Professional Documents
Culture Documents
ملخص كتاب امير المؤمنين و النخبة السياسية
ملخص كتاب امير المؤمنين و النخبة السياسية
الملكية والنخبة السياسية المغربية" في األصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية أنجزها الطالب األميركي جون
واتربوري وأقام من أجلها في المغرب بين سنة 1965و ، 1967لكنه صار بعد ذلك مرجعا مهما لفهم تاريخ الحياة السياسية المغربية وآليات تحركها
وطبيعة الفاعلين فيها.
صاحب الكتاب الذي يشغل حاليا مدير الجامعة األميركية ببيروت اضطر بمناسبة ترجمته للغة الفرنسية لتنقيحه وتعديله باختصار بعض الفقرات وحذف
أخرى وإضافة معطيات جديدة تتعلق أساسا بالوضعية التي نتجت عن المحاولتين االنقالبيتين لسنتي 1971و ،1972معترفا في الوقت نفسه بأنه قدم
العديد من آرائه الخاصة واالجتهادات التي قد تكون مجانبة للصواب ومغرقة في الذاتية ،خاصة أنه يعتبر أن الموضوعية في العلوم االجتماعية صعبة
المنال.
معطيات تاريخية
رصد واتربوري في الفصل األول البنيات التقليدية للمجتمع المغربي في فترة الستينيات وتأثيرها في طبيعة السلوك السياسي للنخبة يومها من حيث
عدم القدرة على حسم التحالفات مع جهة واحدة واستمرار عقلية القبيلة لدى كثير من الفئات.
وسجل أن المغرب عرف بين سنة 1912وهو تاريخ فرض نظام الحماية وسنة 1955قبيل االستقالل بسنة تغيرا كبيرا في اإلطار السياسي ،حيث تقوت
وتوسعت بنيته اإلدارية العصرية على حساب الزوايا والقبائل ،وكذا في طبيعة اقتصاده بنشوء طبقة عاملة وتراجع الطبقة التجارية بمفهومها التقليدي.
وخلص واتربوري إل ى أن تلك التغييرات تشكل أبرز آثار ما سماه اإلرث الفرنسي ،وقرر في الفصل الثاني أن المغرب لم يعرف قبل سنة 1912تغييرا
يذكر على مستوى التنظيم السياسي واالجتماعي بخالف بعض أقطار شمالي إفريقيا التي شهدت بعض عناصر التحديث على يد اإلدارة العثمانية أو على
يد االحتالل الفرنسي والتغلل االقتصادي األوروبي فيها.
واعتبر واتربوري في كتابه أن فرنسا اقتحمت عالم السلطنة المغربي المغلق وأحدثت تحويال في األساليب الحكومية التقليدية ،بحيث ثبتت خالل
استعمارها للمغرب جهازا إداريا مركزيا ،وطورت قطاعات مثل الفالحة والصناعة والمعادن والتجارة.
وقامت بالمقابل بتقليص مفعول العناصر األساسية التي كان يقوم عليها النظام التقليدي -القبائل والمخزن ورجال الزوايا والطرق -بحيث لم تعد تلعب إال
دورا ثانويا بعد توحيد وإخضاع الكل للمركز.
"
فرنسا اقتحمت عالم السلطنة المغربي المغلق وأحدثت تحويال في األساليب الحكومية التقليدية بحيث ثبتت خالل استعمارها للمغرب جهازا إداريا
مركزيا
"
وتطرق خالل ذلك للحركة الوطنية وأصولها باعتبارها قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم ابتدءا من سنة ،1945
واصفا إياها بكونها قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية.
غيرأن الحركة التي صعب على االستعمار الفرنسي احتواؤها ،فشلت في تكوين نخبة سياسية متماسكة قادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيها بعد
االستقالل بحيث تميزت نقاشاتها حسب واتربوري بالبيزنطية ،ليجد المغرب نفسه بين إرثين إرث العادات والتقاليد في عالقتها بالسلطة وطرق تدبيرها،
وإرث االستعمار في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير مالئمة في الغالب لواقع البالد وحاجياتها.
وضعية ربطت الحياة السياسية المغربية وتاريخها بعد االستقالل بمدى القدرة على التوفيق بين اإلرثين أي بمدى القدرة على التزام الشخصية المغربية
بمقاييس وقواعد المؤسسات العصرية والسوق االقتصادية واآلليات الجديدة في التنظيم من قبيل األحزاب السياسية والنقابات وغيرها ،دون المس
بخصوصيات ما سماه واتربوري الشخصية المغربية.
محاولة في التأويل ..النظرية االنقسامية
تبنى جون واتربوري في تحليله للنخبة والحياة السياسية المغربية وفي رصد سيرورتها "النظرية االنقسامية" التي تستعمل أساسا في الحقل
األنثروبولوجي (علم اإلنسان) ،وذلك للوصول إلى نتائج مسبقة اعترى الكثير منها الخطأ وعدم الحياد.
فقد انطلق في الفصل الثالث من كون التوتر الدائم في مستويات مختلفة يعد من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون بحيث يبدو وكأنه موشك على
االنفجار لكن طبيعته األساسية هي الجمود.
ولكي تسعفه النظرية المذكورة اعتبر أن المغرب ومجتمعه في العموم منحدر من القبيلة وأن قيم وأنماط السلوك السياسي السائدة فيه ذات طابع قبلي
شبيه بدول الشرق األوسط ،وهي المنطقة التي وظف فيها الباحثون الغربيون الذين استند إليهم واتربوري لدراسة وإعمال النظرية االنقسامية التي
وضع دوركهايم أسسها في بداية القرن في شكلها العام في كتابه "تقسيم العمل االجتماعي" بغية البحث عن مفاتيح جديدة في البحث العلمي ورصد
أنماط الحياة في المجتمع القبلي ومعرفة نوعية العالقات السائدة بين أفراده ماذا يوحدهم وماذا يفرقهم؟
"
الحركة الوطن ية قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي
المنظم ..وهي قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية
"
ويوضح دوركهايم الشروط االنقسامية التي ترتكز على التشابه بقوله "لكي يكون التنظيم االنقسامي ممكنا البد من أن تتشابه األقسام ودون هذا التشابه
ال يمكن أن تتحدد وأن تتباين ،ودون هذا التباين والخالف سيضيع بعضها في بعض وتنتهي للتالشي".
فاعتمادا على المنهج االنقسامي حاول واتربوري انطالقا من الفصل الثالث من الكتاب دراسة وتحليل سلوك النخبة السياسية المغربية في مرحلة
الستينيات باألساس ،دراسة اعتمدت على تركيب نظري ضخم لسيرورة التحوالت والوقائع االجتماعية منذ استقالل المغرب إلى غاية منتصف
الستينيات.
وقد ذكر الفئات األساسية المشكلة للم جتمع المغربي يومئذ والتي تكمن في مشاعر االنتماء للدين والزوايا والقبيلة واألسرة والحي من قبيل عائلتي
الفاسي والوزاني ببنية مدينية واحدة ،واالنقسام تبعا ألهداف مادية عقالنية بين تجار سوس وتجار فاس كنموذج ,واالنقسام تبعا للبنيات التنظيمية
الحديثة من قبيل األحزاب والنقابات والجماعات االقتصادية وغيرها.
وهي الفئات التي سماها بالفصائل االنقسامية التي تحدد الصراعات داخل المجتمع المغربي.
والفصول المتبقية من كتاب "أمير المؤمنين الملكية النخبة السياسية المغربية" ركز فيها على جدلية التوتر والجمود باعتبارهما طرفي نقيض تعايشا
في فترة ما بين سنة 1956و 1965التي اشتغل عليها المؤلف ونعتها بعض الباحثين بـ"فترة خميرة المغرب الحديث" لكونها كانت حاسمة ومجاال
لكل الرهانات والصراعات بين الفاعلين السياسيين.
وتجلى التوتر في الدعوات المتتالية لإلصالح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر ال
ينتج تحوالت سياسية.
وقد فصل القول في العوامل اال جتماعية واإلقليمية المؤثرة في نشوء النخبة السياسية التي كانت تمثل أقلية ذات مستوى تعليمي مرتفع وسط أغلبية
أمية بفعل السياسة التعليمية النخبوية التي نهجها االستعمار الفرنسي بحيث لم يتجاوز عدد المغاربة الذين اجتازوا امتحان الباكلوريا ما بين سنة1912
و 530 1954تلميذا.
هذا فضال عن كون جميع أفراد الطبقة الحاكمة يومئذ كانت تعرف بعضها البعض معرفة شخصية ودية كانت أو عائلية لم تمنع من االختالفات في
وجهات النظر برأي واتربوري لكنها كانت كافية للتخفيف من حدة المواقف بطريقة فعالة.
"
التوتر تجلى في الدعوات المتتالية لإلصالح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات
التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر ال ينتج تحوالت
سياسية
"
غير أن الوضع المذكور لم يستمر طويال بحيث لم تصمد العالقات الشخصية داخل النخبة المغربية التي نسجتها خلفية اجتماعية مشتركة أمام
زحف جيل من الشباب الذين سارعوا بدورهم القتحام الطبقة المسيرة بأصل اجتماعي وتكوين مختلف ،زحف ساهمت فيه جهود مغرب ما بعد االستقالل
في ميدان التعليم .
واسترسل ووتربوري في رصد الرهانات المزدوجة المتمثلة في هيمنة الحكم واحتواء النخبة السياسية ,وهيمنة هذه النخبة على المجتمع ،وتطرق
للسياقات السياسية للحياة الحزبية المغربية في العقد األول من االستقالل ،حيث تابع ما سماه "دينامية السيرورة االنقسامية للنخبة" من خالل تفسير
االنشقاقات الحزبية التي شهدتها الفترة التي شملها كتابه انطالقا من انشقاق حزب االستقالل وميالد اليسار،وانشقاق حزب الحركة الشعبية ،وجبهة
الدفاع عن المؤسسات الدسورية ،متتبعا تفاصيلها بشكل دقيق جعل من الكتاب مرجعا مهما في فهم تاريخ األحزاب السياسية المغربية.
وخصص المؤلف الفصول األربعة األخيرة من كتابه ألدوات احتواء الملكية للنخبة السياسية والتأثير عليها في أفق خدمة إستراتيجيتها وعدها في ست
أدوات منها ما سماه البيروقراطية حيث إن للملك صالحية توزيع المنافع السياسية والمادية للسلطة مما يسمح له بمراقبة فعلية لإلدارة ،وتسريع
دوران التعيينات والتغييرات في المناصب ،مع استقطاب الطاقات والكفاءات من داخل األحزاب السياسية.
ومن أدوات التحكم كذلك وزارة الداخلية بما يدخل تحت إمرتها من والة وعمال وقادة وأمن بكل مستوياته ،ودرك وقوات مساعدة و ,..والجيش,
والديوان الذي يشكل حكومة الظل التي تراقب بدقة أنشطة الحكومة الرسمية ,والعدالة لكون دستور 1962احتفظ للملك بحق تعيين كل القضاة مع
تأكيده الفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية ،مع العلم بأن التعيينات تتم عن طريق اقتراح المجلس األعلى للقضاء الذي يرأسه الملك.
وأخيرا أداة الدعاية والصحافة بحكم الرقابة الكاملة للدولة على وسائل اإلعالم واالتصال بالرأي العام من إذاعة وتلفزيون فضال عن بعض المؤسسات
الصحفية المؤيدة للخط والتوجه الرسمي.
في الفصل 16اعتبر واتربوري أن بقاء نظام ما ونخبته رهين بقدرة هذه األخيرة على بلورة ثقافة سياسية وطنية تستوعب القيم األساسية ،وفي الوقت
نفسه تحقيق التنمية االقتصادية ،بحيث تصبح صيرورة االستيعاب وال تنمية االقتصادية بالنسبة للنظام مرتبطة بمدى قدرته على احتواء األطر الوطنية
المتعلمة وإرضاء حاجياتها المادية وتعطشها للنفوذ.
"
الركود االقتصادي ال يهدد االستقرار وال يكتسي خطورة إال إذا كانت هناك مجموعة
من الطامحين غير الراضين تستعمل الوضعية االقتصادية سالحا سياسيا لاللتحاق
الحالية النخب وطرد الحاكمة بالطبقة
"
وسجل واتربوري في الوقت نفسه أن الركود االقتصادي ال يهدد االستقرار وال يكتسي خطورة إال إذا "كانت هناك مجموعة من الطامحين غير الراضين
الذين يستعملون الوضعية االقتصادية سالحا سياسيا لاللتحاق بالطبقة الحاكمة ،وطرد النخب الحالية" ،مع العلم بأنها ال تملك حلوال لتجاوز ذلك الركود
وقد تسهم في استمراره.
وهذا األمر جعل مشكل طاقة استيعاب النخبة ظاهرة جديدة في المغرب في مرحلة الستينيات التي شملها كتاب "أمير المؤمنين الملكية والنخبة
السياسية في المغرب" ،وأراح النخبة الحاكمة التي تكونت في ظل نظام الحماية من منافسة حقيقية.
ولئن كان جون واتربوري سقط في كثير من األح يان في التعميم ،وتبنى آراء مغرقة في الذاتية ،فإنه تمكن من تسليط الضوء على النخبة الحاكمة في
المغرب ومكوناتها ،وانتقادها ،متتبعا أدق التفاصيل واألحداث ،ومن ثم صياغة أهم عمل أكاديمي تركيبي حول الواقع السياسي المغربي في عهد
الحماية وما بعد االستقالل ،يصعب االستغناء عنه بالنسبة للباحثين والمشتغلين بحقل علم السياسة.
وهذا الكتاب يدفع القارئ اليوم للوقوف على مدى التغير الحاصل بعد 34سنة من نشره ألول مرة باللغة اإلنجليزية في طريقة عمل النخبة السياسية
المغربية وطبيعة عالقتها مع المؤسسة الملكية