Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫التخطيط االستراتيجي كآلية لتعزيزاألمن الوطني‬


‫‪Strategic planning as a mechanism to enhance‬‬
‫‪national security‬‬

‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬


‫جامعة مولود معمري تيزي وزو(اجلزائر)‬
‫‪mustapha.ouannoughi@yahoo.fr‬‬

‫تاريخ النشر‪2022/06/05 :‬‬ ‫تاريخ القبول للنشر‪2022/05/26 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2021/05/20 :‬‬

‫‪-----------------------‬‬
‫ملخص‪ :‬حاز موضوع التخطيط االستراتيجي أهمية كبرى في األبجديات األكاديمية‪ ،‬ملا له من‬
‫أهمية كبيرة في صناعة وصياغة مختلف االستراتيجيات املتعلقة باملسائل والقضايا السيادية للدولة‪،‬‬
‫خاصة ما تعلق باألمن الوطني الذي تطور مع تطور مفهوم األمن في العالقات الدولية‪ ،‬وهو ما أسس لعالقة‬
‫عضوية بينهما‪ ،‬ودفع بصانع القرار إلى ضرورة العودة دائما إلى أصحاب االختصاص واألخذ بمشورتهم في‬
‫اتخاذ القرارات الحاسمة‪ ،‬والتقيد بمختلف توجيهاتهم في قضايا الشأن االستراتيجي‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فالتخطيط االستراتيجي هو صمام األمان لألمن الوطني في الدولة الحديثة‪ ،‬مما‬
‫يفسر ذلك‪ ،‬هو استعانة القوى الكبرى باملراكز الفكرية أثناء بناء استراتيجياتها األمنية أو تعديلها‪ ،‬وذلك‬
‫لتقليل هامش فشلها‪ ،‬أمام احتدام الصراع بين مختلف القوى املشكلة للنظام الدولي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬التخطيط االستراتيجي‪ ،‬األمن الوطني‪ ،‬الدولة الحديثة ‪،‬التهديد ‪،‬التفاعل‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬
‫‪The topic of strategic planning has assumed great importance in the academic studies,‬‬
‫‪because of its great importance in the manufacture and formulation of various strategies‬‬
‫‪related to the issues of the state’s sovereignty, especially those related to national security that‬‬
‫‪developed with the development of the concept of security in international relations, which‬‬
‫‪established an organic relationship between them.‬‬
‫‪In addition, the strategic planning is the safety valve for national security in the modern‬‬
‫‪state, which explains this, is the use of major powers by intellectual centers, while building or‬‬
‫‪modifying their security strategies.‬‬
‫‪key words: Strategic planning, National security ,Modern state, Threat, Interaction.‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪814‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫‪.1‬مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر التخطيط االستراتيجي جوهر تحليل ودراسة كل آليات بناء وصناعة القرارات في مختلف‬
‫القطاعات‪ ،‬ملا له من أهمية قصوى في دراسة مختلف املعطيات املتعلقة بالظاهرة محل التمحيص‪،‬‬
‫وباعتبار األمن الوطني هو غاية كل املنظومات املشكلة لنسق الدولة‪ ،‬فمن الواجب أن يكون محل اهتمام‬
‫مراكز الفكر ودوائره‪ ،‬خاصة مع تنامي التهديدات التماثلية التي ما فتات تنخر أمون األمم‪ ،‬ولتجسد ذلك‬
‫عن طريق وجود مجموعة من الرؤى السامحة بتفعيل آليات التفكير االستراتيجي السليم املكرس لتبني‬
‫تخطيط استراتيجي قويم وفعال‪ ،‬ويكون بمثابة خارطة طريق ملكافحة ومجابهة التهديدات التماثلية‬
‫والالتماثلية التي من شانها املساس بأمن الوطن‪ ،‬وذلك بإتاحة مختلف الخيارات والبدائل لصانع القرار‪،‬‬
‫للتحرك بصفة استباقية ووقائية‪ ،‬وبأقل األضرار والخسائر املعنوية واملادية‪ ،‬وانطالقا من الطرح السابق‬
‫نصيغ اإلشكالية البحثية اآلتية‪ :‬ما مدى مساهمة التخطيط االستراتيجي في تعزيز األمن الوطني للدول؟‬
‫ولإلجابة عن اإلشكالية سنقوم باختبار الفرضيتين اآلتيتين‪:‬‬
‫‪ -‬االهتمام بالتخطيط االستراتيجي ‪،‬يقوض كل فرص االنكشاف األمني‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء مراكز الفكر حيز من املساهمة في إعداد الخطط اإلستراتيجية سيساهم في صياغة‬
‫استراتيجيات أمنية تعزز وتصون األمن الوطني للدولة الحديثة‪.‬‬
‫وبما أن ألي بحث علمي جاد أهداف يسعى للوصول إليها‪ ،‬من خالل الكشف عن الحقائق املرتبطة‬
‫بانشغاالت والقضايا العالقة في املجتمع‪ ،‬أو أهداف علمية أكاديمية تساعد على وضع تصور معين لواقع‬
‫الظاهرة محل الدراسة ومحاولة التنبؤ بمجموعة من النتائج مستقبال‪ ،‬ومنه فموضوع الدراسة يسعى‬
‫لتبيان دور عملية التخطيط االستراتيجي في تعزيز األمن الوطني للدولة الحديثة‪ ،‬وما له من مغزى في تبيان‬
‫دور مراكز الفكر والتخطيط في وضع استراتيجيات من شانها تغطية االنكشاف األمني املوجود في الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬التخطيط االستراتيجي‪:‬‬
‫عملية التخطيط االس تتتراتيجي ركيزة ص تتياغة مختلف اس تتتراتيجيات الدولة الحديثة‪ ،‬من قض تتايا األمن‬
‫الوطني‪ ،‬والسياسة الخارجية‪ ،‬إضافة إلى القضايا واملسائل السوسيو اقتصادية العالقة‪ ،‬ومنه فالتخطيط‬
‫االستراتيجي أصبح أكثر من ضروري ويجب االعتماد عليه ‪.‬‬
‫‪.1.2‬مفهوم التخطيط االستراتيجي‪:‬‬
‫لم يتفق مفكري وعلماء اإلستراتيجية على تعريف موحد لإلستراتيجية‪ ،‬ولهذا ستتناول الدراسة‬
‫مجموعة من التعاريف الخاصة بعملية التخطيط االستراتيجي‪ ،‬وصوال إلى محاولة وضع تعريف عام وشامل‬
‫لهذه العملية التي تعتبر من صميم العملية القيادية لصانع القرار في الدولة الحديثة‪ ،‬حيث عرف البعض‪،‬‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬على أنه‪ " :‬الجهد املنظم من أجل صياغة قرارات وتصرفات أساسية‪ ،‬تشكل دليال‬
‫وتضع إطارا ملا ينبغي أن تكون عليه الدولة‪ ،‬وما يجب أن تفعله‪ ،‬وملاذا تفعله ؟ للحصول على أفضل النتائج"(‬

‫‪815‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫بريسون‪،2003،‬ص‪ ،)41‬وما يؤخذ على هذا التعريف أنه اتصف بالعمومية ‪،‬فلم يحدد طبيعة الجهد‬
‫ومكوناته‪ ،‬أما فايول ‪ ،FAYOL‬فعرف التخطيط االستراتيجي بأنه‪ " :‬التنبؤ باملستقبل واالستعداد له"‪ ،‬وما‬
‫يؤخذ على هذا التعريف‪ ،‬أنه حصر عملية التخطيط االستراتيجي بعملية التنبؤ فقط ‪ (.‬حسين‪،‬‬
‫عبيد‪،2013،‬ص‪ ،)69‬أما جورج تيري ‪ ،George Terry‬فعرفها على أنها‪" :‬االختيار املرتبط بالحقائق‪ ،‬ووضع‬
‫واستخدام الروض املتعلقة باملستقبل عن تصور وتكوين األنشطة املقترحة التي يعتقد بضرورتها لتحقيق‬
‫النتائج املنشودة" (عفاس‪،2008،‬ص‪.)14‬‬
‫يتضح من تعريف تيري أنه تعريف عام جدا‪ ،‬فهو يتجاهل بيئة الدولة أو املؤسسة التي تمارس عملية‬
‫التخطيط االستراتيجي‪ ،‬وتشرف على كل تفاصيلها وحيثياتها ‪.‬‬
‫وانطالقا من التعاريف السابقة لعملية التخطيط االستراتيجي‪ ،‬أنها عملية ديناميكية ومستمرة‬
‫وخصوصا بعد ازدياد الحاجة لهذا النوع من التخطيط في ظل عالم متغير ومتسارع األحداث‪.‬‬
‫‪ .2.2‬مميزات التخطيط االستراتيجي‪:‬‬
‫‪-1‬التخطيط ‪:‬يجب تس ت ت تتيير العملية التخطيطية ض ت ت تتمن منرجية علمية في التفكير وفي جمع املعلومات‪ ،‬مع‬
‫توخي املوضت تتوعية في تحليل املعلومات‪ ،‬ذلك ألن األهداف التي ست تتترست تتمها الخطة ست تتتعتمد بشت تتكل كبير على‬
‫التحليل املعلوماتي بسبب اعتماد العملية اإلستراتيجية على دعامتين أساسيتين ‪:‬‬
‫أ‪-‬الواقع املوضوعي املعطى‪ ،‬من كل جوانبه املادية والتكتيكية والبشرية والوعي والتنظيم‪.‬‬
‫ب‪-‬التفكير العلمي املعمق‪ ،‬الذي يقيم ذلك الواقع املوضوعي‪ ،‬ويحدد نوع اإلستراتيجية األنسب ملصلحة‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪-2‬دينامكية التخطيط االستراتيجي‪ :‬ال يمكن القول بوجود إستراتيجية جاهزة تصلح لكل مكان وزمان‪ ،‬ألن‬
‫العالم يتسم بالتغيير‪ ،‬وبالتالي فان الظروف تتغير وقدرات الدولة وإمكانياتها تتغير هي األخرى‪ ،‬وبالتالي فان‬
‫عملية التخطيط‪ ،‬تتصف باالستمرارية ملواكبة الدولة التغييرات اإلقليمية والدولية‪ ،‬فضال عن بيئتها‬
‫الداخلية وعلى سبيل املثال ال الحصر نجد تفوق األنموذج األمريكي في صناعة بدائل التخطيط االستراتيجي‬
‫انطالقا من الدراسات التي تقدمها مراكز البحث لصانع القرار في البيت األبيض‪ ،‬وما تنبؤ مراكز الفكر‬
‫األمريكية حول التدخل العسكري الروس ي في أوكرانيا قبل حدوثه لدليل على القراءة الجيدة لهذه املراكز‬
‫التي تشتغل باستمرار الطالع البيت األبيض على ما يحدث وما قد يحدث في املسرح الدولي‪.‬‬
‫‪-3‬ميزة التفاعلية‪ :‬يجب أن تكون هناك بيئة تفاعلية بين من يصممون اإلستراتيجية وهم القادة وبين‬
‫القواعد التي تعمل على تنفيذها‪ ،‬وان يسود هذه البيئة أجواء من حرية الرأي والتعبير‪ ،‬إلفساح املجال أمام‬
‫اإلبداع وذلك باختبار القيادة باستمرار مخرجاتها التخطيطية ومدى فاعليتها‪ ،‬وال يتم ذلك إال عن طريق‬
‫القواعد التنفيذية(سيد مصطفى‪،2008،‬ص‪.)14‬‬
‫‪- -3‬نماذج التخطيط االستراتيجي‪ُ :‬عرف العديد من نماذج التخطيط االستراتيجي‪ ،‬من أشهرها‪:‬‬
‫‪ -‬نموذج فايفر ‪ ،Pfeiffer‬وهو األكثر شمولية‪.‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪816‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫‪ -‬نموذج السيناريو‪ ،‬وهو وضع خطط وتصورات بناء على سيناريوهات قابلة الحدوث‪ ،‬وتستخدمه وزارتي‬
‫الدفاع والخارجية األمريكية‪.‬‬
‫‪ -‬نموذج (‪ ،)SWOT‬وهو تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات للواقع‪.‬‬
‫‪ -‬نموذج (‪ ،)PMSP‬وهو نموذج يستخدم في البيئات الغير مستقرة مثل البورصة (‪Hathawy,2009,pp.23-‬‬
‫‪.)42‬‬
‫‪ --4‬متطلبات إدارة التخطيط االستراتيجي‪ :‬لتتمكن إدارة التخطيط من أداء مهامها‪ ،‬فإنها تحتاج‬
‫للمتطلبات التالية‪:‬‬
‫*استصدار قرار بتشكيل إدارة التخطيط االستراتيجي‪ ،‬واعتماد صالحياتها‪.‬‬
‫*تأهيل وتدريب فريق التخطيط على أساليب التخطيط االستراتيجي‪ ،‬بدورات مكثفة تشمل (التخطيط‬
‫اإلستراتيجي‪-‬إدارة املوارد البشرية‪-‬اإلدارة املالية‪ -‬إدارة املؤسسات‪ -‬الجودة الشاملة وتقييم األداء)‪.‬‬
‫*منح صالحيات لفريق التخطيط تمكنه من جمع املعلومات و البيانات لوضع الخطة‪ ،‬وتسهيل عملية‬
‫االتصال بكافة الوحدات‪.‬‬
‫*توفير اإلمكانيات املادية الالزمة ألعضاء فريق التخطيط للقيام بمهامهم ‪.)Linking, 1998,pp.25-32(.‬‬
‫‪ -5‬مراحل الخطة اإلستراتيجية‪ :‬هناك الكثير من أساليب إعداد الخطط اإلستراتيجية‪ ،‬ومن أشهر‬
‫األساليب املستخدمة في بناء وإعداد االستراتيجيات ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬أسلوب تحليل األسئلة الحرجة‪.‬‬
‫‪-‬أسلوب تحليل جوانب القوة والضعف والفرص واملخاطر‪.‬‬
‫‪-‬أسلوب تحليل مجاالت العمل‪.‬‬
‫أسلوب استخدام السيناريوهات‪.‬‬
‫‪-‬أسلوب الطوارئ أو املوقف‪.‬‬
‫أسلوب فايفر‪ (.‬الشمام‪.)2020/12/22،‬‬
‫وسنوضح هنا مراحل إعداد الخطة باستخدام نموذج فايفر للتخطيط‪ ،‬وهو النموذج الذي تلجأ‬
‫ً‬
‫الستخدامه الكثير من املؤسسات و الشركات العاملية الكبرى حديثا‪ .‬ويتكون من املراحل اآلتية‪:‬‬
‫أ‪-‬التخطيط‪ :‬أن تخطط قبل البدء في عملية التخطيط نفسها ووضع الشروط األزمة للتخطيط ومنها‪:‬‬
‫*تحديد أعضاء فريق التخطيط و عددهم ودرجة تفرغهم‪.‬‬
‫*تحديد املؤثرين و املتأثرين بعملية التخطيط من أفراد وجهات‪.‬‬
‫*اعتماد نموذج التخطيط لوضع الخطة‪.‬‬
‫*تحديد نوع وطريقة جمع املعلومات الالزمة إلعداد الخطة‪.‬‬
‫*تحديد مدة الخطة و املدة الزمنية الالزمة لعملية التخطيط‪.‬‬
‫*تحديد نوع الدعم الالزم من الجهات العليا‪.‬‬
‫*تهيئة املؤسسة لعملية التخطيط االستراتيجي‪(.‬حسين‪،2013،‬ص ص ‪)93،105‬‬

‫‪817‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫ب‪.‬استعراض القيم‪ :‬ويتم في هذه الخطوة استعراض األشياء التي تمثل قيم عالية للمؤسسة العسكرية‪،‬‬
‫مثل (الفرد‪ -‬األمن‪ -‬العقيدة العسكرية‪-‬األمانة‪ -‬التميز‪ -‬روح الفريق)‪ ،‬واعتمادها‪.‬‬
‫ت‪.‬الرؤية‪ :‬وهي صورة أو شكل املؤسسة العسكرية بعد عدد من السنين‪ ،‬وتكون الرؤية وفق القيم التي‬
‫ً‬
‫اعتمدتها املؤسسة‪ ،‬فتتصف بالشمولية والوضوح والطموح‪ ،‬وتكون غالبا مختصرة في عدد من الكلمات‬
‫حتى يسهل حفظها من الجميع‪ ،‬وتعلق في األماكن البارزة بوحدات املؤسسة‪.‬‬
‫"ث‪.‬الرسالة‪ :‬وهي نوع املهمة التي تقدمها املؤسسة العسكرية‪ ،‬واملستهدفون بهذه املهمة‪.‬‬
‫ج‪.‬نموذج العمل االستراتيجي‪ :‬يعني مجاالت العمل الرئيسية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫*مجاالت العمل وغاياتها‪.‬‬
‫*مؤشرات النجاح‪.‬‬
‫*وحدات التنفيذ ( الهيكل التنظيمي)‪.‬‬
‫ح‪.‬تقييم األداء‪ :‬وهو تحليل نقاط القوة والضعف والفرص املتاحة‪ ،‬وكذلك املخاطر املتوقعة لكل وحدة‬
‫ومؤشر باستخدام تحليل سوات (‪ )SWOT‬لتقييم األداء‪.‬‬
‫خ‪.‬تحليل الفجوات‪ :‬وهو سد الفجوات والعيوب التي قد تظهر في التخطيط‪ ،‬بمقارنة الوضع الحالي لكل‬
‫وحدة ولكل مؤشر مع الوضع املطلوب في الخطة اإلستراتيجية‪.‬‬
‫‪ -6‬فوائد التخطيط االستراتيجي‪ :‬للتخطيط االستراتيجي عدة فوائد عامة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫*وضوح الرؤية وتحقيق األهداف‪.‬‬
‫*االستخدام األمثل للموارد واإلمكانيات‪.‬‬
‫*تحقيق التكامل والتنسيق بين مكونات املؤسسة‪.‬‬
‫*السيطرة على مشاكل التنفيذ‪.‬‬
‫*تحديد األولويات وترتيبها‪.‬‬
‫*تخفيض املخاطر سواء كانت خارجية أو داخلية (‪.)Stevenson,2006,pp45,65‬‬

‫‪ .3‬عالقة التخطيط االستراتيجي باألمن الوطني‪:‬‬


‫ال يتمتكتن فتي أي ح ت تتال متن األحتوال تص ت ت ت تتور بتن ت تتاء أمتن وطتنتي وتتعتزيتزه دون التقتي ت تتام بتعتمتلتي ت تتة التتتختطتيتط‬
‫االستراتيجي‪ ،‬وسنسلط الضوء على اتيمولوجية األمن الوطني قبل تبيان العالقة العضوية بينهما‪.‬‬
‫‪ .1.3‬اتيمولوجية األمن الوطني‪:‬‬
‫عرفه" هنز مورغانتو ‪ "Hans.JMorgenthou‬بقوله‪ ":‬األمن الوطني يكمن في مقدرة الدولة على الحفاظ‬
‫على وحدتها الترابية‪ ،‬وعلى مؤسساتها الوطنية‪،‬وقدرتها على الدفاع عن هويتها الثقافية وهذا بنشرها في‬
‫املسرح الدولي وحمايتها من التوغالت األجنبية"( ‪.)Roche,2004,pp.33-34‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪818‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫أما "باري بوزن‪،Buzan Barry،‬فعرفه بأنه‪" :‬األمن الوطني للدولة يتضح من خالل الشرعية الخارجية‬
‫والشرعية الداخلية‪،‬فالشرعية الخارجية تكمن في اعتراف املجتمع الدولي بالدولة وبسلطاتها السيادية‬
‫والشرعية الداخلية‪ ،‬وتتجسد في ضرورة استقالل الدولة السيادية وهذا يخلق تجانس وتعايش اجتماعي"‬
‫(‪.)Buzan,1993,p.39‬‬
‫أما بالنسبة" لجون جاك روش‪ ،"Jean Jacques Roche,‬فقد اهتدى إلى أن‪ ":‬األمن الوطني هو قدرة‬
‫الجماعة على الحفاظ على قيمها الخاصة بالرغم من املتغيرات الواقعية والحيوية املتعلقة‬
‫بالتقاليد‪،‬اللغة‪،‬ثقافة الجماعة‪ ،‬والهوية الوطنية أو الدينية (‪.)Roche,p.39‬‬
‫كما عرف األمن الوطني الدكتور"هشام محمود االقداحي" بأنه‪ ":‬القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين‬
‫انطالق مصادر قوتها الداخلية والخارجية في مواجهة التهديدات‪ ،‬في السلم والحرب مع استمرار االنطالق‬
‫املؤمن لتلك القوى في الحاضر واملستقبل تحقيقا لألهداف القومية املخططة" (االقداحي‪،2008،‬ص‪.)155‬‬
‫‪.2.3‬األبعاد اإلستراتيجية للمن الوطني‪:‬‬
‫إن اتساع النطاق اإلجرائي العملي لألمن الوطني ليشمل كل أبعاد الحياة اإلنسانية على املستويين‬
‫الفردي والجماعي قاد إلى اتساع نطاق دراسات األمن القومي لتشمل بدورها تلك األبعاد بخصائصها‬
‫السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية والثقافية‪.....‬الخ‪ ،‬بعد أن كان االهتمام النظري منصبا من قبل على‬
‫البعد العسكري لألمن القومي كما أن مدة األبعاد اتسعت لتشمل أبعاد فرعية وسنحاول التطرق إليها‬
‫باختصار‪:‬‬
‫أ‪-‬األمن العسكري‪ :‬حيث يعتبر األمن العسكري البعد األكثر وضوحا ملفهوم األمن القومي‪ ،‬والزال الكثيرون‬
‫يجدون األمن القومي متمثال في القدرة العسكرية للدولة على صد أي اعتداء خارجي وهو تعريف يخص األمن‬
‫العسكري ‪.‬‬
‫وال يتحقق األمن العسكري إال بتوفر محصلة عوامل أساسية تظهر من خالل إستراتيجية واضحة‬
‫ومحددة‪ ،‬واإلستراتيجية العسكرية تنعكس لدى بعض الدول الكبرى في ثالثة مطالب أساسية‪:‬‬
‫‪-1‬الحاجة إلى إستراتيجية وطنية متماسكة‪ ،‬مبنية على الدمج املالئم لجميع العوامل الوثيقة الصلة‬
‫باملوضوع‪.‬‬
‫‪-2‬الحاجة إلى تنسيق على مستوى عال للمخططات العسكرية والتعبئة العامة املدنية‪.‬‬
‫‪-3‬الحاجة إلى الوصول إلى كفاءة عالية في إدارة عمليات الخدمات وبصفة عامة ليتحقق األمن العسكري‪،‬‬
‫إال إذا توفرت العديد من املعطيات بقدر معقول‪ ،‬من أهمها إمكانية تصنيع السالح‪ ،‬والقدرة على استخدامه‬
‫باالعتماد على النفس‪ ،‬للتخلص من مظاهر التبعية‪ ،‬الن الدولة املستوردة لكل أسلحتها ومعداتها أو معظمها‬
‫من دولة أو أكثر لعدم قدرتها على تصنيع السالح‪ ،‬وال حتى صناعة ذخائره وصيانته‪ ،‬وهي دولة ال يمكنها‬
‫تحقيق األمن العسكري‪ ،‬ألن التبعية العسكرية تعتبر أكثر أدوات التدخل الخارجي تأثيرا وتهديدا لألمن‬
‫الوطني للدولة (علي‪ ،‬مراد‪ ،2006،‬ص ص ‪.)69-67‬‬

‫‪819‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫إن األمن الوطني هو مسؤولية القيادة السياسية‪ ،‬واألمن العسكري من مسؤولية القيادة العسكرية‪،‬‬
‫والتي تكون تحت إشراف القيادة السياسية وتوجهيها‪.‬‬
‫ب‪-‬البعد السياس ي‪ :‬ويشمل هذا البعد األمن السياس ي واألمن الوقائي‪:‬‬
‫‪-1‬األمن السياس ي‪ :‬يعرف األمن السياس ي بأنه" الجهود املبذولة في املحافظة على أسرار الدولة وسالمتها‪،‬‬
‫والعمل على منع ما من شأنه إفساد العالقة بين السلطة والشعب‪ ،‬أو تشويه صورة الدولة"‪ ،‬فهو أحد فروع‬
‫األمن الداخلي للدولة ويشمل األمن العام‪ ،‬حيث يعتبر التأمين الذاتي لنظام الحكم أحد عناصر األمن‬
‫السياس ي الذي يمثل أهم عناصر تحقيق األمن القومي‪ ،‬ويكمن تحديد عناصر األمن السياس ي كاألتي‪:‬‬
‫‪-1‬تدابير وقواعد األمن الخاص( وهو حماية أسرار الدولة)‪.‬‬
‫‪ -2‬الجاسوسية املضادة من حيث مكافحتها بشتى الوسائل‪.‬‬
‫‪ -3‬أمن الدولة وهي عملية تأمين النظام الداخلي للدولة‪ ،‬وتتمثل في مقاومة األنشطة الضارة بهذا النظام‪.‬‬
‫كما أن األمن السياس ي‪ ،‬يكمن في مشاركة الشعب في صنع السياسات العامة عن طريق اآلليات‬
‫الديمقراطية‪ ،‬وهذا بمشاركة سياسية تضمن خضوع السلطة إلرادة الشعب وحق الشعب في انتخاب‬
‫ممثليه وضمان الدولة لعملية التعقيد املؤسساتي والتباين السلطوي املمهدة للجودة السياسية‪.‬‬
‫‪ -2‬األمن الوقائي‪ :‬هو مجموعة التدابير التي تؤمن الجوانب املهمة في الدولة وتشمل كافة اإلجراءات‬
‫والترتيبات التي تتخذها الدولة‪ ،‬عن طريق أجهزتها املختلفة‪ ،‬املعدة لهذا الغرض‪ ،‬لحفظ أسرارها وحماية‬
‫منشئاتها ضد مخابرات العدو في الداخل والخارج‪ ،‬حيث يهدف األمن الوقائي لتحقيق ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحفظ على معلومات الدولة العامة‪،‬واملرتبطة بأمنها القومي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوقاية من التخريب املادي ومقاومته‪ ،‬والوقاية ومقاومة التخريب املعنوي بكافة أشكاله‪.‬‬
‫د‪ -‬مقاومة النشاط الهدام والتآمر والتمرد( عبد الهادي‪،2008،‬ص ص‪.)115-96‬‬
‫ت ‪ -‬البعد االقتصادي‪ :‬لقد ارتبط االقتصاد باألمن الوطني ارتباطا وثيقا‪ ،‬حتى أصبح هناك علم مستقل‬
‫يحمل اسم علم اقتصاد األمن الوطني‪،‬من أجل بناء اقتصاد قوي‪ ،‬وتنمية ناجحة من خالل تحقيق تنمية‬
‫ناجعة تحقق األمن الوطني‪ ،‬من خالل تحقيق االستقالل االقتصادي‪ ،‬واالكتفاء الذاتي من الغذاء للوصول‬
‫لألمن االقتصادي‪ ،‬واألمن الغذائي واستخدام كافة الوسائل الحديثة لتحقيق األمن املائي‪ ،‬والوصول بذلك‬
‫ألعلى مستويات املعيشية‪ ،‬وتحقيق الرفاهية االجتماعية من خالل توفير الجوانب األمنية لالقتصاد وهي‪:‬‬
‫‪-1‬األمن االقتصادي‪ :‬لقد أصبح االقتصاد سالحا سياسيا وعسكريا‪ ،‬ويستخدم بكثرة في السياسة الخارجية‬
‫للدول النامية يجعل التبعية االقتصادية من أخطر العوامل املؤثرة في األمن الوطني‪.‬‬
‫كما أن األمن الوطني ينكشف إذا اتبعت سياسات اقتصادية غير راشدة‪ ،‬تؤدي باقتصاد الدولة إلى‬
‫حالة تخلف وتبعية‪ ،‬فتجد الدولة نفسها مرتبطة باتفاقيات غير متكافئة‪ ،‬وعالقات مشبوهة أو معتمدة‬
‫على مساعدات خارجية كالهبات والقروض‪ ،‬كما هو الشأن فيما يخص صندوق النقد الدولي(‪ )FMI‬والبنك‬
‫العاملي لإلنشاء والتعمير والدور السلبي الذي يلعبه في تنمية دول العالم الثالث‪.‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪820‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫فاملقصود باألمن االقتصادي درجة مقبولة من االستقالل االقتصادي ونجاح التنمية االقتصادية‪،‬‬
‫واالعتماد على النفس‪ ،‬وفي حالة العالقات االقتصادية الدولية يمكن أن يكون االعتماد املتبادل وليس‬
‫التبعية االقتصادية (عرفة ‪،2009،‬ص ‪.)21‬‬
‫‪ -2‬األمن الغذائي‪ :‬تعتبر مشكلة الغذاء من املشاكل املستعصية على املجتمع الدولي‪،‬ومن التحديات الكبيرة‬
‫التي تهدد وجود البشرية‪ ،‬حيث أقيمت اجتماعات وندوات ملناقشة هذه املشكلة للوصول إلى إيجاد الحلول‬
‫و اآلفاق خاصة وأنها في تفاقم مستمر‪.‬‬
‫هذا ما يجرنا للحديث عن ضرورة توفير الغذاء‪ ،‬وتأمين حاجة الدولة الضرورية منها من منتجاتها‬
‫واالحتفاظ بجزء منه كمخزون استراتيجي تحسبا لوقت الحاجة وحماية الدولة‪ ،‬أثناء األزمات من الجوع‬
‫وسوء التغذية‪.‬‬
‫فاألمن الغذائي مسالة حيوية في مسار الدولة‪ ،‬ولهذا الغرض تضع الدول برامج األمن الغذائي تجنبا‬
‫للمساعدات الخارجية وتجنبا لعواقبها الوخيمة التي تنجر عنها‪ ،‬خاصة أن الدول املتقدمة‪ ،‬تسيطر على‪50‬‬
‫‪ %‬من اإلنتاج العاملي الغذائي‪ ،‬تستخدمه سالحا سياسيا إلخضاع الشعوب‪( .‬غربي‪،2010،‬ص ص ‪)50-42‬‬
‫وما حصار العراق وحصار ليبيا بعد أزمة "لوكاربي"‪ ،‬وحصار "غزة" ‪ ،2008‬لخير دليل على ضرورة‬
‫تنسيق الجهود بين كافة شرائح املجتمع الواحد لتفادي أية ويالت ومصائب في املستقبل سببها الغذاء‪ ،‬الذي‬
‫يمثل حياة البشرية واستمرار الحياة عامة‪.‬‬
‫‪ -3‬األمن املائي‪:‬أصبح مفهوم األمن املائي‪ ،‬من أكثر مفاهيم األمن تداوال في العقود األخيرة خاصة مع انتشار‬
‫التصحر وسنوات الجفاف واملجاعة التي تعاني منها العديد من املجتمعات‪ ،‬هذا ما جعل الكثير من الدول‬
‫تبحث عن مصادر جديدة لضمان أمنها املائي كتصفية مياه البحر ومحاولة االستفادة من املياه الجوفية‬
‫خاصة في دول القارة السمراء‪ ،‬التي أغلبية أراضيها صحاري وخير مثال على ذلك استغالل املياه الجوفية‬
‫كما هو الحال في ليبيا بإنشائها النهر الصناعي العظيم‪،‬الذي قض ى على مشكلة املياه في ليبيا في الكثير من‬
‫أقطار البالد(زنبوعة‪ ،2007،‬ص ‪.)181‬‬
‫ويقصد باألمن املائي قدرة الدولة أو األمة على توفير حاجة سكانها من املياه‪ ،‬لألغراض املختلفة‪ ،‬سواء‬
‫استهالكية‪ ،‬أو زراعية أو صناعية بتكلفة معقولة آخذة في اعتبارها احتياجات األجيال القادمة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى قدرتها على حماية مصادر مياهها حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة‪.‬‬
‫ت‪-‬البعد اإلجتماعي‪ :‬ويتمثل في األمن االجتماعي‪ ،‬ويتردد مفهومه بكثرة لدى علماء االجتماع ويطلق عليه‬
‫أيضا التماسك االجتماعي والقوة االجتماعية‪ ،‬ويقصد به الحالة التي يكون فيها املجتمع متماسكا‪ ،‬وخاليا‬
‫من كل مظاهر التردي ابتداء من السلبية وانتهاء بالجريمة‪ ،‬ويتطلب األمن االجتماعي دراسة املشاكل واآلفات‬
‫االجتماعية‪ ،‬لتحديد أي انحرافات عن القواعد ومعايير التي حددها املجتمع للسلوك السوي‪ ،‬وعدم‬
‫السماح بالتفكك االجتماعي‪ ،‬مراقبا بدقة حتى ال تحدث فجوة في التوازن االجتماعي‪(.‬أسامة السيد‪،‬د س‬
‫ن‪،‬ص‪.)19‬‬

‫‪821‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫ومن هذا العرض يتضح لنا أن األمن االجتماعي يتمثل في قدرة الدولة على الحفاظ على البيئة‬
‫االجتماعية الصلبة واملتينة للدولة‪ ،‬وخلق انسجام بين أفراد املجتمع الواحد‪ ،‬مع ضمان االنسجام وإشعار‬
‫األفراد بضرورة التكافل وتضافر الجهود من اجل خلق توازن اجتماعي‪ ،‬وهذا بمحاربة الظواهر الغريبة عن‬
‫املجتمع والتي تشكل تهديدا للشخصية الوطنية للدولة‪.‬‬
‫ج‪-‬البعد الثقافي‪ :‬ويشمل هذا البعد األمن الثقافي واألمن اإلعالمي‪.‬‬
‫يقصد به قدرة األمة الحفاظ على ثقافتها وتراثها وأنماط سلوك واالستهالك واللغة واالعتزاز بالتاريخ‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فحسب "تايلور‪" :" Taylor .‬فالثقافة هي الكل املركب الذي يشتمل على املعارف واملعتقدات‬
‫والفن والقانون واألخالق والتقاليد وكل القابليات (املمكنات) التي يكتسبها الفرد باعتباره عضو في املجتمع"‬
‫(الدويري‪،2013،‬ص ص ‪.)103-100‬‬
‫ومن هذا التعريف يتضح لنا أن لكل دولة أو أمة ثقافة خاصة تميزها عن الثقافات األخرى فتحافظ‬
‫عليها وتعتز بها‪ ،‬وترى فيها وسيلة لوحدتها‪ ،‬وأداة تستخدمها إلثارة مشاعر أبنائها أمام التحديات الخارجية‪،‬‬
‫ألن املجتمع الذي تنهار ثقافته أو تفكك أمام الثقافات األخرى يفقد ترابطه وتضيع فيه ثقة الناس بأنفسهم‬
‫ويصبحون عالة على غيرهم‪ ،‬كما يفقدون شخصيتهم وروحهم املجتمعية وتتحطم عناصر جوهرية في بنية‬
‫مجتمعهم ‪.‬‬
‫د‪-‬األمن اإلنساني ‪ :‬هناك عدة تعاريف قدمت لألمن اإلنساني ‪ ،‬وقد إخترنا بعض هذه التعاريف التي رأيناها‬
‫شاملة وملمة بعناصر األمن اإلنساني ‪.‬فقد عرفته األمم املتحدة للتنمية اإلنسانية لسنة ‪ PNUD 1994‬بأنه"‬
‫يعني التحرر من الخوف‪ ،‬واألمن من الحاجة " (‪.)pnud,1994,p04‬‬
‫و للتوضيح أكثر ‪،‬التهديدات املصاحبة بعنف متعلقة بالنزاعات املسلحة ‪ ،‬اإلجرام املنظم ‪ ،‬تعسف‬
‫األجهزة األمنية للدولة على املواطنين‪ ،‬أما التي ال تصاحب بعنف على غرار التهديدات االقتصادية للفرد‬
‫كالفقر ‪ ،‬الالعدالة في توزيع املوارد املالية للدولة‪ ،‬تفش ي األمراض املزمنة‪ ،‬التهديدات البيئية ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وبصفة عامة يمكننا وضع مفهوم شامل لألمن اإلنساني من خالل التقرير الذي حرره محمود الحق‬
‫وأمارتي سان‪ ،‬باستخدام ترابط عضوي بين [ مصفوفة قيمية] ‪ ،normative matrix‬تحمل عدة متغيرات‬
‫معقدة منها ‪:‬‬
‫‪ -‬بناء منطق عاملي متكامل و نفعي لحقوق اإلنسان ‪.‬‬
‫‪ -‬بناء منطق سياس ي يقوم على ديمقراطية مشاركاتية تحقق لإلنسان حرية املبادرة السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬بناء منطق اقتصادي‪ ،‬يؤمن حقوق املبادرة اإلنتاجية و االستثمارية للجميع ‪.‬‬
‫‪ -‬بناء منطق دولة الحق و القانون ‪.‬‬
‫‪ -‬بناء فلسفة لتنمية سياسية توازن بين حاجات الهوية الذاتية و الوالء املطلق للوطن ‪.‬‬
‫‪ -‬تفعيل حرية التفكير و التعبير و املعتقد ‪.‬‬
‫‪ -‬بناء منطق تنموي قائم على الشفافية و األمانة ‪.‬‬
‫‪ -‬الحفاظ املستديم على البيئة من مخاطر التلوث و الكوارث الطبيعية ‪.‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪822‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫‪ -‬عقلنة و ترشيد الحكم العاملي باسم الذكاء املشترك و التضامن املشترك إلنتاج قواعد التزام دولي ملنع‬
‫اللجوء للحرب و االحتواء اإلستباقي لألزمات ‪.‬‬
‫‪ .4‬تقييم عالقة التخطيط االستراتيجي باألمن الوطني‪:‬‬
‫تبرز العالقة العضوية بين التخطيط االستراتيجي واألمن الوطني في طبيعتهما املعقدة والتركيبة العابرة‬
‫للتخصص‪ ،‬فالتخطيط االستراتيجي يستوجب وجود مجموعة من مراكز الفكر لصناعة السيناريوهات‬
‫املحتملة إزاء القضية محل الدراسة‪ ،‬واألمن الوطني مرتبط ارتباطا وثيقا بنتائج هذه املراكز ‪.‬‬
‫ومنه فاألمن الوطني كمفهوم استراتيجي‪ ،‬يتكون من جانبين مادي يمكن تحديد مكوناته‪ ،‬وعناصره‬
‫بدقة ومقارنتها بنظائرها لدى الدول واملجتمعات األخرى‪ ،‬مما يسهل وقايتها وحمايتها من التهديدات‬
‫املحتملة‪ ،‬وجانب معنوي يخص معنويات املجتمع ومدى ارتباطه بالنظام السياس ي القائم ‪.‬‬
‫وعندما يعبر األمن الوطني عن جانبيه املادي واملعنوي‪ ،‬فان جوهره يتلخص في تحديد عناصر الضعف‬
‫بإستراتيجية للدولة ومدى تفاعلها فيما بينها‪ ،‬والعمل على تخطييها عن طريق تعديل التخطيط االستراتيجي‪،‬‬
‫بإجراءات وقائية‪ ،‬والهدف منها ضمان عدم صدور تهديدات عن هذا الضعف الذي يمس بطريقة مباشرة‬
‫باستقرار الدولة وأمنها‪.‬‬
‫كما أن عملية التخطيط االستراتيجي واألمن الوطني مرتبطتان بمدى التفاعل املجتمعي ونضج‬
‫املواطنين‪ ،‬وقدرتهم على استيعاب مختلف التهديدات التي تمس بأمنهم وأمن أوطانهم‪ ،‬وذلك مرتبط ارتباطا‬
‫وثيقا بالتربية الوطنية والتي يجب أن تتمحور حول العناصر اآلتية‪:‬‬
‫‪-1‬تقوية شعور الفرد باالنتماء لوطنه‪ ،‬وتنمية الوعي االجتماعي والشعور بأهمية عادات وتقليد وقيم‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫‪-2‬تبصير املواطن باألخطار التي تهدد وطنه‪ ،‬وتحصينه ضد التسلط وتربية السلوك الوطني على أساس‬
‫التعاون املشترك ‪.‬‬
‫‪-3‬تحمل أعباء اآلخرين‪ ،‬وإيثار الصالح العام واحترام حقوق الغير وأرائهم وعواطفهم‪ ،‬عن طريق غرس روح‬
‫التفاعل االيجابي خدمة للصالح العام‪ (.‬الدويري‪،2007،‬ص ص ‪.)72-55‬‬
‫تهدف التربية الوطنية إلى إرساء قواعد متينة لدى املواطن وتحسيس وتوعية الجماعة بضرورة التفاعل‬
‫والتعاون مع صانع القرار‪ ،‬إليجاد الحلول لجميع التهديدات التي تمس بأمن الوطن واستقراره‪ ،‬وذلك‬
‫بواسطة عملية التخطيط استراتيجي ‪.‬‬

‫‪.5‬خاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق من تحليل عملية التخطيط االستراتيجي ودورها في بناء وتكريس األمن الوطني للدولة‬
‫الحديثة‪ ،‬يمكن اإلدالء بأنها عملية جد معقدة باعتبارها تحتوي على تشابك املعطيات من جهة‪ ،‬وصعوبة‬
‫الظاهرة األمنية التي تتسم بطابع النسيبة من ناحية أخرى‪ ،‬مما يضفي على عملية التخطيط االستراتيجي‬

‫‪823‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫نوع من الغموض والضبابية‪ ،‬إال أن هذا األمر ال ينفي طبيعة العالقة العضوية بين عملية التخطيط‬
‫االستراتيجي كوسيلة واألمن الوطني كغاية وهدف ‪.‬‬
‫كما أن عملية التخطيط االستراتيجي عصب ومرجع ال يمكن التغافل عنه في عملية بناء األمن الوطني‪،‬‬
‫والذي يستدعي نضج كبير من طرف كل شرائح وأطياف املجتمع‪ ،‬باختالف مشاربها الحضارية‪ ،‬باعتبار أن‬
‫اإلبقاء على استقرار الدولة وحماية أمنها مسؤولية الجميع‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك فان العالقة العضوية بين عملية التخطيط االستراتيجي واألمن الوطني في الدولة‬
‫الحديثة‪ ،‬أنتجت مجموعة من األفاق لبناء حاضر ومستقبل الدولة عن طريق االهتمام بإنشاء جيل يؤمن‬
‫بالوطن كمكسب ال يمكن التنازل عنه‪ ،‬وتبجيل ثقافة املواطنة والتنشئة األمنية صونا وحفاظا على األمن‬
‫الوطني‪ ،‬وهو ما يفسر الدور الذي تؤديه مختلف املؤسسات التعليمية بمتابعة دقيقة من املختصين في‬
‫الشأن التربوي وبرعاية مراكز الفكر التي تعتبر املرجع في صناعة املناهج التعليمية والدراسية‪ ،‬لتكوين‬
‫أجيال خادمة للوطن‪.‬‬
‫فالعالقة بين التخطيط االستراتيجي واألمن الوطني هي ضرورة أفرزتها املتغيرات التي حصلت في التركيبة‬
‫االجتماعية للدولة الحديثة من جهة‪ ،‬وتسارع األحداث في الساحة الدولية‪ ،‬مما استوجب ضرورة وضع‬
‫خطط إستراتيجية ملجابهة مختلف التحديات والتهديدات التماثلية والال تماثلية أي كانت‪.‬‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫• املؤلفات‪:‬‬
‫االقداحي‪ ،‬هشام محمود‪ .)2008(.‬معالم الدولة القومية الحديثة‪،‬االسكندارية‪ :‬مؤسسة شباب‬ ‫‪-1‬‬
‫الجامعة‪.‬‬
‫‪ -2‬بريسون‪ ،‬جون م‪.)2003(.‬التخطيط االستراتيجي للمؤسسات العامة –وغير الربحية (دليل عمل لدعم‬
‫االنجاز املؤسساتي واستدامته ) ‪،‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان ناشرون ‪.‬‬
‫حسين‪،‬خليل ‪،‬عبيد ‪،‬حسين‪.)2013(.‬االستراتيجيا‪،‬بيروت‪ :‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫حسين ‪،‬فوزي حسن‪، )2013( .‬التخطيط االستراتيجي للسياسة الخارجية وبرامج األمن القومي للدول‬ ‫‪-4‬‬
‫(الواليات املتحدة األمريكية نموذجا‪،‬القاهرة‪:‬مكتبة مدبولي‪.‬‬
‫الدويري ‪،‬فايز محمد‪.)2013(.‬األمن الوطني ‪،‬عمان ‪:‬دار وائل‬ ‫‪-5‬‬
‫الدويري‪،‬فايز محمد‪(.‬د س ن)‪.‬دور الجامعات الرسمية في تعزيز األمن الوطني‪ ،‬رسالة دكتوراه‬ ‫‪-6‬‬
‫منشورة‪،‬عمان‪:‬الجامعة األردنية‪.‬‬
‫عساف‪ ،‬معتز‪.)2008(.‬التمييز في التخطيط االستراتيجي باستخدام بطاقات األداء املتوازن ‪،‬بيروت‪:‬دار‬ ‫‪-7‬‬
‫الشروق‪.‬‬

‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬ ‫‪824‬‬
‫د‪ /‬مصطفى ونوغي‬ ‫التخطيط االسرتاتيجي كآلية لتعزيز األمن الوطين‬

‫عبد السميع ‪،‬أسامة السيد ‪(.‬د س ن)‪.‬األمن االجتماعي في اإلسالم دراسة مقارنة‪،‬القاهرة‪:‬دار الجامعة‬ ‫‪-8‬‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫عبد الهادي ‪،‬عبد الناصر عباس‪.)2008(.‬األمن الشامل وانعكاساته على التخطيط االستراتيجي لألمن‬ ‫‪-9‬‬
‫الوطني‪ :‬دراسة تطبيقية على األمن الوطني الفلسطيني‪.‬الرياض‪ :‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪.‬‬
‫‪ -10‬عرفة ‪ ،‬خديجة محمد أمين‪.)2009(.‬األمن اإلنساني‪ :‬املفهوم والتطبيق في الواقع العربي‪ ،‬الرياض‪ :‬جامعة‬
‫نايف للعلوم األمنية‬
‫غربي‪ ،‬فوزية‪.)2010(.‬الزراعة العربية وتحديات األمن الغذائي ‪،‬حالة الجزائر‪،‬بيروت‪:‬مركز الدراسات‬ ‫‪-11‬‬
‫الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ -12‬مسعود ‪ ،‬عبد هللا محمد علي‪ ،‬مراد ‪،‬عباس‪ .)2006(.‬األمن القومي‪،‬ليبيا‪ :‬دار الكتب الوطنية‪.‬‬
‫‪ .‬املقاالت‪:‬‬
‫زنبوعة‪ ،‬محمود‪.)2007(.‬األمن املائي العربي‪،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية‬ ‫‪-13‬‬
‫والقانونية‪،‬املجلد ‪،23‬العدد األول‪.‬‬
‫سيد مصطفى‪ ،‬احمد‪".)2008(.‬التخطيط األمني االستراتيجي وإدارة التغيير في مجال مكافحة‬ ‫‪-14‬‬
‫اإلرهاب "‪،‬مجلة كلية التدريب والتنمية العدد الثالث ‪.‬‬
‫‪ .‬مو اقع االنترنات‪:‬‬
‫الشمام‪،‬رائد مهندس فرج محمد ‪ ،‬وآخرون‪،‬دور التخطيط اإلستراتيجي في بناء املؤسسة‬ ‫‪-15‬‬
‫العسكري‪https://bitly.402.vol.41.38.2020/12/22،‬‬
‫ثانيا ‪:‬المراجع باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪Overages:‬‬
‫‪16- Buzan, Barry).1991(.People, states and fear an agenda for international security studies‬‬
‫‪in the post-cold war era, 2ed ,Boulder ,Lynne Reiner Publishers.‬‬
‫‪17-‬‬ ‫‪E.Hathawy , Melissa(2009).Strategic advantage :why American should care‬‬
‫‪about cyber security ,USA: Harvard University.‬‬
‫‪18- Linkin,LiedtkaJ. (1998). Strategic thinking with planning and leadership .London :OUP‬‬
‫‪,1998.‬‬
‫‪19- Roche, Jean-Jacques. (2006) Théories des relations internationales, Paris :Montchrestien .‬‬
‫‪20- Stevenson, De Grazia.(2006) World politics : A study in international Relations, New‬‬
‫‪York :Nobel editions‬‬

‫‪825‬‬ ‫جملة السياسة العاملية‪ ،‬اجمللد (‪ ،)6‬العدد (‪ ،)1‬السنة (‪ ،( 2022‬ص ص‪825-814 :‬‬

You might also like