Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫نقض قانون المصادفة‬

‫‪:‬هنالك ثالثة فروض ال رابع لها أبدا‬


‫الفرض األول ‪:‬‬
‫أن تكون هذه األشياء من صنع هللا السيما الحية منها ؛ ألنها أعطيت الحياة‪.‬‬

‫الفرض الثاني ‪:‬‬


‫أن تكون هذه التنوعات كلها من صنع ذرات المادة وأجزائها وعناصرها عن إرادة وقصد وغاية ‪ ،‬أي أن عناصر المادة‬
‫األصلية فكرت ودبرت واتفقت على صنع تنوعات هذا العالم بهذه األشكال والصور التي تراها‪.‬‬

‫الفرض الثالث ‪:‬‬


‫أن تكون هذه التنوعات قد تكونت بطريق المصادفة ‪ ،‬أي أن الذرات تالقت وتجمعت على نسب وأوضاع مخصوصة بطريق‬
‫المصادفة ‪ ،‬فتكونت العناصر األصلية ‪ ،‬ثم تالقت العناصر وتجمعت وتمازجت بالمصادفة ‪ ،‬على نسب صالحة بالمصادفة ‪ ،‬في‬
‫مدد كافية بالمصادفة ‪ ،‬وأجواء مالئمة بالمصادفة ‪ ،‬فتكونت هذه التنوعات ‪ ،‬وخلقت الحياة من هذه المصادفات‪.‬‬

‫وأما الفرض الثاني وهو ‪ :‬أن تكون هذه التنوعات كلها من صنع ذرات المادة وأجزائها وعناصرها عن إرادة وقصد وغاية ‪ ،‬أي أن عناصر‬
‫المادة األصلية فكرت ودبرت واتفقت على صنع تنوعات هذا العالم بهذه األشكال والصور التي نراها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬نجعل السماء سماء واألرض‬
‫أرضا والبحار بحارا ‪ ،‬واألناسي والحشرات والطيور والحيوانات ‪ .‬هذه الفرض الثاني ال يقول به أحد مطلقا ‪ ،‬ال المؤمنون وال الماديون ‪ ،‬بل‬
‫إن هؤالء الماديين لينكرون إنكارا قاطعا أن يكون لعناصر المادة إرادة وقصد وغاية‪.‬‬

‫إذا ؛ أصبحنا أمام فرضين ال ثالث لهما ‪ ،‬فإما أن تكون تنوعات العالم من خلق هللا وصنعه ‪ ،‬وإما أن تكون نتيجة للمصادفة‪.‬‬

‫قيمة المصادفة في ميزان العقل السليم‪:‬‬

‫مثال‪:1‬‬
‫لوحا من خشب اغرز فيه إبرة ثم وضع في ثقبها إبرة ثانية‪ :‬إذا رأى إنسان عاقل هاتين اإلب[[رتين وس[[أل ‪ :‬كي[[ف أدخلت الثاني[[ة في ثقب األولى ؟‬
‫فأخبره إنسان معروف بالصدق أن الذي أدخلها رجل ماهر قذف بها من بعد عشرة أمتار ‪ ،‬فاستطاع أن يدخلها في ثقب اإلبرة األولى ‪ ،‬ثم أخبره‬
‫إنسان آخر معروف بالصدق أيضا أن الذي ألقاها صبي صغير ولد من بطن أمه أعمى ‪ ،‬فلما قذفها هذا الصبي األكمه ؛ وقعت في الثقب‬
‫بطريق المصادفة ؛ أي الخبرين يصدق ؟‬
‫ال ريب أنه سيميل إلى تصديق الخبر األول ؛ ولكنه أمام صدق المخ[[برين ‪ ،‬ي[[رى أن المص[[ادفة ممكن[[ة ‪ ،‬فال يج[[زم ب[[ترجيح أح[[د الخ[[برين على‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫إذا رأى الرجل أن هنالك عشر إبر ‪ ،‬كل واحدة منها مغروزة في ثقب األخ[رى ال[تي تليه[ا ؛ فإن[ه يتق[وى عن[ده ت[رجيح القص[د ح[تى تك[اد فك[رة‬
‫المصادفة أن تتالشى ‪.‬‬
‫فإذا كانت اإلبر العشر مرقمة بخطوط ‪ ،‬لكل واحدة منها رقم ‪ ،‬من الواحدة إلى العش[[رة ‪ ،‬وقي[[ل إن الص[[بي األعمى أعطي كيس[[ا‬
‫فيه هذه اإلبر العشر مخلوطة مشوشة ‪ ،‬وكان يضع يده في الكيس يستخرج اإلبر تباعا على ترتيب أرقامها من واحد إلى عش[[رة‬
‫بطريق المصادفة ‪ ،‬ويلقيها ‪ ،‬فتقع األولى في ثقب المغروزة في اللوح ‪ ،‬وتقع الثاني[[ة في األولى ‪ ،‬والثالث[[ة في الثاني[[ة ‪ ،‬والرابع[[ة‬
‫في الثالثة ‪ ،‬وهكذا حتى تم إدخال اإلبر العشر في بعض على ترتيب أرقامه[ا ‪ ،‬وأن ذل[ك ق[د حص[ل كل[ه بطري[ق المص[ادفة ‪ ،‬ال‬
‫ريب في أنه ال يصدقه أحد ألن المصادفة بهذا التتابع والتعاقب في مجال األعداد الكبرى تصبح مستحيلة بداهة‪.‬‬

‫مثال‪:2‬‬
‫لو فرض أنك تملك مطبعة فيها مليون ح[رف مفرق[[ة في ص[ناديقها فج[اءت ه[[زة أرض[ية {زل[زال} ‪ ،‬فقلبت ص[ناديق الح[روف على بعض[ها ‪،‬‬
‫وتبعثرت تلك الحروف واختلطت ‪ ،‬ثم أخبرت أنه قد تألف من اختالط الحروف بالمصادفة عشر كلمات متفرقة غير مترابطة‬
‫المعاني ؛ هل كنت تصدق ؟‬
‫قد تقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬أصدق فلو قيل لك ‪ :‬إن الكلمات العشرة تؤلف جملة كاملة مفيدة ؛ هل كنت تصدق ؟ ستستبعد ذلك ولكن قد تصدقه‪.‬‬
‫فلو أخبرت أن حروف المطبعة بكاملها كونت عند اختالطها بالمصادفة قصيدة تتكون من ‪ 20‬الف بيت ‪ ،‬تؤلف بمجموعها وحدة كاملة مترابط[[ة‬
‫متالئمة منسجمة بألفاظها وأوزانها وقوافيها ومعانيها ومغازيها ؛ فهل كنت تصدق ذلك ؟!‬
‫أبدا ال تصدقه ؛ فلماذا ال تصدقه ؟ ألنك ترى االستحالة هنا بديهية‪.‬‬

‫هذا في تلك القصيدة وكلماتها المحدودة المعدودة ؛ فما قولك في كتاب هللا األعظم ؟! في خلق هللا عز وجل التي يقول عنها ربنا‬
‫جل وعال ‪ُ { :‬قْل َلْو َك اَن اْلَبْح ُر ِم َداًدا ِلَك ِلَم اِت َر ِّبي َلَنِفَد اْلَبْح ُر َقْبَل َأْن َتْنَفَد َك ِلَم اُت َر ِّبي َو َلْو ِج ْئَنا ِبِم ْثِلِه َم َدًدا ( ‪018)} ،‬وقال جل‬
‫وعال ‪َ { :‬و َلْو َأَّنَم ا ِفي اَأْلْر ِض َش َج َرٍة َأْقاَل ٌم َو اْلَبْح ُر َيُم ُّد ُه ِم ْن َبْع ِدِه َس ْبَع ُة َأْبُح ٍر َم ا َنِفَد ْت َك ِلَم اُت ِهَّللا} ‪ ،‬وتأمل في كل ذرة من مياه‬
‫البحار وأشجار األرض ‪ ،‬وتأمل في كل ما في الكون من ذرات وعناصر ‪ ،‬ونظم وقوانين ونواميس ‪ ،‬ونسب وروابط وعالئق ‪،‬‬
‫وأقدار وأحجام وأوزان ‪ ،‬ومدد وأوقات وأزمان ‪ ،‬وصور وأشكال وألوان ‪ ،‬وحركات وسكنات وأوضاع ‪ ،‬وأجناس وأصناف‬
‫وأنواع ‪ ،‬وتعال تتصور عدد ما في العالم عالم الخالق من شيء في ملكوت السماوات واألرض من الذرة إلى المجرة ‪ ،‬وتصور‬
‫عدد ما يربط بينها في عالم األمر من روابط وعالئق على اختالف النواميس واألقدار والمدد ‪ ،‬واألشكال والحركات‬
‫واألوضاع ‪ ،‬ثم تعال ندرس في ضوء العلم والقرآن بعض ما في هذا العالم من تقدير واتزان وتنظيم وترتيب وإحكام وإتقان ؛‬
‫لنعرف ما هو حظ المصادفة في تكوينه ‪ .‬من جملة اآليات ‪ :‬قال تعالى ‪ِ { :‬إَّنا ُك َّل َش ْي ٍء َخ َلْقَناُه ِبَقَد ٍر {‪.‬‬
‫وقال ‪َ { :‬و اَأْلْر َض َم َد ْد َناَها َو َأْلَقْيَنا ِفيَها َر َو اِس َي َو َأْنَبْتَنا ِفيَها ِم ْن ُك ِّل َش ْي ٍء َم ْو ُز وٍن * َو َجَع ْلَنا َلُك ْم ِفيَها َم َع اِيَش َو َم ْن َلْس ُتْم َلُه ِبَر اِزِقيَن‬
‫َو ِإْن ِم ْن َش ْي ٍء ِإاَّل ِع ْنَدَنا َخ َزاِئُنُه َو َم ا ُنَنِّز ُلُه ِإاَّل ِبَقَد ٍرَم ْع ُلوٍم * {‬
‫وقال ‪ُ { :‬ص ْنَع ِهَّللا اَّلِذ ي َأْتَقَن ُك َّل َش ْي ٍء } ‪.‬‬
‫وقال ‪ { :‬اَّلِذ ي َأْح َس َن ُك َّل َش ْي ٍء َخ َلَقُه } ‪.‬‬
‫وقال ‪َ { :‬لَقْد َخ َلْقَنا اِإْل ْنَس اَن ِفي َأْح َس ِن َتْقِو يٍم ‪} .‬‬
‫وقال ‪َ { :‬م ا َتَر ى ِفي َخ ْلِق الَّرْح َمِن ِم ْن َتَفاُوٍت } ‪.‬‬
‫وقال ‪ُ { :‬قِل اْنُظُروا َم اَذ ا ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض } ‪.‬‬
‫وقال ‪َ { :‬و َك َأِّيْن ِم ْن آَيٍة ِفي الَّسَم اَو اِت َو اَأْلْر ِض َيُم ُّر وَن َع َلْيَها َو ُهْم َع ْنَها ُم ْع ِر ُضوَن ‪} .‬‬
‫وقال ‪َ { :‬س ُنِر يِه ْم آَياِتَنا ِفي اآْل َفاِق َوِفي َأْنُفِس ِه ْم َح َّتى َيَتَبَّيَن َلُهْم َأَّنُه اْلَح ُّق {‬
‫هذا بعض كالم هللا الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى هللا عليه وآله وسلم ‪ ،‬النبي األمي ‪ ،‬سليل القبيلة األمية ‪ ،‬وربيب‬
‫البيئة األمية منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ‪ ،‬فتعال فانظر ‪ -‬كما أمر هللا عز وجل – بعض ما في السماوات واألرض في‬
‫ضوء العلم ؛ لترى ‪ :‬هل في خلقه ذلك التقدير واالتزان واإلتقان واإلحسان والتقويم الذي ذكره هللا رب العالمين في القرآن كما‬
‫في اآليات التي مرت ؛ ليبرهن على الخلق المقصود ضد المصادفة ‪ ،‬ولترى كم هو عدد األشياء المتزاحمة التي‬
‫ستخضع كما مر لقانون المصادفة عند القول بالمصادفة ‪ ،‬فهذه األشياء المتزاحمة ‪ :‬ذرات وعناصر وأشكال ومقاييس وأوزان‬
‫وخاص وطبائع ونواميس وأوضاع وظروف ومدد وأزمان وأجواء ‪ ،‬كلها في تكوين هذا العالم ‪ ،‬ثم تساءل ‪ :‬هل يعقل أن يكون‬
‫هذا قد كتب له الفوز بهذا الترتيب الشامل الكامل الدقيق المقدر المتزن المتقن الجميل بمجرد المصادفة ضد عدد هائل من‬
‫الممكنات األخرى المتزاحمة ؟!!‬
‫ماذا يقول العلم عما في هذا العالم مما سبق ذكره ؟!!‬
‫فبطل هذا الفرض ‪ ،‬وهو القول بالمصادفة ‪ ،‬ولم يبق إال الفرض األول‬
‫وهو أن يكون هذا الكون كله من صنع هللا وخلقه ‪ ،‬وهو المطلوب إثباته ‪.‬‬
‫بماذا ؟ بقانون العلم نفسه ‪ ،‬وبما دل العلم المادي نفسه‪.‬‬
‫((منقول من صفحة تفريغ خطب الجمعة للشيخ رسالن حفظه هللا بتصرف‪)).‬‬

You might also like