كارل ماركس والصحافة

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫كارل ماركس والصحافة‪:‬‬

‫من حرية الصحافة إلى الصحافة البديلة‬

‫تقديم‬
‫رغم تعدد الدراسات والقراءات‪ ،‬يوجد وجه آخر لكارل ماركس مازال غ ير مع روف بالكام ل يتمث ل في األنش طة‬
‫الصحفية التي لم يتوقف عن ممارستها طيلة أغلب فترات حياته الفكرية والسياسية رغم قصرها أي ما يس اوي ‪25‬‬
‫سنة من جملة ‪ 65‬سنة عاش أغلب فتراتها بين المالحقات والنفي‪ .‬وهو ما يطرح إشكالية العالقة م ا بين ممارس اته‬
‫الصحفية وبين أهم مكونات المتن النظري التي توصل إلى تش ييده س واء في مس توى أهم المف اهيم ال تي نحته ا من‬
‫داخ ل الظرفي ات التاريخي ة واالجتماعي ة لعص ره الموس وم بتح والت مجتمعي ة عميق ة‪ ،‬أو في مس توى تحليالت ه‬
‫لمختلف بنيات "التشكيلة االجتماعية" الرأسمالية الصاعدة بخصائصها الوظيفية وتناقضاتها الهيكلية‪ .‬أم ا الفرض ية‬
‫التي يمكن االنطالق منها لتناول هذه اإلشكالية فتحيل على أن المقاالت الص حفية لك ارل م اركس ق د مثلت أش كاال‬
‫مبكرة من االستقصاء السوسيولوجي‪ ،‬ومقدمات إجرائية كانت ض رورية ومج ال اختب ار لتش ييد نموذج ه التحليلي‬
‫لمجريات التحولات المجتمعية ولآليات اشتغالها‪.‬‬
‫فرغم ما تميزت به تجربته الصحفية من ثراء وعمق بما كانت ق د أم دت ب ه أعمال ه الالحق ة من معطي ات ميداني ة‬
‫ومنهجية‪ ،‬إال أن محدودية االهتمام بها يعود في رأينا إلى عدة عوامل يمكن إجمالها في صنفين اثنين‪:‬‬
‫ـ تعدد األعمال النظرية المنشورة في مؤلفاته الكالسيكية المعروفة بتنوعها بين الفلسفة واالقتصاد واالجتماع‪ ،‬الذي‬
‫غطى على األعمال الصحفية واألنشطة السياسية‪ ،1‬مقابل تشتت مقاالته الصحفية التي لم ُتجّم ع إلى حّد الي وم وهي‬
‫تفوق ‪ 1500‬مقال حسب بعض التقديرات األولية‪ ،‬رغم تطوير العديد منها إلى نصوص نشرها الحقا لتمثل أعماال‬
‫مركزية بين مؤلفات ماركس‪.‬‬
‫ـ تحّو ل الماركسية إلى إيديولوجيا تبريرية بداية مع النظام البلش في‪-‬الس وفياتي ثم في أوروب ا الش رقية وعدي د دول‬
‫العالم الثالث حيث ُاس تخدمت لت برير مظ اهر التس لط السياس ي واالس تبداد الفك ري وأداة لالعت داء على الحري ات‬
‫العامة والفردية خاصة على حرية الصحافة واإلعالم‪ ،‬وهي نفس االنتهاكات ال تي ك ان م اركس نفس ه ق د قاومه ا‪،‬‬
‫مقارنة بالممارسات المناقضة والجرائم التي ظلت والزالت تمارس باسمه وُتبرر باسم النظرية التي شيدها‪.2‬‬
‫إن تفحص أهم أعمال ماركس الصحفية يؤكد أن إهمالها س وف يظ ل عائق ا أم ام فهم التط ور الحاص ل في مجم ل‬
‫أفكاره انطالقا من دور المالحظات والمشاهدات الميدانية ال تي وفرته ا الممارس ة الص حفية في نحت أهم مفاهيم ه‬

‫‪1‬‬
‫‪Van thao Trinth, Marx, Engels et le journalisme révolutionnaire: Analyse de la conjoncture politique dans la Nouvelle‬‬
‫‪Gazette Rhénane, Editions Antropos, Paris, 1980.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Guichard Benjamin, « Les usages révolutionnaires de la liberté de la presse : Condamnations et justifications de la‬‬
‫‪censure dans la Russie de 1917 », Siècles [En ligne], 27 | 2008, mis en ligne le 31 mai 2013, (Consulté le 02 février‬‬
‫‪2019), URL : http://journals.openedition.org/siecles/828‬‬

‫‪1‬‬
‫النقدية وفي بناء أغلب نظرياته بل وفي مساهمته الضمنية في تأسيس السوسيولوجيا الحديثة موضوعا ومنهجا‪ .‬كما‬
‫يمكن لدراسة أعماله الصحفية أن تكشف عن معالم نظرية اتصالية ماركسية مخالفة لتلك التي تم التعود على تلقيه ا‬
‫والتعاطي معها استنادا لماركسية كالسيكية رسمية على حساب الرجوع لنصوص م اركس ال تي تن اولت الص حافة‬
‫في بنيتها المهنية ووظائفها المجتمعية وعوائقها االقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫ما هي المراحل التي مّر بها ماركس في مزاولته لمهنة الصحافة؟ وما هي أنواع الصحافة التي مارسها ونّظ ر له ا‬
‫من خالل مفهومه لحرية الصحافة وتصوره للوظائف الفكرية والمدنية والسياسية للصحافة؟ وكي ف س اهم بنش اطه‬
‫الصحفي في استقصاء األحداث والظواهر وتعميم استنتاجاته السوس يولوجية؟ ه ل ك انت كتابات ه الص حفية مج رد‬
‫صدى لكتاباته النظرية؟ أم على العكس كانت عديد االس تنتاجات النظري ة ال تي توّص ل إليه ا في مؤلفات ه النظري ة‬
‫كثيرا ما تستند إلى ما كان يتحقق من إجرائيته ميدانيا بواسطة متابعاته وتحقيقاته الصحفية؟‬
‫ـ المسار الصحفي لكارل ماركس‬
‫لم يكن ماركس الوحيد من بين السوسيولوجيين الذين نحوا هذا المنحى في االشتغال بالصحافة‪ ،‬فإلى جانب أوقس ت‬
‫كونت (‪ )A. Comte‬وألكسيس دو توكفيل‪ )A. De Tocqueville( 3‬وماكس فيبر (‪ )M. Weber‬من الجيل األول‬
‫للرواد المؤسسين‪ ،‬نجد أيضا الكثير من الجيل الثاني أمثال روبار عزرا بارك (‪ )R. Ezra Park‬وريمون آرون(‬
‫‪ )R. Aron‬وروبار إسكاربي(‪ )R. Escarpit‬وبيار نافيل (‪ )P. Naville‬وجونديفي نيو (‪) J. Duvignaud‬‬
‫وغيرهم الذين مارس وا الكتاب ة الص حفية ب التوازي م ع أعم الهم السوس يولوجية ‪ .‬لكن تجرب ة م اركس الص حفية‬
‫تميزت بأن مّثلت له مجاال ميدانيا لالستقصاء وإدماج الميكرو‪ -‬تحليل ضمن الم اكرو‪ -‬تحلي ل خاص ة في مس توى‬
‫العم ل على‬ ‫التقاطع بين تفسير الوقائع اليومية بظواهرها المستجدة في اتجاه نمذجتها النظرية من ناحي ة وبين‬
‫‪ .‬وه و م ا س اعده على أج رأة‬ ‫مافترضه من مجهود معرفي يراه ض روريا لك ل حرك ة تغييري ة‬
‫تغييرها حسب ي‬
‫مفهوم البراكسيس و"نقل موضوع هذا المفهوم من الكائن اإلنساني المطلق إلى الكائن التاريخي المتش ّك ل داخ ل النش اط‬
‫أو اعتباطا ألنها مثلت وسيطا‬ ‫‪.4‬‬
‫المغترب]" كما لم يكن التقاؤه بالصحافة المكتوبة صدفة‬ ‫االجتماعي الحقيقي[غير‬
‫عموميا وجدت فيه أجيال القرن من المثقفين والكتاب والسياسيين وسيلة لنش ر األفك ار ونقاش ها ض من س ياق ع ام من‬
‫التحوالت المجتمعية الكبرى ارتبطت بتداعيات الثورات الص ناعية والسياس ية وآثاره ا في االنتق ال الص عب من النظ ام‬
‫القديم إلى نظام جديد لمجتمع رأسمالي قّيد التهيكل كانت مساراته السياسية متخلفة عن بقي ة المس ارات االجتماعي ة‬
‫االقتصادية في مستوى الصراع بين القوى الصاعدة بمصالحها المتضاربة وتمثالتها المتقابلة‪ .‬أما السياق الخاص‬
‫اللتحاق ماركس بالفضاء العمومي الذي بدأ بال تشكل حول الصحافة المكتوبة‪ ،‬فقد ارتب ط بنفس الجي ل ال ذي انتمى‬

‫‪3‬‬
‫‪Benoît Jean-Louis, Tocqueville et la presse: Presse, opinion publique et démocratie, 2009, http://bibliotheque.uqac.ca/‬‬
‫‪(Consulté le 21/12/2018).‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Sanchez-Vasquez Adolfo, "La philosophie de la praxis comme nouvelle pratique de la philosophie", in L'Homme et la‬‬
‫‪société, Traduction K. Nair, n°43-44, 1977, pp141-149.‬‬
‫‪2‬‬
‫إلي ه م اركس من االنتيليجنس يا الطالئعي ة التواق ة إلى إح داث ب دائل مجتمعي ة لحال ة ال تردي السياس ي واألزم ات‬
‫االجتماعية طيلة القرن التاس ع عش ر بأحداث ه الك برى والمفص لية في الت اريخ السياس ي األوروبي الح ديث‪ .‬فك ان‬
‫انتشار النوادي الثقافية والحلقات الفكرية‪-‬السياسية والصحف والدوريات المختصة وغير المختصة‪ ،‬يعبر عن حالة‬
‫من الغليان المجتمعي في أغلب مجتمعات أوروبا الغربية وخاص ة في المجتم ع األلم اني أين ك انت حرك ة اليس ار‬
‫الهيغلي تستقطب شباب المثقفين وتمثل نواته األكثر ديناميكية بعناصرها الطموح ة ال تي اش تغل أغلبه ا بالص حافة‬
‫المكتوبة إما احتراف ا أو بش كل عرض ي طلب ا للتغي ير إذ مّث ل م اركس أح د رموزه ا‪ .5‬وح تى ل و ك ان ق د اش تغل‬
‫بالتدريس الجامعي بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الفلسفة‪ ،‬فإن عديد المؤشرات تفيد بأنه ك ان س وف‬
‫يلتحق بالصحافة إن آجال أو عاجال نظرا لتقاطع شغفه المبكر بنمط الكتابة السجالية السائدة في عصره م ع‬
‫استقصاءاته الميدانية المبكرة وتحليالته النقدية الموجهة‪ ،‬ال لالكتفاء بفهم واقع المجتمع الرأسمالي في مس توى‬
‫عالقاته االجتماعية والسياسية بل إلح داث التغي ير انطالق ا من طبيع ة تناقض اته الموض وعية الخارج ة عن اإلرادة‬
‫المباشرة لألفراد‪.‬‬
‫ومن خالل تفحص المسار المهني الطويل لماركس في مزاولة الصحافة المكتوبة‪ ،‬يمكن للتحقيب الزم ني أن ي وّفر‬
‫عناصر المقارنة واالستنتاج لتطور عالقته بالصحافة من حيث تصوره لهذا الوس يط العم ومي المس تجد من ذ بداي ة‬
‫القرن التاسع عشر ومن حيث وظائفها في تشكيل فكره السياسي وفي أجرأة مفاهيمه النظرية وإثرائها‪:‬‬
‫‪ I‬ـ المرحلة األولى (‪ :)1848-1842‬حرية الصحافة والوظائف النقدية‪.‬‬
‫أو "اللحظة العقالنية‪-‬اللبرالية"‪)Moment rationaliste-libéral( 6‬‬
‫انطلقت هذه المرحلة سنة ‪ 1842‬حين بدأ مراسال لصحيفة جديدة "الصحيفة الرينانية" (‪ )Gazette Rhénane‬في‬
‫منطق ة ريناني ا األلماني ة‪ ،‬ك انت معارض ة للكنيس ة الكاثوليكي ة ذات النف وذ الكب ير في ألماني ا البروس ية ومنافس ة‬
‫"للصحيفة الكولونية" (‪ de Cologne (Gazette‬المحافظ ة والمقرب ة من نفس الكنيس ة‪ ،‬وذل ك بع د أن ص رف‬
‫النظر عن التدريس الجامعي نتيجة تضييقات الدولة البروسية تجاه المثقفين اليساريين‪ .7‬نشر ماركس أول مق ال ل ه‬
‫ضد الرقابة على المنشورات يوم ‪ 5‬م اي ‪ 1842‬بعم ر لم يتج اوز ‪ 24‬س نة‪ ،‬وب دأ مس اره الص حفي بمجموع ة من‬
‫المقاالت الجاهزة حول الرقابة كان يعتزم نشرها في مجلة أخرى‪ .8‬سرعان ما اتخ ذت "الص حيفة الريناني ة" خط ا‬
‫تحريريا أكثر استقاللية وراديكالية مع وجود مجموعة من الهيقليين اليساريين أمثال برونو ب اور (‪. )B. Bauer‬‬
‫وم ويز ه اّس (‪ )M. Hess‬وغ يرهم‪ ،‬فوج دت مقاالت ه استحس انا ومقبولي ة من ذ البداي ة نتيج ة أس لوبه الس جالي‬
‫والحجاجي وكفاءته اللغوية وسعة اطالعه المعرفي‪ .‬سمح له هذا النمط من الكتابة بدفع تحليالته السياسية والنظرية‬
‫‪5‬‬
‫‪Rühle Otto, Karl Marx: Vie et œuvre, (1978),Traduit de l’allemand par Alexandre Vialatte, Entremonde, Paris, 2011,‬‬
‫‪p49.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Althusser Louis, Pour Marx, (1965), Editions La Découverte, Paris, 1996, p27.‬‬
‫‪ 7‬كان للتضييق على الحريات األكاديمية وأساليب الطرد من الجمعة التي تعرض له ا عدي د المفك رين والمثقفين أمث ال لودفي غ فيورب اخ ( ‪Ludwig Andreas‬‬
‫‪ ) Feuerbach‬وبرونو باور (‪ ،) Bruno Bauer‬أن أحبط ماركس ودفعه للعدول عن إمكانية التدريس الجامعي‪.‬‬
‫‪ 8‬تسّم ى "طرفة" ((‪ Anecdote‬يديرها أحد أصدقائه من الشباب الهيقلي أرنولد روج (‪.)Arnold Ruge‬‬
‫‪3‬‬
‫إلى المدى النقدي الذي وّفر له تجذير تصوراته األولية للمسألة الديمقراطية‪-‬الحقوقية ولمكانة حري ة الص حافة على‬
‫خريطة الحريات العامة والفردية ولحساسيته لقض ايا الفق ر واالس تغالل مقاب ل م ا ك ان يالحظ ه من إث راء ف احش‬
‫للعناصر األرستقراطية والبورجوازية المستفيدة من تحالفه ا م ع الجه از الب يروقراطي المحاف ظ للدول ة البروس ية‬
‫ولمختلف أجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ من حرية الصحافة إلى سوسيولوجيا الصحافة‬
‫تعلق الموضوع األول بحرية الصحافة من خالل سلسلة من ‪ 6‬مقاالت نقدي ة متتالي ة وغ ير ممض اة‪ ،‬موجه ة ض د‬
‫سلطة الرقاب ة وخطب اء البرلم ان المحّلي وأم راء األرس تقراطية البروس ية في التض ييق على حري ة التعب ير ونق د‬
‫السياس ات العام ة‪ ،‬داف ع من خالله ا ك ارل م اركس عن الط ابع التح رري للص حافة مؤسس ا ب ذلك لتص ورها‬
‫ال ديمقراطي‪ ،‬اس تند في ه إلى تأص يل حق وقي سياس ي لمب دأ الحري ة ال تي ال يمكن فص لها عن الوج ود اإلنس اني‪:‬‬
‫"فاإلنسان إما كائن الحرية أو فاقد إلنسانيته"‪ 9.‬كما أكد على أن الصحافة هي مؤسسة ديمقراطية تتكفل بنشر األفكار‬
‫المتعددة التي يحتاجها األفراد لبن اء تص وراتهم وم واقفهم دون قي ود أو ح دود‪ ،‬معت برا أن حري ة الص حافة من‬
‫الحريات األساسية ألنها تختزل عديد الحريات األخرى المرتبطة بطبيعة الش رط اإلنس اني الت ّواق إلى التح رر مث ل‬
‫حريات التفكير والتعبير والنشر مدافعا عن الحق العمومي في معرف ة ك ل اآلراء المعروض ة للت داول‪ .‬فكلم ا تم‬
‫رفض أح د أش كال الحري ة تص بح ه ذه األخ يرة مه ددة في وجوده ا بم ا س ماه "ش به وج ود‪ ،‬وكلم ا نش طت‬
‫الممارس ات المنافي ة للحري ة فهي تتح ّول ت در يجيا إلى قاع دة في حين تتح ول الحري ة إلى اس تثناء الص دفة‬
‫‪10‬‬
‫والتعّسف"‪.‬‬
‫كانت أغلب األفكار التي عبر عنها في مقاالته األولى‪ ،‬تنطلق من أن الصحافة "مؤسسة ديمقراطية" تتجاوز الصفة‬
‫الشكلية لبقية الحريات البورجوازية األخرى تبعا لوظائفها التحررية‪ ،‬ال يمكن التضحية باس تقالليتها وحريته ا كم ا‬
‫يتبين ذلك سواء من خالل المحاور أو من خالل الحجج والبراهين التي تناولها في بداية نشاطه الص حفي‪ .‬فق د ق دم‬
‫م اركس تحليال مي دانيا لعالق ة الهيمن ة ال تي تمارس ها الس لطة السياس ية األلماني ة بمختل ف مؤسس اتها التنفيذي ة‬
‫والتشريعية والقض ائية على الص حافة إلى ج انب الض غط التج اري المس لط عليه ا من قب ل الم الكين والمس اهمين‬
‫والناشرين في انتداب الصحفيين ورسم االتجاهات التحريرية مما يعطي لجهاز الرقابة سلطة ال يقّد ر خطورته ا في‬
‫تهديد المهنة في بنيتها التنظيمية ووظائفها االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫لذلك كان البحث عن الحرية مقترنا عنده بإشاعة الحقيقة في تصوره للعمل الصحفي كم ا في ممارس ته المهني ة في‬
‫مقاومة التالعب الرسمي ب القيمتين والتض حية بهم ا مع ا على حس اب تط ور المجتم ع واس تنتج في بعض مقاالت ه‬
‫األولى أن الص حافة األلماني ة ظلت غ ير فّعال ة‪ ،‬تخش ى من س لطة الرقاب ة أك ثر من رأي الق راء‪ ،‬مه ددة بالفص ل‬

‫‪9‬‬
‫‪Hardt Hanno, "Communication is freedom: Karl Marx on press freedom and censorship", in the public, Vol.7 (2000), 4,‬‬
‫‪pp85-100, p87.‬‬
‫‪ 10‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪4‬‬
‫واإليقاف مقارنة بالصحافة األوروبية التي كان يتابعها خاصة في فرنسا وبلجيكا وأنقلترا والواليات المتحدة‪ .‬وكتب‬
‫في إحدى مقاالته منتق دا واق ع الص حافة في ألماني ا أن "أك ثر المظ الم يمكن أن تحص ل أمامه ا أو ض دها دون أن‬
‫تح رك س اكنا‪ ،‬وأك بر الفض ائح وأض خم التس ريبات يمكن أن ُتع رف عن طري ق الص دفة لكن أب دا عن طري ق‬
‫الصحف"‪ ،11‬ال فق ط بس بب الهيمن ة الرقابي ة والتس لط السياس ي للدول ة البروس ية ولكن أيض ا بس بب قب ول بعض‬
‫الصحفيين باالشتغال ضمن هذه الشروط وتطوع البعض اآلخر لل دفاع عن مص الح غ ير مص الحهم وعن مواق ف‬
‫غير مواقفهم‪.‬‬
‫لقد وفرت هذه المقاالت لماركس الشاب مجاال ميدانيا مباشرا قاده إلى بداية تحسس العناصر النقدية لم ا س ماه فيم ا‬
‫بعد "المثالية الهيغلية" المنقطعة بتص وراتها ومفاهيمه ا عن الوق ائع االجتماعي ة المش اهدة‪ ،‬حين اعت بر في إح دى‬
‫مقاالته خالل هذه المرحلة األولى أن فكرة الحرية مثل غيرها من األفكار العديدة المتداولة داخل الحلقات الفكري ة‪،‬‬
‫بقيت في عصره "مقولة عاطفية منحصرة في خيال أغلب األلمان من المثقفين والمفكرين الذين يقدسون األفكار في‬
‫ذاتها إلى درجة تجعلهم ال يهتمون بتحقيقها إال نادرا‪ ،‬مثلما تلقاه فكرة الحرية"‪ 12.‬كما خلص في آخر ه ذه المق االت‬
‫إلى بعض االستنتاجات السوسيولوجية لواقع الصحافة األلمانية معتبرا أن تحرير الصحافة يفترض تحرير فاعليه ا‬
‫المهنيين من االغتراب الذي يشكوا منه بقية العمال المش تغلين ب الفكر والس اعد حين ينفص لون عن منتج اتهم ال تي‬
‫تتحول إلى بضاعة وخدمات "خالية من اإلحساس بالمتعة عند منتجيها غير المقتنعين بم ا يكتب وه خوف ا أو تزلف ا"‪.‬‬
‫غير أن "تحرير األيدي واألرجل ال يكون ذا معنى إّال إذا كان مصاحبا بتحرير ال رؤوس"‪ 13‬في جم ع مبّك ر ل دى‬
‫ماركس بين مختلف شرائح الطبقة العمالي ة ب الفكر والس اعد يكش ف عن بعض مع الم رؤيت ه المس تقبلية لتش كل‬
‫الوعي الطبقي‪ ،‬وهو ما قاده إلى استنتاج المطالب ة بتحري ر الص حافة والص حفيين من س لطة الم الكين والناش رين‬
‫والمساهمين في المؤسسات الص حفية ال تي أص بحت من الص ناعات المربح ة في عص ر التص نيع الش امل حيث ع ايش‬
‫ماركس بدايات تعميمه على المجال الصحفي واشتغاله وفق قواعد ربحية مضرة بقطاع الص حافة من خالل تحكم‬
‫ه ؤالء الم الكين في انت داب من يرض ون عن ه من المح ررين وفي رس م الخط وط التحريري ة لمؤسس ات الص حافة‬
‫المكتوبة‪ .‬لذلك انتقد الصحافة التجارية وق دم تص ورا ب ديال لص حافة ش عبية يمتلكه ا المح ررون بم ا يكفي‬
‫للدخل الحياتي األدنى لضمان جودة التحرير دون أهداف ربحيفتكة‪،‬ون ب ذلك "ق ادرة على تحوي ل الص راع الم ادي‬
‫[بجميع أطرافه] إلى صراع فكري ينير العق ول ويح رر األف راد من أغاللهم ال تي ق د ال يرونه ا إال في م رآة‬
‫الصحافة" ‪ ،14‬وه و م ا يف ترض منطقي ا اعتراف ه بالتعددي ة الص حفية لجمي ع الطبق ات واالتجاه ات ش رط خ وض‬

‫‪ 11‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬


‫‪ 12‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Shaw Padmaja," Marx As Journalist: Revisiting The Free Speech Debate", in Triple C, n°10 (2), 2012, pp 618-632,‬‬
‫‪http://www.triple-c.at (Consulté le 05/03/2017), p619.‬‬
‫‪ 14‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.620‬‬
‫‪5‬‬
‫الصراع على أعمدة الصحف وفق قواع د تح ترم خصوص ية المهن ة الص حفية في اس تقاللية الص حفيين وض مان‬
‫حرية الصحافة‪.‬‬
‫ففي معرض دفاعه عن حرية الصحافة باعتبارها من الحري ات األساس ية‪ ،‬ط ّور م اركس عدي د الحجج التاريخي ة‬
‫والبراهين الفلسفية المؤسسة للحريات الديمقراطية العامة‪ ،‬باعتباره ا أداة ض رورية للكش ف عن تناقض ات النظ ام‬
‫الرأسمالي وتحويل الصراع من مستواه المادي الهمجي إلى مستواه الفكري المدني حين تكون الصحافة مرآة ي رى‬
‫فيه ا المجتم ع خص اله وعيوب ه‪ ،‬أوال ثم الحق ا باعتباره ا قاع دة أساس ية ض من المس ار الت اريخي للتح ول نح و‬
‫االشتراكية‪.‬‬
‫فقد حاول ماركس أن يؤسس منذ مقاالته األولى لصحافة سياسية بديلة س ماها "ص حافة ش عبية" م دافعا عن حري ة‬
‫الصحافة وعن جدوى الصحافة الح رة من خالل تحلي ل المواق ف الرس مية تج اه الص حافة والص حفيين مثلم ا ه و‬
‫الشأن مع نقده للتص نيف الرس مي "للص حافة الجي دة والص حافة غ ير الجي دة" وللص حفيين "المح ترمين من ذوي‬
‫الخبرة والمواقف الجدية" من قبل بعض الهيئات واللجان البرلمانية‪ ،‬وذلك بالتساؤل أوال عن معاني هذه التعريف ات‬
‫وخلفياتها والتشكيك ثانيا في مصداقية تلك المداوالت التي يغيب عنها الصحفيون أنفسهم‪ ،‬في إش ارة مبك رة إلى م ا‬
‫سوف ُيع رف الحق ا بتش ريك أص حاب المهن ة في التع ديل ال ذاتي‪ .‬وفي تناول ه للعالق ة بين المجتم ع و"الص حافة‬
‫الشعبية"‪ ،‬اعتبرها رابطة أساسية بين المجاالت الروحية والمادية للحي اة اليومي ة مؤك دا على الوظ ائف اإلدماجي ة‬
‫للصحافة في توسيع المشاركة في الحياة العامة ال تي تف ترض االطالع على األح داث القريب ة من حي اة الن اس م ع‬
‫تحليل أسبابها ونتائجه ا لتع بر عن الحرك ات االجتماعي ة والسياس ية وتمث ل م رآة لدرج ة تط ور المجتم ع بعيوب ه‬
‫وإخفاقاته ونجاحاته‪ .‬وإذا كان هذا النوع من الصحافة الشعبية ال يجب أن يشتغل في نظره كأداة رقابة نخبوية‪ ،‬فإنه‬
‫كان بذات الوقت يرفض الصحافة الشعبوية التي تكتفي بإنتاج ما يتوافق مع اآلراء والمواقف والمعتقدات المنتش رة‬
‫إلرضاء القراء مثلما هو الشأن مع صحيفة "البروليتاري" االشتراكية التي صدرت في فرنس ا بين ‪ 1878‬و‪1886‬‬
‫ورفض ماركس التعامل مع اتجاهها الشعبوي في ترديد ما ي دور في األوس اط العمالي ة دون رؤي ة نقدي ة تقترحه ا‬
‫على قرائها‪ .‬فالصحافة الشعبية التي أسس لها ماركس كان يعتبرها مجاال عموميا الستقبال صوت الشعب بقض اياه‬
‫واهتماماته‪ ،‬لكن مع تضمينه باألفكار الجديدة وتغذيته بالتحاليل النقدي ة وفتح آفاق ه على مقترح ات تحرري ة أرحب‬
‫مما هو معيش لتكون الصحف بذلك امتدادا لمجال عومي أصبح يحتاج لديناميكية اتصالية جديدة مع ما كان يش هده‬
‫منتصف القرن التاسع عشر في أوروبا الغربية من تغيرات ُتّو جت بموجة الث ورات ال تي انطلقت بداي ة من ‪.1848‬‬
‫فقد عارض تصورات الصحافة البورجوازية بمقوالتها الشهيرة حول اقتصار الرأي لع ام على المص الح المباش رة‬
‫لهذه الطبقة ورأى فيها تضاربا مع المب دأ الك وني في المس اواة‪15‬بين األف راد في مس توى الحق وق وفي ك ون المج ال‬
‫العمومي يجب أن يكون في متناول الجميع دون استثناء‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪Kouvélakis Stathis,"Marx 1842-1844 : De l’espace public à la démocratie révolutionnaire", in La Brèche‬‬
‫‪Numérique, Février 2009, http://www.preavis.org/breche-numerique/article1348.html (Consulté le 12/01/2019).‬‬
‫‪6‬‬
‫على الرغم من اقتناع ماركس بتوّفر ألمانيا على القاعدة التاريخي ة الص لبة بتاريخه ا الفك ري والثق افي بم ا يس مح‬
‫بتطوير صحافة حرة ومتنّو رة في نظره‪ ،‬إال أن واقع الصحافة األلمانية ظل متخلفا ورديئا مقارنة بتجارب أوروبية‬
‫مشابهة مثل فرنسا وأنقلترا وبلجيكا وخاصة الواليات المتحدة التي "تنعم بحرية صحافة في ش كلها األك ثر نق اوة"‪.‬‬
‫ومن أجل مقاومة الصحافة السائدة في عصره بصفة جدية‪ ،‬يتضح أن الصحافة البديلة ال تي داف ع عنه ا م اركس ال‬
‫تستند فقط إلى جملة من الشروط السياسية والقواع د المهني ة‪ ،‬ب ل أيض ا إلى مب ادئ ذاتي ة ممثل ة في الش غف به ذه‬
‫المهنة واالقتناع بوظائفها‪ ،‬كانت ضرورية في نظره مثلم ا كتب في أح د مقاالت ه‪" :‬يجب أن نحّب حري ة الص حافة‬
‫مثلما نحُّب الجمال‪ ،‬حتى نكون قادرين على الدفاع عنها‪ ،‬ألنني أشعر أن كل ما أحب ه حّق ا ه و ض روري‪ ،‬دون ه ال‬
‫يكون وجودي منجزا وال مرضيا وال مكتمال"‪ 16.‬وإذا كان الشغف عند ماركس يسبق االلتزام فألن ه ش رطه األّولّي‬
‫والضرورّي ‪ ،‬كما أن الشغف بحرية الصحافة يمثل الدافع والضامن لاللتزام بالدفاع عنها دفاع ا عن ش رط أساس ي‬
‫من شروط التحقق اإلنساني في حريته الكلية التي تفقد معناها إذا ما ُانتهكت حرية أي فرد آخر باعتبارها حقا كونيا‬
‫وامتيازا للعقل البشري‪.‬‬
‫كما انتقد في هذه المقاالت االزدواجية ال تي ك انت تتعام ل به ا الرقاب ة البروس ية م ع اإلنت اج الص حفي العتماده ا‬
‫مقياسي ن اثنين حين تتسامح مع أكثر المخالفات والمغالطات في تغطية األحداث الخارجية ولكنها في المقابل تس رع‬
‫ْ‬
‫لمنع ومالحقة كل األخبار واآلراء التي ال تتماشى مع سياستها الرسمية‪ ،‬وهو ما ك انت تقبل ه الص حافة الس ائدة في‬
‫عصره مضحية باستقاللها وباألمانة في استقصاء حقيقة األحداث‪ .‬وفي المقال الرابع عرّف الرقاب ة الش رعية ال تي‬
‫تفترض الحرية مبدأ ديمقراطيا أساس يا على أنه ا رقاب ة بواس طة الق انون مس بق الوض ع بوص فه الش كل ال واقعي‬
‫لض مان الحري ة داخ ل الدول ة‪ ،‬وع ارض الق انون االس تباقي مش ددا على التمي يز بين "س لطة القاض ي بعقالنيت ه‬
‫الموضوعية وبين سلطة الرقيب برهبة تعسفه الذاتي"‪ 17‬واعتبرها وصاية رسمية على التب ادل الح ر لألفك ار ومنعا‬
‫شكليا لكل نقد عمومي كان يمثل في نظره شرطا لكل عمل فكري عامة وللعمل الصحفي بصفة خاصة ‪ ،‬وهي لذلك‬
‫مناقضة لطبيعة الممارسة الصحفية ذات الوظائف األساسية في نشر األفكار المتص ارعة‪ ،‬الغي ة بعض ها لفائ دة‬
‫البعض اآلخر حسب ما يفترضه المنطق الجدلي‪ .‬ففي حين تجتهد الرقابة في معاقبة الصحافة الحرة ومنع األفكار‬
‫االس تثنائية من االنتش ار‪ ،‬ي رى م اركس أن الق وانين التقدمي ة هي من يجب أن تحمي حري ة الص حافة وحقه ا في نش ر‬
‫األفك ار الخارق ة للع ادة من االنتهاك ات ال تي تترص دها مش ّبها الرقاب ة المحمي ة بالس لطة السياس ية بالعبودي ة‬
‫المحمية بسلطة األعراف والتقاليد ألنها تعّو ض اإلقناع القانوني سابق الوضع بترهيب ممنهج ‪ 18‬يتحدد بم زاج‬
‫الرقيب‪ ،‬مما يحبط عزائم الكتاب والمحّر رين ويقلص من جودة الصحافة ويحّد من وظائفها التحررية‪ .‬وبذلك ال تمنع‬
‫الرقابة فقط الكتاب والمثقفين من الوصول إلى القراء‪ ،‬بل تعيق تفكيرهم وتقتل فيهم الحس النقدي في لج أ أك ثرهم‬

‫‪16‬‬
‫‪Hardt Hanno, "Communication is freedom: Karl Marx on press freedom and censorship", Op. Cit. p89.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪Kouvélakis Stathis,"Marx 1842-1844 : De l’espace public à la démocratie révolutionnaire", Op. Cit.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Hardt Hanno, "Communication is freedom: Karl Marx on press freedom and censorship", Op. Cit. p90.‬‬
‫‪7‬‬
‫جرأة وتمسكا بحرية التعبير إلى الهجرة مثلما حصل مع ماركس نفس ه وم ع أغلب المفك رين المتن ورين من جيل ه‪.‬‬
‫كما انصب نقده للرقابة على تقويضها لعقالنية السلطة السياسية ولتطوير ال روح العمومي ة ألنه ا ال تحق ق أه دافها‬
‫بالتشدد مع المنشورات والصحف‪" :‬تصّم آذان الحكومة فال تس مع غ ير ص وتها متوهم ة أنه ا تنص ت إلى ص وت‬
‫الشعب [‪ ]...‬وتؤدي إلى نتائج عكسية لما تتوهمه الحكومة"‪ ،‬ثم تجعل المواطنين مجبرين على اعتب ار المنش ورات‬
‫غير الخاضعة للرقابة‪ ،‬هي خارجة عن القانون وعلى أن الحرية ال تتحقق إال ضد القانون‪.‬‬
‫فلئن كان نقد ماركس للصحافة السائدة في عص ره ق د ارتب ط بطبيع ة اش تغال النظ ام الرأس مالي س واء من حيث‬
‫قوانين الربح الموجهة الشتغال المؤسسات الصحفية أو من حيث الرقابة المفروضة على المنش ورات أو ك ذلك من‬
‫حيث القواعد االستعمالية للصحافة بوظائفها التبريرية‪ ،‬فإن التجربة البلشفية كانت قد عاملت الصحافة والص حفيين‬
‫حسب نفس المنطق الرأسمالي بأكثر أشكاله استبدادا وتسلطا في مس توى اس تقاللية المؤسس ات الص حفية والرقاب ة‬
‫التي فُرضت عليها بشكل منهجي لفائدة تبرير السياسات والمواقف الرسمية‪ ،19‬وه و م ا ع برت عن ه عدي د األص وات‬
‫الناقدة للتجربة البلشفية من داخل المنظومة الماركسية أمثال روزا لكسمبورغ (‪ )Luxembourg Rosa‬التي كانت‬
‫‪20‬‬
‫ممكن"‪.‬‬ ‫تطالب "بتوسيع الرقابة العمومية في مقابل الرقابة الرسميةوضمان ديمقراطية الرأي العام على أوسع نطاق‬
‫فما كتبه ماركس من ذ م ا يق ارب ق رنين من ال زمن ح ول ارته ان تحري ر الص حافة بتحرره ا من س لطة اإلش هار‬
‫التجاري والتجار المالكين والمساهمين ومن سلطة الدعاية السياسية الرسمية‪ ،‬مازالت مقوالته تتردد في النظري ات‬
‫السوسيولوجية والفلسفية المعاصرة المهتمة بالصحافة واإلعالم ال لعبقريته في التنّبؤ‪ ،‬بل لتواصل نفس التشريطات‬
‫والوظائف االجتماعية للممارسة الصحفية رغم تجدد األشكال التنظيمية والتقنية ورغم تنوع المض امين واألجن اس‬
‫الصحفية‪ .‬فقد كان ماركس وفيا ألهم الشروط المهنية للصحافة أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬فيتخ ذ من أهم األح داث‬
‫السياسية البرلمانية أو التنفيذية التي كان يتابعها‪ ،‬تعّلة لنقد التسلط السياسي للدولة البروسية والكشف عن مح اوالت‬
‫تجيير الصحافة لتبرير سياساتها بشكل مفضوح كما لم يكن يستثني الصحافة السائدة من نقده إما لمواقفها المحافظ ة‬
‫والتبريرية أو لقبولها باألمر الواقع في انزياح عن وظائفها األساسية في النق د وال دفاع عن الحري ات وعلى رأس ها‬
‫حرية الصحافة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القضايا االقتصادية االجتماعية في مرآة الصحافة الشعبية‬
‫أما الموضوع الثاني الذي تناوله ماركس في ثالث مقاالت أخرى‪ ،‬فقد خصص ه لتحلي ل طبيع ة العالق ة بين الدول ة‬
‫البروسية والكنيسة الكاثوليكية لّم ا دخل في سجال صحفي مع محرري "الصحيفة الكولونية" المحافظة ذات الت أثير‬
‫الكبير في منطقة كولونيا ورينانيا‪ ،‬شارحا للنتائج الميدانية الملموسة منها والمنطقية لتدخل الدين في الدول ة بف رض‬
‫مصادرة الحريات بفرض سلطة األعراف والتقاليد على حساب سلطة الق انون الوض عي ومنتق دا ألفك ار المدرس ة‬

‫‪19‬‬
‫‪Guichard Benjamin, « Les usages révolutionnaires de la liberté de la presse : Condamnations et justifications de la‬‬
‫‪censure dans la Russie de 1917 », Op. Cit.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Luxembourg Rosa, La révolution russe, Editions Essai, Collection "Aube", Trad. Française, Paris, 1978, p28.‬‬
‫‪8‬‬
‫التاريخية للقانون ومؤسسها قوستاف هوقو ((‪ Gustav Hugo‬من خالل أمثلة ألحداث سياسية تجسّد إعاقة ال دين‬
‫للدولة في توزيع الحقوق والواجبات بين المواطنين‪ ،‬ولمواقف حكومية متأثرة بالتمييز الكنسي والمذهبي بين أف راد‬
‫المجتمع الواحد‪ .‬ومن األمثلة على التأثير الديني في سياسة الدولة البروسية ما ك ان ق د تس ّرب من وث ائق برلماني ة‬
‫سرية‪ ،‬تحصّل ماركس على إح داها ح ول مش روع لتغي ير ق وانين ال زواج لص الح التع اليم الكاثوليكي ة المحافظ ة‬
‫والمتشددة في مسائل األحوال الشخصية والعائلية‪ .‬وقد تناوله ماركس فيم ا يش به المعالج ة االستقص ائية للص حافة‬
‫المعاصرة مدافعا عن ضرورة فصل األحوال الشخصية بما فيها الزواج الم دني عن ال دين مثلم ا داف ع عن الطالق‬
‫باعتباره خيارا شخصيا حرا يقابل حرية خيار الزواج‪ ،‬وتمكن من خاللها أن يحّو ل المسألة إلى قضية عام ة زادت‬
‫في انتشار الصحيفة وأثارت نقاشات فكرية وسياسية حول الموضوع في أغلب الجهات بُطل على إثره ا المش روع‬
‫تحت ضغط الرأي العام الذي تشكل حول الموضوع‪.‬‬
‫وّفرت هذه المقاالت المهتمة بموضوع العالقة بين الديني والسياسي‪ ،‬تفكيرا معمقا في المسألة الدينية ل دى م اركس‬
‫من حيث تطوير مواقفه من العلمانية باتجاه أكثر راديكالية مقتفيا في ذلك أثر الثورة الفرنس ية انطالق ا مم ا الحظ ه‬
‫من سطوة للكنيسة الكاتوليكية على مفاصل الدولة البروسية وتعطيلها لحركة التغيير وتبريرها الستغالل واضطهاد‬
‫نفس الطبقات المغتربة في المقوالت الدينية التي تعادي مصالحها التاريخية والمباشرة‪ .‬بذلك قادته بعض استنتاجاته‬
‫األولية من األمثلة المعالجة في مقاالته الصحفية األولى إلى ص ياغة الموق ف النظ ري والسياس ي المع روف ال ذي‬
‫سوف يطوره الحقا‪ .‬ذلك أن "إلغاء الدين من حيث هو سعادة وهمية للشعب هو ضرورة لصنع سعادته الفعلية‪ .‬لكن‬
‫تطلب تخلي الشعب عن الوهم يعني أن تطلب منه التخلي عن وضع بحاجة إلى وهم‪ .‬فنقد الدين هو بداية نق د وادي‬
‫الدموع الذي يمثل نفس ال دين هالت ه العلي ا‪ ،‬ونق ده يع ني الهب وط من الس ماء إلى األرض"‪ ،21‬أي ال يمكن نق ده في‬
‫سماء الميتافيزيقيا‪ ،‬بل سوسيولوجيا في أرض العالق ات االجتماعي ة والسياس ية انطالق ا من وظائف ه التبريري ة في‬
‫تأبيد التناقض بين قوى اإلنتاج وعالق ات اإلنت اج ض من التش كيلة االجتماعي ة الس ائدة‪ .‬أم ا االس تنتاجات الخاص ة‬
‫بسياسة الدولة البروسية غير العقالنية سواء في سياستها الرقابية أو االقتصادية أو الدينية ال تي لمس ها في تحليالت ه‬
‫الصحفية‪ ،‬فقد مّثلت له حافزا نقديا على مراجعة المفهوم الهيغلي للدولة الم وروث والمنتش ر ل دى جيل ه باعتباره ا‬
‫"العقل االجتماعي المدبر للحقيق ة" وبتعاليه ا المف ترض عن الص راعات االجتماعي ة‪ ،‬وتحويله ا الحق ا إلى مك ون‬
‫اجتماعي غير محايد بسياساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية كما انتقدها أوال في مقاالته الص حفية ثم كم ا س وف‬
‫يعتمدها الحقا في نحت مفهومه "للدولة الطبقية"‪.‬‬
‫بعد تسلمه إلدارة تحرير "الصحيفة الرينانية" أواخر نفس سنة ‪ ،1842‬تمحورت اهتمامات ماركس الصحفية حول‬
‫نوع ثالث من قضايا اقتصادية‪-‬اجتماعية متنوعة مثل الظروف المعيشية البائسة لمزارعي العنب في س هل م وزال‬
‫(‪ )Moselle‬غرب ألمانيا وتعرضهم الستغالل التّج ار ومص ّنعي الخم ور ب التخفيض من أس عار ال بيع‪ ،‬وللتحاي ل‬

‫‪ 21‬ماركس كارل‪ ،‬أنجلز فريديريك‪ ،‬حول الدين ‪ -‬نقد فلسفه الحق عند هيغل‪ ،‬ترجمة ياسين الحافظ‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪9‬‬
‫البيروقراطي بالترفيع غير المتناسب من الضرائب لفائ دة الدول ة‪ ،‬وذل ك بع د إج راء تحقيق ات ومق ابالت ص حفية‬
‫ميداني ة بم ا يقاب ل االستقص اء المي داني من المنظ ور السوس يولوجي‪ .‬وه و م ا أث ار ردود فع ل غ ير مس بوقة من‬
‫المالحقات والمحاكمات رفض على أثرها ماركس اإلفصاح عن اسم المراسل الصحفي حتى ال يكون محل تتبع ات‬
‫ومحاكم ات رغم التهدي دات‪ ،‬مؤسس ا ب ذلك ألح د المب ادئ الديونتولوجي ة في التحف ظ على المص ادر الص حفية‬
‫والتضامن المبدئي بين أصحاب المهنة‪.‬‬
‫أما المثال الثاني عن مثل هذه المواضيع التي تناولته ا الص حيفة تحت إدارت ه التحريري ة ارتبطت بح دث برلم اني‬
‫تمثل في سن قانون ردعي جدي د من قب ل البرلم ان المحلي (‪ )La Diète‬يج ّرم س رقة الحطب الميت من م زارع‬
‫المالكين العقاريين وموجها ضد الفقراء الريفيين وشبه الحضريين ال ذين تع ودوا على اس تخدام الفواض ل الخش بية‬
‫للتدفئة ولصناعة بعض المستلزمات المنزلية وبيعها بأسعار بسيطة لتحس ين دخ ولهم‪ .22‬وحس ب ذل ك الق انون أص بح‬
‫توصيف وتكييف الجرائم الغابية منوطا بعهدة الحراس الموظفين عند المالكين‪ ،‬كما أصبح المتهمون مجبرين على دفع‬
‫غرامات مالية مع إمكانية إجبارهم على أعمل الس خرة (دون مقاب ل) لفائ دة نفس المالكين تحت س لطة رؤس اء البل ديات‬
‫المتحالفين معهم‪ .‬ولنقد هذه التشريعات التي تالحق استرزاق الفقراءوتحتك ر تص نيع الفواض ل الخش بية‪ ،‬أص در‬
‫ماركس في "الصحيفة الرينانية" سلسلة من المقاالت بين شهري أكتوبر ونوفم بر ك ان أوله ا بعن وان "نق اش ح ول‬
‫قانون سرقة الحطب"‪ ،‬كشف من خاللها عن تعم د الق انون الخل ط بين ج ذوع األش جار وبين الحطب الميت الملقى على‬
‫األرض والذي لم يعد مكونا من مكونات الش جر وبالت الي يس قط عن ه ح ق الملكي ة المنس وب لم الكي الغاب ات‪ .‬وبنفس‬
‫الطريقة السجالية التحليلية‪ ،‬انتقد فيها أيض ا مفه وم الملكي ة ال تي ُي زعم انتهاكه ا وانتهى إلى اعتباره ا نوع ا من‬
‫السرقة المنظمة والمحمي ة بنفس الق انون ال ذي اس تند إلى س لطة الع رف في الحماي ة المطلق ة ألص حاب الملكي ات‬
‫العقارية ارتباط ا بتص ور إقط اعي ق ديم ُيف رد األرس تقراطيين بح ق الملكي ة دون غ يرهم‪ .‬كم ا بّين أن مث ل ه ذه‬
‫التشريعات ليست قوانين بالمعنى الحديث بقدر ما هي استعادة غ ير قانوني ة لالمتي ازات القديم ة اس تنادا إلى س لطة‬
‫األعراف والتقاليد التمييزية بإضفاء الشرعية القانونية عليها كما كانت تبرره ا المدرس ة التاريخي ة في الق انون‬
‫التي كانت تحاول أن تجعل من القوانين الرومانية ق وانين كوني ة بطريق ة انتقائي ة لص الح النبالء واألرس تقراطيات‬
‫المحلية‪ ،‬فُتفرض على حساب عدالة المساواة بين األفراد‪.‬‬
‫لق د ك انت مق االت ه ذه المرحل ة األولى من حي اة م اركس الص حفية الخاص ة بس رقة الحطب وظ روف اس تغالل‬
‫مزارعي الكروم‪ ،‬عبارة إما عن تحقيقات ميدانية أو مقاالت رأي تنطلق من بعض األح داث السياس ية ال تي حّوله ا‬
‫إلى مواضيع صحفية طرح من خاللها قضايا سياسية واجتماعية عديدة وانتقد من خاللها ألول مّر ة الملكية الفردي ة‬

‫‪22‬‬
‫‪Bensaïd Daniel, Les Dépossédés. Karl Marx : Les voleurs de bois et le droit des pauvres, Editions La Fabrique,‬‬
‫‪Paris, 2007.‬‬

‫‪10‬‬
‫لوسائل اإلنتاج التي سوف تمثل حجر األساس في صياغة البيان الشيوعي بعد ‪ 5‬سنوات‪ ،‬مس تبقا ب ذلك م ا اعت بره‬
‫لويس ألتوسير "قطيعة إبستمولوجية في فكر ماركس الشاب" لم تكتمل في نظره إال بعد ‪.231848‬‬
‫مثلت سلسلة المقاالت التي خصصها ماركس لهذه المواضيع فرصا لتطوير أفكاره األولي ة النقدي ة ح ول العالق ات‬
‫االقتصادية ولجمع المعطيات الميدانية واألمثلة الملموسة التي س وف يس تخدمها الحق ا في كتاب ه "مس اهمة في نق د‬
‫االقتص اد السياس ي" س نة ‪ ،1859‬ومن خالل ه ذه التجرب ة األولى م ع المعاين ة الص حفية للواق ع المعيش ال تي‬
‫اصطدمت مع تصوراته الهيقلية المثالية‪ ،‬تمكن ماركس من تعمي ق تفك يره النق دي الم ادي‪ ،‬إذ كش فت ل ه مس ألتْين‬
‫أساسيتين سوف توجهان مساره الفكري والصحفي الالحق وتس اهمان في تط وير نظريات ه االقتص ادية والسياس ية‬
‫الالحقة‪:‬‬
‫‪ -‬عم ق التناقض ات االجتماعي ة والسياس ية الناتج ة عن تناقض ات اقتص ادية باألس اس وعج ز االقتص اد السياس ي‬
‫الكالسيكي عن تفسير عديد الظواهر المستجدة رغم عدم اهتمامه باستثمار الجهد في المجال األكاديمي البحت‪.‬‬
‫‪ -‬ارتهان الدولة البروسية بالمصالح األكثر ارتباطا باألرستقراطيات وعائالت المالكين الق دامى واس تمرارها تحت‬
‫هيمنة الكنيسة األكثر محافظة مقارنة بما تحقق من فصل بين الدين والدولة في أهم المجتمعات األوروبية المجاورة‬
‫مثل فرنسا والمملكة المتحدة‪.‬‬
‫كانت المعركة األخيرة للصحيفة الرينانية تحت إدارة ماركس مع السلطات البروسية التي ان زعجت من التحقيق ات‬
‫حول الظروف االقتصادية واالجتماعية لمزارعي الكروم بسهل موزال‪ ،‬فطالبت الصحيفة رسميا بالكشف عن اسم‬
‫مراسلها الذي قام بهذه التحقيقات الثالث من أجل مقاضاته‪ ،‬وهو ما رفضه ماركس ورّد عليه بسلسلة من المق االت‬
‫المنتقدة مرة أخرى للرقابة المفروضة على حرية الصحافة‪ .‬دافع في آخر كتباته كما في أولها عن حرية الص حافة‪،‬‬
‫مكذبا رئيس إقليم رينانيا حين رّد على اتهاماته بالحجج والبراهين‪ ،‬كم ا تض منت ه ذه المق االت األخ يرة تض امنا‬
‫مبدئيا مع إحدى الصحف التي تم إيقافها في مدينة اليبزيق (‪ )Gazette Générale de Leibzig‬مؤكدا على أن‬
‫حرية الصحافة والرأي والتفكير تفترض تعددا في المن ابر وحماي ة للحري ات األساس ية بم ا فيه ا حري ة الص حافة‪.‬‬
‫ورغم ذلك صدر القرار النهائي بإيقاف "الصحيفة الرينانية" بداية من ‪ 1‬أفريل ‪ 1843‬من أجل ثالث تهم رسمية‪:‬‬
‫ـ الكشف عن الوثيقة السرية الخاصة بمشروع القانون حول الزواج‪.‬‬
‫ـ رفض الكشف عن اسم صاحب التحقيقات من أجل تتبعه األمني والقضائي‪.‬‬
‫ـ محتوى المقاالت حول حرية الصحافة التي رّد بها ماركس على اتهام ات رئيس إقليم ريناني ا بش أن التحقيق ات‬
‫المنشورة‪.‬‬
‫انتهت هذه التجربة الصحفية األولى القصيرة من الصحافة اللبرالية في مسيرة ماركس الصحفية بإيقاف "الص حيفة‬
‫الرينانية" نهائيا عن الصدور‪ ،‬تاركة فيه آثارها الُم حبطة من إمكانية مواصلة المطالبة بالحري ات الديمقراطي ة دون‬

‫‪23‬‬
‫‪Althusser Louis, Pour Marx, Op. Cit.p58.‬‬
‫‪11‬‬
‫تغيير جذري لواقع العالقات االقتصادية والسياسية السائدة خاصة في ألمانيا أواسط القرن التاسع عشر‪ ،‬وذل ك بع د‬
‫أن حققت هذه الصحيفة أرقاما قياسية خالل الفترة الوجيزة لتوليه إدارة تحريره ا س واء في ع دد النس خ المطبوع ة‬
‫الذي مّر من ‪ 2000‬إلى ‪ 3500‬نسخة أو في ع دد المش تركين من ‪ 800‬إلى ‪ 3000‬مش ترك‪ ،‬ح تى أص بحت أك بر‬
‫مؤسسة صحفية في ألمانيا منذ ‪.1830‬‬
‫بعد ذلك مّر ماركس بفترة غير مستقرة في حياته انعكست على إنتاجه الصحفي‪ ،‬فبعد إيقاف الصحيفة قرر ماركس‬
‫مغ ادرة ألماني ا إلى فرنس ا بع د أن ت زوج دون أن يتمكن من تحس ين وض عه االجتم اعي إلص دار نش رية خاص ة‬
‫بواسطة م ا ك ان ينتظ ره من ميراث ه الع ائلي‪ ،‬ورغم ذل ك س اهم إث ر هجرت ه األولى إلى فرنس ا في إص دار مجل ة‬
‫"الحوليات الفرنسية‪-‬األلمانية" التي سرعان ما توقفت ألسباب مالية وسياسية‪ .‬لم يصدر من "الحوليات" سوى عدد‬
‫واحد ضمنه ماركس مقالتين نظريتّين‪" :‬حول المسألة اليهودي ة" و"مس اهمة في نق د فلس فة الح ق لهيغ ل"‪ ،‬س وف‬
‫يص دران الحق ا في ش كل م ؤلفيْن مع روفيْن حمال عدي د العناص ر التحليلي ة واالس تنتاجية المس تندة لمالحظات ه‬
‫واستنتاجاته خالل تجربة الكتابة الصحفية‪ .‬كما عمل أواخر هذه المرحلة مراسال لعدة صحف ومجالت ألمانية مث ل‬
‫"الصحيفة األلمانية" (‪ )Gazette Allemande‬الص ادرة في بروكس ال أو "إلى األم ام"‪ 24‬الص ادرة في ب اريس‬
‫حيث طرد إلى بلجيكا بسبب محتوياتها بع د أن اش تكته الس لطات األلماني ة إلى الدول ة الفرنس ية "ال تي ال يمكن أن‬
‫‪25‬‬
‫تتحمل ما يسيء للعالقات األلمانية الفرنسية"‪.‬‬
‫على ال رغم من التط ور الحاس م في فك ر م اركس من ذ ‪ 1845‬من خالل كتاب ه المش ترك م ع أنقل ز "اإلي ديولوجيا‬
‫األلمانية" باعتبار أن الصحافة السائدة مثلها مثل كافة أشكال الوعي االجتماعي إنما هي مك ّو ن من مكون ات البني ة‬
‫الفوقية التي تجّيرها اإليديولوجيا السائدة لتشغيل آليات الهيمنة والتبرير والتعمية‪ ،‬واصل الكتابة الصحفية لمواجه ة‬
‫نفس هذه اإلي ديولوجيا وتعري ة تناقض اتها داخ ل نفس الفض اء العم ومي ال ذي تح اول أن تحتك ره لفائ دة الطبق ات‬
‫المسيطرة‪.‬‬
‫‪ II‬ـ المرحلة الثانية (‪ :)1849-1848‬الصحافة البديلة في امتحان الظرفية الثورية‬
‫‪26‬‬
‫"اللحظة العقالنية‪-‬الجماعوية" (‪)Moment rationaliste-communautaire‬‬
‫‪ 1‬ـ اللحظة الثورية واللحظة التأسيسية‬
‫ك ان م اركس وانقل ز ق د توقع ا في "البي ان الش يوعي" نهاي ة ‪ 1847‬ث ورة بورجوازي ة وش يكة في ألماني ا‪ ،‬داعين‬
‫الشيوعيين إلى "االهتمام بما سوف تمثله من تحقيق للشروط األكثر تقدما للحض ارة األوروبي ة [‪ ]...‬حيث ال يمكن‬
‫لهذه الثورة البورجوازية إال أن تكون تمهي دا للث ورة البروليتاري ة"‪ ،27‬وم ا إن وص لت الث ورة إلى ألماني ا في م ارس‬
‫‪ ،1848‬ح تى س ارعا إلى مغ ادرة بلجيك ا والس تقرار بكولوني ا ( ‪ )Cologne‬أين انخرط ا في "الجمعي ة‬
‫‪ 24‬لم نتمكن من معرفة كل المواضيع التي كتب فيها ماركس جملة مقاالته خالل هذه المرحلة لعدم توفر ترجمتها من األلمانية‬
‫‪25‬‬
‫‪Rühle Otto, Karl Marx: Vie et œuvre, Op. Cit. p85.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪Althusser Louis, Pour Marx, Op. Cit.p27.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪Marx Karl, Engels Friedrich, Manifeste du parti communiste, (1848), Paris, Flammarion, 1998, p118.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪28‬‬
‫الديمقراطية" (‪ )Association Démocratique‬ثم أصدرا صحبة مجموعة من أعضاء "الرابطة الش يوعية"‬
‫"الص حيفة الريناني ة الجدي دة"(‪ )Nouvelle Gazette Rhénane‬في ‪ 1‬ج وان ‪ 1848‬تواص لا م ع تجربت ه‬
‫الصحفية السابقة‪ ،‬وبغاية متابعة أحداث هذه الثورة رغم اندالع مثيالتها في عدة بل دان أوروبي ة ومنه ا فرنس ا من ذ‬
‫فيفري ‪ .1848‬مثلت هذه المرحلة تجربة نوعية وثرية في أشكالها ومض امينها رغم قص ر م ّد تها الزمني ة ارتباط ا‬
‫بهذا السياق السياس ي‪ ،‬زاول خالله ا م اركس م ا س ماه بعض الدارس ين بـ"الص حافة الثوري ة" أو "ت اريخ ال زمن‬
‫الحاضر" السجالي والملتزم لتفسير تتابع أحداث الصراع الشرس بين الطبقات المهيمنة والطبق ات المهيمن عليه ا‪.‬‬
‫نشرت هذه الصحيفة ‪ 301‬عددا وتج اوز ع دد مش تركيها إلـ ‪ 6000‬مش تركا رغم الص عوبات المالي ة الناتج ة عن‬
‫المالحقات والمحاكمات والخطايا المالية‪ ،‬بعد أن استثمر فيها الجزء األوفر مما تبقى من ميراثه العائلي ال ذي أنفق ه‬
‫على مشروع الصحيفة بكلفة ُقّد رت بـ ‪ 7000‬تالر‪ 29‬حسبعمل ة ذل ك العص ر‪ ،‬أم ا كتابات ه الص حفية بافتتاحيات ه‬
‫ومقاالته خالل هذه المرحلة فقد تمحورت حول األحداث السياس ية ارتباط ا بموج ة االنتفاض ات ال تي اجت احت معظم‬
‫الدول األوروبية انطالقا من ثورة فيفري ‪ 1848‬بفرنسا‪.‬‬
‫تزامنت هذه المرحلة مع المنعرج الفكري والسياسي في حياة ماركس‪ ،‬صاغ خاللها مشروع صحافة رأي سياس ية‬
‫ثورية دون أن يمارس صحافة حزبي ة حيث تب نى م ع رفاق ه اس ترتيجية الض غط على الق وى والحرك ات التقدمي ة‬
‫البورجوازية في ألمانيا لتحيق أك ثر م ا يمكن من المكاس ب الديمقراطي ة والعمالي ة على حس اب النظ ام اإلقط اعي‬
‫القديم بمؤسساته االقتصادية واالجتماعية وتأثيره في موازين القوى السياسية المعيقة لتطور الحركة العمالي ة‪ .‬غ ير‬
‫أن اختيار القوى البورجوازية للتحالف مع قوى الثورة المضادة ودخول القوى العمالية والفالحية إلى س احة الفع ل‬
‫السياسي بطريقة مستقلة‪ ،30‬أدت إلى تغي ير ه ذه االس تراتيجيا الص حفية بالتوج ه إلى الدعاي ة السياس ية والتعبئ ة‬
‫الجماهيرية من خالل التركيز على أحداث التحركات (تجمعات‪ ،‬مسيرات‪ ،‬إضرابات‪ ،‬اعتص امات‪ ،‬احتالل بعض المص انع‬
‫وشركات الخدمات‪ ،‬بعض تجارب التسيير الذاتي لمنشآت االقتص ادية‪ ،‬بعض الح روب والح روب األهلي ة ال تي ان دلعت‬
‫بفعل الثورة والثورة المضادة) وتحليل خلفياتها ونتاجها المفترضة بل واق تراح آف اق التغي ير حين انتهى بال دعوة‬
‫الصريحة إلى التنظم واالنتفاض خاصة مع بداية سنة ‪ .1849‬تكّيف ماركس الصحفي ورفاقه م ع التغي ير الط ارئ‬
‫داخل الفضاء العمومي بتصّد ر فاعلين ُج دد من منظمات مهنية ونقابية وسياسية للمش هد السياس ي واالجتم اعي‪ ،‬وعم ل‬
‫على مساندة هذه الحركة االجتماعية ودعمها بل وتوجيهها في عدة ح االت بواس طة األدوار الدعائي ة والتحريض ية‬

‫‪ 28‬التي تأسست سنة ‪ 1847‬في بروكسال أين تم تحرير البيان الشيوعي سنة‪.1848‬‬
‫‪ 29‬أنظر‪:‬‬
‫‪- McLellan David, Karl Marx: His Life and Thought, Published by The Macmillan Press LTD, (First edition 1973),‬‬
‫‪Reprinted, London,1985, p222.‬‬
‫‪- Gudrun Mattes, « Journalisme et pouvoir politique pendant la révolution de 1848 – l’exemple de la "Nouvelle‬‬
‫‪gazette rhénane", Thèse de doctorat en Etudes germaniques, Trajectoires [En ligne], 9 | 2015, mis en ligne le 15‬‬
‫‪décembre 2015, consulté le 29 août 2018. URL : http://journals.openedition.org/trajectoires/1695 , p150.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪Gudrun Mattes, « Journalisme et pouvoir politique pendant la révolution de 1848 – l’exemple de la "Nouvelle gazette‬‬
‫‪rhénane", Thèse de doctorat en Etudes germaniques, Op. Cit. p64.‬‬
‫‪13‬‬
‫والتأطيرية لتلك التحركات واتخاذهم جمهورا مستهدفا بطبيعة صحافة الرأي السياسية التي اختصت بها "الصحيفة‬
‫الرينانية الجديدة" بقيادتها الراديكالية الجديدة على حقل ص حفي ع رف مرحل ة انتقالي ة من التش كل ض من الس ياق‬
‫السياسي األلماني لما قبل التوحيد الفدرالي للدولة‪/‬األمة مع نهاية القرن التاسع عش ر بقي ادة أوّت و ف ون بس مارك (‬
‫‪.)Otto Von Bismarck‬‬
‫رغم ما ذهب إليه من أن هزيم ة ج وان ‪ 1848‬في فرنس ا هي مج رد معرك ة من مع ارك الح رب االجتماعي ة بين‬
‫البروليتاريا والبورجوازية‪ ،‬فقد أعطى ماركس أهمية تاريخية عالمية ألحداث تلك الثورة باعتباره ا أح داثا فاص لة‬
‫في ت اريخ الص راع الطبقي ض من المجتم ع الرأس مالي ال ذي اختص بتحلي ل آلي ات اش تغاله بواس طة االستقص اء‬
‫الصحفي ليقدم تحليال سوسيولوجيا مستندا لمعطيات ميدانية مباش رة ت برهن عن ص حة بعض فرض ياته ومفاهيم ه‬
‫التي كان قد صاغها سابقا أو لتعديل بعضها أو أيضا لتدقيق بعضها اآلخر‪ .‬ومن األمثلة عن ذلك الت دقيق م ا يص ح‬
‫عن فرضية التغيير الثوري وعن مفهوم الثورة التي لم تعد مجرد تغيير لشكل السلطة السياسية (ملكية‪ ،‬جمهوري ة)‬
‫دون محتويات طبقية‪ ،‬بل أصبحت تعني في المجتمع الرأسمالي "الهجوم العمالي ضد سلطة البورجوازية ممثلة في‬
‫مؤسس اتها السياس ية القائم ة في المج االت التش ريعية والتنفيذي ة والقض ائية واس تبدالها بمؤسس ات بديل ة"‪ .‬ك انت‬
‫المقاالت الخاصة بتلك المرحلة قد مثلت بوادر نظري ة سياس ية نّس بت من التحديدي ة االقتص ادية للمج ال السياس ي‬
‫وأعطت للدولة استقاللية أكبر في صياغة اس تراتيجياتها وسياس اتها للحف اظ على النظ ام الطبقي ال ذي تمثل ه‪ ،‬حين‬
‫يكون مهددا‪ 31‬إلى جانب ما وّفرته متابعاته الصحفية من عناصر أولية الستكمال نظريته في الدولة بوصفها جهازا‬
‫طبقيا يتمتع بسلطات قادرة على صيانة المصالح الطبقية وحمايتها كما طورها لينين الحقا في كتاب ه "الدول ة‬
‫والث ورة"‪ .‬ض من ذل ك الس ياق تمّك ن م اركس بمقاالت ه الص حفية من إع ادة الص راعات االجتماعي ة والسياس ية إلى‬
‫تعبيراتها الطبقية رغم ما عاينه والحظه من استقاللية القوى السياسية وخاصة منها تلك الماس كة بس لطة الدول ة‪،‬‬
‫عن القوى االقتصادية التي تمثل مصالحها التاريخية والمباشرة خاص ة خالل األزم ات الثوري ة واالنتفاض ات المه ددة‬
‫لسلطة البورجوازية‪.‬‬
‫س محت التجرب ة الص حفية لك ارل م اركس خالل ه ذه المرحل ة بتحلي ل آلي ات التغي ير الث وري تحليال م اكرو‪-‬‬
‫سوسيولوجيا "وفق زمنّيتين اثنتين‪ :‬إحداهما زمنية خّطية تعبر عن اتجاه الحركة التاريخية العام ة‪ ،‬والثاني ة زمنّي ة‬
‫دورية تحيل على التحقق الفعلي للثورة البروليتارية"‪ 32‬التي كانت قبل هذه المرحلة مجرد نتيج ة "حتمّي ة" لالتج اه‬
‫التاريخي الخّطي معزولة عن الشروط الموض وعية والذاتي ة ال تي تفرزه ا الظرفي ة الثوري ة الناتج ة ب دورها عن‬
‫األزمات االقتصادية والسياسية الدورية ال تي ال يمكن للنظ ام الرأس مالي أن يتخطاه ا دون أن ته دد كيان ه الطبقي‪.‬‬
‫وقدم بذلك تصورا أوليا الندالع الثورات س وف يتط ور في كتابات ه الالحق ة إلى نظري ة في التغي ير السياس ي‬

‫‪31‬‬
‫‪Barbier Maurice, La pensée politique de Karl Marx, Paris, L’Harmattan, 1992, p 232.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪Viparelli Irène, "Crise et conjoncture révolutionnaire : Marx et 1848", in Actuel Marx 2009/2 (n° 46), pp122-136,‬‬
‫‪https://doi.org/10.3917/amx.046.0841 (Consulté le 23/12/2018).‬‬
‫‪14‬‬
‫الثوري‪ ،‬ربط في ه وض عية " الظرفي ة الثوري ة " بظرفي ة األزم ة االقتص ادية وبوت يرة الص راع الطبقي من‬
‫حيث موازين القوى السياسية وبحصيلة الدعاية اإليديولوجي ة باعتباره ا متغ يرات ثالث لمفه وم " كثاف ة‬
‫مولدة لالنفجار الثوري‪ ،‬ال من حيث حجمها بل أساسا بما تحمله من آثار‬
‫األزمة" ‪ ))Intensité de la crise‬ال ّ‬
‫ونتائج تاريخية ملموس ة في مس توى تج ذير المؤسس ات العمالي ة لتدش ين إمكاني ة التغي ير الث وري‪ .33‬غ ير أن ه ذه‬
‫"الظرفية الثورية" تظل في نظر كارل ماركس وضعية مزدوجة ومفتوحة على إمكانيتين اثنتين‪ :‬إما التواف ق السياس ي‬
‫بين الفاعلين السياسيين والبورجوازية أو االنفجار الثوري الذي يؤدي بدوره إم ا إلى إمكاني ة نج اح الث ورة أو إلى‬
‫فشلها نتيجة انتصار الثورة المضادة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كثافة األزمة والظرفية الثورية‬
‫وإذا ما اعتبر أن التغيير الثوري سيرورة معقدة من اشتغال العوامل االقتصادية والعوامل السياسية‪ ،‬فذلك نتيجة م ا‬
‫استخلصه من نشاطه الصحفي والسياسي خالل مرحلة حاسمة من الت اريخ االجتم اعي للنظ ام الرأس مالي الح ديث‬
‫منتصف القرن التاسع عشر ألن الثورة ال تنفجر من عدم بل تكون نتيجة لتجذير "كثافة األزمة" مثلما تكون الثورة‬
‫المضادة إضعافا لدرجة ه ذه الكثاف ة وامتصاص ا لنتائجه ا بم ا يه دف إلى تخطي "الظرفي ة الثوري ة" ال تي تك ون‬
‫بدورها نتيجة لألزمة االقتصادية دون أن تكون مالزمة لها في جميع الوضعيات والسياقات‪.‬‬
‫لم يكتف ماركس في مقاالت هذه المرحلة بتحلي ل ش روط الث ورة وعوام ل نجاحه ا‪ ،‬ب ل مكنت ه المتابع ة الص حفية‬
‫لألحداثها اليومية بالتقصي والتحقيق والمالحظة من تحليل آلي ات اش تغال الث ورة المض ادة على مختل ف واجهاته ا‬
‫التي يمكن أن تكون حاسمة في إفشال الثورة وتحويلها إلى هزيمة سوف تع اني منه ا البروليتاري ا لس نوات عدي دة‪:‬‬
‫"فقط عن طريق الثورة المضادة‪ ،‬يمكن الحفاظ بالقوة على سلطة سياسية فاقدة لكل أساس اجتماعي حين يتّم ارتداد‬
‫‪،1848‬‬ ‫الدولة ضد المجتمع"‪ 34.‬فقد حلل أيضا تلك المواجهة الدامي ة بين العم ال والحكوم ة في فرنس ا ج وان‬
‫كما في بقية الس ياقات الثوري ة األخ رى ال تي عّم ت أغلب ال دول األوروبي ة‪ ،‬معت برا أنه ا تمث ل الوج ه اآلخ ر لقم ع‬
‫االس تعمار الفرنس ي للجزائ ريين تحت ش عارات مض لل ومخادع ة مث ل "إق رار الس الم في الجزائ ر"‪ ،35‬معت برا أن‬
‫شراسة الدولة البورجوازية في مواجهة الحركة العمالية كانت تكشف عن وجهه ا الهمجي وال ديكتاتوري حين تحّس‬
‫بتهديد النظام وبمجرد إمكانية اإلطاحة بسلطتها السياسية الحامية لمصالحها الحاضرة والمستقبلية‪.‬‬
‫لماذا لم تنفجر الثورة في أنقلترا رغم انتشار الموجة الثورية في عديد المجتمعات األوروبية نتيجة األزمة العالمية؟‬
‫طرح ماركس على نفسه هذا الس ؤال وح اول اإلجاب ة عن ه ببعض المق االت الص حفية متوخي ا منهج ا مقارن ا بين‬
‫مختلف السياقات األوروبية‪ ،‬استخدم فيه المعطيات الكمية والكيفية ثم انتهى إلى تفسير هذه اإلشكالية تفسيرا متع دد‬
‫األسباب ومتداخل العوامل‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪Marx Karl, Les luttes de classe en France, 1848-1850 (1850), in Œuvres IV. Politiques I, Gallimard, Paris, 1994, p326.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Viparelli Irène, "Crise et conjoncture révolutionnaire : Marx et 1848", Op. Cit.p129.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Marx Karl, Engels Friedrich, La nouvelle Gazette Rhénane, II, Paris, Éditions Sociales, 1969, pp192-195.‬‬
‫‪15‬‬
‫ـ حجم األزم ة االقتص ادية في أنقل ترا ال ذي لم يتج اوز ال دوائر األولي ة للمض اربة والتج ارة وم ا تس تفيده من‬
‫مستعمراتها الشرقية ‪.‬‬
‫ـ ض عف الص راعات االجتماعي ة بين الطبق ات نتيج ة تس ليم الس لطة لنظ ام سياس ي محاف ظ يعم ل تحت وص اية‬
‫البورجوازية بطريقة سلمية‪.‬‬
‫ـ خداع الطبقة العاملة بما يق ع توزيع ه من فت ات الزي ادة في األج ور لمجابه ة نت ائج األزم ة في مس توى التض خم‬
‫ومستوى العيش‪.‬‬
‫هكذا استعمل مفهوم "كثافة األزمة" لتفسير هذه المفارقة‪ ،‬مقّد را أن درجة هذه الكثافة "ال تح دث في مرك ز النظ ام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬بقدر ما تتركز في أطرافه ألن البلدان األكثر ضعفا حيث تعّم التناقضات مختلف المج االت االجتماعي ة‬
‫بأشكالها األكثر راديكالية وانفجاراتها العنيفة‪ ،‬هي التي يمكن أن تتحول فيها درجات متفاوتة من كثاف ة األزم ة إلى‬
‫ظرفية ثورية بسهولة أكبر"‪.36‬‬
‫توّص ل ماركس إلى مجمل هذه االستنتاجات من خالل مزاولة نشاطه الصحفي في متابعة أحداث الثورات وتحليله ا‬
‫ضمن إطار نظري من المفاهيم السوسيولوجية والمقاربات المقارنة‪ ،‬كان يبحث بواسطتها عن اآللي ات االجتماعي ة‬
‫المفس رة إلمكاني ة ح دوث التغي ير السياس ي الث وري‪ ،‬إذ تأك د ل ه مي دانيا أن ان دالع الث ورات ينطل ق من الظرفي ة‬
‫التاريخية التي تستفحل خالله ا األزم ة االقتص ادية العالمي ة وتتكث ف ب درجات متفاوت ة لت ؤدي في أك ثر الس ياقات‬
‫الوطنية كثافة من حيث نتائجها إلى ظرفية ثورية مواتية يرتبط نجاح الثورة فيها بنتيجة الص راع بين ق وى الث ورة‬
‫وقوى الثورة المضادة‪ .‬تبدو عناصر هذه النظرية الظرفية في الثورة كامنة بين سطور المدونة الصحفية التي كتبها‬
‫خالل هذه المرحلة استنادا إلى مبدأين اثنين‪ :‬أولهما "أن ال إمكانية لثورة جديدة إال نتيجة ألزمة جديدة"‪ ،37‬وثانيهم ا‬
‫أن درجة كثافة األزمة هي المحددة في اندالع الثورة بقطع النظر عن نجاحها من فشلها‪.‬‬
‫ورغم هذا التوجه السياسي الواض ح لنوعي ة الص حافة ال تي اش تغل عليه ا‪ ،‬اس تخدم م اركس أهم مق اييس الكف اءة‬
‫المهنية في إدارته لـ"الصحيفة الرينانية الجديدة" سواء في مستوى الشكل أو المضمون‪:38‬‬
‫ـ الشكل‪ :‬اعتمد الحفاظ على أركان قارة تحترم عادات القراءة وانتظارات قّراءه مع تنوي ع في األجن اس الص حفية‬
‫ونمط الكتابة كما التزم بجودة الصياغات اللغوية وتشدد مع المحررين في أساليب التحرير المعتمدة‪...‬‬
‫ـ المضمون‪ :‬تميز الخ ّط التحري ري للص حيفة باالختي ارات الدقيق ة لألح داث النوعي ة ومالحقته ا مالحق ة ميداني ة‬
‫بواسطة شبكة واسعة من المراسلين‪ ،‬وإنتاج مقاالت رأي إخبارية وأخرى تحليلية ال تخفي دعايتها السياس ية ال إلى‬
‫أحزاب أو جهات سياسية بعينها بل إلى توجه تحرري مناهض للفقر واالستغالل واالضطهاد ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪Marx Karl, Les luttes de classe en France, 1848-1850 (1850), Op.Cit. p332.‬‬
‫‪ 37‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪333 .‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Gudrun Mattes, « Journalisme et pouvoir politique pendant la révolution de 1848 – l’exemple de la "Nouvelle gazette‬‬
‫‪rhénane", Thèse de doctorat en Etudes germaniques, Op. Cit. 198.‬‬
‫‪16‬‬
‫رغم الفشل الذي انقادت إليه الثورة لم تنته هذه المرحلة إال بعد أن تم إغالق "الص حيفة الريناني ة الجدي دة" في ‪19‬‬
‫م اي ‪ 1849‬بع د أن ُأحي ل ك ارل م اركس إلى القض اء في ‪ 7‬و‪ 8‬فيف ري ‪ 1849‬بتهم ة التح ريض على العص يان‬
‫المسلح ثم نفيه إلى باريس في ‪ 16‬ماي ‪ 1849‬حيث ُطرد منها مجددا بعد مشاركته النشيطة في تظ اهرة ‪ 13‬ج وان‬
‫‪ 1849‬لينتقل إلى لندن حيث عاش حتى آخر حياته‪.‬‬
‫قبل ذلك‪ ،‬عمدت إدارة التحرير بقيادة ماركس إلى إصدار آخر عدد لها ب اللون األحم ر تض من دع وات ص ريحة‬
‫للعمال من أج ل "االتح اد والتنظم ومواص لة النض ال"‪ ،‬تم على إثره ا نفي ه ومالحق ة بقي ة المح ررين بالمط اردة‬
‫والسجن والنفي‪ .‬عرفت أغلب كتابات هذه المرحلة تطورا في وضوح الرؤية التحليلية واالستنتاجات التأليفية ودق ة‬
‫المفاهيم المستخدمة‪ ،‬يمكن رّد أحد أسبابها الرئيسة إلى المعايشة الصحفية الميدانية ألحداث االنتفاض ات والث ورات‬
‫رغم فش لها في جمي ع الس ياقات األلماني ة واألوروبي ة‪ ،‬مم ا جع ل ل ويس ألتوس ير يص ف ه ذا التط ور بالقطيع ة‬
‫اإلبستمولوجية بين مرحلة ما قبل ‪ 1848‬وما بعدها‪.‬‬
‫كانت أغلب المقاالت الصحفية التي خصصها ماركس للحالة الثورية في فرنسا‪ ،‬ق د تّم ت اس تعادتها بش كل واض ح‬
‫في مؤلفه الالحق "صراع الطبقات في فرنسا" بعد أن كان قد نشره مقاال على جزأين في مجلة أص درها م ع أنقل ز‬
‫بنفس اسم الصحيفة الرينانية الجديدة مع إضافة عنوان فرعي لها‪" :‬مجلة اقتص ادية سياس ية" في ‪ 6‬أع داد بمدين ة‬
‫هومبورغ لكن صدورها كان في لندن سنة ‪ ،1850‬ثم بشكل غ ير مباش ر بع د تل ك المرحل ة بس نتين‪ ،‬ظه ر كت اب‬
‫"الثامن عشر من برومر لويس بونابرت"‪ 39‬الذي مّث ل دراس ة مادي ة تاريخي ة تجم ع بين العم ق النظ ري وال ثراء‬
‫اإلجرائي ومقاربة تأليفية استندت إلى مقاالته الصحفية باستنتاجاتها الخاص ة بتل ك الظرفي ة الثوري ة‪ .‬ال ش ك أن‬
‫المعايشة الصحفية للظرفية الثورية أواسط القرن التاسع عش ر‪ ،‬ق د مثلت لم اركس تجرب ة ثري ة باالس تنتاجات‬
‫الفكرية والدروس السياسية لمسار االنتفاضات العمالية والشعبية التي اجتاحت معظم الدول الغربية مكنت ه من بن اء‬
‫نظرية في الثورة تتضمن عديد العناصر السوسيولوجية التي كانت صالحة في تحليل ذل ك الواق ع ال ذي عايش ه‬
‫ماركسببنياته االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫قدم ماركس من خالل تجربته الصحفية الثانية مشروع ص حافة ديمقراطي ة ثوري ة ذات ط ابع سياس ي‪-‬اقتص ادي‪،‬‬
‫بديلا لنموذج الصحافة الرأسمالية التجارية السائدة في ألمانيا القرن التاسع عش ر‪ ،‬ض من س ياق الظرفي ة التاريخي ة‬
‫التي انطلقت في أوروبا الغربية منذ ‪ 1848‬بموجة من االنتفاضات حاول التكيف م ع م ا رافقه ا من ظه ور مج ال‬
‫عمومي جديد للحركة العمالية للفعل أخذ بزمام المبادرة في الفعل السياسي على مسرح األحداث المحلي ة والعالمي ة‬
‫على حساب المجال العمومي البورج وازي‪ .40‬وه و م ا يمّك ن من اس تجالء عناص ر نظري ة في الص حافة وعالقته ا‬
‫‪39‬‬
‫‪Marx Karl, Le 18 Brumaire de Louis Bonaparte, (1851), Les Éditions Sociales, Collection "Classiques du marxisme",‬‬
‫‪Paris, 1969.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪Gudrun Mattes, « Journalisme et pouvoir politique pendant la révolution de 1848 – l’exemple de la "Nouvelle gazette‬‬
‫‪rhénane", Thèse de doctorat en Etudes germaniques, Op.Cit. p66-67.‬‬
‫‪17‬‬
‫بالفضاء العم ومي باعتباره ا دعام ة أساس ية لمالمح مش روع لص حافة بديل ة متح ررة من اإلكراه ات المؤسس ية‬
‫والتجارية من خالل الفصل بين المصالح المهنية للصحفيين والمثقفين وبين المصالح التجارية ألرب اب المؤسس ات‬
‫الصحفية من ممولين ومساهمين وناشرين حتى تتمكن الصحافة من تحقيق وظائفها في توسيع المش اركة السياس ية‬
‫والتأثير في موازين القوى السياسية‪.‬‬
‫بعد أن استقر بصفة نهائية في أنقلترا‪ ،‬لم يجد ماركس وأنقلز صحفا أوروبية تستوعب مقاالتهما ب اآلراء والمواق ف‬
‫المستندة إلى استنتاجاتهما "لدروس ثورة ‪ "1848‬سواء الصحف اللبرالية أو االشتراكية‪ ،‬خاصة بع د القض اء على‬
‫الصحف الراديكالية االنقليزية سنة ‪ ،1858‬رفض ماركس الكتابة في صحيفة "البروليت اري" (‪)Le Prolétaire‬‬
‫نظ را لتوجهاته ا الش عبوية‪ ،‬وبخالف مقاالت ه في الص ادرة في الص حافة األمريكي ة‪ ،‬اقتص رت كتابات ه على‬
‫مخطوطات متبادلة لم تجد طريقها إلى النشر مثل ما وق ع م ع مخط وط "نق د برن امج قوت ه"‪ 41‬ال ذي لم ينش ر إال‬
‫بعد وفاته ‪.‬‬
‫‪III‬ـ المرحلة الثالثة (‪ :)1862-1851‬نقد االقتصاد السياسي والتوسع االستعماري‬
‫بعد االستقرار القصري في لندن والتفرغ للتأليف والنشاط السياسي‪ ،‬دون دخل ق ار إلعال ة أس رته‪ ،‬عم ل م اركس‬
‫مراسال مستقرا ألكثر من ‪ 10‬سنوات لفائدة الصحيفة األمريكية األك ثر انتش ارا‪" ،‬المن بر ال نيويوركي الي ومي" (‬
‫‪ )New-York Daily Tribune‬التي كانت ق د تأسس ت س نة ‪ 1841‬وس رعان م ا أص بحت من أك بر الص حف‬
‫العالمية بـسحب يفوق ‪ 200‬ألف نسخة سنة ‪ ،1856‬إذ كانت تنشر مقاالته ومقاالت أنقل ز بإمض ائه للحص ول على‬
‫مال إضافي كان في أمس الحاجة إليه‪ ،‬كما راسل بصفة غير منتظم ة ع دة ص حف أنقليزي ة وعالمي ة أين وص لت‬
‫مقاالته إلى جنوب إفريقيا‪ .‬هكذا وّفرت مهنة المراسلة الصحفية خالل هذه المرحلة أهم دخل قار نسبيا بالنسبة إليه‪،‬‬
‫مقارنة بما كان يحصل عليه من العائدات الزهيدة لنشر بعض كتبه وذلك بعد أن ع اش ظروف ا مالي ة قاس ية جعلت ه‬
‫يفقد أحد أبناءه لعجزه عن توفير نفقات عالجه‪ ،‬وتمكن من نشر أكثر من ‪ 500‬مقال طيلة هذه المرحلة األخ يرة من‬
‫نشاطه الصحفي أي بمعدل مقال كل أسبوع تقريبا‪.‬‬
‫أما الص حيفة اإلنقليزي ة الوحي دة ال تي كتب فيه ا بعض المق االت المتفرق ة خالل ه ذه المرحل ة‪ ،‬فك انت "ص حيفة‬
‫الشعب" (‪ ، )The people's paper‬ذات التوجهات االشتراكية مثلما لم يكن متحمسا للكتابة في الصحف األلمانية‬
‫ما عدى "صحيفة الشعب" (‪ )Volk Das‬الص ادرة في لن دن س واء ض د البونابرتیة ال تي ك انت تتظ اھر آن ذاك‬
‫بتحرير القومیات المظلومة رغم توجهاتها االستعمارية الصريحة‪ ،‬أو لنقد تجربة التوحيد األلماني التي كانت تتج ه‬
‫في نظره لصالح البورجوازية البروسية على حساب المصالح العمالية رغم موقفه الداعم للوحدة األلمانية من حيث‬
‫المبدأ‪ .‬تخلى ماركس خالل هذه المرحلة عن الفكرة التي رافقته كثيرا خالل المراحل الس ابقة ح ول إنش اء ص حيفة‬
‫جديدة‪ ،‬رغبة منه في التفرغ لكتابة مخطوط "رأس المال" الذي لم يتمكن خالل حياته إال من نشر الج زء األول من‬
‫‪41‬‬
‫‪Marx Karl, Critique du programme de Gotha, (1875), les Editions sociales, collection "Geme", Paris, 2008.‬‬

‫‪18‬‬
‫هذا المشروع المركزي التأليفي من بين مجمل أعماله‪ 42‬وكذلك نظرا للظروف االجتماعية القاسية التي عاشها حتى‬
‫وفاته في ‪ 14‬مارس ‪ 1883‬نتيجة إصابته بمرض السّل‪.‬‬
‫خالل كامل هذه المرحلة واصل مع نفس النمط الصحفي الذي كان قد بدأه لصحافة رأي تحليلي ة‪-‬نقدي ة اس تخدمها‬
‫وسيلة للتعريف بآرائه ولمحاولة التأثير في النقاش الدائر حول أهم قضايا وأحداث العصر مستخدما منهجه الج دلي‬
‫ورؤيته لطبيعة العالقة الصراعية بين الق وى الجدي دة ل رأس الم ال االحتك اري والتنافس ي وبقاي ا األرس تقراطيات‬
‫المتنّف ذة سياسيا وماليا وبين تنوع وانتشار الحركات العمالية‪ .‬إلى جانب ما تميز به من مقاربة لعالم السياسة وتحليل‬
‫العالقات الدولية سواء في مستوى التحالفات أو الحروب والحروب األهلي ة أو ك ذلك في مس توى كش ف الخلفي ات‬
‫االقتصادية النطالق الظاهرة االستعمارية تحت شعار ما ُسمي بـ"التبادل الح ّر"‪ ،43‬مقارن ا بين المواق ف األمريكي ة‬
‫واالنكليزية في االقتصاد العالمي من خالل عديد المقاالت السجالية والتحليلية أو ما ُس ّم ي "الحرب الص حفية الخفي ة"‬
‫التي كانت دائرة على أعمدة نفس الصحيفة بينه وبين مستشار الرئيس األمريكي أبراهام لنكلن‪ ،‬عالم االقتص اد ه ونري‬
‫شارلز كاري ( ‪ )Henry Charles Carey‬ذي التوجهات االقتصادية الحمائية‪ ،‬من خالل مجموع ة من المق االت ح ول‬
‫نتائج الحضور االستعماري االنقليزي في الهند ونتائج التبادل الحر ‪.44‬‬
‫بعد ضعف االهتمام بالحياة السياسية في أوروب ا ل دى ق راء "المن بر ال نيويوركي الي ومي" وأم ام تن امي األح داث‬
‫التاريخية الدائرة في أمريكا أواسط القرن التاسع عشر مثل حرب االنفصال وتأسيس الحزب الجمه وري واإللغ اء‬
‫القانوني للعبودية‪ ،45‬أصبحت مقاالته تتناول الشأن األمريكي بتحليل هذه األحداث التي كتب فيها ماركس عديد المقاالت‬
‫التحليلية دون أن يخفي إعجابه بالنظام السياسي األم ريكي في مس ألتين اعتبرهم ا أساس يتين في تط ور المجتمع ات‬
‫الصناعية مقارنة بأغلب النظم األوروبية‪ ،‬وهما غياب الملوكية واألرستقراطية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ نقد االقتصاد السياسي‬
‫ارتبطت أغلب مقاالته الصحفية خالل هذه المرحلة بنق د االقتص اد السياس ي وحرك ة التوس ع الرأس مالي في ش كله‬
‫االس تعماري‪ ،‬تمهي دا للج زء األول من مؤلف ه الالح ق "رأس الم ال"‪ 46‬ال ذي ك انت بعض أدوات ه المنهجي ة وأغلب‬
‫‪42‬‬
‫‪Aron Raymond, Les étapes de la pensée sociologique, Editions Gallimard, Paris, pp184-185.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪Marx et Engels, Textes sur le colonialisme, Éditions du Progrès, Moscou, 1977, p66.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪Vézina Simon, Henry C. Carey et le système américain d’économie contre l’impérialisme du libre-échange britannique:‬‬
‫‪Son passage au New York Tribune, Mémoire de Maître ès arts (M.A.), Département d’Histoire, Faculté des Arts et‬‬
‫‪Sciences, Université de Montréal, 2014, pp73-100:‬‬
‫‪https://irec.quebec/ressources/repertoire/memoires-theses/Simon_Vezina.pdf (31/11/2018).‬‬
‫‪ 45‬وجه ماركس رسالة شكر باسم الجمعية األممية للعمال‪ ،‬والتي صارت تعرف في ما بعد باسم األممية األولى‪ ،‬للرئيس األم ريكي أبراهــام لنكلن بمناس بة‬
‫إلغائه للعبودية في أمريكا سنة ‪ ،1864‬أنظر نص الرسالة‪:‬‬
‫‪- Écrit: par Marx entre le 22 et le 29 novembre 1864, Première publication: The Bee-Hive Newspaper, n°169, 7‬‬
‫‪Novembre 1865; Transcription/Balisage: Zodiac/Brian Baggins; Version en ligne: Archives Internet Marx & Engels‬‬
‫‪(marxists.org) 2000.‬‬
‫‪- L'Association internationale des travailleurs (AIT) est le nom officiel de la Première Internationale, fondée‬‬
‫‪le 28 septembre 1864 à Londres.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪Krätke Michael, "Journalisme et science: L'importance des travaux journalistiques de Marx pour la critique de‬‬
‫‪l'économie politique", in Actuel Marx, n°42, 2007/2, pp128-163.‬‬
‫‪19‬‬
‫معطياته االقتصادية واالجتماعية قد ُج ّم عْت بواسطة تحقيقاته وأبحاثه الصحفية حتى أن عديد المعطيات اإلحصائية‬
‫وعديد الفقرات الواردة فيه كانت مأخوذة من مقاالته الص حفية الص ادرة خالل ه ذه المرحل ة مث ل تل ك المعطي ات‬
‫الخاصة بالحضور اإلنكليزي في كل من الهند والصين واندونيسيا إلى ج انب المعطي ات الرس مية ح ول االقتص اد‬
‫اإلنكليزي من أجور وإنتاج وأرباح وغيرها‪ .‬وفي عديد المواض ع‪ ،‬ك انت كتابات ه الص حفية تظه ر في نظ ر بعض‬
‫الدارسين "أكثر عمقا في بعض موضوعاتها مم ا ك انت علي ه في مخطوط ات "رأس الم ال" مث ل س وق الم ال أو‬
‫‪47‬‬
‫التشريعات البنكية وغيرها كما لو أنه كان يجمع تلك المعطيات ويوثقها ليستعملها الحقا"‪.‬‬
‫ومن األمثلة الدالة على ذلك تكفي اإلشارة إلى بعض ها‪ ،‬ففي مع رض تناول ه لق وانين الص ناعة المانيفكتوري ة في‬
‫إنقلترا‪ ،‬تعمد ماركس في أحد مقاالته‪ 48‬الرجوع إلى كتاب أنقلز "وضعية الطبقة العاملة في أنقلترا" الصادر س نة‬
‫‪ 10‬س اعات عم ل يومي ا لم ا تب نى‬
‫‪ ،1845‬حيث يستجلي ما سّم اه "التاريخ السري" لعش ريات النض ال من أج ل الـ‬
‫البرلمان االنقليزي هذا القانون رغم عدم تمثيلية العم ال في ه إذ فس ر ذل ك بالص راع ال دائر بين البورجوازي ة‬
‫واألرس تقراطية العقاري ة ال تي اقتنص ت تل ك الفرص ة لالنتق ام من البورجوازي ة الص ناعية ردا على م ا ك انت ق د‬
‫فرضته عليه ا فيما يخص قانون اإلصالح االنتخابي لـ ‪ 1831‬وقانون الحبوب لـ‪ .1846‬كذلك األمر بالنسبة إلى ما‬
‫كتبه حول نظام العمل بالتناوب (‪ )Par roulement‬لضمان اش تغال المص انع كام ل أي ام األس بوع وال ذي تم‬
‫إلغاؤه سنة ‪ 1850‬على حساب الترفيع في ساعات العم ل اليومي ة بنص ف س اعة‪ ،‬مبين ا طريق ة اش تغال الص ناعة‬
‫ض مان‬ ‫الرأسمالية في استغالل أقصى لمجهود العمل باعتباره العامل الحاسم ال فقط في عملية اإلنتاج ب ل في‬
‫فائض القيمة وتحديد قيمته الفعلية‪.‬‬
‫وفي آخ ر مقاالت ه بـ"المن بر ال نيويوركي الي ومي"‪ 49‬ح ول الص ناعة المانيفكتوري ة األنقليزي ة‪ ،‬بّين اس تنادا إلى‬
‫‪ 1839‬و‪ 1859‬أن أج ور العم ال ق د ارتفعت بطريق ة واض حة كلم ا تم تط بيق‬
‫إحصائيات متفق دي الش غل م ا بين‬
‫التشريعات القانونية الخاص ة ب احترام بعض الش روط الش غلية وبتجدي د آالته ا في المص انع الك برى‪ ،‬ولكنه ا‬
‫تراجعت حيث تم االقتصار فقط على تطبيق الحّد من ساعات العمل خاصة بالنسبة إلى األطفال والنساء الذين عادة‬
‫ما يتم استضعافهم وتخفيض تأجيرهم في تمييز واضح عن بقية العم ال‪ .‬كم ا الح ظ أيض ا أن المص انع ال تي‬
‫كانت تجدد آالتها طبقا للقوانين الجديدة‪ ،‬كانت توفر إنتاجا أوفر وأن العمال يبذلون مجهودات أكبر خالل ساعات عمل‬
‫نظرية ائضالقيم ة‪" :‬م ا ك ان الم الكون يخس رونه بالح ّد الق انوني من‬
‫ف‬ ‫أقل من ذي قبل‪ ،‬ويفسر ذلك بالرجوع إلى‬
‫ساعات العمل بمقياس زمن العمل المطلق‪ ،‬كانوا في المقابل يربحون أكثر منه بتك ثيف زمن العم ل الفعلي"‪ .‬ك ل ه ذه‬
‫‪ 47‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪ 48‬مقال صادر في "المنبر النيويوركي اليومي" يوم ‪ 15‬مارس ‪ 1853‬بعنوان‪:‬‬
‫‪- "Débats parlementaires - Le clergé et la lutte pour la journée de dix heures-La famine", cité in Krätke Michael,‬‬
‫‪"Journalisme et science: L'importance des travaux journalistiques de Marx pour la critique de l'économie politique",‬‬
‫‪Op.Cit, p129.‬‬
‫‪ 49‬مقال صادر في "المنبر النيويوركي اليومي" يوم ‪ 6‬أوت‪ 1860 ،‬بعنوان‪:‬‬
‫‪- "La situation de l'industrie manufacturière anglaise" cité in Krätke Michael, "Journalisme et science: L'importance des‬‬
‫‪travaux journalistiques de Marx pour la critique de l'économie politique", Op.Cit, p130.‬‬
‫‪20‬‬
‫الظواهر رجع إليها ماركس الحقا في كتاب "رأس المال" ليتعم ق في بعض ها أو ليختص ر بعض ها اآلخ ر بع د أن‬
‫كان قد جمع معطياتها وحلل نتائجها في مقاالته الصحفية‪ ،‬مقّد ما بذلك بعض األطر السوسيولوجية لتحليل الظ واهر‬
‫الشغلية المستجدة على الشروط الجديدة لإلنتاج في نسخته الصناعية‪ ،‬ومبينا مثال أن الحد من ساعات العمل اليومية‬
‫والزيادة في األجور أصبحا محفزا على التجديد التكنول وجي وعقلن ة المؤسس ة في التحاي ل على تحقي ق ال ربح في‬
‫سياق التنافس على ما توفره عروض السوق العالمية في زمن ماركس كما في زمننا الراهن‪ 50.‬فقد كان يس تنتج من‬
‫ن من الدولة البورجوازية لم يكونا في صالح العمال‬
‫المفروضي‬
‫ْ‬ ‫ذلك أن التطور التكنولوجي وتحديد ساعات العمل‬
‫قيمة التأجير وال من حيث الزمن الفعلي للعمل الرتباط األجور باإلنتاجية في حساب صاحب العمل وأن ه رغم‬
‫ال من حيث‬
‫حماية التشريعات الشغلية للعمال ظاهريا فإنها تظل في خدم ة رأس الم ال والص ناعة الرأس مالية ال فق ط في‬
‫‪51‬‬
‫أنقلترا بل أيضا في بقية السياقات األوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وحتى في أمريكا‪.‬‬
‫كما كانت عديد المواضيع التي تناوله ا بمقاالت ه في ص حيفة "المن بر ال نيويوركي الي ومي" ق د ارتبطت باألح داث‬
‫الداخلي ة في بريطاني ا من خالل تش خيص األزم ات االقتص ادية والمالي ة وتحلي ل السياس ات النقدي ة للمنظوم ة‬
‫الرأسمالية باالحتكار والمضاربة‪ ،‬وما تنبأ به من نتائج االنهيارات المصرفية وأزمات التضخم والزيادة في اإلنتاج‬
‫وغيرها‪ ،‬كان قد ص ُدق بعض ه ولم يص دق بعض ه اآلخ ر إلى ج انب نق ده للديمقراطي ة الش كلية ال تي ظه رت ل ه‬
‫تناقض اتها من خالل م ا الحظ ه من تالعب باالنتخاب ات وتض ييق انتق ائي على بعض الحري ات المه دد الس تقرار‬
‫النظام‪ .‬كما تناول أيضا عديد الظواهر الشغلية المرتبطة ببنية العمل المأجور في عص ر الص ناعة الرأس مالية مث ل‬
‫التغيير الحاصل في قوانين الشغل وشروط التأجير من حيث عالقة ع دد س اعات العم ل بإدم اج اآلالت التقني ة في‬
‫اإلنتاج‪ ،‬مقدما بذلك إطارا تحليليا لسوسيولوجيا العمل والعلوم االقتصادية‪ ،52‬دون أن يغف ل عن الظ واهر االجتماعي ة‬
‫مث لالظ روف القاس ية والتمييزي ة لتش غيل النس اء واألطف ال في‬ ‫المرافقة لتطور الرأسمالية الصناعية في أنقلترا‬
‫مستوى التأجير واالستغاللوتدمير البيئة من خالل االستنزاف الرأسمالي لمواردها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التبادل الحر والتوسع االستعماري‪.‬‬
‫أما الموضوع الثاني الذي اشتغل عليه ماركس في عديد مقاالته خالل المرحلة األخ يرة من مس اره الص حفي‪ ،‬فق د‬
‫ارتبط بموضوع التجارة العالمية وهو ما س وف يس تعيد معطيات ه واس تنتاجاته الحق ا في مخط وط "رأس الم ال"‪،‬‬
‫منطلقا من أن التجارة العالمية اتخذت منعرجا تاريخيا حين أصبحت رأس مالية البني ة اإلنتاجي ة والتنظيمي ة وتي ارا‬
‫جارفا "تحت وطأة الحمى الصناعية في مجاالت النسيج والصناعات الكبرى المدعومة بظرفي ات تاريخي ة مالئم ة‬
‫للتصدير"‪ 53.‬فقد كانت إخفاقات ثورة ‪ 1848‬التي اجتاحت معظم الدول األوروبية فرصة مالئمة لرأس المال من أج ل‬

‫‪50‬‬
‫‪Krätke Michael, "Journalisme et science: L'importance des travaux journalistiques de Marx pour la critique de‬‬
‫‪l'économie politique", Op.Cit, p134.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪Marx Karl, Le capital, T1, (1867), Les Éditions sociales, Paris, 1969.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪Aron Raymond, Les étapes de la pensée sociologique, Op. Cit. p191.‬‬
‫‪ 53‬سلسلة من المقاالت الصادرة في "المنبر النيويوركي اليومي" بين ‪ 1859‬و‪ 1860‬مثل‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫تعويض تأخره الصناعي والتجاري بما كان يفترض اقتحام أسواق جديدة في آسيا باستخدام كل الوسائل االقتصادية‬
‫والدبلوماس ية وح تى الق وة العس كرية لترك يز االس تعمار "دون مراع اة الحاج ات المحلي ة للس كان األص ليين وال‬
‫طاقاتهم الشرائية"‪ ،‬وهي ظاهرة عالمية يعتبرها ماركس متكررة في جميع البلدان التي وصلت إليه ا الرأس مالية‪.54‬‬
‫كان المثال األبرز ال ذي يتق دم للمت ابع االقتص ادي وللمالح ظ الص حفي‪ ،‬يتمث ل في قط اع النس يج المتهيك ل ح ول‬
‫الهيمنة شبه التامة للصناعة القطني ة األنقليزي ة ممثال في مجم ع "القطن الملكي" من خالل توري د القطن الخ ام من‬
‫النهائية‬
‫‪.‬‬ ‫واليات الجنوب األمريكي والهند بأسعار منخفضة وتصدير منتجاته‬
‫كما تمحورت اهتمامات ماركس الصحفية حول مواض يع عدي دة مث ل السياس ات الخارجي ة والداخلي ة ألهم الق وى‬
‫الرأسمالية في عالم الق رن التاس ع عش ر ممثل ة في المملك ة المتح دة وروس يا القيص رية وح ول األح داث الك برى‬
‫والظواهر المستجدة خالل بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر من أزم ات وح روب حيث انكب في سلس لة‬
‫من مقاالته على تحليل السياسة االستعمارية االنكليزية والروسية وما رافقها من مظاهر مزدوجة النتائج واآلثار‪.55‬‬
‫فكانت مواضيع التجارة العالمية والتبادل المفروض على المستعمرات وأنصاف المس تعمرات‪ ،‬من أك ثر القض ايا ال تي‬
‫شغلته خاصة ما ارتبط بتدمير االقتصاديات المحلي ة وتغي ير بني ات عالقاته ا االجتماعي ة بـ"خل ق ع الم جدي د على‬
‫صورة النظام الرأسمالي‪ ،‬يشكله أينما حّل" ‪ 56‬دون مراعاة لحاجات السكان األص ليين مث ل م ا وص فه من تحطيم‬
‫لصناعة القطن الهندية‪ .‬فكشف بذلك عن عديد الم ؤامرات االس تعمارية وافتع ال الح روب (ح رب األفي ون األولى‬
‫والثانية‪ ،‬الحرب على الصين والهند واندونيسيا) في مناطق الهند وشرق آسيا واختالق المبررات الواهية للتدخالت‬
‫العسكرية لضمان المصالح التجارية في خلق أسواق جدي دة والبحث عن ث روات لتط وير حرك ة التص نيع‪ ،‬م ع م ا‬
‫اعتبره "جرائم حرب وإرهابا منظما كان يقوده نفاق الحضارة البورجوازية"‪.57‬‬
‫ولكنه توقع في اآلن نفسه تطور أشكال المقاومة العمالية بظهور قوى اجتماعية معبّرة عن ق وى إنتاجي ة جدي دة في‬
‫تلك المستعمرات اعت بر وظيفته ا ض رورية ودوره ا حاس ما لتحريره ا من الهيمن ة الرأس مالية االس تعمارية رغم‬
‫التقاطع بين االستبداد األوروبي الحديث واالستبداد الش رقي التقلي دي ال ذي فس ر ب ه الط ابع المتن اقض لالس تعمار‬
‫الرأسمالي‪ ،‬حيث تمكن من تجمي ع المعطي ات الميداني ة واإلحص ائية الدال ة على تحطيم الص ناعة القطني ة الهندي ة‬
‫وإغ راق س وقها بالمنتج ات النهائي ة األنقليزي ة‪ .58‬واس تنتج من ذل ك حتمي ة الظ اهرة االس تعمارية نتيج ة التط ور‬

‫‪- "Sur le Traité anglo-chinois", "La situation du commerce britannique", "Industrie et Commerce",… (MEW 13, p.‬‬
‫‪498), Op.Cit, p135.‬‬
‫‪54‬‬
‫‪Marx et Engels, Textes sur le colonialisme, Op.Cit. p18.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪ 56‬وهي نفس االستنتاجات التي كان قد عّبر عنها في "البيان الشيوعي" ثم استعادها لحقا في كتاب "رأس المال"‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪Marx Karl, Dispatches for the New York Tribune, Selected Journalism of Karl Marx, Edited bay Ledbetter James,‬‬
‫‪Penguin Books, 2007, https://libcom.org/files/Marx-DispatchesfotheNewYorkTribune.pdf (Consulté le 22/072017).‬‬

‫‪58‬‬
‫‪Marx et Engels, Textes sur le colonialisme, Op.Cit. p18.‬‬
‫‪22‬‬
‫المتناقض للرأسمالية الصناعية المنقادة بقوانين الربح والتي انطلقت من أوروبا الغربية لتغزو بقي ة الع الم وإح داث‬
‫تغ يرات تتج اوز المظ اهر االقتص ادية إلى توف ير "األس س المادي ة لتنظيم اجتم اعي جدي د على ص ورة التنظيم‬
‫في‬ ‫االجتماعي للمجتمعات الغربية"‪ 59،‬مقدما بذلك بعض العناصر األولية لما سوف ُيعرف الحقا بنقد الحداث ة‬
‫عقالنيتها األداتية واالستهالكيةخاصة مع رواد مدرسة فرنكفورت‪.‬‬
‫كانت هذه التحليالت الماكروسوسيولوجية المضمنة في المق االت الص حفية س وف تس تعاد الحق ا في كت اب "رأس‬
‫الم ال" لتمث ل األس س األخ يرة الكتم ال نظري ة م اركس والمنطل ق لتط وير النظري ات الماركس ية الالحق ة ح ول‬
‫االمبريالي ة‪ 60‬والتط ور الالمتك افئ القتص اديات المراك ز واألط راف ال تي طورته ا مدرس ة التبعي ة في مج ال‬
‫‪61‬‬
‫سوسيولوجيا التنمية‪.‬‬
‫من ناحية تقنيات التحرير الصحفي التي استخدمها مركس‪ ،‬تلك ال تي ك ان يتخ ذ فيه ا من الح دث السياس ي األك ثر‬
‫تداوال منطلقا لتحليل أسبابه االقتصادية والسياسية وخلفياته التاريخية من خالل إثرائه بالمعطيات الكمية والكيفية ثم‬
‫يمر إلى تضمين أحكامه الخاصة حول دواعيه ونتائجه المفترضة‪ .‬كم ا ك ان الس تخدام المف اهيم واألط ر التحليلي ة‬
‫الجديدة عن الفكر السياسي لمنتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬أن جعل من اإلقبال على مقروئية مقاالت ه س ببا في تزاي د‬
‫الطلب على نشرها وإعادة نشرها في الملحق ات األس بوعية والش هرية لنفس الص حيفة دون أن يك ون راض يا على‬
‫مستوى التأجير الذي كان يتلقاه بالنظر إلى المجهود المبذول في جمع المعطي ات الكيفي ة والكمي ة من الت اريخ ومن‬
‫اإلحصائيات الرسمية وبالنظر أيضا إلى جودة كتاباته الصحفية مقارن ة بنظرائ ه من الص حفيين في أوروب ا أو في‬
‫أمريكا ذاتها التي كان ماركس ق د أب دى إعجاب ه بمس توى الحري ات الص حفية فيه ا في مع رض دفاع ه عن حري ة‬
‫الصحافة خالل أولى تجاربه المهنية في مجال الصحافة المكتوبة‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫إن اختزال أعمال كارل ماركس في ما كان قد أصدره خالل حياته أو في ما ُنشر له من مؤلفات بعد وفاته أو أيض ا‬
‫في الرجوع االنتقائي إلى رسائله‪ ،‬يظل عمال مجّز أ ومنقوصا بما ال يساعد في فهم تط ور نظريات ه وبن اء مفاهيم ه‬
‫وخاص ة في اإلحاط ة بمس اهمته في التأس يس للسوس يولوجيا الحديث ة وتط وير بعض مدارس ها الالحق ة في عدي د‬
‫المواضيع الدراسية والمجاالت البحثية‪ .‬فماركس الذي بدأ نشاطه الصحفي بص فة مبك رة‪ ،‬ك ان ق د خص ص ج زء‬
‫وافرا من مجهوده الفكري والسياس ي الالح ق للص حافة ال تي لم يتعام ل معه ا تع امال مهني ا فق ط‪ ،‬ح تى أن بعض‬

‫? ‪59‬‬
‫‪Krätke Michael, "Journalisme et science: L'importance des travaux journalistiques de Marx pour la critique de‬‬
‫‪l'économie politique", Op. Cit. pp136-137.‬‬
‫‪60‬‬
‫أنظر‪:‬‬
‫‪- Lénine, Vladimir Illich, L'impérialisme, stade suprême du capitalisme, Editions Sociales, Paris, 1982.‬‬
‫‪- Serfati Claude, "Les théories marxistes de l’impérialisme", in Période, 7 mai 2018,‬‬
‫‪http://revueperiode.net/guide-de-lecture-les-theories-marxistes-de-limperialisme (visité le 12/12/2018).‬‬
‫‪61‬‬
‫‪Amine (Samir), Le développement inégal, Essai sur les formations sociales du capitalisme périphérique, Les Editions‬‬
‫‪de Minuit, Paris 1973.‬‬
‫‪23‬‬
‫المتخصصين عّد ه من أكبر صحفيي القرن التاسع عشر‪ 62‬سواء من حيث حجم المق االت واالفتتاحي ات أو من حيث‬
‫تنوع المواضيع التي تناولها أو كذلك من حيث تصوراته لحرية الصحافة ولوظائفها الفكرية والسياس ية في تش كيل‬
‫الفضاء العمومي وتدعيم تأثيره في المجال المدني والسياسي‪ .‬مارس ماركس مهنة الصحافة في مختلف وض عياتها‬
‫المهنية‪ ،‬مراسال لعديد المجالت والصحف المحلية األلمانية والعالمية‪ ،‬ورئيس تحرير لف ترتين وج يزتين ومح اوال‬
‫إصدار عديد الصحف والدوريات كما كان قد فكر جديا في بعث وكالة أنباء‪ ،‬غير أن اإلمكانيات المالي ة والش روط‬
‫السياسية لمن عاش معارضا ومالحقا ومنفيا لم تكن لتسمح له بمثل هذه المشاريع‪ .‬فكانت الصحافة المهن ة الوحي دة‬
‫التي زاولها بصفة مبكرة واستخدمها في أهداف مختلفة كم ورد رزق أوال وك أداة لنش ر أفك اره النظري ة والدعاي ة‬
‫السياسية لها ولكن أيضا كوسيلة لتعميق عدة أفكار ونحت بعض المفاهيم بل مثلت له مج اال مي دانيا الختب ار بعض‬
‫الفرضيات التي كان يحتاج إلى البرهنة عليها ومدها بالعناصر الميدانية الضرورية في سجاالته الفكرية والسياس ية‬
‫وإنتاجاته النظرية‪.‬‬
‫كغيره من أهم رواد السوسيولوجيا الحديثة‪ ،‬أعطى كارل ماركس أهمية أساسية للشكل االتصالي السائد في عص ره‬
‫والممثل في الصحافة المكتوبة‪ ،‬بل تميز عنهم بامتهانه للصحافة واستخدامها وسيلة ال فقط لنش ر األفك ار والدعاي ة‬
‫بل أيضا لالستقصاء واكتشاف المعطيات الميدانية الكمية والكيفية انطالقا من تن اول األح داث المتك ررة وتحويله ا‬
‫إلى ظواهر قابلة للمشاهدة والتحليل والتنظ ير‪ .‬فق د أس س م اركس لص حافة سياس ية نقدي ة ولص حافة رأي عميق ة‬
‫تتج اوز التن اول الص حفي العف وي حيث ك انت األح داث السياس ية المتناول ة ق د مثلت ل ه م داخل لتحلي ل البني ات‬
‫االقتصادية واالجتماعية الكامنة ورائها‪ ،‬معتبرا أن صحافة "ثورية" نقدية وح دها يمكن أن تؤس س لص حافة بديل ة‬
‫للصحافة التبريرية المساهمة من منظوره في إعاقة التحول المجتمعي الذي ظل مقتنعا بضرورته وحتميته‪ .‬غير أن‬
‫ما يمكن استنتاجه كذلك‪ ،‬أن الصحافة المكتوبة لم تكن بالنسبة إليه مجرد أداة من أدوات تغيير العالم االجتماعي ب ل‬
‫كذلك وسيلة الكتشاف تناقضاته ومتابع ة ص راعاته واالنتب اه إلى خفاي اه الميداني ة من خالل األح داث الجاري ة في‬
‫الحياة السياسية واالقتصادية والفكرية بوصفها مؤشرات دالة على ديناميكية التحوالت المجتمعية التي ك ان مهوس ا‬
‫بتحليلها‪ .‬رغم أن ماركس كان قد عايش إرهاصات التطور النوعي للحقل الصحفي في أوروبا القرن التاس ع عش ر‬
‫وعانى من تناقضات الصناعة الصحفية في أنشطته الصحفية وربما لم يجد الوقت لتن اول بني ة الص ناعة الص حفية‬
‫الرأسمالية رغم تحليالته الوصفية‪ ،‬مثله مثل ماكس فيبر الذي لم يتمكن بدوره من إنجاز مشروعه الض خم لدراس ة‬
‫الصحافة في عصره العتبارات مالية وإدارية‪ ،63‬إال أننا نجد في متن النظرية الماركس ية ع دة مف اهيم ك انت مفي دة‬
‫في تحليل بنيات هذا الحقل مثلما طورته ا ع دة نظري ات معاص رة س واء م ع أعم ال مدرس ة فرنكف ورت أو أعم ال‬

‫‪62‬‬
‫‪Marx Karl, Dispatches for the New York Tribune, Selected Journalism of Karl Marx, Op. Cit.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪Bastin Gilles, "La presse au miroir du capitalisme moderne: Un projet d'enquête de max weber sur les journaux et le‬‬
‫‪journalisme" in Réseaux, n° 109, 2001/5, pp 172-208.‬‬
‫‪24‬‬
‫بورديو (‪ )Bourdieu‬في فرنسا أو كذلك الدراسات الثقافية في أنقلترا المتجمع ة ح ول أعم ال ريتش ارد هوق ار (‬
‫‪.)Richard Hoggart‬‬
‫لم يمارس كارل م اركس ص حافة عفوي ة تكتفي بالح دود المهني ة في مج رد إع ادة نش ر األخب ار وتحلي ل أس بابها‬
‫ونتائجها المفترضة‪ ،‬بل مثلت له عديد المق االت والتحقيق ات الص حفية من الناحي ة المنهجي ة نوع ا من االستقص اء‬
‫الميداني لتحليل عدة ظواهر‪ ،‬وشكّل في عدة حاالت نواتات ألعمال نظري ة الحق ة إذ تح ّول بعض ها إلى نص وص‬
‫مركزية في الفكر الماركسي مثلما كان واعيا بضرورة االستقصاء الميداني في شكله السوسيولوجي كما يش ير إلى‬
‫ذلك مشروع "الدراسة الميدانية العمالية" التي كان ينوي القي ام به ا لجم ع المعطي ات الميداني ة الض رورية لتحلي ل‬
‫الشرط العمالي في التشغيل الصناعي بمختل ف متغيرات ه‪ .64‬فق د مكنت ه الممارس ة الص حفية من الوق وف على جمل ة‬
‫المعطيات الميدانية‪ ،‬استخدمها كمؤشرات دالة على متانة المتغيرات التي استعملها في تحليل مجمل العالقات المفترض ة‬
‫بينها والبرهنة على صدق مقوالته النقديةفيتفكيك بنية النسق الرأس مالي‪ .‬كم ا مثلت نفس المق االت والتحقيق ات أدوات‬
‫إجرائية لتحليل عدة ظواهر مصاحبة لتطور الرأسمالية الصناعية خالل النص ف الث اني من الق رن التاس ع عش ر مث ل‬
‫تأثير المكننة وتشغيل النساء واألطف ال والتمي يز في األج ور وظ روف اس تغالل العم ال‪ ،‬انتهىمعه ا إلى ض رورة‬
‫إدماج تحرير هذه الطبقات والفئات في مسار التحرر اإلنساني من االستغالل واالضطهاد واالغتراب‪.‬‬

‫‪ 64‬كان ماركس قد بدأ بإنجاز استمارة اس تبيان ب أكثر من ‪ 100‬س ؤال في منظ ور دراس ة ميداني ة مونوغرافي ة ض خمة ح ول الوض عية الش غلية والمهني ة‬
‫واالجتماعية للعمال في فرنسا‪ُ ،‬نشرت ألول مرة في‪:‬‬
‫‪- Revue socialiste, n° 4, 20 avril 1880.‬‬
‫أنظر نص االستمارة والتصدير لها بقلم ماركس نفسه في‪:‬‬
‫‪- « Enquête ouvrière(1880). Karl Marx », in Travailler 2004/2 (n° 12), p. 21-28. https://www.cairn.info/revue-‬‬
‫‪travailler-2004-2-page-21.htm (12/07/2018).‬‬
‫‪25‬‬

You might also like