قصة قصيرة للكاتب المهندس أحمد الإكيابي حاصلة على جائزة المسابقة الأدبية لأقليم شرق الدلتا الثقافي حاصلة على جائزة مسابقة العمل الأول للموهوبين من وزارة الشباب والرياضة عام 2023 تم نشرها بالعدد التاسع من مجلة أوراق ثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة
قصة قصيرة للكاتب المهندس أحمد الإكيابي حاصلة على جائزة المسابقة الأدبية لأقليم شرق الدلتا الثقافي حاصلة على جائزة مسابقة العمل الأول للموهوبين من وزارة الشباب والرياضة عام 2023 تم نشرها بالعدد التاسع من مجلة أوراق ثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة
قصة قصيرة للكاتب المهندس أحمد الإكيابي حاصلة على جائزة المسابقة الأدبية لأقليم شرق الدلتا الثقافي حاصلة على جائزة مسابقة العمل الأول للموهوبين من وزارة الشباب والرياضة عام 2023 تم نشرها بالعدد التاسع من مجلة أوراق ثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة
قصة قصيرة للكاتب المهندس أحمد الإكيابي حاصلة على جائزة المسابقة الأدبية لأقليم شرق الدلتا الثقافي حاصلة على جائزة مسابقة العمل الأول للموهوبين من وزارة الشباب والرياضة عام 2023 تم نشرها بالعدد التاسع من مجلة أوراق ثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة
غرفته المترامية األطراف قد ضاقت عليه ،فما من ركن بها يخلو من صندوق خشبي أو كيس قماش يحوي حية شاهدة على بطولة صنعها أثلجت صدور المذعورين ،فداخل هذه الجدران المتهالكة التي هجرها السوس من فقد جدواها ،وبقع الرطوبة التي ازاحت الطالء ورسمت ديكورا جديدا يليق بجيب صاحبها يكمن كافة أنواع األفاعي الزراعية والصحراوية أيضا التي جمعها ضرغام طوال ستون عاما هم رحلته في هذه الدنيا يعمل رفاعي لنجدة كل مستغيث ،مهدد بالتشرد من منزله خشية اللدغ من أفعى استباحته ،أو آخر يعتقد أن في فزع زوجته من ثعبانه ترياق لبطنها التي تأخر حملها ،ليكون مكسبه حفنة ما ِل زهيد يكفي قوت يومه ،ومكافئة أكبر وهي حصوله على عضو جديد ينضم لعائلته التي يقتنيها داخل صناديق منزله الخشبية. ورغم قلة الطلب على هذه المهنة في عصرنا الحديث لم يتخل عم ضرغام عن مبادئه ولم يقبل استخدام ما يملكه من أفاعي نادرة في عروض استعراضية أو بيعها لشركات تقوم بإجراء تعديالت وراثية عليها من أجل أبحاث تجريها ،فقناعة ضرغام كانت تنبثق من مبدأ الحفاظ على كل شيء خلقه الله بطبيعته وأن األفعى كائن حي يشعر ويتألم كأي مخلوق مسالم ،ولكن اللدغ فطرة لها ال ذنب لها فيه كما فطر الله األسود على االفتراس والكالب على الوفاء. ها وقد أصابه وهن الشيخوخة وضعفت قواه وبدت مهارته في استخراج الثعابين تنحدر دون وريث شرعي لهذه الخبرة سوى فرج فلذة كبده ،ابن الخامسة عشر من العمر ذو الشعر القصير والجلباب الفضفاض والعمامة الثقيلة ومالمحه الحادة التي تخفي بداخله رقة وحنان وطفولة غابت عنها الشمس. في هذا اليوم قدم بكرى ليلقي عليهما بشرى سارة بطلبه لمهمة جديدة في فيال بالتجمع الخامس قد تجلب لهما الخير الوفير ،فهذه الفيال شاهد ساكنوها أفعى ( طريشة ) تسعى داخل حديقة منزلهم مترامي األطراف ،استعد الطفل فرج للذهاب مع ضرغام والده كعادته في خوفه المعهود ،كانت خفقات قلبه اليافع تدق آذان المجاورين ،ولكن عيناه البريئتين تجاهد لطرد أي خوف يحاول اقتحامهما ،وزاد هذا الخوف أيضا عندما أكتشف فرج أن ضرغام سيعتذر عن هذه المهمة بعدما أصاب الوهن جسده النحيل ،فضرغام لم يعد يقوى على العمل مثلما كان وبات فرج مهدد بمواجهة مصير جوع قد يحين في أي حين ،ولكن فرج قرر أال ينتظر ،فبالرغم من عوده اليافع إال أنه يدرك جيدا أن ويالت األلم القريب أهون كثيرا من قلق انتظاره ،نادى فرج على بكري قبل انصرافه وأخبره أنه جاهز للذهاب معه بمفرده دون حاجة لمرافقة والده، تعجب بكري من شجاعة فرج الزائدة ،ولكن ثقة فرج بنفسه التي تظاهر بها كانت تسيطر على أي شعور سلبى قد يراوده ،وما كان عليه إال أن التقط كيسه القماشي ونعله البالي وتحرك مع بكرى متسلال قاصدان وجهتهما دون أن يشعر به والده. وصل فرج إلى الفيال ليرى أهلها يقفون خارجها بمالبس نومهم ،فال أحد منهم يمتلك من الجرأة ما يجعله يقوى على التحرك لجلب حتى أبسط أمتعته من الداخل ،نظر الجميع لفرج وتغيرت مالمحهم إلى االمتعاض ،من هذا الطفل الصغير؟ ،وهل يستطيع طفل كهذا القيام بهذه المهمة؟ ،ثم بدأ حديث المسئول بقسوة ملقيا ً اللوم على بكري: -مين ده يا بكرى ؟ -ده فرج ابن عم ضرغام ..وما يتخيرش عنه. -وضرغام مجاش ليه بنفسه ؟ -هو بس بعافية النهار ده ومش قادر يتحرك. -ومشوفتش ليه واحد غيره ..إحنا مش ح نجيب طفل نموته يا بكري. -مبقاش حد بيشتغل الشغالنة دي األيام دي يا بيه وعلى أما نجيب حد من الصعيد فيها يوم بليلة ..وبعدين ده راضع الشغالنة مع ضرغام من صغره ..جربه وعلى ضمانتي. شعر فرج بحالة اللغط هذه ولكنها لم تبدل من ثقته شيئا ،دخل إلى حديقة الفيال يضرب بعصاه األرض في دقات منتظمة تصدر أنينا كلغة أجنبية غير دارجة ال يفهمها سوى هو وصيده ،استمر فرج بالتجول داخل أركان الحديقة مستمرا في إصدار تلك الدقات بعصاه الرفيع ،حتى وجد هذه ( الطريشة ) تخرج له من بين فروع شجرة التوت تزحف مستجيبة لنداء يثير غريزتها ،فوجئ فرج بنتاج مسعاه، فلقد اعتاد المشاهدة وهذه أول مرة يكون فيها فاعال دون مرشد أو دليل ،كلما حاول فرج تذكر ما كان يفعله والده ال يستطيع ولكن تصرفاته التلقائية هي من كانت ترشده صواب الطريق ،فلقد حرص ضرغام على غرس هذه المهارات بداخله منذ الصغر دون أن يشعر حتى أصبحت كنقش على الحجر ،وهنا وجد فرج نفسه يقوم بزيادة سرعة هذه الضربات محاوال االقتراب من ذيلها ،بدت األفعى تفهم حيلته وأصرت أال تمكنه من ذلك ،أصبحت شديدة الحرص على أن تجعل رأسها مواجهة له ،وكلما استدارت له األفعى استدار فرج في خفة ولياقة ليصبح خلف ذيلها وأعين الساكنين تراقب من بين قضبان السور الحديدي ما يفعله في قلق وتوتر ضاعفه سن فرج مرتين ،بينما أعينهم جميعهم تحوى سؤاال واحداً ،هل سينجح هذا الطفل الصغير في اإلمساك بهذه األفعى وحمايتهم من شرورها ؟ ،أم سيكون ضحية لمسعاه ؟ ،وربما تنتهي رحلة طموحه عند هذه اللحظة ليذهب إلى عالم آخر أقل قسوة من العالم الذي دفعه لفعل كهذا ،فهذا النوع من األفاعي معروف بسميته الشديدة وسرعة مفعوله، ومن المؤكد أنه لن يفلح في الحصول على مصل ينقذه إذا حظى بأقل اللدغات، واستمر االثنان في صراعهما يحاول كل منهما أن يغلب إرادته على اآلخر ،ولكن المدهش للجم يع أن إرادة الجنس البشري أثبتت قدرتها على الثبات ،فاألفعى أنهكت قواها بينما مازال فرج يتحرك في خفة واتزان ،استسلمت األفعى وتركته يقف حيث أراد وقررت السير مبتعدة عنه ،يبدو أنها أيقنت أنه ال أمان لها في مواجهة هذا الطفل اليافع ،وهنا بدأ فرج في االقتراب من ذيلها ،وكلما لمسه بيده حاولت لدغه سريعا ولكن حركة ابعاد يده دوما ما تكون أسرع من حركة لدغتها ،كرر فرج هذه المحاولة مرات ومرات بينما أصحاب الفيال يراقبون ما يحدث من خلف السور ال يتذكرون ضرورة ابتالع لعابهم من شدة االنتباه ،حتى تمكن فرج من وضع طرف العصا على رأ س األفعى لتثبيتها وضمان عدم حركتها المفاجأة ،وهنا استطاع االمساك بذيلها ليرفعها واضعا إياها داخل أسوار كيسه القماشي المحكم بدبارة مربوطة ال تقوى أفعى مهما بلغت سميتها على اختراقه ،كان أصحاب الفيال في ذهول يمتزج بالفرحة الشديدة ،وأخذوا مصفقين ومهللين لنجم لم تطال قدماه أطراف سجادة حمراء من قبل. تقدم الدكتور عزمي صاحب الفيال نحو فرج محيا ً ومرحبا ً وداعيا ً إياه بكارت لحضور حفل يقيمه لتكريم المواهب النادرة طالبا ً منه أن يكون هو على رأسهم، ولكن بن الخامسة عشر والذي يتصبب وجهه عرقا لم يكن مكترثا لهذا الكارت بقدر اهتمامه بمكافئته الصغيرة كي يسعد بها والده طريح الفراش. وقف فرج داخل غرفته الضيقة يمأله الحيرة والحزن ،ينظر للكارت بيده تارة ،ثم لصورته في بقايا مرآة مكسور تارة أخرى ،ثم أخذ يخلع عنه جلبابه وعمامته الصعيدية التي تغطى رأسه لتكشف لنا المرآة عن فتاة تختبئ خلف كل هذه المالبس الفضفاضة والفعل الجريء ،أخذت فرج تتحسس جسدها وكأنها لم تعد تتذكره ،وربما تريد التأكد أنها مازالت تحتفظ بأنوثتها التي غابت كما غابت عنها طفولتها أيضا، لتتذكر كلمات والدها ضرغام في طفولتها بعد وفاة أمها: -يوم ما سميتك فرج يا بت مكانتش مرازية ..كان كيفي أن االسم دايما يفكرك أنك في دنيا عفية محتاجة الناشف ..أمك ماتت وهونسها في يوم معلوم ولو سيبتك لشوقك عودك هيتكسر مع أول تيار يهفه ..مش عايز الجالبية وال العمة دى تتخلع من على راسك طول ما ضهرك مكشوف ..من غادي أنت الصبي بتاعي هعلمك أصول الكار ،وحسك عينك حد يحس أنك مش دكر صح ..مفهوم ؟ -مفهوم يا آبه. وبينما تحمل فرج كيسها القماشي بما يحوه من صيد جديد وتدخل لغرفة المخزن فإذا بها تفاجئ بضرغام يقف مستندا بين الصناديق ينظر لهم وكأنه في حالة وداع محتوم، سألته فرج: -إيه اللي قومك من فرشتك يا آبه ؟ -بعمل اللي كان الزم يحصل من زمان. نظرت فرج لعامالن يحمالن صناديق األفاعي الخشبية للخارج ذهابا وإيابا ،فتواري فرج ما بيدها من كيس قماشي خلف ظهرها. -ح تبيع ؟ ..أنت طول عمرك رافض ده. -واكتشفت أني كنت غلطان ..صحيح أنا خليتك دراعي اليمين في الكار ده .. لكن محبش أنك تكملي فيه بعدي. فهمت فرج أن ضرغام علم بذهابها مع بكري دون علمه ،فرفاعي في خبرته وذكاءه ليس ببعيد أن يميز رائحة األفعى التي تحملها في كيسها المخفي. -الفلوس اللي هتيجي من بيع الحبال دي هتعملي بيهم مشروع تعيشي منه. -لكن أنت مخليتش في إيدي صنعة غير الصيد. -وعلشان كدة ببيعهم ..الزم تتعلمي صنعة تانية يا فرج ..ومن غير ما تستخبي تحت الجالبية والعمة. جلست فرج في غرفتها تفكر ،تنظر إلى الجالبية والعمامة ،وكيس الثعبان الوحيد الذي تملكه ،ثم كارت الحفل الملقى على األرض في حيرة شديدة ،إلى أن تلتقط فرج كارت الحفل ناظرة إليه ،وهي تفكر ،ماذا يمكن أن تتعلم غير هذه الحرفة ؟ ،وهل ستقوى على مواجهة المجتمع بحقيقة جنسها المجهول ؟ ،كيف سيتعاملون معها ؟ ، وما الذي عليها فعله ؟ ،كل هذا أخذ يراود خيال فرج ،وكان الحفل بالنسبة لها فرصة ال تعوض لتعلن حقيقتها ،فباألمس كانت مجبرة ولكن األن باتت تملك حرية االختيار ،وقفت أمام المرآة تنظر لنفسها ،ثم بدأت بارتداء فستانا يظهر أنوثتها، وتمشيط شعرها المجعد ،ثم أخذت تصبغ شفاهها باللون الذي طالما حلمت به ،لتأخذ في الدوران أمام المرآة وكأنها تنظر إلى شخص جديد ال تعرفه يظهر أمامها للمرة األولى. وحان موعد الحفل وفقرة تقديم المواهب ،ونودي على فرج كي يقدم موهبته ،وسط انتظار جميع الحضور في لهفة واهتمام ،وإذا بفرج تصعد بهيئتها المعهودة ،الجلباب والعمامة مقدمة نفسها: -فرج ضرغام ..أصغر رفاعي في الدنيا. وأخذت فرج في إخراج األفعى الوحيدة التي باتت تملكها لتصنع استعراضها وعيناها الصغيرتان تمالهما الدموع وسط فرحة وتشجيع الحاضرين.