العنف الرمزي لتكنولوجيا الإعلام والاتصال من منظور عالم الاجتماع بيار بورديو

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

2020 ‫) – جوان‬01( ‫العدد‬- )03( ‫المجلد‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫العنف الرمزي لتكنولوجيا اإلعالم واالتصال من منظور عالم االجتماع بيار بورديو‬
)‫(تكنولوجيا التلفزيون نموذجا‬
The symbolic violence of information and communication technology from the
perspective of sociologist "Pierre Bourdieu" (TV technology as a model)"
* ‫ سالمي اسعيداني‬/‫د‬
1

* ‫ ليلى فقيري‬/‫د‬
2

:‫الم ـ ـ ـلـ ـخ ــص‬

‫يذهب بيري بورديو أن حتليل بنية وآليات أحد منتجات التكنولوجيا احلديثة اليت تعرف بتكنولوجيا اإلعالم‬
‫ يف الوقت نفسه يرى أن عالقة اإليديولوجيا هبذه التكنولوجيا من خالل التوظيف واملضمون اإليديولوجي‬،‫واالتصال‬
‫هلذه التكنولوجيا جيد أوضح مثال له يف الدور الذي يلعبه التلفزيون ال يقتصر الدور اخلطري الذي يلعبه‬
‫التلفزيون على التأثري املباشر على املشاهدين ولكن هذا التأثري ميتد كما يوضح بورديو إىل جماالت اإلنتاج الثقايف‬
.‫األخرى وهو ما ينبّه إىل خطورته بشكل خاص‬

.‫ التلفزيون‬/‫ االتصال‬/‫ اإلعالم‬/‫ التكنولوجيا‬،‫ الرمزية‬/‫ العنف‬:‫ الكلمات المفتاحية‬-

Abstract

In analyzing the structure and mechanisms of one product of modern


technology which is also known as information and communication technologies,
Pierre Bourdieu argues that the relationship between ideology and this technology,
through employment and the ideological content of the former ( technology), is the
clearest example of the role played by television. Indeed, the dangerous role played
by television in direct impact on viewers is not limited to the viewer's only, but this
impact is extended to other areas of cultural products, which is particularly
alarming as Bourdieu pretends.

-Keywords: Violence /Symbolism / Technolgy /Communication/ Television

:‫مقدمة‬

salami.saidani@univ-msila.dz /‫الجزائر‬-‫المسيلة‬- ‫ جامعة محمد بوضياف‬- ‫ أستاذ محاضر‬- * 1

leila.feguri@univ-msila.dz /‫الجزائر‬-‫المسيلة‬- ‫ جامعة محمد بوضياف‬- ‫ أستاذ محاضر‬- * 2

54
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫يف العصر احلديث كثر على منصات احلوار العاملية التكلم يف إشكاليات عاملية أبزرها(هناية االيديولوجيات)‬
‫و(هناية التاريخ)‪ ،‬كما مت الرتويج لنظرية صموئيل هنتنجتون املعروفة )بصدام احلضارات( …اخل‪ .‬ولكن الشيء املثري‬
‫للدهشة والتعجب أن هذه املقوالت اليت ِّروج هلا كثرياً يف أوساط املثقفني ووسائل اإلعالم خصوصاً بعد اهنيار سور‬
‫برلني والتحوالت السريعة والعنيفة اليت شهدهتا دول شرق أوروبا‪ ،‬مروراً حبرب اخلليج األوىل مث أحداث احلادي عشر‬
‫من سبتمرب وما تالها من حرب واحتالل ألفغانستان والعراق‪ ،‬هي فيحد ذاهتا تعبري عن أيديولوجيا ت ّدعي السيادة‬
‫تعرب عن نزعات عنصرية وفاشية جديدة متثل هتديداً حقيقياً‬ ‫واالنتصار على األيديولوجيات األخ‪!.‬أيديولوجيا ّ‬
‫لإلجنازات الرائعة اليت حققها الفكر اإلنساين عرب مسريته الطويلة‪ .‬مما ال شك فيه أن املواجهات األيديولوجية اليت‬
‫كانت سائدة طوال فرتة احلرب الباردة قد انتهت بصورهتا القدمية‪ ،‬أي املواجهة وجهاً لوجه وسيادة اخلطاب‬
‫األيديولوجي املباشر‪ .‬لكن التحول اجلديد الذي طرأ خالل السنوات العشر األخرية من القرن املنصرم وحىت اآلن‬
‫هو انفراد ما ميكن أن نسميه باأليديولوجيا الناعمة مبوقع الصدارة يف وسائل اإلعالم املختلفة‪( .‬األيديولوجيا الناعمة‬
‫تتمثل يف تلك اجلرعات اليومية بل اللحظية اليت تبثها وسائل االعالم)‬

‫‪ .1‬العنف بين الرمزي وغير الرمزي في البيئة االجتماعية‪:‬‬

‫‪ .1.1‬تعريف العنف‪:‬‬

‫أ‪-‬لغة‪ :‬جاء يف لسان العرب حول العنف‪ :‬العنف‪ ،‬عنف‪ ،‬العنف‪ :‬هو االسم من العنف‪ ،‬وهو الشدة والقوة‪ .‬وهو‬
‫‪1‬‬
‫اخلرق باألمر وقلة الرفق به وهو ضد الرفق‪ ،‬أعنف الشيء أي أخذه بشدة‪.‬‬

‫أما (عنّف‪ ،‬يُعنف‪ ،‬عنفاً) الرجل بغالمه أخذه بشدة ومل يرأف به‪ ،‬فهو عانف والغالن معنف‪( ،‬عنف‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫يعنف‪ ،‬عنافة) الرجل كان شديدا قاسيا فهو عنيف‪ ،‬وعنف الرجل بغالمه أي كان عنيفا مع‪.‬‬

‫ب‪-‬العنف في األدبيات العلمية‪:‬‬

‫يعرف العنف بأنه ذلك السلوك املقرتن باستخدام القوة الفيزيائية وهو ذلك الفريوس احلامل للقسوة واملانع‬
‫للمودة‪ ،‬مل يكن العنف يف يوم من األيام‪ ،‬ولن يكون فطرياً بل كان دوماً خلقاً مكتسباً يف النفس البشرية‪ ،‬فلم يكن‬
‫اإلنسان عنيفاً يوم ولدته أمه بل إن عنف الطبيعة‪ ،‬وعسر احلياة والرتبية‪ ،‬وعنف اآلباء هو الذي يغرس العنف يف‬

‫‪55‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫خاليا الدماغ حىت محلته صبغياته الوراثية فكاد أن يكون موروثاً‪ ،‬ونظراً التساع جوانب العنف وأسبابه وأبعاده أخذ‬
‫علماء االجتماع يف تقسيم املوضوع وتصنيفه إىل ثالثة أنواع‪ :‬هي العنف النفسي‪ ،‬والعنف اللفظي‪ ،‬والعنف‬
‫اجلسمي‪ .،‬والعنف صورة من صور القصور الذهين حيال موقف‪ ،‬ودليل من دالئل النفس غري املطمئنة وصورة‬
‫للخوف من الطرف اآلخر مهما تعددت أشكال ذلك اخلوف‪ ،‬وانعكاس للقلق وعدم الصرب والتوازن‪ ،‬ووجه من‬
‫وجوه ضيق الصدر وقلة احليلة ويعد مؤشراً لضعف الشخصية ونقصان يف رباطة اجلأش وتوازن السلوك‪ .‬وأياً ما‬
‫‪3‬‬
‫تكون العلة الفيسيولوجية أو البيئية فالعنف مرفوض حضارياً وأخالقياً وسلوكياً واجتماعيا‪.‬‬

‫‪ .2.1‬العنف من وجهة نظر الوثائق الدولية‪:‬‬

‫‪-1‬تعريف العنف في وثيقة بكين ‪1995‬‬

‫جاء يف البند ‪ 113‬من معاهدة بيكني أن العنف هو ‪ :‬أي عمل من أعمال العنف القائم على اجلندر يرتتب‬
‫عليه أو من احملتمل أن يرتتب عليه أذى بدين أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة مبا يف ذلك التهديد بالقيام‬
‫بأعمال من هذا القبيل أو اإلكراه أو احلرمان التعسفي من احلرية سواء حدث ذلك يف احلياة العامة أو اخلاصة‪،‬‬
‫وبناء على ذلك يشمل العنف ضد املرأة ما يلي؛ على سبيل املثال‪ :‬أعمال العنف البدين واجلنسي والنفسي اليت‬
‫حتدث يف األسرة مبا يف ذلك الضرب واالعتداء اجلنسي على األطفال اإلناث يف األسرة املعيشية‪ ،‬وأعمال العنف‬
‫املتعلقة بالبائنة‪ ،‬املهر‪ ،‬واغتصاب الزوجة‪ ،‬وختان اإلناث‪ ،‬وغري ذلك من التقاليد الضارة باملرأة‪ ،‬وأعمال العنف بني‬
‫‪4‬‬
‫غري املتزوجني‪ ،‬وأعمال العنف املتعلقة باالستغالل‪".‬‬

‫‪-2‬تعريف العنف في تقرير اليونيسف ‪: 2000‬‬

‫جاء يف "تقرير اليونيسيف عن العنف المنزلي يونيو ‪ "2000‬وحتت عنوان "االستغالل اجلنسي‬
‫واالغتصاب يف العالقات احلميمية‪" ":‬إن االعتداء اجلنسي واالغتصاب بني األزواج ال يعد جرمية يف معظم الدول‪،‬‬
‫كما أن النساء يف العديد من اجملتمعات ال تعترب اجلنس اإلجباري اغتصاباً إذا كانوا متزوجني أو يعيشون كاألزواج‪،‬‬
‫املشكلة هنا أن املرأة مبجرد أن توقع على عقد الزواج فإن الزوج له احلق الالحمدود يف االتصال اجلنسي مع زوجته؛‬
‫لذلك فإن بعض الدول قد اجتهت لسن تشريعات ضد االغتصاب الزوجي‪ ،‬بالرغم من أن شروط بعض القوانني‬

‫‪56‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫تضمن إحداث تقدم‪ ،‬فإن حتقيق ذلك غالباً ما يكون صعباً على النساء لتجميع وحشد براهني و قوانني إثبات‬
‫‪5‬‬
‫اجلرمية"‪.‬‬

‫‪ .2‬مدخل إلى تكنولوجيات اإلعالم واالتصال‪:‬‬


‫‪ .1.2‬تعريف تكنولوجيات اإلعالم واالتصال‬

‫لقد أصبحت التكنولوجيا تلعب دورا مهما يف النهوض باقتصاديات الكثري من الدول‪ ،‬يرجع أصل‬
‫التكنولوجيا إىل الكلمة يونانية اليت تتكون من مقطعني مها )‪ (Techno‬تعين التشغيل الصناعي‪ ،‬والثاين‬
‫)‪(Logos‬أي العلم أو املنهج‪ ،‬لذا تكون بكلمة واحدة هي علم التشغيل الصناعي‪ .‬وميكن تعريفها من جهة‬
‫التحليل االقتصادي بأهنا "جمموعة املعارف واملهارات واخلربات اجلديدة اليت ميكن حتويلها إىل طرف إنتاج أو‬
‫‪6‬‬
‫استعماهلا يف إنتاج سلع وخدمات وتسويقها وتوزيعها‪ ،‬أو استخدامها يف توليد هياكل تنظيمية إنتاجية‪".‬‬

‫كما ميكن تعريف التكنولوجيا على إهنا‪" :‬تطبيق اإلجراءات املستمدة من البحث العلمي واخلربات‬
‫العلمية حلل املشكالت الواقعية‪ ،‬وال تعين التكنولوجيا هنا األدوات واملكائن فقط بل أهنا األسس النظرية والعلمية‬
‫‪7‬‬
‫اليت ترمي إىل حتسني األداء البشري يف احلركة اليت تتناوهلا"‪.‬‬

‫إن مصطلح تكنولوجيا املعلومات واالتصال (‪ )TIC‬ليس مفهوما وحيد املعىن والتخصص‪ ،‬فهو من‬
‫اهتمامات عدة ختصصات‪ :‬الرياضيات‪ ،‬اإلعالم اآليل‪ ،‬االتصال‪ ،‬األدب‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علم النفس‪ ،‬هندسة‬
‫االتصاالت‪ ،‬الفلسفة‪ ...‬الغ ولقد ظهر مفهومه األصلي يف الواليات املتحدة األمريكية باسم "تكنولوجيات‬
‫اإلعالم" الناجتة عن دمج احلواسب باخلطوط اهلاتفية ويف اليابان باسم الكمبيوتر واالتصال ويف بعض دول أوروبا‬
‫‪8‬‬
‫(إسبانيا‪ ،‬فرنسا‪ )....‬باسم االتصال عن بعد واملعلوماتية بتأثر من علوم اإلعالم شاع يف أوروبا املصطلح احلايل‪.‬‬

‫نقصد بتكنولوجيا اإلعالم واالتصال‪ ،‬تلك التطورات التكنولوجيا يف جماالت االتصاالت اليت حدثت خالل‬
‫الربع األخري من القرن العشرين واليت اتسمت بالسرعة واالنتشار والتأثريات املمتدة من الرسالة إىل الوسيلة‪ ،‬إىل‬
‫‪9‬‬
‫اجلماهري داخل اجملتمع الواحد أو بني اجملتمعات‪ ،‬وهي تشمل ثالثة جماالت أساسية هي‪:‬‬

‫‪ -‬ثورة املعلومات أو ذلك االنفجار املعريف الضخم‪ ،‬املتمثل يف الكم اهلائل من املعرفة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫‪ -‬ثورة وسائل االتصال املتمثلة يف تكنولوجيا االتصال احلديثة‪ ،‬اليت بدأت باالتصاالت السلكية والالسلكية‪،‬‬
‫وانتهت باألقمار الصناعية واأللياف البصرية‪.‬‬
‫‪ -‬ثورة احلسابات اإللكرتوين اليت امتزجت بوسائل االتصال واندجمت معها واالنرتنت أحسن مثال على ذلك‪.‬‬
‫إن ثورة تكنولوجيا االتصال قد سارت على التوازي مع ثورة تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬وال ميكن الفصل بينهما‬
‫فقد مجع بينهما النظام الرقمي‪ ،‬الذي تطورت إليه نظم االتصال فرتابطت شبكات االتصال مع شبكات‬
‫‪10‬‬
‫املعلومات‪.‬‬
‫‪ .2.2‬تطور تكنولوجيات اإلعالم واالتصال‬
‫أوال‪ .‬الهاتف والفاكس‪:‬‬

‫ميثل اهلاتف من أهم وسائل االتصال الصويت ومن أقدمها وأكثرها انتشارا بني الناس‪ ،‬واهلاتف ليس أداة‬
‫للتواصل فقط لكنه أداة تلعب دورها يف اإلنتاج والتسويق وإيصال اخلدمات للكثري من املؤسسات‪ .‬وقد تطور‬
‫اهلاتف يف حجمه وشكله ومزاياه وإمكاناته عدة مرات إىل أن وصل هلاتف النقال‪ .‬من أحدث االبتكارات يف عامل‬
‫االتصاالت اهلاتفية اهلاتف الصوري أو اهلاتف الفيديو الذي يستطيع نقل الصورة مع الصوت بسرعة هائلة‪ ،‬وهو‬
‫مزود بذاكرة تؤهله خلزن الصور واسرتجاعها عند احلاجة ومشاهدهتا على الشاشة أو طباعتها على الورق‪ .‬أما‬
‫الفاكس فيشبه آلة التصوير الصغرية متصلة هباتف‪ .‬فما على املرسل إال أن يضع وثيقة يف اجلهاز‪ ،‬مث يدير رقم‬
‫ه اتف جهاز فاكس املرسل إليه‪ ،‬ومبجرد أن يفتح اخلط أو يتم االتصال‪ ،‬تتحرك األداة الفاحصة اإللكرتونية يف‬
‫جهاز اإلرسال وحتول الصفحة املرسلة إىل جمموعة من اإلشارات الكهربائية الرقمية اليت تنتقل عرب خط اهلاتف إىل‬
‫جهاز فاكس املستقبل الذي يعيد اإلشارات الكهربائية الرقمية مرة أخرى إىل نسخة طبق األصل من الوثيقة األصلية‬
‫مث يطبعها‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬األقمار الصناعية‪:‬‬

‫تعترب األقمار الصناعية حمطات حتويل فضائية لبث إشارات ترسل بواسطة احملطات األرضية واليت تعمل‬
‫أيضا على ربط شبكات االتصاالت األرضية من خالل شبكات اهلاتف‪ .‬وقد أخذت االتصاالت الفضائية عرب‬
‫األقمار الصناعية دورا هاما يف جمال نقل الرسائل واملعلومات بفضل فعاليتها وعدم تأثرها بالظروف احمليطة‪ .‬وميكن‬
‫القول إن لالتصاالت عرب األقمار الصناعية فائدتني مها‪ :‬إمكانية البث املتوافق‪ ،‬حبيث تستطيع كل حمطة يف الشبكة‬
‫‪58‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫أن ترتبط مع كل ا حملطات األخرى يف نفس الوقت‪ .‬وإمكانية الوصول إىل أماكن بعيدة ودعمها لالمركزية يف‬
‫أساليب مجع وتوزيع الرسائل واملعلومات‪ .‬وقد فتحت األقمار الصناعية الباب على خدمات جديدة من بينها توفري‬
‫نوع من االتصاالت بني اإلنسان واآللة‪ ،‬وبني اآللة واألخرى كما حتدث يف عملية االتصال بني احلواسيب‪.‬‬
‫وتستخدم األقمار الصناعية العديد من الوظائف مثل نقل الصوت والصورة والبيانات والوثائق واملؤمترات البعدية‬
‫‪11‬‬
‫)‪(Télé Conferencing‬واألرصاد اجلوية‪ ،‬واالستشعار عن بعد‪ ،‬والبث التلفزيوين واخلدمات اهلاتفية وغريها‪.‬‬

‫ثالثا‪ .‬تطور في البرامج‪ :‬يعد هذا العنصر مبثابة الروح للجسد فدوهنا ال ميكن االستفادة من العتاد التكنولوجي‪،‬‬
‫فهي حلقة الوصل بني املستخدم واآللة أي أهنا تساعد على حفظ املعلومات بنظام فهي‪" :‬جمموعة منفصلة من‬
‫التعليمات واألوامر املعقدة واليت توجه املكونات املادية للحاسوب للعمل بطريقة معينة بغرض احلصول على النتائج‬
‫‪12‬‬
‫املطلوبة ‪".‬‬
‫رابعا‪ .‬أنظمة التشغيل‪:‬‬

‫أنظمة التشغيل هي عبارة عن حزمة برامج جتعل جهاز احلاسب يعمل بشكل صحيح‪ ،‬يقوم باختبار احلاسب‬
‫اآليل كيف يتعامل مع الربامج األخرى يف املكونات املادية على اجلهاز‪ .‬يقوم نظام التشغيل بدورين رئيسني‪ :‬إدارة‬
‫موارد املكونات املادية والربجمية للحاسب‪ .‬هذه املورد تضم املعاجل‪ ،‬الذاكرة‪ ،‬الفرص‪ ،‬كما يعمل بطريقة فعالة لربط‬
‫التطبيقات باملكونات املادية دون معرفة تفاصيلها مما يسمح ملطوري الربامج كتابة تطبيقات تعمل على أكثر من‬
‫‪13‬‬
‫جهاز ‪.‬‬

‫خامسا‪ .‬البرامج الملحقة‪:‬‬

‫هي الربامج اليت تؤدي وظائف حمددة بناء على اهتمامات املستخدمني (مثل برامج الكتابة والطباعة‪ ،‬برامج‬
‫احملاسبية‪ ،‬قواعد البيانات‪ ،‬اجلرافيك واأللعاب ومعاجلة الصوت‪ )...‬ومن أشهر الربامج‪، Microsoft office:‬‬
‫‪.Adobe programme‬‬

‫‪ .3‬من هو العالم المفكر " بيار بورديو"‪:‬‬

‫بيري بورديو (‪ 1‬أوت ‪ 23 – 1930‬جانفي ‪ )2002‬عامل اجتماع فرنسي‪ ،‬أحد الفاعلني األساسيني‬
‫باحلياة الثقافية والفكرية بفرنسا‪ ،‬وأحد أبرز املراجع العاملية يف علم االجتماع املعاصر‪ ،‬بل إن فكره أحدث تأثريا بالغا‬
‫يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين‪ .‬بدأ جنمه يبزغ بني املتخصصني انطالقًا‬
‫من الستينيات بعد إصداره كتاب الورثة عام ‪( 1964‬مع جون‪-‬كلود پـاسرون) وكتاب إعادة اإلنتاج عام ‪1970‬‬
‫‪59‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫(مع املؤلِّف نفسه)‪ ،‬وخصوصا بعد صدور كتابه التمييز‪/‬التميز عام ‪ .1979‬وازدادت شهرته يف آخر حياته خبروجه‬
‫ُ‬
‫حتجني واملضربني‪ .‬اهتم بتناول أمناط السيطرة االجتماعية بواسطة حتليل مادي‬ ‫يف مظاهرات ووقوفه مع فئات امل ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لإلنتاجات الثقافية يَك ُفل إبراز آليات إعادة اإلنتاج املتعلقة بالبنيات االجتماعية‪ ،‬وذلك بواسطة علم اجتماعي كلي‬
‫يستنفر كل العتاد املنهجي املرتاكم يف خمتلف جماالت املعرفة عرب التخصصات املتعددة للكشف عن البنيات اخلفية‬
‫اليت ُحتدِّد أمناط الفاعلية على حنو ضروري‪ ،‬مممّا جعل نـُ ّقاده ينعتون اجتماعياته باحلتمانية‪ ،‬على الرغم من أنه ظل‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫عرب كتاباته وتدخالته‪ ،‬يدفع عن حتليالته مثل ذلك النعت‪.‬‬

‫يعترب املفكر الفرنسي الراحل بيري بورديو (‪ )2002-1930‬من املفكرين البارزين يف الساحة الفكرية‬
‫‪15‬‬
‫الفرنسية والعاملية املعاصرة‪ .‬من مؤلفاته نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬سيسيولوجيا اجلزائر (‪- / 1961‬اجلزائريون (‪- /)1962‬العمل والعمال يف اجلزائر (‪.)1963‬‬
‫‪-‬نزع اجلذور‪ :‬أزمة الفالحة التقليدية يف اجلزائر (‪- /)1964‬الطالب وتعليمهم (‪.)1964‬‬
‫‪-‬الورثة‪ ،‬الطالب والثقافة (‪- /)1964‬حب الفن‪ ،‬املتاحف ومجهورها (‪.)1966‬‬
‫‪-‬إعادة اإلنتاج‪ :‬يف سبيل نظرية عامة لنسق التعليم (‪- /)1970‬خمتصر نظرية املمارسة (‪،)1972‬‬
‫‪-‬السيطرة الذكورية (‪)2002‬‬

‫مهما تركه بورديو خلفه للساحة الفكرية‬


‫وغريها من الكتب الكثرية اليت تشكل يف جمموعها إرثا نظريا وتطبيقيا َ‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ .4‬العنف الرمزي للتلفزيون عند بيار بورديو‪:‬‬
‫‪ .1.4‬كيف يؤثر العنف التلفزيوين على املشاهد؟‬

‫أضحى للتلفزيون دوراً جوهري وأساسي يف حياة البشر من خالل املتابعة اليومية ملا يبث من خالله من‬
‫ب رامج وأخبار ومشاهدات مرغوب فيها وأخرى غري مرغوب فيها وما لبث وأن أطلق البعض على هذا اجلهاز‬
‫(بالضيف االجباري)‪ .‬ومن غري املبالغ فيه أن نقول بأن التلفزيون يساهم بشكل مباشر أو غري مباشر يف تربيتنا‬
‫ألوالدنا واعدادهم للمستقبل القادم وعلى هذا الصعيد أود أن أشري أيل سلسلة من االليات اليت تثبت أن التلفزيون‬
‫ميارس نوعاً من (العنف الرمزي) املفسد واملؤذي‪ .‬وأبرز مظاهر هذا العنف أن التلفزيون ميأل أوقات الناس باألشياء‬
‫غري اهلامة وغري الضرورية وهو يستهلك زمنهم يف قول أشياء تافهة ختفي يف احلقيقة بالقدر نفسه األشياء الثمينة‪،‬‬
‫وهبذا املعين فان التلفزيون يسهم يف تدمري الوعي حينما ينشر وعياً زائفاً أو حيجب املعلومات عرب لعبة امسيها (لعبة‬
‫‪60‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫املنع بواسطة العرض)‪ .‬اتضح أن هناك عالقة بني كثرة العنف يف اإلعالم وبني تأثرياته على اجلمهور من خالل‬
‫‪16‬‬
‫اآليت‪:‬‬

‫‪ -‬إن التلفزيون يشكل أداة لغرس وتنمية رؤية معينة وذلك بسبب تلك الرسائل اليت تنطلق من التلفزيون الدراما‪،‬‬
‫كوميديا واىل آخره ‪.‬‬

‫‪ -‬لقد أكد وأشار املشاهدين الثقال (‪ 5‬ساعات مشاهدة التلفزيون يوميا وأكثر) الواقع الذي يعيشونه كما يظهر‬
‫يف التلفزيون وقد اتضح أيضا أن إجاباهتم مسقاة من الواقع التلفزيوين لذا فهم يعتقدون أن العامل من حوهلم هو‬
‫األكثر خطورة وأن هنالك احتمال كبري للعنف واألذى الشخصي وانه ينبغي على اإلنسان أن يكون قويا ليحمي‬
‫نفسه ويستطيع أن يتكيف مع اجملتمع املخيف والعنيف باملقابل جند أن املشاهد اخلفيف (‪ 4‬ساعات أو أقل)‬
‫يظهرون أكثر إنسانية وأقل قلقا وخماوف على حياهتم‪.‬‬

‫‪ -‬يف املضامني غري عنيفة للتلفزيون جند اختالفات بني املشاهد اخلفيف وبني املشاهد الثقيل يف رؤيتهم للواقع‪.‬‬

‫‪ .2.4‬العنف الرمزي للتلفزيون عند عالم االجتماع بيار بورديو‪-‬مقاربة نقدية‪:‬‬

‫أوال‪ .‬نظرة بيير بورديو للتفاعل الرمزي التلفزيوني االجتماعي‪:‬‬

‫إن الصورة اليت يقدمها التلفزيون ويقوم بتضخيمها ومينحها صفات درامية وتراجيدية‪ ،‬وامنا يفعل ذلك‬
‫باستخدام كلمات كبرية فالكلمات املعتادة ال تثري دهشة أحد وهبذا هتيمن الكلمات على الصورة فالصورة ال تعين‬
‫شيئاً دون التفسري للذي جيب أن تتم قراءته‪ ،‬فبيري بورديو ينظر إىل العنف الرمزي بأنه ‪ ":‬عبارة عن عنف لطيف‬
‫وعذب‪ ،‬وغري حمسوس‪ ،‬وهو غري مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم‪ ،‬وهو عنف ميارس عرب الطرائق والوسائل الرمزية‬
‫اخلالصة‪ ،‬أي‪ :‬عرب التواصل‪ ،‬وتلقني املعرفة‪ ،‬وعلى وجه اخلصوص عرب عملية التعرف واالعرتاف‪ ،‬أو على احلدود‬
‫‪17‬‬
‫القصوى للمشاعر واحلميميات"‪.‬‬

‫املتدين‬
‫ينطلق بورديو من فكرة أن التلفزيون يشكل راهناً أداة للقمع الرمزي (نظراً للمستوى الثقايف أو املعريف ِّ‬
‫للمشاهدين الذين مييلون إىل تصديق ما يعرض عليهم بعامة)‪ .‬وهو يأمل يف أن يتحول التلفزيون إىل أداة‬
‫للدميوقراطية املباشرة لو مت رفع املستوى العلمي للمشاهدين وتقوية استقاللية التلفزيون عرب إدراك العوامل اليت تعمل‬
‫‪61‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫على ضرب تلك االستقاللية‪ .‬والعوامل غري املرئية اليت ُمت َارس الرقابة من خالهلا جتعل من التلفزيون أداة عظيمة‬
‫لتثبيت النظام الرمزي (تواطؤ املتلقِّني والذين ميارسونه)‪ .‬وهكذا يغدو التلفزيون أداة خللق احلقيقة وللتحكيم‬
‫االجتماعي والسياسي‪ ،‬وليس‪ ،‬كما يُدَّعى‪ ،‬أداة لتسجيل الواقع‪ .‬وهو ليس مالئماً للتعبري عن الفكر أو الرأي؛ إذ‬
‫مينح أمهية للتفكري السريع وللغذاء الثقايف السريع املقرتن بأفكار مسبقة‪ .‬وحول هذا املوضوع يقدم بورديو أفكاراً‬
‫للتحديد وللتحقق منها‪ ،‬بوصفها أموراً معقدة جداً ال ميكن معرفتها إال من خالل عمل أمبرييقي مهم‪ ،‬ارتكازاً على‬
‫مالحظات من الواقع‪ .‬كما ركز بيري بورديو على التلفزيون باعتباره أداة إعالمية خطرية متارس العنف ضد املواطنني‪،‬‬
‫إذ تقدم هلم ما تشتهيه السلطة املهيمنة اليت تستغل وسائل اإلعالم لتحقيق مصاحلها وأهدافها وأرباحها‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫يتالعب التلفزيون بعقول الناس‪ ،‬وينشر بينهم إيديولوجية الدولة املهيمنة‪ ،‬وأفكار الطبقة احلاكمة‪ .‬وهذا يهدد الثقافة‬
‫والفن والدميقراطية احلقيقية‪ .‬وينطبق هذا احلكم نفسه على الصحافة اليت صارت من الوسائل اخلطرية اليت تشارك‬
‫‪18‬‬
‫الفئات احلاكمة يف ممارسة العنف الرمزي ضد اآلخرين‪.‬‬

‫ويبين بورديو نظريته على جتربة شخصية استطاع خالهلا اكتشاف عمل املق ّدم غري املثقف‪« :‬شاركت أكثر‬
‫من مرة يف مقابالت‪ ،‬أعدت خالل طرح السؤال على نفسي‪ ،‬حىت أمتكن من مقاربة املوضوع الذي يرغب املذيع يف‬
‫مناقشته‪ .‬كنت أكرر للمقدم «سؤالك مهم بالتأكيد‪ ،‬لكين أعتقد أنه يف هذه احلالة هناك ما هو أهم منه» …‬
‫يكرر شكواه من الصحافيني غري املثقفني الذين يذهبون لتغطية خرب معني‪ ،‬فيفاجئون برؤية أشياء غري مفاجئة‬
‫وهو ّ‬
‫أو العكس‪ .‬فهم يسقطون رؤيتهم اخلاصة على احلدث‪ ،‬علماً بأن علماء االجتماع أنفسهم ال يستطيعون ادعاء ما‬
‫يدعيه هؤالء‪« :‬إن واحدة من أكرب املشاكل اليت تعرتض علماء االجتماع‪ ،‬هي جتنبهم السقوط يف أحد هذين‬
‫الومهني يف معرض حتليلهم لظاهرة معينة‪ :‬القول بأهنا األوىل من نوعها‪ ،‬أو إهنا تتكرر دائماً»‪ .‬وهذا ما يردده‬
‫الصحافيون على الدوام «وهنا يكمن خطرهم‪ ،‬فهم غري مثقفني‪ ،‬وال تعين هلم الظواهر االجتماعية احلقيقية شيئاً»‪.‬‬
‫لكنهم رغم ذلك ميارسون تأثرياً كبرياً وسلطة مطلقة على خمتلف احلقول االجتماعية‪ :‬السياسية والقضائية والنقابية‬
‫وأحياناً على من هم أرفع مستوى منهم‪ ،‬وذلك بسبب احتكارهم آلليات إنتاج املعلومة ونشرها أو إضفاء الشرعية‬
‫‪19‬‬
‫على الضيوف الذين حيظون بإطاللة متلفزة‪.‬‬

‫غري أن الصحايف ليس وحده املسؤول بل «احلقل الصحايف» بكامله‪ .‬ويرفض بورديو أي حماولة لتحليل‬
‫سلوك صحايف معني أو وسيلة إعالمية حمددة‪ ،‬بعيداً من زمالئهما‪« ،‬ال ميكن أن نفهم ما الذي حيدث يف ‪TF1‬‬

‫‪62‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫مبجرد القول إن شركة ‪ BOUYGUES‬هي من ميلكها‪ .‬هذا سبب لكنه ليس وحيداً‪ ،‬جيب أن نأخذ يف االعتبار‬
‫جمموعة العالقات املوضوعية اليت تؤسس احلقل الصحايف بكامله»‪.‬‬

‫ثانيا‪ .‬انتقادات بيير بورديو للتفاعل التلفزيوني االجتماعي‪:‬‬

‫انتقد بورديو التلفزيون‪ ،‬من خالل إنه استعمل بدوره شاشة التلفزيون‪ ،‬لكن ضمن شروط تناسبه جلهة اختيار‬
‫املوضوع‪ ،‬وامتالك الوقت الكايف ملناقشته‪ .‬مع أنه يتيح له ممارسة حقوقه الدميقراطية‪ ،‬فقد طالب مبحاربة الـ‬
‫عرب عن أمله بأن تنشأ‪ ،‬داخل‬ ‫‪( Audimat‬نسبة إقبال املشاهدين) الذي يعزز ثقافة الـ ـ“فاست فود”‪ .‬كما ّ‬
‫اجلسم الصحايف‪ ،‬عالقات بني الصحافيني تساعد يف التخفيف من التأثري السل ي لألدوات اليت ميتلكوهنا‪ .‬وق ّدم‬
‫مثالً‪) :‬يف قضية خطف األطفال ‪-‬اليت يـُتّهم فيها املهاجرون غالباً بشكل أوتوماتيكي‪-‬ميكننا أن نتخيّل‪ ،‬أو حنلم‪،‬‬
‫أن يتفق الصحافيون على عدم استضافة زعماء سياسيني معروفني مبواقفهم املسبقة ضد األجانب)‪.‬‬

‫ويذهب يف كتابه «التلفزيون وآليات التالعب بالعقول»‪( :‬أحد املشاكل الكربى اليت يطرحها التلفزيون هي العالقة‬
‫بني التفكري والسرعة‪ .‬هل ميكن التفكري أثناء اللهاث بسرعة؟ وهكذا حصل التلفزيون على مفكرين (على السريع)‪،‬‬
‫عندما أعطى جمال احلديث ملفكرين أجربهم على أن يفكروا بسرعة متزايدة‪ .‬مفكرون يفكرون بأسرع من ظلهم)‬

‫ثالثا‪ .‬العالقة بين الصحافة والتلفزيون عند بيير بورديو‪:‬‬

‫يعرب بورديو‪ ،‬لواقع العمل الصحايف وكواليس التلفزيون وعالقات الصحافيني بعضهم ببعض‪ ،‬ومبختلف‬
‫القوى االجتماعية‪.‬‬
‫ينتقد بورديو يف الكتاب «احلقل الصحايف» من الداخل واخلارج‪ :‬بدءاً من طريقة احلصول على اخلرب ومعاجلته‪ ،‬مروراً‬
‫بالنشرة اإلخبارية التلفزيونية اليت يصفها بـ «منتج غريب» يناسب اجلميع‪ ،‬وصوالً إىل الربامج احلوارية «التمثيلية»‬
‫اليت تستضيف أشخاصاً ال عالقة هلم غالباً باملوضوع املطروح للنقاش‪ ،‬وال يتساوون يف معلوماهتم‪« .‬عندما تكتب‬
‫صحيفة معنية عن كتاب‪ ،‬ستجد صحيفة ثانية نفسها جمربة على عرض الكتاب ذاته‪ ،‬حىت لو كان سخيفاً‪ .‬كذلك‬
‫األمر لدى الكتابة عن معرض فين أو مسرحية…»‪ .‬يقدم بيار بورديو هذا املثل البسيط ليربهن تشابه وسائل‬
‫اإلعالم يف مضموهنا‪ ،‬على رغم التعددية الظاهرة‪ .‬هذا التشابه سببه دورة اخلرب حول نفسه‪ :‬ينشر يف جريدة‪ ،‬فيتلقفه‬

‫‪63‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫صحايف يف مؤسسة إعالمية ثانية‪ ،‬ويتابعه مضيفاً إليه تفصيالً صغرياً قد ال تكون له أي أمهية‪ .‬وهو يفعل ذلك من‬
‫‪20‬‬
‫دون أن يكلّف نفسه عناء البحث عن خرب آخر…‬

‫ويرد بورديو هذا السلوك إىل «املنافسة» بني الصحافيني‪ .‬منافسة تعزز حالة الطوار‪ ،،‬وجتعلهم يأتون خبرب‬
‫ّ‬
‫خاطئ أو يقدمونه بطريقة تسبب خوفا‪« :‬أمتىن أن يسمع الصحافيون ما يقولونه‪ ،‬هم الذين يرمون كلماهتم بكل‬
‫خفة‪ ،‬من دون أن يكون لديهم أدىن فكرة عن خطورة ما يقولونه‪ ،‬واملسؤوليات اليت جيب عليهم حتملها…‬
‫كلماهتم تثري اخلوف واهلواجس‪ ،‬وتؤدي يف معظم األحيان إىل تشكيل صور خاطئة عن احلقيقة»‪ .‬التشابه رغم‬
‫التعددية‪ ،‬تعزيز حالة الطوار‪ ،‬وبث األخبار اخلاطئة‪ ،‬ليست إال نقطة يف حبر االنتقادات اليت يعرضها بيار بورديو‪،‬‬
‫وهي انتقادات قائمة على مالحظات تفصيلية ليوميات العمل الصحايف وآلياته‪ .‬يعرضها معرتفاً بأهنا حتتاج إىل حبث‬
‫علمي يثبت ما خيلص إليه‪ :‬التلفزيون وعدد كبري من الصحافيني‪ ،‬هم (معادون للثقافة)‪ ،‬وميارسون «عنفاً رمزياً»‬
‫على املشاهدين‪ ،‬فهو يرى أن العمل التلفزيوين مبين على السرعة‪ ،‬لذلك ليس هو املكان األفضل للتفكري‪ .‬من هنا‪،‬‬
‫يتم اللجوء يف املقابالت املتلفزة إىل «مفكرين سريعني» (‪ )fast thinkers‬حيملون أفكاراً مسبقة عن املوضوع‬
‫املطروح‪ « ،‬وال خوف من مشكلة يف التلقي‪ ،‬ألن هذه األفكار املسبقة يعرفها اجلمهور الذي حيصل على وجبة‬
‫‪21‬‬
‫‪ …FAST FOOD‬ثقافية»‪.‬‬

‫مشكلة السرعة حولت العالقة بني التلفزيون والصحافة إىل عالقة انتفاعية‪ ،‬الغلبة فيها حكماً للتلفزيون كونه‬
‫األوسع واألسرع انتشاراً‪ .‬ففيما تعمل الصحافة بتأن زمين يستهلك على األقل ‪ 24‬ساعة بني حتضري املواد للنشر‬
‫والطباعة‪ ،‬تدور عجلة البث التلفزيوين كاملطحنة يف عملية حمو وتسجيل يومي للذاكرة‪ .‬فكل نشرة أخبار متحو ما‬
‫سبقها لتسجل أحداثاً جديدة‪ ،‬تتطلب جمموعة من الربامج املواكبة حتليالً وتفسرياً‪ .‬وحتت ضغط الوقت‪ ،‬ال مناص‬
‫من اللجوء إىل الصحافة‪ ،‬سواء من جانب االستعانة باألفكار‪ ،‬أو يف اختيار األشخاص املناسبني لتحليل ما وراء‬
‫األخبار‪ .‬فال ميكن ألي معد برامج أن يبدأ يوم العمل من دون االطالع وبشكل آيل على عناوين الصحف‬
‫واملقاالت املكتوبة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫خاتمة‬

‫ينتج العنف الرمزي عن اختالف أمناط الرأمسال لدى الفاعلني اجملتمعيني باختالف مواقعهم االجتماعية‪،‬‬
‫ووجود طبقات اجتماعية مسيطرة ومسيطرة عليها‪ ،‬واختالف مصاحل األفراد واجلماعات من حقل إىل آخر‪ ،‬ووجود‬
‫تفاوت اجتماعي وطبقي بني اجلماعات‪ ،‬ومن بني أهم الفاعلني يف اجملتمع احمللي جند وسائل اإلعالم بصفة عامة و‬
‫على رأسها الوسائل السمعية بصرية‪ ،‬فوسائل اإلذاعة والتلفزيون يف األنظمة الغري الدميقراطية تصنف ضمن إطار‬
‫األجهزة احملافظة اليت تسعى إىل توفري هيمنة السلطة على اجلمهور الواسع من خالل مترير تقافة هجنة تسعى إىل‬
‫تكريس ما هو قائم وتشكيل وعي يومي ساذج لدى املتلقي وهدا هو صميم موضوع بورديو الذي نقد البنية‬
‫الوظيفية التقليدية يف التلفزيون واليت يتم إخراجها بتخطيط من خرباء اإلعالم من داخل الكواليس ومتارس يوميا‬
‫حتت عنوان اسرتاتيجية اإلعالم يف العهد اجلديد‪ ،‬مع انتشار شبكة االنرتنت على املستوى العاملي‪ ،‬فهذه‬
‫اجلرعات تتغلغل وتنساب إىل عقول املشاهدين والقراء واملستمعني ومستخدمي الوسائط املتعددة واالنرتنت اخل‪.‬‬
‫هبدوء وبال ضجيج على عكس ما كان يتم يف السابق‪ .‬إن اجملال مفتوح اآلن لعمل دراسات على التوظيف‬
‫واملضمون األيديولوجي لكل هذه الوسائل واألدوات وهو ما يقدم له بورديو منوذجاً منهجياً يف هذا الكتاب‪ .‬إن‬
‫طريقة التحليل اليت يقدمها بورديو هنا ميكن تطبيقها على جماالت أخرى‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫قائمة الهوامش‬

‫‪-1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ص‪229‬‬
‫‪2‬حسن سعيد الكرمي‪ ،‬الهادي‪ ،‬ج‪ ،3‬دار لبنان للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،1993،‬ص‪279‬‬
‫‪3‬امحد جمدي حجازي وشادية علي قناوي‪ ،‬المخدرات وواقع العالم الثالث‪ :‬دراسة حالة الحد المجتمعات العربية‪،‬‬
‫جملة القاهرة للخدمة االجتماعية‪ ،‬املعهد العايل للخدمة االجتماعية – ج ‪ – 1‬ع ‪ 1،‬القاهرة ‪1995‬م‪ ،‬ص‪.225‬‬
‫‪4‬ـ طريف شوقي‪ ،‬العنف في االسرة المصرية‪( ،‬تقارير) دراسة نفسية استكشافية‪ ،‬املركز القومي للبحوث اجلنائية –قسم‬
‫حبوث املعاملة اجلنائية‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪5‬جربين علي اجلربين‪ ،‬العنف األسري‪ :‬أسبابه وآثاره وخصائص مرتكبيه‪ ،‬مؤسسة امللك خالد اخلريية السعودية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1427‬هـ‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪6‬غسان قاسم الالمي‪ ،‬إدارة التكنولوجيا (مفاهيم ومداخيل تقنيات تطبيقات علمية)‪ ،‬دار املناهج‪ ،‬عمان‪ 2006،‬ص‬
‫‪.22‬‬
‫‪7‬نوفيل حديد‪ ،‬تكنولوجيا اإلنترنت وتأهيل المؤسسة لالندماج في االقتصاد العالمي‪ ،‬أطروحة دكتوراه دولة‪( ،‬غري‬
‫منشورة)‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية والعلوم التسيري‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ 2007/2006،‬ص ص ‪.52-51‬‬
‫‪8‬فيصل دليو‪ ،‬التكنولوجيا الجديد لإلعالم واالتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪ 2010 ،‬ص‪.26‬‬
‫‪9‬سامية حممد جابر‪ ،‬ونعمات أمحد عثمان‪ ،‬االتصال واإلعـالم (تكنولوجيا المعلومات)‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2000 ،‬ص‪108 .‬‬
‫‪10‬شريف درويش اللبان‪ ،‬تكنولوجيا االتصال المخـاطر والتحديات والتأثيرات االجتماعية‪ ،‬الدار املصرية اللبنانية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪.102 .‬‬
‫‪11‬الشافعي منصور‪ ،‬مملكة العلم والتكنولوجيا‪ ،‬ايرتاك للنشر‪ ،‬مصر‪ ،2000 ،‬ص‪.87‬‬
‫‪12‬عامر إبراهيم قنديلجي‪ ،‬إميان فاضل السامرائي‪ ،‬تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها‪ ،‬الوراق‪ ،‬األردن‪ ،2002 ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪.160‬‬
‫‪13‬مراد رايس‪ ،‬تكنولوجية المعلومات على الموارد البشرية في المؤسسة‪ ،‬رسالة ماجستري يف علوم التسيري فرع إدارة‬
‫األعمال‪ ،‬جامعة ال جزائر‪ 2006/2005‬ص‪29‬‬
‫‪14‬‬
‫بيري_بورديو لوحظ يوم ‪ 2019/01/12‬على الساعة ‪ar.wikipedia.org/wiki/15.30‬‬
‫‪15‬أزراج عمر‪ ،‬بيير بورديو المجتمع الجزائري مسرح لميالد النظريات‪ ،‬جريدة العربة اإللكرتونية بتاريخ يوم‪ :‬االحد‬
‫‪ ،2018/08/24‬وملعلومات أوفر أنظر‪ alarab.co.uk :‬بيري‪-‬بورديو‪-‬اجملتمع‪-‬اجلزائري‪-‬مسرح‪-‬مليالد‪-‬النظريات ‪/‬‬
‫‪66‬‬
‫المجلد (‪- )03‬العدد (‪ – )01‬جوان ‪2020‬‬ ‫المجلة الجزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫‪16‬أليسا دلتا فو‪ ،‬العنف العائلي‪ ،‬ترمجة نوال الئقة‪ ،‬دار املدي‪ ،‬دمشق‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪.113‬‬

‫‪17‬‬
‫‪Pierre Bourdieu, La domination masculine, Éditions du Seuil, paris, 1998, p 88‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Pierre Bourdieu et Loïc Wacquant, Réponses, Paris, Seuil, 1992, pp : 141-143‬‬
‫‪19‬‬
‫العنف‪-‬الرمزي‪-‬بيري‪-‬بورديو‪-‬يتحدث‪-‬بيري‪-‬بورديو‪www.facebook.com/788636804522785/posts/-‬‬
‫عن‪-‬العنف‪-‬الرمزي‪-‬الذي‪-‬هو‪-‬عنف‪-‬غري‪-‬فيزيا‪ /856642971055501/‬لوحظ يوم ‪ 2019/01/13‬على الساعة ‪12.00‬‬
‫‪20‬‬
‫العنف‪-‬الرمزي‪-‬بيري‪-‬بورديو‪-‬يتحدث‪-‬بيري‪-‬بورديو‪-‬عن‪www.facebook.com/788636804522785/posts/-‬‬
‫لوحظ يوم ‪ 2019/01/12‬على الساعة ‪/‬العنف‪-‬الرمزي‪-‬الذي‪-‬هو‪-‬عنف‪-‬غري‪-‬فيزيا‪856642971055501/‬‬
‫‪12.00‬‬
‫‪21‬‬
‫العنف‪-‬الرمزي‪-‬بيري‪-‬بورديو‪-‬يتحدث‪-‬بيري‪-‬بورديو‪-‬عن‪www.facebook.com/788636804522785/posts/-‬‬

‫‪12.00‬‬ ‫العنف‪-‬الرمزي‪-‬الذي‪-‬هو‪-‬عنف‪-‬غري‪-‬فيزيا‪ /856642971055501/‬لوحظ يوم ‪ 2019/01/13‬على الساعة‬

‫‪67‬‬

You might also like