Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 179

‫مبدأ التحكيم يف فض املنازعات‬

‫دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي‬

‫رسالة الماجستير‬

‫قدمت إلى جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج‬


‫هذه الرسالة ّ‬
‫الستيفاء شرط من شروط الحصول على درجة الماجستير في الشريعة والقانون‬

‫إعداد الطالب‬

‫محمد علي عبد الحميد مؤمن‬

‫رقم التسجيل ‪62007731 :‬‬

‫قسم الشريعة والقانون‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج‬

‫‪3762 – 3762‬م‬
‫أ‬

‫ٱلرِنَٰمۡح ه‬ ‫ه‬
‫ٱَّللِ ه‬
‫يم‬
‫ح ِ‬‫ٱلر ِ‬ ‫ِمۡسِب‬

‫ِيما َش َ‬
‫جرَ‬ ‫وك ف َ‬ ‫َّت ُيَكِم َ‬ ‫َ‬
‫ون َح ٰه‬ ‫ََ ََ َ َ ۡ‬
‫﴿فَل وربِك َل يؤمِن‬
‫سه ۡم َح َرجا م هِما قَ َض ۡيتَ‬ ‫َ‬ ‫ََۡ ۡ ه َ َ ْ‬
‫ٓ‬
‫َيدوا ِِف أنف ِ ِ‬‫بينهم ثم َل ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ويسلِموا تسلِيما ‪[﴾٦٥‬النساء‪.]56:‬‬
‫صدق هللا العظيم‬
‫ب‬

‫اإله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداء‬

‫إلى بهاء الفجر األبـدي ‪...‬أبي الحبيب‪.‬‬


‫والى ميناء العشق األزلي ‪...‬أمــي الحبيبة‪.‬‬
‫إلى أبي الروحي وشيخي الفاضل‪...‬د‪.‬أحمد‬
‫القطعاني‪.‬‬
‫والى شموع الوفاء الدائمة ‪...‬إخوتي األحبة‪.‬‬
‫والى ربيع اإلخالص الدائم في قلوب‬
‫أصدقائي‪.‬‬
‫أقدم لهم جميعاً هذا الجهد المتواضع‬
‫ج‬

‫شكر وتقدير‬

‫انطالقاً من قول الحق تبارك وتعالى‪َ﴿ :‬لِئن َش َك ْرتُ ْم أل َِز َيدَّن ُك ْم﴾)‪ ،(1‬وقول‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪( :‬من ال يشكر الناس ال يشكر هللا))‪ (2‬أشكر هللا‬
‫وأحمده تعالى حمداً كثي اًر طيباً مباركاً فيه‪ ،‬ملء السماوات وملء األرض‬
‫وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك‬
‫عبد‪.‬‬
‫فله الشكر سبحانه على نعمه التي ال تحصى‪ ،‬ومن أعظمها نعمة‬
‫اإلسالم‪ ،‬ونعمة طلب العلم الشرعي في منهله الصافي‪.‬‬
‫وعرفاناً بالجميل أتقدم بالشكر الجزيل للمسئولين في جامعة موالنا مالك‬
‫إبراهيم اإلسالمية الحكومية‪ ،‬وعلى رأسهم رئيس الجامعة األستاذ‬
‫البروفيسور‪ :‬موجيا راهارجو حفظه هللا ورعاه الذي سهل لنا بفضل هللا عز‬
‫وجل التدارس في هذه الجامعة المباركة فجزاه هللا خي اًر‪.‬‬
‫كما أتقدم بجزيل الشكر إلى مدير الدراسات العليا البروفيسور‪ :‬عبد‬
‫المهيمن والى األساتذة األفاضل في جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية‬
‫الحكومية‪ ،‬وأخص بالشكر الدكتور منير العابدين الذي كان لنا نعم األستاذ‬
‫واألب في مشوار دراستنا في هذه الجامعة المباركة‪.‬‬
‫وأدين بالفضل والتقدير للدكتور عباس عرفان المشرف األول على هذا‬
‫البحث الذي مد لي يد العون في إخراجه إلى حيز الوجود‪ ،‬فقد ألفيته مشرفاً‬

‫(‪ )1‬سورة إبراهيم ‪ ،‬اآلية ‪. 7‬‬


‫(‪ )2‬رواه الترمذي عن أبي هريرة‪ :‬كتاب البر والصلة عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬باب ما‬
‫جاء في الشكر لمن أحسن غليك‪ 899-892/4 :‬رقم الحديث (‪ ، )4994‬وقال عنه ‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع‪ ، 4488/8 :‬رقم الحديث (‪.)0064‬‬
‫د‬

‫معيناً موجهاً بدقة عند المسير ومنبهاً عند الوئيد مسي اًر لي سبل االلتقاء به‬
‫أعظم التيسير فبذل جهده بكل إخالص وشجعني على متابعة البحث بكل‬
‫جد ونشاط ولم يأل جهداً في التوجيه والنصح فقد كان لي نعم المعلم ونعم‬
‫المرشد فبارك هللا فيه وفي ذريته ونفعه هللا بعلمه في الدارين‪.‬‬
‫كما أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للدكتور عون الرفيق‪ ،‬المشرف الثاني‬
‫على البحث‪ ،‬فقد كان من اسمه نصيب في مد يد العون في هذه الرسالة‪،‬‬
‫فجزاه هللا عنا خير الجزاء ووفقه هللا في دينه ودنياه‪.‬‬
‫وأشكر أيضا جميع الموظفين والعاملين في هذه الجامعة على جميع‬
‫المساعدات‪.‬‬
‫وأتقدم بشكري وامتناني أيضاً إلى عمي االستاذ طارق مؤمن الذي مد‬
‫لي يد العون‪ ،‬فقد كان متابعاً لي في سفري ومراحل دراستي فبارك هللا فيه‬
‫وفي أسرته الكريمة‪.‬‬
‫وفي الختام والختام مسك أتوجه بشكري إلى أصل الفكرة‪ ،‬وش اررة‬
‫االنطالقة‪ ،‬شيخينا الفاضل صاحب الفكر الوّقاد‪ ،‬الشيخ الدكتور بشير عبد‬
‫هللا القلعي‪ ،‬الذي مد لي يد العون في جميع مراحل دراستي منذ المرحلة‬
‫الثانوية وحتى هذه اللحظة وهو يقدم لي النصح واإلرشاد‪ ،‬فقد كان لي نعم‬
‫المنهل في دراسة العلوم الشرعية‪ ،‬فجزاه هللا كل خير وحفظه هو وأسرته‬
‫الكريمة‪ ،‬وأخص منهم بالذكر االستاذ يونس بشير القلعي الذي أعانني‬
‫بالبحث في سجالت المحاكم عن قضايا للتحكيم‪ ،‬فجزاه هللا كل خير‪.‬‬
‫وأسأل هللا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه‪ ،‬وصلى هللا على عبده ورسوله‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ه‬

‫محتويات البحث‬

‫ر‪.‬الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫أ‬ ‫اآلية القرآنية‬
‫ب‬ ‫االهداء‬
‫ج‬ ‫شكر وتقدير‬
‫ه‬ ‫محتويات البحث‬

‫الفصل األول‪ :‬اإلطار العام‬

‫‪4‬‬ ‫أ‪ .‬المقدمة‬


‫‪9‬‬ ‫ب‪ .‬مشكلة البحث‬
‫‪0‬‬ ‫ج‪ .‬أسئلة البحث‬
‫‪7‬‬ ‫د‪ .‬أهداف البحث‬
‫‪7‬‬ ‫ه‪ .‬أهمية البحث‬
‫‪2‬‬ ‫و‪ .‬حدود البحث‬
‫‪2‬‬ ‫ز‪ .‬مصطلحات البحث‬
‫‪46‬‬ ‫ح‪ .‬الدراسات السابقة‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلطار النظري‬

‫‪49‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬تعريف التحكيم وأهميته وتطوره التاريخي‬


‫‪49‬‬ ‫أوالً‪ :‬تعريف التحكيم لغة واصطالحاً‪ ،‬وأهميته‪ ،‬واأللفاظ ذات‬
‫العالقة‬
‫و‬

‫‪49‬‬ ‫أ‪ .‬التحكيم لغة واصطالحاً‬


‫‪40‬‬ ‫ب‪ .‬أهمية التحكيم‬
‫‪47‬‬ ‫ج‪ .‬التحكيم واأللفاظ ذات الصلة‬
‫‪82‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التطور التاريخي للتحكيم‬
‫‪82‬‬ ‫أ‪ .‬التحكيم في ظل الدولة القديمة (المدن القديمة)‬
‫‪80‬‬ ‫ب‪ .‬التحكيم عند العرب قبل اإلسالم‬
‫‪82‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم بين المتخاصمين في نصوص‬
‫الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‬

‫‪82‬‬ ‫أوالً‪ :‬التحكيم في القرآن الكريم‬


‫‪26‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التحكيم في السنة المطهرة‬
‫‪29‬‬ ‫ثالثا‪ :‬التحكيم في القانون الليبي‬
‫‪27‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أركان التحكيم وأنواعه والموضوعات التي‬
‫يجوز وال يجوز فيها التحكيم بين الشريعة والقانون‬

‫‪27‬‬ ‫أوالً‪ :‬أركان التحكيم وشروطه في الشريعة والقانون الليبي‬


‫‪27‬‬ ‫أ‪ .‬أركان التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‬
‫‪46‬‬ ‫ب‪ .‬الشروط الموضوعية للتحكيم " الرضا – المحل –‬
‫األهلية "‬
‫‪48‬‬ ‫ج‪ .‬الشروط الشكلية للتحكيم‬
‫‪42‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أنواع التحكيم‬
‫‪42‬‬ ‫أ‪ .‬أنواع التحكيم في الشريعة اإلسالمية‬
‫ز‬

‫‪09‬‬ ‫ب‪ .‬أنواع التحكيم في القانون الليبي‬


‫‪07‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في‬
‫الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‬
‫‪07‬‬ ‫أ‪ .‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في‬
‫الشريعة اإلسالمية‬
‫‪26‬‬ ‫ب‪ .‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في‬
‫القانون الليبي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬منهجية البحث‬

‫‪22‬‬ ‫أوال‪ :‬نوع البحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث‬

‫‪29‬‬ ‫ثانياً‪ :‬مصادر جمع البيانات‬

‫‪29‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬أداوت جمع البيان ـ ــات‬

‫‪20‬‬ ‫رابعاً‪ :‬أسلوب تحليل البيانات‬

‫‪27‬‬ ‫خامساً‪ :‬هيكل البحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث‬

‫الفصل الرابع‪ :‬تحليل البيانات‬

‫‪94‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬فض المنازعات في الشريعة اإلسالمية‬


‫والقانون المدني الليبي في مسألة الشقاق بين الزوجين‬
‫‪94‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مسألة الشقاق بين الزوجين في الشريعة‬
‫اإلسالمية‬
‫ح‬

‫‪442‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬مسألة الشقاق بين الزوجين في القانون‬


‫المدني الليبي‬
‫‪484‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون‬
‫المدني الليبي في المنازعات العقارية‬
‫‪484‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬المنازعات العقارية في الشريعة اإلسالمية‬
‫‪487‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التحكيم في المنازعات العقارية في القانون‬
‫المدني الليبي‬
‫‪426‬‬ ‫الفرع االول‪ :‬الدعاوي العقارية بوجه عام‬
‫‪429‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬دعاوى صحة التعاقد‬

‫الفصل الخامس‪ :‬الخاتمة‬

‫‪496‬‬ ‫النتائج‬
‫‪496‬‬ ‫التوصيات‬
‫‪492‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫جمهورية إندونيسيا‬

‫وزارة الشؤون الدينية‬

‫جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية بماالنج‬

‫كلية الدراسات العليا قسم الشريعة والقانون‬

‫اعتماد لجنة المناقشة‬

‫عنوان البحث‪ :‬مبدأ التحكيم في فض المنازعات‬


‫دراسة مقارنة بني الشريعة اإلسالمية والقانون املدين اللييب‬

‫حبث تكميلي لنيل درجة املاجستري قسم الشريعة والقانون‬

‫إعداد الطالب‪ :‬محمد علي عبد الحميد مؤمن‬

‫رقم التسجيل‪62007731 :‬‬


‫قد دافع عن هذا البحث أمام لجنة الجامعة وتقرر قبوله شرطا لنيل درجة الماجستير‬

‫في الشريعة والقانون وذلك يوم ‪....................................‬‬

‫وتتكون لجنة المناقشة من السادة األساتذة‪:‬‬

‫التوقيع‪.................:‬‬ ‫رئيسا ومناقشا‬ ‫‪ -1‬د‪ .‬منير العابدين‬


‫التوقيع‪.................:‬‬ ‫مناقشـــــــــــا‬ ‫‪ -2‬د ‪ .‬اسوندي‬
‫التوقيع‪..................:‬‬ ‫مشرفا ومناقشا‬ ‫‪ -3‬د‪ .‬عباس عرفان‬
‫التوقيع‪..................:‬‬ ‫مشرفا ومناقشا‬ ‫‪ -4‬د ‪ .‬عون الرفيق‬

‫يعتمد‬
‫عميد كلية الدراسات العليا‪:‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬مهيمن‬

‫رقم التوظيف‪611160666111916991 :‬‬


‫إقرار الطالب‬

‫أنا الموقع أدناه وبياناتي كاآلتي ‪:‬‬

‫االسم ‪ :‬محمد علي عبد الحميد مؤمن‬

‫رقم التسجيل ‪20083316 :‬‬

‫(دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون‬ ‫العنوان ‪ :‬مبدأ التحكيم في فض المنازعات‬
‫المدني الليبي)‬

‫أقر بأن هذه الرسالة التي حضرتها لتوفير شرط للحصول علي درجة‬
‫الماجستير في الشريعة و القانون كلية الدراسات العليا بجامعة موالنا مالك‬
‫إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج ‪ ,‬حضرتها و كتبتها بنفسي وما زورتها من‬
‫إبداع غيري أو تأليف شخص آخر ‪ .‬وإذا ادعي احد مستقبالا أنها من تأليفه وتبين‬
‫أنها فعال ليست من بحثي فانا أتحمل المسؤولية عن ذلك ولن تكون المسؤولية‬
‫علي المشرف أو علي كلية الدراسات العليا بجامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية‬
‫الحكومية ماالنج ‪.‬‬

‫هذا‪ ,‬حررت هذا اإلقرار بناء علي رغبتي الخاصة ولم يجبرني احد علي ذلك ‪.‬‬

‫باتو ‪ 16 ,‬يناير ‪1322‬م‪.‬‬

‫الطالب المقر ‪ :‬محمد علي عبد الحميد مؤمن‬


‫مبدأ التحكيم يف فض املنازعات‬

‫دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي‬

‫رسالة الماجستير‬

‫هذه الرسالة قدمت إلى جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج‬
‫الستيفاء شرط من شروط الحصول على درجة الماجستير في الشريعة والقانون‬

‫إعداد الطالب‬

‫محمد علي عبد الحميد مؤمن‬

‫رقم التسجيل ‪61019901 :‬‬

‫قسم الشريعة والقانون‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج‬

‫‪0961 – 0962‬م‬
‫جمهــــوريــــة إندونيسيــــــــــــا‬

‫وزارة الشؤون الدينية‬

‫جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسـالميــة الحكومية‬

‫كلية الدراسات العليا ‪ -‬قسم الشريعة والقانون‬

‫تقرير‬

‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن وااله ‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فبعد اإلطالع على مقترح البحث المقدم من‬

‫الطالب‪ :‬محمد علي عبد الحميد مؤمن ‪ .‬رقم التسجيل‪62007731 :‬‬

‫قسم ‪ :‬الشريعة والقانون ‪.‬‬

‫موضوع البحث ‪:‬‬

‫(( مبدأ التحكيم في فض المنازعات ))‬

‫دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي‬

‫وافق المشرفان على تقديمه لمجلس الجامعة للمناقشة‪.‬‬

‫يعتمد من قبل‪:‬‬

‫المشرف األول‪ :‬د‪ .‬عباس عرفان (‪ )200020200991912991‬التوقيع‪...........:‬‬

‫المشرف الثاني‪ :‬د‪.‬عون الرفيق (‪ )2009000099990292‬التوقيع‪................:‬‬

‫يعتمد‪ :‬رئيس القسم‬

‫د‪ .‬الفضيل(‪).................................‬‬

‫التوقيع ‪..................... :‬‬


‫ّ‬
‫ملخص حبث‬

‫مبدأ التحكيم يف فض املنازعات‬

‫دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي‬

‫رسالة الماجستير‬

‫إعداد الطالب‬

‫محمد علي عبد الحميد مؤمن‬

‫رقم التسجيل ‪62007731 :‬‬

‫قسم الشريعة والقانون‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج‬

‫‪3762 – 3762‬م‬
‫‪1‬‬

‫الفصل األول‬
‫اإلطار العام والدراسات السابقة‬

‫أ‪ .‬المقدمة ‪:‬‬

‫التحكيم هو أحد وسائل الفصل في المنازعات القائمة بين األطراف‬


‫المعنية بواسطة شخص من الغير بعيداً عن قضاء الدولة‪ ،‬وتعود نشأة‬
‫التحكيم إلى بداية البشرية‪ ،‬وهو قديم قدمها‪ ،‬فقد عرفته البشرية قبل أن‬
‫تعرف القضاء العام‪ ،‬واعترفت به كافة األنظمة األساسية التي كانت سائدة‬
‫آنذاك‪ ،‬كالحضارات اليونانية والرومانية واإلسالمية وغيرها‪ ،‬وهو اآلن محل‬
‫اعتراف أيضاً من كافة األنظمة التشريعية الوطنية والدولية‪ ،‬ويعتبر التحكيم‬
‫في هذا العصر مسا اًر للفصل في المنازعات الى جانب مسار القضاء‬
‫الرسمي‪ .‬ويعيش اآلن أزهى عصور ازدهاره‪ ،‬خصوصاً على صعيد التجارة‬
‫الدولية‪ .‬وقد كان القانون الليبي منفتحاً على التحكيم الداخلي‪ ،‬فأدخله في‬
‫صلب قانون المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬أما التحكيم الدولي فقد تم إنشاء‬
‫مركز له‪ ،‬وهو باسم " المركز الدولي للتحكيم – ليبيا "(‪.)1‬‬

‫تأسس المركز الدولي للتحكيم ‪ -‬ليبيا عام ‪ 8002‬وهو عضو اعتباري بإتحاد المحامين‬ ‫( ‪)1‬‬
‫األفريقي والدولي وذلك لتلبية االحتياجات والمتطلبات المحلية والدولية المعاصرة ومواكبة‬
‫عصر العولمة لسرعة انجاز الفصل المنازعات التجارية والمدنية باللجوء إلى المركز الدولي‬
‫للتحكيم ‪ -‬ليبيا بدال من مراكز التحكيم األجنبية وبث ثقافة التحكيم وجذب االستثمار األجنبي‬
‫‪2‬‬

‫فالتحكيم ال يزال وسيلة مقبولة لتسوية المنازعات المحلية والدولية ‪،‬‬


‫وازدادت أهميته في الوقت الحاضر وخاصة في إطار العالقات الزوجية‪،‬‬
‫وما يعنينا هنا التحكيم االختياري الذي يتم باتفاق األطراف‪ ،‬ويثور التساؤل‬
‫في هذا المقام عن موقف الشريعة اإلسالمية بما في ذلك الفقه اإلسالمي‬
‫من التحكيم بهذا المفهوم ‪.‬‬
‫فقد وردت عدة آيات قرآنية حول الوفاء بالتعهدات عموما بما في ذلك‬
‫العقود‪ ،‬وآيات خاصة بالتحكيم بمعنى تسوية المنازعات بين الناس ‪.‬‬
‫فبالنسبة للنوع األول‪ ،‬هناك آيات كثيرة نستنتج منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬وجوب الوفاء بالتعهدات والعقود على صيغة األمر‪ ،‬ومن ذلك اآليات‬
‫التالية ‪:‬‬
‫َ َٰٓ َ ُّ َ ذ َ َ َ ُ ٓ ْ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ُ‬
‫﴿يأيها ٱَّلِين ءامنوا أوفوا بِٱلعقودِ ِۚ ‪. ﴾١ ....‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ََُۡ ْ َۡ ۡ ذ َۡۡ َ َ َ َ ۡ‬
‫﴿ ‪ ....‬وأوفوا بِٱلعه ِدِۖ إِن ٱلعهد َكن مسوا ‪. ﴾٣٤‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ ذ َ َ َٰ َ ُّ‬
‫﴿وأوفوا بِعه ِد ٱَّلل ِ إِذا عهدتم ‪. ﴾٩١ ....‬‬
‫)‪(4‬‬

‫َ َ ۡ ذ َۡ ُ ْ‬
‫﴿‪ ...‬وبِعه ِد ٱَّللِ أوفوا ‪. ﴾١٥٢ ...‬‬
‫(‪)5‬‬

‫‪ .2‬إن عدم الوفاء بالعهد يؤدي إلى المسائلة والجزاء سواء في الدنيا أو‬

‫لليبيا‪ ،‬وهو احد المؤسسين لالتحاد العربي لمراكز التحكيم والذي يضم عدداً من مراكز التحكيم‬
‫على مستوى الدول العربية وكذلك االتحاد المغاربي للتحكيم‪ .‬ولمزيد من المعلومات حول هذا‬
‫المركز أرجو زيارة الصفحة الرسمية له ‪. /http://www.ica-ly.com :‬‬
‫(‪ )2‬سورة المائدة‪ ،‬االية ‪.1‬‬
‫(‪ )3‬سورة اإلسراء ‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬
‫(‪ )4‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.158‬‬
‫‪3‬‬

‫اآلخرة أو كليهما معا‪ ،‬وهو ما يشير إليه القران الكريم في اآلية التي سبق‬
‫َ َ ۡ‬ ‫ذ ۡ‬ ‫َ ُ ْ ۡ‬
‫ذكرها ﴿ ‪َ ....‬وأ ۡوفوا بِٱل َع ۡه ِدِۖ إِن ٱل َع ۡه َد َكن َمسوا ‪ .)6( ﴾٣٤‬وبالمقابل‪ ،‬فان‬
‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ َٰ َ َ َ َ ۡ ُ ذ َ َ ۡ‬
‫ٱَّلل ف َس ُيؤت ِيهِ أ ۡج ًرا‬ ‫من يفي بالعهد‪ ،‬ينال أجره ﴿ ‪ ..‬ومن أوَف بِما عهد عليه‬
‫َ‬
‫ع ِظيما ‪ ،)7( ﴾١٠‬وعلى األغلب يكون ذلك في اآلخرة‪ ،‬وربما في الدنيا‬

‫ايضا ‪.‬‬
‫‪ .3‬إن الوفاء بالعهد واجب حتى مع غير المؤمنين أي المشركين‪ ،‬ما داموا‬
‫قائمين على العهد لم ينقضوه‪ .‬وفي ذلك‪ ،‬يقول القران الكريم ﴿إ ذا ذٱَّل َ‬
‫ِين‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ذ َ ۡ َ ُ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ُّ ٓ ْ‬ ‫َ َٰ َ ُّ َ ۡ ُ ۡ‬
‫ۡشك ِني ثم لم ينقصوكم شيا ولم يَٰٰ ِهروا عليمم أددا فتت ِموا‬ ‫عهدتم مِن ٱلم ِ‬
‫ني ‪.)8(﴾٤‬‬‫ِب ٱل ۡ ُم ذتق َ‬
‫ِ‬ ‫إ َ َۡله ۡم َع ۡه َد ُه ۡم إ َ ََٰل ُم ذدتِه ۡم إ ذن ذ َ‬
‫ٱَّلل ُُي ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ .3‬ان الوفاء بالعهد هو من اإليمان‪ ،‬إذ من صفات المؤمنين إنهم ﴿ ‪..‬‬
‫َ َ َٰ َ َٰ ۡ َ َ ۡ ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫ن‬
‫ِِلمنت ِ ِهم وعه ِدهِم رعون ‪ ، ﴾٨‬أي الذين هم ينفذو تعهداتهم‪ .‬وجاء‬
‫(‪)9‬‬

‫في موطن آخر من القران إن من صفات األبرار أو المؤمنين ﴿۞ ‪...‬‬


‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ ُ َ‬
‫َوٱل ُموفون ب ِ َع ۡه ِده ِۡم إِذا ع َٰ َه ُدوا‪ ، )10( ﴾١٧٧ ...‬إلى أن تصل اآلية إلى القول‪،‬‬
‫َُْ َ ذ َ َ َ ُ ْ‬
‫أن من تتوفر فيهم هذه الصفات‪ ،‬فإنهم ﴿۞ ‪ ...‬أو َٰٓلئِك ٱَّلِين صدقوا‬
‫ُ َ َ ُ ۡ ُ َ‬
‫(‪)11‬‬
‫َوأ ْو َٰٓلئِك ه ُم ٱل ُم ذتقون ‪﴾١٧٧‬‬

‫(‪ )6‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬


‫(‪ )7‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫(‪ )8‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫(‪ )9‬سورة المؤمنون‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫(‪ )10‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬
‫(‪)11‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬
‫‪4‬‬

‫وبالنسبة للنوع الثاني‪ ،‬وردت آيات متعددة في الحكم بين الناس بمعنى‬
‫القضاء في منازعاتهم‪ .‬ومن مجمل هذه اآليات نستدل ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن القران الكريم ال يفرق في الحكم بين الناس بين القضاء الرسمي‬
‫والتحكيم االختياري بالمفهوم القديم الجديد ‪.‬‬
‫‪ .2‬يجوز التحكيم في كافة المنازعات اإلنسانية‪ ،‬وبشكل خاص في‬
‫المنازعات المالية ومنازعات األحوال الشخصية‪ ،‬وعلى التحديد‪ ،‬بالنسبة‬
‫لألخيرة‪ ،‬المنازعات بين األزواج‪ .‬فبالنسبة لألولى‪ ،‬يقول القران الكريم‪﴿ :‬‬
‫ۡ َٓ َ‬ ‫َ ۡ ُ َ ۡ َ َ َۡ َ ُ ۡ‬ ‫َغ َب ۡع ُض َنا َ َ َٰ‬
‫ان َب َ َٰ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫ٱۡل ِق َوا تش ِط ۡط َوٱهدِنا إ ِ ََٰل‬ ‫لَع َب ۡع ٖض فٱدمم بيننا ِب‬ ‫خصم ِ‬
‫ذ َ َٰ َ ٓ َ َ ُ ۡ ‪َ َ َ ٞ َ َ ٞ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ٞ‬‬ ‫ٓ‬
‫ٱلص َر َٰ ِط ‪ ٢٢‬إِن هذا أ ِِخ َلۥ ت ِسع وت ِسعون نعجة و ِِل نعجة وَٰدِدة فقال‬ ‫َس َواءِ ِ‬
‫ِإَون خ ِۡف ُتمۡ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ۡ‬
‫أكفِلن ِيها ‪ . ﴾٢٣‬وبالنسبة للثانية جاء في القران الكريم ﴿‬
‫(‪)12‬‬

‫ۡ َۡ َٓ ُ َٓ َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ َ َۡ َ َ ۡ ُ ْ َ‬
‫يدا إ ِ ۡصلَٰحا‬ ‫ٱب َعثوا َدكما م ِۡن أهلِهِۦ َو َدكما مِن أهل ِها إِن ي ِر‬ ‫شِقاق بين ِ ِهما ف‬
‫ذُ ََُۡ َ ٓ ذ ذَ َ َ َ ً َ‬
‫ِيما خبِريا ‪. )13(﴾٣٥‬‬ ‫يُ َوف ِِق ٱَّلل بينهما ۗٓ إِن ٱَّلل َكن عل‬

‫‪ .4‬إن التحكيم يمكن أن يكون إجباريا يفرضه القانون الوضعي بصرف‬


‫النظر عن نتيجة التحكيم‪ .‬ويتضح ذلك من اآلية المشار إليها في البند‬
‫السابق حول نزاع الزوجين‪ ،‬أو اختياريا يلجأ إليه المتخاصمون بطوع‬
‫إرادتهم‪ ،‬كما في تحكيم (األخوين) الخصمين‪ ،‬اللذين ذهبا إلى نبي هللا داود‬
‫ليحكم في النزاع بينهما حول نعاجهما‪ ،‬وفق ما ذكرته اآلية المبينة في البند‬
‫السابق ‪.‬‬

‫(‪ )12‬سورة البقرة‪ ،‬ص ‪.88‬‬


‫(‪ )13‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ .3‬إن قرار التحكيم يجب أن يبنى على العدل والحق‪ ،‬دون تفرقة ما بين‬
‫إنسان وآخر‪ ،‬أو مؤمن وكافر‪ .‬ويقول القران الكريم في هذا الشأن‪:‬‬
‫َ َ َ ۡ ُ َۡ َ ذ ِ َ َۡ ُ ُ ْ ۡ َ ۡ ذ ذَ ذ َ ُ ُ‬
‫مم بِهِۗٓۦٓ‬ ‫﴿۞ ِإَوذا دكمتم بني ٱنلاس أن َتكموا بِٱلعد ِل ِۚ إِن ٱَّلل نِعِما ي ِعظ‬

‫يعَۢا بَ ِصريا ‪.)14( ﴾٥٨‬‬ ‫ٱَّلل ََك َن َسم َ‬


‫إ ذن ذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ ۡ ُ َ ۡ َ ََۡ ُ‬
‫﴿وأمِرت ِِلعدِل بينمم ‪. ﴾١٥‬‬
‫(‪)15‬‬

‫َ ُُۡۡ َ ۡ ُ ْ َ‬
‫ٱعدِلوا َول ۡو ََك َن َذا قُ ۡر َ َٰ‬
‫بِۖ ‪.)16( ﴾١٥٢‬‬ ‫﴿ِإَوذا قلتم ف‬
‫ذ ذَ َُۡ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ‬
‫س ِن ‪.)17(﴾٩٠‬‬ ‫ٱۡل ۡد َ َٰ‬
‫﴿۞إِن ٱَّلل يتمر بِٱلعد ِل و ِ‬
‫وتطبيقا للنصوص القرآنية السابقة وغيرها‪ ،‬فقد أجاز الفقهاء المسلمون‪،‬‬
‫عموما‪ ،‬التحكيم مع االختالف في التفصيالت واالجتهادات الفقهية‪ ،‬شأنهم‬
‫في ذلك شأن غيرهم من فقهاء القانون في كل زمان ومكان في تفسير‬
‫النصوص ومجال تطبيقها(‪.)18‬‬

‫ب ‪ .‬مشكلة البحث ‪:‬‬


‫إن نظر القضايا امام المحاكم وتداولها ‪ ،‬كما هو مشاهد فإنها تضيع‬
‫الحقوق بالتأجيالت وتبقى الحقوق في أدراج المحاكم لسنوات طويلة ‪،‬‬
‫فالتحكيم من شأنه أن يسرع في عملية الفصل في الحقوق والمنازعات ‪،‬‬

‫(‪ )14‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬


‫(‪ )15‬سورة الشورى‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬
‫(‪ )16‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪158‬‬
‫(‪ )17‬سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫(‪ )18‬قحطان الدوري‪ ،‬عقد التحكيم‪ ،‬ط‪ ،1125 ،1‬بغداد؛ الموسوعة الفقهية‪ ،‬و ازرة االوقاف‬
‫الكويتية‪ ،‬مادة "تحكيم‪".‬‬
‫‪6‬‬

‫واعطاء كل ذي حق حقه ‪ ،‬ثم إن التحكيم يجعل األطراف المتخاصمة‬


‫تجلس إلى طاولة الحوار ‪ ،‬وتقارب وجهات النظر بينهم ‪ ،‬فالتحكيم أقرب‬
‫أن يكون مبنياً على المكارمة ‪ ،‬وعلى التساهل ‪ ،‬والقضاء مبني على‬
‫المشاحه والمكايسة ومغالبة الخصم ‪ ،‬فالتحكيم له دور كبير جداً في تليين‬
‫ّ‬
‫الجانب ‪ ،‬وفي تسريع حل اإلشكال ‪ ،‬فمن هنا آمل أن يعالج بحثي هذا‬
‫إحياء مبدأ التحكيم ومفهومه والزاميته لألطراف المتنازعة ‪ ،‬ودعوة الناس‬
‫إليه ألنه أسرع في فض المنازعات ‪ ،‬فحكم التحكيم التي تعددت بشأنها آراء‬
‫الفقهاء بحيث انعكس هذا التعدد على موقف القانون والقضاء المقارن‪،‬‬
‫وهذه المقومات هي الطبيعة القانونية للحكم الفاصل في النزاع والصادر عن‬
‫هيئة التحكيم‪ ،‬واآلثار المترتبة على هذا الحكم ‪ ،‬وطرق الطعن فيه حيث‬
‫تعددت وجهات النظر حول هذه الطبيعة وهذا أدى إلى التعدد ذاته بشأن‬
‫اآلثار المترتبة على حكم التحكيم وكيفية الطعن فيه ‪ ،‬وهذه الجوانب هي‬
‫بحد ذاتها إشكالية البحث‪.‬‬

‫ج ‪ .‬أسئلة البحث ‪:‬‬


‫‪ .1‬كيف يتم فض المنازعات في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‬
‫الليبي في مسألة الشقاق بين الزوجين؟‪.‬‬
‫‪ .8‬كيف يتم التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي في‬
‫المنازعات العقارية ؟‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫د‪ .‬أهداف البحث ‪:‬‬


‫تكمن أهداف البحث فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬شرح أحكام التحكيم بين الزوجين في حالة الشقاق بين الشريعة‬
‫اإلسالمية والقانون المدني الليبي ‪.‬‬
‫‪ .8‬شرح أحكام التحكيم في المنازعات العقارية بين الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون المدني الليبي‪.‬‬

‫هـ ‪ .‬أهمية البحث ‪:‬‬


‫إن اختيار موضوع الرسالة وتناوله في البحث ينطلق من أهميتين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬األهمية النظرية وتتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬مفهوم التحكيم ومقارنته بالقانون الليبي ‪.‬‬
‫‪ -‬بيان النصوص الشرعية في جواز التحكيم وآراء الفقهاء في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬شرح أحكام التحكيم في القانون الليبي ‪ ،‬وبيان أنواعه وأهم قضاياه‪.‬‬
‫فتشابك العالقات تحتاج إلى فض نزاع بينهما ‪ ،‬مما فرض اللجوء إلى‬
‫التحكيم لحل هذه النزاعات‪ ،‬لما يتسم به هذا النظام من مزايا‪ ،‬ربما ال‬
‫يتسم بها القضاء‪.‬‬
‫‪ -2‬األهمية العملية وتتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬صيرورة التحكيم أمر واقع فرضت إقرار قوانين تنظم جميع جوانبه‪.‬‬
‫‪ -‬النزاعات المتعلقة بالتحكيم تطلبت تدخل القضاء‪ ،‬وهذا التدخل‬
‫واضح في بعض الصور‪ ،‬ويثير صعوبات في صور أخرى‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪ -‬قانون التحكيم الليبي في بابه الرابع في قانون المرافعات المدنية‬


‫والتجارية لم ينل الدراسة الكافية التي تبين مزاياه وعيوبه فيما يتعلق‬
‫بهذه الجوانب‪.‬‬
‫وهذا يتطلب دراسة جوانب نظام التحكيم التي تنطوي على أهمية‬
‫قانونية وعملية وبيان موقف الفقه والقانون والقضاء منها دراسة مقارنة‬
‫تساعد على التعرف على مزايا القانون محل الدراسة وعيوبه‪ ،‬والخروج‬
‫منسجما مع التطورات الحاصلة في‬
‫ً‬ ‫بالتوصيات الالزمة التي تجعله‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫و‪ .‬حدود البحث‪:‬‬


‫ينحصر اهتمام هذه الخطة بدراسة التحكيم في الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون المدني الليبي‪ ،‬من حيث تعريفه وأهميته واألدلة على جوازه‪ ،‬وبيان‬
‫أقسامه ومعرفة أركانه وشروطه‪ ،‬أما القانون محل الدراسة فسيكون قانون‬
‫التحكيم المنصوص عليه في الباب الرابع من قانون المرافعات المدنية‬
‫والتجارية الليبي‪.‬‬

‫ز‪ .‬مصطلحات البحث‪:‬‬


‫التحكيم‪ " :‬هو عبارة عن اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل‬
‫خصومتهما ودعواهما"(‪.)19‬‬

‫(‪ )19‬مجلة األحكام العدلية ‪ ،‬لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخالفة العثمانية ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫تجارت كتب آرام باغ ‪ :‬كراتشي ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪.465‬‬ ‫ِ‬ ‫نجيب هواويني ‪ ،‬دار نور محمد كارخانه‬
‫‪9‬‬

‫فض المنازعات‪ :‬هو حل المنازعات التي تجري بين المتعارضين؛‬


‫لتحقيق حق أو إلبطال باطل)‪."(20‬‬

‫الشريعة اإلسالمية‪ :‬ما شرعه هللا لعباده من العقائد والعبادات واألخالق‬


‫والمعامالت ونظم الحياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا‬
‫واآلخرة (‪.)21‬‬

‫فبعد أن تمايزت العلوم اإلسالمية‪ ،‬واستقرت مصطلحاتها وتحددت‪،‬‬


‫أصبح معنى الفقه أخص من معنى الشريعة‪ .‬فأحكام الفقه جزء من أحكام‬
‫الشريعة‪ ،‬فبينهما عموم وخصوص وجهي‪ ،‬فقد صار الفقه ُيراد به العلم‬
‫بأحكام العبادات والمعامالت دون باقي األحكام‪ ،‬أما الشريعة فتشمل‬
‫بمعناها باإلضافة إلى أحكام العبادات والمعامالت أحكام العقائد واألخالق‪.‬‬

‫وعلى هذا فإن بحثي سيكون في الشريعة اإلسالمية لما له شمول في‬
‫األحكام والعبادات‪ ،‬فموضوع التحكيم هو موضوع ال يزال يدرج تحت‬
‫مواضيع عدة‪ ،‬وال يمكن حصره في الفقه اإلسالمي فقط‪ ،‬ولذلك كان‬
‫موضوع دراستي في الشريعة اإلسالمية من حيث استداللي بنصوصها‬
‫سواء كان القرآن الكريم‪ ،‬أو السنة المطهرة‪.‬‬

‫(‪ ) 20‬علي بن محمد الجرجاني ‪ ،‬التعريفات ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت ‪ :‬لبنان ‪،‬‬
‫سنة ‪1124‬م ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫)‪ (21‬مناع خليل القطان ‪ ،‬وجوب تحكيم الشريعة اإلسالمية‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن‬
‫سعود اإلسالمية ‪ :‬السعودية ‪ ،‬سنة ‪1125‬م ‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫‪10‬‬

‫ح‪ .‬الدراسات السابقة‪:‬‬


‫تم االستناد إلى العديد من المصادر والمراجع ذات الصلة بموضوع‬
‫البحث والمتمثلة في‬
‫القوانين والكتب والدوريات ووقائع المؤتمرات واألطروحات الجامعية‬
‫واألبحاث المنشورة على المواقع اإللكترونية‪ ،‬وذلك كله وفق المبين في‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪ ،‬لكن هذه المراجع لم تتناول موضوع الرسالة‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬إنما تمت اإلشارة إلى الطبيعة القانونية لحكم التحكيم عند‬
‫دراسة الطبيعة القانونية لنظام التحكيم أو المهمة التحكيمية‪.‬‬
‫سيتم اإلشارة إلى بعض المراجع التي تم االطالع عليها وفق اآلتي‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫‪ -1‬محمود السيد عمر التحيوي ‪:‬الطبيعة القانونية لنظام التحكيم‬
‫تناول هذا المرجع التعريف بنظام التحكيم‪ ،‬وبيان عناصره‪ ،‬ومضمون‬
‫النظريات الفقهية التي قيلت بصدد تحديد هذه الطبيعة‪ ،‬وأسانيدها‪،‬‬
‫واالنتقادات الموجهة إليها‪ ،‬لكن لم يتناول آثار حكم التحكيم وطرق الطعن‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬نبيل إسماعيل عمر‪ :‬التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية‬
‫والدولية(‪.)23‬‬

‫أشار هذا المرجع إلى النظريات الفقهية التي قيلت بصدد تحديد الطبيعة‬

‫(‪ )22‬محمود السيد عمر التحيوي ‪ ،‬الطبيعة القانونيىة لنظام التحكيم ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬منشأة المعارف‬
‫‪ :‬مصر ‪ ،‬سنة النشر ‪8004‬م‪.‬‬
‫(‪ )23‬نبيل إسماعيل عمر‪ ،‬التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪،‬‬
‫دار الجامعة الجديدة ‪ :‬االسكندرية مصر ‪ ،‬سنة النشر ‪8005‬م ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫القانونية للتحكيم بشكل موجز‪ ،‬وأشار إلى اتفاق التحكيم وأركانه والنطاق‬
‫الموضوعي له‪ ،‬والى خصومة التحكيم‪ ،‬وكيفية قيام المحكم بالفصل في‬
‫النزاع المعروض عليه‪ ،‬وأشار إلى بعض آثار حكم التحكيم منها ‪:‬استنفاذ‬
‫الوالية‪ ،‬وحجية األمر المقضي به‪ ،‬وتنفيذ هذا الحكم وفًقا للقانون المصري‬
‫محل الدراسة‪ ،‬وأشار الى الطعن بالبطالن باعتباره الطريق الذي حددها‬
‫القانون المصري للطعن في حكم التحكيم‪.‬‬
‫إال أن رسالتي ستكون في التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‬
‫فلذلك كان محل دراسة المرجع بعيداً عن محل دراستي‪.‬‬
‫‪.‬تناول هذا‬ ‫(‪)24‬‬
‫‪ -3‬محمود مختار أحمد بريري ‪:‬التحكيم التجاري الدولي‬

‫المرجع موضوعات كثيرة تتعلق بالتحكيم منها ‪:‬التعريف بالتحكيم وطبيعته‬


‫القانونية‪ ،‬واتفاق التحكيم وآثاره‪ ،‬وكيفية تشكيل هيئة التحكيم‪ ،‬وأشار إلى‬
‫حجية حكم التحكيم وكيفية تنفيذه في ظل قانون التحكيم المصري محل‬
‫الدراسة‪ ،‬وفي ظل القانون الفرنسي واتفاقية نيويورك‪ ،‬إضافة إلى بطالن‬
‫حكم التحكيم في ظل قانون التحكيم المصري محل الدراسة‪ ،‬وفي ظل‬
‫القانون الفرنسي‪ ،‬واالتفاقيات الدولية‪.‬‬
‫ونظ اًر ألن هذا الكتاب متخصص في القانون التجاري‪ ،‬فقد كتب جزئي ًا‬
‫في التحكيم بصفة عامة‪ ،‬وعكف على تبيان التحكيم التجاري الدولي‪.‬‬
‫‪ -4‬محمد سليم العوا ‪ ،‬دراسات في قانون التحكيم المصري والمقارن(‪.)25‬‬

‫(‪ )24‬محمود مختار أحمد بريري ‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ ،‬سنة النشر ‪8010‬م‪.‬‬
‫(‪ )25‬محمد سليم العوا ‪ ،‬دراسات في قانون التحكيم المصري والمقارن ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الكتب‬
‫‪12‬‬

‫كتب المؤلف فصوله في مناسبات سابقة جمعها فيه‪ .‬بعضها كتب‬


‫لينشر في دورية متخصصة‪ ،‬وبعضها قدم إلى مؤتمرات عقدت‬
‫لمناقشة التحكيم ونظمه‪ ،‬وبعضها أصله محاضرة ألقيت في بعض‬
‫دورات تدريب المحكمين واعدادهم‪.‬‬
‫وهذا الكتاب‪ ،‬وان كان ال يغني قارئه عن المراجع والمصادر المهمة‬
‫في موضوعه‪ ،‬فإنه قد يجد فيه ما يعنيه على خوض غمار البحث فيها‬
‫بعدة كافية‪.‬‬
‫إال أنه تخصص في التحكيم المصري بصفة خاصة‪ ،‬وبحثي سيكون‬
‫عن التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‪.‬‬

‫القانونية ‪ :‬مصر ‪ ،‬سنة النشر ‪8002‬م ‪.‬‬


‫‪13‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫اإلطار النظري‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف التحكيم‪ ،‬وأهميته‪ ،‬وتطوره التاريخي‪.‬‬


‫أوالً‪ :‬تعريف التحكيم لغة واصطالحاً‪ ،‬وأهميته‪ ،‬واأللفاظ ذات العالقة‪.‬‬
‫التحكيم لغة واصطالحاً‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪ .‬أهمية التحكيم‪.‬‬
‫ج‪ .‬التحكيم واأللفاظ ذات الصلة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التطور التاريخي للتحكيم‪.‬‬
‫التحكيم في ظل الدولة القديمة (المدن القديمة)‬ ‫أ‪.‬‬
‫ب‪ .‬التحكيم عند العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم بين المتخاصمين في نصوص الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون الليبي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬التحكيم في القرآن الكريم‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التحكيم في السنة المطهرة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التحكيم في القانون الليبي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أركان التحكيم وأنواعه والموضوعات التي يجوز وال يجوز‬
‫فيها التحكيم بين الشريعة والقانون‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬أركان التحكيم وشروطه في الشريعة والقانون الليبي‪.‬‬
‫أركان التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ب‪ .‬الشروط الموضوعية للتحكيم " الرضا – المحل – األهلية "‪.‬‬


‫ج‪ .‬الشروط الشكلية للتحكيم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع التحكيم‪.‬‬
‫أ‪ .‬أنواع التحكيم في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫ب‪ .‬أنواع التحكيم في القانون الليبي‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في الشريعة‬
‫اإلسالمية والقانون الليبي‪.‬‬
‫الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في الشريعة‬ ‫أ‪.‬‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في القانون الليبي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف التحكيم وتطوره التاريخي‪.‬‬


‫أوالً‪ :‬تعريف التحكيم لغة واصطالحاً‪ ،‬وأهميته‪ ،‬واأللفاظ ذات العالقة‪.‬‬
‫أ‪ .‬التحكيم لغة واصطالحاً‪.‬‬
‫الحكم‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫التحكيم في اللغة مصدرٌ للفعل (حكم) بمعنى قضى‪ ،‬و ُ‬
‫وحكمه في ماله‬
‫يحكم بالضم ُحكما وحكم له وحكم عليه‪ّ .‬‬
‫ويقال‪ :‬حكم بينهم ُ‬
‫تحكيماً إذا جعل إليه الحكم فيه فاحتكم عليه في ذلك‪ .‬واحتكموا إلى الحاكم‬
‫وتحاكموا بمعنى‪ ،‬والمحاكمة‪ :‬المخاصمة إلى الحاكم(‪.)26‬‬
‫وبذلك يظهر أن التحكيم ال يختلف عن القضاء في المعنى اللغوي‪،‬‬
‫محكم‪ .‬وليس األمر كذلك في االصطالح إذ‬
‫ّ‬ ‫فالمحكم قاضٍ والقاضي‬
‫ّ‬
‫يفترقان‪:‬‬
‫َما في ِاال ِ‬
‫صط َال ِح‪َ :‬ف ُه َو تَ طولَِي ُة اطل َخ ط‬
‫ص َم طي ِن‬ ‫ط‬ ‫(وأ َّ‬
‫قال صاحب البحر الرائق َ‬
‫اك ًما َي طح ُك ُم َب طيَن ُه َما)(‪ ،)27‬وفي مجلة األحكام العدلية (التحكيم هو عبارة عن‬ ‫حِ‬
‫َ‬
‫اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما)(‪ ،)28‬فهو‬
‫عند الفقهاء دون مرتبة القضاء إذ يتولى طلبه من الغير الخصوم أنفسهم‬
‫وليس السلطان أو من يقوم مقامه من أصحاب الوالية على الناس كما هو‬
‫الحال في القضاء‪.‬‬

‫(‪ )26‬محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ‪ ،‬مختار الصحاح ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمود خاطر ‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪ ، 1‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ :‬بيروت ‪1115 ،‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 68‬‬
‫(‪ )27‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري ‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز‬
‫الدقائق ‪ ،‬طبعة الثانية ‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ، ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 83‬‬
‫(‪ )28‬مجلة األحكام العدلية ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬نجيب هواويني ‪ ،‬دار النشر ‪ :‬كارخانه تجارت ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص‬
‫‪.465‬‬
‫‪16‬‬

‫ب‪ .‬أهمية التحكيم‪.‬‬


‫أوالً‪ :‬السرعة في فض المنازعات ألن المحكمين عادة ما يكونون متفرغين‬
‫للفصل في خصومة واحدة وعموماً ال تتعدى أكثر من ‪ 4‬أشهر‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬االقتصاد في المصروفات‪ :‬حيث ان نفقات التحكيم اقل كثي اًر من‬
‫نفقات رسوم المحاكم واتعاب المحاماة واجراءات التنفيذ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬السرية‪ :‬حيث إن ملف الخصومة بين الطرفين يبقى تحت علم‬
‫المحكمين حص اًر في حين جلسات التقاضي في المحاكم علنية وال ننسى‬
‫ان المحكمين يقسمون اليمين في كل قضية يتولون التحكيم فيها للمحافظة‬
‫على الحياد والسرية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬يمتاز التحكيم ببساطة إجراءاته والحرية المتاحة الى هيئة التحكيم‬
‫بحسم الخالف غير مقيدة اال بما ينفع حسم الموضوع‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬طريقة اختيار المحكمين برضا تام من الفرقاء المتنازعين بحيث‬
‫يشعر كل منهم بكامل االطمئنان ألنهم اختاروا بإرادتهم من يحكم بينهم‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬تالفي الحقد بين المتخاصمين اغلب األحيان يأتي القرار أقرب ما‬
‫يكون للتراضي ألنه تم من محكمين حائزين على ثقة الجميع فيؤدي القرار‬
‫الى وأد الخصومة والمشاحنات وبالتالي اطمئنان النفوس والرضا واعادة‬
‫العالقات الطيبة(‪.)29‬‬

‫(‪ )29‬د‪ .‬علي خليل الحديثي ‪ ،‬محامي ومحكم دولي ‪ ،‬دكتوراه في عقود االستثمار ونقل‬
‫التكنولوجيا ‪ ،‬مستشار غرفة تجارة وصناعة عجمان – التحكيم وأهميته – مقال على الشبكة‬
‫العنكبوتية ‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫جـ‪ .‬التحكيم واأللفاظ ذات الصلة‪.‬‬


‫النزاعات بين الناس في بعض‬
‫فض ّ‬‫يشترك التحكيم مع بقية وسائل ّ‬
‫األمور ويفترق في بعضها اآلخر‪ ،‬ولذلك ال بد من بيان أوجه االتفاق‬
‫واالختالف حتى تتمايز األشياء ويستطيع أهل العلم بيان أحكام (التّحكيم)‪،‬‬
‫تصوره‪.)30( .‬‬
‫الحكم على الشيء فرعٌ عن ّ‬
‫فإن ُ‬

‫‪ .1‬التحكيم والقضاء‪:‬‬
‫التحكيم شعبةٌ من شعب القضاء‪ .‬قال صاحب تبصرة األحكام‬
‫( وأما والية التحكيم بين الخصمين فهي والية مستفادة من آحاد الناس وهي‬
‫شعبة من القضاء متعلقة باألموال دون الحدود واللعان والقصاص) (‪،)31‬‬
‫المحكم والقاضي‬
‫ّ‬ ‫ولذلك يذكره الفقهاء عادةً في باب القضاء‪ ،‬فكلٌ من‬
‫يعينه الخصوم‪،‬‬
‫المحكم ّ‬
‫يعينه اإلمام و ّ‬
‫يستمد سلطته ممن وّاله‪ ،‬فالقاضي ّ‬ ‫ّ‬
‫حكم‬ ‫ٍ‬
‫كم الصادران كل منهما ٌ‬ ‫الح ُ‬
‫كل منهما إذا عزله من وّاله‪ ،‬و ُ‬‫وينعزل ٌ‬
‫شرعي متى كان صحيحاً مستوفياً لشروطه‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال ابن النقيب الشافعي جامعاً لهذه األحكام (ويجوز في ٍ‬
‫بلد قاضيان‬
‫ّ‬
‫حكم الخصمان رجالً‬
‫يصح إال بتولية اإلمام له أو نائبه‪ ،‬وان ّ‬
‫ّ‬ ‫فأكثر‪ ،‬وال‬
‫يصلح للقضاء جاز ولزم حكمه وان لم يتراضيا به بعد الحكم‪ ،‬لكن إن رجع‬

‫النشمي ‪ ،‬مقال التحكيم والتحاكم الدولي في الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬وهو بحثٌ‬‫(‪ )30‬دكتور عجيل ّ‬
‫مقدم للمجلس األوروبي لإلفتاء والبجوث للدورة العادية التاسعة المنعقدة في فرنسا‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )31‬أبي عبد هللا محمد بن فرحون اليعمري ‪ ،‬تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‬
‫ص‬ ‫‪ ،‬تحقيق‪ :‬جمال مرعشلي ‪ ،‬دار الكتب العملية ‪ :‬بيروت بنان ‪ ،‬سنة ‪8001‬م ‪ ،‬ج ‪1‬‬
‫‪.11‬‬
‫‪18‬‬

‫فيه أحدهما قبل أن يحكم امتنع الحكم)(‪.)32‬‬


‫مادتها رقم ‪1332‬‬
‫فنصت في ّ‬‫وبذلك أخذت مجلة األحكام العدلية ّ‬
‫بالقول (كما أن حكم القضاة الزم اإلجراء في حق جميع األهالي الذين في‬
‫المحكمين الزم اإلجراء على الوجه المذكور في‬
‫ّ‬ ‫داخل قضائهم‪ ،‬كذلك حكم‬
‫حكمهم وفي الخصوص الذي حكموا به‪ ،‬فلذلك ليس ألي واحد من‬
‫حق من ّ‬
‫المحكمين حكماً موافقاً‬
‫ّ‬ ‫المحكمين بعد حكم‬
‫ّ‬ ‫الطرفين االمتناع عن قبول حكم‬
‫(‪)33‬‬
‫ألصوله المشروعة)‬
‫ويظهر أيضاً مما سبق من أقوال أهل العلم بعض الفروق‪ :‬ففي‬
‫بالمحكم‪ ،‬وال تجب إجابة الخصم للتحكيم‬
‫ّ‬ ‫التحكيم يجب رضا الخصمين‬
‫الرجوع من أحد الطرفين قبل‬
‫تعين‪ ،‬ويجوز ّ‬
‫أمام شخصٍ بعينه إال إذا ّ‬
‫حكمه فيه الخصمان فقط فليست له‬
‫المحكم فيما ّ‬
‫ّ‬ ‫الحكم‪ ،‬وتنحصر صالحية‬
‫ُ‬
‫سلطةٌ على غيرهما حتى وان كان ذلك من مستلزمات قضائه بينهما‪،‬‬
‫النظر في قضايا الحدود والقصاص واللعان‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك‬
‫وليس له ّ‬
‫تفصيالً في المبحث الثالث إن شاء هللا‪.‬‬
‫وأخي اًر فإن (التحكيم أوسع من القضاء في االختصاص المكاني‪،‬‬
‫فالتحكيم يصح بين الطرفين‪ ،‬ولو اختلفت أمكنتهم‪ ،‬أما قضاء القاضي‬
‫فمقيد بالنظر وفق االختصاص المكاني‪ ،‬وبالتالي يجوز للحكم أن ينظر في‬
‫قضية برضى الطرفين ولو كان المدعى عليه ال يقيم في بلد التحكيم)(‪.)34‬‬

‫(‪ )32‬أحمد بن النقيب المصري ‪ ،‬عمدة السالك ّ‬


‫وعدة الناسك ‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت ‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫(‪ )33‬مجلة األحكام العدلية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 416‬‬
‫(‪ )34‬دكتور زيد عبد الكريم‪ ،‬مشروعية التحكيم في الفقه اإلسالمي الزيد ‪ ،‬بحث عاالنترنت‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪19‬‬

‫‪ .2‬التحكيم واإلفتاء‪:‬‬
‫لكن‬
‫بيان لحكم الشرع في واقعةٍ بعينها‪ّ ،‬‬
‫كل من التحكيم واإلفتاء ٌ‬
‫ٌ‬
‫بيان بغير إل از ٍم وال سلطة تنفيذ‪.‬‬
‫التحكيم بيانٌ مع اإللزام والسلطة‪ ،‬واإلفتاء ٌ‬
‫ففي الفروق للقرافي مع هوامشه (الفتوى محض إخبار عن هللا تعالى‬
‫في إلزام أو إباحة والحكم إخبار ما له اإلنشاء واإللزام أي التنفيذ واإلمضاء‬
‫والفتوى ال تقتصر على المستفتي وحده بل‬ ‫(‪)35‬‬
‫لما كان قبل الحكم فتوى)‬
‫يعمل بها غيره اختيا ارً بينما التحكيم خاصٌ بالخصوم‪.‬‬
‫وبين التحكيم واإلفتاء عمومٌ وخصوص حيث أن (كل ما يتأتى فيه‬
‫الحكم تتأتى فيه الفتوى وال عكس‪ ،‬وذلك أن العبادات كلها على اإلطالق ال‬
‫يدخلها الحكم البتة بل إنما تدخلها الفتيا فقط فكل ما وجد بها من‬
‫اإلخباريات فهي فتيا فقط فليس لحاكم أن يحكم أن هذه الصالة صحيحة أو‬
‫‪ ،‬كما أن الفتوى تكون في كل أبواب الفقه والتحكيم ال يكون‬ ‫(‪)36‬‬
‫باطلة)‬
‫النظر إن كانت فيما يجوز فيه التحكيم أصالً ‪ ،‬كما في‬
‫إالفي القضية محل ّ‬
‫غير الحدود والقصاص واللعان على ما سيأتي بيانه في موضعه‪.‬‬

‫(‪ )35‬أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي ‪ ،‬الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق ‪،‬‬
‫تحقيق ‪ :‬خليل المنصور ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1312‬هـ ‪-‬‬
‫‪1112‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪.118‬‬
‫(‪ )36‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.113‬‬
‫‪20‬‬

‫الصلح‪:‬‬
‫‪ .3‬التحكيم و ّ‬
‫الصلح بأنه (عقد‬ ‫عرفت المادة ‪ 1541‬من مجّلة األحكام العدلية ّ‬
‫ّ‬
‫اضي َّ‬
‫الط َرَف طي ِن‬ ‫النزاع بالتراضي) (‪.)37‬وفي شرح المجلة (أي ِبتَر ِ‬
‫َ‬ ‫يرفع ّ‬
‫ِ‬ ‫طعها ِبالتَّر ِ‬ ‫ِ‬
‫َع طن‬ ‫عَب َارةٌ‬ ‫ورطك ُن ُه‬
‫ُ‬ ‫اضي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وم َة َوَيطق َ ُ َ‬
‫ص َ‬ ‫يل اطل ُخ ُ‬‫اطل ُمتَ َخاص َم طي ِن َوُي ِز ُ‬
‫ِم طن‬ ‫واطلَقب ِ‬
‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫ف‬ ‫طر ٍ‬
‫ََ‬ ‫اب ِم طن‬
‫اإليج ِ‬ ‫صح ِبح ِ ِ‬
‫صول ط َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ول‪ ،‬وي طنع ِقد وي ِ‬
‫ََ َ ُ ََ‬
‫اب واطلَقب ِ‬
‫يج َ ُ‬
‫اإل ِ‬
‫ط َ‬
‫ِ‬

‫ف طاآل َخ ِر)(‪. )38‬‬ ‫َّ‬


‫الطر ِ‬
‫َ‬
‫لفض الخالف‪ ،‬لكن‬
‫الصلح وسيلةٌ ّ‬‫فيظهر من التعريف وشرحه أن ّ‬
‫األعم األغلب‪ ،‬ويكون ذلك بتنازل‬
‫ّ‬ ‫الذي يتولى ذلك هو الخصوم أنفسهم في‬
‫ٍ‬
‫كل طرف عن جزٍء من حّقه طوعاً ال كرهاً إلى أن يصل الطرفان إلى ّ‬
‫حل‬ ‫ّ‬
‫طرف ٍ‬
‫ثالث‪ ،‬فقد قال تعالى موجهاً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وسط فيتّفقان عليه‪ .‬وال يمنع ذلك وجود‬
‫حل الخالفات الزوجية (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من‬
‫في مسألة ّ‬
‫أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصالحاً يوفق هللا بينهما)(‪.)39‬‬
‫لفض النزاع بعيداً عن‬
‫ّ‬ ‫وبالمقارنة مع التحكيم‪ :‬فإن كالً منهما وسيلةٌ‬
‫الصلح ال‬
‫المحكم و ّ‬
‫ّ‬ ‫الرسمي‪ ،‬إال أن التحكيم فيه صفة اإللزام من‬
‫القضاء ّ‬
‫إلزام فيه‪ ،‬ويترتّب على ذلك غالباً رضى الطرفين في الصلح وعدم‬
‫رضاهما‪-‬أو أحدهما على األقل‪-‬في التحكيم‪ .‬والصلح فيه تنازل اختيارٌي‬

‫عن بعض الحقوق ّ‬


‫المدعاة من الخصوم‪ ،‬والتحكيم ال يستوجب ذلك بل قد‬

‫(‪ )37‬مجلة األحكام العدلية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 301‬‬


‫(‪ )38‬علي حيدر ‪ ،‬درر الحكام شرح مجلة األحكام ‪ ،‬تعريب‪ :‬المحامي فهمي الحسيني ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬لبنان ‪ /‬بيروت ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪. 8‬‬
‫(‪ )39‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪45‬‬
‫‪21‬‬

‫يستأثر أحد الخصوم بالحق كّله عند الحكم له‪.‬‬

‫‪ .4‬التحكيم والوكالة‪:‬‬
‫تعرف الوكالة بأنها (إقامة اإلنسان غيره مقام نفسه في تصرف‬
‫ّ‬
‫فنصت‬ ‫ّ‬ ‫الوكالة‬ ‫يف‬‫ر‬ ‫تع‬ ‫في‬ ‫شرحها‬ ‫مع‬ ‫األحكام‬ ‫مجلة‬ ‫عت‬ ‫وتوس‬
‫ّ‬
‫(‪)40‬‬
‫معلوم)‬
‫على أنها (تَطف ِويض أَح ٍد ِفي ُش طغ ٍل معلُو ٍم ِمن اطلمعام َال ِت مع بَق ِ‬
‫اء َح ِّق‬ ‫ََ َ‬ ‫ط َُ َ‬ ‫َط‬ ‫ُ َ‬
‫يه ِبنطف ِس ِه ويكون ِف ِ‬
‫يه َمالِ ًكا‬ ‫ف ِفي ي ِد ِه وَذلِك ِم َّما يجوز َله التَّصر ِ ِ‬ ‫التَّصر ِ‬
‫َ َُ ُ‬ ‫فف َ‬ ‫َُ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫امتُ ُه ِفي‬ ‫َّة نطف ِس ِه وأَصل التَّ ِ‬
‫النسب ِة إَلى أ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِلتَّ ِ‬
‫صرف َواِ َق َ‬ ‫َ ط ُ َ‬ ‫َهلِي َ‬
‫ط‬ ‫صرف َو ُمطقتَد ًار َعَل طيه ِب ّ ط َ‬‫َ‬
‫ام َنطف ِس ِه)(‪.)41‬‬ ‫ِ‬
‫ك الش طغل َمَق َ‬
‫ِ‬
‫َذل َ‬
‫فالتفويض الذي هو مقتضى الوكالة يوجب أن يعمل الوكيل لما فيه‬
‫الحق أمام‬
‫ّ‬ ‫الموكل وأن ينوب عنه في تحصيل ما ّيدعيه من‬
‫ّ‬ ‫مصلحة‬
‫الموكل للتحقيق والحكم‬
‫ّ‬ ‫يتصرف إال بإذنه وأمره‪ ،‬ال أن ُيخضع‬
‫ّ‬ ‫خصمه وال‬
‫على موقفه صحةً وخطأً كما هو الحال في التحكيم‪ ،‬فالفرق بينهما‬

‫كالفرق بين القاضي ومحامي الدفاع حيث أن المحامي ٌ‬


‫وكيل بالخصومة‪.‬‬
‫مظهر الفرق بينهما في معرض شرحه لقوله‬
‫اً‬ ‫قال ابن العربي المالكي‬
‫تعالى (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها‪ ،‬إن‬
‫نصه‪( :‬هذا نص من هللا سبحانه في‬
‫ما ّ‬
‫(‪)42‬‬
‫يريدا إصالحاً يوفق هللا بينهما)‬

‫(‪ ) 40‬ابن عابدين ‪ ،‬حاشية رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪ -‬بيروت ‪،‬‬
‫سنة ‪1381‬هـ ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 865‬‬
‫(‪ )41‬علي حيدر ‪ ،‬درر الحكام شرح مجلة األحكام ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 583‬‬
‫(‪ )42‬سورة النساء ‪ ،‬آية ‪45‬‬
‫‪22‬‬

‫وللح َك ِم اسم في‬


‫أنهما قاضيان ال وكيالن وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى َ‬
‫الشريعة ومعنى‪ ،‬فإذا بين هللا سبحانه كل واحد منهما فال ينبغي لشا ّذٍ‬
‫فكيف لعالم أن يركب معنى أحدهما على اآلخر فذلك تلبيس وافساد‬
‫لألحكام)(‪.)43‬‬

‫‪ .5‬التحكيم والخبرة(‪.)44‬‬
‫معين‪ ،‬كأن يكون طبيباً أو‬
‫الخبير هو صاحب االختصاص في مجالٍ ّ‬
‫تاج اًر أو محاسباً أو غير ذلك من المهن واالختصاصات‪ ،‬ومنه قوله تعالى‬
‫محل‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬ويدلي الخبير برأيه وخبرته في الوقائع‬ ‫(‪)45‬‬
‫(وال ينبئُك مثل خبير)‬
‫الفنية‪ ،‬واذا‬
‫شق على المحكمة اإللمام بمسألةٍ بعينها من الناحية ّ‬
‫النزاع إذا ّ‬
‫طلب منه ذلك فقط ‪ ،‬إما من القاضي أو من أحد الخصوم‪ ،‬وليس لرأيه‬
‫ُ‬

‫يقيد المحكم ٌة‪ .‬وال مانع أن يكون الخبير ّ‬


‫محكماً‬ ‫يقيد الخصوم وال ّ‬
‫إلزام ٌ فال ّ‬
‫إذا اتفق عليه الطرفان وكان أهالً للتحكيم على ما سيأتي بيانه في شروط‬
‫المحكم‪.‬‬
‫ّ‬
‫المحكم والخبير‬
‫ّ‬ ‫ال من‬
‫ويظهر بذلك اتفاق التحكيم مع الخبرة في أن ك ً‬

‫(‪ )43‬أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد القادر عطا ‪ ،‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر ‪ -‬لبنان ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 541‬‬
‫تم االقتباس لهذه الفقرة من بحثٍ بعنوان (الفرق بين التحكيم والوسائل األخرى في حسم‬
‫(‪ّ )44‬‬
‫المنازعات) ص ‪ 4‬و ‪ 3‬لسلطان راشد العاطفي‪،‬مدير إدارة التحكيم في و ازرة العدل بدولة‬
‫متاح على شبكة اإلنترنت على‬
‫الكويت‪ .‬وليس البحث مطبوعاً أو منشو اًر فيما أعلم‪ ،‬وانما ٌ‬
‫الرابط ‪http://www.moj.gov.sa/documentations/tahkeem/6new.doc‬‬
‫(‪ )45‬سورة فاطر‪ ،‬آية ‪.13‬‬
‫‪23‬‬

‫ليسا من أعضاء الجهاز القضائي ويصدران رأياً فنياً في قضيةٍ معي ٍ‬


‫نة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويختلفان في أن الخبير يبدي رأيه في الوقائع دون القانون فال يحكم‪،‬‬
‫بناء على خبرته القضائية‪ .‬وال يشترط‬
‫المحكم يبدي رأيه في كليهما فيحكم ً‬
‫و ّ‬
‫طعن في شهادة‬ ‫المحكم‪ .‬وال يجوز ال ّ‬
‫ّ‬ ‫تعيين الخبير باالسم ويشترط في‬
‫المحكم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الخبير ويجوز أن يطعن الخصوم في حكم‬

‫ثانياً ‪ :‬التطور التاريخي للتحكيم ‪.‬‬


‫التحكيم في ظل الدولة القديمة ( المدن القديمة )‬ ‫أ‪.‬‬
‫بعد ان استقرت المجتمعات البشرية في نظام سياسي‪ ،‬وزال معه عهد‬
‫االحتكام الى القوة وظهر دور القضاء في الدولة‪ ،‬أصبح التحكيم في هذه‬
‫المرحلة اجبارياً وفق قواعد قانونية ثابتة‪ ،‬وسنتحدث عن بعض من هذه‬
‫المدن القديمة‪:‬‬
‫السومريين‪:‬‬
‫‪ .1‬التحكيم عند ُّ‬
‫عرف السومريون في جنوب العراق التحكيم‪ ،‬حيث عثر خالل العقد‬
‫األول من القرن الحالي على لوح حجري كتبت عليه باللغة السومرية‬
‫نصوص معاهدة صلح أبرمت في القرن الحادي والثالثين قبل الميالد‪ ،‬بين‬
‫الطورين األول‪ ،‬والثاني من عصر فجر السالالت‪ ،‬بين دولتي مدينة‬
‫(لجش)‪ ،‬المعروفة اليوم باسم (تلو) قرب (الشطرة)‪ ،‬ومدينة (أوما) القرية‬
‫منها‪ ،‬وتعرف اليوم أنقاضها باسم (جوخي جوخة)‪.‬‬
‫كان بين هاتين المدينتين نزاع مستمر بسبب تحديد الحدود ومياه اإلرواء‪،‬‬
‫فالتجأتا إلى التحكيم‪ ،‬وكان المحكم ملكاً محايداً من ملوك مدينة (كيش)‪،‬‬
‫‪24‬‬

‫وهي اآلن (تل األحيمر) قرب ِ‬


‫(الحّلة)‪ ،‬واسمه (مسيلم) الذي قام بالوساطة‬
‫في تحديد الحدود وتعليمها بنصب أقامه بين الدويلتين‪ ،‬فنصت المعاهدة‬
‫على وجوب احترام خندق الحدود بين المدينتين‪ ،‬وعلى شرط التحكيم لفض‬
‫أي نزاع قد ينشأ بينهما بشأن الحدود(‪.)46‬‬

‫‪ .2‬التحكيم عند الرومان‪:‬‬


‫كان الملك في روما يتولى بمعاونة الكهنة مهمة الفصل في المنازعات‬
‫بين االفراد وتحديد العقوبات‪ ،‬ولما كثرت المنازعات أصبح من الالزم‬
‫احداث جهة تتولى الفصل في هذه المنازعات‪ ،‬وتم احالتها الى والي‬
‫القضاء (البريتور)‪ .‬ومنذ ذلك الحين كان الخصمان يحضران الى المحكمة‬
‫امام البريتور للبدء بإجراءات التقاضي‪ ،‬وبعد ان يسمع البريتور ادعاءاتهما‬
‫يسمح لهما او يمنعهما من االستمرار بالدعوى‪ ،‬فان سمح لهما بمواصلة‬
‫الدعوى فانه يأمرهما باالمتناع عن القيام باي عمل من اعمال العنف قبل‬
‫ان يفحص صحة اقوالهما محكم كان يطلق عليه اسم قاضي‪ ،‬حيث كان‬
‫المحكم يطلب من كل منهما ان يحلف اليمين عن صحة ادعائه ويستمع‬
‫الى ادعاء كل منهما ثم يقضي بصحة يمين أحدهما‪.‬‬
‫اما في عهد االمبراطورية الرومانية فقد تم انشاء المحاكم العامة‪ ،‬وبقي‬
‫التحكيم الى جانب هذه المحاكم للنظر في المسائل المدنية والتجارية قائماً‪،‬‬
‫حيث إذا قضى المحكم الحد أطراف النزاع بمبلغ من المال‪ ،‬وامتنع الطرف‬
‫االخر عن تنفيذه كان للمحكوم له ان يرفع دعوى بالمبالغ المحكوم به‪،‬‬

‫(‪ ) 46‬طه باقر ‪ ،‬مقدمه في تاريخ الحضارات القديمه تاريخ الفرات القديم ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬بغداد ‪،‬‬
‫سنة النشر ‪1155 :‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 101‬‬
‫‪25‬‬

‫وكان القاضي يحكم به دون النظر في أصل النزاع‪ ،‬وفي عهد االمبراطورية‬
‫جوستيان أصبح الحكم الذي يصدر عن المحكم واجب التنفيذ دون اللجوء‬
‫الى اقامة دعوى متى كان التحكيم يستند الى عقد بين الطرفين‪.‬‬
‫كما كانت االنظمة االجرائية الرومانية تميز بين نوعين من القضاة‪ ،‬قضاة‬
‫دائمون ولهم اختصاصات محددة ينظرون بالدعوى التي موضوعها سؤال‬
‫محدد في احكام القانون‪ ،‬وافراد عاديون يتم اختيارهم في كل قضية وتنتهي‬
‫مهمتهم بانتهاء النزاع‪ ،‬ويطلق عليهم اسم محكمين‪ .‬وكانت المنازعات التي‬
‫ينظرها المحكم تتطلب تقيماً وفقاً ألحكام مبدأ حسن النية‪ .‬وكانت القاعدة‬
‫العامة ان يقوم الطرفان باختيار المحكم من بين القوائم المعلقة في الساحة‬
‫العامة والتي يعدها البريتور ‪ ،‬اما في عهد االمبراطورية السفلى الرومانية ‪،‬‬
‫فقد عرف الرومان ما يسمى بدعوى تعين محكم للنظر في دعاوى الدين‬
‫الناتج عن تعهد او وعد بدفع مبلغ من المال ‪ ،‬وفي دعاوى القسمة‬
‫والتخمين ‪ ،‬كما عرف الرومان في هذا العهد القضاء التحكيمي الذي كان‬
‫يتم على يد المطارنة ‪ ،‬بحيث كان يسمح ألي من المتقاضين ان يطلب‬
‫اثناء رؤية الدعوى احالتها على المطران الذي يكون لحكمه قوة التنفيذ ‪ ،‬أما‬
‫التحكيم الدولي فلم يكن يعرفوه ‪ ،‬ألنهم أنكروا المساواة بين الدول(‪.)47‬‬

‫(‪ )47‬د‪ .‬خالد كمال عكاشة ‪ ،‬دور التحكيم في فض المنازعات الدولية واالستثمار ‪ ،‬دون طبعة ‪،‬‬
‫سنة ‪ ، 8014‬ص‪.3‬‬
‫‪26‬‬

‫ب‪ .‬التحكيم عند العرب قبل اإلسالم‪.‬‬


‫كان العرب في الجاهلية يعيشون حياة قبلية اتسمت بالتنقل والترحال جري ًا‬
‫وراء الكأل والماء وهذا كان له أكبر االثر على حياتهم االقتصادية‬
‫والسياسية واالجتماعية‪ ،‬فكانت القبيلة الواحدة مكونة من مجموعة من‬
‫األفراد تربط بينهم رابطة الدم وحسن الجوار‪ ،‬وكان لكل قبيلة شيخ يدير‬
‫شؤونها الداخلية والخارجية مع غيرها من القبائل األخرى‪.‬‬
‫ولهذا لم يكن للعرب في الجاهلية نظام قضائي منظم يتولى الفصل في‬
‫منازعاتهم‪ ،‬بل كانت تحل عن طريق االحتكام الى شيخ العشيرة او القبيلة‪،‬‬
‫وكان حكم الشيخ القبيلة ينفذ على افراد القبيلة لكونه صاحب مكانة بينهم‬
‫او خوفاً من سطوه وبشطه إذا كان صاحب جماعة قوية وكبيرة‪.‬‬
‫ولم يكن االحتكام الى شيخ العشيرة هو الصورة الوحيدة للتحكيم عند‬
‫العرب في الجاهلية‪ ،‬بل كان هناك احتكام الى اشخاص اشتهروا بجودة‬
‫الراي‪ ،‬واصالة الحكم من افراد القبيلة او غيرها من القبائل االخرى‪ ،‬امثال‬
‫أكثم بن صفي بن رباح الذي كان يقول لقومه إذا رأيتم مني حسناً فاقبلوه‪،‬‬
‫واذا رأيتم غير ذلك فقوموني استقم‪ ،‬ولما علم باإلسالم دعا قومه اليه‪،‬‬
‫واالقرع بن حابس‪ ،‬وعامر بن الطرب‪ ،‬وقيس بن ساعده‪ ،‬وحاجب ابن‬
‫ز اررة‪ .‬وعبد المطلب بن هشام وغيرهم‪.‬‬
‫كما عرف العرب االحتكام الى الكهنة‪ ،‬فقد كان العرب في الجاهلية‬
‫يحتكمون الى الكهنة اعتقاداً منهم بان الكاهن يفرق بين المظلوم من‬
‫الظالم‪ ،‬فقد تحاكم عبد المطلب جد النبي (صلى هللا عليه وسلم) وقريش‬
‫عندما نازعته في تحديد حفر بئر زمزم الى كاهنه بني سعد بإشراف الشام‪،‬‬
‫‪27‬‬

‫وحاكم قريش عندما حاولت منعه من تنفيذ نذره بذبح ابنه عبد هللا الى‬
‫عرافة بالحجاز‪.‬‬
‫حكامهم ممن منحوا مواهب‪ ،‬جعلت‬
‫كما ان العرب في الجاهلية فقد جعلوا ّ‬
‫الناس يركنون إليهم في حل المشكالت‪ ،‬وا ّما كهان لجأ الناس إليهم‬
‫العتقادهم بصحة أحكامهم‪ ،‬واما ُع ّراف‪ ،‬صادفوا من يثق بما يقولون أو‬
‫ينبؤون به‪ ،‬واما‪ :‬فقهاء ومفتون‪ :‬أي رجال دين كالقالمسة يفتون في أمور‬
‫الدين(‪.)48‬‬

‫(‪ ) 48‬جواد علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬الطبعة ‪ :‬الرابعة ‪ ،‬دار الساقي ‪ :‬بيروت‬
‫‪ ،‬سنة ‪ ، 8001‬ص‪ 642-645‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم بين المتخاصمين في نصوص الشريعة‬


‫اإلسالمية والقانون الليبي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬التحكيم في القرآن الكريم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ذ ذ َ َ ۡ ُ ُ ُ ۡ َ ُ َ ُّ ْ ۡ َ َ َٰ َ َٰ َ َٰٓ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ َ ۡ‬
‫اس أن‬‫ت إَِل أهل ِها ِإَوذا دكمتم بني ٱنل ِ‬ ‫﴿۞إِن ٱَّلل يتمركم أن تؤدوا ٱِلمن ِ‬
‫ٱَّلل ََك َن َسم َ‬ ‫َۡ ُ ُ ْ ۡ َ ۡ ذ ذَ ذ َ ُ ُ‬
‫مم بهِۦٓ إ ذن ذ َ‬
‫يعَۢا بَ ِصريا ‪.)49(﴾٥٨‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ۗٓ ِ‬ ‫َتكموا بِٱلعد ِل ِۚ إِن ٱَّلل ن ِ ِعما ي ِعظ‬

‫ۡ َۡ َٓ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ۡ َۡ‬ ‫ۡ ۡ ُ ۡ َ َ َۡ َ َ ۡ ُ ْ َ‬
‫ٱب َعثوا َدكما مِن أهلِهِۦ ودكما مِن أهل ِها إِن‬ ‫﴿ِإَون خِفتم شِقاق بين ِ ِهما ف‬
‫ذُ ََُۡ َ ٓ ذ ذَ َ َ َ ً َ‬ ‫ُ َٓ َ‬
‫ِيما خبِريا ‪.)50(﴾٣٥‬‬ ‫يدا إ ِ ۡصلَٰحا يُ َوف ِِق ٱَّلل بينهما ۗٓ إِن ٱَّلل َكن عل‬ ‫ي ِر‬

‫َ َ َ َ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ذ َٰ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ۡ ُ ذ َ َ‬
‫َي ُدوا ْ ِ ٓ‬
‫ِف‬ ‫﴿فَل وربِك ا يؤمِنون دَّت ُيكِموك فِيما شجر بينهم ثم ا ِ‬
‫ْ َ‬ ‫سه ۡم َد َرجا م ذِما قَ َض ۡي َ‬ ‫َ ُ‬
‫ت َوي ُ َسل ُِموا ت ۡسل ِيما ‪.)51(﴾٦٥‬‬ ‫أنف ِِ‬

‫ُ َ ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫ِني َِّلل ِ ش َه َداء بِال ِق ْس ِط َوا َي ِر َم ذنم ْم ش َنآن‬ ‫آم ُنوا ْ ُكونُوا ْ قَ ذوام َ‬ ‫﴿ يَا َأ ُّي َها ذاَّل َ‬
‫ِين َ‬

‫ٱَّلل َخب ُ‬
‫ري َۢ ب ِ َما‬ ‫ى َو ذٱت ُقوا ْ ذ َ‬
‫ٱَّلل إ ذن ذ َ‬ ‫َٰ‬ ‫و‬ ‫ٱعدِلُوا ْ ُه َو أ َ ۡق َر ُب ل ذ‬
‫ِلت ۡق َ‬ ‫َْ ََ َ ذ َ ْ ُ ْ ۡ‬
‫قو ٍم لَع أا تعدِلوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ت ۡع َملون ‪.)52(﴾٨‬‬

‫(‪ )49‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.52‬‬


‫(‪ )50‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬
‫(‪ )51‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.65‬‬
‫(‪ )52‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪29‬‬

‫َ ذ َٰ ُ َ ُّ ۡ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ‬ ‫َ ذ ُ َ ۡ َ‬
‫ت فإِن جاءوك فٱدمم بينهم أو أع ِرض‬ ‫ِب أكلون ل ِلسح ِ ِۚ‬ ‫﴿سمَٰعون ل ِلكذ ِ‬
‫ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ‬ ‫ُ ۡ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ُّ َ َ ۡ‬ ‫َ‬
‫ٱدمم بَ ۡي َن ُهم‬ ‫وك شيا ِإَون دكمت ف‬ ‫ع ۡن ُه ۡم ِإَون تع ِرض عنهم فلن يُض‬
‫سط َ‬ ‫ذ ذ َ ُ ُّ ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ني ‪.)53(﴾٤٢‬‬ ‫ٱَّلل ُيِب ٱل ُمق ِ ِ‬ ‫بِٱلقِ ۡس ِ ِۚ‬
‫ط إِن‬

‫ذ َ‬ ‫ۡ ذ ُ‬ ‫ٱتل ۡو َرى َٰ ُة ف َ‬
‫ِند ُه ُم ذ‬ ‫َََۡ َُ ُ َ َ‬
‫ِيها ُدم ُم ٱَّلل ِ ث ذم َي َت َول ۡون ِم َۢن َب ۡع ِد‬ ‫ك َوع َ‬ ‫﴿وكيف ُيكِمون‬
‫ك بٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ‬‫َ َٰ َ َ َ ٓ ُ ْ َ َٰٓ َ‬
‫ِني ‪.)54(﴾٤٣‬‬ ‫ذل ِك وما أولئ ِ ِ‬

‫َغ َب ۡع ُض َنا َ َ َٰ‬


‫لَع‬ ‫ان َب َ َٰ‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ۡ َ َ ُ ْ َ َ َٰ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ع م ِۡن ُه ۡم قَالُوا ْ َا ََتَ ۡف َخ ۡص َ‬ ‫﴿إِذ دخلوا لَع داوۥد فف ِز‬
‫َ ۡ ُ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ ۡ َ ۡ َ ٓ َ َٰ َ َ ٓ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلص َر َٰ ِط ‪.)55(﴾٢٢‬‬ ‫َبع ٖض فٱدمم بيننا بِٱۡل ِق وا تش ِطط وٱهدِنا إَِل سوا ِ‬
‫ِ‬ ‫ء‬

‫َۡ َ َ َ ذ‬ ‫َ ۡ ُ َۡ‬ ‫َۡ‬ ‫ۡ َ َ َ‬ ‫َ َٰ َ ُ ُ ذ‬


‫اس بِٱۡل ِق وا تتبِعِ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫ۡرض فٱدمم بني ٱنل ِ‬ ‫ۥد إِنا َج َعل َنَٰك خل ِيفة ِِف ٱِل ِ‬ ‫﴿يداو‬
‫ذ َ َ َ ‪ٞ‬‬ ‫ذ ذ ذ َ َ ُّ َ‬
‫ون َعن َ‬ ‫ك َعن َ‬ ‫ۡ َ َ َٰ َ ُ ذ َ‬
‫يل ٱَّللِ ل ُه ۡم عذاب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ل‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِين‬‫ٱَّل‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل‬ ‫يل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ضل‬
‫ٱلهوى في ِ‬
‫ٱۡل َ‬ ‫َ ُ َۢ َ َ ُ ْ َ ۡ َ ۡ‬
‫اب ‪.)56(﴾٢٦‬‬ ‫ِ‬ ‫ِس‬ ‫شدِيد بِما نسوا يوم‬

‫فهذه اآليات الكريمة السابقة دليل على جواز التحكيم بصفة عامة‪ ،‬وقد‬
‫استدل بها فقهاء الشريعة اإلسالمية في جواز التحكيم‪ ،‬وسيأتي تفصيل‬
‫بيانها في موضعها‪.‬‬

‫(‪ )53‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية ‪.38‬‬


‫(‪ )54‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫(‪ )55‬سورة ص ‪ ،‬اآلية ‪.88‬‬
‫(‪ )56‬سورة ص ‪ ،‬اآلية ‪.86‬‬
‫‪30‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬التحكيم في السنة المطهرة‪.‬‬


‫ثبتت مشروعية التحكيم بالسنة النبوية سواء كانت قولية او فعلية‬
‫او تقريرية ومن ذلك‪:‬‬
‫عن هاني رضي هللا عنه أنه لما وفد إلى رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫‪.1‬‬
‫وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم‪ ،‬فدعاه رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم فقال [إن هللا هو الحكم واليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟] فقال‪ :‬إن‬
‫قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضى كال الفريقين‪ .‬فقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪[ :‬ما أحسن هذا!‪ ،‬فمالك من الولد؟] قال‪:‬‬
‫لي شريح ومسلم وعبد هللا‪ .‬قال‪[ :‬فمن أكبرهم؟] قلت‪ :‬شريح‪ .‬قال‪[ :‬فأنت‬
‫(‪.)57‬‬
‫أبو شريح]‬
‫فقد استحسن النبي صلى هللا عليه وسلم هذا األسلوب‪ ،‬وهو تحكيم القوم‬
‫لهاني‪ ،‬وحكمه بينه‪( ،‬وأتى النبي صلى هللا عليه وسلم بصيغة التعجب‬
‫مبالغة في حسنه) (‪.)58‬‬
‫‪ .8‬عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال (نزل أهل قريظة على‬
‫حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي صلى هللا عليه وسلم إلى سعد‪ ،‬فأتاه على‬

‫أخرجه أبو داود في سننه ‪ ،‬كتاب األدب ‪ ،‬باب في تغيير االسم القبيح ‪ .‬واللفظ له ‪،‬‬ ‫)‪(57‬‬

‫وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود ‪ 146 /4‬رقم الحديث ‪. 3135‬وأخرجه‬
‫النسائي في سننه ‪ ،‬كتاب آداب القضاة ‪ ،‬باب إذا حكموا رجال فقضى بينهم ‪ .‬مصورة عن‬
‫الطبعة األولى ( بيروت ‪ :‬دار الفكر ‪ ) 1432‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 886‬‬
‫العظيم آبادي ‪ ،‬عون المعبود شرح سنن ابن داود ‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ‪،‬‬ ‫)‪(58‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ ،‬المكتبة السلفية‪:‬المدينة ‪ ،‬سنة ‪1421‬ه ‪ ،‬ج ‪ ، 14‬ص‪. 811-816‬‬


‫‪31‬‬

‫حمار‪ ،‬فلما دنا من المسجد قال لألنصار‪- :‬قوموا على سيدكم – أو خيركم‬
‫‪ .-‬فقال‪ :‬هؤالء نزلوا على حكمك‪ .‬فقال‪- :‬تقتل مقاتلهم وتسبي ذ ارريهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬قضيت بحكم هللا‪ .‬وربما قال‪ :‬بحكم الملك) (‪.)59‬‬
‫قال ابن حجر رحمه هللا تعالى (وفيها تحكيم األفضل من هو‬
‫مفضول)(‪ .)60‬قال النووي رحمه هللا تعالى (‪ .‬فيه جواز التحكيم في أمور‬
‫المسلمين وفي مهماتهم العظام وقد أجمع المسلمين عليه ولم يخالف فيه إال‬
‫الخوارج)(‪.)61‬‬
‫‪ .4‬عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم [اشترى رجل من رجل عقارا‪ ،‬فوجد الرجل الذي اشترى العقار في‬
‫عقاره جرة فيها ذهب‪ ،‬فقال له الذي اشترى العقار‪ :‬خذ ذهبك مني‪ ،‬إنما‬
‫اشتريت منك األرض ولم ابتع منك الذهب‪ ،‬وقال الذي له األرض‪ :‬إنما‬
‫بعتك األرض وما فيها‪ ،‬فتحاكما إلى رجل‪ ،‬فقال الذي تحاكما إليه‪ :‬ألكما‬
‫ولد؟ قال أحدهما‪ :‬لي غالم‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬لي جارية‪ .‬قال‪ :‬أنكحوا الغالم‬
‫الجارية‪ ،‬وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا](‪ .)62‬وقد ذكر ابن حجر رحمه‬

‫أخرجه البخاري ومسلم ( متفق عليه ) واللفظ للبخاري ‪ ،‬صحيح البخاري المطبوع مع فتح‬ ‫)‪(59‬‬

‫الباري شرح صحيح البخاري البن حجر ‪ ،‬كتاب المغازي ‪ ،‬باب مرجع النبي صلى هللا علليه‬
‫وسلم من األحزاب ‪ 311/1 ،‬رقم ‪ ، 3181‬و صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي‬
‫‪.18/18‬‬
‫أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪،‬‬ ‫)‪(60‬‬

‫تحقيق محب الدين الخطيب ‪ ،‬دار المعرفة ‪ :‬بيروت ‪1411 ،‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 316‬‬
‫أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ‪ ،‬المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ‪،‬‬ ‫)‪(61‬‬

‫الطبعة الثانية ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي – بيروت ‪1418 ،‬هـ ج ‪ ، 18‬ص ‪.18‬‬
‫متفق عليه واللفظ للبخاري ‪ ،‬صحيح البخاري المطبوع مع الفتح ‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء ‪،‬‬ ‫)‪(62‬‬
‫‪32‬‬

‫هللا ما يمكن أن يستدل بظاهر قوله (فتحاكما) على أن الذي جرى هنا‬
‫تحكيم‪ ،‬وان كان بعض العلماء يرى أنهما تحاكما إلى قاض منصوب للناس‬
‫وليس إلى محكم‪.)63( .‬‬
‫‪ .3‬وردت عدة قضايا تحكيمية من الصحابة رضي هللا عنهم‪ ،‬بل قد‬
‫نقل بعض العلماء إجماع الصحابة على جواز التحكيم(‪ ،)64‬ومن هذه‬
‫القضايا التحكيمية‪:‬‬
‫قال الشعبي رحمه هللا تعالى (كان بين عمر رضي هللا تعالى عنه‬ ‫أ‪.‬‬
‫وأبي رضي هللا تعالى عنه خصومة فقال عمر‪ :‬اجعل بيني وبينك رجال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فجعال بينهما زيد بن ثابت رضي هللا تعالى عنه‪ .‬قال‪ :‬فأتوه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فقال عمر رضي هللا عنه أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم‪ .‬قال فلما‬
‫دخلوا عليه أجلسه معه على صدر فراشه‪ .‬قال‪ :‬هذا أول جور جرت في‬
‫حكمك‪ .‬أجلسني وخصمي مجلسا‪ .‬قال‪ :‬فقصا عليه القصة‪ .‬قال‪ :‬فقال زيد‪:‬‬
‫ألبي اليمين على أمير المؤمنين‪ ،‬فإن شئت أعفيته‪ .‬قال‪ :‬فاقسم عمر رضي‬
‫هللا عنه على ذلك‪ .‬ثم أقسم له ال تدرك باب القضاء حتى ال يكون لي‬
‫عندك على أحد فضيلة)(‪ .)65‬فقد حكم عمر وأبي رضي هللا تعالى عنهما‬

‫باب رقم ( ‪ ، ) 53‬رقم الحديث ‪ . 4318‬وصحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ‪ ،‬كتاب‬
‫األقضية ‪ ،‬باب استحباب اإلصالح الحاكم بين الخصمين ‪ ،‬ج‪ ، 18‬ص ‪.80-11‬‬
‫ابن حجر العسقالني ‪ ،‬فتح الباري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص‪. 511‬‬ ‫)‪(63‬‬

‫عميرة ‪ ،‬حاشية قليوبي وعميرة ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪. 812‬‬ ‫)‪(64‬‬

‫الخ طس َرطو ِجردي الخراساني "المكنى" أبو بكر البيهقي ‪،‬‬


‫أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫)‪(65‬‬

‫السنن الكبرى ‪ ،‬تحقيق محمد عبد القادر عطا ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت –‬
‫لبنات ‪ ،‬سنة ‪ ، 8004‬كتاب آداب القاضي ‪ ،‬باب القاضي ال يحكم لنفسه ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص‬
‫‪. 135 -133‬‬
‫‪33‬‬

‫زيد بن ثابت رضي هللا عنه في نزاع بينهما فدل على مشروعية التحكيم‪.‬‬
‫ب‪ .‬عن أبي مليكة رحمه هللا تعالى (أن عثمان رضي هللا تعالى ابتاع‬
‫من طلحة بن عبيد هللا رضي هللا تعالى أرضا له بالكوفة‪ ،‬فلما تبايعا ندم‬
‫عثمان‪ ،‬ثم قال بايعتك ما لم أره فقال طلحة‪ :‬إنما النظر لي‪ ،‬إنما ابتعت‬
‫مغيبا‪ ،‬وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت‪ .‬فجعال بينهما حكما‪ ،‬فحكما جبير بن‬
‫مطعم رضي هللا تعالى‪ ،‬فقضى على عثمان أن البيع جائز‪ ،‬وأن النظر‬
‫لطلحة أنه ابتاع مغيبا)(‪ .)66‬وقد استدل به بعض الفقهاء ‪-‬كابن قدامة‬
‫والبهوتي – على مشروعية التحكيم(‪.)67‬‬
‫التحكيم الذي جرى بين على بن أبي طالب رضي هللا تعالى‬ ‫ج‪.‬‬
‫ومعاوية بن أبي سفيان رضي هللا تعالى عنهما‪ ،‬حيث حكم علي أبا موسى‬
‫األشعري رضي هللا تعالى عنهما‪ ،‬وحكم معاوية عمرو بن العاص رضي‬
‫هللا تعالى عنهما يوم صفين‪ .)68(.‬وقد استدل بعض الفقهاء بهذه القصة‬
‫على مشروعية التحكيم‪ .‬قال الدسوقي في الشرح الكبير (وأما تحكيم‬
‫شخصين في نازلة معينة فال أظنهم يختلفون في جوازه‪ ،‬وقد فعله على‬

‫البيهقي ‪،‬السنن الكبرى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬كتاب البيع ‪ ،‬باب من قال يجوز بيع العين الغائبة‬ ‫)‪(66‬‬

‫ج‪ ، 5‬ص‪. 862 -861‬‬


‫أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي‬ ‫)‪(67‬‬

‫الحنبلي‪ ،‬الشهير بابن قدامة المقدسي ‪ ،‬المغني ‪ ،‬بدون طبعة ‪ ،‬مكتبة القاهره‪-‬القاهرة ‪1162‬م‬
‫‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ . 102‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى‬
‫‪ ،‬كشاف القناع عن متن اإلقناع ‪ ،‬دار الكتب العلمية – بيروت ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 401‬‬
‫ابن كثير ‪ ،‬البداية والنهاية ‪،‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬مكتبة المعارف‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1308‬ه ‪ ،‬ج‪، 1‬‬ ‫)‪(68‬‬

‫ص‪. 816‬‬
‫‪34‬‬

‫ومعاوية في تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاص)(‪ .)69‬وقال الماوردي‬


‫(وألنه لما حكم على ابن أبي طالب في اإلمامة كان التحكيم فيما عداها‬
‫أولى)(‪.)70‬‬
‫عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن األشعث عن أبيه عن جده‪،‬‬ ‫د‪.‬‬
‫قال‪ :‬اشترى األشعث رقيقا من رقيق الخمس‪ ،‬من عبد هللا بعشرين ألفا‪،‬‬
‫فأرسل عبد هللا في ثمنهم‪ ،‬فقال‪ :‬إنما أخذتهم بعشرة أالف‪ ،‬فقال عبد هللا‪:‬‬
‫فاختر رجال يكون بيني وبينك‪ ،‬فقال األشعث‪ :‬أنت بيني وبين نفسك‪ .‬فقال‬
‫عبد هللا‪ :‬فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪[ :‬إذا اختلف‬
‫البيعان‪ ،‬وليس بينهما بينة‪ ،‬فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان](‪ .)71‬وهذه‬
‫قصة صريحة في التحكيم‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى‬
‫(واذا حكم أحد الخصمين على خصمه جاز لقصة ابن مسعود)(‪ .)72‬وقال‬
‫السهارنفوري في بذل المجهود (" فقال عبد هللا فاختر رجال يكون بيني‬

‫الدسوقي ‪ ،‬الشرح الكبير ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬دون تاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪. 143‬‬ ‫)‪(69‬‬

‫أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي‪ ،‬الشهير بالماوردي ‪ ،‬الحاوي‬ ‫)‪(70‬‬

‫الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني ‪ ،‬المحققين الشيخ علي محمد‬
‫معوض ‪ -‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت –‬
‫لبنان ‪ ،‬سنة ‪1111‬م ‪ ،‬ج‪ ، 16‬ص‪ . 485‬الماوردي ‪ ،‬أدب القاضي ‪ ،‬تحقيق محيي هالل‬
‫السرحان ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬مطبعة اإلرشاد ‪ :‬بغداد ‪ ،‬سنة ‪1411‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪.411‬‬
‫أخرجه أبو داود وابن ماجة واللفظ ألبي داود وصححه األلباني ‪ .‬صحيح سنن أبي داود ‪،‬‬ ‫)‪(71‬‬

‫كتاب البيع ‪ ،‬باب إذا اختلف البيعان ‪ ،‬والمبيع قائم ج ‪ ، 8‬ص ‪ 610‬رقم ‪ . 8111‬وابن‬
‫ماجة ‪ ،‬صحيح سنن ابن ماجة لأللباني الطبعة الثانية ‪ ،‬مكتب التربية العربي لدول الخليج ‪:‬‬
‫الرياض ‪ ،‬سنة ‪1302‬ه ‪ ،‬كتاب التجارات ‪ ،‬باب البيعان يختلفان ج‪ ، 8‬ص‪ ، 14‬رقم‬
‫‪. 1111‬‬
‫ابن اللحام ‪ ،‬االختيارات الفقهية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬المؤسسة السعيدية ‪ :‬الرياض ‪ ،‬دون تاريخ‬ ‫)‪(72‬‬

‫نشر ‪ ،‬ص‪. 516‬‬


‫‪35‬‬

‫وبينك " حكما يحكم بيننا " فقال األشعث أنت الحكم)(‪.)73‬‬

‫ثالثا‪ :‬التحكيم في القانون الليبي‪:‬‬


‫قام المشرع بكتابة قانون التحكيم في الباب الرابع من قانون المرافعات‬
‫المدنية والتجارية ‪ ،‬وهي من المواد "‪ "141‬حتى المادة "‪ ،"111‬فتحدث في‬
‫الفصل األول عن التحكيم بصفة عامة‪ ،‬وأردف عناوين لها حول االتفاق‬
‫على التحكيم واألحوال التي ال يجوز فيها التحكيم‪ ،‬وأحوال المحكم‪ ،‬واثبات‬
‫مشارطة التحكيم‪ ،‬وتحديد موضوع النزاع‪ ،‬وتعدد المحكمين‪ ،‬والتفويض‬
‫بالصلح‪ ،‬واالختالف على المحكمين‪ ،‬وقبول المحكمين للتحكيم‪ ،‬وتنحي‬
‫المحكمين وعزلهم‪ ،‬ووفاة أحد الخصوم‪ ،‬وأثر تعيين المحكم الجديد‪ ،‬وميعاد‬
‫التحكيم‪ ،‬وعدم الحكم في األجل المعين‪ ،‬واجراءات التحكيم‪ ،‬واجراءات‬
‫المحكمين المفوضين بالصلح‪ ،‬وغيرها من االجراءات التي تستند عليها‬
‫المحكمة في اجراءاتها‪ ،‬والفصل الثاني أفرده المشرع في التحكيم بين‬
‫الزوجين‪.‬‬
‫ومما يعيب باب التحكيم الليبي أن المشرع لم يفرد له قانون مستقل‪ ،‬بل‬
‫جعله باباً من أبواب قانون المرافعات المدنية والتجارية‪ ،‬ولم يذكر أنواعه‬
‫صراحة‪ ،‬بل ذكرها ضمنياً بين نصوصه‪ ،‬وكذلك لم نرى أي اهتمام من قبل‬
‫رجال القانون أن يوصوا بعمل مركز للتحكيم يعتني بالمنازعات التي تحدث‬
‫بين األفراد من جهة‪ ،‬وبين األفراد والمؤسسات من جهة أخرى‪ ،‬فضالً عن‬

‫السهارنفوري ‪ ،‬بذل المجهود في حل أبي داود ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪،‬‬ ‫)‪(73‬‬

‫دون تاريخ نشر ‪ ،‬ج ‪ ، 15‬ص‪. 121‬‬


‫‪36‬‬

‫النزاعات التي تحدث بين المؤسسات‪ ،‬وخصوص ًا النزاعات التي تحدث بين‬
‫األفراد في المنازعات العقارية‪ ،‬التي نراها اليوم في أدراج المحاكم لسنوات‬
‫طويله‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أركان التحكيم وأنواعه والموضوعات التي يجوز وال‬


‫يجوز فيها التحكيم بين الشريعة والقانون‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أركان التحكيم وشروطه في الشريعة والقانون الليبي‪.‬‬


‫أركان التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬
‫يتفق القانون مع الفقه اإلسالمي في أن اتفاق التحكيم عقد رضائي ‪،‬‬
‫وليس شكلي ًا يتوقف على شكل معين ‪ ،‬لكنه يختلف معه في إثبات االتفاق‬
‫على التحكيم يتوقف على كونه مكتوباً نظ اًر ألهميته ‪،‬وخطورته (‪ ،)74‬وكذلك‬
‫األمر بالنسبة لجميع شروطه وبنوده في حين أن الفقه اإلسالمي ال يشترط‬
‫الكتابة فيه ‪ ،‬بل يجوز إثباته بها ‪ ،‬وباالتفاق الشفهي أيضاً ‪ ،‬وبالشهادة ‪،‬‬
‫لكن الفقه اإلسالمي يندب إلى إثبات الحقوق بكل الوسائل المتاحة ‪ ،‬ومن‬
‫هنا فلو اشترطت الدولة ‪ ،‬أو الطرفان أن ال يتم التحكيم إالّ مكتوباً فال‬
‫أخال أن في ذلك مخالفة للشريعة الغراء التي أمرت بالكتابة في عصر‬
‫كانت الكتابة فيه نادرة ‪ ،‬فقال تعالى ‪ ( :‬فاكتبوه …‪ .‬وليكتب بينكم كاتب‬

‫(‪ )74‬نص المشرع الليبي في باب التحكيم في قانون المرافعات المدنية في المادة ‪ " 138‬ال تثبت‬
‫مشارطة التحكيم إال بالكتابة " ‪ ،‬وقد نصت معظم القوانين الوضعية على ذلك مثل القانون‬
‫الفرنسي في المادة ( ‪ ، ) 1005‬وقانون المرافعات المصري في مادته ( ‪ ، ) 501‬وقانون‬
‫المرافعات العراقي في مادته ( ‪ ، ) 858‬وغيرها من القوانين ‪ .‬قحطان عبد الرحمن الدوري ‪،‬‬
‫عقد التحكيم في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الفرقان للنشر‬
‫والتوزيع ‪ :‬األردن ‪ ،‬سنة ‪8008‬م ‪ ،‬ص‪. 28‬‬
‫‪38‬‬

‫بالعدل)(‪.)75‬‬
‫وأركان العقد معروفة وهي العاقدان‪ ،‬والصيغة المعبرة عن العقد‪ ،‬ومحل‬
‫التحكيم هو األمر المتـنازع عليه‪ ،‬وال أدخل في تفاصيل الشروط العامة‬
‫ألركان العقد (‪ ،)76‬ولكنني اذكر أهم الشروط الخاصة بالتحكيم وهي‪:‬‬
‫‪.1‬أن يكون المحكم أهالً لوالية القضاء‪ ،‬ألن المحكم كالقاضي(‪.)77‬‬
‫‪.8‬أن ال يكون محل التحكم في الحدود واللعان عند جماهير الفقهاء (‬
‫الحنفية ‪ ،‬والمالكية ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬والحنابلة في رواية على تفصيل داخل‬
‫المذاهب ‪ ،‬وال القصاص والديات عند جماعة من الفقهاء منهم الحنفية ‪،‬‬
‫‪ ،‬وقد وضع‬ ‫(‪)78‬‬
‫وذلك لخطورة هذه األمور وأنها منوطة بالسلطة القضائية‬
‫ابن عرفة معيا اًر لذلك وهو أنه يجوز التحكيم فيما يصح ألحدهما ترك حقه‬
‫وهو معيار صحيح دقيق ألن الحقوق العامة كما في الحدود‬ ‫(‪)79‬‬
‫فيه‬
‫واللعان ال يمتلكها اإلنسان نفسه ‪ ،‬في حين أن ظاهر كالم أحمد أن‬
‫التحكيم جائز في جميع القضايا ‪ ،‬قال القاضي أبو يعلى ‪ ( :‬وينفذ حكم‬
‫حكماه في جميع األحكام إالّ أربعة أشياء ‪ :‬النكاح ‪ ،‬واللعان ‪ ،‬والقذف‬
‫من ّ‬
‫والقصاص ‪ ،‬ألن لهذه األحكام مزية على غيرها فاختص اإلمام بالنظر‬

‫(‪ )75‬سورة البقرة ‪ /‬اآلية ( ‪.) 82‬‬


‫(‪ )76‬علي محي الدين القره داغي ‪ ،‬مبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنه في الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون المدني ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪8008‬م ‪.‬‬
‫(‪ )77‬الموسوعة الفقهية الكويتية ‪ ،‬الصادرة عن و ازرة األوقاف والشئون اإلسالمية الكويت ‪ ،‬طبعة‬
‫الثانية ‪ ،‬دار السالسل ‪ :‬الكويت ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص‪. 841‬‬
‫(‪ )78‬الدسوقي ‪ ،‬الشرح الكبير على حاشية الدسوقي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‪. 146‬‬
‫(‪ )79‬ابراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون ‪ ،‬تبصرة الحكام في اصول االقضية ومناهج األحكام ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 33-34‬‬
‫‪39‬‬

‫فيها ‪ ،‬ونائبه يقوم مقامه ‪ ،‬وقال أبو الخطاب ‪ :‬ظاهر كالم أحمد أنه ينفذ‬
‫حكمه فيها ‪ ،‬وألصحاب الشافعي وجهان كهذين )(‪.)80‬‬
‫‪ .4‬تراضي طرفي الخصومة على التحكيم‪ ،‬أما إذا عين القاضي المحكم‬
‫فال يشترط رضاهما‪ ،‬ألنه نائب عن القاضي والمقصود أن يتم اتفاقهما‬
‫على قبول مهمة التحكيم إما في العقد نفسه قبل نشوب النـزاع‪ ،‬أو بعده‬
‫(‪.)81‬‬
‫وهذا التراضي يمثل ركن التحكيم وجوهره‪ ،‬ألنه عقد ال ينعقد إالّ‬
‫باإليجاب والقبول ولذلك يشترط فيهما الشروط التي ذكرها الفقهاء من‬
‫كونهما متصلين واقعين على محل واحد‪ ،‬ثم إن هذا التواصي قد يعبر عنه‬
‫العاقدان المحكمان (بكسر الكاف المشددة) صراحة كم لو قاال‪ :‬اتفقنا على‬
‫التحكيم‪ ،‬أو حكمناك فيما بيننا‪ ،‬وقد يظهر داللة كما لو اختصما إلى رجل‬
‫ليحكم بينهما (‪.)82‬‬
‫وللمحكمين الحق في تقييد رضاهما أو إطالقهما ووضع الشروط ما دام‬
‫ذلك ال يخالف نصاً من الكتاب والسنة‪ ،‬كما أن لهما تعليقه‪ ،‬أو إضافته‬
‫إلى المستقبل عند بعض الفقهاء منهم أبو يوسف(‪.)83‬‬

‫(‪ )80‬ابن قدامة المقدسي ‪ ،‬المغني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 102‬‬
‫(‪ )81‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫(‪ )82‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي ‪ ،‬رد المحتار على‬
‫الدر المختار ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪ ، 1118‬ج‪ ، 5‬ص‪. 382‬‬
‫(‪ )83‬ابن نجيم المصري ‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 81-83‬‬
‫‪40‬‬

‫ب‪ .‬الشروط الموضوعية للتحكيم (الرضا‪ ،‬المحل‪ ،‬األهلية)‪.‬‬


‫‪ .1‬الرضا‪:‬‬
‫ال بد أن يتوافر شرط التراضي بين الطرفين ويلزم توافر ذلك أن يدرك‬
‫المتعاقدين معنى التصرف الذي يقصدانه(‪.)84‬‬
‫ويترتب على هذا أنه ال يعتد بإرادة الصبي غير المميز لفقدانه األهلية‪.‬‬
‫كذلك ال يعتد برضا المجنون أو السكران سك ار بينا يفقده القدرة على‬
‫التمييز‪.‬‬
‫وليس التفاق التحكيم خصوصية في هذا الشأن إال في صورة شرط‬
‫التحكيم المدرج في عقد أصلي يكون هذا الشرط تابعا له‪ ،‬وهذا ما نصت‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)85‬‬
‫عليه الفصل (‪ )130‬من قانون المرافعات المدنية في فصل التحكيم‬
‫مما يعني انعدام التمييز لدى أحد العاقدين ال بد أن يصيب العقد األصلي‪،‬‬
‫واتفاق التحكيم الملحق به معا‪ ،‬بحيث ال يستقل أحدهما عن اآلخر‪ ،‬ومن‬
‫ثم فإذا دفع أحد طرفي التحكيم ببطالن العقد النعدام إرادته عند التوقيع‪،‬‬
‫فإن البطالن ال يقتصر على العقد األصلي وحده‪ ،‬وانما يمتد إلى عقد‬
‫التحكيم‪ ،‬وبطالن اتفاق التحكيم في هذه الحالة إنما يكون لعيب ذاتي فيه‬
‫وليس لمجرد ارتباطه بالعقد األصلي‪ .‬وهو لذلك ال ينفي استقالل شرط‬

‫(‪ )84‬نادية محمد عرض ‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ :‬القاهرة ‪،‬‬
‫سنة ‪8008‬م ‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )85‬نصت المادة "‪ "130‬من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي في فصل التحكيم مانصه "‬
‫وال يصح التحكيم إال ممن له أهلية التصرف في حقوقه وال في المسائل التي ال يجوز فيها‬
‫الصلح" ‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫التحكيم على نحو تظل النتائج المترتبة على مبدأ استقالل التحكيم قائمة‪.‬‬
‫وال يكفي أن يتوافر الرضا لدى المتعاقدين‪ ،‬بل يجب أن تتجه إرادتهما إلى‬
‫إحداث األثر القانوني الذي يرتبه التصرف‪ ،‬وبناء على ذلك إذا كان الرضا‬
‫صوريا انتقى الرضا النتقاء اإلرادة إلى إحداث األثر القانوني الذي يرتبه‬
‫العقد‪ ،‬وبالتالي فإن االتفاق ال يقوم إال إذا اتجهت إرادة الطرفين بوضوح‬
‫إلى فكرة التحكيم بدرجة التحديد على نحو ال يكفي معه مجرد االتفاق على‬
‫مجرد االلتجاء إلى القضاء للقول بوجود اتفاق على التحكيم (‪.)86‬‬
‫‪ .2‬المحل‪:‬‬
‫يقصد بمحل التحكيم موضوع المنازعات الواردة في اتفاق التحكيم والتي‬
‫ينص على حلها بحكم تحكيمي‪ ،‬أو في بعض األحيان ال ترد بالتفصيل في‬
‫اتفاق التحكيم وكأن يشار فقط إلى أن النزاعات بين الطرفين بالنسبة لنوعية‬
‫البضاعة يصار حلها بالتحكيم‪ ،‬وهذا االتفاق إما يتمثل في شرط التحكيم‬
‫اتفق عليه قبل نشوب النزاع وأدرج في العقد أو في وثيقة أخرى تتضمن‬
‫‪،‬العقد أو في اتفاق مستقل‪ ،‬وقد يتمثل االتفاق‬ ‫(‪)87‬‬
‫شرط التحكيم أحال إليها‬
‫في مشارطة تحكيم تبرم بعد قيام النزاع ويتفق فيها على إحالة النزاع إلى‬
‫التحكيم للفصل فيه‪ ،‬ويشترط في محل االتفاق أال يكون مخالفا للنظام العام‬

‫(‪ )86‬د‪ .‬مصطفى الجمال ود‪ .‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬التحكيم في العالقات الخاصة الدولية‬
‫والداخلية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬ص‪.422‬‬
‫(‪ )87‬وقد نص على ذلك المشرع الليبي في قانون المرافعات فصل التحكيم في اللمادة "‪"141‬‬
‫مانصه " يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في‬
‫تنفيذ عقد معين على محكمين ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم‬
‫خاصة " ‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫أو اآلداب العامة ويجب أن يكون محل االتفاق من األمور التي يجوز فيها‬
‫التحكيم (‪.)88‬‬
‫‪ .3‬األهلية‪:‬‬
‫يقصد باألهلية هنا األهلية الالزمة لالتفاق على حسم النزاع بالتحكيم وال‬
‫يمكن للشخص أن يجري اتفاقا على ذلك‪ ،‬إال إذا كانت له أهلية التصرف‬
‫في الحقوق المتعلقة بالنزاع المراد حسمها بالتحكيم وهو ما نص عليه‬
‫المشرع الليبي في المادة " ‪ "130‬من قانون المرافعات المدنية والتجارية‪.‬‬
‫وألجل معرفة القواعد القانونية التي تحكم مسائل األهلية يتم الرجوع إلى‬
‫القانون الشخصي ألطراف االتفاق‪ ،‬والقانون الشخصي يتحدد بموجب‬
‫الرابطة بين الشخص وبين الدولة التي يخضع ذلك الشخص لقانونها‪.‬‬

‫ج‪ .‬الشروط الشكلية للتحكيم‪.‬‬


‫يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا واال كان باطال ويكون اتفاق التحكيم‬
‫مكتوبا إذا حرر ووقعه الطرفان‪ ،‬والكتابة شرط الزم لصحة اتفاق التحكيم‪،‬‬
‫فهو شرط صحة وليس مجرد وسيلة إثبات وان تخلفها يترتب عليه بطالن‬
‫التحكيم وهذا األمر جاء به قانون المرافعات الليبي في فصل التحكيم في‬
‫وللكتابة عدة أشكال فقد تفرغ في محور يوقعه الطرفان‪،‬‬ ‫(‪)89‬‬
‫المادة "‪"138‬‬

‫(‪ )88‬د‪ .‬فوزي محمد سامي‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة ‪ ،‬طبعة الرابعة ‪ ،‬دار الثقافة‬
‫للنشر والتوزيع ‪:‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪8010‬م ‪ ،‬ص‪.181-186‬‬
‫(‪ )89‬جاء في المادة "‪ "138‬من قانون المرافعات الليبي مانصه " ال تثبت مشارطة التحكيم إال‬
‫بالكتابة"‪.‬‬
‫‪43‬‬

‫أو فيما يتبادالنه من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل االتصال‬


‫المكتوبة(‪.)90‬‬

‫ثانيا‪ :‬أنواع التحكيم‪.‬‬


‫أ‪ .‬أنواع التحكيم في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫عند استقراءي للتحكيم في الشريعة اإلسالمية لم أقف على أنواع له‪،‬‬
‫وانما كانت مجاالت أو تطبيقات في الفقه اإلسالمي على التحكيم‪ ،‬وعند‬
‫الوقوف على هذه التطبيقات فإننا نراها تنقسم لستة تطبيقات‪:‬‬
‫‪ .1‬التحكيم في جزاء الصيد‪.‬‬
‫‪ .8‬التحكيم عند شقاق الزوجين‪.‬‬
‫‪ .4‬نكاح التحكيم عند المالكية‪.‬‬
‫‪ .3‬التحكيم في أخذ المال من الحربيين التجار‪.‬‬
‫‪ .5‬التحكيم عند الخالف بين اإلمام ومجلس الشورى‪.‬‬
‫‪ .6‬حكومة العدل في الديات‪.‬‬
‫وسنتحدث عن كل نوع من هذه التطبيقات من الناحية العملية‪:‬‬
‫‪ .1‬التحكيم في جزاء الصيد‪.‬‬
‫قال هللا تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن‬
‫قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم‬
‫…)(‪ .)91‬فاآلية صريحة في إرجاع الحكم بالجزاء إلى حكمين عدلين فقط‬

‫(‪ )90‬نادية محمد معوض‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )91‬سورة المائدة ‪ ،‬اآلية ( ‪) 15‬‬
‫‪44‬‬

‫وليس إلى غيرهما‪ ،‬فهذا تحكيم إجباري طبقه الخلفاء الراشدون‪ ،‬والصحابة‬
‫الكرام ومن تبعهم بإحسان(‪)92‬كما أن الراجح أن هذا التحكيم مستمر في كل‬
‫حادثة قتل لصيد الحرم دون االكتفاء بما صدر عن العصور السابقة من‬
‫األحكام‪ ،‬وهذا هو قول طاووس‪ ،‬وابن أبي ليلى‪ ،‬والحسن بن حي‪ ،‬والثوري‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأبي حنيفة‪ ،‬ومالك والزيدية في أحد قوليهم(‪.)93‬‬
‫وقد طبق الخلفاء الراشدون هذا التحكيم والتـزموا به‪ ،‬فعن ميمون بن‬
‫مهران أن أعرابياً أتى أبابكر ـ رضي هللا عنه ـ فقال‪ :‬قتلت صيداً وأنا محرم‬

‫فما ترى َّ‬


‫علي من الجزاء؟ فقال أبوبكر ألبي بن كعب وهو جالس عنده‪ :‬ما‬
‫ترى فيها؟ قال‪ :‬فقال االعرابي‪ :‬أتيتك وأنت خليفة رسول أسألك‪ ،‬فإذا أنت‬
‫تسأل غيرك‪ ،‬فقال أبوبكر‪ :‬وما تنكر؟ يقول هللا تعالى‪( :‬فجزاء مثل ما قتل‬
‫من النعم يحكم به ذوا عدل) فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر‬
‫أمرناك به)(‪.)94‬‬

‫(‪ )92‬القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري االشبيلي المالكي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪ . 613‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي ‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد صادق القمحاوي ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1305‬ه ‪،‬‬
‫ج‪ ، 8‬ص‪. 361‬‬
‫(‪ )93‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،‬دون طبعة‬
‫‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬دون تاريخ نشر ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪ ، . 24‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن‬
‫محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد ‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪،‬‬
‫دون طبعة ‪ ،‬دار الحديث ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪8003‬م ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ . 436‬والمغني مع الشرح‬
‫الكبير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪. 545‬‬
‫(‪ )94‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي ‪ ،‬الدر المنثور ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪:‬‬
‫بيروت ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪ . 481‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫البصري ثم الدمشقي ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) ‪ ،‬تحقيق محمد حسين شمس الدين ‪،‬‬
‫‪45‬‬

‫وحدث مثل هذه القصة مع عمر ـ رضي هللا عنه ـ حيث قال قبيصة بن‬
‫جابر‪ :‬حججنا زمن عمر فقتل أحد أصحابه ظبياً وهو محرم‪ ،‬فأتينا عمر‬
‫فسألناه عن ذلك‪ ،‬واذا على جنبه رجل‪ ،‬يعني عبدالرحمن بن عوف‪ ،‬فالتفت‬
‫إليه فكلمه‪ ،‬ثم أقبل على صاحبنا ‪ ..‬فأمره بذبح شاة ‪ ..‬قال قبيصة‪ :‬فقلت‬
‫لصاحبي‪ :‬أيها الرجل أعظم شعائر هللا‪ ،‬وهللا ما درى أمير المؤمنين ما‬
‫يفتيك حتى شاور صاحبه‪ ،‬اعمد إلى ناقتك فانحرها … فبلغ عمر مقالتي‪،‬‬
‫فلم يفجأنا إالّ ومعه الدرة‪ .)95(..‬والمقصود أن هذا التحكيم إجباري بأن‬
‫بنص القرآن‬
‫يحتكم قاتل الصيد إلى حكمين عدلين‪ ،‬وليس له غير هذا ّ‬
‫الكريم‪.‬‬

‫‪ .2‬التحكيم عند شقاق الزوجين‪:‬‬


‫قال هللا تعالى ‪ ( :‬وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكم ًا‬
‫‪ ،‬فاآلية صريحة في‬ ‫(‪)96‬‬
‫من أهلها إن يريدا إصالحاً يوفق هللا بينهما )‬
‫داللتها على الوجوب وقد تبنى هذا الرأي القاضي ابن العربي فقال ‪ ( :‬إذا‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)97‬‬
‫علم اإلمام من حال الزوجين الشقاق لزمه أن يبعث إليهما حكمين )‬
‫وقد ذكر القاضي أن المراد بالمخاطب هو ولي األمر ونائبه المتمثل في‬

‫الطبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1311‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 11‬‬
‫(‪ )95‬السيوطي ‪ ،‬الدر المنثور ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪ ، 481‬وقال أخرجه ابن جرير وابن‬
‫المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ‪.‬‬
‫(‪ )96‬سورة النساء ‪ /‬اآلية ( ‪) 45‬‬
‫(‪ )97‬القاضي ابن عربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 381‬‬
‫‪46‬‬

‫القاضي(‪ ،)98‬حيث ال يجوز له البت في األمر إالّ بعد هذا اإلجراء ‪ ،‬وهو‬
‫إرسال حكم من أهله ‪ ،‬وحكم من أهلها ‪ ،‬أو أن المراد أولياء الزوجين إذا‬
‫كانا محجورين ‪ ،‬وأن الحكمين هما بمثابة القاضيين وليسا وكيلين ‪ ،‬قال‬
‫نص من هللا تعالى من أنهما قاضيان ال‬
‫القاضي ابن العربي ‪ ( :‬هذا ّ‬
‫وكيالن ‪ ،‬وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى ‪ ،‬وللحكم اسم في الشريعة‬
‫كل واحد منهما فال ينبغي لشاذ ـ فكيف لعالم‬
‫ومعنى ‪ ،‬فإذا بين هللا سبحانه ّ‬
‫ـ أن يركب معنى أحدهما على اآلخر فذلك تلبيس وافساد لألحكام ‪ ،‬وانما‬
‫يسيران بإذن هللا تعالى ويخلصان النية لوجه هللا وينظران فيما عند الزوجين‬
‫بالتثبيت ‪ ،‬فإن رأيا للجمع وجهاً جمعا ‪ ،‬وان وجداهما قد أنابا تركاهما‪)…،‬‬
‫وان وجداهما قد اختلفا ولم يمكن الجمع بينهما ‪ ،‬أو أن الجمع ال ينفع‬
‫فرقا بينهما وهذا مروي عن علي وابن عباس ومعاوية‬ ‫لوجود تجارب أخرى ّ‬
‫ّ‬
‫والشعبي ‪ ،‬وهو مذهب مالك دافع عنه القاضي ابن العربي دفاعاً مستميتاً ‪،‬‬
‫وقد ذكر عدة أدلة على ذلك(‪.)99‬‬
‫فرقا فتكون الفرقة طلقة بائنة ‪ ،‬وأن هذه الفرقة لوقوع الخلل في‬
‫وقال إذا ّ‬
‫مقصود النكاح من األلفة وحسن العشرة ( فإمساك بمعروف أو تسريح‬
‫رد على من قال ‪ :‬بأن الظلم من أحد الزوجين ال‬
‫بإحسان ) ‪ ،‬وقد ّ‬
‫(‪)100‬‬

‫(‪ )98‬الرازي ‪ ،‬التفسير الكبير ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار احياء التراث العربي ‪ :‬ببيروت ‪ ،‬دون سنة‬
‫نشر ‪ ،‬ج‪ ، 10‬ص‪. 18‬الدكتور عبدالعزيز بن عبدهللا الحميدي ‪ ،‬تفسير ابن عباس ومروياته‬
‫في الكتب الستة ‪ ،‬دون طبعة ‪ .‬جامعة أم القرى ‪ :‬مكة المكرمة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 841‬‬
‫(‪ )99‬القاضي ابن عربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 383 – 381‬‬
‫(‪ )100‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪. 811‬‬
‫‪47‬‬

‫ينافي النكاح ‪ ،‬بأن هذا نظر قاصر يتصور في عقود األموال ‪ ،‬فأما عقود‬
‫تتم إالّ باالتفاق والتآلف وحسن التعاشر ‪ ،‬فإذا فقد ذلك لم يكن‬
‫األبدان فال ّ‬
‫لبقاء العقد وجه ‪ ،‬وكانت المصلحة في الفرقة ‪ ،‬ثم أوضح بأن حكم‬
‫الحكمين كما أنه ملزم في الجمع ‪ ،‬أو الفرقة ‪ ،‬ملزم كذلك فيما يخص بقية‬
‫‪ ،‬ثم ّبين بأن‬ ‫(‪)101‬‬
‫الحقوق المالية من المنازلة أو أخذ شيء من أحدهما‬
‫خص هاتين الواقعتين ( الشقاق‬
‫القاضي ال يقضي بعلمه ‪ ،‬ولكن الشرع ّ‬
‫وجزاء الصيد ) بحكمين لينفذ حكمهما بعلمهما وترتفع بالتعدد التهمة‬
‫عنهما(‪.)102‬‬
‫ومع وجود هذا التحكيم اإلجباري في حالة الشقاق فإنه ال مانع شرعاً من‬
‫التحكيم االختياري من الزوجين أو من أهلهما‪ ،‬أو من أوليائهما سواء اختا ار‬
‫حكمين‪ ،‬أو حكماً واحداً‪ ،‬أو أكثر من اثنين ألن التحكيم جائز وينفذ حكم‬
‫المحكم إذا توافرت شروط التحكيم(‪.)103‬‬

‫‪ .3‬نكاح التحكيم عند المالكية‪:‬‬


‫هذا النوع من التحكيم قال به فقهاء المالكية‪ ،‬وال بد أن نميزه عن نكاح‬
‫التفويض‪ ،‬ونبين ما هو القدر المشترك بينهما‪.‬‬

‫(‪ )101‬القاضي ابن عربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 385‬‬
‫(‪ )102‬المصدر السابق ‪ ، ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ . 385‬الرازي ‪ ،‬التفسير الكبير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪، 10‬‬
‫ص‪. 14‬‬
‫(‪ )103‬القاضي ابن عربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 381‬‬
‫‪48‬‬

‫نكاح التحكيم‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)104‬‬
‫هو عقد نكاح بال ذكر مهر‪ ،‬وال إسقاطه‪ ،‬مع صرفه لحكم أحد‬
‫أي يصرف الحكم في طقدر صداقه لحكم حاكم‪ ،‬إما أحد الزوجين أو غيرهما‬
‫(‪.)105‬‬
‫وهو غير نكاح التفويض‪ ،‬ألن نكاح التفويض هو‪ :‬عقد بال ذكر مهر‪ ،‬وال‬
‫‪.‬‬ ‫إسقاطه‪ ،‬وال صرفه لحكم أحد‬
‫(‪)106‬‬

‫فالقدر المشترك بينهما هو ‪ :‬عدم ذكر المهر ‪ ،‬أي ‪ :‬عدم تسمية قدره ‪.‬‬
‫ولكنهما اختلفا في ‪ :‬أن نكاح التفويض لم يصرف قدر مهره لحكم أحد‪،‬‬
‫أما نكاح التحكيم فإنه صرف قدر مهره لحكم حاكم(‪.)107‬‬
‫بيان مقدار المهر للزوجة ‪:‬‬
‫للزوجة طلب بيان قدر المهر في نكاح التفويض والتحكيم ‪ ،‬قبل البناء ‪،‬‬
‫‪ ،‬لتكون على بصيرة من ذلك ‪.‬‬ ‫(‪)108‬‬
‫ويكره لها تمكينه من نفسها قبله‬

‫(‪ )104‬الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ‪ ،‬جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في‬
‫مذهب اإلمام مالك ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار التنزيل ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪1448‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 413‬‬
‫(‪ )105‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي‪ ،‬المعروف‬
‫بالحطاب الرعيني المالكي ‪ ،‬مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ‪ ،‬طبعة الثالثة ‪ ،‬دار‬
‫الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1118‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪.515‬‬
‫(‪ )106‬الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ‪ ،‬جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في‬
‫مذهب اإلمام مالك ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪.413‬‬
‫(‪ ) 107‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،‬مرجع‬
‫سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 414‬‬
‫(‪ )108‬محمد بن أحمد بن محمد عليش‪ ،‬أبو عبد هللا المالكي ‪ ،‬منح الجليل شرح مختصر خليل ‪،‬‬
‫دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪ ، 1121‬ج‪ ، 8‬ص‪. 181‬‬
‫‪49‬‬

‫المواق ‪:‬‬
‫لذلك قال ّ‬
‫" قلت ‪ :‬إن أرادت – أي الزوجة – أن يفرض لها قبل البناء ‪ ،‬وأبى إال‬
‫بعده – أي الزوج ‪ ، -‬قال ‪ :‬قال مالك ‪ :‬ليس له أن يبني حتى يفرض لها‬
‫مهر مثلها على ما أحب أو كره ‪ ،‬فإن شاء طلق ‪ ،‬وان شاء أمسك "(‪.)109‬‬
‫حكم نكاح التحكيم ‪:‬‬
‫‪ ،‬وقد نقل‬ ‫(‪)110‬‬
‫ال اختالف بين أهل العلم في أن نكاح التفويض جائز‬
‫الباجي االتفاق على جوازه أيضاً(‪ ،)111‬فيجوز اإلقدام عليه بال خالف(‪.)112‬‬
‫أما نكاح التحكيم فقد ذكره فقهاء المالكية ‪ ،‬واختلفوا فيه على ثالثة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬إن ذلك جائز ‪ ،‬قياساً على نكاح التفويض ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن ذلك ال يجوز ‪ ،‬ويفسخ قبل الدخول وثبت بعده ‪،‬‬
‫ويكون فيه صداق المثل ‪.‬‬
‫َّ‬
‫المحكم ‪ ،‬وال يجوز إن‬ ‫القول الثالث ‪ :‬أن ذلك جائز إن كان الزوج هو‬

‫(‪ )109‬محمد بن يوسف المواق ‪ ،‬التاج واالكليل لمختصر خليل ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1113‬م ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪. 515‬‬
‫(‪ )110‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الملقب بابن الرشد الجد ‪ ،‬المقدمات الممهدات ‪،‬‬
‫تحقيق محمد حجي وسعيد أعراب ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة‬
‫‪1122‬م ‪ ،‬ص‪. 456‬‬
‫(‪ )111‬الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ‪ ،‬جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في‬
‫مذهب اإلمام مالك ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 413‬‬
‫(‪ )112‬احمد بن محمد الصاوي ‪ ،‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار‬
‫المعارف ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬دون تاريخ نشر ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 331‬‬
‫‪50‬‬

‫َّ‬
‫المحكم غير الزوج ‪ ،‬كانت الزوجة أو غيرها(‪.)113‬‬ ‫كان‬

‫قال ابن رشد ‪:‬‬


‫َّ‬
‫المحكم ‪ ،‬فال اختالف‬ ‫فإن قلنا ‪ :‬إن النكاح جائز ‪ ،‬فإن كان الزوج هو‬
‫أن الحكم في ذلك حكم نكاح التفويض ‪ :‬إن فرض الزوج فيه للزوجة‬
‫فرق بينهما ‪ ،‬إال أن يدخل‬
‫صداق المثل لزمها النكاح ‪ ،‬وان أبى من ذلك ّ‬
‫بها ‪ ،‬فيجب عليه صداق المثل(‪.)114‬‬
‫فالزوج إن فرض للزوجة مهر مثلها لزم الزوجة الرضا بما فرض لها‪،‬‬
‫وال يلزمه أن يفرض لها صداق المثل‪ ،‬ألن المرأة هنا منزلة من وهب سلعته‬
‫للثواب ‪ ،‬فإن دفع الموهوب له القيمة للواهب لزمته ‪ ،‬وان لم يدفع له القيمة‬
‫لم تلزمه ‪.‬‬
‫وال يلزم الزوج أن يفرض شيئاً ‪ ،‬بل إن شاء طلق وال شيء عليه(‪.)115‬‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)116‬‬
‫فالزوج له أن يفرض أقل من مهر المثل ‪ ،‬لكن ال يلزم الزوجة‬
‫فلها الخيار ‪ ،‬فإن رضيت به فبها ‪ ،‬واال قيل له ‪ :‬إما أن تزيد واما أن‬
‫تطلق ‪.‬‬
‫َّ‬
‫المحكم في تقدير المهر الزوجة أو غير الزوج سواء كان وليا أو أجنبيا‪:‬‬

‫(‪ )113‬ابن رشد الجد ‪ ،‬المقدمات الممهدات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 465‬‬
‫(‪ )114‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫(‪ )115‬محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،‬مرجع‬
‫سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 415‬‬
‫(‪ )116‬محمد بن أحمد بن محمد عليش‪ ،‬أبو عبد هللا المالكي ‪ ،‬منح الجليل شرح مختصر خليل ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪.181‬‬
‫‪51‬‬

‫َّ‬
‫المحكمة وحدها‪ ،‬أو مع سواها ‪ ،‬أو الزوج مع‬ ‫إن كانت الزوجة هي‬
‫غيره ‪ ،‬اختلف في ذلك على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن الحكم في ذلك حكم نكاح التفويض ‪ :‬إن فرض الزوج‬
‫َّ‬
‫للمحكم من كان في ذلك كالم ‪.‬‬ ‫لها صداق مثلها لزمها النكاح ‪ ،‬ولم يكن‬
‫َّ‬
‫المحكم بصداق المثل أو أقل لم يلزم ذلك الزوج إال أن‬ ‫وان رضي‬
‫يشاء‪.‬‬
‫وهذا يأتي على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وابن‬
‫الحكم وأصبغ(‪.)117‬‬
‫المت ِيطي وابن‬
‫وهو قول بعض الصقليين ‪ ،‬واختاره اللخمي و َ‬
‫(‪)118‬‬

‫عرفه(‪.)119‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الحكم في التحكيم عكس الحكم في التفويض‪ُ ،‬يَن ّزل‬
‫َّ‬
‫المحكم في التحكيم منزلة الزوج في التفويض‪:‬‬
‫َّ‬
‫المحكمة‪ ،‬أو فرض‬ ‫إن فرضت الزوجة صداق المثل فأقل إن كانت هي‬
‫َّ‬
‫المحكم برضاها لزم ذلك الزوج ‪ ،‬ولم يكن له في ذلك كالم ‪.‬‬ ‫ذلك‬
‫فإن فرض الزوج صداق المثل فأكثر لم يلزم ذلك الزوجة ‪ ،‬إالّ أن‬
‫َّ‬
‫المحكمة أو غيرها ‪.‬‬ ‫ترضى به ‪ ،‬كانت هي‬
‫وهذا القول ذهب إليه أبو الحسن بن الَقاِبسي ‪ ،‬وقاله تأويالً على ما في‬
‫المدونة ‪.‬‬

‫(‪ )117‬ابن رشد ‪ ،‬المقدمات الممهدات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 466-465‬‬


‫(‪ )118‬الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 415‬‬
‫(‪ )119‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫‪52‬‬

‫قال ابن رشد ‪ :‬وهو تأويل بعيد(‪.)120‬‬

‫ونقل قول القابسي بعبارة أخرى هي ‪:‬‬


‫َّ‬
‫المحكم المثل لزم الزوجين الرضا به ‪ ،‬وان فرض صداقاً‬ ‫" إن فرض‬
‫وتخير في الرضا به‬
‫ّ‬ ‫أقل من المثل لزم الزوج فقط ‪ ،‬فال يلزم الزوجة ‪،‬‬
‫ويخير فيه الزوج(‪.)121‬‬
‫وعدمه ‪ ،‬وان فرض أكثر منه لزم الزوجة فقط ّ‬
‫القول الثالث ‪ :‬النكاح ال يلزم إال بتراضي الزوج و َّ‬
‫المحكم – كانت‬
‫الزوجة أو غيرها – على الفريضة ‪:‬‬
‫ترض بذلك الزوجة إن كانت‬‫إن فرض الزوج صداق المثل فأكثر فلم َ‬
‫َّ‬
‫المحكم إن كان غيرها لم يلزمها النكاح بذلك إال أن تشاء‪.‬‬ ‫َّ‬
‫المحكمة أو‬ ‫هي‬
‫َّ‬
‫المحكم إن كان غيرها صداق‬ ‫َّ‬
‫المحكمة أو‬ ‫وان فرضت هي إن كانت‬
‫المثل فأقل برضاها لم يلزم ذلك الزوج إال أن يشاء ‪.‬‬
‫وهو ظاهر ما في المدونة ‪ ،‬واليه ذهب أبو محمد بن أبي زيد ‪ ،‬ونصره‬
‫‪ ،‬واستظهره خليل(‪.)123‬‬ ‫(‪)122‬‬
‫ابن رشد‬

‫(‪ )120‬ابن رشد ‪ ،‬المقدمات الممهدات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 466‬‬


‫(‪ )121‬الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ‪ ،‬جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في‬
‫مذهب اإلمام مالك ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 415‬‬
‫(‪ )122‬ابن رشد ‪ ،‬المقدمات الممهدات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 466‬‬
‫(‪ )123‬جواهر اإلكليل السابق ‪ ،‬وهذه األقوال الثالثة التي ذكرها ابن رشد في المقدمات الممهدات‬
‫هي لشروحات خليل السابقة المشار إليها ‪ ،‬وقد نقلها عنه محمد بن يوسف المواق في التاج‬
‫واالكليل لمختصر خليل ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪. 516‬‬
‫‪53‬‬

‫‪ .4‬التحكيم في أخذ المال من الحربيين التجار ‪.‬‬


‫نص المالكية على أنه ‪:‬‬
‫إن قدم بالدنا حربيون بتجارة ‪ ،‬وطلبوا الدخول بأمان ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نرضى بما‬
‫يحكم به علينا فالن من أخذ ما ُيرضيه من األموال التي بأيدينا ‪.‬‬
‫حكمت بالعشر ‪ ،‬فأبوا ذلك ‪ ،‬فإنهم ُيجبرون على‬
‫ُ‬ ‫فإن دخلوا‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ماحكم به فالن من أخذ العشر أو غيره(‪.)124‬‬

‫‪ .5‬التحكيم عند الخالف بين االمام ومجلس الشورى ‪.‬‬


‫وفيه مسألتين ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬االختالف بالرأي بين مجلس الشورى واإلمام‬
‫أوجبت الشريعة اإلسالمية اتباع ماورد به نص عن الشارع ‪ ،‬واذا لم يرد‬
‫به نص ‪ ،‬واتفقت آراؤهم ‪ ،‬فلذلك واضح في نفاذ ما اتفقوا عليه ‪.‬‬
‫رده إلى هللا‬ ‫وأما إذا اختلف اإلمام ومجلس الشورى في أمر ما فيجب ّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُّ َ ذ َ َ ُ ْ َ ُ ْ ذ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ُ‬
‫ٱلرسول وأو ِِل‬‫يأيها ٱَّلِين َءامن ٓوا أطِيعوا ٱَّلل وأطِيعوا ذ‬ ‫ورسوله ‪ ،‬قال تعالى ﴿ َٰٓ‬
‫ُ ُۡ ُۡ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُّ ُ َ ذ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ۡ َ َ َ َٰ َ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ول إِن كنتم تؤمِنون‬ ‫ذ‬
‫ٱِلم ِر مِنمم فإِن تنزعتم ِِف شءٖ فردوه إَِل ٱَّللِ وٱلرس ِ‬
‫َ َٰ َ َ ۡ ‪ً ۡ َ ُ َ ۡ َ َ ٞ‬‬ ‫ذ ۡ‬
‫بِٱَّلل ِ َوٱَلَ ۡو ِم ٱٓأۡلخ ِِرِۚ ذل ِك خري وأدسن تتوِيَل ‪. ﴾٥٩‬‬
‫(‪)125‬‬

‫َ َ ۡ‬
‫وللمفسرين في المخاطبين بقوله تعالى ﴿ فإِن ت َنَٰ َزع ُت ۡم ﴾ قوالن ‪:‬‬

‫‪ ،‬أي ‪ :‬للمؤمنين مطلقاً(‪.)127‬‬ ‫(‪)126‬‬


‫القول األول ‪ :‬إنهم العامة‬

‫(‪ )124‬الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 152‬‬
‫(‪ )125‬سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪. 51‬‬
‫(‪ )126‬شهاب الدين محمود بن عبد هللا الحسيني األلوسي ‪ ،‬روح المعاني في تفسير القرآن العظيم‬
‫‪54‬‬

‫وفي تفسير المنار ‪ :‬هم غير أولي األمر ‪ ،‬واألولى أن يقال ‪ :‬هم‬
‫مجموع األمة(‪.)128‬‬
‫وتكون المنازعة بينهم وبين أولي األمر ‪ ،‬باعتبار بعض األفراد ‪ ،‬وهم‬
‫األمراء(‪.)129‬‬
‫وعلى هذا يكون لألمة أن تقيم من يحكم فيما يختلف فيه أولو األمر‬
‫برده إلى الكتاب والسنة(‪.)130‬‬
‫الغ طيبة إلى‬
‫القول الثاني ‪ :‬إنهم أولو األمر على طريق االلتفات عن َ‬
‫ليصح إرادة العلماء ‪ ،‬ألن للمجتهدين مجادلة بعضهم‬‫الخطاب(‪ِ ، )131‬‬

‫بعضاً(‪.)132‬‬
‫وعامة الناس ال يعرفون كيفية الرد إلى كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ،‬فثبت‬
‫أنه خطاب للعلماء(‪.)133‬‬
‫وعلى هذا يكون أولو األمر مخيرين في طريقة رد الشي المتنازع فيه‬

‫والسبع المثاني ‪ ،‬تحقيق علي عبد الباري عطية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪:‬‬
‫بيروت ‪ ،‬سنة ‪1315‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪ . 66‬محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين‬
‫بن محمد بهاء الدين بن منال علي خليفة القلموني الحسيني ‪ ،‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير‬
‫المنار) ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ :‬مصر ‪ ،‬سنة ‪1110‬م ‪ ،‬ج‪، 5‬‬
‫ص‪. 155‬‬
‫(‪ )127‬الجصاص ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪ 852‬يفسر المخاطبين بالمؤمنين ‪.‬‬
‫(‪ )128‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 156-155‬‬
‫(‪ )129‬شهاب الدين األلوسي ‪ ،‬روح المعاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 66‬‬
‫(‪ )130‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪.156‬‬
‫(‪ )131‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪ ، 155‬الجصاص ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪، 8‬‬
‫ص‪. 851‬‬
‫(‪ )132‬شهاب الدين األلوسي ‪ ،‬روح المعاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪. 66‬‬
‫(‪ )133‬الجصاص ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 851‬‬
‫‪55‬‬

‫إلى هللا والرسول ‪ :‬بين أن يكون ذلك بواسة بعضهم أو غيرهم ‪ ،‬بشرط أن‬
‫يكونوا عالمين بالكتاب والسنة والمصالح العامة(‪.)134‬‬
‫ويؤيد هذا القول ‪:‬‬
‫َ ُّ َ‬ ‫َ َ ٓ َ ُ ۡ َ ۡ ‪ْ ُ َ َ ۡ َۡ َ ۡ َ ۡ َ ٞ‬‬
‫اعوا بِهِۦ َول ۡو َردوهُ إَِل‬‫قوله تعالى ﴿ِإَوذا جاءهم أمر مِن ٱِلم ِن أوِ ٱلو ِف أذ‬
‫َ َٰٓ ُ ْ ۡ َ ۡ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ذ َ َ ۡ َ ُ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ذ‬
‫ٱلر ُسو ِل ِإَوَل أو ِِل ٱِلم ِر مِنهم لعل ِمه ٱَّلِين يستۢنبِطونهۥ مِنهمۗٓ ولوا فضل ِ‬
‫ٱَّلل‬ ‫ذ‬
‫ذ َ‬ ‫ذ‬ ‫َ َۡ ُ ۡ َ َ َۡ َ ذ‬
‫ح ُت ُهۥ َلت َب ۡع ُت ُم ٱلش ۡي َطَٰ َن إِا قل ِيَل ‪.)135(﴾٨٣‬‬‫ع لي م م و ر‬

‫فيبين سبحانه وتعالى أن ما ينظر فيه أولو األمر هو المسائل العامة‬


‫كمسائل األمن والخوف ‪ ،‬وأن العامة ال ينبغي لها الخوض في ذلك ‪ ،‬بل‬
‫ترده إلى الرسول والى أولي األمر ‪ ،‬وأن من هؤالء من يتوّلى أمر‬
‫عليها أن ّ‬
‫استنباطه واقناع اآلخرين به (‪.)136‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬بقاء االختالف بين مجلس الشورى واإلمام‬


‫إذا بقى االختالف بين مجلس الشورى واإلمام في ما ال نص فيه من‬
‫األمور االجتهادية ‪ ،‬وأصر كل على رأيه ‪ ،‬فقد اختلف الباحثون في ذلك‬
‫على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬األخذ برأي أغلبية أعضاء مجلس الشورى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التحكيم ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬األخذ برأي اإلمام ‪.‬‬

‫(‪)134‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪.155‬‬


‫(‪ )135‬سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪. 24‬‬
‫(‪)136‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪.156‬‬
‫‪56‬‬

‫وما يهمنا في هذا الموضوع هو القول الثاني ( التحكيم ) الذي سنتحدث‬


‫فيه باستفاضه ‪:‬‬
‫عند إصرار كل من اإلمام أو مجلس الشورى على أريه ‪ ،‬يرفع األمر‬
‫إلى هيئة ‪ ،‬وتكون بمثابة محكمة عليا ‪ ،‬يختار أعضاؤها من قائمة يقدمها‬
‫إلى المجلس اإلمام أو العكس(‪.)137‬‬
‫ويجب أن يكون لهؤالء األعضاء مكانتهم العلمية والفهم الثاقب للشريعة‬
‫اإلسالمية والرأي الجيد والمعرفة بشؤون الدولة وأحوال العالم ‪ ،‬وتعطى لهم‬
‫الضمانات الكافية الستقاللهم بالعمل‪.‬‬
‫ومهمة هذه الهيئة هي الفصل في الخالف بين اإلمام ومجلس الشورى‬
‫فقط‪ ،‬ورأيها يكون ملزماً(‪.)138‬‬
‫واحتكام اإلمام ومجلس الشورى إلى محكمة دستورية عليا يكون فيما‬
‫يتعلق باألخذ بالنصوص الثابتة التي تحتمل اختالف وجهات النظر‪،‬‬
‫وتحتاج إلى ترجيح بين ظواهرها المتعارضة‪.‬‬
‫أما المسائل االجتهادية البحتة التي يقصد بها تحقيق المصالح المرسلة‪،‬‬
‫والتي ال تتعارض مع مقاصد الشريعة‪ ،‬فينبغي أن يكون حكم أهل الشورى‬
‫فيها نهائياً بعد االستعانة بآراء الفنيين في اللجان البرلمانية‪ ،‬والمجالس‬

‫(‪ )137‬محمد أسد ‪ ،‬منهاج اإلسالم في الحكم ‪ ،‬تحقيق منصور محمد ماضي الطبعة السادسة ‪،‬‬
‫دار العلم للماليين ‪1124 ،‬م ‪ ،‬ص‪ . 186-185‬محمد عبد هللا العربي ‪ ،‬نظام الحكم في‬
‫اإلسالم ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬لبنان ‪ ،‬دون تاريخ نشر ‪ ،‬ص‪. 12-11‬‬
‫(‪ )138‬محمد أسد ‪ ،‬منهاج اإلسالم في الحكم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪ . 181-185‬د‪.‬عبد الكريم‬
‫زيدان ‪ ،‬الفرد والدولة ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪ ،‬مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة‬
‫‪1110‬م ‪ ،‬ص‪. 81‬‬
‫‪57‬‬

‫الفنية التي تعاون السلطة التنفيذية وسائر الهيئات التي تضم أهل الخبرة‬
‫والمختصين كالجامعات والنقابات(‪.)139‬‬
‫وان أعضاء هذه الهيئة إذا اختلفوا فيمكن إصدار الق اررات برأي األكثرية‬
‫فيها ‪ ،‬هذا إذا لم تصدر ق اررات أخرى عن المحكمة نفسها تُلغي الق اررات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)140‬‬
‫تعدلها‬
‫السابقة أو ّ‬
‫وقد ُيستأنس لهذا الحل – التحكيم – بما روي عن عمر بن الخطاب‬
‫توجه إلى الشام ‪ ،‬فأخبر في الطريق بوقوع وباء في‬
‫رضي هللا عنه ‪ :‬أنه ّ‬
‫الشام ‪ ،‬فاستشار المهاجرين في الرجوع أو السير فاختلفوا ‪ ،‬واستشار‬
‫األنصار فاختلفوا ‪ ،‬فدعا من كان موجوداً من مشيخة قريش من المهاجرين‬
‫األولين واستشارهم ‪ ،‬فأشاروا بالرجوع ‪ ،‬فأخذ برأيهم ‪ ،‬ورجع بمن معه(‪.)141‬‬

‫‪ .6‬حكومة العدل في الديات ‪.‬‬


‫ما يؤخذ زيادة على الدية‬
‫يجوز الصلح على القصاص باتفاق الفقهاء‪ ،‬ويسقط به القصاص سواء‬
‫ال أم‬
‫أكان الصلح بأكثر من الدية أم بمثلها أم بأقل منها وسواء أكان حا ً‬
‫مؤجالً ومن جنس الدية ومن خالف جنسها بشرط قبول الجاني؛ ألن‬
‫الصلح ليس ماالً‪ .‬أما الصلح على الدية فال يجوز بأكثر من الدية حتى ال‬

‫(‪ )139‬عبد هللا األشعل ‪ ،‬الفكر القانوني والسياسي في القرآن الكريم ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬مكتبة‬
‫الشروق الدولية ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬ص‪. 186-185‬‬
‫(‪ )140‬محمد أسد ‪ ،‬منهاج اإلسالم في الحكم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 181‬‬
‫(‪ )141‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪. 160‬‬
‫‪58‬‬

‫يقع المتصالحان في الربا(‪.)142‬‬


‫فإذا تقرر هذا‪ ،‬فهل يجوز أخذ الزيادة على الدية من قبيل التعويض وما‬
‫إليه‪:‬‬
‫اختلف الباحثون المعاصرون في المسألة على اتجاهين‪:‬‬
‫اال تجاه األول‪ :‬الجواز‬
‫و د‪.‬‬ ‫(‪)144‬‬
‫والشيخ علي الخفيف‬ ‫(‪)143‬‬
‫واليه ذهب د‪ .‬محمد فوزي فيض هللا‬
‫محمد أحمد سراج(‪.)145‬‬
‫النصوص التي اعتمد عليها أصحاب هذا االتجاه‪:‬‬
‫‪ -1‬جاء في المبسوط(‪( :)146‬وقد روي عن محمد في الجراحات التي‬
‫تندمل على وجه ال يبقى لها أثر تجب حكومة بقدر ما لحقه من األلم وعن‬
‫أبي يوسف رحمه هللا يرجع على الجاني بقدر ما احتاج إليه من ثمن الدواء‬
‫وأجرة األطباء حتى اندملت‪ ،‬وأبوحنيفة رحمه هللا قال‪ :‬ال يجب شيء ألنه ال‬
‫قيمة لمجرد األلم أال ترى أن من ضرب ضربة تألم بها ولم يؤثر فيه شيء‬
‫ال يجب شيء أرأيت لو شتمه شتيمة أكان عليه أرش باعتبار إيالم حل‬

‫(‪ )142‬وهبة بن مصطفى الزحيلي ‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬دمشق ‪،‬‬
‫سنة ‪1433‬ه ‪،‬ج‪ ، 6‬ص‪.814‬‬
‫(‪ )143‬محمد فوزي فيض هللا ‪ ،‬المسؤولية التقصيرية بين الشريعة والقانون ‪ ،‬رسالة دكتوراه من‬
‫جامعة األزهر ‪ ،‬ص‪. 133‬‬
‫(‪ ) 144‬الشيخ علي الخفيف ‪ ،‬الضمان في الفقه اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪:‬‬
‫بيروت ‪ ،‬سنة ‪8000‬م ‪ ،‬ص‪. 410‬‬
‫(‪ )145‬د‪ .‬محمد أحمد سراج ‪ ،‬ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬المؤسسة‬
‫العربية للدراسات ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1114‬م ‪ ،‬ص‪ 430‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )146‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ‪ ،‬المبسوط ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار المعرفة‬
‫‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1114‬م ‪ ،‬ج‪ ، 86‬ص‪. 21‬‬
‫‪59‬‬

‫فيه‪.‬‬
‫‪ -8‬جاء في المغني(‪( :)147‬وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه‬
‫أحمد رحمه هللا وروي نحو هذا الشعبي والنخعي والشافعي وقال مالك‬
‫والثوري إن ذهب اللبن وجبت ديتهما واال وجبت حكومه بقدر شينه) أي‪:‬‬
‫بقدر العيب الجسدي الذي يصيب المرأة‪.‬‬
‫‪ -4‬جاء في الدر المختار(‪ ..( :)148‬أو التحم شجه أو التحم جرح حاصل‬
‫بضرب ولم يبق له أثر فإنه ال شيء فيه‪ .‬وقال أبويوسف‪ :‬عليه أرش األلم‬
‫وهي حكومة عدل‪.‬‬
‫‪ -3‬جاء في فتح الوهاب(‪ ..( :)149‬فإن لم ينقص إال حال سيالن الدم‬
‫ارتقينا إليه واعتبرنا القيمة والجراحة سائلة فإن لم ينقص أصالً فقيل يعزز‬

‫فقط إلحاقاً للجرح باللطم والضرب للضرورة وقيل يفرض القاضي شيئاً‬
‫باجتهاده ورجحه البلقيني)‪.‬‬
‫‪ -5‬جاء في البحر الزخار(‪( :)150‬وفي األلم حكومة‪ ..‬في اإليالم‬
‫حكومة)‪.‬‬
‫وفيه (وال شيء في قطع طرف الشعر‪ ،‬وال يؤثر في الجمال‪ ،‬فإن أثر بأن‬

‫(‪ )147‬ابن قدامة ‪ ،‬المغني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪. 40‬‬


‫(‪ )148‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي ‪ ،‬رد المحتار‬
‫على الدر المختار ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪ ، 1118‬ج‪ ، 10‬ص‪. 112‬‬
‫(‪ )149‬زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا األنصاري‪ ،‬زين الدين أبو يحيى السنيكي ‪ ،‬فتح الوهاب‬
‫بشرح منهج الطالب ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1113‬م ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 134‬‬
‫(‪ ) 150‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خالد بن عبيد هللا العتكي المعروف بالبزار ‪،‬‬
‫مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار ‪ ،‬تحقيق محفوظ الرحمن زين هللا وآخرون ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم ‪ :‬المدينة المنورة ‪ ،‬سنة ‪ ، 8001‬ج‪ ، 6‬ص‪. 820‬‬
‫‪60‬‬

‫أخذ النصف فما فوقه فحكومه لما فيه من الزينة)(‪.)151‬‬


‫أوالً‪ :‬رأي د‪ .‬محمد فوزي فيض هللا(‪.)152‬‬
‫إمكان قبول فكرة التعويض المالي عن الضرر في إطار الفقه اإلسالمي‬
‫استناداً إلى‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن الشريعة قد أقرت التعزيز عن الضرر األدبي‪.‬‬
‫ب‪ .‬أن للحاكم أن يلجأ في أساليب التعزير إلى ما يراه أقمع للفساد وأبلغ‬
‫في اإلصالح‪.‬‬
‫جـ‪ .‬في زماننا يكون التعزير بأخذ المال في األضرار األدبية والمعنوية‬
‫أمضى في العقاب وأحسن في تحقيق النتائج األدبية‪ .‬فليكن حق هللا‬
‫بالعقوبات الواقعة على الجسم والنفس على حسب األحوال وليكن حق العبد‬
‫بفرض الغرامات المالية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬رأي الشيخ علي الخفيف(‪.)153‬‬
‫إن الديات واألروش ليست تعويضاً كامالً‪ ،‬وانما هي تعويض عن حق‬
‫الحياة الذي يتساوى جميع الناس في التمتع به‪ .‬وهذا ال يمنع القول بان‬
‫ينال المجني عليه تعويضاً مالياً ينظر فيه إلى تعويض ما حدث‪.‬‬
‫يؤيد ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز زيادة التعويضات المقدرة من‬

‫(‪ )151‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص‪. 828‬‬


‫(‪ )152‬محمد فوزي فيض هللا ‪ ،‬المسؤولية التقصيرية بين الشريعة والقانون ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬
‫ص‪. 133‬‬
‫(‪ )153‬الشيخ علي الخفيف ‪ ،‬الضمان في الفقه اإلسالمي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪ 410‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫الشا رع بطريق التعزير إذا اقتضت مصلحة المجتمع ذلك‪ ،‬إذا لم يكن‬
‫تقديرها مانعاً من الزيادة عليها عندئذ‪.‬‬
‫‪ -8‬إذا رؤي أن ثمة ضر اًر كبي اًر نزل بالمجني عليه بسبب هذه الجريمة‬
‫فليس من العدل عدم مراعاته والتسوية في الجزاء بين جريمتين أحدهما لم‬
‫تحدث ضر اًر ذا بال وأخرى أحدثت ضر اًر عظيماً وكيف يمكن حينئذ أن‬
‫نتصور التماثل في الصورتين بين الجريمة والجزاء في حين أن الجزاء فيما‬
‫واحد والجريمة مختلفة ومتفاوتة وكذلك ضررها تفاوتاً عظيم ًا‪.‬‬
‫‪ -4‬أن التعويض بالمال في الفقه اإلسالمي قد قام على أساس المبادلة‬
‫والمعاوضة بين المال الفاقد والجزاء‪ ،‬فإنه يجب لذلك أن ما يدفع من المال‬
‫تعويضاً مضافاً إلى الديات واألروش مقابالً بضرر مالي يجوز االعتياض‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن التعويض يجب أن يكون عن ضرر مالي يتمثل في فقد مال كان‬
‫قائماً وذلك ما ال يتحقق غالباً في األحوال التي تجب فيها الديات واألروش‬
‫وهذا ما تقضى به نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي ولكن إذا أمكن إقامة‬
‫الضمان على نظرية أخرى هي تخفيف األلم عن المصاب وارضاء نفسه‬
‫إرضاء له‬
‫ً‬ ‫واعتالل الغل والحقد من قلبه وذلك ما يقوم به المال يدفع إليه‬
‫أمكن حينئذ على هذا األساس القول بجواز التعويض عن ضرر لم يالحظ‬
‫في فرض الدية وتقديرها‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الشريعة حين أقرت الدية في وسط البادية حيث يعيش أهلها من‬
‫الرعي ونتاج الحيوانات والنعم وثمار النخيل وما أشبه ذلك أقرتها دون نظر‬
‫إلى الصناعة والعمل على مستوى الناس جميع ًا إذ لم يكن ضرر الجرائم‬
‫‪62‬‬

‫في هذا الوسط يتعدى إلى غير األلم الجسماني أو النفسي الذي يعتاض‬
‫عنه بالديات‪ ،‬أما في عصرنا هذا فقد تضاعفت فيه متطلبات الحياة‬
‫وحقوقها وواجباتها وتكاليفها مما جعل غالب الناس يعيش من عملهم وكان‬
‫ضرر الجريمة ال يقف عند األضرار الجسمانية أو النفسية بل كثي اًر ما‬
‫يتجاوزها إلى أضرار مادية تحول دون العمل وكسب المال مما كان متواف اًر‬
‫للمجني عليه من قبل‪ ،‬وفي مثل هذه األحوال قد يرى من العدل أن يكون‬
‫لمن أصابته تلك األضرار أن يطالب بتعويض عنها فوق ما يعطاه من‬
‫الدية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬رأي د‪ .‬محمد أحمد سراج(‪.)154‬‬
‫إن الدية تمثل الحد األدنى للغرامة التي قدرها الشرع في إتالف النفس أو‬
‫المعاني القائمة بها‪ ،‬وفي هذا يستوي الناس جميعاً ال فرق بين كبيرهم‬
‫وصغيرهم وشريفهم ووضيعهم أما الزيادة على هذا الحد لوجود سبب يبيح‬
‫هذه الزيادة وفق القواعد الشرعية للمسؤولية فهو الذي يحقق مبدأ العدالة‬
‫بالتناسب بين الضرر والواجب واستحسن ترك أسباب التغليظ وتقدير‬
‫الواجب بكل سبب للقضاة لتمكينهم من مراعاة الظروف المتنوعة للمتقاضين‬
‫وأنواع األضرار وقوة العدوان‪.‬‬
‫فالدية تنصرف إلى تأكيد معنى المساواة بين الناس جميعاً في التعويض‬
‫عن األضرار المتعلقة بالنفس اإلنسانية ومعانيها على حين ينصرف التغليظ‬
‫إلى تأكيد معنى العدالة‪.‬‬

‫(‪ )154‬د‪ .‬محمد أحمد سراج ‪ ،‬ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 430‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫مؤيدات جواز الزيادة‪:‬‬


‫‪ .1‬قاعدة عموم رفع الضرر‪.‬‬
‫‪ .8‬اعتبار فقهاء األحكام األلم من األضرار التي يجوز للقاضي‬
‫تعويضها‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬المنع‪.‬‬
‫واليه اتجه األستاذ مصطفى الزرقا رحمه هللا(‪.)155‬‬
‫وخالصة رأيه أن الشريعة حسمت الخالف وحددت مقدار الدية في‬
‫الجناية على النفس وفي إضافة تعويض آخر ال حدود له فوق الدية مخالفة‬
‫شرعية صارخة‪.‬‬
‫ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه يخالف أحكام اإلرث الشرعية بترك القاضي يوزع التعويض على‬
‫أحظ أفراد العائلة من الحزن والفجيعة‪.‬‬
‫‪ .8‬إن الشريعة أخذت في مبدأ الزجر على المعتدين على أعراض الناس‬
‫وسمعتهم بعقوبة التعزيز ال بالتعويض المالي في الضرر األدبي‪.‬‬
‫‪ .4‬أن األخذ بالتعويض نقل غير حكيم عن اآلراء األجنبية(‪.)156‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫على رأي د‪ .‬محمد فوزي فيض هللا المآخذ‬ ‫(‪)157‬‬
‫وقد أخذ األستاذ الزرقا‬

‫(‪ ) 155‬مصطفى أحمد الزرقا ‪ ،‬الفعل الضار والضمان فيه ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الشامية للطباعة‬
‫والتوزيع ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪ ، 1122‬ص‪. 186‬‬
‫(‪ )156‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 185‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )157‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 184‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬األمثلة الفقهية جميعاً التي استشهدوا بها على التعويض عن الضرر‬
‫األدبي ليست من الضرر األدبي في شيء‪ ،‬فاأللم‪ ،‬والشين‪ ،‬وفوات الزينة‬
‫الطبيعية بفقدان الشعر كلها أضرار مادية ال نزاع في جواز التعويض‬
‫المالي عنها وال تصلح بحال لالحتجاج شرعاً على التعويض المالي عن‬
‫الضرر األدبي‪ ،‬على أنه يالحظ أن بعض ما يوصف تساهالً بأنه ضرر‬
‫أدبي هو في حقيقته ضرر مادي يمكن تعويضه وفق القواعد الشرعية في‬
‫تعويض األضرار المادية ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬إيقاع األلم بالضرب أو اللطم ولو لم يترك أث اًر‪.‬‬
‫‪ -‬نقص جمال عضو من األعضاء‪.‬‬
‫‪ -‬الضرر األدبي الذي له انعكاسات مالية يقبل التعويض كأي ضرر‬
‫مالي‪ ،‬ومثاله‪ :‬اتهام طبيب بالجهل بالطب‪ ،‬أو اتهام تاجر بأنه عديم األمانة‬
‫أو أنه على وشك اإلفالس‪ ..‬إلخ‪ ،‬مما يصرف الناس عن التعامل معه‬
‫ويضر بمورده المالي‪.‬‬
‫‪ .8‬لقد تضافرت النصوص الشرعية على تأكيد شدة تحريم الشريعة‬
‫لإلضرار األدبي وأن حد القذف في الشريعة مثال واضح على ذلك‪ ،‬لكن‬
‫األسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة اإلضرار األدبي إنما هو التعزيز‬
‫الزاجر‪ ،‬وليس التعويض المالي‪ ،‬إذ ال تعد الشريعة شرف اإلنسان وسمعته‬
‫ماالً متقدماً يعوض يمال آخر إذا اعتدى عليه‪.‬‬
‫أضر بغيره أدبياً لوجب أن يذهب المال‬
‫‪ .4‬لو سلمنا بالتعزيز المالي لمن ّ‬
‫إلى خزانة الدولة ال إلى جيب المتضرر‪ .‬وهذا ال يقولون به‪ ،‬وليس هو مراد‬
‫‪65‬‬

‫المستدلين بجواز التعزير المالي شرعاً‪.‬‬


‫الترجيح‪:‬‬
‫يترجح لدى الباحث أن جواز أخذ الدية زيادة هو األدعى واألصلح وذلك‬
‫كما ذكرنا سابقاً أن الشريعة قد أقرت التعزيز عن الضرر األدبي فما بالك‬
‫بالضرر الجسدي‪ ،‬وللحاكم التقدير فيما يراه مصلحة للعامة ودفع المفاسد‬
‫عنهم‪ ،‬والتغريم بأخذ المال في األضرار األدبية والمعنوية أمضى في‬
‫العقاب وتحقيق الردع الخاص للجاني‪.‬‬
‫تطور وأصبح لكل ضرر يلحق المجني عليه يستدعي‬
‫وكذلك أن الطب ّ‬
‫طبياً‪ ،‬فيكون التعويض المالي هو المنشود في شفاء المضرور‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫تدخال ّ‬

‫ب‪ .‬أنواع التحكيم في القانون الليبي‪.‬‬


‫المشرع لم يذكر صراحة أنواع وتقسيمات التحكيم وانما يمكن استخالصها‬
‫من قانون التحكيم في بابه الرابع من قانون المرافعات المدنية والتجارية ‪،‬‬
‫حيث ذكر في المادة "‪ "141‬مانصه ‪" :‬يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة‬
‫عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين‬
‫ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم خاصة"‪.‬‬
‫ومن هذا النص نستخلص أن للتحكيم نوعين وهما‪ .1 :‬التحكيم‬
‫االختياري ‪.‬‬
‫‪ .8‬التحكيم اإلجباري ‪.‬‬
‫‪ .1‬التحكيم االختياري ‪ :‬الذي يلجا إليه الطرفان بإرادتهم الكاملة كوسيلة‬
‫‪66‬‬

‫‪ ،‬وهو األصل في التحكيم ‪ ،‬ألن‬ ‫(‪)158‬‬


‫لما ينشا عن معامالتهم من نزاع‬
‫األصل فيه االختيار ال اإلجبار ‪ ،‬و عليه فال إجبار ألي من الطرفين على‬
‫اآلخر في الولوج إلى التحكيم ‪ ،‬و األصل في التشريعات جميعها أن‬
‫القضاء هو أحد مظاهر السيادة للدولة على الشعب و هي الوحيدة التي لها‬
‫الحق في فرض إرادتها على األفراد في إخضاعهم للقضاء الوطني ( أو‬
‫الدولي في حال وجود الظرف الذي يسمح ) ‪ ،‬و عليه فإن القوانين بناء‬

‫على السلطة المطلقة على أرض اإلقليم هي التي تخضع األفراد أيضاً‬
‫للجوء إلى التحكيم في بعض أنواع المنازعات و التي غالباً ما تتعلق‬
‫باالستثمار و بعض أنواع العقود البترولية إال أن ذلك ال ينفى في النهاية‬
‫الصفة االختيارية برغم ذلك اإلجبار ‪ ،‬حيث أن التحكيم البد و أن تتم‬
‫صياغته في شكل اتفاق دائماً ‪.‬‬
‫‪ .2‬التحكيم اإلجباري‪ :‬فهو ذلك التحكيم الذي يفرض على األطراف ففي‬
‫ينص القانون على خضوعها للتحكيم‪ ،‬وال يجوز لألطراف‬
‫بعض المنازعات ّ‬
‫اللجوء فيها للقضاء العادي ابتداء(‪.)159‬‬
‫ومن ذلك قانون البترول فقد جعل المشرع له قانون خاص يفرض على‬
‫المتعاقدين االحتكام إليه إذا وجد تنازع فيما بينهما‪.‬‬
‫وكذلك من حيث مكان صدور الحكم‪ ،‬فقد نص باب التحكيم في مادته‬
‫(‪ )161‬مايلي‪ ":‬يجب أن يصدر حكم المحكمين داخل حدود األراضي‬

‫‪http://www.mohamoon-‬‬ ‫التحكيم‪،‬‬ ‫انواع‬ ‫العرب‪،‬‬ ‫المحامين‬ ‫منتدى‬ ‫(‪)158‬‬


‫‪montada.com/default.aspx?Action=Display&ID=86185&Type=3‬‬
‫(‪ )159‬هيئة مستشاري التحكيم الدولي‪ ،‬موقع الكتروني‪.http://www.aiastate.com/?p=42 ،‬‬
‫‪67‬‬

‫الليبية واال اتبعت في شأنه القواعد المقررة لألحكام الصادرة في بلد أجنبي"‪.‬‬
‫فرق المشرع بين نوعين من التحكيم‪ ،‬وهما التحكيم‬
‫ففي هذا النص قد ّ‬
‫الوطني أو الداخلي‪ ،‬والتحكيم األجنبي‪.‬‬

‫ثالث ًا ‪ :‬الموضوعات التي يجوز ‪ ،‬وال يجوز فيها التحكيم في الشريعة‬


‫اإلسالمية والقانون الليبي ‪.‬‬

‫الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في الشريعة‬ ‫أ‪.‬‬


‫اإلسالمية‪.‬‬
‫اشترط الفقهاء في الحق موضوع التحكيم شرطا واحدا‪ ،‬وهو أن يكون‬
‫الحق موضوع التحكيم‪ ،‬مما يصح أن يكون موضوعا للتحكيم‪ ،‬وهذا يقودنا‬
‫إلى بيان أنواع الحقوق‪ ،‬لمعرفة ما يصلح محال للتحكيم وما ال يصلح‪.‬‬

‫أنواع الحقوق‪:‬‬
‫لقد عنى األصوليون والفقهاء بمبحث الحق وأنواعه باعتبار من يستحق‬
‫الحق‪ ،‬فقسموه إلى قسمين رئيسيين وهما‪ :‬حق هللا وحق العبد‪ ،‬واحدهما‬
‫يشترك مع اآلخر ويكون هو المغلب‪ ،‬فيكون لدينا أربعة أقسام‪.‬‬
‫يقول اإلمام السرخسي‪ :‬اعلم أن جملة ما يثبت بالحجج الشرعية الموجبة‬
‫للعلم قسمان‪:‬‬
‫األحكام المشروعة‪ ،‬وما يتعلق بها المشروعات‪ ،‬واألحكام أربعة‪ :‬حقوق هللا‬
‫خالصا‪ ،‬وحقوق العباد خالصا‪ ،‬وما يشمل على الحقين وحق هللا فيه اغلب‪،‬‬
‫‪68‬‬

‫ويشمل عليهما وحق العباد فيه اغلب(‪.)160‬‬

‫أوالً‪ :‬حقوق هللا تعالى‪ :‬وهو ما يتعلق بالنفع العام من غير اختصاص‬
‫بأحد‪ ،‬وما فهم من الشرع انه ال خيرة فيها للمكلف‪ ،‬سواء كان الحق له‬
‫معنى معقول أو غير معقول‪-‬أي غير معلوم العلة وال يثبت بالقياس‪-‬‬
‫فحقوق هللا تعالى هي الحقوق التي تتعلق بواجبات العباد ‪،‬أو الصالح العام‬
‫لألمة‪ ،‬وال سيما الحدود التي شرعها هللا‪ ،‬ألنه عليها يتوقف كيان المجتمع‪،‬‬
‫وهي التي تسمى اليوم في لغة القوانين الدستورية[ حقوق الدولة] أو[ الحقوق‬
‫العامة] وفي اإلسالم على الضد من ذلك تسمى [واجبات على الدولة]‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)161‬‬
‫[وحقوقا هلل تعالى]‬
‫وعرفها ابن تيمية –رحمه هللا‪ :-‬بانها التي ليست لقوم معينين بل منفعتها‬
‫لمطلق المسلمين او انواع منهم وكلهم محتاج اليها‪ ،‬وتسمى [حدود هللا] او‬
‫[حقوق هللا] وهي نوعان احدهما‪ :‬الحدود والثانية‪ :‬الحقوق المالية(‪.)162‬‬
‫ثانيا‪ :‬حقوق العباد‪ :‬وهي التي تكون محض حق العباد وشرعت لمصلحة‬
‫دنيوية خاصه بالفرد دون المجموع ‪ ،‬وهي اكثر من ان تحصى‪ ،‬نحو‬

‫(‪ )160‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ‪ ،‬اصول السرخسي ‪ ،‬طبعة األولى ‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪1114 ،‬م ‪،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 821‬‬
‫(‪ )161‬عبد العزيز بن أحمد بن محمد عالء الدين البخاري الحنفي ‪ ،‬كشف األسرار شرح أصول‬
‫البزدوي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬الشركة الصحافية العثمانية ‪ :‬تركيا ‪ ،‬سنة ‪ 1402‬ه ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‬
‫‪. 480‬‬
‫(‪ )162‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي ‪ ،‬الموافقات ‪ ،‬تحقيق أبو‬
‫عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار ابن عفان ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪، 1111‬‬
‫اج ‪ ، 8‬ص ‪.480‬‬
‫‪69‬‬

‫ضمان الدية ‪ ،‬وبدل المتلفات ‪ ،‬والمغصوب ‪ ،‬والديون ‪ ،‬واالثمان ‪ ،‬وحق‬


‫الشفعة ‪ ،‬وحقوق االرتفاق ‪ ،‬وما اشبه ذلك مما يتعلق به مصلحة خاصة‪،‬‬
‫وال يقصد به في الواقع اال حقوق االمتالك لالفراد‪ ،‬او التي تتعلق بالمصحة‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ما اجتمع فيه الحقان وحق هللا فيه اغلب‪ :‬كحد القذف عند‬
‫الحنفية‪ ،‬إذ ال خالف أن فيه حق الشرع وحق العبد‪ ،‬فانه شرع لدفع العار‬
‫عن المقذوف‪ ،‬وهو الذي ينتفع به على وجه الخصوص ‪،‬فمن هذا الوجه‬
‫حق العبد ‪ ،‬ثم انه شرع زاج ار‪ ،‬والقصد من شرع الزواجر درء المفاسد‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على انه حق الشرع‪ ،‬إذ لم يختص بهذا إنسان دون غيره‪.‬‬
‫إال أن بعض الفقهاء كالشافعية واحمد ماال إلى تغليب حق العبد ‪،‬تقديما‬
‫لحق العبد باعتبار حاجته وغنى الشرع ويجري فيه العفو واإلبراء واإلرث وال‬
‫يجري فيه التداخل‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ما اجتمع فيه الحقان وحق العبد فيه أغلب‪:‬‬
‫كحق القصاص‪ ،‬فان فيه حق هللا تعالى‪ ،‬ولهذا يسقط بالشبهات‪ ،‬وهي‬
‫جزاء الفعل‪ ،‬وأجزية الفعل تجب لحق هللا تعالى‪ ،‬ولكن لما كان وجوبها‬
‫بطريق المماثلة عرفنا أن معنى حق العبد راجح فيها‪ ،‬وان وجوبها للجبران‬
‫بحسب اإلمكان لقوله تعالى‪[ :‬ولكم في القصاص حياة يا اولي‬
‫األلباب](‪.)163‬‬
‫ولهذا جرى فيه اإلرث والعفو واالعتياض بطريق الصلح بالمال كما في‬

‫(‪ )163‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬


‫‪70‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)164‬‬
‫حقوق العباد‬

‫آراء الفقهاء فيما يصلح ان يكون موضوعاً للتحكيم وفيما ال يصلح‪:‬‬


‫لقد جاء تدخل الشريعة لتحدد مسار إرادة الطرفين في التحكيم‪ ،‬فموضوع‬
‫التحكيم ال يسمح المشرع فيه إلرادة الطرفين أن تصول وتجول على النحو‬
‫الذي يتراءى لها‪.‬‬
‫فهناك من الموضوعات ال يحق للتحكيم أن يلج ميدانها ‪،‬ألنه يجب أن‬
‫يتوالها القاضي الذي يعينه ولي األمر ‪،‬وذلك إما استجابة لطبيعة هذه‬
‫الموضوعات التي ال ترقى إرادة الطرفين إلى المساس بها ‪ ،‬أو لتعلق حق‬
‫غيرهما بها مما يحول بينهما وبين االنفراد بالنيل منها ‪،‬أو الن ولي األمر‬
‫رأى أن من الصالح العام أن ال يحكم فيها غير من يرى فيه األهلية‬
‫الخاصة لذلك‪.‬‬
‫فإرادة الطرفين ال تقوى في بعض الحاالت على تعيين حكم يفصل في‬
‫هذه المنازعات ‪،‬ألنها ال تملك ترك الحق فيها ‪ ،‬وال يصح تراضي األفراد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)165‬‬
‫بشأنها‬
‫والتحكيم كما يقول الفقيه المالكي ابن عرفة ‪:‬وهو ما يصح ألحدهما ترك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)166‬‬
‫حقه فيه‬

‫(‪ )164‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ‪ ،‬اصول السرخسي ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬
‫ج‪ ، 8‬ص ‪.818‬‬
‫(‪ ) 165‬محمد سالم مذكور ‪ ،‬نظرية اإلباحة عند األصوليين ‪ ،‬طبعة الثانية ‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1123‬م ‪ ،‬ص‪.441‬‬
‫(‪ )166‬محمد بن يوسف المواق ‪ ،‬التاج واالكليل لمختصر خليل ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب‬
‫‪71‬‬

‫وفيم يلي عرض آلراء الفقهاء فيما يصلح أن يكون محال للتحكيم وفيما ال‬
‫يصلح ‪:‬‬
‫فقهاء الحنفية‪:‬‬
‫ما ال يجوز التحكيم فيه‪:‬‬
‫‪ .1‬ال يجوز التحكيم في الحدود الواجبة حقا هلل تعالى باتفاق الروايات‬
‫وحجتهم ‪:‬أن استيفاء عقوبتهما مما يستقل به ولي األمر‪ ،‬وأن حكم المحكم‬
‫ليس بحجة في حق غير الخصوم‪ ،‬فكان فيه شبهة‪ ،‬والحدود تد أر‬
‫بالشبهات ‪.‬وأما ما اختاره السرخسي من جواز التحكيم في حد القذف‬
‫فضعيف‪ ،‬الن الغالب فيه حق هللا تعالى‪ ،‬فاألصح في المذهب عدم جواز‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)167‬‬
‫التحكيم في الحدود كلها‬
‫‪ .8‬ال يجوز التحكيم في القصاص‪ ،‬فقد روي عن ابي حنيفة‪ :‬انه ال يجوز‬
‫التحكيم فيه‪ ،‬واختاره الخصاف ‪،‬وهو الصحيح من المذهب ‪،‬الن التحكيم‬
‫بمنزلة الصلح واإلنسان ال يملك دمه حتى يجعله موضعا للصلح‪.‬‬
‫وأما ما روي من جوازه في القصاص قياسا على غيره من الحقوق‬
‫‪،‬فضعيف رواية ودراية ‪،‬الن القصاص ليس حقا محضا لإلنسان – وان‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)168‬‬
‫كان الغالب حقه – وله شبه بالحدود في بعض المسائل‬

‫العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1113‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 6‬ص ‪.118‬‬


‫(‪ )167‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬المعروف بابن نجيم المصري ‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز‬
‫الدقائق ‪ ،‬طبعة الثانية ‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬دون سنة نشر ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.86‬‬
‫عالء الدين‪ ،‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي ‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‬
‫‪ ،‬طبعة الثانية ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1126‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪.4‬‬
‫(‪ )168‬زين العابدين ابراهيم ابن نجيم ‪ ،‬البحر الرائق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ . 86‬عالء‬
‫‪72‬‬

‫‪ .4‬ال يجوز التحكيم في ما يجب من الدية على العاقلة‪ ،‬ألنه ال والية‬


‫للحكمين على العاقلة‪ ،‬وال يمكنهما الحكم على القاتل وحده بالدية‪ ،‬لمخالفته‬
‫حكم الشرع الذي لم يوجب دية على القاتل وحده دون العاقلة‪ ،‬إال في‬
‫‪.‬‬ ‫مواضع محددة كما لو اقر بالقتل خطا‬
‫(‪)169‬‬

‫‪ .4‬وليس للحكم ان يحكم في اللعان كما ذكر البرجندي‪ ،‬وان توقف فيه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)170‬‬
‫ابن نجيم‪ ،‬وعلة ذلك أن اللعان يقوم مقام الحد‬
‫‪.‬‬ ‫‪ .5‬ليس للمحكم الحبس ‪ ،‬إال ما نقل عن صدر الشريعة من جوازه‬
‫(‪)171‬‬

‫جاء في الهداية شرح بداية المبتدئ للمرغيناني "وال يجوز التحكيم في‬
‫الحدود والقصاص‪ ،‬ألنه ال والية لهما على دمهما ‪ ،‬ولهذا ال يملكان‬
‫اإلباحة فال يستباح برضاهما‪...‬وان حكماه في دم خطا فقضى بالدية على‬
‫العاقلة لم ينفذ حكمه ألنه ال والية له عليهم إذ ال تحكيم من جهتهم"(‪.)172‬‬

‫الدين الكاساني ‪ ،‬بدائع الصنائع ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪ . 4‬لجنة علماء برئاسة نظام‬
‫الدين البلخي ‪ ،‬الفتاوى الهندية ‪ ،‬طبعة الثانية ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1410‬ه ‪ ،‬ج ‪، 4‬‬
‫ص ‪. 162‬‬
‫(‪ )169‬زين العابدين ابن نجيم ‪ ،‬البحر الرائق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪ . 86‬عالء الدين‬
‫الكاساني ‪،‬بدائع الصنائع ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 4‬‬
‫(‪ )170‬احمد بن محمد بن اسماعيل الطحاوي ‪ ،‬حاشية الطحاوي على الدر المختار ‪ ،‬دار ابن‬
‫نفيس ‪ :‬االسكندرية ‪ ،‬سنة ‪ ، 1128‬ج ‪ ، 8‬ص ‪. 802‬‬
‫(‪ )171‬محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي ‪ ،‬الدر المختار شرح تنوير‬
‫األبصار وجامع البحار ‪ ،‬تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪8008‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ص ‪. 348‬‬
‫(‪ ) 172‬ابو الحسن علي بن ابي بكر المرغيناني ‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدئ ‪ ،‬تحقيق نعيم أشرف‬
‫نور محمد ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية ‪ :‬باكستان ‪ ،‬سنة ‪1311‬ه ‪ ،‬ج‪، 4‬‬
‫ص ‪. 101 -102‬‬
‫‪73‬‬

‫وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي [وشرط لنفوذ حكمه –‬
‫أي المحكم‪ -‬أن يكون في غير حد وقود ودية على العاقلة ‪،‬الن تحكيمهما‬
‫بمنزلة الصلح بينهما ‪،‬وليس لهما والية على دمهما ولهذا ال يملكان إباحته‬
‫‪،‬وكذا ال والية لهما على العاقلة فال ينفذ حكم من حكماه على عاقلته ‪،‬وال‬
‫على القاتل لعدم التزام العاقلة حكمه ‪،‬ولكونه مخالفا لحكم الشرع الن الدية‬
‫تجب على العاقل ال على القاتل ‪،‬ولو ثبت القتل بإق ارره أو ثبت جراحته‬
‫ببينة وأرشها اقل مما تتحمله العاقلة خطا كانت الجراحة خطا او عمدا او‬
‫كان قدر ما تتحمله ولكن الجراحة كانت عمدا ال توجب القصاص نفذ‬
‫حكمه عليه ‪،‬الن العاقلة ال تعقله (‪.)173‬‬
‫وجاء في المحيط البرهاني [وال يجوز التحكيم في شيء من الحدود وال زنا‬
‫وال شرب خمر وال سرقة وال لعان وال قذف‪ ،‬وان فعل ذلك فهو باطل‪ ،‬ألنهما‬
‫ال يملكان التفويض إلى الغير(‪.)174‬‬
‫ما يجوز فيه التحكيم‪:‬‬
‫‪ .1‬يجوز التحكيم فيما يملك األفراد فعله بأنفسهم من حقوق العباد‪،‬‬
‫كالدعاوى المتعلقة باألموال والديون والبيوع واإلجارة والرهن‬
‫ونحوها(‪.)175‬‬

‫(‪ )173‬فخر الدين عثمان ابن علي الزيلعي ‪ ،‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ‪ ،‬طبعة األولى ‪،‬‬
‫المطبعة الكبرى األميرية ‪ :‬بوالق ‪ -‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪1414‬ه ‪ ،‬ج ‪ ، 18‬ص ‪. 140 – 181‬‬
‫(‪ ) 174‬برهان الدين محمود بن احمد مازه ‪ ،‬المحيط البرهاني في الفقه النعماني ‪ ،‬تحقيق عبد الكريم‬
‫سامي الجندي ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪8003‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص‬
‫‪.611 - 610‬‬
‫(‪ )175‬ابراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون ‪ ،‬تبصرة الحكام في اصول االقضية ومناهج األحكام‬
‫‪74‬‬

‫‪ .8‬يجوز التحكيم في سائر المجتهدات‪ ،‬كالطالق والنكاح ونحوها‪،‬‬


‫ولكن ال يفتى به في المذهب دفعا لتجاسر العوام(‪.)176‬‬
‫جاء في العناية شرح الهداية للبابرتي [وتخصيص القدري الحدود‬
‫والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات‪ ،‬كالكنايات‬
‫في جعلها رجعية‪ ،‬والطالق المضاف‪ ،‬وهو الظاهر عن أصحابنا‬
‫وهو الصحيح‪ ،‬ولكن المشايخ امتنعوا عن الفتوى بذلك‪ .‬قال شمس‬
‫األئمة الحلواني في مسألة حكم المحكم تعلم وال يفتى بها‪ ،‬وكان‬
‫يقول‪ :‬ظاهر المذهب انه يجوز إال أن اإلمام أبى علي النسفي كان‬

‫يقول‪ :‬يكتم هذا الفصل وال يفتى به‪ ،‬كي ال يتطرق ّ‬


‫الجهال إلى ذلك‬
‫فيودي إلى هدم مذهبنا](‪.)177‬‬
‫‪ .4‬يجوز التحكيم في تضمين السرقة دون القطع‪ ،‬ألنه خالص حق‬
‫المسروق منه‪ ،‬وله والية االستيفاء(‪.)178‬‬
‫‪ .3‬يجوز التحكيم في الدية على القاتل إذا ثبت القتل بإق ارره‪ ،‬الن‬
‫العاقلة ال تعقله‪ ،‬وأما اروش الجراحات فان كانت بحيث ال تتحملها‬
‫العاقلة وتجب في مال الجاني‪ ،‬بأن كان دون ارش الموضحة وهو‬

‫‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية ‪ :‬القاهرة ‪ ،‬سنة ‪1126‬ه ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.130‬‬
‫(‪ )176‬أبي الحسن بن أبي بكر المرغيناني ‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدئ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬
‫‪.102‬‬
‫(‪ )177‬محمد بن محمد البابرتي ‪ ،‬العناية شرح الهداية ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ ،‬دون‬
‫تاريخ نشر ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪.811 - 812‬‬
‫(‪ )178‬عبدهللا بن محمود الموصلي ‪ ،‬االختيار لتعليل المختار ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬مطبعة الحلبي ‪:‬‬
‫القاهرة ‪ ،‬سنة ‪1141‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪ ، .، 11‬برهان الدين محمود بن احمد مازه ‪ ،‬المحيط‬
‫البرهاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص‪.611‬‬
‫‪75‬‬

‫خمسمائة درهم وثبت باإلقرار والنكول أو كان عمدا وقضى على‬


‫الجاني جاز ‪ ،‬ألنه ال يخالف حكم الشرع ‪ ،‬وقد رضي الجاني‬
‫بحكمه عليه فيجوز(‪.)179‬‬
‫فقهاء المالكية‪:‬‬
‫التحكيم جائز عندهم إال في ثالثة عشر موضعا هي‪ :‬الرشد‪ ،‬وضده‪،‬‬
‫والوصية‪ ،‬والحبس [الوقف] وأمر الغائب‪ ،‬والنسب‪ ،‬والوالء‪ ،‬والحد‪،‬‬
‫والقصاص‪ ،‬ومال اليتيم‪ ،‬والطالق‪ ،‬والعتق‪ ،‬واللعان‪ ،‬الن هذه مما يختص‬
‫بها القضاء(‪.)180‬‬
‫فال يجوز التحكيم في الحدود كقصاص او جلد او رجم‪ ،‬وال في قتل في‬
‫ردة او حرابة وال في لعان‪ ،‬وكذلك ال يجوز التحكيم في طالق وال في فسخ‬
‫لنكاح ونحوه ‪ ،‬وال في عتق وال في امر غائب‪ ،‬مما يتعلق بماله وزوجته‬
‫وحياته وموته‪ ،‬وال في حبس وال في عقد‪ ،‬مما يتعلق بصحته وفساده الن‬
‫هذه االمور يحكم فيها القضاة‪ ،‬فال يجوز التحكيم فيها بغير الخصمين‪ ،‬اما‬
‫هلل تعالى كالحدود والقتل والعتق والطالق‪ ،‬واما آلدمي كاللعان والوالء‬
‫والنسب‪ ،‬ففي اللعان حق الولد بقطع نسبه‪ ،‬وفي الوالء والنسب ترتيب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)181‬‬
‫احكامها وعدمه وارث وعدمه وغير ذلك على الذرية التي ستوجد‬
‫وقد وضع ابن عرفة حدا لما يجوز فيه التحكيم فقال‪ :‬ظاهر الروايات انه‬

‫(‪ )179‬محمد بن محمد البابرتي ‪ ،‬العناية شرح الهداية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ، 10‬ص ‪.410-812‬‬
‫(‪ )180‬محمد بن محمد الدسوقي ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ، 11‬ص‬
‫‪.88 -12‬‬
‫(‪ )181‬احمد بن محمد الصاوي ‪ ،‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار المعارف‬
‫‪ :‬القاهرة ‪ ،‬دون تاريخ نشر ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪.415 - 413‬‬
‫‪76‬‬

‫يجوز التحكيم فيما يصح ألحدهما ترك حقه فيه‪.‬‬


‫وقال اللخمي وغيره‪ :‬إنما يصح في األموال وما في معناها‪.‬‬
‫والحاصل أن كل ماال يجوز التحكيم فيه وكان الحكم فيه مختصا بالقضاة‬
‫إذا وقع ونزل وحكم فيه المحكم وكان حكمه صوابا فانه يمضي وليس ألحد‬
‫الخصمين وال للحاكم نقضه‪ ،‬وأما ما هو مختص بالسلطان كاالقطاعات‬
‫فحكم المحكم فيه غير ماض قطعا(‪.)182‬‬
‫فقهاء الشافعية‪:‬‬
‫ذكر اإلمام الماوردي في الحاوي الكبير شروط التحكيم المعتبر‪ ،‬ومن هذه‬
‫الشروط‪ :‬أن يكون التحاكم في أحكام مخصوصة فقال [واألحكام تنقسم‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫قسم يجوز فيه التحكيم‪ :‬وهو حقوق األموال وعقود المعاوضات‪ ،‬وما‬
‫يصح فيه العفو واإلبراء‪.‬‬
‫وقسم ال يجوز فيه التحكيم‪ :‬وهو ما اختص القضاة باإلجبار عليه من‬
‫حقوق هللا تعالى والواليات على األيتام‪ ،‬وايقاع الحجر على مستحقيه‪.‬‬
‫وقسم مختلف فيه وهو أربعة أحكام‪ :‬النكاح واللعان والقذف والقصاص‪.‬‬
‫ففي جواز التحكيم فيه وجهان‪ :‬احدهما‪ :‬يجوز لوقوفهما على رضا‬
‫المتحاكمين‪.‬‬

‫(‪ )182‬محمد بن احمد الدسوقي ‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪، 11‬‬
‫ص ‪ . 80- 12‬برهان الدين ابراهيم بن علي ابن فرحون ‪ ،‬تبصرة الحكام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‬
‫‪ ، 1‬ص ‪. 130‬‬
‫‪77‬‬

‫الثاني‪ :‬ال يجوز ألنها حقوق وحدود يختص الوالة بها(‪.)183‬‬


‫وجاء في المجموع لإلمام النووي [واختلف أصحابنا فيما يجوز فيه‬
‫التحكيم‪ ،‬فمنهم من قال يجوز في كل ما تحاكم فيه الخصمان‪ ،‬كما يجوز‬
‫حكم القاضي الذي واله اإلمام‪ ،‬ومنهم من قال يجوز في األموال‪ ،‬فأما‬
‫النكاح والقصاص واللعان وحد القذف فال يجوز فيها التحكيم‪ ،‬ألنها حقوق‬
‫بنيت على االحتياط فلم يجز فيها التحكيم](‪.)184‬‬
‫وال يجوز التحكيم في حق هللا تعالى المالي الذي ال طالب له معين‪،‬‬
‫كالزكاة إذا كان المستحقون غير محصورين(‪.)185‬‬
‫وال ينفذ حكم المحكم إال على راض به لفظا‪ ،‬فال يكفي رضا قاتل في‬
‫ضرب دية على عاقلته‪ ،‬بل ال بد من رضا العاقلة بذلك‪ ،‬ويشترط استدامة‬
‫الرضا إلى إتمام الحكم(‪ .)186‬ويجوز التحكيم في ثبوت هالل رمضان‪ ،‬كما‬
‫بحثه الزركشي‪ ،‬وينفذ على من رضي بحكمه‪ ،‬فيجب عليه الصوم دون‬
‫غيره(‪.)187‬‬

‫(‪ )183‬ابو الحسن الماوردي ‪ ،‬الحاوي الكبير ‪ ،‬تحقيق الشيخ علي محمد معوض ‪ -‬الشيخ عادل‬
‫أحمد عبد الموجود ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1111‬م ‪ ،‬ج ‪، 16‬‬
‫ص‪. 650 – 632‬‬
‫(‪ )184‬ابو زكريا يحيى بن شرف النووي ‪ ،‬المجموع شرح المهذب ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬دار الفكر ‪:‬‬
‫بيروت ‪ ،‬سنة ‪1111‬ه ‪ ،‬ج ‪ ، 8‬ص ‪.182 - 181‬‬
‫(‪ )185‬محمد بن احمد الشربيني ‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ‪ ،‬طبعة األولى ‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1113‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 11‬ص ‪.16‬‬
‫(‪ )186‬رجب نوري المشوح ‪ ،‬دليل المحتاج شرح المنهاج لالمام النووي ‪ ،‬نسخة الكترونية ‪ ،‬ج ‪، 3‬‬
‫ص ‪.141‬‬
‫(‪ )187‬سليمان بن محمد البيجرمي ‪ ،‬حاشية البيجرمي على شرح المنهاج ‪ ،‬دون طبعة ‪ ،‬مطبعة‬
‫الحلبي ‪ :‬غزة ‪ ،‬سنة ‪1150‬م ‪ ،‬ج ‪ ، 16‬ص ‪.821‬‬
‫‪78‬‬

‫فقهاء الحنابلة‪:‬‬
‫اختلف فقهاء المذهب فيما يجوز فيه التحكيم‪.‬‬
‫ففي ظاهر كالم احمد أن التحكيم يجوز في كل ما يمكن أن يعرض على‬
‫القاضي من خصومات‪ ،‬يستوي في ذلك المال والقصاص والحد والنكاح‬
‫وغيرها‪ ،‬ذكره أبو الخطاب في الهداية‪ ،‬وهو المذهب حتى مع وجود قاض‪،‬‬
‫ألنه كالقاضي وال فرق‪.‬‬
‫وقال القاضي أبو يعلى بجواز التحكيم في األموال خاصة‪ ،‬وأما النكاح‬
‫والقصاص والحد فال يجوز فيها التحكيم‪ ،‬ألنها مبنية على االحتياط‪ ،‬فال بد‬
‫من عرضها على القضاء للحكم(‪.)188‬‬
‫ورجح بعض علماء الشافعية ما ذهب إليه اإلمام أحمد من جواز التحكيم‬
‫في كل ما يجوز للقاضي أن يحكم فيه‪ ،‬حيث قال الشربيني الخطيب في‬
‫مغني المحتاج‪[ :‬والصحيح عدم االختصاص‪ ،‬الن من صح حكمه في مال‬
‫صح في غيره‪ ،‬كالمولى من جهة اإلمام](‪.)189‬‬
‫خالصة أقوال الفقهاء‪:‬‬
‫نالحظ أنه ال خالف بين الفقهاء على انه يجوز التحكيم في األموال وما‬
‫يجري مجراها حيث ذهب فقهاء الحنفية إلى أن التحكيم يجوز في سائر‬

‫(‪ )188‬أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ‪ ،‬الكافي‬
‫في فقه اإلمام أحمد بن حنبل ‪ ،‬طبعة األولى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪1113‬م ‪،‬‬
‫ج ‪ ، 3‬ص ‪ . 881‬منصور بن يونس بن ادريس البهوتي ‪ ،‬كشاف القناع ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬
‫ج ‪ ، 88‬ص ‪. 101‬‬
‫(‪ )189‬محمد بن احمد الشربيني ‪ ،‬مغني المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪11‬‬
‫‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫‪79‬‬

‫األمور التي يجوز فيها االجتهاد من نكاح وبيوع وغيرها‪ ،‬وال يجوز في‬
‫الحقوق الواجبة حقا هلل تعالى‪ ،‬وذلك الن الحدود ال يجوز فيها الصلح‪.‬‬
‫وذهب فقهاء المالكية إلى أن التحكيم جائز في ثالثة عشر موضعا كما‬
‫بينا‪ ،‬ألن االمور إما حقوق يتعلق بها حق هللا تعالى‪ ،‬أو حقوق لغير‬
‫المتحاكمين‪.‬‬
‫وذهب فقهاء الشافعية إلى القول بان التحكيم يجوز في كل أمر إال في‬
‫الحدود‪ ،‬وكذلك ما اختص القضاة باإلجبار عليه من حقوق هللا تعالى‪،‬‬
‫واختلفوا في النكاح واللعان والقذف والقصاص‪.‬‬
‫وذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بان التحكيم يجوز في جميع األحكام‬
‫بحجة أن من يقوم بالتحكيم المحكم هو كالحاكم ينفذ حكمه في جميع‬
‫األحكام‪ ،‬إال ما ورد عن القاضي بجواز التحكيم في األموال‪ ،‬دون النكاح‬
‫والقصاص والحد‪ ،‬ألنها مبنية على االحتياط‪.‬‬
‫وقد افتى بما سبق مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره التاسع المنعقدة‬
‫بدولة اإلمارات العربية المتحدة من ‪ 6-1‬ذي القعدة ‪ 1315‬ه‪ ،‬بعد‬
‫اطالعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع [مبدأ التحكيم‬
‫في الفقه اإلسالمي] وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله قرر ما‬
‫يلي‪[ :‬ال يجوز التحكيم في كل ما هو حق هلل تعالى كالحدود‪ ،‬وال فيما‬
‫استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن ال والية‬
‫للحكم عليه كاللعان‪ ،‬لتعلق حق الولد به‪ ،‬وال فيما ينفرد القضاء دون غيره‬
‫‪80‬‬

‫بالنظر فيه](‪.)190‬‬
‫وأخي ار يمكن تأصيل قاعدة ما ال يجوز التحكيم فيه عند المذاهب فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫عند الحنفية‪ :‬كل ما كان حقا هلل تعالى‪ ،‬أو فيما ال والية للمحكمين عليه‪.‬‬
‫عند المالكية‪ :‬كل ما كان حقا هلل تعالى‪ ،‬أو تعلق به حق غير‬
‫الخصمين ‪.‬‬
‫عند الشافعية‪ :‬كل ما كان حقا هلل تعالى خالصا‪ ،‬أو عقوبة له عز وجل‪،‬‬
‫أو في كل ما ليس له طالب معين‪ ،‬وأضافوا النكاح واللعان ربما لتعليل‬
‫المالكية في تعلق الحق بغير الخصمين‪.‬‬
‫عند الحنابلة‪ :‬كل ما كان حقا هلل خالصا‪ ،‬مع إضافة النكاح واللعان‬
‫للتعليل السابق‪.‬‬

‫الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في القانون‬ ‫ب‪.‬‬


‫الليبي‪.‬‬
‫حدد المشرع المادة ‪ 130‬في المواضيع التي ال يجوز فيها التحكيم فقال‬
‫ما نصه " ال يجوز التحكيم في األمور المتعلقة بالنظام العام أو المنازعات‬
‫بين العمال وأرباب العمل بشأن تطبيق األحكام الخاصة بالتأمين‬
‫االجتماعي واصابات العمل وأمراض المهنة والمنازعات المتعلقة بالجنسية‬
‫أو بالحالة الشخصية بما في ذلك التفريق البدني على أنه يجوز أن يكون‬

‫(‪ )190‬ق اررات وتوصيات مجمع الفقه االسالمي‪ ،‬التابع لمنظمة المؤتمر االسالمي‪ ،‬قرار رقم ‪11‬‬
‫‪.1-2/‬‬
‫‪81‬‬

‫موضوع التحكيم تقدي اًر لنفقة واجبة في النظام الزوجي والعائلي أو في‬
‫الخالف على مقدار المهر أو البائنة أو دعوى مالية أخرى ناشئة عن‬
‫قضايا األحوال الشخصية كما يجوز التحكيم بين الزوجين فيما تجيزه أحكام‬
‫(‪)191‬‬
‫الشريعة اإلسالمية"‬
‫يرى المشرع أن من األحوال التي ال يجوز فيها التحكيم هو ما ورد بها‬
‫نص خاص وأعطى أمثلة على ذلك منها "األمور المتعلقة بالنظام العام‬
‫التي ال يجوز فيها الصلح مثل الضريبة والمساءلة الجنائية ‪ ،‬ومساءلة‬
‫األحوال الشخصية مثل الحضانة والنسب وغيرها‪ ،‬وكذلك التأمين‬
‫االجتماعي‪ ،‬واصابات العمل التي تنطوي تحت قانون العمل‪ ،‬وكذلك‬
‫المنازعات التي تتعلق بالجنسية‪ ،‬وختم قوله بأنه يجوز التحكيم بين الزوجين‬
‫فيما تجيزه أحكام الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬ومفهوم المخالفة لهذا النص أنه ال‬
‫يجوز التحكيم بين الزوجين في األمور التي رأت الشريعة اإلسالمية بعدم‬
‫الصلح فيها "‪.‬‬

‫(‪ )191‬مادة ‪ ، 130‬الباب الرابع في التحكيم ‪ ،‬فصل االول ‪ :‬التحكيم عامة ‪ ،‬قانون المرافعات‬
‫المدنية والتجارية الليبي ‪.‬‬
‫‪82‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬منهجية البحث‬

‫نوع البحــــــــــــــــــــــــــــث‬

‫مصادر جمع البيانات‬

‫أداوت جمع البيانـــــات‬

‫أسلوب تحليل البيانات‬

‫هيكل البحــــــــــــــــــــــــــــــــث‬
‫‪83‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫منهجية البحث‬

‫يشتمل منهج هذا البحث كما يلي‪:‬‬


‫أوالً‪ :‬نوع البحث‪:‬‬
‫من خالل دراسة هذا البحث العلمي يستخدم الباحث في نوع البحث هو "‬
‫البحث المقارن " وهو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة‬
‫الظاهرة حيث يبرز أوجه الشبه واالختالف فيما بين ظاهرتين أو أكثر‪ ،‬أو‬
‫هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه االختالف بين حادثتين‬
‫اجتماعيتين أو اقتصاديتين‪ ،‬أو أكثر تستطيع من خاللها الحصول على‬
‫معارف أدق نميز بها موضوع الدراسة أو الحادثة في مجال المقارنة‬
‫والتصنيف وهذه الحادثة يمكن أن تكون كيفية قابلة للتحليل أو كمية‬
‫لتحويلها الى كم قابل للحساب وتكمن أهميتها في تمييز موضوع البحث‬
‫عن الموضوعات األخرى وهنا تبدأ معرفتنا له‪.‬‬
‫وبشكل عام يمكن القول إنه تشمل طريقة المقارنة على إجراء مقارنة بين‬
‫ظاهرتين اجتماعيتين أو اقتصاديتين أو طبيعيتين‪ ،‬بقصد الوصول الى حكم‬
‫معين يتعلق بوضع الظاهرة في المجتمع والحكم هنا مرتبط باستخدام‬
‫عناصر التشابه أو التباين بين الظاهرتين المدروستين أو بين مراحل تطور‬
‫ظاهرة ما‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫وبالتالي فالمقارنة نوع من البحث يهدف الى تحديده أوجه التشابه‬


‫واالختالف بين ظاهرتين أو أكثر أو بالنسبة لظاهرة واحدة ولكن ضمن‬
‫فترات زمنية مختلفة‪.‬‬
‫على الرغم من أن المنهج المقارن هو منهج مستقل بحد ذاته ولكن معظم‬
‫الدراسات المقارنة ال يمكن أن تتم دون االعتماد على مناهج أخرى مساندة‬
‫مثل المنهج التحليلي حتى أن الكثير من الباحثين يقيمون دراساتهم على‬
‫منهج يطلق عليه المنهج التحليل المقارن داللة على اعتماد المقارنة على‬
‫بيانات تحليلية ويمكن أن يعتمد على المنهج التاريخي للمقارنة أو المنهج‬
‫التجريبي أن البعض ذهب الى أن المنهج المقارن "هو منهج شبه تجريبي‬
‫يختبر كل من العناصر الثابتة والعناصر المتغيرة لظاهرة ما في أكثر من‬
‫مجتمع أو أكثر من زمان"(‪ .)192‬ويعتمد الباحث من خالل ذلك على‬

‫مجموعة من الخطوات من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة‬


‫بالظاهرة المدروسة ‪ ،‬وتستعين العلوم القانونية بالمنهج المقارن في الكثير‬
‫من الدراسات ‪ ،‬وذلك بمقارنة الشريعة اإلسالمية بالقوانين الوضعية‬
‫األخرى‪ ،‬وأن هذا البحث نظري كتابي "مكتبي" ‪ ،‬يحتاج الباحث إلى آراء‬
‫العلماء وأقوالهم فيما يتعلق بـ مفهوم التحكيم وأثره في فض المنازعات وهي‬
‫دراسة فقهية مقارنه بين الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي ‪ ،‬من بطون‬
‫الكتب المتخصصة في التحكيم أو الكتب الفقهية التي أدرجت التحكيم‬
‫كجزء من كتبها ‪ ،‬وما يتعلق من المواد والنصوص التي نص عليها المشرع‬

‫(‪ )192‬د‪.‬جميل صليبا ‪ ،‬أساليب البحث العلمي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬منشورات عويدات ‪ :‬بيروت‬
‫‪،‬لبنان ‪ ،‬سنة ‪ ،1121‬ص‪.311‬‬
‫‪85‬‬

‫في القانون الليبي في قانون المرافعات المدنية والتجارية ‪ ،‬وذلك من خالل‬


‫المناقشات وغير ذلك حتى يستطيع الباحث أن يحصل على الحقائق‬
‫الكاملة حول الموضوع ‪ ،‬ليتسنى حل مشكلة البحث ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مصادر جمع البيانات‪:‬‬


‫أ‪ .‬المصادر األولية‪:‬‬
‫إن مصادر بيانات هذا البحث كما ذكر الباحث تتكون من فهم‬
‫النصوص القرآنية من سورة النساء اآليات "‪ "65،52،45‬وسورة المائدة‬
‫اآليات "‪ "34،38،2‬وسورة ص في اآليتين "‪ ، "86،88‬وكذلك كتب السنة‬
‫المطهرة‪ ،‬وأقوال العلماء المعتبرون من أهل السنة والجماعة حول التحكيم‪،‬‬
‫وكذلك كتب علماء القانون المدني العربي في التحكيم‪ ،‬وشروحاتهم على‬
‫النصوص التحكيمية‪.‬‬
‫ب‪ .‬المصادر الثانوية‪:‬‬
‫أما المصادر الثانوية التي ارتكز عليها الباحث في بحثه هي الرسائل‬
‫الجامعية التي تختص بالتحكيم‪ ،‬والمجالت الخاصة بها‪ ،‬مثل مجلة‬
‫األحكام العدلية وغيرها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أدوات جمع البيانات‪:‬‬


‫يستخدم الباحث في جمع المعلومات لكتابة هذا البحث على المصادر و‬
‫الوثائق ‪ ،‬ونعني بالمصادر هنا ‪ ،‬هي المصادر األولية الثانوية لكتابة هذا‬
‫البحث وهي المصادر التي تنقل معلوماتها عن المصادر األولية بشكل‬
‫‪86‬‬

‫مباشر أو غير مباشر ‪ ،‬وفي بعض األحيان ينقل المعلومات عن المصادر‬


‫األولية بشكل مباشر وهي الكتب المتخصصة في مختلف موضوعات‬
‫التحكيم ‪ ،‬والموسوعات ودوائر المعارف التي تجمع عادة من مختلف‬
‫المصادر ‪ ،‬وكذلك مقاالت ودوريات التحكيم مثل الصحف والمجالت‬
‫العامة ‪ ،‬وطريقة الوثائق في هذا البحث تحتوي على الكتب التي ُبحث فيها‬
‫عن مفهوم التحكيم وأثره في فض المنازعات بين الشريعة اإلسالمية‬
‫والقانون الليبي ‪ ،‬حتى يتمكن الباحث من فهم األقوال وادراك معانيها لمعرفة‬
‫المقصود منها ‪ ،‬لكي يتمكن الباحث من الوصول إلى مختلف نتائج هذا‬
‫البحث ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬أسلوب تحليل البيانات‪:‬‬


‫يقوم الباحث بجمع مصادر البيانات من بطون كتب علماء القانون‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وكذلك علماء القانون الوضعي‪ ،‬وذلك إلبراز مقارنة فقهية بين‬
‫الشريعة اإلسالمية والقوانين الوضعية في موضوع البحث‪ ،‬وكذلك المجالت‬
‫والدوريات والمؤتمرات الخاصة بهذا الشأن‪ ،‬ثم يقوم بتحريرها وبناءً على‬
‫نوعية البيانات التي يتحصل عليها الباحث باألسلوب المقارن‪ ،‬حيث يقوم‬
‫الباحث في عملية تحليل البيانات لهذا البحث بطريقة تحليل المضمون‪،‬‬
‫الذي تحصل عليها من الكتب المتعلقة بموضوع البحث‪ ،‬لكي يسهل فهمها‬
‫للقارئ‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫خامساً‪ :‬هيكل البحث ‪:‬‬

‫هيكل البحث‬
‫آية قرآنية‪..........................................................‬‬
‫اإلهداء‪..........................................................‬‬
‫شكر وتقدير‪......................................................‬‬
‫محتويات البحث‪..................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اإلطار العام‬
‫أ‪ .‬المقدمة‪........................................................‬‬
‫ب‪ .‬مشكلة البحث‪................................................‬‬
‫ج‪ .‬أسئلة البحث ‪.................................................‬‬
‫د‪ .‬أهداف البحث‪..................................................‬‬
‫ه‪ .‬أهمية بحث التحكيم‪...........................................‬‬
‫و‪ .‬حدود البحث‪..................................................‬‬
‫ز‪ .‬مصطلحات البحث‪............................................‬‬
‫ح‪ .‬الدراسات السابقة‪............................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬اإلطار النظري‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف التحكيم وتطوره التاريخي ‪.................‬‬


‫أوالً‪ :‬تعريف التحكيم لغة واصطالح ًا‪ ،‬وأهميته‪ ،‬واأللفاظ ذات‬
‫العالقة ‪..............................................................‬‬
‫أ‪ .‬التحكيم لغة واصطالحاً ‪.....................................‬‬
‫ب‪ .‬أهمية التحكيم‪...............................................‬‬
‫‪88‬‬

‫ج‪ .‬التحكيم واأللفاظ ذات الصلة ‪................................‬‬


‫ثانياً‪ :‬التطور التاريخي للتحكيم ‪.................................‬‬
‫أ‪ .‬التحكيم في ظل الدولة القديمة (المدن القديمة)‪................‬‬
‫ب‪ .‬التحكيم عند العرب قبل اإلسالم ‪.............................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم بين المتخاصمين‬
‫في نصوص الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي‪...................‬‬
‫أوالً‪ :‬التحكيم في القرآن الكريم‪....................................‬‬
‫ثانياً‪ :‬التحكيم في السنة المطهرة ‪.................................‬‬
‫ثالثا‪ :‬التحكيم في القانون الليبي ‪.................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أركان التحكيم وأنواعه والموضوعات التي يجوز‬
‫وال يجوز فيها التحكيم بين الشريعة والقانون ‪......................‬‬
‫أوالً‪ :‬أركان التحكيم وشروطه في الشريعة والقانون الليبي ‪.........‬‬
‫أ‪ .‬أركان التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي ‪..........‬‬
‫ب‪ .‬الشروط الموضوعية للتحكيم " الرضا – المحل – األهلية " ‪...‬‬
‫ج‪ .‬الشروط الشكلية للتحكيم ‪....................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع التحكيم ‪.............................................‬‬
‫أ‪ .‬أنواع التحكيم في الشريعة اإلسالمية ‪..........................‬‬
‫ب‪ .‬أنواع التحكيم في القانون الليبي ‪.............................‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم‬
‫في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي ‪...........................‬‬
‫أ‪ .‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في الشريعة‬
‫‪89‬‬

‫اإلسالمية‪.....................................................‬‬
‫ب‪ .‬الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في القانون‬
‫الليبي‪..........................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬منهجية البحث‬

‫أوال‪ :‬نوع البحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث‪......................................‬‬

‫ثانياً‪ :‬مصادر جمع البيانات‪........................................‬‬

‫ثالثاً‪ :‬أداوت جمع البيان ـ ــات‪........................................‬‬

‫رابعاً‪ :‬أسلوب تحليل البيانات‪.......................................‬‬

‫خامساً‪ :‬هيكل البحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــث‪.......................................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬تحليل البيانات‬


‫المبحث األول‪ :‬فض المنازعات في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‬
‫الليبي في مسألة الشقاق بين الزوجين‪...........................‬‬
‫الشريعة‬ ‫في‬ ‫الزوجين‬ ‫بين‬ ‫الشقاق‬ ‫مسألة‬ ‫األول‪:‬‬ ‫المطلب‬
‫اإلسالمية‪.....................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مسألة الشقاق بين الزوجين في القانون المدني‬
‫الليبي‪............................................ ............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي‬
‫في المنازعات العقارية‪........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المنازعات العقارية في الشريعة اإلسالمية‪........‬‬
‫‪90‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحكيم في المنازعات العقارية في القانون المدني‬


‫الليبي ‪........................................................‬‬
‫الفرع االول‪ :‬الدعاوي العقارية بوجه عام‪........................‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬دعاوى صحة التعاقد‪..............................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬الخـاتمة‬
‫النتائج‪........................................................‬‬
‫التوصيات‪.................................................... .‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪.......................................‬‬
‫‪91‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫تحليل البيانات‬

‫المبحث األول‪:‬‬
‫فض المنازعات في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي في‬
‫مسألة الشقاق بين الزوجين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مسألة الشقاق بين الزوجين في الشريعة اإلسالمية‬


‫سنة من سنن هللا تعالى في الخلق والتكوين‪ ،‬وهي‬
‫الحياة الزوجية ّ‬
‫سنة تشمل النبات والحيوان‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬بل هي ّ‬ ‫ليست مقتصرة على اإلنسان‬
‫َخَلطقَنا َزطو َج طي ِن َل َعَّل ُك طم تَ َذ َّك ُرو َن»(‪ ،).)193‬وقال‬ ‫َشي ٍء‬ ‫قال تعالى‪َ « :‬و ِم طن ُك ِّل‬
‫ط‬
‫خَلق طاأل طَزو َّ ِ‬
‫اج ُكل َها م َّما تُطنِب ُت طاأل طَر ُ‬
‫ض َو ِم طن‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّال ِذي‬ ‫ان‬‫تعالى ايضاً‪ُ « :‬س طب َح َ‬
‫أ طَنُف ِس ِه طم َو ِم َّما َال َي طعَل ُمو َن»(‪.)194‬‬
‫والحالة الزوجية‪ ،‬هي الطريقة الوحيدة والفضلى‪ ،‬الذي اختاره هللا‬
‫تعالى للتناسل والتكاثر وديمومة الحياة على األرض‪ ،‬وبالنسبة لإلنسان؛‬
‫لتنظيم غريزة الجنس‪ ،‬من خالل ضوابط خاصة لخدمته هو‪ ،‬على أن ال‬
‫البناءة‪ ،‬الى‬
‫ينفلت العقال من يديه‪ ،‬فتتحول الحالة الزوجية المقدسة و ّ‬

‫(‪ )193‬سورة الذاريات ‪ ،‬اآلية ‪. 31‬‬


‫(‪ )194‬سورة يس ‪ ،‬اآلية ‪. 46‬‬
‫‪92‬‬

‫ممارسة جنسية فوضوية‪ ،‬ال قانون وال ضوابط ّ‬


‫تحدها‪ .‬لذا وضع هللا تعالى‬
‫ال لإلنسان من شأنه حفظ كرامته ومكانته بين سائر‬
‫نظاماً متكام ً‬
‫المخلوقات‪ ،‬وذلك من خالل نعمة العقل‪ ،‬وجعل األسرة الكيان والبناء‬
‫المحكم والمتماسك‪ ،‬وشرع له نهج ًا وقوانين أفصحت عن مدى االهتمام‬
‫الكبير من لدنه تعالى‪ ،‬وقد أورد القرآن الكريم العديد من اآليات الكريمة‬
‫التي تحدد بنود وفقرات من هذا النهج الرباني‪ ،‬وبما ان األسرة تمثل‬
‫المجتمع الصغير‪ ،‬ومنها يتشكل المجتمع الكبير‪ ،‬فقد أكد االسالم على‬
‫مسألة االحترام المتبادل بين الزوجين‪ ،‬وعلى توثيق العالقة بينهما‪ ،‬لكي‬
‫تسير على وفق ما أراده هللا تعالى وتحقيق الهدف السامي من الزواج‪،‬‬
‫سنة أخرى من سنن‬
‫لكن نظ اًر الختالف االفكار واألمزجة‪ ،‬وهي بحد ذاتها ّ‬
‫هللا تعالى في حياة البشر‪ ،‬فان هنالك بعض التقاطعات والمشكالت‬
‫تعترض مسيرة الحياة الزوجية‪ ،‬وحسب معظم العلماء والخبراء‪ ،‬فان‬
‫الخالفات الزوجية والعائلية‪ ،‬تبدأ دائماً بسيطة وسطحية‪ ،‬وحول أمور‬
‫صغيرة‪ ،‬لكن ال تلبث أن تتحول الى معول لهدم بناء العش الزوجي‪،‬‬
‫وتكون سبباً لزعزعة استقرار الحياة الزوجية‪ ،‬بسبب استمرار واستحكام هذه‬
‫ومرد ذلك الى أسباب عديدة؛ أولها‪ :‬وساوس‬
‫ّ‬ ‫الخالفات والمشكالت‪،‬‬
‫الشيطان واستف اززاته واثاراته المستمرة لإلنسان‪ ،‬وبما ان الشيطان هو العدو‬
‫األول لإلنسان‪ ،‬وان اجتماع الرجل والمرأة تحت سقف واحد برباط الزوجية‬
‫المقدس‪ ،‬لبناء األسرة الناجحة‪ ،‬مما ال يرتضيه الشيطان‪ ،‬فانه يحاول بكل‬
‫ال وجود بعض االختالف‬
‫الحيل والمكائد‪ ،‬االيقاع بين الزوجين‪ ،‬مستغ ً‬
‫وعدم التطابق في الصفات والخصال‪ ،‬ليجعل منها سبباً لتضعيف البنية‬
‫‪93‬‬

‫التحتية لكيان األسرة‪ ،‬وقد تكون بداية االختالف‪ ،‬اقتصادية أو اجتماعية‬


‫أو حتى نفسية‪ .‬ثم تتعقد المشاكل لتكون نتيجتها االنفصال أو «الشقاق»‪.‬‬
‫وكما أسلفنا فان أغلب أسباب الخالفات الزوجية تبدأ بسيطة وتافهة‪،‬‬
‫لذا يجدر بالزوج والزوجة التحّلي بمزيد من الوعي والثقافة والصبر‬
‫لمعالجة هذه الخالفات‪ ،‬وحّلها بحكمة وعقالنية‪ ،‬بسلوك طريق الحوار‬
‫التعصب‬
‫والتفاهم والتنازل من الطرفين‪ ،‬وعدم اللجوء الى التشنيع و ّ‬
‫واالنانية؛ ألن الرابط المقدس للزواج يحفظ لكال الطرفين شخصيتهما‬
‫وكرامتهما لدى التنازل لآلخر‪ ،‬فالعالقة الحميمة بين الزوجين بإمكانها‬
‫المنغصات‪ ،‬وربما هذا ما ال يوجد في‬
‫تذويب وتسوية كل الخالفات و ّ‬
‫المشاكل واالزمات التي تقع بين سائر األفراد في المجتمع‪ ،‬سواء بين‬
‫األخوة‪ ،‬أو بين االبوين واألوالد‪ ،‬او بين االصدقاء وهكذا‪.‬‬
‫فالمشكلة المعقدة هنا؛ عندما تتضخم الخالفات الزوجية وتتصاعد‬
‫الى حالة النفرة والكراهية بين الزوجين‪ ،‬فيقف كل واحد منهما في اتجاه‬
‫مغاير‪ ،‬وال يرضى أحد باآلخر‪ ،‬وهذا ما يسمى بـ «الشقاق»‪ ،‬على ما‬
‫ويراد به «الناحية»‪ ،‬ويتضمن فعل اإلثنين‪ ،‬ألن‬
‫وصفه القرآن الكريم‪ُ « ،‬‬
‫التعدي والتباعد بسبب حصول الكراهة واالختالف‬
‫ّ‬ ‫الطرفين تشاركا في‬
‫بينهما»‪ ،‬مما يؤدي في الغالب الى الطالق إذا لم يتم تدارك األمر بالحل‬
‫والتقارب‪.‬‬
‫وقد بينت الشريعة االسالمية أنه في حال حصول الشقاق بين الزوجين‬
‫وعدم تمكن الزوجين من حل هذا الشقاق بينهما‪ُ ،‬يصار الى الطريق أو‬
‫الحل بالطرق االجتماعية‪ ،‬وهو يعتمد على الوساطة والتشاور من خالل‬
‫‪94‬‬

‫اق َب طيِن ِه َما َف طاب َعثُوا‬ ‫ِ ِ‬


‫تعيين حكمين من أهلهما‪ ،‬يقول هللا تعالى‪َ « :‬وِا طن خطفتُ طم شَق َ‬
‫َّللاُ َب طيَن ُه َما ِإ َّن َّ‬
‫ص َال ًحا ُي َوِّف ِق َّ‬ ‫ِ‬ ‫َهلِ ِه وح َكما ِم طن أ ط ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاَ‬ ‫َهل َها إ طن ُي ِر َيدا إ ط‬ ‫َح َك ًما م طن أ ط َ َ ً‬
‫يما َخِب ًا‬
‫ير»(‪.)195‬‬ ‫ِ‬
‫ان َعل ً‬
‫َك َ‬
‫وهنا على الحكمين أن يجتهدا في تحقيق االصالح بين الزوجين‪ ،‬وأن‬
‫يبذال قصارى جهدهما‪ ،‬فاذا أخلصا نيتهما وعملهما‪ ،‬وفقهما هللا وأصلح‬
‫الزوجين على يديهما‪ ،‬وبذلك يعودا الى عش الزوجية بخير وسالم‪ .‬أما‬
‫في حال عجزهما عن تحقيق هذا الهدف‪ ،‬فان األمر ُيصار الى الطالق‪.‬‬
‫وقد لخص الشيخ محمد حسين فضل هللا دور الحكمين والغاية من‬
‫تشريع هذا النوع من العالج‪ ،‬فقال‪( :‬وهذه حالة جديدة تحتاج إلى نوع‬
‫آخر من العالج‪ ،‬وهي حالة الشقاق المشترك‪ ،‬وذلك فيما إذا لم تكن‬
‫المشكلة من طرف واحد‪ ،‬بل كان كل منهما ضالعا في ذلك‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫حل المشكلة؟ إن القرآن يطرح أسلوب ما سماه البعض (مجلس التحكيم‬
‫العائلي) وذلك باختيار شخص واحد أو أكثر من أهل الزوج مطلع على‬
‫ظروفه النفسية والعائلية واالجتماعية‪ ،‬واختيار شخص أو أكثر من أهل‬
‫الزوجة بنفس المواصفات‪ ،‬ثم يجتمعان في جلسة تحكيم عائلية‪ ،‬ليدرسا‬
‫المشكلة من جميع جوانبها السلبية واإليجابية‪ ،‬ويتداوال في إمكانيات الحل‬
‫بتحديد بعض التنازالت من هذا الطرف أو ذاك‪ ،‬ومحاولة التوفيق بينهما‬
‫للوصول إلى النتيجة المرجوة في العودة بالبيت الزوجي إلى حالة السالم‬
‫العادل)(‪.)196‬‬

‫(‪ )195‬سورة النساء ‪ ،‬اآلية ‪. 45‬‬


‫(‪ )196‬محمد حسين فضل هللا‪ ،‬من وحي القرآن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار المالك للطبع والتوزيع‪:‬‬
‫‪95‬‬

‫وقد سمى الشيخ ناصر الشيرازي هذا النوع من العالج بمحكمة الصلح‬
‫العائلية‪ ،‬وذكر من ميزات هذه المحكمة التي تفرقها عن سائر المحاكم ما‬
‫يلي(‪:)197‬‬
‫‪ ‬أن البيئة العائلية بيئة عاطفية‪ ،‬ولذلك فإن المقياس الذي يجب أن‬
‫يتبع في هذه البيئة يجب أن يختلف عن المقاييس المتبعة في البيئات‬
‫األخرى‪ ،‬فكما أنه ال يمكن العمل في المحاكم الجنائية بمقياس المحبة‬
‫والعاطفة‪ ،‬فإنه ال يمكن في البيئة العائلية العمل بمقياس القوانين الجافة‪،‬‬
‫فهنا يجب حل الخالفات العائلية بالطرق العاطفية بحد اإلمكان‪ ،‬ولهذا‬
‫يأمر القرآن الكريم أن يكون الحكمان في هذه المحكمة ممن تربطهم‬
‫بالزوجين رابطة النسب والقرابة ليمكنهما تحريك المشاعر والعواطف باتجاه‬
‫اإلصالح بين الزوجين‪.‬‬
‫‪ ‬أن المدعي والمدعى عليه في المحاكم العادية مضطرين تحت‬
‫طائلة الدفاع أن يكشفا عن كل ما لديهما من األسرار‪ ،‬ومن المسلم أن‬
‫الزوجين لو كشفا عن األسرار الزوجية أمام األجانب لجرح كل منهما‬
‫مشاعر الطرف اآلخر‪ ،‬بحيث لو اضطر الزوجان أن يعودا بحكم‬
‫المحكمة إلى البيت لما عادا إلى ما كانا عليه من الصفاء والمحبة‬
‫السالفة‪ ،‬ولقد دلت التجربة أن الزوجين اللذين يضطران إلى التحاكم إلى‬
‫مثل هذه المحاكم لحل ما بينهما من الخالف لم يعودا ذينك الزوجين‬

‫لبنان ‪ ،‬سنة ‪ ،8001‬ج‪ ،1‬ص‪.114‬‬


‫(‪ )197‬ناصر مكارم شيرازي‪ ،‬األمثل في كتاب هللا المنزل‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار األميرة للنشر‬
‫والتوزيع‪ :‬بيروت ‪ ،‬سنة ‪8005‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.112‬‬
‫‪96‬‬

‫السابقين‪.‬‬
‫‪ ‬أن الحكمين في المحاكم العادية المتعارفة ال يشعران عادة‬
‫بالمسؤولية الكاملة في قضايا الخالف والمنازعات‪ ،‬وال تهمهما كيفية‬
‫انتهاء القضية المرفوعة على المحكمة‪ ،‬في حين أن األمر في محكمة‬
‫الصلح العائلية يختلف عن ذلك لشعور الحكمين بالمسؤوليات الناشئة عن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬أن مثل هذه المحكمة ال تعاني من أية مشكالت‪ ،‬وال تحتاج إلى أي‬
‫ميزانيات باهظة‪ ،‬كالمحاكم العادية‪ ،‬بل تستطيع أن تقوم بأهدافها وتحقق‬
‫أغراضها من دون أي تشريفات‪ ،‬وفي أقل مدة من الزمن‪.‬‬
‫ومع كل هذه الميزات نرى تقصي ار كبي ار في الواقع الستعمال هذا العالج‬
‫سواء من العائالت أو من المحاكم‪ ،‬وليس هذا تقصي ار حديثا‪ ،‬فقد ذكر ابن‬
‫العربي تفريط الناس والقضاة في هذه الناحية المهمة فقال في تفسيره لآلية‬
‫التي تحث على هذا العالج‪( :‬هي من اآليات األصول في الشريعة‪ ،‬ولم‬
‫نجد لها في بالدنا أث ار ؛ بل ليتهم يرسلون إلى األمينة‪ ،‬فال بكتاب هللا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)198‬‬
‫تعالى ائتمروا‪ ،‬وال باألقيسة اجتزوا)‬
‫ويحدث عن تجربته في ذلك فقال ‪(:‬قد ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى‬
‫بعث الحكمين عند الشقاق إال قاض واحد‪ ،‬وال إلى القضاء باليمين مع‬
‫الشاهد إال قاض آخر‪ ،‬فلما وآلني هللا األمر أجريت السنة كما ينبغي‪،‬‬
‫وأرسلت الحكمين‪ ،‬وقمت في مسائل الشريعة كما علمني هللا سبحانه من‬

‫(‪ )198‬أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد عبد القادر عطا‬
‫‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪ -‬لبنان ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.541‬‬
‫‪97‬‬

‫الحكمة واألدب ألهل بلدنا لما غمرهم من الجهالة)(‪.)199‬‬


‫لذلك نرى أن على المحاكم الشرعية استعمال هذه الوسيلة قبل اللجوء‬
‫إلى أي حكم‪ ،‬وقبل توكيل األمر إلى المحامين الذين ال تهمهم عادة إال‬
‫مصالحهم أو مصالح موكليهم في أحسن األحوال‪.‬‬
‫فتقول اآلية الكريمة عندما يظهر النزاع والخالف بين الزوجين فعلى‬
‫األهل أن ال يقفوا مكتوفي األيدي بل يتدخلوا لإلصالح بينهما عن طريق‬
‫ويقربا وجهات النظر‬
‫إيفاد الحكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة ليتفاوضا ّ‬
‫وجهوا حكما من قوم الزوج وحكما من‬
‫فيما بينهما؛ فالفعل (فابعثوا) اي ّ‬
‫قوم الزوجة لينظ ار فيما بينهما‪ ،‬واختُِلف في المخا َ‬
‫طب بإيفاد الحكمين من‬
‫هو؟ قيل هو الحاكم الشرعي الذي يترافع الزوجان عنده كما سنشير إليه‬
‫في البحث الفقهي‪.‬‬
‫كما ذكرت اآلية إن على الحكمين التفاوض بنية حسنة ورغبة‬
‫صادقة في اإلصالح فإنهما إن كانا كذلك أعانهما هللا ووفق بين الزوجين‬
‫بسببهما ويرفع ما بينهما من العداوة والشقاق‪ ،‬وأن كان بعض المفسرين قد‬
‫اعتبر ضمير المثنى في قوله تعالى‪( :‬إن يريدا إصالحا) عائد الى‬
‫الزوجين أي إذا كانت نية الزوجين اإلصالح بدون عناد او لجاج فسوف‬
‫يوفق هللا بينهما‪.‬‬
‫ومن أجل تحذير الحكمين وحثّهما على استخدام حسن النية فإن هللا‬
‫سبحانه يقول في ختام اآلية "إن هللا كان عليماً خبي اًر"‪.‬‬

‫(‪ )199‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.541‬‬


‫‪98‬‬

‫فإنها محكمة تؤسسها العائلة من أجل التوفيق واإلصالح وتعتبر من‬


‫ّ‬
‫مبتكرات اإلسالم العظيمة وتتميز هذه المحكمة بميزات تفتقر اليها‬
‫المحاكم األخرى يمكن إيجازها بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن العمل في هذه المحكمة يكون على أساس المحبة والعاطفة‬
‫بعكس المحاكم الجنائية التي ال تلتفت الى هذا الجانب بل يكون عملها‬
‫على أساس القوانين الجافه الصارمة والخالية من روح العاطفة‪ ،‬لذا يأمرنا‬
‫القرآن ان يكون الحكمان من أهل الزوجين وممن تربطهما بهما رابطة‬
‫النسب والقرابة ليتمكنا من تحريك المشاعر واألحاسيس باتجاه اإلصالح‬
‫بين الزوجين‬
‫ومدعي عليه في حالة الشقاق ؛‬
‫مدعي ّ‬
‫‪ .8‬إن الزوجين باعتبارهما ّ‬
‫فسوف يحاول كل منهما الدفاع عن نفسه مما يؤدي الى كشف كل ما‬
‫لديهما من أسرار‪ ،‬وان كشف تلك األسرار في المحكمة الجنائية وأمام‬
‫الغرباء سوف يؤدي الى الحرج الشديد‪ ،‬وجرح كل منهما مشاعر اآلخر ‪،‬‬
‫فلو حصل الصلح وعادت الحياة الزوجية بينهما فإن الصفاء والمحبة لن‬
‫يبقيا على ما كانا عليه سابقا وسوف يعيشان في المستقبل كشخصين‬
‫غريبين مجبرين على الحياة تحت سقف واحد والقيام بوظائف معينة ‪ ،‬اما‬
‫في محاكم الصلح العائلية فإن الحياء من الحكمين القريبين سوف يمنع‬
‫الزوجين من البوح بأي اسرار ‪ ،‬وحتى لو طرحت بعض األمور فإنها‬
‫تطرح في جو عائلي فال تنطوي على ذلك األثر السيئ ‪.‬‬
‫‪ .4‬الحاكم في المحاكم الجنائية عادة ال يشعر بالمسؤولية الكاملة تجاه‬
‫الزوجين‪ ،‬وال تهمه كيف تنتهي القضية‪ ،‬هل سيعود الزوجان لبعضهما او‬
‫‪99‬‬

‫سينفصالن بالطالق وبالتالي ستنهدم األسرة وتتشتت العائلة‪ ،‬في حين إن‬
‫الحكمين في محكمة الصلح العائلية يهمهما مستقبل العائلة بحكم القرابة‬
‫مما يجعلهما يسعيان جهد إمكانهما لتحقيق السالم والوئام بين الزوجين‬
‫وانقاذ الزواج من االنهيار‪.‬‬
‫‪ .3‬محكمة العائلة ال تحتاج الى ميزانية باهظة وتستطيع القيام بعملها‬
‫وتحقيق اهدافها بأقل ما يمكن من التكاليف المادية‪.‬‬

‫أ‪ .‬من له إرسال الحكمين‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء فيمن يتولى إرسال الحكمين على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الذي له سلطة إرسال الحكمين هو الحاكم أو القاضي‬
‫أو م ن ينوب عنهما ولو بغير رضا الزوجين‪ ،‬وهو قول جمهور العلماء‪،‬‬
‫بل قد نقل اإلجماع على ذلك‪ ،‬قال ابن بطال ‪(:‬أجمع العلماء على أن‬
‫اق َب طيِن ِه َما﴾(النساء‪ )45:‬الحكام وأن‬ ‫ِ ِ‬
‫المخاطب بقوله تعالى‪َ ﴿:‬واِ طن خطفتُ طم شَق َ‬
‫ص َال ًحا ُي َوِّف طق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َب طيَن ُه َما‬ ‫المراد بقوله تعالى‪ ﴿:‬إ طن ُي ِر َيدا إ ط‬
‫﴾(النساء‪)45:‬الحكمان‪ ،‬وأن الحكمين يكون أحدهما من جهة الرجل‬
‫واآلخر من جهة المرأة إال أن ال يوجد من أهلهما من يصلح فيجوز أن‬
‫‪ ،‬ومن األدلة على ذلك(‪:)201‬‬ ‫(‪)200‬‬
‫يكون من األجانب ممن يصلح لذلك)‬
‫عن عمرو بن مرة قال‪ :‬سألت سعيد بن جبير عن الحكمين‪ ،‬فغضب‬
‫وقال‪( :‬ما ولدت‪ :‬إذ ذاك) ‪ :‬فقلت‪ :‬إنما أعني حكمي شقاق‪ ،‬قال‪( :‬إذا‬

‫(‪ )200‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.304‬‬


‫(‪ )201‬الجصاص‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.810‬‬
‫‪100‬‬

‫كان بين الرجل وامرأته درء وتدارؤا بعثوا حكمين فأقبال على الذي جاء‬
‫التدارؤ من قبله فوعظاه‪ ،‬فإن أطاعهما واال أقبال على اآلخر‪ ،‬فإن سمع‬
‫منهما وأقبل إلى الذي يريدان واال حكما بينهما‪ ،‬فما حكما من شيء فهو‬
‫جائز) وعنه في المختلعة‪( :‬يعظها فإن انتهت واال هجرها واال ضربها‪،‬‬
‫فإن انتهت واال رفع أمرها إلى السلطان‪ ،‬فيبعث حكما من أهلها وحكما‬
‫من أهله‪ ،‬فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل كذا ويفعل كذا‪ ،‬ويقول الحكم‬
‫الذي من أهله تفعل به كذا وتفعل به كذا‪ ،‬فأيهما كان أظلم رده إلى‬
‫السلطان وأخذ فوق يده‪ ،‬وان كانت ناش اًز أمروه أن يخلع)‪.‬‬
‫أن األولى في اآلية التي نصت على الحكمين أن يكون الخطاب فيها‬
‫للحاكم الناظر بين الخصمين والمانع من التعدي والظلم وذلك ؛ ألنه قد‬
‫بين أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها باهلل ثم بهجرانها في المضجع إن‬
‫لم تنزجر ثم بضربها إن أقامت على نشوزها‪ ،‬ثم لم يجعل بعد الضرب‬
‫للزوج إال المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه‬
‫حكمه عليهما‪.‬‬
‫القياس على العنين والمجبوب واإليالء ألن الحاكم هو الذي يتولى‬
‫النظر في ذلك والفصل بينهما بما يوجبه حكم هللا‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن المكلف بإرسال الحكمين هم األولياء برضى‬
‫الزوجين‪ ،‬أو الزوجان نفسهما‪ ،‬فالحكمان في هذا القول وكيالن عن‬
‫الزوجين‪ ،‬وهو قول الشافعي‪ ،‬ويدل على ذلك قوله‪(:‬وجدت هللا أذن في‬
‫نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫ذلك‪ ،‬وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن ال يقيما حدود‬
‫‪101‬‬

‫هللا بالخلع‪ ،‬ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ لرجل‬
‫مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج‪ ،‬فلما أمر فيمن خفنا‬
‫الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم األزواج‬
‫غيرهما‪ ..‬فإذا كان هذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها وال يبعث‬
‫الحكمان إال مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو‬
‫‪.‬‬ ‫يفرقا إذا رأيا ذلك)‬
‫(‪)202‬‬

‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو أن كل ذلك يجوز‪ ،‬فيجوز للزوجين‬
‫في حال الشقاق أن يختا ار من يوكالنه في النظر في الشقاق الحاصل‬
‫بينهما‪ ،‬ويستطيع األهل فعل ذلك‪ ،‬بل يستطيع األجانب المقربون إن أروا‬
‫في تدخلهم مصلحة أن يوكلوا من يحكم بينهما‪ ،‬وهذا بناء على ما سنذكره‬
‫من أنه ليس للحكمين التفريق بين الزوجين‪ ،‬أما على القول بذلك‪ ،‬فإن‬
‫األرجح هو ما ذكره أصحاب القول األول‪.‬‬
‫ب‪ .‬شروط الحكمين‪:‬‬
‫اشترط الفقهاء في الحكمين شروطا اتفقوا في بعضها واختلفوا في‬
‫البعض اآلخر‪ ،‬وهي كثيرة يمكن حصرها في الشروط التالية(‪:)203‬‬

‫(‪ )202‬أبو عبد هللا محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬األم‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار المعرفة‪ :‬بيروت‪ ،‬سنة‬
‫‪1110‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.183‬‬
‫(‪ )203‬أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي‬
‫األندلسي‪ ،‬المنتقى شرح الموطأ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة السعادة‪ :‬مصر‪ ،‬سنة ‪1448‬ه ‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص‪.114‬‬
‫‪102‬‬

‫‪ .1‬األهلية الكاملة‪:‬‬
‫ونقصد بها أهلية التكليف من العقل والبلوغ‪ ،‬فال يجوز تحكيم الصغير‬
‫والمجنون‪ ،‬باإلضافة إلى أنواع األهلية األخرى التي تكتمل بها األهلية‬
‫الشرعية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ o‬اإلسالم‪ ،‬فال يحكم غير المسلم في المسلم‪ ،‬ألن الغرض من التحكيم‬
‫هو رد الزوجين إلى شرع هللا‪ ،‬وال يكون ذلك إال من مسلم متمكن في‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ o‬العدالة‪ ،‬وقد مر تفسيرها ووجه اشتراطها سابقا‪ ،‬ويشتد اشتراطها في‬
‫الحكمين‪.‬‬
‫‪ o‬العلم بأحكام التحكيم‪ ،‬وهو أهم الشروط لتعلق التحكيم بالمعرفة‬
‫باألحكام الشرعية المرتبطة بهذا الجانب‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يكونا من أهل الزوجين‪:‬‬
‫الواجب األصلي في الحكمين أن يكونا من أهل الزوجين(‪ ،)204‬ألن‬
‫األهل أعرف بأحوال الزوجين‪ ،‬وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما‪ ،‬قال‬
‫الجصاص‪( :‬وانما أمر هللا تعالى بأن يكون أحد الحكمين من أهلها‬
‫واآلخر من أهله لئال تسبق الظنة إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما‪،‬‬
‫فإذا كان أحدهما من قبله واآلخر من قبلها زالت الظنة وتكلم كل واحد‬
‫منهما عمن هو من قبله)(‪.)205‬‬

‫(‪ )204‬وهو قول المالكية‪ ،‬وهو ما نص عليه القرآن الكريم‪ ،‬والقول الثاني ان ذلك على سبيل‬
‫الندب ال الوجوب‪.‬‬
‫(‪ )205‬الجصاص‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.810‬‬
‫‪103‬‬

‫فإن لم يكن لهما أهل‪ ،‬أو لم يكن فيهم من يصلح لذلك لعدم العدالة‪،‬‬
‫فإن المرسل يختار حكمين عدلين من المسلمين لهما أو ألحدهما كيفما‬
‫كان عدم الحكمين منهما أو من أحدهما‪ ،‬ويستحب أن يكونا جارين؛ وهذا‬
‫ألن الغرض من الحكمين معلوم‪ ،‬والذي فات بكونهما من أهلهما يسير‪،‬‬
‫فيكون األجنبي المختار قائما مقامهما‪ ،‬وربما كان أوفى منهما(‪.)206‬‬
‫‪ .3‬الذكورة‪:‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في اشتراطها على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬اشتراط الذكورة في الحكمين‪ ،‬وهو قول المالكية والشافعية‬
‫في مقابل األظهر‪ ،‬والحنابلة في القول الثاني‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأن‬
‫الحكمين هنا حاكمان‪ ،‬وال يجوز جعل المرأة عندهم حاكما‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬عدم اشتراط الذكورة‪ ،‬وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة عدم اشتراط الذكورة لعدم ورود الدليل‬
‫النصي الذي يشترطها‪ ،‬وألن الغرض الشرعي من التحكيم هو اإلصالح‬
‫بين الزوجين‪ ،‬وذلك قد يتحقق أحيانا من المرأة أكثر من الرجل‪ ،‬ولكنه في‬
‫حال اختيار الحكمين للتفريق‪ ،‬فاألولى أن ال يقتصر في التحكيم على‬
‫النساء‪ ،‬لما سنراه في أحكام الطالق‪.‬‬
‫‪ .4‬عدد الحكام‪:‬‬
‫نص الفقهاء على أنه يجزئ إرسال حكم واحد‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأن‬

‫(‪ )206‬ابن العربي‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.538‬‬


‫‪104‬‬

‫هللا تعالى حكم في الزنى بأربعة شهود‪ ،‬ومع ذلك أرسل ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪-‬إلى المرأة الزانية أنيسا وحده‪ ،‬وقال له‪ :‬إن اعترفت فارجمها‪.‬‬
‫قال الباجي‪(:‬ولو جعل الزوجان ذلك إلى رجل واحد جاز إذا كان من‬
‫أهل الحكم قاله ابن القاسم في المدونة‪ ،‬قال القاضي أبو الوليد ‪-‬رضي هللا‬
‫عنه ‪ :-‬ووجه ذلك عندي أن يكون من جهة الزوجين‪ ،‬ألن الحق في ذلك‬
‫ال يخرج عنهما وال يجوز للسلطان وال لولي اليتيمين‪ ،‬ألن في ذلك إسقاطا‬
‫لحق الزوجين وال يجوز ذلك في جزاء الصيد‪ ،‬ألنه حق هلل‪ ،‬ولم يأمر فيه‬
‫إال بحكمين)(‪.)207‬‬
‫‪ .5‬أهلية الزوجين‪:‬‬
‫أن يكون الزوجان كاملي األهلية راشدين‪ ،‬وذلك في حال كون الحكمين‬
‫موكلين من الزوجين بالتفريق‪ ،‬لما في ذلك من احتمال رد بعض المهر‪،‬‬
‫أو التفريق من غير سبب كاف‪ ،‬فلذلك لو وكل الزوجان الحكمين‬
‫بالتفريق‪ ،‬ثم جن أحدهما أو أغمي عليه قبل التفريق‪ ،‬لغا التوكيل‪ ،‬ولم‬
‫يكن للحكمين غير التوفيق‪ ،‬فإن غاب أحد الزوجين قبل التفريق لم ينعزل‬
‫الحكمان‪ ،‬ويكون لهما التفريق في غيبته ؛ ألن الغيبة ال تبطل الوكالة‪،‬‬
‫بخالف الجنون واإلغماء‪.‬‬
‫جـ‪ .‬دور الحكمين‪:‬‬
‫يمكن تلخيص دور الحكمين ـ على ما نص عليه الفقهاء ـ في األدوار‬
‫الثالثة التالية‪:‬‬

‫(‪ )207‬الباجي‪ ،‬المنتقى في شرح الموطأ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.113‬‬


‫‪105‬‬

‫‪ .1‬التحقيق في الظالم من الزوجين‪:‬‬


‫‪ ،‬وهي أن يخلو الحكم من أهل الزوج‬ ‫(‪)208‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء طريقة ذلك‬
‫به‪ ،‬ويقول له‪ :‬أخبرني بما في نفسك أتهواها أم ال حتى أعلم مرادك؟ فإن‬
‫قال ال حاجة لي فيها خذ لي منها ما استطعت‪ ،‬وفرق بيني وبينها‪،‬‬
‫فيعرف أن من قبله النشوز‪ ،‬وان قال إني أهواها فأرضها من مالي بما‬
‫شئت وال تفرق بيني وبينها‪ ،‬فيعلم أنه ليس بناشز‪.‬‬
‫ويخلو الحكم من جهتها بالمرأة ويقول لها أتهوى زوجك أم ال؟ فإن‬
‫قالت‪ :‬فرق بيني وبينه‪ ،‬وأعطه من مالي ما أراد‪ ،‬فيعلم أن النشوز من‬
‫قبلها وان قالت‪ :‬ال تفرق بيننا ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي ويحسن‬
‫إلي علم أن النشوز ليس من قبلها‪.‬‬
‫‪ .2‬الوعظ والزجر‪:‬‬
‫إذا ظهر لهما الناشز من الزوجين يقبالن عليه بالعظة والزجر والنهي‬
‫واإلمهال إلى أن يصطلحا‪ ،‬وقد روي أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة‬
‫بنت عتبة بن ربيعة فكان إذا دخل عليها تقول‪ :‬يا بني هاشم وهللا ال‬
‫يحبكم قلبي أبدا‪ ،‬أين الذين أعناقهم كأباريق الفضة ترد أنوفهم قبل‬
‫شفاههم؟ أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة؟ فيسكت عنها حتى دخل‬
‫عليها يوما وهو برم‪ ،‬فقالت له‪ :‬أين عتبة بن ربيعة؟ فقال‪ :‬على يسارك‬
‫في النار إذا دخلت‪ ،‬فنشرت عليها ثيابها فجاءت عثمان‪ ،‬فذكرت له ذلك‬

‫(‪ )208‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين‬
‫القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن "تفسير القرطبي" ‪ ،‬تحقيق ‪:‬أحمد البردوني وابراهيم أطفيش‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ :‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪1163‬م‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪.115‬‬
‫‪106‬‬

‫فأرسل ابن عباس ومعاوية‪ ،‬فقال ابن عباس‪ :‬ألفرقن بينهما وقال‪ :‬معاوية‬
‫ما كنت ألفرق بين شيخين من بني عبد مناف‪ ،‬فأتياهما فوجداهما قد سدا‬
‫عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما(‪.)209‬‬
‫فإن وج داهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في األلفة‬
‫جهدهما وذك ار باهلل وبالصحبة‪ ،‬فإن أنابا ورجعا تركاهما وان كانا غير ذلك‬
‫ورأيا الفرقة فرقا بينهما‪.‬‬
‫‪ .3‬التفريق بين الزوجين‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في تمكين الحكمين من التفريق بين الزوجين على‬
‫قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ل يس لهما ذلك ما لم يوكلهما الزوج في ذلك‪ ،‬ثم يعرفا‬
‫اإلمام بقرارهما‪ ،‬وذلك بناء على أنهما رسوالن شاهدان‪ ،‬ثم اإلمام يفرق إن‬
‫‪ ،‬وأحد قولي‬ ‫(‪)210‬‬
‫أراد ويأمر الحكم بالتفريق‪ ،‬وهو قول الحنفية‬
‫الشافعي(‪ ،)211‬وهو قول عطاء وابن زيد والحسن وأبي ثور‪ ،‬وهو قول‬

‫(‪ )209‬تفسير القرطبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .116‬تفسير ابن كثير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.313‬‬
‫(‪ )210‬وقد زعم بعضهم أن أبا حنيفة وأصحابه لم يعرفوا أمر الحكمين لقولهم هذا‪ ،‬وقد رد عليه‬
‫الجصاص بقوله ‪ «:‬هذا تكذب عليهم ‪ ،‬وما أولى باإلنسان حفظ لسانه ال سيما فيما يحكيه‬
‫عن العلماء‪ ..‬وأمر الحكمين في الشقاق بين الزوجين منصوص عليه في الكتاب ‪ ،‬فكيف‬
‫يجوز أن يخفى عليهم مع محلهم من العلم والدين والشريعة ولكن عندهم أن الحكمين ينبغي‬
‫أن يكونا وكيلين لهما ‪ ،‬أحدهما وكيل المرأة واآلخر وكيل الزوج» أحكام القرآن للجصاص‪:‬‬
‫‪.810/1‬‬
‫(‪ )211‬للشافعي في المسألة قوالن هما‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنهما وكيالن فال يملكان التفريق إال بإذنهما الن الطالق إلى الزوج وبذل‬
‫المال إلى الزوجة فال يجوز إال بإذنهما‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫الظاهرية‪ ،‬قال ابن حزم ‪(:‬إذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما‬
‫من أهله ‪ ،‬وحكما من أهلها عن حال الظالم منهما ‪ ،‬وينهيا إلى الحاكم ما‬
‫وقفا عليه من ذلك ‪ ،‬ليأخذ الحق ممن هو قبله ‪ ،‬ويأخذ على يدي الظالم‬
‫‪ ،‬واستدلوا‬ ‫(‪)212‬‬
‫‪ ،‬وليس لهما أن يفرقا بين الزوجين ‪ ،‬ال بخلع‪ ،‬وال بغيره)‬
‫على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫ص َال ًحا ُي َوِّف طق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللاُ َب طيَن ُه َما‬ ‫‪ -‬أن هللا تعالى قال‪ ﴿:‬إ طن ُي ِر َيدا إ ط‬
‫﴾(النساء‪ )45:‬ولم يقل‪ :‬إن يريدا فرقة‪ ،‬وانما يوجه الحكمان‬
‫ليعظا الظالم منهما وينك ار عليه ظلمه واعالم الحاكم بذلك ليأخذ‬
‫هو على يده‪ ،‬قال ابن حزم ‪(:‬إنما رد عز وجل هذا الصلح إلى‬
‫اختيار الزوجين‪ ،‬ال إلى غيرهما‪ ،‬وعليهما‪ ،‬وال يعرف في اللغة‪،‬‬
‫وال في الشريعة‪ :‬أصلحت بين الزوجين ‪-‬أي طلقتها عليه)(‪.)213‬‬
‫‪ -‬أن عليا ‪-‬رضي هللا عنه ‪-‬لما قال لهم‪ :‬ابعثوا حكما من أهله‬
‫وحكما من أهلها‪ ،‬والزوجان حاضران‪ ،‬إنما خاطب به الزوجين أو‬
‫من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما‬
‫قال‪.‬‬
‫‪ -‬أنه لو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بال وكالة الزوج ما‬
‫احتاج علي ‪-‬رضي هللا عنه ‪-‬إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث‬

‫القول الثاني‪ :‬هما حاكمان فلهما أن يفعال ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير‬
‫عوض‪ ،‬انظر‪ :‬المهذب‪.10/8 :‬‬
‫(‪ )212‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي القرطبي الظاهري‪ ،‬المحلى‬
‫باآلثار‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ نشر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.836‬‬
‫(‪ )213‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.831‬‬
‫‪108‬‬

‫هو‪ ،‬ولقال للزوج‪ :‬إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك‪ ،‬وان لم تأذن‬
‫به ولم يحلف ال يمضي الحكمان حتى يقر‪ ،‬ولو كان للحاكم جبر‬
‫الزوجين على أن يوكال كان له أن يمضيه بال أمرهما‪.‬‬
‫‪ -‬أن األصل المجتمع عليه أن الطالق بيد الزوج أو بيد من جعل‬
‫ذلك إليه‪.‬‬
‫‪ -‬أنه ال خالف أن الزوج لو أقر باإلساءة إليها لم يفرق بينهما ولم‬
‫يجبره الحاكم على طالقها قبل تحكيم الحكمين‪ ،‬وكذلك لو أقرت‬
‫المرأة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على خلع وال على رد مهرها ؛‬
‫فإذا كان كذلك حكمهما قبل بعث الحكمين فكذلك بعد بعثهما ال‬
‫يجوز إيقاع الطالق من جهتهما من غير رضى الزوج وتوكيله‬
‫وال إخراج المهر عن ملكها من غير رضاها ؛ فلذلك ال يجوز‬
‫خلعهما إال برضى الزوجين‪.‬‬
‫‪ -‬أن الحاكم ال يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان؟ وانما الحكمان‬
‫وكيالن لهما أحدهما وكيل المرأة واآلخر وكيل الزوج في الخلع أو‬
‫في التفريق بغير جعل إن كان الزوج قد جعل إليه ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أنه قد يحكم الرجالن حكما في خصومة بينهما ويكون بمنزلة‬
‫الوكيل لهما فيما يتصرف به عليهما‪ ،‬فإذا حكم بشيء لزمهما‪،‬‬
‫بمنزلة اصطالحهما على أن الحكمين في شقاق الزوجين ليس‬
‫يغادر أمرهما من معنى الوكالة شيئا ؛ وتحكيم الحكم في‬
‫الخصومة بين رجلين يشبه حكم الحاكم من وجه ويشبه الوكالة‬
‫من وجه آخر‪ ،‬والحكمان في الشقاق إنما يتصرفان بوكالة‬
‫‪109‬‬

‫محضة كسائر الوكاالت‪.‬‬


‫‪ -‬أنه يجوز أن يكونا سميا حكمين لقبول قولهما عليهما‪ ،‬وجائز أن‬
‫يكونا سميا بذلك ؛ ألنهما إذا خلعا بتوكيل منهما وكان ذلك‬
‫موكوال إلى رأيهما وتحريهما للصالح سميا حكمين‪ :‬ألن اسم‬
‫الحكم يفيد تحري الصالح فيما جعل إليه وانفاذ القضاء بالحق‬
‫والعدل‪ ،‬فلما كان ذلك موكوال إلى رأيهما وأنفذا على الزوجين‬
‫حكما من جمع أو تفريق مضى ما أنفذاه فسميا حكمين من هذا‬
‫الوجه‪ .‬فلما أشبه فعلهما فعل الحاكم في القضاء عليهما بما وكال‬
‫به على جهة تحري الخير والصالح وسميا حكمين‪ ،‬ويكونان مع‬
‫ذلك وكيلين لهما ؛ إذ غير جائز أن تكون ألحد والية على‬
‫الزوجين من خلع أو طالق إال بأمرهما‪.‬‬
‫‪ -‬أن هللا تعالى حظر على الزوج أخذ شيء مما أعطاها إال على‬
‫شريطة الخوف منهما أال يقيما حدود هللا‪ ،‬فأباح حينئذ أن تفتدي‬
‫بما شاءت وأحل للزوج أخذه فكيف يجوز للحكمين أن يوقعا خلعا‬
‫أو طالقا من غير رضاهما‪.‬‬
‫‪ -‬أن هللا تعالى نص على أنه ال يحل له أخذ شيء مما أعطى إال‬
‫بطيبة م ن نفسها وال أن تفتدي به فالقائل بأن للحكمين أن يخلعا‬
‫بغير توكيل من الزوج مخالف لنص الكتاب‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿:‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫طكلُوا أ طَم َواَل ُك طم َب طيَن ُك طم ِباطلَباط ِل ِإ َّال أ ط‬
‫َن تَ ُكو َن‬ ‫آم ُنوا َال تَأ ُ‬
‫ين َ‬
‫الذ َ‬ ‫َياأَي َها‬
‫اض ِم طن ُك طم ﴾(النساء‪ )81:‬فمنع كل أحد أن يأكل مال‬ ‫َع طن تََر ٍ‬ ‫ِت َج َارًة‬
‫طكُلوا أ طَم َواَل ُك طم َب طيَن ُك طم‬
‫غيره إال برضاه‪ .‬وقال هللا تعالى‪َ ﴿:‬وَال تَأ ُ‬
‫‪110‬‬

‫اس ِب طِ‬
‫اإل طث ِم‬ ‫الن ِ‬ ‫طكُلوا َف ِريًقا ِم طن أَمو ِ‬
‫ال َّ‬ ‫ِباطلب ِ‬
‫اط ِل َوتُطدُلوا ِب َها ِإَلى اطل ُح َّكا ِم ِلتَأ ُ‬
‫طَ‬ ‫َ‬
‫َوأ طَنتُ طم تَ طعَل ُمون﴾(البقرة‪ ،)122:‬فأخبر تعالى أن الحاكم وغيره سواء‬
‫في أنه ال يملك أخذ مال أحد ودفعه إلى غيره‪ ،‬فثبت بذلك أن‬
‫الحاكم ال يملك أخذ مالها ودفعه إلى زوجها‪ ،‬وال يملك إيقاع‬
‫طالق على الزوج بغير توكيله وال رضاه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن تفريقهما بين الزوجين جائز‪ ،‬سواء وافق حكم الحاكم‬
‫أو خالفه‪ ،‬وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكالهما واعتبروا أن الفراق في‬
‫ذلك طالق بائن‪ ،‬وهو قول مالك(‪ ،)214‬والشافعي واألوزاعي واسحاق وروي‬
‫عن عثمان وعلي وابن عباس وعن الشعبي والنخعي‪ ،‬واستدلوا على ذلك‬
‫بما يلي‪:‬‬
‫َهلِ َها‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬أن هللا تعالى قال‪َ ﴿:‬فابعثُوا حكما ِمن أ ِ ِ‬
‫َهله َو َح َك ًما م طن أ ط‬
‫ًََ ط ط‬ ‫طَ‬
‫﴾(النساء‪ ،)45:‬وهو نص من هللا تعالى بأنهما قاضيان ال‬
‫وكيالن وال شاهدان وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى وللحكم اسم‬
‫في الشريعة ومعنى‪.‬‬
‫‪ -‬روي أنه جاء رجل وامرأة إلى علي ‪-‬رضي هللا عنه ‪-‬مع كل‬
‫واحد منهما فئام من الناس‪ ،‬فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما‬
‫من أهلها‪ ،‬وقال للحكمين‪ :‬هل تدريان ما عليكما‪ ،‬عليكما إن‬

‫(‪ )214‬نص المالكية على أنه إذا كانت اإلساءة من قبل الزوج فرق بينهما ‪ ،‬وان كانت من قبل‬
‫المرأة ائتمناه عليها ‪ ،‬وان كانت منهما فرقا بينهما على بعض ما أصدقها‪ ،‬وال يستوعبانه له ‪،‬‬
‫وعنده بعض الظلم ‪ ،‬رواه محمد عن أشهب ‪ ،‬وهو تفسيرهم لقوله تعالى‪ ) :‬فإن خفتم أال‬
‫يقيما حدود هللا فال جناح عليهما فيما افتدت به ﴾ انظر‪ :‬أحكام القرآن البن العربي‪.531/1:‬‬
‫‪111‬‬

‫رأيتما أن تفرقا فرقتما‪ ،‬فقالت المرأة‪ :‬رضيت بكتاب هللا بما علي‬
‫فيه ولي‪ ،‬وقال الزوج‪ :‬أما الفرقة فال‪ ،‬فقال علي‪ :‬كذبت وهللا ال‬
‫تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به)‪ ،‬ووجه داللة هذه الحادثة‬
‫أنهما لو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما أتدريان ما عليكما‬
‫إنما كان يقول أتدريان بما وكلتما‪.‬‬
‫‪ -‬عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه ‪-‬قال‬
‫في الحكمين‪( :‬إن إليهما الفرقة بينهما‪ ،‬واالجتماع)‪ ،‬قال مالك‪:‬‬
‫وذلك أحسن ما سمعت من أهل العلم أن الحكمين يجوز قولهما‬
‫بين الرجل وامرأته في الفرقة‪ ،‬واالجتماع‪.‬‬
‫‪ -‬أن طالق الحكمين من باب طالق السلطان على المولى والعنين‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو أن الدور األساسي للحكمين هو‬
‫التحقيق في أسباب الشقاق بين الزوجين ومعرفة المتهم منهما‪ ،‬زيادة على‬
‫معرفة رغبة كليهما في البقاء أو التفريق‪.‬‬
‫والقصد من هذه المعرفة هو تلمس السبل لإلصالح من ناحية‪ ،‬وابالغ‬
‫الحاكم بالحالة في حال تعذر اإلصالح من ناحية ثانية‪ ،‬أما االستبداد‬
‫بالتفريق فليس لهما ذلك سدا لهذه األبواب كما سنرى مقصد الشارع من‬
‫ذلك في األجزاء التالية‪.‬‬
‫وقد قال الجصاص ملخصا هذه األدوار ‪(:‬فهما في حال شاهدان‪ ،‬وفي‬
‫حال مصلحان وفي حال آمران بمعروف وناهيان عن منكر ووكيالن في‬
‫حال إذا فوض إليهما الجمع والتفريق‪ .‬وأما قول من قال إنهما يفرقان‬
‫‪112‬‬

‫ويخلعان من غير توكيل من الزوجين‪ ،‬فهو تعسف خارج عن حكم الكتاب‬


‫‪.‬‬ ‫والسنة)‬
‫(‪)215‬‬

‫اختالف الحكمين‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء القائلون بقدرة الحكمين على التفريق على أن الحكمين إذا‬
‫اختلفا لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شيء إال ما اجتمعا عليه‪ ،‬وكذلك‬
‫في كل حكم حكما به في أمر‪ ،‬فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها‬
‫اآلخر أو حكم أحدهما بمال وأبى اآلخر فال يقبل منهما حتى يتفقا‪ ،‬وقد‬
‫اختلف قول المالكية فيما لو اختلف الحكمان‪ ،‬فحكم أحدهما بواحدة‪،‬‬
‫واآلخر بثالث فقال عبد الملك‪ :‬ينفذ الواجب‪ ،‬وهي الواحدة التي اتفقا‬
‫عليها ويلغو ما زاد‪ .‬وقال ابن حبيب‪ :‬ال ينفذ شيء‪ ،‬ألنهما اختلفا‪ .‬وقال‬
‫محمد‪ :‬ال ينفذ شيء مثل قول ابن حبيب‪ .‬ولو طلق أحدهما طلقة واآلخر‬
‫طلقتين فعلى قول ابن القاسم تلزمه طلقتان(‪.)216‬‬
‫نوع التفريق(‪:)217‬‬

‫اختلف الفقهاء القائلون بقدرة الحكمين على التفريق في نوع التفريق‬


‫الذي يحكم به الحكمان على الرأيين التاليين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬لزوم طلقة واحدة‪ ،‬وهو قول مالك وابن القاسم‪ ،‬قال مالك‬
‫في الحكمين يطلقان ثالثا‪ :‬تلزم واحدة وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة‬

‫(‪ )215‬أحكام القرآن للجصاص‪.811/1 :‬‬


‫(‪ )216‬أحكام القرآن البن العربي‪.538/1 :‬‬
‫(‪ )217‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪، 1‬ص‪.335‬‬
‫‪113‬‬

‫بائنة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تلزمه الثالث إن اجتمعا عليها وهو قول المغيرة وأشهب‬
‫وابن الماجشون وأصبغ وقول البن القاسم‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأن المعنى‬
‫الذي ألجله وقع الطالق هو الشقاق‪ ،‬ولو شرعت فيه الرجعة لعاد الشقاق‪،‬‬
‫كما كان أول مرة‪ ،‬فلم يكن ذلك يفيد شيئا‪ ،‬فامتنعت الرجعة ألجله‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من أنه ال يحق لهما‬
‫التفريق بحال‪ ،‬فإن قيل بذلك‪ ،‬فإنه فسخ ال طالق‪ ،‬ألن الطالق ال يكون‬
‫إال من الرجل‪ ،‬وبقصد منه‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مسألة الشقاق بين الزوجين في القانون المدني‬


‫الليبي‬

‫وقد تطرق القانون المدني الليبي في قانون المرافعات المدنية والتجارية‬


‫في بابه الرابع في الفصل الثاني حيث جاء في المادة رقم (‪ )118‬ما‬
‫نصه‪ " :‬في حالة الشقاق بين الزوجين إذا عجزت المحكمة عن اإلصالح‬
‫بينهما فإنها تبعث حكمين للتوفيق بينهما"‪.‬‬
‫شرع أعطى صالحيات للمحكمة‬
‫نص المادة أن الم ّ‬
‫وهذا واضح من ّ‬
‫بأن تبعت حكمين لمحاولة اإلصالح بين الزوجين‪ ،‬إذا عجزت عن‬
‫اإلصالح بينهما‪ ،‬وازالة الشقاق والتوفيق بينهما‪.‬‬
‫وتأتي المادة التي بعدها لتبين شروط المحكين وترسم الطريق‬
‫للمحكمة بقولها‪" :‬يشترط في المحكمين أن يكونا رجلين عدلين من أهل‬
‫‪114‬‬

‫الزوجين إن أمكن واال فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على‬
‫اإلصالح بينهما"‪.‬‬
‫المشرع مسلك الشريعة االسالمية بخصوص إصالح ذات‬
‫ّ‬ ‫هنا قد سلك‬
‫البين بين الزوجين عن ط ـ ـ ـريق الحكمين وهذا شيء جيد‪ ،‬ولكن عند ع ـ ــدم‬
‫وجود الحكمين من أهل ال ـ ــزوج والزوجة‪ ،‬فسوف تنتدب المحكمة خ ـ ــبراء‬

‫من العاملين لديها‪ ،‬وغ ـ ــالباً يكونون غير ّ‬


‫جديين بأمر اإلصالح‪ ،‬ألن‬
‫األمر ال يعنيهما من الناحية االجتم ـ ــاعية‪ ،‬الى جانب االجراءات الروتينية‬
‫الطويلة في المحاكم التي تؤدي الى عدم تحقيق النتائج المرجوة‪ ،‬إن لم‬
‫تسبب في تفاقم األزمة بسبب استمرار الخالف والشقاق مع مرور األيام‪.‬‬
‫أما المادة (‪ )113‬فتقول‪" :‬على الحكمين أن يتعرفا اسباب الشقاق بين‬
‫الزوجين ويبذال جهدهما في اإلصالح إن أمكن على طريقة معينة قرراها"‪.‬‬
‫وقد بينت هذه المادة أن مهمة الحكمين هي االص ـ ــالح وع ـ ــليهما أن‬
‫يجتهدا فيه‪ ،‬وان يبذال قصارى جهدهما‪ ،‬فاذا ت ـ ــعذر عليهما ذلك‪ ،‬يرفعان‬
‫تقري اًر الى الق ـ ــاضي يبينان فيه ذلك‪ ،‬ك ـ ــما يبينان فيه نسبة تقصير كل‬
‫م ـ ــن الزوج والزوجة‪ ،‬وعلى اساس ه ـ ــذا التقصير يسقط المق ـ ــدار من‬
‫المهر المؤجل للزوجة‪ ،‬وهذا ما بينته المادة (‪ )115‬بقولها " إذا عجز‬
‫المحكمان عن إصالح بين الزوجين وكانت اإلساءة من الزوج أو منهما‬
‫أو من جهل الحال قر ار التفريق بطلقة بائنة بعوض أو بغير عوض"‪.‬‬
‫فمن المعلوم أن األمر ال يقف عند قرار الحكمين‪ ،‬فالبد أن قاضي‬
‫المحكمة سيضمن في حكمه ما جاء في قرار الحكمين‪ ،‬وبذلك يكون حكم‬
‫المحكمة ملزماً للزوجين‪ ،‬ويجب على الحكمين أن يصلحا ما استطاعا‬
‫‪115‬‬

‫بين الزوجين‪ ،‬فإن تعذر اإلصالح حكما بالطالق‪ ،‬ويكون الطالق طلقة‬
‫واحدة بائنة بينونة صغرى إذا كانت األولى أو الثانية‪ ،‬واذا كانت الثالثة‬
‫فهي بينونة كبرى‪ ،‬واذا أوقع الحكمان الطالق بالثالث فال يلزم الزوج إال‬
‫طلقة واحدة؛ ألن الزائد على الواحدة خارج عن معنى اإلصالح‪.‬‬
‫وأما ما يترتب على قرار الحكمين من التفريق بعوض أو بغير عوض‬
‫ففيه التفصيل االتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ـ ـ أن يطلقا بال خلع أي بال مال يأخذانه من الزوجة للزوج‪ ،‬وذلك‬
‫إذا كانت اإلساءة من الزوج‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ـ أن يطلقا بخلع أي مال تدفعه الزوجة للزوج بحسب ما يراه‬
‫الحكمين ويتم االتفاق عليه وذلك إن كانت اإلساءة من الزوجة‪ ،‬أو يأم ار‬
‫الزوج بالصبر عليها وعدم معاملتها بالضرر الواقع منها‪ ،‬إذا اقتضى‬
‫نظرهما ذلك‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ـ ـ أن يتعين الطالق بدون خلع‪ ،‬إذا لم ترض الزوجة بالمقام مع‬
‫الزوج‪ ،‬وذلك إذا كانت اإلساءة منهما معاً‪ ،‬وكان كل واحد منهما يضر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)218‬‬
‫بصاحبه‬
‫ويبدو أن المشرع الليبي يعول كثي اًر على خيار التحكيم‪ ،‬وهو محق في‬
‫ذلك‪ ،‬إال ان هذا الحرص ومع شديد األسف ال يتناسب مع ما موجود‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬وفي أروقة المحاكم‪ ،‬وحالة التحكيم الروتينية من حيث‬
‫عدم االختيار الجيد‪ ،‬ودّقة المواصفات والكفاءة‪ ،‬وعدم أهلية بعض‬

‫(‪ )218‬الحبيب بن طاهر‪ ،‬الفقه المالكي وأدلته‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬دار ابن حزم‪ :‬بيروت‪ ،‬دون تاريخ‬
‫نشر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.446‬‬
‫‪116‬‬

‫المحكمين ألداء هذه المهمة الحساسة‪.‬‬


‫وهذا جميع ًا؛ يؤكد دور االصالح والوساطة على جميع االصعدة‪ ،‬ألن‬
‫الخالفات دائماً قابلة للحل‪ ،‬السيما بعد أن تهدأ عاصفة المواجهات‬
‫الكالمية والمواقف المتسرعة بعد فترة من الزمن‪ ،‬وسعي أهل الخير‬
‫والصالح ووجهاء القوم‪ ،‬من خالل المساعي الحميدة‪ ،‬وكذلك رغبة‬
‫الزوجين باإلصالح والحفاظ على كيان األسرة والعالقة الزوجية‪.‬‬
‫ومن حيث الجانب العملي في الدعوى المقيدة بالسجل العام تحت رقم‬
‫‪ ، 8010/163‬ورقم الحكم ‪8010/883‬م‪ ،‬في محكمة قصر بن غشير‬
‫الجزئية في الدائرة الشرعية الثانية ‪ ،‬جاء فيها ما يلي ‪" :‬وبالنداء على‬
‫الخصوم فقد حضر المدعي شخصيا وهو الزوج رفقة دفاعه بموجب‬
‫توكيل أرفق باألوراق‪ ،‬وحضرت المدعية عليها وهي الزوجة رفقة دفاعها‬
‫بموجب تفويض أرفق باألوراق‪ ،‬وتمسك المدعي بصحيفة الدعوى‪ ،‬وطلب‬
‫إحالة الدعوى للحكمين ودفاع المدعي عليها ال مانع من إحالة الدعوى‬
‫للحكمين‪ ،‬فقررت المحكمة تأجيل الجلسة إلى أن يرفع الحكمين قرارهما‬
‫إلى المحكمة إما باإلصالح أو التفريق‪ ،‬وفي الجلسة التالية قامت‬
‫المحكمة بالنداء على الخصوم‪ ،‬فحضر المدعي شخصياً‪ ،‬وحضرت‬
‫المدعى عليها رفقة دفاعها السابق‪ ،‬وطلب المدعي تأجيل الجلسة إلى أن‬
‫يحضر محامي ‪ ،‬ودفاع المدعي عليها اعترض بأن الدعوى كانت مؤجلة‬
‫لحضور الحكمين‪ ،‬وذكر بأن حكم المدعي عليها موجود خارج القاعة‪،‬‬
‫والمحكمة عرضت الصلح على المدعي فرفض الصلح‪.‬‬
‫وبالنداء على َح َكم المدعي عليها وأخذ بياناته‪ ،‬وحلف اليمين القانوني‪،‬‬
‫‪117‬‬

‫وتقرر تأجيل الجلسة إلى أن يقوم المدعي بإحضار حكم الكاتب‪.‬‬


‫وبالنداء على الخصوم في الجلسة التالية‪ :‬حضر المدعي شخصياً‪،‬‬
‫وحضرت المدعي عليها شخصياً رفقت دفاعها السابق‪ ،‬وقد دفاع المدعي‬
‫عليها محضر اتفاق على انهاء العالقة الزوجية‪ ،‬والمحكمة قررت عقد‬
‫جلسة سرية بين الطرفين‪ ،‬وقامت المحكمة بعرض الصلح عليهما‪ ،‬وأصر‬
‫الزوج على انهاء العالقة الزوجية وتلفظ أمام المحكمة أن زوجته طالق‬
‫وهي الطلقة الثانية منه عليها‪.‬‬
‫والمحكمة قررت تفريغ محضر االتفاق‪ ،‬حيث جاء في محضر االتفاق‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬استلمت الزوجة كافة حقوقها الزوجية ومؤخر صداقها البالغ ثالثة‬
‫اآلالف دينار‪.‬‬
‫‪ .8‬استلمت مقدم صداقها وقدره الفان دينار‪.‬‬
‫‪ .4‬استلمت الزوجة نفقة االهمال‪.‬‬
‫‪ .3‬استلمت الزوجة من زوجها تعويض مبلغ وقدره سبعة االالف دينار‪،‬‬
‫ومبلغ وقدره ثالثمائة دينار مؤنة طالق‪.‬‬
‫وقد تعهد الزوج بدفع مبلغ وقدره مائة دينار مقابل نفقة البنته‪.‬‬
‫وال يوجد ألي طرف دعوى وطلب لدى الطرف اآلخر‪ ،‬وقاما الطرفين‬
‫بالتوقيع والبصم على صحة أقوالهما‪.‬‬
‫وقررت المحكمة على ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اثبات صحة الطالق الذي أوقعه الزوج على زوجته أمام المحكمة‬
‫بتاريخه‪ ،‬واعتباره الطالق الثاني منه عليها‪.‬‬
‫‪118‬‬

‫ثانيا‪ :‬اعتماد محضر الصلح واعطاءه قوة السند "‪.‬‬


‫ونرى في هذه الدعوى أن المحكمة كانت شديدة الحرص في االصالح‬
‫بين الزوجين‪ ،‬وذلك بتأجيل الجلسة أكثر من ثالث مرات لمعرفة رأي‬
‫المحكمين في هذا النزاع‪ ،‬وعلى ضوء ما رآه المحكمين قررت المحكمة‬
‫اثبات صحة الطالق‪ ،‬وذلك لعجز المحكمين االصالح بين الزوجين‪،‬‬
‫واصرار الزوجين على الطالق‪.‬‬

‫الخالصة ‪:‬‬
‫في عموم المقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي فهم‬
‫متفقون في أغلب مواضيع التحكيم بين الزوجين‪ ،‬واختلفوا في بعض األمور‬
‫الفقهية نذكر منها مايلي ‪:‬‬

‫القانون المدني‬ ‫الشريعة اإلسالمية‬ ‫عنوان المقارنة‬


‫الليبي‬
‫أجاز القانون الليبي‬ ‫الواجب األصلي في الحكمين‬
‫أن يكون الحكمين‬ ‫أن يكونا من أهل الزوجين‪،‬‬ ‫قرابة الحكمين‬
‫من أهل الزوجين إن‬ ‫من أهل الزوجين ويجوز غيرهم إن لم يوجد من‬
‫أمكن واال فمن‬ ‫أهلهما من يصلح للتحكيم‪.‬‬
‫غيرهم ممن لهم خبرة‬
‫بحالهما وقدرة على‬
‫اإلصالح بينهما‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫اشتراط الذكورة في الحكمين‪ ،‬القانون الليبي يشترط‬


‫وهو قول المالكية والشافعية‪ ،‬في المحكمين أن‬
‫والحنابلة في القول الثاني‪ ،‬أما يكونا رجلين عدلين‬ ‫اشتراط الذكورة‬
‫الجمهور فأجازوا للمرأة أن من أهلين الزوجين‬
‫أو غيرهما ‪.‬‬ ‫تكون حكم ًا‪.‬‬

‫أوجب المشرع الليبي‬ ‫نص الفقهاء على أنه يجزئ‬


‫أن يكونا حكمين‬ ‫إرسال حكم واحد‪.‬‬ ‫الحكام‬
‫عدد ّ‬

‫نص المشرع الليبي‬ ‫القول األول وهو قول الحنفية‬


‫على أنه على‬ ‫وأحد قولي الشافعي أن ليس‬
‫المحكمين أن يرفعا‬ ‫لهما ذلك ما لم يوكلهما الزوج‬
‫إلى المحكمة ما‬ ‫بذلك‪ ،‬ويعرفا اإلمام‬ ‫التفريق بين‬
‫يقررانه وعلى‬ ‫بقرارهما‪.‬القول الثاني أن‬ ‫الزوجين‬
‫المحكمة أن تحكم‬ ‫تفريقهما بين الزوجين جائز‪،‬‬
‫بمقتضاه‪ ،‬بمعنى أنه‬ ‫سواء وافق حكم الحاكم أو‬
‫ليس على المحكمين‬ ‫خالفه‪ ،‬وكلهما الزوجان بذلك‬
‫ايقاع الطالق بين‬ ‫أو لم يوكالهما واعتبروا أن‬
‫الزوجين وانما‬ ‫الفراق في ذلك طالق بائن‪،‬‬
‫مهمتهم اإلصالح‬ ‫وهو قول مالك‪ ،‬والشافعي‬
‫ومعرفة الشقاق فقط‪.‬‬ ‫واألوزاعي واسحاق وروي عن‬
‫عثمان وعلي وابن عباس وعن‬
‫الشعبي والنخعي‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫إذا إختلف الحكمان‬ ‫اختلفا لم ينفذ قولهما ولم‬


‫أمرتهما المحكمة‬
‫بمعاودة البحث فإن‬ ‫يلزم من ذلك شيء إال ما‬
‫استمر الخالف‬ ‫اجتمعا عليه‪ ،‬وكذلك في كل‬
‫بينهما حكم غيرهما‪.‬‬
‫اختالف الحكمين حكم حكما به في أمر‪ ،‬فإن‬
‫حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم‬
‫بها اآلخر أو حكم أحدهما‬
‫بمال وأبى اآلخر فال يقبل‬
‫منهما حتى يتفقا‬

‫وختاماً نقول أن الزواج العرفي وهو الزواج الذي لم يسجل في المحكمة‬


‫ال يمكن أن تقرر المحكمة التفريق بين الزوجين؛ وذلك ألن اثبات الطالق‬
‫ويتضمن رقم الحكم وتاريخه ورقم ملف يرشد إلى قرار تلك‬
‫ّ‬ ‫يكون بالكتابة‪،‬‬
‫المحكمة‪ ،‬فكيف تبني المحكمة طالق على زواج لم يكن أصالً في‬
‫سجالتها‪ ،‬فضالً على أن التحكيم ال تثبت مشارطته إال بالكتابة كما ذكره‬
‫المشرع في باب التحكيم في قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي في‬
‫المادة(‪ ،)138‬فمن باب أولى أن يكون الزواج مكتوبا ومقيداً في‬
‫سجالتها‪ ،‬أما الشريعة اإلسالمية فتعتبر الزواج العرفي زواج صحيح‬
‫األركان والشروط‪ ،‬وكتابة عقد الزواج مستحب فيه‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة‬
‫للتحكيم فكتابته يندرج تحت حكم الندب‪ ،‬فيجوز التحكيم فيه خالفاً للقانون‬
‫المدني الليبي‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي في‬
‫المنازعات العقارية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المنازعات العقارية في الشريعة اإلسالمية‬


‫تحدث عن آداب العقار من بناءها وآداب الجوار وغيرها حتى‬
‫فاإلسالم ّ‬
‫النزاعات فيها‪ ،‬ومما ال شك فيه أن صاحب المنزل هو أحق بمنزله من‬
‫غيره من سائر الناس‪ ،‬وال يحق ألحد أن يضايقه في منزله أو يستولي‬
‫على جزء منه ولو كان يسي اًر بدون رضا صاحب المنزل‪.‬‬

‫ولهذا من سرق أو ّ‬
‫غير منار األرض فهو مستحق للعذاب من هللا‬
‫تعالى‪.‬‬
‫فقد ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (لعن هللا من سرق منار‬
‫وفي رواية‬ ‫(‪)220‬‬
‫وفي رواية (لعن هللا من غير تخوم األرض)‬ ‫(‪)219‬‬
‫األرض)‬
‫والمقصود بمنار األرض أي معالمها التي‬ ‫(‪)221‬‬
‫(لعن هللا من غير المنار)‬
‫يفصل بعضها عن بعض‬

‫وروي عنه صلى هللا عليه وسلم في التحذير من أخذ األرض غصباً‬

‫(‪ )219‬رواه مس ــلم ‪ ،‬كت ــاب األضـــاحي‪ ،‬ح ــديث ‪ ، 33‬وفـــي مســـلم ش ــرح النـــووي‪ ،‬دار الفكـــر‪:‬‬
‫بيروت‪ ،‬ج‪ ،14‬ص ‪ ، 138‬والنسائي كتاب األضاحي الباب ‪. 43‬‬
‫(‪ )220‬رواه أحمد في المسند ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 102‬‬
‫(‪ )221‬رواه مسـلم كتــاب األضــاحي حـديث ‪ . 35‬وفــي النــووي علـى شــرح مســلم ج‪ 14‬ص ‪138‬‬
‫ط دار الفكر ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫‪122‬‬

‫أو نهـباً أو نحـو ذلك (من أخـذ شـب اًر من األرض طوقه يوم القيامة من‬
‫وفي هذا وعيد شديد وعذاب أليم سيطوقه هللا يوم‬ ‫(‪)222‬‬
‫سبع أرضين)‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬أن أروى خاصمته في بعض‬
‫داره فقال‪ :‬دعوها واياها‪ ،‬هذه القطعة التي خاصمتني فيها دعوها لها‪،‬‬
‫فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول" ‪:‬من أخذ شب اًر من‬
‫األرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم القيامة"‪ ،‬ثم قال الصحابي‪:‬‬
‫اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها‪ ،‬قال ‪-‬يعني‬
‫الراوي‪ :-‬فرأيتها عمياء تلتمس الجدر‪ ،‬تقول‪ :‬أصابتني دعوة سعيد بن‬
‫زيد‪ ،‬فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها‬
‫فكانت قبرها(‪.)223‬رواه البخاري‬
‫وغيرها من األدلة التي تبين خطورة االعتداء على منازل أو أراضي‬
‫المسلمين بدون علمهم ورضاهم‪.‬‬
‫ولكن هناك بعض الحاالت التي قد يضطر إلى أخذ هذا المنزل أو‬
‫هدمه للمصلحة العامة‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يعارض اإلسالم ذلك‬
‫بشروط‪-:‬‬
‫أ‪ .‬تحقق المصلحة العامة ضد المصلحة الفردية‪.‬‬
‫ب‪ .‬التعويض المناسب من بيت مال المسلمين لصاحب هذا المنزل‬
‫دون ضرر أو إضرار‪.‬‬

‫(‪ )222‬رواه البخاري في كتاب المظالم الباب ‪ ، 14‬وفي بدء الخلق الباب ‪ . 8‬وفي الفتح ج ‪6‬‬
‫ص ‪ 818‬ط السلفية‪.‬‬
‫(‪ )223‬رواه البخاري حديث رقم "‪ ، "4112‬ومسلم حديث رقم "‪. "1610‬‬
‫‪123‬‬

‫ج‪ .‬إعطاء صاحب المنزل الوقت الكافي كي يقوم بتأمين مسكن‬


‫مناسب له بدل مسكنه وتمكينه من ذلك‪.‬‬
‫وعموم األدلة تقتضي ذلك‪.‬‬
‫َّللاِ َوال‬
‫آم ُنوا ال تُ ِحلوا َش َع ِائ َر َّ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫(يا أَي َها الذ َ‬
‫من الكتاب قوله تعالى َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ضالً‬ ‫ين اطلَب طي َت اطل َح َر َام َي طبتَ ُغو َن َف ط‬ ‫آم َ‬
‫الش طه َر اطل َح َر َام َوال اطل َه طد َي َوال اطلَقالئ َد َوال ّ‬
‫ِ‬
‫وك طم‬
‫صد ُ‬ ‫َن َ‬‫آن َق طو ٍم أ ط‬ ‫ط ُادوا َوال َي طج ِرَمَّن ُك طم َشَن ُ‬
‫اص َ‬ ‫م طن َرِّب ِه طم َوِر ط‬
‫ض َواناً َواِ َذا َحَلطلتُ طم َف ط‬
‫ِ‬
‫َن تَ طعتَ ُدوا َوتَ َع َاوُنوا َعَلى اطلِب ِّر َوالتَّطق َوى َوال تَ َع َاوُنوا َعَلى‬‫َع ِن اطل َم طس ِجد اطل َح َار ِم أ ط‬
‫ِ ِ (‪)224‬‬
‫َّللاَ َش ِد ُيد اطلعَقاب)‬
‫َّللاَ ِإ َّن َّ‬
‫ان َواتَُّقوا َّ‬ ‫طِ‬
‫األ طث ِم َواطل ُع طد َو ِ‬
‫فال شك أن مصلحة المسلمين وتقديمها على المصلحة الفردية من‬
‫التعاون على البر والتقوى‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى هللا عليه وسلم (ال ضرر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)225‬‬
‫وال ضرار)‬
‫فاإلسالم يدعو إلى منع الضرر والضرار على المسلمين وما من شك‬
‫أن من يمتنع عن تقديم منزله للمصلحة العامة بشروطها‪ ،‬يضار المسلمين‬
‫ويقدم مصلحته الشخصية على مصلحتهم العامة وهذا ممنوع في اإلسالم‪،‬‬
‫ح ــيث إن (المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الفردية) وحيث إنه (ال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)226‬‬
‫مانع من ارتكاب أدنى المفسدتين دفعاً ألعالهما)‬
‫وهذا ما فعله بعض الصحابة رضى هللا عنهم‪- :‬‬

‫(‪ )224‬سورة المائدة‪.8:‬‬


‫(‪ )225‬رواه أحمد في المسند‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 414‬‬
‫(‪ )226‬ابــن رجــب الحنبلــي‪ ،‬القواعــد الفقهيــة‪ ،‬دون طبعــة‪ ،‬دار المعرفــة بيــروت‪ ،‬دون تــاريخ نشــر‪،‬‬
‫ص‪. 836‬‬
‫‪124‬‬

‫يقول ابن االزرقي ‪-‬عن عمر وعثمان ‪-‬وابن الزبير‪ ،‬أنهم هدموا البيوت‬
‫المجاورة للكعبة المشرفة عندما أرادوا التوسعة فقد كان المسجد الحرام ليس‬
‫عليه جدران محاطة إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب‪ ،‬فضاق‬
‫على الناس فاشترى عمر رضى هللا عنه دو اًر فهدمها خاصة القريبة من‬
‫الكعبة المشرفة وعوضهم عن منازلهم المهدمة وامتنع البعض عن أخذ‬
‫القيمة شحاً بمنازلهم المجاورة للكعبة المشرفة‪ ،‬فوضع رضى هللا عنه‬
‫أثمانها في خزانة الكعبة حتى رضوا وأخذوها بعد زمن وحصل في عهد‬
‫عثمان فهدم وضج الناس عـليه لكـنه لم يسمع منهم وحبس بعضاً من‬
‫الذين امتنعوا حتى شفع لهم فأخرجوا ‪ .‬كذلك ابن الزبير فعل واشترى دو اًر‬
‫أدخلها في المسجد(‪ .)227‬ولما كان المنزل الذي يراد هدمه للمصلحة‬
‫العامة سيتلف فال بد من تعويض صاحبه‪.‬‬
‫وضمان ما أتلفه بمثله حيث إن من شروط ضمان المتلفات‪.‬‬
‫ما ذكره الفقهاء‪- :‬‬
‫أ‪ .‬أن يكون الشيء المتلف ماالً وال شك أن العقار إذا هدم للمصلحة‬
‫ال متقوماً‪.‬‬
‫يعتبر ما ً‬
‫ب‪ .‬أن يكون هذا المتلف متقوماً(‪.)228‬‬
‫وال شـك أن العـقار محـترم له قيمته عنـد الناس وذكـر الفقـهاء أن‬

‫(‪ )227‬أبو وليد محمد بن عبد هللا بن أحمد األرزقي‪ ،‬اختيار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪،‬‬
‫تحقيق رشدي ملحس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الثقافة‪ :‬مكة المكرمة‪ ،‬سنة ‪1425‬ه‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫ص‪. 62‬‬
‫(‪ )228‬ابــن قدامــة المقدس ـي‪ ،‬المغنــي ‪ ،‬مرجــع ســابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ 562‬عــالء الــدين الكاســاني‬
‫‪،‬بدائع الصنائع ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪. 161‬‬
‫‪125‬‬

‫اإلتالف بالغصـب يترتب عليه التعـويض فمنافع األمـوال مضمـونه‬


‫بالتفـويت بأجـر المثل(‪ .)229‬فإذا كان الغصب مضموناً بأجر المثل فمن‬
‫باب أولى من ُهدم عقاره للمصلحة العامة ولو رفض صاحب المنزل قبول‬
‫التعويض وتَ طرك منزله فلولي األمر إجباره على ذلك‪.‬‬
‫أما بخصوص التحكيم فله أحكام عامة في جواز التحكيم بصفة عامة‪،‬‬
‫ما لم يرتبط بحق من حقوق هللا كالحدود وغيرها‪.‬‬
‫فإن مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي‬
‫ظبي بدولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬بعد اطالعه على البحوث الواردة‬
‫إلى المجمع بخصوص موضوع مبدأ التحكيم في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وبعد‬
‫استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪ ،‬قرر ما يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التحكيم اتفاق طرفي خصومة معينة‪ ،‬على تولية من يفصل في‬
‫مناز ٍ‬
‫عة بينهما‪ ،‬بحك ٍم ملزم‪ ،‬يطبق الشريعة اإلسالمية‪ .‬وهو مشروع سواء‬
‫أكان بين األفراد أم في مجال المنازعات الدولية‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬التحكيم عقد غير الزم لكل من الطرفين المحتكمين والحكم‪،‬‬
‫فيجوز لكل من الطرفين الرجوع فيه ما لم يشرع الحكم في التحكيم‪ ،‬ويجوز‬
‫للحكم أن يعزل نفسه ‪-‬ولو بعد قبوله ‪-‬ما دام لم يصدر حكمه‪ ،‬وال يجوز‬
‫له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين‪ ،‬ألن الرضا مرتبط بشخصه‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ال يجوز التحكيم في كل ما هو حق هلل تعالى كالحدود‪ ،‬وال فيما‬
‫الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن ال‬
‫ُ‬ ‫استلزم‬

‫(‪ )229‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى ‪ ،‬كشاف‬
‫القناع عن متن اإلقناع ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص‪. 118 - 111‬‬
‫‪126‬‬

‫للح َكم عليه‪ ،‬كاللعان‪ ،‬لتعلق حق الولد به‪ ،‬وال فيما ينفرد القضاء‬
‫والية َ‬
‫دون غيره بالنظر فيه‪ ،‬فإذا قضى الحكم فيما ال يجوز فيه التحكيم فحكمه‬
‫باطل وال ينفذ‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬يشترط في الحكم بحسب األصل توافر شروط القضاء‪.‬‬
‫حكم طواعية‪ ،‬فإن أبى أحد‬
‫الم ّ‬
‫خامساً‪ :‬األصل أن يتم تنفيذ حكم ُ‬
‫المحتكمين‪ ،‬عرض األمر على القضاء لتنفيذه‪ ،‬وليس للقضاء نقضه‪ ،‬ما‬
‫لم يكن جو اًر بيناً‪ ،‬أو مخالفاً لحكم الشرع‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسالمية‪ ،‬يجوز احتكام الدول أو‬
‫المؤسسات اإلسالمية إلى محاكم دولية غير إسالمية‪ ،‬توصالً‪ ،‬لما هو‬
‫جائز شرعاً‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي‪ :‬دعوة الدول األعضاء في منظمة المؤتمر اإلسالمي‬
‫إلى استكمال اإلجراءات الالزمة إلقامة محكمة العدل اإلسالمية الدولية‪،‬‬
‫وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها(‪.)230‬‬
‫أما عن التحكيم في النزاعات العقارية‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي هللا عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اشترى رجل ِمن رجل ًا‬
‫عقار له‬
‫ذهب‪ ،‬فقال له الذي‬ ‫الرجل الذي اشترى العقار في عقاره َّ‬
‫جرًة فيها ٌ‬ ‫فوجد َّ‬
‫ِ‬
‫منى؛ َّإنما اشتريت منك األرض ولم أبتع منك‬
‫اشترى العقار‪ :‬خذ ذهبك ّ‬
‫الذهب‪ .‬فقال الذي شرى األرض‪َّ :‬إنما بعتك األرض وما فيها‪ .‬قال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ولد؟ فقال‪ :‬أحدهما لي‬
‫فتحاكما إلى رجل‪ ،‬فقال الذي تحاكما إليه‪ :‬ألكما ٌ‬
‫غالم‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬لي جارية‪ .‬قال أنكحوا الغالم الجارية‪ ،‬وأنفقوا على‬
‫ٌ‬

‫(‪ )230‬مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة اإلمارات‬
‫العربية المتحدة من ‪ 6 -1‬ذي القعدة ‪1315‬هـ الموافق ‪ 6 -1‬نيسان (أبريل) ‪1115‬م ‪.‬‬
‫‪127‬‬

‫َّ‬
‫وتصدقا"(‪.)231‬‬ ‫أنفسكما منه‬
‫فهذا الدليل يفيد جواز التحكيم في النزاعات العقارية‪ ،‬أما أحكام التحكيم‬
‫وتبعياته في هذه المسألة فيطبق فيها أحكام التحكيم الذي ذكره الباحث‬
‫سلفاً‪ ،‬وذلك ألن األحكام التي ال يجوز فيها التحكيم في الشريعة اإلسالمية‬
‫مذكورة على سبيل الحصر‪ ،‬والتحكيم في المنازعات العقارية ثبت العمل‬
‫به في الحديث السابق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التحكيم في المنازعات العقارية في القانون المدني‬


‫الليبي‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫جواز التحكيم في المنازعات العقارية من المقرر قانوناً‪ ،‬ووفقا لباب‬
‫التحكيم في القانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي في المادتين (‪)141‬‬
‫والمادة (‪ )130‬ما نصه " يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة‬
‫عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكمين‬
‫ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم خاصة‪ .‬ال‬
‫يجوز التحكيم في األمور المتعلقة بالنظام العام أو المنازعات بين العمال‬
‫وأرباب العمل بشأن تطبيق األحكام الخاصة بالتأمين االجتماعي‬
‫واصابات العمل وأمراض المهنة والمنازعات المتعلقة بالجنسية أو بالحالة‬
‫الشخصية بما في ذلك التفريق البدني على أنه يجوز أن يكون موضوع‬
‫التحكيم تقدي اًر لنفقة واجبة في النظام الزوجي والعائلي أو في الخالف‬

‫(‪ )231‬رواه البخاري‪ ،4318‬ومسلم‪.1181‬‬


‫‪128‬‬

‫على مقدار المهر أو البائنة أو دعوى مالية أخرى ناشئة عن قضايا‬


‫األحوال الشخصية كما يجوز التحكيم بين الزوجين فيما تجيزه أحكام‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ .‬وال يصح التحكيم إال ممن له أهلية التصرف في‬
‫حقوقه وال في المسائل التي ال يجوز فيها الصلح"‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬فان جواز االتفاق على التحكيم في مسألة معينة يتوقف‬
‫على جواز الصلح بشأنها لعدم تعلقها بالنظام العام من الناحية‬
‫الموضوعية‪ ،‬فجميع مسائل االحوال الشخصية‪ ،‬دون اثارها المالية‪ ،‬وكل‬
‫المسائل الجنائية‪ ،‬دون اثارها المالية‪ ،‬ال يجوز فيها التحكيم ألنها متعلقة‬
‫بالنظام العام من الناحية الموضوعية ومن ثم ال يجوز فيها الصلح‪.‬‬
‫ولكن هناك مسائل ال تتعلق في ذاتها بالنظام العام من الناحية‬
‫الموضوعية ومن ثم يجوز فيها الصلح‪ ،‬ولكنها تتعلق بالنظام العام من‬
‫الناحية االجرائية‪ ،‬وذلك فيما يخص االجراءات الواجب اتباعها في رفع‬
‫الدعاوي المتعلقة بها‪ ،‬بحيث يكون رفع دعوي تحكيمية بشأنها فيه مخالفة‬
‫لقاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام أو التفاف حول تلك القاعدة‪ ،‬والجدير‬
‫بالذكر أن عدم جواز التحكيم في مسألة تخالف النظام العام يسري علي‬
‫مخالفة المسألة للنظام العام موضوعيا واجرائيا‪ ،‬ومن ثم فإذا كانت الدعوي‬
‫التحكيمية تخالف قاعدة إجرائية متعلقة بالنظام العام فإنه يتعين الحكم‬
‫بعدم قبولها‪.‬‬
‫ولكن ما الحكم بالنسبة للمنازعات العقارية‪ ،‬هل يجوز اللجوء إلى‬
‫التحكيم للفصل في هذه الدعاوي التي تخص هذه المنازعات؟‪.‬‬
‫نشير بداية‪ ،‬وقبل اإلجابة على هذا السؤال‪ ،‬إلى أن الدعاوي المتعلقة‬
‫‪129‬‬

‫بالمنازعات العقارية تنقسم إلى دعاوي شخصية عقارية‪ ،‬ودعاوي عينية‬


‫عقارية‪ .‬وسواء تعلق األمر بمنازعات عينية عقارية أو شخصية‬
‫عقارية(‪ ،)232‬فإنه يجوز الصلح في الحقوق المتنازع عليها محل تلك‬
‫الدعاوي‪ ،‬ألن تلك الحقوق في ذاتها ال تتعلق بالنظام العام من الناحية‬
‫الموضوعية‪ ،‬إذ أنها تخص مصالح خاصة وال تتعلق بمصلحة عامة‪،‬‬
‫حتي لو كانت هذه المصالح تتعلق بقاعدة آمرة‪ ،‬إذ أن القاعدة اآلمرة في‬
‫مثل هذه الحالة ال تتعلق بالنظام العام‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة‬
‫(‪ )130‬سابقة الذكر‪ ،‬حيث اعتبر المشرع في هذه المادة أن القاعدة اآلمرة‬
‫ال تكون متعلقة بالنظام العام إذا تعلقت بمصالح خاصة‪ ،‬أما إذا تعلقت‬
‫القاعدة اآلمرة باألسس العامة للمجتمع فإنها تكون متعلقة بالنظام العام‪،‬‬
‫مثل الجنسية واألحوال الشخصية والمسائل الجنائية‪ ،‬وكون اإلسالم هو‬
‫دين الدولة‪ ،‬واللغة العربية هي اللغة الرسمية‪ ،‬فإذا نظرنا إلى المنازعات‬
‫المتعلقة بالعقارات من زاوية جواز أو عدم جواز الصلح بشأنها‪ ،‬فإننا نقول‬
‫أنه يجوز الصلح فيها ألنها ال تتعلق بالنظام العام من الناحية‬
‫الموضوعية‪ .‬ولكن هل الدعاوي المتعلقة بهذه المنازعات تتعلق بقواعد‬
‫إجرائية من النظام العام‪ ،‬وال يجوز مخالفاتها‪ ،‬وبالتالي ال يجوز التحكيم‬

‫(‪ )232‬يعرف الحق العينى بأنه " سلطة مباشرة لشخص على شيئ معين تخوله إستعماله‬
‫واستغالله والتصرف فيه تحت حماية القانون‪ " .‬أما الحق الشخصى فهو "رابطة مديونية‬
‫بين الدائن والمدين ‪ ,‬حيث للدائن حق فى ذمة مدينه ‪ ,‬يلتزم المدين بمقتضاه بأداء عمل أو‬
‫اإلمتناع عن عمل أو بتسليم واعطاء شيئ"‪ .‬رضا عبد الحميد عبد المجيد عبد الباري‪،‬‬
‫الوجيز في الملكية والحقوق العينية التبعية‪ ،‬جامعة بنها كلية الحقوق‪،‬ص‪.6‬‬
‫‪130‬‬

‫بشأنها؟ ‪.‬‬
‫لإلجابة على هذا السؤال يتعين التفرقة بين الدعاوى العقارية التي‬
‫اء إجرائيا‬
‫استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل رفعها ولم يرتب جز ً‬
‫على عدم القيام بها (الفرع األول)‪ ،‬والدعاوى العقارية التي استلزم المشرع‬
‫اء إجرائيا على عدم القيام بها‬
‫القيام بإج ارءات معينة قبل رفعها ويترتب جز ً‬
‫(الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع االول‬
‫الدعاوي العقارية بوجه عام‬

‫الدعاوي التي لم يرتب المشرع جز ً‬


‫اء إجرائيا علي عدم إتباع اجراءات‬
‫معينة في رفعها‬

‫ظم القانون رقم ( ‪ ) 18‬لسنة ‪ 1122‬م بشأن مصلحة التسجيل‬


‫نّ‬
‫العقاري االشتراكي والتوثيق‪ ،‬إجراءات رفع الدعاوي المتعلقة بالعقارات‪،‬‬
‫سواء كانت دعاوي عينية عقارية أو دعاوي شخصية عقارية‪ ،‬حيث تنص‬
‫هذه المادة (‪ )81‬في فصلها الرابع المعنون بـ" المحررات الواجب تسجيلها‬
‫وشهرها" على ما يلي "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من‬
‫الحقوق العينية العقارية األصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك األحكام‬
‫النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب تسجيلها‪.‬ويترتب على عدم التسجيل‬
‫أن الحقوق المشار إليها ال تنشأ وال تنتقل وال تتغير وال تزول ال بين ذوي‬
‫الشأن وال بالنسبة لغيرهم‪.‬وال يكون للتصرفات غير المسجلة من أثر سوى‬
‫‪131‬‬

‫االلتزامات الشخصية بين ذوي الشأن"‪.‬‬


‫وكذلك ما تضمنته المادة (‪ )142‬من قانون المدني الليبي ما نصه "‬
‫انتقال الحقوق الخاضعة للشهر‪ .1 :‬في المواد العقارية ال تنتقل الملكية‬
‫وال الحقوق العينية األخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في‬
‫حق الغير‪ ،‬إال إذا روعيت األحكام المبنية في قانون تنظيم الشهر‬
‫العقاري‪ .8 .‬ويبين قانون الشهر المتقدم الذكر التصرفات واألحكام‬
‫والسندات التي يجب شهرها سواء كانت ناقلة للملكية أم غير ناقلة ويقرر‬
‫األحكام المتعلقة بهذا الشهر"‪.‬‬
‫الواضح من نصوص المواد المذكورة أن المشرع قد أوجب شهر‬
‫صحيفة كافة الدعاوى العقارية عينية كانت أو شخصية‪ ،‬وكذلك شهر‬
‫الحكم الصادر فيها‪ ،‬ورغم أن المشرع قد أوجب على ارفع الدعاوى‬
‫المذكورة شهر صحفها إال أنه لم يرتب أي جزاء إجرائي على عدم الشهر‪،‬‬
‫األمر الذى ال يجوز معه الحكم بأي جزاء إجرائي في حالة عدم شهر‬
‫بنص‪.‬‬ ‫إال‬ ‫جزاء‬ ‫ال‬ ‫أنه‬ ‫قانوناً‬ ‫المقرر‬ ‫فمن‬ ‫الصحيفة‪،‬‬
‫والمالحظ في العمل أنه غالباً ما يتم الدفع بعدم قبول الدعاوى العقارية‬
‫لعدم شهر صحفها إعماالً لحكم المادة‪ 81/‬من قانون رقم ( ‪ ) 18‬لسنة‬
‫‪ 1122‬م بشأن مصلحة التسجيل العقاري االشتراكي والتوثيق‪ ،‬وكذلك‬
‫المادة (‪ )142‬من القانون المدني الليبي‪ ،‬قد استقر القضاء بالنسبة لهذا‬
‫الدفع على أنه ال يترتب على عدم شهر صحف الدعوى العقارية‪ ،‬فيما‬
‫عدا دعوى صحة التعاقد (دعاوى الصحة والنفاذ)‪ ،‬الحكم بعدم قبولها‪،‬‬
‫ألن المشرع لم ينص على هذا الجزاء في المادة المشار إليها من قانون‬
‫‪132‬‬

‫الشهر العقاري والتوثيق‪ ،‬ونص عليه فقط بالنسبة لدعاوى الصحة والنفاذ‬
‫(دعاوى صحة التعاقد)‪ ،‬وذلك في المادة‪ 81/‬من قانون رقم ‪ 18‬سنة‬
‫‪ ، 1122‬حيث تنص هذه المادة على أن "جميع التصرفات التي من‬
‫شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية األصلية أو نقله أو تغييره أو‬
‫زواله وكذلك األحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب‬
‫تسجيلها‪.‬ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها ال تنشأ وال‬
‫تنتقل وال تتغير وال تزول ال بين ذوي الشأن وال بالنسبة لغيرهم‪.‬وال يكون‬
‫للتصرفات غير المسجلة من أثر سوى االلتزامات الشخصية بين ذوي‬
‫الشأن"‪.‬‬
‫وبمقارنة نص المادتين‪ 81/‬من قانون رقم ‪ 18‬لسنة ‪1122‬م‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )142‬من القانون المدني الليبي‪ ،‬يتبين أن جزاء عدم القبول قد ورد‬
‫النص عليه صراحة في المادة‪ 81/‬وبخصوص عدم شهر صحيفة دعوى‬
‫الصحة والنفاذ فقط‪ ،‬ولم ينص على هذا الجزاء بالنسبة لباقي الدعاوى‬
‫العقارية‪ ،‬األمر الذي ال يجوز معه الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم شهر‬
‫صحيفتها إال بالنسبة لدعوى الصحة والنفاذ فقط‪.‬‬
‫وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا الخصوص بأنه‪":‬ولئن‬
‫كانت المادة‪ 15/‬من القانون رقم ‪113‬لسنة‪ 1136‬بتنظيم الشهر العقاري‬
‫المعدل بالقانون رقم ‪85‬لسنة‪ 1116‬أوجبت إعالن صحيفة الدعوى وقيدها‬
‫بجدول المحكمة قبل شهرها إال أنه لم يرتب جزاء البطالن لمخالفة ذلك‪،‬‬
‫‪133‬‬

‫من قانون المرافعات‬ ‫(‪)233‬‬


‫أما وأن المشرع قد وضع نص المادة‪65/‬‬
‫المدنية والتجارية بخصوص دعاوى صحة ونفاذ عقود البيع ونص فيها‬
‫على "ال تقبل دعوى صحة التعاقد على حق من الحقوق العينية إال إذا‬
‫أشهرت صحيفتها"‪ ،‬ومفاد ذلك أن نص المادة‪ 15‬من قانون تنظيم الشهر‬
‫العقاري المشار إليها لم يرتب أي جزاء‪(.‬نقض ‪ 663‬لسنة‪ 55‬ق‬
‫بجلسة‪. )1121/3/86‬‬
‫وقد تم التمسك بالدفع بعدم قبول الدعوى التحكيمية لعدم شهر صحيفتها‬
‫في إحدى الدعاوى التحكيمية المنظورة أمام مركز القاهرة اإلقليمي للتحكيم‬
‫التجاري الدولي‪ ،‬وقضى برفضه‪ ،‬حيث قضت هيئة التحكيم بأنه ‪" :‬وحيث‬
‫إنه عن الدفع المبدئ من الشركة المحتكم ضدها بعدم جواز التحكيم في‬
‫المنازعات محل الدعوى الماثلة لعدم جواز التصالح فيها فمردود‪ ،‬ذلك أن‬
‫ال‬
‫مبنى هذا الدفع هو أن القرار محل التحكيم لو كان باطالً لكان باط ً‬
‫بطالناً مترتباً على نص (القانون المادة (‪ )16‬من القانون رقم ‪ 151‬لسنة‬
‫‪ 1121‬بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية باألسهم‬
‫والشركات ذات المسؤولية المحدودة)‪ ،‬وأن قانون التحكيم في المواد‬
‫المدنية والتجارية المصري نص في مادته رقم (‪ )11‬على أنه‪" :‬ال يجوز‬
‫التحكيم في المسائل التي ال يجوز فيها الصلح)‪."(234‬‬

‫(‪ )233‬وأحكامها مثل المادة (‪ )81‬من قانون رقم ‪ 18‬لسنة ‪1122‬م بشأن مصلحة التسجيل‬
‫العقاري الليبي‪.‬‬
‫(‪ )234‬وهي مانصت عليه المادة رقم (‪ )130‬من قانون التحكيم الليبي فى قانون المرافعات‬
‫المدنية والتجارية على أنه ‪ :‬ال يصح التحكيم إال ممن له أهلية التصرف في حقوقه وال في‬
‫المسائل التي ال يجوز فيها الصلح"‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫وحيث إن المسائل التي ال يجوز فيها الصلح هي الواردة على سبيل‬


‫التي‬ ‫(‪)235‬‬
‫الحصر في نفس المادة (‪ )551‬من القانون المدني المصري‬
‫يجرى نصها على أنه " ال يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة‬
‫الشخصية أو بالنظام العام‪ .‬ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية‬
‫التي تترتب على الحالة الشخصية‪ ،‬أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى‬
‫الجرائم‪ .".‬فإن مفاد هذا النص هو امتناع االتفاق على التحكيم في نوعين‬
‫من المسائل أحدهما هو المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والثاني هو‬
‫المسائل المتعلقة بالنظام العام‪ .‬وال مراء فى أن نص المادة (‪ )16‬من‬
‫القانون رقم ‪ 151‬لسنة ‪ 1121‬وان كان في بعض أجزاءه نصا آم ار إال‬
‫أنه ال يتعلق بالنظام العام ذلك "أن التشريعات إما أن تكون آمرة واجبة‬
‫اإلتباع واما أن تكون مفسرة أو مكملة إلرادة المتعاقدين‪ ،‬والقواعد اآلمرة‬
‫تتفرع إلى قواعد تتعلق بالنظام العام بحيث تقع مخالفتها باطلة بطالنا‬
‫مطلقا بقوة القانون ال تمحوه اإلجازة ويحق لكل ذي مصلحة التمسك به‬
‫وتقضى به المحكمة من تلقاء نفسها‪ ،‬وأخرى –رغم وجوب إتباعها‪ -‬ال‬
‫تتعلق بالنظام العام"‪(.‬محكمة استئناف القاهرة‪ ،‬الدائرة السابعة التجارية‪،‬‬
‫الحكم في الطعن رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 181‬ق‪ ،‬تحكيم تجارى القاهرة‪ ،‬جلسة‬
‫‪.(8005/4/2‬‬

‫(‪ )235‬وهي مثل المادة رقم(‪ )550‬من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي التي تنص "‬
‫ال يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام‪ .‬ولكن يجوز الصلح‬
‫على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية‪ ،‬أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى‬
‫الجرائم"‪.‬‬
‫‪135‬‬

‫"فليست كافة القواعد اآلمرة من النظام العام ‪ ...‬وانما منها ما يتوقف شأنه‬
‫عند حد األمر أو النهى المتضمن فيه‪ ،‬دون أن يكون معب اًر عن أي من‬
‫كليات الجماعة أو أصول ارتكاز الدولة‪ ،‬وانما مقصد تشريعه تغليب‬
‫وطالعة نص‬ ‫(‪)236‬‬
‫بعض المصالح الخاصة على غيرها من نوعها نفسه"‬
‫المادة (‪ )16‬من قانون الشركات السالفة اإلشارة إليها تقطع بأن البطالن‬
‫المقرر فيها بطالن يتغيا مصلحة فئة معينة من المساهمين أو مصلحة‬
‫المساهمين كافة‪ -‬وهم فئة وعينة‪ -‬فال يجوز الحكم به إال بناء على طلب‬
‫المساهمين الذين اعترضوا على القرار في محضر جلسة الجمعية العامة‬
‫للشركة أو الذين تغيبوا بسبب مقبول‪ ،‬وال يتصور أن تقضى به المحكمة‬
‫من تلقاء نفسها من غير طلب‪ .‬ويتصور عقالً أن ال يطلب المعترضون‬

‫على قرار ما‪ ،‬أو الغائبون بسبب مقبول‪ ،‬الحكم ببطالن القرار فيبقى قائماً‬
‫منتجاً آلثاره‪ ،‬بل ويتحصن بمضي المدة المنصوص عليها في الفقرة‬
‫الخامسة من المادة (‪ )16‬من قانون الشركات‪.‬‬
‫واتفاق التحكيم غير الجائز هو االتفاق المخالف لقواعد متصلة بالنظام‬
‫العام وليس بمجرد قواعد آمرة(‪.)237‬‬
‫فهناك حاالت ال يحول النظام العام دون وجود دور لإلرادة فيها‪ .‬ولكن‬
‫النظام العام يأبى حل النزاع بشأنها حالً يخالف قواعده‪ ،‬فالمتطلب القانوني‬

‫(‪ )236‬عماد البشرى ‪ ،‬فكرة النظام العام فى النظرية والتطبيق‪ ،‬رسالة دكتوراة من كلية الحقوق‬
‫جامعة اإلسكندرية سنة ‪ ،8008‬ط األولى ‪ ، 8005‬المكتب اإلسالمى فى بيروت‪ ،‬ص‬
‫‪. 100‬‬
‫(‪ )237‬سمير الشرقاوي‪ ،‬التحكيم الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ 8001‬ص ‪. 15‬‬
‫‪136‬‬

‫هو أال يؤدى التحكيم إلى نتائج تتعارض مع النظام العام‪ ،‬ألن الحكم‬
‫عندئذ يكون باطالً إعماالً لنص المادة(‪ )130‬من قانون التحكيم في‬
‫المرافعات المدنية والتجارية الليبي‪.‬‬
‫لكن مجرد مساس المنازعة بالنظام العام أو اتصالها بمسألة تتعلق به‬
‫ال يمنع عرض النزاع بشأنها على التحكيم ويكون الحكم صحيحاً إذا لم‬
‫يخالف – هو نفسه ‪ -‬قاعدة من قواعد النظام العام وهيئة التحكيم تختص‬
‫بنظر المسائل المتعلقة بمصالح خاصة وعليها أال تخالف النظام العام في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)238‬‬
‫حكمها‬
‫والمقرر قانوناً أن " المعيار الذي يحسم هذا األمر هو هل حدث‬
‫إخالل بالنظام العام أم ال؟ فال يكفي القول بتعلق المسألة بالنظام العام‬
‫‪ ...‬المعول عليه (هو) هل صدر حكم التحكيم متضمناً ما يخل بالنظام‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)239‬‬
‫العام؟ "‬
‫وال يكفى "لعدم القابلية للتحكيم مجرد قيام صلة بين محل التحكيم‬
‫وقاعدة آمرة متعلقة بالنظام العام بل يجب أن يستهدف اتفاق التحكيم‬
‫التعدي على النظام العام" كأن يكون التحكيم متعلقا بتنفيذ عقد بيع سلعة‬
‫مسعرة بثمن يتجاوز التسعيرة المقررة‪.‬‬
‫"فال بأس أن ينظر المحكمون النزاع الذى يتعلق بمسائل تتصل بالنظام‬
‫العام‪ ...‬ولكن تكون الرقابة الحقة أي بعد صدور الحكم أو عند طلب‬

‫(‪ )238‬فتحي والى‪ ،‬قانون التحكيم‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪ ،8001 ،‬ص ‪.182‬‬
‫(‪ )239‬مختار بريرى‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ :‬القاهرة‪،‬‬
‫سنة ‪ ،8003‬ص‪. 51‬‬
‫‪137‬‬

‫تنفيذه‪ ...‬وليس مؤدى وجوب تطبيق قاعدة آمرة على النزاع أنه غير قابل‬
‫للتحكيم إذ ال يجوز الخلط بين تطبيق قاعدة آمرة وعدم قابلية النزاع‬
‫للتحكيم‪ ،‬ففكرة النظام العام ال تقدم معيا اًر لعدم قابلية النزاع للتحكيم‪ ،‬وانما‬
‫‪.‬‬ ‫ينظر المحكم النزاع مقيداً بتطبيق القواعد المتعلقة بالنظام العام"‬
‫(‪)240‬‬

‫وقد قضت محكمة النقض بأن مخالفة النظام العام الموجبة الستبعاد‬
‫تطبيق القانون األجنبي طبقاً للمادة ‪ 82‬من القانون المدني مناطها" أن‬
‫تكون هذه األحكام متعارضة مع األسس االجتماعية أو السياسية أو‬
‫االقتصادية أو الخلقية في الدولة‪ ،‬مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع بما‬
‫ال يكفى معه أن تتعارض مع نص قانونيا آمر" (نقض ‪ 1124/6/14‬في‬
‫الطعن رقم ‪ 1851‬لسنة ‪ 31‬ق ‪ ،‬مج سنة ‪ 43‬ج ‪ 8‬ص ‪.)1316‬‬
‫وقضت محكمة استئناف القاهرة بأن " القول بمخالفة الحكم محل التداعي‬
‫للنظام العام يتعلق بسلطة هيئة التحكيم في فهم الواقع وانزال حكم القانون‬
‫عليه‪ ،‬والتحقق من مصلحة من صحة هذا النعي ال يتأتى إال بإعادة‬
‫النظر في موضوع النزاع ومراجعة ما قضى به الحكم المطعون فيه بشأنه‬
‫من حيث الصواب والخطأ‪ ،‬وكال األمرين غير جائز لما هو مقرر من انه‬
‫من قانون التحكيم ال تقبل أحكام‬ ‫(‪)241‬‬
‫طبقا للمادتين (‪ )58‬و (‪)54‬‬
‫التحكيم التي تصدر طبقا ألحكام هذا القانون الطعن بالطرق المنصوص‬

‫(‪ )240‬حسام األهوانى ‪ ،‬المسائل التى يجوز حلها بالتحكيم‪ ،‬دروس فى مركز حقوق عين‬
‫شمس للتحكيم‪ ،‬سنة ‪ ، 8006‬ص ‪ 11–11‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪ )241‬وهي مايوافقها في المواد (‪ )141‬و (‪ )130‬من قانون المرافعات المدنية والتجارية‬
‫الليبي في باب التحكيم ‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية ‪ ...‬ومن في قضاء هذه‬


‫المحكمة أن رقابة محكمة االستئناف لحكم حسماً للنزاع‪ ،‬ومن ثم يسوغ‬
‫الحكم بالبطالن إال إذا تضمن ذلك الحل ما يخالف النظام العام(‪.)242‬‬
‫ونحن من جانبنا نؤيد ما ذهبت إليه محكمة النقض‪ ،‬وما قضى به حكم‬
‫التحكيم المذكور‪ ،‬إذا أن عدم القبول‪ ،‬وهو جزاء إجرائي‪ ،‬ال يتقرر إال‬
‫بموجب نص صريح‪ ،‬وقد سبق الباحث بالتوضيح على أنه لم ينص على‬
‫هذا الجزاء إال بالنسبة لعدم شهر صحف دعاوى الصحة والنفاذ فقط‪ ،‬ولم‬
‫ينص عليه بخصوص الدعاوى العقارية األخرى‪ ،‬ومن ثم فال يطبق بشأن‬
‫تلك الدعاوى األخيرة ألنه ال جزاء بغير نص‪.‬‬
‫يبقى السؤال قائم ًا حول األثر الذى يترتب على عدم شهر صحف‬
‫الدعاوى األخرى غير دعاوى الصحة والنفاذ‪ .‬ونحن نرى أن األثر الذي‬
‫يترتب على ذلك هو فقط عدم جواز التمسك بالحكم الصادر في الدعاوى‬
‫األخرى غير دعاوى الصحة والنفاذ على الغير‪ ،‬ويظل أثر الحكم قاص اًر‬
‫من حيث حجيته على أطرافه فقط‪.‬‬

‫(‪ )242‬محكمة إستئناف القاهرة‪ ،‬الدائرة ‪ 11‬تجارى‪ ،‬الطعن رقم ‪ 41‬لسنة‪ 111‬ق – تحكيم‬
‫تجارى القاهرة‬
‫‪139‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫دعاوى صحة التعاقد‬
‫الدعاوى العقارية التي استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل‬
‫اء إجرائيا علي عدم القيام بها‬
‫رفعها ويترتب جز ً‬

‫يقصد بدعوى صحة التعاقد تلك الدعوى التي ترفع للقضاء بصحة‬
‫ونفاذ عقد معين ومن بينها عقود البيع‪ ،‬وتقوم المحكمة في هذه الدعوى‬
‫بفحص بنود العقد لتتبين صحته أو بطالنه‪ ،‬فإذا تأكدت من صحة كافة‬
‫بنوده قضت بصحته ونفاذه فيما بين أطرافه‪ ،‬وذلك على عكس دعوى‬
‫صحة التوقيع‪ ،‬فالمحكمة في تلك الدعوى األخيرة ال تفحص العقد وال‬
‫تتعرض لصحته أو بطالنه وانما يقتصر دورها على الحكم (بأن التوقيع‬
‫الممهور به هو توقيع منسوب للمدعى بتوقيعه عليه ((‪.)243‬‬
‫وقد ورد النص على دعوى صحة التعاقد في أكثر من قانون‪ ،‬حيث‬
‫نص عليها في القانون المدني وقانون الشهر العقاري والتوثيق‪.‬‬
‫أما القانون المدني الليبي فقد أوضح في المادة ‪ 814/‬منه األحكام‬
‫الموضوعية لتلك الدعوى‪ ،‬حيث تنص هذه المادة على أنه‪:‬‬
‫"في االلتزام بعمل يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ إذا سمحت بذلك‬
‫طبيعة االلتزام‪".‬‬
‫وحكم المادة المذكورة ال يهمنا في نطاق هذا البحث‪ ،‬إذ أن ما يعنينا‬

‫(‪ )243‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية‪ :‬بيروت‪ ،‬سنة ‪8000‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪ 322‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪140‬‬

‫هنا هو إجراءات رفع دعوى الصحة والنفاذ ومدى تعلقها بالنظام العام‪،‬‬
‫وتلك المسائل تناولها القانون المدني وقانون الشهر العقاري والتوثيق‪.‬‬
‫فتنص المادة ‪ 142/‬من القانون المدني الليبي على أنه‪:‬‬
‫" في المواد العقارية ال تنتقل الملكية وال الحقوق العينية األخرى سواء‬
‫أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير‪ ،‬إال إذا روعيت‬
‫األحكام المبنية في قانون تنظيم الشهر العقاري‪. ".‬‬
‫وتنص المادة ‪ 23/‬من قانون رقم (‪ )18‬لسنة ‪ 1122‬م بشأن مصلحة‬
‫التسجيل العقاري االشتراكي والتوثيق على أنه " يجب تسجيل كافة‬
‫الدعاوى التي ترفع ضد مالك عقار سبق تسجيله إذا تعلقت هذه الدعاوى‬
‫بحق عيني عقاري أو بصحة أو نفاذ تصرف من التصرفات الواجب‬
‫قيدها‪.‬وال تقيد الدعاوى في المحكمة إال بعد تقديم الشهادة الدالة على‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫يبين من هذه المواد أن المشرع استلزم قيام رافع دعوى الصحة والنفاذ‬
‫بشهر صحيفة الدعوى‪ ،‬بحيث يترتب على عدم شهرها الحكم بعد قبول‬
‫الدعوى إعماالً لحكم المادة ‪ 142/‬من القانون المدني الليبي‪.‬‬
‫وهذان اإلجراءان المتعلق بالنظام العام قد استلزم المشرع القيام بها عند‬
‫رفع الدعوى أمام القضاء‪ ،‬وقد خال باب التحكيم من النص عليها‪ ،‬فهل‬
‫تقبل تلك الدعوى أمام التحكيم‪ ،‬أم يقضى بعدم قبولها ألن اللجوء الى‬
‫التحكيم بشأنها ينطوي على مخالفة إلجراءات متعلقة بالنظام العام ويمثل‬
‫التفافا عليها‪ ،‬حيث أن المحتكم ال يشهر صحيفة الدعوى‪.‬‬
‫وقد اصدرت محكمة استئناف القاهرة عدم أحكام استقرت فيها على أنه‬
‫‪141‬‬

‫ال يجوز رفع دعوى صحة التعاقد أمام التحكيم‪ ،‬وذلك لما ينطوي عليه‬
‫من التفاف حول قواعد إجرائية تتعلق بالنظام العام‪ ،‬إذ أن المحتكم‬
‫يتخلص بهذه الدعوى من شهر صحيفتها‪.‬‬
‫وقد قضت محكمة استئناف القاهرة الدائرة (‪ )11‬في القضية المقيدة‬
‫بالجدول العمومي تحت طعن رقم ‪ 15‬لسنة ‪8005/3/81‬م بجلسة‬
‫‪180‬ق تحكيم‪:‬‬
‫"وحيث أن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامة الخروج‬
‫على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات‪ ،‬ويقوم على االختيار‬
‫الحر لألطراف‪ ،‬ومن ثم كان اتفاق التحكيم هو األساس القانوني للتحكيم‬
‫ودستوره الذى يحدد نطاقه ومداه ويخرج النزاع موضوعه من اختصاص‬
‫القضاء صاحب الوالية العامة للفصل في المنازعات‪ ،‬ومنه يستمد‬
‫المحكمون سلطاتهم للفصل في النزاع‪ ،‬ومن هنا يجب التحقق من استيفاء‬
‫هذا االتفاق لشروط الموضوعية والشكلية المقررة في القانون وللتأكد من‬
‫حتما‬
‫خلوه من العوارض التي تبطله‪ ،‬ذلك أن بطالن اتفاق التحكيم يؤدى ً‬
‫الى بطالن حكم المحكمين إعماالً بنص المادة (‪ )54‬من قانون التحكيم‬
‫رقم ‪1113/ 81‬م(‪ ،)244‬وفيما يتعلق بالشروط الموضوعية فإنها ال تخرج‬
‫عن الشروط المعروفة في نظرية العقد أي الشروط المتعلقة بالرضا‬
‫والمحل والسبب‪ ،‬فيلزم أن يكون اتفاق التحكيم بناء على رضا صحيح‪،‬‬

‫(‪ )244‬وهي ماتضمنته المواد (‪ )141‬إلى المادة (‪ )138‬من باب التحكيم في قانون المرافعات‬
‫المدنية والتجارية الليبي‪ ،‬بخصوص االتفاق على التحكيم وفي أهلية التصرف‪ ،‬واثبات‬
‫مشارطة التحكيم‪.‬‬
‫‪142‬‬

‫وأن يكون محلة ممكنا ومشروعا‪ ،‬وأن يستند ذلك كله الى سبب ال يخالف‬
‫النظام العام واآلداب‪.‬‬
‫وحيث أنه فيما يتعلق بتوافر ركن الرضا فقد دفع المدعيان بتزوير‬
‫اتفاق التحكيم وأنك ار توقيعهما عليه‪.‬‬
‫ولكنهما لم يتخذا إجراءات الطعن بتزويره‪ ،‬وال ترى المحكمة تعطيل‬
‫الفصل في الدعوى الماثلة انتظا ار لتحقيق صحة أو تزوير التوقيع على‬
‫اتفاق التحكيم المذكور أو محضر تشكيل هيئة التحكيم المؤرخ‬
‫‪8004/2/81‬م أو محضر جلسة هيئة التحكيم بتاريخ‪8004/2/85‬‬
‫خاصة أن المدعيين يمكنهما إنشاء دعوى تزوير أصلية بخصوص‬
‫المحررات الثالثة المذكورة طبًقا للمادة (‪ )51‬من قانون المرافعات‬
‫المدنية(‪.)245‬‬
‫فضالً عن أن تحقيق تزوير اتفاق التحكيم في الدعوى الماثلة غير‬
‫منتج إذا تبين من البحث عدم مشروعية االتفاق على التحكيم بشأن صحة‬
‫ونفاذ عقد بيع العقار‪ ،‬وحيث أنه من المقرر أنه ال يجوز التحكيم في‬

‫(‪ )245‬وهذا مانصت عليه المادة (‪ )151‬في باب التحكيم في قانون المرافعات المدنية والتجارية‬
‫الليبي حيث جاء في نص المادة "إذا عرضت خالل التحكيم مسألة أولية تخرج عن والية‬
‫المحكمين أو طعن بتزوير في ورقة أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن حادث‬
‫جنائي آخر‪ ،‬وكذلك إذا عرضت مسألة يرى المحكمون أن لها تأثي اًر في موضوع التحكيم –‬
‫أوقف المحكمون عملهم وأصدروا أم اًر للخصوم بتقديم طلباتهم إلى القاضي المختص‪ ،‬وفي‬
‫هذه الحالة يتوقف سريان الميعاد المحدد للحكم إلى أن يعلن أحد الخصوم المحكمين بصدور‬
‫حكم انتهائي في تلك المسألة العارضة‪ ،‬فإذا كان الباقي بعد ذلك من الموعد أقل من عشرين‬
‫يوماُ ًً وجب مده إلى أن يصل إلى العشرين يوماً"‪.‬‬
‫‪143‬‬

‫المسائل التي ال يجوز فيها الصلح‪ ،‬وانه ال يجوز الصلح في المسائل‬


‫المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام‪ ،‬كما إنه من المقرر عدم قبول‬
‫دعوى بطالن حكم التحكيم إال في األحوال المبينة في المادة (‪ )54‬من‬
‫قانون التحكيم على سبيل الحصر ومنها بطالن اتفاق التحكيم‪ ،‬وانه على‬
‫المحكمة التي تنظر تلك الدعوى أن تقضى من تلقاء نفسها ببطالن حكم‬
‫التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية ‪.‬‬
‫وحيث أنه طبًقا للقانون رقم ( ‪ ) 18‬لسنة ‪ 1122‬م بشأن مصلحة‬
‫التسجيل العقاري االشتراكي والتوثيق‪ ،‬فقد نصت المادة (‪ )84‬على أنه "‬
‫يجب تسجيل كافة الدعاوى التي ترفع ضد مالك عقار سبق تسجيله إذا‬
‫تعلقت هذه الدعاوى بحق عيني عقاري أو بصحة أو نفاذ تصرف من‬
‫التصرفات الواجب قيدها‪.‬وال تقيد الدعاوى في المحكمة إال بعد تقديم‬
‫الشهادة الدالة على ذلك"‪ ،.‬ومؤدى ذلك أنه إذا اقام المدعى دعوى صحة‬
‫ونفاذ عقد بيع عقار فإنه يتعين عليه شهر صحيفتها قبل تقديمها‪ ،‬فإن‬
‫أغفل ذلك وجب على المحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم قبول‬
‫الدعوى حتى ولو لم يدفع بذلك أحد الخصوم ألن هذا الجزاء المقرر‬
‫لمخالفة االلتزام بشهر الصحيفة يتعلق بالنظام العام‪.‬‬
‫فقد أراد المشرع من ذلك هو حث اصحاب الشأن على التوجه الى‬
‫شهر تصرفاتهم العقارية وعدم التحايل على هذا الطريق الذى قرره القانون‬
‫رفع دعاوى صحة التعاقد‪ ،‬فلم يعد من الجائز التوجه الى القضاء بأي‬
‫طلب يستهدف الحكم بصحة التعاقد على حق من الحقوق العينية العقارية‬
‫إال إذا شهر هذا الطلب‪ ،‬سواء في ذلك اتخذ شكل دعوى مبتدأه أو قدم‬
‫‪144‬‬

‫كطلب عارض أو طلب إنبنى عليه طلب تدخل في دعوى قائمة – أو‬
‫طلبا بإثبات اتفاق الخصوم على صحة التعاقد على حق من الحقوق‬
‫كان ً‬
‫المذكورة والحاقه بمحضر الجلسة( الفقرة األخيرة من(‪/ ١٩٩١‬المادتين‬
‫‪ ، ٥٦، ١٠١‬والمادة ‪ ١٢٥‬مكرر من قانون المرافعات المضافة جميعها‬
‫بالقانون رقم ‪٥‬‬
‫وحيث بالبناء على ما تقدم‪ ،‬وأيا كان الحال بالنسبة للدفع بتزوير‬
‫التوقيع على اتفاق التحكيم بين طرفي الدعوى الماثلة أو إنكاره‪ ،‬فإنه يسبق‬
‫كل ذلك البحث في جواز االتفاق على التحكيم بشأن صحة ونفاذ عقد‬
‫البيع محل النزاع وقد انتهت المحكمة إلى عدم جواز هذا االتفاق اعتباره‬
‫إحدى حاالت الغش نحو القانون والتحايل عليه‪ ،‬ومن ثم يكون االتفاق‬
‫المذكور باطالً – واذا كان هذا البطالن متعلقا بالنظام العام ومن ثم‬
‫تقضى المحكمة من تلقاء نفسها – ببطالن حكم التحكيم الطعين عمال‬
‫بنص الفقرتين األولى والثانية من المادة (‪ )54‬من قانون التحكيم المصري‬
‫‪ -‬وهي ما يقابلها المادة (‪ )141‬من باب التحكيم في قانون الم ارفعات‬
‫المدنية والتجارية الليبي – والمدعين وشأنهما فيما يتعلق باتخاذ إجراءات‬
‫الطعن بتزوير اتفاق التحكيم المرفق صورته باألوراق‪.‬‬
‫يثير موضوع التحكيم في دعاوى صحة التعاقد أكثر من مسألة تتمثل‬
‫فيما يأتي‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪:‬العالقة بين قانون المرافعات وباب التحكيم‪:‬‬
‫يعتبر قانون المرافعات المدنية والتجارية هو الشريعة العامة في‬
‫اإلجراءات‪ ،‬أي أنه القانون العام في خصوص اإلجراءات‪ ،‬ويعد قانون‬
‫‪145‬‬

‫خاصا في هذا الشأن‪ ،‬األمر الذي يقيد معه قانون التحكيم‬


‫قانونا ً‬
‫التحكيم ً‬
‫قانون المرافعات تطبيًقا للمبدأ األصولي أن الخاص يقيد العام ‪.‬فإذا ورد‬
‫نصا في قانون المرافعات فيطبق النص‬ ‫نص في قانون التحكيم يخالف ً‬
‫مخالفا لنص متعلق بالنظام العام‬
‫ً‬ ‫الوارد في قانون التحكيم حتى ولو كان‬
‫في قانون المرافعات‪ ،‬واألمثلة على ذلك عديدة نذكر منها على سبيل‬
‫المثال ‪:‬‬

‫قواعد واجراءات اإلعالن ‪ :‬فقد وضع قانون المرافعات مجموعة من‬


‫القواعد واإلجراءات في اإلعالن تتعلق بالنظام العام وال يجوز االتفاق على‬
‫مخالفتها‪ ،‬أما قانون التحكيم فقد أورد في المادتين (‪ )153‬و (‪ )155‬منه‬
‫مجموعة من القواعد واإلجراءات تخالف تلك المنصوص عليها في قانون‬
‫المرافعات حيث جاء فيهما ما يلي " للخصوم أن يضمنوا عقد التحكيم أو‬
‫أي مشارطة أخرى للتحكيم أو أي اتفاق الحق يحررونه قبل أن يبتدئ‬
‫المحكمون في نظر القضية‪ ،‬قواعد معينة واجراءات يسير عليها‬
‫المحكمون‪ ،‬وفي حالة عدم قيامهم بذلك فللمحكمين أن يضعوا القواعد التي‬
‫يرونها صالحة واال وجب مراعاة األصول والمواعيد المتبعة أمام المحاكم‪.‬‬
‫والمحكمون المفوضون بالصلح معفون من التقيد بأوضاع المرافعات‬
‫وقواعد القانون"‪.‬‬
‫أما إذا كان اإلجراء المتعلق بالنظام العام قد ورد النص عليه في قانون‬
‫المرافعات‪ ،‬وخال من قانون التحكيم فيطبق هنا أحكام قانون المرافعات‪،‬‬
‫ايضا عديدة نذكر منها على سبيل المثال ‪:‬إعادة‬
‫واألمثلة على ذلك ً‬
‫‪146‬‬

‫الدعوى للمرافعة‪ :‬في حالة تغير تشكيل هيئة المحكمة إبان فترة حجز‬
‫الدعوى للحكم‪:‬‬
‫فتنص المادة ‪ 818/‬من قانون المرافعات الليبي على أنه "تجرى‬
‫سر في غرفة المداولة‪ ،‬وتقتصر على القضاة الذين‬
‫المداولة في الحكم ّاً‬
‫حضروا المرافعة"‪.‬‬
‫ولم يرد في قانون التحكيم نصا يعالج فرص تغيير تشكيل هيئة التحكيم‬
‫إبان فترة حجز الدعوى للحكم‪ ،‬وهنا يطبق قانون المرافعات لخلو قانون‬
‫التحكيم من حكم للمسألة‪.‬‬
‫وكذلك شهر صحيفة دعوى صحة التعاقد‪ ،‬فقد ورد النص عليها قانون‬
‫رقم (‪ )18‬لسنة ‪ 1122‬م بشأن مصلحة التسجيل العقاري االشتراكي‬

‫والتوثيق في المادتين (‪ )81‬و (‪ ،)84‬وجاء قانون التحكيم ً‬


‫خاليا منها‪،‬‬
‫األمر الذي يطبق معه تلك المواد المذكورة‪ ،‬ويقضى بعدم قبول دعوى‬
‫التحكيم في الصحة والنفاذ لعدم شهر صحيفتها‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪:‬أثر قيام المحتكم بشهر صحيفة دعوى الصحة‬


‫والنفاذ على قبول الدعوى التحكيمية‪:‬‬

‫سلفا أن عدم جواز التحكيم في دعاوى الصحة والنفاذ كان ر ً‬


‫اجعا‬ ‫ذكرنا ً‬
‫لمخالفة المحتكم لقواعد إجرائية متعلقة بالنظام العام وافالته منها وهي‬
‫شهر صحيفة الدعوى‪ ،‬فما الحكم لو أن المحتكم قام بشهر صحيفة‬
‫الدعوى‪ ،‬فهل تقبل دعواه أمام التحكيم حيث أنه لم يخالف‬
‫القواعد اإلجرائية المتعلقة بالنظام العام؟‬
‫‪147‬‬

‫إن اإلجابة على هذا السؤال تقضى بداية إبراز المخاطر التي يمكن أن‬
‫تحدث من جراء صدور حكم تحكيم في دعوى الصحة والنفاذ‪ ،‬وبيان أثر‬
‫تسجيل صحيفة الدعوى على الحد من هذه المخاطر‪.‬‬
‫فما يفضي منه في هذه الدعوى أن يتواطأ (أ) و (ب)‪ ،‬لالستيالء على‬
‫عقار مملوك لـ(ج) ‪ ،‬فيبرم (أ) بائع مع(ب) كمشترى عقد بيع لقطعة‬
‫أرض مملوكة لـ(ج)‪ ،‬وينصان في العقد البيع على شرط تحكيم بشأن اية‬
‫ويكونان بالتواطؤ فيما بينهما هيئة تحكيم تصدر‬
‫منازعات تنشأ عنه‪ّ ،‬‬
‫حكما لـ(ب) بصحة ونفاذ العقد الذى أبرمة مع)أ)‪ ،‬وال يطعنان عليه‬
‫ً‬
‫بالبطالن خالل مدة ثالثين يوم من إعالنه(‪ ،)246‬ويستحصل(ب) على‬
‫مالكا لقطعة األرض‬
‫صيغة تنفيذية على هذا الحكم ويصبح بالتالي ً‬
‫المملوكة أصالً لـ (ج)‪ ،‬وال يكون أمام (ج) في هذه الحالة سوى رفع‬
‫دعوى عدم نفاذ الحكم في مواجهته باعتباره من الغير ولم يمثل في‬
‫خصومة التحكيم‪ ،‬وحتى في حالة علم المالك الحقيقي بتسجيل صحيفة‬
‫الدعوى والتأشير بها في الشهر العقاري فإن علمه هذا لن يفيده في أن‬
‫يتدخل في الدعوى التحكيمية ألنه لم يكن طرًفا في اتفاق التحكيم‪ ،‬ومن‬
‫قانونا أنه ال تدخل وال إدخال في التحكيم وذلك على عكس الحال‬
‫المقرر ً‬

‫(‪ )246‬حيث جاء في نص المادة (‪ )110‬من باب التحكيم على أنه " يرفع طلب البطالن‬
‫باألوضاع المعتادة إلى المحكمة المختصة أصالً بنظر النزاع وذلك خالل ثالثين يوما من‬
‫تبليغ الحكم وال يقبل الطعن إذا انقضى عام على صدور األمر بتنفيذه‪ .‬وال يمنع من قبول‬
‫هذا الطلب تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين"‪.‬‬
‫‪148‬‬

‫أمام القضاء‪ ،‬فلو علم المالك الحقيقي بوجود دعوى صحة ونفاذ تخص‬
‫هجوميا ويطعن بالتزوير على العقد‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫أرضه فيستطيع التدخل فيها تدخ ً‬
‫الذى اصطنعه (أ) معه ووضع عليه توقيعه المزور(‪.)247‬‬
‫وازاء هذه الخشية فإننا نبدى عدة مقترحات متمنين أن يوليها المشرع‬
‫األهمية التي تستحقها ويجرى تعديالً على قانون التحكيم يجيز بموجبه‬
‫صراحة جواز اللجوء إلى التحكيم في الدعاوى الصحة والنفاذ مع صون‬
‫ملكية األشخاص من االعتداء عليها وسلبها‪ ،‬وتتمثل تلك االقتراحات فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫االقتراح األول ‪:‬النص صراحة على أن دعوى صحة التعاقد ال تقبل‬
‫أمام التحكيم إال إذا أشهرت صحيفتها‪.‬‬
‫االقتراح الثاني ‪:‬أن ينص القانون على ضرورة إحضار المالك الوارد‬
‫توقيعه على العقد السابق على العقد المراد الحكم بصحته ونفاذه‪ ،‬وذلك‬
‫بصفته من الغير الذي تحت يده مستند منتج في الدعوى‪ ،‬وهو العقد الذي‬
‫تملك بموجبه األرض محل النزاع‪.‬‬
‫االقتراح الثالث ‪:‬أن يوصغ المشرع من مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم‬
‫في الفرض الماثل‪ ،‬بأن ينص صراحة على امتداد شرط التحكيم في عقد‬
‫بيع العقار على أطراف العقود السابقة عليه‪ ،‬ونحن نرى أن تلك الفكرة‬
‫ليست شاذة وال مستغربة؛ ذلك ألننا بصدد دعوى عينية تخص ملكية‬

‫(‪ )247‬رضا السيد عبد الحميد ‪ ،‬التحكيم في المنازعات العقارية‪ ،‬الدورة المتخصصة فى التمويل‬
‫العقارى والمحاكم االقتصادية والتحكيم ينظمها مركز خدمة المجتمع باألكاديمية العربية‬
‫للعلوم والتكنولوجيا باإلشتراك مع مركز التحكيم الدولي ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪149‬‬

‫عقار‪ ،‬وبالتالي فالدعوى التي تتعلق بهذا العقار تهم كل من تداولت‬


‫ملكيته بينهم‪.‬‬

‫الخالصة‪:‬‬

‫مسألة النزاعات على العقارات في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي ال‬


‫تنحصر في موضوع التحكيم فقط‪ ،‬وانما التحكيم فيها أمر الحق في اثبات‬
‫ملكية العقار للمتنازعين دون تدخل اإلمام أو المحكمة في تلك‬
‫االجراءات‪ ،‬واالختالف يكمن بينهما أن الشريعة اإلسالمية استحبت كتابة‬
‫العقود بصفة عامة ولم تنص على وجوب الكتابة في اثبات العقد أو في‬
‫ملكية العقار‪ ،‬أما القانون المدني الليبي فقد جعل الكتابة وشهر صحيفتها‬
‫من موجبات اثبات ملكية العقار في السجل العقاري كما ذكره الباحث‬
‫سلفاً‪ ،‬ولكن التحكيم فيها أتى ناقصاً ومفرغاً من نص المشرع على أن ال‬
‫يحكم المحكمين إال بعد أن يقوموا بمراجعة اثبات العقار للمتنازعين فيه‪،‬‬
‫وأن يكون هناك تعاون بين المحكمين من جهة وبين المحكمة والسجل‬
‫العقاري من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪150‬‬

‫الفصل الخامس‬
‫الخاتمة‬

‫بعد حمد هللا سبحانه والثناء عليه‪ ،‬والصالة والسالم على نبيه محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها‬
‫الباحث خالل دراسة مباحثه في هذا البحث وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه في عموم المقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني‬
‫الليبي في مسألة الشقاق بين الزوجين فهم متفقون في أغلب‬
‫مواضيع التحكيم بين الزوجين‪ ،‬واختلفوا في بعض األمور الفقهية‪.‬‬
‫‪ .8‬أن مسألة النزاعات على العقارات في الشريعة اإلسالمية والقانون‬
‫المدني الليبي ال تنحصر في موضوع التحكيم فقط‪ ،‬وانما التحكيم‬
‫فيها أمر الحق في اثبات ملكية العقار للمتنازعين دون تدخل‬
‫اإلمام أو المحكمة في تلك االجراءات‪ ،‬واالختالف يكمن بينهما أن‬
‫الشريعة اإلسالمية استحبت كتابة العقود بصفة عامة ولم تنص‬
‫على وجوب الكتابة في اثبات العقد أو في ملكية العقار‪ ،‬أما‬
‫القانون المدني الليبي فقد جعل الكتابة وشهر صحيفتها من‬
‫موجبات اثبات ملكية العقار في السجل العقاري‪.‬‬

‫وأهم التوصيات المقترحة‪:‬‬


‫‪ .1‬متابعة نظام التحكيم بين كل فترة وفترة من أجل التعديالت‬
‫القانونية للقوانين التي تعيق من جني ثمار التحكيم‪.‬‬
‫‪ .8‬إيجاد مراقبة فنية تستمر في التوعية والتنبيه على ِعظم نظام‬
‫التحكيم ألنه أمر من عند هللا‪.‬‬
‫‪151‬‬

‫‪ .4‬العمل على تثقيف كوادر تحكيمية تتبع لديوان التحكيم عن‬


‫طريق الدورات والتدريبات واجتياز اإلختبارات للمنتسبين أو‬
‫مريدي االنتساب لهذه الدائرة‪.‬‬
‫‪ .3‬انشاء مركز للتحكيم يكون تبعيته للقضاء‪ ،‬وله ميزانية تتبع‬
‫و ازرة العدل؛ لتطوير كوادره‪ ،‬وعمل ورشات عمل وندوات علمية‬
‫في الموضوع ‪.‬‬
‫‪ .5‬العمل على إنشاء قانون مستقل للتحكيم‪ ،‬ليحل كل المشاكل‬
‫تكدست في أرفف المحاكم ولم يتم حلها‪ ،‬وذلك لبطيء‬ ‫التي ّ‬
‫سير الدعوى واجراءاتها ‪.‬‬
‫‪ .6‬انشاء مركز للتحكيم الدولي اإلسالمي‪ ،‬ويكون أعضاءه من‬
‫العلماء الضالعين في هذا المجال‪ ،‬ويسعون إلى تصديقها من‬
‫الدول اإلسالمية‪ ،‬لحل المشاكل العالقة بين الدول اإلسالمية‬
‫من جهه‪ ،‬وكذلك المشاكل الداخلية ان عجزت الدولة نفسها عن‬
‫حلها‪ ،‬ويرفق بهذا المركز محكمة إسالمية‪ ،‬لها اختصاصات‬
‫مثل اختصاصات محكمة الجنايات الدولية‪ ،‬ليكون للتحكيم قوة‬
‫إلزامية في تنفيذ أحكامه‪.‬‬
‫‪ .1‬يوصي الباحث بدراسة هذا الموضوع بشكل أكبر وأكثر تعمقاً‪،‬‬
‫نظ اًر ألن هذا الموضوع يتطور ليواكب مسيرة الحياة البشرية‪.‬‬
‫‪ .2‬يوجد العديد من الكتب الفقهية التي لم يسعفني الوقت لإلطالع‬
‫عليها واالقتباس منها‪ ،‬فأوصي غيري باالطالع عليها‪ ،‬والنهل‬
‫من علومها‪ ،‬واالسترشاد بنورها‪.‬‬
‫وفي نهاية الخاتمة ال أملك إال أن أقول إنني اجتهدت في إخراج‬
‫هذا البحث‪ ،‬الذي يتناول موضوعاً من أهم الموضوعات المعاصرة‪،‬‬
‫وبذلت وسعي في بحث مسائله‪ ،‬والعمل على تأصيلها‪ ،‬بحسب قدرتي‬
‫‪152‬‬

‫وامكاناتي المتواضعة‪ ،‬وال أدعي له الكمال‪ ،‬فما هو إال جهد بشري‪،‬‬


‫وصاحبه أحوج الناس إلى التوجيه واإلرشاد إلى الحق‪ ،‬والداللة إلى‬
‫الصواب‪ ،‬فإن كنت قد أصبت فبفضل من هللا وحده‪ ،‬له الحمد وله‬
‫الشكر‪ ،‬وان كنت قد أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان‪ ،‬أعاذنا هللا‬
‫تعالى منه‪.‬‬

‫واهلل من وراء القصد‬


‫الباحث‬
‫ماالنغ‪-‬اندونيسيا‬
‫‪2122/22/22‬م‬
‫‪153‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫آبادي ‪ ،‬العظيم ‪ .‬عون المعبود شرح سنن ابن داود ‪ .‬تحقيق عبد الرحمن‬
‫محمد عثمان ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬المكتبة السلفية ‪ :‬المدينة ‪ .‬سنة‬
‫‪1421‬ه‪.‬‬
‫ابن العربي ‪ ،‬أبو بكر محمد بن عبد هللا ‪ ،‬أحكام القرآن ‪ .‬تحقيق ‪ :‬محمد‬
‫عبد القادر عطا ‪ .‬دار الفكر للطباعة والنشر ‪ -‬لبنان ‪ .‬دون سنة‬
‫نشر ‪.‬‬
‫‪ .‬دون طبعة ‪ .‬المؤسسة السعيدية ‪:‬‬ ‫ابن اللحام ‪ ،‬االختيارات الفقهية‬
‫الرياض ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫ابن حزم‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد األندلسي القرطبي الظاهري‪.‬‬
‫المحلى باآلثار‪ .‬دون طبعة‪ .‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪ .‬دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫ابن رشد الجد ‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ‪ .‬المقدمات‬
‫الممهدات ‪ .‬تحقيق محمد حجي وسعيد أعراب ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1122‬م ‪.‬‬
‫ابن رشد الحفيد ‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد‬
‫القرطبي ‪.‬‬
‫ابن طاهر‪ ،‬الحبيب ‪ .‬الفقه المالكي وأدلته‪ .‬دون طبعة‪ .‬دار ابن حزم‪:‬‬
‫بيروت‪ .‬دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫‪154‬‬

‫ابن عابدين ‪ ،‬محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي‬
‫‪ .‬رد المحتار على الدر المختار ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬دار الفكر ‪:‬‬
‫بيروت ‪ .‬سنة‪1118‬م ‪.‬‬
‫ابن فرحون ‪ ،‬إبراهيم بن علي بن محمد ‪ .‬تبصره الحكام في أصول‬
‫االقضية ومناهج األحكام ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬مكتبة الكليات األزهرية ‪:‬‬
‫القاهرة ‪ .‬سنة ‪1126‬ه‪.‬‬
‫ابن قدامة المقدسي ‪ ،‬أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن‬
‫قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي ‪ .‬المغني ‪ .‬بدون‬
‫طبعة ‪ .‬مكتبة القاهره ‪ :‬القاهرة ‪ .‬سنة ‪1162‬م ‪.‬‬
‫ابن قدامة المقدسي ‪ ،‬أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن‬
‫قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي ‪ .‬الكافي في فقه‬
‫اإلمام أحمد بن حنبل ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت‬
‫‪ .‬سنة ‪1113‬م ‪.‬‬
‫ابن كثير ‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ‪ .‬تفسير‬
‫القرآن العظيم (ابن كثير) ‪ .‬تحقيق محمد حسين شمس الدين ‪.‬‬
‫الطبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1311‬ه ‪.‬‬
‫ابن كثير ‪ ،‬البداية والنهاية ‪ .‬الطبعة الرابعة ‪ .‬مكتبة المعارف ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫سنة ‪1308‬ه ‪.‬‬
‫ابن ماجه ‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني ‪ .‬سنن ابن ماجة ‪ .‬الطبعة‬
‫سنة‬ ‫الثانية ‪ .‬مكتب التربية العربي لدول الخليج ‪ :‬الرياض ‪.‬‬
‫‪1302‬ه ‪.‬‬
‫‪155‬‬

‫ابن نجيم المصري ‪ ،‬زين الدين بن إبراهيم بن محمد‪ ،‬المعروف ‪ .‬البحر‬


‫الرائق شرح كنز الدقائق ‪ .‬طبعة الثانية ‪ .‬دار الكتاب اإلسالمي ‪:‬‬
‫القاهرة ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫األرزقي‪ ،‬أبو وليد محمد بن عبد هللا بن أحمد ‪ .‬اختيار مكة وما جاء فيها‬
‫من اآلثار‪ .‬تحقيق رشدي ملحس‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬دار الثقافة‪ :‬مكة‬
‫المكرمة‪ .‬سنة ‪1425‬ه‪.‬‬
‫األزهري ‪ ،‬صالح عبد السميع األبي ‪ .‬جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ‬
‫خليل في مذهب اإلمام مالك ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار التنزيل ‪ :‬القاهرة ‪.‬‬
‫سنة ‪1448‬ه ‪.‬‬
‫أسد ‪ ،‬محمد ‪ .‬منهاج اإلسالم في الحكم ‪ .‬تحقيق منصور محمد ماضي ‪.‬‬
‫الطبعة السادسة ‪ .‬دار العلم للماليين ‪ :‬بيروت ‪1124 .‬م ‪.‬‬
‫األشعل ‪ ،‬عبد هللا ‪ .‬الفكر القانوني والسياسي في القرآن الكريم ‪ .‬الطبعة‬
‫األولى ‪ .‬مكتبة الشروق الدولية ‪ :‬القاهرة ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫األلوسي ‪ ،‬شهاب الدين محمود بن عبد هللا الحسيني ‪ .‬روح المعاني في‬
‫تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ‪ .‬تحقيق علي عبد الباري عطية‬
‫‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1315‬ه ‪.‬‬
‫البابرتي ‪ ،‬محمد بن محمد ‪ .‬العناية شرح الهداية ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار الفكر‬
‫‪ :‬بيروت ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫الباجي‪ ،‬أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي‬
‫القرطبي األندلسي‪ .‬المنتقى شرح الموطأ‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬مطبعة‬
‫السعادة‪ :‬مصر‪ .‬سنة ‪1448‬ه‪.‬‬
‫‪156‬‬

‫باقر ‪ ،‬طه‪ .‬مقدمه في تاريخ الحضارات القديمه تاريخ الفرات القديم‪.‬‬


‫الطبعة األولى ‪ .‬بغداد ‪ .‬سنة ‪1155‬م‪.‬‬
‫البخاري ‪ ،‬عبد العزيز بن أحمد بن محمد عالء الدين الحنفي ‪ .‬كشف‬
‫األسرار شرح أصول البزدوي ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬الشركة الصحافية‬
‫العثمانية ‪ :‬تركيا ‪ .‬سنة ‪ 1402‬ه ‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار الحديث ‪ :‬القاهرة ‪.‬‬
‫سنة‪8003‬م ‪.‬‬
‫بريري ‪ ،‬حمود مختار أحمد ‪ .‬التحكيم التجاري الدولي ‪ .‬الطبعة الرابعة ‪.‬‬
‫دار النهضة العربية ‪ :‬مصر ‪ .‬سنة النشر ‪8010‬م‪.‬‬
‫البزار ‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خالد بن عبيد هللا‬
‫العتكي ‪ .‬مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار ‪ .‬تحقيق محفوظ‬
‫الرحمن زين هللا وآخرون ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬مكتبة العلوم والحكم ‪:‬‬
‫المدينة المنورة ‪ .‬سنة ‪. 8001‬‬
‫البشري‪ ،‬عماد ‪ .‬فكرة النظام العام فى النظرية والتطبيق‪ .‬رسالة دكتوراة من‬
‫كلية الحقوق جامعة اإلسكندرية سنة ‪ .8008‬الطبعة األولى‪ .‬سنة‬
‫‪ . 8005‬المكتب اإلسالمى فى بيروت‪.‬‬
‫البلخي ‪ ،‬لجنة علماء برئاسة نظام الدين ‪ .‬الفتاوى الهندية ‪ .‬طبعة الثانية ‪.‬‬
‫دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1410‬ه‪.‬‬
‫بن زكريا األنصاري ‪ ،‬زكريا بن محمد بن أحمد زين الدين أبو يحيى‬
‫السنيكي ‪ .‬فتح الوهاب بشرح منهج الطالب ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار‬
‫الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1113‬م ‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫البهوتى ‪ ،‬منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس الحنبلى‬


‫‪ .‬كشاف القناع عن متن اإلقناع ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪،‬‬
‫دون سنة نشر ‪.‬‬
‫البيجرمي ‪ ،‬سليمان بن محمد ‪ .‬حاشية البيجرمي على شرح المنهاج ‪ .‬دون‬
‫طبعة ‪ .‬مطبعة الحلبي ‪ :‬غزة ‪ .‬سنة ‪1150‬م ‪.‬‬
‫الخ طس َرطو ِجردي الخراساني ‪.‬‬
‫البيهقي ‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫السنن الكبرى ‪ .‬تحقيق محمد عبد القادر عطا ‪ .‬الطبعة الثالثة ‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت لبنان ‪ .‬سنة ‪8004‬م ‪.‬‬
‫التحيوي ‪ ،‬محمود السيد عمر ‪ .‬الطبيعة القانونيىة لنظام التحكيم ‪ .‬دون‬
‫طبعة ‪ .‬منشأة المعارف ‪ :‬مصر ‪ .‬سنة النشر ‪8004‬م‪.‬‬
‫الجرجاني ‪ ،‬علي بن محمد ‪ .‬التعريفات ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية بيروت ‪ :‬لبنان ‪ .‬سنة ‪1124‬م ‪.‬‬
‫الجصاص ‪ ،‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الحنفي ‪ .‬أحكام القرآن ‪.‬‬
‫تحقيق محمد صادق القمحاوي ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1305‬ه‪.‬‬
‫الجمال ‪ ،‬عبد العال ‪ ،‬مصطفى وعكاشة محمد ‪ .‬التحكيم في العالقات‬
‫الخاصة الدولية والداخلية ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار النهضة العربية ‪:‬‬
‫القاهرة ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫الحديثي ‪ ،‬علي خليل ‪ .‬دكتوراه في عقود االستثمار ونقل التكنولوجيا ‪.‬‬
‫مستشار غرفة تجارة وصناعة عجمان – التحكيم وأهميته – مقال‬
‫على الشبكة العنكبوتية ‪.‬‬
‫‪158‬‬

‫الحصكفي ‪ ،‬محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنفي ‪ .‬الدر‬


‫المختار شرح تنوير األبصار وجامع البحار ‪ .‬تحقيق عبد المنعم‬
‫خليل إبراهيم ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة‬
‫‪8008‬م ‪.‬‬
‫الحطاب الرعيني ‪ ،‬شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن محمد بن عبد‬
‫الرحمن الطرابلسي المغربي ‪ .‬مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‬
‫‪ .‬طبعة الثالثة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1118‬ه ‪.‬‬
‫الحميدي ‪ ،‬عبدالعزيز بن عبدهللا ‪ .‬تفسير ابن عباس ومروياته في الكتب‬
‫الستة ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬جامعة أم القرى ‪ :‬مكة المكرمة ‪ .‬دون سنة‬
‫نشر ‪.‬‬
‫الحنبلي‪ ،‬ابن رجب ‪ .‬القواعد الفقهية‪ .‬دون طبعة‪ .‬دار المعرفة ‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫دون تاريخ نشر‪.‬‬
‫حيدر ‪ ،‬علي ‪ .‬درر الحكام شرح مجلة األحكام ‪ .‬تعريب‪ :‬المحامي فهمي‬
‫الحسيني ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬لبنان بيروت ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫الخفيف ‪ ،‬الشيخ علي ‪ .‬الضمان في الفقه اإلسالمي ‪ .‬الطبعة األولى ‪.‬‬
‫دار الفكر العربي ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪8000‬م‪.‬‬
‫الدسوقي ‪ ،‬الشرح الكبير ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬دون تاريخ‬
‫‪.‬‬
‫الدسوقي ‪ ،‬محمد بن أحمد بن عرفة المالكي ‪ .‬حاشية الدسوقي على الشرح‬
‫الكبير ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫الدوري ‪ ،‬قحطان عبد الرحمن ‪ .‬عقد التحكيم في الفقه اإلسالمي والقانون‬
‫‪159‬‬

‫الوضعي ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار الفرقان للنشر والتوزيع ‪ :‬األردن ‪.‬‬


‫سنة ‪8008‬م ‪.‬‬
‫الرازي ‪ ،‬التفسير الكبير ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار احياء التراث العربي ‪:‬‬
‫ببيروت ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫الرازي ‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر ‪ .‬مختار الصحاح ‪ .‬تحقيق ‪:‬‬
‫محمود خاطر ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ :‬بيروت ‪.‬‬
‫‪1115‬م‪.‬‬
‫الزحيلي ‪ ،‬وهبة بن مصطفى ‪ .‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪ .‬الطبعة الرابعة ‪.‬‬
‫دار الفكر ‪ :‬دمشق ‪ .‬سنة ‪1433‬ه‪.‬‬
‫الزرقا ‪ ،‬مصطفى أحمد ‪ .‬الفعل الضار والضمان فيه ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار‬
‫الشامية للطباعة والتوزيع ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪. 1122‬‬
‫زيدان ‪ ،‬عبد الكريم ‪ .‬الفرد والدولة ‪ .‬الطبعة الخامسة ‪ .‬مؤسسة الرسالة‬
‫للنشر والتوزيع ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1110‬م‪.‬‬
‫الزيلعي ‪ ،‬فخر الدين عثمان ابن علي ‪ .‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ‪.‬‬
‫طبعة األولى ‪ .‬المطبعة الكبرى األميرية ‪ :‬بوالق ‪ -‬القاهرة ‪ .‬سنة‬
‫‪1414‬ه‪.‬‬
‫سامي ‪ ،‬فوزي محمد ‪ .‬التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة ‪ .‬طبعة‬
‫الرابعة ‪ .‬دار الثقافة للنشر والتوزيع ‪:‬القاهرة ‪ .‬سنة ‪8010‬م ‪.‬‬
‫سراج ‪ ،‬محمد أحمد ‪ .‬ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي ‪ .‬الطبعة األولى‬
‫‪ .‬المؤسسة العربية للدراسات ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1114‬م ‪.‬‬
‫السرخسي ‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة ‪ .‬اصول السرخسي‬
‫‪160‬‬

‫‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪1114 .‬م ‪.‬‬


‫السرخسي ‪ ،‬محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة ‪ .‬المبسوط ‪ .‬دون‬
‫طبعة ‪ .‬دار المعرفة ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1114‬م ‪.‬‬
‫السنهوري‪ ،‬عبد الرزاق ‪ .‬الوسيط في شرح القانون المدني‪ .‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ :‬بيروت‪ .‬سنة ‪8000‬م‪.‬‬
‫السهارنفوري ‪ ،‬خليل أحمد ‪ .‬بذل المجهود في حل أبي داود ‪ .‬دون طبعة ‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫السيوطي ‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين ‪ .‬الدر المنثور ‪ .‬دون‬
‫طبعة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫الشاطبي ‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي ‪ .‬الموافقات ‪.‬‬
‫تحقيق أ بو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار‬
‫ابن عفان ‪ :‬القاهرة ‪ .‬سنة ‪1111‬م ‪.‬‬
‫الشافعي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن إدريس ‪ .‬األم‪ .‬دون طبعة‪ .‬دار المعرفة‪:‬‬
‫بيروت‪ .‬سنة ‪1110‬م‪.‬‬
‫الشربيني ‪ ،‬محمد بن احمد ‪ .‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ‬
‫المنهاج ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة‬
‫‪1113‬م ‪.‬‬
‫شيرازي‪ ،‬ناصر مكارم‪ .‬األمثل في كتاب هللا المنزل‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬دار‬
‫األميرة للنشر والتوزيع‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪8005‬م‪.‬‬
‫الصاوي ‪ ،‬احمد بن محمد ‪ .‬حاشية الصاوي على الشرح الصغير ‪ .‬دون‬
‫طبعة ‪ .‬دار المعارف ‪ :‬القاهرة ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫الطحاوي ‪ ،‬احمد بن محمد بن اسماعيل ‪ .‬حاشية الطحاوي على الدر‬


‫المختار ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار ابن نفيس ‪ :‬االسكندرية ‪ .‬سنة ‪.1128‬‬
‫عبد الباري‪ ،‬رضا عبد الحميد عبد المجيد ‪ .‬الوجيز في الملكية والحقوق‬
‫العينية التبعية‪ .‬جامعة بنها كلية الحقوق‪.‬‬
‫عبد الحميد‪ ،‬رضا السيد ‪ .‬التحكيم في المنازعات العقارية‪ .‬الدورة‬
‫المتخصصة فى التمويل العقارى والمحاكم االقتصادية والتحكيم‬
‫ينظمها مركز خدمة المجتمع باألكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا‬
‫باإلشتراك مع مركز التحكيم الدولي‪.‬‬
‫العربي ‪ ،‬محمد عبد هللا ‪ .‬نظام الحكم في اإلسالم ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار‬
‫الفكر ‪ :‬لبنان ‪ .‬دون تاريخ نشر ‪.‬‬
‫عرض ‪ ،‬نادية محمد ‪ .‬التحكيم التجاري الدولي ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ :‬القاهرة ‪ .‬سنة ‪8008‬م ‪.‬‬
‫العسقالني ‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل الشافعي ‪ .‬فتح الباري‬
‫شرح صحيح البخاري ‪ .‬تحقيق محب الدين الخطيب ‪ .‬دون طبعة ‪.‬‬
‫دار المعرفة ‪ :‬بيروت ‪1411 .‬ه ‪.‬‬
‫عكاشة ‪ ،‬خالد كمال ‪ .‬دور التحكيم في فض المنازعات الدولية واالستثمار‬
‫‪ .‬دون طبعة ‪ .‬سنة ‪8014‬م‪.‬‬
‫علي ‪ ،‬جواد ‪ .‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ .‬الطبعة ‪ :‬الرابعة ‪.‬‬
‫دار الساقي ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪.8001‬‬
‫عليش ‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد أبو عبد هللا المالكي ‪ .‬منح الجليل شرح‬
‫مختصر خليل ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪. 1121‬‬
‫‪162‬‬

‫عمر ‪ ،‬نبيل إسماعيل ‪ .‬التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية‬


‫والدولية ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬دار الجامعة الجديدة ‪ :‬االسكندرية مصر‬
‫‪ .‬سنة النشر ‪8005‬م‪.‬‬
‫العوا ‪ ،‬محمد سليم ‪ .‬دراسات في قانون التحكيم المصري والمقارن ‪ ،‬دون‬
‫طبعة ‪ ،‬دار الكتب القانونية ‪ :‬مصر ‪ ،‬سنة النشر ‪8002‬م ‪.‬‬
‫فضل هللا‪ ،‬محمد حسين ‪ .‬من وحي القرآن‪ .‬الطبعة الثالثة‪ .‬دار المالك‬
‫للطبع والتوزيع‪ :‬لبنان ‪ .‬سنة ‪.8001‬‬
‫القرافي ‪ ،‬أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي ‪ .‬الفروق أو أنوار البروق‬
‫في أنواء الفروق ‪ .‬تحقيق ‪ :‬خليل المنصور ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1312‬هـ ‪1112 -‬م ‪.‬‬
‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري‬
‫الخزرجي شمس الدين ‪ .‬الجامع ألحكام القرآن "تفسير القرطبي" ‪.‬‬
‫تحقيق ‪:‬أحمد البردوني وابراهيم أطفيش‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬دار الكتب‬
‫المصرية‪ :‬القاهرة‪ .‬سنة ‪1163‬م‪.‬‬
‫القره داغي ‪ ،‬علي محي الدين ‪ .‬مبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنه في‬
‫الفقه اإلسالمي والقانون المدني ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪8008‬م ‪.‬‬
‫القطان ‪ ،‬مناع خليل ‪ .‬وجوب تحكيم الشريعة اإلسالمية ‪ .‬دون طبعة ‪.‬‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية ‪ :‬السعودية ‪ .‬سنة ‪1125‬م‬
‫‪.‬‬
‫القلموني ‪ ،‬محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء‬
‫‪163‬‬

‫الدين بن منال علي خليفة الحسيني ‪ .‬تفسير القرآن الحكيم (تفسير‬


‫المنار) ‪ .‬دون طبعة ‪ .‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ :‬مصر ‪.‬‬
‫سنة ‪1110‬م‪.‬‬
‫القليوبي ‪ ،‬عميرة ‪ ،‬أحمد سالمة وأحمد البرلسي ‪ .‬حاشيتا قليوبي وعميرة ‪.‬‬
‫دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1115‬م ‪.‬‬
‫الكاساني ‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الحنفي ‪ .‬بدائع‬
‫الصنائع في ترتيب الشرائع ‪ .‬طبعة الثانية ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪:‬‬
‫بيروت ‪ .‬سنة ‪1126‬م ‪.‬‬
‫مازه ‪ ،‬برهان الدين محمود بن احمد ‪ .‬المحيط البرهاني في الفقه النعماني ‪.‬‬
‫تحقيق عبد الكريم سامي الجندي ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪8003‬م ‪.‬‬
‫الماوردي ‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري‬
‫البغدادي ‪ .‬الحاوي الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح‬
‫مختصر المزني ‪ .‬المحققين الشيخ علي محمد معوض ‪ -‬الشيخ‬
‫عادل أحمد عبد الموجود ‪ .‬الطبعة األولى ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪:‬‬
‫بيروت – لبنان ‪ .‬سنة ‪1111‬م‪.‬‬
‫الماوردي ‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري‬
‫البغدادي ‪ .‬أدب القاضي ‪ .‬تحقيق محيي هالل السرحان ‪ .‬الطبعة‬
‫األولى ‪ .‬مطبعة اإلرشاد ‪ :‬بغداد ‪ .‬سنة ‪1411‬ه ‪.‬‬
‫مجلة األحكام العدلية ‪ ،‬لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخالفة‬
‫العثمانية ‪ .‬تحقيق ‪ :‬نجيب هواويني ‪ .‬دار نور محمد كارخانه‬
‫‪164‬‬

‫ِ‬
‫تجارت كتب آرام باغ ‪ :‬كراتشي ‪ .‬دون سنة نشر ‪.‬‬
‫مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي‬
‫بدولة اإلمارات العربية المتحدة من ‪ 6 -1‬ذي القعدة ‪1315‬هـ‬
‫الموافق ‪ 6 -1‬نيسان (أبريل) ‪1115‬م ‪.‬‬
‫مذكور ‪ ،‬محمد سالم ‪ .‬نظرية اإلباحة عند األصوليين ‪ .‬طبعة الثانية ‪.‬‬
‫دار النهضة العربية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1123‬م ‪.‬‬
‫المرغيناني ‪ ،‬ابو الحسن علي بن ابي بكر ‪ .‬الهداية شرح بداية المبتدئ ‪.‬‬
‫تحقيق نعيم أشرف نور محمد ‪ .‬طبعة األولى ‪ .‬إدارة القرآن والعلوم‬
‫اإلسالمية ‪ :‬باكستان ‪ .‬سنة ‪1311‬ه ‪.‬‬
‫المواق ‪ ،‬محمد بن يوسف ‪ .‬التاج واالكليل لمختصر خليل ‪ .‬طبعة األولى‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1113‬م ‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية ‪ ،‬الصادرة عن و ازرة األوقاف والشئون اإلسالمية‬
‫الكويت ‪ .‬طبعة الثانية ‪ .‬دار السالسل ‪ :‬الكويت ‪ .‬دون سنة نشر‪.‬‬
‫الموصلي ‪ ،‬عبدهللا بن محمود ‪ .‬االختيار لتعليل المختار ‪ .‬دون طبعة ‪.‬‬
‫مطبعة الحلبي ‪ :‬القاهرة ‪ .‬سنة ‪1141‬م ‪.‬‬
‫النشمي ‪ ،‬عجي ل ‪ .‬مقال التحكيم والتحاكم الدولي في الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬
‫ّ‬
‫مقدم للمجلس األوروبي لإلفتاء والبجوث للدورة العادية‬
‫وهو بحثٌ ّ‬
‫التاسعة المنعقدة في فرنسا‪.‬‬
‫النووي ‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف ‪ .‬المجموع شرح المهذب ‪.‬‬
‫دون طبعة ‪ .‬دار الفكر ‪ :‬بيروت ‪ .‬سنة ‪1111‬ه ‪.‬‬
‫النووي ‪ ،‬أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف ‪ .‬المنهاج شرح صحيح‬
‫‪165‬‬

‫مسلم بن الحجاج ‪ .‬الطبعة الثانية ‪ .‬دار إحياء التراث العربي –‬


‫بيروت ‪1418 .‬هـ ‪.‬‬
‫اليعمري ‪ ،‬أبي عبد هللا محمد بن فرحون ‪ .‬تبصرة الحكام في أصول‬
‫األقضية ومناهج األحكام ‪ .‬تحقيق‪ :‬جمال مرعشلي ‪ .‬دار الكتب‬
‫العملية ‪ :‬بيروت لبنان ‪ .‬سنة ‪8001‬م ‪.‬‬

You might also like