Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫صورة البطل التراجيدي في شعر مظفر النواب‬


‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬رسول بالوي (أستاذ مساعد في جامعة خليج فارس‪ ،‬بوشهر‪ -‬ايران)‬
‫عبدالحسين کعب عمير (ماجستير في اللغة العربية وآدابها‪ -‬ايران)‬
‫‪Dr. Rasoul Ballawy‬‬
‫‪Image of the Tragic Hero in the Poetry of Mudhafar Al-Nawab‬‬
‫)‪Asst. Prof. Dr. Rasool Balawi ( University of Persian Gulf , Bushahar/ Iran‬‬
‫)‪Abdul Hussein Kahab Umair (M.A in Arabic Language and Literature/ Iran‬‬
‫‪r.ballawy@pgu.ac.ir‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪In the field of literature, throughout the years, creative people have got unique works putting‬‬
‫‪them at the top of the creative list of artists. The great Iraqi poet Mudhafar Al-Nawab is one of these‬‬
‫‪for he has left a noticeable effect on the field of modern Iraqi literature. He has become one of the most‬‬
‫‪important political insurgents against the deteriorating life conditions. This study being a descriptive,‬‬
‫‪analytic method sheds light upon the image of the tragic hero in the poetry of Mudhafar Al-Nawab‬‬
‫‪such as Imam Hussein (p.h) and Khalid Al-Islambuli being two symbols searching for justice and‬‬
‫‪confronting oppression and tyranny.‬‬
‫‪Key words: modern Iraqi poetry, Mudhafar Al-Nawab, tragic hero‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫يتفردون بها وتجعلهم في مقدمة صفوف‬
‫في ساحات األدب وعبر السنين الطوال نجد هناك مبدعين لديهم أعمال وميزات خاصة ّ‬
‫الفن واالبداع‪ .‬مظفر النواب الشاعر العراقي الكبير أحد هوالء المبدعين‪ ،‬حيث ترك بصمة واضحة على ساحة األدب العراقي الحديث‪،‬‬
‫أهم السياسيين المتمردين علی الواقع المتردي‪ ،‬وکان له دور بارز في الواقع السياسي العراقي من خالل رسمه لوحة متكاملة‬
‫وأصبح من ّ‬
‫تظهر فيها الوضع الحاكم‪ .‬هذه الدراسة بإعتمادها على المنهج الوصفي ‪ -‬التحليلي‪ ،‬تلقي نظرة على صورة البطل التراجيدي في شعر‬
‫مظفر النواب؛ فقد استدعى الشاعر في نتاجه األدبي أبطال تتّفق مع رؤيته التي يديد التعبير عنها كاإلمام الحسين(ع) وخالد‬
‫اإلسالمبولي ليكونا رم از للباحثين عن العدالة ومواجهة الظلم واالستبداد‪.‬‬
‫الكلمات الرئيسية‪ :‬الشعر العراقي الحديث‪ ،‬مظفر النواب‪ ،‬البطل التراجيدي ـ‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫العالم العربي فيه حركة مستمرة وغليان جماهيري شامل ألجل استيقاظ الشعوب من تحت وطأة االستبداد وهنا نری تواجداً من‬
‫مما يدفعهم إلى‬‫جانب الشعراء والتزامهم الصريح باألمور الجارية وقضايا الشعب وهم يحملون كابوس كالجمرة في روحهم وشعرهم ّ‬
‫يتصدر قائمة الموضوعات التي تناولتها‬
‫التمرد والتحريض على الوضع الموجود‪ ،‬األمر الذي يش ّكل سمة بارزة في شعرهم؛ حيث « ّ‬
‫غيرت خارطة البلد السياسية‬
‫القصائد الحديثة على وجه الخصوص؛ ألن هذه القصائد حفلت بالكثير من األحداث والثورات التي ّ‬
‫وخارطة العالم العربي عموماً؛ وانعكس صداها واضحاً في مجمل النتاج الشعري؛ وتميزه بنزوع واضح نحو االندماج بالمجتمع وقضاياه‬
‫السياسية تحديداً وم عايشة الهم الوطني الذي حمله الشعراء في ضمائرهم وحولوا قصائدهم إلى أسلحة حقيقية تعرى وقاحة الطغاة‬
‫تتعرض له بالدهم والبلدان العربية األخری من أحداث‬
‫عما ّ‬‫المستبدين» (جدوع‪ .)4 :2012 ،‬فالشعراء بشعرهم ساهموا في التعبير ّ‬
‫تشجع ضمائر الشعب وتثير حميته‪ ،‬وتدفعه لك يقف في وجه كل من يحاول النيل‬
‫اجتماعية وسياسية؛ وصوت الشعراء كالصرخة التي ّ‬
‫من تأريخها وحياتها‪ .‬فالشعر له عالقة بالقضايا السياسية والسيما عند الشعراء العراقيين ومن الطبيعي أن يطغي هذا األمر على‬
‫المعبر عن صورتها الفكرية واالجتماعية وهو صوتها في آالمها وآمالها وازاء كل هذه المعطيات‬
‫ّ‬ ‫ألن «الشاعر صدى بيئته وهو‬
‫شعرهم‪ّ ،‬‬
‫يقف موقف المعارض للسلطه» (البصيصي‪2014،‬م‪.)28 :‬‬

‫‪34‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫والشاعر مظفر النواب أرتبط بقضايا وطنه وهموم شعبه واستفزته األحداث السياسية فهاجمها بشدة هاجياً الساسة المستبدين‬
‫وانتدب نفسه ليدافع عن وطنه مقابل الظلم واالضطهاد‪ .‬فالشعراء أتبعوا أساليب عديدة في تسجيل ممارسات الظلم والقمع للسلطة‬
‫الحاكمة وعمدوا إلى هذه األساليب انطالقاً من حرصهم على إبراز وعيهم التاريخي‪ ،‬والفكري والوجداني إزاء هذه الممارسات القمعية‬
‫ومنها إحتكار السلطة واالستئثار بالثروة الوطنية‪ ،‬وحرمان األكثرية منها‪ .‬من هؤالء الشعراء مظفر النواب الذي سجل تلك الممارسة‬
‫ألن‬
‫ليصور من خاللها مدى تعلّقه وحنينه‪ ،‬وا ّن هذا االبتعاد لم يك بإرادته؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫واستخدم رمو اًز عديدة من التاريخ اإلسالمي واألبطال‬
‫مادته الثورية؛ فدور الشاعر ال‬
‫الشاعر كما يشير أدونيس إلى هذا األمر «عامل من أعمال الثورة‪ ،‬لكنه يعمل باللغة‪ ،‬اللغة إذن هي ّ‬
‫يقتصر على تنوير اللغة‪ ،‬بل يتجاوز إلى تنقية اإلنسان والمجتمع » (أدونيس‪112 :1986،‬ـ‪ .)113‬فالشاعر مظفر النواب لغناء نصه‬
‫األخص األساطير والمالحم والسير‬
‫ّ‬ ‫كل الحضارات القديمة إلى اآلداب والفنون وعلى‬
‫الشعري يستخدم األبطال الذين «عرفت في ّ‬
‫الشفهي» (پرچکانی‪ .)54 :2015،‬فهذا االستخدام يدل على «عمق ثقافة الشاعر من جهة‪ ،‬وعمق نضجه الفكري من‬
‫ّ‬ ‫الشعبية واألدب‬
‫ّ‬
‫الب ّد للشاعر الذي يرغب في توظيف الرمز والبطل في شعره من ثقافة وتجربة واسعة» (منصور ياسين‪.)257 :2010،‬‬
‫جهة أخرى‪ ،‬إذ ُ‬
‫لهذا توظيف البطل للنواب يكون سمة بارزة وفعالة في بناء قصيدته «ليكون معب اًر عن هذا الزمن بكل تناقضاته وصراعاته‪ ،‬وله‬
‫جماليات ودالالت عدة تركت للمتلقي مهمة إبرازها والكشف عن أسرارها ومكامنها» (دباخ‪ .)5 :2015 ،‬فهذا االستدعاء يترک بصمة‬
‫جمالية بارزة في شعر الشاعر‪ ،‬تساعده على إثراء الدالالت‪ ،‬وتکشف لنا ما يلح عليه الشاعر ويسعي بأن يصل إليه‪ .‬هذا االستدعاء‬
‫ويعبر عن القضايا المصيرية الهامة التي تعانى الشعوب المضطهدة والفقيرة منها ويعيشها‬
‫يحمل رؤى رمزية جميلة في شعر مظفر ّ‬
‫اإلنسان العربي المظلوم؛ فيعمد الشاعر إلی االستلهام من اإلمام الحسين(ع) واإلمام على(ع) واألم واألخت وغير ذلك من هؤالء‬
‫األبطال‪.‬‬
‫نبذة عن حياة مظفر النواب‬
‫معتمد النواب‪ ،‬والنواب ما حصل عن طريق سيطرة العائلة على والية‬
‫هو مظفر بن عبدالحميد بن أحمد حسن بن أحمد إقبال بن ّ‬
‫في الهند‪ُ .‬ولد مظفر النواب في بغداد عام ‪ ،1934‬ولكن «وضع تاريخ ميالده في شهادة الميالد ‪1932‬م حتى يتم ّكن من دخول‬
‫المدرسة في سن ُمَب َّكر‪ ،‬مما ّأدى إلى شعوره بالخجل من رفاقه ّ‬
‫ألنه كان أصغرهم سناً حتّى ّأنه فهم مواد الصف األول عندما أصبح في‬
‫النواب في بيت‬
‫الصف الثاني‪ ،‬وكان يرتبك ويخجل عندما يطلب منه المعلّم أن يقف أمام الطالب‪ ،‬أو يخرج إلى اللوح أمامهم‪ .‬عاش ّ‬
‫السعادة والحياة الهانئة» (اميري وآخرون‪ .)75 :2013،‬العائلة لديها تأثير جلي على الشاعر وكانت «تسكن‬ ‫مترف يسوده الوئام و ّ‬
‫قصو اًر جميلة ضخمة تط ّل على نهر دجله الساحر في قلب مدينة بغداد‪ ،‬وكانت أبوابها الخشبية الضخمة التي تشبه أبواب القالع تتسع‬
‫لدخول مواكب عاشوراء بالخيول واألعالم والمشاعل؛ فكانت تدخل من باب لتخرج من الباب الثاني بعد أن تتحول باحة الدار مسرحاً‬
‫تردد‬
‫لعرض المشاعل والزناجيل والوان األعالم وبريق القامات‪ .‬وكان أهل الدار ير ّشون ماء الورد على المواكب التي تدخل البيت‪ ،‬وهي ّ‬
‫الردات الحزينة واألشعار والتراتيل» (ياسين‪2003 ،‬م‪ .)16 :‬تكشفت مواهب النواب في الصف الثالث اإلبتدائي‬ ‫بصوتها األهازيج و ّ‬
‫ويحث من جانب أستاذه‪ .‬وفي المرحلة اإلعدادية نجد هذا اإلنشاد يصل إلى مرحلة النشر في المجالت بما تجود‬
‫حيث کان ينظم الشعر ُ‬
‫به قريحته الشعرية‪ .‬بعد هذا قام بمتابعة دراسته في الجامعة ومشاركته في األحزاب السياسية حيث نجده ينتمي إلى الحزب الشيوعي‬
‫العراقي وهذه الفترة الدراسية تقارن وضع اقتصادي صعب على أثر إصابة والده بهزة مالية عنيفة ّأدت إلی فقدان ثروته‪ .‬هذا الشاعر‬
‫الكبير له حض ور بارز في الساحة االجتماعية ويكون عونا للمعوزين والمضطهدين ولم يكن بعيدا عن األمور بل دخل وخاض في‬
‫سببت له متاعب كثيرة‪ .‬عبداللطيف عقل الذي ُيعد من أبرز‬
‫المعركة السياسية وكما أشرنا آنفا لديه نشاطات كثيرة في هذا المجال حيث ّ‬
‫شعراء أرض المحتلة‪ ،‬لفت األنظار إلى مظفر النواب ففي مالحظاته عن هذا الشاعر يقول «الشاعر العراقي الشريد بالغ الحضور على‬
‫سطح الواقع العربي الراهن في مواجهة األنظمة العربية الممعنة في بذاءتها كما هو فاعل أيضا‪ ،‬وهي من الجهة األخرى في مواجهة‬
‫الجماهير العربية بل في مواجهة طالئع هذه الجماهير كشاهد ضدها يثير المشاهدين في قاعة المحاكمة حتى حد التصفيق»‬

‫‪35‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫(األسطة‪ .) 7 :2002،‬کل ذلك کشف عن ثورة النواب في قلوب الناس وتحريضهم بإنشاداته الوطنية وهو في المنفى‪ ،‬وهذا ما يحصل‬
‫من خالل إنشاده « للقصائد الشعبية التي نظمها في مرحلة من حياته‪ .‬ومما زاد من حضوره بين الناس‪ ،‬إن بعض من قصائده الشعبية‬
‫لحنت وغنت فحفظتها القلوب زمنا طويالـ» (الجابري‪.)63 :2009،‬‬
‫على كل حال النواب كان األمل المنشود وحبل النجاة للجامعة المتدهورة والمضطهدة ولكن سرعان ما تبددت هذه اآلمال بعد‬
‫هروبه من العراق بسبب الصراعات السياسية وما يعانيه في بلد األم‪ .‬على هذا أصبحت قصيدة الشاعر السياسية شريانا يمتد بين قلب‬
‫اإلنسان العربي وقضيته المنسيه من جانب حكام العرب‪ .‬كان النواب في قصائده ال يخاف من سطوة ٍ‬
‫أحد کما كان جسو اًر وثائ اًر على‬
‫الظلم والظالمين؛ هدا األمر جعله متنقالً بين البالد ومنفو اًر بين الحكام بسبب ما تعبيره عن األوضاع الجارية في البالد‪ .‬هكذا كانت‬
‫حياة مظفر «مشحونة باألخطار والتن ّقل والسفر واالغتراب‪ ،‬ويلفها الغموض اإلضطراري بسبب اإلستهداف الدائم الذي يستشعره النواب‬
‫بصورة متواصلة إضافة إلى التعذيب النفسي والجسدي الذي تلقّاه على أيدي السلطات بسبب مواقفه السياسية من حكام العرب‪ ،‬هذه‬
‫ولدت لديه موقفاً معادياً لألنظمة كافة» (اميري‬
‫الهزات الحياتية العنيفة التي تعرض لها النواب‪ ،‬وعلى رأسها النفي خارج الوطن‪ّ ،‬‬
‫وآخرون‪ .)9 :2013،‬وبعد كل هذه الحوادث والتنقّالت والنشاطات لدى الشاعر‪ ،‬ومنعه من الدخول في كثير من الدول العربية‪،‬‬
‫« استقر في لندن وبعد سقوط صدام حسين وتحرير العراق رجع إلى وطنه بدعوة من رئاسة الجمهور جالل طالباني» (مقدسي وشاهرخ‪،‬‬
‫‪1395‬ه‪.)5:‬‬
‫البطل التراجيدی‬
‫التراجيديا في اللغة من أصل غير عربي وفي اإلصطالح عرفها أرسطو بأنها «محاكاة فعل يتّصف بالجدية وكذلك ذا حجم‬
‫يتّصف بالكمال في ذاته بلغة ذات لواحق ممتعه‪ ،‬كل نوع منها منفردا في أجزاء العمل في شكل درامي ال قصصي‪ ،‬وفي أحداث تثير‬
‫اإلشفاق والخوف فتبلغ بوساطتها التي تطهرها من تلك المشاعر» (الغزالي‪ .)275 :2012 ،‬وبعبارة أخرى التراجيديا عبارةٌ عن‬
‫يتعرض ألفعال البشر في صراعهم مع القوى التي تحيط بهم‪ ،‬وتتح ّكم في مسار‬ ‫«مسرحية ذات موضوع جاد‪ ،‬ذي طابع حزين‪ّ ،‬‬
‫سلوكهم‪ ،‬سواء كانت قوى خارجية مثل البشر أو اآللهة‪ ،‬أم قوى داخلية مثل النوازع واألهواء‪ .‬وكان كتّاب التراجيديا يحاولون أن يظهروا‬
‫أن ما يقوم به اإلنسان من أفعال في‬
‫أن السلوك اإلنساني ّإنما هو نتيجة نوازع داخلية قائمة على أساس من الفكر‪ ،‬و ّ‬‫في أعمالهم‪ّ ،‬‬
‫حياته‪ّ ،‬إنما هو نتيجة لوقوع اإلنسان فريسة لصراع‪ ،‬ما بين العقل واألهواء» (عبيد‪.)10 :2011،‬‬
‫عندما تبحث عن مفهوم البطولة في المعاجم والموسوعات‪ ،‬تجد بأن هناك توافق في الوصول إلى مفهوم تراجيدية البطل‬
‫أن البطولة «هي الشجاعة الفائقة‪ ،‬التي ال يتحلّى بها إال قلة من البشر‪ ،‬يطلق عليهم أبطال لشجاعتهم النادرة‪.‬‬ ‫والبطولة‪ ،‬ويجتمع على ّ‬
‫فالبطولة هي الشجاعة النادرة التي ال تتوفّر ّإال في األبطال‪ .‬فالبطل ذو شخصية تمتاز بالشجاعة والقوة النادرتين التي ال يملكها غيره‬
‫وهي الشجاعة التي يتجاوز بها البطل قدرات اآلخرين‪ .‬وما هو مألوف في عالم اإلنسان‪ ،‬فالبطل هو الشجاع‪ ،‬المتناهي الشجاعة‬
‫المقدام‪ ،‬السَّبق» (العويضي‪ .) 8 :2014،‬فهذه الشجاعة لم تحصل بسهولة بل من خالل المتاعب التي تبذل من أجل اآلخرين‪ ،‬فالبطل‬
‫التراجيدي «قدرته ناب عة من ذاته وليست من القوى الخارجية وال ينفي ذلك عن البطل في االجتماع‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فهو يهتم‬
‫بمشكالت قومه أكثر مما يهتم بمشكالته‪ ،‬ويقوم بدور فاعل اتجاهها» (بشارات‪ .)12 :2005،‬هذه البطولة لديها منزلة ومكانة مرموقة‬
‫عد «قيمة إنسانية تحتفي بها‬
‫ويحترم من جانب اآلخرين؛ بناء على هذا البطولة تُ ّ‬
‫كرم ُ‬
‫بين األجيال حيث نجد الشخص البطل والشجاع ُي ّ‬
‫سائر األمم على مختلف عصورها وأحوالها‪ ،‬ولكن األمم بإختالف العصور واألحوال قد تختلف رؤيتها لهذه القيمة‪ ،‬ومن هنا فقد تضاف‬
‫وتغير الثقافات» (المراحمي‪1435 ،‬ه‪.)18 :‬‬
‫أو تستثنى بعض مقومات البطولة على إثر تعاقب األزمنة ّ‬
‫البطل التراجيدي في شعر مظفر النواب‬
‫ويتحدی بقصائده النضالية‪ .‬يتعامل‬
‫ّ‬ ‫النواب من الشعراء الذين يصرخون بوجه الطغاة ويعلنون بأن الوطن للجميع‪ ،‬فنجده يثور‬
‫مظفر مع الظروف واألحداث الراهنة ودائما يكون في جانب اإلنسان‪ /‬المواطن وهذا السر الرئيسي لرسوخ شعره في ذاكرة المتلقي‬

‫‪36‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫واالقبال عليه‪ .‬وما يدفع الشاعر مظفر النواب للولوج في استخدام األبطال‪ ،‬تلك األجواء الروحية العالية المستجدة فيها ومالمح البطولة‬
‫اإلنسانية المتفردة‪ ،‬حيث نجدها متجلية في هذه الشخصيات وما لها من تطلعات ومواقف إزاء ما يجري في الحياة واإلنسانية «ألنه‬
‫شاعر مبدع ولديه صوت رائع بين األصوات وفي أفق اإليمان بقضية تشغل البال ويظل إنساناً يفخر بماضيه وحاضره ويترك المستقبل‬
‫صفحة مترعة باالمجاد والعطاء» (سمعان‪.)15 :2011،‬‬
‫إن ما خلّفه النواب في أشعاره كان أساس الصمود والمقاومة أمام االضطهاد واالحتالل األجنبي وبعث روح الصمود والحركة‬
‫ّ‬
‫والنشاط في كيان شعبه المضطهد لينال ما ينشده ويرومه حتی يتخلص عما يجري عليه‪ .‬فهو يستخدم أبطال وشخصيات مستوحاة من‬
‫ألن «التراث في كل العصور بالنسبة للشاعر هو الينبوع الدائم التفجر بأصل‬
‫التراث الذي بإمكانه أن يبعث النشاط والحيوية في المتلقي ّ‬
‫القيم وأنصعها وأبقاها‪ ،‬واألرض الصلبة التي يقف عليها ليبني فوقها حاضره الشعري الجديد على أرسخ القواعد وأوطدها‪ ،‬والحصن‬
‫المنيع الذي يلجأ إليه كلما عصفت به العواصف فيمنحه األمن والسكينة» (عشري زايد‪« .)7 :1997،‬توظيف الشخصية التراثية في‬
‫عد التراث من مصادر اإلبداع وال يتحقق وجود األمة دون‬
‫وي ّ‬
‫األدب العربي المعاصر‪ ،‬هو آخر أطوار عالقة األديب المعاصر بموروثه‪ُ .‬‬
‫غنى وأصالة وشموال ألدب األديب»‬ ‫أن تتفاعل مع تراثها تفاعالً حياً‪ .‬والتعبير بالشخصية التراثية أو توظيفها يعطي‬
‫ً‬
‫(عبدي‪ .)2009:57،‬وكل هذه األبطال والشخصيات تسودها وحدة فكرية واحدة لحث شعبه؛ فأحتلت البطولة مكاناً بار اًز في شعر‬
‫فإن البطولة عند النواب «تعني الجرأة والشجاعة والتنفيذ‪،‬‬
‫مظفر النواب وكان لها مخيلة تتجلى فيها معنى الشرف والكرامة اإلنسانية‪ّ .‬‬
‫وتعني التضحية واإلستعداد للتضحية وهي عنده البد أن تكون موقفاً فكرياً وسياسياً وتتويجاً لحالة الصحو في الذات‪ ،‬وهي قبل ذلك‬
‫موقف في الحياة‪ ،‬ورمز لقوة الشعب وتعبير عن تحديه وعزته ومجده وعنفوانه‪ ،‬لذلك يجب أن تنبثق البطولة من الشعب وتلتصق به‬
‫وهي في كل األحوال استلهام للتاريخ واستمرار لحركته وتعبير عن قوة العقيدة وحيويتها عبر الزمان» (ياسين‪.)110 :2003،‬‬
‫تراجيدية اإلمام علی عليه السالم‬
‫من أبرز األبطال التي استدعاها النواب في تجربته الشعرية هي شخصية اإلمام علي (ع)‪ .‬من قصائد النواب البارزة فی ديوانه‬
‫قصيدة "الوتريات" التی کتبها الشا عر علی إثر النكسات والصدمات التي جرت على األمة العربية‪ .‬الشاعر في هذه القصيدة يستدعي‬
‫عما يجري على أهل بالده وهذه الطريقة للنواب تش ّكل ثيمة أساسية في بداية قصيدته‪:‬‬
‫شخصية اإلمام علي عليه السالم ليشكو إليها ّ‬
‫أحمل لبالدي حين ينام الناس سالمي‬
‫لشوارعها‬
‫للصبر‬
‫لعلي يتوضأ بالسيف قبيل الفجر‬
‫أنبيك عليا مازلنا نتوضأ بالذل‬
‫و نمسح بالخرقة حد السيف‬
‫مازلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف‬
‫مازالت عورة عمر بن العاص معاصرة‬
‫و تقبح وجه التاريخ‬
‫مازال أبوسفيان بلحيته الصفراء‬
‫يؤلب باسم الالت العصبيات القبلية‬
‫مازالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها‬
‫و تراك زعيم السوقية‬
‫لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك‬

‫‪37‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫و سموك شيوعيا (النواب‪ 452 :‬و‪.)453‬‬


‫في هذه األبيات نجد شخصية اإلمام علي عليه السالم ثيمة أساسية للدفاع عن المضطهدين‪ ،‬ولكن نجد الشاعر إلى جانب هذه‬
‫الشخصية يستخدم شخصيات أخرى معاصرة لإلمام وهذه الطريقة في حشد الشخصيات استخدمها الشاعر لترسيم خارطة القمع العربي‬
‫أما العامل الرئيسي الذي يبتغيه النواب من خالل استدعاء شخصية اإلمام «هي‬ ‫سياسياً (شريف عسكري وآخرون‪ّ .)60 :2016،‬‬
‫الشكوى حيث يشكو للشخصية المتمثلة باإلمام علي بأن الشعوب العربية الزالت ذليلة والزالت ساكتة عن حقوقها المغصوبة والزالت‬
‫تعاني التخاذل واالنكسار‪ .‬واضافة إلى ذلك العامل في استخدام هذه الشخصية باعث واقعي حيث إن ما تسببت به الحروب‬
‫واالنكسارات والهزائم للشعوب العربية وتخاذلها وخيبة األمل التي أصابت اإلنسان العربي» (رضوان‪ .)104 :2012،‬فالشاعر مقابل كل‬
‫هذه األوضاع يرجع إلى الماضي ليعيش على ما فات من هناء ويستذكر امجاده‪:‬‬
‫في تلك الساعة من شهوات الليل‬
‫و عصافير الشوک الذهبية‬
‫تستجلي امجاد ملوك العرب القدماء (النواب‪.)450 :‬‬
‫التبصر بالشخصيات التي كانت أساس الحكومة المقتدرة ومن ارسائها مقابل‬
‫ّ‬ ‫الشاعر من خالل هذا االستذكار يسعي للعودة إلى‬
‫الدول األخرى‪.‬‬
‫في استمرار هذه القصيدة واستدعاء شخصية اإلمام‪ ،‬يشير الشاعر إلى واقعة صفين وما جرى فيها من رفع المصاحف وما كان‬
‫أن «توظيف النواب‬ ‫ِ‬
‫لمعاوية م ْن مكر وحيلة تجاه هذه األوضاع وتحديد ابن العاص مستشا ار له‪ .‬في هذا السياق مما ال شك فيه هو ّ‬
‫لهذه الحادثة ماهي ّإال من باب شكوى الحال المتردية للشعوب العربية وما يحيط بها من المكر والخديعة والتلبس بلباس الدين»‬
‫(رضوان‪ .)105 :2012،‬فمن وجهة نظر النواب‪ ،‬هذه اإلنشادات هي تصوير لما جرى في الماضي وتقارنه بالعصر الراهن في‬
‫األقطار العربية من القع واالضطهاد‪ ،‬فالشاعر يشكو تلك األوضاع‪:‬‬
‫مازال أبو سفيان بلحيته الصفراء‬
‫يؤلب بسم الالت العصبيات القبلية (النواب‪.)453 :‬‬
‫في جميع الصور التي رسمها الشاعر نلمح الشكوى والشعور بالوحدة مقابل الظلم الهائل على الشعوب وهي تحدث في عصر‬
‫الشاعر‪ ،‬مثلما تحدث في التاريخ التي استعان به ليصور به ما يحدث‪.‬‬
‫تراجيدية اإلمام الحسين (ع)‬
‫التصدي الستبدادية السلطة الحاكمة‪ ،‬وله دور ريادي في هذا المجال‪.‬‬
‫مظفر النواب من الشعراء المرموقين في نشر الوعي و ّ‬
‫ومن يبحث في شعره ويتصفّح ديوانه يجده مبدعاً في استدعاءه لألبطال والحاحه على استخدامهم وهذا يدل على «دالالت وايحاءات‬
‫خصبة تنقل المتلقي من المستوى المباشر للقصيدة إلى المعاني الكامنة وراء النص‪ ،‬كما تقوم بإستكمال ما تعجز الكلمات المباشرة عن‬
‫وغنى وخصوبةً للنص الشعري وأصالة ألدب األديب‪ ،‬وهذا ما دأب عليه الشعراء‬ ‫بيانه؛ فالتعبير بالرموز ومعطيات التراث تعطي زخماً‬
‫ً‬
‫المعاصرون» (بالوي وآباد‪ .) 2 :1392،‬نجد استخدام األبطال والشخصيات عند الكثير من الشعراء عندما ال يمکنهم اإلباحة بما يجري‬
‫علی أرض الواقع‪ ،‬وذلك بسبب الظروف الصعبة التي تحيط بالوطن‪ ،‬فعند التصريح بشفافية الشاعر يواجه السجن والقتل واإلعتقال‪،‬‬
‫يعبر عن فکرته من خاللها‪.‬‬
‫فاتّخذ الشعراء الشخصيات لکي ّ‬
‫اإلمام الحسين (ع) ِم ْن أبطال مظفر النواب الالمعين الذين كثي ار ما يستخدمهم ويستدعيهم في شعره‪ ،‬ألن األمام رمز الثورة‬
‫وقمع الظالمين ورمز للشرف‪:‬‬
‫ِ‬
‫الحسين‬ ‫ق رأس‬ ‫أنت تَ ِ‬
‫عش ُ‬ ‫و كم َ‬
‫يستريح‬
‫ُ‬ ‫فوق ُرمح وال‬
‫الذي َ‬

‫‪38‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫تأبي الذوائب مذ ثبتتها الدماء علی غزة ان تزيح‬


‫و من ثبتته الدماء محال يزيح‬
‫دعوتک انت المعلم ان کان علم‬
‫فتلک الجروح‬
‫الوف ‪ ..‬الوف ‪( ..‬النواب‪ 410 :‬و‪)411‬‬
‫لکنه ال يهدأ ويبث الثورة والحماس بين الثوار علی مدی الدهور؛ والشاعر‬
‫أن رأس الحسين ولو ّانه علی الرماح‪ّ ،‬‬
‫يعتقد الشاعر ّ‬
‫التحدي أمام الطغاة‪.‬‬
‫تعلّم منه الثبات والشموخ والکبرياء و ّ‬
‫في تكملة هذه القصيدة وفي سياق الحديث عن اإلمام الحسين‪ ،‬يستحضر الشاعر شخصيات دينية أخرى كالنبي محمد وسيدنا‬
‫فيصرح ّأنه ينتمي إلی هذه الشخصية وسوف يسلک طريقها في مسيرته واحقاق حقه ولم يتزعزع إلى الوراء من‬
‫ّ‬ ‫المسيح واإلمام علي‪،‬‬
‫كيد المعاندين‪:‬‬
‫أنا أنتمى للجياع ومن سيقاتل‬
‫أنا أنتمى للمسيح المجذف فوق الصليب‬
‫وقد جرح الخل خد االله على رئتيه‬
‫وظل به أمل ويقاتل‬
‫لمحمد شرط الدخول إلى مكة بالسالح‬
‫لعلى بغير شروط‬
‫وللربذى يدق على قحف كل غنى‬
‫فمازال منهم كثيرون حول معاوية يضربون الصنوج‬
‫ويرعون شأن الحروب‬
‫أنا أنتمى للفدائى‪ ..‬ولرأس الحسين‪( ..‬السابق‪ 426 :‬و‪)427‬‬
‫الشاعر لتصوير اليزيدين المعاصرين الذين يكونون من معاندي اإلسالم والمسلمين‪ ،‬يذكر ما جرى على الحسين الشهيد (ع) من‬
‫جانب هؤالء ليح ّذر المسلمين والمضطهدين لما يلحقهم من جانبهم‪:‬‬
‫أس الثّورة يحمل في طب ٍ‬
‫ق في قصر (يزيد)‬ ‫هذا ر ُ‬
‫وهذي البقعة أکثر من يوم سباياک‬
‫فيا هلل وللحکام ورأس الثورة‬
‫عرب أنتم؟‬
‫هل ٌ‬
‫الش ِ‬
‫رفة‬ ‫يزيد على ُّ‬
‫و ُ‬
‫يستعرض أعراض عراياكم‬
‫و يوِّز ُعه َّن ِ‬
‫كلحم الض ِ‬
‫َّأن لجيش‬ ‫َ ُ‬
‫الردة‬
‫ّ‬
‫عرب أنتم؟‬
‫هل ٌ‬
‫و اهلل أنا في ٍ‬
‫شك من بغداد إلى جدة‬
‫عرب أنتم؟ (السابق‪ 456 :‬و‪)457‬‬
‫هل ٌ‬

‫‪39‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫فالشاعر في إستداعاءه لهذه الشخصيات‪ ،‬يقوم بتحريض الشعوب کي ينهضوا بوجه الظلم واالستبداد‪ ،‬ويرسم صورة هذا‬
‫فرقوا وشتّتوا‬
‫أن الطغاة ّ‬
‫ليبين ّ‬
‫فيشبهه بيزيد حيث ال يحترم أعراض الناس وشرفهم‪ ،‬ويعيث بهم فساداً‪ .‬يستمر مظفر في قوله ّ‬ ‫االستبداد ّ‬
‫صفوف المسلمين واستخدموا أنواع الوسائل ليفتنوا الناس ويقمعوا من يقف بوجههم حتی يبقوا هم على مساندهم‪ ،‬والشعب لم يحرك ساکناً‬
‫فيتحجج بأنواع الذرائع‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ولم يفعل شيئاً‬
‫ِ‬
‫الصيف‬ ‫وحُّر‬
‫بالبرد َ‬
‫مازلنا نتحجج َ‬
‫ما ازلت عورةُ عمر بن العاص معاصرة‬
‫وجه التاريخ‬ ‫تقبح َ‬ ‫ُ‬
‫العربية (السابق‪)453 :‬‬ ‫مح‬
‫بالر ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل ُي َعلَّ ُ‬
‫ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫تدل على قيم و ٍ‬
‫أفكار‬ ‫ٍ‬
‫«شخصية اإلمام الحسين(ع) ال تأتي لمجرد الداللة على شخصيات موجودة على أرض الواقع بقدر ما ُّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫سامية ونبيلة‪ .‬ففي الشعر العربي المعاصر يستحضر الشاعر مأساة كربالء ليأخذ منها نموذج التضحية والفداء قبل البكاء‬ ‫ٍ‬
‫ومعان‬
‫خالد للتضحية واإليثار من أجل المبدأ ‪ /‬الدين‪ ،‬وهو رمز الباحث عن‬
‫رمز ٌ‬‫واألسى على ما جرى ألهل البيت (ع)‪ ،‬فاإلمام الحسين(ع) ٌ‬
‫ونصرة المستضعفين في وجه الجبروت» (بالوي وآباد‪ .)9 :2013 ،‬فاستدعاء هذه الشخصية لم يكن مجرد إشادة إلی الفضائل‬ ‫العدالة ُ‬
‫اقف ودالالت تلك الحادثة التي حفرت في تأريخ‬ ‫ٍ‬
‫لمعان ومو َ‬ ‫والمآثر‪ ،‬وال للبكاء على ما جرى لهذا اإلمام المظلوم « ّإنما هو إحياء‬
‫اإلنسانية أث ار لم تُزْلهُ كل متغييرات الحياة‪ ،‬إحياء من شأنه أن ينقلنا إلى األجواء الروحية النقية الخالصة للحسين وأهل بيته (ع)»‬
‫(المصدر نفسه‪ .) 9:‬استدعاء هذه الشخصية ‪ /‬البطل يجعل اإلنسان يشتاق إلى نضال المستبدين والديكتاتوريين ويحاول إصالح المسار‬
‫أو التقليل من شدة القمع الجاري‪.‬‬
‫تراجيدية األم‬
‫من أبطال مظفر النواب في شعره الذين يشيد بهم هي األم التي نجد لديها موقف في قصيدة ( البراءة) فهي مدرسة متزودة‬
‫بالعزة والكرامة‪ ،‬وقد أحتلت مكانة مرموقة بين الشعراء من حيث التأثير فهي «تكون نموذجاً رائعاً للشعر الجميل‪ ،‬السهل الممتنع‪ ،‬وهي‬
‫نشيد مؤثر لعالقة الشخص بأمه‪ ،‬وكل ما يتصل بتلك العالقة من مشاعر إنسانية عالية» (عبدالهادي‪ .)7 :2009،‬إضافة إلی ذلك في‬
‫عتبر األم مصدر العاطفة والحنان لحث الولد واآلخرين للوصول إلى الغاية المنشودة‪ .‬فاألم تعکس لنا ما يجري على‬
‫الشعر العربي تُ َ‬
‫وتجسد النضال والحث ضد الطغاة والخونة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫إبنها وموقفه السياسي‬
‫و کانت أمي واقفة قدام الشعب بصمت‬
‫فرفضت‬
‫اعترف اآلن ‪ ..‬اعترف اآلن‬
‫رفضت واطبقت فمي‬
‫فالشعب أمانة في عنق الثوري ( النواب‪ 501 :‬و‪)502‬‬
‫تواجد األم في قصائد مظفر قوي التأثير حيث «يستحضر المناضل أمه في لحظة تعذيبه إلرغامه على توقيع ورقة البراءة من‬
‫تنظيمه الحزبي وال يستمر هذا اإلستحضار خياالً‪ ،‬إذا يصبح لها وجوداً حقيقياً‪ ،‬فتآزر أبنها المناضل وتسانده لحظة رفضه إعالن‬
‫البراءة‪ ،‬كما تعينه على الصبر أمام أساليب التعذيب» (الجابري‪.)66 :2009،‬‬
‫تتوسع معنى األمومة عندما تکون المسافة بينه وبين األم الحقيقية بعيدة‪ ،‬فتصبح األم كل ما‬
‫ّ‬ ‫في بعض نصوص الشاعر‪،‬‬
‫لديه‪ ،‬فيخاطبها برموز‪:‬‬
‫فأمي هي النخلة الحالمة‬
‫و أمي هي األنهر الحالمة‬

‫‪40‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫و أمي التي علمتني على الصبر‬


‫آنئذ علمتني على الطلقة الحاسمة (النواب‪ 26 :‬و‪)27‬‬
‫كما يشاهد في النص‪ ،‬الشاعر يستخدم صورة األم كرموز ليشير إلى وطنه من خوف االستبداد واإلستخبارات‪ .‬وفي قصيدة‬
‫أخرى نجده يقول‪:‬‬
‫في عالمك الصنمي الغامض أهمس‬
‫أمي‪...‬‬
‫تسمعها أكثر من هوائي يلتقط الشارات الكونية‬
‫تدري أنك في البيت‬
‫لست تغادر إال ليلة عيد‬
‫يا أمي‪ ...‬يا أمي أنت هنا (السابق‪ 3001 :‬و‪)301‬‬
‫الشدة وفاألم ‪ /‬البطل‬
‫الشاعر في الغربة وتحت االضطهاد يجد أن األم من األبطال الذين ال يفارقونه ويكونون معه دائماً في ّ‬
‫التحدي‪ .‬وقد نجد صورة األم ترتقي وتصعد إلى مستوى الثائر على الظلم والذل‪:‬‬
‫القوة والشجاعة ‪ .‬الشموخ و ّ‬
‫تلهمه ّ‬
‫يا قلبي عشق األرض جواز‬
‫و أبوذر وحسين األهوازي وأمي‬
‫و الشيب من الدوران ورائي (السابق‪)503 :‬‬
‫يتمسك بها للوصول إلى الغاية المنشودة‪ ،‬لكي‬
‫ّ‬ ‫يجد الشاعر أمه في النضال معه‪ ،‬تسانده على ما يجري من ظلم ويسعی أن‬
‫تعينه على ما يكون أمامه من أجهزة األمن واإلستخبارات الطاغي ة‪ .‬فتصبح األم العامل الرئيسي لحث إبنها علی مواجهة الذل وهي‬
‫صورة «المناضل الثائر‪ ،‬تتّسم بالقوة والثبات فتوصى ابنها على تحمل عذاب السجن وأساليب التعذيب‪ ،‬واال فأن موته خير من بقاءه‬
‫حياً محاطاً بذل العار لتخلية عن حزبه المناضل» (الجابري‪.)62 :2009،‬‬
‫تراجيدية خالد اإلسالمبولي‬
‫ليعبر عن األزمة التي تعصف في مجتمعه؛‬ ‫لقد اتكأ النواب في شعره على شخصيات إسالمية أو دينية اتّخذها کرمز شعري ّ‬
‫ألن «ال يزال حقالً خصباً يستلهم منه الشعراء مادتهم اللغوية والجمالية والمضمونية أحيانا‪ ،‬وتختلف هذه الرموز بإختالف أنواعها‬
‫ّ‬
‫وكذلك الداعي إلستحضارها دون غيرها‪ ،‬وطريقة استنطاقها والتعبير عنها وبعثها في صورة جديدة من ماضيها القديم للداللة على واقع‬
‫نوع استحضار الشخصيات في إنشاده ألثرها المشهود على المتلقي‬
‫معاصر جديد» (عطية‪ .)20 :2016،‬فالشاعر مظفر النواب َّ‬
‫و«هي بمثابة الكلمات المفتاحية التي استطاع من خاللها التعبير عن حالته وحالة مجتمعه المناضل» (السابق‪.)21 :‬‬
‫من هذه الشخصيات الخالدة التي استخدمها النواب‪ ،‬الضابط المصري خالد اإلسالمبولي الذي قام بإغتيال انور السادات‪ .‬يعتبر‬
‫خالد اإلسالمبولي رم اًز وبمثابة الملهم للعديد من الجماعات اإلسالمية المسلحة‪ ،‬ويسمى رجل الصحو‪:‬‬
‫رجل الصحو تمنى كل شبل أن يكون اإلصبع األصغر في كفّك‬
‫تكتب شكوك البعض في قلبك‬‫ْ‬ ‫ال تحزن وال‬
‫هذا البعض ال يق أر إال وعيه الناقص‬
‫للزهرة والخنجر واأليام‬
‫ال يفهم إال وهو قاعد‬
‫‪....‬‬
‫أنت نفذّت صراعا طبقياً سيداً‬

‫‪41‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫بعض صراع طبقي صار للسلطة طباخاً‬


‫و بعض منه حشو الجيب أو حشو الجرائد (النواب‪ 216 :‬و‪)217‬‬
‫مظفر النواب يتعامل مع األبطال بكل ما في وجوده‪ ،‬ولم يك لديه أدنى فكرة سلبية بالنسبة إليهم‪ ،‬بل صادق في التعبير‬
‫فإن الصور التي يرسمها لهؤالء األبطال تتألأل فخ اًر ومهابة وجماالً وزهواً حيث يجعل كالً منهم رم اًز وأمثولة‬
‫والعواطف معهم‪ ،‬لذلك « ّ‬
‫تحتذي بعد أن يجسد بطولتهم» (ياسين‪ .)132 :2003،‬فهذا ما يعطي نصه الشعري أكثر حيوية باستعماله األلفاظ المناسبة وما يشتق‬
‫من الروائع العربية والبالغة كالتشبيه واإلستعارة وماشاكل ذلك‪.‬‬
‫بأنه أب لألمة المضطهدة وهو األمل الوحيد لديهم‪:‬‬
‫مظفر النواب في کالمه عن خالد اإلسالمبولي يصفه ّ‬
‫كنت بها ال ش َك بالقدس‬
‫و في غيبوبة َ‬
‫رآك الناس رؤي العين‬
‫ق والفيروز في األقصى‬ ‫ٍ‬
‫حمامات بلون العش ِ‬ ‫أطعمت‬
‫َ‬
‫و لما أجتمع األطفال كنت األب والحلوى‬
‫وأعطيت يتيماً دامع الخدين ظرف الطلقة األولی (النواب‪)214 :‬‬
‫أب لليتامى يطعمهم وعيونهم‬‫لنا الشاعر في هذه اللوحة غيبوبة اإلسالمبولي أثناء تعذيبه‪ ،‬فينعته بأنه في القدس و ّأنه ٌ‬ ‫يصور‬
‫ّ‬
‫يجسد لنا الشاعر شخصية خالد باعتبارها مثاالً‬
‫األطفال هم أوالد الشهداء الذين استشهدوا في طريق تحرير فلسطين‪ّ .‬‬ ‫دامعة؛ فهؤالء‬
‫وأماني الناس واألطفا ل الذين استشهد آبائهم‪ .‬هناك صورة أخرى للشاعر يرسم لنا فيها قتل أنور السادات علی يد البطل‬ ‫مرموقاً ألحالم‬
‫خالد اإلسالمبولي في قصيدة (طلقة ثم الحدث) بدالالت جميلة‪:‬‬
‫َّ‬
‫فأهتز‬ ‫سمع الطلقة‬
‫أطرَب ْت حتى الجماد‬
‫فهذي طلق ٌة قد َ‬
‫شهق الكون من التنفيذ‬
‫من شاحنة األقدار‬
‫اشتاقت برحم الغيب أجيا ُل ترى خالد طوداً يطلق النار‬
‫ْ‬ ‫و‬
‫فرت حكومات الجراد‬‫وصوت الشعب في الطود وقد ّ‬
‫يا لواء غام ارً باهلل والتنفيذ‬
‫هذي كانت التكبيرة األولى‬
‫الرتال صالح الدين في أيامنا‬
‫من أي تركيب ‪..‬؟‬
‫من األحزان واألعشاب والعزة‬
‫مصر َع َج َن ْت لحمك‬
‫ٍ‬
‫حنان حزن عينيك‬ ‫من أي‬
‫و ضحك الطلقة األولى‬
‫و تلك الوقفة العمالقة النشوى‬
‫أياعمالق‪...‬ياعمالق‪ ...‬ياعمالق (السابق‪ 212 :‬و‪)213‬‬
‫قوية أيقظت العالم ووكاالت األنباء‪ .‬الشاعر‬ ‫هزة ّ‬
‫هذا المقطع يحكي عن الطلقة التي استهدفت أنور السادات ويعتبرها الشاعر ّ‬
‫يشير إلى الشاحنة التي نزل منها اإلسالمبوبي ليقوم بقتل أنور السادات ويطلق عليها شاحنة األقدار‪ ،‬وفي استم ارره لهذا السرد يبرز لنا‬

‫‪42‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫بطولة خالد‪ ،‬فيقول‪( :‬و ضحك الطلقة األولى‪ /‬وتلك الوقفة العمالقة النشوى‪ /‬أياعمالق‪...‬ياعمالق‪ ...‬ياعمالق)‪ ،‬فتعبير الضحک‬
‫والوقفة العمالقة ونداءه المتتابع بالعمالق يدل على شجاعة البطل وجرأته واعجاب الشاعر بموقفه‪ .‬أيضا يستخدم الشاعر "حكومات‬
‫المنصة األمامية من المسؤولين والرؤساء وممثلي الدول‬
‫ّ‬ ‫الجراد" وهو «تعبير ساخر وشامت مشحون بالحركة لما اصاب الجالسين على‬
‫والحكومات الذين كانوا يحضرون ذلك العرض العسكري من فوضى وذعر وارتباک وتشبثهم بالفرار من المنصة عند ما بدأ خالد‬
‫بإطالق الرصاص» (ياسين‪.)136 :2003 ،‬‬
‫تراجيدية أبطال فلسطين‬
‫وتحدي؛ وقد ظهر نتيجة‬
‫ّ‬ ‫عندما نتكلّم عن المقاومة وما يرتبط بها يتبادر إلى أذهاننا قضية فلسطين وما يجري فيها من مقاومة‬
‫ألن القضية المركزية واإلنطالق لهذا النوع من الشعر هو ظهور اسرائيل كدولة في الوطن‬‫هذا الصمود والنضال شعر المقاومة؛ « ّ‬
‫العربي واحتاللها فلسطين‪ ،‬لكن شعر المقاومة ال ينحصر بفلسطين‪ ،‬بل يطلق على جميع اإلنتاجات األدبية التي تنشأ نتيجة ظروف‬
‫كاإلختناق‪ ،‬واالستبداد الداخلي‪ ،‬وفقدان الحريات الفردية والجماعية‪ ،‬والالقانونية‪ ،‬واحتالل األراضي ونهب الثروات الوطنية والقومية»‬
‫(جابری ودادخواه‪.)56 :1391 ،‬‬
‫القضية الفلسطينية هي قضية الشعوب التي تسعي لكي تقوم بتحرير أرضها وتبحث عن األمور التي تم ّكن طرد الغاصبين‬
‫واعادة الحرية ألهلها‪ ،‬وقد ساهم الشعراء في هذا المجال مساهمة جليلة من أجل تحرير فلسطين والقيم اإلنسانية‪ ،‬حيث نجدهم لم يكونوا‬
‫منعزلين عن قضية فلسطين ويشيدون بها بأقالمهم وانشاداتهم الشعرية‪ .‬فالشاعر المقاوم عليه أن «يشحن األمل إلى التحرير في عروق‬
‫الشعب ويحثّهم حتّى يدخلوا ميادين الصراع ويكون مساي اًر لشعبه وأبناء قومه‪ ،‬ومجابهاً للظلّم يرتفع صوته في وجه الغزاة الطغاة وال يهدأ‬
‫ب الوطن والحنين إليه» (خضری وآخرون‪1436،‬ه‪ .)1:‬فالشاعر مظفر النواب‬ ‫حتّى يكتب عنهم بقوة‪ ،‬وينخفض صوته عند الترّنم بح ّ‬
‫من الشعراء الذين لديهم مساهمة في تصوير وتبيين قضية فلسطين؛ فنجد الشاعر يرسم لنا الوضع الفلسطيني مرّک اًز علی الجانب‬
‫البطولي للفلسطينيين حيث يقول‪:‬‬
‫حب القدس‬
‫لقد أرضعت ّ‬
‫ائتلقت منائرها بقلبي‬
‫قبل أن تبكي التي أرضعتني وهي تحكي‬
‫الرب من شعب ويحتمل‬
‫كيف ينتزع التراب ّ‬
‫ثم تلوي‬
‫و تغتصب الذوائب ّ‬
‫كمعصم طفلة يرتادها مستعمر عجل‬
‫كيف مشت مجنزرة على طفل‬
‫و كيف مسيرها مهل‬
‫و كيف تداخلت شرفاتها بعموده الفقري في حقد (النواب‪)89 :‬‬
‫إنتماء خالصاً ويکتبون أشعارهم في هذا‬
‫ً‬ ‫نجد كثير من الشعراء والكتّاب لم ينعزلوا عن قضية فلسطين‪ ،‬بل ينتمون إلى فلسطين‬
‫المجال‪ .‬نجد القدس وما فيه في مقدمة إنشادات مظفر النواب وهمومه‪ .‬يقول في قصيدة "وتريات ليلية‪ /‬الحركة األولى"‪:‬‬
‫من باع فلسطين وأثری باهلل‬
‫سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام‬
‫و مائدة الدول الكبرى؟‬
‫أجن الليل‬
‫فإذا ّ‬
‫تطق األكواب بأن القدس عروس عروبتكم‬
‫ّ‬

‫‪43‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫أهالً‪ ...‬أهالً‪ ...‬أهالً‪...‬‬


‫من باع فلسطين سوى الثوار الكتبه (السابق‪)478 :‬‬
‫وفي مقطع آخر من قصيدة "وتريات الليلة‪ /‬الحركة الثانية" مرة أخرى يذكر فلسطين التي «تحضر في ذاكرة كل مناضل يتعرض‬
‫للتعذيب وهو غريب في قومه وغريب بين يدي جالديه فيسنده صبرها وتضحياتها وآالمها الطويلة فيشتد بأسه وتقوى عزيمته ويتصلب‬
‫موقفه أمام التعذيب» (ياسين‪:)105 :2003 ،‬‬
‫ش َّ‬
‫ق الجمع‬ ‫و ُ‬
‫و هبت نسمات أعرف كيف أفيق عليها‬
‫بين الغيبوبة والصحو تماوج وجه فلسطين‬
‫فهذي المتكبرة الثاكل‬
‫تحضر حين يعذّب أي غريب‬
‫أسندني الصبر المعجز في عينيها‬
‫فنهضت‬
‫الجالد‬
‫وقفت أمام ّ‬
‫ُ‬
‫بصقت عليه من األنف إلى القدمين‬
‫فدقّت رأسي ثانية (النواب‪ 499 :‬و‪)500‬‬

‫النتيجة‬
‫يخيم على نفسه من حاالت واسقاطات نفسية كالخيبة‪ ،‬نتيجة األحداث التي‬
‫عما ّ‬‫يعبر ّ‬
‫مظفر النواب من خالل نتاجه الشعري ّ‬
‫حدة العنف‬
‫تجري على أهل بالده من ظلم واضطهاد‪ ،‬فكان طبيعياً أن نجد الشاعر يتّخذ من هذا الصراع مادة لشعره للتخفيف من ّ‬
‫واأللم المتفشي نتيجة الظروف الحالية في العراق‪ .‬فمن خالل قراءتنا في قصائد الشاعر تجلّي لنا بوضوح ّأنه سلك طريقاً شعرياً يتمحور‬
‫يحدده وطن‪ ،‬فكان يرى‬ ‫على أسس ثابته عموده الوطن؛ فالوطن هو الشغل الشاغل للشاعر‪ ،‬الذي نذر عمره في الدفاع عنه‪ .‬النواب لم ّ‬
‫أن هموم هذا الوطن هي هموم األمة؛ فهو يصور الوضع الراهن باستخدام واستدعاء أبطال‬ ‫أن وطنه العراق امتداد لوطن أكبر‪ ،‬و ّ‬
‫ليعبر من خاللها عن فکرته التي يريد اإلفضاء‬
‫تراجيدية كاإلمام الحسين(ع) واإلمام علي(ع) وخالد اإلسالمبولي واألبطال اآلخرين ّ‬
‫ينور اآلخرين ويضيء الطريق لهم ويناديهم‬
‫إليها‪ .‬لقد أدرك مظفر النواب مسؤولية الشاعر ورسالته‪ ،‬إذ يجب على الشاعر أن ّ‬
‫النيل من المستعمرين‬
‫ويستنهضهم لمقابلة االستبداد واالضطهاد‪ .‬وأدرك رسالته تجاه مجتمعه ووطنه‪ ،‬فألزم نفسه بأن يدافع عن الحق و ّ‬
‫تحرر الشاعر من هاجس الخوف والقلق‪ ،‬وأصبحت قصائده باستدعاء هؤالء األبطال تحطّم أوكار الظلم‬ ‫والمستبدين والخونة والعمالء‪ّ .‬‬
‫التي يسكنها الحكام المستبدين‪ ،‬وأخذت هذه القصائد تنتشر يوماً بعد يوم بين الناس‪ ،‬وتعطيهم بارقة أمل في الخالص من أغالل الحاكم‬
‫الظالم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬أدونيس‪ ،‬علي أحمد سعيد (‪ ،)2006‬زمن الشعر‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .2‬أميري‪ ،‬جهانگير وآخرون (‪ ،)2013‬نبرات الحزن واالغتراب في شعر مهدي أخوان ثالث ومظفر النواب «دراسة مقارنة»‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات في العلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة تربيت مدرس‪ ،‬طهران‪ ،‬المجلد ‪ ،20‬العدد ‪.93-71 ،3‬‬
‫‪ .3‬األسطة‪ ،‬عادل (‪ ،)2002‬رؤية نقدية لمظفر النواب‪ ،‬الصوت والصدى‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ .4‬بالوی‪ ،‬رسول‪ ،‬مرضيه آباد(‪ ،)1392‬استدعاء شخصيه االمام الحسين(ع) فی شعر يحيی السماوی‪ ،‬مجلة الجمعية العلمية‬
‫اإليرانية للغة العربية وآدابها‪ ،‬العدد ‪ ،27‬صص ‪.16 - 1‬‬
‫‪ .5‬بشارات‪،‬أحالم محمد سليمان(‪،)2005‬البطل فی الرواية الفلسطينية فی فلسطين‪،‬من عام ‪1993‬ـ‪،2002‬جامعة النجاح الوطنية‪.‬‬
‫‪ .6‬البصيصي‪ ،‬عادل ناجح (‪ ،)2014‬هجائيات الجواهري أنماطها دوافعها صورها‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬التميمي للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .7‬پرچكاني‪،‬فاطمه(‪،)2015‬استدعاء التراث في مسرحية "عنترة بن شداد ألبي خليل القباني‪،‬إضاءات نقدية‪،‬السنة الخامسة‪ ،‬العدد‬
‫‪.20‬‬
‫‪ .8‬الجابري‪ ،‬فوزية لعيوس غازي (‪ ،)2009‬المرأة في شعر مظفر النواب (دراسة فنية وموضوعية)‪ ،‬مجلة القادسية في اآلداب والعلوم‬
‫التربوية‪ ،‬المجلد ‪ ،8‬العدد ‪.3‬‬
‫‪ .9‬جدوع‪ ،‬نصرة أحميد (‪ ،)2012‬األدب والثروة‪ :‬األدب العراقي أنموذجا‪ ،‬قسم اللغة العربية‪ ،‬جامعة األنبار‪.‬‬
‫‪ .10‬جابری‪ ،‬ناصر‪ ،‬حسن دادخواه (‪ ،)1391‬مظاهر المقاومة فی شعر مظفر النواب‪ ،‬بحوث فی اللغة العربية وآدابها بجامعة‬
‫اصفهان‪ ،‬العدد ‪ ،6‬صص ‪.74 - 55‬‬
‫‪ .11‬خضری‪ ،‬علی وآخرون (‪1436‬ه)‪ ،‬مالمح المقاومة فی شعر عبدالرحيم محمود‪ ،‬مجلة آفاق الحضارة االسالمية‪ ،‬أکاديمية العلوم‬
‫اإلنسانية والدراسات الثقافية‪ ،‬السنة ‪.18‬‬
‫‪ .12‬دباخ‪ ،‬سعيدة (‪ ،) 2014‬استدعاء الشخصيات التراثية في شعر حسن زيدان (دراسة لنماذج مختارة)‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪ ،‬بسكرة‪،‬‬
‫رسالة‪.‬‬
‫‪ .13‬رضوان‪ ،‬نهاية عبداللطيف حمدان (‪ ،)2012‬اللغة في شعر مظفر النواب‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪ ،‬رساله‪.‬‬
‫‪ .14‬شريف عسکری‪ ،‬محمد صالح وآخرون (‪ ،)2016‬انعکاسات الرفض فی الشعر العربی المعاصر (األعمال الشعرية لمظفر النواب‬
‫نموذجا)‪ ،‬مجلة دراسات فی العلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،22‬العدد ‪ ،2‬صص ‪.72 -53‬‬
‫‪ .15‬عشری زايد‪ ،‬علی (‪ ،)1997‬استدعاء الشخصيات التراثية فی الشعر العربی المعاصر‪ ،‬دار الفکر العربی‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ .16‬عطية‪ ،‬مبارکة(‪ ،)2016‬الرمز الدينی فی شعر معين بسيسو( نماذج مختاره)‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسکرة‪.‬‬
‫‪ .17‬عبدالهادی‪ ،‬محمد‪ ،)2009( ،‬تجليات رمز المرأة فی شعر محمود درويش‪ ،‬جامعة محمد خيضرة‪ ،‬بسکرة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .18‬العويضی‪ ،‬عبير حامد محمد (‪ ،)2014‬صورة البطل فی القصة القصيرة السعودية‪ ،‬جامعة أم القری‪ ،‬کلية اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ .19‬عبيات‪ ،‬عاطی ويحيی معروف ( ‪1435‬ه)‪ ،‬استدعاء الرموز ودالالتها فی الشعر الفلسطينی المقاوم المعاصر (لطفی زغلول‬
‫نموذجا)‪ ،‬مجلة اللغة العربية وآدابها‪ ،‬العدد‪ ،2‬السنة ‪ ،10‬صص ‪.324 - 299‬‬
‫‪ .20‬عبيد‪،‬عائشة (‪،)2011‬الشخصية الدرامية فی تراجيديا هاملت لـ‪:‬ويليام شکسبير‪،‬کلية اآلداب واللغات‪،‬جامعة منتوری‪ ،‬رسالة‪.‬‬
‫‪ .21‬عبدی‪ ،‬صالح الدين (‪ ،) 2009‬استدعاء التراث فی أدب زکريا تامر‪ ،‬مجلة دراسات في العلوم االنسانية‪ ،‬المجلد ‪ ،16‬العدد‪،16‬‬
‫صص ‪.69 -57‬‬
‫‪ .22‬الغزالی‪ ،‬أمل حسن ابراهيم (‪ ،) 2012‬سمات شخصية هرقل وتمثالتها فی التراجيديا اإلغريقية‪ ،‬مجلة مرکز بابل للدراسات‬
‫التاريخية والحضارية‪ ،‬العدد‪ ،2‬المجلد ‪.2‬‬

‫‪45‬‬
‫كانون أول‪2017 /‬م‬ ‫مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ /‬جامعة بابل‬ ‫العدد‪36/‬‬

‫‪ .23‬الفريد‪ ،‬سمعان (‪ ،)2011‬مظفر النواب‪ ...‬الصوت العراقی المتألق‪ ،‬مجلة عراقيون من زمن التوهج‪ ،‬السنة الثامنة‪.‬‬
‫‪ .24‬منصور ياسين‪،‬ابراهيم (‪،)2010‬الرموز التراثية في شعر عزالدين مناصرة‪،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬المجلد ‪ ،26‬العدد ‪ 3‬و‪.4‬‬
‫‪ .25‬المراحمی‪ ،‬قابل رشيد نافع (‪1435‬ه)‪ ،‬صورة البطل فی شعر أبی تمام‪ ،‬جامعة أم القری‪ ،‬کلية اللغة العربية‪.‬‬
‫‪ .26‬مقدسي‪ ،‬ابوالحسن ومهدي شاهرخ (‪ ،)1395‬امام حسين(ع) اسوه ی پايداری در شعر مظفر النواب‪ ،‬مجلة ادبيات پايداری‪،‬‬
‫جامعة شهيد باهنر کرمان‪ ،‬السنة ‪ ،8‬العدد ‪ ،14‬صص ‪.28-1‬‬
‫‪ .27‬النواب‪ ،‬مظفر (‪1996‬م)‪ ،‬األعمال الشعرية الکاملة‪ ،‬لندن‪ ،‬دار قنبر‪.‬‬
‫‪ .28‬الياسين‪ ،‬ابراهيم منصور (‪ ،) 2010‬الرموز التراثية فی شعر عزالدين مناصرة‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬المجلد ‪ ،26‬العدد ‪ 3‬و‪،4‬‬
‫صص ‪.288 - 255‬‬
‫‪ .29‬ياسين‪ ،‬باقر (‪،)2003‬مظفر النواب‪ ،‬حياته وشعره‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الغدير‪ ،‬قم‪.‬‬

‫‪46‬‬

You might also like