Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 33

‫الَعْو َلَم ة‬

‫إعداد الطالب‪ :‬رضوان حامدي‬

‫مقدمة‬
‫مصطلح العوملة مصطلح جديد ظهر يف العامل الغريب يف بداية عقد التسعينيات‪ ،‬وقد‬
‫سبقه حدثان ضخمان أثرا يف حركة العالقات الدولية واجتاهاهتا وعلى موازين القوى يف‬
‫العامل‪:‬‬
‫األول‪ :‬سقوط املعسكر الشرقي الذي اختذ من سقوط جدار برلني رمزًا له يف عام ‪1989‬م‪،‬‬
‫والذي أهنى فرتة من احلرب الباردة بني املعسكرين ( وارسو ‪ /‬األطلسي ) بدأت منذ هناية‬
‫احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وصاحبها حاالت من االستقطاب واملد واجلزر يف عالقات هذين‬
‫املعسكرين؛ حبيث وصلت يف اَجلْز ر إىل التهديد حبرب عاملية ثالثة مباشرة أثناء أزمة‬
‫الصواريخ الكوبية‪ ،‬ويف املد وصلت إىل االتفاق على تقسيم مناطق نفوذ يف بعض بقاع‬
‫العامل‪ ،‬وبني ذلك حصلت حروب بالوكالة كما حصل يف فيتنام و أفغانستان‪.‬‬
‫وقد أتاحت حالة احلرب الباردة والصراع والتنافس العاملي على مناطق النفوذ وجود‬
‫هامش من احلرية ملا مسي بـ (دول عدم االحنياز) مّك ن كثريًا من الدول من االستقالل عن‬
‫الدولتني الكبريتني أو إحدامها‪.‬‬
‫‪1991‬م‪ ،‬وهي حرب‬ ‫مث جاء احلدث اآلخر الكبري وهو حرب اخلليج الثانية يف عام‬
‫شبه عاملية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ يف القوى‪ .‬وانتهت هذه احلرب بانتصار‬
‫أمريكي غريب أضيف إىل ذلك النصر التارخيي على املعسكر الشرقي‪.‬‬
‫وهذان االنتصاران أتاحا ألمريكا نوعًا من السيادة العاملية مستغلة تقدمها التقين‬
‫واالقتصادي وقوهتا العسكرية يف تكريس هذه السيادة ‪ .‬فبدأ يف هذا الظرف التارخيي ظهور‬
‫مصطلحات جديدة مثل « العامل اجلديد » ومثل « العوملة »‪ .‬وهذا املصطلح األخري أخذ‬
‫حظه من االنتشار باعتبار أنه ميثل حركة اهليمنة والسيادة الغربية بأسلوهبا احلضاري اجلديد‪،‬‬
‫وظهرت أعمال وكتابات كثرية لدى الغربيني تؤكد هذه الفكرة مثل فكرة «هناية التاريخ»‪،‬‬
‫وكذلك فكرة «صراع احلضارات» وإن كانت سابقة لفكرة هناية التاريخ إال أهنا ُش هرت‬
‫أخريا‪.1‬‬

‫‪ 1‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ .117‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫إن الصراع الذي مييز التاريخ اإلنساين وما يزال هو الصراع بني ضروب العوملة‪ ،‬أو‬
‫بني الصور النموذجية لإلنسان يف احلضارات املختلفة‪ .‬واملتأمل يف اِحلَق ب أو الفرتات املهمة‬
‫يف التاريخ اإلنساين يلحظ أهنا كانت عاملية‪ ،‬وتعود إىل من بيدهم األدوات اليت متكنهم من‬
‫فرض خواصهم على اآلخرين‪.‬‬
‫وهبذا املعىن؛ فالعوملة فعل تارخيي متواصل‪ ،‬وهو حصيلة املعركة اجلارية بني العامليات‬
‫أو النماذج احلضارية املختلفة اليت يؤمن أصحاهبا بأن هلم رسالة حتدد املثال اإلنساين األعلى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ويف هذا اإلطار فإن (العوملة ) صفة لفعل اإلنسان الصانع للتاريخ‪.‬‬
‫من أبرز الظواهر املؤثرة على األنظمة السياسة املعاصرة العوملة وسيادة القطب الواحد‪.‬‬
‫ومع أن للعوملة جوانب متعددة إال أن العوملة السياسية ذراع قوي جدا يستخدمه األقوياء خلدمة‬
‫أهدافهم‪.‬‬
‫تعريف العوملة ومهفومها‬
‫العوملة مصطلح معّر ب مل ينشأ أساسا ىف البيئة العربية املسلمة‪ .‬وال بد لفهم معناه من‬
‫الرجوع إىل من أطلقه وأشاعه والتعرف على مقصوده به قبل النظر ىف األصل اللغوي لكلمة‬
‫العوملة ىف اللغة العربية‪.‬‬
‫بالرجوع إىل قاموس وبسرت "‪ "websters‬جند أن تعريف العوملة (‬

‫‪ )GLOBALIZATION‬هو‪ :‬إكساب الشيئ طابع العاملية وخباصة جعل نطاق الشيئ أو تطبيقه‬
‫‪3‬‬
‫عامليا‪.‬‬
‫ومثة إشكالية يواجهها كل باحث عن تعريف العوملة تتعلق بالتباين وعدم وجود تعريف متفق‬
‫عليه بني الباحثني‪ .‬واختالف التعريف باختالف توجهات املعرفني ومفهومهم الشخصي‬
‫‪4‬‬
‫للعوملة‪.‬‬

‫جملة البيان العدد ‪ 145‬ص ‪.118‬‬ ‫‪2‬‬

‫العوملة أرقام وحقائق لعبد سعيد عبد إمساعيل ص ‪ .34‬انظر‪ :‬النظام السياسي ىف اإلسالم جملموعة من أعضاء هيئة التدريس بقسم الدراسات اإلسالمية جبامعة امللك‬ ‫‪3‬‬

‫سعود ص ‪.176‬‬
‫مفهوم العوملة للسيد يسني‪ .‬مقال منشور مبجلة املستقبل العريب‪ .‬العدد ‪ 228‬ص ‪ .6‬انظر انظر‪ :‬النظام السياسي ىف اإلسالم جملموعة من أعضاء هيئة التدريس‬ ‫‪4‬‬

‫بقسم الدراسات اإلسالمية جبامعة امللك سعود ص ‪.176‬‬


‫وعلى الرغم من كون هذا املصطلح جديدا حيث أشار قاموس أكسفورد للكلمات‬
‫اإلجنليزية اجلديدة الىت ظهرت خالل التسعينات‪ 5‬إال أن لكل باحث هلذا املوضوع تعريفا‬
‫خاصا به‪.‬‬
‫من هذه التعريفات للعوملة‪ ,‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬تبادل الثقايف والتجاري وغريها للتقارب واالستفادة املتبادلة‪.‬‬
‫‪ .2‬التداخل الواضح ألمــور االقتصــاد واالجتماع والسياســة والسـلوك دون اعتــداد يــذكر‬
‫باحلدود السياسية‪.‬‬
‫‪ .3‬مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور احلداثة تتكثف فيها العالقات االجتماعية‬
‫على الصعيد العاملي‪.‬‬
‫‪ .4‬إخضاع العامل لقوانني مشرتكة تضع حدا فيه لكل أنواع السيادة‪.‬‬
‫‪ .5‬سيادة النمط الغريب ىف الثقافة واالقتصاد واحلكم والسياسة ىف اجملتمعات البشرية‬
‫كلها‪.‬‬
‫‪ .6‬توجه ودعوة إىل صياغة حياة الناس لدى مجيع األمم وخمتلف الدول وفق أساليب‬
‫ومناهج موحدة بني البشر وإضعاف األساليب واملناهج اخلاصة‪.‬‬
‫ونستطيع أن نلخص أهم توصيفات العوملة ومالحمها مبا يلي ‪:6‬‬
‫هي التوجه األيديولوجي لليربالية اجلديدة اليت تركز على قوانني السوق‪ ،‬واحلرية‬
‫املطلقة يف انتقال البضائع واألموال واألشخاص واملعلومات يف االقتصاد‪ ،‬وعلى فكرة‬
‫الدميقراطية يف البعد السياسي‪ ،‬وعلى مفهوم احلرية واملساواة املطلقة يف البعد االجتماعي‬
‫واألخالقي‪.‬‬
‫فهي نظام عاملي يشمل اجملاالت السياسية والفكرية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬كما‬
‫يشمل جمال التسويق واملبادالت واالتصال‪.‬‬
‫ويرى بعضهم أهنا فكرة تعرب بصورة غري مباشرة عن إرادة اهليمنة على العامل وتغريبه‬
‫أو أمركته مستغلة مظاهر وآليات التطور احلضاري الذي يشهده العصر‪ :‬فاهليمنة العسكرية‬
‫بواسطة األحالف العسكرية ومنها حلف األطلسي‪ ،‬والسياسية بواسطة اهليمنة على جملس‬
‫العوملة أرقام وحقائق ص ‪ .36‬انظر‪ :‬النظام السياسي ىف اإلسالم جملموعة من أعضاء هيئة التدريس بقسم الدراسات اإلسالمية جبامعة امللك سعود ص ‪.176‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫األمن‪ ،‬واالقتصادية من خالل املنظمات الدولية االقتصادية مثل منظمة التجارة العاملية‪،‬‬
‫واالجتماعية من خالل مؤمترات دولية وإقليمية‪ ،‬والفكرية من خالل القوانني واالتفاقيات‬
‫والصكوك الدولية يف هذا اجملال؛ مدعومة بقوة دفع ضخمة بواسطة إمرباطوريات إعالمية‬
‫وشبكة معلومات دولية (إنرتنت) يسيطر الغربيون على معظمها؛ حيث اعترب بعضهم (‬
‫جارودي ) العوملة هي االسم اجلديد لالستعمار‪.‬‬
‫ويف املقابل يرى بعض آخر أن العوملة هي اجتاه فطري لإلنسان يتسارع أثره مع‬
‫تطور آليات االتصال بني اجملتمعات وتركيز الصناعات وجتاوز اجملتمع التقليدي‪ ،‬وأهنا مظهر‬
‫من مظاهر التطور الطبيعي احلضاري املعاصر‪ ،‬وأن اجملتمعات األكثر حضارة تفيض على‬
‫اجملتمعات األقل حضارة بشكل تلقائي عرب قنوات تصل بني املنبع واملصب‪ .‬فهو نظام‬
‫رأمسايل أكثر تكامًال وليس رمسلة للعامل باملفهوم الغريب أو األمريكي‪ .‬وقد يعرب عن ذلك‬
‫بطريقة أخرى فيقال‪ :‬إن ما حيدث هو إفراز من إفرازات الدولة احلضارية يف حلظة تضخم‬
‫قوهتا يف اجملاالت املختلفة على العامل من حوهلا‪.‬‬
‫ويتفق عدد من املفكرين بأهنا آلية ميكن أن تؤدي بشكل متسارع إىل نشوء نظام‬
‫عاملي جديد بواسطة ثالثية التكنولوجيا ورأس املال واإلدارة‪ ،‬وتشمل السياسة واالقتصاد‬
‫والثقافة واالجتماع واألعراف‪ ،‬ليؤسس القرية الكونية اجلديدة اليت تقوم على ثورة الكمبيوتر‬
‫واالتصاالت والثورة املعلوماتية واألسواق املفتوحة والشركات متعددة اجلنسيات لتوحيد‬
‫مصري اإلنسانية‪.‬‬
‫هذه أهم األدبيات يف توصيف واقع العوملة ومستقبلها؛ على أن الساحة الفكرية‬
‫املنِّظرة لفكر العوملة ال ختلو من اهتام ملثل هذه األطروحات موجه إىل بعض نقاد العوملة وإىل‬
‫بعض مؤيديها باملبالغة‪.‬‬

‫جماالت العوملة‬
‫تظهر العوملة يف جماالت عديدة من جماالت احلياة اليت تشكل شبكة العالقات الدولية‬
‫املعاصرة‪ ،‬وأهم هذه اجملاالت‪:‬‬
‫‪ .1‬العوملة االقتصادية‬
‫‪ .2‬العوملة االجتماعية‬
‫‪ .3‬العوملة السياسية‬
‫‪ .4‬العوملة الثقافية‬

‫‪ .1‬العوملة االقتصادية‬
‫قبل أن تضع احلرب العاملية الثانية أوزارها دعت الواليات املتحدة حلفاءها ملؤمتر‬
‫عقد يف مدينة (بريتون وودز ) عام ‪1944‬م‪ ،‬للتفكري يف األسس اليت سيدار على‬
‫أساسها النظام االقتصادي العاملي‪.‬‬
‫وقد سيطرت على سري أعمال املؤمتر توازنات القوى اليت جنمت عن احلرب‪ ،‬فكان‬
‫من البدهي أن تصوغ أمريكا للعامل هذا النظام مبا حيقق مصاحلها‪.‬‬
‫وقد متخص هذا املؤمتر عن ميالد عدد من املؤسسات تشكل يف جمملها الركائز اليت‬
‫يقوم عليها النظام االقتصادي الدويل وهي‪:‬‬
‫‪ -‬صندوق النقد الدويل‪ ،‬ويقوم بدور احلارس على النظام النقدي العاملي‪.‬‬
‫‪ -‬البنك الدويل‪ :‬ويعمل على ختطيط التدفقات املالية طويلة املدى‪.‬‬
‫‪ -‬االتفاقية العامة للتعريفات والتجارة واليت تعرف اختصارًا باسم‪( :‬اجلات‪:‬‬
‫‪ ،)Gate‬اليت متخضت عن إنشاء املنظمة العاملية للتجارة‪ ،7‬وهي الشريك الثالث‬
‫لصندوق النقد الدويل ‪ ،‬والبنك الدويل يف وضع السياسات العاملية ‪ ،‬كما عرّب عن ذلك‬
‫مدير عام االتفاقية (بيرت سذرالند) ‪.8‬‬
‫ويعترب اهلدف الرئيس من االتفاقية العامة للتعريفات والتجارة متكني الدولة العضو من‬
‫النفاذ إىل األسواق لباقي الدول أعضاء االتفاقية‪ ،‬وقيام كل دولة بتثبيت بنود تعريفاهتا‬

‫‪ 7‬العوملة ‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص‪. 40‬‬
‫‪ 8‬ياسر قارئ‪ :‬اتفاقية التجارة العاملية ‪ ،‬ص‪. 7‬‬
‫اجلمركية إىل حدود مقبولة من باقي األطراف املتعاقدة باالتفاقية‪ ،‬حبيث ال يتم تغيري‬
‫هذا الربط (التثبيت) إال بعد الرجوع إىل بقية األطراف وتعويض املتضررين منها هبذا‬
‫التغيري‪. 9‬‬
‫لكن التفاوت الكبري يف القوة السياسية واملنافسة االقتصادية جيعل بنود االتفاقية تصّب‬
‫يف مصلحة الدول الكربى؛ فقد أعلنت الواليات املتحدة عزمها على استغالل حق‬

‫املطالبة بالتعويض أو فرض العقوبات التجارية يف حالة اإلخفاق يف الوصول إىل حّل‬
‫مع املخالفني‪.‬‬
‫بل واألخطر من ذلك‪ :‬أنه ألول مّر ة يف التاريخ االقتصادي لألمم تصبح السياسة‬
‫التجارية للدول املستقلة شأنًا دوليًا وليس عمًال من أعمال السيادة الوطنية؛ إذ أصبحت‬
‫مقيدة مبجموعة من القواعد امللزمة وآليات التحكم اإلجبارية؛ حيث إن منظمة التجارة‬
‫العاملية حتّد من قدرة دول اجلنوب على التصرف املطلق ضمن حدودها الوطنية‪ ،‬ومتلك‬
‫حق تشريع قوانني دولية وسلطة قضائية تالحق احلكومات اليت ال تنصاع لقراراهتا‪،‬‬
‫وقوة شرطية متارس حق التفتيش داخل الدول‪. 10‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد وضع الغرب آليات التحكم يف االقتصاد العاملي بناًء على‬
‫ثالثة حماور‪:‬‬
‫أوهلا ‪ :‬النظام النقدي العاملي‪:‬‬
‫من خالل هيمنة الدوالر األمريكي على وسائل الدفع العاملية؛ حيث ميثل وسيلة‬
‫الدفع العاملية املقبولة اليت حّلت حمل الذهب لتغطية إصدارات معظم عمالت الدول‪،‬‬
‫وخباصة دول العامل الثالث‪ .‬وتتحكم يف هذا النظام املؤسسات املالية الدولية مثل البنك‬
‫الدويل وصندوق النقد الدويل بوضع السياسات النقدية اليت ختدم هيمنة رؤوس األموال‬

‫‪ 9‬العوملة ‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص‪. 40‬‬
‫‪ 10‬العوملة ‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص‪. 39‬‬
‫الغربية على اقتصاديات دول اجلنوب والكتلة الشرقية بعد اهنيار املنظومة االشرتاكية يف‬
‫شرق أوروبا بزعامة االحتاد السوفيييت‪.11‬‬
‫ثانيهما‪ :‬التحكم يف حركة رؤوس األموال‪:‬‬
‫من خالل أسواق املال العاملية اليت ترتكز يف الواليات املتحدة بالدرجة األوىل‪،‬‬
‫وأوروبا بالدرجة الثانية ‪ ،‬واليابان بالدرجة الثالثة‪ ،‬وهذه احلركة لرؤوس األموال تتم‬
‫السيطرة عليها من خالل السياسات اليت تضعها املؤسسات املالية األمريكية اليت تتحكم‬
‫بدورها يف املؤسسات املالية األوروبية واليابانية من خالل متّلكها ملعظم أسهم تلك‬
‫املؤسسات‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك جند الدعوة اليت تتبناها املؤسسات املالية الدولية بتشجيع التخصيص‪،‬‬
‫وبالسماح لرؤوس األموال األجنبية بتملك أسهم الشركات والسندات اليت تصدرها‬
‫احلكومات احمللية‪ ،‬ما هي إال وسيلة لتحقيق اهليمنة االقتصادية الغربية على اقتصاديات‬
‫تلك الدول‪.12‬‬
‫وقد أخذ البنك الدويل بتوجيه من الواليات املتحدة بإجبار دول العامل اإلسالمي‬
‫على إعادة هيكلة اقتصادياهتا وفقًا هلذه السياسة الليربالية‪ ،‬فاجتهت هذه الدول إىل‬
‫اخلارج جلذب رأس املال األجنيب‪ ،‬وتبين مفهوم القطاع اخلاص من خالل استخدام‬
‫آليات السوق احلرة‪ ،‬وما يتطلبه ذلك من حتجيم واضح للملكية العامة وزيادة الفوارق‬
‫االجتماعية‪ ،‬ورهن أجيال املستقبل بالديون اخلارجية‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬الشركات متعددة اجلنسيات‪:‬‬
‫وهي متثل أهـم مظاهر عوملة االقتصاد‪ ،‬واإلحصاءات اآلتية توضح مدى خطورة‬
‫متركزها الرأمسايل‪:‬‬

‫مؤمتر القاهرة االقتصادي ‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين ‪ :‬ص‪. 32-31‬‬ ‫‪11‬‬

‫مؤمتر القاهرة االقتصادي ‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين ‪ :‬ص ‪. 32‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪ -‬إن إيرادات أكرب مخسمائة شركة يف العامل بلغ يف عام ‪1994‬م حنو (‪)10‬‬
‫تريليون و(‪ )254‬مليار دوالر‪ ،‬أي ما يقارب نصف الناتج احمللي اإلمجايل لدول العامل يف‬
‫سنة ‪1993‬م ‪.‬‬
‫‪ 200‬شركة جتاوزت مداخيل اقتصاديات (‪ )182‬دولة ما عدا‬ ‫‪ -‬إن مبيعات أكرب‬
‫أكرب ‪ 9‬دول؛ فقد وصل دخل (‪ )182‬دولة إىل مستوى (‪ )9 . 6‬تريليون دوالر‪ ،‬بينما‬
‫وصلت مبيعات أكرب (‪ )200‬شركة إىل (‪ )1 . 7‬تريليون دوالر‪.‬‬
‫‪ -‬إن حجم املبيعات ألكرب ثالث شركات متعددة اجلنسيات (إكسون‪ ،‬شل‪،‬‬
‫موبيل) عام ‪1980‬م فاق حجم اإلنتاج الوطين اإلمجايل لكل دول العامل الثالث عدا سبع‬
‫دول‪ ( :‬الصني‪ ،‬الربازيل‪ ،‬اهلند‪ ،‬املكسيك‪ ،‬نيجرييا‪ ،‬األرجنتني‪ ،‬إندونيسيا)‪.‬‬
‫‪ -‬يف عام (‪1996‬م) تعدى حجم املبيعات السنوية ألكرب (‪ )20‬شركة (‪ )67‬مليار‬
‫دوالر‪.‬‬
‫أما بالنسبة لكل شركة على حدة‪:‬‬
‫‪ -‬فليب مورس اليت احتلت املركز (‪ )69‬؛ فإن حجم مبيعاهتا جتاوز حجم‬
‫اقتصاد نيوزيلندا‪ ،‬وهلا فروع يف (‪ 170‬دولة)‪.‬‬
‫‪ -‬متسوبيشي‪ :‬املركز (‪ :)22‬حجم نشاطاهتا االقتصادية أكرب من حجم النشاط‬
‫االقتصادي ألندونيسيا اليت حتتل املركز الرابع على املستوى العاملي من حيث تعداد‬
‫السكان‪.‬‬
‫‪ -‬جنرال موتورز‪ :‬املركز (‪ :)26‬أكرب من الدامنارك يف حجمها االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬فورد‪ :‬املركز (‪ )31‬أكرب من جنوب إفريقيا اقتصاديًا‪.‬‬
‫‪ -‬تويوتا‪ :‬املركز (‪ :)36‬أكرب من النرويج يف نشاطها االقتصادي‪.‬‬
‫وجدير باإلشارة أن جمال عمل هذه الشركات جتاوز امليدان االقتصادي إىل‬
‫العمل على التأثري يف القرارات السياسية وثقافة الناس وطرائق عملهم ‪ ،‬مما جعل كثريًا‬
‫من االقتصاديني واملهتمني بظاهرة هذه الشركات خيُلص إىل أهنا نوع من االستعمار‬
‫بأسلوب يناسب وعي الشعوب وتطورها ‪.‬‬
‫وكانت طموحاهتا التجارية حمفوفة بالنتائج الدبلوماسية العاملية يف عقود‬
‫اخلمسينيات والستينيات والسبعينيات ‪ ،‬ونذكر على سبيل املثال‪ :‬الدور الذي قامت به‬
‫الشركة األمريكية يف أحداث ‪1972‬م يف الشيلي اليت أدت إىل سقوط نظام (سلفادور‬
‫‪ )British‬عام‬ ‫(‪feroling‬‬ ‫إَّلندي) ذي التوجه املاركسي ‪ ،‬أو العمل الذي قامت به‬
‫‪1953‬م يف إسقاط حكومة (مصدق) يف إيران حني أّم م مصايف النفط وآباره‪.‬‬
‫ويف عام ‪1997‬م شاركت (إلف الفرنسية) اليت تسيطر على ثلثي إنتاج النفط يف‬
‫الكونغو يف االنقالب الذي أطاح بالرئيس املنتخب (باسكال ليسوبا) ؛ ألنه أراد كسر‬
‫عملية االحتكار اليت تقوم هبا (إلف) بالتفاوض مع شركات النفط األمريكية‪.‬‬
‫بل يف بعض البلدان كنيجرييا ‪ ،‬فإن شركة النفط (شل) هي احلكومة الفعلية ؛‬
‫ففي مقابلة مع (د ‪ .‬أوين سراويو) شقيق (كن سراويو) الذي أعدمته السلطات‬
‫النيجريية بسبب انتقاده لشركة (شل)‪ ،‬سألته جملة (ملتنشيونال مونرت) يف عددها الصادر‬
‫يف يوليو ‪1996‬م السؤال اآليت‪ :‬إذن (شل) هي اليت حتكم وليست احلكومة؟ فأجاب‪:‬‬
‫نعم (شل) بطبيعة احلال هي اليت حتكم فعليًا ‪ ،‬هذا معروف جدًا (أي يف نيجرييا)‪.13‬‬
‫ويقول (بيري أوجني) رئيس منظمة الشفافية العاملية‪ ،‬وهي منظمة هتتم مبراقبة‬
‫الفساد املايل واإلداري على املستوى العاملي‪( :‬إن نسبة كبرية من الفساد املنتشر يف دول‬
‫العامل الثالث هي من صنع الشركات املتعددة اجلنسيات اليت ترتكز مقارها يف الدول‬
‫الصناعية ‪ ،‬وتعمل على تقدمي رشاوى كبرية ملسؤويل الدول املختلفة من أجل الفوز‬
‫بالصفقات)‪.14‬‬
‫العوملة اإلعالمية والثقافية‪:‬‬
‫لقد تطور اإلعالم بدرجة أدت إىل غزو مجيع ميادين األنشطة البشرية؛ حيث‬
‫ُو جدت بًين أساسية عاملية تنتشر وكأهنا نسيج عنكبويت ميتد عرب العامل أمجع‪ ،‬مستفيدًا‬

‫االستعمار اجلديد (الشركات متعددة اجلنسيات) ‪ ،‬أمحد بلوايف‪ :‬ص ‪( ، 2223‬نقال عن ‪ :‬الشقيقات السبع ‪ :‬شركات البرتول والعامل الذي صنعته‬ ‫‪13‬‬

‫أنتوين مسبسون)‪.‬‬
‫‪ 14‬االستعمار اجلديد‪ ،‬أمحد بلوايف‪ :‬ص‪( 29-27‬نقال عن جملة ملتنشيونال مونرت)‪.‬‬
‫من التقدم احلاصل يف تقنية الرقميات وثورة املعلومات‪ ،‬ومن التداخل احلاصل بني‬
‫قطاعات االتصال واهلاتف والتلفاز واحلاسوب وشبكة املعلومات الدولية (إنرتنت)‪.‬‬
‫ونظرًا للرتابط القوي بني عوملة الثقافة ووسائل اإلعالم ‪ ،‬فإن اإلحصاءات تشري‬
‫إىل أن االتصاالت الالسلكية متثل سوقًا ُتدّر (‪ )525‬مليار دوالر سنويًا‪ ،‬وأن هذه‬
‫السوق تزداد بنسبة ‪ 8‬إىل ‪ %12‬سنويًا‪.‬‬
‫ففي عام ‪1985‬م بلغ الوقت الذي استهلكه مستخدمو االتصاالت يف العامل على‬
‫شكل إرسال معلومات أو حديث أو فاكس(‪ )15‬مليار دقيقة‪ .‬ويف عام ‪1995‬م بلغ (‬
‫‪ )60‬مليار دقيقة‪.15‬‬
‫وألمهية قطاعات االتصال يف نشر وترويج أمناط معينة من الثقافة ‪ ،‬قامت‬
‫الواليات املتحدة بوضع ثقلها كله يف معركة حتطيم احلواجز لتصبح االتصاالت قادرة‬
‫على االنتقال دون عوائق ُتذكر عرب العامل كّله‪ ،‬كالريح فوق صفحة احمليطات‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك انعقدت أربع مؤمترات دولية (جنيف ‪1992‬م‪ ،‬بيونس أيرس‬
‫‪1994‬م ‪ ،‬بروكسل ‪1995‬م ‪ ،‬جوهانسبورج ‪ )1996‬جنح خالهلا األمريكان من تسويق‬
‫فكرهتم حول‪( :‬جمتمع املعلومات العاملي) والضغط لفتح حدود أكرب عدد ممكن من‬
‫البلدان أمام التدفق احلّر للمعلومات‪.16‬‬
‫ولعل هذا هو ما حدا بباحث من وزن (نعوم تشومسكي) األكادميي األمريكي‬
‫املعروف أن يقول‪ ( :‬إن العوملة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية يف تاريخ اإلعالم تعزز‬
‫سيطرة املركز األمريكي على األطراف أي على العامل كله)‪.17‬‬
‫ونالحظ هذا من خالل قطاع االتصاالت الثقافية للنظام العاملي الذي أخذ‬
‫يتطور طبقًا لتدفق املعلومات من منطقة املركز ‪ -‬الواليات املتحدة ؛ أول منتج للتقنية‬

‫‪ 15‬االستعمار اجلديد‪ ،‬أمحد بلوايف‪ :‬ص‪( 29‬نقال عن جملة ملتنشيونال مونرت)‪.‬‬


‫‪ 16‬العوملة‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 17‬العوملة‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص ‪.43‬‬
‫احلديثة ‪ -‬إىل األطراف ‪ -‬دول العامل الثالث خاصة ‪ -‬وهو ما يؤيده انتشار لغة مبفردها‬
‫هي اللغة اإلجنليزية‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار عرّب ت دول متقدمة داخل املنظومة احلضارية الغربية نفسها مثل‪:‬‬
‫فرنسا‪ ،‬وكندا (مقاطعة كيبيك) عربت عن التوجس الشديد من املخاطر النامجة عن‬
‫اهليمنة األمريكية على اإلعالم والثقافة حتت ستار العوملة؛ إذ إن وسائل اإلعالم‬
‫األمريكية تسيطر يف الواقع على ‪ %65‬من جممل املواد واملنتجات اإلعالمية واإلعالنية‬
‫والثقافية والرتفيهية‪ ،‬بل إن فرنسا تقاوم سيطرة اللغة اإلجنليزية على شبكة اإلنرتنت؛‬
‫وذلك ألن ‪ %95‬من حجم تداول املعلومات واالتصاالت على اإلنرتنت باللغة‬
‫اإلجنليزية ‪ ،‬يف حني أن ‪ %2‬فقط باللغة الفرنسية‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد يقول وزير العدل الفرنسي (‪( :)Jack tobon‬إن اإلنرتنت‬
‫بالوضع احلايل شْكل جديد من أشكال االستعمار‪ ،‬وإذا مل نتحرك فأسلوب حياتنا يف‬
‫خطر )‪.18‬‬
‫ولذلك رفعت فرنسا خالل مناقشات ثقافة (اجلات) األخرية شعار‪( :‬االستثناء‬
‫الثقايف) ‪.‬‬
‫ويف املقاطعات الكندية بلغت اهليمنة األمريكية يف جمال تدفق الربامج اإلعالمية‬
‫والتلفاز إىل حّد دعا بعض اخلرباء إىل التنبيه إىل أن األطفال الكنديني أصبحوا ال‬
‫يدركون أهنم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية‪.19‬‬
‫ولعل متُّك ن الواليات املتحدة من تدعيم هيمنتها على العامل عرب قدرهتا على‬
‫التحكم يف املنظومات املعلوماتية وتقنيات االتصال هو ما دفع الباحثني إىل التعبري عن‬
‫العوملة أهنا‪( :‬أمركة)؛ إذ تستهدف بشكل خاص إشاعة وتعميم وتسييد أسلوب احلياة‬
‫األمريكية وقيمها من خالل‪:‬‬
‫‪ - 1‬قرية املواصالت األمريكية‪.‬‬

‫‪ 18‬العوملة‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص ‪.43‬‬
‫‪ 19‬العوملة‪ ,‬عامل ثالث على أبواب قرن جديد‪ ،‬عمرو عبد الكرمي‪ ,‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 2‬وحدة السوق األمريكية‪.‬‬
‫‪ - 3‬حضارة االستهالك األمريكي‪.‬‬
‫‪ - 4‬وحدة النمط املعيشي‪.‬‬
‫‪ - 5‬الدميقراطية األمريكية‪.20‬‬
‫وهذا التصور يعرب عنه بوضوح الرئيس األمريكي بيل كلينتون بقوله‪( :‬إن‬
‫أمريكا تؤمن بأن قيمها صاحلة لكل اجلنس البشري‪ ،‬وإننا نستشعر أن علينا التزامًا‬
‫مقدسًا لتحويل العامل إىل صورتنا)‪.21‬‬
‫وتنبع خطورة عوملة اإلعالم من كوهنا وسيلة للسيطرة على اإلدراك وتسطيح‬
‫الوعي وتنميط األذواق وقولبة السلوك‪ ،‬وهدف ذلك كّله هو تكريس نوع من‬
‫االستهالك لنوع معني من املعارف واألفكار والسلع تشكل يف جمموعها ما يطلق عليه‬
‫د‪ .‬حممد عابد اجلابري‪ :‬ثقافة االخرتاق‪.‬‬
‫وخنتم هذا احلديث عن العوملة اإلعالمية والثقافية بكالم أحد الباحثني الغربيني‬
‫يف كتابه‪( :‬تغريب العامل) ينقل لنا فيه كيف تتم عملية الغزو الثقايف يف بلدان العامل‪،‬‬
‫يقول‪ ( :‬ينطلق فيض ثقايف من بلدان املركز‪ ،‬ليجتاح الكرة األرضية‪ ،‬يتدفق على‬
‫شكل صورة‪ ..‬كلمات‪ ...‬قيم أخالقية‪ ،‬قواعد قانونية‪ ...‬مصطلحات سياسية‪...‬‬
‫معايري‪ ...‬كفاءة‪ ...‬ينطلق كل ذلك ليجتاح بلدان العامل الثالث من خالل وسائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬املتمثل يف إذاعات وتلفزيونات ‪ ،‬وأفالم وكتب‪ ،‬وأسطوانات فيديو‪ ،‬وأطباق‬
‫استقبال فضائية‪ ،‬ينطلق عرب سوق املعلومات اليت حتتكرها الوكاالت العاملية األربع‪:‬‬
‫أسوشيتدبريس ويونايتدبريس (الواليات املتحدة)‪ ،‬رويرت (بريطانيا)‪ ،‬وفرانس بريس‬
‫(فرنسا)‪ ،‬وتسيطر الواليات املتحدة على (‪ )%65‬من تدفق هذه املعلومات‪.‬‬
‫هذا الفيض من املعلومات يشكل رغبات وحاجات املستهلكني ‪ -‬أو بتعبري‬
‫أخر‪ :‬األسرى السلبيني‪ -‬يشكل أنواع سلوكهم‪ ،‬عقلياهتم‪ ،‬مناهج تعليمهم‪ ،‬أمناط‬

‫‪ 20‬العوملة والكونية‪ ،‬أبو يعرب املرزوقي‪ :‬ص‪. 27‬‬


‫‪ 21‬ندوة‪ :‬هويتنا اإلسالمية‪ ،‬الشيخ حممد بن إمساعيل‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،129‬ص‪.46‬‬
‫حياهتم‪ ،‬وبذلك تذوب اهلويات الذاتية يف هذا اخلضِّم من الغزو؛ ألن مواد الغزو ُتصنع‬
‫يف معامل الغرب وفق معايريه ومواصفاته املعينة )‪ .22‬ومن املؤكد أن املستهَد ف خاصة‬
‫هبذا الغزو الثقايف هم املسلمون‪ :‬العرب منهم خاصًة‪ ،‬واملسلمون عامة‪ ،‬وذلك لعاملني‬
‫اثنني‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬ما متلكه بالدهم من مواد أولية هائلة يأيت على رأسها النفط والغاز‬
‫وثروات طبيعية أخرى‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ما ثبت هلم عرب مراكز حبوثهم وجامعاهتم ومستشرقيهم أن هذه األمة‬
‫مستعصية على اهلزمية إذا حافظت على هويتها اإلسالمية‪ ،‬ومن مث فالطريق الوحيد هو‬
‫القضاء على تفرد شخصيتها وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال‬
‫االحتالل والسيطرة ‪.‬‬
‫‪ .2‬العوملة االجتماعية‪:‬‬
‫تتحدد معامل هذه العوملة ومظاهرها من خالل مؤمترات دولية كان الغرض منها‬
‫تأطري األمناط السلوكية الشاذة اليت تتعارض مع الفطرة اإلنسانية ونشرها‪ ،‬والتسُّلل‬
‫الحتواء موارد الدول الفقرية واستغالهلا لصاحل املؤسسات املالية الغربية‪.‬‬
‫ففي شهر سبتمرب (أيلول) لعام ‪1994‬م ُعقد يف القاهرة املؤمتر العاملي للسكان‬
‫والتنمية ‪ ،‬ويف شهر سبتمرب (أيلول) لعام ‪1995‬م عقد يف بكني مؤمتر املرأة‪ ،‬ويف شهر‬
‫يونيو (حزيران) ‪1996‬م انعقد يف إستانبول مؤمتر اإليواء البشري‪.‬‬
‫وهذه املؤمترات أَّطرهتا منظمة األمم املتحدة‪ ،‬وهي الذراع التنفيذي ملخططات‬
‫الواليات املتحدة وحليفاهتا يف أوروبا‪.‬‬
‫وإن كانت الشعارات اليت دأبت األمم املتحدة على رفعها وفق دعايتها هي‬
‫حتسني أوضاع العامل االقتصادية والتجارية والعمرانية واالجتماعية‪ ،‬لكن حقيقة األمر‬
‫خبالف ذلك ؛ بل إن هذه املؤمترات أداة ووسيلة تستخدمها الليربالية اجلديدة للسيطرة‬
‫على العامل فكريًا واقتصاديًا من خالل تأطري السلوك االجتماعي‪ ،‬واستبعاد اجلوانب‬
‫‪ 22‬ندوة‪ :‬هويتنا اإلسالمية‪ ،‬الشيخ حممد بن إمساعيل‪ ،‬جملة البيان‪ ،‬العدد‪ ، 129‬ص‪. 46‬‬
‫األخالقية يف السلوك االقتصادي وفق منظور خاص خيدم مصاحلها األيديولوجية‬
‫واالقتصادية‪.‬‬
‫على أن اإلجراءات التنفيذية اليت رمستها هذه املؤمترات تدل داللة واضحة على‬
‫ذلك؛ ففي مؤمتر اإليواء البشري يف إستانبول مت االتفاق على جمموعة من االلتزامات‬
‫تتضمنها وثيقة املؤمتر منها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التأكيد يف البنود رقم‪ 150 ، 147 ، 140 :‬من الوثيقة على ربط (السلطات‬
‫احمللية) بالسوق املايل الدويل‪ ،‬ومؤسسات اإلقراض اخلاصة بالشؤون البلدية‪ ،‬مع العمل‬
‫على توفري البنية اليت تسمح لالقتصاد الدويل بالنمو واملسامهة يف بناء البنية التحتية‬
‫ملشاريع اإليواء وتكوين املراكز احلضارية‪.23‬‬
‫ب ‪ -‬تغيري قوانني امللكية اخلاصة باألراضي‪ :‬سواء الزراعية أو السكنية‪ ،‬وقوانني‬
‫اإلسكان واإلجيارات‪ ،‬وفتح باب سوق شراء وبيع العقارات‪ ،‬وإزالة مجيع العوائق‬
‫اخلاصة بتوفري املناخ املالئم حلرية السوق العقاري (البند رقم ‪ 56‬من الوثيقة)‪.24‬‬
‫ج ‪ -‬توسيع نظام اإلقراض‪ ،‬ومتكني املؤسسات املالية العاملية من التغلغل يف دول‬
‫العامل الثالث من خالل عمل شبكة من البنوك‪ ،‬وربط متويل توفري املباين والبنية التحية‬
‫ملشاريع اإلسكان باإلقراض اخلارجي (البند رقم ‪.25)30‬‬
‫ويتضح من خالل هذه البنود أن ما حيصل من أساليب إجرائية متعددة األشكال‬
‫حلل مشاكل اجتماعية واقتصادية هو متكني ملراكز النظام الرأمسايل من إعادة احتواء‬
‫دول العامل املتخلفة وإعادة امتصاص قواها طبقًا ملنطق تراكم رأس املال يف تلك‬
‫املراكز‪ .‬واألخطر من ذلك أن هذه اإلجراءات تؤدي حتمًا إىل تآكل السيادة الوطنية‬
‫اليت تعّد عامًال كبريًا من عوامل متيز اهلوية القومية للشعوب واألمم‪.‬‬
‫واحلقيقة اليت جيب أن ُتذكر هنا هي أن هذه األوضاع اجلديدة ستعمق اهلوة بني‬
‫الفئات االجتماعية وتزيد من معاناة الفقراء واملعوزين يف جمتمعاتنا‪ ،‬ذلك أن آليات‬
‫ندوة‪ :‬هويتنا اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬مصطفى حلمي ص ‪( 44‬نقال عن التوش‪ :‬تغريب العامل) ‪،‬انظر جملة البيان‪ ،‬العدد‪ ، 129‬ص‪.46‬‬ ‫‪23‬‬

‫العوملة االقتصادية ومؤمتر اإليواء البشري ‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين‪ :‬ص‪ .98‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 102‬ص ‪.96‬‬ ‫‪24‬‬

‫العوملة االقتصادية ومؤمتر اإليواء البشري‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين‪ :‬ص‪ .98‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 102‬ص ‪.96‬‬ ‫‪25‬‬
‫السوق اليت تقوم عليها الفكرة األساس للرأمسالية أو الليربالية هي‪ :‬أن من ال يستطيع‬
‫كسب قوته جيب أن ميوت؛ فهناك أصوات يف الغرب تنادي بأن املليار من فقراء العامل‬
‫الثالث زائدون عن احلاجة؛ وعليه فال مسِّو غ لوجودهم وال حاجة إليهم ضمن مفهوم‬
‫فلسفة ‪ :‬البقاء لألقوى‪.‬‬
‫ولذا جند الدعوة املستمرة لتغيري مفهوم األسرة‪ ،‬والدعوة إىل اإلجهاض‪ ،‬وقتل‬
‫الَعَج زة‪ ،‬وغري ذلك من الدعوات غري األخالقية وغري اإلنسانية اليت ما هي إال نتيجة‬
‫العبثية الرأمسالية العلمانية‪.26‬‬
‫أما يف جمال األسرة اليت تعّد النواة الرئيسة لبناء اجملتمع فنجد أنفسنا يف مؤمتر‬
‫بكني للمرأة أمام توصيات تدعو إىل نشر التعليم اجلنسي ‪ ،‬وإدماج كل أشكال‬
‫االحنراف من الزنا إىل الشذوذ لتصبح أوضاعًا طبيعية‪.27‬‬
‫وقد مت تعبيد الطريق هلذه التوصيات لتتحول إىل قرارات ملزمة يف مؤمتر اإليواء‬
‫البشري الذي انعقد بعد ذلك بسنة يف إستانبول؛ حيث ينص البند رقم ‪.18‬‬
‫من وثيقة املؤمتر على مشول اإليواء ملختلف أشكال اُألَس ر؛ واملقصود من ذلك منح‬
‫الشاذين جنسيًا الذين يكِّو نون فيما بينهم ُأَس رًا‪ ،‬وتلك األشكال من العالقات بني‬
‫الرجال والنساء الذين ال يرتبطون بعالقات شرعية منحهم مجيعًا مساكن لإليواء‪.28‬‬
‫إن أخطر أنواع العوملة هي تلك (العوملة الطوعية) اليت يدخل فيها الفرد‬
‫باختياره ومبلء إرادته؛ إذ توجد عوملة ال شعورية تلقائية يصل فيها املرء باختياره إىل‬
‫االهنزامية واالستالب يف مواجهة النموذج الغازي‪ ،‬ولعل ذلك هو ما يقرره ابن خلدون‬
‫يف (مقدمته) أن املغلوب موَلع بتقليد الغالب‪.‬‬
‫لذلك ينبغي أن نفِّر ق بني هزمية اجليوش يف ساحة املعارك ‪ ،‬وانكسار األمم‬
‫والشعوب يف جمال األفكار والقيم؛ إذ إّن األوىل يف ُبعدها العسكري هي تعبري عن‬

‫‪ 26‬العوملة االقتصادية ومؤمتر اإليواء البشري‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين‪ :‬ص‪ .98‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 102‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 27‬العوملة االقتصادية ومؤمتر اإليواء البشري‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين ‪ :‬ص ‪ . 100‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 102‬ص ‪.96‬‬
‫‪ 28‬تدشني األممية النسوية العلمانية (قراءة خلفيات مؤمتر املرأة ببكني)‪ ,‬حممد حيىي ‪ ،‬ص‪ . 98‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 145‬ص ‪.118‬‬
‫طبيعة احلروب؛ فاملعارك ما هي إال كّر وفّر وفقًا للسنة اإلهلية‪  :‬وتلك األيام نداوهلا‬
‫بني الناس ‪[‬آل عمران‪ .]140 :‬أما انكسار األمم وهزمية الشعوب النفسية فهي قاصمة‬
‫الظهر‪.‬‬
‫ولعّل ذلك ما علمتنا إياه جتربة التاريخ يف حروب الفرجنة‪( :‬احلروب الصليبية)؛‬
‫فعلى الرغم مما حققته تلك احلروب خالل غزواهتا املتعددة ومكوثها يف بالدنا بني‬
‫القرنني السابع والتاسع للهجرة املوافق للقرنني الثاين عشر والثالث عشر للميالد‪ ،‬فقد‬
‫استطاعت تلك احلمالت اهلمجية أن ُتعِم َل السيف يف رقاب مئات األلوف‪،‬‬
‫واستطاعت أن متزق وجتِّز ئ وتفسد يف األرض اإلسالمية‪ ،‬ولكن الشيء الذي مل‬
‫تستطع أن تفعله هو ختريب النمط العقدي والفكري واالجتماعي واحلضاري ذي‬
‫الطابع اإلسالمي للبالد؛ وهو األمر الذي أبقى السلطة الفرجنية خارج اجملتمع‪ ،‬على‬
‫الرغم من أن حرهبا وسيوفها تغلغلت يف داخل اجملتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫لقتد أثبتت تلك التجربة أن اإلسالم حني يبقى يف قلوب الناس ويف شرايني‬
‫حياهتم يشكل حالة مقاومة مستمرة جتعل االحتالل أمرًا مرفوضًا ومؤقتًا مهما بلغت‬
‫سطوته ووصلت درجة قوته‪.‬‬
‫ولعل هذا ما يفسر موقف نابليون حني اجتاح مصر جبيوشه؛ فقد وجد نفسه‬
‫يف وجه (َص َد َفة مغلقة) مل يستطع أن ينفذ إىل داخلها‪ ،‬وهلذا تظاهر بإعالن إسالمه‬
‫كذبًا حىت جيد له مكانًا يف الداخل ليجعل حكمه أمرًا قابًال لالستثمار‪.‬‬
‫وهكذا كل حمتل يف ظل العوملة ال بد له من حتطيم مقومات اجملتمع األصلي‬
‫(ثوابت‪ ،‬مبادئ‪ ،‬قيم) مث استحداث جمتمع آخر مكانه حيمل الرؤى احلضارية نفسها؛‬
‫َّط‬
‫وذلك ألن اهلمينة الكاملة غري ممكنة ما مل حُت م املقومات العقدية واحلضارية‪ ،‬وحتّل‬
‫حملها مقومات التبعية من خالل إقامة اجملتمع االستهالكي التابع‪ ،‬وبذلك تدخل‬
‫الشعوب يف مضمار العوملة الطوعية‪ ،‬وهي أخطر أنواع العوملة‪.29‬‬
‫‪ .3‬العوملة السياسية‬
‫العوملة االقتصادية ومؤمتر اإليواء البشري ‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الشباين ‪ :‬ص‪ .97‬انظر جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 102‬ص ‪.96‬‬ ‫‪29‬‬
‫وذلك من خالل استخدام األمم املتحدة بعد اهليمنة عليها وعلى مؤسساهتا‬
‫السياسية املؤثرة خاصة جملس األمن الذي تعترب قرارته ملزمة عامليًا‪ ،‬واستخدام حق‬
‫النقض ( الفيتو ) اجملحف عند الضرورة أو التلويح باستخدامه ملنع أي قرار ال يريده‬
‫الغرب وخاصة أمريكا‪ .‬ولعل ما جيري اآلن من تعسف أمريكي بدعم بريطاين وجماملة‬
‫من بقية األعضاء الدائمني يف استعمال هذه املنظمة العاملية لتكريس هيمنة أمريكا دليل‬
‫على ذلك‪ .‬وما كشفه بطرس غايل األمني العام السابق لألمم املتحدة يف كتابه‪« :‬بيت‬
‫من زجاج» بعد خالفه مع أمريكا هو غيض من فيض‪.30‬‬
‫‪ .4‬العوملة الثقافية‬
‫بعض الباحثني يعدون الثقافة جمرد جمال من جماالت العوملة‪ .‬إال أن نظرة فاحصة‬
‫ألهداف العوملة وبرامج من يسعون ىف صبغ العامل هبا تؤكدعدم دقة هذه النظرة‪ .‬ذلك‬
‫أن العوملة الثقافية هي اهلدف النهائي‪ .‬والعوملة االقتصادية والسياسية إال وسائل للوصول‬
‫إىل هذا اهلدف‪ .‬ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إىل فرض القيم الىت حتملها‬
‫الثقافة األمريكية اليوم على األمم األخرى‪ .‬فمنزلة الثقافة من العوملة مينزلة الرأس من‬
‫‪31‬‬
‫اجلسد‪.‬‬
‫والعوملة الثقافية تكون برتويج األيديولوجيات الفكرية الغربية‪ ،‬وفرضها يف الواقع من‬
‫خالل الضغوط السياسية واإلعالمية واالقتصادية والعسكرية أيضًا؛ وذلك يف جماالت‬
‫عدة كحقوق اإلنسان‪ ،‬والدميقراطية‪ ،‬وحقوق األقليات‪ ،‬وحرية الرأي‪ .‬وتستخدم يف‬
‫ذلك آليات ووسائل منها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إصدار الصكوك واالتفاقيات الدولية املصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من‬
‫أجل التوقيع عليها‪ ،‬مثل (اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬مكافحة التمييز ضد‬
‫املرأة ‪ ..‬إخل )‪ .‬وهذه االتفاقيات وإن كان فيها بعض احلق إال أن فيها الباطل‪،‬‬
‫ويكفي أهنا مصاغة بوجهة نظر غربية صرفة ‪.‬‬

‫‪ 30‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫‪ 31‬النظام السياسي ىف اإلسالم جملموعة من أعضاء هيئة التدريس بقسم الدراسات اإلسالمية جبامعة امللك سعود ص ‪.178‬‬
‫ب ‪ -‬إصدار القوانني من أجل استخدامها ضد دول العامل الثالث باسم محاية‬
‫األقليات ‪ ،‬مثل قانون التحرر من االضطهاد الديين الصادر عن الكوجنرس‬
‫األمريكي ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إصدار التقارير الدورية للضغط اإلعالمي والسياسي واالقتصادي على‬
‫اجملتمعات األخرى ‪ ،‬مثل إصدارات الكوجنرس األمريكي ووزارة اخلارجية‬
‫األمريكية الدورية‪ ،‬وإصدارات املنظمات العاملية الكربى الدورية‪ ،‬بل حىت‬
‫الشركات اليت تعىن بالتصنيف االئتماين (أي املالءة املالية) للدول؛ حيث تستغل‬
‫لصاحل الدول والبنوك واملؤسسات املالية الغربية‪.32‬‬
‫‪33‬‬
‫خماطر العوملة‪:‬‬
‫للعوملة خماطر ضخمة ومفاسد مجة من خالل حتُّو ل العامل إىل غابة إلكرتونية يستعلي‬
‫فيها الكبار على الصغار؛ وتظهر هذه املخاطر داخل اجملتمع للدولة الواحدة ‪ ،‬وكذلك‬
‫داخل اجملتمع العاملي‪.‬‬
‫ومن أهم املخاطر‪:‬‬
‫‪ .1‬اخلطر اجملتمعي‪:‬‬
‫حيذر علماء اإلصالح االجتماعي من أن أسوأ ما يقع على األمم هو انقسام جمتمعها إىل‬
‫طبقات األغنياء والفقراء‪ ،‬وأن اآلثار السيئة لتكدس األموال يف أيدي قلة من الناس‬
‫تسبب تسلطهم وحتكمهم يف مصري الكثرة‪ ،‬وتسخرهم خلدمتهم بغري حق ‪ .‬وكمثال‬
‫لذلك أمريكا ذات النظام الدميقراطي‪ ،‬وكيف يؤثر املال على امتالك وسائل اإلعالم ومن‬
‫مث التأثري على العملية االنتخابية؛ حبيث ال تعرب يف النهاية عن رأي األغلبية‪ .‬وهلذا كان‬
‫منهج اإلسالم هو وجود تشريعات متنع أن يبقى املال ُدولة بني األغنياء؛ وقد ظهرت‬
‫الطبقية واالحتكار من خالل إجياد آليات وهياكل ومؤسسات اجتماعية‪ ،‬سواء كانت‬
‫اقتصادية أو قانونية أو تشريعية‪ ،‬يتم من خالهلا توجيه املال والسلطة والتأثري لألغنياء دون‬
‫‪ 32‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫‪ 33‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫الفقراء‪ ،‬وتكرس انعدام الفرص أمام الفقراء يف مزامحة األغنياء‪ .‬بل ويكون املال والغىن‬
‫معيارًا لكثري من املناصب واملهام‪ .‬ومن ذلك التشريعات اخلاصة ببعض األسواق التجارية‬
‫والبورصات والتشريعات القانونية (غري املكتوبة) يف أمريكا واملنحازة إىل فئة دون أخرى‪،‬‬
‫‪Foreign‬‬ ‫ومن ذلك ما يظهر يف طبيعة هيكلة األحزاب السياسية‪ .‬وقد حذرت جملة‬
‫‪ Affairs‬األمريكية يف عدد سابق من نشوب ثورة اجتماعية عاملية بعد نقدها لفكرة‬
‫العوملة؛ ألهنا ترتك وراءها املاليني من العمال الساخطني‪ ،‬وحاالت الالمساواة‪ ،‬والبطالة‪،‬‬
‫والفقر املستوطن‪ ،‬واختالل التوازن االجتماعي‪ ،‬باإلضافة إىل ختلي الدولة عن مواطنيها‪،‬‬
‫ونشوء الطبقية الفاحشة داخل جمتمع الدولة الواحدة كذلك تسبب تكريس اهلوة بني‬
‫الدول النامية والدول املتقدمة وبني أغنياء العامل وفقرائه‪.‬‬
‫ومن مظاهر اخلطر االجتماعي‪:‬‬
‫‪600‬‬ ‫‪ -‬ثالثة أغىن أغنياء أمريكا ثروهتم أكثر من ثروة قارة إفريقيا كلها اليت فيها‬
‫مليون نسمة‪.‬‬
‫‪ 30% -‬من سكان العامل دخلهم اليومي يقل عن دوالرين‪ ،‬و‪ %20‬من سكان‬
‫العامل يقل دخلهم اليومي عن دوالر واحد‪ ،‬وكلهم من الدول النامية‪.‬‬
‫‪ 20% -‬من سكان العامل ميلكون ‪ %80‬من ثروته ‪ ،‬والباقي من السكان ميلكون‬
‫الباقي من الثروة‪.‬‬
‫‪ 10‬تريليون دوالر ميلك معظمه عدد‬ ‫‪ -‬حركة املال العاملي اليومي تزيد على‬
‫حمدود من الشركات واألشخاص يف هذا العامل‪ ،‬معظمهم يف العامل الغريب‪.‬‬
‫‪ -‬التجارة اإللكرتونية (السوق اإللكرتوين) شبه حمتكرة للغربيني خاصة أمريكا اليت‬
‫حتصل على نصيب األسد من هذه التجارة‪ ،‬حيث بلغت حصتها من هذه السوق نسبة‬
‫قريبة من النصف والباقي لبقية العامل وخاصة الدول الغربية األخرى‪ ،‬بينما الدول النامية‬
‫ال حتصل إال على واحد باأللف‪.‬‬
‫‪ -‬مخس دول غربية فيها ‪ 172‬شركة من أصل ‪ 200‬شركة كربى يف العامل‪ ،‬وهي‬
‫أمريكا‪ ،‬و اليابان‪ ،‬و فرنسا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬و بريطانيا‪.‬‬
‫‪ -‬يف العامل ‪ 358‬شخصًا ميلكون ما ميلك ‪ %45‬من سكان العامل أي ‪ 6,2‬مليار‬
‫شخصًا‪.‬‬
‫‪ -‬هناك توقعات بازدياد البطالة والفقر مستقبًال؛ فحوايل ‪ %30‬من طاقات العمل‬
‫تكفي عندما تدخل التقنية اإللكرتونية يف اإلدارة ويف سوق العمل‪.‬‬
‫‪ 200‬مليار‬ ‫‪ -‬األرباح املتوقعة من اتفاقيات منظمة التجارة العاملية قد تصل إىل‬
‫دوالر‪ ،‬معظمها يذهب إىل الشركات الغربية بينما لن حيصل العامل العريب إال على ‪%1‬‬
‫منها ‪.‬‬
‫‪ -‬كل مخس دوالرات يف العامل ميلك الغرب أربعة منها ويرتك دوالرًا واحدًا فقط‬
‫لبقية املناطق ‪.‬‬
‫‪ %40‬من كمبيوترات العامل توجد يف أمريكا؛‬ ‫‪ -‬ويف جمال التكنولوجيا جند أن‬
‫بينما جند واحدًا من كل ثالمثائة أفريقي ميلك خطًا هاتفيًا واحدًا‪ ،‬وجند أن ‪ % 80‬من‬
‫مالكي اهلواتف اخللوية هم من العامل الغين بينما توصف بنغالدش بأهنا صحراء هاتفية‪.‬‬

‫‪.2‬اخلطر الثقايف ‪:‬‬


‫حماولة صهر الثقافات املوجودة يف ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية وبالذات األمريكية ‪،‬‬
‫وجعلها النموذج العاملي مستغلة التقدم التكنولوجي يف جمال االتصاالت‪ ،‬وما ترسله عرب‬
‫الفضائيات من سيل جارف من املواد اإلعالمية‪ ،‬وتفريغ العامل من اهلوية الوطنية والقومية‬
‫والدينية‪.‬‬
‫ومن مظاهر ذلك أيضًا‪:‬‬
‫‪ -‬يوجد يف العامل ‪ 6000‬لغة‪ ،‬لكن ‪ %90‬من برامج اإلنرتنت تبث باللغة اإلجنليزية‬
‫مما يسبب هتميشًا للغات األخرى حىت احلية منها؛ مما دعا الرئيس الفرنسي شرياك إىل‬
‫الدعوة إىل إقامة حتالف بني الدول اليت تعتمد لغات من أصل التيين للتصدي بشكل‬
‫أفضل هليمنة اللغة اإلجنليزية لدى افتتاحه منتدى حول حتديات العوملة يف ‪20/3/2001‬م ‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن الوكالة الفرنكفونية واملنظمة الدولية للفرنكفونية ُأنشئتا هلذا السبب‪ .‬كما‬
‫أفادت دراسة لربنامج األمم املتحدة للبيئة نشرت يف ‪8/2/2001‬م أن نصف اللغات احمللية‬
‫يف العامل يف طريقها للزوال‪ ،‬وحذرت الدراسة من أن ‪ %90‬من اللغات احمللية سوف‬
‫ختتفي يف القرن احلادي والعشرين‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام بعض الصكوك الدولية والقوانني عند بعض الدول للضغط من أجل‬
‫تغيري اهلويات وصهر الثقافات‪ ،‬وكمثال على ذلك قانون (التحرر من االضطهاد الديين)‬
‫األمريكي الذي تستخدمه يف التدخل بشؤون العامل اإلسالمي بدعوى محاية األقليات‪،‬‬
‫وإتاحة حرية ممارسة العبادة وإقامة دور هلا‪.‬‬
‫‪ -‬اآلثار الثقافية السلبية اليت ميكن أن تنشأ من السري يف فلك منظمة التجارة‬
‫العاملية؛ حيث تتيح تفسريات قوانينها االعتداء على اخلصوصيات الثقافية بدعوى تسهيل‬
‫انسياب حركة التجارة العاملية‪.‬‬
‫‪ .3‬اخلطر األخالقي‪:‬‬
‫‪ -‬وذلك مبا يبث عرب شبكات التلفزة واإلنرتنت من أفالم جنسية ومواد إعالمية‬
‫تروج الفاحشة والرذيلة‪ .‬وقد بلغ هذا النوع من املواد واألفالم من الكثرة لدرجة أن‬
‫أملانيا اليت يسمح قانوهنا بعرض العملية اجلنسية على املسرح مباشرة أمام املشاهدين قامت‬
‫بإغالق ‪ 200‬موقع إباحي عام ‪1996‬م ‪ .‬وبلغت تلك الربامج رواجًا كبريًا لدرجة أن‬
‫استفتاًء يف بريطانيا أظهر أن نسبة ‪ 3 : 1‬من طالب املدارس الثانوية يشاهدون أفالمًا‬
‫إباحية‪.‬‬
‫‪ -‬هناك نصف مليون موقع على اإلنرتنت تتعامل مع الصور املخلة باآلداب‪،‬‬
‫وتشرح طرق استعمال املخدرات ‪ ،‬ووسائل استخدام العنف ( ‪1997‬م )‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام جسد املرأة أداة نفعية مادية؛ وذلك بتضخيم اجلانب الشهواين ؛‬
‫حيث تعترب املرأة سلعة ميكن تسويقها من خالل العروض التلفزيونية واإلعالنات‪.‬‬
‫وكذلك تعترب املرأة آلة لتسويق السلع االستهالكية ملستحضرات التجميل واألزياء‪،‬‬
‫ويظهر ذلك من خالل عروض األزياء‪ ،‬ومسابقات ملكات اجلمال‪ ،‬وقد توسعت‬
‫مسابقات ملكات اجلمال لتشمل ملكات مجال اإلنرتنت‪.‬‬
‫‪ .4‬اخلطر االجتماعي‪:‬‬
‫ويتمثل ذلك مبحاوالت الدول الغربية حتت مظلة األمم املتحدة أن تفرض أمنوذجها‬
‫االجتماعي‪ ،‬وأن تفرض على العامل قيم اجملتمع الغريب املختلة يف جمال األسرة واملرأة من‬
‫خالل املؤمترات الدولية يف اجملاالت االجتماعية املختلفة‪ ،‬ومن خالل املؤمترات اإلقليمية‬
‫وجلان املتابعة لتوصيات هذه املؤمترات املتعددة واملنتشرة‪ ،‬واليت تدعو إىل اعتماد النموذج‬
‫الغريب يف احلياة االجتماعية والسكان ‪ ،‬كما أن توصيات هذه املؤمترات قد تصل إىل ما‬
‫يشبه القرارات امللزمة‪.‬‬
‫ومن أبرز توصيات هذه املؤمترات‪:‬‬
‫‪ -‬احلرية اجلنسية وإباحة العالقات اجلنسية خارج إطار األسرة‪ ،‬وتقليل قيمة‬
‫الزواج‪.‬‬
‫‪ -‬تكريس املفهوم الغريب لألسرة‪ ،‬وهو أهنا تتكون من شخصني فأكثر ولوكانا‬
‫من نوع واحد‪.‬‬
‫‪ -‬إباحة الشذوذ اجلنسي بكل أنواعه‪ ،‬ومن املعلوم أنه ُمَقٌّر يف بعض القوانني‬
‫الغربية‪.‬‬
‫‪ -‬فرض مفهوم املساواة الشكلي بني املرأة والرجل يف احلقوق والواجبات واحلياة‬
‫العامة‪.‬‬
‫ومن مظاهر االستجابة هلذه العوملة االجتماعية يف العامل العريب نالحظ‪:‬‬
‫‪ -‬تزايد النشاط النسوي الوافد مبا حيمله من فكر تغرييب‪ ،‬ومثاله‪ :‬اخلطة الوطنية‬
‫إلدماج املرأة يف التنمية يف املغرب ( ‪2000‬م )‪.‬‬
‫‪ -‬االجتاه إلعادة النظر يف قوانني األسرة يف العامل اإلسالمي‪ ،‬كما حصل يف مصر‬
‫أخريًا‪.‬‬
‫‪ -‬تزايد التمويل األجنيب املشبوه ملنظمات وهيئات نسوية أو معنية بشؤون األسرة‬
‫واملرأة‪.‬‬
‫‪ -‬طرح مناقشات وبرامج حول املرأة يف اجملتمعات احملافظة‪ ،‬كما حصل يف بعض‬
‫دول اخلليج أخريًا‪.‬‬
‫‪ .5‬خطر الفوضى العاملية وعدم السيطرة‪:‬‬
‫تتيح التقنية وسائل جديدة للمجرمني واللصوص وجتار املخدرات؛ حيث إن توحد‬
‫السوق وضخامة ما يضخ فيه من مال يغطي عمليات السرقة وغسيل األموال‪ ،‬فتكثر‬
‫عصابات املافيا وأساليب االحتيال‪ ،‬وقد تغري بدخول أجهزة استخبارات لبعض الدول‬
‫وسط معمعة الفوضى لتحقيق أغراض مالية أو سياسية‪ .‬ومن مظاهر ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬مواقع على اإلنرتنت فيها إرشادات لإلرهابيني؛ حىت وصل األمر إىل أن يناقش‬
‫هذا املوضوع يف الكوجنرس األمريكي حتت عنوان ‪ « :‬اإلنرتنت وعالقته باإلرهاب » ‪.‬‬
‫‪ -‬عشرات األلوف من املواقع على اإلنرتنت تشرح طرق استعمال املخدرات‬
‫ووسائل استخدام العنف‪.‬‬
‫‪ -‬سرقة الربامج؛ حيث قدرت قيمة الربامج املسروقة يف عام ‪1993‬م ببليوين‬
‫دوالر‪.‬‬
‫‪ -‬سرقة أرقام بطاقات االئتمان؛ حيث قامت عصابة واحدة بسرقة ‪140 . 000‬‬

‫بطاقة عام ‪1994‬م ‪ ،‬ومت نشرها على لوائح ‪.‬‬


‫‪ -‬إفساد الربامج داخل أنظمة الكمبيوتر‪ .‬وحبكم ترابط شبكات الكمبيوتر‬
‫واملعلومات يعظم اإلفساد‪ .‬وكمثال قريب لذلك فريوس «احلب»‪ .‬وما زالت حماوالت‬
‫نشر الفريوسيات عرب اإلنرتنت والربيد اإللكرتوين مستمرة ‪.‬‬
‫هذه جوانب من املخاطر‪ ،‬وهناك جوانب أخرى مل نتطرق إليها لوضوحها‬
‫للمراقب واملتابع‪ ،‬ومنها خطر العوملة االقتصادية ذلك الغول اخلطري الذي يهدد دول‬
‫اجلنوب عامة ‪ ،‬وميكن أن حيوهلا إىل شبه ملكية خاصة للشركات الغرببة العمالقة املتعددة‬
‫اجلنسيات‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫كيف نستثمر آليات العوملة ؟‬
‫كما أن للعوملة أخطارها الضخمة فإن هناك كثريًا من املكاسب والفرص اليت هي‬
‫جزء من احلركة الفاعلة واإليقاع السريع ملعطيات العصر‪ .‬فاملوقف العقالين الرشيد ليس‬
‫فقط املقاومة‪ ،‬وإمنا نضيف إىل ذلك ما ينبغي أن يكون عليه موقفنا من استثمار الفرص‬
‫الساحنة باستخدام آليات العوملة مبا خيدم املسلمني وحيافظ على هويتهم ويربز موقفهم وحيمي‬
‫كياهنم ‪ .‬ومن أمثلة هذا االستثمار‪:‬‬
‫‪ .1‬االستثمار يف جمال اإلعالم واالتصاالت‪:‬‬
‫‪ -‬إن سهولة االتصاالت ونقل املعلومات سُتحِدث نقلة نوعية يف أساليب اإلدارة‬
‫والعمل‪ ،‬فيستطيع األفراد العمل من منازهلم يف بعض الوظائف‪ .‬وقد بدأت عدد من‬
‫الشركات األمريكية واألوروبية بتخصيص أوقات معينة لكي ينجز املوظفون أعماهلم‬
‫املوكلة هبم من منازهلم دون احلاجة للحضور‪ ،‬وأغلب الذين يعملون هبذا األسلوب من‬
‫النساء‪ .‬فهذا األسلوب سيتيح الفرصة أمام األسر احملافظة واجملتمعات احملافظة إلجناز‬
‫أعمال كثرية عن طريق اإلنرتنت دون احلاجة خلروج املرأة من منزهلا وترك بيتها‬
‫وأطفاهلا‪ ،‬وخاصة إذا علمنا أن نسبة استخدام النساء لإلنرتنت يف جمتمع حمافظ‬
‫كالسعودية نسبة عالية حبسب إحصائية أخرية‪.‬‬
‫‪ -‬حترير وسائل اإلعالم وتطورها وسهولة امتالكها وإنشاء القرى اإللكرتونية‬
‫احلرة سيتيح جماًال ألي فرد أو جمموعة أو منظمة تريد أن تقيم حمطات فضائية أو وسائل‬
‫إعالم أخرى لنشر اإلسالم والدعوة إىل اهلل‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬والدفاع عن املسلمني‪ ،‬والرد‬
‫على الشبهات حبرية دون وصاية أو رقابة رمسية أو اخلضوع ألنظمة مقيدة‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫ذلك اجلهود احلثيثة يف أكثر من جهة إلنشاء قنوات فضائية إسالمية مستقلة داخل القرى‬
‫اإلعالمية احلرة املقامة يف بعض الدول‪.‬‬

‫‪ 34‬العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التغطيه اإلعالمية الواسعة لألحداث من خالل الفضائيات أتاحت تغطية واسعة‬
‫لقضايا املسلمني‪ ،‬وقلل من فرصة اإلعالم الغريب أن يعتم إعالميًا على قضايا املسلمني أو‬
‫يعرضها من وجهة نظره املنحازة يف أغلب األحيان‪ ،‬وكمثال على ذلك التغطية الواسعة‬
‫ملا جيري يف فلسطني احملتلة حبيث وضع العامل يف صورة ما حيدث حلظة حلظة‪ ،‬وكشف‬
‫ممارسات الصهاينة هناك‪ ،‬وال شك أن اإلعالم له تاثري مباشر على صنع الرأي العام الذي‬
‫يؤثر على األنظمة السياسية يف سبيل تعديل مواقفها‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر أن صورة‬
‫مقتل (حممد الدرة) اليت أثرت بشكل ملحوظ على الرأي العام العاملي كانت لقطة ملصور‬
‫وكالة الصحافة الفرنسية‪ ،‬وهذا أمر أغضب اليهود‪ ،‬وأغضبهم أكثر أن تكون من مصور‬
‫وكالة غربية‪.‬‬
‫‪ .2‬االستثمار يف اجملال االقتصادي‪:‬‬
‫مع التسليم خبطورة العوملة االقتصادية على اقتصاديات الدول الضعيفة ‪ ،‬وخطورة فتح‬
‫األسواق وحترير التجارة يف هذه الدول والذي سيكون لصاحل الشركات الكربى الغربية‬
‫إال أن كثريًا من هذه الدول إذا أحسنت استخدام إمكاناهتا وما تتميز فيه من موارد على‬
‫غريها من الدول الغربية‪ ،‬ورشدت سياساهتا االقتصادية‪ ،‬وحاربت الفساد املايل واإلداري‬
‫املستشري‪ ،‬فإنه ميكنها أن توظف جانبًا من هذه العوملة االقتصادية لصاحلها فمثًال‪:‬‬
‫‪ -‬االنضمام ملنظمة التجارة العاملية مينع أوروبا من وضع رسم ‪ %12‬على‬
‫املستوردات البرتوكيمائية من بعض الدول اإلسالمية البرتولية؛ فمثًال اإلنتاج السعودي من‬
‫البرتوكيمائيات يزيد على ‪ %5‬من اإلنتاج العاملي ؛ فكم ستكون الفائدة إذا أزيلت‬
‫احلواجز اجلمركية أمام هذه السلعة املتوفرة لدى الدول املنتجة للنفط ومعظمها دول‬
‫إسالمية؟‬
‫‪ -‬يتيح انضمام الدول املنتجة للنفط إىل املنظمة الفرصة للضغط مبعاملته باعتباره‬
‫سلعة صناعية من سلع املنظمة‪ ،‬فتزول الضرائب املفروضة عليه يف الدول املستوردة‪ .‬ففي‬
‫تقرير ملنظمة األوبك مؤخرًا أظهر أن أكثر من ‪ %70‬من سعر النفط املصدر إىل دول‬
‫االحتاد األورويب يذهب إىل اخلزائن احلكومية بينما حيصل منتجو النفط على أقل من‬
‫‪ . %30‬كما أوضحت تقارير أخرى أن عائدات أربع دول أوروبية من ضرائب النفط‬
‫يف عام ‪1998‬م يفوق عائدات كل دول أوبك من تصدير النفط يف ذلك العام‪ .‬فإذا‬
‫علمنا أن معظم الدول املنتجة هي دول إسالمية‪ ،‬ومنها السعودية اليت يعادل إنتاجها‬
‫‪ %13‬من اإلنتاج العاملي يتبني مدى الفائدة املرجوة ‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك فاالنضمام إىل املنظمة سيدفع إىل إزالة معوقات كثرية تقف يف وجه‬
‫التنمية‪ ،‬وإىل حتديث األنظمة وإىل وجود الشفافية لتصحيح مسارات التنمية‪ ،‬وإىل حتديث‬
‫اإلجراءات القضائية‪ ،‬وختليص األنظمة احلمائية اليت ال تتمشى مع روح النظام االقتصادي‬
‫اإلسالمي وتضعف هياكل اإلنتاج ‪.‬‬
‫‪ -‬انفتاح السوق مع ما جيلبه من سلبيات إال أنه سيدفع إىل التنافس الذي‬
‫سيحكم طبيعة السوق احلر املفتوح‪ ،‬وهذا سيدفع إىل ختصيص مؤسسات عامة كثرية؛‬
‫وخاصة قطاع اخلدمات الذي يعاين من سوء يف اإلدارة وضعف يف اإلنتاجية يف معظم‬
‫دول العامل الثالث‪ ،‬لتكون أقدر على املنافسة وأوضح للمحاسبة‪ ،‬مما يؤدي إىل ارتفاع‬
‫مستوى اخلدمات وحتسني مستوى املعيشة والرفاهية‪ ،‬وسيخلق بيئة عمل حيوية وفعالية‬
‫أكثر للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬انفتاح السوق وإزالة العوائق النظامية سيتيح طرح البدائل اإلسالمية يف‬
‫اخلدمات‪ ،‬كالبنوك اإلسالمية اليت قيد انتشارها يف عدد من البلدان مع جناح التجربة‪،‬‬
‫حبيث ستجد فرصتها يف سوق اخلدمات احلر‪ ،‬كذلك بدائل التأمني التعاوين الشرعي يف‬
‫مواجهة التأمني التجاري بصورته الرأمسالية‪.‬‬
‫‪ -‬تتيح التقنية احلديثة لالستثمار ( التجارة اإللكرتونية ) ملشاركة عدد من‬
‫مستثمري دول العامل الثالث عرب القنوات املفتوحة‪ ،‬خاصة إذا استحدثت قنوات آمنة‬
‫لالستثمار من الناحية الشرعية يف أسواق البورصات العاملية‪ ،‬مثل حماولة عدد من‬
‫املتخصصني يف االقتصاد اإلسالمي إجياد مؤشر إسالمي على «مؤشر داوجونز» باسم '‬
‫‪.Islamic Index Dowjones‬‬
‫‪ .3‬االستثمار ويف جمال اإلنرتنت‪:‬‬
‫‪ -‬اإلنرتنت مثرة من مثار التقنية كسرت احتكار الغرب للمعلومات‪ ،‬وأتاحت‬
‫فرصة الوصول إىل املعلومات يف اجملاالت املختلفة بنفس السرعة املتاحة للغربيني سواء‬
‫كانت معلومات علمية أو إخبارية‪ .‬وإذا كانت مقولة أن العصر هو عصر املعلومات‪،‬‬
‫وأن هيمنة الغرب هي باملعلومات وذلك باستخدامه الفاعل هلا؛ فإن هذه الفرصة‬
‫أصبحت متاحة لغريهم‪ ،‬فإذا أحسنا استخدام املعلومة‪ ،‬وعرفنا طرق الوصول إليها‬
‫فسنستطيع أن نقلل اهلوة بيننا وبني الغربيني يف جماالت عدة‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك فاإلنرتنت منرب حر دون رقيب‪ ،‬وميدان فسيح دون قيود لكل من‬
‫حيسن استثماره واستغالله‪ ،‬ويستطيع أي مفكر مسلم أو داعية مسلم أن يطرح ما يريد‬
‫من خالل صفحات ال حصر هلا ‪ ،‬وميكن نشر اإلسالم والعلم الشرعي وإتاحته لكل من‬
‫يطلبه دون عناء‪ .‬وميكن أن تصدر صحف وجمالت دورية دون قيد أو شرط‪ .‬وكمثال‬
‫على ذلك موقع القوقاز الذي يغطي أخبار اجملاهدين الشيشان على شبكة اإلنرتنت؛ فلقد‬
‫استطاع أن حيطم حاجز التعتيم اإلعالمي عليهم‪ ،‬وأن يضع العامل يف صورة ما حيدث‬
‫هناك بشكل شبه يومي‪ ،‬وشَّك ل مصدرًا مهمًا ألخبار اجملاهدين الشيشان لوكاالت األنباء‬
‫العاملية ‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك نستطيع استخدام هذه الشبكة يف جمال االحتساب العام من خالل‬
‫توسيع جماله وتطوير مفهومه ليتالءم مع اآلليات املتطورة‪ .‬وبذلك نستطيع رفع فعالية‬
‫املصلحني واحملتسبني على املنكرات العامة الدولية منها واإلقليمية ‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه احملاوالت‪ :‬إصدار وثيقة تستنكر أفعال الصهاينة بالفلسطينيني يف‬
‫بداية االنتفاضة الثانية واليت وقعها مئات العلماء والدعاة واملفكرين واملثقفني يف أحناء‬
‫العامل عن طريق اإلنرتنت‪ .‬كذلك ما جتريه بعض القنوات الفضائية من التصويت على‬
‫قضية من القضايا وموقف من املواقف اهلامة جتاه مستقبل األمة ومصريها ‪ ،‬وما تطرحه‬
‫بعض املواقع على هذه الشبكة من حشد التواقيع ضد قضية ظلم جتاه املسلمني وإرساهلا‬
‫إىل الظاملني‪ .‬وكذلك ما تقوم به املنظمات اإلسالمية يف أمريكا واملدافعة عن حقوق‬
‫املسلمني مثل منظمة «كري» ‪ CAIR‬يف واشنطن واستخدامها الفعال لإلنرتنت يف‬
‫االحتساب على منتهكي حقوق اإلسالم واملسلمني ‪ .‬ومن أبرز األمثلة يف هذا اجلانب‬
‫كيفية توظيف معارضي العوملة أثناء قمة سياتل عام ‪1999‬م أدوات العوملة ملواجهتها‪،‬‬
‫حيث نظم املعارضون جهودهم ونسقوها عرب شبكة اإلنرتنت مما أربك املؤمتر وساعد‬
‫على هزميته‪.‬‬
‫‪ PALTALK‬يف نظام هذه‬ ‫‪ -‬استثمار تقنيات نقل احملاضرات‪ ،‬مثل تقنية غرف‬
‫الشبكة‪ ،‬حيث تستطيع أن تلقي دروسًا وتقدم حماضرات وجتري حوارات وتدفع بردود‬
‫على اهلواء مباشرة بشكل مرئي ومسموع‪ ،‬وُيستمع إليك من كل أحناء العامل‪ .‬وإذا‬
‫علمت أن املشرتكني يف هذا النظام بلغ حىت اآلن مخسة ماليني مشرتك ويزيدون باطراد؛‬
‫فلك أن تتصور مقدار املصاحل اليت ميكن أن تتحقق يف باب الدعوة ونشر العلم وإزالة‬
‫الشبهات وترسيخ املنهج‪ .‬وقد استخدم هذا النظام يف نقل بعض دروس احللقات العلمية‬
‫الصيفية بالرياض فكان املستمعون هلا من كل أحناء العامل يتابعون دروسها يف الوقت‬
‫نفسه الذي يستمع هلا املشاركون يف املسجد نفسه‪ ،‬ويطرح البعيدون أسئلتهم كما‬
‫يطرحها القريبون‪.‬‬
‫‪ .4‬االستثماريف اجملال الثقايف والفكري واالجتماعي‪:‬‬
‫‪ -‬نستطيع أن نوظف املشاركة يف هذا النوع من املؤمترات واللجان يف طرح‬
‫الرؤى اإلسالمية يف اجملاالت الفكرية والثقافية االجتماعية ‪ ،‬ونبني خماطر قيادة الغرب‬
‫للعامل يف هذه اجملاالت‪ ،‬ببيان اآلثار يف الواقع وأن ذلك مثرة َحلْيدة البشرية عن مصدر‬
‫اهلدى والرشاد وهو الوحي ‪ .‬كما أن منتديات حوار احلضارات ستكون ميدانًا فسيحًا‬
‫للغزو الفكري املضاد‪ ،‬وسنجد أننا استطعنا القيام بواجب الدعوة إىل اهلل والشهادة على‬
‫الناس من خالل هذه املنتديات والفعاليات‪ .‬وسنجد أننا منلك ما ال ميلكه اآلخر‪ ،‬وأنه‬
‫أتيحت الفرصة لنا إلبراز جوانب القوة اليت منلكها أمام قوة الغرب املادية والتقنية‪ .‬ولعله‬
‫أن يهتدي من أراد اهلدى من خالل الدعوة إىل املنهج احلق وبيان حماسنه ومقارنته بفساد‬
‫مناهج اآلخرين يف هذه اجملاالت ‪.‬‬
‫واملالحظ أنه رغم تأثريات اإلعالم الغريب واألمريكي بالذات يف نشر منط الثقافة‬
‫واحلياة األمريكية يف العامل عرب الفضائيات واألفالم واجملالت واإلنرتنت فإن الدعوات‬
‫الدينية واألخالقية املضادة ما تزال تكسب أنصارًا جددًا يف غري مكان من العامل وخاصة‬
‫يف الواليات املتحدة األمريكية؛ وهذا جيعلنا نتفق مع تأكيد صاحب كتاب‪« :‬توالد‬
‫العوملة‪ :‬التحوالت واملمانعة » بتالزم التحوالت العوملية مع ازدياد حتوالت املمانعة‬
‫واملقاومة هلا‪ ،‬وأن املنظومات الدينية تعترب من أكرب املنتفعني من العوملة ال سيما من جهة‬
‫استثمار وسائل االتصال احلديثة وتوظيفها لنشر رسالتها الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك يستطيع العرب املسلمون أن حيدثوا عوملة للغة العربية خاصة يف أوساط‬
‫املسلمني‪ ،‬وذلك مبا يضخونه من مواد علمية وفكرية وشرعية وقرآنية مكتوبة أو‬
‫مسموعة حبيث يعتاد املسلمون من غري العرب قراءة هذه املواد ومساعها مما ينعش حيوية‬
‫اللغة العربية؛ خاصة إذا استحضرنا العالقة الوثيقة بني اللغة العربية والدين اإلسالمي ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى ميكن أن يؤدي ذلك إىل تقليل شأن اللهجات احمللية والقطرية لصاحل‬
‫الفصحى‪.‬‬
‫وخالصة القول‪:‬‬
‫هناك فرص أخرى كثرية ميكن للمتأمل أن جيدها فيما تتيحه املعطيات اجلديدة‬
‫املشِّك لة لبيئة العوملة‪ ،‬ولكن ال نعقلها وندرك كيفية استثمارها إال بفهم عميق وإدراك ذكي‬
‫لقوانني هذا العامل وطبيعة هذه العوملة ‪ ،‬ومعرفة جوانب القوة وجوانب الضعف يف مراكز‬
‫القوى‪ ،‬وكيف ينشأ القرار العاملي ‪ ،‬واستيعاب استخدام التقنية وتعميمها حبيث ال تبقى يف‬
‫حميط النخبة فقط‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫املوقف‪:‬‬
‫إذا استثنينا اجتاه فريق يرى املقاومة باالنعزال عن هذا العامل لضعف تأثريه وقلة‬
‫مؤيديه وعدم قدرته على الصمود الطويل ؛ فهناك اجتاهان بارزان حيددان مواقف النخب‬
‫الفكرية من تيار العوملة‪:‬‬
‫األول‪ :‬اجتاه الذوبان‪ ،‬وهو الذي ينطلق من أن العوملة حمتوى وآليات هي خيار وحيد‬
‫وحتمي هلذا العامل وال بد من الذوبان فيها واالنصهار احلتمي معها؛ وميثله طائفة من‬
‫املفكرين العلمانيني ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اجتاه نقدي عقالين رشيد حياول تفهم قوانني العوملة دون التسليم حبتمية القيم اليت‬
‫جتلبها‪ ،‬ويعرف كيفية مواجهة حتدي احملافظة على اهلوية اإلسالمية والثوابت العقدية والثقافية‬
‫مع معايشة العصر بفكر متفتح ورأي مستنري وسلوك رشيد‪ .‬وهذا املوقف الصحيح يقوم‬
‫ولذا حنتاج إىل ما يلي‪:‬‬ ‫على مقاومتها موضوًعا وحمتوى ‪ ،‬واستثماره وسائل وآليات‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعميق الوعي العقدي والديين واخللقي؛ ذلك أن العوملة حتمل روًح ا علمانية مادية ‪،‬‬
‫وتؤسس حياة استهالكية دنيوية ختتزل اإلنسان يف بعده املادي واالستهالكي ‪ ،‬وهتون من‬
‫شأن القيم واملعايري األخالقية والثوابت الدينية‪ .‬والرتكيز على الرتبية الدينية واألخالقية‬
‫للحماية من تيار الشهوات اجلارف الذي تغذيه وتدفع به فكرة العوملة من جهة اآلليات‬
‫واحملتوى‪.‬‬
‫ب‪ -‬إنعاش قيم التفوق الثقايف والفكري واألدبيات احلضارية املكافئة واملالئمة لقيم العوملة‬
‫الثقافية واحلضارية‪ ،‬مثل الشورى والعدل وحقوق اإلنسان بأصوهلا الشرعية بدًال عَّم ا يقابلها‬
‫من القيم الغربية بأصوهلا العلمانية‪.‬‬
‫ج‪ -‬احملافظة على اخلصوصية الثقافية مع االنفتاح الفكري الذي جيعلنا نستوعب ما عند‬
‫اآلخرين من علوم وفهوم ومنجزات حضارية ‪ ،‬ومنتنع عن التأثر السليب هلذا االنفتاح‪.‬‬

‫العوملة مقاومة واستثمار‪ ,‬د‪ .‬إبراهيم بن ناصر الناصر‪ .‬جملة البيان‪ ,‬العدد ‪ 167‬ص ‪ 117‬وما بعدها‪ .‬رجب ‪ 1422‬هـ ‪ -‬أكتوبر ‪ 2001‬م‪.‬‬ ‫‪35‬‬
‫د‪ -‬قيام حركة تأصيلية نشطة لبعض قضايا املنهج‪ ،‬وحترير بعض املواقف العلمية‪ ،‬والتفريق‬
‫بني قضايا االجتهاد وقضايا االفرتاق‪ ،‬ومواجهة النوازل املستجدة اليت تفرضها طبيعة العصر‪،‬‬
‫والردود العلمية على الشبهات اليت تنشرها بعض وسائل اإلعالم ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬احلذر من ظهور تيارات عقالنية ومدارس منحرفة متأثرة باالكتساح احلضاري تفسر‬
‫اإلسالم وأحكامه وقيمه تفسًريا يتالءم ويتوافق مع قيم وفلسفة احلضارة الغربية‪ ،‬ويستجيب‬
‫للروح املنهزمة اليت يعيشها كثري من املسلمني‪.‬‬
‫و‪ -‬االنفتاح واحلوار الفكري واحلضاري ؛ حبيث متتد أيدي احلوار‪ ،‬والصراع احلضاري‬
‫حيث تشرئب أعناق اهليمنة احلضارية‪.‬‬
‫ز‪ -‬االستعالء باإلميان‪ ،‬والثقة بأن املستقبل هلذا الدين وهلذه األمة‪ ،‬وحترير العقل من ثقافة‬
‫الغرب والولع به‪ ،‬واعتبار ذلك من الثوابت الدينية اليت ال بد من اإلميان هبا‪ ،‬وأهنا من‬
‫مقتضيات الدين الصحيح‪ ،‬وهي من لب الرساالت وكالم املرسلني ‪ ،‬وقد توصل هلذه‬
‫احلقيقة من أراد أن حيرر شعبه من هذه التبعية عندما قال (مانديال)‪" :‬حرروا عقولكم من‬
‫ثقافة الرجل األبيض حترروا أرضكم من هيمنته" ‪.‬‬
‫ح‪ -‬استخدام وسائل التقنية وآليات العوملة بكفاءة من أجل عوملة مضادة ‪ ،‬وذلك يف‬
‫معركة املشروع الغريب (التغرييب) بكل مفرداته وبني املشروع اإلسالمي الشامل بكل‬
‫مفرداته‪ ،‬وذلك من خالل عوملة الرؤى واملواقف اإلسالمية‪ ،‬وجتاوز الروح والنظرة اإلقليمية‬
‫الضيقة يف النظر إىل مستقبل اإلسالم يف أتون الصراع العاملي‪.‬‬
‫قائمة املصادر‪:‬‬
‫‪ .1‬النظام السياسي ىف اإلسالم جملموعة من أعضاء هيئة التدريس بقسم الدراسات اإلسالمية‬
‫جبامعة امللك سعود‪ ,‬الرياض‪( .‬وهم د‪ .‬تيسري سعد أبو حيَم د‪ ,‬و د‪ .‬خالد منصور الَد ريس‪,‬‬
‫و د‪ .‬سعود بن سلمان آل سعود‪ ,‬و د‪ .‬سليمان بن قاسم العيد‪ ,‬و د‪ .‬عبد العزيز بن سعود‬
‫الُضوحيي‪ ,‬و د‪ .‬عادل بن علي الشِّدي)‪ .‬مدار الوطن – الرياض‪ .‬الطبعة األوىل‪ 1426 .‬هـ‬
‫‪ 2005 -‬م‪.‬‬
‫‪.2‬‬

You might also like