Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 160

‫العقيدة العسكرية‬

‫الخصائص والتكوين‬
‫‪1444‬هـ ‪2023 /‬م‬

‫اآلراء التي يتض َ ّمنها هذا الكتاب ال تع ِبّر بالضرورة‬


‫عن وجهة نظر مركز الخطابي للدراسات‬
‫العقيدة العسكرية‬
‫الخصائص والتكوين‬

‫تأليف‬
‫أحمد خليل‬

‫‪1444‬هـ ‪2023 /‬م‬


‫ملخص‬
‫إن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ِه َي مجموعة األفكار التي ثبتت صحتها وجرى اعتامدها بِشَ كْلٍ‬
‫رسمي‪ ،‬لتصبح عبارة عن إرشادات وأدلة وأساسيات ينطلق منها ال َجيش لخوض الحرب‪.‬‬

‫إنها مزيج بني العلم والفن‪ ،‬بني املعرفة واإلبداع‪ ،‬بني دروس املايض ورصاع الحارض‬
‫وفرص املستقبل‪ ،‬وألنها كذلك؛ فال ميكن تطبيقها حرفياً‪ ،‬كام ال يصح إطالق يد املجتهدين‬
‫فيها‪ .‬إنها تواكب التغريات يف الحرب ‪-‬والحرب من طبعها التقلب والتبدل‪ -‬لكنها يف املقابل‬
‫تحافظ عىل ثباتها نسبياً‪ ،‬بل إن إقامتها تقتيض املزج بني االنضباط والحكمة‪َ ،‬و ِه َي من جهة‬
‫أخرى ترشد الخطط والتدابري ال َعسكَ ِريَّة وليست بديالً َعنْ َها‪.‬‬

‫تقدم العقيدة ال َعسكَ ِر َّية للقوات امل ُ َسلَّ َحة منطلقاً مشرتكاً لفهم طبيعة الرصاع الحايل‪،‬‬
‫وتصنع لغ ًة موحد ًة تس ِّهل َع َملِ َّية التواصل واإلرشاد والتوجيه‪ ،‬كام أنها تضع بني أيدينا دليالً‬
‫واضحاً الستخدام القوة بطريقة صحيحة‪ ،‬وإن َه ِذ ِه الخصائص لتعزز فاعلية األفراد وتساعدهم‬
‫عىل اإلبداع واملبادرة‪.‬‬

‫لن تكون العقيدة صحيحة دون استقصاء شامل ملجموعة من املدخالت املتغرية عىل مستوى‬
‫البيئة الخارجية والداخلية‪ ،‬إنها ترتكز أساساً عىل تحليل عميق لطبائع األعداء والتهديدات‬
‫املتوقعة‪ ،‬وطبيعة التضاريس واملناخ والتوزع السكاين والدميغرايف‪ ،‬والتقدم التكنولوجي‪ ،‬وتوزع‬
‫البنى التحتية والثقافة املحلية‪ .‬إضافة إىل النظر يف عوامل داخلية أخرى‪ ،‬مثل الرتاث التاريخي‬
‫والسيَ َاسة الحكومية وطبيعة ال ُق َّوات‬
‫لألمة واملعتقدات الدينية والنظريات العلمية الحديثة ِّ‬
‫الصديقة والحليفة‪َ .‬فك ُّل َه َذا لَهُ أث ٌر مبارش يف طريقة خوض الحرب‪.‬‬

‫ميكن تقسيم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة إىل ثالثة عنارص‪ :‬األساسيات‪ ،‬الفروع الرئيسية ثُ َّم الفروع‬
‫الثانوية‪ ،‬وتحصل صياغة العقيدة باإلجابة عن األسئلة املتعلقة ِبك ُِّل عنرص من َه ِذ ِه العنارص‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

Abstract
The military doctrine is a set of proven-right ideas and officially authorized,
so they had been guidance and foundations, an army to follow to fight.
It is a mixture of science and art, knowledge and creation, past lessons current
conflict, and future opportunities. since it cannot be literally applied, and to the
same extent individual ideas cannot be allowed to apply. It keeps up with changes
in warfare -warfare is a changeable characterized- but in turn, it stays relatively
stead, moreover to conduct it you need both discipline and wisdom. On the other
hand, it guides the military plans but does not replace them.
The military doctrine provides a joint starting point to understand the nature
of current conflict and make a unified language, that makes communication
guidance and direction. Moreover, it offers us a clear manual to use power
correctly, since these properties could reinforce the individuals and help the to go
initiative and creative.
The military doctrine would not be correct unless it depends on throughout
investigation of some variable inputs on the internal and external levels, it
essentially relies on a deep analysis of the enemy's characters, anticipated threats,
the nature of the terrain, the weather and demographic distribution, technology
progress, and infrastructure and local culture. As well as studying other local
factors, such as the historical heritage of the nation, religious beliefs, modern
scientific theories, governmental policy, and the nature of friend and allied forces.
Since that, all have an immediate impact on the way warfare may be fought.
The military doctrine could be divided into three elements: essentials, the
main branches, then the secondary branches, and the form of military doctrine
could be gotten by answering the questions of every element of these

6
‫قد ة‬

‫م م‬

‫والسالم عىل‬
‫والصالة َّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد لله رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫أرش األنبياء واملرسلني‪ ،‬محمد وله وصحبه أجمعني‪ ،‬وبعد‪...‬‬
‫العديد من الندوات الحوارية حول مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬ ‫نظم مركز الخطا‬
‫وخصائصها‪ ،‬فاتضح أن ا راء حول َه َذا املفهوم كانت متباينة جداً إىل درجة يصعب التوفيق‬
‫بينها‪ ،‬أو متداخلة ومتشابكة َحتَّى أنك تعجز عن ييز خصائصها وفروعها‪ .‬والحقيقة أن َه ِذ ِه‬
‫الندوات رغم أنها ل َْم تقدم يل إجابة شافية‪ ،‬إال أنها شحذت عزميتي وشجعتني عىل ال َب ْح أك‬
‫ف ك ‪ ،‬ودفعتني إىل التعمق يف أغوار َه َذا املوضوع‪ ،‬ودراسته من مختل جوانبه‪ ،‬فاتجهت إىل‬
‫املكتبة العربية ثُ َّم األجنبية‪ ،‬وجمعت َما فيها من دراسات سابقة يف َه َذا الباب‪ ،‬ليكون َه َذا الكتاب‬
‫رة جهو ٍد طويلة ومضنية من البَ ْح واالستقراء والتحليل والنقد‪.‬‬

‫تكمن أهمية َه َذا البَ ْح يف كونه يقدم مرجعاً علمياً لألمة اإلسالمية يتناول موضوعاً‬
‫حساساً جداً‪ ،‬موضوعاً أصبح دندنة القوى الثَّ ْو ِريَّة الصاعدة‪ ،‬خاصة مع تنامي قوتهم ال َعسكَ ِريَّة‬
‫ومشابهتها يف كثري من الجوانب للجيو الحديثة‪ .‬لقد أصبحت الحاجة ملح ًة العتامد عقيدة‬
‫عسكرية يف الجبهات الثَّ ْو ِريَّة املتقدمة‪ ،‬مثل سوريا وغزة وأفغانستان‪ ،‬ألن وجودها سيك ِّون منهجاً‬
‫مشرتكاً‪ ،‬ولغة موحدة بني ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وفهامً منضبطاً لطبيعة الرصاع‪ ،‬ومن خاللها‬
‫ستتمكن ال ِقيَا َدة ال َعسكَ ِريَّة من توجيه ال ُق َوات‪ِ ،‬م َّام سيعزز فاعلية الجنود والقادة ويشجعهم عىل‬
‫املبادرة‪.‬‬

‫يكاد يكون َه َذا الكتاب املرجع العر الوحيد ا َّل ِذ يحدد مفهوماً واضحاً ومنضبطاً‬
‫للعقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬فريفع َع ْن َها االلتباس واإلبهام والغموض الَّ ِذ أحاط ِب َها‪ ،‬ويقدم و جاً‬

‫‪7‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫عملياً قابالً للتطبيق‪ ،‬تنطلق منه القوى الثَّ ْو ِر َّية لفهم َه َذا املصطلح أوالً‪ ،‬وتدريسه وتعليمه‬
‫ثانياً‪ ،‬وصياغة عقائدها ال َعسكَ ِريَّة ثالثاً‪َ ،‬و ُه َو األثر األهم الَّ ِذ نسعى إليه‪.‬‬

‫بالعودة لألبحاث السابقة‪ ،‬وجدت أن معظم الكتب العربية التي تناولت العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬
‫لَ ْم تشمل ك ُّل جوانبها‪ ،‬وكانت مقترصة عىل استنتاج العقيدة ال َعسكَ ِريَّة من الدين اإلسالمي‪َ ،‬فه َِي‬
‫أقرب َما تكون للعقيدة الدينية منها للعسكرية‪ ،‬كام أنها تخلط أحياناً بني العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫وفقه الجهاد‪ ،‬إ تضع أحكام الفقه موضع االعتقاد‪ ،‬من َ لِكَ كتاب "العقيدة ال َعسكَ ِريَّة اإلسالمية‪،‬‬
‫دراسة ومنهج ومقارنة ‪ ،‬ألحمد حسن‪ ،‬وما ورد عن العقيدة يف كتاب "ال َعسكَ ِر َّية العربية‬
‫اإلسالمية ملحمود شيت خطاب‪ ،‬وكتاب نظرية اإلسالم يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة" ملحمد جامل‬
‫الدين محفو ‪...‬إل‬

‫املحاوالت املحمودة قد حاولت اإلحاطة ِب َه َذا املفهوم‬ ‫لكن الجدير بالذكر أنني وجدت بع‬
‫بدقة‪ ،‬مثل كتاب مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وحكمها ومصادرها" لرفيق أبو هاين‪ ،‬ورغم أن‬
‫صاحب الكتاب أحسن يف تحديد مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة يف بداية مصنفه‪ ،‬لكنه بعد َ لِكَ لَ ْم‬
‫يوفق يف كر مصادرها وخصائصها ِألَنَّهُ اقترص أيضاً عىل االستنتاج الديني‪ ،‬دون العودة إىل‬
‫املصادر األخرى مثل التاري والجغرافيا والتكنلوجيا والدميغرافيا وغريها من العوامل امل ثرة‬
‫يف تكوين العقيدة العسكرية‪.‬‬

‫و ُهنَا َ أيضاً محاولة جادة أخرى ينبغي كرها ُهنَا‪َ ،‬و ِه َي لطارق محمود شكر يف كتابه‬
‫العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وتطوراتها"‪ ،‬فقد أحسن ِعنْدَ َما تحدث عن منطلقات العقيدة املتنوعة ب بعادها‬
‫التاريخية والجغرافية والدميغرافية‪ ،‬وكَ َذلِكَ ِعنْدَ َما نبَّه أن العقيدة ت ثر عىل العديد من‬
‫املجاالت الفرعية مثل التسليح والتنظيم والتدريب‪ ،‬لكنه رغم َ لِكَ ل َْم يش ِ الغليل يف تحديد‬
‫مفهوم واضح للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬بل اكتفى باعتامد املفهوم األَ ْم ِريْ ِ ّ دون مناقشة أو نقد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫قد ة‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬وقفت عىل كثري من املصادر األجنبية املفيدة‪ ،‬من بينها وثائق العقيدة‬
‫وس َّية ال َّر ْس ِم َّية الحالية‪،‬‬
‫ال َعسكَ ِريَّة لالتحاد الرو ِ ّ ‪ ،‬لكنها وثائق مخترصة تع عن العقيدة الر ِ‬
‫وال تتناول مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة كموضوع مستقل بذاته‪ ،‬فلم تذكر َه ِذ ِه الوثائق املصاد َر‬
‫التي تُستمد منها العقائدُ ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬ول َْم توضح أهمية العقيدة ودورها يف الجيو ‪ ،‬كام لَ ْم تذكر‬
‫شيئاً عن صياغتها وتكوينها‪.‬‬

‫ومن املصادر األجنبية الجديرة باالهتامم كتاب العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬دليل مرجعي لبريت‬
‫تشا ان‪ ،‬فقد استقرأ معظم وثائق العقيدة ال َعسكَ ِر َّية األجنبية‪ ،‬ورتبها وفق مضمونها وتطوراتها‬
‫التاريخية‪ ،‬لكنه ل َْم يركز أبداً عىل تحديد مفهوم واضح للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬ول َْم يقدم لنا و جاً‬
‫ميكنِّنا من صياغتها أو تطويرها‪ ،‬كام ل َْم يتحدث عن منطلقاتها ومخرجاتها‪ ،‬وإ ا فقط تكلم‬
‫بالتفصيل عن امل سسات التي تصدرها‪.‬‬

‫إضافة إىل َ لِكَ ‪ ،‬كانت من َأفضل املصادر التي أفادتني يف َه َذا البَ ْح ِه َي وثائق العقيدة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة للجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ‪ ،‬وأهمها عىل اإلطالق دليل العقيدة األَ ْم ِريْ ِ ّ (‪ ، ADP 1-01‬فقد‬
‫تناول العقيدة ال َعسكَ ِر َّية كمفهوم مستقل‪ ،‬وحلل خصائصها وعنارصها‪ ،‬وأ هر ثارها‬
‫ومخرجاتها‪ ،‬وتحدث بِشَ كْلٍ خاص عن مكانتها يف الحرب‪ .‬لكنه يف الحقيقة ميثل انعكاساً لوجهة‬
‫ورة للجيو األخرى‪ ،‬خاصة إن‬ ‫النظر األمريكيَّة دون غريها‪ ،‬والتي قد ال تكون صالح ًة بال‬
‫كانت حديثة النش ة ومباين ًة يف ثقافتها للغرب‪ ،‬كام ُه َو حال القوى الثَّ ْو ِريَّة الصاعدة يف بالد‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫أما أهم األبحاث العميقة التي تناولت العقيد َة العسكرية بال َّ ِ والتَّحقيق‪ ،‬والنَّقد‬
‫فهم العقيدة العسكرية ‪ .‬إن هذا الكتاب ليعد مرجعاً ال غنى‬ ‫واملقارنة‪ ،‬فهو كتاب هارالد هاوبا‬
‫عنه لفهم هذا املصطلح‪ ،‬واإلحاطة بظرو نش ته وأركان كينونته‪ ،‬فقد بذل صاحبه جهداً عظيامً‬
‫يف جمع أقوال املختصني وه َّذبها ونقدها بطريقة علمية رصينة‪ ،‬ليصل إىل نتائج قيِّمة وفريدة‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫إال أن الكتاب فلسفي نوعاً ما‪ ،‬موجهٌ للمفكِّرين بشكل عام‪ ،‬وال يقدم و جاً عملياً وقالباً تطبيقياً‬
‫ميكن أن تنطلق منه الجيو لوضع عقائدها العسكرية الخاصة‪ ،‬وهو ما سيحاول بحثنا تداركه‪.‬‬

‫وبالعموم ف ن جميع املصادر التي وقفت َعلَ ْي َها تشكو العديدَ من الفجوات؛ أبرزها‬

‫‪ .1‬إهامل املراجع العلمية الحديثة االختصاصية‪ ،‬واالنطالق فقط من التفسريات الدينية‬


‫دون مراعاة امل ثرات األخرى‪ ،‬أو العكس اماً‪ :‬نقل املفاهيم الحديثة ‪-‬ومعظمها غر ‪ -‬دون‬
‫اعتبار خصوصيتنا ك مة مسلمة لَ َها معتقداتها الدينية وتجاربها التاريخية وطبيعتها الثقافية‬
‫الفريدة‪.‬‬
‫عني مفهوماً دقيقاً جامعاً مانعاً للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ِ ،‬م َّام أبقى شيئاً من‬
‫‪ .2‬معظمها ل َْم يُ ِّ‬
‫االلتباس والغموض لدى الق َّراء‪ ،‬ول َْم يذكر بالتحديد املنطلقات التي تُستمد منها َه ِذ ِه العقيدة‪،‬‬
‫والعنارص التي تتكون منها بالتحديد‪.‬‬
‫‪ .3‬ل َْم تقدم طريقة َع َملِيَّة ميكن االستفادة منها لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬خاصة للقوة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة الناشئة‪ ،‬ول َْم تعطنا و جاً تطبيقياً محدداً ميكن االنطالق منه‪.‬‬
‫التنبيه أنني لَ ْم أق عىل الرتاث‬ ‫وقبل أن نتجاوز الحدي عن الكتابات السابقة‪ ،‬يجدر‬
‫الدول القوية التي لك تاريخاً عسكرياً مهامً يف املايض والحارض‪ ،‬مثل الصني‬ ‫العلمي لبع‬
‫أو اليابان مثالً‪ ،‬فقد اكتفيت باملصادر العربية والر ِ‬
‫وسيَّة والغربية ‪-‬دون غريها‪ -‬ألنها يف متناول‬
‫َ‬
‫الوصول إىل غريها‪ .‬وكان عىل رأس املصادر الغربية؛ الوثائق‬ ‫يد ‪ ،‬ول َْم تسعفني قدر ولُغتي‬
‫األمريك َّية‪ ،‬فالواليات املتحدة ِه َي املنتج األول يف العا لكتب العقائد ال َعسكَ ِر َّية‪.‬‬

‫من َه َذا البَ ْح ٍ ُه َو تاليف الفجوات التي سبق كرها يف األبحاث السالفة‪،‬‬ ‫إن الهد األسا‬
‫إنني أريد تحديد مفهوم واضح للعقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬وتبيان خصائصها ومميزاتها ودورها يف‬
‫و ج عم ميكِّن القوى الثَّ ْو ِريَّة الصاعدة من صياغة‬ ‫الحروب املعارصة‪ ،‬كام أسعى إىل اقرتا‬
‫عقائدها الخاصة ِب َها‪ ،‬و َ لِكَ ع اإلجابة عىل اإلشكالية الرئيسية التالية‪:‬‬
‫‪10‬‬
‫قد ة‬

‫يف الواقع املتغري للساحات الثَّ ْو ِريَّة‪ ،‬وبحكم طبيعة الحرب التي تعيشها‪َ ،‬ما‬
‫ِه َي الخطوات التي ميكن اتخا ها لكتابة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫ولتحديد خطوات واضحة للبح ‪ ،‬رأيت أن ُأقسم َه ِذ ِه اإلشكالية الرئيسية إىل أسئلة فرعية‬
‫تُشكل اإلجابة َعنْ َها مجتمع ًة إجاب ًة عن الس ال العام ا َّل ِذ انطلقنا منه‪:‬‬

‫‪َ .1‬ما العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬


‫‪َ .2‬ما خصائصها وفوائدها‬
‫‪َ .3‬ما املنطلقات التي تت ثر لَ َها‬
‫‪ .4‬كَ ْي َ ميكننا تكوينها‬
‫إن منهجية بحثي عن املصادر ِه َي "وثائقية" باألساس‪ ،‬وقد سبق الحدي َعنْ َها يف الدراسات‬
‫السابقة‪ ،‬لكنني استخدمت "املنهج التحلي " أثناء معالجة َه ِذ ِه املصادر للخروج منها بنظريات‬
‫علمية مفيدة‪ ،‬فبدأت أوالً باستقراء الحقائق العلمية يف بطون املراجع‪ ،‬ثُ َّم نقدها وتصويبها‪ ،‬ثُ َّم‬
‫جمعها وتركيبها لتشكيل الصورة النهائية للبح ‪ .‬وقد حرصت عىل تضييق الجوانب النظرية‬
‫والفلسفية عىل حساب التطبيقية وامليدانية‪ ،‬لكيال يطول الكتاب أو ُمي َّل‪ ،‬وألن الهد األساس‬
‫هو تقديم مدخلٍ عن هذا املفهوم وليس مناقشة تاريخه ومذاهب الناس فيه‪ .‬ميكن القول إ اً‬
‫إن منهجيتي تحليلية بالعموم؛ استُخدمت فيها أدوات مختلفة مثل االستقراء والنقد واملقارنة‬
‫والرتكيب‪.‬‬

‫يتكون البَ ْح من أربعة فصول؛ ميثل كُل فصل منها إجاب ًة عن إحدى اإلشكاليات الفرعية‪.‬‬
‫ففي الف َْصل األول؛ ُسقت عدة تعريفات للعقيدة من مصادر مختلفة‪ ،‬وناقشتُها ونقدتها ألخرج‬
‫وتحدثت يف الف َْصل الثاين عن خصائص العقائد‬
‫ُ‬ ‫فهوم معت َم ٍد يستمر معنا طيلة ال َب ْح ‪.‬‬
‫ال َعسكَ ِريَّة وثارها النافعة عىل ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬بينام تناولت يف الف َْصل الثال املنطلقات التي‬

‫‪11‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫تسند َعلَ ْي َها العقيدة وتنبثق منها‪ .‬وأخرياً‪َّ ،‬‬


‫بني الف َْصل الرابع العنارص التي تتكون منها العقيدة‪،‬‬
‫واقرت مجموعة من األسئلة تك ِّون اإلجابة َعنْ َها و جاً تطبيقياً لصياغة العقائد ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬

‫ويف الختام‪ ،‬أو ِّجه شكراً جزيالً للقادة العسكريني يف غرفة َع َملِ َّيات الفتح املبني‪ ،‬وللباحثني‬
‫واملختصني الَّ ِذ ساهموا يف إرساء َه ِذ ِه املفاهيم وإثارة األفكار التي صنعت َه َذا ال َب ْح ‪ ،‬فبعد‬
‫توفيق الله؛ لوال تِ ْلكَ النقاشات املوسعة معكم‪ ،‬ولوال مالحظاتكم النافعة ملا استطعت أن أصل إىل‬
‫َما وصلت إليه‪.‬‬

‫أحمد خليل‬
‫‪ 20‬شعبان ‪1444‬‬
‫‪ 12‬مارس ‪2023‬‬

‫‪12‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫م م‬

‫"تُع َّر ُ الفكر ُة املركزي ُة أل َجيش ب نها عقيدته‪ ،‬ول تكون َه ِذ ِه العقيدة‬
‫جِب أن تتص‬ ‫سليم ًة؛ ينبغي أن تستند إىل مباد الحرب‪ ،‬ولتكون ف َّعالة؛ يَ ُ‬
‫باملرونة ا يكفي لتتكي مع تغري الظرو ‪ .‬يف عالقتها النهائية بالفهم‬
‫الب ‪ ،‬ف ن َه ِذ ِه الفكرة املركزية أو العقيدة ليست سوى املنطق السليم أل‬
‫فعل يتكي مع الظرو ‪.‬‬
‫جون فولر – أسس علم الحرب)‬
‫إن العقائد ال َعسكَ ِريَّة موجودة منذ القدم‪ ،‬ش نها ش ن مختل أبواب العلم ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬إنها‬
‫متجذرة يف عمق التاري منذ أن بدأت الدول األوىل منذ ال السنني قبل امليالد بالتوسع عىل‬
‫ترتق إىل مستوى العلم املنظم‬
‫حساب الدول األخرى‪ ،‬لكنها كانت عبارة عن أفكار ومامرسات ل َْم ِ‬
‫إال يف مراحل مت خرة من عمر الب ية‪.‬‬

‫ميكن القول إن الج ال الصيني "صن تسو" ُه َو أول من كتب‬


‫يف الحرب وفنونها‪ ،‬وبالتايل يف العقائد ال َعسكَ ِريَّة قبل أن تتميز‬
‫عن سائر أبواب العلم ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬فكان كتابه "فن الحرب" الَّ ِذ‬
‫كتبه يف القرن السادس قبل امليالد َ‬
‫أول كراس عىل وجه األرض‬
‫تناول الحرب نظور علمي‪.‬‬

‫ثُ َّم تبعته العديد من املحاوالت وصوالً إىل املفكرين الَّ ِذي َن عاشوا يف القرن التاسع ع بعد‬
‫امليالد‪ ،‬مثل جوميني وكالوزفيتز وفولر‪ ،‬ومعظمهم ت ثروا بالنقلة النوعية التي أضافها نابليون‬
‫لفن الحرب خالل حروبه يف القارة األوروبية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫"عرفت اإلم اطورية الرومانية والبيزنطية‪ ،‬والعرب املسلمون أيضاً‪،‬‬


‫الكراسات العسكرية‪ .‬حي زخرت بقايا هذ الكراسات بشذرات من القواعد‬
‫املُستمدَّ ة من التجربة‪ ،‬والحيل الحربية‪ ،‬وال ِحكَم العسكرية‪ ،‬ومن الرتاث‬
‫التاريخي للحرب‪ .‬حتى أن بعضها يشابه اللوائح التنظيمية عناها العام وقد‬
‫صدرت عن أباطرة مثل أوغسطس وتراجان وهادريان ‪)1(.‬‬

‫هارالد هاوبا‬
‫لكن النهضة الحقيقية التي جعلت للحرب علو َمها املنظمة ومناه َجها العلمية؛ كانت َما بعد‬
‫ورة كتابة املناهج‬ ‫الحربني العامليتني األوىل والثانية‪ ،‬فبعد هاتني الحربني شعرت الدول ب‬
‫ال َعسكَ ِريَّة التي تنظم عملياتها وتكتيكاتها وأنشطتها الحربية‪ ،‬ومن ُهنَا أيضاً بدأت تظهر أوىل‬
‫رية‪)2(.‬‬
‫الكتابات الجادة يف العقائد ال َعسكَ ِ َّ‬

‫ثُ َّم جاءت الحرب الباردة‪ ،‬بطبيعة رصاع فريد من نوعه‪ ،‬بطريقة غري مبارشة يف الحرب‪،‬‬
‫َو ُه َو َما ك َّون تحدياً كبرياً أج الدول عىل إثراء رصيدها من العقائد ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬وخاصة االتحاد‬
‫السوفييتي والواليات املتحدة‪ ،‬ف ن التمردات وحروب االستقالل يف َه ِذ ِه الحقبة‪ ،‬وما تالها من‬
‫حرب غري نظامية ضد َما يسمونه اإلرهاب‪ ،‬صنع ك ُّل َ لِكَ أزم ًة مفاهيمية احتاجت إىل عقائد‬
‫ومباد عسكرية خاصة ِب َها‪.‬‬

‫و ج تطبيقي لصياغة العقيدة‬ ‫وألن الهد الرئي من َه ِذ ِه الورقة البحثية ُه َو اقرتا‬


‫ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬فال ينبغي أن أطيل الحدي عن نش ة العقائد‪ )3(،‬العقائد التي أصبحت أمراً واقعاً يف‬

‫‪(1) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach, Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 26.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بريت تشامبان‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة دليل مرجعي‪ ،‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬دار الكتب املرصية‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ ،2015‬ص ‪.17‬‬
‫)‪ (3‬ملزيد من االطالع حول نشأة العقائد العسكرية انظر‪:‬‬
‫‪Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, Routledge, London–New York, 2013, p25 (A history‬‬
‫‪of military doctrine).‬‬

‫‪14‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫األدبيات الغربية وال قية‪ ،‬لكنها يف املقابل الزالت مصطلحاً غامضاً تكاد ال تجد أ تقارب بني‬
‫التعريفات التي ُوضعت لَهُ ‪.‬‬

‫يف َه َذا الف َْصل؛ سنورد َأ َهم تعريفات العقيدة ال َعسكَ ِر َّية املنت ة واملعتمدة يف املراجع‬
‫السابقة التي تناولت َه َذا املوضوع‪ ،‬ثُ َّم سنحاول تحرير محل الخال ومناقشة َه ِذ ِه التعاري ‪،‬‬
‫َو ُه َو َما سيقودنا إىل استنتاج مفهوم منضبط سريتكز َعلَيْ ِه البَ ْح ‪ .‬ليكون لدينا يف الف َْصل‬
‫مبحثان رئيسيان‬

‫• املَبْ َح األول‪ :‬املفهوم اللغو ‪.‬‬


‫• املَبْ َح الثاين‪ :‬املفهوم االصطالحي‪.‬‬
‫• امل َ ْب َح الثال ‪ :‬العقيدة يف الفكر ال َعسكَ ِر ّ ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬

‫ء أن مصطلح "العقيدة ال َعسكَ ِر َّية" ليس مصطلحاً عربياً أصيالً‬ ‫جِب أن نعر قبل ك ُّل‬
‫َي ُ‬
‫دخيل عىل‬
‫يف اللغة الفصحى‪ ،‬إ ل َْم يكن سائداً أبداً يف اللغة العربية قبل القرن الع ين‪َ ،‬و ُه َو ٌ‬
‫العرب‪ ،‬ت ّب إليهم من الرتاث الغر ا َّل ِذ ت ثرنا ِب ِه خالل حقبة االستعامر وما بعدها‪ ،‬ولهذا‬
‫ف ننا نجد بحثنا ملعنى َه َذا املفهوم يف اللغة العربية ليس إال رضباً من العب وضياع الجهد‪،‬‬
‫بقوم ال ينتسب لهم أصالً‪.‬‬
‫وك ننا نريد أن نع ِّر رجالً ٍ‬

‫إننا إ ا أردنا أن نعطي لِ َه ِذ ِه الكلمة ح َّقها من التعري اللغو ‪ ،‬فال َمناص من العودة إىل‬
‫اللغة األم واملفردة األصل التي ُع ِّرب منها َو ِه َي‪."Military doctrine" :‬‬

‫هرت كلمة ‪ "doctrine‬اإلنجليزية أواخر القرن الرابع ع ‪َ ،‬و ِه َي من كلمة"‪"doctrine‬‬


‫الفرنسية القدمية تعود للقرن ‪ ، 12‬والتي ترجع بدورها إىل كلمة ‪ doctrine‬الالتينية التي‬
‫تطورت من كلمة ‪ doctor‬وتعني العا أو املعلم‪ .‬والعقيدة ‪ doctrine‬لدى الغرب ِه َي‬
‫مجموعة املباد والتعاليم التي يضعها عال ٌم َما‪ ،‬فتلقى قبوالً لدى مجموعة من الناس‪ ،‬وتصبح‬
‫راسخ ًة فيهم مع الزمن‪ ،‬فيتم تدريسها ونقلها وتلقينها عىل أنها صحيحة وصالحة للتطبيق‪1 .‬‬

‫من َه َذا املنطلق ف ن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ‪ Military doctrine‬يف اللغة‬


‫اإلنجليزية والفرنسية والالتينية تعني التعاليم واألسس التي يضعها العلامء‬
‫العسكريون حول خوض الحرب بطريقة صحيحة‪ ،‬ويتم تدريسها وتلقينها‬
‫لعنارص ال َجيش‪2 .‬‬

‫ة‬ ‫)‪ (1‬انظر‪ :‬امو ‪ ،Collins‬دار اربركولي ز‪ ، 1979 ،‬ص ‪ ،404-402‬و امو ‪ Ellinois‬ال ادر ن جامعة لي و‬
‫‪ ، 2009‬ص ‪.506‬‬
‫)‪ (2‬ال قيقة ال يوجد ر د ي ب م و الكلمة الل ة األ مية وم وم ا الل ة العربية‪ ،‬العقيدة ِ َد العر ي ا‬
‫ي األ كار التي بل ت درجة من ا حكا وال ز ما جعل القلب يعقد لي ا انظر مع العقيدة‪ :‬املع الو ي ‪ ،‬تألي ‪ :‬م م‬
‫الل ة العربية بالقا رة‪ ،‬دار الد وة‪.614/2 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫ُهنَا َ تداخل كبري يف مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِر َّية بني األدبيات ال قية والغربية عىل حد‬
‫رتاتِي ِج َّيات واملذاهب‪ ،‬بل إنك عىل‬
‫سواء‪َ ،‬حتَّى أنك أحياناً ال تجد فارقاً دقيقاً بني العقائد واإل ِْس ِ َ‬
‫مستوى م سسات الدولة الواحدة قد ال تجد اتفاقاً عىل تعري العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬فعىل سبيل‬
‫املثال أثناء اطالعي عىل العقائد ال َعسكَ ِر َّية األمريك َّية‪ ،‬وجد ُت أن ُه َنا َ فروقاً مفاهيمية دقيقة‬
‫يف تعري َه َذا املصطلح بني َجيش ال ّ األَ ْم ِر ْي ِ ّ وسال الجو وفيلق املارينز ومركز راند؛‬
‫وكلها م سسات تابعة لوزارة الدفاع األمريك َّية‪.‬‬

‫ثُ َّم إن املستويات التي تشملها العقيدة عندهم تكاد ال تُفلت طرفاً من الحرب‪ ،‬إ ُيد ِخ ُل‬
‫جوانب إسرتاتيجية وعملياتية وتكتيكية‪َ ،‬و ُه َو‬
‫َ‬ ‫بعضهم الغربيون خاصة يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫َما يضيق هوامش الفرق بني َه ِذ ِه املفاهيم إىل درجة يصعب التمييز بينها‪ ،‬بينام يحرص البع‬
‫ا خر العقيدة ال َعسكَ ِر َّية يف ا راء ال َّر ْس ِم َّية للدولة الروس خاصة ‪.‬‬

‫وه الء ‪-‬الَّ ِذي َن ع َّرفوا العقيدة فتوسعوا أو ضيقوا فيها‪ -‬أفضل من الَّ ِذي َن اتخذوا العقيدة‬
‫مادة إعالمية ودعائية ال تَعدُ و أن تكون كالماً فارغاً بعيداً عن العلم والرصانة‪ 1 ،‬مثل كثري من‬
‫جيوشنا العربية التي تثني عىل عقيدتها ال َعسكَ ِر َّية صبا مساء‪ ،‬ثُ َّم ال تجدُ لَ َها كتاباً أو مصنَّفاً‬
‫واحداً يُع ِّر َه ِذ ِه العقيدة أو يذكر ‪-‬عىل األقل‪ -‬مثاالً َعنْ َها‪.‬‬

‫***********‬

‫ا امل و بطبيعت العلمية ال دي ة‬ ‫تستط ن ت‬ ‫(‪ )1‬معظ امل اوالت التي ت اولت العقيدة العسكرية العا العر‬
‫طأ اد دما رصت م و العقيدة العسكرية الرو املع وية‬ ‫ات ال ائ الشاملة‪ ،‬بل ت اولت بسط ية‪ ،‬وو عت‬
‫و العقيدة الدي ية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ك مثلة عن َه َذا املفهوم يف العقلية الغربية؛ ع َّر الناتو العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أنها‪" :‬املباد‬
‫األَ َس ِاسيَّة التي تسرتشد ِب َها ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة يف أعاملها لتحقيق األهدا ‪ .‬إنها جازمة‪ ،‬ولكنها‬
‫تتطلب اجتهاداً يف التطبيق"‪ .‬وقد استُخ ِد َم َه َذا التعري من ِق َبلِ العديد من الدول األعضاء‬
‫دون تغيري وعىل رأسهم بريطانيا‪)1(.‬‬

‫بينام نجد أن ال َجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ عر العقيدة أنها‪" :‬املباد األَ َس ِاسيَّة‪ ،‬مع التكتيكات الداعمة‬
‫والتقنيات واإلجراءات واملصطلحات والرموز املستخدمة يف إدارة ال َع َملِ َّيات‪ ،‬والتي ُثل دليالً‬
‫للقوات العاملة خال تنفيذها للعمليات لتحقيق األهدا الوطنية ‪)2(.‬‬

‫أما بالنسبة للجيش الكند ف ن العقيدة ال َعسكَ ِر َّية ِه َي‪" :‬تعبري رسمي عن املعرفة والفكر‬
‫العسكريني‪ ،‬يقبله ال َجيش عىل أنه و صلة بوقت معني‪ ،‬ويغطي طبيعة الرصاع‪ ،‬وإعداد ال َجيش‬
‫للرصاع‪ ،‬وطريقة االنخراط فيه لتحقيق النجا ‪ ...‬إنها توجيهية وليست صارمة‪ ،‬وتتطلب‬
‫اجتهاداً يف التطبيق‪َ .‬و ِه َي ال تقدم قا ة مرجعية باإلجراءات‪ ،‬بل ِه َي باألحرى دليل موثوق‬
‫يص كَ ْي َ يفكر ال َجيش يف القتال‪ ،‬وليس كَ ْي َ يقاتل‪ .‬عىل َه َذا النحو إنها تحاول أن تكون‬
‫مجملة ا يكفي لتوجيه النشاط ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬لكنها متعددة االستخدامات ا يكفي الستيعاب‬
‫مجموعة واسعة من املواق ‪)3(.‬‬

‫وكمثال عن َه َذا املفهوم يف العقلية ال قية؛ تنظر روسيا للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة أنها‪" :‬إحدى‬
‫رتاتِيجِ ّي الرئيسية يف االتحاد الرو ِ ّ ‪ ،‬و ثل نظام وجهات النظر وا راء‬
‫وثائق التخطيط اإل ِْس ِ َ‬

‫‪(1) British Ministry of Defense, The Development, Concepts and Doctrine Centre (DCDC), Developing‬‬
‫‪Joint Doctrine Handbook (4th edition), 101.‬‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, SECTION II – TERMS.‬‬
‫‪(3) Canadian national defense, B-GL-300-001 / FP-001998 : iv – v.‬‬

‫‪18‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫املعتمد رسم ًيا يف الدولة بش ن التحضري للدفاع امل ُ َسلَّح‪ ،‬تنطلق من عدة أسس مثل‪ :‬القانون‬
‫الرو ِ ّ والقانون الدويل واملعاهدات الدولية‪ ،‬ويتم املصادقة َعلَ ْي َها من الرئيس‪ .‬تناقش املخاطر‬
‫والتهديدات املحتملة‪ ،‬وتحدد طبيعة النزاعات املُسلَّحة واألعداء املحتملني لروسيا"‪)1(.‬‬
‫َ َ‬

‫املنظرين العرب؛ يصفها اللِّواء محفو ب نها‬ ‫وكنمو ج عن مفهوم العقيدة لدى بع‬
‫والسيَ َاسة ال َعسكَ ِريَّة للدولة املع ة عن وجهات النظر ال َّر ْس ِميَّة لَ َها‪ ،‬واملتعلقة‬
‫"النظرية العلمية ِّ‬
‫باملسائل والقواعد األَ َس ِاسيَّة للرصاع امل ُ َسلَّح‪ ،‬واملتضمنة لطبيعة الحرب من وجهة نظرها‪ ،‬وطرق‬
‫إدارتها‪ ،‬واألسس الجوهرية إلعداد البالد‪ ،‬وال ُقوات امل ُسلَّحة لَها"‪)2(.‬‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫"السيَ َاسة ال َعسكَ ِريَّة العامة‪ ،‬التي‬


‫بينام يُعرفها العميد الركن الدكتور ياسني سويد ب نها‪ِّ :‬‬
‫تنتهجها دولة‪ ،‬أو أمة َما يف إطار املباد األَ َس ِاس َّية املتعلقة بش ون الحرب‪ ،‬وغاياتها‪ ،‬وطرق‬
‫إدارتها‪ ،‬وإعداد البالد لَها؛ بهد تحقيق غايات عقدية أو سياسية ‪)3(.‬‬
‫َ‬

‫********‬

‫)‪ (1‬انظر املو ال َّر ِمي لرئا ة رو يا‪)http://kremlin.ru/( :‬‬


‫رتاتِي ِ َّية ال َعس َك ِريَّة ا المية‪ ،‬دار اال ت ا ‪ ،‬الطبعة ال انية‪،‬‬
‫(‪ )2‬م مد ج ل الدين م و ‪ ،‬املد ل ىل العقيدة وا ِ ِ َ‬
‫‪ ،1980‬ص ‪.3‬‬
‫ول وم ادر ‪ ،‬كة املطبو ات لل والتو ي – بريوت – لب ان‪ ،‬الطبعة ال انية‬ ‫ويد‪ ،‬ال ن ال َعس َك ِر‬ ‫(‪ )3‬د‪ .‬يا‬
‫‪ ، 1990‬ص ‪.357‬‬

‫‪19‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫م‬

‫بالعودة إىل وجهات النظر املختلفة بني العقلية ال قية التي ميثلها الرأ الرو ِ ‪،‬‬
‫أراء املفكرين العرب؛ ميكننا‬ ‫والغر التي ميثلها الناتو والواليات املتحدة‪ ،‬ثُ َّم مقارنتها مع بع‬
‫الخروج بعدة استنتاجات‬

‫أوالً هور َه َذا املفهوم حدي ٌ يف العلم ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬وبطبيعة الحال ف ن املفكرين واملختصني‬
‫ل َْم يرسوا عىل بر ثابت يف تعريفه ودراسته‪ ،‬بل إن عدد تعريفات العقيدة ال َعسكَ ِريَّة قد يصل‬
‫إىل عدد من كتب فيها‪.‬‬

‫ثانياً‪َ :‬حتَّى ضمن الدولة الواحدة‪ ،‬قد نجد خالفاً كبرياً يف تعري العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬ولعل‬
‫َ لِكَ يعود باألساس إىل اختال وجهات النظر بني املفكرين العسكريني يف الدولة الواحدة‪،‬‬
‫والَّ ِذ يكون عاد ًة نتيج ًة الختالفهم يف املنطلقات والثقافات والتجارب التاريخية‪.‬‬

‫وإلن كان الخال واقعاً يف الدولة الواحدة؛ ف ن اتساع فجوته سيكون نتيج ًة طبيعي ًة‬
‫ومحتوم ًة إ ا خرجنا قليالً من دراسة العقائد يف دول ٍة معين ٍة إىل مقارنتها مع دولة أخرى‬
‫مختلفة‪ ،‬وإن َه َذا الخال سيتسع أك ف ك إ ا تناولنا املعتقدات ال َعسكَ ِريَّة بني ال ق والغرب‪.‬‬

‫التعريفات إىل توسيع مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬فتُدرج ضمنه ك ُّل َما‬ ‫ثالثاً‪ :‬تذهب بع‬
‫رتاتِيجِ يَّة أو ال َع َملِيَّات أو التكتيك‪،‬‬
‫ينتج عن امل سسة ال َعسكَ ِريَّة من وثائق معتمدة رسمياً يف اإل ِْس ِ َ‬
‫كام تلحق ِب ِه القوانني والقيم والرموز ال َعسكَ ِريَّة املعتمدة يف ال َجيش‪ ،‬و َه َذا ُه َو توجه العقلية‬
‫الغربية بالعموم وعىل رأسها األمريك َّية‪ ،‬ف ا قلت لهم َما ِه َي العقيدة ال َعسكَ ِر َّية عندكم ف نهم‬

‫‪20‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫سيقولون العقيدة عندنا ِه َي املباد واإلرشادات واألدلة األَ َس ِاس َّية التي تنطلق من الدروس‬
‫املستفادة تاريخياً وتُرشد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف خوض الحرب‪1(.‬‬

‫لكن يبقى الغموض محيطاً ِب َه َذا التعري ‪َ ،‬ف ُه َو تعري نظر ال يقدم شيئاً ملموساً‪،‬‬
‫ويدفعنا إىل الس ال مجدداً َأيْ َن َه ِذ ِه العقيدة فعالً‪َ ،‬أيْ َن َه ِذ ِه اإلرشادات واملباد والقيم والقوانني‬
‫التي تعت ونها عقيدتكم َأيْ َن َه ِذ ِه الدروس املستفادة التي تتحدثون َعنْ َها‬

‫و ِعنْدَ طر َه ِذ ِه األسئلة ستجدُ امل سس َة ال َعسكَ ِريَّ َة األمريك َّية تحيلك مبارشة إىل منشوراتها‬
‫ال َّر ْس ِميَّة املعتمدة من قبل وزارة الدفاع‪َ ،‬و ِه َي أدلة ووثائق كتبها‬
‫الخ اء األمريكيون واعتُ ِمدَ ت رسمياً من قبل ال َجيش‪ ،‬وتتناول‬
‫مواضيع متنوعة‪ ،‬مثل إسرتاتيجية األمن القومي‪ ،‬وأدبيات حرب‬
‫مكافحة التمرد‪ ،‬وأنواع التكتيكات‪ ،‬وقوانني حقوق اإلنسان يف‬
‫الحرب‪ ،‬ومباد وقيم الحرب‪ ،‬وما إىل َ لِكَ ‪ ،‬وقد قدَّ م "بريت‬
‫تشا ان" ملحة جيدة عن َه ِذ ِه الوثائق يف كتابه "العقيدة‬
‫ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬دليل مرجعي"‪ ،‬ميكنك العودة إليه‪.‬‬
‫إ اً‪ ،‬وبدقة أك من التعري ا َّل ِذ سبق كر ‪ ،‬إن العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬
‫األمريك َّية ‪-‬والغربية‪ِ -‬ه َي الوثائق ال َّر ْس ِم َّية املعتمدة من ِق َبل وزارة الدفاع‪ ،‬والتي‬
‫تُرشد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة للطريقة التي ينبغي ِب َها خوض الحرب‪.‬‬
‫رابعاً ميكننا قول نفس ال ء عن التعري الرو ِ ّ للعقيدة ال َعسكَ ِر َّية أيضاً‪ ،‬إن لَ ْم نقل‬
‫إن َ لِكَ يشمل املعسكر ال قي كامالً وليس الرو ِ ّ فحسب؛ إن تعريفهم للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫يحيطه الغموض أيضاً‪ ،‬ف ا قلنا لهم َأيْ َن عقيدتكم ال َعسكَ ِريَّة التي تتحدثون َعنْ َها ف نهم‬
‫سيحيلوننا إىل الوثائق ال َّر ْس ِم َّية التي تصدرها وزارة الدفاع أو قيادة الدولة‪ ،‬وكمثال عن َ لِكَ‬

‫)‪ (1‬انظر‪)USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-6. :‬‬

‫‪21‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫يصادق الرئيس الرو ِ ّ ك ُّل خمس سنوات تقريباً عىل وثيقة سيادية توضح اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِي ِج َّية‬
‫وس َّية ور يتها لطبيعة األعداء وتقييم املخاطر والتهديدات‪ ،‬ويعت معظم الروس أن َه ِذ ِه‬ ‫الر ِ‬
‫الوثيقة ‪-‬وما شابهها‪ِ -‬ه َي عقيدتهم ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬
‫وسيَّة ‪-‬إن ل َْم يكن ال قية‬ ‫إ اً‪ ،‬ميكن القول أيضاً إن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الر ِ‬
‫ككل‪ِ -‬ه َي الوثائق ال َّر ْس ِميَّة املعتمدة من قبل الدولة‪ ،‬والتي ترشد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‬
‫للطريقة التي ينبغي ِب َها خوض الحرب‪ ،‬لكنها أقل توسعاً من نظريتها الغربية‬
‫رتاتِيجِ يَّة‬ ‫التي أنتجت ال الوثائق يف مختل املستويات ال َعسكَ ِريَّة اإل ِْس ِ َ‬
‫والتكتيكية‪.‬‬
‫ول يكون لنا وقفة ِعنْدَ َه َذا الفرق الدقيق بني وثائق العقيدة األمريكيَّة والر ِ‬
‫وسيَّة‪ ،‬يجدر‬
‫بنا أن نتساءل لِ َام َ ا تتوسع الواليات املتحدة يف إنتاج وثائق العقائد ال َعسكَ ِر َّية وتتيح املجال يف‬
‫َ لِكَ ملختل امل سسات ال َعسكَ ِر َّية البحرية والجوية وال ية ويف املقابل؛ لِ َام َ ا يتجه الروس إىل‬
‫االقتصاد يف إنتاج الوثائق العقدية ك ام ونوعاً‪ ،‬ويض ِّيقون صالحيات إصدارها‪َ ،‬حتَّى أنها ال تكاد‬
‫تصدر إال من الرئيس تحديداً‬

‫َما وصلنا إليه من خالل تحليل كال الطرفني أن َ لِكَ يعود باألساس إىل اختالفهم يف‬
‫السيَا ِ ّ املو َّجه‬
‫الدوافع‪ ،‬فدوافع الرو ِ ّ من إصدار الوثائق العقائدية يغلب َعلَيْ َها البعدُ ِّ‬
‫للخارج‪ ،‬والظاهر من َه ِذ ِه الوثائق أنها توجه رسائل سياسية تعلن فيها روسيا أعداءها‬
‫والتهديديات التي تتوقعها منهم‪ ،‬وليس الهد منها إيجاد لغة مشرتكة أو مراجع ميدانية‬
‫للقوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬

‫لكن األَ ْم ِر ْي ِ ّ عىل عكس َ لِكَ اماً‪ ،‬ف ن دوافعه إلصدار الوثائق العقائدية ِه َي داخلية‬
‫باألساس‪ ،‬الهد منها ليس توجيه رسائل سياسية‪ ،‬وإ ا إيجاد لغة مشرتكة وإطار مفاهيمي‬
‫موحد للقوات امل ُ َسلَّ َحة ميكِّن القادة من اتخا القرار السليم يف الحرب‪ .‬ولعل َه َذا َما انعكس‬
‫بعد َ لِكَ عىل طبيعة اتخا القرار يف كال الجيشني‪ ،‬فالقائد الرو ِ ّ ال يكاد يستطيع أن يتخذ‬
‫‪22‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫قراراً دون الرجوع إىل قيادته املركزية‪ ،‬أما األَ ْم ِر ْي ِ ّ ف ن قرار مستند إىل الرصيد الكبري من‬
‫َه ِذ ِه العقائد املنشورة‪َ ،‬ف ُه َو ال يحتاج الرجو َع إىل قيادته العليا إال يف القرارات املصريية‪.‬‬
‫باختصار شديد‪ ،‬إن هد األَ ْم ِريْ ِ ّ من صياغة العقائد ُه َو‪ :‬توفري إطار‬
‫مرجعي للقادة والجنود‪َ ،‬و ُه َو َما جعل اإلنتاج العقد عندهم غزيراً ومن‬
‫مختل أقسام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬وبالتايل َه َذا َما أتا للقائد ال َعسكَ ِر ّ مجاالً‬
‫واسعاً من االجتهاد واإلبداع‪ .‬يف املقابل‪ ،‬إن الهد الرو ِ ّ من صياغة العقائد‬
‫ُه َو سيا باألساس‪َ ،‬و ُه َو َما جعل اإلنتاج العقائد شحيحاً ومن جهات‬
‫محدودة‪ ،‬وبالتايل َه َذا َما صنع قائداً عسكرياً لياً عاجزاً عن االجتهاد والتعامل‬
‫مع الظرو املتغرية‪.‬‬
‫لكن تبقى َه ِذ ِه الفرضيات محتاجة إىل مزيد من ال َب ْح والدراسة العميقة لكال الطرفني‪،‬‬
‫َو ُه َو َما ليس من أهدا َه َذا البَ ْح ‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬ميكننا أن نصل إىل استنتاج مهم‪ ،‬يرفع عن ال ُق َّراء شيئاً من الضبابية والتشتت الَّ ِذ‬
‫يحيط ِب َه َذا املفهوم‪َ ،‬و ُه َو أن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ِعنْدَ معظم ال قيني والغربني ِه َي الوثائق‬
‫املعتمدة رسمياً واملرشدة لالستخدام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف الحرب‪.‬‬

‫لكن لدينا تيار خر يتجه إىل ر ية مغايرة ونظرة مختلفة لقراءة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬إ‬
‫يظهر لنا من استقراء العديد من املراجع العلمية يف َه َذا الباب أن كثرياً من املفكرين ‪-‬األجانب‬
‫والعرب عىل حد سواء‪ -‬ينظرون للعقيدة ال َعسكَ ِر َّية نظور مختل ‪ ،‬فال يقرصون العقيدة يف‬
‫الوثائق املعتمدة رسمياً من قبل امل سسة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬بل يدرسون كتابات املفكرين يف ك ُّل دولة‬
‫ويحللون اإلنتاج العلمي ال َعسكَ ِر ّ ‪-‬ال َّر ْس ِم ّي وغري ال َّر ْس ِم ّي‪ -‬لِ َه ِذ ِه الدولة ويحاولون استنتاج‬
‫عقيدتهم انطالقاً من َه َذا‪.‬‬

‫ف ا قلت مثالً للفريق الركن طارق شكر صاحب كتاب العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وتطوراتها ‪:‬‬
‫ماهي العقيدة ال َعسكَ ِر َّية فسينقل لنا التعري األَ ْم ِر ْي ِ ّ‪ِ :‬ه َي جميع املباد واملناهج واألساليب‬
‫‪23‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫التي كِّ ُن ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة من إدارة أعاملها يف السلم والحرب‪ )1(،‬لكن إ ا تساءلنا عن و ج‬
‫واقعي عن العقيدة التي يقصدها من َه َذا التعري ‪ ،‬ف نه سي ب لنا مثالً عن العقيدة الر ِ‬
‫وس َّية‬
‫أنها قبل الحرب العاملية كانت الحرب الثَّ ْو ِريَّة)‪ ،‬وبعد الحرب العاملية أصبحت الكتلة والقوة‬
‫النارية)‪ ،‬ثُ َّم خالل الحرب الباردة أصبحت التعرض ال يع وفرض األمر الواقع ‪ ،‬ويقول إن‬
‫العقيدة األمريك َّية كانت أول أمرها (الرد الشامل) ثُ َّم أصبحت (الرد املرن) ثُ َّم تطورت لتصبح‬
‫ال ب بالعمق ‪.‬‬

‫امل ل بهذ املفاهيم َو َه ْل ِه َي فعالً العقائد الحقيقية‬ ‫لكن إ ا تساءلنا من َأ ْي َن ي‬


‫للسوفييت والناتو ال ميكننا أبداً أن نعلم اإلجابة ألن العقائد املعلنة واملعتمدة رسمياً من قبل‬
‫الطرفني ال تتطابق مع التعريفات التي هب إليها امل ل طارق شكر ‪ ،‬و َه ِذ ِه األمثلة ال ثل‬
‫يف الحقيقة غري اجتهاد الكاتب وتحليله واستنتاجه الَّ ِذ قد يكون مصيباً‪ ،‬أو قد يكون بعيداً‬
‫عن الواقع‪.‬‬

‫وعىل َ لِكَ ف ِقس كتابات املفكرين ا خرين الَّ ِذي َن اعتمدوا َه َذا النهج‪ ،‬فجل أفكارهم حول‬
‫العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ِ ،‬ه َي يف الحقيقة اجتهاداتهم وقراءتهم الشخصية‪ ،‬و َه َذا ال يعني أننا نقلل من‬
‫قيمتها‪ ،‬أو أنها غري موضوعية‪ ،‬لكنها تبقى استنتاجات فردية ثل أصحابها‪ ،‬وقد ال ثل‬
‫ورة الجيو التي يتحدثون َعنْ َها‪.‬‬ ‫بال‬

‫والتو ي ‪ ،‬ب داد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ، 2016 ،‬ص ‪.29‬‬ ‫(‪ )1‬طار م مود كر ‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة وتطورات ا‪ ،‬ال اكرة لل‬

‫‪24‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫م‬

‫ميكننا استنتاج تحليل نها من خالل َما تقدم كر يف املطلب السابق‪َ ،‬و ُه َو أن ُهنَا َ‬
‫ثالث مدارس تحدثت عن مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪:‬‬

‫املدرسة األوىل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة عندها ِه َي املباد واإلرشادات والدروس املستفادة من‬
‫وتتجىل َه ِذ ِه العقيدة تطبيقياً يف الوثائق‬
‫َّ‬ ‫التاري واملعتمدة رسمياً من قبل امل سسة ال َعسكَ ِريَّة‪،‬‬
‫املنشورة رسمياً عىل نطاق واسع‪ ،‬والتي يكون الهد منها تقديم دليل ميداين للقوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬
‫و يل أن نجعل الواليات املتحدة وحل الناتو ممثالً لِ َه ِذ ِه املدرسة‪.‬‬

‫املدرسة الثانية‪ :‬تع ِّر العقيدة ال َعسكَ ِريَّة عىل أنها ا راء ال َّر ْس ِميَّة املعتمدة من قيادة الدولة‪،‬‬
‫والتي توضح ر يتها لخوض الحرب ضد األعداء املحتملني‪َ ،‬فه َِي تتقاطع مع املدرسة األوىل يف‬
‫أنها معتمدة رسمياً من قبل قيادة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬بينام تتميز َعنْ َها من َح ْي ُ الشمول واالتساع‬
‫ولعل روسيا ِه َي أفضل ممثل لِ َه ِذ ِه املدرسة‪.‬‬
‫وغزارة اإلنتاج‪َّ ،‬‬

‫املدرسة الثالثة وميثلها تيا ٌر واسع من الكُتاب واملفكرين الَّ ِذي َن كتبوا عن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪،‬‬
‫وحاولوا تحديد مفهومها‪ ،‬ولكن بطي واسع من التعريفات التي قد تتقاطع من وجه‪ ،‬وتتباين‬
‫من أوجه كثرية أخرى‪ ،‬كام سعوا إىل التدليل َعلَيْ َها ا استنتجو من تحليل أداء الجيو‬
‫وس َّية واألمريك َّية وغريها‪ ،‬وليس من العقائد املعتمدة ال َّر ْس ِم َّية لدى َه ِذ ِه األطرا ‪.‬‬
‫الر ِ‬

‫و َه َذا َما وسع دائرة الضبابية والتشتت يف مفهوم العقيدة‪ ،‬فرغم أن ُرواد َه ِذ ِه املدرسة‬
‫حاولوا تقريب وجهات النظر حول العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬إال أنهم تسببوا ‪-‬بِشَ كْلٍ غري مبارش‪ -‬يف‬
‫توسيع دائرة االختال والضبابية‪ ،‬وأصبحنا ا ن نجد تعريفات للعقائد ال قية والغربية نعجز‬
‫َحتَّى عن عدِّ ها وإحصائها‪ ،‬فلكل مفكر تعريفه الخاص‪ ،‬ولكل منهم و جه الخاص يف‬
‫االستدالل عىل َه َذا التعري ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫و ُهنَا لفتة ال ينبغي أن يفوتنا كرها‪َ ،‬و ُه َو أن أحد أسباب الخال الواسع يف‬
‫تعري العقيدة ال َعسكَ ِريَّة بني الكُتَّاب العرب يعود باألساس إىل خالفهم يف‬
‫ترجمة الوثائق األمريكية أو الر ِ‬
‫وس َّية‪ ،‬فتُرتجم الكلمة األجنبية (‪ )Doctrine‬تارة‬
‫"عقيدة وتارة أيدلوجيا وتارة مذهب ‪ ،‬وأحياناً يُلحق بالعقيدة َما ليس‬
‫منها‪ ،‬والحبل عىل الجرار‪ .‬وتكفي َه ِذ ِه اللمحة‪ ،‬ألن اهرة أخطاء الرتجمة‬
‫وثارها املدمرة عىل العلوم ال َعسكَ ِريَّة العربية يحتاج بحثاً مستقالً‪.‬‬

‫يبقى الس ال ُهنَا؛ من بني َه ِذ ِه املدارس الثالثة‪َ ،‬ما ُه َو التوجه الصحيح‬

‫علم الحرب من العلوم اإلنسانية‪ ،‬وعلوم اإلنسان ال ميكن حسم الخال فيها عىل وجه‬
‫اليقني‪ ،‬وال يوجد ء فيها اسمه الحق املطلق‪ ،‬لكننا نجد أن املدرسة األوىل ِه َي األقرب‬
‫للمقاصد التي وجدت من أجلها العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬و َ لِكَ ألن املدرسة الثانية تشكو من بع‬
‫العيوب‪ ،‬عىل سبيل املثال إن منطلقات الوثائق العقدية لديها تكاد تكون سياسية باألساس‪ ،‬كام‬
‫أن مفهومها للعقيدة ضيق جداً مقارنة باألوىل‪َ ،‬و ُه َو َما ال ميكن أن ُيل ِّب ي حاجة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‬
‫يف الحرب‪ ،‬ف ن ل َْم تكن العقيدة موجهة باألساس للداخل ‪-‬لقادة ال َجيش وجنود ‪ -‬فام الفائدة‬
‫منها ! وإن لَ ْم تكن العقيدة شاملة ملختل مستويات الحرب ومفصلة‪ ،‬فام النفع املرجو منها‬

‫أما املدرسة الثالثة‪ ،‬فال نجدها صالحة للتطبيق رغم فائدتها العظيمة من جهة التنظري‬
‫والفكر ‪ ،‬فتعريفاتها للعقيدة تكاد ال تُحرص‪ ،‬وأمثلتها َعنْ َها ال ُأفق لَ َها‪َ ،‬ونَ ْح ُن نريد يف البَ ْح‬
‫أن نُقلل هامش الضبابية واالضطراب ال أن نزيد فيه‪ .‬ثُ َّم إن األفكار ال ميكن أن تصبح عقيدة‬
‫إال إ ا ُعقد َعلَ ْي َها العزم واستُحكمت واستوثقت‪ ،‬و َه َذا ُه َو املفهوم اللغو للكلمة محل ال َب ْح كام‬
‫سبق وتحدثنا‪ ،‬ف ن ل َْم تكن العقيدة قد استُوثقت من خالل اعتامدها من قبل امل سسة ال َعسكَ ِريَّة‪،‬‬
‫أو تدوينها رسمياً‪َ ،‬فكَيْ َ ميكن أن نسميها عقيدة‬

‫‪26‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫يف السياق الطبيعي؛ تظهر أوالً النظريات واألفكار‪ ،‬ثُ َّم من ُيثبت جدوا من بني َه ِذ ِه‬
‫األفكار‪ ،‬يُجزم ِب ِه ويُحكم القلب َعلَ ْي ِه فيصبح عقيدة‪ ،‬ليتم نقله ‪-‬من خالل التدوين أو التلقني‪-‬‬
‫لألجيال الالحقة لتستفيد منه‪ .‬أنظر مثالً‪ ،‬إىل الجانب الديني‪ ،‬إ ا تساءلت َما ِه َي عقيدة أهل‬
‫السنة والجامعة سيقال لك إنها العقيدة التي كان َعلَيْ َها الرسول صىل الله َعلَيْ ِه وسلم وأصحابه‬
‫دون تحري أو تبديل‪ ،‬ف ن قلت َأ ْي َن ِه َي َه ِذ ِه العقيدة‪ ،‬ستتم إحالتك للعقيدة الطحاوية مثالً‪،‬‬
‫أو الواسطية‪ ،‬أو التدمرية وما إىل َ لِكَ من العقائد التي ت ََّم تدوينها واتفق علامء أهل السنة‬
‫عىل صحتها‪.‬‬

‫نفس األمر اماً بالنسبة للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬إن األفكار والنظريات التي تتكون لدى‬
‫املفكرين حول الطريقة املثىل لخوض الحرب ال تكون جميعها صالحة ومجدي ًة يف التطبيق‪،‬‬
‫لكن مع الزمن ومع التجارب والحروب‪ ،‬يتهاوى بعضها أمام الواقع‪ ،‬بينام تَثبت صحة بعضها‬
‫ا خر‪ ،‬وتصبح َه ِذ ِه األفكار مع الوقت ُمحكم ًة وصارم ًة‪ ،‬وعادة َما َيتُم تدوينها ون ها ليستفيد‬
‫منها القادة الالحقون‪ ،‬و ُهنَا تكون العقيدة ال َعسكَ ِريَّة قد تركبت وتكونت‪.‬‬

‫إ اً‪ ،‬فاألفك ار ال ميك ن أن تك ون عقي دة َو ِه َي يف مرحل ة التنظ ري والتجري ب‪ ،‬إنه ا‬


‫ال ب د أن تص بح محكم ة وموثوق ة‪ ،‬وال تك ون ك ذلك إال م ن خ الل إثب ات فاعليته ا يف‬
‫وه َذا االع تامد إم ا‬
‫تج ارب ميداني ة‪ ،‬واعتامده ا ب َِش كْلٍ ج ازم م ن قب ل امل سس ة ال َعس كَ ِريَّة‪َ ،‬‬
‫أن يك ون م دوناً أو مت واتراً‪ ،‬ويغل ب َعلَيْ ِه يف الت اري املع ارص أن ه أص بح م دوناً يف‬
‫وث ائق رس مية‪َ )1(،‬‬
‫وه َذا َم ا يجعلن ي أس تبعد املدرس ة الثالث ة الت ي ي ل إىل االس تنتاج‬
‫رج ح للمفه وم‪ ،‬لكن ي س س تفيد‬
‫البعي د ع ن الج زم‪ ،‬أس تبعدها ك ُم ِّ‬ ‫والتحلي ل الشخ‬
‫منها كثرياً فيام بعد عند الحدي عن الخصائص والفوائد وال ُمنطلقات‪.‬‬

‫‪(1) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach, Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 23.‬‬

‫‪27‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫النظر عن الخلط الكبري الَّ ِذ يشوب َه َذا املفهوم‪ ،‬ينبغي علينا أن نضع لَهُ حداً‬ ‫بغ‬
‫واضحاً محكامً يعيننا عىل فهمه ودراسته خالل فصول البَ ْح ‪ ،‬ولنجيب عن اإلشكال األول الَّ ِذ‬
‫طرحنا يف املقدمة ماهي العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ) ميكننا القول إنها‪:‬‬
‫مجموعة التعاليم ال َعسكَ ِريَّة التي أثبتت التجارب ِصحتها‪ ،‬فتم اعتامدها‬
‫بِشَ كْلٍ رسمي و ُملزِم من قبل ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬لتصبح عبارة عن إرشادات وأدلة‬
‫وأساسيات ُم ْح كَمة ينطلق منها ال َجيش لخوض الحرب وتحقيق النرص‪.‬‬

‫إننا ‪-‬بعد االستقراء الواسع واملقارنة الدقيقة‪ -‬نجد َه َذا التعري مناسباً جداً لواقع الجيو‬
‫املعارصة‪ ،‬وللقوى الثَّ ْو ِر َّية الصاعدة‪َ ،‬ف ُه َو واضح املفهوم‪ ،‬سهل االعتامد يف الواقع امليداين‪.‬‬

‫ويف املحصلة‪ ،‬إن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أل حركة ثورية‪ِ ،‬ه َي مجموعة التعاليم ال َعسكَ ِريَّة التي‬
‫ت تجربتها وثبتت فاعليتها وجرى اعتامدها بِشَ كْلٍ رسمي من قبل قيادة َه ِذ ِه الحركة و ُع ِّممت‬
‫معنا أمثلة كثرية َعنْ َها يف الفصول الالحقة‪.‬‬ ‫ولُقِّنت لألتباع‪ ،‬وست‬

‫لكن قبل َ لِكَ يبقى علينا أن نتساءل َما خصائص َه ِذ ِه العقيدة ولِ َام َا ينبغي أن يكون‬
‫لدينا عقيدة عسكرية وما املنطلقات التي ميكن أن نعتمد َعلَ ْي َها لصياغتها‬

‫َه َذا َما سنجيب عنه يف املباح القادمة‪.‬‬

‫***********‬

‫‪28‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫بداية ينبغي أن ندر أننا نقصد بكلمة "التفكري ال َعسكَ ِر ّ "‪ :‬ك ُّل األنشطة العقلية التي‬
‫ارسها قيادة ال َجيش أثناء خوضها الحرب‪ ،‬وبهذا الشمول يندرج يف َه َذا املعنى كث ٌ‬
‫ري من‬
‫ال َع َملِيَّات الذهنية التي تك ِّون جوهر الحرب ومضمونها‪ .‬بل ميكننا القول إن التفكري ال َعسكَ ِر ّ‬
‫ُه َو مجموعة من َع َملِ َّيات التنظري والتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة التي ميارسها القادة‬
‫قبل الحرب وأثناءها وبعدها‪.‬‬

‫ورغم أن تسمية َه ِذ ِه ال َع َملِ َّيات الذهنية‪ ،‬وتحديد مفاهيمها؛ أم ٌر مختل فيه بقوة بني‬
‫املختصني‪ ،‬وكَ َذلِكَ ترتيبها وتصنيفها ومستوياتها‪ ،‬لكنني ‪-‬تقريباً للمعنى‪ -‬س حاول االستعانة‬
‫بنمط نُظم املعلومات لتوضيح َما أقصد بالفكر ال َعسكَ ِر ّ يف الشكل التايل‪:‬‬

‫عمليات ذهنية‬
‫دروس مستفادة‬
‫• أفكار مبدئية‬ ‫• معلومات عن‬
‫عن طبيعة‬ ‫العدو والبيئة‬
‫• مبادئ ‪ /‬قيم‬ ‫الحرب وكيفية‬ ‫• تدقيق‪/‬‬ ‫توفرها املصادر‬
‫• قوانين ‪/‬عقائد‬ ‫ممارستها‬ ‫استقراء‬ ‫املفتوحة أو‬
‫• خطط‬ ‫• تحليل‪ /‬استنتاج‬ ‫السرية‪.‬‬
‫• تفسير ‪ /‬مقارنة‬
‫نظريات‬
‫مدخالت‬
‫عسكرية‬

‫ٍ‬
‫ومخرجات‬ ‫ٍ‬
‫ونظريات‬ ‫مدخالت و َع َم ِل َّي ٍات هني ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ا يحوي ِه من‬ ‫ري ال َعسكَ ِر‬
‫الشكل (‪ :)1‬التفك ُ‬

‫ُيظْ ِه ُر الشكل (‪ )1‬أن ال ِق َيا َدة ال َعسكَ ِر َّية يف الواقع تحصل عىل مجموعة من املدخالت‪ ،‬والتي‬
‫تكون عبارة عن معلومات متنوعة‪ ،‬تصل إليها من مصادر مختلفة‬

‫‪29‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫بالجواسيس‪ ،‬اخرتاق تقني‪ ،‬تنصت‪...‬إل‬ ‫• املصادر ال ية اخرتاق ب‬


‫• االستطالع امليداين أو الجو ‪.‬‬
‫• املصادر املفتوحة الكتب والدراسات املنشورة‪ ،‬الترصيحات ال َّر ْس ِميَّة‪...‬إل‬
‫تقدم َه ِذ ِه املصادر مجموعة من البيانات املتنوعة حول التضاريس والسكان واملناخ والعدو‬
‫والحلفاء والبنية التحتية‪ ،‬وما إىل َ لِكَ من الحقائق امليدانية التي تحتاجها ال ِق َيا َدة التخا القرار‬
‫السليم يف الحرب‪ .‬ثُ َّم بعد تحليل َه ِذ ِه البيانات يصل الخ اء إىل مجموعة من النظريات‬
‫املبدئية التي تحتاج إثباتاً وصقالً ع التطبيق‪ )1(.‬ثُ َّم بعد املامرسة والتطبيق‪ ،‬تستقر النظريات‬
‫التي أثبت جدواها وتصبح سياسات وعقائد وخططاً تتسم بالثبات‪ ،‬بينام تبقى النظريات األخرى‬
‫حبيسة الرفو الفكرية بعيداً عن عا الواقع‪2 .‬‬

‫إن َه ِذ ِه العملية مستمرة ومتجددة ومتواصلة َما دامت الحرب‪ ،‬وإن الفكر‬
‫ال َعسكَ ِر ّ السليم ُه َو الَّ ِذ يتك َّي مع املدخالت التي تُقدم لَهُ مع تغري الظرو ‪،‬‬
‫فيصنع لَ َها النظريات املناسبة‪ ،‬ثُ َّم يجرب تِلْكَ النظريات يف امليدان ليعر منها‬
‫السقيم‪ ،‬وليحصل بعدها عىل دروس و ِع مستخلصة من فوائد‬ ‫املفيد من َّ‬
‫املايض؛ تكون دليالً ومرشداً لحروب املستقبل‪.‬‬

‫لكن َما ُيهمنا يف َه َذا ال َب ْح ِ ؛ َأ ْي َن موقع العقيدة ال َعسكَ ِر َّية بني مخرجات التفكري ال َعسكَ ِر ّ‬

‫)‪ (1‬ال ري الركن‪ ،‬الدكتور م مد بد القادر الدا ستا ‪ ،‬ال ظرية ال َعس َك ِريَّة وامل ب ال َعس َك ِر والعقيدة ال َعس َك ِريَّة‪ ،‬درا ة‬
‫ت ليلية م ا تطور ال ظريات ال َعس َك ِريَّة تاري ن ال ر ‪ ،‬كة دار األكاد يون لل والتو ي ‪ ،2019 ،‬ص ‪.26‬‬
‫)‪ (2‬البا َما يَت ال ل ب ال ظريات والعقائد ر وجود رو جو رية بي ‪ ،‬العقائد د بتت ت ا عال‬
‫الت ربة والتطبي بي ال ظريات ليست كَ َ لِ َ ‪ ،‬م ا َما د يكون ال ا لعا الوا وم ا َما د ال ي ق ائدة ميدانية‬
‫ت كر‬
‫ملزيد من االطالع ال رو ب ال ظريات ال َعس َك ِريَّة والعقائد ال َعس َك ِريَّة انظر‪:‬‬
‫‪USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-25.‬‬

‫‪30‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫م‬

‫الس َي َاسة‪ ،‬العقيدة‪،‬‬


‫لدينا العديد من املصطلحات املتقاربة يف الفكر ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬مثل املذهب‪ِّ ،‬‬
‫املدارس ال َعسكَ ِريَّة تدمج بعضها وتحملها‬ ‫املباد ‪ ،‬القيم‪...‬إل ‪ ،‬ولتقاربها الكبري نجد أن بع‬
‫ا خر جموعة من الحدود الدقيقة‪.‬‬ ‫عىل معنى واحد‪ ،‬بينام يفرق بينها البع‬

‫ويف الشكل ‪ )2‬أعتمد توزيعاً واضحاً ألهم املفاهيم ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وأحاول من خالله تحديد‬
‫موقع ك ُّل منها يف مخرجات التفكري ال َعسكَ ِر ّ ‪.‬‬

‫موقع العقيدة يف الفك ِر ال َعسكَ ِر ِّ‬


‫الشكل ‪ُ :)2‬‬

‫‪31‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫بعد معالجة املدخالت التي سنتحدث َع ْن َها الحقاً بالتفصيل)‪ ،‬ونتيج َة العملية الذهنية التي‬
‫يقوم ِب َها املفكرون والقادة العسكريون‪ ،‬تظهر لدينا عدة أصنا من النتائج الفكرية‪:‬‬

‫‪ .1‬السياسات ال َعسكَ ِر َّية‪ِ :‬ه َي رغبة ال ُحكُ ْو َمة(‪ )1‬ونظرتها لطريقة خوض الحرب واستخدام‬
‫القوة ال َعسكَ ِريَّة ضد التهديدات املتوقعة‪ ،‬ووفق أولويات محددة مسبقاً‪َ ،‬و ِه َي مرتبطة عادة‬
‫السيَ ِاسيَّة للبالد‪ ،‬ومستقرة باستقرارها‪ ،‬فقد تتغري بتغري ال ِقيَا َدة أو األهدا‬
‫ب رادة ال ِقيَا َدة ِّ‬
‫الوطنية أو ألسباب مالية‪)2(.‬‬

‫‪ .2‬العقائد ال َعسكَ ِر َّية‪ :‬سبق تعريفها‪َ ،‬و ِه َي عادة تصدر من قادة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة ونخبها‪،‬‬
‫رتاتِيجِ َّيات‬
‫َو ِه َي أك استقراراً وتفصيالً وعمقاً من السياسات‪ .‬ترشد العقائد ال َجيش‪ ،‬وت طر اإل ِْس ِ َ‬
‫وال َع َملِيَّات والتكتيكات واألدوات‪.‬‬
‫‪ .3‬الخطط ال َعسكَ ِريَّة‪ :‬وقد تكون عىل مستوى إسرتاتيجي أو عمليا أو تكتي ‪ )3(.‬وينبثق‬
‫َع ْن َها َما أسمينا األدوات ال َعسكَ ِر َّية‪َ ،‬و ِه َي التي ثل وسائل وأدوات تحقيق َه ِذ ِه الخطط‪ ،‬مثل‬
‫األسلحة والتقنيات والتحصينات وما إىل َ ِلكَ ‪.‬‬

‫(‪(1) New Oxford American Dictionary.)2007‬‬


‫‪(2) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬
‫‪AND EDUCATIO, p 4.‬‬
‫و ال ر ‪،‬‬ ‫درات الدولة اال ت ادية والسيَا ِ يَّة وال َعس َك ِريَّة واالجت ية‬ ‫رتاتِي ِ يَّة‪َ ِ :‬ي التي تو‬
‫(‪ )3‬ال طة ا ِ ِ َ‬
‫وات و ك البا‪ .‬وال طة العملياتية‪َ ِ :‬ي التي تو املوارد ال َعس َك ِريَّة املتو رة لقيادة‬ ‫وتكون دا ا طولية األمد‪ ،‬م‬
‫وات البا‪ .‬ما ال طة التكتيكية‪َِ َ :‬ي التي‬ ‫ةو م‬ ‫احة ال َع َملِيَّات‪ ،‬وتكون دا ا متو طة األمد‪ ،‬ب‬ ‫ال ر‬
‫احة ال َع َملِيَّات‪ ،‬وتكون دا ا رية املد ‪ ،‬ل من ة البا‪.‬‬ ‫تو املوارد ال َعس َك ِريَّة من م ور مع‬
‫ال دير بال كر ن َ َا التقسي تقريبي‪ ،‬وال يوجد ج ع َ لَي ِ ب م كر ال ر ‪ ،‬بع ال يعرت بوجود ط ملياتية‪،‬‬
‫رتاتِي ِ يَّة ىل رتاتي ية ك و ر ‪ ،‬وبع ا ر يد ل َ ِ ِ األنواع َما لَ ن كر التعري ات‬ ‫وبع يقس ا ِ ِ َ‬
‫ِ‬
‫معا َ ِ امل ا ي ‪ ،‬ويك ي ا َ ِ ال ب ة ا ج لية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫السابقة‪ ،‬و العك ‪ ،‬ولي َ َا البَ مقا ت يل وترجي‬
‫ك العودة ىل‪:‬‬ ‫َ َا البا‬ ‫لالطالع ك‬
‫‪• MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬
‫‪• USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 3-12, 4-29.‬‬

‫‪32‬‬
‫قيدة سكرية‬ ‫ا ع‬

‫‪ .4‬أخرياً‪ ،‬تكون َع َملِ َّيات التفكري ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬وما تنطلق منه من مدخالت‪ ،‬وما ينتج َع ْن َها‬
‫من مخرجات؛ معا املذهب ال َعسكَ ِر ّ ‪ .‬إن منهج التفكري املرتاكم ع التاري ألمة معينة‪ ،‬وما‬
‫يتخلَّ ل ُه من منطلقات وخطط وسياسات وعقائد؛ ُه َو يف الحقيقة املذهب ال َعسكَ ِر ّ لِ ِتلْكَ‬
‫األمة‪)1(.‬‬

‫الجدير بالذكر أن الجيو تع عن َه ِذ ِه العنارص التي سبق كرها بالعديد من الوثائق‬


‫ال َّر ْس ِم َّية‪ ،‬سواء املنشورة أو ال ية‪ ،‬فتجد روسيا ‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬تصدر بِشَ كْلٍ دور وثيقة‬
‫رسمية تسميها العقيدة ال َعسكَ ِريَّة لالتحاد الرو ِ ّ ‪ ،‬يَتُم تحديثها ك ُّل خمس سنوات تقريباً‪،‬‬
‫ويصادق َعلَيْ َها الرئيس شخصياً‪ ،‬وتع َه ِذ ِه الوثيقة عن موق روسيا من الحروب وطبيعتها‪،‬‬
‫واألعداء وتصنيفهم‪.‬‬

‫منتج للوثائق‬ ‫لكن األمر مختل يف الغرب وخصوصاً الواليات املتحدة‪َ ،‬فه َِي أك‬
‫ال َعسكَ ِر َّية يف العا ‪ ،‬وإن َه ِذ ِه الوثائق تشمل جوانب واسعة جداً‪ ،‬مثل قوانني الحرب وأنواعها‬
‫رتاتِيجِ َّيات‪ ،‬والتكتيكات‪ ،‬وما إىل َ لِكَ ‪ .‬وكمثال عن الوثائق التي‬
‫ومبادئها‪ ،‬وقيم القتال‪ ،‬واإل ِْس ِ َ‬
‫ِبها عن عقيدتها نذكر اإلصدارات التالية‪)2(:‬‬
‫تن ها أمريكا وتع َ‬

‫ومجلس األمن القومي‬ ‫• وثائق إسرتاتيجية األمن القومي التي تصدر عن البيت األبي‬
‫األَ ْم ِريْ ِ ّ ك ُّل فرتة رئاسية تقريباً‪ ،‬وتع عن األهدا القومية املعلنة للدولة‪.‬‬
‫• تقارير الدفاع التي تصدر ك ُّل أربع سنوات عن ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة األمريكيَّة‪ ،‬والتي ثل‬
‫وجهة نظر ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة عن األخطار املتوقعة وطريقة التعامل معها‪.‬‬

‫تعري امل ب‬ ‫‪َ ،‬ا َ ا تال كبري ب امل ت‬ ‫ائر امل طل ات ال َعس َك ِريَّة الك‬ ‫)‪ (1‬اما ك َو ال ال‬
‫عل البع ا ر ريبا ل رتاتي ية‪ ،‬ويعت الدكتور م مد‬ ‫ن ال ر بي وب العقيدة‪ ،‬بي ي‬ ‫ال َعس َك ِر ‪ .‬ي ب بع‬
‫ال‪ :‬لِ َ َا ومن نقاتل ما امل ب َ َو جوا ن‬ ‫الدا ستا ن العقيدة مل من امل ب‪ ،‬العقيدة د جوا‬
‫ب و ر ا‪َ ،‬و َو يتكون من م موع السيا ات وال ط‬ ‫ال‪ :‬كَي َ نقاتل لك ا نرج ن امل ب مل من العقيدة ك‬
‫املسلَّ َ ة‪.‬‬
‫والعقائد ال َعس َك ِريَّة للقوات َ‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬بريت تشامبان‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة دليل مرجعي‪ ،‬ال َ ل ال ا ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫• وثائق اإل ِْس ِ َ‬


‫رتاتِيجِ َّية ال َعسكَ ِر َّية التي تصدرها هيئة األركان املشرتكة‪ ،‬والتي تحدد أيضاً‬
‫األهدا ال َعسكَ ِريَّة للبالد‪.‬‬
‫• الوثائق والكتب التي تصدر عن مركز دراسات الحرب املشرتكة‪ ،‬وعن ال ُق َوات الجوية‪،‬‬
‫وجيش ال ‪ ،‬والبحرية‪.‬‬
‫إىل غري َ ِلكَ من أقسام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة التي يوجد لِك ُِّل منها موقع رسمي عىل شبكات‬
‫رية األمريكية‪)1(.‬‬
‫َّ‬ ‫التواصل‪ ،‬يُن فيها بِشَ كْلٍ دور َما يع عن مخرجات العقلية ال َعسكَ ِ َّ‬

‫معظ األدلة‬ ‫املو ال َّر ِمي مل شورات ال َ ي األَمرِي ِ والَّ ِ ي‬ ‫)‪ (1‬ك مو ن َ ِ ِ الو ائ ‪ ،‬ك االطالع‬
‫امليدانية األمريك َّية وم شورات العقيدة ال َعس َك ِريَّة (‪.)armypubs.army.mi‬‬

‫‪34‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫م‬

‫ال يوجد حد لعدد األشخاص ا َّل ِذي َن سيصطفون لنقد عقيدتنا وإبداء‬
‫مالحظات زائفة َعنْ َها‪ ،‬سيقولون‪ :‬واسع ٌة جدً ا‪ ،‬مخترص ٌة جدً ا‪ ،‬تتضم ُن أمثل ًة‬
‫كثري ًة جدً ا‪ ،‬أكادميي ٌة للغاية‪ ،‬ليست أكادميية ا يكفي ‪ ...‬إن املعيار الحقيقي‬
‫للعقيدة‪َ :‬ه ْل نقرأها ونفهمها َه ْل نستفيد منها يف امليدان ك ُّل ء خر ليس‬
‫إال هرا ًء‪ .‬لذا ف ننا ِعنْدَ َما نكتب العقيدة التي ُ ثل أفضل مامرساتنا؛ يَ ُ‬
‫جِب أال‬
‫نخجل منها‪)1(.‬‬

‫(الج ال األَ ْم ِريْ ِ ّ رونالد كيس ‪1997‬م‬


‫بناء عىل املفهوم الَّ ِذ ت ََّم اعتامد للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة يف الف َْصل السابق‪ ،‬وما تَ َّم كر عن‬
‫موقعها بني بقية العنارص يف مخرجات التفكري ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬واسرتشاداً باملراجع املختصة يف َه َذا‬
‫الباب؛ نستنتج يف َه َذا الف َْصل العديد من الخصائص والفوائد التي تساعدنا عىل فهم العقيدة‬
‫ال َعسكَ ِر َّية بطريقة أعمق‪ ،‬و ُ كننا من إدرا أبعادها‪.‬‬

‫يتكون الف َْصل من مبحثني أساسيني‪:‬‬

‫خصائص العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫• املَبْ َح األول‪:‬‬
‫• امل َ ْب َح الثاين‪ :‬فوائدُ العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪.‬‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 1.‬‬

‫‪35‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ص‬ ‫خ‬

‫خصائص العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ومميزاتها‬


‫ُ‬ ‫الشكل ‪:)3‬‬

‫لعل أهمها‬
‫تحظى العقيدة ال َعسكَ ِر َّية بالعديد من الخصائص َّ‬

‫‪ .1‬تر َّجحت جدواها وفاعليتها بعد التجربة والتقويم والنقد‪.‬‬


‫‪ .2‬اع ُت ِمدَ ْت رسمياً من قبل ال ِق َيا َدة ال َعسكَ ِر َّية وأصبحت جزءاً من النظام العام‪.‬‬
‫‪ .3‬مزيج بني العلم والفن‪ ،‬وبني املعرفة واإلبداع‪.‬‬
‫‪ .4‬اجتهادية وليست َحرفيَّة‪ ،‬يعتمد تطبيقها عىل الخ ة والحكمة‪.‬‬
‫‪ .5‬ت طر الخطط وترشدها وليست بديالً َعنْ َها‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫‪ .6‬ت خذ وقتاً وزمناً طويالً لتتبلور وتتكون‪.‬‬


‫‪ .7‬تواكب التغريات لكنها رغم َ لِكَ ثابت ٌة نسبياً‪.‬‬
‫‪ .8‬ترتكَّب من أبعاد علمية وفكرية وتنب ِئ َّية‪.‬‬
‫وفيام ي رش لِك ُِّل خاصية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫عاد ًة َما تدخل الجيو حروبها بتصورات مسبقة عن الطريقة املجدية لخوض الحرب‬
‫وتحقيق النرص‪ ،‬ثُ َّم إن التصورات واألفكار التي تثبت فاعليتها يف امليدان من خالل تنفيذ‬
‫ال َع َملِيَّات أو التدريبات؛ تصبح دروساً مستفاد ًة غالباً َما تحظى "بقبول واسع النطاق بسبب‬
‫قابليتها للتطبيق رور الوقت يف رو مختلفة‪ ،‬فتدمج الجيو أفضل َه ِذ ِه األفكار يف‬
‫العقيدة‪ ،‬و َه َذا التعلم التنظيمي سيوفر معرف ًة متامسكة تَ َّم اختبارها رور الوقت‪ ،‬و ات صلة‬
‫حقيقية بالواقع ‪)1(.‬‬

‫ال عجب إ اً أن ال َجيش األَ ْم ِري ِ ّ يُ َع ِّر ُ العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أحياناً ب نها "رأ الضابط‬
‫األقدم ‪ ،‬يف إشارة إىل أن العقيدة ليست إال عصارة خ ة القادة القدماء املخ مني يف الحرب‬
‫واملجربني لغامرها ورمضائها‪َ .‬ونَ ْح ُن ُهنَا ال نقصد أن أفكار القادة العسكريني إ ا تقادمت ع‬
‫ورة‪ ،‬إ ال بد أن تكون َه ِذ ِه األفكار قد أثبتت جدواها من‬ ‫الزمن أصبحت عقيدة عسكرية بال‬
‫خالل املامرسة مرة تلو األخرى‪َ ،‬حتَّى يتواتر بني الخ اء أنها فعالً مجدية وصالحة للتطبيق‬
‫ومفيدة لتحقيق النرص‪.‬‬

‫ويف املحصلة ال تتحقق َه ِذ ِه الخاصية إال بعاملني اثنني؛ أ ال تصبح األفكار عقيدة‬
‫عسكرية إال بتحقق رشطني‪ :‬أوالً التجريب واملامرسة (أقلها يف ميدان التدريب)‪ ،‬ثانياً‪ :‬الت كد‬
‫من أنها فعالة و ُمجدية لكسب الحرب‪ .‬ف ا ل َْم تُخت َه ِذ ِه األفكار يف محك الواقع‪ ،‬أو أنها‬
‫اخ ُت ت فلم تكن فعالة أو مجدية‪ ،‬ف نها ال ميكن أن تصبح جزءاً من العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪.‬‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-6.‬‬

‫‪38‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫من‬ ‫ميكن القول إن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أل َجيش تستمد رشعيتها وت ثريها بِشَ كْلٍ أسا‬
‫اعتامد ال ِقيَا َدة العليا لَ َها‪ ،‬إن تر َه ِذ ِه املفاهيم للتفسريات الشخصية واالجتهادات الفردية سيكون‬
‫لَهُ أثر سلبي عىل ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬وسيعاين القادة من التشتت واالضطراب‪ ،‬وبهذا ستفقد العقيدة‬
‫حقيقتها‪ ،‬فكي تكون عقيدة إن كان أفراد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يختلفون يف توصيفها وتفسريها‪ .‬إن‬
‫العقيدة من العقد واإلحكام‪ ،‬ف ا دخل َعلَ ْي َها اإليهام واالضطراب فقدت معناها‪.‬‬

‫ورة كان؛ أن تعتمد قيادة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة عقيدة موحدة تربع ِب َها‬ ‫َه َذا َما يجعل من ال‬
‫االختال وااللتباس باعتامدها‪ ،‬وتدفع مفسدة الفرقة والتنازع‪ ،‬يَتُم املوافقة َعلَ ْي َها بتسلسل‬
‫م س ‪ )1 ،‬وتصادق َعلَيْ َها رسمياً ال ِقيَا َدة العليا يف ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬

‫ويف َه َذا الصدد؛ يقول الفريق الركن طارق شكر ‪" :‬العقيدة ال َعسكَ ِريَّ ُة موضو ٌع معن َّي ٌة ِب ِه‬
‫ال ُق َو ُات امل ُ َسلَّ َح ُة‪َ ،‬فه َِي قضية مهنية اختصاصية رصفة ‪ )..‬ولذلك استَحدثت ُ‬
‫الدول دوائر رأسية‬
‫يف وزارة الدفاع أطلقت َعلَيْ َها تسميات مثل «دائرة التدريب والعقيدة ال َعسكَ ِريَّة»‪ ،‬وأخرى اسمها‬
‫دائرة التطوير والعقيدة ال َعسكَ ِر َّية»‪ ،‬وثالثة أطلقت َعلَ ْي َها اسم «دائرة البحوث والعقيدة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة»‪ ،‬وما إىل َ لِكَ من أسامء ومسميات‪ ،‬واملس ول َعنْ َها مس ولي ًة مبارشة يف وزارة الدفاع‪،‬‬
‫أعىل مرجع مهني‪ ،‬أال َو ُه َو رئيس أركان ال َجيش أو رئيس األركان العامة للقوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬من‬
‫وليس‬ ‫خالل تِ ْلكَ الدوائر املختصة‪ ،‬عىل اعتبار أن منصب وزير الدفاع منصب سيا‬
‫مهنياً"‪)2 .‬‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 1.‬‬
‫(‪)2‬طار م مود كر ‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة وتطورات ا‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪39‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬ ‫م‬

‫إن الحرب يف حقيقتها تدافع ل رادات اإلنسانية‪ ،‬إنها نتيجة حتمية ملزيج من الدوافع‬
‫والسيَ ِاسيَّة‪ ،‬ورغم أن حركة التقنني والقولبة العلمية بدأت تحاول وضع‬
‫االجتامعية واإلنسانية ِّ‬
‫أسس ثابتة للنزاع امل ُ َسلَّح منذ القرن التاسع الع ؛ إال أن الحرب بقيت وستبقى مجهولة وغامضة‬
‫يف كثري من جوانبها‪.‬‬

‫ستستمر الحرب يف ك ُّل عرص بالتطور‪ ،‬وستفاجئنا بالعديد من املتغريات‪ ،‬إنها حرا إنساين‪،‬‬
‫وليست معادلة رياضية‪ ،‬إنها باختصار شديد علم وفن‪ ،‬علم من َح ْي ُ القواعد واألسس واملباد‬
‫‪)1(.‬‬ ‫العامة‪ ،‬وفن من َح ْي ُ انطالقها من الذات اإلنسانية واعتامدها عىل اإلبداع الب‬
‫امل َ ْع َركَة عبارة عن تداخل وتشابك وترابط بني مجموعة كبرية من العنارص‬
‫وت ثريها عىل بعضها البع ‪ ،‬ومدى أهمية ك ُّل عنرص ليست مقادير ثابتة‬
‫ومتكررة‪ ،‬ولهذا ف ن القوانني التي تحكم ك ُّل حالة ستكون مختلفة‪ ،‬وستعتمد‬
‫كثرياً عىل إبداع القائد‪.‬‬
‫وألن الحرب َهكَ َذا‪ ،‬البد أن تكون العقيدة كذلك أيضاً‪ ،‬البد أن تكون يف جزء منها منطلقة‬
‫جِب أن‬
‫‪ ،‬لكنها يف املقابل يَ ُ‬ ‫من خر القواعد والنظريات العلمية التي وصل إليها العقل الب‬
‫تعتمد أيضاً عىل اإلبداع‪ ،‬إبداع القادة واملفكرين يف فهم طبائع الرصاع الحر والتنب ِب ِه‪،‬‬
‫واختيار الوسائل املناسبة للتعامل معه‪ ،‬لتكون يف النهاية نتيجة المتزاج العلم بالفن‪ ،‬والقواعد‬
‫باإلبداع‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ر ي بو ا ‪ ،‬م و العقيدة ال َعس َك ِريَّة وحكم ا وم ادر ا‪ ،‬املع د املرص للدرا ات‪ ،2022 ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪40‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫الشكل ‪ 4‬العقيدة ال َعسكَ ِريَّة اجتهادية وليست َحرفية‬

‫ِع ْندَ َما يقرأ َه َذا الكم الهائل من املنشورات حول العقائد ال َعسكَ ِر َّية أنها إجراءات‬ ‫يظن البع‬
‫جامدة ميكن تطبيقها حرفياً يف ميدان امل َ ْع َركَة‪ ،‬إن َه َذا التصور بعيدٌ جداً عن الواقع‪ ،‬ألن العقيدة‬
‫‪-‬يف معظمها‪ -‬ليست إال مجموعة من اإلرشادات والتوجيهات العامة‪َ ،‬فه َِي غالباً ال تتناول واقعاً‬
‫فيام عدا اإلجراءات الدقيقة مثل قواعد‬ ‫ميدانياً بعينه‪ ،‬وال تكون إجرا ًء دا اً لِك ُِّل الظرو‬
‫استخدام األسلحة والرموز واملصطلحات التوقيفية وما إىل لك ‪.‬‬

‫إنها أك نصوص العقيدة إرشادية ينطلق منها القائد التخا القرار املناسب وتحليل‬
‫الحرب‪َ ،‬فه َِي ليست بديلة عن القرار ولكنها مرشد ٌة لَهُ ‪َ ،‬و ِه َي من جهة أخرى اجتهادية أيضاً‬
‫تعتمد كثرياً عىل حكمة القائد وقدرته عىل فهم النصوص املكتوبة واكتشا الظرو الواقعية‬
‫املناسبة لَ َها‪ ،‬ثُ َّم اتخا القرار الصائب‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫إن حقيقة أن الحرب ِه َي عمل إنساين متغري باستمرار تعني أن العقيدة ال‬
‫تقدم حلوالً للمشاكل وال ينبغي لَ َها َ لِكَ ‪ .‬لكن ميكنها أن تقدم ر ية حول كيفية‬
‫التعامل مع املشاكل‪ .‬الطبيعة غري املتوقعة للحرب تعني أن الجنود ناد ًرا َما‬
‫يستخدمون الحلول الثابتة ويستخدمون يف أغلب األحيان التطبيق املرن للقوة‬
‫القتالية‪ ،‬التطبيق املستنري بالخ ة والدروس السابقة‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف ن العقيدة‬
‫هي دليل للعمل‪ ،‬وليست و جا لَهُ ‪)1( .‬‬
‫ً‬ ‫َِ‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019.‬‬

‫‪42‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫خ‬

‫إن العقيدة يف جوهرها مختلفة كلياً عن الخطط‪ ،‬إنها عبارة عن إرشادات وتوجيهات عامة‪،‬‬
‫أما الخطط فمن املفرتض أن تكون أك دقة وتحديداً‪ ،‬ومرتبطة جموعة من امل رشات الزمنية‬
‫والكمية‪ .‬ووجود َه ِذ ِه األهدا الدقيقة ‪-‬التي ال مكان لَ َها يف العقيدة‪ -‬كن ال ِقيَا َدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫من توجيه الحرب وإدارتها وتقييم نتائجها ومراقبة مسارها‪.‬‬

‫الشكل ‪ 5‬العقيدة ال َعسكَ ِر َّية ت طر الخطط وال تكون بديالً َع ْن َها‬

‫من َه َذا املنطلق‪ ،‬ال ميكن للعقيدة أن تغني أبداً عن الخطط‪ ،‬نعم‪ ،‬إنها ت طر الخطط‬
‫وترشدها وتحافظ عىل مسارها ضمن حدود معينة‪ ،‬لكنها ال تكون أبداً بديالً َع ْن َها‪ .‬وكَ َذلِكَ األمر‬
‫بالنسبة لبقية مخرجات التفكري ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬فالعقيدة ال ولن تقوم بدور السياسات والنظريات‬
‫واألدوات‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫جاء يف الدليل األَ ْم ِريْ ِ ّ للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪" :‬ال يَتُم صناعة العقيدة بِشَ كْلٍ فور ‪ ،‬كام أنها‬
‫من عقود وغالباً قروناً من الخ ة‪ .‬كثرياً َما تحظى‬ ‫ليست ثابتة‪ .‬املصدر األول للعقيدة ي‬
‫أفضل املامرسات والدروس املستفادة من ال َع َملِيَّات والتدريب بقبول واسع النطاق بسبب قابليتها‬
‫للتطبيق رور الوقت يف رو مختلفة؛ فيدمج ال َجيش أفضل َه ِذ ِه األفكار يف العقيدة‪،‬‬
‫ويوفر َه َذا التعلم التنظيمي معرف ًة متامسكة ت ََّم اختبارها رور الوقت‪ ،‬والتي تظل ات صلة‬
‫بالواقع وسهلة الفهم‪ .‬توفر ه ِذ ِه املعرفة للجيش إطاراً فلسفياً للتفكري يف العملِيات"‪)1(.‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬

‫لذا‪ ،‬إن كانت العقيدة ال َعسكَ ِريَّة يف جوهرها عبار ًة عن دروس مستفادة من املايض والتجارب‬
‫ودليل عىل ارتقاء مستوى تفكريها‪.‬‬ ‫السابقة‪ ،‬ف نها أيضاً ٌ‬
‫نتاج عن نضوج العقلية ال َعسكَ ِريَّة لألمة‪ٌ ،‬‬
‫وألن َه َذا النضوج و َه َذا الفهم ال يحصل دفع ًة واحد ًة‪ ،‬فالبد أن صياغة العقيدة ليست إال َع َملِيَّة‬
‫تراكمية ت خذ وقتاً طويالً من الزمن‪.‬‬

‫وعىل سبيل املثال؛ إن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريكيَّة التي نراها اليوم بدأت كتابتها أوائل‬
‫القرن الع ين‪ ،‬وكانت حني إ ن أقل من أربعني الئحة خدمة ميدانية وكت ِّيب تدريب‪ .‬ثُ َّم‬
‫تدريجياً‪ ،‬ت العقيدة األمريكية لتصبح سنة ‪ 2018‬أك من خمسمئة دليل ميداين‪)2(.‬‬
‫َّ‬

‫ازدهرت كتابة العقائد ال َعسكَ ِر َّية األمريك َّية يف العقد الخامس والسادس من القرن‬
‫الع ين‪َ ،‬ح ْي ُ اقتضت الحاجة يف َ لِكَ الوقت إىل تدوين الدروس املستفادة من الحرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬ثُ َّم شهد نشاط كتابة العقائد ال َعسكَ ِريَّة تطوراً ملحو اً أثناء الحرب الباردة‪َ ،‬حيْ ُ أنتجت‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-6.‬‬
‫)‪ (2‬امل در ن س ‪.)Introduction.‬‬

‫‪44‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫طبيعة الحرب طاً جديداً من الرصاع بني القطبني السوفييتي واألَ ْم ِر ْي ِ ّ‪ ،‬يز ب سلوب‬
‫املواجهة غري املبارشة من خالل دعم وت ييد التمردات‪.‬‬

‫ثُ َّم وصل نشاط ت لي العقائد ال َعسكَ ِر َّية األمريك َّية إىل أوجِ ِه خالل حمالت مكافحة‬
‫اإلرهاب والحرب عىل القاعدة‪ ،‬وقمع الثورات يف العراق وأفغانستان‪ ،‬وكان يف مجمله يُ َ ِّص ُل ‪-‬‬
‫وقتها‪ -‬ملفهوم حروب مكافحة التمرد وأبعادها‪.‬‬

‫إ اً‪َ ،‬ما نرا اليوم من تراث عقائد أمري ليس نتاج سنة واحدة أو اثنتني‪ ،‬بل ُه َو خالصة‬
‫عمل مضني من الت لي والبَ ْح والتدقيق والتعديل استمر قرابة الستني سنة‪ ،‬قامت ِب ِه مختل‬
‫امل سسات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬بداي ًة من الحروب العاملية األوىل والثانية ات الطابع التَّ ْقلِي ِد ّ ‪ ،‬مروراً‬
‫ِبالحرب الباردة ات النمط االستخبار ‪ ،‬وصوالً إىل حروب مكافحة اإلرهاب وقمع التمردات‬
‫والحروب الهجينة‪.‬‬
‫ومن باب أوىل‪ ،‬ال ميكن للحركة الثَّ ْو ِريَّة الناشئة أن تُوجد عقيدة عسكرية‬
‫خاصة ِب َها يف يوم وليلة‪ ،‬إ ال بد لعملية صياغة العقيدة أن ت خذ وقتها‪ ،‬وال بد‬
‫للم سسات ال َعسكَ ِريَّة الثَّ ْو ِريَّة أن ارس دورها يف إثراء َه َذا املفهوم من خالل‬
‫العديد من األنشطة الثقافية مثل الندوات الحوارية بني القادة وكتابة الورقات‬
‫البحثية وإعداد امللخصات‪...‬إل‬

‫تكون العقيدة يف أول أمرها عبارة عن مجموعة من األفكار لدى النخب والقادة‬
‫العسكريني‪ ،‬ثُ َّم يَتُم مع الزمن تدوينها وتوثيقها واعتامدها‪ .‬ونتيجة لألنشطة املشرتكة بني القادة‬
‫يف امليدان واملفكرين؛ تبدأ العقيدة ال َعسكَ ِر َّية الثَّ ْو ِر َّية بالوضو ‪ ،‬فتكون مجمل ًة أول األمر‪،‬‬
‫الجوانب دون غريها‪ ،‬لكنها مع سنني الخ ة تصبح أك عمقاً وتفصيالً‪،‬‬ ‫ومختزلة يف بع‬
‫ويصبح لَ َها ن اتها ووثائقها الخاصة التي يَتُم تحديثها بِشَ كْلٍ دور ‪ ،‬وقد يختص بعضها مع‬
‫الوقت ببيئة معينة‪ ،‬مثل عقيدة القتال يف الجبال أو يف الغابات أو يف الصحار ‪ .‬أو بطبيعة‬

‫‪45‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫حرب معينة‪ ،‬مثل عقيدة القتال يف الحرب النظامية أو الحرب الثَّ ْو ِر َّية أو الحرب الهجينة‪ ،‬كام‬
‫قد يكون بعضها خاصاً بسال معني‪ ،‬مثل عقيدة السال النوو أو عقيدة سال الجو‪...‬إل ‪.‬‬

‫وفيام ي ميكن أن نلخص مراحل تكوين العقيدة يف الخطوات التالية‬

‫مالحظات يف أ هان القادة واملفكرين نتيجة التجارب والحروب السابقة‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫‪ .1‬تتشكل‬
‫‪ .2‬بداية تدوين َه ِذ ِه األفكار لتصبح نظريات عسكرية قيد التجريب‪.‬‬
‫‪ .3‬النظريات التي تُثبت صحتها يَتُم اعتامدها من قبل ال ِق َيا َدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬و َه َذا َما يشكل‬
‫النواة األوىل للعقيدة‪.‬‬
‫‪ .4‬تُوثَّق َه ِذ ِه العقائد يف مجموعة من املنشورات واألدلة امليدانية ويتم تعميمها‪.‬‬
‫فيتوسع بعضها و ُيعاد صياغة‬
‫َّ‬ ‫‪ .5‬مع تقدم الزمن تتعرض َه ِذ ِه املنشورات إىل التحدي‬
‫بعضها ا خر وتنش منشورات جديدة‪ ،‬بينام قد يُستغنى عن القدمية‪.‬‬
‫‪ .6‬مع تراكم الوثائق واملنشورات‪ ،‬يَتُم تَنْ ِظيْم َه ِذ ِه العقائد وفق مجاالت محددة‪ ،‬ليظهر لنا‬
‫عقائد خاصة بال أو الجو أو البحر‪ ،‬وعقائد خاصة بالحروب النظامية وأخرى‬
‫بالتقليدية‪ ،‬وهكذا‪...‬‬

‫‪46‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫والس َي َاسة الوطنية والظرو‬


‫تت ثر الحرب جموعة من العوامل مثل املناخ والتضاريس ِّ‬
‫الدولية وطبيعة العدو‪...‬إل وألن َه ِذ ِه العوامل تتغري باستمرار‪ ،‬ف ن الحرب ال ميكن أن تكون‬
‫قالباً ثابتاً‪ ،‬إنها تغري شكلها كلام تغريت عواملها وعنارصها‪َ ،‬حتَّى أنك قد تجد من الفروق بني‬
‫حرب وأخرى َما يجعلك تعجز عن إيجاد وج ِه تشابه بينهام‪.‬‬

‫وألن العقائد نتجت عن دراسة الحروب و ُوجدت لرتشد القادة أثناء قيادتها‪ ،‬ف نها أيضاً‬
‫ينبغي أن تتكي مع َه َذا التغري إن لَ ْم نقل َي ُ‬
‫جِب أن تسبقه‪ ،‬ويف َه َذا الصدد يقول الدليل‬
‫األَ ْم ِريْ ِ ّ‪" :‬ل َْم تكن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ثابتة دا اً وال ينبغي أن تكون كذلك‪ )1(.‬يف حني أن‬
‫املنشورات لَ َها فرتات صالحية أطول من غريها‪ ،‬إال أن جميعها عرضة للتغيري‪ ،‬وقد تَ َّم‬ ‫بع‬
‫املنشورات لَ ْم يعد يُعمل ِب َها‬ ‫تغيريها كلها تقريبًا عىل مدار عمرها االفرتايض‪ .‬و ُهنَا َ بع‬
‫أصالً‪ ،‬بينام تعرض بعضها إلعادة الصياغة أك من اثنتني وع ين مر ًة عدل مرة واحدة‬
‫ك ُّل خمس سنوات ‪)2(.‬‬

‫َأ َه ّم َما ميكن أن يدفعنا إىل تحدي العقيدة‪:‬‬

‫‪ .1‬مواكبة العدو‪ ،‬وما وصل إليه من تكتيكات وتقنيات ومعدات‪.‬‬


‫‪ .2‬اكتشا نهج جديد أك فائدة ع تحليل الدروس املستخلصة من الحروب‪.‬‬
‫‪ .3‬تبدّ ل الظرو املحيطة مثل‪ :‬الجغرافيا والدميغرافيا واالعتبارات املدنية وما إىل َ لِكَ ‪.‬‬

‫َ َا ا طال ‪ ،‬ك ري من جوانب العقيدة األمريك َّية ال الت ابتة َحتَّ ا ن‪ .‬وبال سبة ل ا نَ ن‬ ‫)‪َ (1‬ا َ نوع من املبال ة‬
‫املسلم ال ي ل ن نقول ن العقيدة ال َعس َك ِريَّة كل ا مت رية‪ ،‬ر وجود بع ال وانب التي يَ ِب ن تكون مت رية ت ت‬
‫وطأة تطور ال ر ‪ ،‬ال ن ك ريا من ال وانب األ ر ال كن ن تت ري‪ ،‬ا ة تِل َ املتعلقة بالعقيدة ا المية‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-28.‬‬

‫‪47‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫جِب أن ي د أ تحدي يف العقيدة إىل تغيري سلو ال ُق َوات العاملة‪.‬‬


‫يف ك ُّل األحوال‪َ ،‬ي ُ‬
‫وأ تغيري ‪-‬مهام كان صغرياً‪ -‬سيتطلب إنفاق مزيد من املوارد‪ .‬ليست ك ُّل التغيريات مهمة حقًا‪،‬‬
‫ولكن معظمها يولد الحاجة إىل إنفاق الكثري من املوارد‪ ،‬لذا ف ن التغيري ينبغي أن يضي قيمة‬
‫كبرية للعمليات الحربية‪ ،‬وإال ف نه سيعود بنتائج عكسية؛ وسيهدر وقتاً يناً وموارد قيمة‪)1(.‬‬

‫سيرتتب عىل أ تحدي يف العقيدة العديد من الت ثريات‬

‫‪ .1‬ينبغي تدريس َه ِذ ِه التغيريات يف م سسات التدريب ال َعسكَ ِر ّ وإعداد املناهج املناسبة‬


‫لَ َها‪.‬‬
‫‪ .2‬ال بد من توضيح َ لِكَ للقادة والجنود‪َ ،‬ما الَّ ِذ تَ َّم إلغا و ا ا ت ََّم استبداله‬
‫‪ .3‬ينبغي أن تصل التوجيهات املناسبة مل سسات التصنيع الحر لتواكب َه ِذ ِه التحديثات‪.‬‬

‫وليصبح َه َذا التغيري فعاالً ف نه سي خذ وقتاً طويالً‪ ،‬وإن األمر سيحتاج إىل بضع سنوات‬
‫ليصل َه َذا التحدي إىل جميع الوحدات العاملة ِب ِه‪ ،‬ولهذا السبب يل امل سسات ال َعسكَ ِريَّة إىل‬
‫إحداث تغيريات تدريجية وليست ثورية‪ ،‬ولن يقوم ال َجيش ب تعديل للعقيدة إال بعد أن يت كد‬
‫ب ن ه ِذ ِه املخاطرة تستحق َ لِ ‪)2(.‬‬
‫كَ‬ ‫َ‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-30.‬‬
‫‪(2) Dr. Aaron P. Jackson, The Roots of Military Doctrine Change and Continuity in Understanding the‬‬
‫‪Practice of Warfare, Combat Studies Institute Press, US Army Combined Arms Center, Fort Leavenworth,‬‬
‫‪Kansas, p 1.‬‬

‫‪48‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫ل‬ ‫م‬

‫كام يتضح من الخصائص السابقة‪ ،‬ف ن العقيدة ِه َي الج بني النظرية والتطبيق‪ ،‬وبني‬
‫اسية‪)1 :‬‬
‫الفكر والعمل‪ .‬ومن َه َذا املنطلق ميكن القول إنها تتكون من ثالثة عنارص أَ َس ِ َّ‬

‫إنها مجموعة من األفكار الراسخة والنظرية حول طبيعة الحرب‬ ‫أوالً عنرص فكر‬
‫ومفاتيح النجا يف ساحة امل َ ْع َركَة‪ ،‬ت ََّم استمدادها من الدروس السابقة والدراسات العميقة‪ ،‬وال‬
‫تزال ات صلة بواقع اليوم‪.‬‬

‫طبيعة الحرب يف‬ ‫ثانياً عنرص عم ‪ :‬للعقيدة أيضاً جانب دينامي من َحيْ ُ أنها تف‬
‫ضوء الظرو الحالية‪ ،‬لضامن استخدام وت هيل وتدريب ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة بِشَ كْلٍ صحيح‪.‬‬

‫ثالثاً عنرص تنبئي‪ُ :‬هنَا َ جانب كبري من العقيدة يحلل الرصاعات األخرية من أجل التعلم‬
‫منها للرصاعات الالحقة‪ .‬إنه ينظر إىل املايض من أجل اقرتا طرقٍ فعالة الستخدام القوة‬
‫ال َعسكَ ِر َّية يف املستقبل‪.‬‬

‫‪(1) MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬

‫‪49‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫الشكل ‪ 6‬فوائد العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬

‫تقوم الجيو باستخدام العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ك داة للقيادة والسيطرة‪ ،‬للتعليم والتدريب‪،‬‬
‫للتوجيه‪ ،‬وأخرياً للتقييم والتحليل‪1(.‬‬

‫ثُ َّم إن تطبيق الجيو للعقائد ال َعسكَ ِريَّة يعود َعلَ ْي َها بالعديد من الفوائد والثامر النافعة‬
‫‪ .1‬تشكل منطلقاً لفهم طبيعة الرصاع امل ُ َسلَّح‪.‬‬
‫‪ .2‬تقدم دليالً الستخدام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف الحرب‪.‬‬
‫‪ .3‬تشكل أرضية ثقافية مشرتكة ألعضاء ال َجيش‪.‬‬
‫‪ .4‬تعزز فاعلية وت ثري ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬
‫‪ .5‬تساعد القادة والجنود عىل اإلبداع واملبادرة‪.‬‬
‫‪ .6‬تصنع لغة مشرتكة بني ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬
‫وفيام ي رش لِك ُِّل فائدة‪.‬‬

‫?‪(1) Anders Puck Nielsen, what is military doctrine‬‬

‫‪50‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫م ل‬

‫تعمل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة كمنطلق لفهم طبيعة الرصاع الحايل أو املستقب ‪ ،‬ألن الحروب‬
‫رتاتِيجِ يَّات والتكتيكات والتقنيات املستخدمة فيها‪ ،‬ومن املفرتض‬
‫متنوعة وتنوعها ي ثر عىل اإل ِْس ِ َ‬
‫أن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة للجيش تقدم تقسيامً واضحاً ألنواع الحروب وخصائص ك ُّل نوع‪ ،‬وكَيْ َ‬
‫ميكن ييز ‪.‬‬

‫من جهة أخرى البد أن تحتو العقيدة نظرة فلسفية للحرب‪َ ،‬ه ْل ِه َي حدث عشوا كام‬
‫ا خر َه ْل الحرب وسيلة‬ ‫أم ُه َو تدافع منظم ل رادات اإلنسانية كام يقول البع‬ ‫يقول البع‬
‫أم غاية َه ْل ينبغي عىل جيشنا أن يشن الحرب فقط للدفاع عن أمته أم أنه يحق لَهُ أن يبتدر‬
‫األمم األخرى ِبالحرب وإن كان كذلك‪َ ،‬متَى ولِ َام َ ا ومن يَ ُ‬
‫جِب أن نحارب‬

‫عىل سبيل املثال ننقل ُهنَا جزءاً من العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريك َّية وتفسريها لفلسفة الحرب‬
‫إن الحرب رصاع إرادات إنسانية يف األساس‪ .‬إنها ليست َع َملِيَّة ميكانيكية ميكن التحكم فيها‬
‫بدقة‪ ،‬بواسطة الت أو إحصائيات أو قوان ن ثابتة‪ .‬يف األصل‪ ،‬ك ُّل الحروب تدور حول تغيري‬
‫‪ .‬إنها رصاع عقل بني طرفني أو أك ‪َ ،‬ح ْي ُ يحاول ك ُّل طر تغيري سلو‬ ‫السلو الب‬
‫الطر ا خر‪ .‬غالباً َما يَتُم تحديد النجا يف ال َع َملِ َّيات من خالل قدرة القائد عىل التفوق عىل‬
‫الخصم‪.‬‬

‫يف حني أن شجاعة الجنود وتضحياتهم رضورية لتحقيق النرص‪ ،‬إال أن َه ِذ ِه املعنويات لن‬
‫ر الَّ ِذ تحدثه القرارات السيئة للقائد‪ ،‬خاصة إ ا كان العدو كفئاً وقادراً‬ ‫ال‬ ‫تستطيع تعوي‬
‫عىل التكي ‪ .‬إن الجانب ا َّل ِذ يتنب بِشَ كْلٍ أفضل‪ ،‬ويتكي ب عة أك ‪ُ ،‬ه َو ا َّل ِذ يحقق النرص‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫لكن الحرب ِه َي أك بكثري من مجرد رصاع إرادات؛ إنها أيضاً ثل الخو والعاطفة‬
‫والصداقة الحميمة والبطولة والحزن‪ .‬ت ثر َه ِذ ِه املشاعر‪ ،‬والعديد من املشاعر األخرى‪ ،‬عىل‬
‫إدارة الحرب‪ .‬إنها ت ثر عىل كَيْ َ و َمتَى يقرر القادة املثابرة و َمتَى يستسلموا‪ .‬يَج ُِب أن تعرت‬
‫العقيدة بالطبيعة الب ية وتراعيها ‪)1(.‬‬

‫************‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 3-3, 3-4.‬‬

‫‪52‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫م‬

‫توفر العقيدة لغة مشرتكة تسمح للوحدات بتمرير قدر كبري من املعلومات ب عة وإيجاز‪.‬‬
‫إ ا كان الجنود والقادة يفهمون املعايري املحددة يف العقيدة يف مختل املستويات ف ن َ لِكَ‬
‫سيساعدهم عىل التواصل فيام بينهم‪ ،‬وإرسال التقارير‪ ،‬وتبادل الخ ات‪ ،‬وتلقي التدريبات‪،‬‬
‫وتقدير املوق ‪ ،‬وسيعزز الفهم بني طبقات ال ِقيادة والجنود‪)1 .‬‬
‫َ َ‬

‫تكمن األهمية الك ى لِ َه ِذ ِه اللغة املشرتكة يف كونها تسهل بِشَ كْلٍ كبري التنسيق بني مختل‬
‫التخصصات ال َعسكَ ِر َّية والوحدات املشرتكة وال ُق َوات الجوية وال ية والبحرية‪ ،‬و كنها من‬
‫التعبري عن أفكارها بدقة‪ ،‬وفهم أفكار ا خرين بوضو ‪ ،‬خاصة وأن الحرب يف تاريخنا املعارص‬
‫ال ميكن أن تستغني عن ال َع َم ِليَّات املشرتكة بني القوى الجوية وال ية والبحرية والفضائية‪ ،‬بينام‬
‫كانت يف السابق ميكن أن تقترص عىل مجال واحد من َه ِذ ِه املجاالت‪2 .‬‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 2.‬‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-15.‬‬

‫‪53‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬ ‫خ‬

‫ثل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة "الهيكل الَّ ِذ تتجىل فيه املعرفة املهنية التي تو ِّجه أداء الجنود‬
‫أسلوب العمل‪ .‬وكام ينبغي أن يتمتع األطباء بدرجة عالية من الكفاءة‬ ‫ملهامهم‪ .‬فالعقيدة‬
‫جِب عىل العسكريني أن يتحلوا بالكفاءة واملعرفة فيام‬
‫واالطالع عىل أحدث املعار الطبية‪ ،‬يَ ُ‬
‫يتعلق بالعقيدة‪ ،‬إ يعتمد بقاء الجنود الَّ ِذي َن يشكلون قوام ال َجيش عىل قيد الحياة ‪-‬ناهيك عن‬
‫أمن األمة‪ -‬عىل استيعاب الجنود والقادة كافة وإتقانهم هيكل املعار املهنية‪ ،‬أال َو ُه َو‪:‬‬
‫العقيدة ‪1 .‬‬

‫تقوم العقيدة عىل فهم دقيق لطبيعة الحرب‪ ،‬وميكِّن َه َذا الفهم القادة من‬
‫التعامل مع حاالت الضغط والشك الناجمة عن ضبابية واختالط ال َع َملِ َّيات"‪2 .‬‬

‫توفر العقيدة للقادة والجنود إرشادات قيمة للتغلب عىل َه َذا الشك الَّ ِذ يشوب الحرب‪،‬‬
‫وتساعدهم عىل اتخا القرارات السليمة‪ ،‬من خالل تقديم مناهج تَ َّم اختبارها سابقاً يف رو‬
‫مشابهة‪ .‬ولعل أعظم ثار العقيدة عىل اإلطالق أنها ا ن تساعد قادة األركان يف استخدام مختل‬
‫أقسام القوات املسلحة ال ية والجوية والبحرية ‪ ،‬فقد تضخَّم حجم هذ األقسام وازدادت‬
‫عنارصها ووحداتها االختصاصية وك ت تعقيداتها إىل درجة جعلت قيادتها يف معركة واحدة‬
‫مجتمع ًة عملية معقد ًة للغاية ال ميكن دا ها دون أ ِدلَّة وتعاليم تس ِّهل لك‪.‬‬

‫باإلضافة إىل َ لِكَ ‪ ،‬توسع العقيدة ال َعسكَ ِريَّة من خ ات القائد واألركان إىل َما ُه َو أبعد ِم َّام‬
‫مروا ِب ِه شخصياً‪ ،‬إنها ت خذهم إىل َما واجهه السابقون من القادة املحرتفون وتو ِّرثهم الحكمة‬
‫التي تعلموها‪ ،‬كام أنها تساعدهم عىل فرز املهم عن غري املهم‪ ،‬والروتني عن االستثنا ‪3 .‬‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-1.‬‬
‫)‪ (2‬امل در ن س ‪1-11.‬‬
‫)‪ (3‬امل در ن س‬

‫‪54‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫طها العام‪ -‬متشابهة إىل حد كبري‪ ،‬ميكن أن توفر‬ ‫وألن ال َع َملِ َّيات ال َعسكَ ِر َّية ‪-‬من َح ْي ُ‬
‫حال بنسبة انني إىل تسعني يف املائة ملعظم األسئلة‪ِ ،‬م َّام يسمح‬
‫العقيدة املطبقة بِشَ كْلٍ صحيح ً‬
‫للقادة بالرتكيز عىل الباقي‪ ،‬والَّ ِذ يتضمن عاد ًة تكييفًا لعملية معينة‪1 .‬‬

‫*‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 3.‬‬

‫‪55‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫م‬

‫توفر العقيدة إطاراً مرجعياً مشرتكاً ومنظوراً ثقافياً موحداً للجيش‪ )1 ،‬من خالل توفري‬
‫مجموعة مشرتكة وموحدة من املباد والتكتيكات والرموز واإلجراءات‪َ ،‬و ُه َو َما سيعزز املرونة‬
‫والحركة ورد الفعل ال يع عىل الفرص والتهديدات الناشئة‪ ،‬وسيضمن التكي املرن مع‬
‫املتغريات‪)2 .‬‬

‫رتاتِيجِ يَّات وال َع َملِيَّات والتكتيكات‬


‫ف ن اإلرشادات التي تتضمنها العقيدة حول اإل ِْس ِ َ‬
‫والتقنيات املناسبة‪ ،‬تعزز الفهم املتبادل بني ال ُق َوات‪ ،‬وبني ال ِق َيا َدة العليا والدنيا‪ .‬ولن يضطر‬
‫القادة ِعنْدَ اتخا القرارات الحاسمة إىل الدخول يف التفاصيل الدقيقة‪ ،‬بل سيحصلون عىل‬
‫يعة إ ا كان من تحتهم يفهم العقيدة جيداً‪.‬‬ ‫مبادرة‬

‫جاء يف الدليل األَ ْم ِريْ ِ ّ للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪" :‬إنها توفر إطاراً مفاهيمياً ملساعدة القادة عىل‬
‫فهم بيئة ال َع َملِيَّات‪ ،‬وتَنْ ِظيْم وتوجيه التفكري أثناء ال َع َملِيَّات‪ ،‬وتصور كيفية االنتقال من الحالة‬
‫الحالية إىل الحالة النهائية املطلوبة‪ ،‬واستنتاج املهام واملس وليات املوكلة للوحدات‪ ،‬وتقييم‬
‫جِب أن تسهل العقيدة من التفكري يف ال َجيش‪ ،‬ال أن تق ِّيد "‪3 .‬‬
‫الخطط‪ .‬لذا‪َ ،‬ي ُ‬

‫‪(1) British Ministry of Defense, The Development, Concepts and Doctrine Centre (DCDC), Developing‬‬
‫‪Joint Doctrine Handbook (4th edition), 105.‬‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-3.‬‬
‫‪(3) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 4-2.‬‬

‫‪56‬‬
‫ا صائص ا و وائد ا‬

‫ل‬

‫فهم الحرب بِشَ كْلٍ جيد‪ ،‬ووجود أرضية ثقافية ولغة مشرتكة‪ ،‬ك ُّل َ لِكَ سيكون سبباً يف زيادة‬
‫فاعلية الوحدات ال َعسكَ ِريَّة‪ .‬فالعقيدة تلتقط َما ثبتت فائدته يف املايض وتوفر مجموعة من‬
‫األدوات التي يعتقد القادة أنها ستظل صالحة أثناء ال َع َملِيَّات الحالية واملستقبلية‪ ،‬ولقد صمدت‬
‫الكثري من العقائد أمام اختبار الزمن‪.‬‬

‫ال ميكن للعقيدة أن ت خذ يف الحسبان ك ُّل ر ‪ ،‬إنها دا اً نقطة جيدة لالنطالق‪،‬‬


‫فالتطبيق الخالق للرتكيبات املختلفة من َه ِذ ِه األدوات العقائدية التي تتكي مع الظرو‬
‫املحددة ُه َو الفن الحقيقي للحرب‪ .‬بالنسبة للقادة والجنود الَّ ِذي َن ليسوا عىل دراية بالعقيدة‪،‬‬
‫ف ن ك ُّل َع َملِيَّة ِه َي تعلم تجريبي أسا ‪ ،‬لكن مع مجموعة واسعة من الخ ات املتاحة من خالل‬
‫دراسة العقيدة‪ ،‬يجعل القادة والجنود ك ُّل َع َملِيَّة أك من مجرد تعليم أسا ‪ ،‬بل خطوة متقدمة‬
‫من الفهم واملعرفة‪)1(.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬إن الحرب اليوم أصبحت تعتمد عىل التعاليم والوصايا أك من أ وقت‬
‫‪ ،‬و َ لِكَ نتيجة التطورات العلمية والتقنية التي دخلت عىل األسلحة واملعدات ووسائل‬ ‫م‬
‫ال ِق َيا َدة والسيطرة واالتصال‪ ،‬فال عة ِه َي ميزة الحرب الحديثة‪ ،‬وقرص أمدها جعل الوقت‬
‫محدوداً وضيقاً دا اً‪ ،‬ولهذا السبب ال غنى لِك ُِّل َجيش عن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة التي تقدم للقوات‬
‫أك قدر من التعاليم واإلرشادات فتجعلهم أك قدرة عىل اتخا القرارات دون الحاجة لتلقي‬
‫درجات الالمركزية‪)2( .‬‬ ‫األوامر‪ ،‬وب ق‬

‫************‬

‫)‪ (1‬امل در ن س ‪1-12.‬‬


‫‪ )2‬طار م مود كر ‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة وتطورات ا‪ ،‬ص ‪24‬‬

‫‪57‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫من َأ َه ّم فوائد العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أنها تعزز السامت الشخصية يف القادة‪ ،‬إ تشجعهم عىل‬
‫املبادرة واإلبداع والتكي ‪ ،‬إنها واسعة وعميقة ا يكفي لتغطية املواق املختلفة‪ ،‬كام أن مرونتها‬
‫ُ َكِّ ًن القادة من التعامل مع املواق غري املتوقعة واملتطورة‪.‬‬

‫وألنها أداة للتقييم والتعليم والتوجيه‪ ،‬ف ن َ لِكَ ينمي القدرات الذهنية للقادة‪ ،‬ويساعدهم‬
‫عىل تحديد َما ُه َو ثابت وما ُه َو متغري يف الحرب‪ ،‬وميكنهم من اإلبداع يف مواكبة َه ِذ ِه التغريات‬
‫ا يخدم ك ُّل موق ‪)1(.‬‬

‫‪(1) British Ministry of Defense, The Development, Concepts and Doctrine Centre (DCDC), Developing‬‬
‫‪Joint Doctrine Handbook (4th edition), 105.‬‬

‫‪58‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ل‬ ‫م‬

‫ِعنْدَ َما تعر العدو‪ ،‬وتعر قدراتك‪ ،‬ف نت ال شك سو تحرز النص ر‪،‬‬
‫عندَ ما تعر حالة الجو واألرض‪ ،‬ف ن نرص سيكتمل‪)1( .‬‬
‫وِْ َ‬
‫سون أتزو‬
‫ر صياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة بعملية معقدة من الت ثريات املختلفة‪َ ،‬فه َِي أوالً استقصاء‬
‫شامل ملجموعة من املدخالت املتغرية عىل مستوى البيئة والتهديدات واملوارد وتجارب التاري ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وسائل حربي ًة ف َّعال ًة ودروساً‬
‫َ‬ ‫ثُ َّم ِه َي استنتاج للعديد من املخرجات التي ثل يف الحقيقة‬
‫مستفاد ًة تخدم ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف حروبها الحالية واملستقبلية‪ .‬وقد سبق معنا يف الفصول‬
‫السابقة الحدي عن مفهوم العقيدة وخصائصها وموقعها يف التفكري ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬وا ن سنتناول‬
‫يف َه َذا الف َْصل املدخالت التي تنطلق منها‪.‬‬
‫تدور الحرب حول كيفية إدارة الرصاع‪ .‬ويف حني أن طبيعتها ثابتة‪ ،‬إال أن‬
‫الحرب تتغري باستمرار‪ .‬إنها تت ثر بالتغريات يف القانون الدويل والتكنولوجيا‬
‫والسيَ َاسة والوطنية‪،‬‬ ‫والهياكل التنظيمية واملفاهيم العملياتية والرأ العام ِّ‬
‫ومجموعة من العوامل األخرى‪ .‬قد يكون للحرب أوجه تشابه مع مرور الوقت‪،‬‬
‫الثوابت يف‬
‫َ‬ ‫لكن سيكون لَ َها أيضاً اختالفات كبرية‪ ،‬لذا يَ ُ‬
‫جِب أن ت خذ العقيدة‬
‫الحسبان ثُم تكي الحرب مع الظرو السائدة يف بيئة العملِيات ‪)2( .‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫(الدليل األَ ْم ِريْ ِ ّ)‬

‫(‪ )1‬ن تزو‪ ،‬ن ال ر ‪ ،‬داد حمد نا ي ‪ ،‬دار الكتا العر ‪ ،‬دمش ‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2010 ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 3-7.‬‬

‫‪59‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫م م‬

‫محل شد وجذب‬
‫الزالت اإلجابة عن هذا الس ال َّ‬
‫وقفت عليها‬
‫ُ‬ ‫بني الباحثني‪ ،‬وتخلو معظم املراجع التي‬
‫من و ج واضح يَذكر العنارص التي تُستمد منها‬
‫العقائد العسكرية‪ ،‬لكنني وجدت أن هارالد هاوبا (‪)1‬‬

‫قد أجاد فعالً يف كتابه فهم العقيدة العسكرية‬


‫أصل لثالثة أركان أساسية مست نساً ب راء‬
‫عندما َّ‬
‫مفكرين سابقني مثل كالوزفيتز و فولر ‪ ،‬واعت أن العقيدة العسكرية تحو ثالثة عنارص‬
‫مركزية‪)2(:‬‬

‫كلية الد اع ال وي ية‪ .‬حا ل‬ ‫ي ة التدري‬ ‫(‪ )1‬ارالد اوبا ‪ :‬مق َّد القوات ال وية ال وي ية‪ ،‬يعمل مستشارا‬
‫نظرية املعر ة للعقيدة‬ ‫دكتورا ال لس ة من جامعة و لو‪ ،‬وماجستري التاري من جامعة جال كو‪ ،‬و و باح‬
‫العسكرية وتاري األ كار العسكرية‬
‫‪(2) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach, Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 56.‬‬

‫‪60‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫‪ -1‬السلطة‪ :‬هي امل ثر األول يف العقائد العسكرية‪ ،‬فمنها تصدُ ر السياسات العامة والقوانني‬
‫التي تضبط حرا القوات املسلحة‪ ،‬ومنها تن ُبع األهدا االسرتاتيجية العامة التي ستحدد القياد ُة‬
‫العسكرية عىل ضوئها طبيع َة الحرب‪ ،‬وهي التي تحدد التهديدات املستقبلية و يِّز األعداء عن‬
‫الحلفاء‪ ،‬وما إىل لك من التوجيهات السيادية التي تتلقاها القوات املسلحة من القيادة العليا‬
‫يف الدولة‪ ،‬فالجيش ‪-‬أوالً وأخرياً‪ -‬ليس إال أدا ًة من أدوات السلطة‪ ،‬وال مناص أن تت ثر عقيدتُه‬
‫العسكرية بر ية تلك السلطة وأوامرها‪.‬‬
‫إضافة إىل لك‪ ،‬ف ن طبيعة السلطة بحد اتها ستلقي بظاللها عىل العقيدة العسكرية‪،‬‬
‫فلن يكون ت ثري الحكومة القهرية الدكتاتورية عىل الجيش مثل ت ثري الحكومة التي جاءت‬
‫باختيار السكان‪ ،‬إ قد ينحرص تركيز األوىل يف استخدام القوة العسكرية لتوطيد حكمها وت مني‬
‫نفسها من املعارضة الداخلية‪ ،‬بينام قد تتوجه الثانية ألهدا أوسع‪ ،‬مام سينعكس لك عىل‬
‫كفاءة وتنظيم وتسليح الجيش‪.‬‬
‫‪ -2‬الثقافة السائدة يُع ِّ عنها "هاوبا " ب نها "كل ما ينتقل اجتامعياً ‪-‬وليس بيولوجياً‪-‬‬
‫‪ ،‬وهي االلتزام املشرت بنفس مجموعة القيم واملعتقدات واألعرا ‪ )1(.‬إ اً‬ ‫يف املجتمع الب‬
‫فاألعرا العسكرية واالجتامعية السائدة واملعتقدات الدينية وما وصلت إليه البالد من تطور‬
‫عىل مستوى التقنية والعمران‪ ،‬وما تختص به من عوامل جغرافية ودميغرافية‪ ،‬كل لك يصنع‬
‫الثقافة التي يتحدث عنها "هاوبا " ويعت ها ركيز ًة مهمة يف تكوين العقيدة العسكرية‪.‬‬
‫‪ -3‬النظريات‪ :‬هي ما ُينتجه العقل العسكر من أفكار‪ ،‬ليشمل لك نظريات املفكرين‬
‫العسكريني األوائل مثل جوميني وكالوزفيتز‪ ،‬والنظريات العسكرية الحديثة ما بعد الحربني‬
‫العامليتني األوىل والثانية‪ ،‬والدروس املستفادة من التجارب التاريخية‪ ،‬واملستخلصة من املعار‬
‫والحروب السابقة‪.‬‬

‫‪(1) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach, Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 22.‬‬

‫‪61‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫نابع األساسية للعقيدة العسكرية‪،‬‬


‫يف املحصلة‪ ،‬ميكننا القول إن هذ العنارص الثالثة هي امل ُ‬
‫اخرتت التفصيل أك‬
‫ُ‬ ‫وكل ما س كر تباعاً من ُمنطلقات ليس إال جزءاً منها ُم ٌ‬
‫ندرج فيها‪ ،‬لكنني‬
‫عدت توزيعها‬
‫يف ال ُمرتكزات وعدم االكتفاء بالتقسيم الثال من باب اإليضا والبيان‪ ،‬ف ُ‬
‫لتصبح العقيدة العسكرية قا ًة عىل ع ة مرتكزات‪ ،‬من بينها خمسة يف البيئة الداخلية‪،‬‬
‫وخمسة ُأخر يف البيئة الخارجية‪.‬‬

‫ما كرته مت خراً قد‬ ‫وترتيبي لها بهذا الشكل ليس من حي األهمية واألولية‪ ،‬ألن بع‬
‫يكون أشدَّ أثراً يف العقيدة العسكرية مام كرتُه أوالً‪)1 .‬‬
‫َّ‬

‫)‪ (1‬املباح التالية قس م ادر العقيدة العسكرية من حي مو ع ا البي ة الدا لية و ال ارجية ولي و األ مية‬
‫واألك را‪ ،‬لك ا ن ردنا ن ن ا حسب األ مية واألولية التأ ري‪ ،‬ن طبيعة السلطة وتوجي ات ال كومة وما تقدم‬
‫من توجي يا وا رتاتي ي يأ وال‪ ،‬ت ليل بي ة العدو‪ ،‬ت ليل البي ة الدا لية للقوات ال ديقة‪ ،‬و ال ال ي‬
‫امل ادر األ ا ية‪ ،‬وتأ بعد ل تبا ا امل رات األ ر م ل اال تبارات املدنية والد را يا والتق ية وما ىل ل‬

‫‪62‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫الشكل ‪ 7‬منطلقات مدخالت صياغة العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬

‫‪63‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫خ‬ ‫م ل‬

‫يستند القادة العسكريون يف اعتامد نصوص العقيدة ال َعسكَ ِر َّية عىل منطلقات داخلية‬
‫وأخرى خارجية‪ ،‬ويف َه َذا امل َ ْب َح سنتناول املنطلقات يف البيئة الخارجية‪َ ،‬و ِه َي‪:‬‬

‫‪ .1‬األعداء والتهديدات‪.‬‬
‫‪ .2‬الجغرافيا‪.‬‬
‫‪ .3‬الدميغرافيا‪.‬‬
‫‪ .4‬التقدم التكنولوجي‪.‬‬
‫‪ .5‬االعتبارات املدنية‪.‬‬
‫وفيام ي رش لِك ُِّل منها‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫تعتمد العقيدة عىل وجود تقييم واضح وموجز للتهديد املتوقع أن تواجهه ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬
‫عىل وجه الخصوص‪ ،‬ميكن أن يكون التغيري يف نية أو قدرة العدو املحتمل ت ثريٌ عميق عىل‬
‫العقيدة الحالية‪ .‬وإن التغريات التي يجريها العدو عىل مستوى عقائد ال َعسكَ ِريَّة وتقنياته‬
‫يع وتغيريات مجارية لَها من جهتنا‪)1 .‬‬ ‫وتكتيكاته ستتطلب إعادة تقييم‬
‫َ‬

‫يف الشكل التايل تظهر العنارص التي ينبغي مراقبتها يف العدو وتوقع التهديدات‬

‫الشكل ‪ 8‬عنارص فهم العدو لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬

‫‪(1) MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬

‫‪65‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫عىل سبيل املثال؛ كان التفوق السوفيتي يف ُعدَّ ة الحرب الكالسيكية ُه َو سبب توجه أمريكا‬
‫لتطوير السال النوو بداية من سنة ‪ 1954‬وتجهيزها ل بات نووية شاملة وواسعة‪َ ،‬و ُه َو َما‬
‫كانت تتوقع أن يحقق ردعاً ويحول دون تجر ِ أ دولة عىل مهاجمتها‪ )1(،‬لكن ِعنْدَ َما طور‬
‫السوفييت من قدراتهم النووية؛ عدلت الواليات املتحدة من سياستها سنة ‪ 1974‬إىل االستهدا‬
‫النوو املحدود‪ ،‬ألن االستهدا الشامل كان سي د إىل استهدا شامل أيضاً من قبل‬
‫السوفييت‪ .‬ثُ َّم اتجهت بعد َ لِكَ إىل دعم التمردات وج ِّر االتحاد السوفييتي إىل زيادة اإلنفاق‬
‫لينهار من الداخل‪.‬‬
‫من سبتم ‪ ،‬استيقظت الواليات املتحدة عىل عدو جديد‪ ،‬عدو‬ ‫وبعد هجامت الحاد ع‬
‫عابر للدول والقارات‪ ،‬مختل بِشَ كْلٍ جذر يف بنيته وأهدافه وتكتيكاته وتقنياته‪َ ،‬و ُه َو َما‬
‫أحدث ثورة بعد َ لِكَ يف العقائد ال َعسكَ ِريَّة األمريك َّية‪ ،‬وأنتج تراثاً هائالً من املناهج والوثائق‬
‫ال َعسكَ ِريَّة التي تتحدث عن طريقة خوض الحرب ضد القاعدة أو َما يسمونه مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫وفيام ي مقتط من الوثيقة ‪ )FM-1‬التي أصدرها ال َجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ تحديثاً لعقائد‬
‫ال َعسكَ ِر َّية يف مواجهة القاعدة‪:‬‬
‫بعد الحاد ع من سبتم ‪ ،2011‬ل َْم يعد يك ِ تركيز الدفاع عىل أخطار‬
‫رتاتِي ِجيَّة تتطلب أن‬
‫الدول األخرى واألعداء املعروفني فحسب‪ .‬إن البيئة اإل ِْس ِ َ‬
‫يرد ال َجيش عىل األخطار غري التَّ ْقلِي ِديَّة وغري املتكافئة كذلك‪ ،‬وأهمها أتباع‬
‫األيدولوجيات املتطرفة‪ .‬إن الحامية التي توفرها املسافة الجغرافية تتناقص‪،‬‬
‫بينام تتزايد إمكانية الهجوم عىل املدنيني والعسكريني واألهدا االقتصادية‪،‬‬
‫كام أن خطر هجومهم علينا ب سلحة دمار شامل تخلِّ ثاراً كارثية يجعل القيام‬
‫بعمليات استباقية ضد أولئك األعداء أمراً ملحاً"‪)2(.‬‬
‫ُ‬

‫(‪)1‬انظر‪ :‬بريت تشامبان‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة دليل مرجعي‪ ،‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪66‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫وكمثال حي من الحرب السورية‪ ،‬عدلت ال ُق َوات الر ِ‬


‫وس َّية واإليرانية من عقائدها الحربية‪،‬‬
‫عىل ضوء مواجهتها للتنظيامت الثَّ ْو ِريَّة التي تعتمد عىل السيارات املفخخة والهجامت‬
‫االنغامسية‪ ،‬ف صبحت ال ِقيَا َدة الر ِ‬
‫وسيَّة تعتمد عىل الدفاع يف العمق بدالً عن الدفاع األمامي‪،‬‬
‫بات الدقيقة‪ِ ،‬م َّام أثر بِشَ كْلٍ كبري‬ ‫والهجوم اللي عوضاً عن النهار ‪ ،‬واالستطالع الجو وال‬
‫بعد َ ِلكَ عىل مجريات امل َ ْع َركَة‪ ،‬وأفقد تكتيكات الثوار فاعليتها‪ ،‬وتسبب يف خسائر كبرية يف‬
‫صفوفهم‪ )1(.‬ثُ َّم ِعنْدَ َما أرادت روسيا تطبيق تجاربها املستفادة من سوريا يف أوكرانيا‪ ،‬فشلت‬
‫فشالً ريعاً‪ ،‬والسبب بسيط جداً‪ ،‬إن العدو ُهنَا َ مختل كلياً ‪-‬من َحيْ ُ الدعم والتسليح‪ -‬عن‬
‫الَّ ِذ يف سوريا‪.‬‬

‫سط ‪ ،2016‬وم َلِ َ الو ت لَ يعد‬ ‫ال ار ن حلب‬ ‫(‪ )1‬جر اال ت د الد اع العم م معار‬
‫بات السيارات امل ة عاال‪ .‬ما تكتي ال و اللي قد ا ت دمت‬ ‫لو ال وار الَّ ِ يعتمد اال ت ا تزام ا م‬
‫َوات األ د معار السيطرة م اط ان ي ون و ا ب بداية ة ‪.2019‬‬

‫‪67‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ي ثر اختال التضاريس وموقع ومساحة ال َع َملِ َّيات وحالة الطقس واملناخ عىل استخدام‬
‫ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة وطبيعة حركتها‪ )1(،‬وبالتايل ف ن القتال يف الجبال غري القتال يف السهول أو‬
‫األودية أو الغابات أو املستنقعات‪ ،‬وإن استخدام ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة يف املناطق الباردة ال يخضع‬
‫لنفس قواعد املناطق الجافة أو الرطبة‪ ،‬كام أن توفر عوامل الحياة من عدمه ي ثر بِشَ كْلٍ كبري‬
‫يف سري الحرب‪ .‬باإلضافة إىل َه َذا يخضع القتال عىل حدود دول معادية إلجراءات غري تِلْكَ‬
‫التي يخضع لَ َها القتال عىل حدود دول حليفة‪ ،‬والدولة التي تكون حدودها ساحلية غري الدولة‬
‫التي تكون ك ُّل حدودها برية‪.‬‬

‫لِك ُِّل نوع من التضاريس طريقة خاصة يف خوض الحرب‪ ،‬وبالتايل لِك ُِّل منها مكانته‬
‫الخاصة يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وإن اختيار التقنيات والتكتيكات وال ُق َوات يخضع بِشَ كْلٍ خاص‬
‫إىل طبيعة األرض التي نخوض الحرب َعلَ ْي َها‪.‬‬

‫الشكل ‪ 9‬عنارص فهم الجغرافيا لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 4-12.‬‬

‫‪68‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫يس ِّبب اختال املناخ(‪ )1‬والتضاريس ومساحة ال َع َملِ َّيات تغرياً يف حقول الر ية والقدرة عىل‬
‫التمويه والتموين والتحصني والسيطرة وحركة ال ُق َوات والنريان‪ .‬عىل سبيل املثال؛ تحظى‬
‫التضاريس يف العقيدة الثَّ ْو ِريَّة ب همية كبرية‪َ ،‬فه َِي بالنسبة للثوا ِر عامل قوة كبري يعينهم عىل‬
‫األرض للثوا ِر‬
‫ُ‬ ‫الصمود أمام هجامت السلطات املَحلِيَّة أو ال ُق َوات األجنبيَّة الغازية‪ ،‬كام تُق ِد ُم‬
‫املال ِات ا من َة إلنشاء القواعد التَّموين َّية والتدريبية واللوجستية‪ ،‬والساتر والتحصني الطبيعي‬
‫لالحتامء والتمويه من َع َملِ َّيات االستطالع والقص الجو واملدفعي والصاروخي‪ ،‬ويف َه َذا‬
‫املقام يقول كالوزفيتز‬
‫"الجبال ِه َي الوسط ا َّل ِذ يتنامى فيه العصيان الشعبي‪ ،‬وميكن أن تجد‬
‫العصابات فيها ملج ً مناً ليعيدوا الكرة باالنقضاض ثانية عىل أهدافهم ُدونَ‬
‫أن يلحقهم أ أ ى ‪)2(.‬‬

‫وستكون العوائق الطَّبي ِع َّية مانع ًة ومعطلة لعمليات التمشيط والتطويق والحصار التي قد‬
‫تلج إليها السلطات‪ِ ،‬إضَ ا َف ًة لِ َه َذا ف ن البنية التحتية البدائية يف التَّضَ ارِيس الوعرة ستكون سبباً‬
‫يف تعطيل مواصالت ال َعدو و الطابع ال ِّنظامي وستجعله فريسة سهلة لكامئن وإغارات‬
‫الثوار‪)3(.‬‬

‫)‪ (1‬تشمل درا ة امل ا درا ة اال تبارات التالية‪ :‬الر ية والريا واألمطار وطبقات ال يو ودرجة ال رارة والرطوبة‬
‫(‪ )2‬كارل ون كالو يتز‪ ،‬ن ال ر ‪ ،‬ترجمة لي اكر ا مامي‪ ،‬ص‪.594‬‬
‫)‪ (3‬انظر‪ :‬الد اع ال ر ال َّو ِريَّة‪ ،‬مد ل ىل م باد الد َ ا ِع و ن وا و وام ل وت و ج را ات ال َّس ي طَ َرة ي‬
‫الل ال ر ال َّو ِريَّة‪ ،‬مركز ال طا للدرا ات‪ ،2021 ،‬ص ‪ 87‬و‪.88‬‬

‫‪69‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫األرض الوعر ِة بالنسب ِة لِكُل من الثوا ِر وأعدائِهِم‪.‬‬


‫ِ‬ ‫الشكل ‪ :)10‬محاس ُن ومساو ُ‬

‫‪70‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ال ميكن االستغناء عن الدميغرافيا يف صياغة العقائد ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬إ يشكل التوزع السكاين‬
‫يف ساحة ال َع َملِ َّيات منطلقاً م ثراً لتحديد الطريقة التي يَتُم ِب َها استخدام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪،‬‬
‫ولدراسة الثقافة واألعرا السكانية أهمية كبرية يف الحرب‪ ،‬وخاصة يف حروب مكافحة التمرد‪.‬‬

‫السيَ ِاسيَّة ألن الفوز‬


‫ويف الحروب الثَّ ْو ِريَّة؛ يزداد االهتامم عرفة التقاليد املحلية وامليول ِّ‬
‫يف الحرب يعتمد عىل كسب ت ييد السكان‪ ،‬وال يكون َ لِكَ دون معرفة ميوالتهم وأعرافهم واللعب‬
‫عىل أوتارها‪.‬‬

‫الشكل ‪ 11‬عنارص فهم الدميغرافيا لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬

‫وعىل سبيل املثال؛ يفضل الثوار العمل يف بلد يضم عدداً سكانياً كبرياً ف ن َ لِكَ سيحد من‬
‫قدرة العدو عىل السيطرة‪ ،‬وكلام ازداد تشتت السكان كلام كان َ لِكَ عامالً مساعداً للتمرد‪ ،‬كام‬

‫‪71‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ميزة للمتمردين‪ .‬وكلام كان السكان عىل‬ ‫تعطي نسبة عالية من سكان الري مقارنة بالح‬
‫خال مع ال ُحكُ ْو َمة كلام كان َ لِكَ لصالح التمرد‪1 .‬‬

‫كام تنبه العقائد األمريك َّية عىل رضورة الفهم الكامل للمجتمع‪ ،‬وللبيئة الثقافية للسكان‬
‫التي تجر فيها َه ِذ ِه ال َع َملِ َّيات‪ ،‬ويشمل َ لِكَ فهم‪:‬‬

‫• تَ ْن ِظ ْيم املجموعات الك ى يف املجتمع‪.‬‬


‫• العالقات وحاالت التوتر بني املجموعات‪.‬‬
‫• األيديولوجيات وال ديات القصصية التي ترددها املجموعات‪.‬‬
‫ا يف َ لِكَ القبائل ‪ ،‬واالهتاممات‪ ،‬والدوافع‪.‬‬ ‫• قيم املجموعات‬
‫ا يف َ لِكَ القبائل ‪.‬‬ ‫• الوسائل التي تستخدمها املجموعات للتواصل‬
‫• نظام ال ِق َيا َدة يف املجتمع‪2 .‬‬

‫و ج لرتكيز العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريكيَّة عىل الدميغرافيا‬ ‫وفيام ي‬

‫يحتفظ املتمردون زية تف ّوق يف معظم َع َملِ َّيات مكافحة التمرد التي تشار فيها ال ُق َوات‬
‫األمريكيَّة‪ ،‬وتتمثل َه ِذ ِه املزية يف مستوى املعرفة املحلية بالبيئة املحيطة‪ .‬فهم يتحدثون نفس‬
‫اللغة‪ ،‬ويتحركون بسهولة داخل املجتمع‪ ،‬ومن الراجح أن يتفهموا اهتاممات وتطلعات السكان‪.‬‬
‫ومن ثُ َّم ف ن َع َملِ َّيات مكافحة التمرد الفعالة تتطلب الت كيد القو عىل توافر مهارات معينة‪،‬‬
‫مثل فهم اللغة والثقافة املحيطة‪ ،‬ب ك ِم َّام نحتاجه يف الحرب التَّ ْقلِي ِديَّة‪ .‬كام أن الربط بني‬
‫السيَ ِاسيَّة وال َعسكَ ِريَّة للتمرد ومكافحته‪ ،‬تتطلب االنغامس واالندساس بني صفو عامة‬
‫الطبيعة ِّ‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬دي يد جاليوال‪ ،‬حر مكا ة التمرد‪ ،‬ال ظرية والتطبي ‪ ،‬ترجمة مركز ال طا للدرا ات‪ ،2023 ،‬ال َ ل ال ا ‪،‬‬
‫ع مكا ة التمرد‬
‫)‪ (2‬دليل امليدان لل ي األَمرِي ِ ملكا ة التمرد‪ ،‬دي يد باتريو وجيم مو ‪ ،‬ترجمة حمد موالنا‪ .‬ص ‪66‬‬

‫‪72‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫السكان لتحقيق النرص‪ .‬فالعمليات الناجحة ملكافحة التمرد تتطلب من الجنود ومشاة البحرية‬
‫يف ك ُّل مستوى القيام ا ي داخل السياق الثقايف ملنطقة العملية‬
‫دراسة الروابط األ ية‪ ،‬والقبلية‪ ،‬والعرقية‪ ،‬والدينية أو غريها من الروابط التي تتجاوز‬ ‫‪.1‬‬
‫منطقة ال َع َملِيَّات‪.‬‬
‫اإلدرا الواضح للطبيعة الجوهرية والفوارق الدقيقة للنزاع‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫معرفة أدوار الجهات األخرى الفاعلة يف منطقة ال َع َملِيَّات‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫خطوط االتصال مع املناطق األخرى‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الروابط االقتصادية مع املناطق األخرى‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الت ثري اإلعالمي عىل السكان املحليني‪ ،‬والرأ العام األَ ْم ِريْ ِ ّ‪ ،‬وال كاء متعدد‬ ‫‪.6‬‬
‫الجنسيات ‪)1( .‬‬

‫امل در‬ ‫ن‬ ‫ة ‪115‬‬ ‫)‪ (1‬دليل امليدان‪ ،‬ص ‪ 66‬الب د ‪ 1‬و‪ 5‬و‪ 6‬و‪ 7‬مقتب من ال‬

‫‪73‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ال ميكن الحدي عن َ لِكَ األفق الَّ ِذ يتوق عند التطور التكنولوجي‪ ،‬إنها َع َملِ َّية‬
‫بقدرة الب ية عىل اإلبداع والت قلم‪ .‬وألن‬ ‫مستمرة مادام اإلنسان‪َ ،‬و ِه َي مرتبطة بِشَ كْلٍ أسا‬
‫الحرب متصلة جاالت الحياة األخرى‪ ،‬إن ل َْم نقل مستهلكة لَ َها‪ ،‬فسيبقى القادة العسكريون‬
‫يو فون بقية العلوم يف سبيل تحقيق أهدافهم ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬و ُه َنا ميكن للتكنلوجيا أن تقدم لهم‬
‫أداة قوية الستباق الخصم ورضبه يف مقتل‪ ،‬ولهذا السبب ال نكاد يز ا ن بني امل سسات‬
‫رية‪)1(.‬‬
‫البحثية وال َعسكَ ِ َّ‬

‫خالل صياغتهم للعقائد ال َعسكَ ِريَّة؛ ينظر القادة والخ اء إىل درجة التطور التقني الَّ ِذ‬
‫وصلت إليه الب ية‪ ،‬إن لَ ْم نقل إنهم يتوقعون شكل الحرب املقبلة انطالقاً من طبيعة االكتشافات‬
‫التي وصلت إليها امل سسات البحثية‪.‬‬
‫تتغري طبيعة الحرب باستمرار‪ ،‬وتتغري ثار التكنولوجيا يف األسلحة‬
‫املوجهة بدقة‪ ،‬يف أنظمة االتصال‪ ،‬يف أنظمة االستشعار واالستهدا املتقدمة‪،‬‬
‫يف منصات إدارة امل َ ْع َركَة‪...‬إل َو ُه َو َما يغري ‪-‬بِشَ كْلٍ واضح‪ -‬الطريقة التي تدير‬
‫ِبها ال ُقوات املُسلَّحة عملياتها‪)2(.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ولو نظرنا إىل التاري القريب‪ ،‬لوجدنا يف الحرب األوكرانية دليالً واضحاً عىل جدوى‬
‫صياغة العقيدة يف ضوء التقدم التكنولوجي‪ ،‬فالقوات الر ِ‬
‫وس َّية دخلت الحرب برتسانة تقليدية‬
‫والقدرة التدمريية‪ ،‬لكن الغرب الَّ ِذ راهن منذ‬ ‫وعقيدة كالسيكية تعتمد عىل العدد الب‬
‫سنوات عىل الدقة وال عة عىل حساب القدرة التدمريية‪ ،‬أثبت أن رهانه كان رابحاً إىل أبعد‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 8.‬‬
‫‪(2) David Jablonsky, US Military Doctrine and the Revolution in Military Affairs, The US Army War‬‬
‫‪College Quarterly: Parameters, 7-4-1994, p 1.‬‬

‫‪74‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫بات الدقيقة املركزة عىل حساب‬ ‫الحدود‪ .‬لقد كش الدعم الغر ألوكرانيا عن فاعلية ال‬
‫القدرة التدمريية‪ ،‬ويعود الفضل يف َه َذا كله أن الجيو الغربية حدثت عقائدها بنا ًء عىل خر‬
‫االكتشافات التكنولوجية‪ ،‬وتوجهت إىل تصنيع الصواري والقذائ والطائرات الذكية‪ ،‬بينام‬
‫بقيت روسيا أسرية لعقيدة القرن املايض‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫إن العمران املدين من َأ َه ّم العوامل التي ت ثر عىل طبيعة استخدام القوة الحربية‪ ،‬وبالتايل‬
‫االعتبارات‬ ‫البد أن تشمل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الفروق الدقيقة يف ميدان ال َع َملِيَّات‪ ،‬وبشكل أسا‬
‫املدنية‪ .‬إن الفرق بني َه َذا العامل وعامل الجغرافيا أن عنارص األخري ال يد ل نسان فيها‪ ،‬أما‬
‫االعتبارات املدنية َفه َِي ك ُّل َما يكون من صنيعة اإلنسان يف ساحة الحرب‪ ،‬مثل‬

‫‪ .1‬حالة الطرق والجسور والسكك الحديدية وقدرتها عىل تحمل الحركة ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬
‫‪ .2‬طبيعة املطارات واملوان وأنواعها وتوزعها الجغرايف ومدى مناسبتها لخوض الحرب‪.‬‬
‫‪ .3‬املرافق األَ َس ِاس َّية ومدى تطورها وقدرتها عىل خدمة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬وميكن لِ َه ِذ ِه املرافق‬
‫أن تشمل امليا والكهرباء واالتصاالت والرص الصحي وما إىل َ لِكَ ‪.‬‬
‫‪ .4‬طبيعة البناء السكاين وهيكليته وكثافته وتوزعه الجغرايف‪.‬‬
‫‪ .5‬التقسيامت اإلدارية للمناطق أو الواليات واملحافظات‪.‬‬
‫‪ .6‬توزع املراكز الحكومية األمنية والصحية والثقافية والخدمية‪.‬‬
‫‪ .7‬املنظامت اإلنسانية والحقوقية‪ ،‬وطبيعة عملها‪ ،‬وأماكن توزعها‪.‬‬

‫وكمثال الستخدام َه ِذ ِه االعتبارات يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريكيَّة‪ ،‬جاء يف دليل امليدان‬
‫ملكافحة التمرد تتعلق االعتبارات املدنية بكيفية ت ثري البنية التحتية التي أنش ها اإلنسان‪،‬‬
‫وامل سسات املدنية ‪ ..‬واملنظامت داخل منطقة ال َع َملِ َّيات عىل إجراء ال َع َملِ َّيات ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬

‫يحلل القادة املناطق املدنية الرئيسية من َح ْي ُ طريقة ت ثريها عىل مهام ك ُّل وحدة‪ ،‬وكَ َذلِكَ‬
‫طريقة ت ثري ال َع َملِ َّيات ال َعسكَ ِريَّة عىل َه ِذ ِه املناطق‪ .‬أمثلة للمناطق املدنية الرئيسية‪ :‬الحدود‬
‫السيَ ِاسيَّة من بينها الضواحي والبلديات واألقاليم‪ ،‬مناطق ات قيمة اقتصادية عالية‪ ،‬مثل املراكز‬
‫ِّ‬

‫‪76‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫الس َي ِاس َّية‪ ،‬مناطق مهمة ثقافياً‪،‬‬


‫الصناعية‪ ،‬واملناطق الزراعية‪ ،‬واملناجم‪ ،‬مراكز الحكم والش ون ِّ‬
‫الطرق التجارية وطرق التهريب‪...‬‬

‫ويحلل القادة وضباط هيئة األركان القدرات املدنية من وجهات نظر مختلفة‪ ،‬ومن أبرز‬
‫القدرات األك أهمية‪ :‬اإلدارة العامة وفاعلية البريوقراطية واملحاكم وغري َلِكَ من الدوائر‬
‫ال ُحكُ ْو َمة بالدولة املضيفة‪ ،‬السالمة العامة التي توفرها ُق َوات األمن‪ ،‬وال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬وال طة‪،‬‬
‫والهيئات االستخبارية‪ .‬خدمات الطوار من وكاالت مثل أقسام اإلطفاء وخدمات اإلسعا ‪،‬‬
‫الصحة العامة‪ ،‬العيادات واملستشفيات‪ .‬الغذاء واملاء والرص الصحي‪.‬‬

‫غالباً َما تتطلب ال َع َملِيَّات من القادة التنسيق مع املنظامت الحكومية الدولية واملنظامت‬
‫غري الحكومية‪ .‬وتشمل املعلومات املطلوبة للتقييم أنشطة َه ِذ ِه املجموعات‪ ،‬وإمكانياتها‪ ،‬والقيود‬
‫املفروضة عىل عملها‪ .‬ويتضمن تَفَه ُم املوق معرفة‪ :‬كَ ْي َ ميكن أن ت ثر أنشطة املنظامت‬
‫املختلفة عىل ال َع َملِيَّات ال َعسكَ ِريَّة وكَيْ َ ميكن أن ت ثر ال َع َملِيَّات ال َعسكَ ِريَّة عىل أنشطة َه ِذ ِه‬
‫املنظامت‪.‬‬

‫واملنظامت ِه َي مجموعات أو م سسات غري عسكرية تتواجد يف منطقة ال َع َملِيَّات‪َ .‬و ِه َي ت ثر‬
‫وتتفاعل مع السكان و ُق َوات مكافحة التمرد‪ ،‬وبعضها البع ‪ .‬ويكون لَ َها عموماً بنيان هرمي‪،‬‬
‫وأهدا محددة‪ ،‬و َع َملِ َّيات م سسية‪ ،‬ومرافق ثابتة أو أماكن لالجتامعات‪ ،‬ووسيلة للدعم املايل‬
‫املنظامت من السكان األصليني للمنطقة‪ .‬وقد تشمل املنظامت‬ ‫أو اللوجيستي‪ .‬وقد تتكون بع‬
‫السيَ ِاسيَّة‪ ،‬املنظامت الوطنية أو الخدمية‪ ،‬اتحادات العامل‪ ،‬املنظامت اإلجرامية‪،‬‬
‫الدينية‪ ،‬األحزاب ِّ‬
‫املنظامت املجتمعية ‪)1(.‬‬

‫)‪ (1‬دليل امليدان األَمرِي ِ ‪ ،‬ص ‪َ 311‬حتَّ ص ‪ 308‬م بع اال ت ار والت يب‬

‫‪77‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫االعتبارات املدني ِة لصياغ ِة العقيدة ال َعسكَ ِريَّ ِة‬


‫ِ‬ ‫فهم‬
‫رص ِ‬‫الشكل ‪ :)12‬عنا ُ‬

‫‪78‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ل‬ ‫م ل‬

‫ميكن توزيع املنطلقات الداخلية التي تستند َعلَ ْي َها نصوص العقيدة ال َعسكَ ِريَّة إىل خمسة‬
‫أنواع‬

‫‪ .1‬التجارب السابقة والخ ة املرتاكمة ع التاري ‪.‬‬


‫‪ .2‬النظريات العلمية والفكرية حول الحرب‪.‬‬
‫‪ .3‬املعتقدات الدينية لألمة‪.‬‬
‫الس َي َاسة الوطنية يف الدولة‪.‬‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫‪ .5‬طبيعة ال ُق َوات الصديقة والحليفة‪.‬‬
‫وفيام ي رش لِكُل منها‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫خ‬
‫عام من التجارب خلفنا‪ ،‬ليس لدينا أ عذر يف عدم القتال‬
‫مع وجود ألفي ٍ‬
‫بِشَ كْلٍ جي ٍد‪.‬‬
‫ليدل هارت‬
‫ثل التجارب السابقة والدروس املستفادة منها منطلقاً مهامً لصياغة العقائد ال َعسكَ ِريَّة‪،‬‬
‫َفه َِي انعكاس لحوار املايض مع الحارض لصالح املستقبل‪َ )1 ،‬و ِه َي رة البد منها لِ ِتلْكَ الدماء‬
‫والخسائر التي أُزهقت يف امليدان‪ .‬إن خوض الحرب يف بيئة معينة ملدة طويلة أو ُمعارك ِة عدو‬
‫واحد ألك من مرة تورث القادة العسكريني انطباعاً محدداً تجا َ لِكَ العدو أو تِلْكَ البيئة‪،‬‬
‫و َه َذا االنطباع يَ ُ‬
‫جِب أال يبقى حبيساً يف العقل‪ ،‬بل البد أن يوثق ويصبح جزءاً من العقيدة‬
‫الجديدة‪)2 .‬‬

‫َونَ ْح ُن ُهنَا ال نتحدث عن تجاربنا فقط‪ ،‬بل ال بد أن ندرس تجارب ا خرين أيضاً‪ ،‬وإننا ال‬
‫نتحدث فقط عن التجارب املعارصة‪ ،‬بل البد أيضاً من العودة إىل عمق التاري ‪ ،‬إىل حروب األمم‬
‫القدمية ففيها من الع الجليلة َما يوسع مدار العاقلني‪ ،‬لكن ينبغي أن يبقى تاريخنا‬
‫وألَنَّهُ ميثل‬
‫اإلسالمي القديم واملعارص ُه َو املصدر األساس لنا‪ِ ،‬ألَنَّهُ مرتبط بحضارتنا ك مة‪ِ ،‬‬
‫النخب الثَّ ْو ِريَّة تعتك عىل دراسة‬ ‫امتداد جهادنا وكفاحنا‪ .‬ولكَم ن س ِعنْدَ َما نرى بع‬
‫الحروب النابليونية والحروب العاملية األوىل والثانية‪ ،‬وت ن عن دراسة حروب خالد بن الوليد‬
‫بن نصري ويوس بن تاشفني وصال الدين األيو ‪ ،‬وقد أ ها بريق الحضارة الغربية‬ ‫ومو‬
‫املتغلبة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬بريت تشامبان‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة دليل مرجعي‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪(2) British Ministry of Defense, The Development, Concepts and Doctrine Centre (DCDC), Developing‬‬
‫‪Joint Doctrine Handbook (4th edition), 118.‬‬

‫‪80‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫نعم؛ الحكمة ضالة امل من‪ .‬نعم؛ ال غنى عن دراسة تجارب ا خرين‬
‫واالستفادة منها‪ ،‬لكن الحذر الحذر أن يجعلنا َ لِكَ ننسل من تاريخنا وهويتنا‬
‫ونحتقر حضارتنا وتراثنا‪ ،‬ونركع أمام سطوة الحضارة املتغلبة‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ينبغي أيضاً الحذر أن تُستخدم الخ ة الطويلة بِشَ كْلٍ سلبي‪ ،‬لت ر الجمود‬
‫والتصلب عىل األساليب القدمية‪ ،‬إ ال بد أن يكون القائد الخبري منفتحاً مطلعاً عىل خر‬
‫جِب أن يستفيد من خر َما وصلت‬
‫النظريات الجديدة‪ ،‬البد أال يبقى أسرياً ملنظور ضيق‪ ،‬بل َي ُ‬
‫لَهُ الدراسات واألبحاث الحديثة من علوم و ِحكم‪ ،‬ولو كان كتُابها ليسوا من و الخ ة امليدانية‪،‬‬
‫فيكفينا أنهم يتكلمون وضوعية ومهنية‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬تكون التجارب السابقة مفيدة يف صياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪،‬‬
‫عندنا ننظر لَ َها بعني االعتبار والنقد ال بعني الجمود والتقديس‪ ،‬و ِعنْدَ َما‬
‫زجها ب خر َما وصلت إليه النظريات والدراسات الحديثة من علوم‪ ،‬وبلمس ٍة‬
‫إبداعي ٍة ُمجدد ٍة‪.‬‬

‫عىل سبيل املثال؛ ِعنْدَ فشلها يف احتالل الفيتنام‪ ،‬أعادت الواليات املتحدة صياغة عقيدتها‬
‫عىل كسب السكان‪ ،‬ثُ َّم استثمرت َ لِكَ يف‬ ‫يف مكافحة التمرد وجعلتها ترتكز بِشَ كْلٍ أسا‬
‫التجارب الناجحة يف العراق‬ ‫احتاللها للعراق وأفغانستان‪ ،‬بل إنها أحياناً حاولت أن تنقل بع‬
‫إىل أفغانستان تجربة الصحوات عىل سبيل املثال ‪ .‬وبالعموم‪ ،‬كان لحرب الفيتنام ت ثري كبري‬
‫يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريك َّية‪ ،‬فقد أ هرت بِشَ كْلٍ واضحٍ نتائج تركيز الواليات املتحدة عىل‬
‫الردع النوو عىل حساب األسلحة األخرى‪ ،‬وأ هرت لألمريكيني عواقب استخدام القوة املفرطة‬
‫وسائل الحرب ال َّت ْقلِي ِد َّي ِة ال تصلح‬
‫َ‬ ‫عىل نحو اعتباطي وليس بناء عىل قرارات مدروسة‪ ،‬وكَ ْي َ أن‬
‫يف حروب مكافحة التمرد‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ويف حرب الخليج ضد صدام حسني‪ ،‬هر لألمريكيني أهمية استثامر القوة الجوية‬
‫الدقيقة واألقامر الصناعية‪ِ ،‬م َّام جعل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريك َّية تتجه نحو جعل الفضاء‬
‫مجاالً عسكرياً اماً مثله مثل ال والجو والبحر‪.‬‬

‫وبالعودة إىل واقع الحرب الثَّ ْو ِريَّة يف سوريا‪ ،‬البد من الرجوع إىل َأ َه ّم املعار الفاصلة‪،‬‬
‫مثل حمالت ري حلب الجنو ‪ ،2016‬وحملة سقوط حلب املدينة ‪ ،2017‬وحمالت بادية حامة‬
‫رشق سكة الحديد ‪ ،2018‬وحمالت طريق (‪ M-5‬سنة ‪...2019‬إل للخروج بتجارب مفيدة‬
‫للمستقبل‪ ،‬و ُه َنا تكمن أهمية التوثيق‪ ،‬توثيق أحداث املعار والتكتيكات املستخدمة فيها‬
‫والخسائر التي ُمني ِب َها كُل طر والنتائج املرتتبة َعنْ َها بِشَ كْلٍ مهني‪ ،‬فمن دون َ لِكَ ال ميكن‬
‫الحدي عن تقييم حقيقي للاميض‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫النظرية ِه َي نقطة انطالق جيدة لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪َ ،‬و ِه َي قرينة الخ ة‪ ،‬فالتامزج‬
‫والتكامل بينهام ُه َو ا َّل ِذ يعطينا الدروس املستفادة‪ ،‬وبفضلها تنجو العقيدة من التصلب‬
‫والجمود عىل األساليب القدمية‪ .‬إن التدافع بني النظرية والتجربة هو الَّ ِذ يصنع التكي ‪)1(،‬‬
‫َُ‬
‫ومن دون َه َذا األخري ال ميكن مجاراة العدو يف الحرب‪.‬‬

‫وكمثال عن َ لِكَ ‪ ،‬اعتمدت الواليات املتحدة بِشَ كْلٍ‬


‫كبريٍ يف صياغة عقيدتها ملكافحة التمرد عىل نظريات‬
‫املنظِّر "دايفيد جاليوال" (داود َق َّاللة)‪َ ،‬و ُه َو ضابط فرن‬
‫و أصول تونسية‪ ،‬شار يف العديد من الحمالت‬ ‫يهود‬
‫كثرياً‬ ‫الفرنسية لقمع التمرد خاصة يف الجزائر‪ ،‬وأم‬
‫من وقته يف الكتابة عن أدبيات الحروب الثَّ ْو ِر َّية ونظريات‬
‫الثَّو َرة املضادة‪ .‬من أشهر كتبه "مكافحة التمرد‪ :‬النظرية‬
‫والتطبيق ‪ )2(،‬وإن أث َر َه َذا الكتاب واضح جداً يف األدلة‬
‫امليدانية واملناهج ال َعسكَ ِريَّة األمريكيَّة‪ ،‬بل إن "بيرتايوس" وزير الدفاع األَ ْم ِريْ ِ ّ قد نصح قادته‬
‫يف أك من مناسبة بقراءة َه َذا الكتاب واالستفادة من نظرياته لصياغة العقيدة األمريك َّية‪.‬‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 7.‬‬
‫كون َّ ل لل رو ال َّو ِريَّة و دبيات ا‪ ،‬و د ترجم مركز ال طا للدرا ات و د لَ دة‬ ‫(‪ )2‬تكمن يمة َ َا الكتا‬
‫مل ات وجداول تو ي ية ال لل وار ن را ت ا واال ت ادة م ا‬

‫‪83‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬إن عودة النخب الثَّ ْو ِر َّية إىل النظريات العلمية مهمة جداً بالنسبة لهم‪،‬‬
‫إ ال ميكن للخ ة وحدها أن تغنيهم عن َ لِكَ ‪ ،‬وإن االستفادة من الكتب واملراجع العلمية يف‬
‫صياغة عقائدهم ال َعسكَ ِريَّة سيجنبهم الكثري من الخسائر‪.‬‬

‫و َأ َهم َه ِذ ِه املراجعِ املفيد ِة‪:‬‬

‫‪ .1‬نشوب الثَّو َرة امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬


‫‪ .2‬الجانب ا خر من الجبل‪ ،‬تكتيكات املجاهدين يف الحرب األفغانية السوفياتية‪.‬‬
‫‪ .3‬حرب مكافحة التمرد النظرية والتطبيق‪.‬‬
‫‪ .4‬االحتالل بني النظرية والتطبيق‪.‬‬
‫‪ .5‬تكتيكات طالبان جنوب أفغانستان‪.‬‬
‫‪ .6‬الدفاع يف الحرب الثَّ ْو ِريَّة‪.‬‬

‫وغريها من األعامل التي ترجمها أو ألفها مركز الخطا ‪ ،‬فجميعها مختص يف الحرب‬
‫الثَّ ْو ِريَّة وعلومها ونظرياتها‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ال ميكن استبعاد أثر الدين يف الحروب‪ ،‬سواء القدمية أو املعارصة‪ ،‬فاملعتقدات الدينية‬
‫والقومية متجذرة يف عمق الحضارة التاريخية لِك ُِّل أمة‪ ،‬ورغم أن الغرب يتجه ا ن إىل املادية‬
‫واإللحاد‪ ،‬إال أنه الزال ينظر إىل الحرب يف كثري من جوانبها بعني الدين‪ ،‬كام أن األيدولوجيا‬
‫القومية حارض ٌة يف معظم الحروب التي يخضوها‪.‬‬

‫إن للدين أهمية كبرية يف صياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة للجيش املسلم‪ ،‬فخوض الحرب ِعنْدَ‬
‫املسلمني كان أول أمر ممنوعاً يف العهد امل ‪ ،‬ثُ َّم أ ن فيه يف العهد املدين‪ ،‬وأصبح واجباً عىل‬
‫ول الل ِه ‪ ‬يَق ُ‬
‫ُول‪"َ :‬ال تَ َز ُال‬ ‫األمة إىل قيام الساعة‪ .‬عن َجا ِب َر بْ َن َع ْب ِد الل ِه ‪ ،‬قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫طَائِ َف ٌة ِم ْن ُأ َّم ِتي يُقَاتِلُونَ َع َىل الْ َح ِّق َا ِهرِي َن إِ َىل يَ ْو ِم الْ ِقيَا َم ِة"(‪)1‬‬

‫إ اً‪ ،‬ف ول بنود العقيدة ال َعسكَ ِريَّة اإلسالمية إن الحرب أصيل ٌة يف أمتنا َما دامت الب ية‪،‬‬
‫من تخىل َعنْ َها أ له الله‪ ،‬ومن سك ِب َها نرص ورفع كر ‪َ .‬ع ِن ابْ ِن ُع َم َر‪َ ،‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول‬
‫ُول‪ِ " :‬إ َ ا تَبَايَ ْعتُ ْم بِالْ ِعينَ ِة‪َ ،‬و َأ َخ ْذت ُْم َأ ْ ن ََاب الْبَ َقرِ‪َ ،‬و َر ِضيتُ ْم بِال َّز ْرعِ‪َ ،‬وتَ َركْتُ ُم الْ ِج َها َد‪َ ،‬سل َ‬
‫َّط‬ ‫اللَّ ِه ‪ ‬يَق ُ‬
‫اللَّهُ َعلَ ْيك ُْم ُال َال َي ْن ِز ُعهُ َح َّتى تَ ْرجِ ُعوا إِ َىل ِدي ِنك ُْم"‪)2(.‬‬

‫"طلب" لفتح البلدان‬


‫ٌ‬ ‫ومن أثر الدين يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أن الحرب ِعنْدَ املسلمني إما‬
‫دفع" لحامية املسلمني وأوطانهم‪ ،‬ففي الطلب يكفي أن يلتحق بالجيش من‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو ٌ‬ ‫ون‬
‫تتحقق ِب ِه الحاجة‪ ،‬أما يف الدفع فواجب عىل الجميع أن يشار يف الحرب ا يقدر َعلَ ْي ِه‪.‬‬

‫رتاتِيجِ ّي ُه َو إعالء كلمة الله‬ ‫ومن أثر أيضاً يف العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ ،‬أن هد الحرب اإل ِْس ِ َ‬
‫وحكمه ورشعه يف األرض‪َ " :‬م ْن َقات ََل لِتَكُونَ كَلِ َم ُة اللَّ ِه ِه َي ال ُعلْ َيا‪َ ،‬ف ُه َو ِيف َسبِيلِ اللَّ ِه"(‪ )3‬أما‬

‫(‪ )1‬ي مسل ‪.)1923 1524/3‬‬


‫(‪ )2‬ن داود ‪.)3462 274/3‬‬
‫(‪ )3‬ي الب ار ‪.)123( 36/1‬‬
‫‪85‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫مكاف تها َفه َِي إحدى الحسنيني‪ ،‬النرص أو الشهادة‪ .‬ولها أيضاً أهدا تكتيكية ينبغي العمل َعلَ ْي َها‬
‫رتاتِي ِج َّية‪ ،‬مثل فكِّ األسارى‪ ،‬ودفع الصائل‬
‫َحتَّى فيام لو كانت الظرو غري مناسبة لتحقيق اإل ِْس ِ َ‬
‫عن األنفس واألعراض واألموال‪ ،‬ودفع مراد العدو وتثبيطه عن الك َّرة عىل املسلمني وما إىل‬
‫َ لِكَ من األهدا الفرعية‪.‬‬

‫ومن أثر الدين أيضاً يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة أنه يضبط كافة جوانب الحرب‪َ ،‬ف ُهنَا َ أحكام‬
‫رشعية وأخالق إسالمية يَج ُِب أن تكون حارض ًة يف ك ُّل فروع الحرب وتفاصيلها‪ ،‬ال نزي َعنْ َها‬
‫وال نقدِّ م غريها‪ ،‬وإن َه ِذ ِه األحكام لواسعة وشاملة ِب َح ْي ُ تتناول طريقة التعامل مع األ ى‬
‫والجرحى والقتىل والغنائم وما إىل َ لِكَ ‪ ،‬وحقوق األمراء واألتباع وواجباتهم‪ ،‬وحدود الطاعة‬
‫وأنواعها‪ ،‬إىل غري َ لِكَ من التفاصيل الدقيقة التي يع َج ُز املقام عن كرها‪.‬‬

‫وك ُّل َما سبق من باب التمثيل ال غري‪ ،‬وإال ف ن استنباط األحكام اإلسالمية التي تتعلق‬
‫ِبالحرب الحديثة البد أن يكون بحثاً مستقالً بذاته‪ ،‬يتصدر لَهُ طلبة العلم والعلامء املختصون‬
‫يف ال يعة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ل‬

‫َما َ ا ترغب ال ُحكُ ْو َمة من ال َجيش أن يحققه من ُه ْم األعداء َه ْل تتبنى الدول ُة التوسع‬
‫العني أم الحرب الناعمة َه ْل تشجع التدخل املبارش أم االستخبار َما مدى حرية القرار التي‬
‫تتيحها ال ُحكُ ْو َمة للجيش َما القيم التي تعلنها ال ُحكُ ْو َمة وتريد للقوات امل ُ َسلَّ َحة أن تلتزم ِب َها‬
‫إن اإلجابة الدقيقة عن َه ِذ ِه األسئلة ‪-‬وغريها‪ -‬س ُيلقي بظالله ‪ِ -‬بك ُِّل ت كي ٍد‪ -‬عىل العقائد‬
‫ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬
‫الس َي ِاس َّية للبالد واملوارد املتاحة التي تقدمها ال ُحكُ ْو َمة ووجود‬
‫ت ثر األهدا ِّ‬
‫الس َي ِاس َّية من عدمه عىل صياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وسيكون للتغريات‬ ‫املعارضة ِّ‬
‫رتاتِيجِ َّية الوطنية أثرها عىل الطريقة التي ينبغي أن‬ ‫الس َي َاسة واإل ِْس ِ َ‬
‫يف الهيكلية ِّ‬
‫تُستخدم ِب َها ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ )1(،‬إضافة إىل َه َذا سي ثر مدى التزام ال ُحكُ ْو َمة‬
‫باملواثيق الدولية وانخراطها يف املنظامت وامل سسات الدولية عىل طريقتها يف‬
‫خوض الحرب‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال ُه َنا َ تشابه كبري ‪-‬إن ل َْم يكن تطابقاً‪ -‬بني العقائد ال َعسكَ ِر َّية يف الدول‬
‫الغربية‪ ،‬يعود َ لِكَ باألساس إىل انخراطهم يف حل الناتو‪ ،‬الَّ ِذ يحدد مفهوماً واضحاً للعقيدة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة يف مختل املجاالت‪ ،‬و َ لِكَ ألهمية وجود توافق بني الدول األعضاء حول طريقة‬
‫خوض الحرب‪ .‬وميكننا قول نفس ال ء بالنسبة للدول ال قية التي قاتلت ملدة طويلة تحت‬
‫لواء االتحاد السوفيتي‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬لطاملا ت ثرت َع َملِ َّيات التصنيع والتسليح واالنتشار يف ال َجيش األَ ْم ِر ْي ِ ّ‬
‫بامليزانية التي يصادق َعلَ ْي َها الكونغرس‪ ،‬إ تتقلص َه ِذ ِه ال َع َملِ َّيات كلام ضيق األخري عىل املوارد‬
‫رتاتِيجِ َّية التي يقرها رئيس الواليات املتحدة أو روسيا عىل‬
‫املقدمة للقوات امل ُ َسلَّ َحة‪ .‬ثُ َّم إن اإل ِْس ِ َ‬
‫سبيل املثال ِه َي التي تحدد األهدا ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬إ يقوم ال َجيش مبارش ًة ب عادة صياغة عقيدته‬

‫‪(1) MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬

‫‪87‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫عىل ضوء املخاطر والتهديدات التي تحددها َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬


‫رتاتِي ِج َّية يف ك ُّل مرة‪ ،‬ويف السنوات‬
‫األخرية انسحبت ال ُق َوات األمريك َّية من أفغانستان والعراق وقللت وجودها يف ال ق األوسط‪،‬‬
‫استجابة للحكومة التي جعلت أوىل أولوياتها مجاراة الصعود الصيني ا َّل ِذ أصبح ميثل التهديد‬
‫للواليات املتحدة‪.‬‬ ‫األسا‬

‫وكمثال خر؛ اتخذ ال َجيش الرو ِ ّ قراراً بغزو أوكرانيا سنة ‪2022‬م استجاب ًة لسياسة‬
‫الرئيس بوتن‪ ،‬الَّ ِذ كان قد ن يف وثيقة األمن القومي قبل سنوات من َه َذا الغزو أن حل‬
‫الناتو ‪-‬الَّ ِذ يتوسع عىل حدود ويريد أن يضم أوكرانيا‪ -‬قد أصبح أخطر أعداء روسيا‪)1(.‬‬

‫(‪ )1‬انظر العقيدة الرو ِ َّية‪)https://rg.ru/documents/2014/12/30/doktrina-dok.html( :‬‬

‫‪88‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫ل‬

‫الشكل ‪ :)13‬عنارص فهم ال ُق َوات الصديقة لصياغة العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‬

‫اماً كام تنطلق العقيدة ال َعسكَ ِريَّة من دراسة التهديدات واألعداء املحتملني‪ ،‬ف نها ينبغي‬
‫أن تنطلق يف نفس الوقت من معرفة دقيقة بالقوات الصديقة والحلفاء‪ ،‬و ا أن االستخدام‬
‫األمثل للقوة ينبني عىل معرفة القائد للقدرات املتاحة لَهُ وال ُق َوات التي بحوزة عدو ‪ .‬يتحدث‬
‫عن َ ِلكَ سن أتزو املنظر الصيني املشهور فيقول‪ِ " :‬عنْدَ َما تعر العدو‪ ،‬وتعر قدراتك‪ ،‬ف نت‬
‫ال شك سو تحرز االنتصار ‪)1(.‬‬

‫تت ثر العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الجديدة عادة بالعقيدة التي سبقتها‪ ،‬ألنها ستكون امتداداً طبيعياً‬
‫ألهدا ال ِقيَا َدة العليا‪ ،‬كام تراعي بالحسبان املوارد املتاحة للعمل‬ ‫لَ َها‪ ،‬وتستجيب بِشَ كْلٍ أسا‬
‫امل ُ َسلَّح (الب ية واملادية) والقدرات التصنيعية والتقنية املوجودة يف الدولة‪ ،‬أو املتوفرة من الدول‬
‫الحليفة‪ ،‬إن الدولة التي ال تلك قاعدة صناعية رصينة ُ َكِّنُ َها من إنتاج أسلحتها ومعداتها‬
‫الحربية‪ ،‬وتعتمد عىل استرياد َما تحتاجه منها من الخارج‪ ،‬تكون أسرية الجهات التي تجهزها‬

‫(‪ )1‬ن تزو‪ ،‬ن ال ر ‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪89‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫باحتياجاتها‪ ،‬والتي تكون عرضة لالنقطاع وقت الحاجة واألزمات‪ ،‬و ِع ْندَ تضارب املصالح وتبدل‬
‫التحالفات‪ ،‬فضالً عن خضوع عقيدتها لت ثريات العقيدة األجنبية املهيمنة ‪)1(.‬‬

‫إضافة إىل َ لِكَ ‪ ،‬إن للرأ العام (الداخ خاصة) وطبيعة املقاتلني دور مبارش يف تحديد‬
‫العقائد وتوجيهها‪ ،‬فلن تكون الحركة واملرونة التي يتيحها املقاتل العقد ِه َي نفسها يف حالة‬
‫املقاتل املرتزق‪ ،‬ولن تكون املبادرة يف حال ارتفاع املعنويات وت ييد الشعب للحرب بنفس القدر‬
‫يف حال كانت الحرب ال تحظى بت ييد شعبي‪.‬‬

‫وعىل سبيل املثال‪ ،‬إن طبيعة املقاتل الياباين والت ييد الشعبي الكبري للحرب يف اليابان ُه َو‬
‫الَّ ِذ سمح للقوات ال َعسكَ ِريَّة اليابانية أن تعتمد تكتيك "الكاميكاز "‪ .‬تستخدم الكلمة ل شارة‬
‫ٍ‬
‫هجامت فدائية قام ِب َها الطيارون اليابانيون ضد سفن الحلفاء يف الجزء األخري من حملة‬ ‫إىل‬
‫املحيط الهاد إبان الحرب العاملية الثانية‪َ .‬ح ْي ُ كان الطيارون الكاميكاز يصطدمون بسفن‬
‫الحلفاء عمداً بطائراتهم املحملة باملتفجرات والطوربيدات وخزانات الوقود اململوءة بهد‬
‫تفجريها‪.‬‬

‫ميكننا االستدالل أيضاً بالجامعات اإلسالمية امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬التي ألج تها قدراتها التسليحية‬
‫املتواضعة‪ ،‬إىل استخدام ال َع َملِيَّات الفدائية‪ ،‬ففي غياب الصواري الدقيقة والطائرات الحربية‪،‬‬
‫اعتمدت عىل مقاتليها العقديني لقيادة السيارات املفخخة وتفجريها يف مراكز العدو خل‬
‫خطوط ال َع َملِ َّيات‪.‬‬

‫(‪ )1‬طار م مود كر ‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة وتطورات ا‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪90‬‬
‫العقيدة‬ ‫ن ين‬

‫م‬

‫قبل أن أختم الحدي عن مدخالت العقيدة ال َعسكَ ِريَّة واملنطلقات التي يعتمد َعلَيْ َها القادة‬
‫لصياغتها‪ ،‬ال يفوتني أن أ كِّر بقاعدتني مهمتني يف َه َذا الصدد‪:‬‬

‫‪ .1‬ال ميكن للقوات امل ُ َسلَّ َحة أن تصنع لنفسها عقيدة سليمة وفعالة إال إ ا أخذت يف عني‬
‫االعتبار َه ِذ ِه املنطلقات جميعها‪ ،‬فال بد من التوازن يف النظر إىل َه ِذ ِه املدخالت وعدم إهامل‬
‫أحدها عىل حساب األخرى‪ ،‬و ا أن الحرب يف حقيقتها تدافع بني جميع َه ِذ ِه العنارص‪ ،‬والنرص‬
‫فيها يعتمد عىل التوفيق بينها‪ ،‬ومعظم األخطاء ال َعسكَ ِريَّة تقع بسبب اتخا القرارات انطالقاً‬
‫بعضها ا خر‪.‬‬ ‫َه ِذ ِه املنطلقات وتنا‬ ‫من بع‬
‫جِب أن تستند العقيدة إىل التحليل النقد والدراسة املت نية واملعرفة الحكيمة‪ ،‬فال‬
‫‪َ .2‬ي ُ‬
‫الس َي ِاس َّية‪ ،‬وال يصح أن تنبني‬
‫ينبغي أن تت ثر بردود األفعال واألفكار االرتجالية وضغوط ال ِق َيا َدة ِّ‬
‫السيَ ِاسيَّة‬
‫لت ير قرار سيا فرد ‪ .‬ال بد أن تكون العقائد ال َعسكَ ِريَّة بعيدة عن الرصاعات ِّ‬
‫الداخلية ومعار امليزانية‪)1(.‬‬

‫‪(1) A PRIMER ON DOCTRINE, CURTIS E. LEMAY CENTER, FOR DOCTRINE DEVELOPMENT‬‬


‫‪AND EDUCATIO, p 7.‬‬

‫‪91‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫يستخدم محرتفو ال َجيش العقيدة يف سياقني ‪ 1‬الدراسة والتفكري‪2 ،‬‬


‫‪) (.‬‬ ‫إجراء ال َع َملِ َّيات ال َعسكَ ِر َّية (التخطيط واإلعداد والتنفيذ والتقييم‬
‫ميكن القول إن َه َذا الف َْصل شكَّل تحدياً كبرياً بالنسبة يل‪ ،‬لقد احتاجت مني صياغ ُته‬
‫االطال َع بِشَ كْلٍ واسع عىل املصادر املختصة‪ ،‬وفهمها بعمق‪ ،‬ليس فهم النصوص املكتوبة فيها‬
‫فحسب‪ ،‬وإ ا فهم املنهجية والطريقة التي ُصممت وفقها‪ ،‬والعنارص والفهارس التي انبنت‬
‫َعلَيْ َها َه ِذ ِه العقائد‪ .‬وبعد ُجه ٍد كبريٍ ل حاطة ِب َه َذا املوضوع؛ تبني يل أن الجيو توجهت يف‬
‫تصني عقائدها ال َعسكَ ِر َّية إىل عدة مسارات‪ ،‬فمنها من يقسم أبواب العقيدة ال َعسكَ ِر َّية إىل‬
‫عناوين عامة حسب موضوعها‪ ،‬مثل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الر ِ‬
‫وس َّية التي تتضمن أربعة عنارص‬
‫أَ َس ِاس َّية ‪2‬‬

‫أوالً أفكار عامة‪ ،‬تتحدث عن تعري العقيدة ال َعسكَ ِريَّة لدى االتحاد الرو ِ ّ ‪ ،‬ومنطلقاتها‪،‬‬
‫وخصائصها‪ ،‬واملفاهيم األَ َس ِاس َّية املستخدمة فيها‪.‬‬

‫ثانياً األخطار والتهديدات ال َعسكَ ِريَّة لروسيا‪ ،‬ويف َه َذا العنرص تعرب روسيا عن َأ َه ّم‬
‫املخاطر الخارجية والداخلية التي تهدد أمنها‪ ،‬و َأ َه ّم أعدائها الَّ ِذي َن تسعى ملواجهتهم‪.‬‬

‫الس َي َاسة ال َعسكَ ِريَّة لالتحاد الرو ِ ّ ‪ ،‬ويتحدث عن أنشطة االتحاد الرو ِ ّ لتاليف‬
‫ثالثاً ِّ‬
‫األخطار والتهديدات‪ ،‬وأساليب استخدام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة ومهامها الرئيسية يف زمن السلم‬
‫والحرب‪ ،‬وتطوير النظام ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬والتحضري واالستعداد للتعبئة ال َعسكَ ِريَّة‪.‬‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 1-8.‬‬
‫(‪ )2‬انظر العقيدة الرو ِ َّية‪)https://rg.ru/documents/2014/12/30/doktrina-dok.html( :‬‬

‫‪92‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫رابعاً‪ :‬الدعم ال َعسكَ ِر ّ واالقتصاد للدفاع‪ ،‬ويتناول توجيهات حول َع َم ِل َّيات التسليح‪،‬‬
‫والس َيا ِ ّ مع‬
‫وتزويد ال ُق َوات باملوارد املادية‪ ،‬وتشجيع الصناعة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬والتعاون ال َعسكَ ِر ّ ِّ‬
‫الدول األجنبية‪.‬‬

‫لكن إ ا أمعنا النظر يف العقائد الغربية وعىل رأسها األمريك َّية؛ سنجد أن الخ اء‬
‫األمريكيني ينطلقون من اعتبارات أخرى يف تصني العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬فهم ال يقسمون‬
‫العقيدة حسب مواضيعها فحسب؛ وإ ا أيضاً حسب طبيعة نصوصها من َحيْ ُ اإلحكام أو‬
‫اإلطالق‪ ،‬والتنفيذ الحريف أو االجتهاد ‪ ،‬فالنصوص املطلقة والعامة جداً ِه َي "األساس ِّيات"‪،‬‬
‫والنصوص األقل إطالقاً ِه َي "التكتيكات"‪ ،‬أما النصوص التفصيلية التي تضع خطوات دقيقة‬
‫"اإلجراءات" َو ِه َي نصوص أك دقة‪ ،‬ويَج ُِب عىل‬ ‫وتوجيهات محددة ف نها "التقنيات"‪ ،‬ثُ َّم ت‬
‫القائد أن ينفذها َحرفياً‪ ،‬بينام التقنيات تعتمد عىل اجتهاد القائد يف تطبيقها‪ ،‬وله صالحية‬
‫تكييفها حسب املوق ‪ .‬ثُ َّم ت "الرموز واملصطلحات واألشكال" َو ِه َي أك دقة من سابقاتها‬
‫ويتحتم عىل جميع أفراد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة أن يلتزموا ِب َها كام هي‪.‬‬

‫وفق املنظو ِر األَ ْم ِر ْي ِ ِّ‬


‫معلومات العقيدة ال َعسكَ ِر َّي ِة َ‬
‫ِ‬ ‫الشكل ‪ :)14‬أصنا ُ‬

‫‪93‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫)‬‫ويف املحصلة تتضمن العقيدة ال َعسكَ ِر َّية األمريك َّية خمسة عنارص رئيسية للمعلومات ‪1‬‬

‫أوالً‪ :‬األساسيات‪َ ،‬و ِه َي القواعد الشاملة ات األهمية املركزية‪ ،‬توجه وترشد ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة‬
‫يف خوض الحرب‪ .‬إنها وصفية وعامة‪ ،‬وتحتاج إىل فكر واسع وإبداع َّ‬
‫خالق لالستفادة منها‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التكتيكات‪ ،‬وتشمل الحركة واملناورة املنظمة للوحدات يف رو متغرية مثل‬


‫التضاريس‪ ،‬والعدو‪ ،‬واملناخ‪ ،‬و َ لِكَ لتحقيق هد عسكر من العملية الدفاعية أو الهجومية‪.‬‬
‫تتطلب التكتيكات دا اً االجتهاد يف التطبيق‪ ،‬وغالباً َما تتطلب التفكري اإلبداعي‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التقنيات‪َ ،‬و ِه َي طرق وخطوات غري إلزامية تستخدم ألداء املهام أو الو ائ‬
‫ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬تعت أك تحديداً من التكتيكات‪ ،‬لكنها تتشابه معها يف كونها وصفية يعتمد تطبيقها‬
‫عىل إبداع القائد حسب الظرو ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬اإلجراءات‪َ ،‬و ِه َي خطوات قياسية ومفصلة‪ ،‬توضح كيفية أداء املهام ‪-‬الثابتة واملتكررة‪-‬‬
‫النظر عن الظرو ‪ .‬عىل‬ ‫بالتحديد الدقيق‪ ،‬وتنفيذ األوامر حرفياً‪َ ،‬فه َِي إلزامية التنفيذ بغ‬
‫سبيل املثال كيفية ضبط جهاز الالسل أو تفكيك السال ‪ ...‬وال تحدد اإلجراءات كيفية القيام‬
‫باألشياء فحسب‪ ،‬بل توضح أيضً ا ما يجب القيام به‪ ،‬ومتى‪ ،‬وما ال يجب فعله‪2 .‬‬

‫خامساً‪ :‬املصطلحات والرموز‪ِ ،‬ه َي كلامت وأشكال محددة ثل لغة ال َجيش‪ ،‬لتسهيل‬
‫التواصل فيام بني ال ُق َوات‪ ،‬تُستخدم مثالً يف الخرائط والالفتات والجداول البيانية‪...‬إل َفه َِي‬
‫الخروج َعنْ َها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إلزامية وال يُسمح أبداً‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-2.‬‬
‫‪(2) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 21.‬‬

‫‪94‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫نصوص العقيدة ال َعسكَ ِر َّية إىل أساسيات‬


‫َ‬ ‫و ُه ْم ‪-‬أ األمريكيون‪ -‬إضافة إىل تقسيمهم‬
‫وتكتيكات وتقنيات وإجراءات ورموز؛ ف نهم يوزعونها أيضاً حسب املوضوع‪ ،‬فتجد عىل سبيل‬
‫املثال كتاباً عن ال َع َملِيَّات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وخر عن االستخبارات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وخر عن النريان‪ ،‬وخر‬
‫عن الدفاع والهجوم‪ ،‬إىل غري َ لِكَ من املواضيع التي تناولتها وثائق العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫األمريكية‪)1(.‬‬
‫َّ‬

‫لكن أيهام أفضل َه ْل ينبغي عىل القوى الثَّ ْو ِريَّة الصاعدة ‪-‬أثناء صياغة عقيدتها‪ -‬أن تعتمد‬
‫النمو ج األَ ْم ِر ْي ِ ّ أم الرو ِ ّ‬

‫الحقيقة‪ ،‬ال ميكنني اإلجابة عىل َه َذا الس ال بِشَ كْلٍ حاسم‪ ،‬أو فلنقل ال ينبغي اإلجابة عنه‬
‫بعيداً عن دراسة واقع القوى ال َّث ْو ِر َّية‪ ،‬التي ال زالت غالباً يف طور التشكل والت سيس‪ ،‬وال زالت‬
‫يف أول خطوة من عمرها كقوة صاعدة يف مسرية التاري ‪ .‬إنني ال أجد النمو ج الرو ِ ّ صالحاً‬
‫إال إ ا كانت ال ُق َوات الثَّ ْو ِريَّة تنو أن تجعل عقائدها ملخصة جداً و ات دوافع سياسية كام فعل‬
‫الروس‪ ،‬لكنها إن أرادت أن تصنع عقائد مفصلة منطلقها الوحيد ُه َو حاجة ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة‬
‫للغ ٍة مشرتكة وإطا ٍر مفاهيمي مو َّحد‪ ،‬فال بد أن تفكر يف و ج خر‪.‬‬

‫لكن أيضاً ال أعتقد أن النمو ج األَ ْم ِريْ ِ ّ صالح لقو ٍة ناشئة وحديثة السن‪ ،‬ف ن الخ اء‬
‫األمريكيني ل َْم يتمكنوا من توزيع عقائدهم عىل َه ِذ ِه العنارص إال بعد مئة سنة من كتابة العقائد‬
‫وتحديثها بِشَ كْلٍ متكرر‪ ،‬إن موروثهم الهائل واملنظم ُه َو الَّ ِذ َمكَّنَ ُهم من تقسيمه إىل أساسيات‬
‫وتكتيكات وتقنيات وإجراءات ورموز كام سبق وتحدثنا‪ ،‬وإنهم لو أرادوا فعل َ لِكَ قبل قرنٍ‬
‫مثالً ملا كنوا منه‪ ،‬ألن أفكارهم ل َْم تكن ناضجة ِب َه َذا القدر يف َ لِكَ الوقت‪.‬‬

‫)‪ (1‬ملزيد من االطالع انظر املو ال َّر ِمي لعقائد ال َ ي األَمرِي ِ ( ‪.)/https://armypubs.army.mil‬‬

‫‪95‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫إ اً‪ ،‬ألن ال َجيش الثور ال زال يف أول خطواته نحو صياغة العقيدة ال َعسكَ ِر َّية؛ فال أ ن‬
‫أن الطريقة األمريك َّية يف تقسيم العقيدة ستكون صالحة لَهُ أيضاً‪َ .‬ما أرا صالحاً كقاعدة‬
‫انطالق‪ ،‬وكنمو ج أويل ميكن تعديله فيام بعد مع الزمن؛ أن تُقسم مخرجات العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫إىل ثالثة عنارص‬

‫‪ .1‬أساسيات َو ِه َي القواعد العامة التي ترشد ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف خوض الحرب‪.‬‬
‫رتاتِيج ِّي‬
‫‪ .2‬فروع رئيسية َو ِه َي األساليب املستخدمة يف مستويات الحرب الثالثة‪ ،‬اإل ِْس ِ َ‬
‫والعمليا والتكتي ‪ ،‬إضافة إىل تحديد نوع الحرب التي ستنبني َعلَ ْي َها َه ِذ ِه املستويات‪.‬‬
‫مجاالت وأنشطة الحرب األخرى‪ ،‬مثل التنظيم والقيادة والتحكم‬
‫ُ‬ ‫‪ .3‬فروع ثانوية َو ِه َي‬
‫والتسليح واالستخبارات واالتصاالت والتدريب والهندسة ال َعسكَ ِريَّة وما إىل َ لِكَ ‪.‬‬

‫معنا يف الفصول التالية ملح ٌة وافي ٌة عن كُل منها‪.‬‬ ‫وسي‬

‫‪96‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ليست العقيدة يف جوهرها إال إجاب ًة عن مجموعة كبرية من األسئلة‪ ،‬و َه ِذ ِه األسئلة ميكننا‬
‫تقسيمها إىل ثالث حزم مركزية (أساسيات‪ ،‬فروع رئيسية‪ ،‬فروع ثانوية)‪ ،‬يَتُم اإلجابة َعنها‬
‫بالتوايل لنحصل عىل عقيدة عسكرية متامسكة‪.‬‬

‫لكن يُشرتط أثناء اإلجابة أن تُحدد املنطلقات التي سبق كرها‪ ،‬تُحدَّ د بِشَ كْلٍ دقيق حسب‬
‫طبيعة الرصاع الدائر‪ ،‬إ ال بد أن ي خذ بالحسبان جميع َه ِذ ِه االعتبارات التالية ِعنْدَ اإلجابة عن‬
‫ك ُّل س ال‪( :‬التجارب والخ ات السابقة‪ ،‬النظريات العلمية‪ ،‬املعتقدات الدينية‪ِّ ،‬‬
‫الس َي َاسة الوطنية‪،‬‬
‫واألعداء والتهديدات‪ ،‬الجغرافيا والدميغرافيا‪ ،‬التكنولوجيا‪ ،‬االعتبارات املدنية‪ ،‬وأخرياً‪ :‬ال ُق َوات‬
‫الصديقة ‪.‬‬

‫أول عنرص من العقيدة ُه َو األساسيات‪ ،‬وأسمينا كذلك ِألَنَّهُ ميثل األصول التي ستنبني‬
‫َعلَيْ َها العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وتتفرع‪َ ،‬و ُه َو يتضمن خمسة أقسام‪:‬‬

‫الشكل ‪ 15‬العنرص األول يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ‪-‬األساسيات‬


‫‪97‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬

‫أول َما ينبغي كتابته واعتامد يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ُه َو موقفنا من الحرب‪ ،‬إنها ثابة‬
‫ر يتنا الخاصة لِ َه َذا الرصاع العني ‪ ،‬وفلسفتنا يف رش أبعاد ودوافعه الب ية وحقيقته‬
‫الكونية‪.‬‬

‫ميكننا تحديد فلسفة الحرب ع اإلجابة عىل َه ِذ ِه األسئلة التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬وما ُه َو تعريفنا للحرب‬


‫‪ .2‬لِ َام َ ا ينبغي علينا خوضها‬
‫‪َ .3‬ما ِه َي األعباء األَ َس ِاسيَّة واملهام امللقاة عىل عاتق ال َجيش‬

‫ل‬ ‫م‬

‫لَ ْم تصنع العقيدة ال َعسكَ ِريَّة إال لتلبية متطلبات الحرب‪ ،‬فمن الطبيعي أن تكون الخطوة‬
‫ني مفهوم لِ َه ِذ ِه الحرب‪ ،‬واعتامد معنى لَ َها‪ ،‬يساعدنا فيام بعد‬
‫األوىل يف صياغة العقيدة ِه َي تعي ُ‬
‫يف تحديد الدوافع التي تجعلنا نخوضها‪ .‬ينظر ال َجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ للحرب عىل أنها صدام عني‬
‫اسية‪)1(:‬‬
‫بني قوتني أو ك ‪ ،‬وتتميز بثالثة عنارص أَ َس ِ َّ‬

‫(‪ )1‬إنها فوضوية بطبيعتها ومعقدة‪ِ ،‬ب َح ْي ُ يصعب تحديد سببها أو نتيجتها بِشَ كْلٍ مسبق‪،‬‬
‫وعىل ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة أن تعرت بهذ الحقيقة‪ ،‬وأن تجد سبيالً لتو ي َه ِذ ِه الخاصية‬
‫لصالحها والحصول عىل ميزة غري متكافئة‪.‬‬
‫(‪َ )2‬و ِه َي رصاع إرادات إنساين باألساس‪ ،‬وليست َع َملِ َّية ميكانيكية أو معادلة رياضية‪ ،‬إنها رصاع‬
‫يحاول فيه ك ُّل طر تغيري سلو ا خر‪ ،‬إنها منطقة الخو والشجاعة‪ ،‬الج والرجولة‪،‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪)USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 3-1 :‬‬

‫‪98‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫اإلخ َّوة والقسوة‪ ،‬الجشع والتضحية‪ ،‬وعىل القادة استثامر َ لِكَ بني قواتهم‪ ،‬وتوقعه يف‬
‫صفو عدوهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحرب تحدث بني السكان‪ ،‬إما بِشَ كْلٍ مبارش أو غري مبارش‪ ،‬ف نها إما أن تحدث يف موطن‬
‫شعبنا‪ ،‬أو أن جيشنا سيحمل إرادة شعبنا لخوض غامرها خارج حدود الوطن‪ .‬ولهذا السبب‪،‬‬
‫ينبغي علينا دا اً وأبداً استحضار دور السكان يف الحرب سواء من جهة العدو أم الصديق‪.‬‬

‫و َه َذا التعري ‪ ،‬قريب جداً من التعري ال قي‪ ،‬لكن ميكن لجيشنا أن يعتمد تعريفاً خاصاً‬
‫ِب ِه ينطلق من اعتباراته الخاصة‪ ،‬وخاصة املنطلق الديني والثقايف‪ ،‬ميكننا مثالً أن ننطلق من‬
‫التعري اللغو يف االصطال العر ‪َ ،‬و ُه َو أن الحرب‪ :‬قتال العدو‪ ،‬ف ن كان القتال م وعاً‬
‫‪ :‬ﲀﲁ‬ ‫والطر املشار فيها مسلامً ف نها توافق معنى الجهاد يف سبيل الله‪ .‬قال‬
‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ} [سورة األنفال‪.]57:‬‬

‫ل‬

‫تختل اإلجابة عن َه َذا الس ال بني َجيش وخر‪ ،‬فالجيو التي تريد نقل رسالتها إىل‬
‫األمم األخرى ولها مصالح إقليمية ودولية؛ تحارب من أجل التوسع‪ ،‬أو عىل األقل من أجل‬
‫الحفا عىل مصالحها الحيوية خارج البالد‪ ،‬أما الجيو التي تريد الحفا عىل وجود أمتها‬
‫فحسب‪ ،‬وال تحمل أبعاداً توسعية؛ ف ن و يفتها األَ َس ِاس َّية ِه َي الدفاع عن أوطانها وشعوبها‪.‬‬

‫من َه َذا املنطلق‪ ،‬ينبغي عىل ك ُّل َجيش أن يحدد ضمن عقيدته األسباب التي تدفعه لخوض‬
‫الحرب‪ ،‬و َ لِكَ أيضاً انطالقاً من االعتبارات التي سبق كرها يف الف َْصل الثال ‪ ،‬إ ال بد أن يكون‬
‫للدين والتاري والتهديدات املحيطة أث ٌر كبري يف اإلجابة عن َه َذا الس ال‪ .‬ميكننا عىل سبيل‬
‫املثال أن نقدم و جاً من واقع الحرب يف سوريا‪ ،‬يساعد الثوار ُهنَا َ عىل إدرا َه َذا األمر‪،‬‬
‫فانطالقاً من واجبنا الديني كمسلمني‪ ،‬ميكننا اإلجابة عىل "لِ َام َ ا نحارب " بالصيغة التالية‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫يف استجابة أمر والتضحية يف سبيله‪.‬‬ ‫‪ .1‬لنثبت صدقنا مع الله‬


‫‪.‬‬ ‫‪ .2‬لن دعوة اإلسالم‪ ،‬وإخراج الناس من حكم الطغاة والظلمة إىل حكم الله‬
‫‪ .3‬لحامية أمتنا والدفاع عن دمائها وأوطانها وكرامتها وأعراضها‪.‬‬

‫لكن إ ا أخذنا يف عني االعتبار أيضاً طبيع َة عدونا (االحتالل الرو ِ ّ و ُق َوات األسد) الَّ ِذ‬
‫يت ص بنا يف أ لحظة‪ ،‬وتاري الطائفة النصريية(‪ )1‬يف اضطهاد أمتنا وشعبنا‪ ،‬ميكننا أن‬
‫(‪)2‬‬
‫نجيب عىل "لِ َام َ ا يَ ُ‬
‫جِب أن نحارب نظام األسد بالتحديد " بالشكل التايل‪:‬‬

‫ويرتبع عىل مفاصله وقيادته ٌ‬


‫رجال من‬ ‫ُ‬ ‫‪ .1‬ألن َه َذا النظام يتزعمه رئيس نُصري باطني‪،‬‬
‫طائفته الدول َة‪ ،‬و َه ِذ ِه الفرقة أجمع علامء املسلمني عىل كفرها ووجوب الخروج َعلَ ْي َها‬
‫وخلعها من سدة الحكم‪.‬‬
‫الكفر والطعن يف ثوابت الدين وشتم‬ ‫‪ِ .2‬ألَنَّهُ قام عىل معاداة اإلسالم والسنة ون‬
‫املقدسات‪.‬‬
‫‪ِ .3‬ألَنَّهُ صائل معت ٍد عىل جميع الحرمات من األنفس واألعراض واألموال‪ ،‬وتسبب يف مقتل‬
‫مليوناً خرين‪ ،‬وتدمري‬ ‫أك من نص مليون مسلم‪ ،‬وت يد أك من أربعة ع‬
‫املساكن والحقول واملساجد‪.‬‬
‫‪ .4‬ألن نظام األسد َمكَّ َن لجيو الروس والرواف ‪ ،‬وسلَّمهم ثروات البالد وخرياتها‪ ،‬وال‬
‫شكَّ أن مقاومة املحتلني وإخراجهم واجب حتمي‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطائ ة ال ريية رت الق رن ال ال م ن ال رة‪ ،‬وتع د َ ِ ِ الطائ ة م ن الة الش يعة الباط ي ة‪ ،‬الَّ ِ ي َن‬
‫ب ن طال ب ‪ .‬وك ان ا م األول "ال ريية" َّ تس موا بع د َلِ َ ب "العل وي " وي ا‬ ‫اد وا ا ل ي ة‬
‫َ الطائ ة َو م م د ب ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َا اال ا ن‪ .‬م‬ ‫ال ا ‪ ،‬وت طي ة ل قيق ة م ب ‪ ،‬و ي ر ون‬
‫ة ‪ ) 270‬الَّ ِ اد ال بوة والر الة‪.‬‬ ‫ن ري البرص ال مري تو‬
‫(‪ ِ ِ َ )2‬ال ق رات مس توحاة م ن م ا الت دري الَّ يَ ت تعليم للم دين ال دد ح د ال دورات التدريبي ة‬
‫ِ‬
‫وريا‪ ،‬مادة ق ال اد‪ ،‬امل َب َ األول‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫‪ِ .5‬ألَنَّهُ أ أك من نص مليون مسلم‪ ،‬من بينهم النساء والشيوخ واألطفال‪ ،‬ومات منهم‬
‫تحت التعذيب واإلعدامات الوحشية ع ات األلو ‪ ،‬ومعلوم أن من أوجب الواجبات‬
‫استنقا األ ى واألسريات‪.‬‬
‫واجب إلزامي‪َ ،‬فه َِي بلد مسلم وشعبها أغلبيته‬
‫‪ .6‬ألن إقامة كيان ونظام إسالمي يف سوريا ٌ‬
‫مسلمة‪ ،‬ومن البديهي أال يحكمه إال نظام مسلم‪.‬‬
‫َه َذا عىل سبيل املثال‪ ،‬وإال ف ن اإلجابة الدقيقة عن َه َذا الس ال تحتاج ت نياً أك ونقاشاً‬
‫طويالً بني نخب الثوار يف سوريا‪ِ ،‬ألَنَّهُ سيكون قاعدة انطالق لكافة املامرسات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬و َه َذا‬
‫املوضوع غاية يف األهمية ِألَنَّهُ ميثل الدوافع ال عية التي ستُ ِمد الجنو َد بالحامسة املطلوبة‬
‫للحرب‪ ،‬وستحفزهم عىل تحمل األمانة واملس ولية امللقاة عىل عاتقهم‪.‬‬

‫ل‬ ‫م‬

‫ور أن يَتُ َّم‬ ‫بعد أن نحدد مفهوم الحرب واألسباب التي تدفعنا لخوضها‪ ،‬يبقى من ال‬
‫توضيح املهام املنوطة بالجيش وال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬جاء يف عقيدة ال َجيش‬
‫ُ‬
‫األَ ْم ِر ْي ِ ّ‪" :‬جيشنا موجود للدفاع عن الوطن وحامية مصالح أمتنا‪ .‬نَ ْح ُن نستجيب لنداء األمة‬
‫للخدمة َمتَى وحيثام كان َ لِكَ مطلوبًا‪ .‬بصفتنا القوة الحربية ال ية البارزة يف العا ‪ ،‬فنحن‬
‫من ال أو البحر أو الجو‪ ،‬لقمع‬ ‫قادرون عىل إدارة األزمات (‪ )..‬و َه َذا يشمل الدخول الق‬
‫العدو‪ ،‬أو تعزيز املكاسب يف ساحة امل َ ْع َركَة أو تسهيل السالم املستدام أو دعم السلطات املدنية يف‬
‫‪) (.‬‬ ‫الداخل‬

‫‪(1( Army doctrine publications, ADP - 1, the army, Preface, 31/7/2019.‬‬

‫‪101‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫وس َّي ِة األعبا َء امللقا َة عىل عاتق ال َجيش‪ ،‬يف النقاط‬


‫توضح وثيق ُة العقيدة الر ِ‬
‫ُ‬ ‫من جهة أخرى‬
‫التالية (‪)1‬‬

‫• الرد يف الوقت املناسب عىل األخطار ِّ‬


‫الس َي ِاس َّية أو ال َعسكَ ِر َّية التي تهدد االتحاد الفيدرايل‬
‫الرو ِ ّ وحلفائه‪.‬‬
‫• الجاهزية واالستعداد الدائم للقوات التَّ ْقلِي ِديَّة والنووية‪.‬‬
‫• حامية الحدود القومية والدفاع َعنْ َها‪.‬‬
‫• زيادة درجة التكامل يف الدفاع الجو ‪.‬‬
‫• حامية أجهزة ومقدرات أمن املعلومات وتكنولوجيا االتصال‪.‬‬
‫• القيام بعمليات إسرتاتيجية انفرادية أو متعددة ضدَّ ُق َوات العدو‪.‬‬

‫لكن انطالقاً من طبيعة الواقع املعقد يف الساحة الثَّ ْو ِريَّة‪ ،‬ميكن أن يكون للجيش مها ٌم‬
‫عديد ٌة منوط ٌة ِب ِه‪ ،‬ف ضاف ًة إىل دور يف صدِّ أ حمالت عسكرية متوقعة عىل املناطق املحررة‪،‬‬
‫سيتوجب َعلَ ْي ِه تَنْ ِظ ْيم َع َملِ َّيات استباقية يف عمق مناطق العدو‪ ،‬ومساعدة السلطات املدنية يف‬
‫ضبط األمن الداخ ‪ ،‬وتحقيق ردع إسرتاتيجي يثني العدو عن استهدا مراكزنا الحيوية‪َ ...‬ه َذا‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬وإال ف ن النخب الثَّ ْو ِريَّة يقع عىل عاتقها أن تضع بني يديها جميع االعتبارات‬
‫امل ثرة‪ ،‬وتحدد بِشَ كْلٍ واضح مهام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬

‫(‪ )1‬بريت تشامبان‪ ،‬العقيدة ال َعس َك ِريَّة دليل مرجعي‪ ،‬ص ‪.141‬‬

‫‪102‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫م‬

‫العنرص الثاين يف أساسيات العقيدة ُه َو مباد‬


‫الحرب‪َ ،‬و ِه َي مجموع ٌة من األسس املخترصة جداً‪،‬‬
‫واملستوحاة من فلسفة الحرب وتجارب التاري ‪ ،‬تو ِّجه‬
‫وتُرشد وتضبط التفكري ال َعسكَ ِر ّ أثناء خوض الحرب‪.‬‬
‫أصل لوجود َه ِذ ِه املباد ُه َو‬
‫ميكن القول إن أشهر من َّ‬
‫الج ال ال يطاين جون فولر‪ )1(،‬فقد تحدث َعنْ َها‬
‫بِشَ كْلٍ مستفي ٍ يف كتابه املشهور "أسس علم الحرب ‪،‬‬
‫واعت أن املباد ال َعسكَ ِر َّية تسعة‪:‬‬

‫الشكل ‪ :)16‬مباد ُ الحرب ِع ْندَ الج الِ فولر‬

‫‪(1) MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬

‫‪103‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫الجيو تجعلها أك من تسعة‪ ،‬بينام يخترصها بعضهم‬ ‫الجدير بالذكر أن ُه َنا َ بع‬
‫أقل من َ لِكَ ‪ .‬عىل سبيل املثال؛ تضي بريطانيا إليها مبدأ خر وتجعلها ع ة‪،‬‬
‫ا خر ويجعلها َّ‬
‫بينام تزيد فيها هولندا َحتَّى توصلها إىل اثني ع مبدأً‪ ،‬ويف َه ِذ ِه املس لة خال بني األوساط‬
‫ال َعسكَ ِريَّة‪ .‬وك ُّل َما عىل النخب الثَّ ْو ِريَّة التي تسعى لتحديد عقيدتها ال َعسكَ ِريَّة أن تنطلق من‬
‫النظريات العلمية املوجودة يف َه َذا الباب ومن تاري تجاربها وخ تها السابقة لتجيب عىل‬
‫الس ال التايل‪َ :‬ما َأ َه ّم املباد ال َعسكَ ِريَّة العامة التي ينبغي أن ت طر عملياتنا ال َعسكَ ِريَّة يف ك ُّل‬
‫األحوال ويف مختل الظرو‬

‫‪104‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ِه َي مجموع ٌة من القيم السامية التي يحددها ك ُّل َجيش حسب أعرافه ومعتقداته الوطنية‪،‬‬
‫ويعت ها أَ َس ِاسيَّة ليتحىل الجند باألخالق والرو املعنوية الالزمة يف الحرب‪ ،‬لِ َذلِكَ عاد ًة َما‬
‫يطلق عىل َه ِذ ِه القيم "العقيدة القتالية ‪ ،‬ألنها تشد عزمه وتشحذ همته وترفع معنوياته وتعزز‬
‫قدرته عىل الثبات والتضحية أثناء القتال‪.‬‬
‫أوسع بكثريٍ من العقيدة القتالية‪ ،‬فليست األخرية إال‬
‫وبهذا املنظور‪ ،‬ف ن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ُ‬
‫جزءاً صغرياً من األوىل‪ ،‬وبهذا يتضح لك الفرق بينهام‪ ،‬وكَيْ َ أن كثرياً من الناس يخلط بني‬
‫املفهومني‪.‬‬
‫ميكن تقسيم َه ِذ ِه القيم إىل ثالثة أصنا أَ َس ِاس َّية‪ :‬قيم ال َجيش‪ ،‬قيم القائد‪ ،‬قيم الجند ‪،‬‬
‫وتتم صياغتها ع اإلجابة عىل َه ِذ ِه األسئلة‪:‬‬
‫‪َ .1‬ما َأ َه ّم القيم الجامعية التي ينبغي أن ي من ِب َها جيشنا ويستقيم َعلَيْ َها‬
‫‪َ .2‬ما َأ َه ّم القيم التي ينبغي للقائد يف جيشنا أن يلتزم ِب َها‬
‫‪َ .3‬ما َأ َه ّم القيم التي َي ُ‬
‫جِب عىل الجند العمل ِب َها‬
‫َما َأ َه ّم القيم الجامعية التي ينبغي أن ي من ِب َها جيشنا ويستقيم َعلَ ْي َها‬
‫ري ِ ّ لنفسه القيم التالية‪)1(:‬‬
‫كمثال عن َ لِكَ ‪ ،‬يختار ال َجيش األَ ْم ِ ْ‬
‫• الوالء للدستور وال َجيش والوحدة التي تعمل فيها‪.‬‬
‫• الواجب‪ :‬أن تكون و ِف ّياً بالتزاماتك‪ ،‬لكن مع فريق عملك‪.‬‬
‫• االحرتام‪ :‬عامل الناس كام ينبغي أن يُ َعا َملُوا‪.‬‬
‫• اإلخالص تقديم مصلحة األمة وال َجيش ومر وسيك قبل مصلحتك‪.‬‬
‫• النزاهة صدقك وأمانتك يف تنفيذ مهامك دون غش أو خداع‪.‬‬

‫‪(1) www.army.mil/values.‬‬

‫‪105‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫• الشجاعة مواجهة الخو أو الخطر أو الشدائد الجسدية أو املعنوية ‪.‬‬


‫الخدمة املتفانية والتزام قيم اإلخالص والشجاعة والنزاهة يف حياتك اليومية‪.‬‬ ‫• ال‬
‫َما َأ َهم ِ‬
‫القيم التي ينبغي للقائ ِد يف جيشنا أن يلتزم ِب َها‬
‫إضافة إىل القيم العامة؛ يلقن ال َجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ ضابط الص لديه عبار ٍات خاص ٍة يرددها‬
‫باستمرار َحتَّى ترتس يف وجدانه وقلبه‬
‫أنا األك احرتافاً ومهني ًة‪ ،‬أنا ضابط الص ‪ ،‬قائد الجنود‪ .‬بصفتي ضابط‬
‫ص ‪ ،‬أدر أنني عضو يف ُق َوات تحظى باحرتام راكمته سنوات الخدمة الطويلة‬
‫‪ ..‬أنا فخور بفيلق ضباط الص وس عمل عىل الدوام ينال الفيلق وبلد‬
‫التقدير الَّ ِذ يستحقه بغ النظر عن الوضع الَّ ِذ أجد نف فيه‪ .‬لن‬
‫أستخدم رتبتي أو منصبي لتحقيق املنفعة أو الربح أو السالمة الشخصية‪.‬‬
‫الكفاءة ِه َي شعار ‪ ،‬وستظل مس وليا األَ َس ِاسيَّة ماثل ًة يف هني‪َ ،‬و ِه َي‬
‫إنجاز مهمتي ورعاية جنود ‪ .‬س بذل قصارى جهد ألحافظ عىل كفاء‬
‫جميع الجنو ِد قياد ًة مت لق ًة؛ س كونُ تِلْكَ ال ِقيَا َدة‪ .‬أعر‬
‫يستحق ُ‬
‫ُ‬ ‫الفنية والتقنية ‪..‬‬
‫جنود وس قدِّ م احتياجاتهم عىل حاجا ‪ ،‬وس تواصل باستمرار مع جنود ولن‬
‫أتركهم أبداً يف غفلة عام يدور حولهم‪ ،‬س كون ُمنصفاً وحياديًا ِعنْدَ َما أتقدَّ م‬
‫باقرتا مكاف ة أو عقوبة‪.‬‬
‫سيحظى ضباط وحد ب طول وقت ممكن إلنجاز واجباتهم؛ ولن‬
‫يضطروا إىل إنجاز عم ‪ ،‬س كسب احرتامهم وثقتهم كام أكسب احرتام جنود ‪.‬‬
‫س ُخلِص ألولئك الَّ ِذي َن أخدم معهم؛ سوا ًء كانوا أك مني سناً أو مياثلونني يف‬
‫العمر أو أصغر مني‪ .‬لن تنقصني املبادرة‪ ،‬و عة اتخا اإلجراء املناسب يف حالة‬
‫عدم وجود أوامر‪ .‬لن أساوم عىل نزاهتي وال شجاعتي األخالقية‪ ،‬لن أن ولن‬
‫أسمح لرفاقي أن ينسوا أننا محرتفون وضباط ص وقادة‪)1( .‬‬

‫‪(1) https://www.army.mil/values/nco.html‬‬

‫‪106‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫َما َأ َه ّم القيم التي ال ينبغي عىل الجند يف جيشنا أن يخالفها‬

‫لَ ْم يكت ال َجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ بتحديد قيم للم سسة ال َعسكَ ِريَّة ككل وللضباط بِشَ كْلٍ خاص‪،‬‬
‫بل اعتمد مجموعة من القيم أيضاً خاصة بالجند ‪ ،‬يلقنها لَهُ بِشَ كْلٍ دور ‪ ،‬لتستقر يف ف اد‬
‫وتصبح جزءاً من سلوكه (‪)1‬‬

‫أنا جند أمري ‪.‬‬


‫أنا محارب وعضو يف فريق‪.‬‬
‫أنا أخدم شعب الواليات املتحدة وأعيش بقيم ال َجيش‪.‬‬
‫س ضع األولوية للمهام دا اً وقبل ك ُّل ء‪.‬‬
‫لن أقبل الخسارة أبداً‪.‬‬
‫لن أستسلم أبداً‪.‬‬
‫لن أتر أبداً رفيقاً سقط‪.‬‬
‫ومتمرس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أنا منضبط‪ ،‬قو جسد ًيا وعقل ًيا‪ ،‬ومدرب‬
‫أنا دائم املحافظة عىل سالحي ومعدا ونف ‪.‬‬
‫أنا خبري وأنا محرت ‪.‬‬
‫إنني عىل استعداد ملالحقة أعداء الواليات املتحدة األمريك َّية واالشتبا‬
‫معهم وتدمريهم يف قتال متالحم‪.‬‬
‫أنا و عىل الحرية وأسلوب الحياة األَ ْم ِريْ ِ ّ‪.‬‬
‫أنا جند أمري ‪.‬‬

‫‪(1) https://www.army.mil/values/soldiers.html‬‬

‫‪107‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫يف املحصلة كام سبق ووضحنا؛ ف ن ال َجيش األَ ْم ِر ْي ِ ّ شديد الحرص عىل تعيني قيم خاصة‬
‫لِك ُِّل رتبة من ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪َ ،‬حتَّى أنه قد صا أيضاً قيامً خاصة لطالب الكلية ال َعسكَ ِريَّة َل ْم‬
‫نسقها ُهنَا تجنباً ل طالة‪1 .‬‬

‫لذا ينبغي عىل ال َجيش الثور الناش أيضاً أن يحرص عىل تحديد ِقيمه‬
‫انطالقاً من اعتباراته الدينية والتاريخية والوطنية الخاصة‪ ،‬وتكمن أهمية َه ِذ ِه‬
‫القيم يف كونها تحفز الجنود وتشعرهم باملس ولية‪ ،‬وسيكون تكرارها والرتكيز‬
‫َعلَيْ َها سبباً يف تغيري سلوكهم مع الوقت‪ ،‬ويجعلهم أك انضباطاً واستقام ًة‬
‫وفاعلي ًة‪ ،‬فام تك َّرر تق َّرر‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر املو ال َّر ِمي لل ي األَمرِي ِ ‪)https://www.army.mil/values/cadet.html( :‬‬

‫‪108‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ِه َي مجموعة من اللوائح والتعليامت الثابتة نسبياً‪ ،‬والتي تضبط مامرسات ال َجيش تجا‬
‫العديد من القضايا اإلنسانية والسلوكية‪ ،‬وتتضمن مجموعة من املحاور مثل اليمني‪ ،‬قوانني‬
‫التعامل مع امل سسات الخدمية والبنى التحتية واملرافق اإلنسانية وممتلكات األفراد واأل ى‬
‫والجرحى والقتىل والغنائم والصحافة واملنظامت اإلغاثية‪ ،‬قواعد االشتبا والتخريب واستخدام‬
‫األسلحة والنريان وما إىل َ لِكَ ‪ ،‬ومن املفرتض أن َه َذا القانون يتامهى مع دستور البالد‪ ،‬وإن‬
‫مخالفته تستلزم املحاسبة القضائية‪)1(.‬‬

‫ميكن تحديد َه ِذ ِه القوانني من خالل اإلجابة عن األسئلة التالية‬


‫‪َ .1‬ما الصيغة املناسبة لليمني التي يقسم َعلَ ْي َها املجند والضابط ‪2‬‬
‫( )‬

‫‪ .2‬كَ ْي َ نتعاطى مع الصحافة يف ميدان امل َ ْع َركَة‬


‫‪ .3‬كَيْ َ نعامل أ ى العدو وما يشمل َ لِكَ من إطعام وطبابة وتقييد وتحقيق وسجن‬
‫واتصال مع األهل‬
‫‪ .4‬كَ ْي َ نتعامل مع قتىل العدو من َح ْي ُ الدفن والتغسيل والصالة والتسليم لألهل‬
‫‪َ .5‬ه ْل ميكننا املعاملة باملثل َما حدود َ لِكَ‬
‫‪ .6‬كَيْ َ نعامل نساء العدو وأطفاله وشيوخه ورهبانه وغري املقاتلني بِشَ كْلٍ ٍ‬
‫عام‬

‫ال َ ي األَمرِي ِ كال من‪ :‬ال ال َ ي ‪ ،‬وا د السلو ‪ ،‬انون ال ر ‪،‬‬ ‫)‪ (1‬كم ال ن َلِ َ ‪ ،‬تشمل تعلي ت ال ر‬
‫امل ب‪ ،‬وا د اال تبا و وا د ا ت دا القوة‪ ،‬قيدة ال د ‪ ،‬ي امل ار ل‬
‫انظر‪)USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 3-12. :‬‬
‫دلب الل ح ل ت ري‬ ‫)‪ (2‬كن اال ت ادة من ي ة القس التي ا تمدت ا الكلية ال َعس َك ِريَّة حكومة ا نقا‬
‫ور َحتَّ ت ق‬ ‫بيل الل ‪ ،‬و ن حا‬ ‫ال با ة ‪ " :2022‬ا د الل العظي ن بق مستمرا طري ال اد‬
‫دا ا‪ ،‬و ن ب ل ال ا وال ي َحتَّ تعلو راية ا ال ويت رر كامل ترا الوطن‪ ،‬من رج امل تل والعمال و ن‬
‫ار م و مانة الحي‪،‬‬ ‫امل رر‪ ،‬و حمي بِكل َما تطي ل ملن امل ‪ ،‬وحربا ملن حارب ‪ ،‬و ن حا‬ ‫حا‬
‫َما ول يد"‬ ‫وطا ة اد ‪ ،‬و د الل وال ا ين‪ ،‬والل‬

‫‪109‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫‪ .7‬كَ ْي َ نعامل املنظامت اإلنسانية يف ساحة ال َع َملِ َّيات‬


‫‪َ .8‬ما املواقع التي مينع استهدافها مستشفيات‪ ،‬أحياء سكنية‪ ،‬محطات ميا ‪...‬إل‬
‫‪َ .9‬ما األسلحة التي ي ع مينع استخدامها يف الحرب‬

‫طبعاً َه َذا و ج بسيط من األسئلة التي تنبغي اإلجابة َعلَيْ َها‪ ،‬وإال ف ن الجزء املتعلق‬
‫بالقوانني يعد من أطول مواضيع العقيدة ال َعسكَ ِر َّية وأوسعها‪ ،‬و َه َذا َما جعل وزارة الدفاع‬
‫األمريك َّية تخصص لَهُ كتاباً كامالً م لفاً من أك من أل ومئتي صفحة‪ 1 ،‬يَتُم تحديثه بِشَ كْلٍ‬
‫دور ‪َ ،‬و ُه َو ملز ٌم لجميع أقسام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة األمريكيَّة‪َ ،‬ه َذا غري القوانني واللوائح الداخلية‬
‫قسم بِشَ كْلٍ مستقلٍ ‪.‬‬
‫التي يصدرها كُل ٍ‬

‫أما بالنسبة للنخب الثَّ ْو ِريَّة املسلمة ف ن أول مصدر لِ َه ِذ ِه القوانني ُه َو الدين اإلسالمي‪،‬‬
‫فقد تحدثت ال يعة اإلسالمية بِشَ كْلٍ مفصلٍ عن أحكام األ ى والقتىل والشيوخ والنساء‬
‫عام‪ ،‬وب َّينت أحكام تبييت العدو واستهدا مساكنه والتمثيل ِب ِه‬
‫واألطفال وغري املقاتلني بِشَ كْلٍ ٍ‬
‫وما إىل َ لِكَ ‪ ،‬وإن بُطون الكتب الفقهية مليئة بتفاصيل َه ِذ ِه املسائل‪ ،‬ثُ َّم ال بد أن ي خذ بعني‬
‫االعتبار القواعد الدولية التي تعارفت َعلَيْ َها الجيو اليوم‪ ،‬فلم يعد يف الحرب ا ن ٌ‬
‫سبي أو‬
‫أيضاً التجارب السابقة ودستور البالد ‪-‬إن ُوجد‪-‬‬ ‫استعباد كام كان يف التاري القديم‪ .‬وال نن‬
‫فهام مصدران أساسيان يف صياغة َه ِذ ِه القوانني‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪Department of defense, Law of war manual, December 2016, Office of general counsel :‬‬
‫‪).department of defense‬‬

‫‪110‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ل‬ ‫م‬

‫املصطلحات والرموز ِه َي اللغة املستخدمة يف ك ُّل نشاط عسكر ‪ ،‬إنها لغة املناهج‬
‫والتدريبات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬ولغة األسلحة واملعدات‪ ،‬ولغة الخرائط واألشكال البيانية‪ .‬إنها اللغة التي‬
‫تجعل ال ِقيَا َد َة ال َعسكَ ِريَّ َة قادر ًة عىل التوجيه والتدريب والتقييم والتنظيم‪َ ،‬و ِه َي اللغة التي كن‬
‫ُ‬
‫أفراد ال ُق َوات ال َعسكَ ِر َّية من التواصل والتفاهم فيام بينهم‪ ،‬إنها يف جسد ال َجيش كالسيالة‬
‫العصبية يف جسد اإلنسان‪)1(.‬‬

‫أول شق من َه َذا الجزء‪ُ ،‬ه َو تعري املصطلحات ال َعسكَ ِر َّية املستخدمة يف املناهج واألدلة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬إ ا ال بد من اعتامد تعري موحد لَ َها لتحقيق الفهم املتبادل‪ .‬يتضمن الجدول التايل‬
‫ِ‬
‫املصطلحات التي ينبغي تعريفها واعتامدها يف معجم ال َجيش‪:‬‬ ‫مثاالً عن َه ِذ ِه‬

‫القوة الضاربة‬ ‫الت مني‬ ‫الخط األمامي‬ ‫العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الدفاع يف العمق‬

‫الهجوم املضاد‬ ‫الهجوم‬ ‫خط االنتشار‬ ‫الدفاع املتحر‬ ‫مباد الحرب‬

‫املناورة‬ ‫اإلدامة‬ ‫خط تسليم امل َ ْع َركَة‬ ‫الرتاجع‬ ‫قيم الحرب‬

‫فك االشتبا‬ ‫االستخبارات‬ ‫املوقع البديل‬ ‫االنزواء‬ ‫ميني املنصب‬

‫خط اإلمداد‬ ‫االستطالع‬ ‫املوقع امللحق‬ ‫النسق‬ ‫رتاتِي ِج َّية‬


‫اإل ِْس ِ َ‬

‫العوائق‬ ‫التمويه‬ ‫املوقع املكمل‬ ‫التثبيت‬ ‫ال َع َملِيَّات‬

‫مسلك االقرتاب‬ ‫الهندسة‬ ‫منطقة ال َع َملِ َّيات‬ ‫العزل‬ ‫التكتيك‬

‫‪(1) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-7.‬‬

‫‪111‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫املصطلحات األخرى التي ستظهر مع الوقت خالل َع َملِ َّية إعداد املناهج‬
‫ِ‬ ‫مئات‬
‫ُ‬ ‫و ُه َنا َ‬
‫والدراسات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬وينبغي تعريفها واعتامدها وإلحاقها باملعجم ال َّر ْس ِم ّي للجيش‪ ،‬إ ا فعملية‬
‫صطلحات جديدة ستبقى مستمرة َما دامت ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة ترتقي‬ ‫تحدي املعجم وإرفاد‬
‫وتتطور‪َ ،‬و ِه َي َع َملِيَّة تراكمية وتحتاج سنوات من الخ ة واملامرسة‪.‬‬

‫الشق الثاين؛ يتحدث عن االختصارات املعتمدة يف ال َجيش‪ ،‬فعاد ًة َما تخترص الجيو‬
‫الكلامت الطويلة املتكررة‪ ،‬وقد يشمل َ لِكَ أسامء املعدات أو ال َع َملِيَّات أو الدول وما إىل َ لِكَ ‪.‬‬
‫أ ‪ ،‬ومصطلح موقع بديل ب‬ ‫عىل سبيل املثال ميكن اختصار مصطلح الحد األمامي ب‬
‫م ب ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وتوضيح َه ِذ ِه املخترصات رضور يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة َحتَّى يسهل عىل األفراد‬
‫فهمها يف املنهاج ال َعسكَ ِريَّة واللوائح والخرائط‪.‬‬

‫الشق الثال ُ بالرمو ِز واألشكالِ ‪َ ،‬و ِه َي رضوري ٌة لتوضيح‪:‬‬


‫يتعلق ُ‬
‫ُ‬

‫‪ .1‬عدد ال ُق َوات‪ :‬بداية من املجموعة فالفصيلة فال ية وصوالً للكتيبة واللواء والفرقة‪.‬‬
‫‪ .2‬خطوط امل َ ْع َركَة‪ :‬الخط االنتشار األمامي‪ ،‬وخط االشتبا ‪ ،‬وخط تسليم امل َ ْع َركَة‪ ...‬إل وك ُّل‬
‫منها لَهُ و ائ مختلفة‪.‬‬
‫‪ .3‬مناطق ال َع َملِيَّات‪ :‬كمنطقة الت مني‪ ،‬ومنطقة االشتبا ومنطقة االحتياط وغري َ لِكَ ‪.‬‬
‫‪ .4‬األسلحة‪ :‬ختل أنواعها َفك ُّل منها َيج ُِب أن تكون لَهُ إشارة خاصة توضحه عىل‬
‫الخريطة‪.‬‬
‫‪ .5‬الحركة‪ :‬قد ترمز إىل تقدم ال ُق َوات أو تراجعهم أو التفافهم‪.‬‬
‫‪ .6‬التضاريس‪ :‬السهلية أو الجبلية أو األنهار وا بار وغري َ لِكَ ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫َه َذا عىل سبيل املثال‪ ،‬وإال َف ُه َنا َ الكثري من األنشطة وال َع َملِ َّيات واملعدات التي تحتاج رموزاً‬
‫معتمدة يف ال َجيش‪ ،‬وما يهمنا يف ال َب ْح أن نعلم أن تحديد املصطلحات والرموز مس لة أَ َس ِاس َّية‬
‫يف الحرب َو ِه َي تعتمد عىل اإلجابة عن األسئلة التالية‪:‬‬

‫• َما َأ َه ّم املصطلحات ال َعسكَ ِريَّة التي نستخدمها وما املفهوم املعتمد لِك ُِّل مصطلح‬
‫• َما َأ َه ّم االختصارات التي نستخدمها وما املفهوم املعتمد لِك ُِّل مخترص‬
‫• َما َأ َه ّم الرموز ال َعسكَ ِريَّة التي نستخدمها وما املفهوم املعتمد لِك ُِّل رمز‬

‫‪113‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ملخص‬

‫إن إنهاء العنرص األول من العقيدة ال َعسكَ ِريَّة (األساسيات) يتطلب تحديد ال َجيش ملفهومه‬
‫الخاص لفلسفة الحرب ومبادئها وقيمها وقوانينها‪ ،‬إضافة إىل اعتامد الرموز واملصطلحات‬
‫واألشكال ال َعسكَ ِريَّة وتعريفها‪ ،‬و َ لِكَ من خالل ت مل املنطلقات التي سبق كرها واإلجابة عن‬
‫األسئلة التالية‬
‫األسئلة‬ ‫األساسيات‬ ‫املنطلقات‬
‫َما تعريفنا للحرب‬
‫فلسفة الحرب لِ َام َ ا ينبغي علينا خوضها‬ ‫يف البيئة الخارجية‬
‫َما األعباء األَ َس ِاسيَّة واملهام امللقاة عىل عاتق ال َجيش‬ ‫‪ .1‬األعداء والتهديدات‬
‫َم ا َأ َه ّم املباد ال َع سكَرِيَّ ة العامة التي ينبغي أن ت طر‬
‫‪ .2‬الجغرافيا‬
‫مباد الحرب عملي اتن ا ال َع سكَر َِّي ة يف كُ ّل األحوال ويف مختل‬
‫الظرو‬ ‫‪ .3‬الدميغرافيا‬
‫َما َأ َه ّم القيم الجامعية التي ينبغي أن ي من ِب َها جيشنا‬
‫‪ .4‬التقدم التكنولوجي‬
‫قيم الحرب ويستقيم َعلَيْ َها‬
‫َما َأ َه ّم القيم التي ينبغي للقائد يف جيشنا أن يلتزم ِب َها‬ ‫‪ .5‬االعتبارات املدنية‬
‫َما َأ َه ّم القيم التي َيج ُِب عىل الجند العمل ِب َها‬
‫َما الصيغة املناسبة لليمني التي يقسم َعلَ ْي َها املجند‬
‫والضابط‬ ‫منطلقات داخلية‬
‫كَيْ َ نتعاطى مع الصحافة يف ميدان امل َ ْع َركَة‬ ‫‪ .1‬التجارب والخ ة‬
‫كَ ْي َ نعامل أ ى العدو وما يشمل َ لِكَ من إطعام‬
‫‪ .2‬املعتقدات الدينية‬
‫وطبابة وتقييد وتحقيق وسجن واتصال مع األهل‬
‫قوانني الحرب كَيْ َ نتعامل مع قتىل العدو من َحيْ ُ الدفن والتغسيل‬ ‫‪ .3‬النظريات‬
‫والصالة والتسليم لألهل‬
‫الس َي َاسة الوطنية‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫ه َْل ميكننا املعاملة باملثل َما حدود َ لِكَ‬
‫كَيْ َ نعامل نساء العدو وأطفاله وشيوخه ورهبانه وغري‬ ‫‪ .5‬ال ُق َوات الصديقة‬
‫املقاتلني بِشَ كْلٍ ٍ‬
‫عام‬ ‫والحليفة‬
‫كَ ْي َ نعامل املنظامت اإلنسانية يف ساحة ال َع َملِ َّيات‬

‫‪114‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫َما املواقع التي مينع استهدافها مستشفيات‪ ،‬أحياء سكنية‪،‬‬


‫محطات ميا ‪...‬إل‬
‫َما األسلحة التي ي ع مينع استخدامها يف الحرب‬
‫َما َأ َه ّم املصطلحات ال َعسكَ ِريَّة التي نستخدمها وما‬
‫املفهوم املعتمد لِك ُِّل مصطلح‬
‫َما َأ َه ّم االختصارات التي نستخدمها وما املفهوم املعتمد‬ ‫الرموز‬
‫واملصطلحات لِك ُِّل مخترص‬
‫َما َأ َه ّم الرموز ال َعسكَ ِر َّية التي نستخدمها وما املفهوم‬
‫املعتمد لِك ُِّل رمز‬

‫‪115‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫جرد صياغة أساسيات العقيدة‪ ،‬سيكون لَ َها ت ثري مستمر عىل مستويات الحرب الثالثة‬
‫يجِي والعمليا والتكتي ‪ )1(،‬كام أن أثارها ستنعكس أيضاً عىل الخطط واألهدا‬ ‫رتاتِ ّ‬
‫اإل ِْس ِ َ‬
‫ال َعسكَ ِريَّة يف مختل َه ِذ ِه املستويات وكيفية تحقيقها‪ .‬ولكن قبل َ لِكَ كله‪ ،‬أول خطوة ينبغي‬
‫العمل َعلَ ْي َها يف العقيدة ال َعسكَ ِر َّية َما بعد األساسيات؛ ِه َي تحديد نوع الحرب التي تخوضها أو‬
‫ميكن أن تخوضها قواتنا امل ُ َسلَّ َحة‪ ،‬ألن طبيعة الحرب ِه َي التي ستفرض علينا طاً معيناً من‬
‫األساليب الحربية‪.‬‬

‫ميكننا القول إن العنرص الثاين من العقيدة ال َعسكَ ِر َّية (الفروع الرئيسية) يتضمن بداي ًة‬
‫رتاتِيجِ َّيات وال َع َملِ َّيات والتكتيكات املناسبة لَ َها‪ ،‬و َه َذا ُه َو‬
‫تحديد طبيعة الحرب‪ ،‬ثُ َّم اختيار اإل ِْس ِ َ‬
‫التسلسل املنطقي ا َّل ِذ ينبغي السري َعلَيْ ِه‪.‬‬

‫الشكل ‪ 17‬العنرص الثاين يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة ‪ -‬الفروع الرئيسية‬

‫‪(1) MG (ret) Kees Homan, Doctrine.‬‬

‫‪116‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫يتجه معظم الخ اء العسكريني إىل تقسيم الحروب لعدة أنواع‪ ،‬إ يتفق جميعهم أن الحرب‬
‫تتغري أ اطها وتتنوع مع تطور الب ية وتقدم تقنياتها‪ .‬لكنك إ ا أردت الوصول إىل تصني‬
‫واضح لِ َه ِذ ِه األنواع التي يسوقها الخ اء يف م لفاتهم؛ قد تتو يف بحر من األسامء والعناوين‬
‫التي ال حدَّ لَ َها وال ضابط‪َ ،‬ف ُه َنا َ حرب برية وأخرى جوية وأخرى فضائية بحرية‪ ،‬و ُه َنا َ‬
‫حرب عاملية وحرب باردة وحرب مكافحة إرهاب‪ ،‬إضافة إىل حرب مكافحة التمرد والحرب‬
‫السي انية والحرب النووية‪ ...‬إىل خر َ لِ من األنواع التي ال نهاية لَها‪)1(.‬‬
‫َ‬ ‫كَ‬

‫والحقيقة‪ ،‬إنني أعتقد أن سبب َه َذا التشتت الكبري يف تعيني أنواع محددة للحروب‪ ،‬يعود‬
‫منطلق ومعيار واضح للتقسيم‪ .‬وعىل الرغم أن مس لة تصني أنواع‬
‫ٍ‬ ‫باألساس إىل عدم تحديد‬
‫األمثلة ليتضح‬ ‫مج اً عىل رضب بع‬ ‫الحروب ليست موضوع بحثنا َه َذا‪ ،‬لكنني أجد نف‬
‫لنا َه َذا الجزء املهم من العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪.‬‬

‫الحروب من َحيْ ُ األهدا النهائية التي يحملها كُل طر ٍ إىل‪:‬‬


‫ِ‬ ‫تقسيم‬
‫ُ‬ ‫ميكننا ‪-‬مثالً‪-‬‬

‫حرب اإلباد ِة‪َ :‬و ِه َي التي يسعى فيها أحد األطرا إىل التغيري الدميغرايف أو اإلبادة‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫الجامعية‪ ،‬مثل الحروب اإلنجليزية الهندية يف القارة األمريكيَّة أواخر القرن الثامن‬
‫ع ‪.‬‬
‫حرب االستقاللِ ‪ :‬وفيها يكون أحد األطرا محتالً وا خر متمرداً يسعى إىل الحصول‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫عىل استقالله‪ ،‬مثل الحرب الجزائرية الفرنسية ‪1962-1954‬م ‪.‬‬
‫• الحرب الثَّ ْو ِريَّ ُة‪َ :‬و ِه َي التي يسعى أحد األطرا فيها إىل إسقاط النظام الحايل وإقامة‬
‫نظام جديد مختل كلياً عن القديم‪ ،‬ومن ُه َنا استمدت َه ِذ ِه الحرب صفة الثَّ ْو ِر َّية‪ ،‬ألن‬

‫والتو ي ‪،‬‬ ‫نواع ال رو انظر‪ :‬الدكتور ت ي م ‪ ،‬مو و ة نواع ال رو ‪ ،‬األوائل لل‬ ‫م تل‬ ‫(‪ )1‬لالطالع ك‬
‫دمش ‪ ،‬الطبعة األوىل‪.2006 ،‬‬

‫‪117‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫هدفها ليس تغيري الحكام فحسب؛ وإ ا إبدال قيم الدولة والطبقة الحاكمة ب ها‪،‬‬
‫مثل الثَّو َرة املاوية يف الصني (‪1950 -1927‬م ‪.‬‬
‫حرب مكافح ِة التمر ِد‪َ :‬و ِه َي التي تخوضها السلطات القا ة يف الدولة ضد مجموعات‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫من املتمردين الَّ ِذي َن يريدون السيطرة عىل الحكم بطرق غري م وعة‪ ،‬وكمثال َعنْ َها‬
‫حرب مكافحة التمرد األمريك َّية يف أفغانستان ضد الطالبان بني ‪ 2001‬و‪2020‬م‪.‬‬
‫الجدير بالذكر‪ ،‬إن الحرب نفسها ُه َنا قد يختل نوعها لدى ك ُّل طر من‬
‫أطرافها‪ ،‬فالحرب اإليطالية الليبية ‪1931- 1911‬م) مثالً‪ :‬من جهة إيطاليا ِه َي‬
‫حرب مكافحة رد وإبادة يف نفس الوقت‪ ،‬أما من جهة الثوار اللل يبيني ف نها‬
‫حرب ثورية‪.‬‬
‫ٌ‬
‫أما من َح ْي ُ طبيعة األطرا املشاركة فيها‪ ،‬فيمكننا تقسيم الحرب إىل‬
‫• الحرب النظامي ُة‪ِ :‬عنْدَ َما تكون بني َجيش نظامي لدولة معينة ضد َجيش نظامي لدولة‬
‫أخرى‪ ،‬مثل الحروب العاملية األوىل والثانية‪ ،‬والحرب العراقية اإليرانية ‪1988-1980‬م ‪.‬‬
‫العصابات‪ :‬تنشب بني َجيش نظامي ومجموعات ثل أغلبية شعبية ات هد‬ ‫ِ‬ ‫حرب‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫سيا ‪ ،‬مثل حرب الري يف املغرب ‪1926-1921‬م والحرب الفيتنامية ‪-1955‬‬
‫‪1975‬م ‪.‬‬
‫حرب مركب ٌة‪ :‬تحصل بني َجيش نظامي ومجموعات شعبية ات هد سيا خاضعة‬ ‫ٌ‬ ‫•‬
‫بالكامل لدولة نظامية أخرى‪ ،‬أو فلنقل تعت َه ِذ ِه املجموعات ُق َوات ُم َسلَّ َحة غري‬
‫نظامية ال ثل امتداداً للشعب وإ ا لدولة معينة‪ ،‬و َه ِذ ِه التي يع َعنْ َها بع الخ اء‬
‫ِبالحرب الهجينة‪ ،‬مثل حرب إ ائيل وحزب الله ‪2006‬م) الَّ ِذ يعت را َع إيران يف‬
‫املنطقة‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ميكننا تقسيم الحروب من َح ْي ُ طبيعة األسلحة املستخدمة فيها إىل‬
‫حرب نووية باألسلحة النووية‪.‬‬ ‫•‬
‫حرب بيولوجية باملواد الباكتريية السامة‪.‬‬ ‫•‬
‫حرب كميائية بالغازات السامة‪.‬‬ ‫•‬
‫حرب إلكرتونية االخرتاق ع شبكات األنرتنت‪.‬‬ ‫•‬

‫‪118‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ثُ َّم إن الحروب قد تُقسم أيضاً انطالقاً من مجال الحركة الَّ ِذ تستخدمه ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪،‬‬
‫َف ُهنَا َ الحرب ال ية (و َه ِذ ِه كذلك أنواع‪ :‬حرب الجبال‪ ،‬حرب الصحراء‪ ،‬حرب املستنقعات‪ ،‬حرب‬
‫املدن‪...‬إل )‪ ،‬و ُهنَا َ الحرب البحرية‪ ،‬والحرب الجوية‪ ،‬والحرب الرقمية‪ ،‬وغري َ لِكَ ‪.‬‬

‫ويف املحصلة؛ إن تقسيم الحروب بطريقة علمية وتحديد أنواعها املختلفة‪ ،‬يحتاج بحثاً‬
‫مستقالً لعلنا ننشط لَهُ يف املستقبل إن شاء الله‪ ،‬وك ُّل َما يهمنا يف َه َذا الصدد ُه َو أن عىل ال َجيش‬
‫أن يحدد نوع الحرب التي يخوضها وأن يضع لَ َها تعريفاً جامعاً مانعاً معتمداً‪ ،‬ل يستطيع بعد‬
‫َ لِكَ اختيار اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِيجِ َّيات املناسبة لَ َها‪ ،‬و َ لِكَ من خالل اإلجابة عىل الس ال التايل‪َ :‬ما نوع‬
‫الحرب التي نخوضها وما طبيعتها‬

‫لِ َه َذا السبب تجد العقيدة ال َعسكَ ِر َّية األمريك َّية تُع ِّر بِشَ كْلٍ واض ٍح الحرب يف العراق‬
‫وأفغانستان عىل أنها حرب مكافحة رد‪ ،‬وتضع مفهوماً دقيقاً لِ َه َذا النوع من الحروب‪ ،‬لتنطلق‬
‫منه يف اختيار األساليب ال َعسكَ ِريَّة املناسبة‪ ،‬ولعل َأ َه ّم وثيقة يف َه َذا الصدد ِه َي دليل امليدان‬
‫(‪ 24–3‬ب رشا جيمس أموس وديفيد باتريوس التي جاء يف مقدمتها‬
‫"ص ِّم َم َه َذا الدليل ليمأل ثغرة يف العقيدة ال َعسكَ ِر َّية‪ .‬فقد م َّر ع ون عاماً‬
‫ُ‬
‫منذ ن ال َجيش دليالَ ميدانياَ خُصص حرصاً لعمليات مكافحة التمرد‪ .‬بينام‬
‫مر خمسة وع ون عاماً بالنسبة لقوات مشاة البحرية‪ .‬ومع محاربة جنودنا‬
‫وعنارص مشاة البحرية يف أفغانستان والعراق للمتمردين‪ ،‬فقد وجدنا من‬
‫ال ور أن نقدم لهم دليالً يوفر املباد واإلرشادات الخاصة بعمليات‬
‫مكافحة التمرد‪ِ ،‬ب َح ْي ُ يكون ُم ْستَ ِندَ اً عىل الدراسات التاريخية من ناحية‪ ،‬وعىل‬
‫الخ ات املعارصة من ناحية أخرى ‪)1(.‬‬

‫مو ‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫(‪)1‬دليل امليدان لل ي األَمرِي ِ (‪ ، 3 - 24‬مكا ة التمرد‪ ،‬دي يد باتريو وجيم‬

‫‪119‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫وينطبق نفس األمر عىل القوى ال َعسكَ ِر َّية الثَّ ْو ِر َّية‪ ،‬إ ال بد أن تحدد طبيعة الحرب التي‬
‫تخوضها بِشَ كْلٍ واضحٍ ف نها إن كانت حرباً ثورية فسيكون لَ َها إسرتاتيجياتها وتكتيكاتها‬
‫الخاصة‪ ،‬أما إن كانت حرباً نظامية ف ن َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِيجِ يَّات والتكتيكات ستختل بِشَ كْلٍ جذر ‪،‬‬
‫وأك خط قد يقع فيه الثوار ُه َو الخلط بني املفهومني وتطبيق أساليب نظامية يف موطن‬
‫ينبغي أن تطبق فيه األساليب غري النظامية‪ ،‬و ُه َنا تقع الهزمية‪.‬‬

‫من االعتبارات التي قد ت ثر أك من غريها يف اختيار النوع املناسب للحرب طبيعة العدو‪،‬‬
‫ال ُق َوات الصديقة‪ ،‬الحلفاء‪ .‬ف ن كان العدو يفوقنا بِشَ كْلٍ كبريٍ عىل مستوى القوة العددية واملادية‬
‫ف نه يستحيل مواجهته ب ساليب الحرب التَّ ْقلِي ِديَّة ألن َ لِكَ سيعني سحقنا‪ ،‬بل ينبغي اختيار‬
‫ط غري نظامي مثل حرب العصابات والحرب الثَّ ْو ِريَّة مثالً‪ ،‬أما إن حظيت املجموعات الثَّ ْو ِريَّة‬
‫بحلي قو يتعهد بدعمها باألسلحة التَّ ْقلِي ِديَّة وإدامتها فيمكن أن تفكر وقتها يف خوض حرب‬
‫نظامية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫‪1‬‬

‫رتاتِي ِجيَّة‬
‫اماً ك خواتها من املصطلحات ال َعسكَ ِريَّة؛ ك الخال والجدل حول مفهوم اإل ِْس ِ َ‬
‫ومضمونها‪َ ،‬ونَ ْح ُن ُه َنا لسنا بصدد العودة إىل تاري َه َذا املصطلح ونش ته وأقوال الخ اء فيه‪،‬‬
‫فام َه َذا موضوع بحثنا‪ ،‬لكنني يف َه َذا املوضع؛ ميكن أن ننبه إىل عدة أمور‬

‫رتاتِي ِج َّية أعم من التكتيك‪ ،‬إنها تتناول القضايا الك ى واألهدا بعيدة األمد‪،‬‬
‫أوالً‪ :‬اإل ِْس ِ َ‬
‫أما التكتيك ف نه الجزئيات التي تتحقق ِب َها َه ِذ ِه األهدا الك ى‪ .‬ويف املجال ال َعسكَ ِر ّ ‪ ،‬تشمل‬
‫رتاتِيجِ َّية الطريقة التي تُستخدم ِب َها موارد الدولة واألمة وقدراتها امل ُ َسلَّ َحة لتحقيق الهد‬
‫اإل ِْس ِ َ‬
‫السيَا ِ ّ من الحرب‪.‬‬
‫ِّ‬

‫ثانياً‪ :‬من َه َذا املنطلق‪ ،‬ميكن أن يكون للدولة إسرتاتيجية ك ى أو كلية تحددها قيادة‬
‫البالد‪ ،‬وتنبثق عن َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِيجِ يَّة الك ى إسرتاتيجيات متنوعة سياسية وأمنية وعسكرية‬
‫واجتامعية واقتصادية وإعالمية‪ ...‬إل ‪ ،‬ولكن َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِي ِج َّية الكلية ِه َي التي تقود الرصاع‬
‫سوا ًء كان عنيفاً أم غري عني ‪ ،‬سوا ًء أدار يف ميادين ِّ‬
‫الس َي َاسة‪ ،‬أم االقتصاد‪ ،‬أم الدبلوماسية‪ ،‬أم‬
‫رتاتِيجِ َّية ال َعسكَ ِريَّة التي ال‬
‫شملها كلها يف وق ت واح د؛ ألن املس لة يف الواقع كلية‪ ،‬بعكس اإل ِْس ِ َ‬
‫تنفك عن السال والعن ‪)2(.‬‬

‫(‪ )1‬ا ال كبري ب امل ت حول ة د ال اال رتاتي يات من العقيدة العسكرية‪ ،‬يت معظم ىل جعل ا‬
‫ائ املباي ة للعقيدة العسكرية‪ ،‬لك ي ا رتت و ع ا ا‪ ،‬ألن ال كن ال دي ن طبيعة ال ر‬ ‫ا مستقال ب ات ل‬
‫الق ز ىل التكتيكات دون كر اال رتاتي يات التي تعد ال م را ا تيار التكتيكات ي بعد ول ا السبب جعلت‬
‫يا العقيدة‪ ،‬لك ي ا د اال رتاتي ية مبع ا ا العا الشامل‪ ،‬ولي امل ل‪ ،‬ك‬ ‫ا ت د اال رتاتي ية طوة رئيسية‬
‫يأ كر األم لة‬
‫ن ل ال ر ‪ ،‬من السي والدروع ىل ال ارو واألن ا ‪ ،‬م مل ب‬ ‫رتاتِي ِ يَّة والتكتي‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬م ري ي ‪ ،‬ا ِ ِ َ‬
‫‪، 2008‬‬ ‫حرو نابليون وال توحات العربية ا المية األوىل‪ ،‬الدار العربية للعلو نا ون‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬لب ان‪1429 ،‬‬
‫ص ‪58‬‬

‫‪121‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ثالثاً‪ :‬يف ك ُِّل نوع من أنواع الحروب ُه َنا َ إسرتاتيجيات عسكرية متعددة‪َ ،‬يتُم اختيار‬
‫األصلح منها حسب الظرو املتغرية يف تِلْكَ الحرب‪ .‬ففي الحروب الثَّ ْو ِريَّة مثالً؛ ‪-‬عىل عكس‬
‫الكتابات التي تخلط بني الحرب الثَّ ْو ِريَّة وحرب العصابات‪ -‬استخدم الثوار تاريخياً أربع‬
‫إسرتاتيجيات رئيسية‬

‫‪ .1‬حرب العصابات استخدام الثوار للعمليات النوعية ات الطابع األمني الستنزا العدو‬
‫مع الوقت وكسب السكان‪ .‬طالبان‬
‫‪ .2‬النمط التَّ ْق ِلي ِد ّ ‪ :‬استخدام الثوار ألسلوب الجيو النظامية من السيطرة عىل األرض‬
‫ور التاميل ‪)1‬‬ ‫والهجوم الشامل باألسلحة واملعدات الثقيلة‪.‬‬
‫‪ .3‬النمط الهجني‪ :‬يستخدم الثوار مزيجاً من خصائص النمط التَّ ْقلِي ِد ّ وحرب العصابات‪.‬‬
‫حزب الله‬
‫‪ .4‬التنكيل استهدا غري املقاتلني عمداً بهد إخضاع السكان‪ ،‬واستعامل التخريب‬
‫والتمثيل والتعذيب لب الذعر يف الشعب‪ .‬تَنْ ِظ ْيم الدولة)‬

‫تختار ال ِقيَا َدة الثَّ ْو ِريَّة من بني َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬


‫رتاتِيجِ يَّات َما يحقق لَ َها النرص َما عدى التنكيل‬
‫ألنها أثبتت فشلها يف التجارب السابقة ‪ ،‬وقد يحتاجون إىل تغيري إسرتاتيجياتهم حسب املنطقة‬
‫اعتامداً عىل مقدار السيطرة عىل األرايض) أو مراحل الثَّو َرة اعتامداً عىل توازن القوى مع‬
‫ال ُحكُ ْو َمة) أو إسرتاتيجية ال ُحكُ ْو َمة أو عوامل أخرى‪ .‬ولكن من دون إسرتاتيجي ٍة مناسبة‪ ،‬ف نَّ‬
‫الثوار ليس لديهم فرص ٌة كبري ٌة لتحقيق أهدافهم ‪)2 .‬‬

‫الساب ور ت رير التاميل ‪ -‬يال ‪ ،‬وتقاتل ال ركة م العا ‪ ِ 1983‬د‬ ‫(‪ )1‬حركة يالنكية االن الية‪ ،‬كانت تد‬
‫و ي‬ ‫يال التاميلية َو ِ َي امل اط التي تقط ا ر ية التاميل‬‫حكومة العا مة كولومبو ب د اال تقالل ال ا‬
‫ال زيرة‬
‫املسلَّ َ ة‪ ،‬درو من ال يت كون و وال ىل تَ ِظي الدولة ا المية‪ ،‬ترجمة مركز ال طا‬
‫(‪ )2‬ي جونز‪ ،‬نشو ال َّو َرة َ‬
‫للدرا ات ‪ ،2020‬ص ‪.112‬‬

‫‪122‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫أما يف الحروب التَّ ْقلِي ِد َّية‪َ ،‬ف ُه َنا َ أيضاً إسرتاتيجيات متنوعة؛ مثل إسرتاتيجية تركيز‬
‫القوة والهجوم الخاط لسحق ُق َوات العدو الرئيسية ‪ ،‬كام نظَّر لَ َها جوميني وكالوزفيتز‪،‬‬
‫واستخدمها األملان يف الحرب العاملية الثانية‪ ،‬و ُهنَا َ إسرتاتيجية الردع النوو التي اعتمدتها‬
‫أمريكا بعد الحرب العاملية الثانية يف مواجهة االتحاد السوفيتي‪ ،‬وهنا َ غريها الكثري‪)1(.‬‬
‫َُ‬

‫يف املحصلة إن الس ال ا َّل ِذ يطر ُ نفسه بعد اختيار النوع املناسب للحرب‪ ،‬وتنبغي اإلجابة‬
‫رتاتِي ِجيَّة ال َعسكَ ِريَّة املال ة التي تحقق لنا النرص يف َه َذا‬
‫َعلَيْ ِه يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪َ :‬ما اإل ِْس ِ َ‬
‫النوع من الحروب‬

‫ن ل ال ر ‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫رتاتِي ِ َّية انظر‪ :‬م ري ي ‪ ،‬ا ِ ِ َ‬


‫رتا ِتي ِ َّية والتكتي‬ ‫ا ا ِ َِ‬ ‫(‪ )1‬ملزيد من االطالع‬

‫‪123‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬

‫ل َْم يعرت الغربييون بوجود مستوى ال َع َملِ َّيات إال يف مراحل تاريخية مت خرة‪ ،‬فكانوا‬
‫ا خر بالتكتيك‪ ،‬أما بالنسبة للسوفييت فقد قسموا منذ‬ ‫يدمجون بعضه باإلسرتاتيجية والبع‬
‫رتاتِيجِ يَّة (‪ )2‬ف ن ال َع َملِيَّات (‪ 3‬التكتيك‪ ،‬وعرفه‬
‫زمن بعيد فرو َع علم الحرب إىل ‪ )1‬اإل ِْس ِ َ‬
‫الج ال سرتوكو ‪" :‬إن أساليب وأشكال إعداد ال َع َملِ َّيات وخوضها من أجل تحقيق األهدا‬
‫رتاتِيجِ َّية للحرب تشكل موضوع فن ال َع َملِ َّيات‪ .‬ومن َأ َه ّم واجبات َه َذا الفن َما ي ‪ :‬تحديد‬
‫اإل ِْس ِ َ‬
‫فك رة العملية‪ ،‬تخطيط استخدام القوى والوسائط‪ ،‬انتقاء األساليب واألشكال املرتبطة باستخدام‬
‫وقيادة التشكيالت الك ى (الجيو والجبهات)‪ ،‬تَنْ ِظيْم التعاون العمالين للقوى والوسائط‬
‫املختلفة املشرتكة يف العملية ‪)1(.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يُ َع ِّر ُ األمريكيون مستوى ال َع َملِيَّات يف عقيدتهم ال َعسكَ ِريَّة املحدثة سنة‬
‫‪ 2019‬ب نها‪" :‬تصميم الحمالت وال َع َملِ َّيات الرئيسية‪ ،‬وتحديد َأ ْي َن و َم َتى وأل غرض سنستخدم‬
‫ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة"‪ )2(.‬وما يهمنا يف َه َذا الصدد أن ال َع َملِ َّيات ينبغي أن تصمم عىل ضوء‬
‫رتاتِيجِ يَّة وطبيعة الحرب التي اعتُمدت يف الخطوات املسبقة‪ ،‬وتكمل صياغتها باإلجابة عن‬
‫اإل ِْس ِ َ‬
‫األسئلة التالية‬

‫• كَيْ َ نحدد منطقة ال َع َملِيَّات الرئيسية التي كننا من تحقيق أهدافنا اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِي ِجيَّة‬
‫َو َه ْل ينبغي تقسيم َه ِذ ِه املنطقة إىل مناطق ال َع َملِيَّات الفرعية (منطقة ت مني‪ ،‬منطقة‬
‫اشتبا ‪...‬إل‬
‫• َما خطوط امل َ ْع َركَة التي ميكن أن نستخدمها إلرشاد ال ُق َوات يف منطقة ال َع َملِ َّيات وما‬
‫و يفة ك ُّل واحد منها (انتشار أمامي‪ ،‬اشتبا ‪ ،‬تسليم امل َ ْع َركَة‪...‬إل )‬

‫ن ل ال ر ‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫رتاتِي ِ َّية والتكتي‬


‫(‪ )1‬انظر‪ :‬م ري ي ‪ ،‬ا ِ ِ َ‬
‫‪(2) USA Army, ADP 1-01, DOCTRINE PRIMER, JULY 2019, 2-7.‬‬

‫‪124‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫• كَ ْي َ ينبغي توزيع ال ُق َوات ون ها يف جبهة ال َع َملِ َّيات‬


‫• ما قواعد التنسيق بني أقسام القوات املختلفة ال ية والجوية والبحرية‬
‫• كَيْ َ تُوزع وتُنظم مراكز ال ِقيَا َدة يف جبهة ال َع َملِ َّيات‬
‫• كَيْ َ نستخدم مواقع امل َ ْع َركَة يف منطقة ال َع َملِيَّات وما و يفة ك ُّل موقع منها أسا ‪،‬‬
‫بديل‪ ،‬إسناد‪...‬إل‬
‫ال ُق َوات وتوزيعها بحسب طبيعة منطقة ال َع َملِ َّيات‬ ‫• كَ ْي َ ينبغي ن‬
‫• كَيْ َ ميكن للقوات امل ُ َسلَّ َحة أن تعمل بِشَ كْلٍ مشرت ٍ رغم اختالل تخصصاتها لتحقيق‬
‫الهد العام للحرب ‪1‬‬

‫)‪ (1‬كن اال ت ادة من الدليل األَمرِي ِ حول ال َع َملِ َّيات (‪:)FM 3-0‬‬
‫‪Field Manual, No. 3-0, Headquarters, Department of the Army, Washington, D.C, 01 October 2022.‬‬

‫‪125‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫مقارنة باملصطلحات التي سبق كرها‪ ،‬ميكننا القول إن "التكتيك" ُه َو األك وضوحاً من‬
‫بينها‪َ ،‬حتَّى أنك ال تجد خالفاً جوهرياً يف تعريفه بني املفكرين‪ ،‬إ يتجه معظمهم إىل وصفه‬
‫بعملية االشتبا مع العدو‪)1(.‬‬

‫إن التكتيك ُه َو قتال العدو واالشتبا معه يف ميدان الحرب لتحقيق‬


‫رتاتِيجِ يَّة والعملياتية‪ ،‬ف ن كان الحدي عن استخدام قدرات البالد‬ ‫األهدا اإل ِْس ِ َ‬
‫رتاتِيجِ يَّة‪ ،‬أما إن كان حول‬
‫كلها يف خوض الحرب‪ ،‬ف نك ُهنَا تتكلم عن اإل ِْس ِ َ‬
‫طريقة استخدام ال ُق َوات ال َعسكَ ِريَّة يف جبهة محددة‪ ،‬ف نك ُهنَا تتحدث عن‬
‫ال َع َملِيَّات‪ ،‬لكنك إن كرت طريقة االشتبا مع العدو يف محور معني ‪-‬دفاعاً أو‬
‫هجوماً‪ -‬ف َه َذا ُه َو التكتيك‪.‬‬
‫البد أن تحو العقيدة ال َعسكَ ِر َّية جوانب تكتيكية‪ ،‬توضح فيها للقيادة ال َعسكَ ِر َّية طريقة‬
‫القتال يف مختل الظرو ‪ ،‬ولو عدنا للمناهج األمريك َّية سنجد أنهم يقسمون التكتيكات إىل‬

‫الهجوم‪:‬‬
‫ِ‬ ‫تكتيكات‬
‫ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫املفهوم‪ :‬تَهدُ ُ َه ِذ ِه التكتيكيات إىل هزمية العدو أو القضاء َعلَ ْي ِه‪ .‬وميكن للقائد أيضاً أن‬
‫ينفذها لحرمان العدو من املوارد‪ ،‬أو االستيالء عىل أرض حاكمة‪ ،‬أو لخداع العدو وإلهائه‪ ،‬أو‬
‫للحصول عىل االستخبارات االستطالع بالقوة ‪ ،‬أو لتثبيت العدو يف مكانه وتعطيل برامجه‬
‫الهجومية‪ )2( .‬وتنقسم التكتيكات الهجومية يف العقيدة األمريك َّية إىل أربعة أنواع‬

‫‪(1) Field Manual, No. 3-90, (FM 3-90) TACTICS, Headquarters, Department of the Army, Washington,‬‬
‫‪DC, 4 July 2001, 3-0.‬‬
‫)‪ (2‬امل در ن س ‪1-3.‬‬

‫‪126‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫أ‪ -‬التقدم للتامس مع العدو يهد لتطوير املوق وإنشاء أو استعادة التامس‪ .‬يقوم القائد‬
‫ِب َه َذا النوع من التكتيك ِعنْدَ َما يكون املوق غري واضح أو ِعنْدَ َما يقطع العدو اسه مع‬
‫ال ُقوات الصديقة‪)1( .‬‬
‫َ‬
‫ب‪ -‬املهاجمة‪َ ،‬و ِه َي أنواع‬
‫• الهجوم اإلحباطي ُه َو ٌ‬
‫شكل من أشكال الهجوم الَّ ِذ يستبق العدو أثناء تدبري واستعداد‬
‫تعطيل‬
‫ُ‬ ‫للهجوم‪ ،‬فيحبط نيته الهجومية ويَ ُح ْو ُل بينه وبني مراد ‪ .‬الهد من َه َذا الهجوم؛‬
‫مية وإفساد خططه‪)2(.‬‬
‫قدرات العدو ال ُهجو ِ َّ‬
‫مواقع مخفي ٍة عىل عدو‬
‫َ‬ ‫• الكمني ُه َو هجوم بالنريان أو بوسائل تدمريية أخرى انطالقاً من‬
‫متحر ٍ ‪ .‬يهد إىل تدمري العدو وليس السيطرة عىل األرض‪َ ،‬و ُه َو نوعان كمني النقطة‬
‫الوحدة يف اثنني‬ ‫تنت الوحدة للهجوم عىل منطقة قتل واحدة وكمني املنطقة تنت‬
‫أو أك من كامئن النقاط املرتبطة ببعضها ‪)3( .‬‬

‫• اإلغارة تتضم ُن دخوالً يعاً وم قتاً إىل منطق ٍة معادي ٍة لت مني املعلومات أو إربا العدو‬
‫عندَ اكتامل املهمة‪)4( .‬‬
‫مخطط لَهُ من منطقة الهد ِ ْ‬
‫ٍ‬ ‫بانسحاب‬
‫ٍ‬ ‫أو تدمري املنش ت‪ .‬وتنتهي‬
‫• الهجوم املضاد يَتُم إجرا َعا َد ًة من مواقع دفاعية الستعادة زمام املبادرة وهزمية أو تدمري‬
‫ُق َوات العدو املهاجم‪ ،‬أو استغالل ضع العدو ‪-‬مثل مجنبة مكشوفة‪ -‬أو الستعاد ِة السيطر ِة‬
‫عىل األرايض واملنش ت بعد نجا العدو باالستيالء علَيها‪)5(.‬‬
‫َ َْ‬

‫‪(1) Field Manual, No. 3-90, (FM 3-90) TACTICS, Headquarters, Department of the Army, Washington,‬‬
‫‪DC, 4 July 2001, 4-0.‬‬
‫)‪ (2‬امل در ن س ‪5-166.‬‬
‫)‪ (3‬امل در ن س ‪5-123.‬‬
‫)‪ (4‬امل در ن س ‪5-162.‬‬
‫)‪ (5‬امل در ن س ‪5-145.‬‬

‫‪127‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫• التظاهر بالهجوم‪ :‬يهدُ ُ إىل خداع العدو حول موقع أو وقت العملية الحاسمة من خالل‬
‫اس مع العدو‪)1( .‬‬
‫استعراض ال ُق َوات دون ٍ‬
‫• الهجوم التضلي ‪ :‬التامس النَّا ِر املبارش مع العدو‪ ،‬ولكن مع تجنب االشتبا الحاسم‪،‬‬
‫يهد لخداع العدو حول موقع أو وقت العملية الفعلية الحاسمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬استثامر الهجوم َو ُه َو يتلو مبارش ًة هجوماً ناجحاً‪ ،‬الهد منه زعزعة العدو يف العمق‪،‬‬
‫استكامل تفكيكه يف ل انهيار ‪)2(.‬‬

‫د‪ -‬املطاردة تَهدُ ُ للحاق أو قطع الطريق أمام قوة معادية ‪-‬تُ َحاو ُِل الفرار من أرض امل َ ْع َركَة‪،‬‬
‫والهد منها القضاء عىل فلول العدو املتبقية‪.‬‬

‫الهجوم يف العقيدة األمريكيَّة‬


‫ِ‬ ‫تكتيكات‬
‫ُ‬ ‫الشكل ‪:)18‬‬

‫)‪ (1‬امل در ن س ‪5-160 .‬‬


‫)‪ (2‬امل در ن س ‪3-9 .‬‬

‫‪128‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫تكتيكات الدفا ِع‪:‬‬


‫ُ‬ ‫‪.2‬‬

‫املفهوم‪ :‬تتصدى التكتيكات الدِّ فَا ِعيَّة لهجوم العدو‪ ،‬وت ِ‬


‫ُكس ُب املدافعني الوقت‪ ،‬وتستنز‬
‫العدو‪ ،‬وتحافظ عىل املواقع الحاسمة والحيوية‪ ،‬أو ميكن أن تثبت العدو هيداً للهجوم‪ .‬لكن‬
‫ليس للدفاع وحد حسم الحرب‪ ،‬بل الغاية منه إيجاد الظرو املواتية للهجوم املعاكس الَّ ِذ‬
‫سيسمح للقوات املدافعة بانتزاع زمام املبادرة‪)1( .‬‬

‫التكتيكات الدفاعي َة إىل ثالث ِة أنواعٍ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫وتو ِز ُع العقيدة األمريك َّية‬

‫تكتيكات الدفاعِ يف العقيدة األمريكيَّة‬


‫ُ‬ ‫الشكل ‪:)19‬‬

‫)‪ (1‬ال َع َملِ َّيات الد ا ية‪ ،‬القس ال ال من م ا التكتيكات األَمرِي ِ (‪ ، FM3-90‬ترجمة ون مركز ال طا ‪ ،2021 ،‬ص‬
‫‪.16‬‬

‫‪129‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫الثابت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أ‪ -‬الدفا ُع‬

‫يُ َركِّز عىل منع ُق َوات العدو من الوصول إىل مناطق محددة ملدة معيّنة‪ ،‬أك من الرتكيز‬
‫عىل تدمري ‪ ،‬ويسعى إىل االحتفا نطقة يكونُ فيها الجز ُء األك ُ من ال ُق َوات املُدا ِف َعة موزّعاً‬
‫يف مواقع معدَّ ة مسبقاً وتتمتع باإلسناد املتبادل‪ِ ،‬ب َح ْي ُ تحتفظ الوحدات واقعها وتسيطر عىل‬
‫املنطقة الواقعة بني َه ِذ ِه املواقع‪ .‬والدفاع الثابت نوعان‪1 :‬‬
‫( )‬

‫األمامي‪ :‬ترتكز معظم ال ُق َوات يف مناطق االشتبا عىل طول الحدِّ األمامي ملنطقة امل َ ْع َركَة‬
‫بهد منع العدو من اخرتاق املنطقة الدِّ فَا ِعيَّة‪ .‬ففي الدفاع األمامي‪ ،‬ستقوم الوحدات بالقتال‬
‫للمحافظة عىل َه ِذ ِه املواقع عىل طول الحدِّ ‪ ،‬وستشن هجوماً مضاداً عنيفاً ضد أ اخرتاقات‬
‫تحدث‪ .‬ويستخد ُم القائدُ الدفا َع األمامي ِع ْندَ َما يو ِّج ُههُ القائدُ األعىل لالحتفا ب ٍ‬
‫رض أمام َّي ٍة‬
‫ألسباب سياسي ٍة أو عسكري ٍة أو اقتصادي ٍة أو أخرى‪ .‬وعدا عن َه ِذ ِه األسباب فقد يختار القائد‬
‫ٍ‬
‫ا فيها من عوائق طبيعية) من أفضلية ال ُقوات املدافعة‪)2(.‬‬ ‫الدفاع األمامي حني تزيد األرض‬
‫َ‬

‫يف العمق امتصاص زخم العدو ب جبار عىل الهجوم مراراً وتكراراً من خالل مواقع‬
‫مينح للمدافع الوقت الالزم لتوليد نريانٍ مدمر ٍة باإلسناد‬
‫والعمق ُ‬
‫ُ‬ ‫اإلسناد املتبادل يف العمق‪.‬‬
‫بهجوم مضا ٍد‪ ،‬كام‬
‫ٍ‬ ‫ويتيح َه َذا األم ُر أيضاً املزيد من الوقت للقوات املدافعة َحتَّى تر َّد‬
‫ُ‬ ‫النَّا ِر ّ ‪،‬‬
‫سيتمكن القائد من جمع املزيد من املعلومات عن نوايا العدو املهاجم قبل أن يكمل مسار عمله؛‬
‫لخط الدفاع الرئي ‪)3(.‬‬‫ستقل خطور ُة اخرتاقِ العدو ب ع ٍة ِ‬
‫وهكذا ُ‬

‫)‪ (1‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.21‬‬


‫)‪ (2‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫)‪ (3‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪130‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ب‪ -‬الدفا ُع املتحر ُ ‪:‬‬

‫يُركِّ ُز عىل هزمية أو تدمري العدو ع السام لَهُ بالتقدم إىل نقطة يكون مع َّرضاً فيها‬
‫حاسم بالقو ِة الضارب ِة‪ .‬تتكون القوة الضاربة من معظم القوة القتَال َّية املتوفرة‪،‬‬ ‫معاكس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لهجوم‬
‫ٍ‬
‫كام تكم ُل القو ُة الثابت ُة القو َة الضارب َة‪ ،‬حي ُ يستخدم القائدُ القو َة الثابت َة‪)1( :‬‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬

‫‪ .1‬ليوق ُق َوات العدو املهاجِمة يف موقع معني‪.‬‬


‫‪ .2‬وللمساعدة عىل توجيه أرتال ُق َوات العدو املهاجمة إىل منطقة الكامئن‪.‬‬
‫‪ .3‬واالحتفا باألرايض التي تنطلق منها القوة الضاربة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدفا ُع الرتاجعي‪:‬‬

‫ميث ُِّل حرك ًة منظَّم ًة ابتعاداً عن العدو‪ .‬وميكن تنفيذ الرتاجع تحت ضغط العدو وميكن‬
‫تنفيذ اختياراً‪ ،‬ويف الحالتني فالقائد األعىل للقوة التي تنفِّذ الرتاجع ُه َو من يتخ ُذ القرا َر‪ .‬إنه‬
‫تكتيك انتقايل‪ ،‬فال ُين َّف ُذ عزلٍ عن غري ‪ ،‬بل ُه َو جز ٌء من مخطط أك للمناورة مصمم‬
‫فهو عىل ثالثة أنواع (‪)2‬‬
‫الستعادة زمام املبادرة وهزمية العدو‪ .‬ولذلك َ ُ َ‬

‫ٍ‬
‫ضغط من العدو بتبديل مواقعها‬ ‫العرقلة‪ِ :‬ه َي صور ٌة من صور الرتاجع تقوم فيها قو ٌة تحت‬
‫رض ٍر ِب ِه دون أن تصبح ‪-‬من َح ْي ُ‬ ‫لكسب الوقت عن طريق إبطاء زخم العدو وإيقاع أق‬
‫تستطيع ال ُق َوات الصديق ُة استعاد َة ِ‬
‫زمام‬ ‫ُ‬ ‫ترهق العدو ِب َحيْ ُ‬
‫حاسم‪ .‬إنها ُ‬
‫ٍ‬ ‫املبدأ‪ -‬بحالة اشتبا ٍ‬
‫املبادر ِة عن طريق أعاملٍ هجومي ٍة‪ ،‬أو اكتساب الوقت لت سيس دفاعٍ ف َّعالٍ ‪ ،‬أو تحديد نوايا‬
‫العدو‪)3(.‬‬

‫)‪ (1‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫)‪ (2‬امل در ن س‬
‫)‪ (3‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫‪131‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫اس مع قو ٍة‬
‫شكل من أشكال الرتاجع‪ ،‬تقوم فيه قو ٌة تكون عىل ٍ‬
‫االنسحاب إنه أيضاً ٌ‬
‫معادي ٍة بفك االشتبا ِعنْدَ َما يتطلب املوق ُ إجرا ًء يعاً إلنقا الوضع من كارث ٍة محقق ٍة‪،‬‬
‫ويحدث ه َذا عاد ًة بعد انقالب تكتي أو بعد أن تصل الوحدة إىل نقطة الذروة‪)1( .‬‬
‫ٍ‬ ‫َ‬

‫االنزواء تقوم قو ٌة ال يوجد ٌ‬


‫اس بينها وبني العدو بالتحر بعيداً عنه‪ .‬تجهز الوحدة‬
‫تدخل ال ُق َوات ال ية للعدو‪ .‬عاد ًة َما يُجر‬
‫َ‬ ‫املعتزلة نفسها للقتال‪ ،‬لكنها رغم َ لِكَ ال تتوقع‬
‫القائدُ َع َملِيَّ ِات انزوا ٍء إلعادة وضع قواته للعمليات املُستَقبَلِيَّة أو لتكييفها مع التصور الحايل‬
‫للعملية‪)2( .‬‬

‫إضاف ًة إىل تكتيكات الهجوم والدفاع‪ ،‬تتحدث اللوائح األمريكيَّة أيضاً عن‬

‫• تكتيكات تحقيق االستقرار التي تستخدم يف َع َملِيَّات السالم‪ ،‬وت مني املدنيني‪ ،‬واملساعدة‬
‫يف مكافحة الجرمية‪ ،‬واستعراض القوة‪ ،‬وغري َ لِكَ ‪.‬‬
‫• تكتيكات الدعم وتتضمن إغاثة السكان يف حاالت الطوار ‪ ،‬واملساهمة يف ال َع َملِ َّيات‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫• تكتيكات التمكني التي تشمل ت مني ال ُق َوات واملنش ت والطرق‪ ،‬واالستطالع العاد‬
‫واالستطالع بالقوة‪ ،‬وتبديل ال ُق َوات‪ ،‬وعبور األنهار‪...‬إل‬
‫ل َْم نرد إيرادها ُه َنا مفصلة َحتَّى ال ل ال ُق َّراء‪َ ،‬فك ُّل َما أردنا أن نقدم و جاً عن العقيدة‬
‫ال َعسكَ ِريَّة التي تتناول التكتيكات‪ .‬لذا ينبغي عىل القادة العسكريني أثناء صياغة عقيدتهم‬
‫رتاتِيجِ يَّات املناسبة لَ َها‪ ،‬ينبغي‬
‫الخاصة‪ ،‬أن ينطلقوا خطوة لألمام‪ ،‬فبعد تحديد نوع الحرب واإل ِْس ِ َ‬

‫)‪ (1‬امل در ن س ‪ ،‬ص ‪.201‬‬


‫)‪ (2‬امل در ن س‬

‫‪132‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫أيضاً اختيار التكتيكات الفعالة لِ َه ِذ ِه اإل ِْس ِ َ‬


‫رتاتِيجِ َّيات املعتمدة‪ ،‬ويكون َ لِكَ من خالل اإلجابة عن‬
‫األسئلة التالية؛ يف ل ط الحرب الحايل واإلسرتاتيجيات املختارة‬

‫• َما األساليب املناسبة لالشتبا مع العدو يف حالة الهجوم‬


‫• َما األساليب املناسبة لالشتبا مع العدو يف حالة الدفاع‬

‫‪133‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ملخص‬

‫إن إنهاء العنرص الثاين من العقيدة ال َعسكَ ِريَّة (الفروع الرئيسية) يتطلب تحديد ال َجيش‬
‫ملفهومه الخاص عن أنواع الحرب وإسرتاتيجياتها وعملياتها وتكتيكاتها‪ ،‬و َ لِكَ من خالل ت مل‬
‫املنطلقات التي سبق كرها واإلجابة عن األسئلة التالية‬
‫األ لة‬ ‫ال روع الرئيسية‬ ‫امل طلقات‬
‫َما نوع الحرب التي نخوضها وما ِه َي طبيعتها‬ ‫نوع الحرب‬
‫يف البيئة الخارجية‬
‫رتاتِي ِج َّية ال َعسكَ ِر َّية املال ة التي تحقق لنا‬
‫َما اإل ِْس ِ َ‬ ‫إسرتاتيجيات‬
‫‪ .1‬األعداء والتهديدات‬
‫النرص يف َه َذا النوع من الحروب‬ ‫الحرب‬
‫‪ .2‬الجغرافيا‬
‫كَ ْي َ نحدد منطقة ال َع َملِ َّيات الرئيسية التي كننا‬
‫رتاتِي ِجيَّة َوه َْل ينبغي‬ ‫من تحقيق أهدافنا اإل ِْس ِ َ‬ ‫‪ .3‬الدميغرافيا‬
‫تقسيم َه ِذ ِه املنطقة إىل مناطق ال َع َملِ َّيات الفرعية‬ ‫‪ .4‬التقدم التكنولوجي‬
‫منطقة ت مني‪ ،‬منطقة اشتبا ‪...‬إل‬
‫‪ .5‬االعتبارات املدنية‪.‬‬
‫َما خطوط امل َ ْع َركَة التي ميكن أن نستخدمها إلرشاد‬
‫ال ُق َوات يف منطقة ال َع َملِيَّات وما و يفة ك ُّل واحد‬
‫منها (انتشار أمامي‪ ،‬اشتبا ‪ ،‬تسليم امل َ ْع َركَة‪...‬إل )‬
‫كَ ْي َ ينبغي توزيع ال ُق َوات ون ها يف جبهة‬
‫ل‬ ‫م ل‬
‫ال َع َملِ َّيات‬
‫‪ .1‬التجارب والخ ة‬
‫كَ ْي َ تُوزع وتُنظم مراكز ال ِق َيادَة يف جبهة‬ ‫َع َملِ َّيات الحرب‬
‫ال َع َملِيَّات‬ ‫‪ .2‬املعتقدات الدينية‬
‫كَيْ َ نستخدم مواقع امل َ ْع َركَة يف منطقة ال َع َملِيَّات‬ ‫‪ .3‬النظريات‬
‫وما و يفة ك ُّل موقع منها أسا ‪ ،‬بديل‪،‬‬
‫الس َي َاسة الوطنية‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫إسناد‪...‬إل‬
‫‪ .5‬ال ُق َوات الصديقة‬
‫ال ُق َوات وتوزيعها بحسب طبيعة‬ ‫كَ ْي َ ينبغي ن‬
‫والحليفة‬
‫منطقة ال َع َملِيَّات‬
‫كَ ْي َ ميكن للقوات امل ُ َسلَّ َحة أن تعمل بِشَ كْلٍ مشرت‬
‫رغم اختالل تخصصاتها لتحقيق الهد العام‬
‫للحرب‬

‫‪134‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫َما األساليب املناسبة لالشتبا مع العدو يف حالة‬


‫الهجوم‬
‫تكتيكات الحرب‬
‫َما األساليب املناسبة لالشتبا مع العدو يف حالة‬
‫الدفاع‬

‫‪135‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫لَ ْم ُأطلق عىل َه َذا العنرص من العقيدة اسم "الفروع الثانوية" ِألَنَّهُ يقل أهمي ًة عام قبله‬
‫من العنارص‪ ،‬و َه َذا ال يعني أيضاً أنه منفك عن بقية العنارص منفصل َعنْ َها‪ .‬عىل العكس اماً‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وتكتيكات دون مواصالت واتصاالت وهندسة‬ ‫ٍ‬
‫وإسرتاتيجيات‬ ‫حروب‬
‫ٍ‬ ‫ال ميكن الحدي عن‬
‫عسكرية وما إىل َ لِكَ ‪ .‬لكنني رأيت أن أجعلها عنرصاً أخرياً ألنها عاد ًة تخضع بِشَ كْلٍ أسا‬
‫ملستويات الحرب التي قبلها‪.‬‬

‫رتاتِي ِج َّية وال َع َملِ َّيات والتكتيك ِه َي التي تحدد بقية العنارص‪،‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬إن طبيعة اإل ِْس ِ َ‬
‫فمثالً تكتيكات مكافحة التمرد التي تهد إىل فصل املتمردين عن السكان تتطلب طاً مميزاً‬
‫من االستخبارات والتسليح والتذخري والتوجيه والتعبئة‪ ،‬إىل غري َ لِكَ من األنشطة ال َعسكَ ِريَّة‬
‫التي تعد تابع ًة للتكتيك‪.‬‬

‫عاد ًة إ ا أرادت الجيو أن تنفذ تكتيكات مرنة تعتمد عىل الحركة ال يعة مثل اإلغارة أو‬
‫الكمني أو العرقلة أو الدفاع يف العمق؛ ف ن َه َذا سي ثر عىل عدة اعتبارات أخرى‪ ،‬فل تكون‬
‫يعة ف نها ستجد نفسها مج ة عىل تَ ْن ِظ ْيم قواتها يف وحدات صغرية وأعداد‬ ‫حركة الجيو‬
‫قليلة‪ ،‬وستكون ال ِق َيا َدة متجهة نحو الالمركزية وإطالق صالحيات القادة الفرعيني‪ ،‬فاتخا‬
‫القرار سي خذ وقتاً طويالً إ ا كانت ال ِق َيا َدة مركزية‪ِ ،‬م َّام قد يكون سبباً يف تعطيل العملية‪.‬‬
‫يعة‬ ‫إضافة إىل َه َذا‪ ،‬إن تطبيق التكتيكات ال يعة سيتطلب تسليحاً خفيفاً ومركبات‬
‫واستخبارات شاملة ودقيقة وإمداداً محموالً واتصاالً ال يتوق بسبب امتداد الطرق‪ ،‬و ويهاً‬
‫وتضليالً فعاالً‪.‬‬

‫ثُ َّم بعد َ لِكَ ‪ ،‬ينبغي رص املوارد املالية وتوجيه َع َملِ َّيات التصنيع إلنتاج َه ِذ ِه األسلحة‬
‫واملعدات واملركبات الخفيفة التي تخدم التكتيكات السابقة‪ ،‬كام أن املناهج التدريبية والدراسات‬

‫‪136‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ال َعسكَ ِر َّية ينبغي أن ت هل الجنود والقادة لتطبيق َه ِذ ِه التكتيكات دون غريها‪ ،‬والبد من تكثي‬
‫َع َملِ َّيات التعبئة والتوجيه املعنو ألن الحركة ال يعة واملناورة تحتاج إىل شجاعة وجرأة‬
‫والتعبئة‪.‬‬ ‫وشكيمة وعقيدة راسخة‪ ،‬وال يكون َ لِكَ إال بالتحري‬

‫أما إ ا كانت التكتيكات املستخدمة يف الحرب تتسم بالثبات والرتكيز ف ن األنشطة السابقة‬
‫معظمها سيتغري معنا‪ ،‬سيتجه التنظيم إىل تركيز ال ُق َوات يف وحدات كبرية وأعداد كثرية لضامن‬
‫الحصول عىل القوة‪ ،‬وستحتاج َه ِذ ِه ال ُق َوات إىل معدات وأسلحة ومركبات ثقيلة‪ ،‬وستميل ال ِقيَا َدة‬
‫لتصبح أك مركزية‪ ،‬وسيكون االعتامد عىل التحصني األريض والدفاع الجو لت مني املواقع‬
‫الثابتة‪ ،‬وعىل ضوء َه َذا ستُبنى َع َملِ َّيات التمويل واإلمداد والتدريب والتصنيع‪.‬‬
‫أك خط ميكن أن تقع فيه الجيو أن يكون بع َه ِذ ِه األنشطة غري‬
‫متوافق مع ا خر‪ ،‬ف ن رأيت أن التكتيكات املستخدمة تتسم بالحركة واملناورة‪،‬‬
‫ثُ َّم وجدت أن املصانع تنتج أسلح ًة ومركبات ثقيلة‪ ،‬فاعلم أن ُهنَا َ مشكلة كبرية‪.‬‬
‫املناهج تدرب الجنو َد عىل التكتيكات الثابتة النظامية‪ ،‬ثُ َّم رأيت‬‫َ‬ ‫وإ ا وجدت‬
‫تَنْ ِظ ْيم ال ُق َوات مييل إىل الوحدات الصغرية النوعية وغري النظامية‪ ،‬فاعلم أن‬
‫َه َذا ال َجيش يفتقر للعقيدة ال َعسكَ ِريَّة املوحدة‪.‬‬
‫إن َه ِذ ِه االعتبارات تختل كلياً بحسب ط التكتيكات املختارة‪ ،‬لِ َه َذا السبب يتوجب عىل‬
‫ال ِقيَا َدة أن توضح يف عقيدتها ال َعسكَ ِريَّة االعتبارات الخاصة ِبك ُِّل نوع من أنواع التكتيكات‪ ،‬وكَيْ َ‬
‫َيجِ ُب تو ي التنظيم واالستخبارات واالتصاالت واملواصالت والتسليح وما إىل َ ِلكَ لتحقيق‬
‫األهدا التكتيكية‪ ،‬وليس لتكون منفصلة َعنْ َها‪ ،‬أو مضاد ًة لَ َها‪ ،‬وإنك إن رجعت إىل وثائق‬
‫العقيدة األمريك َّية لوجدت أنها توضح بِشَ كْلٍ مفصلٍ خطوات تنفيذ ك ُّل هد تكتي واإلجراءات‬
‫املناسبة لَهُ واألنشطة املتعلقة ِب ِه‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫جدول توضيحي‪ :‬كَ ْي َ تت ثر األنشطة بطبيعة التكتيكات املختارة للمعركة‬

‫تكتيكات ابتة ومركزة‬ ‫ال ركة ال يعة‬ ‫تكتيكات مرنة تعتمد‬ ‫ال شا‬

‫تركيز ال ُق َوات يف مجموعات‬


‫توزيع ون ال ُق َوات إىل مجموعات صغرية ات‬
‫ووحدات كبرية ات أعداد كثرية‬ ‫التنظيم‬
‫أعداد قليلة لضامن ال عة‬
‫لضامن القوة‬
‫يل إىل املركزية وتحديد‬ ‫يل إىل الالمركزية وإتاحة املجال للقيادة‬ ‫ال ِق َيادَة‬
‫صالحيات القادة الفرعيني‬ ‫الفرعية يف اتخا القرار‬ ‫والتحكم‬

‫تسليح ومعدات ثقيلة لتوفري القوة‬ ‫تسليح ومعدات خفيفة لتسهيل الحركة‬ ‫التسليح‬

‫االعتامد عىل العوائق الصناعية‬


‫االعتامد عىل التمويه واملوانع الطبيعية‬ ‫الهندسة‬
‫والتحصني‬

‫طرق ومراكز إمداد كثرية‬ ‫إمداد محمول وخفي‬ ‫اإلمداد‬

‫يكفي أن تركز عىل جبهة امل َ ْع َركَة‬ ‫مكثفة وشاملة ودقيقة حول ك ُّل ساحة ال َع َملِيَّات‬ ‫االستخبارات‬

‫التوجيه‬
‫ح الجنود عىل الثبات والصمود‬ ‫ح الجنود عىل اإلقدام والتضحية‬
‫والتعبئة‬
‫خطوط اتصاالت يكفي أن تشمل‬
‫خطوط اتصاالت ممتدة لتسهيل نطاق الحركة‬ ‫االتصاالت‬
‫منطقة امل َ ْع َركَة‬
‫تدريب ال ُق َوات عىل التكتيكات‬ ‫تدريب ال ُق َوات عىل التكتيكات املرنة واألسلحة‬
‫التدريب‬
‫الثابتة واألسلحة الثقيلة‬ ‫الخفيفة‬
‫إنتاج املعدات واملركبات واألسلحة‬ ‫إنتاج املعدات واملركبات واألسلحة والذخائر‬
‫التصنيع‬
‫والذخائر الثقيلة والتدمريية‬ ‫الخفيفة والدقيقة‬
‫جعل األولوية يف التمويل ألنشطة‬
‫جعل األولوية يف التمويل ألنشطة التكتيكات املرنة‬ ‫التمويل‬
‫التكتيكات الثابتة‬

‫‪138‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫ملخص‬

‫إن إنهاء العنرص الثال من العقيدة ال َعسكَ ِريَّة (الفروع الثانوية) يتطلب تحديد ال َجيش‬
‫لطبيعة األنشطة املستخدمة يف ك ُّل تكتيك من التكتيكات املختارة‪ ،‬و َ لِكَ من خالل االرتكاز عىل‬
‫الفروع الرئيسية التي سبق كرها‪ ،‬وت مل املنطلقات واإلجابة عن األسئلة التالية‬
‫األسئلة‬ ‫الفروع الثانوية‬ ‫املنطلقات‬
‫كَيْ َ ينبغي أن يكون تقسيم وحجم الوحدات‬
‫ال َعسكَ ِريَّة‬ ‫التنظيم‬ ‫الفروع الرئيسية‬
‫َما لية اتخا القرار يف مختل الرتب التنظيمية‬ ‫‪ .1‬نوع الحرب‬
‫يف ال َجيش‬ ‫ال ِق َيادَة والتحكم‬ ‫رتاتِي ِج َّيات‬
‫‪ .2‬اإل ِْس ِ َ‬
‫َما األسلحة واملعدات املناسبة لتحقيق األهدا‬ ‫‪ .3‬ال َع َملِيَّات‬
‫التكتيكية‬ ‫التسليح‬ ‫‪ .4‬التكتيكات‬
‫َما التحصينات الطبيعية والصناعية املناسبة لِك ُِّل‬
‫تكتيك‬ ‫الهندسة‬ ‫منطلقات خارجية‬
‫‪ .1‬األعداء والتهديدات‬
‫كَ ْي َ ينبغي أن تكون لية اإلخالء واإلمداد‬ ‫اإلمداد‬ ‫‪ .2‬الجغرافيا‬
‫من َأيْ َن نحصل عىل املعلومات االستخبارية‬ ‫‪ .3‬الدميغرافيا‬
‫وحول َما َ ا وكَ ْي َ نستفيد منها‬ ‫االستخبارات‬ ‫‪ .4‬التقدم التكنولوجي‬
‫َما املواضيع األَ َس ِاسيَّة لتعبئة الجنود‬ ‫‪ .5‬االعتبارات املدنية‬
‫التوجيه والتعبئة‬
‫كَيْ َ نبني شبكة االتصاالت لتوافق طبيعة التكتيك‬ ‫منطلقات داخلية‬
‫املستخدم‬ ‫االتصاالت‬ ‫‪ .1‬التجارب والخ ة‬
‫َما املناهج ال َعسكَ ِر َّية املناسبة لتدريب القادة‬ ‫‪ .2‬املعتقدات الدينية‬
‫والجنود‬ ‫التدريب‬ ‫‪ .3‬النظريات‬
‫َما األسلحة والذخائر واملعدات املناسبة التي‬ ‫الس َي َاسة الوطنية‬
‫‪ِّ .4‬‬
‫يتوجب إنتاجها‬ ‫التصنيع‬
‫‪ .5‬ال ُق َوات الصديقة‬
‫َأ ْي َن َيج ُِب أن تنفق األموال َما األوىل‬
‫التمويل‬ ‫والحليفة‬
‫فاألوىل‬

‫‪139‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫يف نهاية َه َذا الف َْصل ملزماً بتقديم مجموعة من املالحظات التي ال غنى َعنْ َها‬ ‫أجد نف‬
‫إل ام الفائدة‬

‫أوالً إن تقسيمي العقيدة إىل أساسيات وفروع رئيسية وفروع ثانوية ال يعني أبداً أن ترتيب‬
‫يل واألك فائد ًة بنظر ‪ ،‬إال أنه ميكن للقوة‬ ‫ٌ‬
‫رشط أسا ‪ .‬فرغم أنه األحب إ َّ‬ ‫َه ِذ ِه العنارص‬
‫ال َعسكَ ِريَّة أن تبدأ يف تكوين عقيدتها ال َعسكَ ِريَّة من َحيْ ُ شاءت‪ ،‬أو فلنقل من َحيْ ُ رأت‬
‫رتاتِيجِ َّيات و ط الحرب قد يوقع ال َجيش يف‬
‫األولوية‪ .‬لكن البداية باعتامد التكتيكات قبل اإل ِْس ِ َ‬
‫أخطاء قاتلة سبق التنبيه َعلَ ْي َها‪.‬‬
‫ثانياً عدم وجود َه ِذ ِه العنارص مكتوبة وموثقة ال يعني أنها معدومة‪ ،‬فقد يكون وجودها‬
‫عرفياً بني ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‪َ ،‬حتَّى أنه قد يصبح عقيدة حكمي ًة يلتزم ِب َها األفراد دون وجود‬
‫نصوص مكتوبة لَ َها‪ ،‬لكننا نذهب إىل رضورة تدوينها وكتابتها ف ن َ ِلكَ أدعى إىل تحقيق‬
‫مقاصد العقيدة وثارها التعلم والفهم والتعميم‪)1 . ...‬‬

‫ثالثاً إن إيجاد العقيدة العسكرية ال ميكن أن يحصل عفواً واعتباطاً‪ ،‬إ ال بد أن تتوفر‬
‫الظرو الداخلية واملقومات الالزمة للقيام بهذ العملية‪ ،‬وال بد أن تكون امل سسة العسكرية‬
‫من حي وجود القناعة بني القادة ب همية العقيدة العسكرية‬ ‫مستعد ًة لذلك عىل الصعيد النف‬
‫ومزاياها ورضورة تدوينها‪ ،‬فهم إن كانوا يجهلونها أو يزدرونها أو يعت ونها غري مهمة فكي‬
‫نتو َّقع منهم أن يك ِّونوها ! وال بد أن أيضاً أن تكون هنا استعدادات مسبقة عىل الصعيد‬
‫امل س ‪ ،‬ف يجاد العقيدة العسكرية يحتاج الجيش أن يُوجِ د أوالً امل سسات القادرة عىل لك‪،‬‬
‫مثل مراكز األرشفة التي توثق العمليات العسكرية لالستفادة منها فيام بعد‪ ،‬ومراكز األبحاث‬

‫‪(1) Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary approach Cass Military‬‬
‫‪Studies, Routledge, London–New York, 2013, p 24.‬‬

‫‪140‬‬
‫تكو العقيدة‬ ‫ي‬

‫التي تحللها‪ ،‬ومراكز التدريب التي ستلقنها للقادة والجنود‪ ،‬وما شابه لك من امل سسات‬
‫البحثية والتعليمية‪)1(.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ميكن أن تكون صي النصوص العقدية مختلفة من َحيْ ُ إحكامها‪ ،‬فمنها َما يكون‬
‫رتاتِيجِ يَّات‪ ،‬ومنها‬
‫عاماً جداً يحتاج تطبيقها إىل اجتهاد وحكمة وخ ة واسعة‪ ،‬مثل املباد واإل ِْس ِ َ‬
‫َما يكون حاسامً ومفصالً ينبغي تطبيقه بحذافري دون أ نوع من االجتهاد‪ ،‬مثل الرموز‬
‫ء من‬ ‫واملصطلحات‪ ،‬ومنها َما بني َه َذا و ا ‪ ،‬يوجد فيه خطوات مفصلة لكن مع إتاحة‬
‫االجتهاد للقائد‪ ،‬مثل خطوات تنفيذ التكتيكات‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬إن اإلجابة عن األسئلة املذكورة نفاً يحتاج أوالً تحديداً دقيقاً للمنطلقات التي تتعلق‬
‫بساحة الحرب‪َ ،‬و ِه َي َع َملِ َّية صعبة ميكن ملراكز الدراسات واألبحاث أن تساهم فيها بحكم قدرتها‬
‫عىل التوصي والتحليل‪ ،‬ثُ َّم بعد َ لِكَ البد من إجراء تشاورات واسعة عىل مستوى ال ِق َيا َدة قبل‬
‫اإلجابة عىل ك ُّل س ال‪ ،‬ف ن َه ِذ ِه القضايا حساسة وسيادية وال ينبغي االستعجال بالف َْصل فيها‪،‬‬
‫وميكن لِ َه ِذ ِه الجلسات أن ت خذ شكل ندوات حوارية‪ ،‬يشار فيها قادة من الرتب العليا فام‬
‫ُ‬
‫حفظ مخرجاتها دورياً‪ ،‬لتك ِّون شيئاً فشيئاً نصوص العقيدة ال َعسكَ ِر َّية التي نسعى‬ ‫دونها‪َ ،‬ي ُتم‬
‫إليها‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬اتساع تعاليم العقيدة من عدمه يعتمد عىل فلسفة القيادة‪ ،‬فكلام كانت القيادة العليا‬
‫أقل إبداعاً ومبادر ًة ويف حاج ٍة ماسة‬
‫َّ‬ ‫مركزية وامله َّم ُة ضيَّقة؛ كان القادة من الدرجة األد‬
‫لألوامر الدَّ ورية وحاج ٍة أقل للعقائد‪ .‬يف املقابل؛ كلام اتسعت دائرة املهام والصالحيات أمام‬
‫القادة األد ؛ زاد اعتامدهم عىل إبداعهم واجتهادهم وصاروا أك مرون ًة وحركة‪ ،‬واستندوا أك‬
‫عىل كتيبات العقائد التي يجب أن تكون غزير ًة يف هذ الحالة‪.‬‬

‫م ة يوتيو ‪.2020 ،‬‬ ‫اال رتاتي ية‪ ،‬العقيدة القتالية‪ ،‬مقط مر‬ ‫)‪ (1‬الدكتور م مد بري ‪ ،‬م اورات رم انية‬

‫‪141‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫خ‬
‫ُص إليها ال َب ْح ‪-‬ل جابة عن اإلشكالية التي‬
‫يف الختام‪ ،‬ميكن أن نجمع األفكار التي َخل َ‬
‫طرحتها املقدمة‪ -‬يف الفقرات التالية‬

‫تعري ُ العقيدة ال َعسكَ ِريَّ ِة‪:‬‬

‫‪ ‬إن العقيدة ال َعسكَ ِر َّية ِه َي مجموعة األفكار والنظريات التي ت تجربتها وثبتت‬
‫فاعليتها يف الحرب وجرى اعتامدها بِشَ كْلٍ رسمي‪ ،‬لتصبح عبارة عن إرشادات وأدلة‬
‫وأساسيات تتناقلها األجيال وينطلق منها ال َجيش لخوض الحرب وتحقيق النرص‪.‬‬

‫خصائص َها‪:‬‬
‫ُ‬

‫‪ ‬إنها مزيج بني العلم والفن‪ ،‬بني املعرفة واإلبداع‪ ،‬بني دروس املايض ورصاع الحارض‬
‫وفرص املستقبل‪ ،‬وألنها كذلك؛ فال ميكن تطبيقها حرفياً‪ ،‬كام ال يصح إطالق يد‬
‫املجتهدين فيها‪ .‬إنها تواكب التغريات يف الحرب ‪-‬والحرب من طبعها التقلب والتبدل‪-‬‬
‫لكنها يف املقابل تحافظ عىل ثباتها نسبياً‪ ،‬بل إن إقامتها تقتيض املزج بني االنضباط‬
‫والحكمة‪َ ،‬و ِه َي من جهة أخرى ترشد الخطط والتدابري ال َعسكَ ِر َّية وليست بديالً َع ْن َها‪.‬‬

‫فوائدُ َها‪:‬‬

‫‪ ‬تقدم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة للقوات امل ُ َسلَّ َحة منطلقاً مشرتكاً لفهم طبيعة الرصاع الحايل‪،‬‬
‫وتصنع لغ ًة موحد ًة تس ِّهل َع َملِيَّة التواصل واإلرشاد والتوجيه‪ ،‬كام أنها تضع بني أيدينا‬
‫دليالً واضحاً الستخدام القوة بطريقة صحيحة‪ ،‬وإن َه ِذ ِه الخصائص لتعزز فاعلية‬
‫األفراد وتساعدهم عىل اإلبداع واملبادرة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫الخا ة‬

‫منطلقاتُ َها‪:‬‬

‫‪ ‬ر صياغة العقيدة ال َعسكَ ِريَّة بعملية معقدة من الت ثريات املختلفة‪ ،‬إ لن تكون مجدي ًة‬
‫دون استقصاء شامل ملجموعة من املدخالت املتغرية عىل مستوى البيئة الخارجية‬
‫والداخلية‪ ،‬إنها ترتكز أساساً عىل تحليل عميق لطبائع األعداء والتهديدات املتوقعة‪،‬‬
‫وطبيعة التضاريس واملناخ والتوزع السكاين والدميغرايف‪ ،‬والتقدم التكنولوجي‪ ،‬وتوزع‬
‫البنى التحتية والثقافة املحلية‪ .‬إضافة إىل النظر يف عوامل داخلية أخرى‪ ،‬مثل الرتاث‬
‫والس َي َاسة الحكومية‬
‫التاريخي لألمة واملعتقدات الدينية والنظريات العلمية الحديثة ِّ‬
‫وطبيعة ال ُق َوات الصديقة والحليفة‪َ .‬فك ُّل َه َذا لَهُ أثر مبارش يف طريقة خوض الحرب‪.‬‬

‫تكوي ُن َها‪:‬‬

‫‪ ‬أما عن تكوينها وعنارصها؛ فيمكن تقسيم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة إىل ثالثة عنارص‪:‬‬
‫األساسيات‪ ،‬الفروع الرئيسية ثُ َّم الفروع الثانوية‪ ،‬وتحصل صياغتها باإلجابة عن األسئلة‬
‫املتعلقة ِبك ُِّل عنرص من َه ِذ ِه العنارص‪ ،‬ثُ َّم إن َه ِذ ِه اإلجابات ِعنْدَ َما ترتكب مع بعضها‬
‫ستشكل العقيدة ال َعسكَ ِريَّة لقواتنا امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬ ‫البع‬

‫و َه َذا باختصار َما أرد ُت تقدميه يف َه َذا الكت ِّيب‪ ،‬ف رجو أن يكون َه َذا الجهد املتواضع مفيداً‬
‫أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم‪.‬‬ ‫لنخب األمة وقادتها‪ ،‬وأس ل الله‬

‫‪143‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ملخص‬ ‫مل‬
‫ُأ ِعدَّ َه َذا امللخص ليقدم ملحة موجز ًة عن ال َب ْح ‪ ،‬وليكون ماد ًة مخترص ًة تصلح ل‬
‫الكتاب يف الندوات وامللتقيات الجامعية‪ ،‬إ ميكن وضع َه ِذ ِه املحاور يف رشائح عرض وإلقا ها‬
‫يف محارضات شفهية‪.‬‬

‫ل‬ ‫م‬
‫التعاليم واألسس التي يضعها العلامء العسكريون حول خوض الحرب‬
‫ُ‬
‫بطريق ٍة صحيح ٍة‪ ،‬ويتم تدريسها وتلقينها لعنا ِ‬
‫رص ال َجيش‪.‬‬

‫م‬
‫التجارب صحتَ َها‪ ،‬فت َّم اعتامدها‬
‫ُ‬ ‫التعاليم ال َعسكَ ِريَّ ِة التي أثبتت‬ ‫ِ‬ ‫مجموع ُة‬
‫لتصبح عبار ًة عن إرشادات وأدلة‬
‫َ‬ ‫بِشَ كْلٍ رسمي وملز ٍِم من ِقبَلِ ال ُق َو ِات امل ُ َسلَّ َح ِة‪،‬‬
‫رص‪.‬‬
‫وتحقيق الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لخوض الحرب‬ ‫ينطلق منها ال َجيش‬ ‫ُ‬ ‫وأساسيات ُم ْح كَم ٍة‬

‫م‬

‫الفروع الثانوية‬ ‫الفروع الرئيسية‬ ‫األساسيات‬

‫التنظيم ‪ -‬ال ِق َيادَة والتحكم‬


‫فلسفة الحرب‬
‫التسليح ‪ -‬الهندسة‬ ‫نوع الحرب‬
‫مباد الحرب‬
‫اإلمداد ‪ -‬االستخبارات‬ ‫رتاتِي ِجيَّات ال َعسكَ ِريَّة‬
‫اإل ِْس ِ َ‬
‫قيم الحرب العقيدة القتالية‬
‫التوجيه والتعبئة‬ ‫ال َع َملِ َّيات ال َعسكَ ِر َّية‬
‫قوانني الحرب‬
‫االتصاالت ‪ -‬التدريب‬ ‫التكتيكات ال َعسكَ ِر َّية‬
‫الرموز واملصطلحات‬
‫التصنيع ‪ -‬التمويل‬

‫‪144‬‬
‫ي‬ ‫خص‬

‫م‬
‫رشات زمنية وكمية‪.‬‬ ‫‪ .1‬الخطط ألنها محددة‬
‫‪ .2‬النظريات ألنها مازالت ل َْم تثبت جدواها وصحتها‪.‬‬
‫‪ .3‬السياسات ألنها توجيهات ت من حكومة البالد‪.‬‬
‫ص‬
‫‪ .1‬تر َّجحت جدواها وفاعليتها بعد التجربة والتقويم والنقد‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتُ ِمدَ ْت رسمياً من قبل ال ِقيَا َدة ال َعسكَ ِريَّة وأصبحت جزءاً من النظام العام‪.‬‬
‫‪ .3‬مزيج بني العلم والفن‪ ،‬وبني املعرفة واإلبداع‪.‬‬
‫‪ .4‬اجتهادية وليست َحرفية‪ ،‬يعتمد تطبيقها عىل الخ ة والحكمة‪.‬‬
‫‪ .5‬ت طر الخطط وترشدها وليست بديالً َعنْ َها‪.‬‬
‫‪ .6‬ت خذ وقتاً وزمناً طويالً لتتبلو َر وتتك َّونَ ‪.‬‬
‫‪ .7‬تواكب التغريات لكنها رغم َ لِكَ ثابت ٌة نسبياً‪.‬‬
‫‪ .8‬ترتكَّب من أبعاد فكرية وعلمية وتنبئية‪.‬‬

‫م‬ ‫م‬
‫‪ .1‬تشكل منطلقاً لفهم طبيعة الرصاع امل ُ َسلح‪.‬‬
‫‪ .2‬تقدم دليالً الستخدام ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة يف الحرب‪.‬‬
‫‪ .3‬تشكل أرضي ًة ثقافي ًة مشرتك ًة ألعضا ِء ال َجيش‪.‬‬
‫‪ .4‬تعزز فاعلية وت ثري ال ُق َو ِات امل ُ َسلَّ َح ِة‪.‬‬
‫‪ .5‬تساعد القادة والجنود عىل اإلبداع واملبادرة‪.‬‬
‫تصنع لغ ًة مشرتك ًة بني ال ُق َو ِات ال َعسكَ ِريَّ ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪.6‬‬

‫‪145‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫ل‬ ‫م‬
‫منطلقات داخلية‬ ‫منطلقات يف البيئة الخارجية‬
‫التجارب السابقة والخ ة‪.‬‬ ‫األعداء والتهديدات‪.‬‬
‫النظريات العلمية والفكرية‪.‬‬ ‫الجغرافيا‪.‬‬
‫املعتقدات الدينية‪.‬‬ ‫الدميغرافيا‪.‬‬
‫الس َي َاسة الوطنية‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫التقدم التكنولوجي‪.‬‬
‫طبيعة ال ُق َوات الصديقة والحليفة‪.‬‬ ‫االعتبارات املدنية‪.‬‬

‫‪ .1‬تحديد املنطلقات يف البيئة الداخلية والخارجية لقواتنا امل ُ َسلَّ َحة‪.‬‬


‫‪ .2‬استناداً للمنطلقات َيتُم اإلجابة عن األسئلة الواردة يف الف َْصل األخري حول‪:‬‬
‫أ) األساسيات‪.‬‬
‫ب) الفروع الرئيسية‪.‬‬
‫ت) الفروع الثانوية‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫ا را‬

‫‪ .1‬أحمد حسن محمد حسني‪ ،‬العقيدة ال َعسكَ ِر َّية اإلسالمية "دراسة ومنهج ومقارنة"‪ ،‬مكتبة‬
‫وهبة القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1419‬ه ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أحمد ناصي ‪ ،‬فن الحرب‪ ،‬دار الكاتب العر ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.2010‬‬
‫‪ .3‬ال َع َملِيَّات الهجومية "القسم الثاين من منهاج التكتيكات األَ ْم ِريْ ِ ّ (‪ FM 3-90‬ترجمة‬
‫مركز الخطا للدراسات ‪.2022 2021‬‬
‫‪ .4‬ال َع َملِ َّيات الدفاعية "القسم الثال من منهاج التكتيكات األَ ْم ِريْ ِ ّ (‪ ، FM 3-90‬ترجمة‬
‫مركز الخطا للدراسات‪.2022 2021 ،‬‬
‫‪ .5‬بريت تشاميان‪ ،‬العقيدة ال َعسكَ ِريَّة "دليل مرجعي"‪ ،‬ترجمة طلعت الشايب‪ ،‬املركز القومي‬
‫للرتجمة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2015‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬دارا ماسيكوت‪ ،‬توقعات بش ن العقيدة ال َعسكَ ِريَّة الر ِ‬
‫وس َّية الجديدة ‪ ،2020‬ترجمة مركز‬
‫نورس للدراسات‪.‬‬
‫‪ .7‬ديفيد جابلونس ‪ ،‬العقيدة ال َعسكَ ِريَّة األمريكيَّة والثَّو َرة يف الش ون ال َعسكَ ِريَّة‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬ديفيد جاليوال‪ ،‬حرب مكافحة التمرد‪ ،‬النظرية والتطبيق‪ ،‬ترجمة مركز الخطا‬
‫للدراسات‪.2023 ،‬‬
‫‪ .9‬دليل امليدان للجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ (‪ ، 3 - 24‬مكافحة التمرد‪ ،‬ديفيد باتريوس وجيمس‬
‫رتاتِي ِج ّي‪.2019 ،‬‬
‫أموس‪ ،‬ترجمة أحمد موالنا‪ ،‬مركز تنمية الفكر اإل ِْس ِ َ‬
‫‪ .10‬ديفيد جاليوال‪ ،‬مكافحة التمرد بني النظرية والتطبيق‪ ،‬ترجمة مركز الخطا‬
‫للدراسات ‪.2023‬‬

‫‪147‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫‪ .11‬حسن سلامن خليفة البيضاين‪ ،‬تحديد املعا العامة للعقيدة ال َعسكَ ِر َّية العراقية عىل‬
‫ضوء املستجدات اإلقليمية والدولية بعد دحر داعش‪ ،‬مركز حراب للدراسات والبحوث‪،‬‬
‫العدد ‪ 36‬خري ‪.2020‬‬
‫‪ .12‬طارق محمود شكر ‪ ،‬العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وتطوراتها‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪2016 ،‬م‬
‫‪1437‬ه ‪.‬‬
‫‪ .13‬ياسني سويد‪ ،‬الفن ال َعسكَ ِر ّ اإلسالمي "أصولُه ومصاد ُره ‪ ،‬رشكة املطبوعات للتوزيع‬
‫والن بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1990‬م ‪1411‬ه ‪.‬‬
‫‪ .14‬كارل فون كالوزفيتز‪ ،‬عن الحرب‪ ،‬ترجمة سليم شاكر اإلمامي‪ ،‬امل سسة العربية‬
‫للدراسات والن ‪ ،‬الطبعة العربية األوىل ‪1997‬م‪.‬‬
‫ج ال بالجيش األَ ْم ِريْ ِ ّ‪ ،‬املنشوراملشرت ‪ ،1‬عقيدة ال ُق َوات امل ُ َسلَّ َحة‬ ‫‪ .15‬مارتن دميب‬
‫للواليا ت املتحدة‪ 25 ،‬مارس ‪ 2013‬دمج التغيري ‪ 12، 1‬يوليو م‪.2017‬‬
‫رتاتِيجِ َّية والتكتيك يف فن علم الحرب من السي والدروع إىل‬
‫‪ .16‬منري شفيق‪ ،‬اإل ِْس ِ َ‬
‫الصاروخ واألنفاق‪ ،‬الدار العربية للعلوم والن ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1428‬ه ‪2008‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬محمد جامل الدين ع محفو ‪ ،‬النظرية اإلسالمية يف العقيدة ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬دار‬
‫االعتصام‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ .18‬محمد فتحي أمني‪ ،‬موسوعة أنواع الحروب‪ ،‬األوائل للن‬
‫األوىل كانون الثاين ‪2006‬م‪.‬‬
‫للدراسات‪ ،‬االحتالل بني النظرية والتطبيق "عوامل قوة َع َملِ َّيات‬ ‫‪ .19‬مركز الخطا‬
‫مكافحة التمرد األمريكيَّة‪ ،‬وجدوى َه ِذ ِه العوامل يف أفغانستان بني ‪ 2001‬و‪ ،2020‬سنة‬
‫‪2020‬م‪.‬‬ ‫الن‬
‫‪ .20‬مركز الخطا للدراسات‪ ،‬الدفاع يف الحرب الثَّ ْو ِر َّية "مدخل إىل مباد الدفاع وأنواعه‬
‫وعوامل قوته وإجراءات السيطرة فيه خالل الحرب الثَّ ْو ِريَّة‪ ،‬سنة الن ‪2021‬م‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫ا را‬

‫‪ .21‬محمود شيت خطاب‪ ،‬ال َعسكَ ِر َّية العربية اإلسالمية "عقيدة وتاريخاً وقاد ًة وتراثاً ولغة‬
‫وسالحاً‪ ،‬سلسلة فصيلة‪ ،‬تصدر عن رئاسة املحاكم ال عية والش ون الدينية يف دولة‬
‫قطر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1403‬ه ‪.‬‬
‫‪ .22‬سن أتزو‪ ،‬فن الحرب‪ ،‬إعداد أحمد ناصي ‪ ،‬دار الكتاب العر ‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪.2010‬‬
‫‪ .23‬سي جونز‪ ،‬نشوب الثَّو َرة امل ُ َسلَّ َحة "دروس من الفيت كون وصوالً إىل تَنْ ِظ ْيم الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ترجمة مركز الخطا للدراسات ‪.2020‬‬
‫‪ .24‬عبد الله بن عمر بالبيد‪ ،‬حقوق املقاتل يف الحرب والجهود الدولية يف تعزيزها‪ ،‬دراسة‬
‫مقارنة بني ال يعة اإلسالمية والقانون الدويل‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‪.‬‬
‫رتاتِيجِ َّيات ال َعسكَ ِريَّة‪ ،‬مكتبة امللك فهد‪،‬‬
‫‪ .25‬عبد الرحمن حسن الشهر ‪ ،‬تطور العقائد واإل ِْس ِ َ‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1424 ،‬ه ‪.2003 -‬‬
‫‪ .26‬نزار إسامعيل الحيايل وعامر حميد ياسني‪ ،‬قراءة يف املذهب ال َعسكَ ِر ّ الرو ِ ّ بني‬
‫املايض والحارض‪ ،‬دراسات دولية‪ ،‬العدد السادس والخمسون‪.‬‬
‫‪ .27‬عبد السالم حمود غالب األن ‪ ،‬مفهوم الحرب يف الفقه والقانون‪ ،‬مجلة الفقه‬
‫والقانون العدد التاسع‪ ،‬يوليو ‪.2013‬‬
‫‪ .28‬رفيق أبو هاين‪ ،‬مفهوم العقيدة ال َعسكَ ِريَّة وحكمها ومصادرها‪ ،‬املعهد املرص للدراسات‪،‬‬
‫‪ 22‬أغسطس ‪.2022‬‬
‫‪ .29‬ضو مفتا غمق‪ ،‬نظرية الحرب يف اإلسالم وأثرها يف القانون الدويل العام‪ ،‬مكتب‬
‫بجمعية الدعوة اإلسالمية العاملية‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1426‬ه ‪.‬‬ ‫اإلعالم والبحوث والن‬

‫‪149‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

1. A Primer on Doctrine; Curtis E Lemay centre.


2. Directorate of Doctrine Training and Doctrine Division HQ Integrated
Defense staff; New Delhi A Premier to Understanding the Military
Doctrine; September 2018.
3. Dr. Aaron P. Jackson; The Roots of Military Doctrine Change and
Continuity in Understanding the Practice of Warfare; Combat Studies
Institute Press US Army Combined Arms Center Fort Leavenworth,
Kansas; first ed; 2013.
4. Doctrine, MG (ret) Kees Homan.
5. Joint Staff; Joint Doctrine Development Process;29 December 2014.
6. Harald Høiback, Understanding Military Doctrine, A multidisciplinary
approach, Cass Military Studies, Routledge, London–New York, 2013.
7. Headquarters Department of the Army Washington DC; FM 3-90 Tactics;
4July 2001.
8. US Department of Defence; Operation Assessment; Air Land Sea
Application Centre; August 2015.
9. US Department of Defence; Command Post Organization and Operation
ATP6.0.5; March 2017.
10. US Department of the Army; FM6-27 MCTP 11-10C the Commander's
Handbook on the law of Land Warfare; August 2019.
11. US Department of the Army; ADP 1-01 Doctrine Primer; July 2019.
12. US Department of the Army; ADP1 the Army; July 2019.
13. US Department of the Army; ADP1-02 Terms and Military Symbols;
August 2018.
14. US Department of State; JOINT MILITARY SYMBOLOGY; 17
NOVEMBER 2008.
15. US Department of Defense; Doctrine for the Armed Forces of the United
States; Joint Publication; 25 March 2013 Incorporating Change 1 12 July
2017.
16. US Department of The Army; FM 3-0 Operations; October 2022.
150
‫ا را‬

17. Office of General Counsel Department of Defense; Department of Defense


Law of War Manual; June 2015(updated December 2016).
18. Ministry of Defense; Developing Joint Doctrine Handbook; 4th ed;
November 2013.

151
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫مقدمة ‪7 ............................................................................................................‬‬
‫م م‬
‫األول‪ :‬املفهو ُم اللغو ‪16 ...................................................................‬‬ ‫ُ‬ ‫ال َمبْ َح ُ‬
‫ال َم ْب َح ُ الثاين‪ :‬املفهو ُم االصطالحي ‪17 ...........................................................‬‬
‫تعري ات ائدة‪18............................................................................................‬‬
‫م ا شة امل ا ي ِ السائد ِة‪20...............................................................................‬‬
‫املدار التي ت اولَت م و َ العقيدة ‪25.............................................................‬‬
‫التعري اال طالحي املعتمد ال َب ِ ‪28........................................................‬‬
‫ال َمبْ َح ُ الثال ُ ‪ :‬العقيدة يف التفكريِ ال َعسكَ ِر ِّ ‪29 ............................................‬‬
‫مو العقيدة الت كري ال َعس َك ِر ‪31...............................................................‬‬
‫م‬
‫ص‪36 ...........................................................................‬‬ ‫َصائِ ُ‬ ‫املَبْ َح األول‪ :‬الخ َ‬
‫تر َّج ت جدوا ا و عاليت ا‪38...........................................................................‬‬
‫تَ َّ ا ت د َ ا ر ميا‪39.......................................................................................‬‬
‫مزي ب َ العل ِ وال ن‪40..................................................................................‬‬
‫اجت ادية وليست َحر ية‪41................................................................................‬‬
‫ت طر ال ط َ وليست بديال َ َا‪43...................................................................‬‬
‫لتتشكل‪44.........................................................................................‬‬
‫َ‬ ‫تأ و تا‬
‫ريات لكن ات بات نسبي‪47...........................................................‬‬ ‫تواكب الت ِ‬
‫تتشكل من بعاد كرية و َ َملِ َّية وت ب ية‪49...........................................................‬‬
‫ال َمبْ َح ُ الثاين‪ :‬الفوائدُ ‪50 .............................................................................‬‬
‫تشكل م طلقا ل ِ طبيع ِة الرصا ِع ‪51.................................................................‬‬

‫‪152‬‬
‫ر‬ ‫ال‬

‫ت ل ة مو َّحدة‪53..........................................................................................‬‬
‫املسلَّ َ ِة‪54............................................................‬‬
‫ات َ‬ ‫تقد دليال ال ت دا ِ الق َو ِ‬
‫تشكل ر ية قا ية مشرتكة‪56..........................................................................‬‬
‫تعز ال ا ل َّي َة ‪57...............................................................................................‬‬
‫املبادر ِة‪58.........................................................‬‬ ‫تسا د ا بدا ِع وتش‬
‫ل‬ ‫م‬
‫منطلقات يف البيئ ِة الخارج َّي ِة ‪64 .............................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫األول‪:‬‬ ‫ال َم ْب َح ُ‬
‫األ دا والت ديدات‪65......................................................................................‬‬
‫ال را يا‪68.....................................................................................................‬‬
‫الد را يا ‪71..................................................................................................‬‬
‫التقد التك ولوجي‪74.......................................................................................‬‬
‫اال تبارات املدن َّية‪76.........................................................................................‬‬
‫منطلقات داخلي ٌة ‪79 ...............................................................‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال َم ْب َح ُ الثاين‪:‬‬
‫الت ار وال ة‪80..........................................................................................‬‬
‫ال ظريات‪83.....................................................................................................‬‬
‫املعتقدات الدي ية‪85..........................................................................................‬‬
‫السلطة الوط ية‪87............................................................................................‬‬
‫الق َوات ال ديقة وال لي ة‪89.............................................................................‬‬
‫ختاماً‪91 .......................................................................................................‬‬

‫امل َ ْب َح األول‪ :‬األساسيات ‪97 ............................................................................‬‬


‫لس ة ال ر ‪98...............................................................................................‬‬
‫مباد ال ر ‪103............................................................................................‬‬
‫ي ال ر ‪105................................................................................................‬‬
‫وان ال ر ‪109............................................................................................‬‬

‫‪153‬‬
‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫الرمو وامل طل ات‪111...................................................................................‬‬


‫ملَ َّ امل َب َ ِ ‪114...........................................................................................‬‬
‫املَبْ َح الثاين‪ :‬الفرو ُع الرئيسيَّ ُة ‪116 ................................................................‬‬
‫نوع ال ر ‪117................................................................................................‬‬
‫رتاتِي ِ يَّات ال َعس َك ِريَّة‪121.............................................................................‬‬
‫ا ِ َِ‬
‫ال َع َملِ َّيات ال َعس َك ِريَّة ‪124.....................................................................................‬‬
‫التكتيكات ال َعس َك ِريَّة‪126....................................................................................‬‬
‫ملَ َّ امل َب َ ِ ‪134...........................................................................................‬‬
‫ال َم ْب َح ُ الثال ُ ‪ :‬الفرو ُع الثانو َّي ُة ‪136 .............................................................‬‬
‫ملَ َّ امل َب َ ِ ‪139...........................................................................................‬‬
‫خا ُة الف َْصل ‪140 .........................................................................................‬‬
‫خ‬
‫َّص تَنْ ِفي ِذ ‪144 ................................................................................‬‬
‫ملحق‪ُ :‬م َلخ ٌ‬
‫املراجع ‪147 ........................................................................................................‬‬

‫‪154‬‬
‫خ‬ ‫م‬

‫الحروب الثَّ ْو ِريَّة‪ ،‬ت ََّم إنشا ُ يف إدلب‪-‬‬


‫ِ‬ ‫علوم وفنونِ‬
‫مختص يف ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وأبحاث‬ ‫ٍ‬
‫دراسات‬ ‫ُه َو مرك ُز‬
‫ِ‬
‫وإسرتاتيجيات‬ ‫ُ‬
‫تتناول مباد‬ ‫اجع شامل ٍة‬
‫سوريا سنة ‪ .2019‬يسعى مركز الخطا إىل إيجا ِد مر َ‬
‫الحروب الثَّ ْو ِريَّة‪ ،‬لتلبي ِة حاج ِة الث َوا ِر التَّدرِي ِب َّي ِة والبحث َّي ِة‪ ،‬كام َيه ِد ُ إىل توفريِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتكتيكات‬
‫الس َي ِاس َّية وال َعسكَ ِر َّية واالجتامع َّي ِة التي يحتا ُج َها الث َوا ُر يف العا ِ‬
‫مصاد َر علم َّي ٍة وافي ٍة عن الفنونِ ِّ‬
‫العلمي لتاري ِ َأ َه ّم الثَّو َر ِات‬
‫ِّ‬ ‫والتقييم‬
‫ِ‬ ‫الدقيق‬
‫ِ‬ ‫واإلسالمي‪ ،‬و َ لِكَ من خاللِ التحليلِ‬‫ِّ‬ ‫العر ِّ‬
‫حول َأ َه ّم النوازلِ‬
‫والتحليالت الدقيق ِة التي تحتا ُج َها النخ َُب الثَّ ْو ِريَّة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التوجيهات‬ ‫وتقديم‬
‫ِ‬ ‫السابق ِة‪،‬‬
‫والسيَا ِ ّ‬
‫أحداث الثَّو َرة السور َّي ِة عىل املستوى ال َعسكَ ِر ّ ِّ‬
‫ِ‬ ‫املعارص ِة‪ ،‬واألرشف ِة الشامل ِة عن‬
‫واالجتامعي‪.‬‬
‫ِّ‬

‫ومن ُذ نش تِ ِه‪ ،‬قدَّ َم الخطَّا ملتابعي ِه أك َ من ع ين ماد ًة علميَّ ًة‪.‬‬


‫العقيدة العسكرية الخصائص والتكوين‬

‫‪ .1‬الخطَّا ‪ُ ،‬ملهِم الثورات امل ُ َس َّل َحة‪ ،‬ثورة الري الثالثة (‪1926 – 1921‬م السياق‬
‫السيَ ِاسيَّة وال َعسكَ ِريَّة واالجتامعية‪.‬‬
‫التاريخي واألبعاد ِّ‬
‫السيَا ِ ّ لِ سعو ٍد يف الدولة الثالثة‪.‬‬‫‪ .2‬ملح ٍة عن املسا ِر ِّ‬
‫‪" .3‬أستانا"‪ ،‬مسا ُر القضا ِء عىل الثَّو َرة السورية‪.‬‬
‫عوامل قو ِة َع َملِ َّيات مكافح ِة التمر ِد األمريك َّية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والتطبيق‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ .4‬االحتاللِ بني النظريَّ ِة‬
‫وجدوى َه ِذ ِه ال ع واملِ يف أف غان س تان بني ‪ 2001‬و‪.2020‬‬
‫‪ .5‬انتفاض ِة الصحرا ِء‪ ،‬الثَّو َرة الليب َّي ُة ‪ 1931 – 1911‬وأبعا ُدها ِّ‬
‫السيَ ِاسيَّة واالجتامعيَّ ُة‬
‫وال َعسكَ ِر َّية‪.‬‬
‫‪ .6‬التجنيد االستخبار ؛ دوافعه‪ ،‬مراحله‪ ،‬مخاطر ‪.‬‬
‫‪ .7‬الدفاع يف الحرب الثَّ ْو ِريَّة؛ مدخل إىل مباد الدفاع وأنواعه وعوامل قوته وإجراءات‬
‫السيطرة فيه خالل الحرب الثَّ ْو ِريَّة‪.‬‬
‫الصلح يف ال يع ِة وتطبيقاتُهُ يف الثَّو َر ِة السوري ِة‪ ،‬إدلب و جاً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪.8‬‬

‫دروس من الفيت كون وصوالً إىل الدول ِة اإلسالميَّ ِة‪ ،‬ت لي سي‬
‫ٌ‬ ‫نشوب الثَّو َرة امل ُ َسلَّ َحة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫جونز‪.‬‬
‫جنوب أفغانستان بني ‪ 2005‬و‪ ،2008‬ت لي كارتر مالكاسيان وجري‬
‫َ‬ ‫تكتيكات طالبان‬
‫ُ‬ ‫‪.2‬‬
‫ميرييل‪.‬‬
‫تكتيكات املجاهدين يف الحرب األفغانيَّ ِة السوفييتيَّ ِة‪ ،‬ت لي ُ‬
‫ُ‬ ‫الجانب ا خ ِر من الجبلِ ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪.3‬‬
‫أحمد جاليل ولسرت غراو‪.‬‬
‫االنقالب‪ ،‬لجني شارب وبروس جينكيز‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ .4‬مكافح ُة‬

‫‪156‬‬
‫الخ ا‬ ‫ن ر‬

‫‪ .5‬من الدول ِة العميق ِة إىل تَ ْن ِظ ْيم الدول ِة اإلسالم َّي ِة‪ ،‬الثَّو َرة العرب َّي ُة املضاد ُة وموروثها‬
‫الجهاد ‪ ،‬لجان بيري فيليو‪.‬‬
‫‪ .6‬ردع األعداء داخل البالد وخارجها‪ ،‬كَيْ َ تصبح ضابط استخبارات‪ ،‬ويليام جونسون‪.‬‬
‫‪ .7‬املال عمر وطالبان أفغانستان‪ ،‬مذكرات املال مطم الناطق ال َّر ْس ِم ّي للمال عمر‪ ،‬ترجمة‬
‫‪.‬‬ ‫أحمد موالنا وأنس خ‬

‫م‬

‫‪ o‬الويب ‪)/https://alkhattabirw.com‬‬

‫‪)http://fb.me/alkhattabirw1‬‬ ‫‪ o‬الفايسبو‬

‫‪ o‬التويرت ‪)https://twitter.com/alkhattabirw‬‬

‫‪ o‬التلغرام ‪)https://t.me/alkhattabirw‬‬

‫‪157‬‬

You might also like