Professional Documents
Culture Documents
مبدأ التحكيم في فض النزاعات
مبدأ التحكيم في فض النزاعات
رسالة الماجستير
إعداد الطالب
3762 – 3762م
أ
ٱلرِنَٰمۡح ه ه
ٱَّللِ ه
يم
ح ِٱلر ِ ِمۡسِب
ِيما َش َ
جرَ وك ف َ َّت ُيَكِم َ َ
ون َح ٰه ََ ََ َ َ ۡ
﴿فَل وربِك َل يؤمِن
سه ۡم َح َرجا م هِما قَ َض ۡيتَ َ ََۡ ۡ ه َ َ ْ
ٓ
َيدوا ِِف أنف ِ ِبينهم ثم َل ِ
ۡ َ َ ْ َ
ويسلِموا تسلِيما [﴾٦٥النساء.]56:
صدق هللا العظيم
ب
اإله ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداء
شكر وتقدير
انطالقاً من قول الحق تبارك وتعالىَ﴿ :لِئن َش َك ْرتُ ْم أل َِز َيدَّن ُك ْم﴾) ،(1وقول
النبي صلى هللا عليه وسلم( :من ال يشكر الناس ال يشكر هللا)) (2أشكر هللا
وأحمده تعالى حمداً كثي اًر طيباً مباركاً فيه ،ملء السماوات وملء األرض
وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك
عبد.
فله الشكر سبحانه على نعمه التي ال تحصى ،ومن أعظمها نعمة
اإلسالم ،ونعمة طلب العلم الشرعي في منهله الصافي.
وعرفاناً بالجميل أتقدم بالشكر الجزيل للمسئولين في جامعة موالنا مالك
إبراهيم اإلسالمية الحكومية ،وعلى رأسهم رئيس الجامعة األستاذ
البروفيسور :موجيا راهارجو حفظه هللا ورعاه الذي سهل لنا بفضل هللا عز
وجل التدارس في هذه الجامعة المباركة فجزاه هللا خي اًر.
كما أتقدم بجزيل الشكر إلى مدير الدراسات العليا البروفيسور :عبد
المهيمن والى األساتذة األفاضل في جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية
الحكومية ،وأخص بالشكر الدكتور منير العابدين الذي كان لنا نعم األستاذ
واألب في مشوار دراستنا في هذه الجامعة المباركة.
وأدين بالفضل والتقدير للدكتور عباس عرفان المشرف األول على هذا
البحث الذي مد لي يد العون في إخراجه إلى حيز الوجود ،فقد ألفيته مشرفاً
معيناً موجهاً بدقة عند المسير ومنبهاً عند الوئيد مسي اًر لي سبل االلتقاء به
أعظم التيسير فبذل جهده بكل إخالص وشجعني على متابعة البحث بكل
جد ونشاط ولم يأل جهداً في التوجيه والنصح فقد كان لي نعم المعلم ونعم
المرشد فبارك هللا فيه وفي ذريته ونفعه هللا بعلمه في الدارين.
كما أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للدكتور عون الرفيق ،المشرف الثاني
على البحث ،فقد كان من اسمه نصيب في مد يد العون في هذه الرسالة،
فجزاه هللا عنا خير الجزاء ووفقه هللا في دينه ودنياه.
وأشكر أيضا جميع الموظفين والعاملين في هذه الجامعة على جميع
المساعدات.
وأتقدم بشكري وامتناني أيضاً إلى عمي االستاذ طارق مؤمن الذي مد
لي يد العون ،فقد كان متابعاً لي في سفري ومراحل دراستي فبارك هللا فيه
وفي أسرته الكريمة.
وفي الختام والختام مسك أتوجه بشكري إلى أصل الفكرة ،وش اررة
االنطالقة ،شيخينا الفاضل صاحب الفكر الوّقاد ،الشيخ الدكتور بشير عبد
هللا القلعي ،الذي مد لي يد العون في جميع مراحل دراستي منذ المرحلة
الثانوية وحتى هذه اللحظة وهو يقدم لي النصح واإلرشاد ،فقد كان لي نعم
المنهل في دراسة العلوم الشرعية ،فجزاه هللا كل خير وحفظه هو وأسرته
الكريمة ،وأخص منهم بالذكر االستاذ يونس بشير القلعي الذي أعانني
بالبحث في سجالت المحاكم عن قضايا للتحكيم ،فجزاه هللا كل خير.
وأسأل هللا أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ،وصلى هللا على عبده ورسوله
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ه
محتويات البحث
ر.الصفحة الموضوع
أ اآلية القرآنية
ب االهداء
ج شكر وتقدير
ه محتويات البحث
496 النتائج
496 التوصيات
492 قائمة المصادر والمراجع
جمهورية إندونيسيا
يعتمد
عميد كلية الدراسات العليا:
أ.د .مهيمن
(دراسة مقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون العنوان :مبدأ التحكيم في فض المنازعات
المدني الليبي)
أقر بأن هذه الرسالة التي حضرتها لتوفير شرط للحصول علي درجة
الماجستير في الشريعة و القانون كلية الدراسات العليا بجامعة موالنا مالك
إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج ,حضرتها و كتبتها بنفسي وما زورتها من
إبداع غيري أو تأليف شخص آخر .وإذا ادعي احد مستقبالا أنها من تأليفه وتبين
أنها فعال ليست من بحثي فانا أتحمل المسؤولية عن ذلك ولن تكون المسؤولية
علي المشرف أو علي كلية الدراسات العليا بجامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية
الحكومية ماالنج .
هذا ,حررت هذا اإلقرار بناء علي رغبتي الخاصة ولم يجبرني احد علي ذلك .
رسالة الماجستير
هذه الرسالة قدمت إلى جامعة موالنا مالك إبراهيم اإلسالمية الحكومية ماالنج
الستيفاء شرط من شروط الحصول على درجة الماجستير في الشريعة والقانون
إعداد الطالب
0961 – 0962م
جمهــــوريــــة إندونيسيــــــــــــا
تقرير
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن وااله .
أما بعد:
يعتمد من قبل:
د .الفضيل().................................
رسالة الماجستير
إعداد الطالب
3762 – 3762م
1
الفصل األول
اإلطار العام والدراسات السابقة
تأسس المركز الدولي للتحكيم -ليبيا عام 8002وهو عضو اعتباري بإتحاد المحامين ( )1
األفريقي والدولي وذلك لتلبية االحتياجات والمتطلبات المحلية والدولية المعاصرة ومواكبة
عصر العولمة لسرعة انجاز الفصل المنازعات التجارية والمدنية باللجوء إلى المركز الدولي
للتحكيم -ليبيا بدال من مراكز التحكيم األجنبية وبث ثقافة التحكيم وجذب االستثمار األجنبي
2
ََُۡ ْ َۡ ۡ ذ َۡۡ َ َ َ َ ۡ
﴿ ....وأوفوا بِٱلعه ِدِۖ إِن ٱلعهد َكن مسوا . ﴾٣٤
()3
ۡ َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ ذ َ َ َٰ َ ُّ
﴿وأوفوا بِعه ِد ٱَّلل ِ إِذا عهدتم . ﴾٩١ ....
)(4
َ َ ۡ ذ َۡ ُ ْ
﴿ ...وبِعه ِد ٱَّللِ أوفوا . ﴾١٥٢ ...
()5
.2إن عدم الوفاء بالعهد يؤدي إلى المسائلة والجزاء سواء في الدنيا أو
لليبيا ،وهو احد المؤسسين لالتحاد العربي لمراكز التحكيم والذي يضم عدداً من مراكز التحكيم
على مستوى الدول العربية وكذلك االتحاد المغاربي للتحكيم .ولمزيد من المعلومات حول هذا
المركز أرجو زيارة الصفحة الرسمية له . /http://www.ica-ly.com :
( )2سورة المائدة ،االية .1
( )3سورة اإلسراء ،اآلية .43
( )4سورة النحل ،اآلية .11
( )5سورة األنعام ،اآلية .158
3
اآلخرة أو كليهما معا ،وهو ما يشير إليه القران الكريم في اآلية التي سبق
َ َ ۡ ذ ۡ َ ُ ْ ۡ
ذكرها ﴿ َ ....وأ ۡوفوا بِٱل َع ۡه ِدِۖ إِن ٱل َع ۡه َد َكن َمسوا .)6( ﴾٣٤وبالمقابل ،فان
َ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ َٰ َ َ َ َ ۡ ُ ذ َ َ ۡ
ٱَّلل ف َس ُيؤت ِيهِ أ ۡج ًرا من يفي بالعهد ،ينال أجره ﴿ ..ومن أوَف بِما عهد عليه
َ
ع ِظيما ،)7( ﴾١٠وعلى األغلب يكون ذلك في اآلخرة ،وربما في الدنيا
ايضا .
.3إن الوفاء بالعهد واجب حتى مع غير المؤمنين أي المشركين ،ما داموا
قائمين على العهد لم ينقضوه .وفي ذلك ،يقول القران الكريم ﴿إ ذا ذٱَّل َ
ِين ِ
َ ُ ذ َ ۡ َ ُ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ُّ ٓ ْ َ َٰ َ ُّ َ ۡ ُ ۡ
ۡشك ِني ثم لم ينقصوكم شيا ولم يَٰٰ ِهروا عليمم أددا فتت ِموا عهدتم مِن ٱلم ِ
ني .)8(﴾٤ِب ٱل ۡ ُم ذتق َ
ِ إ َ َۡله ۡم َع ۡه َد ُه ۡم إ َ ََٰل ُم ذدتِه ۡم إ ذن ذ َ
ٱَّلل ُُي ُّ
ِ ِ ِ ِ ِ
.3ان الوفاء بالعهد هو من اإليمان ،إذ من صفات المؤمنين إنهم ﴿ ..
َ َ َٰ َ َٰ ۡ َ َ ۡ ۡ َ َٰ ُ َ
ن
ِِلمنت ِ ِهم وعه ِدهِم رعون ، ﴾٨أي الذين هم ينفذو تعهداتهم .وجاء
()9
وبالنسبة للنوع الثاني ،وردت آيات متعددة في الحكم بين الناس بمعنى
القضاء في منازعاتهم .ومن مجمل هذه اآليات نستدل ما يلي:
.1أن القران الكريم ال يفرق في الحكم بين الناس بين القضاء الرسمي
والتحكيم االختياري بالمفهوم القديم الجديد .
.2يجوز التحكيم في كافة المنازعات اإلنسانية ،وبشكل خاص في
المنازعات المالية ومنازعات األحوال الشخصية ،وعلى التحديد ،بالنسبة
لألخيرة ،المنازعات بين األزواج .فبالنسبة لألولى ،يقول القران الكريم﴿ :
ۡ َٓ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ َ َۡ َ ُ ۡ َغ َب ۡع ُض َنا َ َ َٰ
ان َب َ َٰ َ ۡ َ
ٱۡل ِق َوا تش ِط ۡط َوٱهدِنا إ ِ ََٰل لَع َب ۡع ٖض فٱدمم بيننا ِب خصم ِ
ذ َ َٰ َ ٓ َ َ ُ ۡ َ َ َ ٞ َ َ ٞ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ٞ ٓ
ٱلص َر َٰ ِط ٢٢إِن هذا أ ِِخ َلۥ ت ِسع وت ِسعون نعجة و ِِل نعجة وَٰدِدة فقال َس َواءِ ِ
ِإَون خ ِۡف ُتمۡ
ۡ َ َ ۡ ۡ
أكفِلن ِيها . ﴾٢٣وبالنسبة للثانية جاء في القران الكريم ﴿
()12
ۡ َۡ َٓ ُ َٓ َ َ َۡ َ َ َۡ َ َ ۡ ُ ْ َ
يدا إ ِ ۡصلَٰحا ٱب َعثوا َدكما م ِۡن أهلِهِۦ َو َدكما مِن أهل ِها إِن ي ِر شِقاق بين ِ ِهما ف
ذُ ََُۡ َ ٓ ذ ذَ َ َ َ ً َ
ِيما خبِريا . )13(﴾٣٥ يُ َوف ِِق ٱَّلل بينهما ۗٓ إِن ٱَّلل َكن عل
.3إن قرار التحكيم يجب أن يبنى على العدل والحق ،دون تفرقة ما بين
إنسان وآخر ،أو مؤمن وكافر .ويقول القران الكريم في هذا الشأن:
َ َ َ ۡ ُ َۡ َ ذ ِ َ َۡ ُ ُ ْ ۡ َ ۡ ذ ذَ ذ َ ُ ُ
مم بِهِۗٓۦٓ ﴿۞ ِإَوذا دكمتم بني ٱنلاس أن َتكموا بِٱلعد ِل ِۚ إِن ٱَّلل نِعِما ي ِعظ
َ ُُۡۡ َ ۡ ُ ْ َ
ٱعدِلوا َول ۡو ََك َن َذا قُ ۡر َ َٰ
بِۖ .)16( ﴾١٥٢ ﴿ِإَوذا قلتم ف
ذ ذَ َُۡ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ
س ِن .)17(﴾٩٠ ٱۡل ۡد َ َٰ
﴿۞إِن ٱَّلل يتمر بِٱلعد ِل و ِ
وتطبيقا للنصوص القرآنية السابقة وغيرها ،فقد أجاز الفقهاء المسلمون،
عموما ،التحكيم مع االختالف في التفصيالت واالجتهادات الفقهية ،شأنهم
في ذلك شأن غيرهم من فقهاء القانون في كل زمان ومكان في تفسير
النصوص ومجال تطبيقها(.)18
( )19مجلة األحكام العدلية ،لجنة مكونة من عدة علماء وفقهاء في الخالفة العثمانية ،تحقيق :
تجارت كتب آرام باغ :كراتشي ،ج ،1ص.465 ِ نجيب هواويني ،دار نور محمد كارخانه
9
وعلى هذا فإن بحثي سيكون في الشريعة اإلسالمية لما له شمول في
األحكام والعبادات ،فموضوع التحكيم هو موضوع ال يزال يدرج تحت
مواضيع عدة ،وال يمكن حصره في الفقه اإلسالمي فقط ،ولذلك كان
موضوع دراستي في الشريعة اإلسالمية من حيث استداللي بنصوصها
سواء كان القرآن الكريم ،أو السنة المطهرة.
( ) 20علي بن محمد الجرجاني ،التعريفات ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية بيروت :لبنان ،
سنة 1124م ،ص.145
) (21مناع خليل القطان ،وجوب تحكيم الشريعة اإلسالمية ،دون طبعة ،جامعة اإلمام محمد بن
سعود اإلسالمية :السعودية ،سنة 1125م ،ص.1
10
أشار هذا المرجع إلى النظريات الفقهية التي قيلت بصدد تحديد الطبيعة
( )22محمود السيد عمر التحيوي ،الطبيعة القانونيىة لنظام التحكيم ،دون طبعة ،منشأة المعارف
:مصر ،سنة النشر 8004م.
( )23نبيل إسماعيل عمر ،التحكيم في المواد المدنية والتجارية الوطنية والدولية ،الطبعة الثانية ،
دار الجامعة الجديدة :االسكندرية مصر ،سنة النشر 8005م .
11
القانونية للتحكيم بشكل موجز ،وأشار إلى اتفاق التحكيم وأركانه والنطاق
الموضوعي له ،والى خصومة التحكيم ،وكيفية قيام المحكم بالفصل في
النزاع المعروض عليه ،وأشار إلى بعض آثار حكم التحكيم منها :استنفاذ
الوالية ،وحجية األمر المقضي به ،وتنفيذ هذا الحكم وفًقا للقانون المصري
محل الدراسة ،وأشار الى الطعن بالبطالن باعتباره الطريق الذي حددها
القانون المصري للطعن في حكم التحكيم.
إال أن رسالتي ستكون في التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون الليبي
فلذلك كان محل دراسة المرجع بعيداً عن محل دراستي.
.تناول هذا ()24
-3محمود مختار أحمد بريري :التحكيم التجاري الدولي
( )24محمود مختار أحمد بريري ،التحكيم التجاري الدولي ،الطبعة الرابعة ،دار النهضة العربية
،سنة النشر 8010م.
( )25محمد سليم العوا ،دراسات في قانون التحكيم المصري والمقارن ،دون طبعة ،دار الكتب
12
الفصل الثاني
اإلطار النظري
( )26محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ،مختار الصحاح ،تحقيق :محمود خاطر ،ط:
، 1مكتبة لبنان ناشرون :بيروت 1115 ،م ،ج ، 1ص. 68
( )27زين الدين بن إبراهيم بن محمد ،المعروف بابن نجيم المصري ،البحر الرائق شرح كنز
الدقائق ،طبعة الثانية ،دار الكتاب اإلسالمي :القاهرة ،دون سنة نشر ، ،ج ، 1ص. 83
( )28مجلة األحكام العدلية ،تحقيق :نجيب هواويني ،دار النشر :كارخانه تجارت ،ج 1ص
.465
16
( )29د .علي خليل الحديثي ،محامي ومحكم دولي ،دكتوراه في عقود االستثمار ونقل
التكنولوجيا ،مستشار غرفة تجارة وصناعة عجمان – التحكيم وأهميته – مقال على الشبكة
العنكبوتية .
17
.1التحكيم والقضاء:
التحكيم شعبةٌ من شعب القضاء .قال صاحب تبصرة األحكام
( وأما والية التحكيم بين الخصمين فهي والية مستفادة من آحاد الناس وهي
شعبة من القضاء متعلقة باألموال دون الحدود واللعان والقصاص) (،)31
المحكم والقاضي
ّ ولذلك يذكره الفقهاء عادةً في باب القضاء ،فكلٌ من
يعينه الخصوم،
المحكم ّ
يعينه اإلمام و ّ
يستمد سلطته ممن وّاله ،فالقاضي ّ ّ
حكم ٍ
كم الصادران كل منهما ٌ الح ُ
كل منهما إذا عزله من وّاله ،و ُوينعزل ٌ
شرعي متى كان صحيحاً مستوفياً لشروطه.
ّ
قال ابن النقيب الشافعي جامعاً لهذه األحكام (ويجوز في ٍ
بلد قاضيان
ّ
حكم الخصمان رجالً
يصح إال بتولية اإلمام له أو نائبه ،وان ّ
ّ فأكثر ،وال
يصلح للقضاء جاز ولزم حكمه وان لم يتراضيا به بعد الحكم ،لكن إن رجع
النشمي ،مقال التحكيم والتحاكم الدولي في الشريعة اإلسالمية ،وهو بحثٌ( )30دكتور عجيل ّ
مقدم للمجلس األوروبي لإلفتاء والبجوث للدورة العادية التاسعة المنعقدة في فرنسا.
ّ
( )31أبي عبد هللا محمد بن فرحون اليعمري ،تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام
ص ،تحقيق :جمال مرعشلي ،دار الكتب العملية :بيروت بنان ،سنة 8001م ،ج 1
.11
18
.2التحكيم واإلفتاء:
لكن
بيان لحكم الشرع في واقعةٍ بعينهاّ ،
كل من التحكيم واإلفتاء ٌ
ٌ
بيان بغير إل از ٍم وال سلطة تنفيذ.
التحكيم بيانٌ مع اإللزام والسلطة ،واإلفتاء ٌ
ففي الفروق للقرافي مع هوامشه (الفتوى محض إخبار عن هللا تعالى
في إلزام أو إباحة والحكم إخبار ما له اإلنشاء واإللزام أي التنفيذ واإلمضاء
والفتوى ال تقتصر على المستفتي وحده بل ()35
لما كان قبل الحكم فتوى)
يعمل بها غيره اختيا ارً بينما التحكيم خاصٌ بالخصوم.
وبين التحكيم واإلفتاء عمومٌ وخصوص حيث أن (كل ما يتأتى فيه
الحكم تتأتى فيه الفتوى وال عكس ،وذلك أن العبادات كلها على اإلطالق ال
يدخلها الحكم البتة بل إنما تدخلها الفتيا فقط فكل ما وجد بها من
اإلخباريات فهي فتيا فقط فليس لحاكم أن يحكم أن هذه الصالة صحيحة أو
،كما أن الفتوى تكون في كل أبواب الفقه والتحكيم ال يكون ()36
باطلة)
النظر إن كانت فيما يجوز فيه التحكيم أصالً ،كما في
إالفي القضية محل ّ
غير الحدود والقصاص واللعان على ما سيأتي بيانه في موضعه.
( )35أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي ،الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق ،
تحقيق :خليل المنصور ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية -بيروت ،سنة 1312هـ -
1112م ،ج ، 3ص .118
( )36المرجع السابق ،ج 3ص .113
20
الصلح:
.3التحكيم و ّ
الصلح بأنه (عقد عرفت المادة 1541من مجّلة األحكام العدلية ّ
ّ
اضي َّ
الط َرَف طي ِن النزاع بالتراضي) (.)37وفي شرح المجلة (أي ِبتَر ِ
َ يرفع ّ
ِ طعها ِبالتَّر ِ ِ
َع طن عَب َارةٌ ورطك ُن ُه
ُ اضي. َ وم َة َوَيطق َ ُ َ
ص َ يل اطل ُخ ُاطل ُمتَ َخاص َم طي ِن َوُي ِز ُ
ِم طن واطلَقب ِ
ول َ ُ ف طر ٍ
ََ اب ِم طن
اإليج ِ صح ِبح ِ ِ
صول ط َ ُ ُ
ول ،وي طنع ِقد وي ِ
ََ َ ُ ََ
اب واطلَقب ِ
يج َ ُ
اإل ِ
ط َ
ِ
.4التحكيم والوكالة:
تعرف الوكالة بأنها (إقامة اإلنسان غيره مقام نفسه في تصرف
ّ
فنصت ّ الوكالة يفر تع في شرحها مع األحكام مجلة عت وتوس
ّ
()40
معلوم)
على أنها (تَطف ِويض أَح ٍد ِفي ُش طغ ٍل معلُو ٍم ِمن اطلمعام َال ِت مع بَق ِ
اء َح ِّق ََ َ ط َُ َ َط ُ َ
يه ِبنطف ِس ِه ويكون ِف ِ
يه َمالِ ًكا ف ِفي ي ِد ِه وَذلِك ِم َّما يجوز َله التَّصر ِ ِ التَّصر ِ
َ َُ ُ فف َ َُ ُ ُ َ ُ َ َ َ َ
امتُ ُه ِفي َّة نطف ِس ِه وأَصل التَّ ِ
النسب ِة إَلى أ ِ
ِ ِ ِ لِلتَّ ِ
صرف َواِ َق َ َ ط ُ َ َهلِي َ
ط صرف َو ُمطقتَد ًار َعَل طيه ِب ّ ط ََ
ام َنطف ِس ِه)(.)41 ِ
ك الش طغل َمَق َ
ِ
َذل َ
فالتفويض الذي هو مقتضى الوكالة يوجب أن يعمل الوكيل لما فيه
الحق أمام
ّ الموكل وأن ينوب عنه في تحصيل ما ّيدعيه من
ّ مصلحة
الموكل للتحقيق والحكم
ّ يتصرف إال بإذنه وأمره ،ال أن ُيخضع
ّ خصمه وال
على موقفه صحةً وخطأً كما هو الحال في التحكيم ،فالفرق بينهما
( ) 40ابن عابدين ،حاشية رد المحتار على الدر المختار ،دار الفكر للطباعة والنشر -بيروت ،
سنة 1381هـ ،ج ، 1ص . 865
( )41علي حيدر ،درر الحكام شرح مجلة األحكام ،مرجع سابق ،ج ، 4ص . 583
( )42سورة النساء ،آية 45
22
.5التحكيم والخبرة(.)44
معين ،كأن يكون طبيباً أو
الخبير هو صاحب االختصاص في مجالٍ ّ
تاج اًر أو محاسباً أو غير ذلك من المهن واالختصاصات ،ومنه قوله تعالى
محل
ّ ،ويدلي الخبير برأيه وخبرته في الوقائع ()45
(وال ينبئُك مثل خبير)
الفنية ،واذا
شق على المحكمة اإللمام بمسألةٍ بعينها من الناحية ّ
النزاع إذا ّ
طلب منه ذلك فقط ،إما من القاضي أو من أحد الخصوم ،وليس لرأيه
ُ
( )43أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي ،أحكام القرآن ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا ،دار
الفكر للطباعة والنشر -لبنان ،ج ، 1ص . 541
تم االقتباس لهذه الفقرة من بحثٍ بعنوان (الفرق بين التحكيم والوسائل األخرى في حسم
(ّ )44
المنازعات) ص 4و 3لسلطان راشد العاطفي،مدير إدارة التحكيم في و ازرة العدل بدولة
متاح على شبكة اإلنترنت على
الكويت .وليس البحث مطبوعاً أو منشو اًر فيما أعلم ،وانما ٌ
الرابط http://www.moj.gov.sa/documentations/tahkeem/6new.doc
( )45سورة فاطر ،آية .13
23
( ) 46طه باقر ،مقدمه في تاريخ الحضارات القديمه تاريخ الفرات القديم ،الطبعة األولى ،بغداد ،
سنة النشر 1155 :م ،ج ، 1ص. 101
25
وكان القاضي يحكم به دون النظر في أصل النزاع ،وفي عهد االمبراطورية
جوستيان أصبح الحكم الذي يصدر عن المحكم واجب التنفيذ دون اللجوء
الى اقامة دعوى متى كان التحكيم يستند الى عقد بين الطرفين.
كما كانت االنظمة االجرائية الرومانية تميز بين نوعين من القضاة ،قضاة
دائمون ولهم اختصاصات محددة ينظرون بالدعوى التي موضوعها سؤال
محدد في احكام القانون ،وافراد عاديون يتم اختيارهم في كل قضية وتنتهي
مهمتهم بانتهاء النزاع ،ويطلق عليهم اسم محكمين .وكانت المنازعات التي
ينظرها المحكم تتطلب تقيماً وفقاً ألحكام مبدأ حسن النية .وكانت القاعدة
العامة ان يقوم الطرفان باختيار المحكم من بين القوائم المعلقة في الساحة
العامة والتي يعدها البريتور ،اما في عهد االمبراطورية السفلى الرومانية ،
فقد عرف الرومان ما يسمى بدعوى تعين محكم للنظر في دعاوى الدين
الناتج عن تعهد او وعد بدفع مبلغ من المال ،وفي دعاوى القسمة
والتخمين ،كما عرف الرومان في هذا العهد القضاء التحكيمي الذي كان
يتم على يد المطارنة ،بحيث كان يسمح ألي من المتقاضين ان يطلب
اثناء رؤية الدعوى احالتها على المطران الذي يكون لحكمه قوة التنفيذ ،أما
التحكيم الدولي فلم يكن يعرفوه ،ألنهم أنكروا المساواة بين الدول(.)47
( )47د .خالد كمال عكاشة ،دور التحكيم في فض المنازعات الدولية واالستثمار ،دون طبعة ،
سنة ، 8014ص.3
26
وحاكم قريش عندما حاولت منعه من تنفيذ نذره بذبح ابنه عبد هللا الى
عرافة بالحجاز.
حكامهم ممن منحوا مواهب ،جعلت
كما ان العرب في الجاهلية فقد جعلوا ّ
الناس يركنون إليهم في حل المشكالت ،وا ّما كهان لجأ الناس إليهم
العتقادهم بصحة أحكامهم ،واما ُع ّراف ،صادفوا من يثق بما يقولون أو
ينبؤون به ،واما :فقهاء ومفتون :أي رجال دين كالقالمسة يفتون في أمور
الدين(.)48
( ) 48جواد علي ،المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ،الطبعة :الرابعة ،دار الساقي :بيروت
،سنة ، 8001ص 642-645بتصرف .
28
ۡ َۡ َٓ َ َ َ ۡ َۡ ۡ ۡ ُ ۡ َ َ َۡ َ َ ۡ ُ ْ َ
ٱب َعثوا َدكما مِن أهلِهِۦ ودكما مِن أهل ِها إِن ﴿ِإَون خِفتم شِقاق بين ِ ِهما ف
ذُ ََُۡ َ ٓ ذ ذَ َ َ َ ً َ ُ َٓ َ
ِيما خبِريا .)50(﴾٣٥ يدا إ ِ ۡصلَٰحا يُ َوف ِِق ٱَّلل بينهما ۗٓ إِن ٱَّلل َكن عل ي ِر
َ َ َ َ َ َ ُ ۡ ُ َ َ ذ َٰ ُ َ ُ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ ۡ ُ ذ َ َ
َي ُدوا ْ ِ ٓ
ِف ﴿فَل وربِك ا يؤمِنون دَّت ُيكِموك فِيما شجر بينهم ثم ا ِ
ْ َ سه ۡم َد َرجا م ذِما قَ َض ۡي َ َ ُ
ت َوي ُ َسل ُِموا ت ۡسل ِيما .)51(﴾٦٥ أنف ِِ
ٱَّلل َخب ُ
ري َۢ ب ِ َما ى َو ذٱت ُقوا ْ ذ َ
ٱَّلل إ ذن ذ َ َٰ و ٱعدِلُوا ْ ُه َو أ َ ۡق َر ُب ل ذ
ِلت ۡق َ َْ ََ َ ذ َ ْ ُ ْ ۡ
قو ٍم لَع أا تعدِلوا
ِ ِ
َ ُ َ
ت ۡع َملون .)52(﴾٨
َ ذ َٰ ُ َ ُّ ۡ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ َ ذ ُ َ ۡ َ
ت فإِن جاءوك فٱدمم بينهم أو أع ِرض ِب أكلون ل ِلسح ِ ِۚ ﴿سمَٰعون ل ِلكذ ِ
ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ۡ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ُّ َ َ ۡ َ
ٱدمم بَ ۡي َن ُهم وك شيا ِإَون دكمت ف ع ۡن ُه ۡم ِإَون تع ِرض عنهم فلن يُض
سط َ ذ ذ َ ُ ُّ ۡ ۡ ۡ
ني .)53(﴾٤٢ ٱَّلل ُيِب ٱل ُمق ِ ِ بِٱلقِ ۡس ِ ِۚ
ط إِن
ذ َ ۡ ذ ُ ٱتل ۡو َرى َٰ ُة ف َ
ِند ُه ُم ذ َََۡ َُ ُ َ َ
ِيها ُدم ُم ٱَّلل ِ ث ذم َي َت َول ۡون ِم َۢن َب ۡع ِد ك َوع َ ﴿وكيف ُيكِمون
ك بٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن ََ َٰ َ َ َ ٓ ُ ْ َ َٰٓ َ
ِني .)54(﴾٤٣ ذل ِك وما أولئ ِ ِ
فهذه اآليات الكريمة السابقة دليل على جواز التحكيم بصفة عامة ،وقد
استدل بها فقهاء الشريعة اإلسالمية في جواز التحكيم ،وسيأتي تفصيل
بيانها في موضعها.
أخرجه أبو داود في سننه ،كتاب األدب ،باب في تغيير االسم القبيح .واللفظ له ، )(57
وصححه األلباني في صحيح سنن أبي داود 146 /4رقم الحديث . 3135وأخرجه
النسائي في سننه ،كتاب آداب القضاة ،باب إذا حكموا رجال فقضى بينهم .مصورة عن
الطبعة األولى ( بيروت :دار الفكر ) 1432ج ، 2ص . 886
العظيم آبادي ،عون المعبود شرح سنن ابن داود ،تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان ، )(58
حمار ،فلما دنا من المسجد قال لألنصار- :قوموا على سيدكم – أو خيركم
.-فقال :هؤالء نزلوا على حكمك .فقال- :تقتل مقاتلهم وتسبي ذ ارريهم.
قال :قضيت بحكم هللا .وربما قال :بحكم الملك) (.)59
قال ابن حجر رحمه هللا تعالى (وفيها تحكيم األفضل من هو
مفضول)( .)60قال النووي رحمه هللا تعالى ( .فيه جواز التحكيم في أمور
المسلمين وفي مهماتهم العظام وقد أجمع المسلمين عليه ولم يخالف فيه إال
الخوارج)(.)61
.4عن أبي هريرة رضي هللا تعالى عنه قال :قال النبي صلى هللا عليه
وسلم [اشترى رجل من رجل عقارا ،فوجد الرجل الذي اشترى العقار في
عقاره جرة فيها ذهب ،فقال له الذي اشترى العقار :خذ ذهبك مني ،إنما
اشتريت منك األرض ولم ابتع منك الذهب ،وقال الذي له األرض :إنما
بعتك األرض وما فيها ،فتحاكما إلى رجل ،فقال الذي تحاكما إليه :ألكما
ولد؟ قال أحدهما :لي غالم ،وقال اآلخر :لي جارية .قال :أنكحوا الغالم
الجارية ،وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا]( .)62وقد ذكر ابن حجر رحمه
أخرجه البخاري ومسلم ( متفق عليه ) واللفظ للبخاري ،صحيح البخاري المطبوع مع فتح )(59
الباري شرح صحيح البخاري البن حجر ،كتاب المغازي ،باب مرجع النبي صلى هللا علليه
وسلم من األحزاب 311/1 ،رقم ، 3181و صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي
.18/18
أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالني الشافعي ،فتح الباري شرح صحيح البخاري ، )(60
تحقيق محب الدين الخطيب ،دار المعرفة :بيروت 1411 ،ه ،ج ، 1ص . 316
أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ،المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، )(61
الطبعة الثانية ،دار إحياء التراث العربي – بيروت 1418 ،هـ ج ، 18ص .18
متفق عليه واللفظ للبخاري ،صحيح البخاري المطبوع مع الفتح ،كتاب أحاديث األنبياء ، )(62
32
هللا ما يمكن أن يستدل بظاهر قوله (فتحاكما) على أن الذي جرى هنا
تحكيم ،وان كان بعض العلماء يرى أنهما تحاكما إلى قاض منصوب للناس
وليس إلى محكم.)63( .
.3وردت عدة قضايا تحكيمية من الصحابة رضي هللا عنهم ،بل قد
نقل بعض العلماء إجماع الصحابة على جواز التحكيم( ،)64ومن هذه
القضايا التحكيمية:
قال الشعبي رحمه هللا تعالى (كان بين عمر رضي هللا تعالى عنه أ.
وأبي رضي هللا تعالى عنه خصومة فقال عمر :اجعل بيني وبينك رجال.
قال :فجعال بينهما زيد بن ثابت رضي هللا تعالى عنه .قال :فأتوه .قال:
فقال عمر رضي هللا عنه أتيناك لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم .قال فلما
دخلوا عليه أجلسه معه على صدر فراشه .قال :هذا أول جور جرت في
حكمك .أجلسني وخصمي مجلسا .قال :فقصا عليه القصة .قال :فقال زيد:
ألبي اليمين على أمير المؤمنين ،فإن شئت أعفيته .قال :فاقسم عمر رضي
هللا عنه على ذلك .ثم أقسم له ال تدرك باب القضاء حتى ال يكون لي
عندك على أحد فضيلة)( .)65فقد حكم عمر وأبي رضي هللا تعالى عنهما
باب رقم ( ، ) 53رقم الحديث . 4318وصحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ،كتاب
األقضية ،باب استحباب اإلصالح الحاكم بين الخصمين ،ج ، 18ص .80-11
ابن حجر العسقالني ،فتح الباري ،مرجع سابق ،ج ، 6ص. 511 )(63
عميرة ،حاشية قليوبي وعميرة ،دار إحياء الكتب العربية :القاهرة ،ج ، 3ص. 812 )(64
السنن الكبرى ،تحقيق محمد عبد القادر عطا ،الطبعة الثالثة ،دار الكتب العلمية :بيروت –
لبنات ،سنة ، 8004كتاب آداب القاضي ،باب القاضي ال يحكم لنفسه ،ج ، 10ص
. 135 -133
33
زيد بن ثابت رضي هللا عنه في نزاع بينهما فدل على مشروعية التحكيم.
ب .عن أبي مليكة رحمه هللا تعالى (أن عثمان رضي هللا تعالى ابتاع
من طلحة بن عبيد هللا رضي هللا تعالى أرضا له بالكوفة ،فلما تبايعا ندم
عثمان ،ثم قال بايعتك ما لم أره فقال طلحة :إنما النظر لي ،إنما ابتعت
مغيبا ،وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت .فجعال بينهما حكما ،فحكما جبير بن
مطعم رضي هللا تعالى ،فقضى على عثمان أن البيع جائز ،وأن النظر
لطلحة أنه ابتاع مغيبا)( .)66وقد استدل به بعض الفقهاء -كابن قدامة
والبهوتي – على مشروعية التحكيم(.)67
التحكيم الذي جرى بين على بن أبي طالب رضي هللا تعالى ج.
ومعاوية بن أبي سفيان رضي هللا تعالى عنهما ،حيث حكم علي أبا موسى
األشعري رضي هللا تعالى عنهما ،وحكم معاوية عمرو بن العاص رضي
هللا تعالى عنهما يوم صفين .)68(.وقد استدل بعض الفقهاء بهذه القصة
على مشروعية التحكيم .قال الدسوقي في الشرح الكبير (وأما تحكيم
شخصين في نازلة معينة فال أظنهم يختلفون في جوازه ،وقد فعله على
البيهقي ،السنن الكبرى ،المرجع السابق ،كتاب البيع ،باب من قال يجوز بيع العين الغائبة )(66
الحنبلي ،الشهير بابن قدامة المقدسي ،المغني ،بدون طبعة ،مكتبة القاهره-القاهرة 1162م
،ج ، 1ص . 102منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى
،كشاف القناع عن متن اإلقناع ،دار الكتب العلمية – بيروت ،ج ، 6ص . 401
ابن كثير ،البداية والنهاية ،الطبعة الرابعة ،مكتبة المعارف :بيروت ،سنة 1308ه ،ج، 1 )(68
ص. 816
34
الدسوقي ،الشرح الكبير ،دون طبعة ،دار الفكر :بيروت ،دون تاريخ ،ج ، 3ص. 143 )(69
أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي ،الشهير بالماوردي ،الحاوي )(70
الكبير في فقه مذهب اإلمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني ،المحققين الشيخ علي محمد
معوض -الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية :بيروت –
لبنان ،سنة 1111م ،ج ، 16ص . 485الماوردي ،أدب القاضي ،تحقيق محيي هالل
السرحان ،الطبعة األولى ،مطبعة اإلرشاد :بغداد ،سنة 1411ه ،ج ، 8ص.411
أخرجه أبو داود وابن ماجة واللفظ ألبي داود وصححه األلباني .صحيح سنن أبي داود ، )(71
كتاب البيع ،باب إذا اختلف البيعان ،والمبيع قائم ج ، 8ص 610رقم . 8111وابن
ماجة ،صحيح سنن ابن ماجة لأللباني الطبعة الثانية ،مكتب التربية العربي لدول الخليج :
الرياض ،سنة 1302ه ،كتاب التجارات ،باب البيعان يختلفان ج ، 8ص ، 14رقم
. 1111
ابن اللحام ،االختيارات الفقهية ،دون طبعة ،المؤسسة السعيدية :الرياض ،دون تاريخ )(72
وبينك " حكما يحكم بيننا " فقال األشعث أنت الحكم)(.)73
السهارنفوري ،بذل المجهود في حل أبي داود ،دون طبعة ،دار الكتب العلمية :بيروت ، )(73
النزاعات التي تحدث بين المؤسسات ،وخصوص ًا النزاعات التي تحدث بين
األفراد في المنازعات العقارية ،التي نراها اليوم في أدراج المحاكم لسنوات
طويله.
37
( )74نص المشرع الليبي في باب التحكيم في قانون المرافعات المدنية في المادة " 138ال تثبت
مشارطة التحكيم إال بالكتابة " ،وقد نصت معظم القوانين الوضعية على ذلك مثل القانون
الفرنسي في المادة ( ، ) 1005وقانون المرافعات المصري في مادته ( ، ) 501وقانون
المرافعات العراقي في مادته ( ، ) 858وغيرها من القوانين .قحطان عبد الرحمن الدوري ،
عقد التحكيم في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ،الطبعة األولى ،دار الفرقان للنشر
والتوزيع :األردن ،سنة 8008م ،ص. 28
38
بالعدل)(.)75
وأركان العقد معروفة وهي العاقدان ،والصيغة المعبرة عن العقد ،ومحل
التحكيم هو األمر المتـنازع عليه ،وال أدخل في تفاصيل الشروط العامة
ألركان العقد ( ،)76ولكنني اذكر أهم الشروط الخاصة بالتحكيم وهي:
.1أن يكون المحكم أهالً لوالية القضاء ،ألن المحكم كالقاضي(.)77
.8أن ال يكون محل التحكم في الحدود واللعان عند جماهير الفقهاء (
الحنفية ،والمالكية ،والشافعية ،والحنابلة في رواية على تفصيل داخل
المذاهب ،وال القصاص والديات عند جماعة من الفقهاء منهم الحنفية ،
،وقد وضع ()78
وذلك لخطورة هذه األمور وأنها منوطة بالسلطة القضائية
ابن عرفة معيا اًر لذلك وهو أنه يجوز التحكيم فيما يصح ألحدهما ترك حقه
وهو معيار صحيح دقيق ألن الحقوق العامة كما في الحدود ()79
فيه
واللعان ال يمتلكها اإلنسان نفسه ،في حين أن ظاهر كالم أحمد أن
التحكيم جائز في جميع القضايا ،قال القاضي أبو يعلى ( :وينفذ حكم
حكماه في جميع األحكام إالّ أربعة أشياء :النكاح ،واللعان ،والقذف
من ّ
والقصاص ،ألن لهذه األحكام مزية على غيرها فاختص اإلمام بالنظر
فيها ،ونائبه يقوم مقامه ،وقال أبو الخطاب :ظاهر كالم أحمد أنه ينفذ
حكمه فيها ،وألصحاب الشافعي وجهان كهذين )(.)80
.4تراضي طرفي الخصومة على التحكيم ،أما إذا عين القاضي المحكم
فال يشترط رضاهما ،ألنه نائب عن القاضي والمقصود أن يتم اتفاقهما
على قبول مهمة التحكيم إما في العقد نفسه قبل نشوب النـزاع ،أو بعده
(.)81
وهذا التراضي يمثل ركن التحكيم وجوهره ،ألنه عقد ال ينعقد إالّ
باإليجاب والقبول ولذلك يشترط فيهما الشروط التي ذكرها الفقهاء من
كونهما متصلين واقعين على محل واحد ،ثم إن هذا التواصي قد يعبر عنه
العاقدان المحكمان (بكسر الكاف المشددة) صراحة كم لو قاال :اتفقنا على
التحكيم ،أو حكمناك فيما بيننا ،وقد يظهر داللة كما لو اختصما إلى رجل
ليحكم بينهما (.)82
وللمحكمين الحق في تقييد رضاهما أو إطالقهما ووضع الشروط ما دام
ذلك ال يخالف نصاً من الكتاب والسنة ،كما أن لهما تعليقه ،أو إضافته
إلى المستقبل عند بعض الفقهاء منهم أبو يوسف(.)83
( )80ابن قدامة المقدسي ،المغني ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 102
( )81المرجع السابق .
( )82ابن عابدين ،محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي ،رد المحتار على
الدر المختار ،الطبعة الثانية ،دار الفكر :بيروت ،سنة ، 1118ج ، 5ص. 382
( )83ابن نجيم المصري ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 81-83
40
( )84نادية محمد عرض ،التحكيم التجاري الدولي ،دون طبعة ،دار النهضة العربية :القاهرة ،
سنة 8008م ،ص.64
( )85نصت المادة " "130من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي في فصل التحكيم مانصه "
وال يصح التحكيم إال ممن له أهلية التصرف في حقوقه وال في المسائل التي ال يجوز فيها
الصلح" .
41
التحكيم على نحو تظل النتائج المترتبة على مبدأ استقالل التحكيم قائمة.
وال يكفي أن يتوافر الرضا لدى المتعاقدين ،بل يجب أن تتجه إرادتهما إلى
إحداث األثر القانوني الذي يرتبه التصرف ،وبناء على ذلك إذا كان الرضا
صوريا انتقى الرضا النتقاء اإلرادة إلى إحداث األثر القانوني الذي يرتبه
العقد ،وبالتالي فإن االتفاق ال يقوم إال إذا اتجهت إرادة الطرفين بوضوح
إلى فكرة التحكيم بدرجة التحديد على نحو ال يكفي معه مجرد االتفاق على
مجرد االلتجاء إلى القضاء للقول بوجود اتفاق على التحكيم (.)86
.2المحل:
يقصد بمحل التحكيم موضوع المنازعات الواردة في اتفاق التحكيم والتي
ينص على حلها بحكم تحكيمي ،أو في بعض األحيان ال ترد بالتفصيل في
اتفاق التحكيم وكأن يشار فقط إلى أن النزاعات بين الطرفين بالنسبة لنوعية
البضاعة يصار حلها بالتحكيم ،وهذا االتفاق إما يتمثل في شرط التحكيم
اتفق عليه قبل نشوب النزاع وأدرج في العقد أو في وثيقة أخرى تتضمن
،العقد أو في اتفاق مستقل ،وقد يتمثل االتفاق ()87
شرط التحكيم أحال إليها
في مشارطة تحكيم تبرم بعد قيام النزاع ويتفق فيها على إحالة النزاع إلى
التحكيم للفصل فيه ،ويشترط في محل االتفاق أال يكون مخالفا للنظام العام
( )86د .مصطفى الجمال ود .عكاشة محمد عبد العال ،التحكيم في العالقات الخاصة الدولية
والداخلية ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية :القاهرة ،دون سنة نشر ،ص.422
( )87وقد نص على ذلك المشرع الليبي في قانون المرافعات فصل التحكيم في اللمادة ""141
مانصه " يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في
تنفيذ عقد معين على محكمين ويجوز االتفاق على التحكيم في نزاع معين بمشارطة تحكيم
خاصة " .
42
أو اآلداب العامة ويجب أن يكون محل االتفاق من األمور التي يجوز فيها
التحكيم (.)88
.3األهلية:
يقصد باألهلية هنا األهلية الالزمة لالتفاق على حسم النزاع بالتحكيم وال
يمكن للشخص أن يجري اتفاقا على ذلك ،إال إذا كانت له أهلية التصرف
في الحقوق المتعلقة بالنزاع المراد حسمها بالتحكيم وهو ما نص عليه
المشرع الليبي في المادة " "130من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وألجل معرفة القواعد القانونية التي تحكم مسائل األهلية يتم الرجوع إلى
القانون الشخصي ألطراف االتفاق ،والقانون الشخصي يتحدد بموجب
الرابطة بين الشخص وبين الدولة التي يخضع ذلك الشخص لقانونها.
( )88د .فوزي محمد سامي ،التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة ،طبعة الرابعة ،دار الثقافة
للنشر والتوزيع :القاهرة ،سنة 8010م ،ص.181-186
( )89جاء في المادة " "138من قانون المرافعات الليبي مانصه " ال تثبت مشارطة التحكيم إال
بالكتابة".
43
( )90نادية محمد معوض ،التحكيم التجاري الدولي ،مرجع سابق ،ص .11
( )91سورة المائدة ،اآلية ( ) 15
44
وليس إلى غيرهما ،فهذا تحكيم إجباري طبقه الخلفاء الراشدون ،والصحابة
الكرام ومن تبعهم بإحسان()92كما أن الراجح أن هذا التحكيم مستمر في كل
حادثة قتل لصيد الحرم دون االكتفاء بما صدر عن العصور السابقة من
األحكام ،وهذا هو قول طاووس ،وابن أبي ليلى ،والحسن بن حي ،والثوري،
ّ
وأبي حنيفة ،ومالك والزيدية في أحد قوليهم(.)93
وقد طبق الخلفاء الراشدون هذا التحكيم والتـزموا به ،فعن ميمون بن
مهران أن أعرابياً أتى أبابكر ـ رضي هللا عنه ـ فقال :قتلت صيداً وأنا محرم
( )92القاضي محمد بن عبد هللا أبو بكر بن العربي المعافري االشبيلي المالكي ،أحكام القرآن ،
مرجع سابق ،ج ، 8ص . 613أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي ،تحقيق
محمد صادق القمحاوي ،دون طبعة ،دار إحياء التراث العربي :بيروت ،سنة 1305ه ،
ج ، 8ص. 361
( )93محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،دون طبعة
،دار الفكر :بيروت ،دون تاريخ نشر ،ج ، 8ص ، . 24أبو الوليد محمد بن أحمد بن
محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد ،بداية المجتهد ونهاية المقتصد ،
دون طبعة ،دار الحديث :القاهرة ،سنة 8003م ،ج ، 1ص . 436والمغني مع الشرح
الكبير ،مرجع سابق ،ج ، 4ص. 545
( )94عبد الرحمن بن أبي بكر ،جالل الدين السيوطي ،الدر المنثور ،دون طبعة ،دار الفكر :
بيروت ،دون سنة نشر ،ج ، 8ص . 481أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي
البصري ثم الدمشقي ،تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) ،تحقيق محمد حسين شمس الدين ،
45
وحدث مثل هذه القصة مع عمر ـ رضي هللا عنه ـ حيث قال قبيصة بن
جابر :حججنا زمن عمر فقتل أحد أصحابه ظبياً وهو محرم ،فأتينا عمر
فسألناه عن ذلك ،واذا على جنبه رجل ،يعني عبدالرحمن بن عوف ،فالتفت
إليه فكلمه ،ثم أقبل على صاحبنا ..فأمره بذبح شاة ..قال قبيصة :فقلت
لصاحبي :أيها الرجل أعظم شعائر هللا ،وهللا ما درى أمير المؤمنين ما
يفتيك حتى شاور صاحبه ،اعمد إلى ناقتك فانحرها … فبلغ عمر مقالتي،
فلم يفجأنا إالّ ومعه الدرة .)95(..والمقصود أن هذا التحكيم إجباري بأن
بنص القرآن
يحتكم قاتل الصيد إلى حكمين عدلين ،وليس له غير هذا ّ
الكريم.
الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية :بيروت ،سنة 1311ه ،ج ، 8ص. 11
( )95السيوطي ،الدر المنثور ،مرجع سابق ،ج ، 8ص ، 481وقال أخرجه ابن جرير وابن
المنذر وابن أبي حاتم والطبراني .
( )96سورة النساء /اآلية ( ) 45
( )97القاضي ابن عربي ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 381
46
القاضي( ،)98حيث ال يجوز له البت في األمر إالّ بعد هذا اإلجراء ،وهو
إرسال حكم من أهله ،وحكم من أهلها ،أو أن المراد أولياء الزوجين إذا
كانا محجورين ،وأن الحكمين هما بمثابة القاضيين وليسا وكيلين ،قال
نص من هللا تعالى من أنهما قاضيان ال
القاضي ابن العربي ( :هذا ّ
وكيالن ،وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى ،وللحكم اسم في الشريعة
كل واحد منهما فال ينبغي لشاذ ـ فكيف لعالم
ومعنى ،فإذا بين هللا سبحانه ّ
ـ أن يركب معنى أحدهما على اآلخر فذلك تلبيس وافساد لألحكام ،وانما
يسيران بإذن هللا تعالى ويخلصان النية لوجه هللا وينظران فيما عند الزوجين
بالتثبيت ،فإن رأيا للجمع وجهاً جمعا ،وان وجداهما قد أنابا تركاهما)…،
وان وجداهما قد اختلفا ولم يمكن الجمع بينهما ،أو أن الجمع ال ينفع
فرقا بينهما وهذا مروي عن علي وابن عباس ومعاوية لوجود تجارب أخرى ّ
ّ
والشعبي ،وهو مذهب مالك دافع عنه القاضي ابن العربي دفاعاً مستميتاً ،
وقد ذكر عدة أدلة على ذلك(.)99
فرقا فتكون الفرقة طلقة بائنة ،وأن هذه الفرقة لوقوع الخلل في
وقال إذا ّ
مقصود النكاح من األلفة وحسن العشرة ( فإمساك بمعروف أو تسريح
رد على من قال :بأن الظلم من أحد الزوجين ال
بإحسان ) ،وقد ّ
()100
( )98الرازي ،التفسير الكبير ،الطبعة األولى ،دار احياء التراث العربي :ببيروت ،دون سنة
نشر ،ج ، 10ص. 18الدكتور عبدالعزيز بن عبدهللا الحميدي ،تفسير ابن عباس ومروياته
في الكتب الستة ،دون طبعة .جامعة أم القرى :مكة المكرمة ،ج ، 1ص. 841
( )99القاضي ابن عربي ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 383 – 381
( )100سورة البقرة ،اآلية . 811
47
ينافي النكاح ،بأن هذا نظر قاصر يتصور في عقود األموال ،فأما عقود
تتم إالّ باالتفاق والتآلف وحسن التعاشر ،فإذا فقد ذلك لم يكن
األبدان فال ّ
لبقاء العقد وجه ،وكانت المصلحة في الفرقة ،ثم أوضح بأن حكم
الحكمين كما أنه ملزم في الجمع ،أو الفرقة ،ملزم كذلك فيما يخص بقية
،ثم ّبين بأن ()101
الحقوق المالية من المنازلة أو أخذ شيء من أحدهما
خص هاتين الواقعتين ( الشقاق
القاضي ال يقضي بعلمه ،ولكن الشرع ّ
وجزاء الصيد ) بحكمين لينفذ حكمهما بعلمهما وترتفع بالتعدد التهمة
عنهما(.)102
ومع وجود هذا التحكيم اإلجباري في حالة الشقاق فإنه ال مانع شرعاً من
التحكيم االختياري من الزوجين أو من أهلهما ،أو من أوليائهما سواء اختا ار
حكمين ،أو حكماً واحداً ،أو أكثر من اثنين ألن التحكيم جائز وينفذ حكم
المحكم إذا توافرت شروط التحكيم(.)103
( )101القاضي ابن عربي ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 385
( )102المصدر السابق ، ،ج ، 1ص . 385الرازي ،التفسير الكبير ،مرجع سابق ،ج، 10
ص. 14
( )103القاضي ابن عربي ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 381
48
نكاح التحكيم:
، ()104
هو عقد نكاح بال ذكر مهر ،وال إسقاطه ،مع صرفه لحكم أحد
أي يصرف الحكم في طقدر صداقه لحكم حاكم ،إما أحد الزوجين أو غيرهما
(.)105
وهو غير نكاح التفويض ،ألن نكاح التفويض هو :عقد بال ذكر مهر ،وال
. إسقاطه ،وال صرفه لحكم أحد
()106
فالقدر المشترك بينهما هو :عدم ذكر المهر ،أي :عدم تسمية قدره .
ولكنهما اختلفا في :أن نكاح التفويض لم يصرف قدر مهره لحكم أحد،
أما نكاح التحكيم فإنه صرف قدر مهره لحكم حاكم(.)107
بيان مقدار المهر للزوجة :
للزوجة طلب بيان قدر المهر في نكاح التفويض والتحكيم ،قبل البناء ،
،لتكون على بصيرة من ذلك . ()108
ويكره لها تمكينه من نفسها قبله
( )104الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ،جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في
مذهب اإلمام مالك ،دون طبعة ،دار التنزيل :القاهرة ،سنة 1448ه ،ج ، 1ص. 413
( )105شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي ،المعروف
بالحطاب الرعيني المالكي ،مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ،طبعة الثالثة ،دار
الفكر :بيروت ،سنة 1118ه ،ج ، 8ص.515
( )106الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ،جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في
مذهب اإلمام مالك ،ج ، 1ص.413
( ) 107محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،مرجع
سابق ،ج ، 8ص. 414
( )108محمد بن أحمد بن محمد عليش ،أبو عبد هللا المالكي ،منح الجليل شرح مختصر خليل ،
دون طبعة ،دار الفكر :بيروت ،سنة ، 1121ج ، 8ص. 181
49
المواق :
لذلك قال ّ
" قلت :إن أرادت – أي الزوجة – أن يفرض لها قبل البناء ،وأبى إال
بعده – أي الزوج ، -قال :قال مالك :ليس له أن يبني حتى يفرض لها
مهر مثلها على ما أحب أو كره ،فإن شاء طلق ،وان شاء أمسك "(.)109
حكم نكاح التحكيم :
،وقد نقل ()110
ال اختالف بين أهل العلم في أن نكاح التفويض جائز
الباجي االتفاق على جوازه أيضاً( ،)111فيجوز اإلقدام عليه بال خالف(.)112
أما نكاح التحكيم فقد ذكره فقهاء المالكية ،واختلفوا فيه على ثالثة
أقوال:
القول األول :إن ذلك جائز ،قياساً على نكاح التفويض .
القول الثاني :أن ذلك ال يجوز ،ويفسخ قبل الدخول وثبت بعده ،
ويكون فيه صداق المثل .
َّ
المحكم ،وال يجوز إن القول الثالث :أن ذلك جائز إن كان الزوج هو
( )109محمد بن يوسف المواق ،التاج واالكليل لمختصر خليل ،طبعة األولى ،دار الكتب
العلمية :بيروت ،سنة 1113م ،ج ، 4ص. 515
( )110أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الملقب بابن الرشد الجد ،المقدمات الممهدات ،
تحقيق محمد حجي وسعيد أعراب ،طبعة األولى ،دار الغرب اإلسالمي :بيروت ،سنة
1122م ،ص. 456
( )111الشيخ صالح عبد السميع األبي األزهري ،جواهر اإلكليل شرح مختصر الشيخ خليل في
مذهب اإلمام مالك ،مرجع سابق ،ج ، 1ص. 413
( )112احمد بن محمد الصاوي ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير ،دون طبعة ،دار
المعارف :القاهرة ،دون تاريخ نشر ،ج ، 8ص. 331
50
َّ
المحكم غير الزوج ،كانت الزوجة أو غيرها(.)113 كان
( )113ابن رشد الجد ،المقدمات الممهدات ،مرجع سابق ،ص. 465
( )114المرجع السابق .
( )115محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،مرجع
سابق ،ج ، 8ص. 415
( )116محمد بن أحمد بن محمد عليش ،أبو عبد هللا المالكي ،منح الجليل شرح مختصر خليل ،
مرجع سابق ،ج ، 8ص.181
51
َّ
المحكمة وحدها ،أو مع سواها ،أو الزوج مع إن كانت الزوجة هي
غيره ،اختلف في ذلك على ثالثة أقوال :
القول األول :أن الحكم في ذلك حكم نكاح التفويض :إن فرض الزوج
َّ
للمحكم من كان في ذلك كالم . لها صداق مثلها لزمها النكاح ،ولم يكن
َّ
المحكم بصداق المثل أو أقل لم يلزم ذلك الزوج إال أن وان رضي
يشاء.
وهذا يأتي على ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن ابن القاسم وابن
الحكم وأصبغ(.)117
المت ِيطي وابن
وهو قول بعض الصقليين ،واختاره اللخمي و َ
()118
عرفه(.)119
القول الثاني :الحكم في التحكيم عكس الحكم في التفويضُ ،يَن ّزل
َّ
المحكم في التحكيم منزلة الزوج في التفويض:
َّ
المحكمة ،أو فرض إن فرضت الزوجة صداق المثل فأقل إن كانت هي
َّ
المحكم برضاها لزم ذلك الزوج ،ولم يكن له في ذلك كالم . ذلك
فإن فرض الزوج صداق المثل فأكثر لم يلزم ذلك الزوجة ،إالّ أن
َّ
المحكمة أو غيرها . ترضى به ،كانت هي
وهذا القول ذهب إليه أبو الحسن بن الَقاِبسي ،وقاله تأويالً على ما في
المدونة .
َ َ ۡ
وللمفسرين في المخاطبين بقوله تعالى ﴿ فإِن ت َنَٰ َزع ُت ۡم ﴾ قوالن :
( )124الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ،مرجع سابق ،ج ، 8ص. 152
( )125سورة النساء ،اآلية . 51
( )126شهاب الدين محمود بن عبد هللا الحسيني األلوسي ،روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
54
وفي تفسير المنار :هم غير أولي األمر ،واألولى أن يقال :هم
مجموع األمة(.)128
وتكون المنازعة بينهم وبين أولي األمر ،باعتبار بعض األفراد ،وهم
األمراء(.)129
وعلى هذا يكون لألمة أن تقيم من يحكم فيما يختلف فيه أولو األمر
برده إلى الكتاب والسنة(.)130
الغ طيبة إلى
القول الثاني :إنهم أولو األمر على طريق االلتفات عن َ
ليصح إرادة العلماء ،ألن للمجتهدين مجادلة بعضهمالخطاب(ِ ، )131
بعضاً(.)132
وعامة الناس ال يعرفون كيفية الرد إلى كتاب هللا وسنة رسوله ،فثبت
أنه خطاب للعلماء(.)133
وعلى هذا يكون أولو األمر مخيرين في طريقة رد الشي المتنازع فيه
والسبع المثاني ،تحقيق علي عبد الباري عطية ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية :
بيروت ،سنة 1315ه ،ج ، 5ص . 66محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين
بن محمد بهاء الدين بن منال علي خليفة القلموني الحسيني ،تفسير القرآن الحكيم (تفسير
المنار) ،دون طبعة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب :مصر ،سنة 1110م ،ج، 5
ص. 155
( )127الجصاص ،أحكام القرآن ،ج ، 8ص 852يفسر المخاطبين بالمؤمنين .
( )128محمد رشيد رضا ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،ج ، 5ص. 156-155
( )129شهاب الدين األلوسي ،روح المعاني ،مرجع سابق ،ج ، 5ص. 66
( )130محمد رشيد رضا ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،ج ، 5ص.156
( )131المرجع السابق ،ج ، 5ص ، 155الجصاص ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج، 8
ص. 851
( )132شهاب الدين األلوسي ،روح المعاني ،مرجع سابق ،ج ، 5ص. 66
( )133الجصاص ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ، 8ص. 851
55
إلى هللا والرسول :بين أن يكون ذلك بواسة بعضهم أو غيرهم ،بشرط أن
يكونوا عالمين بالكتاب والسنة والمصالح العامة(.)134
ويؤيد هذا القول :
َ ُّ َ َ َ ٓ َ ُ ۡ َ ۡ ْ ُ َ َ ۡ َۡ َ ۡ َ ۡ َ ٞ
اعوا بِهِۦ َول ۡو َردوهُ إَِلقوله تعالى ﴿ِإَوذا جاءهم أمر مِن ٱِلم ِن أوِ ٱلو ِف أذ
َ َٰٓ ُ ْ ۡ َ ۡ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ذ َ َ ۡ َ ُ َ ُ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ذ
ٱلر ُسو ِل ِإَوَل أو ِِل ٱِلم ِر مِنهم لعل ِمه ٱَّلِين يستۢنبِطونهۥ مِنهمۗٓ ولوا فضل ِ
ٱَّلل ذ
ذ َ ذ َ َۡ ُ ۡ َ َ َۡ َ ذ
ح ُت ُهۥ َلت َب ۡع ُت ُم ٱلش ۡي َطَٰ َن إِا قل ِيَل .)135(﴾٨٣ع لي م م و ر
( )137محمد أسد ،منهاج اإلسالم في الحكم ،تحقيق منصور محمد ماضي الطبعة السادسة ،
دار العلم للماليين 1124 ،م ،ص . 186-185محمد عبد هللا العربي ،نظام الحكم في
اإلسالم ،دون طبعة ،دار الفكر :لبنان ،دون تاريخ نشر ،ص. 12-11
( )138محمد أسد ،منهاج اإلسالم في الحكم ،مرجع سابق ،ص . 181-185د.عبد الكريم
زيدان ،الفرد والدولة ،الطبعة الخامسة ،مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع :بيروت ،سنة
1110م ،ص. 81
57
الفنية التي تعاون السلطة التنفيذية وسائر الهيئات التي تضم أهل الخبرة
والمختصين كالجامعات والنقابات(.)139
وان أعضاء هذه الهيئة إذا اختلفوا فيمكن إصدار الق اررات برأي األكثرية
فيها ،هذا إذا لم تصدر ق اررات أخرى عن المحكمة نفسها تُلغي الق اررات
. ()140
تعدلها
السابقة أو ّ
وقد ُيستأنس لهذا الحل – التحكيم – بما روي عن عمر بن الخطاب
توجه إلى الشام ،فأخبر في الطريق بوقوع وباء في
رضي هللا عنه :أنه ّ
الشام ،فاستشار المهاجرين في الرجوع أو السير فاختلفوا ،واستشار
األنصار فاختلفوا ،فدعا من كان موجوداً من مشيخة قريش من المهاجرين
األولين واستشارهم ،فأشاروا بالرجوع ،فأخذ برأيهم ،ورجع بمن معه(.)141
( )139عبد هللا األشعل ،الفكر القانوني والسياسي في القرآن الكريم ،الطبعة األولى ،مكتبة
الشروق الدولية :القاهرة ،ص. 186-185
( )140محمد أسد ،منهاج اإلسالم في الحكم ،مرجع سابق ،ص. 181
( )141محمد رشيد رضا ،تفسير المنار ،مرجع سابق ،ج 5ص. 160
58
( )142وهبة بن مصطفى الزحيلي ،الفقه اإلسالمي وأدلته ،الطبعة الرابعة ،دار الفكر :دمشق ،
سنة 1433ه ،ج ، 6ص.814
( )143محمد فوزي فيض هللا ،المسؤولية التقصيرية بين الشريعة والقانون ،رسالة دكتوراه من
جامعة األزهر ،ص. 133
( ) 144الشيخ علي الخفيف ،الضمان في الفقه اإلسالمي ،الطبعة األولى ،دار الفكر العربي :
بيروت ،سنة 8000م ،ص. 410
( )145د .محمد أحمد سراج ،ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي ،الطبعة األولى ،المؤسسة
العربية للدراسات :بيروت ،سنة 1114م ،ص 430وما بعدها.
( )146محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،المبسوط ،دون طبعة ،دار المعرفة
:بيروت ،سنة 1114م ،ج ، 86ص. 21
59
فيه.
-8جاء في المغني(( :)147وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه
أحمد رحمه هللا وروي نحو هذا الشعبي والنخعي والشافعي وقال مالك
والثوري إن ذهب اللبن وجبت ديتهما واال وجبت حكومه بقدر شينه) أي:
بقدر العيب الجسدي الذي يصيب المرأة.
-4جاء في الدر المختار( ..( :)148أو التحم شجه أو التحم جرح حاصل
بضرب ولم يبق له أثر فإنه ال شيء فيه .وقال أبويوسف :عليه أرش األلم
وهي حكومة عدل.
-3جاء في فتح الوهاب( ..( :)149فإن لم ينقص إال حال سيالن الدم
ارتقينا إليه واعتبرنا القيمة والجراحة سائلة فإن لم ينقص أصالً فقيل يعزز
فقط إلحاقاً للجرح باللطم والضرب للضرورة وقيل يفرض القاضي شيئاً
باجتهاده ورجحه البلقيني).
-5جاء في البحر الزخار(( :)150وفي األلم حكومة ..في اإليالم
حكومة).
وفيه (وال شيء في قطع طرف الشعر ،وال يؤثر في الجمال ،فإن أثر بأن
الشا رع بطريق التعزير إذا اقتضت مصلحة المجتمع ذلك ،إذا لم يكن
تقديرها مانعاً من الزيادة عليها عندئذ.
-8إذا رؤي أن ثمة ضر اًر كبي اًر نزل بالمجني عليه بسبب هذه الجريمة
فليس من العدل عدم مراعاته والتسوية في الجزاء بين جريمتين أحدهما لم
تحدث ضر اًر ذا بال وأخرى أحدثت ضر اًر عظيماً وكيف يمكن حينئذ أن
نتصور التماثل في الصورتين بين الجريمة والجزاء في حين أن الجزاء فيما
واحد والجريمة مختلفة ومتفاوتة وكذلك ضررها تفاوتاً عظيم ًا.
-4أن التعويض بالمال في الفقه اإلسالمي قد قام على أساس المبادلة
والمعاوضة بين المال الفاقد والجزاء ،فإنه يجب لذلك أن ما يدفع من المال
تعويضاً مضافاً إلى الديات واألروش مقابالً بضرر مالي يجوز االعتياض
عنه.
-3أن التعويض يجب أن يكون عن ضرر مالي يتمثل في فقد مال كان
قائماً وذلك ما ال يتحقق غالباً في األحوال التي تجب فيها الديات واألروش
وهذا ما تقضى به نظرية الضمان في الفقه اإلسالمي ولكن إذا أمكن إقامة
الضمان على نظرية أخرى هي تخفيف األلم عن المصاب وارضاء نفسه
إرضاء له
ً واعتالل الغل والحقد من قلبه وذلك ما يقوم به المال يدفع إليه
أمكن حينئذ على هذا األساس القول بجواز التعويض عن ضرر لم يالحظ
في فرض الدية وتقديرها.
-5إن الشريعة حين أقرت الدية في وسط البادية حيث يعيش أهلها من
الرعي ونتاج الحيوانات والنعم وثمار النخيل وما أشبه ذلك أقرتها دون نظر
إلى الصناعة والعمل على مستوى الناس جميع ًا إذ لم يكن ضرر الجرائم
62
في هذا الوسط يتعدى إلى غير األلم الجسماني أو النفسي الذي يعتاض
عنه بالديات ،أما في عصرنا هذا فقد تضاعفت فيه متطلبات الحياة
وحقوقها وواجباتها وتكاليفها مما جعل غالب الناس يعيش من عملهم وكان
ضرر الجريمة ال يقف عند األضرار الجسمانية أو النفسية بل كثي اًر ما
يتجاوزها إلى أضرار مادية تحول دون العمل وكسب المال مما كان متواف اًر
للمجني عليه من قبل ،وفي مثل هذه األحوال قد يرى من العدل أن يكون
لمن أصابته تلك األضرار أن يطالب بتعويض عنها فوق ما يعطاه من
الدية.
ثالثاً :رأي د .محمد أحمد سراج(.)154
إن الدية تمثل الحد األدنى للغرامة التي قدرها الشرع في إتالف النفس أو
المعاني القائمة بها ،وفي هذا يستوي الناس جميعاً ال فرق بين كبيرهم
وصغيرهم وشريفهم ووضيعهم أما الزيادة على هذا الحد لوجود سبب يبيح
هذه الزيادة وفق القواعد الشرعية للمسؤولية فهو الذي يحقق مبدأ العدالة
بالتناسب بين الضرر والواجب واستحسن ترك أسباب التغليظ وتقدير
الواجب بكل سبب للقضاة لتمكينهم من مراعاة الظروف المتنوعة للمتقاضين
وأنواع األضرار وقوة العدوان.
فالدية تنصرف إلى تأكيد معنى المساواة بين الناس جميعاً في التعويض
عن األضرار المتعلقة بالنفس اإلنسانية ومعانيها على حين ينصرف التغليظ
إلى تأكيد معنى العدالة.
( )154د .محمد أحمد سراج ،ضمان العدوان في الفقه اإلسالمي ،مرجع سابق ،ص 430وما
بعدها.
63
( ) 155مصطفى أحمد الزرقا ،الفعل الضار والضمان فيه ،طبعة األولى ،دار الشامية للطباعة
والتوزيع :بيروت ،سنة ، 1122ص. 186
( )156المرجع السابق ،ص 185وما بعدها.
( )157المرجع السابق ،ص 184وما بعدها.
64
التالية:
.1األمثلة الفقهية جميعاً التي استشهدوا بها على التعويض عن الضرر
األدبي ليست من الضرر األدبي في شيء ،فاأللم ،والشين ،وفوات الزينة
الطبيعية بفقدان الشعر كلها أضرار مادية ال نزاع في جواز التعويض
المالي عنها وال تصلح بحال لالحتجاج شرعاً على التعويض المالي عن
الضرر األدبي ،على أنه يالحظ أن بعض ما يوصف تساهالً بأنه ضرر
أدبي هو في حقيقته ضرر مادي يمكن تعويضه وفق القواعد الشرعية في
تعويض األضرار المادية ومن ذلك:
-إيقاع األلم بالضرب أو اللطم ولو لم يترك أث اًر.
-نقص جمال عضو من األعضاء.
-الضرر األدبي الذي له انعكاسات مالية يقبل التعويض كأي ضرر
مالي ،ومثاله :اتهام طبيب بالجهل بالطب ،أو اتهام تاجر بأنه عديم األمانة
أو أنه على وشك اإلفالس ..إلخ ،مما يصرف الناس عن التعامل معه
ويضر بمورده المالي.
.8لقد تضافرت النصوص الشرعية على تأكيد شدة تحريم الشريعة
لإلضرار األدبي وأن حد القذف في الشريعة مثال واضح على ذلك ،لكن
األسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة اإلضرار األدبي إنما هو التعزيز
الزاجر ،وليس التعويض المالي ،إذ ال تعد الشريعة شرف اإلنسان وسمعته
ماالً متقدماً يعوض يمال آخر إذا اعتدى عليه.
أضر بغيره أدبياً لوجب أن يذهب المال
.4لو سلمنا بالتعزيز المالي لمن ّ
إلى خزانة الدولة ال إلى جيب المتضرر .وهذا ال يقولون به ،وليس هو مراد
65
على السلطة المطلقة على أرض اإلقليم هي التي تخضع األفراد أيضاً
للجوء إلى التحكيم في بعض أنواع المنازعات و التي غالباً ما تتعلق
باالستثمار و بعض أنواع العقود البترولية إال أن ذلك ال ينفى في النهاية
الصفة االختيارية برغم ذلك اإلجبار ،حيث أن التحكيم البد و أن تتم
صياغته في شكل اتفاق دائماً .
.2التحكيم اإلجباري :فهو ذلك التحكيم الذي يفرض على األطراف ففي
ينص القانون على خضوعها للتحكيم ،وال يجوز لألطراف
بعض المنازعات ّ
اللجوء فيها للقضاء العادي ابتداء(.)159
ومن ذلك قانون البترول فقد جعل المشرع له قانون خاص يفرض على
المتعاقدين االحتكام إليه إذا وجد تنازع فيما بينهما.
وكذلك من حيث مكان صدور الحكم ،فقد نص باب التحكيم في مادته
( )161مايلي ":يجب أن يصدر حكم المحكمين داخل حدود األراضي
الليبية واال اتبعت في شأنه القواعد المقررة لألحكام الصادرة في بلد أجنبي".
فرق المشرع بين نوعين من التحكيم ،وهما التحكيم
ففي هذا النص قد ّ
الوطني أو الداخلي ،والتحكيم األجنبي.
أنواع الحقوق:
لقد عنى األصوليون والفقهاء بمبحث الحق وأنواعه باعتبار من يستحق
الحق ،فقسموه إلى قسمين رئيسيين وهما :حق هللا وحق العبد ،واحدهما
يشترك مع اآلخر ويكون هو المغلب ،فيكون لدينا أربعة أقسام.
يقول اإلمام السرخسي :اعلم أن جملة ما يثبت بالحجج الشرعية الموجبة
للعلم قسمان:
األحكام المشروعة ،وما يتعلق بها المشروعات ،واألحكام أربعة :حقوق هللا
خالصا ،وحقوق العباد خالصا ،وما يشمل على الحقين وحق هللا فيه اغلب،
68
أوالً :حقوق هللا تعالى :وهو ما يتعلق بالنفع العام من غير اختصاص
بأحد ،وما فهم من الشرع انه ال خيرة فيها للمكلف ،سواء كان الحق له
معنى معقول أو غير معقول-أي غير معلوم العلة وال يثبت بالقياس-
فحقوق هللا تعالى هي الحقوق التي تتعلق بواجبات العباد ،أو الصالح العام
لألمة ،وال سيما الحدود التي شرعها هللا ،ألنه عليها يتوقف كيان المجتمع،
وهي التي تسمى اليوم في لغة القوانين الدستورية[ حقوق الدولة] أو[ الحقوق
العامة] وفي اإلسالم على الضد من ذلك تسمى [واجبات على الدولة]
. ()161
[وحقوقا هلل تعالى]
وعرفها ابن تيمية –رحمه هللا :-بانها التي ليست لقوم معينين بل منفعتها
لمطلق المسلمين او انواع منهم وكلهم محتاج اليها ،وتسمى [حدود هللا] او
[حقوق هللا] وهي نوعان احدهما :الحدود والثانية :الحقوق المالية(.)162
ثانيا :حقوق العباد :وهي التي تكون محض حق العباد وشرعت لمصلحة
دنيوية خاصه بالفرد دون المجموع ،وهي اكثر من ان تحصى ،نحو
( )160محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،اصول السرخسي ،طبعة األولى ،
دار الكتب العلمية :بيروت 1114 ،م ،ج ، 8ص. 821
( )161عبد العزيز بن أحمد بن محمد عالء الدين البخاري الحنفي ،كشف األسرار شرح أصول
البزدوي ،الطبعة األولى ،الشركة الصحافية العثمانية :تركيا ،سنة 1402ه ،ج ، 3ص
. 480
( )162إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي ،الموافقات ،تحقيق أبو
عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،طبعة األولى ،دار ابن عفان :القاهرة ،سنة ، 1111
اج ، 8ص .480
69
. ()164
حقوق العباد
( )164محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس األئمة السرخسي ،اصول السرخسي ،مرجع سابق ،
ج ، 8ص .818
( ) 165محمد سالم مذكور ،نظرية اإلباحة عند األصوليين ،طبعة الثانية ،دار النهضة العربية
:بيروت ،سنة 1123م ،ص.441
( )166محمد بن يوسف المواق ،التاج واالكليل لمختصر خليل ،طبعة األولى ،دار الكتب
71
وفيم يلي عرض آلراء الفقهاء فيما يصلح أن يكون محال للتحكيم وفيما ال
يصلح :
فقهاء الحنفية:
ما ال يجوز التحكيم فيه:
.1ال يجوز التحكيم في الحدود الواجبة حقا هلل تعالى باتفاق الروايات
وحجتهم :أن استيفاء عقوبتهما مما يستقل به ولي األمر ،وأن حكم المحكم
ليس بحجة في حق غير الخصوم ،فكان فيه شبهة ،والحدود تد أر
بالشبهات .وأما ما اختاره السرخسي من جواز التحكيم في حد القذف
فضعيف ،الن الغالب فيه حق هللا تعالى ،فاألصح في المذهب عدم جواز
. ()167
التحكيم في الحدود كلها
.8ال يجوز التحكيم في القصاص ،فقد روي عن ابي حنيفة :انه ال يجوز
التحكيم فيه ،واختاره الخصاف ،وهو الصحيح من المذهب ،الن التحكيم
بمنزلة الصلح واإلنسان ال يملك دمه حتى يجعله موضعا للصلح.
وأما ما روي من جوازه في القصاص قياسا على غيره من الحقوق
،فضعيف رواية ودراية ،الن القصاص ليس حقا محضا لإلنسان – وان
. ()168
كان الغالب حقه – وله شبه بالحدود في بعض المسائل
.4وليس للحكم ان يحكم في اللعان كما ذكر البرجندي ،وان توقف فيه
. ()170
ابن نجيم ،وعلة ذلك أن اللعان يقوم مقام الحد
. .5ليس للمحكم الحبس ،إال ما نقل عن صدر الشريعة من جوازه
()171
جاء في الهداية شرح بداية المبتدئ للمرغيناني "وال يجوز التحكيم في
الحدود والقصاص ،ألنه ال والية لهما على دمهما ،ولهذا ال يملكان
اإلباحة فال يستباح برضاهما...وان حكماه في دم خطا فقضى بالدية على
العاقلة لم ينفذ حكمه ألنه ال والية له عليهم إذ ال تحكيم من جهتهم"(.)172
الدين الكاساني ،بدائع الصنائع ،مرجع سابق ،ج ، 1ص . 4لجنة علماء برئاسة نظام
الدين البلخي ،الفتاوى الهندية ،طبعة الثانية ،دار الفكر :بيروت ،سنة 1410ه ،ج ، 4
ص . 162
( )169زين العابدين ابن نجيم ،البحر الرائق ،مرجع سابق ،ج ، 1ص . 86عالء الدين
الكاساني ،بدائع الصنائع ،مرجع سابق ،ج ، 1ص . 4
( )170احمد بن محمد بن اسماعيل الطحاوي ،حاشية الطحاوي على الدر المختار ،دار ابن
نفيس :االسكندرية ،سنة ، 1128ج ، 8ص . 802
( )171محمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي ،الدر المختار شرح تنوير
األبصار وجامع البحار ،تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم ،طبعة األولى ،دار الكتب العلمية
:بيروت ،سنة 8008م ،ج ، 5ص . 348
( ) 172ابو الحسن علي بن ابي بكر المرغيناني ،الهداية شرح بداية المبتدئ ،تحقيق نعيم أشرف
نور محمد ،طبعة األولى ،إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية :باكستان ،سنة 1311ه ،ج، 4
ص . 101 -102
73
وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي [وشرط لنفوذ حكمه –
أي المحكم -أن يكون في غير حد وقود ودية على العاقلة ،الن تحكيمهما
بمنزلة الصلح بينهما ،وليس لهما والية على دمهما ولهذا ال يملكان إباحته
،وكذا ال والية لهما على العاقلة فال ينفذ حكم من حكماه على عاقلته ،وال
على القاتل لعدم التزام العاقلة حكمه ،ولكونه مخالفا لحكم الشرع الن الدية
تجب على العاقل ال على القاتل ،ولو ثبت القتل بإق ارره أو ثبت جراحته
ببينة وأرشها اقل مما تتحمله العاقلة خطا كانت الجراحة خطا او عمدا او
كان قدر ما تتحمله ولكن الجراحة كانت عمدا ال توجب القصاص نفذ
حكمه عليه ،الن العاقلة ال تعقله (.)173
وجاء في المحيط البرهاني [وال يجوز التحكيم في شيء من الحدود وال زنا
وال شرب خمر وال سرقة وال لعان وال قذف ،وان فعل ذلك فهو باطل ،ألنهما
ال يملكان التفويض إلى الغير(.)174
ما يجوز فيه التحكيم:
.1يجوز التحكيم فيما يملك األفراد فعله بأنفسهم من حقوق العباد،
كالدعاوى المتعلقة باألموال والديون والبيوع واإلجارة والرهن
ونحوها(.)175
( )173فخر الدين عثمان ابن علي الزيلعي ،تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ،طبعة األولى ،
المطبعة الكبرى األميرية :بوالق -القاهرة ،سنة 1414ه ،ج ، 18ص . 140 – 181
( ) 174برهان الدين محمود بن احمد مازه ،المحيط البرهاني في الفقه النعماني ،تحقيق عبد الكريم
سامي الجندي ،طبعة األولى ،دار الكتب العلمية :بيروت ،سنة 8003م ،ج ، 2ص
.611 - 610
( )175ابراهيم بن علي بن محمد ابن فرحون ،تبصرة الحكام في اصول االقضية ومناهج األحكام
74
،طبعة األولى ،مكتبة الكليات األزهرية :القاهرة ،سنة 1126ه ،ج ،1ص .130
( )176أبي الحسن بن أبي بكر المرغيناني ،الهداية شرح بداية المبتدئ ،مرجع سابق ،ص
.102
( )177محمد بن محمد البابرتي ،العناية شرح الهداية ،دون طبعة ،دار الفكر :بيروت ،دون
تاريخ نشر ،ج ، 10ص .811 - 812
( )178عبدهللا بن محمود الموصلي ،االختيار لتعليل المختار ،دون طبعة ،مطبعة الحلبي :
القاهرة ،سنة 1141م ،ج ، 8ص ، .، 11برهان الدين محمود بن احمد مازه ،المحيط
البرهاني ،مرجع سابق ،ج ، 2ص.611
75
( )179محمد بن محمد البابرتي ،العناية شرح الهداية ،مرجع سابق ،ج ، 10ص .410-812
( )180محمد بن محمد الدسوقي ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،مرجع سابق ،ج ، 11ص
.88 -12
( )181احمد بن محمد الصاوي ،حاشية الصاوي على الشرح الصغير ،دون طبعة ،دار المعارف
:القاهرة ،دون تاريخ نشر ،ج ، 1ص .415 - 413
76
( )182محمد بن احمد الدسوقي ،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،مرجع سابق ،ج ، 11
ص . 80- 12برهان الدين ابراهيم بن علي ابن فرحون ،تبصرة الحكام ،مرجع سابق ،ج
، 1ص . 130
77
( )183ابو الحسن الماوردي ،الحاوي الكبير ،تحقيق الشيخ علي محمد معوض -الشيخ عادل
أحمد عبد الموجود ،طبعة األولى ،دار الكتب العلمية :بيروت ،سنة 1111م ،ج ، 16
ص. 650 – 632
( )184ابو زكريا يحيى بن شرف النووي ،المجموع شرح المهذب ،دون طبعة ،دار الفكر :
بيروت ،سنة 1111ه ،ج ، 8ص .182 - 181
( )185محمد بن احمد الشربيني ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ،طبعة األولى ،
دار الكتب العلمية :بيروت ،سنة 1113م ،ج ، 11ص .16
( )186رجب نوري المشوح ،دليل المحتاج شرح المنهاج لالمام النووي ،نسخة الكترونية ،ج ، 3
ص .141
( )187سليمان بن محمد البيجرمي ،حاشية البيجرمي على شرح المنهاج ،دون طبعة ،مطبعة
الحلبي :غزة ،سنة 1150م ،ج ، 16ص .821
78
فقهاء الحنابلة:
اختلف فقهاء المذهب فيما يجوز فيه التحكيم.
ففي ظاهر كالم احمد أن التحكيم يجوز في كل ما يمكن أن يعرض على
القاضي من خصومات ،يستوي في ذلك المال والقصاص والحد والنكاح
وغيرها ،ذكره أبو الخطاب في الهداية ،وهو المذهب حتى مع وجود قاض،
ألنه كالقاضي وال فرق.
وقال القاضي أبو يعلى بجواز التحكيم في األموال خاصة ،وأما النكاح
والقصاص والحد فال يجوز فيها التحكيم ،ألنها مبنية على االحتياط ،فال بد
من عرضها على القضاء للحكم(.)188
ورجح بعض علماء الشافعية ما ذهب إليه اإلمام أحمد من جواز التحكيم
في كل ما يجوز للقاضي أن يحكم فيه ،حيث قال الشربيني الخطيب في
مغني المحتاج[ :والصحيح عدم االختصاص ،الن من صح حكمه في مال
صح في غيره ،كالمولى من جهة اإلمام](.)189
خالصة أقوال الفقهاء:
نالحظ أنه ال خالف بين الفقهاء على انه يجوز التحكيم في األموال وما
يجري مجراها حيث ذهب فقهاء الحنفية إلى أن التحكيم يجوز في سائر
( )188أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ،الكافي
في فقه اإلمام أحمد بن حنبل ،طبعة األولى ،دار الكتب العلمية :بيروت ،سنة 1113م ،
ج ، 3ص . 881منصور بن يونس بن ادريس البهوتي ،كشاف القناع ،مرجع سابق ،
ج ، 88ص . 101
( )189محمد بن احمد الشربيني ،مغني المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ،مرجع سابق ،ج 11
،ص . 16
79
األمور التي يجوز فيها االجتهاد من نكاح وبيوع وغيرها ،وال يجوز في
الحقوق الواجبة حقا هلل تعالى ،وذلك الن الحدود ال يجوز فيها الصلح.
وذهب فقهاء المالكية إلى أن التحكيم جائز في ثالثة عشر موضعا كما
بينا ،ألن االمور إما حقوق يتعلق بها حق هللا تعالى ،أو حقوق لغير
المتحاكمين.
وذهب فقهاء الشافعية إلى القول بان التحكيم يجوز في كل أمر إال في
الحدود ،وكذلك ما اختص القضاة باإلجبار عليه من حقوق هللا تعالى،
واختلفوا في النكاح واللعان والقذف والقصاص.
وذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بان التحكيم يجوز في جميع األحكام
بحجة أن من يقوم بالتحكيم المحكم هو كالحاكم ينفذ حكمه في جميع
األحكام ،إال ما ورد عن القاضي بجواز التحكيم في األموال ،دون النكاح
والقصاص والحد ،ألنها مبنية على االحتياط.
وقد افتى بما سبق مجمع الفقه اإلسالمي في دورة مؤتمره التاسع المنعقدة
بدولة اإلمارات العربية المتحدة من 6-1ذي القعدة 1315ه ،بعد
اطالعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع [مبدأ التحكيم
في الفقه اإلسالمي] وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله قرر ما
يلي[ :ال يجوز التحكيم في كل ما هو حق هلل تعالى كالحدود ،وال فيما
استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن ال والية
للحكم عليه كاللعان ،لتعلق حق الولد به ،وال فيما ينفرد القضاء دون غيره
80
بالنظر فيه](.)190
وأخي ار يمكن تأصيل قاعدة ما ال يجوز التحكيم فيه عند المذاهب فيما
يلي:
عند الحنفية :كل ما كان حقا هلل تعالى ،أو فيما ال والية للمحكمين عليه.
عند المالكية :كل ما كان حقا هلل تعالى ،أو تعلق به حق غير
الخصمين .
عند الشافعية :كل ما كان حقا هلل تعالى خالصا ،أو عقوبة له عز وجل،
أو في كل ما ليس له طالب معين ،وأضافوا النكاح واللعان ربما لتعليل
المالكية في تعلق الحق بغير الخصمين.
عند الحنابلة :كل ما كان حقا هلل خالصا ،مع إضافة النكاح واللعان
للتعليل السابق.
( )190ق اررات وتوصيات مجمع الفقه االسالمي ،التابع لمنظمة المؤتمر االسالمي ،قرار رقم 11
.1-2/
81
موضوع التحكيم تقدي اًر لنفقة واجبة في النظام الزوجي والعائلي أو في
الخالف على مقدار المهر أو البائنة أو دعوى مالية أخرى ناشئة عن
قضايا األحوال الشخصية كما يجوز التحكيم بين الزوجين فيما تجيزه أحكام
()191
الشريعة اإلسالمية"
يرى المشرع أن من األحوال التي ال يجوز فيها التحكيم هو ما ورد بها
نص خاص وأعطى أمثلة على ذلك منها "األمور المتعلقة بالنظام العام
التي ال يجوز فيها الصلح مثل الضريبة والمساءلة الجنائية ،ومساءلة
األحوال الشخصية مثل الحضانة والنسب وغيرها ،وكذلك التأمين
االجتماعي ،واصابات العمل التي تنطوي تحت قانون العمل ،وكذلك
المنازعات التي تتعلق بالجنسية ،وختم قوله بأنه يجوز التحكيم بين الزوجين
فيما تجيزه أحكام الشريعة اإلسالمية ،ومفهوم المخالفة لهذا النص أنه ال
يجوز التحكيم بين الزوجين في األمور التي رأت الشريعة اإلسالمية بعدم
الصلح فيها ".
( )191مادة ، 130الباب الرابع في التحكيم ،فصل االول :التحكيم عامة ،قانون المرافعات
المدنية والتجارية الليبي .
82
نوع البحــــــــــــــــــــــــــــث
هيكل البحــــــــــــــــــــــــــــــــث
83
الفصل الثالث
منهجية البحث
( )192د.جميل صليبا ،أساليب البحث العلمي ،الطبعة الثانية ،منشورات عويدات :بيروت
،لبنان ،سنة ،1121ص.311
85
هيكل البحث
آية قرآنية..........................................................
اإلهداء..........................................................
شكر وتقدير......................................................
محتويات البحث..................................................
الفصل األول :اإلطار العام
أ .المقدمة........................................................
ب .مشكلة البحث................................................
ج .أسئلة البحث .................................................
د .أهداف البحث..................................................
ه .أهمية بحث التحكيم...........................................
و .حدود البحث..................................................
ز .مصطلحات البحث............................................
ح .الدراسات السابقة............................................
الفصل الثاني :اإلطار النظري
اإلسالمية.....................................................
ب .الموضوعات التي يجوز وال يجوز فيها التحكيم في القانون
الليبي..........................................................
الفصل الثالث :منهجية البحث
الفصل الرابع
تحليل البيانات
المبحث األول:
فض المنازعات في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي في
مسألة الشقاق بين الزوجين.
وقد سمى الشيخ ناصر الشيرازي هذا النوع من العالج بمحكمة الصلح
العائلية ،وذكر من ميزات هذه المحكمة التي تفرقها عن سائر المحاكم ما
يلي(:)197
أن البيئة العائلية بيئة عاطفية ،ولذلك فإن المقياس الذي يجب أن
يتبع في هذه البيئة يجب أن يختلف عن المقاييس المتبعة في البيئات
األخرى ،فكما أنه ال يمكن العمل في المحاكم الجنائية بمقياس المحبة
والعاطفة ،فإنه ال يمكن في البيئة العائلية العمل بمقياس القوانين الجافة،
فهنا يجب حل الخالفات العائلية بالطرق العاطفية بحد اإلمكان ،ولهذا
يأمر القرآن الكريم أن يكون الحكمان في هذه المحكمة ممن تربطهم
بالزوجين رابطة النسب والقرابة ليمكنهما تحريك المشاعر والعواطف باتجاه
اإلصالح بين الزوجين.
أن المدعي والمدعى عليه في المحاكم العادية مضطرين تحت
طائلة الدفاع أن يكشفا عن كل ما لديهما من األسرار ،ومن المسلم أن
الزوجين لو كشفا عن األسرار الزوجية أمام األجانب لجرح كل منهما
مشاعر الطرف اآلخر ،بحيث لو اضطر الزوجان أن يعودا بحكم
المحكمة إلى البيت لما عادا إلى ما كانا عليه من الصفاء والمحبة
السالفة ،ولقد دلت التجربة أن الزوجين اللذين يضطران إلى التحاكم إلى
مثل هذه المحاكم لحل ما بينهما من الخالف لم يعودا ذينك الزوجين
السابقين.
أن الحكمين في المحاكم العادية المتعارفة ال يشعران عادة
بالمسؤولية الكاملة في قضايا الخالف والمنازعات ،وال تهمهما كيفية
انتهاء القضية المرفوعة على المحكمة ،في حين أن األمر في محكمة
الصلح العائلية يختلف عن ذلك لشعور الحكمين بالمسؤوليات الناشئة عن
ذلك.
أن مثل هذه المحكمة ال تعاني من أية مشكالت ،وال تحتاج إلى أي
ميزانيات باهظة ،كالمحاكم العادية ،بل تستطيع أن تقوم بأهدافها وتحقق
أغراضها من دون أي تشريفات ،وفي أقل مدة من الزمن.
ومع كل هذه الميزات نرى تقصي ار كبي ار في الواقع الستعمال هذا العالج
سواء من العائالت أو من المحاكم ،وليس هذا تقصي ار حديثا ،فقد ذكر ابن
العربي تفريط الناس والقضاة في هذه الناحية المهمة فقال في تفسيره لآلية
التي تحث على هذا العالج( :هي من اآليات األصول في الشريعة ،ولم
نجد لها في بالدنا أث ار ؛ بل ليتهم يرسلون إلى األمينة ،فال بكتاب هللا
. ()198
تعالى ائتمروا ،وال باألقيسة اجتزوا)
ويحدث عن تجربته في ذلك فقال (:قد ندبت إلى ذلك فما أجابني إلى
بعث الحكمين عند الشقاق إال قاض واحد ،وال إلى القضاء باليمين مع
الشاهد إال قاض آخر ،فلما وآلني هللا األمر أجريت السنة كما ينبغي،
وأرسلت الحكمين ،وقمت في مسائل الشريعة كما علمني هللا سبحانه من
( )198أبو بكر محمد بن عبد هللا ابن العربي ،أحكام القرآن ،تحقيق :محمد عبد القادر عطا
،دار الفكر للطباعة والنشر -لبنان ،ج ،1ص.541
97
سينفصالن بالطالق وبالتالي ستنهدم األسرة وتتشتت العائلة ،في حين إن
الحكمين في محكمة الصلح العائلية يهمهما مستقبل العائلة بحكم القرابة
مما يجعلهما يسعيان جهد إمكانهما لتحقيق السالم والوئام بين الزوجين
وانقاذ الزواج من االنهيار.
.3محكمة العائلة ال تحتاج الى ميزانية باهظة وتستطيع القيام بعملها
وتحقيق اهدافها بأقل ما يمكن من التكاليف المادية.
كان بين الرجل وامرأته درء وتدارؤا بعثوا حكمين فأقبال على الذي جاء
التدارؤ من قبله فوعظاه ،فإن أطاعهما واال أقبال على اآلخر ،فإن سمع
منهما وأقبل إلى الذي يريدان واال حكما بينهما ،فما حكما من شيء فهو
جائز) وعنه في المختلعة( :يعظها فإن انتهت واال هجرها واال ضربها،
فإن انتهت واال رفع أمرها إلى السلطان ،فيبعث حكما من أهلها وحكما
من أهله ،فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل كذا ويفعل كذا ،ويقول الحكم
الذي من أهله تفعل به كذا وتفعل به كذا ،فأيهما كان أظلم رده إلى
السلطان وأخذ فوق يده ،وان كانت ناش اًز أمروه أن يخلع).
أن األولى في اآلية التي نصت على الحكمين أن يكون الخطاب فيها
للحاكم الناظر بين الخصمين والمانع من التعدي والظلم وذلك ؛ ألنه قد
بين أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها باهلل ثم بهجرانها في المضجع إن
لم تنزجر ثم بضربها إن أقامت على نشوزها ،ثم لم يجعل بعد الضرب
للزوج إال المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه
حكمه عليهما.
القياس على العنين والمجبوب واإليالء ألن الحاكم هو الذي يتولى
النظر في ذلك والفصل بينهما بما يوجبه حكم هللا.
القول الثاني :أن المكلف بإرسال الحكمين هم األولياء برضى
الزوجين ،أو الزوجان نفسهما ،فالحكمان في هذا القول وكيالن عن
الزوجين ،وهو قول الشافعي ،ويدل على ذلك قوله(:وجدت هللا أذن في
نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -
ذلك ،وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن ال يقيما حدود
101
هللا بالخلع ،ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ لرجل
مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج ،فلما أمر فيمن خفنا
الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم األزواج
غيرهما ..فإذا كان هذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها وال يبعث
الحكمان إال مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو
. يفرقا إذا رأيا ذلك)
()202
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو أن كل ذلك يجوز ،فيجوز للزوجين
في حال الشقاق أن يختا ار من يوكالنه في النظر في الشقاق الحاصل
بينهما ،ويستطيع األهل فعل ذلك ،بل يستطيع األجانب المقربون إن أروا
في تدخلهم مصلحة أن يوكلوا من يحكم بينهما ،وهذا بناء على ما سنذكره
من أنه ليس للحكمين التفريق بين الزوجين ،أما على القول بذلك ،فإن
األرجح هو ما ذكره أصحاب القول األول.
ب .شروط الحكمين:
اشترط الفقهاء في الحكمين شروطا اتفقوا في بعضها واختلفوا في
البعض اآلخر ،وهي كثيرة يمكن حصرها في الشروط التالية(:)203
( )202أبو عبد هللا محمد بن إدريس الشافعي ،األم ،دون طبعة ،دار المعرفة :بيروت ،سنة
1110م ،ج ،5ص.183
( )203أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي
األندلسي ،المنتقى شرح الموطأ ،الطبعة األولى ،مطبعة السعادة :مصر ،سنة 1448ه ،ج،3
ص.114
102
.1األهلية الكاملة:
ونقصد بها أهلية التكليف من العقل والبلوغ ،فال يجوز تحكيم الصغير
والمجنون ،باإلضافة إلى أنواع األهلية األخرى التي تكتمل بها األهلية
الشرعية ،وهي:
oاإلسالم ،فال يحكم غير المسلم في المسلم ،ألن الغرض من التحكيم
هو رد الزوجين إلى شرع هللا ،وال يكون ذلك إال من مسلم متمكن في
اإلسالم.
oالعدالة ،وقد مر تفسيرها ووجه اشتراطها سابقا ،ويشتد اشتراطها في
الحكمين.
oالعلم بأحكام التحكيم ،وهو أهم الشروط لتعلق التحكيم بالمعرفة
باألحكام الشرعية المرتبطة بهذا الجانب.
.2أن يكونا من أهل الزوجين:
الواجب األصلي في الحكمين أن يكونا من أهل الزوجين( ،)204ألن
األهل أعرف بأحوال الزوجين ،وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما ،قال
الجصاص( :وانما أمر هللا تعالى بأن يكون أحد الحكمين من أهلها
واآلخر من أهله لئال تسبق الظنة إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما،
فإذا كان أحدهما من قبله واآلخر من قبلها زالت الظنة وتكلم كل واحد
منهما عمن هو من قبله)(.)205
( )204وهو قول المالكية ،وهو ما نص عليه القرآن الكريم ،والقول الثاني ان ذلك على سبيل
الندب ال الوجوب.
( )205الجصاص ،أحكام القرآن ،مرجع سابق ،ج ،1ص.810
103
فإن لم يكن لهما أهل ،أو لم يكن فيهم من يصلح لذلك لعدم العدالة،
فإن المرسل يختار حكمين عدلين من المسلمين لهما أو ألحدهما كيفما
كان عدم الحكمين منهما أو من أحدهما ،ويستحب أن يكونا جارين؛ وهذا
ألن الغرض من الحكمين معلوم ،والذي فات بكونهما من أهلهما يسير،
فيكون األجنبي المختار قائما مقامهما ،وربما كان أوفى منهما(.)206
.3الذكورة:
وقد اختلف الفقهاء في اشتراطها على قولين:
القول األول :اشتراط الذكورة في الحكمين ،وهو قول المالكية والشافعية
في مقابل األظهر ،والحنابلة في القول الثاني ،واستدلوا على ذلك بأن
الحكمين هنا حاكمان ،وال يجوز جعل المرأة عندهم حاكما.
القول الثاني :عدم اشتراط الذكورة ،وهو قول الجمهور.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة عدم اشتراط الذكورة لعدم ورود الدليل
النصي الذي يشترطها ،وألن الغرض الشرعي من التحكيم هو اإلصالح
بين الزوجين ،وذلك قد يتحقق أحيانا من المرأة أكثر من الرجل ،ولكنه في
حال اختيار الحكمين للتفريق ،فاألولى أن ال يقتصر في التحكيم على
النساء ،لما سنراه في أحكام الطالق.
.4عدد الحكام:
نص الفقهاء على أنه يجزئ إرسال حكم واحد ،واستدلوا على ذلك بأن
هللا تعالى حكم في الزنى بأربعة شهود ،ومع ذلك أرسل -صلى هللا عليه
وسلم -إلى المرأة الزانية أنيسا وحده ،وقال له :إن اعترفت فارجمها.
قال الباجي(:ولو جعل الزوجان ذلك إلى رجل واحد جاز إذا كان من
أهل الحكم قاله ابن القاسم في المدونة ،قال القاضي أبو الوليد -رضي هللا
عنه :-ووجه ذلك عندي أن يكون من جهة الزوجين ،ألن الحق في ذلك
ال يخرج عنهما وال يجوز للسلطان وال لولي اليتيمين ،ألن في ذلك إسقاطا
لحق الزوجين وال يجوز ذلك في جزاء الصيد ،ألنه حق هلل ،ولم يأمر فيه
إال بحكمين)(.)207
.5أهلية الزوجين:
أن يكون الزوجان كاملي األهلية راشدين ،وذلك في حال كون الحكمين
موكلين من الزوجين بالتفريق ،لما في ذلك من احتمال رد بعض المهر،
أو التفريق من غير سبب كاف ،فلذلك لو وكل الزوجان الحكمين
بالتفريق ،ثم جن أحدهما أو أغمي عليه قبل التفريق ،لغا التوكيل ،ولم
يكن للحكمين غير التوفيق ،فإن غاب أحد الزوجين قبل التفريق لم ينعزل
الحكمان ،ويكون لهما التفريق في غيبته ؛ ألن الغيبة ال تبطل الوكالة،
بخالف الجنون واإلغماء.
جـ .دور الحكمين:
يمكن تلخيص دور الحكمين ـ على ما نص عليه الفقهاء ـ في األدوار
الثالثة التالية:
( )208أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين
القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن "تفسير القرطبي" ،تحقيق :أحمد البردوني وابراهيم أطفيش،
الطبعة الثانية ،دار الكتب المصرية :القاهرة ،سنة 1163م ،ج ، 5ص.115
106
فأرسل ابن عباس ومعاوية ،فقال ابن عباس :ألفرقن بينهما وقال :معاوية
ما كنت ألفرق بين شيخين من بني عبد مناف ،فأتياهما فوجداهما قد سدا
عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما(.)209
فإن وج داهما قد اختلفا ولم يصطلحا وتفاقم أمرهما سعيا في األلفة
جهدهما وذك ار باهلل وبالصحبة ،فإن أنابا ورجعا تركاهما وان كانا غير ذلك
ورأيا الفرقة فرقا بينهما.
.3التفريق بين الزوجين:
اختلف الفقهاء في تمكين الحكمين من التفريق بين الزوجين على
قولين:
القول األول :أنه ل يس لهما ذلك ما لم يوكلهما الزوج في ذلك ،ثم يعرفا
اإلمام بقرارهما ،وذلك بناء على أنهما رسوالن شاهدان ،ثم اإلمام يفرق إن
،وأحد قولي ()210
أراد ويأمر الحكم بالتفريق ،وهو قول الحنفية
الشافعي( ،)211وهو قول عطاء وابن زيد والحسن وأبي ثور ،وهو قول
( )209تفسير القرطبي ،مرجع سابق ،ج ،5ص .116تفسير ابن كثير ،مرجع سابق ،ج،1
ص.313
( )210وقد زعم بعضهم أن أبا حنيفة وأصحابه لم يعرفوا أمر الحكمين لقولهم هذا ،وقد رد عليه
الجصاص بقوله «:هذا تكذب عليهم ،وما أولى باإلنسان حفظ لسانه ال سيما فيما يحكيه
عن العلماء ..وأمر الحكمين في الشقاق بين الزوجين منصوص عليه في الكتاب ،فكيف
يجوز أن يخفى عليهم مع محلهم من العلم والدين والشريعة ولكن عندهم أن الحكمين ينبغي
أن يكونا وكيلين لهما ،أحدهما وكيل المرأة واآلخر وكيل الزوج» أحكام القرآن للجصاص:
.810/1
( )211للشافعي في المسألة قوالن هما:
القول األول :أنهما وكيالن فال يملكان التفريق إال بإذنهما الن الطالق إلى الزوج وبذل
المال إلى الزوجة فال يجوز إال بإذنهما.
107
الظاهرية ،قال ابن حزم (:إذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما
من أهله ،وحكما من أهلها عن حال الظالم منهما ،وينهيا إلى الحاكم ما
وقفا عليه من ذلك ،ليأخذ الحق ممن هو قبله ،ويأخذ على يدي الظالم
،واستدلوا ()212
،وليس لهما أن يفرقا بين الزوجين ،ال بخلع ،وال بغيره)
على ذلك بما يلي:
ص َال ًحا ُي َوِّف طق َّ ِ ِ
َّللاُ َب طيَن ُه َما -أن هللا تعالى قال ﴿:إ طن ُي ِر َيدا إ ط
﴾(النساء )45:ولم يقل :إن يريدا فرقة ،وانما يوجه الحكمان
ليعظا الظالم منهما وينك ار عليه ظلمه واعالم الحاكم بذلك ليأخذ
هو على يده ،قال ابن حزم (:إنما رد عز وجل هذا الصلح إلى
اختيار الزوجين ،ال إلى غيرهما ،وعليهما ،وال يعرف في اللغة،
وال في الشريعة :أصلحت بين الزوجين -أي طلقتها عليه)(.)213
-أن عليا -رضي هللا عنه -لما قال لهم :ابعثوا حكما من أهله
وحكما من أهلها ،والزوجان حاضران ،إنما خاطب به الزوجين أو
من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما
قال.
-أنه لو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بال وكالة الزوج ما
احتاج علي -رضي هللا عنه -إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث
القول الثاني :هما حاكمان فلهما أن يفعال ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير
عوض ،انظر :المهذب.10/8 :
( )212أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي القرطبي الظاهري ،المحلى
باآلثار ،دون طبعة ،دار الفكر :بيروت ،دون تاريخ نشر ،ج ،1ص.836
( )213المرجع السابق ،ج ،1ص.831
108
هو ،ولقال للزوج :إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك ،وان لم تأذن
به ولم يحلف ال يمضي الحكمان حتى يقر ،ولو كان للحاكم جبر
الزوجين على أن يوكال كان له أن يمضيه بال أمرهما.
-أن األصل المجتمع عليه أن الطالق بيد الزوج أو بيد من جعل
ذلك إليه.
-أنه ال خالف أن الزوج لو أقر باإلساءة إليها لم يفرق بينهما ولم
يجبره الحاكم على طالقها قبل تحكيم الحكمين ،وكذلك لو أقرت
المرأة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على خلع وال على رد مهرها ؛
فإذا كان كذلك حكمهما قبل بعث الحكمين فكذلك بعد بعثهما ال
يجوز إيقاع الطالق من جهتهما من غير رضى الزوج وتوكيله
وال إخراج المهر عن ملكها من غير رضاها ؛ فلذلك ال يجوز
خلعهما إال برضى الزوجين.
-أن الحاكم ال يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان؟ وانما الحكمان
وكيالن لهما أحدهما وكيل المرأة واآلخر وكيل الزوج في الخلع أو
في التفريق بغير جعل إن كان الزوج قد جعل إليه ذلك.
-أنه قد يحكم الرجالن حكما في خصومة بينهما ويكون بمنزلة
الوكيل لهما فيما يتصرف به عليهما ،فإذا حكم بشيء لزمهما،
بمنزلة اصطالحهما على أن الحكمين في شقاق الزوجين ليس
يغادر أمرهما من معنى الوكالة شيئا ؛ وتحكيم الحكم في
الخصومة بين رجلين يشبه حكم الحاكم من وجه ويشبه الوكالة
من وجه آخر ،والحكمان في الشقاق إنما يتصرفان بوكالة
109
اس ِب طِ
اإل طث ِم الن ِ طكُلوا َف ِريًقا ِم طن أَمو ِ
ال َّ ِباطلب ِ
اط ِل َوتُطدُلوا ِب َها ِإَلى اطل ُح َّكا ِم ِلتَأ ُ
طَ َ
َوأ طَنتُ طم تَ طعَل ُمون﴾(البقرة ،)122:فأخبر تعالى أن الحاكم وغيره سواء
في أنه ال يملك أخذ مال أحد ودفعه إلى غيره ،فثبت بذلك أن
الحاكم ال يملك أخذ مالها ودفعه إلى زوجها ،وال يملك إيقاع
طالق على الزوج بغير توكيله وال رضاه.
القول الثاني :أن تفريقهما بين الزوجين جائز ،سواء وافق حكم الحاكم
أو خالفه ،وكلهما الزوجان بذلك أو لم يوكالهما واعتبروا أن الفراق في
ذلك طالق بائن ،وهو قول مالك( ،)214والشافعي واألوزاعي واسحاق وروي
عن عثمان وعلي وابن عباس وعن الشعبي والنخعي ،واستدلوا على ذلك
بما يلي:
َهلِ َها ِ -أن هللا تعالى قالَ ﴿:فابعثُوا حكما ِمن أ ِ ِ
َهله َو َح َك ًما م طن أ ط
ًََ ط ط طَ
﴾(النساء ،)45:وهو نص من هللا تعالى بأنهما قاضيان ال
وكيالن وال شاهدان وللوكيل اسم في الشريعة ومعنى وللحكم اسم
في الشريعة ومعنى.
-روي أنه جاء رجل وامرأة إلى علي -رضي هللا عنه -مع كل
واحد منهما فئام من الناس ،فأمرهم فبعثوا حكما من أهله وحكما
من أهلها ،وقال للحكمين :هل تدريان ما عليكما ،عليكما إن
( )214نص المالكية على أنه إذا كانت اإلساءة من قبل الزوج فرق بينهما ،وان كانت من قبل
المرأة ائتمناه عليها ،وان كانت منهما فرقا بينهما على بعض ما أصدقها ،وال يستوعبانه له ،
وعنده بعض الظلم ،رواه محمد عن أشهب ،وهو تفسيرهم لقوله تعالى ) :فإن خفتم أال
يقيما حدود هللا فال جناح عليهما فيما افتدت به ﴾ انظر :أحكام القرآن البن العربي.531/1:
111
رأيتما أن تفرقا فرقتما ،فقالت المرأة :رضيت بكتاب هللا بما علي
فيه ولي ،وقال الزوج :أما الفرقة فال ،فقال علي :كذبت وهللا ال
تبرح حتى تقر بمثل الذي أقرت به) ،ووجه داللة هذه الحادثة
أنهما لو كانا وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما أتدريان ما عليكما
إنما كان يقول أتدريان بما وكلتما.
-عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي هللا عنه -قال
في الحكمين( :إن إليهما الفرقة بينهما ،واالجتماع) ،قال مالك:
وذلك أحسن ما سمعت من أهل العلم أن الحكمين يجوز قولهما
بين الرجل وامرأته في الفرقة ،واالجتماع.
-أن طالق الحكمين من باب طالق السلطان على المولى والعنين.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو أن الدور األساسي للحكمين هو
التحقيق في أسباب الشقاق بين الزوجين ومعرفة المتهم منهما ،زيادة على
معرفة رغبة كليهما في البقاء أو التفريق.
والقصد من هذه المعرفة هو تلمس السبل لإلصالح من ناحية ،وابالغ
الحاكم بالحالة في حال تعذر اإلصالح من ناحية ثانية ،أما االستبداد
بالتفريق فليس لهما ذلك سدا لهذه األبواب كما سنرى مقصد الشارع من
ذلك في األجزاء التالية.
وقد قال الجصاص ملخصا هذه األدوار (:فهما في حال شاهدان ،وفي
حال مصلحان وفي حال آمران بمعروف وناهيان عن منكر ووكيالن في
حال إذا فوض إليهما الجمع والتفريق .وأما قول من قال إنهما يفرقان
112
اختالف الحكمين:
اتفق الفقهاء القائلون بقدرة الحكمين على التفريق على أن الحكمين إذا
اختلفا لم ينفذ قولهما ولم يلزم من ذلك شيء إال ما اجتمعا عليه ،وكذلك
في كل حكم حكما به في أمر ،فإن حكم أحدهما بالفرقة ولم يحكم بها
اآلخر أو حكم أحدهما بمال وأبى اآلخر فال يقبل منهما حتى يتفقا ،وقد
اختلف قول المالكية فيما لو اختلف الحكمان ،فحكم أحدهما بواحدة،
واآلخر بثالث فقال عبد الملك :ينفذ الواجب ،وهي الواحدة التي اتفقا
عليها ويلغو ما زاد .وقال ابن حبيب :ال ينفذ شيء ،ألنهما اختلفا .وقال
محمد :ال ينفذ شيء مثل قول ابن حبيب .ولو طلق أحدهما طلقة واآلخر
طلقتين فعلى قول ابن القاسم تلزمه طلقتان(.)216
نوع التفريق(:)217
بائنة.
القول الثاني :تلزمه الثالث إن اجتمعا عليها وهو قول المغيرة وأشهب
وابن الماجشون وأصبغ وقول البن القاسم ،واستدلوا على ذلك بأن المعنى
الذي ألجله وقع الطالق هو الشقاق ،ولو شرعت فيه الرجعة لعاد الشقاق،
كما كان أول مرة ،فلم يكن ذلك يفيد شيئا ،فامتنعت الرجعة ألجله.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من أنه ال يحق لهما
التفريق بحال ،فإن قيل بذلك ،فإنه فسخ ال طالق ،ألن الطالق ال يكون
إال من الرجل ،وبقصد منه.
الزوجين إن أمكن واال فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على
اإلصالح بينهما".
المشرع مسلك الشريعة االسالمية بخصوص إصالح ذات
ّ هنا قد سلك
البين بين الزوجين عن ط ـ ـ ـريق الحكمين وهذا شيء جيد ،ولكن عند ع ـ ــدم
وجود الحكمين من أهل ال ـ ــزوج والزوجة ،فسوف تنتدب المحكمة خ ـ ــبراء
بين الزوجين ،فإن تعذر اإلصالح حكما بالطالق ،ويكون الطالق طلقة
واحدة بائنة بينونة صغرى إذا كانت األولى أو الثانية ،واذا كانت الثالثة
فهي بينونة كبرى ،واذا أوقع الحكمان الطالق بالثالث فال يلزم الزوج إال
طلقة واحدة؛ ألن الزائد على الواحدة خارج عن معنى اإلصالح.
وأما ما يترتب على قرار الحكمين من التفريق بعوض أو بغير عوض
ففيه التفصيل االتي:
1ـ ـ ـ أن يطلقا بال خلع أي بال مال يأخذانه من الزوجة للزوج ،وذلك
إذا كانت اإلساءة من الزوج.
8ـ ـ أن يطلقا بخلع أي مال تدفعه الزوجة للزوج بحسب ما يراه
الحكمين ويتم االتفاق عليه وذلك إن كانت اإلساءة من الزوجة ،أو يأم ار
الزوج بالصبر عليها وعدم معاملتها بالضرر الواقع منها ،إذا اقتضى
نظرهما ذلك.
4ـ ـ ـ أن يتعين الطالق بدون خلع ،إذا لم ترض الزوجة بالمقام مع
الزوج ،وذلك إذا كانت اإلساءة منهما معاً ،وكان كل واحد منهما يضر
. ()218
بصاحبه
ويبدو أن المشرع الليبي يعول كثي اًر على خيار التحكيم ،وهو محق في
ذلك ،إال ان هذا الحرص ومع شديد األسف ال يتناسب مع ما موجود
على أرض الواقع ،وفي أروقة المحاكم ،وحالة التحكيم الروتينية من حيث
عدم االختيار الجيد ،ودّقة المواصفات والكفاءة ،وعدم أهلية بعض
( )218الحبيب بن طاهر ،الفقه المالكي وأدلته ،دون طبعة ،دار ابن حزم :بيروت ،دون تاريخ
نشر ،ج ،4ص.446
116
الخالصة :
في عموم المقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي فهم
متفقون في أغلب مواضيع التحكيم بين الزوجين ،واختلفوا في بعض األمور
الفقهية نذكر منها مايلي :
المبحث الثاني:
التحكيم في الشريعة اإلسالمية والقانون المدني الليبي في
المنازعات العقارية.
ولهذا من سرق أو ّ
غير منار األرض فهو مستحق للعذاب من هللا
تعالى.
فقد ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (لعن هللا من سرق منار
وفي رواية ()220
وفي رواية (لعن هللا من غير تخوم األرض) ()219
األرض)
والمقصود بمنار األرض أي معالمها التي ()221
(لعن هللا من غير المنار)
يفصل بعضها عن بعض
وروي عنه صلى هللا عليه وسلم في التحذير من أخذ األرض غصباً
( )219رواه مس ــلم ،كت ــاب األضـــاحي ،ح ــديث ، 33وفـــي مســـلم ش ــرح النـــووي ،دار الفكـــر:
بيروت ،ج ،14ص ، 138والنسائي كتاب األضاحي الباب . 43
( )220رواه أحمد في المسند ،ج ،1ص . 102
( )221رواه مسـلم كتــاب األضــاحي حـديث . 35وفــي النــووي علـى شــرح مســلم ج 14ص 138
ط دار الفكر /بيروت .
122
أو نهـباً أو نحـو ذلك (من أخـذ شـب اًر من األرض طوقه يوم القيامة من
وفي هذا وعيد شديد وعذاب أليم سيطوقه هللا يوم ()222
سبع أرضين)
القيامة.
وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ،أن أروى خاصمته في بعض
داره فقال :دعوها واياها ،هذه القطعة التي خاصمتني فيها دعوها لها،
فإني سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول" :من أخذ شب اًر من
األرض بغير حق طوقه في سبع أرضين يوم القيامة" ،ثم قال الصحابي:
اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها ،قال -يعني
الراوي :-فرأيتها عمياء تلتمس الجدر ،تقول :أصابتني دعوة سعيد بن
زيد ،فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها
فكانت قبرها(.)223رواه البخاري
وغيرها من األدلة التي تبين خطورة االعتداء على منازل أو أراضي
المسلمين بدون علمهم ورضاهم.
ولكن هناك بعض الحاالت التي قد يضطر إلى أخذ هذا المنزل أو
هدمه للمصلحة العامة ،ففي هذه الحالة ال يعارض اإلسالم ذلك
بشروط-:
أ .تحقق المصلحة العامة ضد المصلحة الفردية.
ب .التعويض المناسب من بيت مال المسلمين لصاحب هذا المنزل
دون ضرر أو إضرار.
( )222رواه البخاري في كتاب المظالم الباب ، 14وفي بدء الخلق الباب . 8وفي الفتح ج 6
ص 818ط السلفية.
( )223رواه البخاري حديث رقم " ، "4112ومسلم حديث رقم ". "1610
123
يقول ابن االزرقي -عن عمر وعثمان -وابن الزبير ،أنهم هدموا البيوت
المجاورة للكعبة المشرفة عندما أرادوا التوسعة فقد كان المسجد الحرام ليس
عليه جدران محاطة إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب ،فضاق
على الناس فاشترى عمر رضى هللا عنه دو اًر فهدمها خاصة القريبة من
الكعبة المشرفة وعوضهم عن منازلهم المهدمة وامتنع البعض عن أخذ
القيمة شحاً بمنازلهم المجاورة للكعبة المشرفة ،فوضع رضى هللا عنه
أثمانها في خزانة الكعبة حتى رضوا وأخذوها بعد زمن وحصل في عهد
عثمان فهدم وضج الناس عـليه لكـنه لم يسمع منهم وحبس بعضاً من
الذين امتنعوا حتى شفع لهم فأخرجوا .كذلك ابن الزبير فعل واشترى دو اًر
أدخلها في المسجد( .)227ولما كان المنزل الذي يراد هدمه للمصلحة
العامة سيتلف فال بد من تعويض صاحبه.
وضمان ما أتلفه بمثله حيث إن من شروط ضمان المتلفات.
ما ذكره الفقهاء- :
أ .أن يكون الشيء المتلف ماالً وال شك أن العقار إذا هدم للمصلحة
ال متقوماً.
يعتبر ما ً
ب .أن يكون هذا المتلف متقوماً(.)228
وال شـك أن العـقار محـترم له قيمته عنـد الناس وذكـر الفقـهاء أن
( )227أبو وليد محمد بن عبد هللا بن أحمد األرزقي ،اختيار مكة وما جاء فيها من اآلثار،
تحقيق رشدي ملحس ،الطبعة الثانية ،دار الثقافة :مكة المكرمة ،سنة 1425ه ،ج،8
ص. 62
( )228ابــن قدامــة المقدس ـي ،المغنــي ،مرجــع ســابق ،ج ، 1ص 562عــالء الــدين الكاســاني
،بدائع الصنائع ،مرجع سابق ،ج ،1ص. 161
125
( )229منصور بن يونس بن صالح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى ،كشاف
القناع عن متن اإلقناع ،مرجع سابق ،ج ، 3ص. 118 - 111
126
للح َكم عليه ،كاللعان ،لتعلق حق الولد به ،وال فيما ينفرد القضاء
والية َ
دون غيره بالنظر فيه ،فإذا قضى الحكم فيما ال يجوز فيه التحكيم فحكمه
باطل وال ينفذ.
رابعاً :يشترط في الحكم بحسب األصل توافر شروط القضاء.
حكم طواعية ،فإن أبى أحد
الم ّ
خامساً :األصل أن يتم تنفيذ حكم ُ
المحتكمين ،عرض األمر على القضاء لتنفيذه ،وليس للقضاء نقضه ،ما
لم يكن جو اًر بيناً ،أو مخالفاً لحكم الشرع.
سادساً :إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسالمية ،يجوز احتكام الدول أو
المؤسسات اإلسالمية إلى محاكم دولية غير إسالمية ،توصالً ،لما هو
جائز شرعاً.
ويوصي بما يلي :دعوة الدول األعضاء في منظمة المؤتمر اإلسالمي
إلى استكمال اإلجراءات الالزمة إلقامة محكمة العدل اإلسالمية الدولية،
وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها(.)230
أما عن التحكيم في النزاعات العقارية ،فعن أبي هريرة رضي هللا عنه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :اشترى رجل ِمن رجل ًا
عقار له
ذهب ،فقال له الذي الرجل الذي اشترى العقار في عقاره َّ
جرًة فيها ٌ فوجد َّ
ِ
منى؛ َّإنما اشتريت منك األرض ولم أبتع منك
اشترى العقار :خذ ذهبك ّ
الذهب .فقال الذي شرى األرضَّ :إنما بعتك األرض وما فيها .قال: َّ
ولد؟ فقال :أحدهما لي
فتحاكما إلى رجل ،فقال الذي تحاكما إليه :ألكما ٌ
غالم ،وقال اآلخر :لي جارية .قال أنكحوا الغالم الجارية ،وأنفقوا على
ٌ
( )230مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة اإلمارات
العربية المتحدة من 6 -1ذي القعدة 1315هـ الموافق 6 -1نيسان (أبريل) 1115م .
127
َّ
وتصدقا"(.)231 أنفسكما منه
فهذا الدليل يفيد جواز التحكيم في النزاعات العقارية ،أما أحكام التحكيم
وتبعياته في هذه المسألة فيطبق فيها أحكام التحكيم الذي ذكره الباحث
سلفاً ،وذلك ألن األحكام التي ال يجوز فيها التحكيم في الشريعة اإلسالمية
مذكورة على سبيل الحصر ،والتحكيم في المنازعات العقارية ثبت العمل
به في الحديث السابق.
( )232يعرف الحق العينى بأنه " سلطة مباشرة لشخص على شيئ معين تخوله إستعماله
واستغالله والتصرف فيه تحت حماية القانون " .أما الحق الشخصى فهو "رابطة مديونية
بين الدائن والمدين ,حيث للدائن حق فى ذمة مدينه ,يلتزم المدين بمقتضاه بأداء عمل أو
اإلمتناع عن عمل أو بتسليم واعطاء شيئ" .رضا عبد الحميد عبد المجيد عبد الباري،
الوجيز في الملكية والحقوق العينية التبعية ،جامعة بنها كلية الحقوق،ص.6
130
بشأنها؟ .
لإلجابة على هذا السؤال يتعين التفرقة بين الدعاوى العقارية التي
اء إجرائيا
استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل رفعها ولم يرتب جز ً
على عدم القيام بها (الفرع األول) ،والدعاوى العقارية التي استلزم المشرع
اء إجرائيا على عدم القيام بها
القيام بإج ارءات معينة قبل رفعها ويترتب جز ً
(الفرع الثاني).
الفرع االول
الدعاوي العقارية بوجه عام
الشهر العقاري والتوثيق ،ونص عليه فقط بالنسبة لدعاوى الصحة والنفاذ
(دعاوى صحة التعاقد) ،وذلك في المادة 81/من قانون رقم 18سنة
، 1122حيث تنص هذه المادة على أن "جميع التصرفات التي من
شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية األصلية أو نقله أو تغييره أو
زواله وكذلك األحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب
تسجيلها.ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها ال تنشأ وال
تنتقل وال تتغير وال تزول ال بين ذوي الشأن وال بالنسبة لغيرهم.وال يكون
للتصرفات غير المسجلة من أثر سوى االلتزامات الشخصية بين ذوي
الشأن".
وبمقارنة نص المادتين 81/من قانون رقم 18لسنة 1122م ،والمادة
( )142من القانون المدني الليبي ،يتبين أن جزاء عدم القبول قد ورد
النص عليه صراحة في المادة 81/وبخصوص عدم شهر صحيفة دعوى
الصحة والنفاذ فقط ،ولم ينص على هذا الجزاء بالنسبة لباقي الدعاوى
العقارية ،األمر الذي ال يجوز معه الحكم بعدم قبول الدعوى لعدم شهر
صحيفتها إال بالنسبة لدعوى الصحة والنفاذ فقط.
وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا الخصوص بأنه":ولئن
كانت المادة 15/من القانون رقم 113لسنة 1136بتنظيم الشهر العقاري
المعدل بالقانون رقم 85لسنة 1116أوجبت إعالن صحيفة الدعوى وقيدها
بجدول المحكمة قبل شهرها إال أنه لم يرتب جزاء البطالن لمخالفة ذلك،
133
( )233وأحكامها مثل المادة ( )81من قانون رقم 18لسنة 1122م بشأن مصلحة التسجيل
العقاري الليبي.
( )234وهي مانصت عليه المادة رقم ( )130من قانون التحكيم الليبي فى قانون المرافعات
المدنية والتجارية على أنه :ال يصح التحكيم إال ممن له أهلية التصرف في حقوقه وال في
المسائل التي ال يجوز فيها الصلح".
134
( )235وهي مثل المادة رقم( )550من قانون المرافعات المدنية والتجارية الليبي التي تنص "
ال يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام .ولكن يجوز الصلح
على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية ،أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى
الجرائم".
135
"فليست كافة القواعد اآلمرة من النظام العام ...وانما منها ما يتوقف شأنه
عند حد األمر أو النهى المتضمن فيه ،دون أن يكون معب اًر عن أي من
كليات الجماعة أو أصول ارتكاز الدولة ،وانما مقصد تشريعه تغليب
وطالعة نص ()236
بعض المصالح الخاصة على غيرها من نوعها نفسه"
المادة ( )16من قانون الشركات السالفة اإلشارة إليها تقطع بأن البطالن
المقرر فيها بطالن يتغيا مصلحة فئة معينة من المساهمين أو مصلحة
المساهمين كافة -وهم فئة وعينة -فال يجوز الحكم به إال بناء على طلب
المساهمين الذين اعترضوا على القرار في محضر جلسة الجمعية العامة
للشركة أو الذين تغيبوا بسبب مقبول ،وال يتصور أن تقضى به المحكمة
من تلقاء نفسها من غير طلب .ويتصور عقالً أن ال يطلب المعترضون
على قرار ما ،أو الغائبون بسبب مقبول ،الحكم ببطالن القرار فيبقى قائماً
منتجاً آلثاره ،بل ويتحصن بمضي المدة المنصوص عليها في الفقرة
الخامسة من المادة ( )16من قانون الشركات.
واتفاق التحكيم غير الجائز هو االتفاق المخالف لقواعد متصلة بالنظام
العام وليس بمجرد قواعد آمرة(.)237
فهناك حاالت ال يحول النظام العام دون وجود دور لإلرادة فيها .ولكن
النظام العام يأبى حل النزاع بشأنها حالً يخالف قواعده ،فالمتطلب القانوني
( )236عماد البشرى ،فكرة النظام العام فى النظرية والتطبيق ،رسالة دكتوراة من كلية الحقوق
جامعة اإلسكندرية سنة ،8008ط األولى ، 8005المكتب اإلسالمى فى بيروت ،ص
. 100
( )237سمير الشرقاوي ،التحكيم الدولي ،دار النهضة العربية 8001ص . 15
136
هو أال يؤدى التحكيم إلى نتائج تتعارض مع النظام العام ،ألن الحكم
عندئذ يكون باطالً إعماالً لنص المادة( )130من قانون التحكيم في
المرافعات المدنية والتجارية الليبي.
لكن مجرد مساس المنازعة بالنظام العام أو اتصالها بمسألة تتعلق به
ال يمنع عرض النزاع بشأنها على التحكيم ويكون الحكم صحيحاً إذا لم
يخالف – هو نفسه -قاعدة من قواعد النظام العام وهيئة التحكيم تختص
بنظر المسائل المتعلقة بمصالح خاصة وعليها أال تخالف النظام العام في
. ()238
حكمها
والمقرر قانوناً أن " المعيار الذي يحسم هذا األمر هو هل حدث
إخالل بالنظام العام أم ال؟ فال يكفي القول بتعلق المسألة بالنظام العام
...المعول عليه (هو) هل صدر حكم التحكيم متضمناً ما يخل بالنظام
. ()239
العام؟ "
وال يكفى "لعدم القابلية للتحكيم مجرد قيام صلة بين محل التحكيم
وقاعدة آمرة متعلقة بالنظام العام بل يجب أن يستهدف اتفاق التحكيم
التعدي على النظام العام" كأن يكون التحكيم متعلقا بتنفيذ عقد بيع سلعة
مسعرة بثمن يتجاوز التسعيرة المقررة.
"فال بأس أن ينظر المحكمون النزاع الذى يتعلق بمسائل تتصل بالنظام
العام ...ولكن تكون الرقابة الحقة أي بعد صدور الحكم أو عند طلب
( )238فتحي والى ،قانون التحكيم ،منشأة المعارف باإلسكندرية ،8001 ،ص .182
( )239مختار بريرى ،التحكيم التجاري الدولي ،الطبعة الثالثة ،دار النهضة العربية :القاهرة،
سنة ،8003ص. 51
137
تنفيذه ...وليس مؤدى وجوب تطبيق قاعدة آمرة على النزاع أنه غير قابل
للتحكيم إذ ال يجوز الخلط بين تطبيق قاعدة آمرة وعدم قابلية النزاع
للتحكيم ،ففكرة النظام العام ال تقدم معيا اًر لعدم قابلية النزاع للتحكيم ،وانما
. ينظر المحكم النزاع مقيداً بتطبيق القواعد المتعلقة بالنظام العام"
()240
وقد قضت محكمة النقض بأن مخالفة النظام العام الموجبة الستبعاد
تطبيق القانون األجنبي طبقاً للمادة 82من القانون المدني مناطها" أن
تكون هذه األحكام متعارضة مع األسس االجتماعية أو السياسية أو
االقتصادية أو الخلقية في الدولة ،مما يتعلق بالمصلحة العليا للمجتمع بما
ال يكفى معه أن تتعارض مع نص قانونيا آمر" (نقض 1124/6/14في
الطعن رقم 1851لسنة 31ق ،مج سنة 43ج 8ص .)1316
وقضت محكمة استئناف القاهرة بأن " القول بمخالفة الحكم محل التداعي
للنظام العام يتعلق بسلطة هيئة التحكيم في فهم الواقع وانزال حكم القانون
عليه ،والتحقق من مصلحة من صحة هذا النعي ال يتأتى إال بإعادة
النظر في موضوع النزاع ومراجعة ما قضى به الحكم المطعون فيه بشأنه
من حيث الصواب والخطأ ،وكال األمرين غير جائز لما هو مقرر من انه
من قانون التحكيم ال تقبل أحكام ()241
طبقا للمادتين ( )58و ()54
التحكيم التي تصدر طبقا ألحكام هذا القانون الطعن بالطرق المنصوص
( )240حسام األهوانى ،المسائل التى يجوز حلها بالتحكيم ،دروس فى مركز حقوق عين
شمس للتحكيم ،سنة ، 8006ص 11–11بتصرف .
( )241وهي مايوافقها في المواد ( )141و ( )130من قانون المرافعات المدنية والتجارية
الليبي في باب التحكيم .
138
( )242محكمة إستئناف القاهرة ،الدائرة 11تجارى ،الطعن رقم 41لسنة 111ق – تحكيم
تجارى القاهرة
139
الفرع الثاني
دعاوى صحة التعاقد
الدعاوى العقارية التي استلزم المشرع القيام بإجراءات معينة قبل
اء إجرائيا علي عدم القيام بها
رفعها ويترتب جز ً
يقصد بدعوى صحة التعاقد تلك الدعوى التي ترفع للقضاء بصحة
ونفاذ عقد معين ومن بينها عقود البيع ،وتقوم المحكمة في هذه الدعوى
بفحص بنود العقد لتتبين صحته أو بطالنه ،فإذا تأكدت من صحة كافة
بنوده قضت بصحته ونفاذه فيما بين أطرافه ،وذلك على عكس دعوى
صحة التوقيع ،فالمحكمة في تلك الدعوى األخيرة ال تفحص العقد وال
تتعرض لصحته أو بطالنه وانما يقتصر دورها على الحكم (بأن التوقيع
الممهور به هو توقيع منسوب للمدعى بتوقيعه عليه ((.)243
وقد ورد النص على دعوى صحة التعاقد في أكثر من قانون ،حيث
نص عليها في القانون المدني وقانون الشهر العقاري والتوثيق.
أما القانون المدني الليبي فقد أوضح في المادة 814/منه األحكام
الموضوعية لتلك الدعوى ،حيث تنص هذه المادة على أنه:
"في االلتزام بعمل يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ إذا سمحت بذلك
طبيعة االلتزام".
وحكم المادة المذكورة ال يهمنا في نطاق هذا البحث ،إذ أن ما يعنينا
( )243عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،الطبعة الثالثة ،منشورات الحلبي
الحقوقية :بيروت ،سنة 8000م ،ج ،3ص 322وما بعدها .
140
هنا هو إجراءات رفع دعوى الصحة والنفاذ ومدى تعلقها بالنظام العام،
وتلك المسائل تناولها القانون المدني وقانون الشهر العقاري والتوثيق.
فتنص المادة 142/من القانون المدني الليبي على أنه:
" في المواد العقارية ال تنتقل الملكية وال الحقوق العينية األخرى سواء
أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان في حق الغير ،إال إذا روعيت
األحكام المبنية في قانون تنظيم الشهر العقاري. ".
وتنص المادة 23/من قانون رقم ( )18لسنة 1122م بشأن مصلحة
التسجيل العقاري االشتراكي والتوثيق على أنه " يجب تسجيل كافة
الدعاوى التي ترفع ضد مالك عقار سبق تسجيله إذا تعلقت هذه الدعاوى
بحق عيني عقاري أو بصحة أو نفاذ تصرف من التصرفات الواجب
قيدها.وال تقيد الدعاوى في المحكمة إال بعد تقديم الشهادة الدالة على
ذلك".
يبين من هذه المواد أن المشرع استلزم قيام رافع دعوى الصحة والنفاذ
بشهر صحيفة الدعوى ،بحيث يترتب على عدم شهرها الحكم بعد قبول
الدعوى إعماالً لحكم المادة 142/من القانون المدني الليبي.
وهذان اإلجراءان المتعلق بالنظام العام قد استلزم المشرع القيام بها عند
رفع الدعوى أمام القضاء ،وقد خال باب التحكيم من النص عليها ،فهل
تقبل تلك الدعوى أمام التحكيم ،أم يقضى بعدم قبولها ألن اللجوء الى
التحكيم بشأنها ينطوي على مخالفة إلجراءات متعلقة بالنظام العام ويمثل
التفافا عليها ،حيث أن المحتكم ال يشهر صحيفة الدعوى.
وقد اصدرت محكمة استئناف القاهرة عدم أحكام استقرت فيها على أنه
141
ال يجوز رفع دعوى صحة التعاقد أمام التحكيم ،وذلك لما ينطوي عليه
من التفاف حول قواعد إجرائية تتعلق بالنظام العام ،إذ أن المحتكم
يتخلص بهذه الدعوى من شهر صحيفتها.
وقد قضت محكمة استئناف القاهرة الدائرة ( )11في القضية المقيدة
بالجدول العمومي تحت طعن رقم 15لسنة 8005/3/81م بجلسة
180ق تحكيم:
"وحيث أن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامة الخروج
على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات ،ويقوم على االختيار
الحر لألطراف ،ومن ثم كان اتفاق التحكيم هو األساس القانوني للتحكيم
ودستوره الذى يحدد نطاقه ومداه ويخرج النزاع موضوعه من اختصاص
القضاء صاحب الوالية العامة للفصل في المنازعات ،ومنه يستمد
المحكمون سلطاتهم للفصل في النزاع ،ومن هنا يجب التحقق من استيفاء
هذا االتفاق لشروط الموضوعية والشكلية المقررة في القانون وللتأكد من
حتما
خلوه من العوارض التي تبطله ،ذلك أن بطالن اتفاق التحكيم يؤدى ً
الى بطالن حكم المحكمين إعماالً بنص المادة ( )54من قانون التحكيم
رقم 1113/ 81م( ،)244وفيما يتعلق بالشروط الموضوعية فإنها ال تخرج
عن الشروط المعروفة في نظرية العقد أي الشروط المتعلقة بالرضا
والمحل والسبب ،فيلزم أن يكون اتفاق التحكيم بناء على رضا صحيح،
( )244وهي ماتضمنته المواد ( )141إلى المادة ( )138من باب التحكيم في قانون المرافعات
المدنية والتجارية الليبي ،بخصوص االتفاق على التحكيم وفي أهلية التصرف ،واثبات
مشارطة التحكيم.
142
وأن يكون محلة ممكنا ومشروعا ،وأن يستند ذلك كله الى سبب ال يخالف
النظام العام واآلداب.
وحيث أنه فيما يتعلق بتوافر ركن الرضا فقد دفع المدعيان بتزوير
اتفاق التحكيم وأنك ار توقيعهما عليه.
ولكنهما لم يتخذا إجراءات الطعن بتزويره ،وال ترى المحكمة تعطيل
الفصل في الدعوى الماثلة انتظا ار لتحقيق صحة أو تزوير التوقيع على
اتفاق التحكيم المذكور أو محضر تشكيل هيئة التحكيم المؤرخ
8004/2/81م أو محضر جلسة هيئة التحكيم بتاريخ8004/2/85
خاصة أن المدعيين يمكنهما إنشاء دعوى تزوير أصلية بخصوص
المحررات الثالثة المذكورة طبًقا للمادة ( )51من قانون المرافعات
المدنية(.)245
فضالً عن أن تحقيق تزوير اتفاق التحكيم في الدعوى الماثلة غير
منتج إذا تبين من البحث عدم مشروعية االتفاق على التحكيم بشأن صحة
ونفاذ عقد بيع العقار ،وحيث أنه من المقرر أنه ال يجوز التحكيم في
( )245وهذا مانصت عليه المادة ( )151في باب التحكيم في قانون المرافعات المدنية والتجارية
الليبي حيث جاء في نص المادة "إذا عرضت خالل التحكيم مسألة أولية تخرج عن والية
المحكمين أو طعن بتزوير في ورقة أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن حادث
جنائي آخر ،وكذلك إذا عرضت مسألة يرى المحكمون أن لها تأثي اًر في موضوع التحكيم –
أوقف المحكمون عملهم وأصدروا أم اًر للخصوم بتقديم طلباتهم إلى القاضي المختص ،وفي
هذه الحالة يتوقف سريان الميعاد المحدد للحكم إلى أن يعلن أحد الخصوم المحكمين بصدور
حكم انتهائي في تلك المسألة العارضة ،فإذا كان الباقي بعد ذلك من الموعد أقل من عشرين
يوماُ ًً وجب مده إلى أن يصل إلى العشرين يوماً".
143
كطلب عارض أو طلب إنبنى عليه طلب تدخل في دعوى قائمة – أو
طلبا بإثبات اتفاق الخصوم على صحة التعاقد على حق من الحقوق
كان ً
المذكورة والحاقه بمحضر الجلسة( الفقرة األخيرة من(/ ١٩٩١المادتين
، ٥٦، ١٠١والمادة ١٢٥مكرر من قانون المرافعات المضافة جميعها
بالقانون رقم ٥
وحيث بالبناء على ما تقدم ،وأيا كان الحال بالنسبة للدفع بتزوير
التوقيع على اتفاق التحكيم بين طرفي الدعوى الماثلة أو إنكاره ،فإنه يسبق
كل ذلك البحث في جواز االتفاق على التحكيم بشأن صحة ونفاذ عقد
البيع محل النزاع وقد انتهت المحكمة إلى عدم جواز هذا االتفاق اعتباره
إحدى حاالت الغش نحو القانون والتحايل عليه ،ومن ثم يكون االتفاق
المذكور باطالً – واذا كان هذا البطالن متعلقا بالنظام العام ومن ثم
تقضى المحكمة من تلقاء نفسها – ببطالن حكم التحكيم الطعين عمال
بنص الفقرتين األولى والثانية من المادة ( )54من قانون التحكيم المصري
-وهي ما يقابلها المادة ( )141من باب التحكيم في قانون الم ارفعات
المدنية والتجارية الليبي – والمدعين وشأنهما فيما يتعلق باتخاذ إجراءات
الطعن بتزوير اتفاق التحكيم المرفق صورته باألوراق.
يثير موضوع التحكيم في دعاوى صحة التعاقد أكثر من مسألة تتمثل
فيما يأتي:
المسألة األولى :العالقة بين قانون المرافعات وباب التحكيم:
يعتبر قانون المرافعات المدنية والتجارية هو الشريعة العامة في
اإلجراءات ،أي أنه القانون العام في خصوص اإلجراءات ،ويعد قانون
145
الدعوى للمرافعة :في حالة تغير تشكيل هيئة المحكمة إبان فترة حجز
الدعوى للحكم:
فتنص المادة 818/من قانون المرافعات الليبي على أنه "تجرى
سر في غرفة المداولة ،وتقتصر على القضاة الذين
المداولة في الحكم ّاً
حضروا المرافعة".
ولم يرد في قانون التحكيم نصا يعالج فرص تغيير تشكيل هيئة التحكيم
إبان فترة حجز الدعوى للحكم ،وهنا يطبق قانون المرافعات لخلو قانون
التحكيم من حكم للمسألة.
وكذلك شهر صحيفة دعوى صحة التعاقد ،فقد ورد النص عليها قانون
رقم ( )18لسنة 1122م بشأن مصلحة التسجيل العقاري االشتراكي
إن اإلجابة على هذا السؤال تقضى بداية إبراز المخاطر التي يمكن أن
تحدث من جراء صدور حكم تحكيم في دعوى الصحة والنفاذ ،وبيان أثر
تسجيل صحيفة الدعوى على الحد من هذه المخاطر.
فما يفضي منه في هذه الدعوى أن يتواطأ (أ) و (ب) ،لالستيالء على
عقار مملوك لـ(ج) ،فيبرم (أ) بائع مع(ب) كمشترى عقد بيع لقطعة
أرض مملوكة لـ(ج) ،وينصان في العقد البيع على شرط تحكيم بشأن اية
ويكونان بالتواطؤ فيما بينهما هيئة تحكيم تصدر
منازعات تنشأ عنهّ ،
حكما لـ(ب) بصحة ونفاذ العقد الذى أبرمة مع)أ) ،وال يطعنان عليه
ً
بالبطالن خالل مدة ثالثين يوم من إعالنه( ،)246ويستحصل(ب) على
مالكا لقطعة األرض
صيغة تنفيذية على هذا الحكم ويصبح بالتالي ً
المملوكة أصالً لـ (ج) ،وال يكون أمام (ج) في هذه الحالة سوى رفع
دعوى عدم نفاذ الحكم في مواجهته باعتباره من الغير ولم يمثل في
خصومة التحكيم ،وحتى في حالة علم المالك الحقيقي بتسجيل صحيفة
الدعوى والتأشير بها في الشهر العقاري فإن علمه هذا لن يفيده في أن
يتدخل في الدعوى التحكيمية ألنه لم يكن طرًفا في اتفاق التحكيم ،ومن
قانونا أنه ال تدخل وال إدخال في التحكيم وذلك على عكس الحال
المقرر ً
( )246حيث جاء في نص المادة ( )110من باب التحكيم على أنه " يرفع طلب البطالن
باألوضاع المعتادة إلى المحكمة المختصة أصالً بنظر النزاع وذلك خالل ثالثين يوما من
تبليغ الحكم وال يقبل الطعن إذا انقضى عام على صدور األمر بتنفيذه .وال يمنع من قبول
هذا الطلب تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين".
148
أمام القضاء ،فلو علم المالك الحقيقي بوجود دعوى صحة ونفاذ تخص
هجوميا ويطعن بالتزوير على العقد
ً ال
أرضه فيستطيع التدخل فيها تدخ ً
الذى اصطنعه (أ) معه ووضع عليه توقيعه المزور(.)247
وازاء هذه الخشية فإننا نبدى عدة مقترحات متمنين أن يوليها المشرع
األهمية التي تستحقها ويجرى تعديالً على قانون التحكيم يجيز بموجبه
صراحة جواز اللجوء إلى التحكيم في الدعاوى الصحة والنفاذ مع صون
ملكية األشخاص من االعتداء عليها وسلبها ،وتتمثل تلك االقتراحات فيما
يأتي:
االقتراح األول :النص صراحة على أن دعوى صحة التعاقد ال تقبل
أمام التحكيم إال إذا أشهرت صحيفتها.
االقتراح الثاني :أن ينص القانون على ضرورة إحضار المالك الوارد
توقيعه على العقد السابق على العقد المراد الحكم بصحته ونفاذه ،وذلك
بصفته من الغير الذي تحت يده مستند منتج في الدعوى ،وهو العقد الذي
تملك بموجبه األرض محل النزاع.
االقتراح الثالث :أن يوصغ المشرع من مفهوم الطرف في اتفاق التحكيم
في الفرض الماثل ،بأن ينص صراحة على امتداد شرط التحكيم في عقد
بيع العقار على أطراف العقود السابقة عليه ،ونحن نرى أن تلك الفكرة
ليست شاذة وال مستغربة؛ ذلك ألننا بصدد دعوى عينية تخص ملكية
( )247رضا السيد عبد الحميد ،التحكيم في المنازعات العقارية ،الدورة المتخصصة فى التمويل
العقارى والمحاكم االقتصادية والتحكيم ينظمها مركز خدمة المجتمع باألكاديمية العربية
للعلوم والتكنولوجيا باإلشتراك مع مركز التحكيم الدولي ،ص.88
149
الخالصة:
الفصل الخامس
الخاتمة
بعد حمد هللا سبحانه والثناء عليه ،والصالة والسالم على نبيه محمد
صلى هللا عليه وسلم يمكن تلخيص أهم النتائج التي توصل إليها
الباحث خالل دراسة مباحثه في هذا البحث وذلك كما يلي:
.1أنه في عموم المقارنة بين الشريعة اإلسالمية والقانون المدني
الليبي في مسألة الشقاق بين الزوجين فهم متفقون في أغلب
مواضيع التحكيم بين الزوجين ،واختلفوا في بعض األمور الفقهية.
.8أن مسألة النزاعات على العقارات في الشريعة اإلسالمية والقانون
المدني الليبي ال تنحصر في موضوع التحكيم فقط ،وانما التحكيم
فيها أمر الحق في اثبات ملكية العقار للمتنازعين دون تدخل
اإلمام أو المحكمة في تلك االجراءات ،واالختالف يكمن بينهما أن
الشريعة اإلسالمية استحبت كتابة العقود بصفة عامة ولم تنص
على وجوب الكتابة في اثبات العقد أو في ملكية العقار ،أما
القانون المدني الليبي فقد جعل الكتابة وشهر صحيفتها من
موجبات اثبات ملكية العقار في السجل العقاري.
آبادي ،العظيم .عون المعبود شرح سنن ابن داود .تحقيق عبد الرحمن
محمد عثمان .الطبعة الثانية .المكتبة السلفية :المدينة .سنة
1421ه.
ابن العربي ،أبو بكر محمد بن عبد هللا ،أحكام القرآن .تحقيق :محمد
عبد القادر عطا .دار الفكر للطباعة والنشر -لبنان .دون سنة
نشر .
.دون طبعة .المؤسسة السعيدية : ابن اللحام ،االختيارات الفقهية
الرياض .دون تاريخ نشر .
ابن حزم ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد األندلسي القرطبي الظاهري.
المحلى باآلثار .دون طبعة .دار الفكر :بيروت .دون تاريخ نشر.
ابن رشد الجد ،أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي .المقدمات
الممهدات .تحقيق محمد حجي وسعيد أعراب .طبعة األولى .دار
الغرب اإلسالمي :بيروت .سنة 1122م .
ابن رشد الحفيد ،أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد
القرطبي .
ابن طاهر ،الحبيب .الفقه المالكي وأدلته .دون طبعة .دار ابن حزم:
بيروت .دون تاريخ نشر.
154
ابن عابدين ،محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي
.رد المحتار على الدر المختار .الطبعة الثانية .دار الفكر :
بيروت .سنة1118م .
ابن فرحون ،إبراهيم بن علي بن محمد .تبصره الحكام في أصول
االقضية ومناهج األحكام .طبعة األولى .مكتبة الكليات األزهرية :
القاهرة .سنة 1126ه.
ابن قدامة المقدسي ،أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن
قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي .المغني .بدون
طبعة .مكتبة القاهره :القاهرة .سنة 1162م .
ابن قدامة المقدسي ،أبو محمد موفق الدين عبد هللا بن أحمد بن محمد بن
قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي .الكافي في فقه
اإلمام أحمد بن حنبل .طبعة األولى .دار الكتب العلمية :بيروت
.سنة 1113م .
ابن كثير ،أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري .تفسير
القرآن العظيم (ابن كثير) .تحقيق محمد حسين شمس الدين .
الطبعة األولى .دار الكتب العلمية :بيروت .سنة 1311ه .
ابن كثير ،البداية والنهاية .الطبعة الرابعة .مكتبة المعارف :بيروت .
سنة 1308ه .
ابن ماجه ،أبو عبد هللا محمد بن يزيد القزويني .سنن ابن ماجة .الطبعة
سنة الثانية .مكتب التربية العربي لدول الخليج :الرياض .
1302ه .
155
ِ
تجارت كتب آرام باغ :كراتشي .دون سنة نشر .
مجلس مجمع الفقه اإلسالمي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي
بدولة اإلمارات العربية المتحدة من 6 -1ذي القعدة 1315هـ
الموافق 6 -1نيسان (أبريل) 1115م .
مذكور ،محمد سالم .نظرية اإلباحة عند األصوليين .طبعة الثانية .
دار النهضة العربية :بيروت .سنة 1123م .
المرغيناني ،ابو الحسن علي بن ابي بكر .الهداية شرح بداية المبتدئ .
تحقيق نعيم أشرف نور محمد .طبعة األولى .إدارة القرآن والعلوم
اإلسالمية :باكستان .سنة 1311ه .
المواق ،محمد بن يوسف .التاج واالكليل لمختصر خليل .طبعة األولى.
دار الكتب العلمية :بيروت .سنة 1113م .
الموسوعة الفقهية الكويتية ،الصادرة عن و ازرة األوقاف والشئون اإلسالمية
الكويت .طبعة الثانية .دار السالسل :الكويت .دون سنة نشر.
الموصلي ،عبدهللا بن محمود .االختيار لتعليل المختار .دون طبعة .
مطبعة الحلبي :القاهرة .سنة 1141م .
النشمي ،عجي ل .مقال التحكيم والتحاكم الدولي في الشريعة اإلسالمية .
ّ
مقدم للمجلس األوروبي لإلفتاء والبجوث للدورة العادية
وهو بحثٌ ّ
التاسعة المنعقدة في فرنسا.
النووي ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف .المجموع شرح المهذب .
دون طبعة .دار الفكر :بيروت .سنة 1111ه .
النووي ،أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف .المنهاج شرح صحيح
165