Professional Documents
Culture Documents
April 2019: Article
April 2019: Article
net/publication/332709711
CITATIONS READS
0 6,877
1 author:
SEE PROFILE
Some of the authors of this publication are also working on these related projects:
All content following this page was uploaded by Kamel Kadhem Al-Kenany on 28 April 2019.
1
أ .د .كامـل الكنـاني
المستخمص
تنفرد كل مدينة عربية اسالمية بصفات مميزة تممييا عمييا طبيعة موقعيا وخصائصو ,اذ
نراىا جبمية في الجبال ,صحراوية في الصحارى ,و ساحمية في السواحل ,و يتجمى ذلك في
طرز مبانييا و تصاميميا و حتى في بنيتيا الييكمية.
اال ان ىذا التفرد لم يقف عائقاً امام ظيور صفات و خصائص مشتركة ليذه المدن اممتيا
عمييا عبر الزمن ,عوامل مخمتفة نابعة من صمب حياة المجتمع بعاداتو و تقاليده و معتقداتو و
متطمباتو المعيشية و ظروفو البيئية التي تظافرت جميعيا في عممية بناء و تشييد المدينة العربية
االسالمية لترسم مالمح و خطوط حياة المجتمع عمى عمارتو و مفرداتيا و من ثم تمنحيا لغتيا
الخاصة والمميزة .
المدينة العربية كائن حي يتأثر و يؤثر ,ياخذ ويعطي جريا عمى سنة الحياة التي اختمفت
عصورىا و ظروفيا .ىذا االتجاه يساعدنا كثي ار في الكشف عن اصالة ىذة المدينة او عن تميز
قيمتيا ,التي شكمت وعاءىا المادي في توافق تام بمور في النياية صورة المدينة ,فالجامع ,و
الساحة ,والميدان ,والسوق والفناء الداخمي ىي المالمح االصمية لممدينة العربية االسالمية ,و
بمرور الزمن و مع التوسعات الكبيرة التي شيدتيا معظم المدن االسالمية ,تأثرت ىذة المالمح و
تداخمت فييا استعماالت االرض بانماط مغايرة تمام عن النمط التقميدي و بالذات النمط الحضري
السكني ،ىذا التاثر افقد المدينة خصوصيتيا بفعل عوامل منيا تقنية واقتصادية و اخرى
اجتماعية وبيئية في تحديد ىذه االنماط ضمن نسيج المدينة عبر فترات زمنية من توسع و نمو
المدينة العربية االسالمية ,مما يتطمب بذل الجيود العادة تفيم اكثر لطبيعة ما يجب ان يكون
عميو تخطيط ىذة المدينة في قدرتيا عمى التكييف المقترن بالتفاعل الحي مع متطمبات العصر
في اطار من الخصوصية المطموبة.
85
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
المقدمة
تمتمك المدينة العربية االسالمية موجوداً تراثاً معمارياً ثميناً جاء حصيمة انجازات معمارية
رائعة لمراحل تاريخية متتالية تكاممت مع بعضيا عبر الزمن لتظير بشكل كيان مادي موحد
اصبح السمة المميزة لشخصية المدينة و تراثيا ,و النواة التي فييا نمت و تطورت واتسعت
لتشمل مساحات واسعة خارجيا .لكن ىذه المدن عانت و التزال تعاني من شتى التغييرات
السكانية والبيئية والتكنموجية التي توّلد عنيا تنوع و اختالف و من ثم تنافر في انماطيا
الحضرية ,الذي يتفاقم يوماً بعد آخر ميددا نسيج ىذه المدن بزوال شخصيتو العمرانية و
التخطيطية.
ان مشكمة البحث تكمن في ان عممية التطور التاريخي لممجتمع العربي و ماتبعو من
تغير في عمران المدينة وانماطيا السكنية يكشف عن تشوه المظير العمراني العام لمنسيج
الحضري لممدينة وخطورة فقدانيا ليويتيا العربية االسالمية .لذلك فان فريضة البحث تقوم عمى
ان التناقض و التنافر الواضحين في االنماط الحضرية الذين تشيدىما المدينة العربية االسالمية
ىو نتاج لعوامل وظروف متعددة تظافرت عبر مراحل نمو وتوسع نسيج ىذه المدينة .و من ىنا
فان هدف البحث ىو الكشف عن العوامل التي ساىمت في تغير النمط الحضري التقميدي و
امكانية التوافق مع متطمبات روح العصر و الحداثة.
المنهجية عمى التحميل الستكشاف ىذه الفرضية ,و تحقيقا ليدف البحث استندت
التاريخي -المقارن لخصائص المدن العربية االسالمية في تحميل النمط الحضري و تشخيص
مالمح الحداثة فيو لتشخيص امكانيات التعايش بين القديم و الحديث في اطار من الخصوصية
ليذه المدينة.
اوال :المدن العربية االسالمية /نظرة تاريخية
تميزت الحضارة في المدن االسالمية بانيا وليدة التشريع االسالمي المفصل لنواحي الحياة
"()1
وان أية "المدينة ىي الحضارة دستو اًر مييئاً سارت عميو الحياة في المجتمع ,باعتبار ان
دراسة ليذه المدن تتطمب ان تضع في اعتبارىا ان االسالم و نظمو و احكامو ىي المحور
االساسي الذي تدور حولو حياة المدينة يتفاصيميا كميا ,اجتماعية كانت او اقتصادية او سياسية
باالضافة الى شكميا المادي ودالالتو المختمفة .لكن ىذا ال يعني عدم تأثر ىذه المدينة باصول
تاريخية لمدن ما قبل االسالم ,فيناك تواصل حضاري بين المدينة القديمة و المدينة االسالمية,
في اعتماد مؤشرات تخطيطية انعكست عمى نسيجيا الحضري.
86
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
87
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
النتيجة ىي خالصة تجارب و ممارسات طويمة لعب فييا الزمان و المكان دو ارً اساسيًا في
()6
فالجامع ,و الساحة ,و السوق و بمورتيا مما اعطى النسيج الحضري خصوصيتو و مميزاتو,
الفناء الداخمي ىي المالمح األصيمة لممدينة العربية االسالمية.
تستند استعماالت االرض في المدينة العربية االسالمية عمى حقيقة التكامل بين المكونات
الدنيوية ضمن اطار المعتقدات الدينية و ىو ما يعبر عنو بنمط االستعمال المختمط لالرض
حيث يتكون قمب المدينة من االبنية الدينية و الحكومية و السوق و الفضاءات المرتبطة بيا.
يعتمد ىذا النمط عمى القوى الروحية بكونيا محور الحياة ,فنجد الجامع يمثل مركز المدينة و
يرتبط بو السوق الذي يمثل المركز التجاري الرئيس لممدينة معب اًر عن التفاعل الميم بين الجانب
ااروحي و المادي في المدينة االسالمية محاطاً بالييكل العمراني الذي يحتل فيو السكن النسبة
الغالبة ,الشكل رقم ( . )1يربط السوق ,الذي ىو شريان الحياة االقتصادية ,بين مركز المدينة و
اطرافيا تتخمميا صناعات يدوية و حرفية غير مموثة ,في حين تعزل الصناعات المموثة خارج
المدينة بما يؤمن سالمة ساكنييا من االضرار التي قد تمحق بالبيئة.
تربط الشوارع واالزقة بين ىذه االستعماالت التي جاءت بتدرج و توزيع عضوي و انسيابي
بحيث يحقق سيولة التواصل بين ىذه االستعماالت.
88
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
انعكست في فضاءات المدينة العربية االسالمية اكثر من أي مكون آخر من مكونات الحضارة
االسالمية .ان اىم الصفات التي اتسم بيا النمط الحضري لممدينة العربية االسالمية يمكن
اجماليا في المؤشرات االتية:
أ -المقياس االنساني و جمالية التصميم
ىذا المقياس يتمثل في جميع مستويات الحيز المكاني لممدينة ,العامة و الخاصة والتفصيمية,
فعمى المستوى العام يتحدد حجم المدينة و ابعادىا بالدرجة االولى بامكانية حركة المشاة ,اما
عمى المستوى الخاص فان حجم استمعاالت االرض العامة من مساحات و طرق و ازقة فضالً
عن االبعاد العمودية لالبنية المطمة عمييا ،جميعيا ذات مقاييس انسانية .ان السائر في ازقة
المدينة العربية االسالمية ,سيمفت انتباىو ذلك التغيير في المشاىد المتتالية ضمن الزقاق الواحد,
اذ ان المرء يتعرض في تمك االزقة الى تنويع متدرج في كل خطوة يخطوىا ,و قد اقترن ذلك في
جمالية الوحدات السكنية بتكويناتيا المعمارية من خالل مداىميا ,الشناشيل و البروزات ,و
االنطقة و االقواس ,و مواد البناء (الطابوق واآلجر) المحمية و طرز بناءىا وزخرفتيا و نقوشيا.
89
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
تتجمى المدينة العربية االسالمية ,بمظيرىا العام ,بتالحم مفرداتيا و تكامل مكوناتيا في كيان
عضوي موحد ,فالوحدات السكنية في معظميامتشابية حجماً ,متناسقة كتمة وتصميماً ,بحيث تبدو
في مجمميا متسمسمة ومتجانسة ضمن اطارىا الكمي ,يتوسطيا مركز المدينة بجامعة واسواقو و
فعالياتو العامة االخرى مستجيبة بذلك لظروف المناخ سواء كان ذلك في التصميم أم في اختيار
مواد البناء او عمى صعيد التفاصيل او المفردات ,و ما تالصق االبنية والدور وضيق الطرقات و
تعرجيا وتدرج الفضاءات و الساحات اال شاىداً واضحًا عمى عضوية ىذا النمط العربي
االسالمي (الشكل رقم .)3ىذه العضوية تتجمى في موقع المسجد الجامع ,حيث يحتل الوسط
الوظيفي اكثر منو الوسطى الجغرافي ,فموضعو اليخضع ,في الغالب ,الى قواعد التخطيط
اليندسي بقدر ما يستجيب الى حاجة المجتمع الحضري المسمم لمكان يجمعو و ينظم حياتو,
فالجامع ىو المرجعية االولى التي يتعمم فييا امور دينيم و دنياىم (العبادات و المعامالت) و ما
يرتبط بو من النشاطات ,واالسواق ,و المساكن ,و التجييزات الجماعية ثم اسوار المدينة و
ابوابيا .ىذه االستعماالت كميا اوجدت نسيجاً عضوياً يسمح بالتعايش الوظيفي ,وربما تنطيق
واضح وال حدود فاصمة بين الوظائف الحضرية ,فاالسواق متصمة باالحياء السكنية والتجييزات
االجتماعية (دينية ,ثقافية ,صحية ....الخ ) موزعة عمى ميادين المدينة كاممة وىذا ما اكسبيا
– مندمج ,ومجالو متعدد خصيصة الدمج والتناسق بين وظائفيا .فالنسيج الحضري وظيفي
الوظائف ,حيث يختمط االجتماعي باالقتصادي والديني بالترفييي .
90
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
المميزة الرئيسة لمبيت العربي االسالمي ىي وجود الفناء الداخمي المفتوح مربع او مستطيل
الشكل ,تنفتح عميو غرف الدار وفضاءاتيا جميعا ,تعبي اًر عن حالة التقارب والتالحم االجتماعي
الفراد ذلك البيت في تالقييم وتحاورىم وتسامرىم ،كما انيا تعكس من جانب اخر خصوصية
اجتماعية في الترابط االجتماعي يبدا باالسرة في تالحميا و خصوصيتيا في تصميم الوحدة
السكنية اعتمادًا عمى المؤشرات التخطيطية اآلتية:
-1التوازن بين خصوصية االسرة و تفاعمها مع المجتمع .
-2تحقيق حرمة السكن من خالل :
أ -تجميع الوحدات السكينة وفق نظام معين يحقق هذة الحرمة.
ب-عالقة المسكن البصرية مع مجاوراته.
ج-ارتفاع االًبنية و الشرفية.
ىذا الترابط االجتماعي ينعكس تدريجياً بين مكونات المدينة من فناء البيت الى الزقاق
ال الى المدينة كميا.
والساحة والجامع الكبير والسوق وصو ً
ان ىذه الصفة مع الصفات االخرى لممحمة السكنية ( تجانس الوحدات السكنية من حيث االبعاد
والتحام وتالصق كتميا ) تكون تركيباً معمارياً يحقق بخصائصو المميزة المتطمبات االجتماعية
المرغوبة.
يتمبور ىذا التكامل العمراني –االجتماعي من خالل االساس الذي تستند عميو االحياء السكينة
لممدينة وىو االساس االجتماعي ,عمى عكس احياء المدينة المعاصرة التي تعرف بمقياس مادي,
فاالحياء تقوم عمى اساس االنتماء القبائمي او التبعية الدينية او العقائدية ال عمى اساس المستوى
المادي و االقتصادي .ىذا التنظيم المكاني – االجتماعي يقمل من مظاىر الحيف و التفرقة و
التوتر االجتماعي ,ففي كل حي ىناك الفقير والغني والجاىل والعالم وىذا من شأنو تحقيق
الروابط بين الناس و اكساب االفراد شعو اًر بالثقة بالنفس ومن ثم االندماج واالنسجام مع
االخرين.
91
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
92
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
و تطبيقًا لذلك وجب ابعاد الفعاليات التي تتسبب في ذلك كأفران الفخار والجير و المدابغ
والصناعات التي تصدر ايضاً صوتاً مزعجاً عن الوحدات السكنية التي تشغل القطاع االكبر من
حيز المدينة.
تعكس ىذه المنظومة المترابطة من المسالك في ىيكل المدينة ترابط مركزىا باحيائيا
ومحالتيا السكنية ضمان تدرج االنتقال وسيولة الوصول من الطريق العام الذي يحقق تكامل
اجزاء المدينة ,الى االزقة الفرعية التي يتداخل فييا العام والخاص ,الى الزقاق الخاص .وتعد
93
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
الساحات الوسطية نقطة التقاء مجموع الشوارع او السكك او االزقة .ىذا التدرج يؤدي الى تشكل
االحساس باالنتماء لممكان ,كما انو يضمن التدرج في الرؤية من خالل االنتقال من فضاءات
مكشوفة الشعة الشمس الى فضاءات ظمية ,بحيث يبقى مستوى البصر متوازياً.
ان الخصائص السابقة ىي التي اعطت لمنمط العربي االسالمي القديم تميزه وخصوصيتو
مقارنة بانماط حضرية اخرى ,حيث تكتمل فيو الجوانب العمرانية بالجوانب االجتماعية ووفق
عوامل حضارية وقيم اجتماعية ,لكن بمرور الزمن ومع التوسعات الكبيرة التي شيدتيا معظم
المدن العربية االسالمية التقميدية ,ظيرت انماط حضرية مغايرة ومختمفة تماما عن النمط
التقميدي ,افقدت المدينة العربية خصوصيتيا بفعل عوامل متعددة اسيمت في اعطاء انماط
حضرية مختمفة اذ يترجم كل واحد من ىذه االنماط العوامل التي ادت الى ظيوره وترسيخو في
نسيج المدينة مع باقي االشكال ,وذلك عبر فترات زمنية من توسع ونمو المدينة العربية
االسالمية.
ثالثا :توسع المدينة العربية االسالمية و نموها :ظهرت انماط حضرية جديدة
بقدر ما تأثرت المدينة العربية االسالمية بمدن ما قبل االسالم ,فانيا ايضا شيدت تحوالت
وتغيرات عمى نسيجيا الحضري بفعل عوامل متتابعة عبر الزمان والمكان ,كان ليا تأثيرىا
الواضح في اعطاء انماط حضرية جديدة لم تشيدىا ىذه المدينة سابقا ,ىذه العوامل يمكن
اجماليا في:
- 1ارتفاع معدالت النمو السكاني.
- 2اتساع المساحة و تنوع استعماالت االرض.
- 3االثار التقنية والعممية.
انتجت ىذه العوامل الرئيسة ظواىر كانت ىي االخرى عوامل ثانوية في تأثيرىا عمى تغيير
االنماط الحضرية ,فخالل فترة زمنية معينة وفي مكان ما يظير عامل رئيس تتظافر معو عوامل
ثانوية لتعطي بالنتيجة نمط حضري معين ,ثم في مرحمة زمنية اخرى يظير عامل رئيس اخر
وتصبح بقية العوامل ثانوية ,ومن ثم ينتج نمط حضري آخر وىكذا.
أ .النمو السكاني
لمتغير السكان اثره عمى تشكيل المدينة اذ ترتبط خصوصية المدينة ومساحتيا بعدد سكانيا
وتوزيعيم وكثافتيم وانشطتيم االقتصادية .والمدينة العربية شيدت ارتفاع في معدالت النمو
94
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
السكاني بفعل عاممي اليجرة والزيادة الطبيعية لمسكان .واليجرة التي شيدتيا ىذه المدينة لم
يقتصر عمى سكانيا الوطنين فحسب وانما ارتبط ذلك بعامل اليجرة االجنبية نتيجة السيطرة
االستعمارية لفترات زمية متباينة في مدن المغرب العربي مقارنة بمدن المشرق العربي.
95
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
الصحي والثقافي مما ترتب عميو ظيور زيادة في النمو الطبيعي لمسكان .وقد اقترنت ىذه الزيادة
بحركة ىجرة من الريف الى المدينة بسبب التفاوت التنموي لصالح االخيرة ،لذلك اعتمدت معظم
ىذه المدن سياسات اسكانية عاجمة بأستيرادىا النماط جاىزة غربية في عموميا ( )12وفييا اصبحت
المجتمعات التقميدية فاقدة لمتوازن نتيجة االدخاالت التقنية والثقافية والعصرنة .فعمى سبيل المثال،
ان العواصم القديمة مثل بغداد والقاىرة ودمشق تطورت واتسعت بعممية اضافة الجديد الى القديم
فنتج عنيا انقسام في تركيب المدينة ( ،)13وىذا لم يحدث في مدن حديثة العيد في الوطن العربي،
كالكويت ومعظم مدن الخميج الحديثة التي لم تنشأ الى جوار مدن قديمة عريقة بل اقيمت حديثا
عمى رمال الصحراء.
96
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
مساحة االجزاء الحديثة التي تعود لممرحمة المعاصرة عمى ثمانية اضعاف مساحة المدينة عام
.)15(1956وضمن مسارات التطور بزحف مركز المدينة مستحوذا عمى استعماالت االرض
السكنية ,حيث تحل االستعماالت التجارية والخدمية محل االستعمال السكني مع ما يترتب عمى
ذلك من ازدواجية الصفة ,اذ يتكون من جزئين غير متنافسين ,وربما متكاممين ,االول تقميدي
والثاني معاصر بحكم تخصص كل منيما في البنية الوظيفية و المعمارية و بما يساىم في
التشكيل النيائي لممدينة.
97
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
الحاجة الى توفير المرافق و اليياكل االساسية الحديثة التي تنتيي بالشكل العمراني والحضري
لممدينة.
ان مواصمة العالم العربي في استيراد اشكال وانماط حديثة وغربية بأفكار وتصاميم مغايرة
ومختمفة ,قد اوجد تكويناً ىيكمياً وانماط حضرية متنوعة بين الحديث والقديم .فالنمط الحضري
()16
الحديث اصبح يتميز
– 1الفضاءات المفتوحة الواسعة نتيجة التكوين العالم لمحي السكني الحديث بسبب دخول السيارة,
باالضافة الى الفضاءات المفتوحة المتروكة في مقدمة الوحدات السكنية وحوليا كالحدائق,
تعد من الخصائص المميزة لمحديث عن القديم.
– 2ان عدم التوازن المتكون بين الفضاءات واالبنية تكون نتيجة سعة الفضاءات المفتوحة
بالقياس مع حجم وكتل المباني و نسبيا ,ىذه الخاصية تعطي بصريا الفصل القوي بين كتل
المباني والضعف في التماسك اوالربط بين الوحدات السكنية ,لذلك فأن الوحدة والتكامل بين
الدور والمساحات المفتوحة المحيطة ,غير موجود بشكل واضح عمى صعيد المستوى العام
لمحي.
– 3ان احد اىم القيم السائدة ضمن الحي الحديث ىو النسق الواحد المتكرر عمى الرغم من ان
كل حي قد يتضمن اكثر من انموذج تصميمي ,لكنو لم يكن كافيًا لمتنوع الجمالي المطموب ,
وتسوء الحالة بأتجاه الرتابة و الممل وبخاصة عند تكرار االنموذج نفسو عمى جانبين متقابمين
في شارع ما.
ان تممك العناصر الجمالية التي نحس بيا ضمن النمط الحضري القديم التقميدي اعتمدت
االبيار الدراماتيكي المعتمد عمى التغير المفاجئ في عناصر الفضاء وىيئة البناية ,ىذه العناصر
مفقودة في النسيج الحديث لالحياء او انيا غير مميزة بتمك الدرجة من الوضوح ,لكون الفضاءات
المفتوحة واسعة تطمبيا وجود السيارات وسعة الحدائق الخضراء المحيطة بالوحدات السكنية ,مما
ادى الى عدم توازن في التعبير المطموب واالنتقال بين كتل المباني والفضاءات المحيطة بيا.
ومن الناحية المناخية فانيا تحتاج الى كثير من الدراسة ضمن االحياء الحديثة التي اخفقت في
حل كثير من الجوانب التي التتالئم و الظروف المناخية المحمية (.)17
اضافة الى كل ىذه المتغيرات الجوىرية في النسيج الحضري لممدن العربية ,فانيا عرفت ايضا
ظاىرة خطيرة اثرت وما تزال تؤثر في مورفولوجبة المدينة العربية ,وىي ظاىرة التجاوزات عمى
استعماالت االرض حيث أصبحت ظاىرة واضحة في المدينة العربية ,اذ نجدىا تشكل حزاما حول
()18
,وتحيط بكل من دمشق و حمب من جيتيا الغربية ,في حين انيا المدن الكبيرة مثل بغداد
98
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
تتوغل في داخل النسيج الحضري القائم في مدن تونس و الجزائر و كذلك في مدن مصر و
()19
. المغرب
و مع تطور المدينة برزت ظاىرة جديدة اخرى اثرت عمى البنية االجتماعية لممدينة وىي
ظيور أحياء سكينة قائمة عمى اساس اقتصادي بدالً من التوزيع السكاني الذي كان سائداً ,حيث
تم توزيع المساكن او قطع االراضي عمى السكان وفق متغيرات المينة او الوظيفة ,مما اوجد
بيئات سكنية نمطية معماريًا واجتماعيًا االمر الذي اشاع ظاىرة االغتراب ومن ىنا ,يمكن تفسير
تنافر او عدم تكامل االحياء الحديثة عموماً الفتقادىا التماسك العضوي بين مكوناتيا .ان ذلك
يعني ان العضوية في التخطيط كانت اكثر توفيقاً قي تمبية تطمعات مجتمع المدينة من النمطية في
التخطيط الذي تعتمده مدننا ,وىو في جوىره مظير غريب عن مسار تطورىا وعن مجتمعيا.
لقد ارتكزت المدينة العربية االسالمية في صيرورتيا عمى البنية االجتماعية التي تتسم
باالقتراب وما ينطوي عميو من ألفو ( . )20وكانت ىذه البنية ،التي ىي عبارة عن نسيج متماسك ،قد
نتجت عن طبيعة التطور العضوي الذي تتسم بو المدينة العربية االسالمية ،وىو تطور تراكمي
انطمق من الداخل الى الخارج عمى اساس المورفولوجيا االجتماعية ( .) Social Morphology
Functional ( فيما تقوم البنية غير العضوية عمى اساس التنطيق الوظيفي
) Zoningفاالول يستند عمى العالقات االنسانية في حين يقوم الثاني عمى اساس العالقات
الوظيفية وشتان بين االثنين .فالعالقات االنسانية تقود الى بنية حضرية اجتماعية متماسكة تتميز
بالحيوية ،حيث تزداد نسبة ارتياد الفضاءات الحضرية ومن ثم الحضور االجتماعي الذي يعني
األمان والطمأنينة .اما ارجحية العالقات الوظيفية فأنيا تذىب الى التفاصيل وقيام المناطق
الوظيفية (مناطق سكنية ،صناعية ،تجارية ........الخ) .وىذا يعني سموك اجرائي في اوقات
معينة من قبل االنسان في عممية تنظيمية الحتواء الفعاليات والنشاطات المختمفة بحسب متطمباتيا
المكانية .االمر الذي يقمل من نسبة ارتياد ىذه المناطق ومن ثم انحسار التالقي وغياب الحضور
االجتماعي ،التي توحي لمفرد بالعزلة وفقدان أالمان ،ولذلك ال يتحقق التفاعل االجتماعي الذي ىو
اساس االندماج واالنخراط في الحياة االجتماعية المشتركة .ومعموم انو كمما ازدادت عزلة الفرد
ادى ذلك ألصابتو باالغتراب والسمبية .وىذا يعود بنسبة كبيرة منو الى عدم االطالع ومعرفة
واضعي المخططات االساسية ليذه المدن لمبيئة ميدانيا ،وىم عمى االغمب من االجانب في دراسة
خصوصية المنطقة والحاجة الفعمية لمسكان بيدف ايجاد مدن تنتمي الى واقعنا وظروفنا.
االستنت ــاج
99
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
الواقع ،ليس بوسع المراقب المتأمل لطبيعة التغيرات التي طالت االطار العمراني سوى الخروج
بنتيجة واحدة انيا قامت عمى اساس "الحتمية اليندسية" التي تعني ىيمنة اليندسي عمى المكاني.
ان الحتمية اليندسية تعد اطرىا العمرانية معطاة مسبقا" ،وما عمى االنسان سوى االنضواء تحتيا
والتكيف لفضاءاتيا الحضرية ،بمعنى آخر تجعل الحتمية اليندسية لالنسان كائناً سمبياً النيا تسمبو
خياراتو كميا .انو نمط يتسم بالطابع القسري حيث الرتابة والنمطية والتنطيق الوظيفي الذي يفرز
اجواء معمارية وتخطيطية ال تنسجم وعضوية النسيج االجتماعي لساكني المدن ،الذي جاؤا بتقميد
وقيم اجمتاعية التتوفر عناصر ادائيا في النماذج الغربية ،وانو مستمر التأثير ما لم تبذل جيود
العادة تفيم اكثر لطبيعة ما يجب ان يكون عميو تخطيط المدينة العربية .اذ ينبغي عمى المخطط
االساسي ان يستوعب الواقع متوجيا" لتنظيمو مستقبال" ،عمى ان يبرمج ىذا المستقبل انطالقاً من
مؤثرات النمو السكاني والصيغ المطموبة لتعديل توزيعيم وانشطتيم بما يضمن تنظيم وتطوير
الحياة االجتماعية باالستناد الى موازنة استعماالت االرض وانظمة الطرق والسكن والخدمات
المجتمعية والتحتية باستيعاب المتغير االقميمي لممدينة.
ان ذلك يعني ان عمى المخططات االساسية لممدينة العربية المعاصرة ان تمتمك حداً معيناً من
العضوية الالمركزية التي تستند الى استيعاب مجتمعيا ،أي مستوعبة لمنطمقات االنسان العربي
المعاصر المادية والمعنوية والعممية بما يقمل من غربتو المتزايدة في احياء المدينة .وبذلك تحتاج
المدينة العربية الى مخططات اساسية وممارسات تخطيطية تستند الى استيعاب واقع الحال وعوامل
تشكيمو وتحديد التوجيات المطموبة اجتماعياً وعمرانياً االمر الذي يتطمب ان تكون ىذه المخططات
معربة قدر المستطاع .
والممارسات شاممة مرنة ومعتمدة عمى معايير ّ
100
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
101
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
102
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
103
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
104
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
105
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
106
مجلة المخطط والتنمية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العذد (2006 )15
107