Inbound 3125491667642653341

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫جامعة وىران‪ 1‬أحمد بن بلة‬

‫كـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــية اآلداب والف ـ ـ ـ ـنون‬


‫قسم اللـ ــغة العربي ــة وآدابها‬
‫األس ـ ـ ــتاذ‪ :‬حمزة بوزيان‬

‫محاضرات مقياس‪ :‬أصول النحو‬


‫لطلبة السنة الثانية‬
‫دراسات لغوية‬
‫المحاضرة األولى‬
‫تمهيد‪ :‬حظيت اللغة العربية باهتمام الباحثٌن منذ القرن األول هجري بغية حفظ أصوذلا‬
‫حت ال‬
‫كل ذلك الرواج الذي وجدتْه من الباحثٌن فقط ّ‬‫وضوابطها اليت بنيت عليها‪ ،‬ونلفي ّ‬
‫أهم سبب أفضى إىل هذا االهتمام ‪ -‬هبذ‬
‫لعل ّ‬ ‫يصيبها اللّحن الذي ألّ باللغات األخرى‪ ،‬و ّ‬
‫اللغة ‪ -‬كوهنا مرتبطة بالقرآن الكرمي‪ ،‬وقد سعى الباحثون العرب احملافظة عليها من الفساد‬
‫وذلك من خالل وضع قواعد تقوم على لسان فصيح أصيل خيرج من بيئة سليمة السليقة‪ ،‬فطرية‬
‫القرحية‪ ،‬صافية ادلعدن‪ ،‬تزخر ألفاظها حبقول من ادلعاين اليت تسرتعي أذن ادلتل ّقي وذهنه أثناء‬
‫استعماالهتا ال ّداللية‪.‬‬
‫وضع اللّغويون أحكاما معرفية ‪ -‬متعلّقة بالقائل والزمان وادلكان ‪ -‬اعتمدوا عليها يف‬
‫عملييت اجلمع والتقعيد ذلذ اللّغة‪ ،‬وقد سّي هذا العلم فيما بعد بـأصول النحو‪ ،‬ول ينل هذا‬
‫مستهل ال ّدراسات اللّغوية بل كان حيال إليه فقط‪ ،‬وأصفى شاهد على ذلك‬
‫ّ‬ ‫العلم االستقاللية يف‬
‫ما ألفينا يف كتاب الزجاجي (ت‪337‬ه) ادلوسوم "اإليضاح في علل النحو" ‪ ،‬لكنّنا صلد بعد‬
‫ابن جني (ت‪393‬ه) قد أبان عن قواعد هذا العلم ( أصول النحو ) وأرسى دعائمه يف كتابه‬
‫"الخصائص"‪ ،‬بـْيد أنّه ل يـُ ْف ِرد ّ‬
‫دلادته بال ّدراسة والتّحقيق‪.‬‬
‫يف كتابه "لمع‬ ‫(ت‪777‬ه)‬ ‫حظي علم أصول النحو بعد ذلك باهتمام ابن األنباري‬
‫األدلة في أصول النحو"‪ ،‬فقام بالدراسة والتحليل والتقعيد مبا يوافق ما تعارف عليه أهل‬
‫االختصاص يف هذا العلم‪ .‬مثّ ألّف السيوطي (ت‪911‬ه) من بعدهم ‪ -‬يف هذا الباب ‪ -‬كتابا‬
‫أسا بـ"االقتراح في علم أصول النحو"‪ ،‬ونلفي هذا الكتاب جامعا آلراء من سبقه من‬
‫اللّغويٌن‪.‬‬
‫مفهوم أصول النحو‪:‬‬
‫ادلتأمل ذلذا ادلصطلح يتّضح له أنّه مركب من شطرين‪( :‬أصول والنحو)؛ وبالرجوع إىل‬
‫إ ّن ّ‬
‫يدل على األساس الذي يبىن عليه الشيء‪ ،‬جاء يف‬
‫كتب ادلعاجم فإنّنا صلد معىن (األصل) ّ‬
‫مقاييس اللغة‪(" :‬أصل) اذلمزة والصاد والالم‪ ،‬ثالثة أصول متباعد بعضها من بعض‪ ،‬أحدها‪:‬‬
‫أساس الشيء"‪.1‬‬
‫ّأما بالنّسبة دلصطلح النحو فإنّه يع ّد رلموعة من القوانٌن والقواعد ادلستخرجة‬
‫حت يفقه العجمي ( غًن الفصيح )‬
‫من استقراء ووصف كالم العرب‪ ،‬وتكمن أمهّيته ّ‬
‫اللّغة العربية وكالم العرب ويصبح فصيحا كالعريب الفصيح‪ ،‬كما أنّه نشأ هذا العلم بغية‬
‫حفظ اللّسان من اخلطأ واللّحن وسالمة التّعبًن ‪.‬‬

‫وقد كان يشمل علم النحو يف القرون األوىل ّ‬


‫كل من الصرف والنحو‪ ،‬وأصفى‬
‫شاهد على ذلك ما ورد عند ابن جنّي ( ت ‪ 393‬ه) يف كتابه "الخصائص" يف قوله‪:‬‬
‫تصرفو من إعراب وغيره‪ ،‬كالتثنية‬
‫"والنّحو ىو انتحاء سمت كالم العرب‪ ،‬في ّ‬
‫والجمع والتّحقير والتّكسير واإلضافة والنسب والتركيب وغير ذلك‪ ،‬ليلحق من‬

‫‪ -1‬مقاييس اللغة‪ ،‬ابن فارس‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم هارون‪ ،‬دار الفكر ‪1979‬م ج‪ 1‬ص‪.109‬‬
‫ليس من أىل اللّغة العربية بأىلها في الفصاحة فينطق بها‪ ،‬وإن لم يكن منهم‪ ،‬وإن‬
‫ش ّد بعضهم عنها ر ّد بو إليها"‪.2‬‬

‫عرج على أمثلة‬ ‫يتّضح من هذا القول أ ّن ابن جنّي بعد أن ّ‬


‫عرف علم النحو ّ‬
‫يوضح‬
‫متعلّقة به‪ ،‬ومنها التثنية واجلمع غًن ذلك ونراها ضلن من علم الصرف‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫أ ّن علم الصرف ل يكن منفصال عن علم النحو عند القدامى؛ أل ّن كليهما له عالقة‬
‫الرتكيب‪.‬‬
‫مباشرة مع ّ‬
‫ّأما لو سار بنا الركب إىل احملدثٌن لوجدنا الفرق بٌن النحو والصرف جلي‪ ،‬ومن‬
‫ذلك ما نلفيه عند صاحب (المستوفى) الذي ّ‬
‫وضح مفهومه بقوله‪" :‬النحو صناعة علمية‬
‫ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم‪ ،‬لتعرف النسبة‬
‫بين صيغة النظم وصورة المعنى‪ ،‬فيتوصل بإحداىما إلى األخرى"‪ .3‬فنالحظ على هذا‬
‫التعريف اهتمامه مبا هو متداول يف ال ّدراسات اللّسانية احلديثة‪ ،‬وهي العالقة بٌن الدال وادلدلول‬
‫أو اللّفظ وادلعىن‪.‬‬

‫تعريف أصول النحو‪ :‬هو العلم الذي تعرف به أصول ( أسس ) التفكًن النحوي يف‬
‫اإلجراءات العلمية اليت قام هبا النحاة‪ ،‬يعين ليس اذلدف من علم أصول النحو معرفة احلكم‬
‫النحوي واحلركة اإلعرابية أل ّن ذلك يف باب النحو‪ّ ،‬أما أصول النحو فهو معرفة األسس اليت قام‬
‫عليها هذا التّفكًن‪ ،‬وقد ورد تعريف علم أصول النحو عند السيوطي يف قوله‪" :‬علم يبحث‬
‫أدلة النحو اإلجمالية‪ ،‬من حيث ىي أدلّتو‪ ،‬وكيفية االستدالل بها‪ ،‬وحال‬ ‫فيو عن ّ‬

‫جين‪.34/1 ،‬‬
‫‪ -‬اخلصائص البن ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ -3‬االقرتاح يف أصول النحو وجدله‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬حتقيق وشرح‪ :‬زلمود فجال‪ ،‬دار القلم دمشق‪ ،‬ط‪1409(1‬ه‪1989،‬م)‪،‬‬
‫ص‪.31‬‬
‫‪4‬‬
‫مستقل قائم بذاته‪ ،‬يهتم‬
‫ّ‬ ‫فن‬ ‫كونه‬ ‫النحو‬ ‫أصول‬ ‫ة‬ ‫حلقيق‬ ‫بيان‬ ‫فيه‬ ‫يف‬‫ر‬ ‫التع‬ ‫وهذا‬ ‫‪.‬‬ ‫المستدل"‬
‫بالبحث عن األدلّة اإلمجالية ‪-‬وليس التفصيلية‪ -‬اليت استند عليها النحاة يف الربهنة على‬
‫أحكامهم النحوية‪ ،‬كاستنباط األدلة من القرآن الكرمي‪ ،‬والسماع؛ والكيفية ادلناسبة اليت ينبغي‬
‫السًن عليها يف حال االستدالل؛ كتقدمي السماع على اإلمجاع مثال‪ ،‬وحال ادلستدل من حيث‬
‫ختول له التصدر للقول يف هذا العلم برأيه‪.‬‬
‫شروطه ومواصفاته اليت ّ‬
‫فائدة علم أصول النحو‪:‬‬
‫‪ -‬إقرار احلكم النحوي بالبيّنة والربهان مع التعليل‪.‬‬
‫قمة االطالع على الربهان واحلجج‪.‬‬‫‪ -‬الرتفّع عن سفالة التقليد إىل ّ‬
‫‪ -‬دتييز الصحيح من اخلطأ يف األوجه اإلعرابية‪.‬‬
‫‪ -‬الوقوف على أصل اخلالف يف األحكام النحوية‪.‬‬
‫أدلة النحو (أقسام أصول النحو)‪:‬‬
‫السماع والقياس‬
‫ذكر اللّغويون أ ّن أقسام أصول النحو ‪ -‬أي أدلّته ‪ -‬أربعة‪ّ " :‬‬
‫السماع (النقل) والقياس؛ وتباينوا حول‬
‫واإلجماع واستصحاب الحال "‪ ،‬وقد اتّفقوا على ّ‬
‫اإلجماع واستصحاب الحال‪ ،‬وشلّا جيري على هذا السنن الذي ذكرنا قول السيوطي‪ :‬وأدلة‬
‫النحو الغالبة أربعة‪ :‬قال ابن جني يف اخلصائص‪" :‬أدلة النحو ثالثة‪ :‬السماع‪ ،‬واإلجماع‬
‫والقياس"‪ .5‬فما هو مقرر عند ابن جني هو إضافته اإلمجاع للسماع والقياس‪ ،‬ول يقل‬
‫باالستصحاب‪ ،‬و ّأما ابن األنباري فلم يقل باإلمجاع وقال باالستصحاب‪ ،‬كما يف أصوله حيث‬
‫قال‪" :‬أدلّة النحو ثالثة‪ :‬نقل‪ ،‬وقياس‪ ،‬واستصحاب حال"‪ .6‬فزاد االستصحاب ول يذكر‬
‫اإلمجاع‪ ،‬فكأنّه ل ير االحتجاج به يف العربية‪ ،‬كما هو رأي قوم على ما ذكر السيوطي‪.‬‬

‫‪ -4‬االقرتاح‪ :‬ص ‪.25‬‬


‫‪ -5‬االقرتاح‪ :‬ص‪.26‬‬
‫‪ -6‬اإلغراب يف جدل اإلعراب‪ ،‬ابن األنباري‪ ،‬حتقيق سعيد األفغاين‪ ،‬مطبعة اجلامعة السورية‪1957 ،‬م‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫أوال‪ :‬السماع‪:‬‬
‫تعريف السماع‪:‬‬
‫عرفه السيوطي بأنّه‪" :‬ما‬
‫بالسماع النقل وتل ّقي اللّغة وساعها من أهلها‪ ،‬وقد ّ‬
‫ونقصد ّ‬
‫ثبت في كالم من يوثق بفصاحتو‪ ،‬فشمل كالم اهلل تعالى وىو القرآن‪ ،‬وكالم نبيو صلّى اهلل‬
‫عليو وسلم‪ ،‬وكالم العرب‪ ،‬قبل بعثتو‪ ،‬وفي زمنو‪ ،‬وبعده‪ ،‬إلى أن فسدت األلسنة بكثرة‬
‫كل منها من‬
‫المولّدين‪ ،‬نظما ونثرا‪ ،‬عن مسلم أو كافر‪ .‬فهذه ثالثة أنواع‪ ،‬الب ّد في ّ‬
‫الثبوت"‪ .7‬يتّضح أ ّن السماع عند هو الكالم الذي يرقى إىل درجة عالية من الفصاحة‪ ،‬وهو‬
‫خيص بذلك كالما معينا‪ ،‬يف زمن سلصوص‪ ،‬ويف بيئة سلصوصة‪ ،‬والب ّد أن نشًن إىل أ ّن تعريفه‬
‫ّ‬
‫كل ادلصادر اليت اعتمدها من قبله يف تأصيلهم للمسائل النحوية‪ ،‬وهذا تفصيلها‪.‬‬
‫كان جامعا ل ّ‬
‫‪1‬ـ ـ االحتجاج بالقرآن الكريم‪:‬‬
‫ال خالف فيه بٌن العلماء يف حجية نص القرآن الكرمي؛ فهم رلمعون على أنّه أفصح شلّا‬
‫نطقت به العرب‪ّ ،‬إال أ ّن القراءات السبع ادلتواترة ذلا الصدارة واألولوية يف األخذ باألصل‬
‫فكل ما ورد أنّو قرئ‬
‫النحوي‪ ،‬مثّ تأيت بعد ذلك القراءات الشاذة‪ ،‬قال السيوطي‪ّ " :‬أما القرآن ّ‬
‫بو جاز االحتجاج بو في العربية‪ ،‬سواء كان متواترا‪ ،‬أو آحادا‪ ،‬أم شاذا"‪.8‬‬
‫بينما صلد بعض النحاة ّأولوا ادلعاين النحوية لبعض اآليات والقراءات الشاذّة اليت تتعارض‬
‫البٌن حول‬
‫مع القاعدة النحوية ادلستنبطة عن طريق السماع‪ ،‬ومع ذلك ل يقع اخلالف ّ‬
‫االحتجاج بالقراءات الشاذة‪ ،‬وهذا ما نبّه إليه السيوطي بقوله‪" :‬وما ذكرتو من االحتجاج‬
‫بالقراءة الشاذة ال أعلم فيو خالفا بين النحاة‪ ،‬وإن اختلف في االحتجاج بها في الفقو"‪.9‬‬
‫ّإال أنّه كانت هناك مفاضلة بٌن هذ القراءات‪ ،‬فإذا كانت القراءة موافقة للفصيح من كالم‬
‫العرب كانت ذلا األفضلية يف االحتجاج على القاعدة النحوية‪.‬‬

‫‪ -7‬االقرتاح‪ :‬ص‪.67‬‬
‫‪ -8‬االقرتاح‪ :‬ص‪.67‬‬
‫‪ -9‬االقرتاح‪ :‬ص‪.68‬‬
‫‪ -3‬االحتجاج بالحديث الشريف‪:‬‬
‫صحت نسبته إىل النيب عليه‬
‫أمجع النحاة أ ّن احلديث الشريف أفصح كالم العرب إن ّ‬
‫حيتج بأحاديث النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أصول‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬بيد أنّه وقع اخلالف‪ :‬هل ّ‬
‫النحو؟ وصلد أ ّن أكثر علماء النحو دينعون االحتجاج باألحاديث ومن هؤالء العلماء ابن الضائع‬
‫وأبو حيان‪ ،‬وذهبت طائفة أخرى إىل جواز االستدالل باحلديث يف القواعد النحوية‪ ،‬ومن‬
‫أشهرهم ابن خروف اإلشبيلي وابن مالك وابن هشام‪ ،‬وهذا تفصيل ذلذين الرأيٌن‪:‬‬
‫أ‪ .‬المانعين لحجيتو‪ :‬ذكر أصحاب هذا الرأي علّتٌن دتنع من األخذ باحلديث النبوي‬
‫الشريف‪ ،‬العلّة األوىل أ ّن أهل احلديث أجازوا رواية احلديث بادلعىن ‪ -‬ال باللّفظ –‬
‫بقصة ادلرأة اليت قامت فعرضت نفسها على النيب صلى اهلل عليه‬
‫وضربوا لذلك مثال ّ‬
‫فزوجها ألحد اجلالسٌن‪ ،‬فقد ُروي هذا احلديث بملّكتكها مبا معك من‬ ‫وسلّم ّ‬
‫وروي خذىا مبا معك من القرآن‪،‬‬ ‫زوجتكها مبا معك من القرآن؛ ُ‬
‫وروي ّ‬‫القرآن؛ ُ‬
‫قصة واحدة والنيب صلى اهلل عليه وسلّم ال ديكن أن يكون‬
‫فالنّحويون يقولون هذ ّ‬
‫كل راوي قد روى مبعىن احلديث ال بلفظه‪ ،‬وإذا‬
‫تكلّم هبذ الثّالث‪ ،‬فمعىن هذا أ ّن ّ‬
‫نستدل به ألنّنا ال نقطع أ ّن ذلك اللّفظ‬
‫ّ‬ ‫كان احلديث قد ُرِوي بادلعىن ال ديكن أن‬
‫هو اللّفظ النّبوي‪ ،‬ولو كان لنا اجلزم أ ّن ذلك هو من لفظ النيب صلى اهلل عليه وسلّم‬
‫نستدل به ألنّه أفصح العرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الب ّد أن‬
‫ّأما العلّة الثّانية هو أ ّن رواة احلديث كثًنهم كانوا يلحنون يف احلديث وخيطؤون‬
‫ألهنم كانوا غًن عرب‪ ،‬فاحلديث الشريف ل تقتصر روايته على أبناء العربية فقط‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫روا كثًن من األعاجم الذين ليس ذلم دراية كاملة بعلوم اللغة‪ ،‬وهذا ما جيعل فرضية‬
‫اللّحن فيه قائمة‪.‬‬
‫السابق بقوله‪:‬‬
‫حبجية احلديث على هذا الطرح ّ‬
‫يبٌن سبب ادلنع ّ‬
‫ونلفي السيوطي ّ‬
‫"فإ ّن غالب األحاديث مروي بالمعنى‪ ،‬وقد تداولتها األعاجم والمولدون قبل‬
‫أدت إليو عبارتهم فزادوا ونقصوا‪ ،‬وق ّدموا وأ ّخروا‪ ،‬وأبدلوا‬
‫تدوينها‪ ،‬فرووىا بما ّ‬
‫ألفاظا بألفاظ"‪.10‬‬
‫يقر جبواز االستدالل باحلديث إذا روعي فيه فصاحته‬ ‫ومع ذلك فإ ّن السيوطي ّ‬
‫وبقاؤ على لفظه‪ ،‬وهذا يكون يف جوامع الكلم‪ ،‬فقال‪" :‬و ّأما كالمه صلى اهلل عليه‬
‫فيستدل منه مبا ثبت أنّه قاله على اللّفظ ادلروي‪ ،‬وذلك قليل جدا‪ ،‬إّنا يوجد‬
‫ّ‬ ‫وسلم‬
‫يف األحاديث القصار‪ ،‬على قلّة أيضا‪."11‬‬
‫ب‪ .‬القائلين بحجيتو‪ :‬أجاب اجمليزون على االستدالل باحلديث النّبوي يف أصول النحو‬
‫فقالوا إجابة على أن ال نقطع بأ ّن ذلك اللّفظ النبوي‪ ،‬فقالوا القطع غًن مراد وإّنا‬
‫الظن‪ ،‬أي أن يغلب على ظنّك أ ّن هذا احلديث قد قاله النيب صلّى اهلل‬
‫ادلراد غلبة ّ‬
‫الشكل أو ال‪ ،‬فهذ ادلسألة اجتهادية‪.‬‬
‫عليه وسلّم هبذا ّ‬
‫تطرق إليهم اخلطأ واللّحن هذا صحيح‪ ،‬لكن األحاديث‬
‫و ّأما القول إ ّن الرواة قد ّ‬
‫يتطرق اخللل إىل‬
‫األول من اإلسالم قبل أن ّ‬ ‫النبوية كثًن منها قد ُد ّون يف الصدر ّ‬
‫اللّسان‪ ،‬عندما كانت العربية مازالت على هيأهتا السليمة‪ ،‬يعين أ ّن هؤالء الرواة وإن‬
‫تج بلغتهم‪ ،‬فروايتهم احلديث بادلعىن ال خترجه عن‬
‫فإهنم عرب ُحي ّ‬
‫رووا احلديث بادلعىن ّ‬
‫جواز االحتجاج به أل ّهنم عرب ُخلّص‪.‬‬
‫حجية احلديث إ ّن هذا الذي طعنتم به يف‬‫مثّ يقول العلماء القائلٌن بأخذ ّ‬
‫الشعر الذي أمجعتم على االستدالل به‪ ،‬فالذي‬
‫االستدالل باحلديث موجود مثله يف ّ‬

‫‪ -10‬االقرتاح‪ :‬ص‪.74‬‬
‫‪ -11‬االقرتاح‪.74 :‬‬
‫الشعر يلحن‬
‫الشعر‪ ،‬أل ّن هناك أيضا من ب ّ‬
‫قدحتم به يف احلديث مقدوح به أيضا يف ّ‬
‫وخيطئ؛ كما ُوجد به الرواية بادلعىن‪ ،‬فإذا ُمنع االستدالل باحلديث فالب ّد أيضا أن‬
‫للشعر) فقد‬
‫الراوية (وقد لُّقب بالراوية لكثرة روايته ّ‬
‫حبماد ّ‬
‫الشعر‪ ،‬وضربوا مثال ّ‬ ‫ُدينع يف ّ‬
‫الشعر‪ ،‬كان يكذب‬
‫احتُ ّج كثًنا مبا روى وقيل يف ترمجته كان يلحن‪ ،‬وكان يكسر ّ‬
‫الشعر وينسبه لألقدمٌن)‪.‬‬
‫(أي كان يصنع بيتا من ّ‬
‫يتم‬
‫ومن خالل متابعتنا ذلذين الرأيٌن يتّضح لنا أ ّن إعمال احلديث يف األصل النحوي ّ‬
‫بشروط‪:‬‬
‫ـ ـ ـ أن يكون احلديث صحيحاً‪.‬‬
‫ـ ـ ـ أن يكون احلديث مروياً بلفظه ومعنا ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ أن ال يكون فيه زيادة من طرف الرواة‪.‬‬
‫ـ ـ ـ أن يبلغ درجة الفصاحة اليت ال مأخذ عليها‪.‬‬
‫وهذا صلد يف جوامع الكلم وهي قليلة‪.‬‬
‫‪.3‬كالم العرب‪ :‬ونقصد بكالم العرب شعرهم ونثرهم من العصر اجلاهلي مثّ صدر‬
‫اإلسالم إىل أن فسدت ألسنتهم‪ ،‬وقد جعل النحاة معايًن لالستشهاد بكالم العرب‪ ،‬منها ما هو‬
‫زماين‪ ،‬ومنها ما هو مكاين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ـ ـ الضابط الزماين‪ :‬ويقصد به الفرتة اليت حافظت فيها اللّغة العربية على فصاحتها‪ ،‬ول‬
‫يتسرب إليها شيء من اللّحن واخلطأ‪ ،‬وقسمت هذ ادلرحلة على أربعة مراحل‪:12‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬الجاىليون‪ :‬حظيت هذ الفرتة بالتنافس الشديد بٌن الشعراء والبلغاء‬
‫كامرئ القيس والنابغة الذبياين وغًنمها‪ ،‬وهذا ما جعل اللّغة تبلغ الذروة يف فصاحتها‪ ،‬كما أ ّهنا‬
‫تع ّد الفرتة األفضل يف ادلدونة العربية‪ ،‬لذلك ال خالف بٌن النحاة يف االستشهاد بكالم أصحاب‬
‫هذ ادلرحلة‪.‬‬

‫‪ -12‬شرح كفاية ادلتحفظ‪ :‬ص‪.101‬‬


‫المرحلة الثانية‪ :‬المخضرمون‪ :‬ونقصد هبا هؤالء الشعراء الذين عاشوا فـْتـريت اجلاهلية‬
‫واإلسالم مع بعض كحسان وعبد اهلل بن رواحة وكعب بن زهًن‪ ،‬وقد حافظت اللّغة يف هذ‬
‫الفرتة على فصاحتها‪ ،‬لعدم احتكاك العرب بالعجم‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬اإلسالميون‪ :‬ونقصد هبم باألخص شعراء العصر األموي كالفرزدق‪،‬‬
‫وجرير‪ ،‬واألخطل‪ ،‬وقد تباين الباحثون يف حجية االستشهاد بكالم شعرائها وخطبائها‪ ،‬فذهب‬
‫كثًن منهم إىل األخذ بسماعها مع عدم وجود ادلخالف يف ادلرحلتٌن اللتٌن سبقتها‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬المولّدون‪ :‬يع ّد بشار بن برد ّأول ادلولّدين‪ ،‬وقد استثىن اللّغويون‬
‫االستدالل على القواعد النحوية الختالط اللّسان العريب بغًن من العجم كالفرس والرتك‪ ،‬وجيوز‬
‫االستشهاد بشعرهم يف ادلعاين والبيان والبديع على سبيل االستئناس‪ ،‬واإلمتاع‪ ،‬ال غًن‪ .‬وخالف‬
‫الزسلشري هذ الضوابط فاستشهد بكالم ادلولدين كأيب دتام يف تفسًن للبقرة وقال أجعل ما‬
‫ينظمه مبثابة ما يرويه‪ ،‬أل ّن أبا دتام له ديوان احلماسة‪.‬‬
‫‪3‬ـ ـ ـ الضابط المكاني‪ :‬ونعين به عدم أخذ اللّغة من ّ‬
‫كل القبائل العربية‪ ،‬أل ّن بعض هذ‬
‫القبائل كانت رلاورة للعجم من الفرس واألحباش والروم واذلنود‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن "الذين‬
‫عنهم نقلت اللغة العربية‪ ،‬وهبم اقتدي‪ ،‬وعنهم أخذ اللسان العريب من بٌن كالم العرب هم‪:‬‬
‫قيس‪ ،‬ودتيم‪ ،‬وأسد‪ ،‬فإن هؤالء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ‪ ،‬ومعظمه‪ ،‬وعليهم اتكل يف‬
‫الغريب‪ ،‬ويف األعراب‪ ،‬والتصريف؛ مث هذيل‪ ،‬وبعض كنانة‪ ،‬وبعض الطائيٌن؛ ول يؤخذ عن‬
‫غًنهم من سائر قبائلهم‪ .‬وباجلملة فإنّه ل يؤخذ عن حضري قط وال عن سكان الرباري شلن كان‬
‫يسكن أطراف بالدهم اليت جتاور سائر األمم الذين حوذلم"‪ .13‬والذي يتّضح من هذ ادلقولة أ ّن‬
‫هذ القبائل كانت موجودة يف قلب جزيرة العرب رلاورة دلكة ادلكرمة‪.‬‬
‫أقسام المسموع‪:‬‬
‫قسم ابن جني ادلسموع يف كتابه اخلصائص إىل قسمٌن مطّرد وشاذّ‪ ،‬ويرى أ ّن هذين‬
‫ّ‬
‫القسمٌن ذلما أربعة أشكال‪:‬‬

‫‪ -13‬االقرتاح‪ :‬ص‪.91‬‬
‫‪ .1‬مطّرد يف القياس واالستعمال معا وهو الغاية ادلطلوبة‪ ،‬ضلو‪ :‬قام زيد‪ ،‬وضربت عمرا‪،‬‬
‫ومررت بسعيد‪.‬‬
‫‪ .2‬مطّرد يف القياس شاذّ يف االستعمال‪ ،‬ضلو‪ :‬ادلاضي من (يذر) و (يدع) (وذر وودع‬
‫وهذا نادر يف االستعمال) ‪ ،‬وقوذلم‪ :‬مكان مقبل‪ ،‬هذا هو القياس‪ ،‬واألكثر يف‬
‫السماع باقل‪ ،‬واألول مسموع أيضا‪.‬‬
‫‪ .3‬مطّرد يف االستعمال شاذّ يف القياس ضلو قوذلم‪ :‬استحوذ واستنوق اجلمل واستوصبت‬
‫األمر وأىب يأىب والقياس اإلعالل يف الثالثة وكسر عٌن األخًن‪.‬‬
‫‪ .4‬شاذّ يف القياس واالستعمال معا كقوذلم‪ :‬ثوب مصون وفرس مقوود ورجل معوود من‬
‫مرضه‪.14‬‬
‫تج‬ ‫معايير االستشهاد بكالم العرب‪ :‬اقرتح علماء اللّغة معايًن أساس ّ‬
‫حت ديكن أن ُحي ّ‬
‫بكالم العرب‪ ،‬أمهّها ما يلي‪:‬‬
‫_ أن يكون من الكالم ادلراحل الثالثة األوىل‪ :‬اجلاهليٌن‪ ،‬ادلخضرمٌن‪ ،‬واإلسالميٌن‪ ،‬أي‬
‫تج بكالم ادلولدين ومن تالهم‪.‬‬ ‫ال حي ّ‬
‫_ أن يقتصر على القبائل ادلتوغلة يف البداوة‪ ،‬ويف قلب اجلزيرة العربية‪ ،‬واليت حافظت‬
‫حيتج بكالم الذين جاوروا القبط أو أهل الشام مثل غسان يف قواعد‬ ‫على فصاحتها‪ ،‬فمثال ال ّ‬
‫النحو‪.‬‬
‫_ رفض الكالم الذي ُجيهل صاحبه أو سند ‪.‬‬
‫يتبع‪...‬‬

‫تطبيق‪:‬‬

‫‪ -14‬اخلصائص‪ ،‬ابن جين‪ ،‬اذليئة ادلصرية العامة للكتاب‪ ،‬ط‪ ،4‬ج‪ 1‬ص‪.98‬‬
‫‪ .1‬ذكرنا أ ّن القرآن الكرمي يأيت يف ادلرتبة األوىل من حيث االستشهاد‪ ،‬وقد استقى منه‬
‫مادهتم النحوية كونه أعلى درجات البالغة والفصاحة‪.‬‬ ‫النحاة ّ‬
‫ىات أمثلة نحوية استشهد فيها النحاة آليات من القرآن الكريم‪.‬‬
‫استدل ابن مالك يف ألفيته حبديث النّيب صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬يتعاقبون فيكم‬
‫ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫مالئكة باللّيل ومالئكة بالنّهار" من أجل إثبات أ ّن لغة "أكلوني البراغيت"‬
‫صحيحة‪ ،‬وقد ذكر أبو حيّان وشيخه ابن الضائع أ ّن ابن مالك قد أكثر من ذلك‬
‫يسميها "لغة يتعاقبون"‪.‬‬
‫حت صار ّ‬
‫ّ‬
‫يدعم ىذه اللّغة – أكلوني البراغيت ‪ -‬من أشعار‬
‫مستدال بما ّ‬
‫ّ‬ ‫ناقش ىذا القول‬
‫العرب‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكرنا أ ّن ابن جني ّ‬
‫قسم ادلسموع يف كتابه اخلصائص إىل قسمٌن مطّرد وشاذّ‪ ،‬ويرى‬
‫أ ّن هذين القسمٌن ذلما أربعة أشكال‪.‬‬
‫كل شكل من األشكال األربعة‪.‬‬
‫ىات أمثلة عن ّ‬

‫مالحظة‪ :‬يق ّدم التطبيق عرب اإلدييل اخلاص ‪hamzachoupot@gmail.com:‬‬


‫ّأما بالنسبة للطالب الذي ال ديلك وسيلة للتواصل فالبأس أن حيضر العرض إىل الكلية‬
‫حت يناقش فيه‪.‬‬
‫كل أسبوع ّ‬‫ّإما بيوم الثالثاء أو األربعاء من ّ‬
‫األستاذ بوزيان محزة‬

You might also like