Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 24

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/332709711

‫ﺗﺨﻄﻴﻂ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔاﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ و اﻟﺤﺪاﺛﺔ‬

Article · April 2019

CITATIONS READS

0 6,877

1 author:

Kamel Kadhem Al-Kenany


Al-Mansour University College
37 PUBLICATIONS 4 CITATIONS

SEE PROFILE

Some of the authors of this publication are also working on these related projects:

‫ اﻟﻤﺤﺎﻓﻆ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرﻳﺔ‬View project

All content following this page was uploaded by Kamel Kadhem Al-Kenany on 28 April 2019.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫تخطيط المدينة العربية االسالمية‬


‫الخصوصية و الحداثة‬

‫‪1‬‬
‫أ ‪ .‬د‪ .‬كامـل الكنـاني‬

‫المستخمص‬
‫تنفرد كل مدينة عربية اسالمية بصفات مميزة تممييا عمييا طبيعة موقعيا وخصائصو‪ ,‬اذ‬
‫نراىا جبمية في الجبال‪ ,‬صحراوية في الصحارى ‪ ,‬و ساحمية في السواحل ‪ ,‬و يتجمى ذلك في‬
‫طرز مبانييا و تصاميميا و حتى في بنيتيا الييكمية‪.‬‬
‫اال ان ىذا التفرد لم يقف عائقاً امام ظيور صفات و خصائص مشتركة ليذه المدن اممتيا‬
‫عمييا عبر الزمن‪ ,‬عوامل مخمتفة نابعة من صمب حياة المجتمع بعاداتو و تقاليده و معتقداتو و‬
‫متطمباتو المعيشية و ظروفو البيئية التي تظافرت جميعيا في عممية بناء و تشييد المدينة العربية‬
‫االسالمية لترسم مالمح و خطوط حياة المجتمع عمى عمارتو و مفرداتيا و من ثم تمنحيا لغتيا‬
‫الخاصة والمميزة ‪.‬‬
‫المدينة العربية كائن حي يتأثر و يؤثر‪ ,‬ياخذ ويعطي جريا عمى سنة الحياة التي اختمفت‬
‫عصورىا و ظروفيا‪ .‬ىذا االتجاه يساعدنا كثي ار في الكشف عن اصالة ىذة المدينة او عن تميز‬
‫قيمتيا‪ ,‬التي شكمت وعاءىا المادي في توافق تام بمور في النياية صورة المدينة‪ ,‬فالجامع‪ ,‬و‬
‫الساحة‪ ,‬والميدان‪ ,‬والسوق والفناء الداخمي ىي المالمح االصمية لممدينة العربية االسالمية‪ ,‬و‬
‫بمرور الزمن و مع التوسعات الكبيرة التي شيدتيا معظم المدن االسالمية‪ ,‬تأثرت ىذة المالمح و‬
‫تداخمت فييا استعماالت االرض بانماط مغايرة تمام عن النمط التقميدي و بالذات النمط الحضري‬
‫السكني‪ ،‬ىذا التاثر افقد المدينة خصوصيتيا بفعل عوامل منيا تقنية واقتصادية و اخرى‬
‫اجتماعية وبيئية في تحديد ىذه االنماط ضمن نسيج المدينة عبر فترات زمنية من توسع و نمو‬
‫المدينة العربية االسالمية‪ ,‬مما يتطمب بذل الجيود العادة تفيم اكثر لطبيعة ما يجب ان يكون‬
‫عميو تخطيط ىذة المدينة في قدرتيا عمى التكييف المقترن بالتفاعل الحي مع متطمبات العصر‬
‫في اطار من الخصوصية المطموبة‪.‬‬

‫عميد المعهد العالي للتخطيط الحضري واالقليمي ‪ /‬جامعة بغداد‬

‫‪85‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫المقدمة‬
‫تمتمك المدينة العربية االسالمية موجوداً تراثاً معمارياً ثميناً جاء حصيمة انجازات معمارية‬
‫رائعة لمراحل تاريخية متتالية تكاممت مع بعضيا عبر الزمن لتظير بشكل كيان مادي موحد‬
‫اصبح السمة المميزة لشخصية المدينة و تراثيا‪ ,‬و النواة التي فييا نمت و تطورت واتسعت‬
‫لتشمل مساحات واسعة خارجيا‪ .‬لكن ىذه المدن عانت و التزال تعاني من شتى التغييرات‬
‫السكانية والبيئية والتكنموجية التي توّلد عنيا تنوع و اختالف و من ثم تنافر في انماطيا‬
‫الحضرية‪ ,‬الذي يتفاقم يوماً بعد آخر ميددا نسيج ىذه المدن بزوال شخصيتو العمرانية و‬
‫التخطيطية‪.‬‬
‫ان مشكمة البحث تكمن في ان عممية التطور التاريخي لممجتمع العربي و ماتبعو من‬
‫تغير في عمران المدينة وانماطيا السكنية يكشف عن تشوه المظير العمراني العام لمنسيج‬
‫الحضري لممدينة وخطورة فقدانيا ليويتيا العربية االسالمية‪ .‬لذلك فان فريضة البحث تقوم عمى‬
‫ان التناقض و التنافر الواضحين في االنماط الحضرية الذين تشيدىما المدينة العربية االسالمية‬
‫ىو نتاج لعوامل وظروف متعددة تظافرت عبر مراحل نمو وتوسع نسيج ىذه المدينة‪ .‬و من ىنا‬
‫فان هدف البحث ىو الكشف عن العوامل التي ساىمت في تغير النمط الحضري التقميدي و‬
‫امكانية التوافق مع متطمبات روح العصر و الحداثة‪.‬‬
‫المنهجية عمى التحميل‬ ‫الستكشاف ىذه الفرضية‪ ,‬و تحقيقا ليدف البحث استندت‬
‫التاريخي‪ -‬المقارن لخصائص المدن العربية االسالمية في تحميل النمط الحضري و تشخيص‬
‫مالمح الحداثة فيو لتشخيص امكانيات التعايش بين القديم و الحديث في اطار من الخصوصية‬
‫ليذه المدينة‪.‬‬
‫اوال ‪ :‬المدن العربية االسالمية ‪ /‬نظرة تاريخية‬
‫تميزت الحضارة في المدن االسالمية بانيا وليدة التشريع االسالمي المفصل لنواحي الحياة‬
‫"(‪)1‬‬
‫وان أية‬ ‫"المدينة ىي الحضارة‬ ‫دستو اًر مييئاً سارت عميو الحياة في المجتمع‪ ,‬باعتبار ان‬
‫دراسة ليذه المدن تتطمب ان تضع في اعتبارىا ان االسالم و نظمو و احكامو ىي المحور‬
‫االساسي الذي تدور حولو حياة المدينة يتفاصيميا كميا‪ ,‬اجتماعية كانت او اقتصادية او سياسية‬
‫باالضافة الى شكميا المادي ودالالتو المختمفة‪ .‬لكن ىذا ال يعني عدم تأثر ىذه المدينة باصول‬
‫تاريخية لمدن ما قبل االسالم‪ ,‬فيناك تواصل حضاري بين المدينة القديمة و المدينة االسالمية‪,‬‬
‫في اعتماد مؤشرات تخطيطية انعكست عمى نسيجيا الحضري‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪-1‬الخصائص التخطيطة‪ :‬الجذور التاريخية و هوية االسالم‬


‫ان المدينة العربية االسالمية كائن حي يتأثر و يؤثر ياخذ و يعطي جريا عمى سنة الحياة‬
‫التي اختمفت عصورىا و ظروفيا‪ ,‬فالمدينة العربية االسالمية امتدت في جذورىا الى المدن‬
‫وبيئتو‬ ‫القديمة (ما قبل االسالم) بما تحتويو من فكر تخطيطي و معماري نابع من االنسان‬
‫(‪)2‬‬
‫استندت اليو المدينة االسالمية وطورتو سواء في المدن التي تم تشييدىا من قبل المجتمع‬ ‫‪,‬‬
‫ال او في المدن االخرى التي تم احتالليا وبخاصة‬
‫االسالمي‪ ,‬كما ىو الحال في مدينة بغداد مث ً‬
‫تمك الخاضعة لمسيطرة الفارسية و اليونانية (‪ .)3‬في كال الحالتين كان لالسالم تأثيره الواضح في‬
‫النمط العمراني ليذه المدن‪ .‬فيناك ترابط و تواصل حضاري‪ ,‬يتمثل في كيان حضري متماسك‬
‫محوره االساس الجانب الروحي وارتباط االنسان بالغيبيات‪ .‬اذ تمثل المباني العامة كالمعابد و‬
‫القصور‪ ,‬قمب المدينة القديمة‪ ,‬ومنيا تتفرع الطرق العامة التي تقع عمييا الدور السكنية معبرة عن‬
‫نسيج حضري‪ ,‬ثم القشرة الخارجية التي تتمثل باالسوار و الخنادق لحمايتيا‪ ,‬اما المناطق التجارية‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫فكانت تتركز في الغالب عمى واجيات االنيار القريبة من ابواب المدينة‬
‫ىذه البنية الحضرية انعكست في تخطيط المدينة العربية االسالمية بتكوينات حضرية و‬
‫معمارية اظيرت تماسك ىذه المدن ووحدة نسيجيا العضوي في الخصائص و المميزات‪ ,‬فالسوق‬
‫و الخان تمثل عناصر موروثة في الييكل الحضري لمدن ما قبل االسالم في حين اختفت‬
‫عناصر اخرى ال تمثل او تعكس آليات االداء الوظيفي لصيرورة تكوين المدينة االسالمية‪ ,‬كما‬
‫ىو الحال في المسارح او المالعب و ظيرت بديل عنيا عناصر اخرى كالجوامع او المدارس‪,‬‬
‫حيث يمثل الجامع المسجد المركز و النواة التي يتكون حوليا العمران‪ ,‬و ىو ما يتمشى مع‬
‫االفكار االسالمية في اعتماد الدين كمحور اساسي في الحياة ‪ .‬فالمسجد ال يشكل دا ارً لمعبادة‬
‫وحسب ولكن مرك اًز سياسياً ‪ ,‬اجتماعياً وحضارياً فيو المؤسسة الدينية و الثقافية التي تستوعب‬
‫الفعاليات الدينية و التعميمية و الثقافية‪ ,‬وىو المكان الذي تحتكم فيو الفئات المختمفة من المجتمع‬
‫الحضري مع بعضيا‪ .‬وقد تاثرت المدن االسالمية في المغرب و مصر بنمط المخططات‬
‫المربعة و المستطيمة‪ ,‬اما في االقاليم الشرقية فقد تاثرت بالشكل الدائري لممدن ‪ ,‬كما ىو الحال‬
‫في بغداد (‪.)5‬‬

‫‪ -2‬استعماالت االرض في المدينة العربية االسالمية‬


‫ان ما تجدر االشارة اليو مسبقًا انو لم يكن ىناك مخطط اساسي مسبق لممدينة االسالمية ‪،‬‬
‫بل ان التكوين الشكمي والفضائي لمنسيج الحضري لممدن االسالمية لم يكن نتيجة تخطيط مسبق‬
‫وال نتيجة عفوية‪ ,‬بل جاء نتيجة طبيعية لتفاعل االنسان مع بيئتو الثقافية و الطبيعية ‪ .‬ىذة‬

‫‪87‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫النتيجة ىي خالصة تجارب و ممارسات طويمة لعب فييا الزمان و المكان دو ارً اساسيًا في‬
‫(‪)6‬‬
‫فالجامع ‪ ,‬و الساحة ‪ ,‬و السوق و‬ ‫بمورتيا مما اعطى النسيج الحضري خصوصيتو و مميزاتو‪,‬‬
‫الفناء الداخمي ىي المالمح األصيمة لممدينة العربية االسالمية‪.‬‬
‫تستند استعماالت االرض في المدينة العربية االسالمية عمى حقيقة التكامل بين المكونات‬
‫الدنيوية ضمن اطار المعتقدات الدينية و ىو ما يعبر عنو بنمط االستعمال المختمط لالرض‬
‫حيث يتكون قمب المدينة من االبنية الدينية و الحكومية و السوق و الفضاءات المرتبطة بيا‪.‬‬
‫يعتمد ىذا النمط عمى القوى الروحية بكونيا محور الحياة ‪ ,‬فنجد الجامع يمثل مركز المدينة و‬
‫يرتبط بو السوق الذي يمثل المركز التجاري الرئيس لممدينة معب اًر عن التفاعل الميم بين الجانب‬
‫ااروحي و المادي في المدينة االسالمية محاطاً بالييكل العمراني الذي يحتل فيو السكن النسبة‬
‫الغالبة‪ ,‬الشكل رقم (‪ . )1‬يربط السوق ‪ ,‬الذي ىو شريان الحياة االقتصادية‪ ,‬بين مركز المدينة و‬
‫اطرافيا تتخمميا صناعات يدوية و حرفية غير مموثة‪ ,‬في حين تعزل الصناعات المموثة خارج‬
‫المدينة بما يؤمن سالمة ساكنييا من االضرار التي قد تمحق بالبيئة‪.‬‬
‫تربط الشوارع واالزقة بين ىذه االستعماالت التي جاءت بتدرج و توزيع عضوي و انسيابي‬
‫بحيث يحقق سيولة التواصل بين ىذه االستعماالت‪.‬‬

‫ثانيا خصائص النمط الحضري التقميدي لممدينة العربية االسالمية‬


‫‪ ) Activity Areas‬و‬ ‫يعد الشكل الفيزياوي لممدينة منظومة مؤلفة من مناطق لمفعاليات (‬
‫فضاءات ( ‪ )spaces‬و كتل بنائية ( ‪ )Masses‬و نظام لمحركة ( ‪ .)Circulation System‬و‬
‫"المخطط الحضري " الذي ينشد التوقيع‬ ‫ان عممية التنظيم الجيد ليذه العناصر ىو من اىداف‬
‫المكاني المالئم و التوزيع العقالني ليذه العناصر وفق مقياس انساني و بما يتوافق مع القيم‬
‫المرئية و الجمالية ليا‪.‬‬
‫ان مظير المدينة ىو القيمة الحسية ليا بوصفو احد مظاىر الشكل العمراني و ىو حصيمة‬
‫تخطيط المدينة الذي يختص بنمط التوزيع الموقعي لمفعاليات و عالقاتيا مع بعضيا ‪ ,‬بفعل‬
‫عوامل مختمفة نابعة من صمب حياة المجتمع بعاداتو و تقاليده و معتقداتو و متطمباتو المعيشية‬
‫و ظروفو البيئية التي تظافرت جميعيا في عممية بناء المدينة العربية االسالمية و تشييدىا لترسم‬
‫مالمح حياة المجتمع و خطوطيا عمى عمارتو ومفرداتيا ومن ثم خصوصيتيا‪ .‬ان االسس التي‬
‫تقوم عمييا الحضارة العربية االسالمية‪ ,‬الذي ترك بصماتو عمى كل المدن التي نشأت و تطورت‬
‫في فضائيا الحضري‪ ,‬ىو التوحيد الذي يخترق الرؤية و الممارسة لالنسان العربي‪ ,‬فيو ال يشمل‬
‫العبادات و المعامالت وحسب‪ ,‬بل يمتد ليشمل تكوين البنية الحضرية برمتيا‪ .‬ىذه الرؤية الكونية‬

‫‪88‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫انعكست في فضاءات المدينة العربية االسالمية اكثر من أي مكون آخر من مكونات الحضارة‬
‫االسالمية‪ .‬ان اىم الصفات التي اتسم بيا النمط الحضري لممدينة العربية االسالمية يمكن‬
‫اجماليا في المؤشرات االتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬المقياس االنساني و جمالية التصميم‬
‫ىذا المقياس يتمثل في جميع مستويات الحيز المكاني لممدينة‪ ,‬العامة و الخاصة والتفصيمية‪,‬‬
‫فعمى المستوى العام يتحدد حجم المدينة و ابعادىا بالدرجة االولى بامكانية حركة المشاة‪ ,‬اما‬
‫عمى المستوى الخاص فان حجم استمعاالت االرض العامة من مساحات و طرق و ازقة فضالً‬
‫عن االبعاد العمودية لالبنية المطمة عمييا‪ ،‬جميعيا ذات مقاييس انسانية‪ .‬ان السائر في ازقة‬
‫المدينة العربية االسالمية‪ ,‬سيمفت انتباىو ذلك التغيير في المشاىد المتتالية ضمن الزقاق الواحد‪,‬‬
‫اذ ان المرء يتعرض في تمك االزقة الى تنويع متدرج في كل خطوة يخطوىا‪ ,‬و قد اقترن ذلك في‬
‫جمالية الوحدات السكنية بتكويناتيا المعمارية من خالل مداىميا‪ ,‬الشناشيل و البروزات‪ ,‬و‬
‫االنطقة و االقواس‪ ,‬و مواد البناء (الطابوق واآلجر) المحمية و طرز بناءىا وزخرفتيا و نقوشيا‪.‬‬

‫ب‪-‬االمتداد االفقي و محدودية البناء العمودي‬


‫ان ظاىرة االمتداد االفقي او االرتفاع الموحد البنية المدينة العربية االسالمية اسيمت في‬
‫تحقيقيا عدة عوامل منيا عدم وجودة حاجة ماسة الى استغالل كبير لالرض حتى في المنطقة‬
‫المركزية من المدينة‪ ,‬وذلك لقمة حجم الفعاليات العامة و قمة عدد السكان ومن ثم عدم وجود‬
‫كثافة سكانية عالية تدعو الى االرتفاع العمودي الستغالل المساحة سواء في السكن او في‬
‫الفعاليات العامة والمركزية‪ .‬باالضافة الى االمكانات التقنية المحدودة انذاك‪ ،‬ىذه العوامل كميا‬
‫اسيمت في الحد من االتجاه العمودي في البناء‪ ,‬يستثنى من ذلك المباني الدينية والصروح‬
‫واالبراج الدفاعية و األسوار‪ .‬ىذا التوافق بين االمتداد االفقي لممدينة و ابراز االنبثاق العمودي‬
‫لمقباب والمنائر كركائز واضحة وبنية تييمن عمى خط االفق لممدينة كامال ىو من اىم ما يميز‬
‫‪ .)2‬ىذا االمتداد االفقي انعكس عمى‬ ‫المشيد الحضري لممدينة العربية االسالمية (الشكل رقم‬
‫السمحت بتخصيص فناء في‬
‫النمط العمراني بدالالت بيئية واجتماعية‪ ,‬اذ ان افقية المساكن مث ً‬
‫كل مسكن يقوم بوظائف التيوية واالنارة‪ ,‬كما ان انغالق الواجيات يؤدي الى تحقيق العزلة‬
‫وحرمو العائمة وتمكين افرادىا من القيام باعماليم الخاصة بكل حرية و طمأنينة‪ .‬ان افقية البناء‬
‫في المدينة العربية االسالمية وتواضع ارتفاعو يجعل االطار العمراني لممدينة خاضعاً لنظر‬
‫االنسان بدالً من خضوعو لممباني الشاىقة‪ ,‬كما ىو الحال في المدن القائمة وفق النمط الغربي‪.‬‬

‫جـ‪-‬العضوية و التناسق في االداء الوظيفي‬

‫‪89‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫تتجمى المدينة العربية االسالمية‪ ,‬بمظيرىا العام‪ ,‬بتالحم مفرداتيا و تكامل مكوناتيا في كيان‬
‫عضوي موحد‪ ,‬فالوحدات السكنية في معظميامتشابية حجماً‪ ,‬متناسقة كتمة وتصميماً‪ ,‬بحيث تبدو‬
‫في مجمميا متسمسمة ومتجانسة ضمن اطارىا الكمي‪ ,‬يتوسطيا مركز المدينة بجامعة واسواقو و‬
‫فعالياتو العامة االخرى مستجيبة بذلك لظروف المناخ سواء كان ذلك في التصميم أم في اختيار‬
‫مواد البناء او عمى صعيد التفاصيل او المفردات‪ ,‬و ما تالصق االبنية والدور وضيق الطرقات و‬
‫تعرجيا وتدرج الفضاءات و الساحات اال شاىداً واضحًا عمى عضوية ىذا النمط العربي‬
‫االسالمي (الشكل رقم ‪ .)3‬ىذه العضوية تتجمى في موقع المسجد الجامع‪ ,‬حيث يحتل الوسط‬
‫الوظيفي اكثر منو الوسطى الجغرافي‪ ,‬فموضعو اليخضع ‪ ,‬في الغالب‪ ,‬الى قواعد التخطيط‬
‫اليندسي بقدر ما يستجيب الى حاجة المجتمع الحضري المسمم لمكان يجمعو و ينظم حياتو‪,‬‬
‫فالجامع ىو المرجعية االولى التي يتعمم فييا امور دينيم و دنياىم (العبادات و المعامالت) و ما‬
‫يرتبط بو من النشاطات‪ ,‬واالسواق‪ ,‬و المساكن‪ ,‬و التجييزات الجماعية ثم اسوار المدينة و‬
‫ابوابيا‪ .‬ىذه االستعماالت كميا اوجدت نسيجاً عضوياً يسمح بالتعايش الوظيفي‪ ,‬وربما تنطيق‬
‫واضح وال حدود فاصمة بين الوظائف الحضرية ‪ ,‬فاالسواق متصمة باالحياء السكنية والتجييزات‬
‫االجتماعية (دينية‪ ,‬ثقافية‪ ,‬صحية ‪....‬الخ ) موزعة عمى ميادين المدينة كاممة وىذا ما اكسبيا‬
‫– مندمج ‪ ,‬ومجالو متعدد‬ ‫خصيصة الدمج والتناسق بين وظائفيا‪ .‬فالنسيج الحضري وظيفي‬
‫الوظائف‪ ,‬حيث يختمط االجتماعي باالقتصادي والديني بالترفييي ‪.‬‬

‫‪-5‬االحتوائية والتآلف االجتماعي‬


‫تشكل فعالية السكن عنص اًر ميماً في التكوين المورفولوجي لممدينة العربية االسالمية‪ ,‬اذ تعد‬
‫المحمة السكنية بخصائصيا وصفاتيا المميزة ترجمة حية لمعالقات والروابط االجتماعية التي‬
‫تسود المجتمع العربي االسالمي‪ ,‬وتعد الدار السكنية ىي الوحدة االساسية المكونة لممحمة‪.‬‬
‫ان اىم ما يميز ىذا النمط الحضري ىو االحتوائية ( ‪ )Contextuality‬التي تعني عمرانيا‬
‫اقتراب ( ‪ )Proximity‬الناس و االشياء بعضيم من بعض‪ ,‬بعكس االنكشافية‬
‫(‪ )Decontextuality‬التي تتباعد فييا العناصر التي تتواجد في الحيز الحضري‪ .‬حيثما يكون‬
‫االقتراب شديداً‪ ,‬يتحقق الحضور المشترك وتسود األلفة و المودة‪ ,‬الن االقتراب من البشر‬
‫واالشياء يزيد من المعرفة بيما‪ .‬ففي المناطق التقميدية‪ ,‬التي ما تزال فييا بقية من بقايا االطر‬
‫العمرانية االصيمة‪ ,‬تكون معدالت التالقي اليومي عالية ويسود فييا التعامل وجيا لوجو‪ .‬ان ىذة‬
‫الحميمية التي توفرىا االحتوائية العالية التي تشتغل فييا الحواس واالنسانية والعواطف كافة تمنح‬
‫الحياة اليومية ديناميكية وازدىا ار تتجميان في الوحدة السكنية‪ .‬فكما ىو معروف فان الصفة‬

‫‪90‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫المميزة الرئيسة لمبيت العربي االسالمي ىي وجود الفناء الداخمي المفتوح مربع او مستطيل‬
‫الشكل‪ ,‬تنفتح عميو غرف الدار وفضاءاتيا جميعا‪ ,‬تعبي اًر عن حالة التقارب والتالحم االجتماعي‬
‫الفراد ذلك البيت في تالقييم وتحاورىم وتسامرىم‪ ،‬كما انيا تعكس من جانب اخر خصوصية‬
‫اجتماعية في الترابط االجتماعي يبدا باالسرة في تالحميا و خصوصيتيا في تصميم الوحدة‬
‫السكنية اعتمادًا عمى المؤشرات التخطيطية اآلتية‪:‬‬
‫‪-1‬التوازن بين خصوصية االسرة و تفاعمها مع المجتمع ‪.‬‬
‫‪-2‬تحقيق حرمة السكن من خالل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجميع الوحدات السكينة وفق نظام معين يحقق هذة الحرمة‪.‬‬
‫ب‪-‬عالقة المسكن البصرية مع مجاوراته‪.‬‬
‫ج‪-‬ارتفاع االًبنية و الشرفية‪.‬‬

‫ىذا الترابط االجتماعي ينعكس تدريجياً بين مكونات المدينة من فناء البيت الى الزقاق‬
‫ال الى المدينة كميا‪.‬‬
‫والساحة والجامع الكبير والسوق وصو ً‬
‫ان ىذه الصفة مع الصفات االخرى لممحمة السكنية ( تجانس الوحدات السكنية من حيث االبعاد‬
‫والتحام وتالصق كتميا ) تكون تركيباً معمارياً يحقق بخصائصو المميزة المتطمبات االجتماعية‬
‫المرغوبة‪.‬‬
‫يتمبور ىذا التكامل العمراني –االجتماعي من خالل االساس الذي تستند عميو االحياء السكينة‬
‫لممدينة وىو االساس االجتماعي‪ ,‬عمى عكس احياء المدينة المعاصرة التي تعرف بمقياس مادي‪,‬‬
‫فاالحياء تقوم عمى اساس االنتماء القبائمي او التبعية الدينية او العقائدية ال عمى اساس المستوى‬
‫المادي و االقتصادي‪ .‬ىذا التنظيم المكاني – االجتماعي يقمل من مظاىر الحيف و التفرقة و‬
‫التوتر االجتماعي‪ ,‬ففي كل حي ىناك الفقير والغني والجاىل والعالم وىذا من شأنو تحقيق‬
‫الروابط بين الناس و اكساب االفراد شعو اًر بالثقة بالنفس ومن ثم االندماج واالنسجام مع‬
‫االخرين‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫هـ‪ -‬التكييف البيئي ومعالجة التموث‬


‫من الخصائص المميزة لمنمط العربي االسالمي ىي االستجابة لمظروف المناخية (اتجاىات‬
‫الرياح‪ ,‬درجات الح اررة ‪....‬الخ ) والتكييف معيا في تخطيط وتصميم الييكل العمراني وفضاءاتو‬
‫المختمفة‪ .‬ىذا التعامل الواعي مع الظروف البيئة بدأ من اختيار موقع المدينة في اعتماد المناخ‬
‫واعتدالو كاحد المقومات الضرورية عند ىذا االختيار‪ ,‬تعبي ًار عن التفاعل بين االنسان وبيئتو‬
‫الطبيعية‪ ,‬في توفير بيئة صحية وسميمة لساكني المدينة‪ ,‬وما اختيار موقع مدينة بغداد من قبل‬
‫(‪)7‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخميفة العباسي ابو جعفر المنصور في عام ‪145‬ىـ ‪ ,‬اال مثاالًعمى ذلك‬
‫ويبدو ىذا التكيف واضحاً من وجود الفناء الداخمي في الوحدة السكينة لتوفير التيوية‬
‫باالضافة الى الحماية من اشعة الشمس‪ .‬ىذا الفناء يقوم عمى مبدأ االنفتاح الى الداخل‪ ,‬حيث‬
‫يتم توجية اجزاء الدار بابوابو ومنافذه حول الفناء وتوفر الظل المناسب والتقميل من تأثيرات الرياح‬
‫واالتربة‪ ,‬اذ يعطي لمخارج جدرانًا مرتفعة بسيطة قميمة الفتحات او خالية منيا‪ ,‬تخترقيا فتحة‬
‫واحدة واطئة ىي مدخل الدار‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪:‬‬ ‫كما تم مراعاة الجوانب المناخية عند تخطيط الشوارع و اىميا‬
‫‪ -1‬توجية الشوارع من الشمال الى الجنوب بحيث تتعامد مع حركة الشمس‪ ,‬كما انيا تساعد‬
‫عمى مرور الرياح الشمالية خالليا‪.‬‬
‫‪ -2‬تظميل الشوارع‪ ,‬حيث يتطمب بعض المحددات العمرانية وكما يمي ‪:‬‬
‫أ‪-‬ارتفاع المباني عمى جانبي الشارع بنسبة ( ‪ )1:2‬او اكثر‪ ,‬و بما يوفر الظل في ىذه‬
‫الشوارع‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشناشيل البارزة وامتداد الطابق االول فوق الشارع زاد من الظل‪.‬‬
‫ج‪ -‬تغطية الشوارع التي تحوي اسواق بالكامل‪.‬‬
‫و لم يكتف تخطيط المدينة في التكيف مع الظروف المناخية فحسب و انما استند ايضًا عمى‬
‫مبدأ الضرر وال ضرار في معالجة اثار التموث البيئي الناجمة عن فعاليات السكان المختمفة‪،‬‬
‫فعمى مستوى تخطيط استعماالت االرض الصناعية‪ ,‬حددت مظاىر الضرر المادي الناتج من‬
‫تفاعل النشاطات داخل التكوينات المعمارية لممدينة في ثالث مظاىر رئيسة‪:‬‬
‫‪-‬الدخان الضار‬
‫‪ -‬الرائحة الكريهة‬
‫‪ -‬الصوت المزعج‬

‫‪92‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫و تطبيقًا لذلك وجب ابعاد الفعاليات التي تتسبب في ذلك كأفران الفخار والجير و المدابغ‬
‫والصناعات التي تصدر ايضاً صوتاً مزعجاً عن الوحدات السكنية التي تشغل القطاع االكبر من‬
‫حيز المدينة‪.‬‬

‫و‪ -‬سهولة الوصول وانسيابية الحركة‬


‫ان انظمة الحركة ال تتعارض مع الوحدة العضوية لمنسيج الحضري في المدينة العربية‬
‫االسالمية‪ ,‬اذ تشكل شبكة الطرق والمسالك المترابطة بالتواءاتيا وانحرافاتيا بانوراما بصرية‬
‫تتحرك خالليا عين المشاىد عند تنقمو في دروبيا وازقتيا التي تتسع حينًا وتغدو ضيقة حينًا آخر‬
‫وبما يبعد الممل عن عين المشاىد الذي ال يشعر بالمسافة التي يقطعيا‪ .‬ىذه االنظمة تيدف‬
‫ايضاً الى غايات بيئية في الحفاظ عمى رطوبة اليواء الطول فترة ممكنة في فصل الصيف‪,‬‬
‫وغايات ثقافية – ترفييي في تحقيق رغبة الساكنين باالقتراب بعضيم من البعض اآلخر‪ .‬و بما‬
‫يساعد عمى تبادل االفكار اضافة الى ما يثيره السير في االزقة الممتوية من تأمل بعيداً عن‬
‫الضجر الذي يثيره السير في الشوارع المستقيمة‪.‬‬
‫و تتكون ىذة المنظومة بصورة عامة من (الشكل رقم ‪)4‬‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)9‬‬
‫‪ -1‬شبكة الطرق العامة وىي عمى ثالث مستويات‬
‫‪ -‬المستوى االول‪ :‬تمثمو الشوارع التي تربط البوابات الرئيسة لممدينة بمركزىا حيث يقع الجامع‬
‫واالسواق الرئيسة‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثاني‪ :‬تمثمو طرق المحمة الرئيسة وتربط بين شوارع المستوى االول ‪ ,‬وىي ايضًا‬
‫بمثابة الشرايين الرئيسة التى تربط المحالت المتجاورة‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثالث‪ :‬تمثمو الطرق الثانوية في المحمة التي توفر بدورىا محاور ربط لممناطق‬
‫ضمن المحمة الواحدة التي ال تخدميا طرق المستوى الثاني‪.‬‬

‫‪ – 2‬االزقة الخاصة المغمقة النهاية‬


‫وىي االزقة الخاصة بمجموعة الدور التي تخدميا و يمكن ان ترتبط مع أي مستوى من‬
‫الطرق العامة في اعاله‪.‬‬

‫تعكس ىذه المنظومة المترابطة من المسالك في ىيكل المدينة ترابط مركزىا باحيائيا‬
‫ومحالتيا السكنية ضمان تدرج االنتقال وسيولة الوصول من الطريق العام الذي يحقق تكامل‬
‫اجزاء المدينة‪ ,‬الى االزقة الفرعية التي يتداخل فييا العام والخاص‪ ,‬الى الزقاق الخاص‪ .‬وتعد‬

‫‪93‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫الساحات الوسطية نقطة التقاء مجموع الشوارع او السكك او االزقة‪ .‬ىذا التدرج يؤدي الى تشكل‬
‫االحساس باالنتماء لممكان‪ ,‬كما انو يضمن التدرج في الرؤية من خالل االنتقال من فضاءات‬
‫مكشوفة الشعة الشمس الى فضاءات ظمية ‪ ,‬بحيث يبقى مستوى البصر متوازياً‪.‬‬
‫ان الخصائص السابقة ىي التي اعطت لمنمط العربي االسالمي القديم تميزه وخصوصيتو‬
‫مقارنة بانماط حضرية اخرى‪ ,‬حيث تكتمل فيو الجوانب العمرانية بالجوانب االجتماعية ووفق‬
‫عوامل حضارية وقيم اجتماعية‪ ,‬لكن بمرور الزمن ومع التوسعات الكبيرة التي شيدتيا معظم‬
‫المدن العربية االسالمية التقميدية‪ ,‬ظيرت انماط حضرية مغايرة ومختمفة تماما عن النمط‬
‫التقميدي‪ ,‬افقدت المدينة العربية خصوصيتيا بفعل عوامل متعددة اسيمت في اعطاء انماط‬
‫حضرية مختمفة اذ يترجم كل واحد من ىذه االنماط العوامل التي ادت الى ظيوره وترسيخو في‬
‫نسيج المدينة مع باقي االشكال‪ ,‬وذلك عبر فترات زمنية من توسع ونمو المدينة العربية‬
‫االسالمية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬توسع المدينة العربية االسالمية و نموها ‪ :‬ظهرت انماط حضرية جديدة‬
‫بقدر ما تأثرت المدينة العربية االسالمية بمدن ما قبل االسالم‪ ,‬فانيا ايضا شيدت تحوالت‬
‫وتغيرات عمى نسيجيا الحضري بفعل عوامل متتابعة عبر الزمان والمكان‪ ,‬كان ليا تأثيرىا‬
‫الواضح في اعطاء انماط حضرية جديدة لم تشيدىا ىذه المدينة سابقا‪ ,‬ىذه العوامل يمكن‬
‫اجماليا في‪:‬‬
‫‪- 1‬ارتفاع معدالت النمو السكاني‪.‬‬
‫‪- 2‬اتساع المساحة و تنوع استعماالت االرض‪.‬‬
‫‪- 3‬االثار التقنية والعممية‪.‬‬

‫انتجت ىذه العوامل الرئيسة ظواىر كانت ىي االخرى عوامل ثانوية في تأثيرىا عمى تغيير‬
‫االنماط الحضرية‪ ,‬فخالل فترة زمنية معينة وفي مكان ما يظير عامل رئيس تتظافر معو عوامل‬
‫ثانوية لتعطي بالنتيجة نمط حضري معين‪ ,‬ثم في مرحمة زمنية اخرى يظير عامل رئيس اخر‬
‫وتصبح بقية العوامل ثانوية‪ ,‬ومن ثم ينتج نمط حضري آخر وىكذا‪.‬‬

‫أ ‪ .‬النمو السكاني‬
‫لمتغير السكان اثره عمى تشكيل المدينة اذ ترتبط خصوصية المدينة ومساحتيا بعدد سكانيا‬
‫وتوزيعيم وكثافتيم وانشطتيم االقتصادية‪ .‬والمدينة العربية شيدت ارتفاع في معدالت النمو‬

‫‪94‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫السكاني بفعل عاممي اليجرة والزيادة الطبيعية لمسكان‪ .‬واليجرة التي شيدتيا ىذه المدينة لم‬
‫يقتصر عمى سكانيا الوطنين فحسب وانما ارتبط ذلك بعامل اليجرة االجنبية نتيجة السيطرة‬
‫االستعمارية لفترات زمية متباينة في مدن المغرب العربي مقارنة بمدن المشرق العربي‪.‬‬

‫‪ .1‬االستعمار وظهور النمط الحضري االوربي‬


‫خالل فترة تقدر بأكثر من قرن بالنسبة لمجزائر مثال او عشرات من السنين‪ ،‬كما ىو الحال في‬
‫سوريا ومصر ولبنان مثال‪ ،‬دخل العالم العربي في دوامة االحتالل واالستعمار بأستثناء الجزيرة‬
‫العربية التي لم تتأثر بوطأة االستعمار اال ىامشيا كما في عدن مثال ‪ ،‬او لفترة مؤقتة عند اكتشاف‬
‫النفط عمى طول الخميج العربي‪ .‬وصاحب ىذا التواجد االستعماري في العالم العربي انقالب جذري‬
‫في اوضاع وخصائص الحيز الحضري لم يشيده من قبل من خالل ‪:‬‬
‫‪ .1‬حدوث موجات ميمة من المياجرين االستعماريين االجانب‪ ،‬ففي المغرب العربي‪ ،‬وفي سنة‬
‫‪ 1936‬كان عدد المستعمرين االجانب‪ :‬الفرنسيون واالسبان وااليطاليون حوالي ( ‪ )2‬مميون نسمة‬
‫(‪)10‬‬
‫‪.‬‬ ‫منيم ‪ %90‬استقروا في المدن واصبحوا يمثمون ‪ %45‬من سكانيا االجماليين‬
‫‪ .2‬شيدت ىذه المرحمة انشاء الكثير من المراكز الحضرية ‪ ،‬ففي المغرب مثال انشئت مدينتا‬
‫‪ 20000‬نسمة‬ ‫البيضاء‪ ،‬وىذه االخيرة كانت مركز تجمع ريفي بحجم سكاني‬
‫ً‬ ‫ً القنيطرةً وً الدار‬
‫سنة ‪ ، 1900‬اصبحت تضم ‪ 102000‬نسمة سنة ‪ . 1921‬وفي الجزائر كانت الحالة خاصة‬
‫نظ ار لطول فترة االستعمار واقترانو بيجرة قوية لممستعمرين الفرنسيين‪ ،‬شيدت انشاء مدن صغيرة‬
‫كثيرة خاصة خالل الفترة ‪ ، 1851-1840‬كانت موجية الحكام السيطرة العسكرية عمى البالد‪.‬‬
‫ىذه المدن تميزت بنمطيا ونظاميا الشبكي (او الشطرنجي) بشبكات متعامدة مييأة لمتجييزات‬
‫العسكرية واالدارية (‪.)11‬‬
‫‪ .3‬بوجود ىؤالء المياجرين االستعماريين امتزج التخطيط واالشكال الجديدة ذات النمط االوربي مع‬
‫‪ )4‬وبصفة عامة شيدت ىذه الفترة‬ ‫االنظمة واالشكال التقميدية الموجودة مسبقا (الشكل رقم‬
‫ازدواجية في االشكال الحضرية كما تم التعدي عمى المدينة العربية االسالمية وكان ابرز ذلك شق‬
‫طرق واسعة وتمزيق النسيج التقميدي القديم وتحويل بعض االحياء وتخصيصيا لالوربين (الشكل‬
‫رقم ‪. )5‬‬

‫‪-2‬الزيادة السكانية والهجرة الريفية‬


‫شيدت المدن العربية حالة تسارع في عممية التحضر‪ ،‬وبخاصة بعد فترة االستقالل ‪ ،‬التي‬
‫شيدت حركة بناء وتشييد ضخمة وواسعة في معظم ىذه المدن‪ .‬وكانت ىذه االعمال تيدف‬
‫باالساس الى توفير حاجات ساكني المدينة من خدمات مجتمعية انعكست عمى تحسين الوضع‬

‫‪95‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫الصحي والثقافي مما ترتب عميو ظيور زيادة في النمو الطبيعي لمسكان‪ .‬وقد اقترنت ىذه الزيادة‬
‫بحركة ىجرة من الريف الى المدينة بسبب التفاوت التنموي لصالح االخيرة‪ ،‬لذلك اعتمدت معظم‬
‫ىذه المدن سياسات اسكانية عاجمة بأستيرادىا النماط جاىزة غربية في عموميا (‪ )12‬وفييا اصبحت‬
‫المجتمعات التقميدية فاقدة لمتوازن نتيجة االدخاالت التقنية والثقافية والعصرنة‪ .‬فعمى سبيل المثال‪،‬‬
‫ان العواصم القديمة مثل بغداد والقاىرة ودمشق تطورت واتسعت بعممية اضافة الجديد الى القديم‬
‫فنتج عنيا انقسام في تركيب المدينة (‪ ،)13‬وىذا لم يحدث في مدن حديثة العيد في الوطن العربي‪،‬‬
‫كالكويت ومعظم مدن الخميج الحديثة التي لم تنشأ الى جوار مدن قديمة عريقة بل اقيمت حديثا‬
‫عمى رمال الصحراء‪.‬‬

‫ب ‪ .‬اتساع المساحة وتنوع استعماالت االرض‬


‫انعكست زيادة النمو السكاني لممدن العربية عمى تعدد وتنوع الفعاليات والنشاطات التي‬
‫يمارسيا السكان ضمن الحيز المكاني لممدينة‪ ،‬مما اثر عمى زيادة مساحة المدينة العربية‬
‫واستعماالت االرض فييا‪ .‬تتعرض المدن القديمة الحديثة الى ضغوط اقتصادية عمرانية نتيجة‬
‫نموىا الحديث والتطور في النقل والعمران الذي يؤدي الى تغيير استعمالت االرض في المدينة‬
‫القديمة‪ ،‬وىو بحد ذاتو مشكمة صعبة‪ .‬المدينة تتوسع مع زيادة سكانيا‪ ،‬يشجع ذلك تطور وسائل‬
‫النقل مما ينعكس عمى تفعيل انشطة االنسان وفعالياتو المنسجمة مع مرحمة تطوره‪ ،‬ولما كان‬
‫االنسان والمجتمع ذوي صفة عضوية منعكسة عمى التغيير الجاري في مدينتو‪ ،‬فأن اساس ىذا‬
‫التغيير ىو وظيفي بدافع تمبية حاجاتو المتجددة والمتغيرة في الكم والنوع‪ ،‬بما في ذلك الخدمات‬
‫المجتمعية عمى وفق المعايير المستجدة التي يفترض ان تنبثق من الفيم الواعي لمواقع االجتماعي‬
‫لممدينة العربية‪ .‬فعمى سبيل المثال‪ ،‬بغداد بمساحة ( ‪ )101‬كم ‪ 2‬عام ‪ 1956‬ىي غير استعماالت‬
‫االرض في بغداد بمساحة ( ‪ )900‬كم ‪ 2‬عام ‪ 1997‬وبسكان يزيد عددىم اربعة اضعاف ما كانت‬
‫(‪)14‬‬
‫وىكذا الحال في مدن عربية اخرى‪.‬‬ ‫عميو ىذه المدينة‬
‫واذا القينا نظرة عابرة عمى نماذج االنماط السكنية لمدينة بغداد‪ ،‬عمى سبيل المثال ‪ ،‬منذ نشأتيا‬
‫وعمى مدى تأريخيا الطويل‪ ،‬نجد ان النمط السكني كان في الواقع نتاج مستوى التطورات الذي‬
‫مرت بو المدينة في مراحميا التاريخية المختمفة‪ ،‬بما يعكس تمبيتو لمحاجة السكنية في تمك المرحمة‪.‬‬
‫ومن الجدير بالمالحظة ثبات النمط التقميدي لممحالت السكنية ( المعتمدة عمى الوحدة السكنية‬
‫ذات الفناء الداخمي ) منذ مرحمة الخالفة العباسية واستم ارره في المرحمة العثمانية‪ ،‬حتى بداية القرن‬
‫العشرين‪ .‬ثم بدأت تظير االنماط االجنبية في العشرينات والثالثينات من ىذا القرن‪ ،‬ثم ظيور‬
‫وانتشار االنماط السكنية الحديثة في مناطق الضواحي الممتدة خارج المدينة القديمة‪ .‬اذ تزيد‬

‫‪96‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫مساحة االجزاء الحديثة التي تعود لممرحمة المعاصرة عمى ثمانية اضعاف مساحة المدينة عام‬
‫‪ .)15(1956‬وضمن مسارات التطور بزحف مركز المدينة مستحوذا عمى استعماالت االرض‬
‫السكنية‪ ,‬حيث تحل االستعماالت التجارية والخدمية محل االستعمال السكني مع ما يترتب عمى‬
‫ذلك من ازدواجية الصفة‪ ,‬اذ يتكون من جزئين غير متنافسين‪ ,‬وربما متكاممين ‪ ,‬االول تقميدي‬
‫والثاني معاصر بحكم تخصص كل منيما في البنية الوظيفية و المعمارية و بما يساىم في‬
‫التشكيل النيائي لممدينة‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬اآلثار التقنية و العممية‬


‫عزز التطور التقني و العممي التمايز في النسيج الحضري لممدينة العربية االسالمية‪ ,‬و ىو‬
‫تمايز يغمب عميو الطابع الغربي لمجتمع تسيطر عميو اآللو‪ ,‬القانون االقتصادي المادي النفعي‪،‬‬
‫في استغالل وحدة المساحة باكبر مردود ممكن‪ ,‬مع ارجحية االستعمال التجاري والثقافي والتعميمي‬
‫ألستعماالت االرض في المدينة‪ .‬يضاف الى ذلك االىمية النسبية في قطاع التشييد بأعتماده عمى‬
‫مواد بناء جديدة كالسمنت و الطابوق وىي في مجمميا من نمط العمارات ذات الطوابق المتعددة‬
‫المبنية عمى الطراز المعماري االوربي‪ ,‬حيث ترتفع نسبة ىذه االبنية لحداثتيا خالل النيضة‬
‫العمرانية الحديثة التي شيدتيا المدينة العربية منذ الثالثينات‪ ،‬أضافة الى التغير في مواد البناء‬
‫والتطور في وسائط النقل الذي يمثمو اساساً دخول السيارة و قطار االنفاق في النسيج الحضري‪,‬‬
‫وما يتطمبو من شق الطرق داخل المدينة القديمة او االنفاق و الجسور المعمقة ومواقف السيارات‬
‫ومن ثم تغيير مورفولوجية النسيج الحضري التقميدي‪ ,‬وبروز نمط حضري مختمف يعتمد عمى وجود‬
‫انظمة الحركة و االتصال‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬التواصل الحضاري لممدينة العربية االسالمية‬


‫ان ىذا البحث ال ينطوي عمى أي دعوة لمعودة الى االطار العمراني التقميدي‪ ,‬و ىو ال يعني‬
‫ايضاً انفصاالً عن كل ما ىو تقميدي وقبول كل ما ىو عصري وحديث‪ ,‬فيي ليست دعوة الى‬
‫ازقة المدينة التقميدية في اطار االبتعاد عن الركب الحضاري لالنسانية‪ ,‬بل ىي دعوة الى التواصل‬
‫الحضاري العربي االسالمي في دعم خصوصية مدننا‪.‬‬
‫ان اعداد المخططات االساسية لممدن العربية قد تعرض لمكثير من االنتقادات‪ ,‬حيث بدأ‬
‫الشعور يتنامي بأتجاه الحاجة الى الرجوع الى الطبيعة االنسانية‪ ,‬و ىذا ال يتعارض بالضرورة مع‬

‫‪97‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫الحاجة الى توفير المرافق و اليياكل االساسية الحديثة التي تنتيي بالشكل العمراني والحضري‬
‫لممدينة‪.‬‬
‫ان مواصمة العالم العربي في استيراد اشكال وانماط حديثة وغربية بأفكار وتصاميم مغايرة‬
‫ومختمفة‪ ,‬قد اوجد تكويناً ىيكمياً وانماط حضرية متنوعة بين الحديث والقديم‪ .‬فالنمط الحضري‬
‫(‪)16‬‬
‫الحديث اصبح يتميز‬
‫‪ – 1‬الفضاءات المفتوحة الواسعة نتيجة التكوين العالم لمحي السكني الحديث بسبب دخول السيارة‪,‬‬
‫باالضافة الى الفضاءات المفتوحة المتروكة في مقدمة الوحدات السكنية وحوليا كالحدائق‪,‬‬
‫تعد من الخصائص المميزة لمحديث عن القديم‪.‬‬
‫‪ – 2‬ان عدم التوازن المتكون بين الفضاءات واالبنية تكون نتيجة سعة الفضاءات المفتوحة‬
‫بالقياس مع حجم وكتل المباني و نسبيا‪ ,‬ىذه الخاصية تعطي بصريا الفصل القوي بين كتل‬
‫المباني والضعف في التماسك اوالربط بين الوحدات السكنية‪ ,‬لذلك فأن الوحدة والتكامل بين‬
‫الدور والمساحات المفتوحة المحيطة‪ ,‬غير موجود بشكل واضح عمى صعيد المستوى العام‬
‫لمحي‪.‬‬
‫‪ – 3‬ان احد اىم القيم السائدة ضمن الحي الحديث ىو النسق الواحد المتكرر عمى الرغم من ان‬
‫كل حي قد يتضمن اكثر من انموذج تصميمي‪ ,‬لكنو لم يكن كافيًا لمتنوع الجمالي المطموب ‪,‬‬
‫وتسوء الحالة بأتجاه الرتابة و الممل وبخاصة عند تكرار االنموذج نفسو عمى جانبين متقابمين‬
‫في شارع ما‪.‬‬
‫ان تممك العناصر الجمالية التي نحس بيا ضمن النمط الحضري القديم التقميدي اعتمدت‬
‫االبيار الدراماتيكي المعتمد عمى التغير المفاجئ في عناصر الفضاء وىيئة البناية‪ ,‬ىذه العناصر‬
‫مفقودة في النسيج الحديث لالحياء او انيا غير مميزة بتمك الدرجة من الوضوح‪ ,‬لكون الفضاءات‬
‫المفتوحة واسعة تطمبيا وجود السيارات وسعة الحدائق الخضراء المحيطة بالوحدات السكنية‪ ,‬مما‬
‫ادى الى عدم توازن في التعبير المطموب واالنتقال بين كتل المباني والفضاءات المحيطة بيا‪.‬‬
‫ومن الناحية المناخية فانيا تحتاج الى كثير من الدراسة ضمن االحياء الحديثة التي اخفقت في‬
‫حل كثير من الجوانب التي التتالئم و الظروف المناخية المحمية (‪.)17‬‬
‫اضافة الى كل ىذه المتغيرات الجوىرية في النسيج الحضري لممدن العربية‪ ,‬فانيا عرفت ايضا‬
‫ظاىرة خطيرة اثرت وما تزال تؤثر في مورفولوجبة المدينة العربية‪ ,‬وىي ظاىرة التجاوزات عمى‬
‫استعماالت االرض حيث أصبحت ظاىرة واضحة في المدينة العربية‪ ,‬اذ نجدىا تشكل حزاما حول‬
‫(‪)18‬‬
‫‪ ,‬وتحيط بكل من دمشق و حمب من جيتيا الغربية‪ ,‬في حين انيا‬ ‫المدن الكبيرة مثل بغداد‬

‫‪98‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫تتوغل في داخل النسيج الحضري القائم في مدن تونس و الجزائر و كذلك في مدن مصر و‬
‫(‪)19‬‬
‫‪.‬‬ ‫المغرب‬
‫و مع تطور المدينة برزت ظاىرة جديدة اخرى اثرت عمى البنية االجتماعية لممدينة وىي‬
‫ظيور أحياء سكينة قائمة عمى اساس اقتصادي بدالً من التوزيع السكاني الذي كان سائداً‪ ,‬حيث‬
‫تم توزيع المساكن او قطع االراضي عمى السكان وفق متغيرات المينة او الوظيفة ‪ ,‬مما اوجد‬
‫بيئات سكنية نمطية معماريًا واجتماعيًا االمر الذي اشاع ظاىرة االغتراب ومن ىنا ‪ ,‬يمكن تفسير‬
‫تنافر او عدم تكامل االحياء الحديثة عموماً الفتقادىا التماسك العضوي بين مكوناتيا‪ .‬ان ذلك‬
‫يعني ان العضوية في التخطيط كانت اكثر توفيقاً قي تمبية تطمعات مجتمع المدينة من النمطية في‬
‫التخطيط الذي تعتمده مدننا‪ ,‬وىو في جوىره مظير غريب عن مسار تطورىا وعن مجتمعيا‪.‬‬
‫لقد ارتكزت المدينة العربية االسالمية في صيرورتيا عمى البنية االجتماعية التي تتسم‬
‫باالقتراب وما ينطوي عميو من ألفو (‪ . )20‬وكانت ىذه البنية‪ ،‬التي ىي عبارة عن نسيج متماسك‪ ،‬قد‬
‫نتجت عن طبيعة التطور العضوي الذي تتسم بو المدينة العربية االسالمية‪ ،‬وىو تطور تراكمي‬
‫انطمق من الداخل الى الخارج عمى اساس المورفولوجيا االجتماعية ( ‪.) Social Morphology‬‬
‫‪Functional‬‬ ‫(‬ ‫فيما تقوم البنية غير العضوية عمى اساس التنطيق الوظيفي‬
‫‪ ) Zoning‬فاالول يستند عمى العالقات االنسانية في حين يقوم الثاني عمى اساس العالقات‬
‫الوظيفية وشتان بين االثنين‪ .‬فالعالقات االنسانية تقود الى بنية حضرية اجتماعية متماسكة تتميز‬
‫بالحيوية‪ ،‬حيث تزداد نسبة ارتياد الفضاءات الحضرية ومن ثم الحضور االجتماعي الذي يعني‬
‫األمان والطمأنينة‪ .‬اما ارجحية العالقات الوظيفية فأنيا تذىب الى التفاصيل وقيام المناطق‬
‫الوظيفية (مناطق سكنية‪ ،‬صناعية‪ ،‬تجارية ‪ ........‬الخ)‪ .‬وىذا يعني سموك اجرائي في اوقات‬
‫معينة من قبل االنسان في عممية تنظيمية الحتواء الفعاليات والنشاطات المختمفة بحسب متطمباتيا‬
‫المكانية‪ .‬االمر الذي يقمل من نسبة ارتياد ىذه المناطق ومن ثم انحسار التالقي وغياب الحضور‬
‫االجتماعي‪ ،‬التي توحي لمفرد بالعزلة وفقدان أالمان‪ ،‬ولذلك ال يتحقق التفاعل االجتماعي الذي ىو‬
‫اساس االندماج واالنخراط في الحياة االجتماعية المشتركة‪ .‬ومعموم انو كمما ازدادت عزلة الفرد‬
‫ادى ذلك ألصابتو باالغتراب والسمبية‪ .‬وىذا يعود بنسبة كبيرة منو الى عدم االطالع ومعرفة‬
‫واضعي المخططات االساسية ليذه المدن لمبيئة ميدانيا‪ ،‬وىم عمى االغمب من االجانب في دراسة‬
‫خصوصية المنطقة والحاجة الفعمية لمسكان بيدف ايجاد مدن تنتمي الى واقعنا وظروفنا‪.‬‬

‫االستنت ــاج‬

‫‪99‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫الواقع‪ ،‬ليس بوسع المراقب المتأمل لطبيعة التغيرات التي طالت االطار العمراني سوى الخروج‬
‫بنتيجة واحدة انيا قامت عمى اساس "الحتمية اليندسية" التي تعني ىيمنة اليندسي عمى المكاني‪.‬‬
‫ان الحتمية اليندسية تعد اطرىا العمرانية معطاة مسبقا"‪ ،‬وما عمى االنسان سوى االنضواء تحتيا‬
‫والتكيف لفضاءاتيا الحضرية‪ ،‬بمعنى آخر تجعل الحتمية اليندسية لالنسان كائناً سمبياً النيا تسمبو‬
‫خياراتو كميا‪ .‬انو نمط يتسم بالطابع القسري حيث الرتابة والنمطية والتنطيق الوظيفي الذي يفرز‬
‫اجواء معمارية وتخطيطية ال تنسجم وعضوية النسيج االجتماعي لساكني المدن‪ ،‬الذي جاؤا بتقميد‬
‫وقيم اجمتاعية التتوفر عناصر ادائيا في النماذج الغربية‪ ،‬وانو مستمر التأثير ما لم تبذل جيود‬
‫العادة تفيم اكثر لطبيعة ما يجب ان يكون عميو تخطيط المدينة العربية‪ .‬اذ ينبغي عمى المخطط‬
‫االساسي ان يستوعب الواقع متوجيا" لتنظيمو مستقبال" ‪ ،‬عمى ان يبرمج ىذا المستقبل انطالقاً من‬
‫مؤثرات النمو السكاني والصيغ المطموبة لتعديل توزيعيم وانشطتيم بما يضمن تنظيم وتطوير‬
‫الحياة االجتماعية باالستناد الى موازنة استعماالت االرض وانظمة الطرق والسكن والخدمات‬
‫المجتمعية والتحتية باستيعاب المتغير االقميمي لممدينة‪.‬‬
‫ان ذلك يعني ان عمى المخططات االساسية لممدينة العربية المعاصرة ان تمتمك حداً معيناً من‬
‫العضوية الالمركزية التي تستند الى استيعاب مجتمعيا‪ ،‬أي مستوعبة لمنطمقات االنسان العربي‬
‫المعاصر المادية والمعنوية والعممية بما يقمل من غربتو المتزايدة في احياء المدينة‪ .‬وبذلك تحتاج‬
‫المدينة العربية الى مخططات اساسية وممارسات تخطيطية تستند الى استيعاب واقع الحال وعوامل‬
‫تشكيمو وتحديد التوجيات المطموبة اجتماعياً وعمرانياً االمر الذي يتطمب ان تكون ىذه المخططات‬
‫معربة قدر المستطاع ‪.‬‬
‫والممارسات شاممة مرنة ومعتمدة عمى معايير ّ‬

‫‪100‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪101‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪102‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪103‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪104‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪105‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫المصــادر بحسب ورودها في متن البحث‬


‫‪،1988‬‬ ‫‪ .1‬عثمان محمد عبد الستار ‪ "،‬المدينة االسالمية " ‪ ،‬مطابع الرسالة ‪ ،‬الكويت ‪،‬‬
‫ص‪. 6‬‬
‫‪ .2‬حول الخصائص التخطيطية والتصميمية لممدن القديمة ( ما قبل االسالم ) انظر ‪:‬‬
‫الياشمي ‪ ،‬زينب زىير ‪"،‬الخصائص التخطيطية والتصميمية لممستقرات البشرية القديمة في‬
‫بالد النيرين "رسالة ماجستير ‪ /‬مركز التخطيط واالقميمي لمدراسات العميا – جامعة بغداد ‪،‬‬
‫‪. 2000‬‬
‫‪ .3‬الكناني ‪ ،‬كامل ‪،‬سيام خروفة ‪"،‬االعتبارات االقتصادية في انشاء وتطوير المدينة العربيو‬
‫االسالمية " مدينة بغداد المدورة ‪ ،‬مجمة المخطط والتنمية – جامعة بغداد ‪ ،‬ع ‪، 1999، 8‬‬
‫ص‪. 5‬‬
‫‪ .4‬الموسوي ‪،‬مصطفى عباس ‪"،‬العومل التأريخية انشأة وتطوير المدينة العربية االسالمية "‬
‫بغداد ‪، 1982 ،‬ص‪. 47‬‬
‫‪ .5‬الكناني ‪ ،‬كامل ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 6‬‬
‫‪6. AL-Kaissi, Sahir,"Phyiscal Planning system Development of‬‬
‫‪planning Legslation in Iraq", Thesis ph.D, vol.2. 1983, pp 1-3.‬‬

‫‪ .7‬الكناني ‪ ,‬كامل ‪ ,‬مصدر سابق ‪ ,‬ص ‪. 15-12‬‬


‫‪ .8‬مخموفي ‪ ,‬فييمة ‪" ,‬تحميل االنماط السكينة في المدينة العربية االسالمية ‪ ,‬دراسة تطبيقية‬
‫لمدينة قسطنطينة – الجزائر "‪ ,‬رسالة ماجستير ‪ /‬مركز التخطيط الحضري و االقميمي‬
‫لمدراسات العميا – جامعة بغداد ‪ ,2000,‬ص ‪. 16 – 15‬‬
‫– دراسة معمارية تخطيط لمسوق‬ ‫‪ .9‬النقاش ‪ ,‬رغد جرجيس ‪ " ,‬توفيق الموروث مع الحديث‬
‫القديم لمدينة الموصل " ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ /‬كمية اليندسة – جامعة بغداد ‪ ، 1993‬ص‪7‬‬
‫‪.‬‬
‫‪10. Chaline Claude ,"Les Villes du Monde Arabes " ,Masson , Paris ,‬‬
‫‪1990 p.50 .‬‬
‫‪ .11‬مخموفي ‪ ،‬فييمة ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪12. Ch. Claude ,"Les Villes …op.cit."P.51.‬‬
‫‪ .13‬المالحويش ‪ ،‬عقيل نوري ‪ " ,‬العمارة الحديثة في العراق " ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1988‬ص‪. 19‬‬
‫‪ .14‬االشعب ‪ ،‬خالص حسني ‪،‬دانيمية المجتمع وعضوية التخطيط العمراني " ‪ ،‬بحث منشور‬
‫في سمسمة المائدة الحرة (‪ ، )33‬بيت الحكمة ‪ ، 1999 ،‬ص‪. 46‬‬

‫‪106‬‬
‫مجلة المخطط والتنمية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫العذد (‪2006 )15‬‬

‫‪ .15‬المصدر في أعاله ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬


‫‪ .16‬المالحويش ‪ ،‬عقيل نوري ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 22 – 19‬‬
‫‪ .17‬حول ىذا الموضوع انظر ‪:‬‬
‫‪ -‬اسراء عبد الغفور " اثر موضوع المدينة في التكييف البيئي لممخططات االساسية لممدن‬
‫– جامعة بغداد‬ ‫" رسالة ماجستير ‪ /‬مركز التخطيط الحضري واالقميمي لمدراسات العميا‬
‫‪. 2001‬‬
‫‪ -‬وود ‪ ،‬كرستوفر‪ ،‬ترجمة مضر خميل العمر " تخطيط المدن والسيطرة عمى التموث " ‪،‬‬
‫جامعة البصرة ‪ ، 1984 ،‬ص‪. 229-224‬‬
‫‪ -‬مارسيا ‪ ،‬دي الد ‪ " ،‬تخطيط المدن ‪ ،‬االبعاد البيئية واالنسانية " ترجمة ايناس عفت ‪/‬‬
‫معيد مراقبة البيئة العالمية – الدار الدولية لمنشر والتوزيع ‪ ،‬القاىرة ‪. 1994 ،‬‬
‫‪ .18‬الكناني ‪ ،‬كامل ‪ ،‬عالء الدين عبد الرحمن " التجاوزات عمى استعماالت االرض‬
‫لالغراض السكنية في مدينة بغداد " مجمة المخطط والتنمية ‪ /‬مركز التخطيط الحضري‬
‫واالقميمي لمدراسات العميا ‪ -‬جامعة بغداد ‪ ،‬ع‪ ، 1998- 6‬ص ‪. 20-4‬‬
‫‪19. Ch. Claude ,"Les Villes …op.cit."P.110 .‬‬
‫‪ .20‬االشعب ‪ ،‬خالص حسني ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 52‬‬

‫‪107‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like