1 ،
( )1حممد بن مكرم ابن منظور" ،معجم لسان العرب"( ،بريوت :دار صادر).482 :14 ،
( )2ابن منظور" ،معجم لسان العرب".421 :14 ،
121
وأما يف االصطالح:
َّ
فاإلسالم له معنيان:
-1املعىن العام :يُطلَق اإلسالم ويُراد به اًلستسالم هلل ،واًلتقياد واإلذعان
ألوامره وتواهيه ،ولخالص العبادة له ،والرباءة من الشرك وأهله(.)1
أبته خمصوص مبا -4املعىن اخلاص :خيتص اسم اإلسالم بعد بعثة النيب
من عقائد ،وشرائع ،وعبادات ،فاإلسالم حممدا
ور ُسله ا
بعث هللا به خامت أتبيائه ُ
هو شريعة حممد دون ما سواه من األداين(.)4
وأما تعريف القيم اإلسالمية كمصطلح مركب:
َّ -
فتعددت التعريفات اًلصطالحية ملصطلح ي
القيَم اإلسالمية ،ومن تلك
التعريفات:
-أهنا "تلك املعايري اليت جاء القرآن الكرمي هبا والسنة النبوية ،ودعا اإلسالم
لليها ،وحث على اًللتزام هبا والتمسك هبا ،وأصبحت حم اعتقاد واتفاق واهتمام
لدى املسلمني ،لذ متث موجهات حلياهتم ومرجعا ألحكامهم"(.)1
( )1اتظر :عبد الرمحن بن أمحد ابن رجب" ،جامع العلوم واحلكم يف شرح مخسني حديثاا من
جوامع الكلم"( ،بريوت :دار املعرفة).47-46 ،
( )4اتظر :فهد بن انصر السلمان" ،جمموع فتاوى ورسائ الشيخ حممد بن صاحل العثيمني"،
(الطبعة األخرية ،الرايض :دار الوطن1211 ،ه).27 ،
( )1صاحل بن حيي الزهراين" ،قيم السالم يف كتب التفسري واحلديث والرتبية الوطنية يف املرحلة
املتوسطة ابململكة العربية السعودية" .رسالة دكتوراه غري منشورة ،جامعة أم القرى،
(4118م).11 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
121
ولع األتسب أن يقال :جمموعة من القواعد واألحكام املستمدة من القرآن
الكرمي والسنة النبوية اليت جتع حياة اإلتسان وسلوكياته قائمة ومتطابقة مع قواعد
الشرع وأحكامه.
املبحث األوَّل :الدقيم التشريعية املتضمَّنةِ يف أحاديث السفر
وفيه عدة فروع:
الفرع األول :قيمة االقتّاء والتأسِي.
تعريف االقتداء والتأسي:
لالقتداء والتأسي تعريفات متعددة ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-قال املناوي" :القدوة ابلكسر والضم :اًلقتداء ابلغري ومتابعته والتأسي
به"(.)1
-قال الكفوي" :األسوة :احلالة اليت يكون اإلتسان عليها يف اتباع غريه لن
ضارا"(.)4
سارا ولن ا
قبيحا ،لن ا
حسناا ولن ا
قيمة االقتداء والتأسي:
بت ابن عمر يف طريق مكة ،قال :فَصلى -1عن حفص بن عاصم قال ( :ي
صح َُ
س َو َجلَ ْسنا معه ،فحاتت
وجلَ َ
لنا الظهر ركعتني ،مث أقب وأقبلنا معه ،حَت جاء َر ْحلَهَُ ،
( )1عبد الرؤوف املناوي " ،التوقيف على مهمات التعاريف"( ،ط ،1 .القاهرة :عامل الكتب،
1211ه).462 ،
( )4أيوب بن موسى الكفوي" ،الكليات" ،حتقيق :عدانن درويش وحممد املصري( ،ط،4 .
بريوت :مؤسسة الرسالة.118-112 ،)1212 ،
121
ي
يصنع هؤًلء؟ قلت :يُسبي ُ
حون. قياما ،فقال :ما ُانسا احيث صلى ،فرأى ا حنو ُ التفاتةٌ َ
بت رسول هللا يف ي نت ُمسبي احا
أمتمت صاليت ،اي ابن أخي" ،لين صح ُُ قال :لو ُك ُ
السفر ،فلم يَيزد على ركعتني حَت قبضهُ هللا ،"...احلديث ل ى قوله :وقد قال هللا :
{ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ [سورة األحزاب.)1()]41:
يتبني يف هذا احلديث اًلهتمام ابلقيم التشريعية ،من خالل اًللتزام بقيمة
يف ك أمور املسلم ،سواءٌ يف األقوال أو األفعال أو اًلقتداء و ي
التأسي ابلنيب
األحوال( ،)4ويتعني اتيباعه يف اجلواتب الدينية والعبادية()1؛ ألن هللا أمر ي
ابلتأسي
به ،وهذا الشرع مبل ٌغ من هللا من طريقه وبواسطته ،فهو أعلم حبقيقة األمر وكيفية
أدائه.
التأسي ُمتثي النموذج احلي ،واملثال احملسوس الباعث لإلتسان
وقيمة اًلقتداء و ي
على احملاكاة يف اخلري ،والرتقيي يف ُسلم الكماًلت اإلتساتية ،ومدارج العبودية هلل،
وحتقيق كمال اإلميان ،والوصول ل ى جنة هللا ومغفرته ورضواته.
وخَر َج ل ى
-4عن ابن أيب رافع قال( :استخلف مروان أاب هريرة على املدينةَ ،
صلى لنا أبو هريرة يوم اجلمعة ،فَـ َقرأَ بعد سورة اجلمعة يف الركعة اآلخرة{ :ﮐ
مكة ،فَ َ
( )1مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب صالة املسافرين وقصرها ،حديث رقم:
( ،)682ص.481 :
( )4اتظر :لمساعي بن عمر ابن كثري" ،تفسري القرآن العظيم" ،حتقيق :سامي بن حممد السالمة،
(ط ،4 .دار طيبة1241 ،ه).121 :6 ،
"، ( )1اتظر :صاحل بن عبد هللا ابن محيد" ،موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول الكرمي
(ط ،1 .جدة :دار الوسيلة1218 ،ه).122 :4 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
121
ﮑ ﮒ } [سورة املنافقون ،]1:قال :فأدركت أاب هريرة حني اتصرف ،فقلت له:
لتك قَـَرأْت بسورتني كان علي بن أيب طالب يَـ ْقَرأُ هبما ابلكوفة ،فقال أبو هريرة ،لين
قرأُ هبما يوم اجلمعة)(.)1
يَ َ مسعت رسول هللا
يظهر يف هذا احلديث العناية بقيمة اًلقتداء يف اجلواتب التشريعية ،وأن ي
التأسي
ابلنيب ًل يقتصر على األمور الواجبة يف العبادات فحسب ،ب حَت يف األمور
املستحبة واملسنوتة فيها ،واحلرص على ي
التأسي واًلقتداء ابلنيب يف عبادته َلربيه يف َ
األقوال فيها واألفعال واهليئات؛ ألن اتيباعه يف ذلك أمارة على احملبة الصادقة من
،واإلحساس بفضيلته يف املسلم للنيب ،وشعور املسلم بكمال عبودية النيب
ذلك ،وأن حمبة هللا مستل يزمة ًلتيباع العبد لرسوله يف عبادته(.)4
-1عن عبد هللا بن عباس واملسور بن َخمَرمة أهنما اختلفا ابألبواء ،فقال
عبد هللا بن عباس :ي ي
غس ال ُـم ْح يرُم رأسه ،وقال املسورً :ل يغس ال ُـم ْح يرُم رأسه،َ
فأرسلين ابن عباس ل ى أيب أيوب األتصاري أسأله عن ذلك ،فوجدته يغتس بني
القرتني وهو يسترت بثوب ،)...احلديث ،ل ى أن قال( :أسألك كيف كان رسول هللا
يغس رأسه وهو ُحم يرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب ،فطأطأه حَت بَ َدا يل
بيديه ،فأقب
ب ،فصب على رأسه ،مث َحرك رأسه َ
اصبُ ُ
صبْ :
رأسه ،مث قال إلتسان يَ ُّ
( )1مسلم ،كتاب اجلمعة ،ابب ما يقرأ يف صالة اجلمعة ،حديث رقم ،)877( :ص.181 :
( )4اتظر :حممد بن حممد العمادي" ،لرشاد العق السليم ل ى مزااي القرآن الكرمي"( ،بريوت :دار
لحياء الرتاث العريب).42 :4 ،
121
يفع )(.)1
هبما وأدبر ،مث قال :هكذا رأيتُه
يتجلى يف هذا النص النبوي قيمة اًلقتداء و ي
التأسي يف جاتب العبادات،
بعضا فيما اختلفوا فيه من األحكام،
وحرص الصحابة على ذلك ،وسؤال بعضهم ا
وسنته؛ لذ من ي
املتقرر يف الشريعة أن العبادات توقيفية ،وأن التعبُّد ُ والتماس َه ْديه
شرعه من دون زايدة وًل تقصان.
هلل فيها يكون وفق ما َ
الفرع الثاني :قيمة االلتزام بأحكام اإلسالم.
اح ية،
-1عن أيب قتادة يقول( :خرجنا مع رسول هللا حَت لذا ُكنا ابل َق َ
فنظرت فإذا يمحَ ُار
ُ رت أبصحايب يرتاءَون شيئاا،
ص ُ
ي ي
فَمنا ال ُـمح يرم ومنا غريُ ال ُـمح يرم؛ لذ بَ ُ
كبت ،فسقط مين سوطي ،فقلت ذت ُرحمي ،مث ر َُخ ُت فرسي ،وأ َ فأسَر ْج ُ
وحشْ ،
ألصحايب -وكاتوا ُحم يرمني :-ان يولُوين السوط ،فقالوا :وهللا ًل تُعيينك عليه بشيء،
(فأتيت به أصحايب ،فقال
ُ لت فتناولته ،مث ركبت ،)...احلديث ،ل ى أن قال:
فَـنَـَز ُ
كت فرسي
أمامنا ،فحر ُ بعضهمُ :كلوهُ ،وقال بعضهمً :ل أتكلوه ،وكان النيب
حالل ،ف ُكلُوه)(.)4
فأدركته ،فقال :هو ٌ
يتبني يف هذا احلديث اًللتزام أبحكام الشريعة ،واًلمتثال هلا ،حَت لو كاتت
الدواعي والبواعث تقود املرء ل ى املخالفة لألمر الشرعي وارتكاب احملظور عنه ،فال
( )1مسلم ،كتاب احلج ،ابب جواز غس ال ُـمح يرم بدته ورأسه ،حديث رقم ،)1418( :ص:
.811
( )4مسلم ،كتاب احلج ،ابب حترمي الصيد املأكول الربي وما أصله ذلك على ال ُـمح يرم حبج أو
عمرة أو هبما ،حديث رقم ،)1126( :ص.222 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
121
يُؤثير ذلك يف استجابته واستسالمه ألمر هللا وأمر رسوله ،وعدم تقدمي أي لعاتة أو
شرعا ،وهذا ما جع الصحابة مساعدة للغري أبي وسيلة فيما هو يف حاله ممنوع ا
ميتنعون عن تقدمي أي لعاتة أليب قتادة على ذلك ،مع أته غري ُمتلبيس ابإلحرام،
فال ُـمح يرم ُحمَـرم عليه مباشرةُ الصيد بنفسه أو اإلعاتة على ذلك؛ ألن املعني واملتسبيب
وال ُـمعيني على قَـْت الصيد ولن مل يباشره بنفسه ،لًل أته قد وقع يف املخالفة ،واملنهي
وضحه قوله( :فقالوا :وهللاً ،ل تُعيينك عليه
عنه وهي قَـْت الصيد للمح يرم( ،)1وهو ما ي ي
ُ ُ
بشيء).
للمح يرم ،وعطف على التحرمي وقد تص هللا يف القرآن على حرمة صيد الرب ُ
احلث على اًللتزام أبوامره واجتناب تواهيه( ،)4والتذكري ابجلزاء األُخروي الباعث
للمسلم على اًللتزام أبحكام الشرع يف ك أحواله ،وفيما يوافق أو خيالف رغباته ،قال
{ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ }
[سورة املائدة.]96:
الزمان قد استدار كهيئته يوم
أته قال« :إن َّ -4عن أيب بكرة عن النيب
السماوات واألرض ،»...احلديث ،ل ى أن قال« :أليس يوم النحر؟» َخلَ َق هللا َّ
قلنا :بلى اي رسول هللا ،قالَّ « :
فإن دماءكم وأموالكم» -قال حممد :وأحسبه قال -
( )1اتظر :علي بن خلف ابن بطال" ،شرح صحيح البخاري" ،حتقيق :ايسر بن لبراهيم ولبراهيم
الصبيحي( ،الرايض :مكتبة الرشد).287 :2 ،
( )4اتظر :عبد الرمحن بن انصر السعدي" ،تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان" ،حتقيق:
عبد الرمحن بن معال اللوحيق( ،ط ،1 .بريوت :مؤسسة الرسالة1241 ،ه).422 ،
132
كحرمة يومكم هذا ،يف بلدكم هذا ،يف شهركم هذا، «وأعراضكم حر ٌام عليكمُ ،
وستل َقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ،فال ِ
ض ُكم ض َّالًال يض ِر ُ
ب بع ُ ترج ُع َّن بعدي ُ ْ
رقاب بعض ،أال ليُ بَ لِغ الشاهد الغائب ،فَ لَ َع َّل بعض َمن يُبَ لَّغُهُ ي ُكو ُن أوعى له من
َ
بعض من َِمسعهُ؟ »...احلديث(.)1ِ
يتجلى يف هذا السياق النبوي العناية ابًللتزام أبحكام الشريعة من خالل وصية
النيب للناس يف حجة الوداع ابحملافظة على األتفس املعصومة واألموال احملرتمة
وجب شرعي ،وتَـْرك واألعراض املصوتة ،وتعظيمه حلرمة اتتهاك هذه احلرمات دون م ي
ُ
التساه فيها والتغليظ يف ذلك ،فهي من مجلة الضرورايت اخلمس اليت جاءت
الشريعة حبفظها ومحايتها(.)4
كحرمة يومكم
أسلوب التشبيه يف بياته للحكم بقولهُ « : وقد استعم النيب
هذا ،يف بلدكم هذا ،يف شهركم هذا» ،فشبه حرمة التعرض لألتفس واألموال
واألعراض يف سائر األايم واألزمان حبرمة التعرض هلا يف أفض األماكن وأشرف
وزجرا
األزمان يف البلد احلرام ،ويف الشهر احلرام ذي احلجة؛ مبالغةا يف حترميها ،ا
للنفوس ،وتنفرياا هلا عن اتتهاك تلك احلرمات(.)1
بني وصيته ابًللتزام أبحكام الشرع وبني اجلزاء األخروي كذلك ربط النيب
( )1مسلم ،كتاب القسامة واحملاربني ،ابب تغليظ حترمي الدماء واألعراض واألموال ،حديث رقم:
( ،)1672ص.721 :
( )4اتظر :حممد بن موسى الشاطيب" ،املوافقات"( ،ط ،1 .اخلرب :دار ابن عفان).1 :1 ،
( )1اتظر :القرطيب" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم"27 :8 ،؛ وحممد بن عبد الرمحن
املباركفوري" ،حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي"( ،دار الفكر).281 :8 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
133
يف قوله« :وستل َق ْون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ،»...وهذا الربط له فاعلية يف
مح النفوس على اًلتقياد واًلستجابة واًللتزام؛ ذلك أن اجلزاء ركن أصي يف النظرية
األخالقية والقيمية( ،)1وميثي مرحلة التقومي لعم اإلتسان وسعيه يف احلياة الدتيا،
وجم اازى
حماسب ُ
واستشعار اإلتسان لذلك يقوده ل ى اًللتزام أبحكام الشريعة؛ ألته َ
وعقااب.
على ذلك ثو اااب ا
فخر من بعريه، َ رج ٌ مع رسول هللا
-1عن ابن عباس قال :أقب َ ُ
سوهُ ثَوبَ ِيه، ِ ِ
صا ،فمات ،فقال رسول هللا « :اغسلوه مباء وس ْدر ،وألب ُ ص َوقْ ا
ي
فَـ ُوق َ
وال ُُتَ ِمروا رأسهُ؛ فإنَّه أييت يوم القيامة يُلَِيب»(.)4
هذا احلديث متعليق بسفر العبادة الذي يكون ألداء فريضة احلج أو زايرة
األماكن املشروعة ،ويظهر فيه اًللتزام أبحكام الشرع اخلاصة مبن تلبس ابإلحرام،
ُّسك ،وما جيب عليه من اجتناب مجلة من احملظورات اليت ُهنيي عنها حال ودخ يف الن ُ
لحرامه؛ كتغطية الرأس ،ولبس املخيط ،ويظهر أمهية اًللتزام أبحكام الشريعة املتعليقة
ابل ُـمح يرم يف أته لذا مات وهو ُحم يرم فإن ُحكم اإلحرام ابق على قول أمحد والشافعي،
وخالفاا ملالك وأيب حنيفة( ،)1فيتجنب احملظورات واملمنوعة عنها يف حال احلياة من
تغطية الرأس ولبس ال َـم يخيط وحنوه؛ استبقاءا لشعار اإلحرام عليه( ،)2وهذا فيه دًللة
( )1اتظر :ابن محيد" ،موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول الكرمي ".114 :1 ،
( )4مسلم ،كتاب احلج ،ابب ما يُفع ابحملرم لذا مات ،حديث رقم ،)1416( :ص.814 :
( )1اتظر :عبدالرمحن ابن اجلوزي " ،كشف املشك من حديث الصحيحني" ،حتقيق :د .علي
البواب( ،ط ،1 .الرايض :دار الوطن1218 ،ه).188 :1 ،
( )2اتظر :ابن حجر" ،فتح الباري بشرح صحيح البخاري".866 :2 ،
130
على أن التزام ال ُـمح يرم يف حال احلياة أبحكام اإلحرام واحرتازه من ارتكاب احملظورات
اعى فيه تكفينه وتغسيله ،وذلك مع من ابب أو ى وأحرى ،فإذا كان امليت ال ُـمح يرم يُر َ
فمن دون حاله آ َكد.
اتتهاء التكليف ابلوفاةَ ،
فعرس
قال« :كان رسول هللا إذا كان يف َس َفر َّ -2عن أيب قتادة
أسهُ
اعه ،ووضع ر َ ب ذر َ
صَبح نَ َ
الص ِ
يل ُّ
عرس قُبَ َ
اضطجع على ميينه ،وإذا َّ
َ بليل،
كف ِه»(.)1
على ِ
يتبني يف هذا السياق النبوي العناية واًلهتمام البالغ ابلتزام ابلواجبات الشرعية،
واًلحتياط يف عدم تفويت أدائها يف وقتها احملدد ،وملا كان التعب واملشقة مالزمني
مراعاة اًلحتياط ألداء الواجبات يف أوقاهتا ،ومغالبة للسفر ،فكان َه ْدي النيب
الطبيعة والغريزة اإلتساتية يف ذلك من الد َعة ل ى النوم والراحة ،فكان لذا انم
مضطجعا؛
ا متأخرا يف سفره انم على هيئة وكيفية ًل جتعله مستغرقاا يف تومه؛ لذ لو انم
ا
ألدى ل ى استغراقه يف النوم وعدم اًلتتباه لوقت الصالة( ،)4فكان ي ي
عطي تفسه ُ
فضي ل ى أتخري أداء الصالة،حق النوم والراحة مع عدم متكينها من اًلستسغراق الـم ي
ُ
وهذا من الكياسة واحلرص يف أداء املأمورات.
( )1مسلم ،كتاب املساجد ومواضع الصالة ،ابب قضاء الصالة الفائتة واستحباب تعجي
قضائها ،حديث رقم ،)681( :ص.478 :
( )4اتظر :حممد بن عالن الصديقي" ،دلي الفاحلني لطرق رايض الصاحلني"( ،بريوت :دار
الكتاب العريب).148-147 :6 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
131
الفرع الثالث :قيمة السمع والطاعة.
تعريف السمع والطاعة:
مرضيًّا ،واجتناب ما -قال املزين" :الطاعة ألويل األمر فيما كان عند هللا
كيما كان عند هللا مسخطاا ،وترك اخلروج عند تعديهم وجورهم ،والتوبة ل ى هللا
يعطف هبم على رعيتهم"(.)1
-قال ابن عالن" :السمع والطاعة :القبول واًلتقياد لقول ويل األمر فيما
أحب املرء لن كان موافقا ملراده ،وفيما كره لن كان خمالفا ملراده"(.)4
أمركً ،ل تنزع يدك من طاعته ،وًل -قال الكرماين" :اًلتقياد ملن وًله هللا
خترج عليه بسيفك ،وًل تنكث بيعته"(.)1
قيمة السمع والطاعة:
-1عن عبد الرمحن بن عبد رب الكعبة قال :دخلت املسجد ،فإذا عبد هللا بن
جالسا يف ظ الكعبة ،والناس ُجم يتمعون عليه ،فَأتَيتُـ ُهم ،فجلست عمرو بن العاص ا
لليه ،فقالُ :كنا مع َر ُسول هللا يف َس َفر ،فَـنَزلنَا َمْن يزاًل ،فَ يمنا َمن يُصلح يخبَاءهُ ،...
نيب قبلي إالاحلديث ،ل ى أن قال :فاجتمعنا ل ى رسول هللا فقال« :إنَّه مل يَ ُك ْن ٌّ
كان حقا عليه أن يدل أ َُّمتهُ على خري ما يَعلَ ُمهُ ْلم ،ويُنذرهم َش َّر ما يعلمه ْلم،
( )1لمساعي بن حيي املزين" ،شرح السنة"( ،ط ،1 .السعودية ،مكتبة الغرابء األثرية1218 ،ه)،
.82
( )4الصديقي" ،دلي الفاحلني لطرق رايض الصاحلني".161 :8 ،
( )1حرب بن لمساعي املزين" ،لمجاع السلف يف اًلعتقاد"( ،ط ، 4 .مصر :دار اإلمام أمحد،
1211ه) ،ص.27-26 :
131
( )1مسلم ،كتاب اإلمارة ،ابب وجوب الوفاء ببيعة اخلليفة األول فاألول ،حديث رقم:
( ،)1822ص.848 :
( )4اتظر :عياض بن موسى ابن عياض" ،لكمال املعلم بفوائد مسلم" ،حتقيق :د .حيي لمساعي ،
(ط ،1 .املنصورة :دار الوفاء1212 ،ه).486 :6 ،
( )1اتظر :القرطيب" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم".84 :2 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
131
يعاملوه به من األخالق والنيات احلسنة ،وبَ ْذل احلقوق ،وأداء الواجبات ،والطاعة،
وبَ ْذل النُّصح.
الفرع الرابع :قيمة التيسري.
تعريف التيسري:
للتيسري تعريفات متعددة ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-قال القامسي" :اليُسر عم ٌ ًل ُجيهد النفس وًل يُثق اجلسم ،والعُسر ما
ُجيهد النفس ويضر اجلسم"(.)1
اتقياد أو هو رفع املشقة واحلرج
لني وسهولةٌ و ٌ
سر عم ٌ فيه ٌ
-قال ابن محيد" :اليُ ُ
عن املكلف أبمر من األمور"(.)4
قيمة التيسري:
خرج عام الفتح يف أن رسول هللا -1عن عبد هللا بن عباس
ص َحابَةُ َر ُسول هللا يَـتبي ُعون ي
رمضان ،فصام حَت بـَلَ َغ ال َكد َيد ،مث أَفطََر ،قال :وكان َ
ث من ْأم يرهيَ ،ويَ ْروتَهُ الناسخ احمل َك َم»(.)1
األح َد َ
ث فَ ْ
َح َد َ
األ ْ
ور عليه ،فلما تفرق أتيت أاب سعيد اخلدري وهو مكثُ ٌ -4عن قزعة قالُ :
( )1حممد مجال الدين القامسي ،حماسن التأوي ،حتقيق :حممد فؤاد عبدالباقي( ،ط،1 .
1176ه).247 :1 ،
( )4ابن محيد" ،موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول الكرمي " ،م ،1 :ص.1211 :
( )1مسلم ،كتاب الصيام ،ابب جواز الصوم والفطر يف شهر رمضان للمسافر يف غري معصية لذا
كان سفره مرحلتني فأكثر ،وأن األفض ملن أطاقه بال ضرر أن يصوم ،وملن شق عليه أن
يفطر ،حديث رقم ،)1111( :ص.288-282 :
131
الناس عنه ،...احلديث" .سألتُهُ عن الصوم يف َس َفر ،فقال :سافران مع رسول هللا
« :إنكم قد دنومت من صيام ،قال :فنزلنا منزاًل ،فقال رسول هللا ل ى مكة وحنو ٌ
طر أقوى لكم» ،فكاتت ُرخصةا ،فمنا َمن صام ،ومنا من أفطرُ ،مث تزلنا ِ
عدوكم ،والف ُ
ْطروا» ،وكاتت والفطر أقوى لكم ،فأف ِ منزاًل آخر ،فقال« :إنكم مصبِحو ع ُد ِوكمِ ،
ُ ُ َ
وم مع رسول هللا بعد ذلك يف السفر"(.)1 تص َُعْزَمةا ،فأفطَْران ،مث قال :لقد رأيتُـنَا ُ
قال :كان رسول هللا يف َس َفر ،فرأى -1عن جابر بن عبد هللا
ي
رجال قد اجتمع الناس عليه ،وقد ظُل َ عليه ،فقال« :ما له؟» ،قالواَ :ر ُج ٌ ٌ
صائم، ا
الس َف ِر»(.)4
وموا يف َّ
تص ُ لرب أن ُفقال رسول هللا « :ليس ا ِ ُّ
-2عن محيد قالُ :سئي أتس عن صوم رمضان يف الس َفر؟ فقال :سافَـْران
فط ُر على مع رسول هللا يف رمضان ،فلم يعيب الصائيم على الـم ي
فط ير ،وًل الـم ي
ُ ُ ُ َ
الصائم»(.)1
( )1مسلم ،كتاب الصيام ،ابب أجر املفطر يف السفر لذا تو ى العم ،حديث رقم،)1141( :
ص.287 :
( )4مسلم ،كتاب الصيام ،ابب جواز الصوم والفطر يف شهر رمضان للمسافر يف غري معصية لذا
كان سفره مرحلتني فأكثر ،وأن األفض ملن أطاقه بال ضرر أن يصوم وملن شق عليه أن
يفطر ،حديث رقم ،)1118( :ص.286 :
( )1مسلم ،كتاب الصيام ،ابب جواز الصوم والفطر يف شهر رمضان للمسافر يف غري معصية لذا
كان سفره مرحلتني فأكثر ،وأن األفض ملن أطاقه بال ضرر أن يصوم ،وملن شق عليه أن
وريوي بنحوه عن أيب سعيد وجابر حديث رقم:
يفطر ،حديث رقم ،)1118( :صُ ،287 :
( ،)1117ص.287 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
131
ورْفع املشقة عن املسلم يفتتجلى يف هذه النصوص النبوية قيمة التيسريَ ،
التكليفات الشرعية ابلرتخيص له يف الفطر حال السفر؛ وذلك ًلجتماع مشقتَني على
املسافر؛ مشقة الصوم ،ومشقة السفر الذي هو قطعة من العذاب ،كما وصفه النيب
رخص املسافر ابلفطر يف صومه الواجب ،وتَـْركه لجهاد بذلك( ،)1وقد ُجعي َ تَ ُّ
األخذ ابلرخصة هو يمن الرب ،فليس ()4
تفسه وتشديده عليها ،والتنطُّع يف اًللتزام و ْ
أيضا(.)1
مقصورا على اإلتيان ابلواجب ،ولمنا األخذ ابلرخصة هو من الرب ا
ا الرب
ومما يضاف ل ى ذلك أن النصوص السابقة ،ولن تضمَنت الدًللة على
أيضا تضمنَت اإلابحة ،وعدم املنع من الصوم يف
الرتخص ابلفطر يف السفر؛ لكنها ا
ُّ
تلح ْقه مشقة من الصيام حال السفر ،وهذا جاتب آخر من جواتب السفر ملن مل َ
وج ْع الفطر رخصةا ملن
التيسري ورفع احلرج يف التخيري ،وعدم اإللزام ابلفطر للمسافرَ ،
حيتج ل ى الفطر ومل يلحقه َجهد وًل مشقة يف الصيام،
أراد أن يرتخص هبا ،ومن مل ْ
( )1اتظر :مسلم ،كتاب اإلمارة ،ابب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجي املسافر ل ى
أهله بعد قضاء شغله ،حديث رقم ،)1247( :ص.882 :
( )4اتظر :حممد بن أيب بكر ابن القيم" ،هتذيب السنن" ،حتقيق :لمساعي غازي مرحبا( ،ط،1 .
الرايض :مكتبة املعارف1248 ،ه)1161 :4 ،؛ وتقي الدين ابن دقيق العيد" ،لحكام
األحكام شرح عمدة األحكام" ،حتقيق :حممد حامد الفقي( ،القاهرة :مكتبة السنة احملمدية،
1174ه).12 :4 ،
( )1اتظر :ابن حجر" ،فتح الباري بشرح صحيح البخاري"212 :6 ،؛ ويوسف بن عبد هللا ابن
عبد الرب" ،اًلستذكار"( ،ط ،1 .دمشق-حلب :دار قتيبة-دار الوعي1212 ،ه):11 ،
.81
131
( )1اتظر :ابن حجر" ،فتح الباري بشرح صحيح البخاري".212-214 :6 ،
( )4مسلم ،كتاب الصيام ،ابب التخيري يف الصوم والفطر يف السفر ،حديث رقم،)1141( :
ص.288 :
( )1مسلم ،كتاب الصيام ،ابب التخيري يف الصوم والفطر يف السفر ،حديث رقم،)1141( :
ص.288 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
131
وجهني؛ أحدمها :يف لذن الشارع
يظهر يف هذا السياق النبوي قيمة التيسري من َ
للمح يرم يف ارتكاب احملظور عليه حال اإلحرام للحاجة والضرورة اليت تعرض
وترخيصه ُ
ورفْع احلرج عنه يف ذلك ،مع لجياب الفدية عليه ،فكان التيسري يف مراعاة حال لهَ ،
اإلتسان الـمح يرم ،وما يعرتي بدتَه من عوارض ُحت يوجه ل ى لزالة ي
املؤذي من َشعره ،وما ُ
فيه يحفظ لسالمة بدته وحفظ صحته.
قال القامسي" :وذلك أن قواعد طب األبدان ثالثة :حفظ الصحة ،واحليمية
ومن به أ اذى من رأسه ،من
عن املؤذي ،واستفراغ املواد الفاسدة ...فأابح للمريضَ ،
قم أو حكة أو غريها؛ أن حيلق رأسه يف اإلحرام استفرا اغا ملادة األخبرة الرديئة اليت
ْأو َجبَت له األذى يف رأسه ابحتقاهنا حتت الشعر ،ولذا حلَق رأسه تفت َحت املسامات،
فخرجت تلك األخبرة منها"(.)1
تكب حملظور اإلحرام، اثتيهما :التيسري يف ي
الفدية الواجبة على الـمح يرم املر ي
ُ
صرهاوجعله خمرياا يف الكفارات بني ثالثة أتواع من الصيام والصدقة والذبح ،وعدم قَ ْ
فع احلرج واملشقة عن اإلتسان، ي
ور َ
التخفيفَ ،
َ متضمن على توع واحد ،وهذا التنويع
ناسبه منها ،وما يراه أته أقوى على فيعله منها.
أبن يفع من الكفارات ما ي ي
ُ
احتَ َج َم بطريق مكة وهو ُحم ِرٌم وسط -6عن ابن ُحبَينَةَّ " :
أن النيب
أس ِه"(.)4
رِ
للمح يرم ابحلجامة يف رأسه
يتبني يف هذا احلديث قيمة التيسري يف ل ْذن الشارع ُ
وجسده لذا كان هناك ضرورة لذلك ،مع لجياب الفدية لذا أدت احلجامة ل ى َحلْق
شيء من شعر الرأس ،ولن كاتت يف غري الرأس وفيما ًل ي
يؤدي ل ى ارتكاب حمظور
كإزالة الشعر فهي مباحة( ،)1وهذا من التيسري والتخفيف على املسلمني يف ذلك،
ي
وحفظ صحته فإن احلجامة تقوم ابستفراغ الدم الفاسد من اجلسد ،ولعادة تنشيطه،
للمح يرم لكان قياس احلجامة
وقوته من الضعف ،ولو مل يَيرد تص يف جواز احلجامة ُ
وسليما ،كما تص على ذلك القامسي بقوله:ا صحيحا
ا على َحْلق الشعر ملن به أذى
احنباسه ،واألشياء اليت يؤذي احنباسها ي
"فهذا اًلستفراغ يُقاس عليه ك استفراغ يُؤذي ُ
حبسه داءا من ي
ومدافعتها عشرة :الدم لذا هاج ...وك واحد من هذه العشرة يُوجب ُ
ابستفراغ أدانها ،وهو البخار احملتقن يف الرأس ،على األدواء حببسه ،وقد تَـبهَ
استفراغ ما هو أصعب منه ،كما هي طريقة القرآن؛ التنبيه ابألدىن على األعلى"(.)4
ت ي
يف حديث أمساء بنت ُعميس ،حني تُف َس ْ -7عن جابر بن عبد هللا
سل و ُهتِ َّل»(.)1
أن رسول هللا َأم َر َأاب بَكْر فأ ََم َرَها أن تَ غْتَ َ بي يذي احلُلَي َف يةَّ « ،
يتبني من هذا السياق النبوي قيمة التيسري يف اإلسالم ،ومراعاته للطبائع
عان هلا من أداء اإلتساتية وما خلي َقت عليه ،فاملرأة يعرتيها احليض والنفاس ،ومها ماتي ي
ُ
بعض العبادات؛ كالصالة والصيام ،لكن الشارع احلكيم راعى جاتب التيسري يف أداء
( )1اتظر :حممود بن أمحد العيين" ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري"( ،ط ،1 .بريوت :دار
الكتب العلمية1241 ،ه).488 :2 ،
( )4مسلم ،كتاب الطهارة ،ابب املسح على اخلفني ،حديث رقم ،)472( :ص.142 :
100
( )1مسلم ،كتاب الطهارة ،ابب التوقيت يف املسح على اخلفني ،حديث رقم ،)476( :ص:
.111
( )4اتظر :صاحل بن فوزان الفوزان" ،تيسري زاد املستقنع يف الفقه احلنبلي"( ،بريوت :دار الكتب
العلمية).148 :1 ،
( )1اتظر :أيب بكر بن مسعود الكاساين" ،بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع" ،حتقيق :علي
معوض وعادل عبداملوجود( ،ط ،4 .بريوت :دار الكتب العلمية1242 ،ه).128 :1 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
101
التماسه ،وأقام الناس معه وليسوا على ماء ،وليس معهم ماءٌ ،فأتى الناس ل ى أيب
بكر ،فقالوا :أًل ترى ل ى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول هللا والناس» ،...
حَّت أصبح على غري ماء ،فأنزل هللا آية احلديث ،ل ى قوله« :فنام رسول هللا
يم ُموا »...احلديث(.)1
َّيمم فَ تَ َّ
الت ُّ
يتبني يف هذا النص النبوي قيمة التيسري يف اإلذن ببدل يف الطهارة مَت تعذر
رفعا للحرج واملشقة
التيمم ابلرتاب بدل املاء؛ ا
على اإلتسان لجياده أو استعماله ،فشرع ُّ
على الناس يف عبادهتم ،خاصةا يف حال السفر اليت يكون املسافر فيها ُعرضة لنفاد
املاء أو اتعدامه ،وما حيص له من الضيق والشدة بسبب ذلك( ،)4والتيسري عليهم
يف العبادة حَت تكون عادة هلم( ،)1وهلذا أعقب هللا اإلذن ُّ
ابلتيمم ببيان احلكمة من
{ :ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ذلك ،فقال
ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ} [سورة املائدة.]6:
سوق بَدتةا ،فقال:
رجال يَ ُ
رأى ا -11عن أيب هريرة أن رسول هللا
«اركبها» ،قال :اي رسول هللا ،لهنا بَدتةٌ ،فقال« :اركبها ،ويلك!» يف الثاتية أو
الثالثة(.)2
( )1مسلم ،كتاب الطهارة ،ابب التيمم ،حديث رقم ،)167( :ص.187 :
( )4اتظر :ابن كثري" ،تفسري القرآن العظيم".61 :1 ،
( )1اتظر :حممد أمني اإلربلي " ،تنوير القلوب يف معاملة عالم الغيوب"( ،بريوت :دار الكتب
العلمية).122 ،
( )2مسلم ،كتاب احلج ،ابب جواز ركوب البدتة املهداة ملن احتاج لليها ،حديث رقم:
( ،)1144ص.886-888 :
101
سئي عن رُك ي
وب اهلَْدي؟ فقال :مسعت النيب -14عن جابر بن عبد هللا
ُ َ ُ
هرا»(.)1 يقول« :ارَكْب َها ابملعروف إذا أُجلِ َ
ئت إليها حَّت جتد ظَ ً
يظهر يف هذين احلديثني قيمة التيسري يف لابحة اإلسالم ،ملن يسوق اهلدي
كوهبا لذا احتاج ل ى ذلك ،وهو رأي اجلمهور ،خالفاا ملن منع
الواجب أو التطوع؛ ر َ
فعا للحرج واملشقة عن الناس ،فقد ًل يكون لدى اإلتسان لًل ظهر ()4
ذلك ،وذلك ر ا
واحد ،ويتضرر حبم متاعه ،وعدم الركوب يف السفر ،خاصةا لذا بعدت الشُّقةُ،
أجاز ركوهبا ملن احتاجها ومل جيد غريها،
فكان من التيسري والسماحة يف اإلسالم أن َ
وأن يكون ركوبه هلا ابملعروف ،فال يَ ُش ُّق عليها ،وًل ُحي يملها ما يؤدي ل ى هالكها
وتَ يلفها.
عن النيب لَ يقي ركبا ابلر ي
وحاء( ،)1فقال: -11عن عبد هللا بن عباس
َ َا
« َمن القوم؟» ،قالوا :املسلمون ،فقالوا :من أتت؟ قال« :رسول هللا» ،فَـَرفَـ َعت لليه
امرأَةٌ صبييًّا ،فقالت :أهلذا حج؟ قال« :نعمِ ،
ولك أجر»(.)2 َ َ
( )1مسلم ،كتاب احلج ،ابب جواز ركوب البدتة املهداة ملن احتاج لليها ،حديث رقم:
( ،)1142ص.886 :
( )4اتظر :حممد بن علي الشوكاين" ،تي األوطار من أسرار منتقى األخبار" ،حتقيق :حممد
صبحي حالق( ،ط ،1 .الدمام :دار ابن اجلوزي1247 .ه).211 :2 ،
ميال من املدينة" .اتظر :حممد بن
احلرمني على ثالثني أو أربعني ا
( )1الروحاء هي" :موضع بني َ
يعقوب الفريوزآابدي ،القاموس احمليط( ،ط ،8 .بريوت :مؤسسة الرسالة1246 ،ه)،
.441
( )2مسلم ،كتاب احلج ،ابب صحة حج الصيب وأجر َمن حج به ،حديث رقم ،)1116( :ص:
=
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
101
يتبني يف هذا السياق النبوي قيمة التيسري من تصحيح اإلسالم حلج الصيب،
مع أته مل تكتم فيه شروط وجوب أداء العبادات ،ومنها شرط البلوغ ،بيد أن ذلك
ًل ُجيزئه عن فريضة اإلسالم الواجبة عليه ،ولمنا يكون قُربةا وطاعة من الطاعات اليت
أجرها؛ ملنعهم لايه
يتقرب هبا ل ى هللا ،وينال َمن َمحلَه وأعاته على أدائها من الوالدين َ
من اإلتيان بشيء مما ُيخي ُّ هبا ،ومحلهم له على ما فيه طاعة وقُربة ،وتعويدهم ولعاتتهم
له على فيع اخلري ،وجمازاة هلم على ما حلقهم من مشقة رعاية الصيب ،ومحَْله ي
وح ْفظ
حجه من املبطالت واملمنوعات. ي
وهذا التيسري له تظائر يف اإلسالم ،فصالة التطوع يُباح للمصلي أن يصلييَها
قاعدا مع قدرته على القيام ،وًل يصح ذلك منه يف صالة الفرض ،واستقبال القبلة
ا
شرط لصحة الصالة ،يف حني أن املسافر له أن ينتنف على راحلته أينما توج َهت به،
وهكذا ،وهذا كله من التيسري والتخفيف الذي جاء به اإلسالم.
ث عن النيب « :أته كان يف َس َفر، ي
-12عن عدي قال :مسعت الرباء ُحيد ُ
ني{ :ﭑ ﭒ ﭓ} [سورة كعت ي
فصلى العشاء اآلخرة ،فقرأ يف لحدى الر َ
التني.)1(»]1:
وسنته يف
ُ يتجلى يف هذا احلديث قيمة التيسري من خالل هدي النيب
الصالة يف حال السفر ،ومراعاته التخفيف فيها يف اهليئة والقراءة خالفاا هلَْدي الصالة
حمتاجا ملواصلة السري وبلوغ مقصوده ،وللمشقة
يف احلضر؛ ذلك أن املسافر يكون ا
=
.862
( )1مسلم ،كتاب الصالة ،ابب القراءة يف العشاء ،حديث رقم ،)262( :ص.121 :
101
لذلك أبن كاتت ُسنته التخفيف املالزمني للسفر( ،)1فكاتت مراعاة النيب
والتعب َ
يف القراءة ،والقصر يف الصالة ،وتَـْرك اإلطالة فيها ،مبا يرفع املشقة واحلرج ،ورمبا الضرر
الرفقة ،وحنوها ،وهذا يتضح جليًّا يف الوقت احلاضر يف السفر
على املسافر ،وفوات ُّ
بوسائ النق احملدد هلا أوقات معينة للحضور والسري ،كالطائرة والقطار وغريها،
شرع التخفيف يف القراءة
ويصادف وقت الرحلة بعد دخول وقت الصالة ،فلو مل يُ َ
للمسافر لرمبا أدى تطبيق البعض للسنة من اإلطالة يف القراءة ل ى حلوق املشقة والضرر
ابملسافر بفوات الرحلة ،واحتياجه ل ى دفع املال لرحلة أخرى ،وهكذا ،واملشقة أو
صي
ب وحنوه. معنواي ،كاإلصابة ابلن َ
الضرر لما أن يكون حسيًّا على البدن أو املال ،أو ًّ
-18عن حيىي بن يزيد قال :سألت أتس بن مالك عن قصر الصالة؟ فقال:
ول هللا لذا َخر َج مسرية ثالثة أميال أو ثالثة فراسخ ُ -شعبَةُ ُّ
الشاك - رس ُ
كان ُ
َ
صلى ركعتني(.)4
الظهر ابملدينة أر ابعا، يت مع رسول هللا
-16عن أتس يقول :صل ُ
يت معه العصر بذي احلُليفة ركعتني(.)1
وصل ُ
صلى
من املدينة ل ى مكة ،فَ َ -17عن أتس قال :خرجنا مع رسول هللا
( )1اتظر :خلي أمحد السهاتفوري" ،بذل اجملهود يف ح أيب داود"( ،بريوت :دار الكتب
العلمية).416 :6 ،
( )4مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب صالة املسافرين وقصرها ،حديث رقم:
( ،)621ص.481 :
( )1مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب صالة املسافرين وقصرها ،حديث رقم:
( ،)621ص.481 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
101
عشرا(.)1
لت :كم أقام مبكة؟ قال :ا
ركعتني ركعتني حَت رجعنا ،قُ ُ
قصر الصالة
يظهر يف األحاديث قيمة التيسري من خالل شرعية اإلسالم َ
الرابعية للمسافر ،ابتداءا من مفارقته لبنيان بلده ،وذلك ختفي افا عليه؛ ملا يلحقه من
املشقة يف لمتام الصلوات( ،)4فاملسافر حباجة للوقت للسري وقطع املسافة ،فكاتت
هذه املراعاة من الشارع احلكيم هي من املظاهر اجللية لقيمة التيسري يف اإلسالم ورفع
احلرج عن الناس يف عباداهتم ،ب هي من القواعد املقررة يف الشريعة اإلسالمية "املشقة
جتلب التيسري"(.)1
ي
لذا َعج َ به السريُ ول هللا
رس ُ
قال :كان ُ -18عن عبد هللا بن عمر
ب والعي َش ياء(.)2
َمجَع بني املغ ير ي
َ
لذا ارحت قب أن تزيغ الشمس -12عن أتس قال :كان رسول هللا
وقت العصرُ ،مث تَـَزل فَ َج َم َع بينهما ،فإن زاغت الشمس
يدخ َ ُ
أَخَر الظهر ل ى أن ُ
( )1مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب صالة املسافرين وقصرها ،حديث رقم:
( ،)621ص.481 :
( )4اتظر :علي بن حممد املاوردي" ،احلاوي الكبري يف فقه اإلمام الشافعي"( ،ط ،1 .بريوت:
دار الكتب العلمية1212 ،ه)172 :4 ،؛ وحممد بن اخلطيب الشربيين" ،مغين احملتاج ل ى
معرفة معاين ألفاظ املنهاج"( ،ط ،1 .بريوت :دار املعرفة1218 ،ه).128 :1 ،
( )1اتظر :حممد بن صاحل العثيمني" ،القواعد الفقهية"( ،اإلسكندرية :دار البصرية).41 ،
( )2مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب جواز اجلمع بني الصالتني يف السفر ،حديث
رقم ،)711( :ص.488 :
101
( )1مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب جواز اجلمع بني الصالتني يف السفر ،حديث
رقم ،)712( :ص.486 :
( )4اتظر :عبدهللا بن عبدالرمحن البسام" ،تيسري العالم شرح عمدة األحكام" ،حتقيق :حممد
صبحي حالق( ،ط ،11 .اإلمارات :مكتبة الصحابة1246 ،ه.411 ،) ،
( )1مسلم ،كتا ب صالة املسافرين وقصرها ،ابب جواز صالة النافلة على الدابة يف السفر حيث
توجهت ،حديث رقم ،)711( :ص.482 :
( )2مسلم ،كتاب صالة املسافرين وقصرها ،ابب جواز صالة النافلة على الدابة يف السفر حيث
توجهت ،حديث رقم ،)711( :ص.488 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
101
يظهر يف ه َذين السياقَني النبويني قيمة التيسري يف ل ْذن الشارع للمسافر ابلتطوع
حال السفر وهو على راحلته ،ولو أدى ذلك ل ى عدم استقبال ي
القبلة الذي هو شرط
حمتاجا للتعبُّد طلباا
من شروط الصالة اليت ًل تصح لًل به ،لكن ملا كان املسافر ا
لألجر ،وقد يكون له عادة من النواف والطاعات ،ووقوفه ألدائها فيه مشقة وضرر
من لطالة مدة السفر ،وعدم بلوغ مأربه ،وتفاد الزاد ،وغريها ،كاتت مراعاة اإلسالم
لذلك من متام التيسري والتسهي على املسلم ،فأُبييح له صالة النافلة مجيعها على
الراحلة ،ابستثناء الصالة املفروضة اليت ًل يَ ُش ُّق التوقف هلا ،خاصةا مع اإلذن ابجلمع
وأتخريا ،وختفيفها عليه(.)1
ا بني الصلوات تقدمياا
املبحث الثاني :الدقيم اخلُلُدقية املتضمَّنةِ يف أحاديث السفر
وفيه عدة فروع:
الفرع األوَّل :قيمة التَّواضُع.
َّواضع:
تعريف الت ُ
تعددت التعريفات للتواضع ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-قال األصفهاين" :رضا اإلتسان مبنزلة دون ما يستحقُّه فضله ومنزلته .وهو
مكاان يزري به بتضييع ي
حقه. فالض َعة :وضع اإلتسان تفسه االضعة ،يي ي
ط بني الك ْرب و َ
وس ٌ
و ي
الك ْرب :رفع تفسه فوق قدره"(.)4
( )1اتظر :ابن دقيق العيد" ،لحكام األحكام شرح عمدة األحكام".184 :1 ،
( )4احلسني بن حممد األصفهاين" ،الذريعة ل ى مكارم الشريعة"( ،ط ،1 .بريوت :دار الكتب
العلمية1211 ،ه).126 ،
112
قيمة التواضع:
قالُ :كنا مع الن ييب مبـَ يـر الظهران ،وحنن جابر بن عبد هللا -1عن
َسو ِد ِمنهُ» ،قال :فقلنا :اي رسول هللا،
فقال النيب « :عليكم ابأل َ اث، ي
ين ال َكبَ َ
َجن َ
الغَنَ َم .قال «نعم ،وهل من نَِيب َّإال وقد رعاها؟!» ،أو حنو هذا يت
َكأَتك َر َع َ
القول(.)4()1
مبزاولته ملهنة
اضع من خالل بياتهيتجلى يف هذا السياق النبوي قيمة التو ُ
الرعي للماشية ،وأهنا ليست خمتصة به ،ب األتبياء كلهم يشاركوته يف ذلك ،فكلهم
لظهارا للتواضع من عدم اًلستنكاف عن اإلعالم مبزاولته
قد ز َاول هذه املهنة؛ وذلك ا
واألتبياء لتلك املهنة ،كذلك ليما يف رعاية الغنم خاصةا من لشعار النفس
كسب ابلتواضع( )1والسكينة ،والبعد عن الغلظة والشدة والتعاظم ،فاملخالطة تُ ي
ُ
الطبائع والعوائد وتُ يغريها.
-4عن عبد هللا بن جعفر قال :كان رسول هللا لذا قَ يد َم من َس َفر تُـلُيق َي
بصبيان أه بَيتي يه ،قال :ولتهُ قَ يدم من َس َفر ،فَ ُسبي َق يب لليه ،فَ َح َملَين بني يديهُ ،مث
( )1مسلم ،كتاب األطعمة ،ابب فضيلة األسود من الكباث ،حديث رقم ،)4181( :ص:
.218
( )4ال َكباث" :ابلفتح تضيج مثرة األراك ،وقي :هو ما مل ينضج منه" ،اتظر :ابن منظور" ،معجم
لسان العرب".178 :4 ،
( )1اتظر :عبدالرمحن بن أيب بكر السيوطي" ،الديباج على صحيح مسلم بن احلجاج"( ،ط،1 .
اخلرب ،دار ابن عفان1216 ،ه)26 :8 ،؛ وعبدهللا بن حجازي الشرقاوي" ،فتح املبدي
بشرح خمتصر الزبيدي"( ،بريوت :دار الكتب العلمية).61 :1 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
113
يجيء أبحد ابين فاطمة ،فَأَردفه خل َفه ،قال :فَأ ي
ُدخلنَا املدينة ،ثََالثةا على دابة َُ َ ُ َ
)1 (
احدة . وي
وخ ْفض جناحه
يتبني يف هذا احلديث قيمةُ التواضع من لًلتة النيب جلاتبهَ ،
لألطفال ،وعدم األتَفة والغضب من أن يكون يف استقباله َمن ليسوا يمن ذوي اجلاه
والشأن والرايسة ،وحنوهم من الصغار وضعفاء الناس ،ب يقوم إبردافهم معه على
دابته ،ومالطفتهم ،ومتكينهم من الركوب معه ،وهذا ميثي حقيقة التواضع ،كما قال
اجلاتب"(.)4
ي نياجلنيد بن حممد" :التواضع هو خ ْفض ي ي
اجلناح ،ول ُ َ ُ
وهلذا كان هذا العم ُ عند العلماء من السنن املستحبة والعوائد احلميدة؛ أته
لذا قَ يدم املسافر ل ى بلده -مهما بلغت منزلته ومكاتته -أن يتلقاه الصبيان ،وأن
الطفهم ،وُمي يكنهم من مرافقته ؛ ألن يف ذلك ا ي ي
ولكسااب هلم لقيمة تعويدا هلم ()1
ا ُ
التواضع بشك عملي ،وحصول التأثري عليهم بذلك.
الفرع الثاني :قيمة اإلحسان.
تعريف اإلحسان:
تعددت التعريفات لإلحسان ،ومن أبرز تلك التعريفات:
( )1مسلم ،كتاب األطعمة ،ابب فضيلة األسود من الكباث ،حديث رقم ،)4181( :ص:
.218
( )4ابن القيم" ،مدارج السالكني بني منازل لايك تعبد ولايك تستعني"( ،ط ،7 .بريوت :دار
الكتاب العريب1241 ،ه).112 :4 ،
( )1اتظر :حيي بن شرف النووي ،املنهاج يف شرح صحيح مسلم بن احلجاج( ،ط ،1 .مصر:
املطبعة املصرية ابألزهر1127 ،ه).481 :18 ،
110
-قال الكفوي" :هو فع ماينفع غريه حبيث يصري الغري حسنا به ،كإطعام
اجلائع .أو يصري الفاع به حسن ا بنفسه"(.)1
قيمة اإلحسان:
يف حجة الوداع، عاديين رسول هللا
-1عن عامر بن سعد ،عن أبيه ،قالَ :
أشفيت منهُ على املوت ،قلت :اي رسول هللا ،بلغ يب ما ترى من الوجع ،وأان
ُ من َو َجع
صد ُق بثُـلُثَي مايل؟ قال« :ال» ،قلت: ذو مال ،وًل يَيرثُين لًل ابنةٌ يل واحدةٌ ،أفأتَ َ
ث كثريٌ ،إنَّك أن تَ َذ َر ورثَتَك أغنياء صد ُق بي َشط يرهي؟ قال« :ال ،الثُّلُ ُ
ث ،والثُّلُ ُ أفأتَ َ
نفق نفقةً تبتغي هبا وجه هللا ،إال
يتكف ُفون الناس ،ولست تُ ُ خريٌ من أن تذرهم عالةً َّ
ت هبا ،حَّت اللُّقمة جتعلها يف ِيف امرأتك ،»...احلديث(.)4 أِ
ُج ْر َ
على يظهر يف هذا السياق النبوي قيمة اإلحسان من خالل ح ي
ث النيب َ
لحسان املرء ل ى أهله حال حياته وبعد مماته ،وأن اإلسالم ولن َرغب يف اإلتفاق يف
اإلتفاق على األه والذرية ،ولغناءَهم عن سؤال الناس َ وجوه اخلري ،فقد جع
ومظهرا من مظاهر اإلحسان(.)1 وتكف ي
ُّفهم هلم من أعظم النفقات وال ُق ُرابت،
ا
قال ابن تيمية" :ب تفقة املرء على تفسه وعياله أفض ُ من تفقتيه على َمن ًل
طبعا وعاد اةً ،ل
اجب ...ولكن أكثر الناس يفعلون ذلك ا تلزمه تفقتُه؛ ألن ذلك و ٌُ
( )1أمحد بن عبداحلليم ابن تيمية" ،جواب اًلعرتاضات املصرية على الفتيا احلموية" ،حتقيق:
حممد مشس( ،السعودية :دار عامل الفوائد).28-22 ،
( )4اتظر :عبد الرؤوف املناوي" ،فيض القدير شرح اجلامع الصغري من أحاديث البشري النذير"،
(بريوت :دار الكتب العلمية1244 ،ه).228 :1 ،
ليال ملن ورد من سفر ،حديث
( )1مسلم ،كتاب اإلمارة ،ابب كراهية الطروق ،وهو الدخول ا
=
111
=
رقم ،)1248( :ص.882 :
( )1اتظر :العيين" ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري".182 :11 ،
( )4اتظر :النووي" ،املنهاج يف شرح صحيح مسلم بن احلجاج".71 :11 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
أهلِ ِه»(.)1
يف هذا السياق النبوي توجيه لإلتسان ل ى جاتب من جواتب اإلحسان ،أًل
برتك مألوف،هو اإلحسان ل ى تفسه ،وحتقيق الراحة النفسية ،والبعد عن ليذائها َْ
وبـُ ْعد عن حمبوب ،ولجهاد للبدن وقمع للغرائز ،وما يؤدي لليه ذلك من الشعور ابألمل
النفسي واجلسدي ،وهلذا قال املناوي يف شرحه لقوله « :فليُ َع ِجل إىل أهله» ،أي:
"الرجوع ل ى أهله حمافظةا على فض اجلُ ُم َعة واجلَ َماعة ،وراحة للبدن؛ لن لنفسك
عليك ح اقا"(.)4
التوسط واًلعتدال يف العبادات،
وهلذا جاء يف النصوص النبوية اإلرشاد ل ى ُّ
ومراعاة اإلتسان حلقوق النفس؛ من متكينها من الراحة املباحة املعتدلة ،واللذة يف غري
ُحمرم ،كما يف احلديث الصحيح ...« :إن لربِك عليك حقا ،ولنفسك عليك حقا،
حقه .)1(»... وألهلك عليك حقا ،فأ ْع ِط َّ
كل ذي حق َّ
سافرمت يف اخلصب
ُ -2عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا « :إذا
ري ،وإذا فأس ِرعوا عليها َّ سافرمت يف َّ ِ فأعطوا اإلبل حظَّها من األرض ،وإذا
الس َ السنة ْ ُ
( )1مسلم ،كتاب اإلمارة ،ابب مراعاة مصلحة الدواب يف السري والنهي عن التعريس يف الطريق،
حديث رقم ،)1247( :ص.882 :
( )4اتظر :عبد الرؤوف املناوي" ،التيسري بشرح اجلامع الصغري"( ،ط ،1 .الرايض :مكتبة اإلمام
الشافعي1218 ،ه).71 :4 ،
قضاء لذا كان
( )1البخاري ،كتاب الصوم ،ابب أقسم على أخيه ليفطر يف التطوع ومل َير عليه ا
أوفق له ،حديث رقم ،)1268( :ص.271 :
111
( )1مسلم ،كتاب اإلمارة ،ابب مراعاة مصلحة الدواب يف السري والنهي عن التعريس يف الطريق،
حديث رقم ،)1246( :ص.882 :
( )4اتظر :القرطيب" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم".768 :1 ،
( )1اتظر :القرطيب" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم".768 :1 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
جماتيب لإلحسان مع اآلخرين.
يف بعض أسفاره ،وامرأة -8عن عمران بن حصني ،قال :بينما رسول هللا
فقالُ « :خ ُذوا ض يجرت فَـلَ َعنْتـ َها ،فسمع ذلك رسول هللا
من األتصار على انقة ،فَ َ
ودعُوها؛ َّ
فإهنا َملعونَةٌ»(.)1 ما عليها َ
احلث على اإلحسان ل ى احليواانت ،وذلك بعدميتبني يف هذا النص النبوي ُّ
الدعاء عليها ابهلالك أو لَ ْعنيها ،سواء أكان املالك هلا يف حال غضب أم ًل ،وهلذا
ب اإلحسان لليها ،أبن أمره إبرساهلا ومنعها من
غلظ النيب اجلزاء على َمن جاتَ َ
أيضا على ()4
مصاحبته يف سفره ،واستعماهلا يف الركوب ،ومفهوم النص النبوي يدل ا
احل ي
ث على اإلحسان ل ى اآلدميني ،فإذا كاتت جماتبة اإلحسان ل ى البهائم سبباا
للجزاء ،مع عدم لدراكها ،فإن جماتبة اإلحسان مع اآلدميني أشد وأو ى ابجلزاء
واملعاقبة.
قبول اهلّية:
اهلدية لدى الفقهاء مرادفة للعطية واهلبة وهي "عطية يقصد هبا لكرام شخص
معني؛ لما حملبة ،ولما لصداقة؛ ولما لطلب حاجة"( ،)1وفيما أييت بيان األحاديث
( )1مسلم ،كتاب الرب والصلة واألدب ،ابب النهي عن لعن الدواب وغريها ،حديث رقم:
( ،)4828ص.1111 :
( )4اتظر :محد بن حممد اخلطايب" ،معامل السنن"( ،ط ،1 .حلب :املطبعة العلمية1184 ،ه)،
.481 :4
( )1أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية " ،جمموع فتاوى شيخ اإلسالم أمحد بن تيمية"( ،السعودية:
وزارة الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد1248 ،ه).462 ،11 ،
111
املتضمنة هلا:
هران ،فَ َس َعوا عليه ي ()1
مرْران فاستنفجنا أرتباا مبَــر الظ َ -1عن أتس قالَ :
ث بوركها ()4
فأتيت هبا أاب طلحة ،فَ َذ َحبَ َها ،فبَـ َع َ ت حَت ْأد َركتُهاُ ،
فَـلَغَـبُوا ،قال :فَ َس َعْي ُ
فأتيت هبا رسول هللا ف َقبيلَهُ(.)2()1
وفخ َذيها ل ى رسول هللا ُ ،
اهلدية يظهر يف السياق النبوي قيمة اإلحسان ،من خالل قَـبُول الرسول
اليسرية من أحد الصحابة مع جاللة القدر لرسول وعيظَم منزلته الدينية والدتيوية
هديها ،وأمر أصحابه واألخروية ،لكنه مل أيتَف من ذلك ،ومل يـردها ،ب قَبيلَها من م ي
ُ َُ
ابألك منها ،وهذا من متام اإلحسان ،ومراعاة املشاعر اإلتساتية ،ولدخال السعادة
للنفوس ،قال ابن حجر" :وفيه هدية الصيد وقَـبُوهلا من الصائد ،ولهداءُ الشيء اليسري
للكب يري ال َق ْدر لذا ُعلي َم من حاله الرضا بذلك"(.)8
الفرع الثالث :قيمة العّل.
تعريف العدل:
( )1اإلتفاج هو لاثرة الشيء من مكاته ،فيقال :أتفجت األرتب يف جحره أي :أثرته فثار .اتظر:
اتظر :العيين" ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري".186 :11 ،
( )4لغبوا بفتح الغني وكسرها أي :تعبوا .اتظر :اتظر :العيين" ،عمدة القاري شرح صحيح
البخاري".188 :11 ،
( )1مسلم ،كتاب الصيد والذابئح ،ابب لابحة األرتب ،حديث رقم ،)1281( :ص.874 :
مر الظهران :اسم موضع على بُعد مرحلة من مكة .اتظر :الشوكاين" ،تي األوطار من أسرار
(ُّ )2
منتقى األخبار".84 :18 ،
( )8أمحد بن علي ابن حجر" ،فتح الباري بشرح صحيح البخاري".142 :17 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
تعددت التعريفات العدل ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-قال ابن محيد" :بذل احلقوق الواجبة وتسوية املستحقني يف حقوقهم"(.)1
-قال احلميدان" :لعطاء ك ذي حق حقه من غري لفراط وًل تفريط"(.)4
قيمة العّل:
ع بني تسائه،
َقر َ
لذا خرج أ َ قالت« :كان رسول هللا -1عن عائشة
لذا كان مجيعا ،وكان رسول هللا
خر َجتَا معه ا
وحفصةَ ،فَ َ
َ عائشةَ
رعةُ على َ
فطارت ال ُق َ
ث معها ،فقالت حفصة لعائشة :أًل تَرَكبيني الليلة ابللي سار مع عائشة ،يَـتَ َحد ُ
ي بعريي ،وأَرَكب ب ي
ت عائشة على بعري حفصة، عريك ،فَتنظُير َ
ين وأَتظُُر؟ قالت :بلىَ ،فركبَ ْ ُ َ َ
ي
ول هللا ل ى َمجَ ي عائشة وعليه حفصة، ت حفصةُ على بع يري عائشةَ ،فجاء ُ
رس ُ وركبَ ْ
َ
)1 (
فسل َم ُمث َس َار معها ،حَت تزلوا ،»...احلديث . َ
يتبني يف هذا السياق النبوي قيمة العدل يف يحْرص النيب على مراعاة العدل
يف ك شؤوته حَت يف حال السفر ،فكاتت عادته يف السفر كما يدل عليه قوله:
استخدامه القرعة للرتجيح يف اختيار الزوجة املرافقة له يف سفره، «إذا خرج»()2
َ
وحذرا من الرتجيح بال ُم يرجح ،ا
عمال ابلعدل؛ ألن املقيمة وذلك "تطييباا لنفوسهن ،ا
( )1ابن محيد" ،موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول الكرمي ".4814 :7 ،
( )4عصام بن عبد احملسن احلميدان " ،أخالقيات املهنة يف اإلسالم وتطبيقاهتا يف أتظمة اململكة
العربية السعودية"( ،ط ،1 .الرايض :مكتبة العبيكان1218 ،ه).66 ،
،حديث رقم ( )1مسلم ،كتاب فضائ الصحابة ،ابب يف فضائ عائشة أم املؤمنني
( ،)4228ص.1171 :
( )2اتظر :أمحد بن عمر القرطيب" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم".142 :6 ،
112
ولن كاتت يف راحة لكن يفوهتا اًلستمتاع ابلزوج ،واملسافيرة ولن َح يظيَت عنده بذلك
عدول عن
ٌ اختيارا؛
ا تتأذى مبشقة السفر ،فإيثار بعضهن هبذا ،وبعضهن هبذا
اإلتصاف ،ومن مث كان اإلقراع واجباا ،لكن حم الوجوب يف حق األمة ًل يف حقه
عليه الصالة والسالم؛ لعدم وجوب ال َق ْسم عليه"(.)1
يتحرى العدل فيما ًل جيب عليه العدل فيه ،فهذا يدل على أن فإذا كان
عامله ،وأن يتحرى العدل
املسلم جيب عليه أن يراعي العدل يف مجيع شؤوته وأحواله وتَ ُ
فيما ًل جيب عليه؛ ليكون عادة وسجية له ،فال جياتبه فيما يلزمه العدل فيه.
الفرع الرابع :قيمة االعتّال.
تعريف االعتدال:
-قال الكفوي" :توسط حال بني حالني يف كم أو كيف .وك ما تناسب فقد
اعتدل"(.)4
أيضا" :التزام املنهج العدل األقوم ،واحلق الذي هو وسط بني الغلو
ا -وقي
والتنطع ،وبني التفريط والتقصري"(.)1
قيمة االعتّال:
الناس َجي َه ُرون
فج َع َ ُ
يف َس َفرَ ، -1عن أيب موسى قالُ :كنا مع النيب
( )1اتظر :املناوي" ،فيض القدير شرح اجلامع الصغري من أحاديث البشري النذير".141 /8 ،
( )4الكفوي" ،الكليات".181 ،
( )1انصر بن عبدالكرمي العق " ،الوسطية واًلعتدال يف القرآن الكرمي :مفهوم الوسطية
واًلعتدال" ،تدوة أثر القرآن الكرمي يف حتقيق الوسطية ودفع الغلو( ،ط ،4 .الرايض :وزارة
الشؤون اإلسالمية والدعوة واإلرشاد1248 ،ه) ،ص.6 :
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
113
ابلتكبري ،فقال النيب « :أيها الناس ،اربَ ُعوا على أَن ُف ِس ُكم ،إنَّ ُكم ليس تدعون
تدعونَهُ ِمس ًيعا قَريبًا وهو َم َعكم ،»...احلديث(.)1
أص َّم وال غَائبًا ،إنكم ُ
َ
يظهر يف هذا احلديث العناية بقيمة اًلعتدال يف العبادات ،وأن املسلم ولن
كان مأمورا على سبي الندب ابلدعاء ي
وذ ْكر هللا املطلق يف حال السفر ،فإن عليه أن ا
التوسط يف أقواله وأفعاله؛ ملا يف جماتبة
يراعي يف أدائه للمأمورات جاتب اًلعتدال و ُّ
اًلعتدال من املشقة على النفس ،ورمبا حصول الضرر والتعب( ،)4واإليذاء لآلخرين
أصم وال
برفع الصوت ،وجماتبة التأدب مع هللا ،كما بينه قوله« :إنكم ليس تدعون َّ
غائبًا ،»...وألته أقرب لإلخالص يف لخفاء العم عن الناس ،والبُعد عن الرايء.
الفرع اخلامس :قيمة العِفَّة.
تعريف العفة:
للعفة تعريفات متعددة ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-قال اجلاحظ" :ضبط النفس عن الشهوات وقصرها على اًلكتفاء مبا يقيم
أود اجلسد ،وحيفظ صحته فقط ،واجتناب السرف يف مجيع امللذات وقصد
اًلعتدال"(.)1
قيمة العفة:
ثالاث إال
قال« :ال تسافر املرأة ً أن رسول هللا -1عن ابن عمر
وم َع َها ذو َحم َرم»(.)1
َ
رج ٌلون ُ ب يقول« :ال ََيلُ َّ
قال :مسعت النيب خيطُ ُ -4عن ابن عباس
وم َع َها ذو َْحم َرم ،وال تُسافِ ِر املرأة إال مع ذي َحم َرم» ،فقام رج فقال :اي
ابمرأَة إال َ
َ
بت يف غزوة كذا وكذا ،قال« :انطَلِ ْق رسول هللا ،لن امرأيت خرجت حاجةا ،ي ي
ولين اكتُت ُ ََ َ َ
فَ ُح َّج مع امرأتك»(.)4
وص ْون املرء
ميتاز هذان النصان النبواين ابلعناية بقيمة العفة واًلهتمام هباَ ،
َحما يرَمه من التعدي عليهن ابلقول أو الفع ،ومحايتهن من األذى الذي قد يعرتيهن
من ضعاف النفوس ،وطمع مرضى القلوب هبن ولغرائهم هلن( ،)1من منع الرسول
املرأ َة من السفر دون مرافقة هلا من أحد من حمارمها ،فالسفر عاد اة تسقط فيه الكلفة،
الرفقة ل ى التحدث واًلستئناس حَت ينقطع الطريق ،والنفوس ُجبيلَت على وحيتاج ُّ
حرم مع ي
وص ْوته مما خيدشه أو ينتهكه ،لذلك كان هذا األمر بوجود ال َـم َ
محاية العْرض َ
املرأة يف سفرها ،حَت لو كان سفرها ألداء عبادة ،وهذا كله من حرص اإلسالم على
لجيااب على اجملتمع.
ص ْون قيمة العفة ورعايتها مبا ينعكس أثره ا
َ
( )1مسلم ،كتاب احلج ،ابب سفر املرأة مع حمرم ل ى حج وغريه ،حديث رقم ،)1118( :ص:
.862
( )4مسلم ،كتاب احلج ،ابب سفر املرأة مع حمرم ل ى حج وغريه ،حديث رقم ،)1121( :ص:
.866
( )1اتظر :عياض" ،لكمال املعلم بفوائد مسلم.228 :2 ،" ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
الفرع السادس :قيمة التدقوى.
تعريف التقوى:
تنوعت التعريفات للتقوى ،ومن أبرز تلك التعريفات:
-أهنا" :امتثال أوامره تعا ى واجتناب تواهيه ،بفع ك مأمور به وترك ك
منهي عنه حسب الطاقة"(.)1
قيمة التدقوى:
كان لذا استوى على بعريه أن رسول هللا -1عن عبد هللا بن عمر
خارجا ل ى سفرَ ،ك َرب ثال ااث ،قال« :سبحان الذي سخَّر لنا هذا ،وما ُكنَّا له ُمق ِرنني،
ا
الرب والتقوى ،ومن العمل ما وإان إىل ربِنا ملنقلبون ،اللهم إان نسألك يف سفران هذا َّ
َّ
هون علينا سفران هذا ،واط ِو عنَّا بُع َده ،اللَّهم أنت الصاحب يف ترضى ،اللهم ِ
السفر ،وكآبة املنظر،
إين أعوذ بك من وعثاء َّ الس َفر ،واخلليفةُ يف األهل ،اللَّهم َّ
َّ
وسوء املنقلب يف املال واألهل »...احلديث(.)4
تتجلى العناية بقيمة اإلميان يف هذا السياق النبوي ،من خالل توجيه اإلتسان
ل ى أداء لوازم اإلميان؛ من القيام ابلطاعات ،واجتناب السيئات يف أحواله كلها،
واملتمثي يف سؤال هللا اإلعاتةَ على الرب والتقوى(.)1
( )1اتظر :ابن محيد" ،موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول الكرمي ".1181 :1 ،
متوجها لسفر حج أو غريه ،وبيان
ا ( )4مسلم ،كتاب احلج ،ابب استحباب الذكر لذا ركب دابته
الذكر ،حديث رقم ،)1124( :ص.866 : األفض من ذلك ي
( )1اتظر :شرف العظيم آ ابدي" ،عون املعبود على شرح سنن أيب داود"( ،ط ،1 .بريوت :دار
ابن حزم).1181 :1 ،
111
h
( )1اتظر :علي بن سلطان القاري" ،مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح" ،حتقيق :مجال عياين،
(ط ،1 .بريوت :دار الكتب العلمية1244 ،ه).128 :8 ،
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
اخلامتة
-2لع مما يصح قوله :لته ما من تص تبوي لًل وهو دال على قيمة من القيم
اإلسالمية أو متضمن هلا أو شاهد عليها.
وأبرز التوصيات:
صْرف عناية الباحثني يومهَ يمهم ل ى جمال البحث يف القيم يف السنة النبوية،
َ -1
مبا يُظهر أصالة القيم يف الدين اإلسالمي.
-4أقرتح دراسة القيم اإلسالمية املتضمنة يف أحاديث الغزوات والسرااي يف
اهتمام الدين اإلسالمي مبجال
َ صحيح مسلم ،أو يف كتب احلديث األخرى؛ مبا يُظ يهر
ي
القيَم يف جماًلت احلياة كلها.
h
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
-1آابدي ،شرف العظيم" ،عون املعبود على شرح سنن أيب داود"( ،ط،1 .
بريوت :دار ابن حزم).
-4ابن اجلوزي ،عبد الرمحن" ،كشف املشك من حديث الصحيحني"،
حتقيق :د .علي البواب( ،ط ،1 .الرايض :دار الوطن1218 ،ه).
-1ابن القيم ،حممد بن أيب بكر" ،هتذيب السنن" ،حتقيق :لمساعي غازي
مرحبا( ،ط ،1 .الرايض :مكتبة املعارف1248 ،ه).
-2ابن القيم ،حممد بن أيب بكر" ،مدارج السالكني بني منازل لايك تعبد ولايك
تستعني"( ،ط ،7 .بريوت :دار الكتاب العريب1241 ،ه).
-8ابن بطال ،علي" ،شرح صحيح البخاري" ،حتقيق :ايسر بن لبراهيم
ولبراهيم الصبيحي( ،الرايض :مكتبة الرشد).
-6ابن تيمية ،أمحد بن عبد احلليم" ،جواب اًلعرتاضات املصرية على الفتيا
احلموية" ،حتقيق :حممد مشس( ،السعودية :دار عامل الفوائد).
-7ابن حجر ،أمحد بن علي" ،فتح الباري بشرح صحيح البخاري" ،حتقيق:
شعيب األرانؤوط وآخرون( ،ط ،1 .دار الرسالة العاملية1212 ،ه).
-8ابن محيد ،صاحل بن عبد هللا "موسوعة تضرة النعيم يف أخالق الرسول
الكرمي "( ،ط ،1 .جدة :دار الوسيلة1218 ،ه).
-2ابن دقيق العيد ،تقي الدين" ،لحكام األحكام شرح عمدة األحكام"،
حتقيق :حممد حامد الفقي( ،القاهرة :مكتبة السنة احملمدية1174 ،ه).
-11ابن رجب ،عبد الرمحن بن أمحد" ،جامع العلوم واحلكم يف شرح مخسني
حديثاا من جوامع الكلم"( ،بريوت :دار املعرفة).
-11ابن عبد الرب ،يوسف بن عبد هللا" ،اًلستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء
األمصار وعلماء األقطار فيما تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلاثر ،وشرح
111
ذلك كله ابإلجياز واًلختصار"( ،ط ،1 .دمشق-حلب :دار قتيبة-دار
الوعي1212 ،ه).
ابن عياض ،عياض بن موسى" ،لكمال املعلم بفوائد مسلم" ،حتقيق :د. -14
حيي لمساعي ( ،ط ،1 .املنصورة :دار الوفاء1212 ،ه).
ابن فارس ،أمحد" ،معجم مقاييس اللغة" ،حتقيق :عبد السالم هارون، -11
(1122ه ،دار الفكر).
ابن كثري ،لمساعي بن عمر" ،تفسري القرآن العظيم" ،حتقيق :سامي بن -12
حممد السالمة( ،ط ،4 .دار طيبة1241 ،ه).
ابن منظور ،حممد بن مكرم" ،معجم لسان العرب"( ،بريوت :دار صادر). -18
اإلربلي ،حممد أمني" ،تنوير القلوب يف معاملة عالم الغيوب"( ،بريوت :دار -16
الكتب العلمية).
األصفهاين ،احلسني بن حممد" ،الذريعة ل ى مكارم الشريعة"( ،ط،1 . -17
بريوت :دار الكتب العلمية1211 ،ه).
ا ألصفهاين ،الراغب" ،مفردات ألفاظ القرآن" ،حتقيق :عدانن داوودي( ،ط -18
،2دمشق :دار القلم1211 ،هـ4112 ،م).
البسام ،عبد هللا بن عبدالرمحن" ،تيسري العالم شرح عمدة األحكام"، -12
حتقيق :حممد صبحي حالق( ،ط ،11 .اإلمارات :مكتبة الصحابة،
1246ه).
اجلاحظ ،عمرو بن حبر" ،هتذيب األخالق"( ،ط ،1 .طنطا :دار -41
الصحابة1211 ،ه).
احلميدان ،عصام بن عبد احملسن" ،أخالقيات املهنة يف اإلسالم وتطبيقاهتا -41
يف أتظمة اململكة العربية السعودية"( ،ط ،1 .الرايض :مكتبة العبيكان،
1218ه).
اخلطايب ،محد بن حممد" ،معامل السنن"( ،ط ،1 .حلب :املطبعة العلمية، -44
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
111
1184ه).
الرفاعي ،أمحد حسني" ،مناهج البحث العلمي تطبيقات لدارية واقتصادية"، -41
(ط ،1 .عمان :دار وائ 4112 ،م).
زهران ،حامد" ،علم النفس اًلجتماعي"( ،ط ،1 .القاهرة :عامل الكتب، -42
1277م).
الزهراين ،صاحل بن حيىي "قيم السالم يف كتب التفسري واحلديث والرتبية -48
الوطنية يف املرحلة املتوسطة ابململكة العربية السعودية" ،رسالة دكتوراه غري
منشورة ،كلية الرتبية ،جامعة أم القرى4118( ،م).
السعدي ،عبد الرمحن بن انصر" ،تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم -46
املنان" ،حتقيق :عبدالرمحن بن معال اللوحيق( ،ط ،1 .بريوت :مؤسسة
الرسالة1241 ،ه).
السلمان ،فهد بن انصر" ،جمموع فتاوى ورسائ الشيخ حممد بن صاحل -47
العثيمني"( ،الطبعة األخرية ،الرايض :دار الوطن1211 ،ه).
السهاتفوري ،خلي أمحد" ،بذل اجملهود يف ح أيب داود"( ،بريوت :دار -48
الكتب العلمية).
السيوطي ،عبد الرمحن بن أيب بكر" ،الديباج على صحيح مسلم بن -42
احلجاج"( ،ط ،1 .اخلرب ،دار ابن عفان1216 ،ه).
الشاطيب ،حممد بن موسى" ،املوافقات"( ،ط ،1 .اخلرب :دار ابن عفان). -11
الشربيين ،حممد بن اخلطيب" ،مغين احملتاج ل ى معرفة معاين ألفاظ املنهاج"، -11
(ط ،1 .بريوت :دار املعرفة1218 ،ه).
الشرقاوي ،عبد هللا بن حجازي" ،فتح املبدي بشرح خمتصر الزبيدي"، -14
(بريوت :دار الكتب العلمية).
الشوكاين ،حممد بن علي" ،تي األوطار من أسرار منتقى األخبار" ،حتقيق: -11
حممد صبحي حالق( ،ط ،1 .الدمام :دار ابن اجلوزي1247 .ه).
112
الصديقي ،حممد بن عالن" ،دلي الفاحلني لطرق رايض الصاحلني"، -12
(بريوت :دار الكتاب العريب).
ختصصا وماد اة
ا الطريقي ،عبد هللا بن لبراهيم وآخرون" ،الثقافة اإلسالمية -18
وقسما علميًّا"( ،ط1217 ،1 .ه).ا
العثيمني ،حممد بن صاحل" ،القواعد الفقهية"( ،اإلسكندرية :دار البصرية). -16
العق ،انصر بن عبد الكرمي" ،الوسطية واًلعتدال يف القرآن الكرمي :مفهوم -17
الوسطية واًلعتدال" ،تدوة أثر القرآن الكرمي يف حتقيق الوسطية ودفع الغلو،
(ط ،4 .الرايض :وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد،
1248ه).
العمادي ،حممد بن حممد" ،لرشاد العق السليم ل ى مزااي القرآن الكرمي"، -18
(بريوت :دار لحياء الرتاث العريب).
العيين ،حممود بن أمحد" ،عمدة القاري شرح صحيح البخاري"( ،ط،1 . -12
بريوت :دار الكتب العلمية1241 ،ه).
الفوزان ،صاحل بن فوزان" ،تيسري زاد املستقنع يف الفقه احلنبلي"( ،بريوت: -21
دار الكتب العلمية).
الفريوزآابدي ،حممد بن يعقوب ،القاموس احمليط( ،ط ،8 .بريوت :مؤسسة -21
الرسالة1246 ،ه).
القاري ،علي بن سلطان" ،مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح" ،حتقيق: -24
مجال عياين( ،ط ،1 .بريوت :دار الكتب العلمية1244 ،ه).
القامسي ،حممد مجال الدين" ،حماسن التأوي " ،حتقيق :حممد فؤاد عبد -21
الباقي( ،ط1176 ،1 .ه).
القرطيب ،أمحد بن عمر" ،املفهم ملا أشك من تلخيص مسلم" ،حتقيق: -22
حميي الدين مستو وآخرون( ،ط ،1 .دمشق :دار ابن كثري -دار الكلم
الطيب).
القيم اإلسالميَّة املتضمَّنة يف أحاديث السَّفر يف «صحيح مسلم»
113
الكاساين ،أيب بكر بن مسعود" ،بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع" ،حتقيق: -28
علي معوض وعادل عبد املوجود( ،ط ،4 .بريوت :دار الكتب العلمية،
1242ه).
الكفوي ،أيوب بن موسى" ،الكليات" ،حتقيق :عدانن درويش وحممد -26
املصري( ،ط ،4 .بريوت :مؤسسة الرسالة.)1212 ،
املاوردي ،علي بن حممد" ،احلاوي الكبري يف فقه اإلمام الشافعي"( ،ط،1 . -27
بريوت :دار الكتب العلمية1212 ،ه).
املباركفوري ،حممد بن عبد الرمحن" ،حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي"، -28
(دار الفكر).
املزين ،لمساعي بن حيي" ،شرح السنة"( ،ط ،1 .السعودية ،مكتبة الغرابء -22
األثرية1218 ،ه).
املزين ،حرب بن لمساعي " ،لمجاع السلف يف اًلعتقاد"( ،ط ،4 .مصر: -81
دار اإلمام أمحد1211 ،ه.
املناوي ،عبد الرؤوف" ،التوقيف على مهمات التعاريف"( ،ط ،1 .القاهرة: -81
عامل الكتب1211 ،ه).
املناوي ،عبد الرؤوف" ،فيض القدير شرح اجلامع الصغري من أحاديث -84
البشري النذير"( ،بريوت :دار الكتب العلمية1244 ،ه).
املناوي ،عبد الرؤوف" ،التيسري بشرح اجلامع الصغري"( ،ط ،1 .الرايض: -81
مكتبة اإلمام الشافعي1218 ،ه).
النووي ،حيي بن شرف" ،املنهاج يف شرح صحيح مسلم بن احلجاج"( ،ط. -82
،1مصر :املطبعة املصرية ابألزهر1127 ،ه).
110
bibliography
Prepared by :
Dr. Amany Mohamad saif Aloteeby
Assistant Professor/Religious Policing and Oversight,
Higher Institute of Dawah and Religious Policing, Imam
Mohammad Bin Saud Islamic University ،Riyadh
Email: amaloteeby@imamu. edu. Sa
ملخص البحث
يتناول البحث احلديث عن فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل
العثيمني ،فيعرف لتكار املنكر ،مث يبني أمهية علم التفسري ودوره يف تشر فقه
اًلحتساب ،ويوضح فقه لتكار املنكر قب البدء ابإلتكار ،وفقه لتكار املنكر أثناء
اإلتكار.
ومن تتائج البحث :لن علم التفسري من أج العلوم وأعظمها ،وأه التفسري
هلم شأن كبري ومكاتة عظيمة؛ كوهنم مرجعا للناس يف بيان معاين كتاب هللا العزيز،
قب البدء ابإلتكار العلم فهو ومن فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ ابن عثيمني
شرط مهم من شروط األمر ابملعروف والنهي عن املنكر؛ ألته بدون العلم سيكون ما
يفسده احملتسب أكثر مما يصلح ،ومن فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ ابن عثيمني
أثناء اإلتكار مراعاة املصاحل واملفاسد ويتضمن ذلك مراعاة املصاحل واملفاسد يف
املنكر تفسه ،ويف أسلوب اإلتكار ،وفيما ينقله من أخبار وأحكام ،وًل بد للمحتسب
من فقه مراتب لتكار املنكر فكثري من الناس جيه فقه هذا احلديث وخيلطون بني
النهي عن املنكر وتغيريه.
ومن توصيات البحث :حث الباحثني على دراسة مؤلفات العلماء يف التفسري
واإلفادة منها يف فقه األمر ابملعروف والنهي عن املنكر.
الكلمات املفتاحية( :فقه -لتكار املنكر -األمر ابملعروف والنهي عن
املنكر).
111
Abstract
املدقِّمة
لن احلمد هلل حنمده ،وتستعينه ،وتستغفره ،وتعوذ ابهلل من شرور أتفسنا ،ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده هللا ،فال مض له ،ومن يضل ،فال هادي له ،وأشهد أن
حممدا عبده ،ورسوله{ ،ﭤ ﭥ ﭦ
ًل اله لًل هللا وحده ًل شريك له ،وأشهد أن ا
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة آل عمران{ ،]114:ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ} [سورة النساء{ ،]1:ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ} [سورة األحزاب.)1(]71-71:
َّأما بعد:
لقد أوجب هللا يف كتابه الكرمي األمر ابملعروف والنهي عن املنكر ،قال
( )1أخرجه اإلمام مسلم ،كتاب :اجلمعة ،ابب :ختفيف الصالة واخلطبة ،رقم احلديث:
( ،) 4118قال الشيخ األلباين" :هذه خطبة احلاجة اليت كان يعلمها النيب أصحابه".
كتاب حممد انصر الدين األلباين" ،خطبة احلاجة"( ،ط ،2بريوت :املكتب اإلسالمي،
1218ه)ـ.8 :
112
{ :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ} [سورة آل عمران.]174:
وتضافرت النصوص القرآتية اليت تبني كيفية القيام هبذه الشعرية ،وألمهية األمر
ابملعروف والنهي عن املنكر فقد اعتىن العلماء بتفسري هذه النصوص القرآتية من
خالل بيان املنهج السليم يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر.
أهمية املوضوع:
لن املتأم للواقع احلايل جيد العديد من املمارسات اخلاطئة عند لتكار املنكر
تتيجة قلة العلم أو الفهم اخلاطئ لفقه لتكار املنكر واليت تقود للعنف والتطرف فيؤدي
لتكار املنكر ل ى منكر أعظم ،األمر الذي يستوجب على الباحثني بيان فقه لتكار
املنكر عند املفسرين والعلماء؛ للتصدي ألعمال العنف والتطرف اليت حتدث حتت
مسمى الدين واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر.
فاإلسالم دين السماحة واليسر والرفق ،وتغيري املنكر الغرض منه اإلصالح
وليس اإلفساد" ،وهلذا قي :ليكن أمرك ابملعروف ،ابملعروف ،وهنيك عن املنكر غري
" :لذا كان األمر ابملعروف والنهي عن منكر"( ،)1وقال شيخ اإلسالم بن تيمية
املنكر من أعظم الواجبات أو املستحبات ًل بد أن تكون املصلحة فيهما راجحة على
املفسدة ،لذ هبذا بعثت الرس ،وتزلت الكتب ،وهللا ًل حيب الفساد ،ب ك ما أمر
هللا به هو صالح ،فحيث كاتت مفسدة األمر والنهي أعظم من مصلحته مل يكن مما
( )1أمحد بن عبد احلليم بن تيمية" ،األمر ابملعروف والنهي عن املنكر" (ط ،1بريوت :دار
الكتاب اجلديد1126 ،هـ).17 :
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
113
أمر هللا به"(.)1
واملتتبع للسنة النبوية جيد تطبيق املنهج الصحيح إلتكار املنكر ،فسماحة النيب
ويسره ويف تغيري املنكر كاتت سببا يف هداية الكثريين.
ومن خالل هذا البحث سأقف على تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
؛ لبيان فقه لتكار املنكر من خالل مجع أقواله يف ذلك.
أسباب اختبار املوضوع:
وتوضيح منهجه يف فقه -1بيان جهود الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
تغيري املنكر.
-2عدم وجود دراسة تتناول هذا اجلاتب.
أهّاف البحث:
-1التعرف على أمهية علم التفسري ودوره يف تشر فقه اًلحتساب.
-2التعرف على فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني قب البدء
ابإلتكار.
-3التعرف على فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني أثناء
اإلتكار.
تساؤالت البحث:
-1ما أمهية علم التفسري ودوره يف تشر فقه اًلحتساب؟
-2ما هو فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني قب البدء
ابإلتكار؟
-3ما هو فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني أثناء اإلتكار؟
الّراسات السابدقة:
(:)1 -1املضامني الدعوية يف تفسري الشيخ حممد بن صاَل العثيمني
هدفت هذه الدراسة ل ى :بيان مصادر الدعوة وخصائصها يف تفسري الشيخ
،ابإلضافة ل ى التعرف على جماًلت الدعوة يف تفسري حممد بن صاحل العثيمني
،والتعرف على الداعية واملدعو يف تفسري الشيخ الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
،ووسائ وأساليب الدعوة يف تفسري الشيخ حممد بن حممد بن صاحل العثيمني
. صاحل العثيمني
-2جهود الشيخ ابن عثيمني يف التفسري وعلوم القرآن عرضاً ودراسة(:)4
هدفت هذه الدراسة ل ى :بيان جهوده ومصادره يف التفسري ،وبيان منهجه يف
التفسري ،وبيان اهتماماته يف تفسريه ،ومن أهم تتائج الدراسة :لقد كان الشيخ ابن
عثيمني مهتما يف التفسري ،متميزا به ،ويعترب تفسريه من التفاسري املطولة ،وحرص على
لزالة اإلشكال الوارد يف اآلايت ،أو ما ظاهره التعارض فيما بينهما ،أو بينهما وبني
األحاديث.
( )1وفاء بنت حممد املاجد ،رسالة دكتوراه ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ،املعهد
العايل للدعوة واًلحتساب ،قسم الدعوة ،عام 1224ه.
( )4أمحد بن حممد الربيدي ،رسالة دكتوراه منشورة ،جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية،
كلية أصول الدين ،عام 1248ه.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
يف توظيف التفسري لعالج املشكالت -3منهج الشيخ ابن عثيمني
املعاصرة عرضاً ودراسة(:)1
يف توظيف التفسري هدف البحث ل ى تقدمي منهج الشيخ ابن عثيمني
لعالج املشكالت املعاصرة ،ومن أهم تتائج البحث :سلط الشيخ بن عثيمني
الضوء على الكثري من تلك املشكالت والقضااي مع العم على معاجلتها ،وبيان
أحكامها ،وما يرتتب عليها من خالل تفسريه لكتاب هللا .
منهج البحث:
قمت ابستخدام املنهج االستقرائي وهو" :ما يقوم على التتبع ألمور جزئية
مستعاانا على ذلك ابملالحظة والتجربة وافرتاض الفروض؛ ًلستنتاج أحكام عامة منها"(،)4
من خالل تتبع واستقراء ك ما يتعلق بفقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني
.
خطة البحث:
املقدمة:
وتشتم على ما يلي:
-أمهية املوضوع.
( )1حسن بن علي بن منيع الشهراين ،حبث منشور يف املؤمتر الدويل القرآين األول :توظيف
الدراسات القرآتية يف عالج املشكالت املعاصرة ،جامعة امللك خالد ،كلية الشريعة وأصول
الدين ،عام 1218ه.
( )4عبد العزيز الربيعة ،البحث العلمي حقيقته ومصادره ومادته ومناهجه وكتابته وطباعته
ومناقشته (ط ،1الرايض :مكتبة امللك فهد الوطنية1242 ،هـ) .178 :1
111
-أهداف البحث.
-تساؤًلت البحث.
-الدراسات السابقة.
-منهج البحث.
-تقسيمات البحث.
التمهيد:
-مفهوم لتكار املنكر.
-أمهية علم التفسري ودوره يف تشر فقه اًلحتساب.
املبحث األول :فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني قبل
البدء ابإلنكار.
وفيه مطالب:
املطلب األول :العلم.
املطلب الثاين :اإلخالص.
املطلب الثالث :التثبت وعدم العجلة.
املبحث الثاين :فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد العثيمني أثناء
اإلنكار.
وفيه مطلبني:
املطلب األول :التدرج والبدء ابألهم.
املطلب الثاين :مراعاة املصاحل واملفاسد.
املطلب الثالث :الرفق واللني.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
املطلب الرابع :التأين وترك اًلستعجال.
املطلب اخلامس :قوة احلجة يف اإلقناع.
املطلب السادس :فقه مراتب لتكار املنكر.
اخلامتة:
وتشم أبرز النتائج ،والتوصيات.
111
التمهيّ
مفهوم إنكار املنكر:
املنكر يف اللغة:
النكرة :لتكارك الشيء ،وهو تقيض املعرفة ،وتَ يكَر األمر تكريا وأتكره لتكارا
وتكرا :جهله.
واإلتكار :اًلستفهام عما ينكره ،واملنكر من األمر :خالف املعروف ،والنكري
اسم من اإلتكار الذي معناه التغيري(.)1
{ :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ} [سورة فالنكرة ضد املعرفة ،قال
{ :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ} [سورة يوسف ،]59:والنُكر :املن َكر ،قال
ُ
)4 (
الكهف ،]11:واإلتكار تغيري املنكر .
املنكر يف االصطالح:
" :ك ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه"(.)1 قال ابن األثري
وذكر الفريوز آابدي أته :ك فع حتكم الشريعة بقبحه(.)2
( )1اتظر :مجال الدين حممد ابن منظور" ،لسان العرب" (بريوت ـ ـ دار صادر ـ ـ ط 1ـ ـ 1212هـ)
(.)412 ،411/8
( )4اتظر :جمد الدين الفريوز آابدي" ،بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز" (ط،1
القاهرة :اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية1216 ،هـ) .141 ،141 :8
( )1جمد الدين أيب السعادات حممد اجلزري ابن األثري" ،النهاية يف غريب احلديث واألثر" (ط،1
د .م :املكتبة اإلسالمية1181 ،هـ) .118 :8
( )2اتظر :الفريوز آابدي" ،بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز" .141 :8
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
" :لن املنكر ما أتكره الشرع ،وبني أن املرجع فيه وقال الشيخ ابن عثيمني
ل ى الشرع؛ ألن الناس قد ينكرون ما ليس مبنكر ،وقد يقرون ما هو منكر"(.)1
أمهية علم التفسري ودوره يف نشر فقه االحتساب:
لن علم التفسري من أج العلوم وأعظمها ،ولشرف هذا العلم فقد دعا رسول
يل"(،)4 ِ َّ ِ ِ ِ
بقوله " :الل ُه َّم فَق ْههُ يف الدي ِن َو َعل ْمهُ التَّأْ ِو َ هللا ً لبن عباس
فأه التفسري هلم شأن كبري ومكاتة عظيمة؛ كوهنم مرجع ا للناس يف بيان معاين كتاب
هللا العزيز .وتربز أمهية علم التفسري ودوره يف تشر فقه اًلحتساب فيما أييت:
أوالً :من حيث موضوعه.
تربز أمهية علم التفسري يف أن موضوعه كتاب هللا من خالل فهم معاتيه
{ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ وبياهنا ،وتفصي أحكامه ،قال
{ :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭹ ﭺ ﭻ} [سورة ص ،]29:وقال
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
( )1اتظر :حممد بن صاحل العثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" )ط ،1الرايض :دار ابن اجلوزي،
1218هـ) ،416 :4تفسري سورة املائدة.
( )4أخرجه احلاكم يف املستدرك على الصحيحني (ط ، 4بريوت :دار الكتب العلمية1244 ،هـ)
سنده صحيح ،اتظر: كتاب :معرفة الصحابة ،رقم احلديث )6481( :وقال األلباين
حممد انصر الدين األلباين" ،سلسلة األحاديث الصحيحة" (ط ،1الرايض :مكتبة املعارف،
1216ه) .171 :6
111
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ} [سورة املائدة.]16-15:
وكتاب هللا العزيز شام لكافة موضوعات اًلحتساب ففيه بيان آلداب
وصفات احملتسب وأخالقه ،وفيه بيان لدرجات اًلحتساب ،وأصناف احملتسب عليهم
وكيفية اًلحتساب ،وابلتايل فقد تق لنا املفسرون تفاصي هذه املوضوعات املتعلقة
يف لتكارهم للمنكر. ابحلسبة وبيان منهج األتبياء
" :جيب أن يعلم أن النيب بني ألصحابه قال شيخ اإلسالم بن تيمية
{ :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ} [سورة معاين القرآن ،كما بني هلم ألفاظه"( ،)1قال
النحل.]44:
اثنياً :من حيث حاجة احملتسب له.
ًل بد للمحتسب من العلم الشرعي الذي يعينه على القيام ابألمر ابملعروف
والنهي عن املنكر ،ومن أهم العلوم اليت ينبغي للمحتسب الفقه واإلملام هبا علم
التفسري؛ حَت يكون أمره ابملعروف وهنيه عن املنكر على بصرية ،ابإلضافة ل ى حاجته
ل ى التعرف على أصناف عدة من احملتسب عليهم وطريقة التعام معهم وفق املنهج
القرآين.
فالعلم ابلنصوص القرآتية وتفسريها من أهم األمور للمحتسب ،ولع من أهم
األمثلة اليت تبني أمهية الفقه بنصوص القرآن يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر رد
على اخلوارج( )4ردا علميا قائم على الفهم لنصوص الشرع ابن عباس
( )1أمحد بن تيمية" ،مقدمة يف أصول التفسري" (ط ،4د .م :د .ن1124 ،هـ) .18
( )4أخرجه الطرباين وأمحد ببعضه ،اتظر ،تور الدين علي اهليثمي" ،جممع الزوائد ومنبع الفوائد"
=
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
ودًلئلها ،فقد دحض شبههم القائمة على اجله ابلنصوص الشرعية دون تثبت
ودراية مما تسبب يف رجوع عدد منهم ل ى احلق.
كما أن من أهم األمور اليت تبني حاجة احملتسب ل ى فقه اإلتكار من تصوص
كتاب هللا العزيز هي أن يكون قدواة حسنة عند قيامه ابألمر ابملعروف والنهي عن
ورفقهم وصربهم وحلمهم ودرئهم املنكر من خالل الوقوف على منهج األتبياء
للمفاسد فك هذه األمور تعني احملتسب على القيام ابألمر ابملعروف والنهي عن
املنكر على الوجه الصحيح ،وحَت ينتفع الناس بقوله وعمله.
وتشتد حاجة احملتسب لفقه ما تضمنه كتاب هللا يف الوقت احلاضر؛ ملا
تشاهده من سوء فهم إلتكار املنكر فيدخ يف استخدام العنف ،والكلمات البذيئة
وغري ذلك مما هنى عنه الشرع فيكون ما يفسد أكثر مما يصلح.
املبحث األوَّل :فدقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممّ العثيمني قبل البّء
باإلنكار
املطلب األول :العلم
العلم ابلشيء من أهم األمور يف أي جاتب من جواتب احلياة ،وتزداد أمهيته
عند لتكار املنكر ،فهو شرط مهم من شروط األمر ابملعروف والنهي عن املنكر؛ ألته
{ :ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ بدون العلم سيكون ما يفسده احملتسب أكثر مما يصلح ،قال
=
(د .ط ،بريوت :دار الكتاب العريب ،د .ت) ،421_412 :6واتظر :أبو عبد هللا بن
حممد احلاكم النيسابوري" ،املستدرك على الصحيحني" 162 :4وقال :هذا حديث صحيح
على شرط مسلم ومل خيرجاه.
112
ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ} [سورة اإلسراء.]36:
{ :ﮟ ﮠ ﮡ وقد شدد هللا على خطر القول بدون علم ،قال
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ} [سورة
النور.]15:
وبني أن أي اختالف يف أي أمر من األمور الدينية أو الدتيوية فمرده ل ى
{ :ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ } [سورة الشورى.]17: هللا ،قال
يف بيان أمهية العلمً" :ل شك أن العلم من وذكر الشيخ ابن عثيمني
أفض ما أتعم هللا به على العبد ،يعين ما بعد ا يإلسالم تعمة مث العلم ،هي أفض من
تعمة املال وأفض من تعمة قوة البدن ،وأفض من تعمة البنني ،وما يعادهلا ليًل تعمة
ا يإلسالم فقط"(.)1
أمهية العلم يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فقال" :لته ًل كما بني
بد من العلم؛ ألته ًل ميكن أن أيمر ابملعروف من ًل يعرف املعروف ،وًل ميكن أن
ينهى عن املنكر من ًل يعرف املنكر ،فال بد من العلم؛ ألته ما ًل يتم الواجب لًل به
فهو واجب"(.)4
والعلم يتضمن ما أييت:
-1العلم ابلشرع :بني فضيلة الشيخ ابن عثيمني أن العلم ابلشرع يكون "أبن
يعرف أن هذا مما أمر هللا به حَت أيمر به ،أما لذا كان ًل يدري ه هو مأمور به أو
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،118 ،تفسري النم .
( )4اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،14 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
113
ًل؛ فال حي له أن أيمر به؛ ألن هللا قال{ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ} [سورة األعراف .]33:فال جيوز األمر مبا ًل يعلم أته مأمور به ،وًل النهي عما ًل
يعلم أته منهي عنه؛ ملا يف ذلك من اًلفرتاء على هللا ،وصد عباد هللا عما أح
هللا هلم أو منعهم عما أح هللا هلم"(.)1
-2العلم ابحلال :وهو أن يعلم اآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر حال
ذلك املأمور واملنهي من انحية ارتكابه للمنكر ،وبني فضيلة الشيخ ابن عثيمني
بقوله" :أن يعلم أن هذا الرج ترك املعروف أو فع املنكر ،أما أن أيمره ابملعروف
وهو ًل يدري ه فعله أو ًل ،فهذا ًل جيوز؛ ألن هذا من قَـ ْف يو ما ليس له به علم،
وكذلك لو هناه عن منكر وهو ًل يدري ه ارتكب املنكر أو ًل ،فإن ذلك ًل جيوز؛
()4
اس
ب الن َ
النيب خيَْطُ ُ ألته من قَـ ْف يو ما ليس له به علم" مثال ذلكَ :جاءَ َر ُج ٌ و ُّ
ني"( ،)1فهذا قال" :قُ ْم فَارَك ْع رْك َعتَ ْ ِ
ْ َ أصلَّْي َ
ت اي فَُال ُن؟" َ
قالًَ :لَ ، وم اجلُ ُم َعةي ،فَ َ
قالَ " : يَ َ
دلي على أته ًل بد من العلم حبال املأمور واملنهي؛ ألته قد يكون على حال ًل يتوجه
لليه األمر .فينبغي على اآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر أن يعلم أبن هذا الرج
اترك للمعروف أو فاع للمنكر ،وًل أيخذ الناس ابلتهمة أو ابلظن ،فإذا رأيت
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،11 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
( )4ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،11 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
( )1متفق عليه :أخرجه اإلمام البخاري ،كتاب :اجلمعة ،ابب :لذا رأى اإلمام رجالا جاء وهو
خيطب أمره أن يصلي ركعتني ،رقم احلديث ،)211( :أخرجه اإلمام البخاري ،كتاب:
اجلمعة ،ابب :التحية واإلمام خيطب ،رقم احلديث.)878( :
110
شخصا ًل يصلي معك يف املسجد ،فال يلزم من ذلك أته ًل يصلي يف مسجد آخر؛
ب قد يصلي يف مسجد آخر ،وقد يكون معذورا ،فال تذهب من أج أن تنكر عليه
حَت تعلم أته يتخلف بال عذر ،أما أن تنكر أو أشد من ذلك أن تتكلم فيه يف
اجملالس ،فهذا ًل جيوز؛ ألتك ًل تدري؛ رمبا أته يصلي يف مسجد آخر ،أو يكون
معذورا ،وهلذا كان النيب عليه الصالة والسالم يستفهم أوًلا قب أن أيمر كما ورد يف
احلديث السابق"(.)1
-3أن يعلم أن هذا مفيد :مبعىن أته حيتم عنده أن هذا الفاع للمنكر أو
التارك للواجب كان على جه ،وأته قريب الرجوع ل ى احلق ،فإن كان يعلم أن
صاحبه عامل ابحلكم لكنه متمرد مستكرب فإته ًل جيب حينئذ األمر ابملعروف والنهي
{ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة عن املنكر ورمبا يستدل لذلك بقوله
األعلى ]9:فإذا كان التذكري وهو دعوة للخري ًل جيب لًل لذا تفع؛ فاألمر ابملعروف
والنهي عن املنكر من ابب أو ى؛ ألن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أشد من
الدعوة ل ى اخلري ،فك لتسان يستطيع أن يدعو وليس فيه شيء عليه ،لكن اآلمر
ابملعروف والناهي عن املنكر هو الذي قد جيد أذية من املأمور أو املنهي ،وهذه
املسألة يف النفس منها شيء ،قد تقول :لن عليه أن أيمر وينهى وأن ذلك ًل خيلو من
فائدة لو مل يكن من فائدته لًل علم الناس أبته معروف أو أبته منكر لكفى ،ألتنا لذا
سكتنا حبجة أن األمر ًل ينفع أو أن النهي ًل ينفع؛ بقيت املنكرات على ما هي
( )1اتظر :حممد بن صاحل العثيمني" ،شرح رايض الصاحلني" (د .ط ،الرايض :دار الوطن،
1246ه).212 :4 ،
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
عليه ،وبقي التهاون ابلواجبات على ما هو عليه ،وهلذا يف هذا الشرط تظر ،ب
تقول :جيب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر سواء ظننت أته مفيد أم مل يفد .لكن
يف حدود اًلستطاعة؛ ألن مجيع الواجبات لمنا جتب ابًلستطاعة {ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ } [سورة التغابن ،]16:فإذا كان يشق على اإلتسان أن ميسك ك واحد مير
به يف السوق على منكر فإته ًل يلزمهً ،ل يلزمه لًل ما يقدر عليه؛ ألن هللا يقول{ :
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ } [سورة احلج.)1("]19:
املطلب الثاني :اإلخالص
اإلخالص هو أن يريد ابلعم وجه هللا ،واحملتسب ًل بد أن يكون خملص ا
يف عمله راجيا من ذلك وجه هللا ليس لطلب شهرة أو مال أو غريه؛ ألته لذا كان
األمر ابملعروف والنهي عن املنكر خالص ا لوجه هللا كان موافق ا ملا شرعه هللا
على لسان ،قال يف القرآن أو السنة ،فاإلخالص هو أساس دعوة الرس
لقومه{ :ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ} [سورة توح
الشعراء" ،]179:فيجب على احملتسب أن يقصد بقوله وفعله وجه هللا ،وطلب
مرضاته ،خالص النية ًل يشوبه رايء وًل مراء ،وجيتنب املنافسة واملفاخرة؛ لينشر هللا
أن هذه اآلية تضمنت معان عليه علم التوفيق"( ،)4وذكر الشيخ ابن عثيمني
عدة لإلخالص وهي كما أييت:
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،17 ،16 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
( )4عبد الرمحن الشيزري" ،هناية الرتبة يف طلب احلسبة" (د .ط ،القاهرة :مطبعة جلنة التأليف
والرتمجة والنشر1168 ،هـ) .7
111
-1يف هذه اآلية دلي على لخالص املرء هلل ،وأته ًل يريد ثواابا من أحد
وًل مناًلا لًل من هللا .
-2أن من طلب العلم الذي جاءت به الرس لينال به أمرا من الدتيا فليس
طريقه طريق الرس ؛ ألن الرس لمنا أيمرون الناس وينهوهنم ملا يرجوته من ثواب هللا ًل
ملا ينالوته من األجر ،ففي هذا دلي على تصليح النية ملن قام مقام الرس ابألمر
ابملعروف والنهي عن املنكر(.)1
{ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ} [سورة املائدة ،]47:ذكر شيخ قال
" :أن الناس يف هذه اآلية ثالثة أقوال :طرفان ووسط ،فاخلوارج اإلسالم ابن تيمية
واملعتزلة يقولونً :ل يتقب هللا لًل من اتقى الكبائر ،وعندهم صاحب الكبرية ًل يقب
منه حسنة حبال ،واملرجئة يقولون :من اتقى الشرك ،والسلف واألئمة يقولونً :ل
يتقب لًل ممن اتقاه يف ذلك العم ،ففعله كما أمر به خالصا لوجه هللا تعا ى"(.)4
عالمات اإلخالص من عدمه للمحتسب وقد بني الشيخ ابن عثيمني
{ :ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ يف قوله
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} [سورة آل عمران ،]174:حيث قال" :مالحظة
اإلخالص يف هذه اآلية { :ﮙ ﮚ ﮛ } ًل ل ى أتفسهم؛ ألن بعض الناس يدعو
يود أن يقوم هو ابألمر لينال
ل ى تفسه ،وبعض الناس يدعو ل ى اخلري ،فإذا كان ُّ
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،124 ،تفسري سورة الشعراء.
( )4أمحد بن تيمية" ،منهاج السنة النبوية" (ط ، 1الرايض :جامعة اإلمام حممد بن سعود
اإلسالمية1216 ،هـ) .416 :6
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
األجر ًل ليحرم غريه أو ليصرف الناس ل ى تفسه فهذا ليس عليه شيء ،أما الداعي
ل ى تفسه فمن عالماته ما أييت:
-1أته ًل يريد من الناس أن خيالفوه ولو كان على خطأ.
-2أته يكره أن يقوم غريه بذلك ،أي ابلدعوة ل ى اخلري يريد أن يستبد به من
بني سائر الناس"(.)1
ي
النيب ً ل يَنتَقم لنَـ ْفسه قَ ُّط أبَ ادا لًل أن تُـْنـتَـ َهك ُح ُر ُ
مات اَّلل ، "وهلذا كان ُّ
وجد من كثري غضباا َّلل ؛ ألته ليس يَ ْدعو ل ى تَـ ْفسه كما يُ َأشد الناس َ فإته كان َ
من الدُّعاة يَ ْدعون ل ى أت ُف يسهم يف الواقيع ،يُريدون أن يـُ َع يظمهم الناس وأن َأي ُخذوا
بقوهلم ،حَت لهنم لذا خوليفوا يف ذلك َيجتد اإلتسان يت َكدر؛ ًل ألته خوليف أمر ي
اَّلل ُ ُ َ ُ
؛ ولكن ألته ُخوليف هو ،الذي هذا َش ْأتُه لمنا يَدعُو ل ى تَـ ْفسه وليس يَ ْدعو ل ى
ربه"(.)4
املطلب الثالث :التثبت وعّم العجلة
دعا اإلسالم ل ى ضرورة التثبت والتأين ،وذم العجلة يف مواضع عدة ،ومن
األمور اليت ًلبد منها يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر التثبت وعدم التسرع
{ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ والعجلة؛ ملا قد يرتتب عليه من املفاسد ،قال
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة احلجرات،]6:
ميكن والتثبت يتضمن عدة أمور حبسب ما ذكره فضيلة الشيخ ابن عثيمني
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،11 ،11 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
( )4ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،121تفسري األحزاب.
111
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،48 ،تفسري سورة احلجرات.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
ث بَـ ْعثاا النساء ،]94:وقد وقع مثال تطبيقي هلذا يف عهد النيب ،فر َ ي
سول هللا بَـ َع َ َ
ي ي ي ي يي ي
ني لذا شاءَ أ ْن ني ،ولهنُُم التَـ َق ْوا فَكا َن َر ُج ٌ م َن املُ ْش يرك َ
ني ل ى قَـ ْوم م َن املُ ْش يرك َ
م َن املُ ْسلم َ
ص َد َغ ْفلَتَهُ، يي ي يي ي ي
ني قَ َ
ص َد له فَـ َقتَـلَهُ ،ولن َر ُج اال م َن املُ ْسلم َ ني قَ َ يَـ ْقص َد ل ى َر ُج م َن املُ ْسلم َ
قالً :ل للَهَ لًل اَّللُ فَـ َقتَـلَهُ، ف َ بن َزيْد ،فَـلَما َرفَ َع عليه السْي َ ُسامةُ ُ
ث أته أ َ قال :وُكنا ُحنَد َُ
ي
صنَ َع ،فَ َدعاهُ كيف َأخ ََربهُ َخ ََرب الر ُج ي َ فأخ َربَهُ ،حَت ْ فَجاءَ البَشريُ ل ى الن ييب فَ َسأَلَهُ ْ
يي قال :اي ر َ ي فَسأَلَه َ ِ
الان،
الان وفُ ا ني ،وقَـتَ َ فُ ا سول هللاْ ،أو َج َع يف املُ ْسلم َ فقال" :ملَ قَ تَ لْتَهُ؟" َ َ َ ُ
سول هللاي قال َر ُ قالً :ل للَهَ لًل اَّللَُ ، ف َ ومسى له تَـ َفرا ،ي
ت عليه ،فَـلَما َرأَى السْي َ ولين َمحَْل ُ ا َ
وم
ت يَ َ جاء ْ
اَّللُ إذا َ صنَ ُع بال إلَهَ َّإال َّ كيف تَ ْ قال" :فَ َ قال :تـَ َع ْمَ ، " :أقَ تَ لْتَهُ؟!" َ
اَّللُ إذاصنَ ُع بال إلَهَ َّإال َّ استَـ ْغ يفْر ييلَ ، قال :اي ر َ ي الق ِ ِ
كيف تَ ْ
قال" :و َ سول هللاْ ، يامة؟!" َ َ َ
صنَ ُع بال إلَهَ َّإال كيف تَ ْ ولَ " : يدهُ علَى أ ْن يَـ ُق َ يام ِة؟!" َ
قال :فَ َج َع َ ًل يَيز ُ تي ِ
وم الق َ جاء ْ َ ََ
يام ِة؟!"(.)1 تي ِ
وم الق َ جاء ْ َ َ
اَّللُ إذا َ َّ
حَت قال أسامة " :متنيت أين مل أكن أسلمت لًل يومئذ" يعين :متنيت أن
يكون هذا يف حال كفري حَت أسلم فيغفر يل ما قد سلف؛ ألن من أسلم غفر هللا له
ما سلف يف كفره مهما كان.
ولن هذا يدل على التحذير من احلكم على الناس مبا خيالف الظاهر ،وحنن ًل
تكلف ما ًل تطيق ،ولو أن هللا جع حكمنا على الناس على حسب الباطن هللكنا؛
( )1أخرجه اإلمام مسلم ،كتاب :اإلميان ،ابب :حترمي قت الكافر بعد أن قال ًل لله لًل هللا ،رقم
احلديث.)27( :
111
فمن حيقق الباطنً ،ل ميكن أن حيققه أحد ،فنحن ليس لنا لًل الظاهر(.)1
{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ فينبغي كف اللسان عن ذلك امتثاًلا لقوله
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ } [سورة احلجرات.]12:
-2التثبت ال يعِن التجسس :هنى هللا عن التجسس ،وتتبع العورات قال
{ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ} [سورة احلجرات ،]12:كما أته من شروط
احلسبة أن يكون املنكر "ظاهرا بال جتسس ،وك من يسرت معصيته يف داره ،وأغلق
ي ()4
س َم َع عليه اببه مل جيز التجسس عليه" ،فعن َعْبد الر ْمحَ ين بْ ين َع ْوف أَتهُ َحَر َ
اج يىف بَـْيت فَاتْطَلَ ُقوا ي ي ي ي ي
ُع َمَر بْ ين ا ْخلَطاب لَْيـلَةا ابلْ َمدينَة فَـبَـْيـنَا ُه ْم ميَْ ُشو َن َشب َهلُْم سَر ٌ
ال
ط فَـ َق َات ُمْرتَيف َعةٌ َولَغَ ٌَص َو ٌ
يي
ب ُجمَاف َعلَى قَـ ْوم َهلُْم فيه أ ْ
ي
يَـ ُؤُّموتَهُ َحَت ليذَا َدتَـ ْوا مْنهُ ليذَا َاب ٌ
الَ :ه َذا تً :لَ .قَ َ ال :أَتَ ْد يرى بَـْي ُ
ت َم ْن َه َذا؟ قُـْل ُ َخ َذ بييَ يد َعْب يد الر ْمحَ ين فَـ َق َ
ُع َم ُر َ وأ َ
ال َعْب ُد الر ْمحَ ين :أ ََرى قَ ْد ب فَما تَـَرى ،قَ َ ت َربي َيعةَ بْ ين أ َُميةَ بْ ين َخلَف َوُه ُم اآل َن ُشر ٌ بَـْي ُ
ال { :ﭝ ﭞ } [سورة احلجرات ]12:فَـ َق ْد َجتَس ْسنَا أَتَـْيـنَا َما َهنَى اَّللُ َعْنهُ فَـ َق َ
ف َعْنـ ُه ْم ُع َم ُر َ وتَـَرَك ُه ْم(.)1
صَر َ
فَاتْ َ
أن التجسس طلب املعايب من الغري، وذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمني
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،26 :4 ،تفسري سورة النساء.
( )4وجيه الدين عبد الرمحن بن علي ابن الديبع" ،بغية اإلربة يف معرفة أحكام احلسبة" )ط،1
مكه املكرمة :جامعة أم القرى1244 ،هـ) .64
( )1أخرجه اإلمام البيهقي يف السنن الكربى (ط ،1بريوت :دار الكتب العلمية1242 ،هـ)
كتاب :األشربة ،ابب :ما جاء يف النهي عن التجسس ،رقم.872 :8 )17646( :
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
شرا من أخيه ،أو لعله ينظر
أي :أن اإلتسان ينظر ويتصنت ويتسمع لعله يسمع ًّ
سوءا من أخيه ،والذي ينبغي لإلتسان أن يعرض عن معايب الناس ،وأن ًل حيرص
على اًلطالع عليها ،ب أيخذ الناس على ظاهرهم ،وًل يشغ تفسه مبعايب
اآلخرين ،وهلذا من ابتلي ابلتجسس جتده يف احلقيقة قلق ا دائم ا يف حياته ،وينشغ
بعيوب الناس عن عيوبه ،وًل يهتم بنفسه ،وهذا يوجد كثريا من بعض الناس الذين
أيتون ل ى فالن ول ى فالن ،ما تقول يف كذا؟ ما تقول يف كذا؟ فتجد أوقاهتم ضائعة
بال فائدة ،ب ضائعة مبضرة؛ ألن ما وقعوا فيه فهو معصية هلل ،ه أتت وكي
عن هللا تبحث عن معايب عباده؟ ،والعاق هو الذي يتحسس معايب تفسه،
وينظر معايب تفسه ليصلحهاً ،ل أن ينظر يف معايب الغري ليشيعها -والعياذ ابهلل -
وهلذا قال هللا { :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ} [سورة النور.)1(]19:
املبحث الثاني :فدقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممّ العثيمني أثناء اإلنكار
املطلب األوَّل :التّرج والبّء باألهم
لن التدرج ومراعاة األولوايت من األمور اليت عين هبا اإلسالم يف كافة
اجملاًلت كالعبادات واملعامالت ،فكثري من األحكام تدرج الشارع يف بياهنا؛ حَت
أيلفها الناس ،فمعرفة األولوايت من األمور اليت ًلبد للمحتسب من فقهها والعم هبا
جماًلت التدرج يف لتكار عند لتكار املنكر ،وقد بني فضيلة الشيخ ابن عثيمني
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،81 ،81 ،تفسري سورة احلجرات
112
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،18 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
113
بذلك ،فَِإ َّاي َك رت ُّد علَى فُ َق َرائِ ِه ْم ،فإ ْن ُه ْم أطَ ُ ِ ِ ِ
لك َ اعوا َ ص َدقَةً تُ ْؤ َخ ُذ من أ ْغنيَائ ِه ْم فَ َُ
َ
اب"( ،)1وقد قرر وبني َِّ ِ ِ ِِ ِ
اَّلل ح َج ٌ وَك َرائ َم ْأم َواْل ْم ،واتَّ ِق َد ْع َوةَ املَظْلُوم؛ فإنَّه َ
ليس ْبي نَهُ ْ َ
ذلك بقوله" :وجوب تقدمي األهم فاألهم يف الدعوة ل ى هللا الشيخ ابن عثيمني
؛ ألن الرسول أول ما دعا هؤًلء ل ى التوحيد مل يق :صلوا وًل زكوا وًل صوموا
وًل حجوا ،ب دعاهم ل ى التوحيد ،وهذا هو شأن القرآن ،وهذا هو شأن سنة الرسول
العملية ،فإته ملا بعث معاذا ل ى اليمن أمره أن يدعوهم أول ما يدعوهم لليه ل ى
شهادة أن ًل لله لًل هللا وأن حممدا رسول هللا"(.)4
العديد من األشياء الشركية والبدعية وقد ذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمني
املنتشرة يف اآلوتة األخرية واليت ينبغي على اآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر أن يركز
عليها حَت ًل تنتشر ،وذلك يف قوله" :لن الكالم يف التوحيد ًل شك أته مهم؛ ألته
أهم األشياء ،لكن لذا كنا يف قوم قد وحدوا -وهلل احلمد -وعرفوا األمر وهم بعيدون
عن الشرك ،ولمنا خيالفون يف األمور األخرى دون الشرك ،فنحن تركز على ما فيه هذه
املخالفة على أته لو طرأ ما يَكلُ ُم التوحيد جيب أن يركز عليه ،كما يوجد يف اآلوتة
األخرية من ظهور بعض األشياء الشركية والبدعية ،مث :متائم النحاس اليت تعلق،
يقال :أهنا تنفع من الروماتيزم ،هذا أيضا توع من الشرك ،وكذلك أيضا ما وجد من
( )1متفق عليه ،أخرجه اإلمام البخاري ،كتاب :الزكاة ،ابب :أخذ الصدقة من األغنياء ،رقم
احلديث ،) 1226( :واإلمام مسلم ،كتاب :اإلميان ،ابب :الدعاء ل ى الشهادتني وشرائع
اإلسالم ،رقم احلديث.)12( :
( )4ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،14 ،تفسري سورة ص.
110
قضية الدبلة وما يتعلق هبا ،فالرج يكتب امسه على خامت امرأته ،وهي تكتب امسها
على خامت زوجها ،ويعتقدون أن هذا موجب احملبة واًلحرتام كأته رابط ،وهذا أيض ا
من الشرك ،وهو من التي َولَة ،فإذا طرأت مث هذه األمور جيب أن حتارب ،وأن يركز
عليها ،وأن يكثر القول فيها حَت ًل تنتشر ،فاملهم أته لك مقام مقال كما قي "(.)1
أمهية التدرج من خالل التدرج يف بيان وبني فضيلة الشيخ ابن عثيمني
: " :قد أتزل هللا يف اخلمر أربع آايت :آية تبيحه وهي قوله األحكام ،فقال
{ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ} [سورة النحل ،]61:وآية
: تعرض ابلتحرمي وهي هذه اآلية ،وآية متنعه يف وقت دون آخر وهي قوله
{ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ} [سورة
النساء ،]43:وآية متنعه دائم ا مطلق ا وهي آية املائدة اليت تزلت يف السنة الثامنة من
{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ اهلجرة وهي قوله
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ} [سورة املائدة ،)4("]97:وبينت أم املؤمنني عائشة
ورةٌ ِم َن املَُف َّ
ص ِل، احلكمة من هذا التدرج بقوهلاَّ " :إَّنا نَ َز َل َّأو َل ما نَ َز َل منه ُس َ
اإلس َالِم نَ َز َل احلََال ُل واحلََر ُام ،ولو
َّاس إىل ْ ب الن ُ يها ِذ ْك ُر اجلَن َِّة والنَّا ِرَّ ،
حَّت إذَا َاث َ فَ
ِ
نَ َز َل َّأو َل َشيء :ال تَ ْش َربُوا اخلَ ْم َر ،لَقالوا :ال نَ َدعُ اخلَ ْم َر أبَ ًدا ،ولو نَ َز َل :ال تَ ْزنُوا،
لَقالوا :ال نَ َدعُ ال ِزَان أبَ ًدا"(" ،)1وذلك ملا طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،84 ،تفسري سورة لقمان.
( )4ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،68 ،67 :1 ،تفسري سورة البقرة.
( )1أخرجه اإلمام البخاري ،كتاب :فضائ القرآن ،ابب :أتليف القرآن ،رقم احلديث:
=
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
املألوف فاقتضت احلكمة اإلهلية ترتيب النزول على ما ذكر"(.)1
املطلب الثاني :مراعاة املصاحل واملفاسّ
جاءت الشريعة اإلسالمية مبراعات املصاحل واملفاسد ،وحثت على ضرورة
" :ليس العاق الذي يعلم اخلري من الشر ،ولمنا العاق العم هبا ،قال ابن تيمية
" :لن الذي يعلم خري اخلريين وشر الشرين"( ،)4وقال فضيلة الشيخ ابن عثيمني
الدين اإلسالمي جاء بتحصي املصاحل ،ودرء املفاسد ،وينبغي املقارتة يف األمور بني
مصاحلها ،ومفاسدها ،وترجيح املصاحل على املفاسد ،أو املفاسد على املصاحل حسب
ما يرتتب عليها"(.)1
وتتضمن مراعاة املصاَل واملفاسد ما أييت:
-1مراعاة املصاَل واملفاسد يف إنكار املنكر" :مث أن يكون يف أمره بطاعة
فعالا ملعصية أكرب منها ،فيرتك األمر هبا دفعا لوقوع تلك املعصية ،ومث أن يكون يف
هنيه عن بعض املنكرات ترك ا ملعروف هو أعظم منفعة من ترك املنكرات ،فيسكت عن
النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر هللا به ورسوله مما هو عنده أعظم من جمرد ترك
=
(.)2221
( )1أمحد بن حممد القسطالين" ،لرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" (ط ،7مصر :املطبعة
األمريية1141 ،هـ) .281 :7
( )4أمحد بن تيمية" ،جمموع الفتاوى" (د .ط ،جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف،
1248هـ) .82 :41
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،71 :1 ،تفسري سورة البقرة.
111
ذلك املنكر"(.)1
:أن من شروط لتكار املنكر أن ًل وذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمني
يتحول املنكر ل ى ما هو أتكر منه ،ألن النهي عن املنكر يراد به تقلي املنكر ،فإذا
كان يرتتب عليه أن يقع املنهي عن املنكر يف منكر أعظم؛ فإته ًل ينهى عنه ،ولذا
هنى احملتسب وهو يعلم أته سيتحول ل ى ما هو أَتْ َكر ،فمعىن ذلك أته دعى ل ى فع
: زائد عن املنكر األول ،والزائد عن املنكر األول منكر ،يؤخذ هذا من قول هللا
{ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ } [سورة األنعام،]179:
فهنا هنى هللا املسلمني أن يسبوا أصنام الكفار؛ ملا كان يرتتب على سبها مفسدة
شخصا يشرب الدخان أمامنا ،لكن تعلم أتنا لو هنيناه عن شرب
ا أكرب ،فلو رأينا
الدخان لذهب يسرق أموال الناس ،ويؤذي الناس ويضايقهم ،فه تنكر عليه شرب
الدخان أو ًل؟ ًل تنكر ،وكذلك لو غلب على ظننا أتنا لو هنيناه عن الدخان لذهب
دفعا ألعلى املفسدتني أبدانمها ،ومن ذلك ما
ل ى رفقة يشربون اخلمر ،فإتنا ًل تنهاه ا
يقولَ " :مَرْرت أَ َان أته مسع شيخ اإلسالم ابن تيمية ذكره ابن قيم اجلوزية
اخلَ ْمَر ،فَأَتْ َكَر َعلَْي يه ْم َم ْن َكا َن َمعيي،
َص َح يايب ييف َزَم ين التـتَا ير بيَق ْوم يمْنـ ُه ْم يَ ْشَربُو َن ْ
ضأ ْ َوبَـ ْع ُ
ص ُّد َع ْن يذ ْك ير اَّللي َو َع ْن الص َالةي، فَأَتْ َكرت علَيهي ،وقُـْلت لَه :لمنَا حرم اَّلل ْ ي
اخلَ ْمَر ألَهنَا تَ ُ ََ ُ ُ ْ َْ َ
َخ يذ ْاأل َْم َو يال فَ َد ْع ُه ْم"( )4فأتكر وس وس ييب ُّ ي ي
الذ يرية َوأ ْ اخلَ ْم ُر َع ْن قَـْت ي النُّـ ُف ي َ َ ْ ُّه ْم ْ
صد َُوَه ُؤًَلء يَ ُ
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،421 :4 ،تفسري سورة املائدة ،وتفسري سورة آل
عمران .16 ،18 :4
( )4اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،168 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
111
واإلساءة ابلعفو(.)1
: -3مراعاة املصاَل واملفاسد فيما ينقله من أخبار وأحكام :قال
{ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
:أن هذه اآلية ﮩ ﮪ} [سورة النساء ،]93:فذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمني
كثريا من الناس يعلنون األخبار على
متاما على ما حنن فيه اآلن ،حيث لن ا تنطبق ا
عواهنها ،وًل يبالون مبا ترتب عليها من خري أو شر ،وًل يزتون بني املصاحل بعضها مع
بعض ،وًل بني املفاسد بعضها مع بعض ،وًل بني املصاحل وبني املفاسد ،ولمنا يذيعون
الشيء وينشروته بدون حتقيق وًل متحيص ،وهذا من دأب املنافقني؛ ألن هللا
ذكرهم يف هذا السياق ،فقال{:ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ } [سورة النساء.]91:
وذكر هللا { :ﮝ ﮞ} [سورة النساء ]93:ومل يق :يعلموته؛ ألن
هؤًلء هلم تظر بعيد عميق كالذي يستنبط املاء(.)4
املطلب الثالث :الرفق واللني
الرفق من األمور اليت دعا لليها اإلسالم يف كافة جماًلت احلياة ،وهو من أهم
املهمات يف جمال اًلحتساب؛ ألن منهج اإلسالم قائم على الرفق وتبذ العنف ،فال
جيب ممن أيمر مبعروف ،وينهى عن منكر أن يكون فظا عنيفا ،ولقد حث النيب
( )1اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،187 ،تفسري سورة فصلت.
( )4اتظر :ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،47 ،46 :4 ،تفسري سورة النساء.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
ْق ِيف ْاأل َْم ِر ب ِ
الرف َ اَّللَ َرفِي ٌق ُِحي ُّ
إن َّعلى ضرورة اًللتزام ابلرفق ،قال رسول هللا َّ " :
ُكلِ ِه"( ،)1وقال اإلمام الشيزري " :ليكن من شيم احملتسب الرفق ،ولني القول،
وطالقة الوجه وسهولة األخالق عند أمره للناس وهنيه؛ فإن ذلك أبلغ يف استمالة
القلوب ،وألن اإلفراط يف الزجر رمبا أغرى ابملعصية ،والتعنيف ابملوعظة متجه
األمساع"(.)4
أمهية الرفق للمحتسب بقوله" :ومن وبني فضيلة الشيخ ابن عثيمني
آداب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر أن يكون ليناا يف أمره ليناا يف هنيه؛ ألن اللني
خلق كرمي يعطي هللا به ما ًل يعطي على العنف كما قال النيب يف ذلكَّ " :
إن
العْن ِ
ف"( ،)1وكما أرشد هللا الرفق ،ويُ ْعطي عليه ما ال يُ ْعطي على ُ
ب َ هللاَ رفي ٌقُِ ،حي ُّ
حني أرسلهما ل ى فرعون ،فقال { :ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ لليه موسى وهارون
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ} [سورة طه ،]44:يتذكر فيما أتمراته به ،أو خيشى فيما تنهياته
عنه ،مع أته من أعَت أه األرض ،لن مل يكن أعَت أه األرض"(.)2
( )1أخرجه اإلمام البخاري ،كتاب :استتابة املرتدين واملعاتدين ،ابب :لذا عرض الذمي وغريه
بسب النيب ،رقم احلديث.)6247( :
( )4عبد الرمحن الشيزري" ،هناية الرتبة يف طلب احلسبة".2 ،
( )1أخرجه اإلمام أيب داؤود ،كتاب :األدب ،ابب :يف الرفق ،رقم احلديث )2817( :وقال
:حديث صحيح ،اتظر :حممد انصر الدين األلباين" ،صحيح األدب املفرد"، األلباين
(ط ،2اجلبي :مكتبة الدلي 1218 ،ه) رقم احلديث.)168( :
( )2ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،41 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
111
املطلب الرَّابع :التأني وترك االستعجال
من أهم ما ينبغي للمحتسب أن يتحلى به يف أمره ابملعروف وهنيه عن املنكر
التأين وعدم اًلستعجال يف جين مثار احتسابه وهذا هو املنهج الذي قام عليه القرآن
بعض الناس يريد أن يهتدي الكرمي وسنة املصطفى ،قال ابن عثيمني " :لن ُ
خالف سنة هللا ،لن النيبَ ط ،هذا ًل ميُْ يك ُن
الناس بني عشية وضحاها ،وهذا غل ٌ
ب يقي يف مكة ثالث عشرة سنةا يدعو ل ى هللا ل ى التوحيد فقط ،ويف ي
اآلخر ل ى َ َ
َجلؤوه ل ى أن يـه ي
اجَر َُ يستجب َملَ ُؤهم حَت أ َُْ تجب أَ ْكثَـ ُرهم ،مل ْ
يس ْالصالة ومع ذلك مل ْ
ويَدع بلده"(.)1
والتأين يتضمن عدم اًلستعجال يف احلكم على األمور لًل بعد معرفة
{ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ األسباب ،قال
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ} [سورة القصص.]23:
حول هذه اآلية ما تصهً" :ل ينبغي أن وذكر فضيلة الشيخ ابن عثيمني
مل حيكم على املرأتني حيكم على األمور لًل بعد معرفة األسباب ،فإن موسى
أبي حكم لًل بعد أن قال { :ﭮ ﭯﭰ } [سورة القصص ]23:يعين :ملاذا تذودان
غنمكما عن السقي؟ ومل حيكم أبي حكم على هذا األمر ،فسأهلما"(.)4
من اًلستعجال يف لطالق األحكام وما يرتتب عليه من مفاسد وحذر
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،112 ،تفسري سورة الشورى.
( )4ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،21 ،تفسري سورة القصص.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
عظيمة بقوله" :الذي يضر الدعاة ل ى هللا اآلن واحد من أمرين :لما جه أو سفه،
يعين :لما أهنم ليس عندهم علم بني راسخ ،فتجدهم حيرمون ما أح هللا ،أو يوجبون
ما مل يوجبه هللا ،وهذه مفسدة عظيمة أو يكون عندهم سفه ،يعين ليس عندهم
حكمة يف الدعوة ل ى هللا ،فيكون عندهم تسرع وعنف ،فالبد من العلم
واحلكمة"(.)1
املطلب اخلامس :قوة احلجة يف اإلقناع
احلجة البالغة تدمغ اجملادل ،وهي قائمة على األدلة والرباهني وضرب األمثلة،
{ :ﭝ ﭞ ﭟ صاحب حجة آاته هللا لايها ،قال وكان لبراهيم
ﭠ ﭡ ﭢﭣ } [سورة األنعام ،]93:ويف أمهية اإلقناع للمحتسب قال الشيخ ابن
مقنعا يف حجته؛ ألته لذا أمر ابملعروف قد يقول
عثيمني ً" :ل بد أن يكون ا
املأمور :ما دليلك على هذا؟ ولذا هنى عن منكر قد يقول :ما دليلك على هذا؟ فال
بد أن يكون عنده لقناع ،وليعلم أن مسألة اإلقناع غري مسألة العلم ،بعض الناس
يكون عنده علم لكن ًل يستطيع أن يقنع غريه ،ليس عنده قوة حجة وبيان ،وبعض
علما منه لكن عنده قوة لقناع ،فالبد أن تتمرن على قوة اإلقناع ولو
الناس يكون أق ا
بضرب األمثال؛ ألن ضرب األمثال يقرب ،ويذكر عن رسول هللا يف حديث رواه
" :أترضى أن رجال استأذن النيب يف الزان( ،)4فقال له النيب
اإلمام أمحد أن ا
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،114 ،تفسري سورة النم .
( )4أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده( ،ط ،1بريوت :مؤسسة الرسالة1241 ،ه) ،رقم احلديث:
( )44411وقال :لسناده صحيح.
112
يفعل هذا أبمك وأختك وذات رمحك؟ قالً :ل ما أرضى ،قال :لذا كنت ًل ترضى
أن يفع ذلك مبحارمك ،فكيف ترضى أن تفعله أتت مبحارم الناس" هذا أسلوب
مقنع ،يعين جمرد أن يتصور اإلتسان هذه املسألة يبتعد ،هذه من األساليب اليت ينبغي
لآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر أن يكون على دراية هبا ولجادة"(.)1
املطلب السَّادس :فدقه مراتب إنكار املنكر
قال النيب َ " :من َرأَى ِمن ُكم ُمْن َك ًرا فَ لْيُ غَِ ْريهُ بيَ ِدهِ ،فإ ْن َملْ يَ ْستَ ِط ْع فَبِلِسانِِه،
ان"( ،)4وكثري من الناس جيه فقه هذا ف اإلميَ ِ ض َع ُ
كأْ فإ ْن َملْ يَ ْستَ ِط ْع فَبِ َق ْلبِ ِهَ ،وذَلِ َ
احلديث وخيلطون بني النهي عن املنكر وتغيريه ،فتغيري املنكر ابليد ليس خموًلا ألي
أحد القيام به ،فكثري من أعمال التطرف والغلو كان سببها سوء فهم النصوص
" :لن األمر ابملعروف والنهي عن املنكر الشرعية ،قال فضيلة الشيخ ابن عثيمني
غري تغيري املنكر ،وهلذا جاءت النصوص مطلقة يف األمر ابملعروف والنهي عن املنكر؛
مقيدا ابًلستطاعة؛ ألن
ألته يكون ممن له وًلية ،وممن ليس له وًلية ،وجاء التغيري ا
مثال وتوابه ،لكن يف الشارع
التغيري ًل بد أن يكون من ذي سلطة ،كويل األمر ا
واألماكن العامة ليس له اإللزام مبأمور به أو التغيري ملنكر؛ وذلك ملا حيدث من
الفوضى ،فال يفتح لك أحد من الناس؛ ألته لو فتح لك أحد من الناس لكاتت
منكرا،
املسألة فوضى ،ولكان ك لتسان يرى أن هذا منكر ،ولو كان الفاع ًل يراه ا
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،44 ،41 :4 ،تفسري سورة آل عمران.
( )4أخرجه اإلمام مسلم ،كتاب :اإلميان ،ابب :كون النهي عن املنكر من اإلميان ،رقم احلديث:
(.)22
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
113
يقوم ويغري بيده ،فالتغيري ملن له وًلية وسلطة"(.)1
أن اإلتكار املنكر ابليد يكون يف حق من استطاع فأكد فضيلة الشيخ
ذلك كويل األمر أو من ينيبه ،وًل يقوم به ك أحد ،أما من ًل يستطيع ذلك فيرتتب
على لتكاره من الفتنة والفوضى واملفاسد الشيء الكثري ،فيحص ما هو أشد من
املنكر.
ولتفصي لتكار املنكر الوارد يف احلديث السابق عرض فضيلة الشيخ
مسألة وتصها" :لن قي :طالب العل يم الذي يريد الدعوة وًل سيما الدعوة يف احلار ي
ات؛ ُ
وفالان وتَـْرَكهم الصالة،
فالان اات ُمنكر كثري كرتك الصالة ويعرف ا ألته يوجد يف احلار ي
الوقت قلي ؟ وه يُع َذر اإلتسان لذا
فإن َم َشى لليهم ضاع وقتُه ،فه يرتُكهم؛ ألن َ
الشخص بعيد اًلستجابة أو بعيد أن يقب منه ،وًل جيد َ َغلَب على ظَنيه أن هذا
الوقت املناسب له؟ فاجلواب :هذه يف الواقيع موعظة أو أمر ،فالدعوة تَكون بصفة
ُ
عامة ،أما أن تذهب ل ى فالن وتنصحه فهذا يف احلقيقة موعظة ،ولن كان لك سلطة
فهو أمر ،أمر ابملعروف ،وهذا كما تعرف له أَحوالً ،ل جيب على اإلتسان أن يرتك
ما يهمه يف دينه ودتياه من أج أن يذهب ل ى الناس ويقرع أبواهبم ليأمرهم أو
ِ
نكرا فَ لْيُ ِ ْ
غريه" يعظهم ،هذا ليس بواجب ،فإن قي :قوله َ " :من رأى منكم ُم ً
فاجلواب تعم يف (من رأى) لكن الرسول ما ذهب وما قال :تطلبوا رؤية املنكر،
وهذا الذي ًل يصليي ُميكن أن أَعظه يف السوق أو يف املسجد؛ وهلذا جند الناس اآلن
يستثقلون أن يقرع عليهم الباب أحد فيعظهم أو أيمرهم ،ورمبا حص من ذلك ما
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،421 :4 ،تفسري سورة املائدة.
110
h
( )1ابن عثيمني" ،تفسري القرآن الكرمي" ،184 ،تفسري سورة فصلت.
( )4املرجع السابق ،416 :4 ،تفسري سورة املائدة.
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
اخلامتة
حبمد هللا وفضله أهنيت هذا البحث الذي من خالله مت بيان املنهج الصحيح
،وأخلص يف هنايته ل ى النتائج إلتكار املنكر من خالل تفسري الشيخ ابن عثيمني
والتوصيات.
أوالً :نتائج البحث.
-1أن علم التفسري من أج العلوم وأعظمها ،وأه التفسري هلم شأن كبري
ومكاتة عظيمة؛ كوهنم مرجعا للناس يف بيان معاين كتاب هللا العزيز.
قب البدء ابإلتكار -2من فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ ابن عثيمني
العلم فهو شرط مهم من شروط األمر ابملعروف والنهي عن املنكر؛ ألته بدون العلم
سيكون ما يفسده احملتسب أكثر مما يصلح.
ً-3ل بد للمحتسب من التثبت فيما ينقله من حكم شرعي أو فتوى؛ ألن
ذلك يدخ يف القول على هللا بغري علم.
-4معرفة األولوايت من األمور اليت ًلبد للمحتسب من فقهها والعم هبا
عند لتكار املنكر.
أثناء اإلتكار -8من فقه لتكار املنكر يف تفسري الشيخ ابن عثيمني
مراعاة املصاحل واملفاسد ويتضمن ذلك مراعاة املصاحل واملفاسد يف املنكر تفسه ،ويف
111
h
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
-1ابن األثري ،جمد الدين أيب السعادات حممد اجلزري" ،النهاية يف غريب
احلديث واألثر" (ط ،1د .م :املكتبة اإلسالمية1181 ،ه).
-4ابن الديبع ،وجيه الدين عبد الرمحن بن علي" ،بغية اإلربة يف معرفة أحكام
احلسبة" (ط ،1مكة املكرمة :جامعة أم القرى1244 ،ه).
-1ابن تيمية ،أمحد" ،جمموع الفتاوى" (د .ط ،جممع امللك فهد لطباعة
املصحف الشريف1248 ،ه).
-2ابن تيمية ،أمحد" ،مقدمة يف أصول التفسري" (ط ،4د .م :د .ن،
1124ه)
-8ابن تيمية ،أمحد" ،منهاج السنة النبوية " (ط ،1الرايض :جامعة اإلمام
حممد بن سعود اإلسالمية1216 ،ه).
-6ابن حنب ،أمحد بن حممد" ،مسند اإلمام أمحد"( ،ط ،1بريوت :مؤسسة
الرسالة1241 ،ه).
-7ابن عثيمني ،حممد بن صاحل" ،تفسري القرآن الكرمي" (ط ،1الرايض :دار
ابن اجلوزي1218 ،ه).
-8ابن قيم اجلوزية ،حممد الدمشقي" ،لعالم املوقعني عن رب العاملني" (ط،1
بريوت :دار الكتب العلمية1211 ،ه).
-2ابن منظور ،مجال الدين حممد" ،لسان العرب" (ط ،1بريوت :دار صادر،
1212ه).
-11األلباين ،حممد انصر الدين" ،سلسلة األحاديث الصحيحة" (ط،1
الرايض :مكتبة املعارف1216 ،ه).
111
األلباين ،حممد انصر الدين" ،صحيح األدب املفرد"( ،ط ،2اجلبي :مكتبة -11
الدلي 1218 ،ه).
البخاري ،حممد بن لمساعي " ،صحيح البخاري" (ط ،1بريوت :دار ابن -14
كثري1241 ،هـ).
البيهقي ،أمحد بن احلسني " ،السنن الكربى " (ط ،1بريوت :دار الكتب -11
العلمية1242 ،ه).
الرتمذي ،حممد بن عيسى" ،سنن الرتمذي" (ط ،1بريوت :دار الغرب -12
اإلسالمي1226 ،م).
احلاكم ،حممد بن عبد هللا" ،املستدرك على الصحيحني" (ط ،4بريوت: -18
دار الكتب العلمية1244 ،ه).
الشيزري ،عبد الرمحن" ،هناية الرتبة يف طلب احلسبة" (د .ط ،القاهرة: -16
مطبعة جلنة التأليف والرتمجة والنشر1168 ،ه).
الفريوز آابدي ،جمد الدين" ،بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز" -17
(ط ،1القاهرة :اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية1216 ،ه).
القسطالين ،أمحد بن حممد" ،لرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" -18
(ط ،7مصر :املطبعة األمريية1141 ،ه).
النيسابوري ،مسلم بن احلجاج" ،صحيح مسلم" (ط ،1د .م :دار طيبة، -12
1247هـ).
اهليثمي ،تور الدين علي" ،جممع الزوائد ومنبع الفوائد" (د .ط ،بريوت :دار -41
الكتاب العريب ،د .ت).
فقه إنكار املنكر يف تفسري الشيخ حممد بن صاحل العثيمني
111
bibliography
1-The research should be new and must not have been published before.
2-It should be characterized by originality, novelty, innovation, and addition to
knowledge.
3-It should not be excerpted from a previous published works of the researcher.
4-It should comply with the standard academic research rules and its
methodology.
5-The paper must not exceed (12,000) words and must not exceed (70) pages.
6-The researcher is obliged to review his research and make sure it is free from
linguistic and typographical errors.
7-In case the research publication is approved, the journal shall
8- assume all copyrights, and it may re-publish it in paper or electronic form, and
it has the right to include it in local and international databases - with or without a
fee - without the researcher's permission.
9-The researcher does not have the right to republish his research that has been
accepted for publication in the journal - in any of the publishing platforms - except
with written permission from the editor-in-chief of the journal.
10-The journal’s approved reference style is “Chicago”.
11-The research should be in one file, and it should include:
- A title page that includes the researcher's data in Arabic and English.
- An abstract in Arabic and English.
- An Introduction which must include literature review and the scientific addition
in the research.
- Body of the research.
- A conclusion that includes the research findings and recommendations.
- Bibliography in Arabic.
- Romanization of the Arabic bibliography in Latin alphabet on a separate list.
- Necessary appendices (if any).
12- The researcher should send the following attachments to the journal:
The research in WORD and PDF format, the undertaking form, a brief CV, and a
request letter for publication addressed to the Editor-in-chief
() These general rules are explained in detail on the journal's website:
http://journals.iu.edu.sa/ILS/index.html
The Editorial Board
His Excellency Prof. Dr. Yusuff bin Prof. Dr. A’yaad bin Naami As-
Muhammad bin Sa’eed Salami
Member of the high scholars & Vice The editor –in- chief of Islamic
minister of Islamic affairs Research’s Journal
Prof.Dr. Abdul Hadi bin Abdillah Prof.Dr. Musa’id bin Suleiman At-
Hamitu Tayyarr
A Professor of higher education in Professor of Quranic Interpretation at
Morocco King Saud’s University
Prof. Dr. Zain Al-A’bideen bilaa Prof. Dr. Falih Muhammad As-
Furaij Shageer
A Professor of higher education at A Professor of Hadith at Imam bin
University of Hassan II Saud Islamic University
Paper Version :
Filed at the King Fahd National Library No :
7836 - 1439
and the date of : (17/9/1439 AH)
International serial number of periodicals (ISSN)
1658 - 7898
Online Version :
Filed at the King Fahd National Library No :
7838 - 1439
and the date of : (17/9/1439 AH)
International Serial Number of Periodicals (ISSN)
1658 - 7901
ISLAMIC UNIVERSITY JOURNAL OF
ISLAMIC LEGAL SCIENCES
REFEREED PERIODICAL SCIENTIFIC JOURNAL