Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 224

‫مدخل عام لباب‬

‫ي‬ ‫ن‬ ‫ن‬


‫لن ساي ن‬‫اإ‬
‫الوحدة و الكثرة‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫نقل مشكل اإلنساين من مستوى ميتافيزيقي‬


‫إىل مستوى تارخيي‬

‫يثير مبحث الإنية و الغير ية و التواصل و الأنظمة الرمزية و الخصوصية و ال كونية إشكالا يتمثل في نقل‬

‫التساؤل الفلسفي من المقاربة الميتافيز يقية الباحثة على الماهية و المؤسسة على الثبات و الوحدة إلى المقاربة‬

‫التار يخية القا ئمة على إنفراط المعنى و على فهم الوضعية الإنسانية بوصفها كثرة و تنوعا‪ ،‬إذ يستدعي الأمر تغيرا‬

‫في مستوى موضوع التفلسف و منهج التفكير و المفاهيم المعتمدة و الرهانات و الانتظارات المراد بلوغها‬

‫و تحقيقها و يتجلى هذا الانتقال فــــ ي‪:‬‬

‫‪ .I‬مستوى الموضوع ‪:‬‬


‫حيث لم يعد موضوع التفلسف الإنسان بوصفه قابلا للتحديد في جوهر ثابت و له ماهية معطاة بصفة‬

‫مسبقة مما لا يثير إشكالا و كأن الإنسان واحد و يتمثل فعل التفلسف في البحث عن السبل المؤدية لإجلاء‬

‫ماهيته و جوهره مما جعل ال كوني هو ما ننطلق منه و ليس ما نصل إليه في حين مبحث التواصل و الأنظمة‬

‫الرمزية و مشكل الخصوصية و ال كونية يجري على صمت وهو الإقرار بأن موضوع التفلسف لم يعد ينظر للإنسان‬

‫كماهية بل كموضوع تار يخي و كوضع متغير وأن الطبيعة الإنسانية هي ما يتغذى بفضل الاكتساب و بفعل‬

‫الثقافة مما يثير إشكال البحث عن تعدد الأنظمة و اختلاف الرموز و تنامي الخصوصيات في كوني واحد و مما‬

‫يسلم بأن ال كوني هو ما نصل إليه و ما ننشده و أن الإختلاف و الخصوصية هو ما ننطلق منه كحد أدنى مشترك‬

‫لثقافة الإنسان العالمي‪.‬‬

‫لا يعدو الأمر أن يكون سوى تخليا و انز ياحا من تصور ميتافيز يقي للذات الإنسانية إلى تصور تار يخي للبيذاتي‬

‫أي للعلاقة بين الأنا و الغير و بين النحن و الهم‪.‬‬

‫‪ .II‬مستوى المنهج ‪:‬‬


‫بموجب هذا التحول في النظر إلى الإنسان كموضوع للتفكير و بموجب ال كف عن مقاربة فينومنولوجية‬

‫نحو فلسفة الأشكال الرمزية تم التخلي عن منهج و استبداله بأخر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫لقد تم الإغضاء عن المنهج التأسيسي كإدعاء لم تستطيع الفلسفة أن تفي به حتى اليوم وهو منهج يحيل إلى‬

‫مستوى ميتافيز يقي ثابت و موحد يبحث في الماهية في حين أن الإنسان ليس له ماهية فهو موجود مشروط‬

‫بتطوراته اللاحقة لوجوده يتحدد و تتشكل ملامحه داخل فضاء عمومي يحوله من معطى منحوت إلى واقع منشئ‬

‫فهو بناء يرتهن إلى أشكال وجود في العالم وإلى رموز تطبع نمط وجوده و مشدود إلى خصوصية يعيش فيها‬

‫و متطلع إلى كوني يحيا فيه و يدفعه هذا الحب إلى ال كوني أو هذا الميل إلى مراجعة تصوراته لذاته و لعالمه‬

‫و لغيره ولإنتاجاته و أول دلالات هذه المراجعة هو ما حصل في فهمنا للفلسفة ذاتها إذ تكف الفلسفة اليوم‬

‫عن كونها حبا للحكمة و تعزف عن كونها بلوغا لأرقى درجات ال كمال النظري و العملي و تزهد في كونها طلب‬

‫الحقيقة بقدر الطاقة الإنسانية لتصبح حكمة للحب واقعة تحت إلحاح الآخر إذ وجه الغير يطالبني بالموافقة إلى‬

‫غيريته و يناشدني الدخول معه في علاقة إيتيقية تتجاوز بعد الاستعمال نحو حضور صلب إثنينية تشرع لظهور‬

‫الإنسان الثالث أو الحد الثالث وفق تعبير ليفيناس فأخرج من مسؤولية تحملني على الأنانية و تتدبر بقائي‬

‫و المحبة المرتبطة‬ ‫و سعادتي نحو أفق أوسع يحملني مسؤولية إزاء المحبوب و المرغوب و أدرك خلالها أن الرغبة‬

‫بما هو استتيقي تحتاج إلى تجاوز نحو أفق أرحب هو أفق الحق و الذي يحملني مسؤلية إزاء الإنسانية جمعاء عندها‬

‫يعانق الإنسان وجها إيتيقيا للآخر لم يعد دالا على غير ية بل على الإنسانية كوجه مشترك للأنا و الغير‪.‬‬

‫لقد تحولت الفلسفة بمفعول تبنيها لمنهج تار يخي في تأو يل الإنساني إلى حكمة الحب بما تعنيه من تسامح و تواشج‬

‫و بما تعنيه أيضا من تحكم مما يسوغ لتعر يف للفلسفة كحب للتحكم و رغبة في السيطرة طالما أن ال كوني يسقط في‬

‫تشابه خادع مع العولمي يحملنا على التظنن إزاءكونيته و يدفعنا إلى الابتهاج بحكمة الحب و الحذر من حب التحكم‪.‬‬

‫‪ .III‬في مستوى المفاهيم ‪:‬‬


‫إننا نشهد تغيرا في منظور ية الموضوع و اختلافا في أليات المنهج مما ولد مفاهيم مستحدثة و أزواجا‬

‫مفهومية متناقضة أولها التناقض بين الإنسان و الإنساني و الياء هنا تفهم في معنين‪ ،‬تفهم بوصفها ياء المل كية‬

‫فتسائل عن قدرة الإنسان على امتلاك رموزه و قدرتها على امتلاكه أي تخبر عن أسهامها في إنشاءه كإنسان‬

‫و استحالتها إلى سيد عليه بفعل التوظيف و الإستعمال الأداتي للصورة و للغة وهو ما يعلن عن دلالتين للأنظمة‬

‫الرمزية‪ :‬دلالة للنظام بوصفه تجاوزا للفوضى و دلالة للنظام بوصفه قهرا و إكراه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫نلحظ تناقضا حاد ينشد انسجاما بين زوج مفهومي أخر هو الوحدة و ال كثرة أي وحدة الثقافات و تنوع أشكال‬

‫التعابير عن هذه الوحدة‪ .‬وهو ما يشرع للمحافظة على الخصوصية و الإعتزاز بالإنتماء ل كن دون عزوف عن‬

‫طلب المغاير و التطلع إلى إيجاد أفق كوني مفيد حضار يا و سياسيا و أخلاقيا‪.‬‬

‫إن مثل هذه الأزواج المفهومية و غيرها تقوم على وجود" بين" وهو ما يؤكد جدة تعلن عن تنصيص صريح على‬

‫البينية وترفع التفلسف إلى مستوى تأو يلي لفهم الإنسان و العدول عن تفسير ما الإنسان‪ .‬لأن صيغة "ما" تتعلق‬

‫بالماهية‪ .‬و صيغة "ما" الواردة في السؤال الميتافيز يقي عن الإنسان (ما الإنسان ؟) تضع مسافة بين السائل "نحن"‬

‫و المسؤول عنه "الإنسان " وهي تصمت عن النظر إلى الإنسانية كمصدر في حين أن الإنسانية فعل متكثر في‬

‫مستوى رموزه و علاماته وأدواته و غاياته‪.‬‬

‫من الواجب إذن الاستغناء عن صيغة "ما" الإنسان ؟ و استبدالها بصيغة أكثر تلاؤم وهي "من" هو الإنسان ؟‬

‫و من صيغة تبحث في صفة مخصوصة تسم الإنسان‪ .‬و في نظام محدد يكون فيه الإنسان و تتعلق بفرادة و ترفض‬

‫المطلق وهي صيغة تنظر للإنسان كظاهرة تار يخية أو هو حدث و وضعية يجلي معنى و يحتكم إلى قيم ثقافية‬

‫و ينخرط في معايير كونية‪.‬‬

‫‪ .IV‬في مستوى الغاية و الرهان ‪:‬‬


‫إن رهان التفكير في التواصل و الأنظمة الرمزية و في الخصوصية و ال كونية هو التحرر من الاغتراب‬

‫في الوسائل و الأدوات و الانعتاق من عنف العالمي و إنقاذ أنفسنا وهويتنا من المسخ و الدمج فإذا كنا نتفلسف‬

‫فلأننا نكابد حياتنا باعتبارها حياة مغتربة‪ ،‬بتعبير نكولا قريمالدي إذ يجد التفكير منطلقا و قادحا له في هذا‬

‫التساؤل‪:‬‬

‫هل يبدو العالم الراهن إطارا ملائما لتحقيق إنسانيتنا؟‬

‫إن الإنسانية تعني الحر ية و في تخلي الفرد عن حريته تخل عن صفته كإنسان‪ ،‬أي أن الرهان هو إنشاء تواصل‬

‫قوامه الوعي بتحقيق أعمق و أثرى لإمكانات الفعل و الممارسة أي تحقيق استقلالية الفكر عن عوائقه الداخلية‬

‫المتمثلة في التعصب و محاكمة المختلف إستنادا إلى عوائدنا‪ ،‬و استقلاليته عن عوائقه الخارجية المتمثلة في الهيمنة‪.‬‬

‫المقنعة للإعلام و الدعاية و الصورة وهو ما يحقق الفكر الحر‪.‬‬

‫كما أن الغاية هي الفعل الحر كفعل يتجاوز التمييز الإجتماعي و يتحرر من أشكال التوظيف السياسي للرموز‬

‫و القمع السياسي باسم الخصوصية حينا و باسم ال كونية حينا آخر‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫← يروم البحث في مشكل التواصل و في الخصوصية و ال كونية الوعي بالإطار الأكثر ملائمة من أجل‬

‫تفتح عميق للإنسانيتنا و نبذ الاعتقاد بأن أدواتنا و مؤسساتنا قد خققت ما ننشده من كمال و التفطين إلى تحول‬

‫العلم إلى أسطورة و انحراف الثقافة الجماهر ية و إعلانها عن موت الثقافة و التنبيه إلى التشر يط الخفي للفكر‬

‫و المؤدي إلى ريبية فكر ية‪ .‬و لفت الانتباه إلى تحول الحر ية إلى سلوك نمطي و بقاء ال كوني في مستوى نظري‬

‫و عدم القدرة على تجسيمه في واقع محكوم بالعنف و الحرب‪ .‬واقع يقف في مفترق طرق و يبحث عن إجابتيــن‪:‬‬

‫إجابة متشائمة ‪ :‬تجعل الاغتراب في الاتصال قدرا لا يمكن تجاوزه و ترى الاغتراب مدونة أزلية للإنسان‪.‬‬ ‫•‬

‫إجابة متفائلة ‪ :‬تراهن على الحوار بين الخصوصيات و تعتبر تعطيل التواصل نتاج أوضاع تار يخية يستطيع الإنسان‬ ‫•‬

‫التحرر منها بفكره و بفعله و تنشد نطاقا يلتقي فيه الإنسان بالإنسان دون التضحية برموزه و دون التفويت في‬

‫هويته و ترسم أفقا يعرف فيه الإنسان نفسه بنفسه‪.‬‬

‫و مثل هذه الانتظارات تدعو إلى التساؤل‪:‬‬

‫ما دلالة التواصل؟ و ما قيمة الأنظمة الرمزية؟ و هل تستطيع تحقيق رهانها ؟‬

‫إن كل هذه الأسئلة ترد إلى سؤال وحيد هــــــــــــــو‪:‬‬

‫ما الحاجة إلى التواصل و أي مطلب ينشده؟‬

‫‪5‬‬
‫لنبة و الغثرنة‬ ‫اإ‬
‫لخر‪:‬‬‫لنا نا إ‬
‫علإقة ا إ‬
‫اتصال ام انفصال ؟‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫االنية و الغريية عالقة األنا باآلخر ‪ :‬اتصال أم انفصال ؟‬

‫الوعي الم كتفي بذاته في فلسفة ديكارت و الجدل الذي يثيره في فهمنا لإني ّتنا ‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫إذا سلمنا مع ليون برانشفيك بأن «التيار الفلسفي يأتي متأخرا عن التيار العلمي»‬

‫فإنَ فلسفة ديكارت هي الوريث الشرعي ل كشوفات قاليلي‪ .‬لقد رفع قاليلي التناقض القديم‬

‫بين الحركة والسكون حين اعتبر أن الجسم سواء كان متحركا أو ساكنا فذلك لا يزيد ولا ينقص شيئا من‬

‫جوهريته‪ ،‬إنه لأول مرة تواجد موازاة بين المتحر َك والساكن وتصبح الحركة حالة من حالات الجسم مثلها‬

‫مثل السكون تماما‪ِ .‬إ ْن ﭬاــليلي سيضع الأجسام في فضاء متجانس‪ .‬إن ما قام به ﭬاــليلي في الطبيعة سيعمّمه‬

‫ديكارت على الانسان‪ .‬إذ الانسان بدوره سيوضع في فضاء متماثل‪ .‬ل كن ما الذي يجعل الأفراد متماثلين ؟‬

‫ن العقل أعدل الاشياء قسمة بين الناس»‪.‬‬


‫نجِد ُ معناها واضحا في قولة ديكارت ‪« :‬إ ّ َّ‬
‫ن رفض فكرة التراتب َ‬
‫إ ّ‬

‫وهذه المساواة في العقل ستؤدي إلى المطالبة بمساواة في الحقوق‪ ،‬وذلك ما يعنيه فوكو حين يقول ‪« :‬إن الانسان‬

‫إكتشاف جديد في العصر الحديث»‪ .‬وذلك يعني بزوغ مقولة الذات الفاعلة كحدث في الفلسفة‪ .‬فكيف تتجلى‬

‫هذه الذات داخل الديكارتية ؟ إن ديكارت سيحول الوعي من وعي بالعالم إلى وعي منفصل عن العالم‪ .‬إن‬

‫الذات الديكارتية نشيطة وفاعلة‪ .‬فديكارت يقر يأن الوعي لا يتحدد بمواضيعه بل أن موضوع الوعي وماهيته شي‬

‫واحد‪ ،‬انه وعي مكتف بذاته‪ ,‬لا يستجدي الطبيعة ولا يلاحقها‪ ،‬إنه وعي يتعالى على المواضيع بل يحتقر الطبيعة‬

‫ويدير حواسه عنها ‪ .‬يقول ديكارت في بداية التأمل الثالث‪« 1‬أغمض الآن عيني وأصم أذني وأدير حواسي عما‬

‫حولي» ‪.‬‬

‫إن الطبيعة مع ديكارت أصبحت خرساء بكماء‪ .‬لا حكمة فيها مما يستدعي الإعلاء من شأن الذات والحط من‬

‫شأن الطبيعة وفرض الهيمنة عليها «هدفي أن أجعل الإنسان سي ّدا ومالكا للطبيعة»‪ .‬إن فكرة السيادة والغزو هذه‬

‫دلالة على أن الوعي قد ترشّد مع ديكارت وأصبح قائما بذاته لا يحتاج إلى غيره‪ .‬فال كوجيتو الديكارتي يتنك ّر ُ‬

‫ل ما هو دونه مم ّا دفع بديكارت الى التّمييز بين الجوهر المفك ّر والجوهر الممتد والجوهر المفك ّر هو الانسان‬
‫إلى ك ّ‬

‫بوصفه فكر محض‪ ،‬والجوهر الممتد هو الطبيعة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Descartes. Réne. Discours de la méthode suivi des méditations – U.G.E. 1951 – Paris P. 193.‬‬

‫‪7‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إن هذا الفصل بين الجوهرين يفقد الطبيعة سحرها ويُسمي من قيمة الذات وهو يضع مسافة شاسعه بين الذات‬

‫والعالم‪ ،‬و يعتبر أن الذات تكر ِه العالم على الامتثال لارادتها‪ ،‬فالمادة خاضعة لسيطرة الفكر‪ ،‬إن هذا الفصل هو‬

‫بمثابة ال كسر «للحلف التلقائي» الذي كان قائما بين الانسان والطبيعة يتعيير بر يجوجين‪ .‬ل كن هل الأنا الديكارتية‬

‫أنا فردية ؟‬

‫إن الآنا الديكارتية ليست الأنا الفردية الشخصية‪ .‬فالذ ّات كما يتمثّلها ديكارت ليست ذاتا سفسطائية بل هي‬

‫ذات كل إنسان‪ ،‬إنها أنا كونية كما أنّها أنا عاقلة وليست أنا حسي ّة لذلك عمد ديكارت إلى إقصاء الحواس في‬

‫عملية المعرفة‪ ,‬ولذلك أيضا يعتبر ديكارت أن العقل متماثل لدى كل الناس ‪ .‬إننا نمر ّ مع ديكارت من فضاء‬

‫هرمي متراتب إلى فضاء متجانس‪ .‬وأما الاختلاف بين البشر فمرده طر يقة الاستعمال إذ أن كل البشر يمتل كون‬

‫نفس العقل ول كن الفرق يتعل ّق باستغلال هذا العقل‪ ,‬فالمهم ليس أن غمتلك عقلا بل الأهم هو أن نحسن‬

‫استعماله‪.‬‬

‫ن مكبوت الديكارتية هو المساواة بين البشر‪ ،‬هو الديمقراطية ما دام العقل موزعا بالتساوي‪ .‬ومكبوت الديكارتية‬
‫إ ّ‬

‫كذلك الهيمنة اذ يتحتم غزو من لا يحسن استغلال عقله‪ .‬فالديكارتية تخفي نزعة استعمار ية ورغبة في التوحيد‬

‫وإنكار الاختلاف وبهذا المعنى تكون الديكارتية فلسفة الوحدة بمعنى وحدة ال كوجيتو أي الوعي ووحدة الثقافة‬

‫و إنكار لل كثرة‪.‬‬

‫يفترض ديكارت أنَ الذات لا تكون واعية إلا متى انفصلت عن الأشياء‪ ،‬فال كوجيتو الديكارتي لا حامل له‪،‬‬

‫هو وعي مباشر بتعبير كانط وهو كوجيتو يفعل عن بعد لذلك يحتاج إلى من يُؤَمّ ِن فعله و يضمن قوله وهو الل ّه‪،‬‬

‫فالوعي داخل الفلسفة الديكارتية يهرب من الطبيعة ليستند إلى الل ّه فالل ّه هو الضامن لما ينتجه ال كوجيتو من‬

‫حقائق‪.‬‬

‫ل مشدودا إلى الل ّه هكذا لا تكون الذات نشيطة إلا متى‬


‫إن الأنا الديكارتي رغم ما يدعيه من رشد إل أنه يظ ّ‬

‫ن ال كوجيتو الديكارتي متعفف وكل متعفف يحتاج إلى وسيط وقد اختار‬
‫احتمت بغيرها‪ ،‬يجب الإقرار بأ ّ‬

‫ديكارت وساطة هي الل ّه ‪ .‬فالل ّه هو الضامن للمطابقة بين ما أقول وما عليه الواقع‪ .‬إن مسألة الوعي مع كانط‬

‫ستتنز ّل داخل إطار تجريبي في حين أن ديكارت ينز ّل الوعي داخل إطار عقلي بحت فالذات تباشر نفسها‬

‫وتمارس رقابه على ذاتها إذ لا رقيب عليها‪ .‬ل كن كيف توصل ديكارت إلى اكتشاف ال كوجيتو ؟‬

‫‪8‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫توصّل ديكارت إلى اكتشافه بطر يقة حدسية‪ ،‬ل كن ليس با معنى الصوفي ولا بالمعنى الكانطي للحدس الذي يقر‬

‫بوجود مقولات فطر ية في الدماغ‪ .‬إن الحدس الديكارتي هو حدس العلماء الذين يضعون الفكرة ليجدوها في‬

‫كتشف عبر عملية حدسية‪.‬‬


‫ُ‬ ‫النهاية‪ .‬فال كوجيتو لا يحتاج إلى برهنة بل ي ُ‬

‫كما نلاحظ أيضا أن الطفولة ليست زمن وعي بل هي زمن الضياع والخطأ «تعلمت أشياء منذ نعومة اظافري‬

‫على أنها صحيحة تبين لي فيما بعد أنها خاطئة»‪ . 2‬لذلك يسكت ديكارت طفولت ّه و يقطع مع الطفولة بمعنييها‬

‫الفردي والإنساني‪ ،‬لأن الطفولة مرحلة تلق في حين أن هدف ديكارت هو الفعل‪ .‬فالذات الديكارتية هي‬

‫ذات مشرّعة معرفيا واجتماعيا وبهذا المعنى يكون الوعي عند ديكارت تجربة بمعنى إمكانية وقدرة على الفعل‪.‬‬

‫يتبيّن إذن أن الأنا الديكارتي مباشر مستقل مكتف بذاته وأجوف وهو وعي منتج‪ .‬كما أن الأنا الديكارتية‬

‫تساوي أنا (أنا = أنا) إذ لا يوجد وسيط بين الذات وذاتها ‪.‬‬

‫إن العلاقة بين الذات والموضوع في فلسفة ديكارت ليست علاقة اختلافية أي أن الذات لا تعي موضوعا مختلفا‬

‫عنها بل هي علاقة مماهاة كلي ّة‪ ،‬أي أن الذات تجعل من نفسها موضوعا فالذات تعي ذاتها‪ ،‬أي أن الوعي هو‬

‫وعي بالوعي لا بالأشياء أو المواضيع الخارجة عن الذات والمنتصبة أمامها‪ .‬إن ال كوجيتو الديكارتي يرتد ٌ إلى ذاته‬

‫«عدٌ إلى نفسك إن داخلك تكمن الحقيقة» وهو كوجيتو مُم ْتَل ِئ بموضوعه ومنغلق على نفسه وليس منفتحا على‬

‫العالم الخارجي‪ ،‬فهو ليس فارغا من كل محتوى وجوهر وذلك ما جعل سارتر يعتبر أن الوعي إذا انغلق على‬

‫نفسه وارتد إلى ذاته إنعدم ِإن إعدام الوعي كما عب ّر عن ذلك سارتر هو الذي تفطنت اليه الفلسفة الكانطية‪ .‬فمع‬

‫كانط سيفرع ال كوجيتو من كل محتوى وجوهر‪ ،‬سيصبح الوعي أداة وظيفية لتنظيم وتوحيد موضوعات‬

‫الحدوس الحسية‪.‬‬

‫فالأنا أفكر الكانطية لا تعي ذاتها بجعلها من ذاتها موضوعا لنفسها كما أقر ذلك ديكارت‪ ،‬بل إنها تعي ذاتها‬

‫ووجودها بتوحيدها لشتات المعرفة الحسية عبر مقولات فارغة نجد محتو ياتها في موضوعات العالم الخارجي‪ ،‬ل كن‬

‫هذه العلاقة بين الذات والموضوعات التي يضعها كانط وإن مثّلت تجديدا في تاريخ ال كوجيتو فإنها لا تمثل‬

‫تقو يضا له‪ .‬إن هذه العلاقة بسيطة‪ ،‬خالية من كل معنى ودلالة وذلك ما سيكون موضوع جدّة الفلسفة‬

‫الهوسرلية‪ .‬إن العلاقة ببن الذات والموضوع في فلسفة هوسرل هي علاقة حافلة بالمعنى والدلالات أي هي علاقة‬

‫قصدية حيث تجد الذات في الموضوع ما يجعلها تقصده وتنجذاب إليه ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Descartes. Réne. Discours de la méthode suivi des méditations – U.G.E. 1951 – Paris.‬‬

‫‪9‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫النقد الكانطي للإنية اللامشروطة والمطلقة لدى ديكارت ورسم حدود الأنا ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬
‫إن الوعي الديكارتي مطلق بمعنى أن له القدرة على النفاذ إلى جوهر الأشياء ومعرفة‬

‫أنطلوجية الوجود الواقعي فهو لا يرسم حدودا لما يمكن معرفته وما لا يمكن معرفته‪ ،‬فالوعي‬

‫الديكارتي وعي يعي المسائل الميتافيز يقية كوجود الل ّه وخلود النفس ولانهائية العالم أي أنه‬

‫وعي بعلم اللاهوت العقلي وبعلم النفس النظري وبعلم ال كون وهذا ما سيعيبه عليه كانط‪،‬‬

‫فمع كانط ستصيح للوعي حدود‪ .‬وحين يجعل كانط للوعي حدودا فذلك يعني أنه يقيم حدا فاصلا بين المناطق‬

‫التي يمكن أن يشتغل فيها الوعي وهي موضوعات الحدوس الحسية وبين مناطق إذا دخلها الوعي تاه في بيداء‬

‫الوهم والضلال وهي المسائل الميتافيز يقية والتي هي ليست موضوع وعي بل هي موضوع إيمان‪.‬‬

‫ل كن رغم نقده لديكارت تلتقي الذات الكانطية مع الذات الديكارتية في كونها ذاتا مشرعة ٌ ‪ :‬إن الذات الكانطية‬

‫ذات م ُش َرع َة ٌ على مستوى معرفي حيث يكون الأنا أفك ّر هو الذي يجعل من حكم الإدراك لموضوعات العالم‬

‫الخارجي حكم تجربة‪ ،‬أي أن الترتيب المنطقي لموضوعات العالم الخارجي يخضع للترتيب المنطقي للذات العالم ّة‬

‫بفضل المقولات التي تنصب على موضوعات الحدوس الحسية‪.‬‬

‫وهي ذات مشِرّعة على مستوى الأخلاق بما أن الانسان الكانطي ليس كائن رغبة بل هو كائن عقل يشرع‬

‫لوجوده الأخلاقي عن طر يق الاستقلالية الذاتية‪ .‬إن ّهكائن يخضع للأوامر العقلية غير المشروطة برغبات وميولات‬

‫الإنسان التي تحدده ‪.‬‬

‫ن الانسان عند كانط يعيش مستو يين ‪:‬‬


‫يمكن التأكيد أن الوعي الكانطي مشدود إلى الطبيعة فهر محدود لأ ّْ‬

‫مستوى الظاهر ومستوى الشيء في ذاته‪ ،‬والانسان في ما يتعل ّق بوجوده الظاهر خاضع للتجربة‪ ،‬إن ّه انطلاقا من‬

‫التّمييز بين الظواهر والأشياء في ذاتها يمكن أن نرسم الحدود الفيز يولوجية للوعي‪ ،‬إن الوعي ليس مطلقا فهو لا‬

‫يقدر على النفاذ إلى جوهر الأشياء لذلك فالوعي له حدود إذ الانسان محدد في مستواه البيولوجي‪ ،‬إلا أن‬

‫الانسان كائن متعال يسمو فوق مستواه البيولوجي عبر التجربة الأخلاقية‪ ،‬فالوعي محدود فيز يولوجيا ل كنه يتجاوز‬

‫هذه الحدود في التجربة الأخلاقية ‪.‬‬

‫هكذا يتوصل كانط إلى رسم الحدود الفيز يولوجية للوعي وإلى اعتبار الوعي الديكارتي بسيطا ومطلقا‪ .‬فال كوجيتو‬

‫ل أو حامل مما دفع به إلى ترميم ال كوجيتو الديكارتي‪،‬‬


‫الديكارتي في نظر كانط ضعيف وهش وهو بحاجة إلى م ُق َ‬

‫ن بين‬
‫إذ أقحم كانط وسيطا بين الذات وذاتها‪ ،‬فالوعي لم يعد مرتدا على نفسه ولم تعد «الأنا» تساوي «أنا» بل إ ّ‬

‫‪10‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الذات وذاتها يوجد وسيط هو الزمان والمكان‪ ،‬وهكذا يصلح كانط ال كوجيتو الديكارتي ففي حين كان الوعي‬

‫الديكارتي ضعيفا يحتاج إلى الل ّه ليضمن صدق معارفه يترشد الوعي مع كانط و يصبح في غنى عن الل ّه‪ ،‬فالضامن‬

‫لصدق المعرفة ليس الل ّه بل تلاقي العقل والتجربة «إذ المفهوم (العقل) بدون تجربة أجوف والتجر ية بدون‬

‫مفهوم عمياء» ‪ .‬هكذا يطرد كانط الل ّه من مجال المعرفة‪ .‬فهو الذي بش ّر بموت الل ّه في الفلسفة حين أخرجه من‬

‫ك بيد ما أعطاه باليد الأخرى‪ ،‬إذ المطرود من مجال المعرفة يصبح ملكا في مجال‬
‫حقل المعرفة‪ ،‬إلا أنَ كانط افت َ‬

‫الأخلاق‪ ,‬قالله المطرود من المعرفة يصبح هو الشرط المؤسس للفعل الاخلاقي‪.3‬‬

‫إن هذه العلاقة الجديدة بين الوعي وموضوعاته التي ينتجها كانط وإن مثلت تجديدا في تاريخ الإني ّة فإنها لا تمث ّل‬

‫تقو يضا لها‪ ،‬ول كن هذه العلاقة تبدو بسيطة وتفتقر إلى المعنى والدلالة في نظر هوسرل‪ .‬فما الجديد في فلسفة‬

‫هوسرل ؟‬

‫الترميم الفنمنولوجي للإني ّة المباشرة ‪:‬‬ ‫‪.III‬‬

‫يعيب هوسرل على الوعي الديكارتي والكانطي معا يساطته وافتقاره إلى المعنى وخلوه‬

‫من الدلالات‪ .‬ففي نظر هوسرل لا يوجد وعي مباشر لنفسه يعود على نفسه «فكل حالة‬

‫وعي هي ب ِوَجْه ٍ عام وعي بشيء ما»‪.4‬‬

‫يتبين إذن مع هوسرل أن كل وعي يقيم علاقة مع الشيء وتكون هذه العلاقة رامزة أي‬

‫غنية بالمعنى ‪« .‬فكل كوجيتو يفعل على طر يقته الخاصة»‪ 5‬والشيء في نظر هوسرل لا ينتصب أمامي من نفس‬

‫الزاو ية‪ ،‬وتسمى حالات الوعي هذه حالات قصدية‪ ،‬والقصدية تعني أن الوعي هو دائما وعي بشيء ما‪ .‬فهي‬

‫تعني أن نرمي إلى شيء معين وأن نفك ّر فيه وفق هدف محدد‪ .‬والإدراك لا يكتسب معنى إلا ضمن هذا المشروع‪.‬‬

‫إن فكرة القصدية هذه من أبرز المفاهيم الخاصة بالظاهرتية‪ ،‬فكيف يمكن تعر يف الظاهرتية أو الفينمنولوجيا ؟‬

‫إن تعر يفا أوليا للفنمنولوجيا يفيد بأنها عودة إلى «الأشياء»‪ ،‬أي هي وصف لمجموعة من الظواهر فهي لقاء‬

‫الأشياء أو المصالحة مع المواضيع‪ ،‬فكل وعي هو وعي بالأشياء‪ .‬هكذا تكون الفنمنولوجيا دراسة المعنى‪ .‬إن َّّها‬

‫فلسفة تفترض أن الانسان لا يقيم علاقة وحيدة مع العالم‪ ،‬بل يقيم علاقات متعددة‪ ،‬و يعتبر سارتر في شرحه‬

‫‪3‬‬
‫جيل ديلوز‪ ،‬االختالف و المعاودة‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪4‬‬
‫‪E. Husserl. Meditations cartesiennes – Ed. vrin – 1966. P. 28.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Ebid. P 28.‬‬
‫‪11‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫للموقف الهوسرلي في كتابه «الوجود والعدم» أن الآخر (المواضيع) ليس تجريبيا فحسب‪ ،‬بل الآخر هو الوجود‬

‫على نحوه المتعدد‪ .‬والآخر هو ما تُبنى من خلاله الذات‪ ،‬يؤكد سارتر اثناء قراءته لهوسرل أن الأنا والآخر‬

‫موجودان في نفس الوقت في العالم‪ ،‬فهناك إذن علاقات تبادل بين الأنا والعالم فوضع الآخر لا يختلف عن‬

‫وضع الذات ولا يتحقق وجود الأنا إل ضمن الآخر «فأنا أحقق وعيا بذاتي في نفس الوقت الذي أحقق فيه‬

‫وعيا بالاشياء»‪.‬‬

‫إن موقفا هوسرل من ظاهرة الوعي يتجاوز الديكارتية والكانطية معا‪ ،‬إذ أن علاقة الذات مع مواضيعها ليست‬

‫علاقة بسيطة بل هي «علاقة حافلة بالمعنى»‪ .‬فالوعي مع هوسرل لا يقيم علاقة مع المواضيع بل يقيم علاقات‬

‫معنى مع المواضيع أو هو يقيم علاقات مع معاني المواضيع‪ .‬مثال ذلك أن الانسان الذي هو في علاقة مع غرفة‪,‬‬

‫فهذه الغرفة ليست جمادا بل هي تحمل ذكر ياته وبالتالي تصبح علاقته بها رمزية‪ ،‬فهو لا يقيم علاقة مع الغرفة‬

‫بقدر ما يدخل في علاقة مع معانيها‪.‬‬

‫إن جديد هوسرل يتمث ّل في أن العالم لم يعد حاضرا بطر يقة وحيدة أمام الوعي بل إن للعالم أشكالا متعددة من‬

‫الحضور‪ .‬كما أن الانسان لا يحضر في العالم بطر يقة واحدة بل بطرق شت ّى‪ ،‬هذه الرؤ ية الجديدة لعلاقة الانسان‬

‫بالعالم تنم عن إيمان بالاختلاف وانكار للوحدة‪ .‬إننا مع هوسرل نفك ّر داخل إطار التعدد والاختلاف وليس‬

‫داخل إطار التجانس‪.‬‬

‫يجب أن تلاحظ أن فلسفة هوسرل لا تقطع مع ال كوجيتو ولا تقوضه بل ترممه‪ .‬فمع هوسرل هناك استعادة‬

‫للبداية الديكارتية حيث يستعاد ال كوجيتو بغية إصلاحه وترميمه تحت ضغط كانط والتجريبيين الأنقليز‪ .‬فمع‬

‫هوسرل سينفتح التأمل الفلسفي على الحقل الفينمونولوجي الذي سيسهم في تحرير الأنا من النزعة النفسية‪ .‬إذ‬

‫نجد عودة إلى الأشياء ذاتها‪ ،‬إذ يفرغ الوعي من محتواه الشعوري ليصبح مجر ّد علاقة مع المواضيع‪ ،‬فالوعي ليس‬

‫إلا ّ علاقة ممكنة وليست الوحيدة مع العالم‪.‬‬

‫ل كن هذه العودة ليست تجريبية محضة بل تفترض ذاتا متعالية على العالم‪ ،‬إنّها عودة تفرغ الوعي ول كنّها لا‬

‫تقو ّضه‪ ،‬فهوسرل يعيد بناء ال كوجيتو‪ .‬فالفينمونولوجيا هي صيغة جديدة للوعي‪ ،‬انها فلسفة الذاتية كما اعتقد‬

‫ديكارت ول كنها فلسفة الحضور كذلك‪ ،‬إنها فلسفة الذاتية والحضور معا‪ ،‬أي حضور الأشياء في عملية الوعي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الجينيالوجيا و تمز يق وحدة الوعي فريدر يك نيتشه ‪:‬‬ ‫‪.IV‬‬


‫مع نيتشه ستتم مغادرة أرض ال كوجيتو ومعه ستعتبر البداهة وهمًا إذ ستخرج‬

‫ّف المعنى عن كونه تَم َُّث ّلا ً وحضورا‪ِ .‬إن نيتشه يضع‬
‫المعرفة من فردوس اليقين و يك ٌ‬

‫فلاسفة البداهة والعقل في سلّة واحدة ليفتح الممارسة الفلسفية على الجسد والرغبة‪.‬‬

‫على الإرادة والقوة‪ ،‬إنه يخرق التطابق والانسجام الذي يمي ّز العقل الغربي‪ .‬ويتنز ّل جهد نيتشه فيما يسمّى‬

‫بفلسفات التشكيك أو الرجة بتعبير بور ر يكور (‪.6)P. Ricoeur‬‬

‫يعتبر نيتشه أن كل القيم الثقافية ناتجة عن إسقاط فالوعي عملية إحيائية ت َ ْسق َُط فيها صفات الانسان واحتياجاته‬

‫على المواضيع‪ ،‬لذلك فكل القيم هي بمثابة الأساطير‪ ،‬يشكك نيتشه إذن في كل مكتسبات العقل الغربي‪ ،‬ل كن‬

‫كيف يتم هذا التشكيك ؟ أن أي ّة فلسفة تشتغل داخل منهج‪ ،‬والمنهج النيتشوي هو الجينيالوجيا‪.‬‬

‫لقد هيمن المنهج الجينيالوجي على تاريخ الفلسفة بداية من نيتشه وتعني الجينيالوجيا البحث في اصل الأفكار‬

‫وتسلسلها وتفر ّعها‪ .‬وكان نيتشه في «جينيالوجيا الأخلاق» يعني بالجينيالوجيا شجرة الأفكار وتفرعاتها ‪...‬‬

‫فالجينيالوجيا دراسة استردادية تعود إلى الوراء انطلاقا من الوضع الراهن للأفكار والمفاهيم‪ ،‬فالجينيالوجيا منهج‬

‫تطوري واتصالي فالحاضر امتداد للماضي والاختلاف ليس سوى وجه لهو ية واحدة » ‪.7‬‬

‫إن المنهج الجينيالوجي هو أداة لرصد الأفكار ومتابعتها وتخليصها مما تراكم حولها من أغشية بفعل الزمن‪،‬‬

‫والجينيالوجيا تعني ‪:‬‬

‫‪ .1‬البحث في الأصل ‪ :‬أي الوقوف على بدايات القيم واكتشاف لحظة النشأة‪.‬‬

‫‪ .2‬بحث في قيمة هذا الأصل‪ :‬أي بيان صلوحية فكرة ما أو قيمة ما آنذاك‪ ،‬أي تبيين الوظيفة التي تؤديها‪.‬‬

‫‪ .3‬مقارنة هذا الا صل بالحاجة إليه اليوم ‪ :‬أي بيان مدى صلوحية هذا الأصل اليوم‪.‬‬

‫فما أصل الوعي ؟ ما قيمته ؟ وما حاجتنا إليه اليوم ؟‬

‫ِإنَ أصل الوعي هو إسقاط لحاجات الانسان على العالم‪ ،‬ويستعمل الوعي آليات الإخفاء والتمو يه والمراوغة‪ .‬أما‬
‫‪8‬‬
‫قيمته فتتمثل في ضمان العيش والنظام داخل المجتمع‪ ،‬فالانسان يحتاج إلى قيم « ينمقها شعر يا وبلاغيا »‬

‫‪6‬‬
‫‪Ricoeur. P. : Le conflit des interprétations. Seuil. P 161.‬‬
‫‪7‬‬
‫نور الدين النيفر‪ ،‬فلسفة علوم االنسان‪ ،‬األخالء‪ ،‬تونس‪ ،1993 ،‬ص ‪144‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – flam – marion 1969. P 183.‬‬
‫‪13‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ويرفعها إلى مستوى الحقيقهة حتى تستجيب إلى متطلبات البقاء والاندماج‪ .‬ل كن ما مدى صلوحية الوعي‬

‫اليوم ؟‬

‫إنه من الحُمق أن يواصل الانسان العيش داخل أسطورة هو الذي أنشأها فالوعي أسطورة تتعرض يوميا إلى‬

‫ات مرجعها الصراع بين العقل والرغبة‪ ،‬فالعقل أو الوعي يغتال الرغبة‪ ،‬يدجنها‪ ،‬يؤجلها‪ ،‬باسم الأخلاق‪،‬‬
‫ه َز ّ ٍ‬

‫فالوعي ليس إلا قيمة أخلاقية تهدف إلى تقليص إرادة الحياة وتعمل على حفظ الرغبة وتعليبها فالعقل شكل‬

‫من أشكال التصو ّف يخفي شيئا أخر أكثر أصالة منه هو الرغبة ‪ .‬فالوعي إذن هو طمس وتنكر للجسد وبهذا‬

‫المعنى يكون للوعي تاريخ‪ ،‬وتار يخه بالنسبة لنيتشه هو تاريخ الحقيقة التي تعادي الرغبة‪ .‬فما موقع الحقيقة داخل‬

‫تاريخ الإني ّة ؟‬

‫لقد صار للإني ّة تاريخ مع نيتشه ول كنه تاريخ عاقل ومعاد للر ّغبة‪ .‬يعتير نيتشه أن الحقيقة تحصل بفضل قدرة‬

‫الانسان على النسيان أي نسيان اللحظة التي أسقط فيها مجموعة رغباته وحاجاته على العالم‪ .‬فالحقيقة مجموعة أوهام‬

‫تُنمَ ّقْ بلاغيا وتهدف إلى تعليب الحياة وإقبارها وخفض الإرادة‪.‬‬

‫ن الإنسان يضع الحقيقة وينسى أنه وضعها فيستمر في الاعتقاد فيها كحقيقة «إنها حشد متدافع من الاستعارات‬
‫إ ّ‬

‫والكنايات ومن ضروب تشبيه الأشياء بالانسان أو فلنقل بإيجاز ‪ :‬هي جملة من العلاقات البشر ية تم الترفيع من‬
‫‪9‬‬
‫شأنها ‪ ...‬ثم غدت بعد طول استعمال تبدو لعامة الناس راسخة‪ ،‬شرعية‪ ،‬ملْزِمّة»‪.‬‬

‫فما الحقيقة إلا ضرب من التشبيهية فهي نسق لغوي‪ .‬فالقيم يبتكرها الانسان وينسى أنه ابتكرها فما الحل إذن؟‬

‫يتمثل الحل في الوقوف على لحظة النشوء‪ ،‬أي الوقوف على الأصل ونسيان النسيان‪ ،‬أي تذكر أن الانسان هو‬

‫الذي صنع كل القيم ومنها الوعي‪ ،‬يجب إذن استحضار الاصل قصد هدمه‪ ،‬ل كن هل أن هدم الم كتسبات‬

‫الثقافية أمر ممكن ؟‬

‫يريد نيتشه تخليص الانسان من إرث ثقافي تراكم بمفعول النسيان ومشروعية نيتشه في المناداة بالتنكر للوعي‬

‫َّف بهذا العمل‬ ‫تستم َ ّد م ِن أن مقولة الوعي تتناقض وطبيعة الانسان ككائن رغبة ل كن رغم المشروعية التي ُّ‬
‫تَح ّ ُ‬

‫ل صعب المنال إذ يتعذر على الانسانية ال ّتي عاشت على هذه القيم لمدة طو يلة أن تتخلص منها‪،‬‬
‫التدميري فهو يظ ّ‬

‫هذا ما دفع بميشال فوكو إلى الاعتراض على قتل الل ّه من طرف نيتشه‪ ،‬فالاعلان عن موت الل ّه هو إعلان عن‬

‫موت الانسان‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – flam – marion 1969. P 183.‬‬

‫‪14‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ول كن هذا الاعتراض قد وجهه نيتشه لنفسه حين اعتبر أن الحقيقة صعبة المواجهة ولا يتحملها كل الناس‬

‫بنفس الشجاعة‪. 10‬‬


‫‪11‬‬
‫وهو أداة‬ ‫هكذا يقوم نيتشه بكسر وحدة الوعي إذ العقل لا يعدو أن يكون سوى «وسيلة الفرد إلى البقاء»‬

‫للمحافظة على الاستمرار في الحياة‪ ،‬فالانسان يطور قواه الرئيسية عبر الإخفاء والتمو يه والمراوغة والتجمل والتعالي‪.‬‬

‫ل قدرة على الصراع إن ّه سلاح البشر الأقل صلابة‪.‬‬


‫فالوعي وسيلة يبقى بها الأفراد الأكثر ضعفا والأق ّ‬
‫‪12‬‬
‫ن الأنا مشروطة بالجسد وبإرادة الحياة‪،‬‬
‫ِإ ّ‬ ‫إن الوعي وهو يطفو على السطح‪ ،‬فالأنا ليست مشروطة بالفكر‬

‫فالوعي ليس إلا مقولة لغو ية سطحية تخفي شيئا أكثر جوهر ية منها هو الجسد‪.‬‬

‫لقد تزامنت الفرويدية مع ظهور الفيز ياء الطاقو ية التي تعتبر أن الأجسام تتحول إلى طاقة عند اجتيازها لسرعة‬

‫معينة‪.‬‬

‫فالطاقو ية نسفت التصو ّر القديم للطبيعة وأنتجت تمث ّلا جديدا لها يقر أنه بإمكاننا تفسير اللامرئي بالمرئي‪ ،‬فالضوء‬

‫مثلا لا يمكن رؤيته ول كن يمكن ملاحظة آثاره ‪ .‬فكرة الآثار هذه هي التي ستمث ّل حجر الزاو ية في التحليل‬

‫النفسي‪ .‬فهذا الأخير لا يتعامل مع أشياء مرئية بل يتعامل مع الآثار التي تصدر عم هو غير مرئي إذ اللاشعور‬

‫لا يمكن ملاحظته بل نلاحظ آثاره‪ .‬أي ما يصدر عنه أو ما يتجلى‪ .‬كما أن الطاقو ية استندت إلى قانون مركزي‬

‫هو قانون التحول ‪« :‬فلا شيء يخلق ولا شيء َ يضيع بل كل شيء يتحول»‪ ،‬فكرة التحول والتبدّل هذه هي التي‬

‫سيتم استثمارها داخل التحليل النفسي ففي ما يتعلق بالجهاز النفسي لا يضيع شيء ٌ وإنّما يتحو ّل‬

‫أي يتخذ شكلا جديدا‪.‬‬

‫إننا مع فرويد نرصد شيئا لا مرئيا نتابعه من خلال آثاره‪.‬‬

‫إن التحليل النفسي نظر ية شاملة حول الإنسان‪ .‬فهي ليست علما فقط أو نظر ية حول‬

‫الطفولة أو المرض العقلي‪.13‬‬

‫إن التحليل النفسي نظر ية ذات مضمون فلسفي وهذه النظر ية العامة حول الانسان تتميز بما يلي ‪:‬‬

‫• بوجود معنى لاواعي لكلام القرد وأفعاله التي تفسر بأنها هفوات وأعمال تعب ّر بطر يقة رمزية عن‬

‫الانفعالات التي لا يستطيع المرء الإفصاح عنها بحكم تعارضها مع مبدأ الواقع‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪Dupreel, Les sophistes, P. 22.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – Aubier – Flammarion.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Nietzsche, Par – de la le bien et le mal, Ed. Mercure de France. P 34.‬‬
‫‪13‬‬
‫العرب و الفكر العالمي‪ ،‬العدد السادس ربيع ‪ 1989‬ص ‪. 94‬‬
‫‪15‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• بأن كل الناس يخضعون لرغبات يعسر كبحها فتفلت منهم ما يجبر الفرد على بناء جهاز دفاعي وهمي‬

‫واستيهامي‪.‬‬

‫• بتبعية الانسان لطفولته التي لا يمكنه التحرر منها فالإنسان أسير طفولته في كل شيء‪ ،‬و بالتالي يصعب القطع‬

‫مع الطفولة كما اعتقد ديكارت‪.‬‬

‫• بأنَ العقل والجنون متلازمان‪ ،‬فالعصابي إنسان حاول أن يكبت ميلا أو رغبة أو ذكرى جارحة ل كي يتفادى‬

‫صراعا مع ميول أخرى أساسية‪ ،‬ويرى فرويد في النشاط الجنسي أحد المواضيع التي يستند إليه ال كبت‪،‬‬

‫والعصابي انسان ينكص أمام عجزه عن التكيف مع الواقع إلى طفولته‪ .‬فالإنسان يرتد الى طفولة لم يخرج منها‬

‫بعد‪.‬‬

‫• بأن فرويد يدخل فكرة ال كبت الحيو ية وفكرة الصراع بين الميول المتناقضة حيث تُع َ ّد فكرة الصراع جوهر ية‬

‫وبهذا المعنى تكون «فرضية اللاشعور لازمة ومشروعة ‪ ...‬فهي لازمة لأن معطيات الشعور تتخللها ثغرات‬

‫بلغت الغاية»‪ 14‬ل كن ما هو اللاشعور ؟‬

‫يفهم فرويد اللاشعور على أنه رغبات وقع منع تحقيقها فتحولت الى كبت‪.‬‬

‫يقوم فرويد في كتابه «مختصر علم التحليل النفسي»‪ ،15‬بتوضيح بنية الجهاز النفسي كالتالي‪:‬‬

‫• الهو‪ :‬هو أقدم المناطق‪ 16‬ومضمونه هو كل ما يحمله الكائن عند ولادته‪ ،‬إنه مجموعة الرغبات والغرائز والميولات‬

‫التي تُحَدّد بنية الجسم‪ ،‬إنه غريزة حب البقاء أو هو مبدأ اللذة إنه البعد الغريزي أو الفطري‪ ،‬إنه لا حضاري‬

‫ومدمر يسعى دائما إلى الإشباع‪.‬‬


‫‪17‬‬
‫إنه جزء‪ ،‬من الهو يتطور تحت تأثير العالم الخارجي‪ ،‬وهو تنظيم‬ ‫• الأنا‪ :‬هو وسيط بين الهو والعالم الخارجي‬

‫خاص‪.‬‬

‫الأنا شعوري و يخضع إلى مبدأ الواقع فهو محافظ ‪.‬‬

‫• الأنا الأعلى ‪ :‬هو مجموع القيم الدينية والأخلاقية‪ ،‬إنه الشرطي أو الرقيب الذي يترسب داخل الفرد طوال‬
‫‪18‬‬
‫إنه مجموع الأوامر والنواهي وقد استبطنت داخل الذات‪.‬‬ ‫فترة الطفولة‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫‪S. Freud, Metapsychologie. Gallimard, 1968, P. 66.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪S. Freud, Abrege de Psychanalyse, P. U. F. 1967.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪Ibid, P3.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪Ibid, P4.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Ibid, P5.‬‬
‫‪16‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ما يجب ملاحظته هو أن هذا التقسيم منهجي فقط‪ ،‬إذ لا يمكن أن توجد منطقة من الجهاز النفسي بمعزل عن‬

‫الأخرى‪ ،‬لذلك لا نستطيع الحديث عن تقسيم للجهاز النفسي بل عن بنية الجهاز النفسي‪.‬‬

‫إن الأنا (الذات) كانت منسجمة داخل الفلسفات العقلانية وهي في حالة صراع داخل الفرويدية‪ ،‬إن فرويد‬

‫يمر ّ بنا من أنا متماسكة سيدة على نفسها وعلى العالم الخارجي إلى أنا منكسرة مجزأة مشقوقة‪ ,‬فالأنا لم تعد منطقة‬

‫موحدة بل أصبحت ثلاث مناطق وبهذا التمشي ينشئ فرويد ما يمكن تسميته بالجغرافيا النفسية‪ ،‬إذن الذات لم‬

‫تعد سي ّدا بل أصبحت حلبة صراع وهي خادم لثلاثة أسياد في نفس الوقت فهل سيوفق الأنا في خدمة كل‬

‫الأسياد وفي نفس الوقت ؟ وإذا لم يوق ّق ما الذي يحصل ؟‬

‫ثمة قول مأثور ينصح الانسان بألا يخدم سي ّدين في آن واحد والأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين‬

‫إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة‪ ،‬وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم وهذه المطالب متناقضة دوما‪ 19‬وهؤلاء‬

‫المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو‪ ،‬إن الأنا يعمل على إرضائهم جميعا ما يولّد لديه شعورا‬

‫بالقلق‪ ،‬فهو يريد أن يكون وفي للهو من جهة بأن يؤمّن الإتصال بينه و بين الواقع‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن الأنا‬

‫الأعلى القاسي ما يفتأ يراقب الأنا ويرصد حركاته‪ 20.‬وإذا لم يكترث الأنا بأوامر الأنا الأعلى عاقبه وجعله يشعر‬

‫بالذنب بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية‪.‬‬

‫هكذا يكافح الأنا على ثلاث واجهات وهو واقع تحت ضغط الهو من جهة واضطهاد الأنا الاعلى من جهة ثانية‬

‫ومرفوضا من الواقع‪.‬‬

‫كم هي عسيرة مهمة الأنا وكم هو مستَعْبَدٌ هذا الأنا ومخادع‪.‬‬

‫إنه بمثابة الرجل الذي يعاشر ثلاث نساء ولا يريد لعشرته لهن أن تُغضب إحداهن‪ ،‬مما يضطره إلى الإخفاء‬

‫والمراوغة والتَص َُّن ّ َِّع‪ .‬فما هي الآليات التي يستعملها الأنا للإخفاء ؟‬

‫لا تقتصر الدوافع الجنسية لدى فرويد على الأعضاء التناسلية بل هي تتعلق بعدد من النشاطات لا علاقة لها‬

‫بالأعضاء التناسلية‪ .‬فالأمر الجنسي هو كل ما يتعلق باللذة داخل المناطق المختلفة للجسم‪ .‬لذلك يرى فرويد أن‬

‫الحياة الجنسية لا تبدأ بالبلوغ بل تظهر منذ الوهلة الأولى في حياة الانسان وهو ما عبر عنه فرويد بالوظيفة‬

‫الجنسية المبك ّرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فرويد‪ ،‬محاضرات جديدة في التحليل النفسي‪ ،‬ترجمة ج‪ .‬طرابيشي ص ‪ 93‬نشر دار الطليعة بيروت‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫فرويد‪ ،‬محاضرات جديدة في التحليل النفسي‪ ،‬ترجمة ج‪ .‬طرابيشي ص ‪ 94‬نشر دار الطليعة بيروت‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إن ملاحظة الرضيع تبين لنا أنه يركز اهتمامه الوحيد والأساسي على فمه‪ ،‬فعملية امتصاص أي شيء يجعله يشعر‬

‫باللذة وهذا الشعور باللذ ّة في منطقة الفم يعتبر أول تمظهر للوظيفة الجنسية ‪.‬‬

‫فالدافع الجنسي لدى الإنسان يصاحب جميع مراحل نمو ّه وتطوره إلى أن يتحدد أساسا عند سنّ الرشد في علاقته‬

‫بالأعضاء التناسلية‪.‬‬

‫إن الانسان بحكم خضوعه إلى رقابة الأنا الأعلى فإنه يحكم التصرف في دوافعه الجنسية لي ُوظف طاقته تلك في‬

‫مجالات اخرى‪.‬‬

‫فهو يقوم بعملية تحو يل للهدف عوض أن يقصر وجوده على تلبية رغباته وإشباعها «وتسمى هذه القدرة على‬

‫استبدال الهدف الذي كان في الأصل جنسيا‪ ،‬بآخر لم يعد جنسيا وإن كان على الصعيد النفسي ذا قرابة به‪:‬‬

‫قدرة على الإعلاء»‪ .21‬إذن سيتم تحو يل جزء من الطاقة الجنسية إلى انتاج حضاري معين كالعمل أو الفن‬

‫لذلك يقول فرويد في كتابه «حياتي والتحليل النفسي» ص ‪ « : 75‬ينسحب الفنان كالعصابي من واقع لا يرضيه‬

‫إلى دنيا الخيال ول كنه على خلاف العصابي يعرف كيف يقفل راجعا ليجد مقاما راسخا في الواقع» ‪.‬‬

‫إن هذه الطاقة التي وقع تحو يل وجهتها تصير مصدر إبداع فني‪ ،‬يقول فرويد في كتابه «حياتي والتحليل النفسي»‬

‫ن الأعمال الفنية هي اشباع خيالي لرغبات لاشعور ية شأنها شأن الأحلام »‪ .‬وهي وإياها محاولات توفيق‬
‫‪«ِ :‬إ ّ‬

‫ل‬
‫إذ عليها بدورها أن تتفادى أي صراع مكشوف مع قوة ال كبت‪ .‬هل هذا يعني أن الإعلاء ممكن في ك ّ‬

‫الحالات ؟‬

‫ليست كل طاقة جنسية تكبت تصّ عد بصفة آلية فليست كل الدوافع الغريز ية قادرة على تغيير الشروط اللازمة‬

‫لتلبيتها إذا ما حولت وجهتها‪ .‬وعدم القدرة على الإعلاء هو الذي يؤدي إلى الأمراض والاختلالات النفسية‬

‫وبهذا المعنى يكون للاواعي تجليات سو ية تنتج الحضارة وتجليات مرضية تحتاج إلى معالجة‪.‬‬

‫يؤكّد فرويد أن موقع اللاوعي «هو الجهاز النفسي ذاته وحقيقته نفسها»‪ .‬كما يؤكّد أن اللاوعي ليس الجهاز‬

‫النفسي لأنه لا يلتزم بهذا المكان الذي هو مكانه الأصلي بل إن موقعه هو المرموز والمتخيل كالحلم والفن ‪ .‬كما‬

‫يؤكّد فرويد أن الانسان ليس سيدا بل هو خاضع‪ .‬فالهو و الأنا الأعلى يشتركان في شيء واحد رغم وجود فرق‬

‫جوهري بينهما‪ ،‬فكلاهما يمثل سلطة الماضي‪ ،‬الهو سلطة الوراثة‪ ،‬والأنا الأعلى هي السلطة التي خلقها المجتمع في‬

‫الفرد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪S. Freud. La vie Sexuelle. P. U. F. 1967 P 33.‬‬

‫‪18‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫فالإنسان إذن أسير الطفولة والماضي بمعنيين‪ :‬ماضيه هو كفرد‪ ،‬وماضي الانسانية أي القيم التي تراكمت بمفعول‬

‫التاريخ والتي أضحت سلطة قاهرة لا تستطيع الذات ان تفلت منها‪.‬‬

‫ن الفرويدية أنتجت تصورا جديدا‬


‫ن تست ّر‪ ,‬وهو يخفي حقيقته اللاواعية‪ .‬كما أ ّ‬
‫يتبين مع فرويد أن الانسان كائ ُ‬

‫للحقيقة‪ ,‬فالحقيقة ليست ما يظهر أو يتجلى أو يطفو على السطح‪ ،‬بل هي ما يختفي خلف‪ ،‬ما يدفع إلى‪ ...‬أو ما‬

‫يتسبب في ‪ ...‬وبهذا التمشي يصبح للظواهر ما وراء و يصبح للحقيقة ميتا (‪ )Meta‬ولفهم الانسان ينبغي ملاحقة‬

‫هذا الميتا أو المتست ّر كما أن الفرويدية رفعت التقابل القديم بين العمق والسطح فعمق الانسان معروض على‬

‫السطح وسطح الانسان انعكاس لعمقه‪ .‬صرنا تعتقد بشكل وثوقي أن الخارج هو الداخل وأن لا فرق بيت‬

‫الظاهر والباطن لقد مزق فرويد الحجب وخرق رداء الذات ليبين أن لا عمق لها أو لنقل ‪ :‬إن عمقها يحتل‬

‫السطح‪ ،‬هذا ما دفع بجيل ديلوز إلى القول ‪«:‬تحققوا جيدا إن لم يكن العمق ليس الا طي ّات السطح »‪.‬‬

‫لقد مكنت الفرويدية من رفع الحجاب عن الإني ّة ومكنت الانسانية من فهم رموزها وذاكرتها وبهذا المعنى تكون‬

‫ن الانسان أسير ذاكرته‪.‬‬


‫الفرويدية نظر ية في التاريخ‪ ،‬لقد اعادت الفرويدية الاتصال بالذاكرة واعتبرت أ ّ‬

‫فالفرويدية لا تتنك ّر للذاكرة كما تفعل الديكارتية بل تعتبرها موضوعها بامتياز ل كن هل أن كل الانتاجات‬

‫الحضار ية لاواعية ؟‬

‫يعيب كارل قوستاف يونغ (‪ )Jung‬على فرويد أن يكون الرمز العلمي لاواعيا‪ ،‬إذ يؤكد يونغ أن إنتاج الرمز‬

‫يحصل بطر يقتين ‪ :‬واعية ولاواعية‪ .‬الرموز الواعية مجالها العلم كالر ياضيات مثلا والرموز اللاواعية مجالها الفن‬

‫مثلا‪.‬‬

‫كما يعيب يونغ على فرويد وقوفه عند اكتشاف الرموز الأسطور ية والخرافية وبهذا النقد ينتهي يونغ إلى تأكيد‬

‫الطابع الجماعي للاوعي فالأساطير والخرافات هي انتاجات اللاوعي الجماعي‪.‬‬

‫إن نقد يونغ لفرويد على أهميته لا يعدو أن يكون تعميما وتعميقا لفلسفة اللاوعي ‪ .‬فماذا ترتب عن اكتشاف‬

‫اللا ّشعور؟‬

‫و يمث ّل الن ّقد الذي قدّمه آلان (إميل شارتيي) نقدا جذر يا حيث بيّن أن المغالاة في تقدير اللا ّشعور هو سقوط‬

‫في الخطئ بالمعنى المعرفي فهو يؤدّي إلى جهل بمعرفتنا بإنيتنا وهو يوقعنا في الخطيئة بالمعنى الاخلاقي إذ يؤسّس‬

‫للر ّذيلة في مستوى السّلوك والفعل بحج ّة خضوع الإنسان للا وعي‪ .‬أي أن آلان ‪ Alain‬يعتبر اللا ّشعور سوء‬

‫تقدير معرفي وأخلاقي ينتج الوهم في إدراكنا لذواتنا و ينتج الشّرّ في مستوى العمل‪ .‬لذلك يجب أن نعترف‬

‫‪19‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫باللاشعور كآلي ّة جسدية أو هو الغ َريرة دون أن نجعله مركزًا لفهم الإني ّة ومصدر ًا للسلوك بحيث يقتضي الواجب‬

‫أن نلتزم بالإدارة والعقل كشرط لتعر يف الإنسان وكأساس للسلوك‪.‬‬

‫إن اكتشاف اللاشعور بمثابة الطعنة أو الجرح الذي وجهه فرويد للإنسانية ‪ .‬فالذات ليست مل كة بل هي خادمة‪.‬‬

‫كما أن اللاشعور هو بمثابة الإدانة للسؤال الكانطي « ما الإنسان »‪.‬‬

‫فكانط حين وضع سؤال « ما الإنسان ؟» اقترح كيفية للإجابة عن هذا السؤال هي الأنثربولوجيا أي دراسة‬

‫شمولية للإنسان‪ .‬إلا أن فرويد يجيب عن هذا السؤال ول كن بكيفية مختلفة وجزئية لذلك لم يعد ممكنا مع فرويد‬

‫الحديث عن أنثربولوجيا إنسانية‪ ،‬فالأنثربولوجيا هي بحث عما هو مشترك بين الجماعة في حين أن فلسفة اللاوعي‬

‫تعتبر أن لكل فرد تار يخ ّه الخاص به مهما كان التشابه ‪.‬‬

‫إننا مع فرويد نمر ّ من الانتربولوجيا الى «أركيولوجيا» ذاتية‪ ،‬تحفر في ماضي الفرد ‪ ..‬إن فرويد يجبرنا على‬

‫استبدال السؤال ‪« :‬ما الإنسان بسؤال« ما إنسان بعينه ؟» ‪ .‬هكذا نتحول من الحديث عن انثروبولوجيا عامة إلى‬

‫التبشير بانثربولوجيا خاصة‪ .‬أي ننقل من سؤال ومنهج ميتافيز يقي يبحث في‪ :‬ما الإنسان؟ نحو سؤال ومنهج تار يخي‬
‫ُّ‬
‫سهتم ّ بسؤال من يكون الإنساني؟‬ ‫وواقعي‬

‫هي ﭬل مرّة أخرى أو هي ﭬل معاصرا‪ :‬الأنا و آخر هي ﭬل أو الوعي بالذات‬ ‫‪.V‬‬

‫يستوجب الوعي بالآخر ‪:‬‬


‫إن الإجابة الديكارتي ّة على سؤال الفلسفة‪ :‬ما الإنسان؟ والتي انتهت إلى أن‬

‫الإنسان كائن مفك ّر‪ ،‬هذه الإجابة لم تشبع الفلسفة الهي ﭬلية كما يقول كوجيف‪.‬‬

‫ن‬
‫ذلك أن الديكارتية لم تركز انتباهها إلا على الفكر وأهملت كليا الأنا (‪ ، )le je‬هذا الأنا مهم حسب هي ﭬل‪ِ ،‬إ ّ‬

‫الانسان ليس فقط كائنا يفك ّر‪ ،‬بل كي يكون هناك بحق وجودا إنسانيا يمكن أن يكون وجودا فلسفيًا يجب‬

‫تحليل لا «الأنا أفكر»‪ ،‬بل معرفة كيف استطاع الانسان أن يقول ‪ :‬أنا ‪.‬‬

‫كي يكون هناك وعي بالذات لابد ٌ أن يتعالى الانسان على ذاته كمعطى وهذا لا يتحقق إلا إذا حُملت الرغبة على‬

‫ن الانسان ليس إلا رغبة تسعى إلى‬


‫رغبة أخرى وحملت الذات على ذات أخرى حسب التعبير الهي ﭬلي‪ .‬ذلك أ ّ‬

‫ن كل واحد‬
‫ل رغبة أخرى‪ ،‬إن ّه صراع من أجل الحياة أو الموت لأ ّ‬
‫التحقق عن طر يق فعل الاعتراف من قب َ‬

‫‪20‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن الرغبة التي تُحمل على رغبة أخرى تتجاوز المعطى البيولوجي‪ ،‬أي‬
‫يريد أن يخضع الآخر بفعل النفي والتدمير لأ ّ‬

‫أن الانسان يضحي بحياته البيولوجية كي يشبع رغبة غير البيولوجية‪.‬‬

‫كيف عرض هي ﭬل مسألة الرغبة في كتابه «فينومنولوجيا الروح ؟»‬

‫يعرض هي ﭬل هذه المسألة في الفصل الخاص «بالوعي بذاته» وتحديدا في محور «حقيقة اليقين الذاتي»‪ .‬الذي‬

‫ينقسم بدوره الى ثلاثة أبواب ‪ :‬أولها ‪« :‬الوعي بذاته‪ ،‬في ذاته» وثانيها‪« :‬الحياة» وثالثها ‪« :‬الأنا والرغبة»‪ .‬حيث‬

‫يرى هي ﭬل أن الوعي إذ ينطلق من الوحدة البسيطة والمباشرة أن «الأنا = أنا»‪ ،‬فإنه يثري نفسه عبر لحظتين‬

‫أساسيتين‪ ،‬الأولى هي تكوين جملة من الأشكال والثانية هي تحقيق المسار النشاط ‪.‬‬

‫إلا أنه سرعان ما ينعكس على ذاته ل كي يقيم وحدة ما بين هذه الأشكال وهذه المسارات المتحققة فيستعيد‬

‫بذلك «الجوهر البسيط والأولي »‪.‬‬

‫ول كن ّه يختلف عن الجوهر الأول بأنه نتيجة لمسار منعكس للوعي لأجل وعيه بذاته وهو ما يسميه هي ﭬل‬

‫«بالوحدة المنعكسة»‪.‬‬

‫إذن هناك حركة يتم إنتاجها ذاتيا وهذه الحركة تسمح بإثراء الوعي بذاته مقارنة مع وضعه الأولي وهذا الإثراء‬

‫يتجسد في إنتاج أشكال جديدة أهمها الحياة‪ ،‬وفي إنتاج نشاطات جديدة أهمها انقسام الوعي بذاته إلى‪ :‬وعي‬

‫سكوني ووعي حركي منعكس على ذاته‪ .‬مع التأكيد على التلازم بين الشكل والحركة لأن الوعي بالحياة لا يكون‬

‫ممكنا إلا لحظة تحقيق الذات ثم الإنعكاس تجاهها‪ .‬فالحياةكمفهوم هي مضمون الإني ّة حقيقة امتلاء هذا المضمون‪.‬‬

‫إذن حصل لدينا حت ّى الآن‪ ،‬الوحدة المنعكسة للوعي بذاته إضافة إلى ما يستوجبه هذا الانعكاس في حركة‪.‬‬

‫خروج وفي حياة وهو ما يعب ّر عنه هي ﭬل بقوله ‪ « :‬بما أننا ننطلق من الوحدة المباشرة الأولى‪ ،‬فإننا نعود من‬

‫خلال لحظة تكوين الأشكال والمسارات إلى وحدة هاتين اللحظتين وبالتالي نعود من جديد إلي الجوهر البسيط‬

‫والبدائي‪ .‬و هذه الوحدة المنعكسة مختلفة عن الاولى»‪ .‬وذلك في كتابه «فتمنولوجيا الفكر»‪.‬‬

‫فكيف تتمظهر هذه الوحدة المنعكسة الجديدة للوعي بذاته ؟‬

‫إنها كما يقول هي ﭬل وعلى خلاف الوحدة المباشرة تتمظهر «كوحدة كلية»‪ .‬وهذا المضمون الكلي للوعي بذاته لم‬

‫يكن ليكون لولا الوحدة التي حققها الوعي بذاته من جهة ولولا قدرة هذا الوعي بذاته على تجاوز كل ما حققه‬

‫سابقا أي قدرته على تجاوزه لذاته ولوحدته البسيطة الأولى «الأنا = أنا» ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إلا أن الوعي بذاته إذ يدرك هذا المستوى الكل ّي من الوجود يتماهى من جديد مع الحياة‪ .‬لأن تحقيقه لهذه‬

‫الوحدة الجوهر ية التي هي ثمرة ونتيجة خروجه عن ذاته وعودته إليها جعله يستوعب الحياة في كليتها ويزعم من‬

‫جديد ان الوعي بذاته يساوي الحياة‪.‬‬

‫ل فيها الوعي بذاته‪ .‬إذن يحصل للوعي‬


‫ول كن لا يجب أن نغفل أنّها الحياة بعد أو وقع إثراؤها أي بعد أن فَع َ َ‬

‫بذاته بعد هذا التماهي مع الحياة وعيًا بالآخر‪ .‬لأنه اكتشف نفسه من جديد وبصفة مختلفة عمًا كان سابقا‪.‬‬

‫وهذا الاكتشاف للوضع المختلف للوعي بذاته أساسي عند هي ﭬل لأن ّه يشكّل بداية ظهور مفهوم الآخر لدى‬

‫الوعي بذاته‪ .‬ول كن ّه ما يزال إلى حد هذا المستوى مفهوما ضمنيا أي ما ينتجه الوعي بذاته ول كن ّه سرعان ما‬

‫يستعيده إلى ذاته ‪.‬‬

‫والوعي بذاته هنا لا يزال في المرحلة الجنينية من الوعي لأجل ذاته لأنه سرعان ما يسقط في وحدة متماثلة مع‬

‫ذاته أي يسقط من جديد في مستوى الوعي في ذاته‪.‬‬

‫وهكذا فالوعي بذاته وإن تحقق في لحظة أخرى من الحياة فإن ّه في الحقيقة لم يدرك الآخر كذات مستقلة‪ .‬وإنّما‬

‫لا يزال منكمشا حول ذاته وليس له من موضوع غير ذاته ‪.‬‬

‫فالموضوع يقع احتواؤه تماما من الذات فينصهر في شكل « أنا محض » ‪.‬‬

‫وهكذا لم يحقق الأنا بعد مسافة التباعد بينه وبين ذاته وبالتالي بين الأنا والآخر رغم ما حققه من مسار وحركة‪،‬‬

‫فالحركة هنا لا تزال بطيئة‪ .‬ول كن هذه التجربة تظل ذات أهمي ّة لأن الوعي بذاته قد حقق فعلين مزدوجين‪:‬‬

‫الأول ‪ :‬هو فعل الانتشار في الحياة وبالتالي تحقيق الوحدة المتعددة‪ ،‬أي إدراك الوعي بذاته إمكانية التجلي في‬

‫أكثر من شكل وفي أكثر من لحظة وهو ما ينتج عنه الفعل الثاني‪ :‬الذي هو الإثراء الناتج عن مسار الانتشار‬

‫في الحياة ‪.‬‬

‫فماذا إذن عن الأنا بعد أن تم إثراؤه ؟ أو ما هي قيمة هذا الإثراء ؟‬

‫إن هذا الأنا المنعكس على ذاته هو أنا بسيط وكلي‪ .‬ول كنها كلي ّة بدون موضوع فهي بالتالي محكومة بالعدم‪.‬‬

‫وصبغة العدم أو السلب المطلق هذه تعود إلى هذا الإقصاء الكلي لما هو مختلف عن الإني ّة‪ ،‬صحيح أن الأنا قد‬

‫انتشر أو تمظهر في الحياة ول كنّها الحياة كما هي بالنسبة للأنا وكما يحياها الأنا في وحدته مع ذاته أي في وضع الأنا‬

‫المطابق لذاته‪.‬‬

‫وهكذا فالأنا ثري وحركي وحي ول كن هذا الثراء متزامن مع إقصاء جذري لكل ما هو مختلف عن الأنا ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫لذلك ِفإ ْن الوعي بذاته في هذا المستوى لا يزال وعيا مجردا والحياة ليست إلا مفهوما مجردا‪ .‬إلا أن الوعي بذاته‬

‫سيكتشف لاحقا أنه إذ يقصي كل ما هو مختلف وأن ّه إذ يطبع الآخر بطابع العدم لا يفعل غير إقصاء ذاته‬

‫وإعدامها‪ .‬ولذلك يظهر الوعي بذاته كماهية سلبية‪ .‬مم ّا يجعل المسار الذي أنجزه سابقا واللحظات التي تجلّى فيها‬

‫ليست إلا ّ لحظات سلبي ّة‪.‬‬

‫والسلب هنا متزامن مع الانعكاس الذي ينتج ذاتيا أثناء عودة الوعي بذاته للتماهي مع ذاته‪ .‬لذلك فإن السلب‬

‫هو فعل في الآخر بإعدامه وهو لحظة مميزة للوعي بذاته متى يتوهم أنه يدرك الكلي‪ .‬وسبب هذا الوهم كما يرى‬

‫هي ﭬل يعود إلى مكر وحيل العقل‪ .‬فالعقل الكلي يوهم الوعي بذاته أن ّه أدرك الكلي وبالتالي أنجز مهمته في التاريخ‬

‫في حين أنَه لم يفعل غير الارتداد إلى حالته الأولية أي حالة الوعي الفارغ من كل محتوى ‪.‬‬

‫وهكذا فالإثراء الذي يحصل للوعي بذاته بانتشاره وتجليه في الحياة يمدنا بالطابع السلبي في علاقة الوعي بذاته‬

‫من جهة وبالآخر من جهة أخرى‪ .‬لذلك يرى هي ﭬل أن الوعي بذاته متيقن من ذاته ول كن ّه ليس متحقَق ًا بعد‬

‫من ذاته وبذاته‪ .‬وهذا اليقين الذي للوعي في علاقته بذاته يعود أساسا إلى فعل السلب الذي يخترق كليًا الآخر‬

‫إلى درجة إعدامه‪.‬‬

‫ول كن لماذا هذه العلاقة النافية جذر يا للوعي بذاته مع الآخر ؟‬

‫إن الوعي بذاته إذ يتماهى كليا مع الحياة فإن ّه في الحقيقة يجعل من الحياة نفسها مفهوما مجردا وليس له أي‬

‫حضور ممتلئ وحقيقي‪ ،‬والحياة هنا وإن كانت حياة الوعي بذاته فإنّها في الوقت نفسه الآخر الذي لا علاقة له‬

‫بالوعي بذاته‪ ،‬إنها الآخر المستقل‪ .‬و الاستقلالية هنا ملازمة للسلب المطلق والعدم‪ .‬لأن استقلالية الآخر عن‬

‫الوعي بذاته تعني غياب الروابط بينهما وبالتالي غياب التفاعل المتبادل أو التداخل بين الذوات (‪Inter-‬‬

‫‪ ،) Subjectivité‬وغياب الرابطة يؤدي بدوره إلى غياب الحركة‪ .‬وبذلك تصبح الحالة سكونية لا بالنسبة للآخر‬

‫فقط وإنّما بالنسبة للوعي بذاته أيضا‪.‬‬

‫إلا أن هذا الآخر الذي هو في الآن نفسهكامن في الوعي بذاته يقينا ومستقل عنه سلبا يفضي إلى مفهوم اساسي‬

‫ن استقلالية الآخر عن الأنا تكون في بدايتها ثنائية ذات عنصرين منفصلين‬


‫عند هي ﭬل ألا وهو الرغبة ‪ .‬لأ ّ‬

‫جذر يا ‪ .‬وهذا الحضور للآخر وإن كان مجردا في تمظهره الأوّل يعبر عن رغبة ول كنها ليست إلا ّ رغبة عامّة‬

‫ومجردة‪ ،‬أي الرغبة بشكل عام والتي لا موضوع لها إلا ذاتها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وتجلي الوعي بذاته في شكل رغبة يعود إلى ثنائية الأنا والآخر‪ ،‬الذات والموضوع ول كنها تكون في شكلها الأوّل‬

‫رغبة مجردة أي سلبية لأنّها ليست إلا يقينا صائبا ولم تصل بعد إلى مستوى الحقيقة نظرا لاعتقادها أنّها بإمكانها‬

‫أن تكون رغبة لموضوع هو ذاتها‪ .‬في حين أنه كان عليها أن تجعل من الآخر موضوعا لها‪.‬‬

‫ن الوعي‬
‫وهذا الإقصاء للآخر في عملية الرغبة يجعل الوعي بذاته يتجلى في شكل موضوعي‪ ،‬والموضوعية هنا تعني أ ّ‬

‫بذاته إذ يكتفي بيقينه بذاته وإذ يعتبر هذا اليقين صوابا‪،‬فإن ّه يش َي ّئ ذاته‪.‬‬

‫فالأنا الموضوعي هو الأنا الشيء‪ ،‬لأن ّه لا يرغب في الآخر وإنّما يرغب في الحياة عامة‪.‬‬

‫والرغبة عند هي ﭬل تحيلنا إلى مفهوم الإشباع لأنّها نقص‪ ،‬وهى ليست رغبة إلا لأنه يقع إشباعها ‪.‬‬

‫ول كن لماذا تشبع الرغبة ؟ ثم ما هو الموضوع الذي نقول عنه إنه أشبع الرغبة ؟‬

‫إن إشباع الرغبة في هذا المستوى أي الذي يكون فيه الوعى بذاته وعيا سالبا وكليا (سالب لأن ّه لم يعترف بعد‬

‫بالآخر‪ ،‬وكلي لأنه متماه مع الحياة) يتم في حدود الوعي بذاته ‪.‬‬

‫بمعنى أن الوعى بذاته هو ذات الرغبة (‪ ) le sujet du désir‬وهو موضوع الرغبة ‪.‬‬

‫وهذا التأكيد يقر ضمنيًا باستقلالية الموضوع‪ ،‬ول كنّها استقلالية في إطار تبعية‪ ،‬بمعنى أنه موضوع إشباع الوعي‬

‫بذاته لا يزال تابعا للوعي بذاته‪ ,‬لذلك ِفإن موضوع الرغبة لم يرتق بعد إلى مستوى الآخر الذي هو بدوره وعلي‬

‫بذاته له رغبته الذاتية‪.‬‬

‫إن انقسام الوعي بذاته على ذاته وتجاوزه لذاته لا يزال في مرحلته التكوينية الأولى‪ .‬إن الآخر كوعي بذاته‬

‫مستقل لا يزال في مرحلة الانبثاق‪.‬‬

‫وهكذا يحيلنا مفهوم الرغبة إلى مفهومين أساسيين في الجدلية الهي ﭬلية وهما ‪ :‬الاستقلالية والتبعية (وهما المفهومان‬

‫الرئيسيان في جدلية العبد والسيد)‪.‬‬

‫ومفهوم التبعية أساسي في مسألة الرغبة وخاصة في شكلها الأول‪ ،‬لأن ّه يبيّن كيف أن رغبة الوعي بذاته هي في‬

‫البداية رغبة مشروطة بموضوع ما (وهي رغبة العبد التابع للطبيعة)‪.‬‬

‫ففي عملية الرغبة وتجربة إشباعها يتبين للوعي بذاته أنه حيثما كانت رغبة فهناك موضوع‪ ،‬وأن الموضوع هو‬

‫ن الوعي بذاته هو وعي مشروط‪.‬‬


‫الشرط الأساسي ليتحقق الإشباع‪ ،‬وبالتالي ِفإ ّ‬

‫ونلاحظ أن هذا الموضوع ‪ -‬الشرط يتجلّى في الوعي بذاته أوّلا ‪ :‬أنا = أنا‪ ،‬ثم في الحياة ثانية ‪ :‬أنا = حياة‪ ،‬ثم في‬

‫الوعي بذاته من حيث هو ذات وموضوع أي أنا = الوعي بالذات الموضوع‪ ،‬وأخيرا يظهر الموضوع في شكل‬

‫‪24‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وعي بالذات آخر ‪ :‬الأنا = الآخر و يظهر الشرط للوعي بالذات المطبوع بالسلب أولا في شكل إقصاء لكل هو‬

‫آخر‪ ،‬إن ّه شكل الرغبة العامة ‪.‬‬

‫ول كن ّه إقصاء للآخر المغاير للوعي بالذات والإبقاء على الآخر الذي وقع إنتاجه ذاتيا داخل مسار الخروج عن‬

‫الذات والعودة اليها‪ .‬هناك إذن إنتاج للموضوع وإعادة له من خلال إعادة إنتاج الرغبة‪.‬‬

‫وهكذا فإنَ هذا الموضوع بالرغم من العلاقة النافية والسالبة التي بينه وبين الوعي بالذات فإن ّه يستعيد دوما‬

‫حضوره‪ .‬فما هو إذن هذا الموضوع الذي يعاد إنتاجه ؟‬

‫ن الوعي بذاته إذ ينفى – يستهلك موضوع الرغبة أي يُشْب ِع ُها فإن ّه في الحقيقة‪ ،‬يثبت من خلال فعل‬
‫يعتبر هي ﭬل أ ّ‬

‫النفي هذا توكيدا لحضور الآخر‪.‬‬

‫إن ّه لا يرغب في الموضوع بمقدار ما يرغب في حضور متجدد للآخر يوازي حضوره هو‪ .‬وهذه الحقيقة تصبح‬

‫حاضرة عيانا للوعي بالذات من خلال تجربة الرغبة‪ .‬إذ يدرك الوعي بذاته هذه الواقعة الجديدة (ضرورة الآخر)‬

‫فإن ّه يرتقي من مصاف اليقين الصائب بالذات‪ .‬إلى مصاف الحقيقة بالذات ‪.‬‬

‫ن الوعي بالذات يتبين أن إقصاءه للموضوع أثناء إشباع الرغبة لا يمكنه أن يكون إقصاء جذر يا لهدف‬
‫لذلك ِفإ ّ‬

‫ن الإقصاء هو فعل نفي وتجاوز لأجل التأكيد‪ .‬أي إثبات موضوع الرغبة لا على أنه ما يجب إعدامه بل‬
‫بل إ ّ‬

‫ما يجب الإبقاء عليه كموضوع مستقل بذاته ‪.‬‬

‫إن موضوع الرغبة هو بدوره وعي بذاته آخر له من الخصائص الذاتية والموضوعية ومن الآليات الداخلية ما‬

‫للوعي بالذات الحقيقي ‪.‬‬

‫وهكذا يرتقي الآخر من مرحلة الانبثاق إلى وعي آخر بالذات‪ .‬فيطفو على سطح الحياة بوصفه وعيا بالذات‬

‫مستقلا ‪ .‬إن الوعي بالذات كما يقول هي ﭬل لا يدرك إشباع رغبته إلا في وعي آخر بالذات ‪ .‬وهذه الثنائية في‬

‫الوعي هي ما يسمح بالتخلص من العلاقة العضو ية والمباشرة بين الوعي بالذات والحياة ليجعل منها علاقة بواسطة‬

‫أو علاقة متوسّ طة بالوعي بالذات الآخر ‪.‬‬

‫وذلك ما سيشرحهكوجيف بصفة مدققة وواضحة في كتابه ‪« :‬مدخل إلى قراءة هي ﭬل»‪ 22‬حيث يري كوجيف‬

‫أن الوعي بالذات هو الإنسان نفسه‪ ،‬فالإنسان هو وعي بالذات وأن امتلاك هذا الوعي بالذات يتجلى لدى‬

‫الإنسان في شكل أنا ول كن هذا الأنا وخاصة في شكله التأمّلي هو أنا يقع استيعابه من قبل الطبيعة في أوّل‬

‫‪22‬‬
‫‪Kojève, Alexandre : Introduction à la lecture de Hegel, Ed. gallimard. Mai 1985.‬‬

‫‪25‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تجلياته‪ .‬ولذلك فإن ّه مطالب دوما بالعودة إلى ذاته ل كي يمتل كها وبالتالي يتجاوز وضع المباشرة البسيطة مع العالم‬

‫الخارجي ‪.‬‬

‫وهذه العودة لا تتم إلا عبر الرغبة إذ يؤكّد كوجيف أنه في ‪ ..‬وعبر ‪ ..‬ومن حيث رغبته يتكون الإنسان ويرتقي‬

‫إلى ذاته وإلى الآخرين لذلك فالأنا الإنساني هو أنا الرغبة ‪.‬‬

‫إن الكائن الإنساني يفترض ضمنيًا الرغبة لذلك فإن الواقع الإنساني لا يتقو ّم إلا داخل الواقعة البيولوجية‪ .‬ول كن‬

‫إذا كانت الرغبة البيولوجية هي الشرط الضروري للوعي بذاته فهي ليست الشرط الكافي له‪ ،‬فالبقاء في حدود‬

‫هذه الرغبة الحيوانية لا يؤسس إلا شعورا بالذات لا وعيا بالذات ‪.‬‬

‫على خلاف المعرفة التأملي ّة تجعل الرغبة الإنسان قَلقا وتدفعه إلى الفعل والفعل متولّد عن الرغبة وهو ما ينحو‬

‫إلى إشباعها ‪ .‬وذلك لا يتم إلا بنفي وتحطيم للموضوع المرغوب فيه أو لنقل فعل تحو يل له ‪ .‬وهكذا فكل رغبة‬

‫هي فعل ناف ‪.‬‬

‫ن الفعل لا يترك الموضوع كما هو إن ّه رغبة في تدميره‪ ،‬تحطيمه ‪ :‬استهلاكه‪ ,‬وهكذا فإن كل سلب إقصائي في‬
‫إ ّ‬

‫علاقته بالمعطى هو فاعل ول كن الفعل النافي ليس محض التدمير‪ .‬فالفعل المتولّد عن الرغبة وإن كان يقصي‬

‫المعطى لأجل الإشباع فإنه يخلق محلّه واقعا ذاتيا‪.‬‬

‫ويرى كوجيف أن الأنا المبتدع بواسطة إشباع الرغبة الفاعلة يكون له في البداية الطبيعة نفسها التي للمعطى‪.‬‬

‫إن ّه أنا متشيّء‪ ،‬إنه أنا حيواني وحيّ‪ِ .‬إن َّّه لا يمكنه الارتقاء إلى ذاته وإلى الآخرين إلا ّ من حيث هو شعور بذاته‪.‬‬

‫إن ّه لا يدرك أبدا الوعي بالذات ‪.‬‬

‫ل كي يحصل الوعي بالذات يجب أن تتّخذ الرغبة كموضوع لها موضوعا لا طبيعيًا يجب أن تحمل على شيء يتجاوز‬

‫ن الرغبة التي تحمل‬


‫ما هو طبيعي‪ ،‬والحال أن الشيء الوحيد الذي يتجاوز هذا المعطى الطبيعي هو الرغبة ذاتها‪ .‬إ ّ‬

‫على رغبة أخرى تخلق بواسطة الفعل السالب «أنا مختلف ًا » عن الأنا الحيواني‪.‬‬

‫إنَ هذا الأنا هو فرد إنساني حر في مقابل الواقع المعطى والتار يخي إن هذا الأنا فقط هو الذي يرتقي إلى ذاته‬

‫وإلى الآخرين من حيث هو وعي بذاته‪ .‬و عندها فقط تكون الإني ّة‪.‬‬

‫إن الوعي بذاته ل كي يتجاوز الشعور بالذات‪ .‬ول كي تدرك الحقيقة الإنسانية تكو ينها الذاتي داخل الحياة الحيوانية‬

‫فإن على هذه الحقيقة ‪ -‬الواقع أن تكون متعددة‪ ،‬والتعدد داخل الواقع الإنساني لا يكون ممكنا أي لا يتخذ‬

‫‪26‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫شكل اجتماع بشر ي إلا من حيث هو رغبة الرغبات المتبادلة ‪ .‬وهذا ما يفس ّر وجود كثرة داخل الوحدة‬

‫وتعدّد معاني الجزئي داخل الكل ّي‪.‬‬

‫إن الرغبة من حيث هي رغبة في الاستيعاب إذا أرادت أن تتجاوز المعطى المباشر فإنّها يجب أن تكون اعترافا‪.‬‬

‫ن الرغبة المحمولة على موضوع ما لا تكون إنسانية إلا ّ‬


‫َرف بها في قيمتها الإنسانية‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬
‫يعنى أَ ْن الرغبة يُعْت ُ‬

‫بالقدر الذي تكون فيه بواسطة رغبة الآخر المحمولة على الموضوع نفسه‪.‬‬

‫ل رغبة هي رغبة في قيمة وإذا كانت الرغبة الأسم ّى للحيوان هي الرغبة في الحفاظ على الحياة البيولوجية‪،‬‬
‫نك ّ‬
‫إ ّ‬

‫فإن الرغبة الإنسانية هي ما يعلو فوق الرغبة الحيوانية‪.‬‬

‫ن الإنسان لا ينبثق كإنسان إلا إذا جازف بحياته الحيوانية لصالح رغبته الإنسانية فبواسطة هذه المجازفة‬
‫بمعنى أ ّ‬

‫تبدع الحياة الإنسانية‪ ،‬لذلك فإن الحديث عن المجازفة بالحياة لأجل هدف لا حيواني‪.‬‬

‫ولذلك فأن أرغب في رغبة الآخر يعني أن تكون الرغبة في القيمة التي أنا عليها والتي أمثلها هي رغبة الآخر‬

‫نفسه‪ .‬إنني أريد أن يعترف بقيمتي كقيمته هو‪ ،‬إنني أريد أن يعترف بي كقيمة لا مشروطة ومستقلة‪.‬‬

‫أن الرغبة الإنسانية هي المولّدة للوعي بذاته‪ ،‬للواقع الإنساني وهي وظيفة الرغبة في الاعتراف‪ .‬كما أن المجازفة‬

‫بالحياة هي مجازفة بفعل ولصالح هذا الاعتراف‪.‬‬

‫ن الحديث عن الرغبة الإنسانية هو حديث عن صراع الموت من أجل الاعتراف‪ .‬وهكذا لا يتكون‬
‫وبذلك فإ ٌ‬

‫الإنسان إلا ّ عبر صراع وتنازع رغبتين على الأقل‪ .‬وهاتين الرغبتين هما ما يسمح بتمظهر الاعتراف المتبادل‪.‬‬

‫إن الكائن البشري يتشكّل عبر هذا الصراع لأكثر من رغبة‪ .‬فكل على استعداد للمجازفة بحياته لمحق رغبة الآخر‬

‫ل كي يرغم الآخر على الاعتراف به‪ ،‬وهكذا فإن اللقاء بين الرغبات المتصارعة لا يمكن أن يكون إلا لقاء مميتا‪،‬‬

‫قاتلا‪ ،‬دمو يا‪.‬‬

‫إن الصراع يجب أن يفضي حتما إلى موت أحد المتصارعين او الى موتهما معا‪.‬‬

‫إلا أنَ تحقيق ترقي الإنسانية سيكون مستحيلا في حالة الموت البيولوجي و القيمي للمتصارعين‪ ،‬إن الإنسان لا‬

‫يمكنه أن يستغنى تماما عن الحياة العضو ية‪ ،‬البيولوجية‪.‬‬

‫كما أن موت الآخر الذي يصارع الأنا يؤدي إلى هذه الاستحالة نفسها لأنه بإعدام الآخر ستنعدم بالتالي الرغبة‬

‫التي يحملها هذا الآخر مما يفضي إلى انعدام الصراع نفسه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫فالوعي بالذات الذي يظل على قيد الحياة لا يمكنه الحصول على الاعتراف في صورة موت الآخر‪ ،‬وهكذا فإن‬

‫التعدد ضروري في عملية الاعتراف ومن الضروري أن يكون تعددا مختلفا بالماهيةكما يرى ذلك كوجيف حذف‬

‫ول كنهما يجب أن يتواجدا لا متساو يين (‪ )inegaux‬أي يجب أن يسلكا بطر يقة مختلفة أثناء الصراع من أجل‬

‫الاعتراف ‪.‬‬

‫فالواحد يجب عليه ‪ -‬دون أن يقع تدميره تماما ‪ -‬أن يخاف الآخر أي يجب أن يستسلم و يخضع للآخر وأن‬

‫يرفض المجازفة بالحياة وبالتالي أن يتخلّى عن الرغبة في الاعتراف من حيث الموضوع الأسمى لإشباع الرغبة‬

‫الإنسانية‪ .‬إن ّه سيكفي بإشباع رغبة الآخر‪ .‬يجب أن يعترف بالآخر دون أن يكون معترفا به من قبل الآخر‪،‬‬

‫ن الاعتراف بالآخر بهذه ال كيفية هو اعتراف به كسيد له ‪.‬‬


‫والحال أ ّ‬

‫و يجب على الأنا الانساني أن يكون أنا رغبة نافية‪ ،‬فاعلة ومن ثمة فلا يوجد وعي بالذات إلا بعد صراع دموي‬

‫وحرب ومواجهة‪ .‬ذلك أ ْن الانسان في بدايته يتحدد كيف سيقع الإفلات من البعد الحيواني في الوجود إلى‬

‫البعد الانساني الصرف ؟‬

‫إن الوعي بالذات هو وعي متيقن من ذاته ولا يرى في الآخر إلا موضوع رغبة‪ ،‬لا يرى الآخر إلا شيئا‪،‬‬

‫فيسعى الى قتله ونفيه مع الاحتفاظ به‪ ،‬ول كن هذا الآخر هو أيضا متيقّن من ذاته واع بها لا يرى في الذات‬

‫الأخرى إلا ّ موضوع رغبة كذلك‪ .‬فكلا الوعيين بالذات لهما يقين ذاتي ول كن لا يمتلكان حقيقة الوعي بالذات‬

‫إلا ّ بفعل الاعتراف بالآخر‪ ،‬ومن هنا سينشأ صراع دموي من أجل الهيبة وال كرامة وهو صراع إنساني وثقافي‬

‫وحضاري‪.‬‬

‫إن الذي سيضحي بحياته من أجل الحر ية ويتجاوز الحياة كمعطى بيولوجي من أجل حياة غير بيولوجية سيصبح‬

‫سيدا وهو الوعي المنتصر‪ ،‬أما الذي سيضحي بالحر ية من أجل الحياة فسيصبح عبدا للحياة منغمسا في الجانب‬

‫البيولوجي‪ .‬لقد انتصر السيد وانهزم العبد‪ .‬انتصر السيد لتساوي الحياة والموت عنده‪ .‬أم العبد فقد انهزم لخوفه‬

‫من الموت العنيف‪.‬‬

‫ن السيد سيتجاوز العبد وينفيه كإنسان ول كنه سيحتفظ به كوسيلة بها يَنْفُذ ُ إلى موضوع‬
‫وعلى هذا الأساس فإ ّ‬

‫رغبته وذلك ما سيدفع العبد إلى العمل كي يرضي رغبات سيده‪ .‬لقد أجبر العبد على العمل أما السيد فإن ّه وإن‬

‫اكتسب اعترافا بسيادته‪ .‬فإن هذا الوعي بالذات للسيد ليس وعيا حقيقيا بالذات بل هو وعي وهمي بها لأن‬

‫الذي اعترف به لم يكن سي ّدا مثله بل عبدا‪ ،‬والعبد لا يمكن أن يكون إنسانا‪ ،‬وكي يوجد وعي حقيقي بالذات‬

‫‪28‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫لابد أن يعترف به إنسان مثله‪ .‬أما العبد بفضل عمله العبودي فقد دخل في صراع مع الطبيعة من أجل إرضاء‬

‫رغبات سي ّده واستثمارها وتحو يلها‪ .‬لقد كان انتصار السيد لحظة بداية التاريخ حسب هي ﭬل‪ ،‬أمّا عمل العبد‬

‫فلقد كان لحظة بداية تقدم التاريخ وحركته‪ .‬أي أن العبد هو المحرك الأساسي للتاريخ أما السيد فهو المعطل‬

‫والمعرقل له بما أن موقفه من العالم كان موقفا سكونيا لأنه اعتبر أن كل شيء قد انتهى‪ ،‬أما العبد فيفضل‬

‫العمل العبودي بدأ يغير الطبيعة و يحولها ول كن في تغييره للطبيعة وتحو يله لها هو يغي ّر ذاته و يحولها أيضا‪ ،‬أي بدأ‬

‫يكتسب ما يسميه هي ﭬل بالحر ية ول كنها حر ية رواقية بما أنها مجردة‪ .‬أي أن العبد اكتسب فكرة الحر ية المجردة‬

‫بفضل أثر العمل العبودي ول كن بين فكرة الحر ية المجردة والواقع العبودي الفعلي تكمن أزمة العبد‪ ،‬ذلك أنَ‬

‫ن العبد أصبح سيدا للسي ّد‪ .‬والسيد عبدا للعبد‬


‫العبد أصبح سي ّدا على الطبيعة وبما أَ ْن السيد بقي عبدا للطبيعة فإ ّ‬

‫ل كن هذه السيادة هي سيادة شكلية ول كنّها تعبير عن الاستقلالية المطلقة إزاء كل العالم المعطى‪ .‬وهذه‬

‫الاستقلالية هي الوعي الذاتي الرواقي فهي حر ية في الفكر فقط و يعب ّر عن ذلك كوجيف في كتابه «مدخل إلى‬

‫قراءة هي ﭬل» قائلا ‪« :‬إن الانسان عند هي ﭬل لا يمكن أن يكون إنسانا إلا بالفعل الذي يغي ّر المعطى أي ينفيه‪.‬‬

‫وفي حالة العبد الفعل هو نفي للعبودية يعني أن ينفي السيادة» ‪.‬‬

‫ل كن العبد لم يتجرأ بعد على أن يفعل ذلك أي أن يجس ّم الوعي الذاتي الرواقي المجرد على أرض الواقع‪ ،‬فهو وعي‬

‫عند هي ﭬل ذاتي‪ ،‬شك ّي‪ ،‬يريد أن ينفي السيد كواقع للعبودية‪ ،‬فهو وعي شك ّي ناف ول كنه لم يتجرأ على ذلك‪.‬‬

‫ومن ثمة فإن العبد يعيش تمز ّقا بين وعيه بالحر ية كفكرة مجردة وواقعه العبودي الفعلي‪ .‬وهي حالة يسميها هي ﭬل‬

‫بالوعي الشقي ‪.‬‬

‫إن «الفينومنولوجيا» تريد أن تكون بالفعل تار يخا للوعي الإنساني مبينة لنا ارتقاء الوعي من أشكاله الأولية‬

‫للمعرفة الحسية إلى الوعي المطلق‪.23‬‬

‫أن تقدّم الإني ّة هو نتاج لتطور تار يخي إنساني حتمي‪ ،‬هو تطور لأشكال الوعي‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫أن الوصف الذي يعطيه هي ﭬل للحظات الوعي التي تطبع تطوره أصبحت كلاسيكية‪ .‬إذ‬ ‫يرى (‪)Serreau‬‬

‫يبين كيف أن الوعي الحسي أثناء اعتقاده أنه قد أدرك الواقعي حسيًا فإن ّه لم يدرك سوى كلي مجرد‪ ،‬لا محدد‬

‫ل كيفيات ليست هي دائما نفسها‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪Serreau Réne. Heggel et l’hégélianisme. P.U.F. Paris, 1962, P. 109‬‬
‫‪24‬‬
‫‪Ibid. P. 109.‬‬

‫‪29‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫هذا الوعي الحسي لا يضبط الأشياء بإدماجه لمفاهيم‪ .‬ول كن العالم الحسي يبدو كممل كة للقوانين التي تحكم هذه‬

‫القوى ومعني ذلك أنه نتاج للذهن‪ .‬وبرفع الحجاب عن الواقع وباعتقادنا أننا قد نفذنا الى باطن الأشياء‪ .‬فإننا‬

‫لا ندرك في الحقيقة سوى ذواتنا‪.‬‬

‫وفي شرحه لجدلية السيد والعبد يتفق (‪ )Serreau‬مع كوجيف إلا أنه يضيف أَ ن كل الفلسفات الوجودية‬

‫تستند إلى هذه الجدلية فسارتر قد بين كيف أن وجود الآخر هو الذي يجعلني أعي بنفسي‪ ،‬إذ عندما أنظر إلى‬

‫الآخر فإن ّه يصبح شيئا لي وعندما ينظر الآخر لي فإنني أفقد حريتي وأصبح عبدا للآخر‪ ،‬الذي يصبح بدوره‬

‫سيد الموقف ‪.‬‬

‫ويبين جون فال في كتابه ‪« :‬تعاسة الوعي عند هي ﭬل» أنه سيقع استبدال الصراع بين وعيين (جدلية السيد‬

‫والعبد) بانشطار داخل الذات الواحدة للوصول إلى الذاتية الورعة التي تتضمن لحظة الوعي الت ّعيس وهي‬

‫حالات النفس عند مسحيي القرون الوسطى التي تتألم بوجودها منشطرة ومنقسمة بين التعالي الإلهي والعدم‬

‫الإنساني ‪.‬‬

‫ولقد تجاوز جون فال الفهم الضيق الذي يقتصر على ربط الوعي الت ّعيس بالمسيحية فربطه بالوعي الإنساني‬

‫ن تعاسة الوعي الإنساني تعبير عن تمز ّق في صلب الوجود‪ .‬وهكذا يحتل الوعي الت ّعيس المكانة‬
‫عامّة‪ .‬إذن ِفإ ّ‬

‫الأكثر عمقا ومحور ية في الفكر الهي ﭬلي ‪.‬‬

‫انشطار الإني ّة وتقزقها يظهر عند الريبيين القدامى وملحدي القرن الثامن عشر كما هو الشأن بالنسبة لمسيحيي‬

‫القرون الوسطى‪ ،‬كذلك تبدو الذات داخل الأدب الرومنسي مصابة بطابع سوداوي وبنفس منكسرة‪.‬‬

‫يتبيّن إذن أن بداية الإني ّة ليست الدهشة كما هو الشأن بالنسبة لأرسطو وإنّما هي كذلك عدم الإشباع والوعي‬

‫الممز ّق‪.25‬‬

‫يعتبر هي ﭬل أن ديكارت قد نجح في جعل الوعي مبدأ الأشياء إلا أنه جعل هذا الوعي منفصلا عن الواقع‪.‬‬

‫و يقر ّ هي ﭬل أن الإني ّة ليست معطى بل هي ثلاث لحظات ‪:‬‬

‫‪-1‬لحظة الوعى الذاتي ‪ :‬يكون الوعي منفصلا عن موضوعاته أي عن الاشياء ومجاله الفرد وهو وعي ساذج‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪Serreau Réne. Heggel et l’hégélianisme. P.U.F. Paris, 1962, P. 112‬‬

‫‪30‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪-2‬لحظة الوعي الموضوعي ‪ :‬تبتدئ هذه اللحظة عندما تنتهي لحظة الوعي بالذات‪ ،‬في هذه اللحظة يحصل وعي‬

‫بالأشياء وخصوصا بالمجتمع‪ ،‬وقد عبر ال كسندر كوجيف عن ذلك في كتابه «مدخل الى قراءة هي ﭬل» قائلا‪:‬‬

‫«إن الوعي الموضوعي هو الوعي الذي يتحقق ضمن إطار اجتماعي» ‪.‬‬

‫‪-3‬لحظة الوعي المطلق ‪ :‬هي لحظة يعي فيها الوعي بذاته‪ ،‬يعي علاقته بذاته‪.‬‬

‫إن الإني ّة بالنسبة لهي ﭬل هو تاريخ الوعي إذ يتحقق داخل التاريخ فهو ليس معطى أو مل كة بل هو بنية‪ .‬فالإني ّة‬

‫تُفهم كتاريخ‪ ،‬أي كشيء متحرك‪ ،‬و يعتبر هي ﭬل أن حركة التاريخ هي حركة الوعي بالذات‪ ،‬إن الوعي يغترب‬

‫ل كي يتحرر‪.‬‬

‫إن عمل هي ﭬل يتمث ّل في استحضار الغائب الذي هو الآخر إذ يعيب هي ﭬل على الأنا المباشر الديكارتي بساطته‬

‫وهو بسيط لأن ّه منغلق على نفسه‪ ،‬فموضوعه وماهيته شيء واحد وهو منفرد ومتميز عن الآخرين وعن الأشياء‬

‫و يعتبر كل ما هو خارجه سلبيا‪ ،‬فعيب الأنا الديكارتي أن ّه ينفي كل ما هو مغاير له أي كل ما هو آخر‪ ،‬إلا أن‬

‫الأنا الهي ﭬل ي منفتح على الطبيعة وعلى المجتمع وهذا الانفتاح رغم أنه يمثل لحظات اغتراب وتعاسة الوعي إلا ّ‬

‫أنه ضروري‪.‬‬

‫يقر هي ﭬل أن الفلسفة كي تصبح « قضية جدية » يتحتم عليها استحضار المغاير للذات‪ ،‬فكل شيء يتم إثباته عبر‬

‫الاعتراف بالآخر وبهذا المعنى تكون فلسفة هي ﭬل فلسفة الاعتراف بالآخر‪ ،‬إنها تستلهم كل انتاجات الأنا كي‬

‫تتحدث عن الأنا‪.‬‬

‫إن الإني ّة عند هي ﭬل حركتان ‪ :‬حركة يكتشف فيها الانسان ذاته‪ ،‬وحركة يكشف فيها الانسان عن ذاته‪ ،‬أي أنه‬

‫ن هي ﭬل يدعونا إلى الخروج من الذات‪،‬‬


‫ينكشف للآخرين‪ ،‬فإن كان ديكارت يحرضنا على العودة الى الذات فإ ّ‬

‫ل كن هل الاعتراف بالآخر والاندماج فيه يفقدنا حريتنا ؟‬

‫مع هي ﭬل لا يمكن الحديث عن حر ية بل عن تحرر‪ ،‬فالإنسان خاضع للطبيعة وللمجتمع وهو يتحرر منهما عبر‬

‫وعيه بهما‪ ،‬فالحر ية هي التي تجد شيئا تعارضه فالذات لا تكون متحررة إلا متى وجدت ما يعترضها لتثبت نفسها‬

‫من خلاله ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تلخيص ملسألة اإلنّية والغرييّة‬


‫المعارف ‪:‬‬
‫الأسئلة الممكنة والمواضيع‬ ‫المفاهيم والمعاني‬
‫التمش ّي المضموني ‪ /‬بنك المعلومات‬

‫‪ -‬هل الإنسان موضوع‪ ،‬تفسير‬ ‫أنطولوجي ّا‪ :‬هو البحث في‬ ‫جملة الإشكالات (التمهيد)‪ :‬الفلسفة من جهة‬

‫أم تأو يل ؟‬ ‫الوجود من جهة وحدته‬ ‫دواعيها ومجالاتها ومقاصدها بحث في الوجود فهي‬

‫وكلّيته‪ ،‬إن ّه العالم بوصفه‬ ‫ن‬


‫أنطولوجي ّا وتُحيل ضمني ّا إلى الت ّساؤل عن الإنسان لأ ّ‬
‫‪" -‬الإنسان واحد ومتعدّد في‬
‫ن لَنَا‬
‫سكَ ٌ‬
‫يحتوينا وبوصفه َ‬ ‫المبحث‬ ‫إلى‬ ‫يقود‬ ‫الأنطولوجيّ‬ ‫المبحث‬
‫ن واحد"‪ .‬ما رأيك ؟‬
‫آ ٍ‬
‫بتعبير "هيدقير"‪.‬‬ ‫الأنثروبولوجيّ‪.‬‬
‫‪" -‬أيّ الصيغ أجدربالتساؤل‬
‫الأنثروبولوجيّ‪ :‬هو دراسة‬ ‫← سؤال ما الوجود الأرسطي يحيل إلى سؤال‬
‫حول الإنسان‪ :‬ما أنا أو من أنا ؟‬
‫ظاهرة‬ ‫بوصفه‬ ‫الإنسان‬ ‫ما الإنسان الكانطي‪ ،‬ل كن صيغة ما الإنسان‬

‫متغي ّرة متجذّرة في التاريخ‬ ‫ماهو ي ّة‪ ،‬ميتافيز يقي ّة لذا يجب استبدالها بصيغة‬

‫أي فهم التعدّد فيما هو‬ ‫من يكون هذا الإنسان ← نحن إزاء منهجي ْن‪:‬‬

‫إنسانيّ وإدراك الاختلاف‬ ‫منهج ميتافيز يقي ينظر للإنسان كحقيقة‪ ،‬كجوهر‪،‬‬

‫ختص به هو ي ّة‬
‫بوصفه تنو ّعا ت ّ‬ ‫كماهي ّة ثابتة‪ ،‬ومنهج تار يخي يقارب و يفهم‬

‫محدّدة تختلف عن هو يات‬ ‫و يؤوّل الإنسان كحدث‪ ،‬كصفة‪ ،‬كوضعي ّة‪،‬‬

‫مغايرة‪.‬‬ ‫كواقعة‪.‬‬

‫← الإنسان يفهم كوحدة من جهة العقل ومن‬

‫جهة الجسد وكرغبة‪ ،‬و يفهم أيضا ككثرة من جهة‬

‫ما يُجليه من أنظمة ورموز وعلامات أي الإنسان‬

‫واحد وأشكال تعابيره متعدّدة‪ ،‬مم ّا يؤسّس لوحدة‬

‫الإنساني ّة ولتعدّدها في آن واحد‪.‬‬

‫← يجب استبدال مفهوم الإنسان بمفهوم الإنسانيّ‪.‬‬

‫والياء ُ هنا ليست ياء المل كي ّة بل ياء الذّاتي ّة إذ يعلّمنا‬

‫إير يك فروم ضرورة التّمييز بين صيغة الوجود كتملّك‬

‫وصيغة الوجود ككينونة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -I‬في إثبات تعالي الإنّية على الغير ي ّة ‪( :‬الانفصال‬


‫‪ -‬هل الن ّفس هي ما يشير إليه‬ ‫والت ّقابل)‬
‫الواحد من ّا بقوله أنا ؟‬ ‫‪ -1‬الإنّية بما هي نفس (ابن سينا ‪ ،‬ديكارت) ‪:‬‬
‫ل غير؟‬
‫‪ -‬قيل الإنّية رافضة لك ّ‬ ‫أ‪ -‬ابن سينا‪ :‬الن ّفس جوهر روحانيّ ‪:‬‬
‫الشّعور‪ :‬حالة إحساس الذّات‬
‫‪ -‬بأيّ معنى لا يكون الجسم‬ ‫الإنسان كائن ينفرد بالقدرة على الشّعور بوجوده لا‬
‫بذاتها دون وسائط‪ ،‬بصفة‬
‫محدّدا لذاتي ؟‬ ‫يقبل وجوده كمحض واقعة‪ ،‬بل يفك ّر في هذا الوجود‬
‫لحظي ّة وحدسي ّة أي بشكل‬
‫ويسائله‪ ،‬إن ّه قدرة على الاستبصار والتدب ّر والتأمّل‬
‫‪ -‬هل يترت ّب عن قول أنا نفي‬
‫مباشر دون الحاجة إلى الغير‪.‬‬
‫والتفك ّر‪ .‬الذّات إدراك مباشر ومتعالي‪ ،‬والإنّية نفس‬
‫الغير؟‬
‫الشعور يؤسّس لضرب من‬ ‫متعالية عن الجسم وعن العالم وعن الآخر‪ .‬الإنسان في‬
‫‪ -‬هل أنا في جسدي مثلما الر بّان‬
‫الانفصال عن العالم ببعدي ْه‬ ‫جميع الأحوال يشعر بوجوده ويُثبت إنّيته فلا يغفل‬
‫في سفينته ؟‬
‫"الطّبيعيّ" و "الإنسانيّ"‪.‬‬ ‫عنها‪ ،‬الشعور بالإنّية لا يقتضي وسائط جسمي ّة‪.‬‬
‫‪ -‬هل الجسد م ُ ْدرَك ٌ أم م ُ ْدرِك ٌ ؟‬
‫الشعور حالة انكفاء الذّات‬
‫← إدراك الإنّية إدراك حدسي مباشر ‪ +‬إنّية الإنسان‬
‫‪ -‬هل جسدي مجر ّد موضوع؟‬ ‫على ذاتها وضرب من‬
‫لا تتمث ّل في الجسد ‪ +‬النفس هي ما يشير إليه الواحد‬
‫الاستقلالي ّة إزاء الغير‪ ،‬وهو‬
‫من ّا بقوله "أنَا" ← ثنائي ّة في مستوى أنتولوجيّ‪.‬‬
‫بحالة‬ ‫يكون‬ ‫ما‬ ‫أشبه‬

‫"تصو ّف" وانعزال يؤسّس‬ ‫"نفس في جسد"‪ ،‬النفس والجسد من طبيعتين‬

‫لتقابل بين "الأنا والغير"‪،‬‬ ‫مختلفتين ‪ +‬الجسد عاجز عن أن يتحر ّك بذاته‬

‫ينتهي الشّعور نافيًا وإقصائي ّا‬ ‫والن ّفس هي التي تحرّكه ‪ +‬الجسد آلة‪ ،‬علاقة‬

‫للمختلف‪ ،‬إن ّه حالة يقين لا‬ ‫أداتي ّة‪ ،‬لقاء الن ّفس بالجسد لقاء عرضي ← إن ّية‬

‫يرتقي إلى مستوى الحقيقة‪.‬‬ ‫متمركزة حول ذاتها تدرك ذاتها وحدة مكتملة‪.‬‬

‫ب‪ -‬ديكارت‪ :‬الإنّية بما هي ذات واعية ‪:‬‬


‫الوعي‪ :‬خاصّية إنساني ّة‪،‬‬
‫يَع ِي الإنسان ذاته ذاتًا واعية وحقيقة جوهر ي ّة‬
‫قدرة للذّات على تمثيل‬
‫ل غير‪ ،‬معرفة حقيقة الذ ّات تقتضي‬
‫متعالية عن ك ّ‬
‫ذاتها‪ ،‬حالة من العودة إلى‬
‫ممارسة فكر ي ّة قوامها الشكّ ‪« .‬بقدر ما أزداد ش ًّكّا‬
‫الذّات‪ ،‬وتحديد ممي ّزاتها وهو‬
‫في وجود الأشياء من حولي‪:‬‬
‫كيفي ّة في التعر ّف على الأنا‬

‫‪33‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تتم ّ عبر عملي ّة تعقّل لا نحتاج‬ ‫(الشكّ في الطفولة‪ ،‬في الحواس‪ ،‬في العلم‪ ،‬الخلط‬
‫فيه إلى وسيط‪ ،‬فالوعي‬ ‫بين الواقع والخيال‪ ،‬الخلط بين اليقظة والحلم‪،‬‬
‫بسيط‪،‬‬ ‫أن ّه‬ ‫خاصياته‬ ‫الخلط بين العقل والجنون والشكّ في الوجود‪)...‬‬
‫مكتف‬
‫ٍ‬ ‫مستقل‪ ،‬منعزل‪،‬‬ ‫بقدر ما أزداد يقينا بأن ّني موجود كذات مفك ّرة»‬
‫بذاته‪ ،‬مباشر‪ ،‬منغلق على‬
‫← معيار حقيقة الذ ّات الحدس العقلي أي‬
‫نفسه إ ْذ «الأنا تساوي أنا»‪.‬‬
‫الانكشاف بلا وسائط‪ ،‬إنّها حقيقة هي بالأحرى‬
‫لا يعرف الوعي عبر تجل ّياته‬
‫ن اليقين ذاتي والحقيقة موضوعي ّة‪ ،‬الأنا‬
‫يقين لأ ّ‬
‫ولا يعترف بعلاقة تواصلي ّة‬
‫جوهر مفك ّر‪ ،‬التفكير هو الخاصّية الممي ّز للإن ّية‪،‬‬
‫مع الآخر فالإنّية متمركزة‬
‫ل حالات الوعي‪.‬‬
‫ل على ك ّ‬
‫التفكير يد ّ‬
‫حول ذاتها‪.‬‬
‫← يمي ّز ديكارت بين الجسم والن ّفس‪ ،‬الجسم‬
‫الإنّية‪ :‬هي إشارة إلى إن ّي‬
‫جوهر مادّي‪ ،‬مركّ ب‪ ،‬آلة‪ ،‬نُدركه عبر وسائط لا‬
‫وليس الأنانة‪ ،‬فالأنانة تشير‬
‫وعي فيه‪ ،‬متحر ّك بذاته‪.‬‬
‫من‬ ‫ضرب‬ ‫إلى‬

‫"الإيثولوجيا"‪ ،‬إنّها إثبات‬ ‫ك ر‪ ،‬بسيط‪ ،‬غير مركّ ب‪ ،‬وح دة‬


‫الن ّفس جوه ر مف ّ‬

‫للوجود وتحقيق هذا الوجود‬ ‫ل من "ابن سينا"‬


‫متحرّكة بذاتهاــ انتهى ك ّ‬

‫أي ما به يكون الوجود‬ ‫و"ديكارت" إلى إقامة الثنائي ّة المتعالية للن ّفس على‬

‫وتعني الهو ي ّة كهو ي ّة شخصي ّة‪،‬‬ ‫الجسد والت ّأسيس لمنهج ميتافيز يقي ماهو ًّي ّا‬

‫أي ما يتمي ّز به الإنسان‪ .‬إنّها‬ ‫أنثروبولوجي ّا وتار ي ًّخي ّا ‪ +‬الت ّأسيس‬


‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫أنطولوجي ّا وليس‬

‫القدرة على قول "أنا"‪.‬‬ ‫لضرب من الأنانة أو الإيثولوجيا ‪ +‬اعتبار الجسد‬

‫الغير ي ّة‪ :‬هي ما نستبعده من‬ ‫مجر ّد جسم مادّي أو آلة‪ .‬مثل هذا التصو ّر يجعل‬

‫الإنّية‪ ،‬هو ما ليس‬ ‫الفضيلة عقلي ّة و يجعل السعادة تجاوزا لما هو حس ّي‬

‫و يحصر السعادة في التعقّل وفي ضرب من التوافق‬


‫أنا والمنفي من الأنا‪.‬‬
‫بين الر ّغبة والطّاقة تجن ّبا للانفعالات‪ ،‬أمّا الشقاء‬
‫الشكّ ‪ :‬هو حالة فقدان‬
‫فيقترن بالخضوع للجسد كعماد‪.‬‬
‫لليقين‪ ،‬إن ّه حالة استواء‬
‫موقف ديكارت‪ :‬موقف ميتافيز يقي من الإنسان‬
‫ترجح رأي‬
‫ّ‬ ‫معرفي أو عدم‬
‫يؤسّ س لموقف ميتافيز يقي من الر ّموز وينفي‬
‫على رأي في الحكم على‬
‫الخصوصي ّة و"يبش ّر" بهو ي ّة ثابتة‪ ،‬وغير مركّ بة‬
‫الأشياء‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الحدس‪ :‬كيفي ّة مباشرة في‬ ‫وبسيطة وينفي التعدّد والاختلاف وفي مستوى‬

‫الإدراك دون الحاجة إلى‬ ‫سياسي يجعل العقل حتما للفضاء العمومي مم ّا‬

‫الحس ّي‬ ‫الحدس‬ ‫وسائط‬ ‫يولّد استبدادا للعقل هي النّمط الهي ﭭلي و ينهي‬

‫والحدس‬ ‫سينا)‬ ‫(ابن‬ ‫أخيرا إلى سعادة تتقو ّم برضا الن ّفس وتوافقها مع‬

‫العقلي (ديكارت)‪.‬‬ ‫ذاتها بعيدا عن السّوق وعن الرغبة وعن لذ ّة لقاء‬

‫الآخر ‪ +‬ليس جسدي ما به أفك ّر وأتكل ّم وأعمل‬

‫ففي مستوى العمل ليس جسدي سوى أداة أمّا‬

‫من يكدح فعلا فهي الن ّفس ‪ +‬نفي علاقة الإنّية‬

‫ن إنساني ّة الإنسان ماهي ّة‬


‫بالتاريخ ‪ +‬افتراض أ ّ‬

‫ي تطو ّري‬ ‫محدّدة ًّ‬


‫قبلي ّا وليست نتاج مسار تار يخ ّ‬

‫‪ +‬اعتبار أبقى أنا ذاتي ولا أتغي ّر في الز ّمان‬

‫والمكان ولا تفعل فيّ التجر بة ‪ +‬أفك ّر بنفس‬

‫ل العصور والأزمنة ‪ +‬استبعاد‬


‫الطر يقة في ك ّ‬

‫الآخر من إنّيتي وإنكار اللا ّوعي‪.‬‬

‫في جدلي ّة الإنّية والغير ي ّة‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -1‬في محايثة الذ ّات الجسد أو الذ ّات المتجسّدة‬

‫(مورلوبنتي)‪:‬‬

‫اعتراضات مورلوبنتي على الإنّية المتعالية‪ :‬منهج‬

‫ديكارت تأمّلي وافتراضي ونظري ومجر ّد ‪ +‬إقامة‬

‫سلسلة من الث ّنائي ّات مثل نفس – جسد ‪ /‬ذات‬

‫– موضوع والإنسان والعالم‪.‬‬

‫موقف مورلوبنتي‪ :‬أنا جسدي‪ ،‬الإنسان يعي إنّيته‬

‫ذاتًا متجسّدة في العالم فهو وعي متجسّد وجسد‬


‫ٍ‬
‫واع‪ ،‬تنطلق الفنومنولوجيا من معاينة وجود في العالم‬

‫لتصف هذا الحضور وتحلّله اعتمادا على الت ّجربة‬

‫المعيشة ‪ +‬أنا أعرف جسدي كما أعيشه من الدّاخل‬

‫ضمن علاقتي الحميمي ّة به خلافا للمنهج التأمّلي‬

‫‪35‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬أنا حاضر في العالم والعالم‬ ‫الجسد الموضوعي‪ :‬هو الجسد‬ ‫← الوظائف الحيو ي ّة مت ّصلة بما هو نفسي وفكري‬

‫حاضر فيّ‪ .‬حلّل هذا الرأي‬ ‫الجث ّة والقابل للتطبيب‪ ،‬إن ّه‬ ‫وثقافي ورمزي وقيمي وأخلاقي ‪ +‬الآخر الإنساني لا‬

‫وناقشه‪.‬‬ ‫الحيو ي ّة‬ ‫الوظائف‬ ‫جملة‬ ‫ن‬


‫يمث ّل وعيا خالصا بل وعيا متجسّدا‪ ،‬مم ّا يعني أ ّ‬

‫يدر َس من الخارج ومماثل‬ ‫التواصل بين الإنسان والإنسان بي ْذاتي وبيْجسدي‪.‬‬


‫‪ -‬في جسدي ترتسم صورة‬
‫قابل‬ ‫الأجسام‬ ‫لسائر‬ ‫هناك تلازم بين الجسد والذّات‪ ،‬إنّية الإنسان عالمي ّة‬
‫العالم‪ .‬اختبر هذا القول‪.‬‬
‫للانفصال عن ّي‪.‬‬ ‫بمعنى أنّنا نُوج َد في العالم وبالعالم وبكيفي ّات مختلفة‪،‬‬
‫‪ -‬هل الإنسان يوج َد في العالم‬
‫الإنسان موجود مع الآخرين فهو كائن تواصليّ وإنّيته‬
‫على الن ّحو الذي توج َد عليه‬
‫‡‬
‫منفتحة على الغير‪.‬‬
‫الأشياء ؟‬ ‫خاص‪ :‬غير قابل‬
‫الجسد ال ّ‬
‫← من جهة علاقتنا بالحقيقة تعبير عن منظور ي ّة‬
‫‪ -‬هل أوج َد حقّا بدون عالم ؟‬ ‫للموضعة العلمي ّة‪ ،‬جسدي‬
‫ل معرفة ليست حقيقة بل هي‬
‫خاص‪ ،‬وك ّ‬
‫الجسد ال ّ‬
‫حقيقة‬ ‫الإنسان‬ ‫هل‬ ‫‪-‬‬ ‫كما أعيشه أنا من داخله‬
‫رؤ ية أو مقاربة ممكنة أو نسبي ّة‪ ،‬أي مجر ّد إحداثي ّة‬
‫(جيكارت) أم أن ّه كائن المعنى‬ ‫ومن خلاله لا ينفصل‬
‫ل معرفة موقف أو منظور للإنسان والعالم ← تنقلنا‬
‫وك ّ‬
‫(مورلوبنتي) ؟‬ ‫عن ّي‪ ،‬شرط إدراكي للعالم‪،‬‬
‫الفنومنولوجيا من أفق الحقيقة إلى أفق المعنى‪.‬‬
‫‪ -‬هل الذّات تتطابق مع ذاتها؟‬ ‫وفق‬ ‫إدراكاتي‬ ‫يكي ّف‬
‫‪ -2‬في تار يخي ّة الذ ّات الواعية‪( :‬ماركس)‬
‫‪ -‬هل يوجد وعي أم حالات‬ ‫منظوريته‪ ،‬وهو شرط تواصلي‬
‫يرفض ماركس أسبقية الفكر على الواقع وينفي‬
‫وعي ؟‬ ‫مع الآخر‪ ،‬إن ّه تعبير ي ّة خاصّة‪.‬‬
‫التصو ّر الميتافيز يقي للإنسان‪ ،‬يدحض فلسفات الذاتية‬
‫‪ -‬أيوجد حقّا وعيا مستقلا ّ عن‬ ‫مفهوم الفنومنولوجيا أو‬
‫المتعالية ويرفض مفهوم الاستقلالي ّة المتعل ّقة بالوعي‪.‬‬
‫الواقع ؟‬ ‫الظّاهراتي ّة أو القصدي ّة‪ :‬هي‬
‫والوعي نتاج اجتماعي تار يخي‪ .‬أسبقية الوجود‬
‫ق في إمكاني ّة انعزال الوعي‬
‫‪ -‬أَ نث ِ ُ‬ ‫كيفي ّة في الحضور في العالم‪،‬‬
‫الواقعي على الوعي ‪ +‬كيان البشر هو صيرورة الحياة‬
‫عن الواقع ؟‬ ‫وهي لقاء الإنسان بالأشياء‬
‫الواقعي ّة ‪ +‬الإنّية نتاج واقع مادّي وسياق العلاقات‬
‫ل مرّة إدراك بعد‬
‫ن في ك ّ‬
‫لأ ّ‬
‫الاجتماعية‪.‬‬
‫وفقًا‬ ‫العالم‬ ‫أبعاد‬ ‫من‬
‫الوعي جملة الأفكاــر والتصو ّرات التي ينشئها‬
‫لمقاصدي‪.‬‬
‫الإنساــن عن الوجود وعن ذاته ← الوعي انبثاق‪،‬‬
‫كوجود‬ ‫يُدر َك‬ ‫العالم‪:‬‬
‫انعكاس‪ ،‬ارتباط مباشر بالوجود المادّي‪ .‬وأفكارنا‬
‫موضوعي في نظر فلاسفة‬
‫مشروطة بعلاقات الإنتاج وهي مجر ّد لغة معب ّرة عنها‬
‫العقل‪ ،‬أمّا من منظور‬
‫أي واقعنا المادّي هو المحدّد لرؤ يتنا للعالم والرموز‬
‫قصدي فالعالم عوالم أي‬
‫الثقافية تعبير عن وضع اقتصادي‪ .‬هناك جدلية بين‬

‫‪36‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يُدر َك من خلال منظور ي ّة‬ ‫الواقع والوعي‪ ،‬أي هناك تأثير وتأث ّر‪ .‬نفي تعالي‬

‫فهو وجود حس ّي أو وجود‬ ‫الوعي واستقلاليته ‪ +‬أفكار الناس انعكاس للواقع‬

‫رمزي أو وجود خيالي‪.‬‬ ‫الاجتماعي المحكوم بمصالح طبقي ّة متخفّية ‪ +‬المادّية‬

‫الحقيقة‪ :‬هي المطابقة مع‬ ‫التار يخية تقر ّ بتبعي ّة الوعي إزاء الواقع ‪ +‬يوجد وعي‬

‫الواقع‪.‬‬ ‫زائف قائم على الاعتقاد في استقلالية الفكر عن‬

‫المعنى‪ :‬هو نمط من الت ّأو يل‬ ‫الواقع‪.‬‬

‫الذي تدركه الذّات في‬ ‫تاريخ الإنّية تاريخ اقتصادي رفض فكرة وجود ماهي ّة‬
‫المعنى‬ ‫بواقعها‪،‬‬ ‫علاقة‬ ‫إنساني ّة كوني ّة واحدة وثابتة مم ّا يعني عدم وجود هو ي ّة‬
‫مختلف ومتعدّد أمّا الحقيقة‬ ‫ثابتة‪.‬‬
‫فواحدة‪.‬‬
‫والخصوصية هي خصوصية اقتصادية‪ .‬وما يفس ّر‬
‫الواقع‪ :‬هو الشروط المادّية‬ ‫التعدّد الثقافي هو تنو ّع أنماط الإنتاج ‪ +‬الدولة تعبير‬
‫والتار يخي ّة المحدّدة لإنّية‬ ‫عن مصالح طبقي ّة وهي أداة هيمنة سياسية تنضاف‬
‫الإنسان ولوعيه‪.‬‬ ‫للهيمنة الاقتصادية ‪ +‬الرموز والعلامات تتحدّد بالانتماء‬

‫الأفكار‬ ‫جملة‬ ‫الوعي‪:‬‬ ‫الطبقي ‪ +‬العمل شكل من الاغتراب لإنسانية‬

‫والتصو ّرات المنبثقة من‬ ‫الإنسان في المنظومة الرأسمالية ‪ +‬السعادة تكمن في‬

‫الواقع‪.‬‬ ‫التحر ّر من الاستغلال وانعتاق العامل من الخضوع‬

‫للعمل المحطّم لإنساني ّته ← ماهية الإنسان تار يخية‬


‫التاريخ‪ :‬هو فضاء للفعل‬
‫ومتكث ّرة باعتبارها حصيلة العلاقات الاجتماعية ‪+‬‬
‫لتأثير‬ ‫ومجال‬ ‫الإنساني‬
‫الإنّية لا تتصو ّر إلا ّ ضمن الغير‪.‬‬
‫العلاقات‪ ،‬إن ّه فعل الإنسان‬
‫‪ -3‬في جدلي ّة الوعي واللا ّوعي‪( :‬فرويد)‬
‫في الز ّمن وفي المكان وفي‬
‫إذا كانت المادية التار يخية نبّهت لوجود المجتمع وراء‬
‫علاقة بالآخر‪ ،‬يُقصَد به‬
‫ما نعتبره ذاتا دون أن تنفي كل ّيا خاصّية الوعي رغم‬
‫جملة‬ ‫أي‬ ‫وهنا‬ ‫الآن‬
‫ن التحليل النفسي‬
‫نقدها له وإبراز ز يفه أحيانا‪ ،‬فإ ّ‬
‫الاجتماعي ّة‬ ‫الظروف‬
‫سيفكّك الإنسان ليكشف عم ّا يختفي من حيواني وراء‬
‫المحدّدة للإنّية و يقصد به‬
‫ن وراء الذات الواعية يختفي‬
‫الإنساني وليبيّن أ ّ‬
‫أيضا ما ُّأنتج ماضيًا وتأثيره‬
‫اللا ّوعي ← ليس الوعي ماهية الحياة النفسي ّة بل هو‬
‫على الحاضر‪ .‬التاريخ ليس‬
‫صفة من صفاتها غيابها أكثر بكثير من حضورها ‪+‬‬
‫فقط جملة الأحداث بل ما‬

‫‪37‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يتراكم من أفكار وتمث ّلات‬ ‫رفض اعتبار الإنسان جوهرا عاقلا ‪ +‬تجاوز‬

‫وأنماط وعي في علاقة‬ ‫المقاربات التأمّلي ّة والافتراضات الفلسفي ّة ‪ +‬إنشاء‬

‫بالواقع‪.‬‬ ‫مفاهيم علمي ّة حول الإنسان والاستناد إلى مقاربة‬

‫علمي ّة ‪ +‬تجاوز مفهوم النفس الذي يفترض أنّنا أمام‬

‫جوهر روحاني والانتقال إلى مفهوم الجهاز النفسي‬

‫الذي يضعنا أمام كيان له تركيبة أو بنية ديناميكية لها‬

‫آليات اشتغال وتتعطّب أحيانا‪ ،‬أوسع أقسام حياتنا‬

‫النفسية لا واعية والحياة النفسية قائمة على الصراع‪.‬‬

‫والنفس ليست جوهرا بسيطا متوحّدا مع ذاته ← في‬

‫الجهاز النفسي تحضر الغير ي ّة على هيئة الوعي الذي‬

‫أخره اللاوعي‪ ،‬أغلب منتجات الثقافة لا واعية وهي‬

‫في الأصل إعلاء واستبدال لهدف طبيعي‪ ،‬جنسي أو‬

‫عدواني بهدف ثقافي ← التحليل النفسي إعلان عن‬

‫موت الذات ونهاية المشروع الفلسفي المؤسّس على‬

‫الإنسان العاقل‪.‬‬
‫المجموع‬ ‫هو‬ ‫اللا ّشعور‪:‬‬
‫‪ -4‬من الذاتية إلى البيذاتية‪( :‬هي ﭭ ل)‬
‫‪"-‬إنّيتي لا تنحصر في الوعي"‬ ‫الدّيناميكي لر ّغبات الم كبوتة‬
‫أ‪ -‬حدود الذاتية المنغلقة وضرورة الانفتاح على‬
‫حلّل وناقش‪.‬‬ ‫والذّكر يات المنسي ّة التي لا‬
‫الآخر‪:‬‬
‫‪ -‬هل يترت ّب عن اكتشلف‬ ‫تتجل ّى بشكل مباشر في‬
‫اليقين بالذات ليس حقيقة الذّات‪ ،‬لا يمكن‬
‫اللا ّوعي نفي الوعي ؟‬ ‫مستوى الوعي بل تظهر‬
‫استبعاد الآخر من الأنا ‪ +‬اعتبار الآخر موضوع‬
‫بشكل لاواعي في العلم‬
‫← ما وقع ليس نفيا للوعي بل‬
‫لمعرفتنا ولرغبتنا وهو موضوع خارج الذّات‪ ،‬لذلك‬
‫وزلّات اللسان والأفعال‬
‫تأكيدا له إذ اكتشاف اللاوعي‬
‫حقيقة الذّات لا تختزل في ذاتها والتجربة المعيشة‬
‫والمهن‬ ‫الأفعال‬ ‫وردود‬
‫حصل بفضل الوعي ‪ +‬ما وقع‬
‫تكشف لي نمطا مغايرا من الوعي بوج ودي ←‬
‫والفنون‪.‬‬
‫ل‬
‫هو رسم حدود الوعي ‪ +‬يظ ّ‬
‫الإنسان يكتشف ذاته وفي علاقات مع الآخر‪.‬‬
‫الوعي الن ّور الذي يضيء لنا‬
‫← وجودنا لا يتحقق فعليا إلا ّ بالانخراط في الحياة‬
‫الجهاز النفسي‪ :‬هو شخصي ّة‬
‫السّبيل "فرويد"‪.‬‬
‫الإنسانية‪ .‬الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر ‪+‬‬
‫الإنسان من حيث هي‬
‫ل ذات ذاتها وهي متيقّنة من إنسانيتها‬
‫في البداية تعي ك ّ‬
‫تركيبة تقوم على الصراع بين‬

‫‪38‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ميادين هي "الهو ‪ /‬الأنا‬ ‫ل كنّها ليست كذلك بالنسبة إلى الآخر‪ ،‬لا ترى في‬

‫الأعلى ‪ /‬الأنا"‪ .‬و يكشف‬ ‫الآخر إلا ّ موضوع ولا ترى فيه ذاتا‪.‬‬

‫ن الذّات ليست‬
‫عن أ ّ‬ ‫ل ذات إلى إثبات ذاتها وإنسانيتها حتى‬
‫تسعى ك ّ‬
‫موحّدة بل هي وحدة‬ ‫تنتزع اعترافا بها كذات إنسانية أي كحر ّية ‪ +‬السبيل‬
‫مجز ّأة‪.‬‬ ‫إلى الاعتراف هو المجازفة بالحياة‪ ،‬خوض الصراع لا‬

‫فقط من أجل البقاء بل من أجل ال كرامة والحر ية‬


‫‪" -‬بأيّ معنى تكون إنّيتي‬
‫ن الإنسانية لا تتحقّق فعلا إلا ّ في إطار‬
‫أيضا ← إ ّ‬
‫مشروطة بالآخر" ؟‬
‫بيذاتي أي في فضاء عمومي وفي علاقات العمل‬
‫‪ -‬هل من قيمة للأنا بمعزل عن‬
‫وداخل الدولة وبفضل الر ّموز من أجل الاعتراف‬
‫الآخر ؟‬
‫المتبادل‪.‬‬

‫نقد هي ﭭ ل‪:‬‬

‫ن الهي ﭭ لي ّة تعبير ذهني عن واقع عصرها لذلك‬


‫‪ +‬بيان أ ّ‬

‫كانت فلسفة مشدودة إلى الر ّغبة والص ّراع‪ ،‬وهي‬

‫بذلك تعب ّر عن طموح إلى السيطرة على العالم تح ُّ ّدها‬

‫نزعها استعمار ية تسو ّغ التدخل في الشعوب‬

‫والثقافات المغايرة من أجل إنضاجها وهذا ما يؤكّد‬

‫ن الخطاب الفلسفي قول‬


‫ن الفلسفة ليست بريئة وأ ّ‬
‫أ ّ‬

‫ن الفلاسفة لا يخرجون من الأرض‬


‫شرس ونهم وأ ّ‬

‫ن الفلسفة لا تعدو أن تكون سوى مذك ّرات‬


‫كالفطر وأ ّ‬

‫لصاحبها ‪ +‬يقول "هي ﭭ ل"‪ :‬عندما أرى نابليون على‬

‫الحصان أرى‬

‫العقل على حصان‪ ،‬ومعنى ذلك تحو يل العقل إلى‬

‫صنم ورفض الاختلاف والتعدّد والتأسيس لنمط‬

‫وحيد من الوجود هو الوجود العقلاني الذي يحطّم‬

‫التعدّد الثقافي والحضاري لهذا لم ينتقل هي ﭭ ل من‬

‫الذّاتي ّة إلا ّ لتأكيدها بفضل البيذاتية فانتهى نافيا‬

‫‪39‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫للرموز والعلامات لهذا ما يستقيم كمعادٍ ومضادّ‬

‫للهي ﭭ لي ّة هو فلسفة الأشكال الرمزي ّة ممثّلة في "كاسيرار‬

‫ثم ّ كلود ليفيس ستروس" حيث لم يعد العقل مرجعا‬

‫بل الر ّمز هو المظلّة والر ّموز هي ما تعب ّر عن إنسانيتنا‬

‫مم ّا يسمح ‪ ..................‬أمام أشكال التعبير الر ّمزي‬

‫ويمنح الإنسانية إمكانية للاختلاف والتنو ّع‪ ،‬إذا كان‬


‫الآخر‪ :‬هو الوجود الإنساني‬
‫ن كاسيراس يؤسّس‬
‫هي ﭭ ل ينذر لوحدة عقلي ّة‪ ،‬فإ ّ‬
‫على نحو مختلف عن الذات‬
‫ل كثرة في مستوى رؤى العالم‪.‬‬
‫والذي يشكّل ضرورة لوعي‬

‫أصارعه‬ ‫حيث‬ ‫بذاتي‪،‬‬ ‫ب‪ -‬في ضرورة وساطة الآخر لإدراك إنّيتي‪:‬‬

‫لأنتزع منه الاعتراف‪.‬‬ ‫(سارتر)‬

‫إنسانية‬ ‫قيمة‬ ‫الاعتراف‪:‬‬ ‫الآخر وسيط وشرط ضروري لوعي بذاتي وتكوين‬

‫ومعنى من معاني الوجود في‬ ‫ن‬


‫إنّيتي‪ ،‬الآخر ليس وجودا خارجيا بل هو بداخلي لأ ّ‬

‫الحياة‪ ،‬دافعي ّة الفعل والجهد‪.‬‬ ‫الإنسان كائن القيم ويحمل رؤ ية لذاته إذ تكشف‬

‫تجربة الخجل أن ّني أتقمّص وأستبطن رؤ ية الآخر‪،‬‬


‫الر ّغبة‪ :‬هي الميل إلى شيء‬
‫ن الحقيقة الأولى التي نعيها هي‬
‫يلتقي مع ديكارت في أ ّ‬
‫ما والرغبة تكون حسّية في‬
‫ذاتنا المفك ّرة‪ ،‬ينقد الأطروحة الماركسي ّة التي تقر ّ‬
‫البداية‪.‬‬
‫بأسبقية الوجود على الذّات ← الذّات تعي ذاتها في‬

‫العالم ومع الآخرين من أجل أن أنشد حرّيتي وحرّ ية‬

‫الآخر في آن واحد‪.‬‬

‫ج‪ -‬في المراجعة الل ّساني ّة للإنّية المنغلقة‪( :‬بنفنست)‬

‫الذّاتي ّة مقولة لغو ي ّة‪ ،‬يكون أنا من يقول أنا ‪ +‬الإنسان‬

‫يتشكّل في الل ّغة وبالل ّغة ‪ +‬الأنا ضمني ّا يفترض الأنت‬

‫‪ +‬لا معنى للأنا دون أنت إذ لا يحصل الشّعور بالأنا‬

‫إلا ّ عبر التضادّ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ظ‬‫ت‬
‫ل مة‬ ‫ص‬ ‫ب‬‫ل‬
‫ا وا ل و ا إ‬
‫الرمرنة‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫متهيد إشكايل ‪:‬‬


‫الوضع املفارقات بني تنامي أدوات اإلتصال و إنعدام‬
‫التواصل‬
‫يتردد على مسامعنا بآستمرار القول بأن العالم قر ية‪ ،‬و في ذلك ما يوحي بأن الإنسان في علاقة حميمية مع الآخر‬

‫و مما ينجم عنه معرفة وتواصلا للإنسان بالآخر حيث يسود منطق الإعتراف المتبادل و الإنفتاح و احترام الآخر‪.‬‬

‫غير أن‪ ،‬القر ية اليوم فهي لا يعرف فيها الإنسان الآخر و تقوم على إنعدام التواصل حتى داخل العائلة الواحدة‪،‬‬

‫إذ يمثل كل فرد أمام أجهزة تقطع التواصل‪ ،‬بحيث أضحى الإنسان غريبا داخل المجموعة‪ ،‬فهو حسيا و ماديا‬

‫مع الآخرين ل كن فعليا يوجد منعزلا‪.‬‬

‫مثل هذا التوتر بين الإدّعاء بأن العالم قر ية كونية و الواقع المرير الذي يؤكد أن الإنسان في عزلة جليدية يدعو‬

‫إلى التساؤل ‪:‬‬

‫‪ -‬هل أن وسائل الإتصال أدوات تواصل أم إنقطاع ؟‬

‫‪ -‬بأي معنى يكون التواصل مطلبا إيتيقيا ؟‬

‫‪ -‬ما قيمة أشكال التواصل الرمزي إذا علمنا أنه محدود إيديولوجيا و بنيو يا ؟‬

‫إن مسألة التواصل و الأنظمة الرمزية تحيل على علاقة الأنا بالغير في بعدها الثقافي و الحضاري‪ ،‬أي تدفع إلى‬

‫النظر في واقع الحضارات و الشعوب مما يثير قضايا الإختلاف و يطرح مشكل العالمي و العولمي و الخصوصي‪.‬‬

‫إذا كان تاريخ الفلسفة مسكونا بالذات كمنطقة للتفكير و بالعقل كمجال للتفلسف و بالجدل كمنهج لمقاربة‬

‫الإنسان و بالجدلية كفكر ميز الفلسفة‪ ،‬فإن الفكر اليوم محوره الإختلاف لا كتقر يظ بل الإختلاف كمفهوم‬

‫سجالي بمعنى الإهتمام بأزمة الإختلاف‪.‬‬

‫هذه الأزمة تهدد ما تعيشه المجتمعات اليوم من تعددية و تنوع‪ .‬و في النظر إلى الإختلاف مواقف متناقضة‪.‬‬

‫إذ توجد مغالطات تحجب عنا المعنى الصحيح للإختلاف فــ‪:‬‬

‫هناك تصورات جادة تلح على التنوع و الإختلاف المثمر و الخصب و تقوم بتقر يظه و الإحتفاء به و رفعه إلى‬

‫مستوى القيمة و المقام‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وهناك تصورات تقوم بإستعمال الإختلاف كمطية لإستعباد الآخر فتصبح مقولة الإختلاف هي ما يسمح لنا‬

‫بإقصاء الآخر‪ ،‬مما يدعو إلى ضرورة ربط الإختلاف بالنقد‪ .‬أي التسلح بالنقد كآداة تمكن من تجاوز الأزمة‪،‬‬

‫لأنه حيث توجد أزمة يوجد نقد و التعبير لكانط‪ .‬ووظيفة النقد تتمثل في فصل المتشابهات و إقامة الحدود بين‬

‫التماثلات‪ .‬فللنقد وظيفة أساسية هي رسم الحدود و التفطين للإستعمالات السيئة و فضح التوظيفات التي‬

‫جعلت الإختلاف محل تظنن‪ .‬و يؤكد النقد على ضرورة البحث في الأسس لأن معنى من معاني النقد هو‬

‫التأسيس‪ .‬فعـــلى ماــ يتــأســـس الــتـــواصــــل؟‬

‫إن أساس التواصل هو الإنسان بوصفه وعيا في التاريخ و يتطلب حضور الغير طالما أن الذات لا تنفصل عن‬

‫الآخر و عن الزمان و ترتهن إلى أنظمة رمزية‪ .‬مما يعني أن الأدوات شرط ضروري ل كنه غير كاف لتأصيل‬

‫التواصل كقدر إنساني‪ .‬فالتواصل مطلب إيتيقي و قيمة أخلاقية و غاية إنسانية وهو ليس سلعة أو بضاعة توجد‬

‫على قارعة الطر يق‪ ،‬وهو ليس كما ينتجه البعض و يكون حكرا عليه و يدعي تسو يقه بالقوة المادية الخام أو الرمزية‬

‫المتخفية‪.‬‬

‫إن قيمة التواصل تكمن في كونه مسارا له غايات تتجاوز الوسائل‪ ،‬ل كن ما نشهده اليوم تضخم الوسائل‬

‫و إنعدام الغايات بحيث نعيش تخمة في مستوى ما نمتل كه من وسائط مادية للتواصل‪ ،‬أي كثرة في وسائل‬

‫الإتصال و نز يفا للبث نلحظه في التغطية الإعلامية الم كثفة لكل رقعة من الأرض و قرب المسافات وإنفجار‬

‫للصورة و إنتشار للثقافة الرقمية و نعيش في المقابل ضعفا للتواصل و ضحالة في اللقاء الإنساني و آفتقار للرموز‬

‫و تصدع لعلاقة الإنسان بالإنسان‪ .‬لذلك يطرح اليوم سؤالا عميقا هو‪:‬‬

‫‪ -‬هل أدوات الإتصال كفيلة بتحقيق غاية التواصل ؟‬

‫‪ -‬هل التواصل حاجة تنجز بطبعها و تفترض إشباعا أم مطلبا يفترض إنشاء سبل لتحقيقه؟‬

‫‪ -‬ما حاجة الإنسان إلى التواصل و كيف نؤمن تواصلا يتجنب الدمج و التنميط و الإغتراب؟‬

‫‪43‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫التواصل حاجة أم مطلب ؟‬ ‫‪.I‬‬

‫فخر الدين الرازي ‪1209 – 1148‬‬

‫عادة ما يستعمل الإنسان و سائل دون أن يعي كيفية تكونها و آليات إشتغالها وهو ما يحصل إزاء‬

‫المنتجات المادية و الرمزية أيضا لذلك يتواصل الإنسان مع ذاته و مع الآخر و مع العالم دون التساؤل عن كيفية‬

‫تكو ّن تواصله فاللغة كقدرة تواصله يمارسها الإنسان دون الإهتمام بتحقيقها فيستعمل ألفاظا مختلفة يعبر بها عن‬

‫تجاربه دون النظر في معانيها في حين أن الحكمة تقتضي الوقوف على حقيقة الألفاظ و الرموز و على تأليفها‬

‫وحياتها الداخلية و القوانين المتحكمة فيها ‪ ,‬مما يبرر التساؤل التالي ‪:‬‬

‫• على أي أساس تقوم الألفاظ ؟‬

‫• كيف نعلل وصع الإنسان للغة بالحاجة إلى الحياة الجماعية ؟‬

‫• أيّ فرق يقيمه الكاتب بين التواصل الحركي و التواصل اللفظي ؟‬

‫• إذا كانت الألفاظ قادرة على تحقيق التواصل الإجتماعي (ما في القلوب و الضمائر) ‪ -‬فهل تستطيع اللغة‬

‫أن تعب ّر فعلا على ما في العقول ؟‬

‫التواصل حاجة إنسانية أكيدة و وظيفية الحكمة تكمن في تواضع الناس و اتفاقهم و إجماعهم على وضع ألفاظ‬

‫للمعاني ‪ ,‬أم أن حاجة الإنسان إلى التواصل هي التي و لدت الحاجة إلى اللغة ‪.‬‬

‫‪ -‬اللغة وسيلة لتحقيق غاية هي التواصل أي لقاء الآخر من أجل التبادل ‪:‬‬

‫▪ المنافع‬

‫▪ الأفكار‬

‫▪ المشاعر و العواطف‬

‫‪ -‬الحاجة إلى التواصل فطر ية و غريز ية و الحجة في ذلك ان الإنسان خلق بحيث لا يستقل لتحصيل جميع مهماته‬

‫فاحتاج إلى أن يعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التو ّسل به إلى الإستعانة بالغير‪.‬‬

‫هذه الحج ّة ( حج ّة الإستقراء ) تفيد ان الإنسان كائن نقص و انه لا يستطيع تحقيق إحتياجاته بمفرده مما يجعله‬

‫في حالة عدم إستغناء عن الآخر‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الحاجة ‪:‬‬

‫▪ طبيعية و هي الميل إلى شيء ما من أجل البقاء‬

‫▪ ترتبط الحاجة بما هو بيولوجي‬

‫▪ الحاجة حيوانية بمعنى انه لا يمكن الإستغناء عنها و الحاجة مشتركة بين جميع أفراد النوع الإنساني‬

‫كالحاجة إلى الأكل و النوم و التناسل و البقاء والإستمرار في الوجود‪.‬‬

‫وظيفة اللغة تحقيق هذه الحاجة لأن الحاجة تفترض تلبية و إشباعا و متى لم تشبع الحاجة إختل طبع‬ ‫•‬

‫الموجود لأن الحاجة متجذرة في طبيعته‪.‬‬

‫• الأساس الذي تقوم عليه الألفاظ إذن هو حمل المعاني التي من شأنها أن تلبي الحاجة الإنسانية ‪ ,‬و من‬

‫خلال هذه المعاني المصطلح حولها و المت ّفق بشأنها و التي نعب ّر عنها بألفاظ محددة يستطيع الإنسان إشباع‬

‫حاجته‪.‬‬

‫• الإنسان كائن التواصل و ما يعل ّل ذلك الحاجة إلى الحياة الجماعية إذ لو كان الفرد قادرا على تحقيق حاجته‬

‫بنفسه لما احتاج إلى إبداع أدوات تواصل مثل الألفاظ أو غيرها‪.‬‬

‫• التواصل إصطناع و مواضعة و اصطلاح أو إتفاق ضمني غير معلن يحمل معاني لمخاطبة الغير ‪ .‬فهو صلة بيني‬

‫و بين المغاير من أجل تحقيق الحاجة ‪.‬‬

‫• التواصل ‪ :‬ظاهرة إجتماعية تت ّخذ أشكالا عدة منها ما هو لفظي و ما هو حركي‪.‬‬

‫التواصل اللفظي‬ ‫التواصل الحركي‬


‫إقتصادي مربح للجهد و الوقت و المواد يفنى بفناء الحاجة‬ ‫في نظر الرازي أدنى من التواصل اللفظي‬

‫إليه‪.‬‬ ‫ملتبس ‪ +‬مشتبه‬

‫تتولد منه الحروف دون نهاية فهو خصب غير ملتبس و‬ ‫غير إقتصادي‬

‫غير مشتبه‬

‫• ينتهي الرازي إلى تفضيل التواصل اللفظي عن التواصل الحركي و هذا طبيعي بالنسبة لمفك ّر يتحرك داخل‬

‫إبستيميا تعادي المادة و ترفع من شأن النفس ‪ .‬فالتعبير الحركي تعبير الجسد أما التعبير اللفظي فتعبير النفس‬

‫و هذه المفاضلة تبدو طبيعية بالنسبة إليه لأنه يتحرك داخل فضاء ذهني تراتبي و ثنائي ‪.‬‬

‫• إنتهى الرازي إلى ‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -1‬تأكيد أن التواصل حاجة فطر ية غريز ية‪.‬‬

‫‪ -2‬الإقرار بأن التواصل يعب ّر عن حاجة الإنسان إلى الآخر‪.‬‬

‫‪ -3‬الألفاظ تعبير عن المعاني فالمعنى هو الغاية و اللفظ وسيلة‪.‬‬

‫‪ -4‬اللغة إصطلاحية أي ناشئة عن تواضع أو مواضعة‪.‬‬

‫‪ -5‬تفضيل التواصل اللفظي عن التواصل الحركي‪.‬‬

‫‪ -6‬اللغة تعب ّر عن ما في القلوب و الضمائر و العقول‪.‬‬

‫الحدود ‪:‬‬

‫لا تفاضل بين أدوات ووسائل التواصل و الحج ّة على ذلك أننا نتواصل مع من لا يملك نفس ألفاظنا‪.‬‬ ‫•‬

‫موقف الكاتب ليس راهنا فالتواصل اليوم يحدث عبر وسائل غير لفظية و هي أكثر مباشرة و أقدر على‬ ‫•‬

‫التعبير و على النفاذ إلى خواطرنا الأكثر حميمي ّة مثل الصورة ‪.‬‬

‫التواصل ليس حاجة فحسب بل هو مطلب إنساني و اجتماعي و إيتيقي إذ الحاجة هي ما ننطلق منه‬ ‫•‬

‫و المطلب هو ما نصل إليه ‪.‬‬

‫نستنتج أن التواصل ممكن عبر كل الوسائط و التواصل حوار و هدف الحوار إفساح المجال أمام الإنسانية‬

‫للتعرف على إنسانيتها و إدراك ذاتيتها في الآخر إذ أن الإنسان بفضل التواصل يدرك ذاته عبر الآخرين و بفضلهم‪.‬‬

‫كما أن التواصل قدرة على التعارف و المشاركة و تحقيق الذاتية و التبادل ( تبادل الحاجيات و تبادل القيم‬

‫و الفعل و الإنفعال بالمعنى الثقافي و الحضاري و الإيتيقي و الإستيتيقي ) ‪.‬‬

‫التواصل مقدمة للفهم و الإستعداد للتواصل هو إستعداد للتعاطف مع الآخر و فهمه و التفاهم معه و ل كي‬

‫يكون الحوار حوارا كونيا لا بد أن يؤسس على معياري الحقيقة و الحر ية لا على معيار الصلاحية و النجاعة‬

‫و المنفعة و الحاجة ‪ .‬إن التواصل متى كان رهين الحاجة أضحى إتصالا و ات ّخذ منحى البث لا التواصل و منحى‬

‫التاثير لا التفاعل و منحى التثقيف لا المثاقفة‪.‬‬

‫حين ندرك كونية الإنسان لا إجتماعيته فحسب نقر أن التواصل مطلبا أكثر مما هو حاجة‪ .‬فالحاجة متحق ّقة‬

‫بطبعها أما المطلب فهو ما يحتاج إلى أشكال و أنظمة ويراهن على القيمة مما يجعل التواصل متنو ّعا لا وحدة‬

‫‪.‬وكثرة دون تراتب مما يطرح قضية تعدّد الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل و الإقرار بأن الإنسان‬

‫كائن رامز لا متكلما فحسب لأن الكلام ينبع من قدرة رمزية فما مضمون قولنا ‪ :‬الإنسان حيوان رامز ؟‬

‫‪46‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -1‬الإنسان قدرة رمزية ‪:‬‬


‫كاـــســيـــرار ألماني ‪1945 –1874‬‬

‫كلما طرحت مسألة التمييز بين الإنسان و سائر الكائنات إلا ّ و تكر ّر القول أن اللغة هي خط الفصل بينه‬

‫و بينها و في ذلك ما يفترض أنه الكائن الذي يتمي ّز باحتكامه للعقل لأن اللغة تعبير عن الفكر‪ .‬لذلك ينظر إلى‬

‫الوعي على أنه الإطار الأمثل لتحقيق ما ينشده الإنسان من كمال ‪ .‬غيرأن تاريخ وواقع الإنسانية سرعان ما‬

‫يخي ّب هذا الإنتظار ليكشف أن الرمز هو أساس جميع الفعاليات الإنسانية وهو الرابطة العامة التي توحّد مختلف‬

‫و ليثبت‬ ‫الرموز المؤسسة للتجربة الإنسانية في العالم و ليكشف عن محدودية التعر يفات الكلاسيكية للإنسان‬

‫أن الحضارة الإنسانية نشأت عن قدرة رمزية يتمتع بها الإنسان ‪ .‬و إزاء هذا الوضع المفارقاتي يصبح من غير‬

‫الممكن إجتناب التساؤل ‪:‬‬

‫• فيم يتمثل الجهاز الرمزي لدى الإنسان ؟‬

‫م و أشمل من جميع الفعاليات ؟‬


‫• ما الذي يجعل الوظيفة الرمزية أع ّ‬

‫• هل ما يجمع بين الأسطورة و الدين و الفن و اللغة وجودا موضوعيا أم ذات رامزة‬

‫• ألا تكون الشبكة الرمزية معب ّرا عن الذات حين لا يرى الإنسان شيئا إلا ّ من خلالها و هي في نفس الوقت‬

‫أداة حجب لحقيقة العالم ؟‬

‫هناك صفة ‪ /‬سمة تجمع بين جميع الصفات التي تنسب إلى الإنسان و تعلو على جميعا وهي سمة الرمزية‪.‬‬

‫إن القدرة الرمزية هي الخاصية الجوهر ية الممي ّ زة لإنسانية الإنسان وهي ما تعب ّ ر عن كمال نوعه كإنسان مقارنة‬

‫بالكائنات الأخرى ‪ .‬لذلك يدحض كاسيرار كل محاولات فهم الإنسان خارج إطار قدرته الرمزية و هي‬

‫جملة أطروحات مثل‪:‬‬

‫• إعتبار التمييز يتحقق بالوقفة العمودية مما مكّن الإنسان من حسن إستعمال يديه و التحكم أفضل في المجال‬

‫و تنمية قدرات ذهنية و حركية جعلته يرتقي في سل ّم الكائنات و ينفرد عنها‪.‬‬

‫• إعتبار التمييز يتحقق بالفكر‪ :‬فالإنسان يمتلك القدرة على التفكير أي الوعي بذاته و بالعالم و بالآخر و بإدراك‬

‫مقولتي الزمان و المكان مما جعله ينفصل عن الحضيرة الحيوانية ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• إعتبار التمييز يتحقق بالقدرة على الصنع فالإنسان صانع أدوات مك ّنته من مباشرة العالم عبر وسائط جعلته‬

‫أكثر ذكاءا و اقتدارا وهذه الأدوات بقدر ما تعب ّر عن ذكائه بقدر ما تشك ّله و تنتجه‪.‬‬

‫• الإنسان كائن متكل ّم أو حيوان ناطق بحيث أن النطق كفاعلية ذهنية و كوسيط بينه و بين ذاته و عالمه‬

‫و غيره هو الذي إرتفع به إلى مصاف الإنسانية‪.‬‬

‫• الإنسان ينتمي إلى عالم البيولوجيا يوصفه عضو ية ل كنه يشذ عن القواعد البيولوجية بفضل ممي ّز ينفرد به وهو‬

‫الجهاز الرمزي ‪.‬‬

‫• الجهاز الرمزي أداة يمل كها الإنسان بمفرده يقول بنفنيست ‪ " :‬إن القدرة الرمزية هي أخص خصائص‬

‫الكائن البشري "‬

‫الجهاز الرمزي‪:‬‬

‫▪ مل كية إنسانية‪.‬‬

‫▪ حلقة ثالثة ( الكائنات البيولوجية تمتلك حلقتين‪ :‬حلقة عضو ية و حلقة عصبية ‪ -‬الجهاز المستقبل‬

‫و الجهاز المؤثر – الإنسان يمتلك إلى جانب الحلقتين حلقة رمزية ) ‪.‬‬

‫▪ قدرة على تحو يل الحياة الإنسانية من حياة مباشرة إلى حياة توسطية تحيا من خلال شبكة من‬

‫العلامات و الرموز‪.‬‬

‫▪ قدرة على توسيع الدائرة الإنسانية كمّا و نوعا – الجهاز الرمزي غي ّر الإنسان تغييرا نوعيا‪.‬‬

‫▪ جعل الإنسان يعيش في عالم أوسع و يعيش في بعد جديد من أبعاد الواقع هو البعد التخي ّلي‬

‫و الذهني فلا يكتفي الإنسان بالبعد الحس ّي المباشر و إنما ينتج غشاءا أو نسيجا من العلامات حول‬

‫الواقع أي إنتاج واقع جديد ‪ ,‬واقع من إنتاج الإنسان فالرمز فهم للعالم و إنتاج للعالم أي إنشاء‬

‫العالم ذاتيا‪.‬‬

‫▪ الوظيفة الرمزية لا ترتكز إلى ردود عضو ية بل إلى أرجاع فالردود العضو ية محدودة و دون وساطة‬

‫و لا تتنوع أما الأرجاع فتختلف باختلاف الذوات و الجماعات و الحضارات‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الأرجاع ‪Réponse – Ré/ponse‬‬ ‫الردود العضو ية ‪Reaction‬‬

‫أفعال ثقافية لدى الإنسان ‪ ,‬تتميز بالخلق و الإبداع‬ ‫ردود أفعال طبيعية لدى الحيوان – ثابتة خالية‬

‫متنو ّعة و متكث ّرة و مختلفة في الزمان والمكان‬ ‫من الخلق و الإبداع‬

‫تفترض المخيلة و العقل كقدرات تحدّد الفعل ‪+‬‬ ‫محدودة – خالية من القصد و الدلالة‬

‫ذات معنى و قيمة ‪ +‬تتجاوز العالم كمعطى مباشر ‪+‬‬ ‫تفتقر إلى المعنى‬

‫تتجاوز الحاجة البيولوجية المباشرة رغم تلبيتها نحو‬ ‫ترى العالم بشكل مباشر وحس ّي‬

‫المطلب الإنساني في لقاء الآخر‬ ‫ترتبط بالحاجة البيولوجية المباشرة‬

‫• إنقاذ العالم من العدم و العبث عبر إنتاج نسيج‬ ‫• تسقط العالم في العدم و لا تكسبه معنى‬

‫رمزي أو شبكة رمزية تمنح العالم معناه و دلالته‬

‫‪ ‬الوظيفة الرمزية هي ال كمال الخاص للإنسان‬

‫‪ ‬هي الخروج من العالم المادي الصرف من أجل العيش في عالم رمزي ‪.‬‬

‫الإنسان = الر ّمزية‬

‫‪ -‬هذه القدرة الرمزية نابعة من طبيعته كإنسان ‪.‬‬

‫▪ الإنسان لا يواجه الواقع المباشر و بشكل مباشر‪.‬‬

‫▪ كلما تقدمت فعالية الإنسان الرمزية إلا وتقلص الواقع المادي ليصبح الإنسان يعيش في عالم من‬

‫صنعه – إننا لا نعيش في العالم بل نعيش في عالم من صنعنا‪.‬‬

‫▪ الإنسان لا يصغي إلى أشياء العالم و لا ينصت إلى واقع موضوعي و عيني بل يتحدث إلى عالم ذاتي‪,‬‬

‫عالم من إنشائه ‪ :‬الإنسان يتحدث دائما إلى نفسه أي يصغي إلى رموزه و علاماته التي هي و سيط‬

‫بينه و بين عالمه‬

‫▪ لا نعيش في واقع حس ّي ‪ /‬موضوعي ‪ /‬مادي ‪ /‬طبيعي ‪ /‬عيني بل في عالم خيالي ذهني و رمزي ‪,‬‬

‫نلف بها العالم ‪ ...‬ل كن هذه الشبكة الرمزية تجعلنا‬


‫نعيش في نسيج نحيكه حول العالم أو في شبكة ّ‬

‫‪49‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫لا نرى العالم إلا من خلالها مما قد يفصلنا عن عالمنا ‪ " :‬أصبح الإنسان لا يرى شيئا و لا يعرف‬

‫شيئا إلا ّ بواسطة هذه الأشياء المصطنعة " ‪ .‬كاسيرار ‪.‬‬

‫▪ هذه الوسائط الرمزية ( لغة – أسطورة – دين – فن – علم ‪ ) ...‬تحقق نفس القصد و تنبع من‬

‫نفس الحاجة و تحقق نفس الوظيفة و تستجيب لمطلب الرمزية لدى الإنسان كحيوان رامز ‪.‬‬

‫‪ -‬هذا التنوع في الأشكال الرمزية هو الذي سيفتح المجال واسعا أمام فلسفة الإختلاف و التنوع و ال كثرة‬

‫فالإنسان لا يوجد في العالم بشكل وحيد ‪.‬‬

‫‪ -‬هناك مرور من فلسفة الذاتية ومن فلسفة البيذاتية إلى فلسفة الأشكال الرمزية التي تؤسس لتأو يل إختلافي‬

‫للإنسان و للعالم مما يفضي إلى رفض أحادية الرؤ ية للعالم إذ رؤ ية العالم مختلفة بالضرورة ‪.‬‬

‫‪ -‬الإنسان لا يرى العالم كما هو بل ما يبدو له ‪ +‬الإقرار بقيمة التنوع الحضاري و الثقافي ‪ +‬عدم السعي إلى رد‬

‫ال كثرة إلى الوحدة بل تفكيك الوحدة إلى تنوع من شأنه أن يثري الإنسانية و أن يؤسس لحوار بين الحضارات‬

‫مداره تبادل التجارب الرمزية و تنو ّع الأنسجة الرمزية و الرمز هو ‪:‬‬

‫‪ -‬كل تمثيل يحمل معنى و يحيل إلى شيء غائب ‪ ,‬فالرمز و ساطة بين ما هو ذهني و ما هو حس ّي ‪ .‬فالرمز يحمل‬

‫دلالة وهو ليس أجوفا ‪.‬‬

‫‪ -‬كل نظام رمزي ينطوي على معان قابلة للتأو يل فهناك تقاطع بين الرمزي و التأو يلي ‪ /‬الهرمنطيقي‪ .‬لأن الرمز‬

‫متنوع‪.‬‬

‫الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -2‬تعــدد الأنظــم ة الــرمــز يـــة ‪:‬‬

‫أ‪ -‬النظام الرمزي لل ّغة ‪:‬‬

‫ب نــفــينــيســت ‪1976 –1902‬‬

‫يوجد قدر من الإجماع بين الناس على اختزال اللغة في بعدها الأداتي و إعتبارها مجرد و سيلة للتعبير عن‬

‫الذات و هي لا تعدو أن تكون سوى آلية للتواصل مع الآخر‪ .‬هذه القراءة الإختزالية للغة في بعدها الإستعمالي‬

‫و الذرائعي أفضت إلى جعلها شيئا يستعمله الإنسان و لا يعبت ّر عن حقيقته و إن ّيته ‪ .‬غير أن الإمعان بأكثر دقة‬

‫في طبيعة التواصل اللغوي سرعان ما يكشف قدرة اللغة على إستيفاء حقيقة الإن ّية حيث أن اللغة تمث ّل محدّدا‬

‫‪50‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫جوهر يا للإنسان سواء كان فردا أو جماعة‪ .‬و في هذا الوضع ما يبرر الشك في مدى قدرة المقاربة الأداتية على‬

‫فهم اللغة و مما يدعو إلى التساؤل ‪:‬‬

‫• ما طبيعة علاقة الإقتران الضرور ية بين اللغة و الإنسان و كيف تكون محدّدا جوهر يا لإن ّيته ؟‬

‫• هل نستعيض باللغة عن بقية الوسائط الرمزية و التواصلية ؟‬

‫• إذا لم تكن اللغة أداة للفكر فما الذي يعل ّل كونها الفكر نفسه ؟‬

‫• أي علاقة يقيمها بنفينيست بين البيولوجي ( الفطري ) و الثقافي ( الم كتسب ) و بين الذاتية و المجتمع في‬

‫اللغة ؟‬

‫• ما أحقي ّة الإشتغال على البنية الداخلية للغة و إهمال علاقاتها باللاوعي و بالجسد و التاريخ ؟‬

‫الفكر شديد الإرتباط باللغة إلى حد أنه يمكن المماثلة بين الفكر و اللغة إذ الفكر يتشكل بواسطة اللغة والبحث‬

‫في مسألة اللغة لا يكون بمعزل عن البحث في مسألة الإنسان و في إن ّيته و في طبيعة علاقته بذاته و أشكال‬

‫تواصله مع الآخرين‪.‬‬

‫اللغة ليست أداة للتعبير عن الفكر و إنما هي الفكر ذاته إنها ليست شكلا أجوفا يحمل مضمونا هو الفكر بل أن‬

‫مقولات اللغة هي مقولات الفكر فهي الفكر ذاته‪ .‬لذلك لم يخلق الإنسان أوّلا دون لغة ثم أنتج لغة بل إن‬

‫لحظة القول هي لحظة الوجود أو لحظة إمتلاك اللغة هي لحظة الإن ّية فالإن ّية تتشكل لغو يا يقول بنفنيست ‪:‬‬

‫" يكون أنا من يقول أنا " ‪.‬‬

‫اللغة نابعة من قدرة الإنسان على التمثيل الرمزي ‪:‬‬

‫• التمثيل الرمزي ‪:‬‬

‫‪ o‬مل كة ‪ /‬معطى طبيعي ‪.‬‬

‫‪ o‬أساس الوظائف المفهومية ‪.‬‬

‫‪ o‬منبع مشترك للفكر و اللسان و المجتمع ‪.‬‬

‫‪ o‬ليس التفكير شيئا آخر غير القدرة على إنشاء تمث ّلات رمزية للأشياء ‪.‬‬

‫‪ o‬تحو يل لعناصر الواقع إلى مفاهيم ‪.‬‬

‫‪ o‬تحو يل التجربة إلى رموز و علامات مفهومية تصفها و تعب ّر عنها و تستبعدها لإستحضار الذات‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ o‬التمثيل الرمزي ‪ :---‬القدرة الرمزية حيث لا يكون الرمز علاقة طبيعية بالشيء و إنما هو فعل إنساني‬

‫يعب ّر عن تمث ّل‪ .‬و الرمز خاصية إنسانية إذ لا يمكن لغيره من الكائنات إنشاءه‪ .‬الرمز تفكير إذ الفكر‬

‫هو الذي يبدع الرمز و يخلقه و الفكر يصنع أشياء و في نفس الوقت الذي يصنع فيه أشياء يصنع‬

‫علامات‪ .‬و الرمز يحمل كثافة دلالية و كثرة في المعاني تجعله بحاجة إلى تأو يل و يظهر الرمز في شكل‬

‫صورة ثر ية بالمعاني و الدلالات ‪ :---‬الرمز ضرورة لإقامة علاقة بالعالم و بالآخر فالعلاقة ليست ممكنة‬

‫بدون و سيط رمزي ‪.‬‬

‫إرتباط اللغة بالفكر ‪:‬‬

‫الفكر ليس مجرد إنعكاس للعالم‪ ,‬فصورة العالم لا تنعكس مباشرة في الفكر بل هناك نسيج من الرموز و العلامات‬

‫تتوسط علاقة الفكر بالعالم‪ .‬و هذا النسيج الرمزي تعبير عن حضور الذات‪.‬‬

‫يوجد العالم من جهة و توجد لغة تحمل الفكر و تعب ّر عن العالم ‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫هناك العالم كمعطى طبيعي خام و هناك تمثل مفهومي للعالم يحصل بفضل اللغة‪.‬‬ ‫‪o‬‬

‫علاقة اللغة بالمجتمع ‪:‬‬

‫يجب التمييز بين ‪:‬‬

‫الكلام‬ ‫الل ّسان‬ ‫اللغة‬

‫فعل فردي وهو طر يقة الفرد في‬ ‫فعل إجتماعي وهو طر يقة المجتمع‬ ‫خاصية إنسانية تعب ّر عن‬

‫استعمال الل ّسان ← خاصية‬ ‫في التواصل اللغوي←خاصية‬ ‫تمثيل رمزي للعالم و تعكس‬

‫فردية ‪.‬‬ ‫إجتماعية ←إنه مؤسسة إجتماعية‬ ‫قدرة رمزية يختص بها الإنسان‬

‫و نسق من القيم‪.‬‬ ‫تقترن بالفكر و هي التي تشك ّله‪.‬‬

‫إنجاز فردي‬ ‫تحق ّق وإنجاز إجتماعي‬ ‫إستعداد‬

‫اللغة تحقق دوما في لسان أي في بنية لسانية محددة و مخصوصة و هذا ما يفس ّر تعدد الألسن و تعدد‬ ‫•‬

‫الثقافات و أنماط التفكير إذ لو كانت اللغة واحدة لكان الفكر واحدا ‪.‬‬

‫ترتبط اللغة بمجتمع بعينه و هي حاملة للبنية الذهنية للجماعة الإجتماعية ( مثال‪ :‬قواعد اللسان العربي هي‬ ‫•‬

‫قواعد العقل العربي لأن اللغة إلى جانب كونها نظاما رمزيا تواصليا هي أداة التفكير المنطقي و تعكس‬

‫‪52‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫حطاــ من شأن المرأة يتجل ّى في إعتبار المذكر مرفوعا‬


‫ّ‬ ‫رؤ ية الإنسان و تصوراته إذ في قواعد اللغة العربية نجد‬

‫بما يعنيه من رفعة و ارتفاع و ترفع و يكون أيضا منصوبا بما يعنيه النصب من سعة الحيلة و القدرة‬

‫و الإنتصاب بالمعنى الرمزي و الفيز يولوجي في حين أن المؤنث مكسور بما يحمله المعنى من إنكسار‪ .‬كما أن‬

‫الجمع الغير عاقل يعامل معاملة المؤنث المفرد مما يعني وجود تماهي بين كائنات غير عاقلة و صفة التأنيث ‪.‬‬

‫و أن الصفة الإيجابية‬ ‫إضافة إلى ذلك أغلب الصفات السلبية مؤنثة وهذا يعكس رؤ ية تحقير للمؤنث‪ .‬علما‬

‫عندما تؤنث تكتسب دلالة سلبيةكقولنا ‪ :‬مصيب أي على صواب و عندما تؤنث تصبح مصيبة وهي تحتمل‬

‫معنى سلبيا أو قولنا نائب و تأنيثه نائبة بمعنى مصيبة أو حيّ و أنثاه تصبح حي ّة مما يؤكد وجود بنية ذهنية‬

‫تح ّط من شان الأنثى و مما يجعل الحاجة ملحة إلى إعادة تدب ّر مشكل اللسان العربي )‪.‬‬

‫ن ك ّلا منهما معطى إلا أن ك ّلا منهما يُتعلم‪.‬‬


‫لا انفصال بين اللغة و المجتمع فرغم أ ّ‬ ‫•‬

‫ينفي بنفيست الطابع الفطري عن اللغة و ينفي الفطر ية الإجتماعية ليؤكد أن اللغة إكتساب وأن إجتماعية‬ ‫•‬

‫الإنسان إنشاء تربوي و تار يخي ← منهج تار يخي يقطع مع التصورات الماورائية و الميتافيز يقية حول‬

‫المجتمع و اللغة و التاريخ‪.‬‬

‫رفض التصور الماهوي للإنسان و الإقرار بأن للإنسان تاريخ و أن الوعي و اللغة إنشاءات إجتماعية‪.‬‬ ‫•‬

‫الإقرار بمفهوم التطو ّر كمفهوم يحكم الإنسان و العالم و التاريخ و اللغة←لا شيء معطى كل شيء مكتسب‪.‬‬ ‫•‬

‫يرفض بنفينيست فكرة طبيعة إنسانية معطاة بصفة مسبقة و بشكل ميتافيز يقي ليؤسس لتصو ّر تاريخي‬ ‫•‬

‫يحترم الإختلاف و التنوع إذ لو كان للإنسان ماهية لكان شكل وجوده واحدا ‪ ,‬ل كن الواقع يؤكد أن ما‬

‫يسود هو التعدّد في أنماط الوجود و التواصل و الرموز‪.‬‬

‫مثل هذا التصو ّر يعترف بما هو كل ّي في الإنسان وهو القدرة على التمثيل الرمزي و يدرك أن هذا الكل ّي‬ ‫•‬

‫يتجل ّى في أشكال و انماط ثقافية و ذهنية مختلفة و لا تفاضل بينها‪.‬‬

‫نبذ المركز ية الثقافية و الإقرار بأن الإنسان و احد و أشكال وجوده متنوعة‪.‬‬ ‫•‬

‫رفض التعصّ ب و الإقصاء و التشر يع لإحترام الثقافة المغايرة ‪.‬‬ ‫•‬

‫الإنسان واحد من حيث هو جملة إستعدادات ل كنه مختلف من حيث قدرته على الإنجاز وكيفيات الإنجاز‬

‫و التحقــّق مما يستوجب التمييز بين الفطري و الم كتسب‪:‬‬

‫‪53‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الم كتسب‬ ‫الفطري‬

‫ما نتعلمه لاحقا‬ ‫ما نولد به ‪ +‬ما يكون موجودا بشكل مسبق‬

‫ما نكتسبه بفعل علاقة مع الآخرين و هو البعد‬ ‫عن أي إنجاز ‪ +‬ما يشترك فيه كل البشر‬

‫الثقافي الذي يتلقاه الإنسان داخل وسط بعينه ‪+‬‬ ‫ما يشكل حاجة لا غنى عنها‬

‫مختلف ثقافيا وهو‬

‫مجمل التعابير الرمزية الثقافية المختلفة بين جماعة‬

‫إجتماعية و أخرى‬

‫المكاسب ‪ :‬نغنم من هذا التصو ّر الذي يقدمّه بنفينيست جملة مكاسب وهي ‪:‬‬

‫‪-1‬إعتبار اللغة محددا جوهر يا للإنسان سواء كان فردا أو مجموعة ‪.‬‬

‫‪-2‬اللغة و سيط رمزي بامتياز و ل كنها لا تغنينا عن بقية الوسائط الرمزية ‪.‬‬

‫‪-3‬اللغة ليست أداة للفكر بقدر ما هي الفكر ذاته ‪.‬‬

‫‪-4‬اللغة إستعداد فطري كقدرة على التمثيل الرمزي وهي ت ُنجز في لسان محدد و مجتمع بعينه مما يفس ّر كثرة‬

‫الألسن و اختلاف أنماط التواصل اللغوي و تنوع الثقافات و مما يدعو إلى تثمين الإختلاف كعامل إثراء‬

‫و إخصاب لإنسانية الإنسان و مما يجعل كل تمركز ثقافي إفقارا و إنضابا للإن ّية ‪ .‬كما أن الإن ّية تجلي نفسها‬

‫وفق معاني و دلالات مختلفة ووفق أنظمة رمزية غير اللغة مثل الدين كنظام رمزي مقدس‪.‬‬

‫فبأي معنى يكون الد ّين نظاما رمزيا ووسيطا للتواصل ؟ ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -2‬تعـــدد الأنظـــمـــة الـــرمزيـــة ‪:‬‬

‫ب‪ -‬النظام الرمزي للمقدّس ‪:‬‬

‫ر يــتشاـــرد ماـــياـــر محلل نفسي فرنسي‬

‫نشهد اليوم تحولات معرفية و تقنية لم يشهد التاريخ لها مثيلا إذ المجتمعات المعاصرة رغم تفاوتها بلغت‬

‫درجة من التقدم المادي توحي بحالة من السعادة الظاهرة للعيان و المعروضة بشكل حسي ‪ ,‬حيث أن الحضارة‬

‫المعاصرة حق ّقت ضربا من النمو الكمي و الوفرة الإنتاجية و النهم الإستهلاكي الشيء الذي يشي بأتراكسيا تنبؤ‬

‫براحة نفسية و حالة رضى عن ما أنتجه الإنسان ‪ .‬ل كن هذا التضخم المادي قابله فقر روحي و معنوي عميق‬

‫وجدب من المعنى و افتقار لقيم نوعية تشتد حاجة الناس إليها مع كل طفرة علمية و تقنية مما يجعلنا نرصد شكلا‬

‫مكث ّفا للحضور الديني يجعله من المطالب الإنسانية الماسّة‪ .‬و مثل هذه المفارقة في سياقنا التار يخي تدعو إلى‬

‫التساؤل‪:‬‬

‫• ما وظيفة الدين اليوم ؟‬

‫• بماذا نعل ّل الحاجة إلى مدوّنة دينية ؟‬

‫• هل الدين تعبير عن مرض أم أن التخلي عن الوظيفة الروحية هو الذي يؤدي إلى المرض ؟‬

‫• ما أحقي ّة الإدّعاء بأن للدين وظيفة نفسية فحسب ؟ و متى يتحول الدين إلى خطر على التواصل ؟‬

‫للدين وظيفة حقيقية لا تختلف عن الوظائف البيولوجية ( الجنسية ) أو العرفانية ( المعرفة ) أو الحركية‬

‫( الفعل في الطبيعة لصالح الإنسان )‪.‬‬

‫الوظيفة الروحية ‪:‬‬

‫• مقام الحياة و حالة وجود‪.‬‬

‫• الروحاني مقام الحياة لأنه يحتل موقعا في الحياة النفسية‪ .‬وهو حالة وجود نظرا لقدرته على التأثير‪.‬‬

‫• الوجود الإنساني و الوعي الإنساني في حالة إنفتاح على كل أشكال الوجود البيولوجي و المعرفي و النفعي‬

‫و الروحي مما يعني أن الإنسان في حاجة إلى الدين‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ما يؤكد حاجة الإنسان إلى الروحاني هو‪:‬‬

‫• وجود الد ّين دوما ( توجد مجتمعات بلا علوم و لا تقنيات ل كن لا توجد مجتمعات بلا ديانة )‬

‫• موجود في كل مكان‪ :‬الوجود في المكان يستوجب فهما روحيا له‪ .‬أي تفسير للمكان بفضل الد ّين‪ ,‬فالد ّين‬

‫رؤ ية للمكان وآلية للتكيف معه‪.‬‬

‫• يوجد في حالة كُمون على الأقل‪ :‬أي أن الأفراد حتى وإن لم يمارسوا أشكالا من التدي ّن فإن الد ّين موجود‬

‫فيهم بالقوة و كامن في طبيعتهم ← تأكيد الحاجة الفطر ية للتدين ← التدين مطلب غريزي و فطري‬

‫و حاجة يقتضيها الوجود الإنساني في العالم‪.‬‬

‫ل الممارسات الإنسانية جزئية‬


‫ج ّ‬
‫• الدين آلية تحق ّق‪ :‬فالكائنات الدينية أو البشر المتدينون كائنات متحققة لأن ُ‬

‫و تستجيب لبعد وحيد من أبعاد الإنسان أما الد ّين فهو تفسير كل ّي و شمولي للإنسان و العالم لذلك يكون‬

‫الإنسان في حاجة إليه ←الإنسان كائن التفسير و التفكير الشمولي و الكل ّي و الد ّين مطلبه الكل ّي و الشمولي‬

‫لذلك يستجيب لطبيعة الإنسان‪.‬‬

‫يقدم مايار حجة إستقراء تؤكد أن كل المجتمعات و الحضارات هي ّأت مدوّنة دينية و روحية‪.‬‬

‫المدونة الدينية و الروحية ‪:‬‬

‫هي إستجابة لرغبة الإنسان في التفسير و الفهم و إنقاذ الظواهر من العدم و تفسير المرئي باللامرئي و لها وظيفة‬

‫نفسية أساسية تخلق توازنا للفرد و للمجموعة و أداة تواصل مع الآخرين‪ .‬وهي أداة تماسك و توحيد إجتماعي‬

‫و حماية المجتمعات من الإندثار و التلاشي و حماية الفرد من الإضطراب النفسي ‪.‬‬

‫يستبعد مايار أطروحتين وهــــماــ‪:‬‬

‫‪ -‬أطروحة ماركس‪ :‬المتمثلة في الإقرار بأن الدين أفيون الشعوب و هو زفرة المخلوق المضظهد وهو روح عالم لا‬

‫روح فيه ← فالدين من منظور المادية التار يخية هو آلية إيهام و تخدير تستعملها الطبقات المهيمنة إقتصاديا من‬

‫أجل تبرير إستغلالها للطبقات المضطهدة وهو إيديولوجيا تحتمي بها الطبقات الضعيفة من أجل تبرير واقعها‬

‫التعيس إنه تعبير عن وعي شقي بالعالم و عن وعي مقلوب يركن إلى الإستسلام و يحو ّل طبيعة الصراع من‬

‫صراع ضد الآخر إلى صراع ض ّد الذات ‪.‬‬

‫‪ -‬أطروحة فرويد‪ :‬المتمثلة في الإقرار بأن الدين عصاب جمعي أي شكل من الإضطراب النفسي الجماعي المتمث ّل‬

‫في عدم القدرة على التكيف إذ يماثل فرويد بيم المتديّن و العصابي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫المتديّن – العصاب الديني ‪-‬‬ ‫العصابي ‪Nérvrose‬‬

‫شخصية مرضية تكابد واقعا لا يرضيها‬ ‫شخصية مرضية تشكو من عدم القدرة على‬

‫لا تستطيع التكي ّف مع واقع لا يحقق رغباتها‬ ‫التكيف مع واقعها‬

‫تعيش صدّا إزاء ميولاتها و تفر ّ من واقع لا‬ ‫تجد صدّا من طرف الواقع‬

‫يرضي إلى ضرب من الخيال الديني و الفرار‬ ‫الواقع لا يرضي رغباتها و مضاد لها‬

‫الجماعي إلى عالم إفتراضي( الآخرة )–العزوف‬ ‫تفر ّ من واقع لا يرضي على دنيا الخيال‬

‫عن الحياة و استبدالها بحياة خيالية منتظرة‬ ‫تعيش الخيال على أنه واقع‬

‫و إعداد سبل النجاح لحياة أخرى مفارقة –‬ ‫لا تستطيع العودة إلى واقعها‬

‫الإنفصال عن الواقع‬ ‫تفقد صلتها بالواقع‬

‫←الدين تعبير عن مرض جماعي هذا ما يراه فرويد ‪.‬‬

‫بالنسبة ل مايار هاذين الكاتبين لم يدركا سوى الوجوه السلبية للسيطرة مثلما وجد في كل إنجاز إنساني ‪ +‬لم يعترفا‬

‫برغبة الأفراد و المجتمع في التديّن ‪.‬‬

‫في نظر مايار يجب تنمية الوظيفة الدينية ‪ +‬غياب تنمية هذه الوظيفة الروحية لدى الفرد تسبب في اظطرابات‬

‫و اختلالات نفسية‪ .‬فعدم توفر مدوّنة دينية و عدم تنمية الرغبة في التديّن و ضرب الوظيفة الدينية يؤدي إلى‪:‬‬

‫* الذهان – ‪ ( - Psychose‬مرض نفسي يتميز باضطراب عام في الوظائف العقلية كالإدراك و الحكم‬

‫و الإستدلال و يصاحبه عادة إضطراب عميق في السلوك و الشخصية مما يحدث تهيؤات لدى المر يض )‬

‫* الهوس – ‪ ( :- L'hallucination‬حالات متقط ّعة من ضياع العقل ‪ +‬التأث ّر الشديد و الإنفعال‬

‫و الإندفاع ‪ +‬سرعة الإنتقال من موضوع إلى آخر مما يؤدي على الوهن كما في حالة الهوس الإكتئابي )‪.‬‬

‫المكاسب ‪:‬‬

‫الدين أداة تواصل و نظام رمزي ضروري للفرد و للمجتمع‪.‬‬ ‫•‬

‫الروحاني قدرة على التكي ّف و لقاء الآخر‪.‬‬ ‫•‬

‫الإخلال بالوظيفة الروحية هو إخلال بتوازن الذات و المجتمع‪.‬‬ ‫•‬

‫هناك حاجة فطر ية ‪ /‬طبيعية إلى التديّن‪.‬‬ ‫•‬

‫‪57‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الإنسان لا يوجد في العالم بشكل وحيد و لا يحقق وظيفة وحيدة‪.‬‬ ‫•‬

‫لــكن يمكن الإعتراض على هذه المقاربة بالملاحظات التاليـــة‪:‬‬

‫قد يتحول الدين فعلا إلى حالة ع ُصاب جماعي و هوس ‪ +‬قد يكون الدين خطرا على التواصل حين نعتقد‬ ‫•‬

‫أن مدوّنتنا الدينية على حق و دين الآخر باطل‪.‬‬

‫الديّن بقدر ما يحققه من إشباع نفسي و توازن إلا أنه قد يتحول إلى سبب إنغلاق و رفض حضاري للآخر‬ ‫•‬

‫حين لا ندرك أن الديّن واحد أي أن الوظيفة الروحية متماثلة و ك ُلي ّة لدى البشر ل كن التديّن مختلف ‪ +‬يجب‬

‫التمييز بين مضمون الديّن وهو كل ّي و شكل التديّن وهو جزئي‪ .‬و رغم ذلك يظل الديّن صورة للعالم‪ .‬فما الصورة‬

‫؟ و كيف تكون الصورة نظاما رمزيا للعالم ؟‬

‫الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -2‬ت عـــدد الأنظــمـــة الـــرمـــز يــة‬

‫ج‪ -‬النظام الرمزي للأسطورة ‪:‬‬

‫روجــي قــــاـــرودي ‪... - 1913 :‬‬

‫كلم ّا طرحت مسألة التمييز بين الأسطورة و العلم إلا و تكر ّر القول أن العقل هو خط الفصل بين ما هو‬

‫علمي و ما هو أسطوري و في ذلك ما يفترض أن الخطاب الأسطوري يتمي ّز باحتكامه إلى الخرافة و غياب‬

‫العقل و استبعاد المنطق و الفشل في التفسير و عدم الجدوى و المنفعة بحيث تكون الأسطورة التعبير الأمثل‬

‫عن غياب القدرة و عن العجز في مواجهة الواقع الطبيعي و الإنساني‪ .‬غير أن تاريخ الإنسانية وواقعها سرعان ما‬

‫يكشف عن تهافت هذا الحكم ليكشف أن الأسطورة لم تنشأ إلا ّ إستجابة لحاجة إنسانية إلى التفسير و الرغبة في‬

‫الفهم و السعي إلى التكي ّف مع الواقع و لتمث ّل رؤ ية للعالم و تحقيقا لمطمح الإنسان إلى المعرفة و التواصل‬

‫و إزاء هذا الوضع الحائر في تقدير قيمة الأسطورة يصبح من غير الممكن إجتناب التساؤل ‪:‬‬

‫• ما المقصود بالقول ‪ " :‬الأسطورة رؤ ية للعالم " ؟‬

‫• إذا كانت الأسطورة إنشاءا إنسانيا فأي منزلة يحتلها الإنسان داخل تصو ّر أسطوري لل كون ؟‬

‫‪58‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• أي علاقة يقيمها قارودي بين العلم و الأسطورة هل هي الرغبة في التفسير السببي أم السعي إلى إيجاد‬

‫تمث ّل موحّد و منسجم للعالم ؟‬

‫• ما حاجة العقل اليوم إلى الأسطورة إذا كان العقل نفسه قد تحو ّل إلى أسطورة بسبب التطور العلمي‬

‫و التقني ؟‬

‫يؤكد قارودي أن الأسطورة شكل من أشكال التواصل الرمزي الخيالي بين الإنسان و الإنسان و بين الإنسان‬

‫و العالم ‪.‬‬

‫فهي لذلك تمث ّل رؤ ية الإنسان لعالمه و لذاته وللآخر أي للغير‪ .‬إنها تمنح العالم دلالته و للوجود الإنساني قيمته‬

‫و معناه و تمث ّل الأسطورة مشروع تحرر من المعطى الحس ّي المباشر من أجل إنشاء واقع خيالي يستجيب‬

‫لحاجيات الإنسان في التفسير و الفهم و الفعل‪ .‬إنها تمث ّل تجاوزا لمعطيات التجربة المعيشة لل كشف عن‬

‫السببية التي تقودها لهذا تلتقي الأسطورة مع العلم من حيث الوظيفة و هي الرغبة في التفسير السببي ‪.‬‬

‫الأسطورة رؤ ية للعالم ‪:‬‬

‫" الأسطورة هي الشكل الذي يكشف عن إقتحام المُفارق في حياة الإنسان في لغة الخيال و وفق تصو ّر كل‬

‫عصر "‪.‬‬

‫• الرؤ ية ‪ :‬هي التصو ّر للعالم أو ال كيفية التي يدرك بها الإنسان عالمه و ي ُكسب عالمه معنى فالعالم يكتسب‬

‫قيمته و معناه من خلال الرؤ ية ←لا يوجد شيء خارج رؤيتنا له ‪ .‬فهي تمنح القيمة و المعنى وهي شاملة‬

‫و الوجود‬ ‫لكل جوانب وجود الإنسان إنها تصو ّر حول الذات ‪ ,‬تصو ّر حول الآخر ‪ ,‬تصو ّر حول العالم‬

‫‪.‬‬

‫←الرؤ ية نظر ية تفسير ية أي منظومة فكر ية و رمزية تشمل المواقف و التصورات و الأحكام التي يمتل كها‬

‫الإنسان حول عالمه ‪ +‬الرؤ ية إجتماعية فهي ت ُتعلم داخل جماعة إجتماعية‪.‬‬

‫وظيفة الرؤ ية ‪:‬‬

‫• تحديد منزلة الإنسان و منحه مرتبته في ال كون ‪.‬‬

‫• طر يقة مثلى للوجود و الفعل‪ :‬أي فعل أو ردّ فعل يحتاج إلى موقف و تصو ّر و حكم ‪ ,‬فالرؤ ية تق ي يم ‪.‬‬

‫• البناء المتدرج للإنسان‪ :‬أي أنها نمط من الوعي يقوم على إستحضار كل ما يتجاوز التنظيم العقلي للعالم‪.‬‬

‫• الأسطورة مشروع‪ :‬أي طر يقة في التمل ّص من المعطى و التعالي عليه و استباق الواقع من أجل العمل‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• تبرير السائد أو الإحتجاج عليه و محاولة تغييره‪.‬‬

‫• تجاوز معطيات التجربة المعيشة من أجل الوقوف على السببية المحددة للواقع ‪ +‬تجاوز ما هو حس ّي لإنشاء‬

‫واقع ذهني و خيالي ‪ +‬إنشاء نشيط للعالم ‪.‬‬

‫• الأسطورة تشبه العلم من حيث الرغبة في التفسير بالأسباب و تجاوز الحس ّي نحو معقولية تفس ّر الواقع‪.‬‬

‫• للرؤ ية وظيفة رئيسية هي الفهم و التفسير أي إخراج الظواهر الطبيعية و الإجتماعية من حالة اللافهم إلى‬

‫حالة الفهم أي إنقاذ الظواهر من العدم ‪ +‬توجيه السلوك و الفعل وفق ذلك الفهم فهي ( فهم ‪ +‬فعل‬

‫) ←كل الرؤى تؤدي نفس الوظيفة ‪.‬‬

‫• الحاجة إلى الرؤ ية فطر ية من أجل الإستمرار في الوجود و الحفاظ على البقاء فالوجود الغريزي يميل إلى‬

‫إنتاج رؤ ية العالم فالفطري هو الحاجة إلى الرؤ ية أما مضمون الرؤ ية فهو مكتسب‪.‬‬

‫الأسطورة و العلم ‪:‬‬

‫ثمة بين العلم والأسطورة شبه في الوظيفة فكلاهما يمث ّل سبيلا إلى العالم المتخفي الممتزج بالوقائع المحسوسة‪.‬‬

‫• العلم و الأسطورة يلبيان حاجة الإنسان إلى التفسير وكلاهما تفسير سببي ‪ +‬كلاهما يضفي معنى على الوجود‬

‫‪ +‬كلاهما يتجاوز المعطى الحس ّي المباشر ‪ +‬إنشاء العالم ‪ +‬المساعدة على العمل و التأثير في العالم ‪.‬‬

‫نقد ‪ :‬ل كـــن يجب رسم الحدود بدق ّة بين ‪:‬‬

‫الوعي العلمي‬ ‫الوعي الأسطوري‬

‫قابل للتجس ّد و العودة إلى الواقع للفعل فيه‬ ‫الأسطورة غير قابلة للتجس ّد‪ -‬لا تستطيع العودة‬

‫يقبل النقد و المراجعة‬ ‫إلى الواقع للفعل فيه ‪ -‬تفتقر إلى البعد التجريبي ‪-‬‬

‫أداته البرهان و التجربة‬ ‫لا تقبل النقد و المراجعة‬

‫رؤ ية منفتحة ‪ +‬تار يخي‬ ‫أداتها الإقناع دون برهان ‪ -‬منغلقة ‪ -‬ثابثة ‪ -‬تقوم‬

‫على المخي ّلة‬

‫← رغم الإختلاف فهما نظام تفسيري للعالم يفسر المرئي باللامرئي و يمك ّن من التكي ّف و الفهم و التفسير‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -2‬تــعــدّد الأن ظـــم ة الــرمــز يـــة‬

‫د‪ -‬النظام الرمزي للصورة ‪:‬‬

‫غــي ديــبــور كاتب و سينمائي فرنسي ‪1994-1931 :‬‬

‫إذا سلّمنا بأن الخطاب الفلسفي قوامه العقل فإن نمط التفكير الفلسفي دأب على معاداة الصور و ظل‬

‫مدفوعا بنزعة رفض الصورة أو الإيكوكلاسم ‪ Icoclasme‬و الإرتباط بما هو مجر ّد و غير حس ّي ‪ ,‬إذ ما يحدّد‬

‫الفلسفة جوهر يا هو تجاوز الحس ّي نحو النموذج المتحكم فيه و استبعاد الصورة للوقوف على الجوهر ‪ .‬مثل هذا‬

‫التمش ّي دفع إلى رفض أداة إنتاج الصور و هي المخي ّلة إذ ُّأعتبر الخيال و لمدة طو يلة ضربا من الخروج عن العقل‬

‫و اعتُبرت المخي ّلة مجنونة البيت و مطرودة من حقل الحكمة‪ .‬غير أن ما يمي ّز مجتمعنا المعاصر هو تنو ّع أنظمة‬

‫التواصل و طغيان الصورة كقدرة على اختراق العقل و توجيه الرغبات و التحكم في الميولات لما تمتل كه من‬

‫إمكانيات تأثير ية ومن وظائف دال ّة تربط بين نسيج من المعلومات و توحّد الشكل بالمعنى و تعب ّر عن نسق‬

‫تواصلي إنحرف تحت تأثير الإقتصاد الليبرالي إلى شقاء و حو ّل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة بحيث صرنا‬

‫إزاء مجتمع فرجة و مشهد‪ .‬مثل هذه المفارقة في السياق التار يخي بين نمط من الخطاب العقلي و المجر ّد الرّامي‬

‫إلى الحقيقة و بين التواصل الرمزي القائم على توظيف الصورة يدعو على إثارة القضايا التالية‪:‬‬

‫• ما قيمة الصورة‪ ،‬أهي منتجة للمتعة و التسلية و سبب سعادة أم هي أداة إستعمال؟‬

‫• كيف تكون الفرجة رؤ ية كلي ّة للحياة و لماذا تكون الصورة إستبعادا معمّما و سلوكا منو ّما ؟‬

‫• إذا كانت الصورة تشك ّل خطرا على الوعي الإنساني و تؤول إلى حصة ألم فما السبيل إلى التحر ّر من‬

‫هيمنة الصورة ليستعيد الإنسان ذاته ؟‬

‫الفرجة تصوير إيديولوجي للعالم وزرع لأنماط جديدة من العلاقات و تغيير في الب ُنى الإجتماعية و النفسية‬

‫من أجل خدمة أغراض إقتصادية و سياسية‪.‬‬

‫• إن الصورة تقنية جديدة في السيطرة على الإنسان و تشييئه إذ هناك علاقة تناسبية بين تراكم البضائع في‬

‫المجتمع و ما يتبعه من تراكم الفرجات‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• الفرجة نظام رمزي إيديولوجي و الصورة إحدى أنفذ الأجهزة الإيديولوجية المعاصرة‪.‬‬

‫• تمث ّل الصورة بعدا رمزيا يحمل دلالة تحتاج على تأو يل خصوصا و أنها قد تحو ّلت إلى سلطة عكس التصو ّر‬

‫السائد الذي يرى في الصورة متعة و تسلية‪.‬‬

‫المفهوم الشائع للفرجة ‪ :‬يعتبر التصو ّر الشائع أن الصورة ‪:‬‬

‫• لذة حسية و نمط من الإبهار المحر ّك للخيال و الدافع إلى الحياة و المشبع للبصر‪.‬‬

‫• و سيلة ترفيه و تثقيف‪.‬‬

‫• نزوع إلى إظهار العالم المستعصي أو البعيد عن إدراكاتنا عن طر يق مختلف الوسائط البصر ية‪ .‬أي أن‬

‫الصورة تحقيق لعالم مرغوب و غير ممكن‪.‬‬

‫• تعيين للحلم أي تحو يل العالم الهوامي إلى عالم مدرك حسيا‪.‬‬

‫• الصورة تقر ّب من الناس عواطفهم و إحاسيسهم و طموحاتهم وواقعهم المعيش فالصورة ذاكرة الإنسان‬

‫و ذكراه و منشوده‪.‬‬

‫• الصورة تثبيت للزمن من أجل العودة إليه في كل لحظة و مسك للحركة أي الصورة إيقاف لصيرورة الزمن‬

‫ل لحركته من أجل إسترجاع اللحظة وفق إرادتنا‪.‬‬


‫وش ّ‬

‫• الإقرار بوجود مبالغة في استعمال الصورة نتيجة لتقنيات البث الم كث ّف للصورة إذ هناك تخمة في مستوى‬

‫الفرجة‪ .‬الفرجة في نظر عامة الناس عرض لمجموعة من الصور‪.‬‬

‫الأهداف المعلنة للفرجة ‪:‬‬

‫يقدّم صن ّاع الصورة و حرفييها القائمين عليها و المستفيدين منها على أنها‪:‬‬

‫• أداة توحيد للبشر و للفكر ومؤسسة توعية و ظيفتها تنمية الوعي ( الوعي الصحي – البيئي –الحضاري‪) ...‬‬

‫• أداة إعلام و تحيين للمعارف‪.‬‬

‫• أداة تواصل و اكتشاف للآخر و انفتاح على المختلف في مستوى ثقافي و هي وسيلة إكتشاف و مكاشفة‬

‫و تثقيف و مثاقفة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• هي جزء من المجتمع و قد تم تصويره و التعبير عنه بشكل صادق ووفيّ فالصورة تعكس الواقع أو هي وفق‬

‫تعبير غي ديبور ‪ " :‬إعادة إنتاج الأصل أو تمثيله "‪ .‬إن الصورة متعة و ل ذة حسي ّة و ذهنية و تواصل مع‬

‫الآخر و اكتشاف للمغاير البعيد في المكان والزمان‪.‬‬

‫الأهداف الحقيقية و المضمرة لمجتمع الفرجة‪:‬‬

‫إن الأهداف المضمرة التي تختفي خلف ما هو معلن للإستعمال الم كث ّف للصورة يفهم على أن الصورة ‪:‬‬

‫** ترتبط بشروط الإنتاج المعاصر ‪ :‬أي أن الرأسمالية توظ ّف الصورة من أجل إنتاج الشقاء أي تسعى إلى‬

‫تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح و ذلك بتحو يل الإنسان إلى منتج ومستهلك و تحو ّل المردودية إلى غاية توظ ّف‬

‫من أجلها كل القدرات الذهنية و الجسدية فالمبدأ أو الغاية ليس الإنسان بل المردودية و لتحقيق ذلك يتم‬

‫إيجاد علاقة بين مبدأ المردودية و مبدأ اللذة‪.‬‬

‫فإذا كان ماركس يعتبر أن العامل يمكن أن يستمتع و بشكل حر خارج دائرة العمل فإن ماركيز كما ديبور‬

‫يعتبر اللذة مقصاة داخل العمل و خارجه‪ .‬حيث أن المجتمع الرأسمالي إبتكر تقنيات المراوغة النفسية و الإجتماعية‬

‫عبر المراقبة و تقوم الصورة بوظيفة التصرف في الوقت و تبديده من أجل مراقبة الإنسان كما تقوم بالتلاعب‬

‫بميول الإنسان و توجيه رغباته إذ أن وسائل الإعلام و السينما و الإشهار ووسائل الترفيه لها وظيفة قمعي ّة أي‬

‫أن ثقافة الجماهير تقوم على توجيه إيديولوجي و جعل ما هو موجود مبر ّر و للصورة هدف سياسي يتمثل في‬

‫ملاحقة الإنسان في أوقات فراغه فلم يعد الفراغ و اللهو قيمة إنسانية بل أصبحت الصورة أداة تعبئة سياسية‬

‫و حصة ألم ووسيلة لإفشال مبدأ اللذة ‪.‬‬

‫الصورة أداة إغتراب تحو ّل الواقع إلى إستيهام بحيث يصبح الواقع لا لذة فيه و هذا ما يعنيه غي ديبور بقوله ‪" :‬‬

‫إن حياة المجتمعات التي تسود فيها شروط الإنتاج المعاصر تعلن عن تراكم ضخم من الفرجات " فالفرجة هي‬

‫ترسانة من الصور المؤثرة على المشاهد و هي ظاهرة تشمل مختلف المجالات المعنية بالإستهلاك‪.‬‬

‫** إبعاد المعيش المباشر و تحو يله إلى تمث ّل ‪ :‬أي أنها ضرب من التجريد الذي ينفي الواقع ويحمل المُشاهد‬

‫إلى عالم خيالي و افتراضي ي ُرضي رغباته بشكل وهمي و يفصله عن واقعه ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫** الوحدة التي تحق ّقها الصورة ليست إلا ّ لغة رسمية للإستبعاد المعمّم ‪ :‬هذا الإستبعاد المعمّم الذي هو وجه‬

‫من الإغتراب له سمة الإنتشار يطال كل الطبقات و الفئات و الأعمار و أصناف العقول و له قوة تأثير ية بالغة‬

‫تُستمد من الأساس الإقتصادي الذي يطو ّع الصورة و الكلمة لتشكيل الوعي الزائف و هو تأثير يغري الحشود‪.‬‬

‫الفرجة كإستبعاد معمّم هي فعل مؤسساتي و ممنهج له صن ّاعه و أدواته و غاياته و استراتيجيته القائمة على التحكّم‬

‫في سلوك الناس و إبعادهم عن حياتهم الواقعية و إلهائهم بالصورة و جعلهم يتماهون مع صور نموذجية تتصدّرها‬

‫ل الإنسان في الآخر و يغدو مسلوب الوعي و الإرادة ‪.‬‬


‫فرجات إشهار ية للنجوم و المشاهير فيح ّ‬

‫** تنويم السلوك ‪ :‬حيث أن المجتمع الفرجوي يمتلك كل الوسائل للفعل في الأفراد و توجيههم و السيطرة عليهم‬

‫و تنميط ذوقهم و تضليل فكرهم إذ بقدر ما تعتمد الفرجة أنواعا من الصور المبهرة و أشكال الترفيه المغر ية‬

‫يتحو ّل الإنسان إلى مستهلك للبضائع و السلع و إلى مستهلك للأوهام و مكر ّرا لنمط من السلوك الآلي الخالي من‬

‫المقاصد و الغايات و المفتقر إلى معنى و هذا مظهر من مظاهر التنويم أي فقدان الإرادة وغياب الذات‬

‫و الإنسياق اللاواعي وراء الصورة و السلعة أي إستبعاد الناس بشكل معمّم ‪.‬‬

‫** إنتاج الوعي الزائف ‪ :‬ثمة وجه ملتبس لوضعية الصورة فالصورة في الأصل تبل ّغ و تحدث تواصلا إلا أنها‬

‫تحو ّلت إلى عنصر تأثير مفسد للتواصل الحقيقي و أداة إنقطاع للتواصل ‪ .‬فصلت الإنسان عن الآخر و عزلته‬

‫عن ذاته و عن عالمه و عن قضاياه الحقيقية و أغرقته في نمط من التصورات الخادعة واللذة الزائفة التي حطّمت‬

‫وعيه و قيمه و أنتجت الصورة إستدلالات زائفة و مشاكل زائفة ‪.‬‬

‫** خداع البصر ‪ :‬الفرجة تجد في البصر أفضل الحواس لأن حاسة البصر هي الأكثر خداعا ‪ +‬هي الحاسة‬

‫الأكثر تجريدا و هي تتناسب مع رغبة المجتمع الإستهلاكي في التجريد و الخداع ‪← .‬هناك تناقض بين الأهداف‬

‫المعلنة و الأهداف الحقيقة للصورة ‪:‬‬

‫الأهداف الحقيقية المضمرة للصورة‬ ‫الأهداف المعلنة للصورة‬

‫ترتبط بشروط الإنتاج المعاصر‪.‬‬ ‫تقدم الصورة ذاتها كأداة توحيد‪.‬‬

‫إبعاد المعيش المباشر و تحو يله إلى تمثل‪.‬‬ ‫جزء من المجتمع و تعب ّر عنه‪.‬‬

‫موضع للبصر المخادع و للوعي الزائف‪.‬‬ ‫هي القطاع الذي يتمركز فيهكل نظر و كل وعي‬

‫الوحدة التي تدعيها الصورة ليست إلا لغة رسمية‬ ‫الفرجة مجموعة صور‪.‬‬

‫للإستبعاد المعمّم‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫هي علاقة إجتماعية بين أشخاص تتوسطهم الصور‪ +‬هي‬ ‫الفرجة شطط في استعمال نمط بصري معيّن‬

‫رؤ ية للعالم و قد تجل ّت على نحو موضوعي ‪ +‬تصبح هذه‬ ‫‪ +‬استبدال الواقع بصور بسيطة‪.‬‬

‫الصور البسيطة نفسها كائنات واقعية وبواعث فعالة‬ ‫أداة إصلاح للسلوك ووسيلة يقظة و لها وظيفة‬

‫لسلوك منو ّم ‪ +‬تجد في البصر الحاسة الأكثر تجر يدا‬ ‫توعو ية و تثقيفية‪.‬‬

‫و الأكثر خداعا‪ .‬تعميم التجريد ‪ +‬الصورة نقيض الحوار‬ ‫نزوع إلى إظهار العالم المستعصي على الإدراك‬

‫و الرأي‬ ‫و ترفض التمث ّل المستقل و الفكر الحر ّ‬ ‫المباشر عن طر يق و سائط متخصّ صة‪.‬‬

‫الشخصي و تعيد الفرجة بناء ذاتها كلما إصطدمت بتمث ّل‬ ‫الفرجة تنم ّي الحوار و تعز ّز التواصل و التمث ّل‬

‫مستقل للعالم‪.‬‬ ‫المستقل‪.‬‬

‫يخي ّل إلينا أن دلالة الصورة تتمثل في تجديد الإحساس بالحياة و المتعة و تحطّم حواجز الزمان و المكان‬

‫و تربط الإنسان بمن يجاوره و يستأنس به في و حدته ‪.‬‬

‫ل كن الصورة حاملة لدلالة مكث ّفة في الغالب إيديولوجية تخدم مصلحة سياسية و اقتصادية‪ ← .‬الصورة رؤ ية‬

‫للعالم أي انها بناء نظري يستجيب لحاجيات إيديولوجية و يهدف غالبا إلى‬

‫• تغييب الوعي ‪ +‬تنميط الفكر‪ +‬التفكير وفق نفس الأساليب ‪.‬‬

‫• جعل الناس يطرحون نفس القضايا المغلوطة و يصلون إلى نفس الحلول الزائفة ‪ +‬يعيشون وفق نفس النمط‬

‫و التصو ّر ‪ +‬يعيدون إنتاج السائد ‪ +‬تز يف الوعي بموجب صناعة الخيال و الحلم و الأوهام و الإستيهامات‬

‫كبدائل زائفة عن الواقع ‪.‬‬

‫• تنجح الصورة في غسل الأدمغة‪.‬‬

‫• التنويم والإيحاء الجمعي‪.‬‬

‫• تتّجه الصورة إلى أعماق الإنسان و تخاطب لاوعيه و تغوص في خواطره الحميمية و تجعله أسير إشتقاقات‬

‫غير أصلية و غير ضرور ية‪.‬‬

‫• تحو يل البشر إلى كائنات مستهل كة‪.‬‬

‫• قتل الحوار أو على الأقل تعطيله و الحياد به عن مقاصده ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الحوار ‪ :‬الوظيفة الأصلية للحوار تبادل الأفكار و المشاعر و المصالح و تحقيق مطالب قيمي ّة ‪ +‬تصحيح و تعديل‬

‫المواقف ‪ + Rectification‬الإنكشاف للآخر و اكتشافه ‪ +‬كسر العزلة ‪ +‬المشاركة ‪ +‬لقاء وجه الآخر‬

‫الإيتيقي ‪ +‬تجاوز الوجه الإستيتيقي للآخر و للذات من أجل النفاذ إلى الوجه الإيتيقي ‪.‬‬

‫← مع التوظيف الم كثف للصورة يصبح الحوار= الصمت كضرب من الغباء المعمّم والمبرمج (الحوار=‬

‫أصمت)‪.‬‬

‫مخاطر سلطة الصورة ‪:‬‬

‫• تستعبد الناس ‪ +‬تدمّر الحوار ‪ +‬سلب الإنسان كل قدرته على ردّ الفعل‪.‬‬

‫• تغ ييب الإرادة ‪ +‬العجز عن الإختيار و على إتخاذ موقف حرّ‪.‬‬

‫← سلب البشر إرادة تغيير واقعهم‪.‬‬

‫• محو الخصوصية لأنها تخاطب م ُشاهدا إفتراضيا لا واقعيا إذ لا تراعي الفروق في السنّ أو الإنتماء أو التكوين‬

‫أو المعتقد ومن هذه الجهة فهي توحّد الناس ل كنه توحيد تدجيني يخدم الصورة الجديدة للعولمة في وجهها‬

‫السلبي حيث يتم توحيد العقول و افقارها و جعلها تنطق بنفس اللغة أو بنفس اللغو ‪.‬‬

‫شروط إمكان التحرر من هيمنة الصورة ‪:‬‬

‫لتجازو الأزمة ‪ ,‬أزمة تسل ّط الصورة يجب التسلح بالنقد إذ يقول كانط ‪ " :‬حيث توجد أزمة يوجد نقد"‪.‬‬

‫التعامل نقديا مع الصورة أي تفكيك بُنى الصورة من أجل فهمها و تأو يلها و التفطن لأبعادها و رهاناتها‬

‫و قطع الطر يق أمام غاياتها و رفض إعتبارها حقيقية تعلو على كل نقد‪.‬‬

‫• النظر إليها على أنها ليست مجرد صورة للعالم و إنما هي إنتاج للإستعباد و الإغتراب و تعميم له ‪.‬‬

‫• الحوار ‪ :‬أي لقاء الآخر و تبادل الحديث معه في إطار من التكافئ القيمي‪.‬‬

‫• إنتاج عادات جديدة ‪ :‬تنمية حواس أخرى غير حاسة البصر و العودة إلى الإصغاء إلى العالم في شكله‬

‫الإيروسي و إحياء التحالف القديم بين الإنسان و الطبيعة و تنمية الرغبة في الإنتاج الذاتي للصورة عبر الكتابة‬

‫و السفر و لقاء الآخر ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• إنتاج أنماط جديدة من العلاقات‪ :‬تقوم على الح ّد من الخضوع للصورة و التسل ّح بالشكّ إزاء صناعة الفرجة‬

‫و الغوص في الحياة الواقعية و الإرتباط بواقع محدّد من أجل إثرائه و إغنائه في علاقة مع الآخر و من‬

‫أجله لأن الوجود مع الآخرين هو وجود من أجل الآخرين‪.‬‬

‫حـــدود الـــتــواصـــل الـــرمــــزي‬ ‫‪.III‬‬

‫‪ -1‬الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــغــــة‬

‫أ‪ -‬اللغة محدودة بإكراه بنيوي و إيديولوجي ‪:‬‬

‫مــورلــوبــون ت ي‬
‫مـــيــشاـــل فـــوكـــو‬
‫رولان باـــرط‬

‫نعني بالحدود البنيو ية تلك الحدود المتعلقة ببنية اللغة ذاتها‪ ،‬و بمعزل عما يلحقها أثناء الإستعمال‪ ،‬أي تلك‬

‫السلطة التي تنشأ عن اللغة‪ ،‬أو تلك المشكلات في الفهم التي تعوق التواصل من داخل اللغة و بمعزل عن إرادة‬

‫البشر المتكلمين‪ ،‬فالحدود البنيو ية المقصود بها عدم قدرة اللغة أو الصورة كلغة ذاتيا بقطع النظر عما أريد لها من‬

‫خارجها‪ ،‬إذ اللغة تفصلنا عن الواقع و عن الآخر‪ ،‬و كذلك الصورة أيضا‪ ،‬فهي شبح لا تعكس نظام الأشياء‬

‫و إنما تعكس نظام إفتراضيا صار أكثر واقعية من الواقع ذاته‪.‬‬

‫‪ -‬ففيما تتمثل الحدود البنيو ية و الإيديولوجية للغة؟‬

‫إذا كان برغسون يؤكد على عجز اللغة و يدعو إلى الحدس أو التعاطف كبديل عن اللغة من أجل ال كشف عن‬

‫حقيقة الأشياء (العالم) وحقيقة الذات فإن مورلوبونتي يحول مجال البحث الفلسفي للغة نحو علاقة الذات‬

‫بالآخر أي التواصل‪.‬‬

‫في مستوى علاقة الذات بالآخر التواصلية نقف على أطروحتين متضادتين وهما ‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫موقف مورلوبونتي من التواصل (الفينمنولوجيا)‬ ‫موقف سارتر من التواصل (الوجودية)‬

‫‪ -‬إن التواصل ينطوي على مقاصد و كل ذات تعتبر‬ ‫‪ -‬إما أنا أو الآخر‬

‫الآخر عرضيا‪ ،‬فهناك موضعة و كل منا ينظر إلى‬ ‫‪ -‬الأخر هو الجحيم‪.‬‬

‫الآخر كأداة و يختزله في بعده المادي‪ ،‬الجسدي‪،‬‬ ‫‪ -‬الأخر ينظر إلى كشيء‪.‬‬

‫الإقتصادي‪ ،‬و كل ذات تعتقد أنها محصنة من‬ ‫‪ -‬كل لقاء بين الذات و الآخر يقوم على النفي‬

‫تأثير الآخر‪ ،‬ل كن رغم ذلك فالتواصل ممكن وهو‬ ‫و التشييء و تحو يل الآخر إلى موضوع أي الموضعة‪.‬‬

‫ممكن بفضل الموضعة‪ ،‬أي أن تحو يل الآخر إلى‬ ‫‪ -‬الموضعة متبادلة‪.‬‬

‫موضوع هو الذي يضعنا في علاقات تواصلية‬ ‫‪ -‬فعل التواصل مشوب بالحذر و التحفظ‪.‬‬

‫← الموضعة سبب للتواصل‬ ‫‪ -‬النظر إلى الآخر بوصفه أقل قيمة من الذات فهو‬

‫← رفض التواصل هو شكل من أشكال التواصل‬ ‫موضوع عارض موسوم بالسلبية‪ ،‬مما يؤدي إلى الصراع‬

‫و ممارسة النفوذ إلى أقصى حدوده‪.‬‬

‫← التواصل أداة هيمنة و تسلط و تشييئ و نفي‬

‫و موضعة و إقصاء‪.‬‬

‫‪ -‬الحل حسب سارتر هو واجب التحرر من الآخر أي‬

‫رفض الآخر من أجل تشكل الذات‪ ،‬فالآخر ليس‬

‫ضرورة لتشكل الذات بل عائق‬

‫← إذا كان سارتر يعتبر أن علاقتي بالآخر تؤدي إلى الإقصاء و النفي و التشيء و الموضعة‪ ،‬فإن مورلوبونتي‬

‫يقر بأن علاقتي بالآخر تثري ذاتي‪.‬‬

‫← التواصل ممكن في كل الحالات رغم إستراتيجيات الهيمنة‪ ،‬فالنظرة السلبية للآخر لا تحطم التواصل بل‬

‫تضعفه فقط‪.‬‬

‫← يعتبر مورلوبونتي أن نفي الآخر كليا أمرا مستحيلا ‪ +‬لا توجد علاقة فيها نفوذ تام لطرف وحيد بل النفوذ‬

‫متبادل ‪ +‬الآخر لا يتحول إلى موضوع إلا إذا ساهم هو في ذلك‪ ،‬أي أن الذات تعرض ذاتها كموضوع‪ ،‬فالمشكل‬

‫‪68‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ليس في الآخر كما يعتقد سارتر بل في بنية الذات‪ ،‬كذات منفتحة على الآخر‪ ،‬تحتاجه و ترغب فيه‪ ،‬و في أن‬

‫تكون موضوعا له‪ .‬و بفضل ذلك تدخل الذات في علاقة مع الآخرين‪.‬‬

‫← في نظر مورلوبونتي ينطوي التواصل على مواجهة و هيمنة ولا وجود لعلاقات خطابية لا تعكس علاقات‬

‫سلطو ية و رغم ذلك فالتواصل ممكن‪.‬‬

‫←إن كل ذات مسؤولة عن وضعها و الذات تميل إلى موضعتها‪.‬‬

‫‪ -‬فما الذي يهدد التواصل عند مورلوبنتي؟‬

‫إن معوقات التواصل هي‪ :‬التعصب‪ +‬الأحكام المسبقة ‪ +‬الإعتقاد في إمتلاك الحقيقة ‪ +‬رفض الإختلاف‪.‬‬

‫← لضمان التواصل يجب التحرر من الأحكام المسبقة ‪ +‬قبول الآخر رغم إختلافه ‪ +‬إعتبار أن الأفكار ليست‬

‫حقائق و قيمنا ليست معيارا لذا لا يجب أن نجثم على إختلافنا بل من الضروري الإنفتاح و التعاطف مع‬

‫الآخر أي الإستعداد لفهم رؤ ية الآخر للعالم‪.‬‬

‫‪ -‬هل يكتفي القول بوظيفة التواصل البريء ؟‬

‫‪ -‬أم أنه يتحول إلى سيطرة و إكراه؟‬

‫يعتقد فرويد أن اللغة تستجيب لحيل اللاوعي في الإفلات من المراقبة‪ ،‬فاللغة عرض للأفكار الكامنة و الهوامات‪،‬‬

‫و اللاوعي يستخدم دهاء وحيلا و مهارات ليجد من خلال اللغة لذة في إنتهاك الرقابة‪ .‬فالرغبة الملحة و الحادة‬

‫هي التي تدفع اللغة إلى التعبير بشكل غريزي فاللغة تعبر عن الغائب و الحاضر معا‪ :‬الغائب هو طفولة الإنسان‬

‫و الحاضر هو متطلبات الجسد‪.‬‬

‫إن الرغبة اللاواعية تسكن اللغة‪ ،‬و تميل اللغة إلى إخفاء الغريزة بهدف إشباع لا واع لها‪ ،‬فاللغة إشباع هوامي‬

‫للرغبة و آنتهاك للرقابة في نفس الوقت و هي تحو يل لمعاناة الجسد التي لا يمكن الاستجابة لها‪.‬‬

‫يتضح أن اللغة ليست أداة تواصل فحسب بل هي حافلة بالرغبة وهي حافلة بالسلطة أيضا‪ .‬فاللغة لها علاقة‬

‫بالنحن أي المجتمع وهي تلعب دور الضبط و المنع ففي اللغة إخضاع و إكراه يمتزجان بلا هوادة‪ .‬فكيف نفهم‬

‫ذلك؟‬

‫إنه بوسعنا أن نعتبر أن أصل اللغة هو بمثابة فعل من أفعال السلطة‪ ،‬صادر عن أولئك الذين لهم الغلبة و الهيمنة‪.‬‬

‫و قد تفطن فوكو لوجود علاقات بين السلطة و اللغة إذ يعتبر مؤلف كتاب "نظام الخطاب" أن السلطة ليست‬

‫جهازا مركز يا بل هي مشتتة و موزعة دون إقتصاد‪ ،‬فهي مبثوثة و لها دوائر صغرى لا متناهية يسميها فوكو‬

‫‪69‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫بميكرفيز ياء السلطة‪ ،‬و بهذا المعنى لا تفهم السلطة إلا إنطلاقا من تخومها أي من هذه الدوائر الصغيرة و يبدو أن‬

‫اللغة هي أكثر التخوم إغراء‪ .‬إننا ندرك أن أية سلطة تقوم على القهر و المنع و الضبط‪.‬‬

‫‪ -‬فهل اللغة قاهرة؟‬

‫‪ -‬كيف نخرج من عبودية اللغة؟‬

‫يبدو الخطاب في ظاهره شيئا بسيطا ل كن أشكال المنع و الإكراه التي تلحقه تكشف علاقاته الخفية بالرغبة‬

‫و السلطة‪ ،‬فالخطاب ليس ما يخفي أو يظهر الرغبة‪ ،‬بل هو أيضا موضوع الرغبة‪ ،‬فالخطاب ليس ترجمة للصراعات‬

‫فقط بل هو ما نصارع من أجله‪ ،‬إذ هناك صراع داخل المجتمع حول إمتلاك الخطاب‪ ،‬إن اللغة هي ما نصارع‬

‫من أجله لنصارع به‪ ،‬فالآخر لا يتم ضبطه إلى عبر اللغة‪.‬‬

‫فاللغة هي ما نمتل كه لنمتلك به‪ ،‬إن الخطاب سلطة نحاول إمتلاكها و الإستيلاء عليها‪.‬‬

‫إن اللغة لا تقول فعلا ما تقول فالمعنى الذي نفهمه و الذي يبرز مباشرة ليس إلا معنى ناقصا‪ ،‬أو هو معنى‬

‫إشاري قد يختزن أو يؤدي معنى سطحيا‪ .‬لذا يجب الحفر في المعنى الأقوى أي المعنى التحتي‪ .‬مع فوكو نحاول‬

‫أن نفاجئ تحت الكلمات خطابا قد يكون أكثر جوهر ية‪ .‬إن اللغة تريد أن تقول غير ما تقول‪ ،‬إذ هناك إرادة‬

‫في الإخفاء و التمو يه‪ ،‬فاللغة لا تشير إلى مدلول محدد بل هي تفرض تفسيرات أي تأو يلا ملائما‪.‬‬

‫و لأنه مازال يوجد تحت كل كلام نسيج من التفسيرات العنيفة يجب الخروج من تفسير الدلالة إلى تفسير‬

‫تفسيرها‪ ،‬أي أننا نغوص في مدلول المدلول‪.‬‬

‫إن فضل فوكو يتمثل في تفجير المعنى الأعمق و ليس العميق و عمل فوكو هذا‪ ،‬قد إمتد إلى كل المجالات مما‬

‫حدا ببارط إلى مقاربة اللغة داخل الحقل الأدبي في كتابه "الدرجة الصفر للكتابة" و في محاضرة بعنوان "درس‬

‫السيميولوجيا" فكيف يعلمنا بارط الخروج من عبودية اللغة؟‬

‫إن السلطة حسب بارط جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع و يرتبط بتاريخ البشر ية في مجموعه و ليس بالتاريخ‬

‫السياسي وحده‪ ،‬هذا الشيء الذي ترتسم فيه السلطة و منذ الأزل هو اللغة أو بتعبير أدق هو اللسان‪.‬‬

‫إن كل لسان تصنيف و كل تصنيف نفي و يعتبر بارط أن كل تصنيف ينطوي على نوع من القهر‪ .‬إن اللغة‬

‫تتعين لا بما تخول قوله بل بما ترغم على قوله‪ .‬فاللغة بطبيعة بنيتها تنطوي على علاقة إستيلاب قاهرة‪ ،‬فليس‬

‫النطق أو الخطاب تبليغا كما يعرف عادة‪ ،‬إنه إخضاع‪ .‬فاللغة توجيه و إخضاع معممان‪ .‬إن اللغة لا تنحصر في‬

‫ما تبلغه‪ .‬بل هي تتجاوز ما تقوله فاللسان ليس رجعيا أو تقدميا‪ ،‬إنه بكل بساطة فاشي‪ ،‬ذلك أن الفاشية ليست‬

‫‪70‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الحيلولة دون الكلام و إنما هي الإرغام عليه فاللغة بمجرد أن ينطق بها حتى و إن ظلت مجرد همهمة فهي تصبح‬

‫في خدمة سلطة معنية‪.‬‬

‫إنني بمجرد أن أتكلم أكون في نفس الوقت سيدا و مسودا‪ ،‬سيدا على الآخر المتقبل‪ ،‬مسودا من طرف اللغة‪.‬‬

‫ففي اللغة إذن خضوع و سلطة يمتزجان بعنف‪ ،‬فالحر ية ليست مجرد القدرة على الإفلات من قهر اللغة هذه‬

‫السلطة و إنما عدم إخضاع أي كان‪ ،‬فلا مكان للحر ية إلا خارج اللغة‪ ،‬ل كن اللغة البشر ية لسوء الحظ لا خارج‬

‫لها‪ ،‬إنها انغلاق و لا نفلت منها إلا عن طر يق المستحيل‪ .‬إما بفضل التصوف الذي يخلو من أي كلام و الذي‬

‫يقوم ضد شمولية اللغة و تبعيتها و طاعتها أو بفضل تمرد يشبه الخلخلة المبتهجة الموجهة ضد إستعباد اللغة أي‬

‫تمز يق رداء اللغة الرجعي بتعبير جيل ديلوز‪.‬‬

‫و ل كننا لسنا فرسان إيمان و لا الإنسان المتمرد لذا يعتقد بارط أنه لم يبق لنا إلا مراوغة اللغة و خيانتها خيانة‬

‫ملائمة‪ ،‬و هذا التلافي و الهروب‪ ،‬أو هذه الخديعة أو الخيانة السحر ية التي تسمح بتجاوز اللغة و تمز يق غشائها لا‬

‫تكون ممكنة إلا عبر اللغة نفسها‪ ،‬إن اللغة تفلت من اللغة‪ ،‬إنها تخونها إنطلاقا من الفن عامة و الأدب خصوصا‬

‫فالأدب لغة تحارب داخل اللغة‪ ،‬لأن القلاع الحصينة لا تفك إلى من الداخل‪ ،‬إن أصالة الفن لا تكمن في‬

‫محتواه السياسي فحسب و لا في صبغته الجمالية فقط بقدر ما تكمن في قدرة الفنان على خلخلة اللغة و التخلص‬

‫من عبودية الدلائل‪.‬‬

‫حـــدود الـــتــواصـــل الـــرمــــزي‬ ‫‪.III‬‬

‫‪ -1‬الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــغــــة‬

‫ب‪ -‬الل غ ة في مف ترق الت واصل و النفوذ ‪:‬‬

‫كلود حج ّاج ‪ :‬ولد بتونس في ‪1932‬‬

‫يرفض كلود حجاج أن يختزل معنى اللغة في بعدها الصوري أي إعتبارها نظاما نحو يا بلاغيا يتجاهل‬

‫مضمونها المعرفي و الحضاري و القيمي إذ اللغة في نظره ليست آلة أو شكلا أو أداة للإستعمال بل هي مجموعة‬

‫بنى مضمونية تتماشى مع روح المتكلم و تعب ّر عن القدرة المعرفية و تح ّدد كيفية نظرة المجتمع لذاته و لعالمه‬

‫‪71‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وتعب ّرعن علاقات إنسانية تتجاوز البعد الصوري للإستعمال مما يجعل اللغة ليست مجرد كلام بل هي كلام و فكر‬

‫في آن واحد ‪ .‬لذلك يجب الإشتغال على مستو يين في النظام الرمزي للغة‪:‬‬

‫* قدرة اللغة ‪ :‬تكمن قدرة اللغة في ‪:‬‬

‫• إبتكار العالم و تنسيقه وفق المقولات اللسانية‪.‬‬

‫• اللغة إكساب العالم معنى فهي عقلنة العالم‪.‬‬

‫• تمنح الإنسان القدرة على التفاعل مع العالم والآخر‪.‬‬

‫• اللغة مضمون يحمل فعاليات فكر ية‪ ,‬معرفية‪ ,‬قيمية و دينية ‪...‬‬

‫• اللغة نقل للإنسان من العزلة إلى التواصل فهي دوما تستهدف الآخر إما بالإقناع أو الدحض فهي حوار‬

‫حتى و إن ظل الحوار صامتا إذ حتى رفض التواصل هو شكل من أشكال التواصل‪.‬‬

‫* حدود اللغة ‪ :‬تتمثل محدودية اللغة كبناء رمزي في ‪:‬‬

‫• عدم قدرتها على خلق الواقع فهي تخلقه وهميا أما واقعيا فهي عاجزة و لايمكنها أن تبدّل أمرا فهي تشير‬

‫لواقع توحي بتغييره كأن تشير إلى أزمة ل كنها لا تصنع واقعا جديدا فعليا و عمليا‪.‬‬

‫• اللغة إتقان لل كذب‪ :‬فهي بحكم بنيتها تعتمد المجاز و التشبيه و المبالغات و ضروب الإستعارة مما يجعلها‬

‫تز ي ّف الواقع ‪.‬‬

‫• اللغة لا تضمن الفهم بل بالعكس يمكن أن تؤدي إلى سوء الفهم نظرا لإلتباس الكلمات و قابليتها للإيحاء‬

‫و للتأو يل من طرف المتقب ّل كما أن اللغة يلحقها ضرب من التوظيف المفقد لأحقي ّته و المشكك في صدقها‬

‫و المؤدي إلى سوء الفهم‪.‬‬

‫• اللغة سلطة ‪ :‬فهي دائما في يد الذين يسعون إلى التحر يض على الفعل و المستفيدين من ذلك الفعل ‪ .‬فاللغة‬

‫ليست مل كي ّة جماعية بقدر ما هي حكر على الفاعلين و المنتجين للرأسمال الرمزي بتعبير بورديو و هي أداة‬

‫للتأثير و التوجيه و التبرير‪.‬‬

‫← إذا كانت اللغة أداة تسل ّط فيجب التظنّن إزاء و ظيفتها التواصلية و يجب الإعتراف أنها لم تعد تتنجز وظيفتها‬

‫الأساسية في التواصل بين البشر إذ أنها إستعاضت عن الحوار بالمونولوق و ارتدّت بالذات إلى ذاتها و أصبح‬

‫الكلام ليس هدفه لقاء الآخر بل مخاطبة الفرد لنفسه ‪ .‬و لتجاوز هذه الأزمة البنيو ية يدعو كلود حجاج إلى‬

‫الحوار كشرط أساسي لقيام علاقة مع الآخر علاقة إجتماعية و حضار ية أو حوار يضمن الفهم و التفاهم‬

‫‪72‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫والإفهام و يرقى بالذات من مستوى عزلتها و فرديتها إلى مستوى غير ي ّتها يجعلها تدرك قيمة الإحساس بالآخر‬

‫من أجله و الإستئناس به و تبديد اللافهم‪.‬‬

‫← إن اللغة تقف بين مفترق التواصل و النفوذ فهي من جهة قدرة على ربط الإنسان بالآخر وهي أداة تسل ّط‬

‫و عنف و إكراه‪.‬‬

‫حـــدود الـــتــواصـــل الـــرمــــزي‬ ‫‪.III‬‬

‫‪ -2‬الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــصورة‪.‬‬

‫ر يجيس ديبراي ( فرنسي ‪)... 1940‬‬

‫المقصود بحدود إيديولوجية تلك العوائق و العراقيل التي تحول دون لقاء الآخر أي تلك العوائق التي‬

‫تكون بفعل فاعل أو تلك الموانع التي تقف أمام أنظمة التواصل‪ ،‬فتحول دونها و تحقيق غايتها و تكون هذه‬

‫العوائق ذات طبيعة سياسية و مذهبية وترتبط بتصور حول الوجود و رؤ ية للعالم تتحدّد دينيا و أخلاقيا‬

‫و آجتماعيا‪ ،‬كما تقف المصلحة حائلا دون التواصل‪ ,‬بصفة عامة‪ ،‬كل ما يتعل ّق بالأفكار و الرؤى الجاهزة التي‬

‫تمنع التواصل‪.‬‬

‫‪ -‬فما الذي يجعل من الصورة أقوى حجة ؟‬

‫‪ -‬وما موقع الثقة في الصورة و ما الذي يدعو إلى الإعتقاد فيها كحقيقة؟‬

‫‪ -‬فيما تتمثل سلطة الصورة و من القائم على مراقبتها ؟‬

‫‪ -‬أي مخاطر تكمن في الخضوع إلى سلطة الصورة ؟‬

‫‪ -‬أليس من الضروري التسل ّح بوعي نقدي يسمح بتجاوز هيمنة الصورة أو كيف نخلع عن الصورة‬

‫جدارتها بالثقة ؟‬

‫أ‪ -‬في تعدّد مرجعيات الحكم أو تعدّد معايير الثقة ‪:‬‬

‫لكل مجال وسائطي معايير حكم خاصة به بموجبها نقبل حقيقة ما أو نرفضها إذ لكل حقل مقياس يسمح بقبول‬

‫الحكم كحقيقة فللحكم على الشيء صدقا أو كذبا ‪ ,‬صوابا أو خطأ ‪ ,‬حقيقة أو وهما أدوات ‪ .‬فما هي أداة كل مجال‬

‫وسائطي أو في من نثق ؟‬

‫‪73‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إن لكل مجال وسائطي أو لكل مجموع تقني و اجتماعي محددات لوسائل النقل و التنقل الرمزية و ينطوي على‬

‫أفكار متنوعة لها معايير للإعتقاد في الواقع ففي‪:‬‬

‫* عصر الخطاب‪:‬‬

‫‪ ‬الثقة فقط في الأفكار المعقولة‪.‬‬

‫‪ ‬رفض الحواس‪.‬‬

‫‪ ‬العقل وحدة مرجع معرفي و مرجع للثقة‪.‬‬

‫‪ ‬رفض الصورة و التسل ّح بنزعة كره الصور و التنك ّر للشبح و الظل‪.‬‬

‫* عصر الأشكال ‪:‬‬

‫‪ ‬الثقة فيما يبنيه العقل في معادلات ثابتة‪.‬‬

‫‪ ‬الثقة في الواقع المدرك عقليا كشكل هندسي‪.‬‬

‫‪ ‬رفض الصور و التصورات الجاهزة حول الواقع و الإعتقاد في واقع تبنيه الذات وفق نظام تكتشفه‬

‫عقليا‪.‬‬

‫‪ ‬الثقة في حقائق الذات كذات متماثلة معيارها التعقل و رفض الأفكار الغير واضحة و التي لم تخضع‬

‫للفحص العقلي‪.‬‬

‫‪ ‬الحقيقة الموثوق بها هي ما يتطابق مع واقع مرئي ل كن الرؤ ية لا تتخذ معنى حسي ّا بل معنى عقلي ّا‪.‬‬

‫‪ ‬نثق في الواقع كمرجعية ل كن ليس الواقع التلقائي العفوي بل الواقع الذي نظّمه العقل إنه نظام‬

‫العقل← معيار الثقة قياس ر ياضي عقلي يعود إلى واقع معقول و يدرك وفق معادلات ثابتة و دقيقة‬

‫و صارمة يحددها منهج يقوم على البساطة و الوضوح و التميز و البداهة ‪.‬‬

‫* عصر الشاشة ‪ : Videosphere :‬الإنتقال من المقروء إلى المرئي أو الصورة و النظر إلى ما لا يظهر بالصورة‬

‫على أنه مشكوك فيه و الإقرار بأن ما لا يمكن رؤيته لا يتمتع بأي وجود فلا نعير أهمية للألفاظ و الأقوال‬

‫و الأفكار ‪.‬‬

‫‪ ‬عدم الثقة في الأفكار‪.‬‬

‫‪ ‬رفض المنهج المؤدي إلى الحقيقة أي رفض التقي ّد بقواعد صارمة لقيادة الفكر مثل الوضوح و البداهة‬

‫و التمي ّز‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ ‬الإستغناء عن كل وسائل قيس الحقيقة ( المسطرة و البركار ) ‪.‬‬

‫‪ ‬معيار الحقيقة هو الصورة الجي ّدة ‪.‬‬

‫‪ ‬الصورة مرجع للحكم على الحقيقة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬فيما يجعل الصورة أقوى حج ّة ‪:‬‬

‫إعتبار الصورة المرجع الوحيد للحقيقة إذ حين يسأل أحدهم ‪ " :‬ما حج ّتك في ذلك ؟ " يجيب‪" :‬رأيت ذلك في‬

‫التلفاز"← إنقلاب في حكمنا و تصو ّرنا للصورة إذ كانت تدرك على أنها ضياع للعقل و سبب للخطأ و أداة وهم‬

‫فأضحت معيارا للصدق و أداة للحكم على الحقيقة ‪ ,‬فأصبحت الحقيقة = الصورة‪.‬‬

‫‪ ‬فقدان الكلمة سلطتها ‪ +‬التخل ّي عن تصديق الخطاب الم كتوب أو الخبر النابع من تعقل أو المستند إلى‬

‫أسلوب علمي‪.‬‬

‫‪ ‬الصورة تهيمن على العقول بيسر فتدفع بالتصديق إلى الحد الأقصى مستخدمة الإنفعال و الإبهار‬

‫و الإعجاب نظرا لما تحمله الصورة من إغراءات و ما تمارسه من سلطة و تنويم و مخاطبة اللاشعور في‬

‫المشاهد و الغوص في خواطره الأكثر حميمي ّة‪.‬‬

‫‪ ‬الصورة إخراس و إسكات إذ أمام منضدة المشاهدة نصمت و لا ندلي برأي ولا ندخل في حوار‬

‫فنصبح ضعيفي الحج ّة و نساق إلى التصديق لأننا نفقد القدرة على المقاومة و المقارعة فنسكت ومساحة‬

‫صمتنا فراغ تؤثثه الصورة و تحتل مساحة الفكر الشخصي و التمثل الحر و تطرد ما فك ّرنا فيه بمفردنا‬

‫و تربط في ذاكرتنا الفكرة بصورة و تكون أقرب للإسترجاع و أكثر تصديقا و أسهل‪.‬‬

‫‪ ‬الصورة أداة إعتقاد و ثقة ‪ :‬فحتى عندما نريد تفنيد رأي أو صورة فنحن ننجز ذلك بصورة أي حتى‬

‫فعل الرفض يتم بالصورة فهي أداة تصديق و تكذيب في آن واحد فالصورة تنتج الحقيقة و هي التي‬

‫تراجعها و تكذّبها و تستبدلها بحقيقة جديدة ‪.‬‬

‫فالمرئي لا يتم تفنيده بالحجج إنما يتم تعو يضه بمرئي آخر‪ :‬في نظام البصري أو الفيديوقراطية صار بإمكان المرء تجاهل‬

‫خطابات الحقيقة و الخلاص و إنكار الكل ّي والمبادئ العامة و ل كن ليس بإمكانه إنكار حقيقة الصور‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫← لغة الصورة ليست لغة العقل أو الحجة أو التجربة بل هي لغة الميول و الإحاسيس و الرغبات وفيها يتوقف‬

‫الكلام و الفهم و التفكير ‪ +‬غياب التفكير عند مشاهدة الصورة هو الذي يضفي عليها طابع القداسة و يمنحها‬

‫صدقها المفترض ‪.‬‬

‫← الصورة تمارس قيادة صارمة للعقول و الصورة كنظام سلطة تقو ّم نفسها على أنها بديهية‪.‬‬

‫← الصورة إيديولوجيا بل إيديولوجيتنا وهي إعماء‪ ,‬فالعالم الذي ترينا إياه هو ما تعمل على إعمائنا عنه و ما تحو ّل‬

‫بصرنا عنه فهي تجعلنا ننظر كي لا نرى أو تجعلنا نرى ل كي نعمى ‪ +‬تبدي الصورة حدّة في التخل ّص من الأفكار‬

‫فالصورة عدوّة الفكرة و الحقيقة‪ ,‬فبعدما كان العقل يقصي الصورة أضحت الصورة هي التي تقصي العقل فالصورة‬

‫إنكار للعقل و قصاص منه فهي تتخل ّص من الأفكار التي تسكن بؤبؤ أعيننا و هي تذهلنا ل كي تجعلنا لا نفكر‪ .‬إنه‬

‫ذهول لا يدفع إلى التفكير بل يبعدنا عنه‪.‬‬

‫ج‪ -‬مخاطر الخضوع لسلطة الصورة ‪:‬‬

‫‪ o‬معرفيا ‪:‬‬

‫إن الحضور الم كث ّف للصورة يكسبها قدرة على ممارسة قيادة صارمة للعقول‬

‫‪ +‬يفقد العقل القدرة على قيادة ذاته ذاتيا ‪ +‬يغي ّب المنهج الصارم المستند إلى قواعد البداهة‬

‫و المطابقة و الوضوح ‪ +‬الإستناد إلى معيار حس ّي هو البصر بما يقوم عليه من مخادعة علما و أن حاسة البصر‬

‫أفضل الحواس ملائمة للخداع ‪ +‬تغي ّب التفكير لأن الصورة تستمد قو ّتها من مخاطبة الخيال والإحساس‬

‫و الإنفعال ‪ +‬غياب كل تمث ّل مستقل للعالم بحيث لا نرى العالم إلا من زاو ية الصورة ‪ +‬تغييب النزعة النقدية‬

‫القائدة لكل تجديد و إبداع تحت تأثيرالإعتقاد في الطابع البديهي لما تقدمه الصورة ‪ +‬إعتبار الصورة حقائق‬

‫مطلقة ‪ +‬العجز عن النظر في حقيقة فعلية ‪ +‬ألفة الخطأ و الشبح و الظل والإنعكاس‪.‬‬

‫‪ o‬إيديولوجيا ‪:‬‬

‫الهيمنة على الإنسان ‪ +‬تحديد ذوقه ‪ +‬توجيه حكمه ‪ +‬أخذ كل جهد فكري من المشاهد‬

‫و سلبه إياه ‪ +‬نزوع الصورة إلى إستعباد الفكر ‪ +‬الإقامة في عالم الخيال و الهروب من الواقع ‪ +‬سلب الإنسان‬

‫القدرة على المقاومة‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ o‬أخلاقيا ‪:‬‬

‫عدم الإلتزام بواقعه الفعلي و العيني ‪ +‬فرض نموذج أخلاقي موحّد ومعمّم يطمس الإختلاف و يردّ ال كثرة‬

‫إلى الوحدة ‪ +‬الإمتثال لواقع لا قيمة فيه ‪ +‬عدم السعي إلى لقاء الآخر و التلذ ّذ بالعزلة و العيش في عالم إفتراضي‬

‫‪ +‬تحو يل لمفهوم السعادة من سعادة روحية إلى سعادة بضائعية ‪ +‬توه ّم المساواة في الإستهلاك والتخلي عن‬

‫المساواة بمعناها القانوني و الحقوقي و الإجتماعي ‪.‬‬

‫د‪ -‬سبل التحر ّر من هيمنة الصورة ‪:‬‬

‫إمكانات التحر ّر تتمثل في ‪:‬‬

‫‪ ‬الإنفتاح على تعدّد الأشكال الرمزية للتواصل و تنمية العقل النقدي و الوعي بالبعد الإيديولوجي للصورة‪.‬‬

‫‪ ‬التسل ّح بوعي شك ّي في مواجهة الصورة و القطع مع دغمائية الحقيقة المتأتية من الصور‪.‬‬

‫‪ ‬التعامل مع الصورة على أنها رسالة مغالطة لا تخلو من شراسة و النظر إليها على أنها غير بريئة و إدراك‬

‫أنها تريد سلب الإنسان قدراته الذهنية و استنزاف إمكانياته الإقتصادية و توجيه ذوقه و استبدال‬

‫قناعاته بخضوع لسلطة سياسية و اقتصادية و الوعي بأن الصورة إنتاج للشقاء وتأسيس لوعي مقلوب‬

‫يبدّد الواقع كمرجع و ينتصر لثقافة الشبح‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫خامتة ملسألة التواصل واألنظمة الرمزية‬

‫لم يكن بالإمكان قيام علاقة بين الإنسان و عالمه و بين الإنسان و الآخر دون و سائط رمزية مثل‬

‫اللغة و الصورة و المقدّس و الأسطورة‪ .‬و لمّا كانت الرمزية خاصية ممي ّزة للإنسان و لمّا كانت الشبكة الرمزية‬

‫ضرورة لمباشرة العالم الطبيعي و الإجتماعي فقد نجح الإنسان في تحو يل وجوده ووجود العالم إلى منظومة من‬

‫الرموز و العلامات تجل ّت في أشكال رمزية متعدّدة من حيث الشكل مت ّحدة من حيث الوظيفة وهو بذلك لم‬

‫يغير الواقع فحسب بل غي ّر واقعه و نظام حياته و نمط تواصله و خلق عالما جديدا هو من إنشائه و صنعه و أبدع‬

‫أدوات تواصل جعلته لا يقيم في عالم محسوس بل في عالم مجر ّد ‪.‬‬

‫ل كن لمّا كانت الرموز هي عالمه الأول تحو ّلت الرموز إلى أداة فصل و انقطاع عن العالم و عن الآخر فتم ّت‬

‫التضحية بالحقيقة من أجل العيش في الرمز و تحو ّل الإنسان إلى أسير لأدوات أنتجها و أصبحت آلاته التواصلية‬

‫آلهة تتحكم في مصيره و انقلب المصنوع سي ّدا على الصانع مم ّا يدعو إلى ضرورة العودة للحياة من خارج الأجهزة‬

‫الرمزية عل ّنا نتحر ّر من أوهام اللغة و الصورة و مغالطاتها و توظيفاتها الإيديولوجية فنقيم مع العالم و مع الآخر‬

‫علاقة عشقي ّة تتوحّد فيها الذات بإطارها أو علــّنا نشفى من مرض التصديق و الثقة فنحافظ على خصوصيتنا‬

‫داخل ثقافة كونية تنبؤ بموت الإختلاف و الإنتقال من الحديث عن الإختلاف كقيمة إلى الحديث عن‬

‫الإختلاف كأزمة فما طبيعة العلاقة بين الخصوصي و ال كوني ؟ ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ا لخصو ّ‬
‫صبة و الكونبةّ‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫متهيد إشكايل ‪:‬‬


‫واقع التنوّع و مشكل اهلويّـة أو إنقاذ الكوين أم إنقاذ أنفسنا‬
‫من الكوين ؟‬
‫‪ -‬ما حاجة ثقافة مخصوصة إلى الكل ّي و ال كوني ؟‬

‫‪ -‬ما فائدتها ؟ أي ما فائدة الخصوصي من الإرتقاء إلى الكل ّي ؟‬

‫‪ -‬هل هذه الفائدة أو هذا الحب للكل ّي ميل كل ّي؟ أي هل الميل إلى الكل ّي إختيار كلي أم هو ميل ثقافة ما؟‬

‫• ليس هناك ضرورة أو فائدة لثقافة في أن تنخرط في الكلي فالثقافة تنتج الكل ّي دون إرادة منها و دون برنامج‬

‫مسبق فالكل ّي ينتج أوّلا ثم يتم التفكير فيه ككل ّي إنه ليس إختيار حضارة ما و ليس مخططا ليصبح كليا‬

‫بل ينجز أو يصبح كليا بعد الإنجاز‬

‫• الواقع الرّاهن اليوم لا يشهد قم ّة و تأوّج الكلي بل الكلي اليوم يطرح العديد من المشاكل والدليل على ذلك‬

‫اننا نتحدّث اليوم عن أزمة العلم كعلم كوني و سياسيا نتحدث عن عدم ملائمة الديمقراطية لبراديقمات‬

‫إجتماعية‪.‬‬

‫• إختيار ال كوني و تسو يغ المفهوم كان إختيارا و تسو يغا غربيا أي أنه يعب ّر عن رغبة ثقافة ما في تحو يل قيمها‬

‫ماــ يطرح السؤال التالي‪:‬‬


‫ل تظن ّن و حيرة و م ّ‬
‫إلى مستوى ال كونية مم ّا جعل مفهوم ال كوني مح ّ‬

‫هل يجب أن ننقذ ال كوني أم ننقذ أنفسنا من ال كوني ؟‬

‫‪ -1‬فعلا يجب أن ننقذ الكليّ‪ :‬إذ الإرتقاء إلى الكليّ يحقق فوائد أهمها ‪:‬‬

‫أ‪ -‬فائدة حضار ية لل كوني‪:‬‬

‫لأن كل ثقافة تحتاج إلى نوع من الكليّ ولأن كل حضارة تحتاج إلى بعد كوني بمعنى أنها تحتاج إلى‬

‫قيمة معترف بها من طرف كل الحضارات ومن كل البشر‪ ,‬أي أن الحضارة تقوم على ضرب من القيم الكلية‬

‫التي بها توحد المجتمع و تعيد في كل مرة إمتلاك ذاتها و عالمها من جديد و التفاعل مع الواقع بفضل قيمها‬

‫الكلية ‪ +‬كل ثقافة تطرح نفسها كثقافة كلية أي كضرب من الإعتقاد في كل ّي يمكنّها من المحافظة على هو يتها‬

‫‪80‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫في مواجهة الهو يات الوافدة و المهددة أي أن كل ثقافة لابد تبلور تصورها للكل ّي الذي يسمح لها بالحفاظ على‬

‫خصوصيها باسم الكل ّي الذي تتمسك به و الذي يختلف عن كلي الثقافة المغايرة لها‪.‬‬

‫الإنسان كائن يتوق إلى المطلق و في فكرة ال كوني هناك فكرة المطلق لذلك تعمل كل حضارة على إنتاج مفاهيم‬

‫كلي ّة و الإستفادة منها كمطلق تسعى إليه ‪ +‬ال كوني ضرب من التوافق و التوافق هو توافق آراء وفق تعبير‬

‫هابرماس مما يجعل الأفراد متعاقدين على جملة من القيم الكلي ّة‪.‬‬

‫هناك حاجة إلى مطلق مت ّفق حوله من طرف الجميع بمعنى أن الحضارة تحتاج إلى ما هو كوني تعتقد فيه‬

‫و مطلق حول ذاتها و رغبة في تجاوز ذاتها و التعلق بصورة ترغب فيها حول ذاتها‪.‬‬

‫هناك رغبة في تقاسم الكليّ لأنه مفروض علينا ليس لأنه إختاره الجميع بل لأنه في صالح الجميع ‪ +‬هناك‬

‫أنواع من ال كونية يمكن أن تتجل ّى كرغبة في التواجد و التعايش و الإعتراف بثقافات مغايرة نلحظها خصوصا‬

‫في الثقافات الملائمة أو المجتمعات اللائقة بتعبير راولز التي تعترف بالتنوع وليست لها رغبة في التوسع ‪ .‬هذه‬

‫الفائدة من ال كونية تعب ّر عن السعي إلى تطوير الرغبة في العيش معا وفق كوني صالح ‪.‬‬

‫ب‪ -‬فائدة أخلاقية لل كوني ‪:‬‬

‫إن ال كوني حين يتعل ّق بالقيم و يرتبط بأفق تأسيسي ينتج إيتيقا كلية على الشكل الذي يدعو إليهكانط‬

‫بحيث يفعل الإنسان و كأن إرادته ستصبح قانونا عاما لكل الناس أي إختيار قاعدة للسلوك و إمتحان إمكانية‬

‫إرتقاء الفعل إلى الكل ّي لأن القانون الأخلاقي قانون كل ّي و كوني و لا يستعمل بإستثناءات إذ ال كوني في‬

‫مستوى أخلاقي هو الشكلي ّة ‪ Formalisme‬التي لا تعتبر الأخلاق حسنة أو سيئة بل هي قانون نابع من العقل‬

‫ي‪.‬‬
‫الذي مهما كان ضعيفا يدرك الكل ّ‬

‫إن ال كونية أخلاقيا تعني النظر إلى الذات ليس فقط كذات بل كمشرّع يحق ّق الكل ّي و يعتبر ال كوني متمث ّلا‬

‫في إدراك الذات لذاتها في كل إنسان واحترام الإنسانية ليس في الآخر بل في الذات م ّما يعني أن ال كوني ّة ليست‬

‫فكرة الآخر بل هي فكرة الإنسانية‪.‬‬

‫ج‪ -‬فائدة سياسية لل كونية ‪:‬‬

‫تختزل في مفهوم الضيافة ال كونية القائم على تقدير قيم الحضارات الأخرى و التعايش مع الخصوصيات‬

‫المغايرة من أجل بلوغ سلم دائمة وأبدية وإنشاء ميثاق أو عهد سياسي عالمي ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -2‬من الواجب أن ننقذ أنفسنا من الكلي ‪:‬‬

‫إذ يشك ّل الكل ّي تهديدا للخصوصية يتمثل فــــي ‪:‬‬

‫• يقول ميشال فوكو ‪":‬إننا لا نحيا إلا ّ في الخصوصي" في حين أن الإنخراط في الحداثة يطلب تنازلا عن‬

‫الخصوصي و اعتباره أدنى من لحظة تدّعي تجسيد العقل في كونيته و تقوم بترسيم خارطة للقيمة‬

‫ل على ذلك من كتابات فاكو ياما‬


‫و للمارسة تصن ّف الإختلاف في خانة الهمجية و البربر ية و ليس أد ّ‬

‫عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي ينظ ّر لتثبيت قيمي ودلالي يح ّط من شان الرموز المغايرة للعقل‬

‫الغربي في شكله الليبيرالي ‪.‬‬

‫• تحو ّل الكل ّي إلى تعميم مضلل و استبعاد معم ّم للفكر الحر و للتمثل المستقل‪.‬‬

‫• إكساب ال كوني مضمون حس ّي يتأسس على البصر المخادع و يحو ّل الجسد إلى لغة رسمية و يسعى إلى‬

‫الترويج إلى كوني إستهلاكي حو ّل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة ‪.‬‬

‫• إدّعاء العلم و التقنية الجمع بين الحكمة العملية و الحكمة النظر ية فأصبح ال كوني يصاغ علميا إذ كان العلم‬

‫معترفا بحدوده النظر ية في تفسير الظواهر يهتم فقط بطرح سؤال كيف و ينتج معرفة ناجعة ل كنه اليوم‬

‫أصبح يضطلع بنمذجة الواقع فيبنيه بناءا حرّا و إنشاءا مقصودا داخل سياق إقتصادي و سياسي يجيب عن‬

‫سؤال كيف و لماذا و لأجل ماذا مم ّا جعله ميتافيز يقا ينتج الحكمة في أقصى درجاتها النظر ية و في أقسى‬

‫درجاتها العملية أي صار العلم فهما يدّعي ال كونية و صارت نمذجات العلم نمذجات للواقع الإجتماعي‪.‬‬

‫• فراق وجه النحن و الحلول في وجه الآخر المطلق بحيث لم نعد نشبه ذواتنا بل نشبه الآخرين إذ عوض‬

‫أن نطلب الوجه الإيتيقي للآخر صرنا وجه الآخر مم ّا أفقر التنوع ثرائه و ردّ ال كثرة إلى الوحدة فصرنا لا‬

‫ننم ّي الإختلاف بل ننم ّي التماثل و التشابه و بذلك إندثرت الخصوصيات وما دعوة إيمانو يل ليفيناس إلى‬

‫النظر إلى الآخر كمطلق إلا تعبيرا عن إنشاء فلسفة إيتيقية فاقدة لكل أسس أنطولوجية تقوم على أساس‬

‫ديني يرى الإنسان تجريدا أو دلالة بلا سياق أو وجها إيتيقيا بلا وجه إستيتيقي او صورة مجر ّدة بلا تاريخ‬

‫و خارج كل فضاء خصوصي ‪.‬‬

‫• هناك رغبة في استعمال ال ك ّلي كمطية في أهداف هيمنة واضحة بحيث نشهد توظيفا أداتيا و استعمالا للكل ّي‬

‫يتم ّ بسببه إعتماد ال كوني كوسيلة لإستغلال الشعوب و التدخل في سيادتها و ممارسة وصاية عليها‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• كل ثقافة تسعى إلى الهيمنة لها فائدة في إنتاج الكلي و الإنخراط فيه و الثقافة المهيمن عليها و الضعيفة ليس‬

‫لها أي فائدة في الإرتقاء على الكلي إلا إذا ارتأت أن تتحول إلى سوق إستهلاكية و قاعدة عسكر ية للمواجهة‬

‫المتقدمة مع أعداء الثقافة المهيمنة‪.‬‬

‫• ال كوني سبب صراع إذ عندما يلتقي كليين في مرحلة تار يخية كل منهما يريد الهيمنة يؤدي ذلك إلى صراع‬

‫فتنشأ ثقافة تريد نشر قيمها ككلي و تنشأ ثقافة مضادة تريد إنتاج الكلي‪ ،‬فيحدث صراعا يتخذ غالب الأحيان‬

‫شكله السياسي و العسكري‪.‬‬

‫• ال كونية تدعو إلى الإتفاق ل كنها لا تجد ما تتفق حوله لأن ال كوني مطلق و ليس هناك اتفاق حول المطلق‪.‬‬

‫• كل ثقافة تصنف الثقافة الأخرى أو الخصوصيات المغايرة في مرتبة أدنى إذ الإنسان يقف في حدود ثقافتها‬

‫و ترى في الآخر البربر ية عينها‪.‬‬

‫• هناك ثقافات تنظر لخصوصية ثقافية بمنظار التعظيم بحيث تعلي من معايير و قيم ثقافة الآخر و تقلل من شأن‬

‫خصوصيتها مما يفرز إمحاقا ثقافيا يفترض نظرة تراتبية للحضارات و إقرارا بالتفاضل في حين لا تفاصل بين‬

‫الثقافات‪.‬‬

‫• الرغبة في تأسيس ال كوني عبر البحث في التناسب و التشابه في حين ال كونية تفترض الإختلاف‪.‬‬

‫• هناك ارتباط بين الكلي و العولمة أو تجاور بين عولمة السوق و البضاعة والتبادل و القيم أيضا مما جعلنا نمر من‬

‫إقتصاد السوق إلى مجتمع السوق‪.‬‬

‫• هناك توظيف لل كوني من أجل تمرير الحقوق و هناك إعتراض على هذا الإستعمال الأداتي لل كوني‪ ،‬لأن‬

‫كل إستعمال له أدوات و أكثر أدوات إستعمال ال كوني اليوم هي التلطيف أي تلطيف و تور ية تناقضات‬

‫العولمة‪ .‬إذ يريد مسوقي مفهوم ال كونية إقناعنا بأن رغم التفاوت الاقتصادي و تضارب المصالح و إستغلال‬

‫الشعوب القو ية للشعوب الأقل قدرة إقناعا بوجود إشتراك قيمي و تبادل للحوار‪ .‬كأن ير يد هابرماس أن‬

‫يقنعنا بأن الإنسانية المنقسمة تتحاور و تلتقي‪ .‬أو كأن ينطلق راولز من فلسفة كلية لينتهي إلى تراجع معتبرا‬

‫أن الكلي لا يتحقق إلا في الثقافات الديمقراطية أو فيما أسماها بالثقافات الملائمة‪.‬‬

‫↔ يجب أن ننقذ أنفسنا من ال كوني لأن الحضارة دخلت في موت مع العالمي وفق تعبير نيتشه‪.‬‬

‫• العولمة اليوم تعيد إنتاج ذاتها كشيء فاقد للمعنى و فقير للقيمة مستنجدة بالكلي و مدعية تأسيس القيم‪.‬‬

‫‪ -‬فماهي القيم التي تستطيع أن تتواضع عليها الإنسانية اليوم ؟‬

‫‪83‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫اليوم هناك فقدان للقيم و للمعنى و يتنامي الحديث اليوم عن ضياع المعنى إذ لم تعد الإنسانية تعتقد‬

‫في القيمة‪ .‬لقد أضحى لدينا قليل من الرموز و ما يهيمن اليوم الدال و ليس المدلول رسالة لا تحيل إلى‬

‫حقيقة أو قيمة أو شئ‪ ،‬بل تحيل على ذاتها أي تعيد إنتاج ذاتها أو هي سياق بلا دلالة حيث أصبح‬

‫الإنسان خارج الزمان و المكان و بعيدا عن الأخر أي خارج كل إحداثية إننا في زمن ضياع الإحداثيات‬

‫و زمن إفراغ الوجود و إخلائه من الدلالة‪.‬‬

‫• ال كوني تعبير عن الموت إذ هناك مفاهيم خصوصية و حقوق خصوصية عندما تكون كلية فإنها تضعف‬

‫و تصبح ضحلة و تخرج بنا من أفق الفردية‪.‬‬

‫← ليس لأننا نستعمل نفس الأدوات فإننا نعيش في نفس الثقافة بل الأدوات هي الحد الأدنى لثقافة‬

‫الإنسان العالمي بتعبير بودر يار ‪ +‬يجب التعامل نقديا مع مفهوم الكلي مثلما تفعل تفكيكية داريدا في نقدها‬

‫للحداثة كمفهوم كوني ‪ +‬الخصوصية لا تحيا إلا إستنادا إلى ذاتها‪.‬‬

‫إن العلاقة بين الخصوصي و ال كوني لا تفهم بمنظور ية الصراع فقط أو الحوار فحسب بل بمنظور ية الإشكال‪،‬‬

‫طالما أن الصراع يفترض تكافئ القوى و الموازين‪ ،‬في حين أن الحضارات غير متكافئة‪ ،‬بل هناك تطور لا‬

‫متكافئ في مستوى تقني و معرفي و تواصلي‪ .‬و طالما أن الحوار يفترض أرضية مشتركة في حين لا تجد‬

‫الإنسانية ما تشترك فيه‪ ،‬و الحوار يفترض تساو بين أطرافه‪ ،‬في حين أن الأطراف الحضار ية غير متساو ية‪.‬‬

‫لذلك فالإشكال هو المنظور ية الملائمة لأن الإشكال هو مالا نبلغ فيه حلا نهائيا‪ ،‬و ما يبقى مفتوحا‪ ،‬و ما‬

‫لا يؤدي إلى نتيجة‪ .‬فالصراع عادة ما يحسم لصالح الغالب و الحوار يحسم لصالح الحجة الأفضل‪ ،‬أما الإشكال‬

‫فهو القضية التي لا نصل فيها إلى مجاوزة نهائية للمشكل‪ ،‬لذلك لا يوجد صراع حضارات فحسب كما لا‬

‫يوجد حوار حضارات فقط بل هناك إشكال يقتضي صياغة أسئلة دقيقة أدناها ‪:‬‬

‫‪ -‬ما دلالة الخصوصية ؟‬

‫‪ -‬كيف يمكن تجديل العلاقة بين الخصوصي و ال كوني؟‬

‫‪ -‬و بأي معنى يكون الكلي مطلبا أخلاقيا و سياسيا يتجاوز صراع الهو يات المخصوصة؟‬

‫‪ -‬و ما جنس العلاقة القائمة بين كونية حقوق الإنسان و خصوصية القيم الثقافية؟‬

‫‪84‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫في دلالة الخصـــوصية و في معاــني الهو يـــــــة‬ ‫‪.I‬‬

‫إر يـــك فــــ روم‬


‫عالم نفس و فيلسوف ألماني‬
‫‪1980-1900‬‬

‫إذا كان السؤال من أنا ساءلنا ضمنه ماهية الإنسان و حضوره في العالم و قدرته على التمثيل الرمزي‬

‫و التواصل و كيفية التحول من إدراكه لذاته كمعطى مباشر و مستقل إلى الوعي بذاته ضمن علاقة مع الغير‬

‫و إذا كان سؤال مشكل التواصل و تعدد الأنظمة الرمزية يطرح معضلة وحدة الإنسانية و تكثر رموزها التواصلية‬

‫و كيفية تحول الرمز من قدرة على الوساطة إلى قطع التواصل تحت تأثير المحدودية البنيو ية للرمز و نظرا لاقترانه‬

‫بتوظيفات إيديولوجية تجعلنا نشك في الاعتقاد فيه كمعيار للثقة و كمقياس للصدق فإن مشكل الخصوصية‬

‫و ال كونية يستدعي التفكير في الإنسان ككائن ثقافي يتجاوز سؤال من أنا نحو سؤال من نحن؟ و يستوجب‬

‫ال كشف عن العلاقة الملتبسة بالهو‪ /‬الهم بحيث من الضروري النظر إلى العلاقة خارج منظور ية صراع الحضارات‬

‫كما يطرحها هادنق تون و بعيدا عن منظور ية الحوار كما يعينها قارودي لأن الصراع يفترض تكافئ المتصارعين‬

‫و يفترض غالبا يحسم لصالحه الصراع في حين أن الثقافات غير متكافئة و الصراع الحضاري لا يحسم بالضرورة‬

‫لصالح الغالب‪ ،‬كما أن الحوار يفترض تساوي أطراف الحوار و حسم الحوار عبر الحجة الأفضل غير أن الحضارات‬

‫لا تتحاور في إطار من المساواة و يقوم الحوار لا على الحجة بل على القدرة على التأثير و امتلاك آليات المغالطة‬

‫المتمثلة في وسائل الاعلام و الصورة‪ .‬لذلك فمن الضروري مقاربة مشكل من نحن؟ و من الأخر؟ ضمن منظور ية‬

‫الإشكال الذي لا ينتهي إلى حل و الذي يتقدم في البحث ل كنه لا يصل إلى نتيجة نهائية خصوصا إذا تعلق‬

‫الأمر بالهو ية‪.‬‬

‫• ما دلالة الهو ية؟‬

‫• و ما الذي يجعل إنسان العصر الراهن يعيش أزمة هو ية؟‬

‫• و هل من الجائز التوافق إلى حل لأزمة الهو ية أم يجب أن نشفى من مرض البحث عن الحل؟‬

‫يستوجب الأمر تحديد دلالة الهو يــــــــة إذ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الهو ية‪ :‬الهو ية هي أن يكون الشيء هو هو و ليس غيره أي وجود خاصيات بها يكون الشيء أو النوع متميزا‬

‫عن غيره أي توفر سمات جوهر ية تفصل بين شيء و أخر شيبيه به فالهو ية تعني خصائص عامة للاختلاف‬

‫عــــن‪.‬‬

‫و الهو ية تحمل في مضمونها معنى الغير إذ الهو ية تعني نظرة الهو‪ /‬الآخر ‪ /‬المغاير للإنية أي تتحدد الهو ية وفق‬

‫رؤ ية الآخرين كغير بالنسبة إليه‪ ،‬فالهو ية تصنيف و كل تصنيف نفي لذلك يثير مفهوم الهو ية مشكل الصراع‬

‫و عدم الاعتراف و الهو ية تعني أيضا التماثل ليس مع المختلف بل مع الذات أي مع قيمة ترسمها الذات لذاتها‪،‬‬

‫و صورة مطلقة للنحن أو معيار إنتماء لمطلق‪ ،‬فالهو ية قيمة و معيار لتصنيف جماعة ثقافية بالنسبة إلى‪.‬‬

‫و تتعدد مجالات حضور مفهوم الهو ية مما يستدعي التمييز بـــيـــــــن‪:‬‬

‫‪ -‬هو ية شخصية‪ :‬و تحيل على ما يميز الذات في وحدتها رغم تشتتها الظاهري و تتضمن وعي الذات لذاتها‬

‫و تمثلها لأناها أي كيفية لإدراك الذات من الداخل‪.‬‬

‫‪ -‬هو ية إجتماعية‪ :‬هي كيفية لإدراك الذات من الخارج أي ما يضمن التعرف إلى الذات من خارجها حيث‬

‫تقترن بمجلة من الأنظمة و الرموز و العلامات التي تشترك فيها الذات من آخرين أو تنسب إليهم و هذا الاشتراك‬

‫هو الذي يستمد منه أي مجتمع خصوصيته و تفرده عن مجتمع لا يشترك معه في الخصوصية‪.‬‬

‫الهو ية الثقافية‪ :‬هي الحد الأدنى المشترك بين جميع أفراد المجتمع مثل رؤ ية العالم أو القواعد العامة و القيم‬

‫والكليات و المثل أي رموز التبادل القيمي و معايير التفاوض الاجتماعي‪ .‬الضرور ية الجامعة للمجتمع ككل‪.‬‬

‫الهو ية إذا كما ورد في تعر يفات الجرجاني هي ما به يكون الشيء هو هو أي بما به يكون الشيء هو نفسه‬

‫أي أميز مميزات الشيء و أخصص خصائصه أو ما به يتقوم الشيء و يتأسس فهي حقيقة الشيء و جوهره‬

‫و ماهيته أي ما يشمل الصفات الجوهر ية الثابتة في شيء ما‪ .‬فالهو ية تشير إلى الخصوصية في جانبها العيني‬

‫والذاتي‪ ،‬لذلك تعبر الهو ية عن خاصية الوحدة و التطابق و المساواة و التشابه و التماثل أي مطابقة الشيء لذاته‪.‬‬

‫و بهذا المعنى فإن الهو ية تعني الثبات النافي لكل إمكان للتغير و الرافض لفعل الزمان و الذي يفترض‬

‫وجود نواة صلبة تشكل هو ية ثقافية ما تحدد رموزها و علاماتها وهيئة وجودها و واقعها التار يخي و ملمحها‬

‫الخاص غير أن مفهوم المطابقة الذي يشير إليه لفظ الهو ية يستوجب جملة محاذير إذا لهو ية لا تفهم دائما بوصفها‬

‫مطابقة صرفة مع الذات و إنما تدرك كتعطش للمغاير و كرغبة في التفاعل مع المختلف و كضرورة للقاء الغير‬

‫‪86‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مما يثريها و ينميها و يعدلها‪ .‬إذ يظل الإختلاف قيما و قائما و مقيما في الهو ية مما ينتج خطابا كونيا يستعيض عن‬

‫الإقصاء بالاعتراف و عن المماثلة بالتنوع‪.‬‬

‫فكيف تكون الهو ية خاصية تمثل الإنسان لذاته؟‬

‫‪ -1‬دلالة الهو يــــة و شروط تحققـــها‪:‬‬

‫يعتبر إر يك فروم أن لفظ الهو ية لا يصدق حقيقة إلا على الإنسان فسؤال الهو ية لا يطرح إلا عند‬

‫الحديث عن الإنسان فالحيوان أو الشيء فاقد للهو ية‪.‬‬

‫الإنسان كائن الهو ية‬ ‫الحيوانات و الأشياء بلاهو ية‬

‫الهو ية تجربة تسمح بقول أنا‪.‬‬


‫الحيوانات و الأشياء لا تعيش التجربة بل تبقى‬
‫قدرة على التنظيم‪.‬‬
‫في حالة المعطى الأصلي الثابت و الذي لا يقوم‬
‫فعل رمزي ينطلق من ملكات و استعدادات‬
‫بالمراجعة و التصحيح‪.‬‬
‫و لا يبقى أسيرها ‪ +‬رسم صورة للأنا‪.‬‬
‫‪ -‬غياب التنظيم و الفعالية و الخضوع لضرب من‬
‫تصاغ وفق علامات‪.‬‬
‫الانتظام الآلي و الغريزي‪.‬‬
‫الهو ية سعي إلى التمايز وال كينونة وفقكيفية مغايرة‪.‬‬
‫‪ -‬فقدان الرمز المؤسس للهو ية ‪ +‬عدم وجود‬
‫‪ -‬تعقل للأنا في العالم وفي علاقة مع الآخر ترتبط‬
‫تمايز واختلاف إلا ما كان طبيعيا أي‬
‫بالبعد التخيلي و العقلي‪ -‬تستحضر القيمة و المعنى‬
‫الإختلاف بين الأشياء أو الحيوان هو ما كان‬
‫و الحقيقة و تستدعي المراجعة و التصحيح و التأثير‬
‫معطى طبيعيا و بصفة قبلية و لا يبدع ‪.‬‬
‫و التأثر‪.‬‬
‫‪ -‬الخلو من القصد والغائية‪.‬‬
‫الهو ية تتعلم بكيفية نشيطة و غير ثابتة‪.‬‬
‫‪ -‬وجود يفتقر للقيمة و المعنى إلا ما آنضاف له‬
‫هي ما يضيفه الإنسان إلى المعطى و ما يتعلق بغائية‪.‬‬
‫من خارجه بفعل إنساني‬
‫يقول ماركس "إن الفرق بينالنحلة الماهرة و المهندس‬

‫الأقل كفاءة هو أن هذا الأخير يحمل في ذهنه صورة‬

‫قبلية للمشروع الذي سينجزه في الواقع"‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الهو ية تجربة تسمح للأنا بأن تكون أنا وهي ليست حضورا شكليا لضمير المتكلم و ليست إدعاء بل شرعية‬

‫قول أنا من حيث هي قطب فاعل‪.‬‬

‫شروط تحقق الهو ية‪ :‬الفعالية ‪ +‬قدرة على تنظيم جميع النشاطات ‪ +‬أن تكون هذه النشاطات تلقائية ‪+‬‬

‫حالة يقظة و تجاوز للسلبية ‪ +‬القدرة على الانفصال عن المعطى المباشر و عن الحاجة من أجل الإحساس بالأنا‬

‫‪ +‬حالة إمتلاء‪ .‬و خلاف ذلك تبقى الأنا مجرد توهم أو ضمير مجازي‪.‬‬

‫‪ -2‬في الاختلاف بين الـــذات و الأناــ‪:‬‬


‫يميز إر يك فروم بين الذات و الأنا‪.‬‬

‫دلالة الأنا (أكون‪)...‬‬ ‫دلالة الذات ( لي‪)...‬‬

‫وضعية كينونة و وجود حيث هو ية الأنا ترجع إلى‬ ‫وضعية تملك ‪ -‬الإحساس بالذات كموضوع إذ كل‬

‫مقولة الوجود لا إلى مقولة الحصول على أو الامتلاك‬ ‫شيء يكون محسوسا بصيغ ما أملك كقولنا لي‬

‫أو حيازة شيء ما‬ ‫جسد‪ -‬لي ذاكرة – لي مال – لي بيت – لي مركز‬

‫حيا يحمل معنى‬ ‫‪ -‬نطاق يكون فيه الإنسان‬ ‫إجتماعي – أمتلك سلطة ‪ -‬لي شهادة – أحوز على‬

‫و يؤسس لقيمه ومهتم بــ و منخرط في‬ ‫‪ ..‬لي مشكلة‪ = ...‬ادراك نفسي كموضوع –‬

‫و نشيط ‪ -‬وضعية تحقيق للصورة التي لي عن نفسي‬ ‫كشكل خارجي= دوري الإجتماعي يكون ممدى‬

‫و التي أعطيها الآخرين فالأنا مشروع يرتبط بصورة‬ ‫أي تمدية إنسانيتي وأعتبر نفسي مادة أو شيئا‬

‫تتطلع الذات إلى تحقيقها و تنبع من نواة شخصيتي‬ ‫تجربة و هو ية الذات تبنى على مفهوم الحصول على‬

‫و تتطابق معها‪.‬‬ ‫‪ ...‬أو امتلاك شيء ما‪.‬‬

‫‪ -‬نشاط تلقائي للذات ينخرط في المعيش‬ ‫فأمتلك أناي كما أمتلك أشياء أخرى تمتل كها هذه‬

‫‪ -‬شكل داخلي صرف‬ ‫الأنا وهي في الحقيقة تملك هذه الأنا‪.‬‬


‫الأنا كينونة‬ ‫الذات تملك‬
‫← الاغتراب في نظر إر يك فروم يتمثل في ضياع الذات في الأشياء و الهو ية تعني المماهاة بين وجود‬

‫الأنا و الصورة التي تحملها حول أناها‪.‬‬

‫← التملك حالة تموضع و ال كينونة تجاوز للإغتراب و التموضع مؤشر على أزمة هو ية‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -3‬أزمة الهو ية في واقعنا الراهن‪:‬‬


‫تعود أزمة الهو ية إلى‪:‬‬

‫• الحرمان المتزايد بحيث أن الحرمان يفقد الشعور بالانتماء و التقاسم و الاشتراك‪.‬‬

‫• فقدان جذري لليقين بالنسبة إلى وضع الإنسان و تمدية الإنسان أي تشييئه و النظر إليه كموضوع و نظر‬

‫الذات لذاتها كشيء أو موضعة الذات لذاتها أي تحول الإنسان إلى مادة (تمدية)‪.‬‬

‫• سلب الإنسان إنسانيته هو سلب للهو ية‬

‫• شكل حاد من الضياع حيث لم يعد الإنسان يعرف نفسه‬

‫• إنعدام الوعي لدى الأفراد بالواقع و عجزهم عن تحديد من يكونون و عدم قدرتهم على تحديد خصوصية‬

‫تميزهم عن غيرهم و عن الأشياء‪.‬‬

‫• العجز عن الإجابة عن أي سؤال و العجز عن اتخاذ أي موقف‪.‬‬

‫← فقدان الهو ية معياره تساؤل الأنا عن أناها فلا تعرفها إنها حالة جهل الذات لذاتها و شعورها بالضياع فتنقل‬

‫إلى أي مكان و تتفاعل مع أي طرف‪.‬‬

‫حل أزمة الهو ية‪:‬‬

‫إن حل أزمة الهو ية لا يكون إلا في تحو يل الإنسان المسلوب إلى كائن مكتمل الحياة أي تحقيق إشباع‬

‫بالمعنى المادي و القيمي إذ لا يكفي امتلاك الأشياء بل من الضروري التطابق مع ال كينونة و الإلتزام بواقع‬

‫و الإنخراط في قيمة‪.‬‬

‫← يكمن الحل في امتلاء الذات و النحن بتصور حول الوجود و امتلاك معنى للوجود في العالم و تحقيق الإرادة‬

‫و الحر ية و الفعل و العيش وفق منظور ية فكره و إرادته و عدم الخضوع لسلطة المغاير و القدرة على تحديد‬

‫المصير و قيادة الأنا‪.‬‬

‫أي حل أزمة الهو ية يكمن في تطابق الأنا مع أناها و عدم تماهيها مع ما هو مختلف عنها ‪ +‬الإلتزام‬

‫الأخلاقي و الروحي أي التعلق بمنظور يؤسس الفعل و الممارسة و عكس ذلك يؤدي إلى مسخ للهو ية ‪ +‬إيجاد‬

‫إطار أو أفق يمنح الأشياء دلالة ثابتة و مخصوصة دون إنكار لخصوصية الغير مما يفضي إلى حوار يعترف بتميز‬

‫ثقافة ما و بتجذرها في ال كونية‪.‬‬

‫فما العلاقة بين الخصوصية و ال كونية؟‬

‫‪89‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫أو بما نؤمن المرور من الخصوصية إلى الخصوصيات؟‬

‫تــج دي ل العلاقة بين الخصوصية و ال كونية‬ ‫‪.II‬‬

‫أو من الخصوصية إلى الخصوصيات‬

‫تظافر الخصوصيات و الحاجة إلى ال كوني كأفق‬


‫الــفــــرابــــي ‪950-874‬‬

‫يوجد قدر من الإجماع بين الناس على إعتبار الحياة الإجتماعية نفي للخصوصية الفردية و أن الثقافة‬

‫العالمية ضد الخصوصية الحضار ية إذ اللقاء بالأخر ال كوني يجرد الإنسان من كل ما يميزه غير أن الإمعان بأكثر‬

‫دقة يثبت أن ال كوني كيفية تتجاوز حدود الوجود المباشر و العفوي و الجزئي و تفتح ممكنات لعلاقة بين الفردي‬

‫و الكلي حيث ال كوني يستوعب الخاص و يدعمه و يحافظ عليه‪ .‬مثل هذا التوتر يدعو إلى المساءلة‪:‬‬

‫• بماذا نعلل حاجة الإنسان إلى الآخر؟‬

‫• و ما طبيعة العلاقة التي تربط بين الإنسان و الآخر؟‬

‫• و أي شكل للإجتماع الإنساني كفيل بتحقيق رهانات البشر المتعلقة بالسعادة و الفضيلة؟‬

‫‪ -1‬الحاجة إلى الأخر أو الأخر كأفق‪:‬‬


‫طبيعة الحاجة أنها فطر ية في الإنسان وهي تتطلب إشباعا من أجل تحقيق ال كمال‪ .‬فالإنسان محتاج إلى‬

‫غيره ليستعين به على تلبية حاجاته‪.‬‬

‫← من هذا الأصل الكامن من الحاجة سينشأ أفق للتعاون و التبادل من أجل نيل ال كمال و المقصود‬

‫بال كمال في نظر الفرابي كمالين‪ :‬كمال مادي أي تحقيق الحاجة بالمعنى العضوي و البيولوجي و إنتاج ما هو ضروري‬

‫لبقاء الإنسان أي كمال وجوده‪ .‬و كمال معنوي و قيمي يكون إمتدادا للأول و ضامنا و حاميا له وهو التواجد‬

‫معا في إطار أخلاقي و روحي لأن قوام الإنسان لا ينحصر في بعد وحيد بل هناك كمال الجسد و كمال النفس‬

‫و الأول تحقيق إشباع بيولوجي و الثاني تحقيق قيمه و معنى وهو أفضل ال كمالات لأنه يرتبط بوعي و تبصر‬

‫و حكمة و إلتزام و تعقل‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫← هذه ال كمالات‪ :‬كمال الجسد و كمال النفس‪ ،‬لا تتحقق في إنعزال عن الآخر بل تتحقق بمعية الآخرين‬

‫أو التعاون أي تعاون الناس على الإنتاج و تقسيم الوظائف و قيام كل منهم بعمل و بذلك تلبي الحاجيات و في‬

‫هذا التعاون الهادف إلى ال كمال المادي يتحقق ال كمال المعنوي‪.‬‬

‫← لا انفصال بين الغايات المادية و الغايات القيمية بل ان ماهو مادي هو المؤسس للافق القيمي‬

‫و المدني (يعتبر الفرابي المدنية أرقى من الإجتماع) فجنس العلاقة القائمة بين الإنسان والآخر دافعها مادي‬

‫و نهايتها قيمية أي أن ماهو رمزي وقيمي يحدث بشكل محايث للتبادل المادي‪.‬‬

‫‪ -2‬في أشكال الاجتماع الإنساني‪:‬‬


‫يقسم الفرابي الإجتماع الإنساني إلــــ ى‪:‬‬

‫أ‪ -‬مدنيات كاملة ‪:‬‬

‫وهي الإجتماعات المدنية الأكبر حجما حيث لا تمييز و لا تفر يق فيها للإنتماءات الحضار ية بين البشر‪.‬‬

‫و تستمد كمالها من إستيفائها لحاجياتها و قيامها على هياكل و هيئات إقتصادية للتبادل و تنظيمات سياسية للتنظيم‬

‫و نظام وجود و حياة يحافظ على الجميع و يحقق مطالبهم المادية و القيمية (السعادة والفضيلة) ‪.‬‬

‫ب‪ -‬اجتماعات غير كاملة ‪:‬‬

‫غير قادرة على إستيفاء حاجاتها و غير مكتفية بذاتها و لا تحقق كل مقومات الحياة‬

‫ولا تتوفر فيها كل الخدمات وهي تشكل أجزاء بالنسبة إلى المدينة و لا تسمح للإنسان بإدراك غاياته و لا تفي‬

‫بمطلب الإجتماع الإنساني لأنها ناقصة مما يدفع أهلها إلى المدينة‪.‬‬

‫↔ رغم هذا الترسيم التفاضلي فإن الإجتماعات الإنسانية في حالة تكامل و الأدنى يطلب الأكثر تمدنا‬

‫كما أن الأكثر تمدنا بحاجة إلى الأدنى لتحقيق حاجياته‪ ،‬مما يجعل الإنسان في حاجة إلى الآخر و مما يجعل كل‬

‫خصوصية خادمة لخصوصية أخرى مما يؤسس لوحدة الإنسانية‪.‬‬

‫‪ -3‬في كيفية تحقيق المدنية لرهانات البشر‪( :‬السعادة و الفضيلة)‬


‫إن الإنسان فردا كان أم جماعة يسعى من وراء الاجتماع إلى تحقيق رهانات وهي مطالب مدنية تطمح‬

‫إليها و تنشدها الجماعة و الفرد في كل آن و يحددها الفرابي فـــي‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫أ‪ -‬تحقيق السعادة‪:‬‬

‫فالحكمة تقتضي طلب السعادة بقدر الطاقة الإنسانية أو وظيفة العقل هي العلم بالسعادة و استنباط طرق‬

‫بلوغها‪ ،‬و السعادة قيمة معنو ية لا مادية تشترط التحقق المادي‪.‬‬

‫ب‪ -‬تأسيس الفضيلة‪:‬‬

‫إن الحكمة تستدعي تجاوز الحيوانية نحو وجود إيتيقي يراعي الحق و يستند إلى الواجب من أجل تنمية‬

‫ماهو إنساني في الإنسان و شرط الفضيلة النزوع إلى الخير و تجاوز النقص و ترتبط الفضيلة بالإشباع لأن النقص‬

‫في تحقيق الحاجة يؤدي إلى الرذيلة‪.‬‬

‫و يؤكد الفرابي أن ا لسعادة و الفضيلة كمطلب إنساني أو كفضائل‪ ،‬لا تدرك بالعزلة و التفرد‬

‫و الانقطاع عن الآخر بل بالتوحد معه مما يعني أن الخصوصيات ليست في صدام و صراع بل في تكامل‬

‫و تبادل للإعتراف و مما يدفع الأفراد و الأمم و الشعوب إلى طلب اللقاء و التواصل‪ ،‬لذلك فإن السعي إلى‬

‫الآخر ضرورة يفرضها التعاون الذي هو منطلق كل قيمة‪ .‬فلا إمكانية لتحقيق السعادة و الفضيلة إلا بالإنفتاح‬

‫على الآخر‪ ،‬لأن السعادة تستدعي تأمين الحاجيات و سد النقص عبر التبادل مع الآخر و لأن ما من قيمة‬

‫تؤسس إلا بعد التحقق‪ .‬مما يعني عدم الانفصال بين ماهو بيولوجي و ماهو ذهني و عدم التخارج بين ماهو عملي‬

‫و ماهو نظري فالحكمة تعني بلوغ أقصى درجات ال كمال العملي والنظري أي إمتلاك الوسائل و السبل‬

‫ال كفيلة بالحفاظ على الحياة و شكل أكمل للحياة و إمتلاك التصورات و القيم ا لمحققة للفضيلة و السعادة‪.‬‬

‫← لا تتحقق السعادة و الفضيلة كرهانات قصوى إلا في تواجد مع الآخر و في إعتراف بخصوصيتة‬

‫و في حاجة إلى إختلافه للتعاون على الخير والشر و الإختيار المتعقل لأن الشر كما الخير ليس ماهية‬

‫للانسان و ليس طبيعة متأصلة فيه‪ .‬بل هما إنشاء تربوي و إختيارات إنسانية و نقص في تحقيق الحاجة و لا‬

‫يمكن للانسان أن يدرك الخير و يزهد في الشر بالإنقطاع عن الآخر و العزلة‪ ،‬بل تجاوز الشر و تأسيس‬

‫الخير و مقاومة النقص و الفعل ضده يكون بتعاون الأمم و الشعوب و ذودها على الإنسانية الكامنة في كل‬

‫إنسان و بمواجهة صعوبات التحقق بفضل حياة مدنية تكون شرطا لكل قيمة إنسانية تتشارك مع الأخر‪ ،‬تستفيد‬

‫من خصوصيته و تطلب كليا مشتركا أساسه الخير و الفضيلة و السعادة‪ .‬مما يؤكد حاجة الإنسان إلى الأخر‬

‫و حاجة الثقافات إلى بعضها و تعاون الأمم لأن السعادة ليست مطلب فرد لوحده بل هي مطلب الأمة‬

‫‪92‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫و مطلب الإنسانية جمعاء و بلوغها و تحقيقها لا يدرك إلا بالتعاون بين البشر‪ ،‬و الاعتراف بحق الأخر في بلوغ‬

‫السعادة‪ ،‬و بواجب الإنسان تجاه الإنسان و بتكاثف جهود البشر من أجل إنشاء الوسائل و الأدوات و السبل‬

‫المحققة للسعادة‪ .‬لأن المدنية تشمل الإنشاءات الفنية و الإنجازات المادية و النماذج و القواعد الموضوعية لسد‬

‫الحاجة و إنتاج علوم و معارف و مناهج و تطبيقات تمكن من تجاوز النقص و التغلب على الشر‪ .‬و هذا لا ينال‬

‫إلا بتعاون البشر كشرط ضروري و أساسي للإرتقاء بالفردية أو بالهو ية الشخصية و بالخصوصية إلى الهو ية‬

‫الإنسانية كهو ية كونية و كلية تنال من الآخر يقدر حاجياتها و تمنح الآخر ما يحتاجه ماديا و رمزيا‪ ،‬دون نعت‬

‫الآخر بالهمجية أو تصنيفه في مرتبة أدنى لأن ذلك التصنيف من شأنه أن يفضي إلى صراع الخصوصيات‪.‬‬

‫فما مدلول صراع الخصوصيات؟‬

‫و أي سبيل يسلك للتحرر منه؟‬

‫و بأي معنى يكون الهمجي هو من ينعت الآخرين بالهمجية؟‬

‫صراع الخصوصيات و سبل التحرر منه‬


‫مونتانيو ‪ 1592-1533‬فرنسي‬

‫يشهد الواقع الراهن إختلالا عميقا في المستوى المعرفي و التقني و تطورا لا متكافئا للقدرة و القوة‬

‫و التحكم بشكل لم تسبق ملاحظته في التاريخ إذ ينقسم العالم و بصورة حادة إلى مجتمعات متقدمة ماديا حققت‬

‫ضربا من التفوق الكمي و الوفرة البالغة حد التخمة و مجتمعات تكابد نقصا في الحاجيات و ندرة في الإنتاج‬

‫و عدم إقتدار في مواجهة الطبيعة بحيث نلحظ زمانين في زمن واحد و كأن البشر لا ينتسبون إلى نفس الزمان‬

‫مما حدا بالبعض و خصوصا المأخوذين ببر يق التقدم و المبهورين بالتعابير التقنية و الكمية للحضارة إلى الإقرار‬

‫بوجود تفاضل بين الأمم و إمتياز للشعوب و وصف الثقافات الأدنى في سلم التقييم المادي و التقني‬

‫بالثقافات الهمجية و المتوحشة و الغير ملائمة ل كن هذا التضخم للجسم على حساب الروح أو هذا الإنتفاخ‬

‫الحسي لا يجب أن يحجب عنا الفقر المدقع في إنسانية الإنسان كما لا يشرع لتفاضل‪ ،‬إذ كل ثقافة تحقق نجاعة‬

‫مطلوبة لأفرادها و تلائم واقعا مخصوصا مما يفقد فكرة تراتب الخصوصيات و أفضلية الحضارات كل مشروعية‬

‫و مما يدعو إلى إثارة الإشكال الـــتالــــي‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬على ما يتأسس الحكم على الخصوصيات المغايرة بالهمجية؟‬

‫‪ -‬هل من المقبول أن نصف المنتمي لخصوصية ما بالهمجي؟‬

‫‪ -‬أي حرج يترتب عن الحكم على الآخرين بالهمجية؟‬

‫‪ -‬ما السبيل إلى الإعتزاز بإنتمائي الحضاري دون الإقرار بدونية الأخر؟‬

‫‪ -‬و أي دور يمكن أن يضطلع به التفكير الفلسفي في مواجهة الفكر المتعصب؟‬

‫‪ -1‬في دلالة التعصب و إسهامه في صراع الخصوصيات‪:‬‬

‫إن التعصب داء يصيب الإنسان فيصيره قوة عمياء همها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب الغير وهو أداة‬

‫استعمال يجري التلاعب بها لخدمة أغراض و تحقيق منافع‪ .‬و نتائج التعصب تحطيم ما هو إنساني و تنمية الحيواني‬

‫لذلك فإن المراهنة على الإنسان كقدرة على التعقل تستدعي تحصين الوجود من داء التعصب وهو تحصين‬

‫يضطلع به فكر نقدي يؤسس للإتيقا التعقل منهجا و للقاء الآخر غاية يؤسسها مشروع ينقذ الإنسان من الإنسان‬

‫فينقذ الإنسان من ذاته‪ .‬وهو المشروع الذي ينخرط فيه مونتانيو حيث يعترف بوجود نزوع و ميل إنساني إلى‬

‫الهيمنة و تطلع الإنسان إلى ال سيطرة و توقه إلى بسط النقود و التملك للفضاء و للأشياء ل كن هذا النزوع ليس‬

‫من شأنه أن يفضي وجوبا إلى علاقة إستعلاء ما دام بإمكان الإنسان أن يفكر عقليا فيتجاوز ميله و يحول‬

‫نزوعه إلى تعقل و يقبل الاختلاف و يتحرر من أوهامه بشأن الأخر فيكف عن إعتباره أدنى منه و يعزف عن‬

‫النظر إليه كمتوحش غير جدير بمشاركته المرتبة التي ينسبها إلى نفسه و يعدل عن رؤيته غير جدير بالانتماء إلى‬

‫الكلي الإنساني و ذلك لا يحصل إلى بفضل إعادة نظر و مراجعة و فعل نقدي يسمح بالتحرر من اعتبار الأخر‬

‫همجيا‪.‬‬

‫يقر مانتانيو أن من نعتبره همجيا وفق معيار حكمنا الذوقي و الأخلاقي الم كتسب داخل تقافة النحن‬

‫المعيار ية لا يعد و أن يكون سوى مختلفا عن عوائدنا‪ .‬و يعتبر أن المعقول و اللامعقول يخضع دائما إلى تقويمات‬

‫مختلفة فما يراه الآخر همجيا هو ميزة إنسانية و ثقافية إذ لكل إنسان أو أمة عوائد لذلك فإن نعت الأمم أو‬

‫المجموعات بالهمجية ينخرط في أحكام قيمة تحدث تصدعا في العلاقات البشر ية و تعطل التواصل فالهمجي هو‬

‫من ينعت الآخرين بالهمجية‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -2‬أسس و تعلات النظر إلى المغاير على أنه همجي‪:‬‬

‫الهمجي تصنيف للإنسان الذي ليس له عوائد مماثلة لعوائدنا فكل من يختلف عن خصوصيتنا ننعته‬

‫بالهمجية و البربر ية أي الشعوب التي لها عادات مغايرة لعاداتنا‪.‬‬

‫← الذوق الفاسد يتمثل في الحكم على الآخرين بالهمجية و إخراجهم من النظام الطبيعي بدعوى الثقافة‬

‫و هذا الحكم يسقط العقل في اللامعقول و يصبح من قبيل الحكم الإستنقاصي الذي يخرج المختلف من دائرة‬

‫النوع الإنساني وهو حكم لا أخلاقي يفتقر إلى العقل السليم و المبررات الموضوعية‪.‬‬

‫يؤكد مونتانيو أن الثقافة التي ننتمي إليها هي التي تعوقنا عن إدراك الآخر في خصوصيته و تفرده إذ تقدم‬

‫لنا وصفة للحقيقة و ترسم جغرافية للعقل فنسقط في الاعتقاد في تمامية ما ننتمي إليه و نعتبر وجودنا مظهرا‬

‫لل كمال و يدعونا مونتانيو إلى تشكيل أنفسنا على شكل الطبيعة القائمة على الإختلاف إذ الطبيعة الإنسانية تتشكل‬

‫على صورة الطبيعة الطبيعية‪ .‬وهو يستمد هذه النزعة الانسانو ية من الجذور الإغريقية الداعية إلى إتباع نصائح‬

‫الطبيعة و إرشاداتها كي نحسن التمتع بوجودنا‪ .‬ينتهي مونتانيو إلى رفض الإقرار بوجود شعوب همجية و الدعوة‬

‫إلى التسلح بالنقد لتجاوز صراع الخصوصيات و اعتبار النسبية الثقافية ثراءا مرغوبا فيه‪ ،‬يقول مونتانيو‪ " :‬لا‬

‫يثيرني تعدد الأحوال من أمة إلى أخرى إلا من جهة ما فيه من متعة التنوع"‪ .‬لهذا لا يحق وصف ثقافة ما‬

‫بالهمجية إلا قياسا على قواعد العقل لا قياسا علينا نحن لأن الحكم على الآخرين لا يجب أن يستند إلى رفع قيمنا‬

‫و معتقداتنا و ممارساتنا و مؤسساتنا إلى مستوى الحقيقة المطلقة و الثابتة و تقييم الآخر وفقا لها بل يجب تعييره‬

‫بمعيار العقل أو قياسا على قواعد العقل‪.‬‬

‫يؤكد مونتانيو على تعدد الهو يات و تعدد أشكال إجلاء العقل وهو يرفض المقاربات القائمة على المفاضلة‬

‫و التي تشرع لهيمنة ثقافة على أخرى و الاستعلاء عليها خصوصا وأن مفهوم التثاقف اليوم صار مطية و تعبيرا‬

‫عن علاقة صراع و تصادم بين الهو يات و يكشف عن علاقة اللاتكافئ بين ثقافة و أخرى حيث يتم اللجوء إلى‬

‫فرض ثقافة قو ية و تنميطها و تكييفها و هذا ما دفع بجيرار لوكلارك إلى اعتبار التثاقف إستعمالا يهدف إلى‬

‫الإشارة إلى أنماط يتم بموجبها قبول مظهر ثقافي معين في ثقافة أخرى‪ .‬بحيث يتلائم و يتكيف معها مما يفترض‬

‫مساواة ثقافية بين الثقافة التي تعطي و الثقافة التي تتقبل‪ .‬و التكيف هو السيرورة التي تتحول بموجبها عناصر‬

‫الثقافة المسيطرة عليها نحو حالة تتلائم مع شكل الثقافة المسيطرة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يرفض مونتانيو نزعة المفاضلة بين الخصوصيات مؤكدا عدم مشروعيتها و عدم وجاهة المقاييس المعتمدة‬

‫للتمييز بين الثقافات و يعتبر أن هذه النزعة تقيم موقفها و تؤسسه إنطلاقا من الإعتقاد البغيض القائل بوجود‬

‫حضارة تحقق فيها إكتمال كل شيء مما يسقط في إعتقاد بإكتمال العقل و شل التاريخ و مما يؤسس لموقف‬

‫وثوقي إزاء ما يجليه العقل من تعابير زمانية و لحظية يعتقد المتعصب في إطلاقيتها‪ .‬و مما يعبر عن نزعة في الهيمنة‬

‫تشرع لتوجه إستعماري حجته نقل شروط و رموز و معاني التحضر و المدنية إلى الآخر "الهمجي" بغرض التسلط‬

‫عليه و سلبه معانيه و قيمه و دمجه في قيم الحضارة المسيطرة و مسخ ملامحه و نسف مقوماته و إضعاف قدرته‬

‫على المقاومة‪.‬‬

‫يفضح مانتانيو الأغراض التسلطية لفكر يطلق صفه الهمجية على المختلف و يؤسس لموقف يقوم على‬

‫إعتبار المقياس الوحيد الذي يشرع إمكانية التمييز هو مدى تقدمه في تمثل قواعد العقل و الإلتزام والعمل بها‬

‫و يعكس هذا الموقف تصورا كونيا للعقل و ينطلق من التنوع كمشهد يميز الواقع الطبيعي و الإنساني ومن أشكال‬

‫التعابير الثقافية ال كثيفة ليرجعه إلى واحد هو العقل الكلي كعقل إنساني تمثل الثقافات عقولا أو أشكال إستخدام‬

‫للعقل تعبر عن هذا العقل الكلي و ال كوني و النظر إلى التنوع على أنه ليس جوهرا و إنما هو شكل للعقل ‪.‬‬

‫ل كن أليست هذه المغالاة في التمسك بالعقل الكلي مغالاة غير شرعية؟‬

‫فعلا إن التمسك بالعقل هو الجدار الأخير الشبيه بحائط هيرود أو حائط المبكى الذي يجمع أفرادا لا‬

‫يجدون ما يتوحدون حوله‪ ،‬أشخاص لهم قليل من الرموز‪ ،‬ل كنهم بحاجة إلى علامة دالة‪ .‬و يظل العقل العلامة‬

‫الدالة على الإنسان أو علامة طر يق يجب أن يسل كه الإنسان‪ ،‬إنسان يريد التوافق ولا يجد ما يتوافق حوله‬

‫خصوصا إذا أدركنا أن العقل عقال الإنسان و معتقله بسبب تحولة عقلنة سالبة للإرادة و أداة إغتراب وارتبط‬

‫العقل في شكله التقني بأهداف تحكمية و أضحى العقل ليس عامل وحدة بل عامل تفاوت مرتبط بظروف‬

‫ترسمه بدقة و تدجنه بحذق وتتلاعب به بلطف وتقوده بسلاسة ولم يعد العقل معيارا للثقة‬

‫و حجة على التصديق بل نحن إزاء مجتمع المشهد و مجتمع السوق الذي يحطم كل خصوصية لا بفعل معرفي أو‬

‫ثقافي و إنما بفعل بضاعة تذيب الفروق و تنتج إنسانا ذو بعد واحد يتضخم جسمه على حساب عقله و روحه‬

‫و تصبح رموزه تعبيرا رمزيا عن الإستهلاك و علاماته دوالا على ما هو حسي فيفقد العقل نفوذه و تعلن الصورة‬

‫عن نفاذه‪ .‬إنه عصر نفوذ الصورة ونفاذ اللوغوس مما يدعو إلى البحث عن شكل إنساني لل كونية وتقصي لشروط‬

‫تحقق مطلب ال كونية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫فكيف تكون ال كونية مطلبا بحاجة إلى شروط لتحقيقها؟‬

‫مطلب ال كونية و شروط تحققه‬


‫إدغاـــر م وران‬
‫عالم إجتماع و فيلسوف فرنسي‪... 1921‬‬

‫حين نسلم بأن المفهوم يتحدد موضعيا أي يكتسب إجرائيته من سياق محدد و في حقل مخصوص فإن‬

‫ذلك يعني أن المفهوم يدرك في موضعه‪ .‬ل كن ذلك لا ينفي إمكانية التوافق حول معنى أولي أو نواة صلبة‬

‫للمفهوم تجعله محل تواضع يمنحه معنى عاما و يجر يه في حقول مختلفة‪ ،‬مما يجعل المفهوم نموذجا تأو يليا يسمح‬

‫بمقاربة الظواهر المغرقة في التعقيد و يمكن الواقع من إكتساب دلالة و معنى و يفي بشروط التداول والتواصل‬

‫والفهم و ينخرط مفهوم الأنتربولوجيا في هذا المنظور حيث يشكل مسعى علمي و صفي لواقع الخصوصيات‬

‫الثقافية‪ ،‬فهو لا ينظر لمنشود ثقافي و لا يطمح لتأسيس واقع جديد للثقافات‪ ،‬وإنما يكتفي بوظيفة عرفانية‬

‫أساسية هي فهم الواقع الإنساني المتمثل في الرموز والوقوف على صلاحيتها ضمن البيئة المنشئة لها‪ ،‬أي تنحصر‬

‫مهمة الأنتربولوجيا في وصف الموجود مما يجعلها تتباين مع المسعى الفلسفي الذي يلتزم بتأسيس ثقافة كونية‪،‬‬

‫حيث تتعلق همة المتفلسف بالمنشود و المأمول‪ ،‬إذ يلتزم المثقف بالنقد و التأسيس‪ ،‬إنه يؤسس ال كوني ويدرك‬

‫أن واقع التنوع الثقافي يمكن أن يفرز علاقات بين البشر قائمة في الآن نفسه على الفصل و الهيمنة والنفوذ‪.‬‬

‫والوصل و التسامح و التوافق‪ ،‬كما يدرك أن مفهوم الغير لا يطرح مسألة العلاقة بين الأفراد فقط وإنما يشمل‬

‫علاقة الأنا بالغير ككيان ثقافي‪ ،‬الأمر الذي يدفع إلى إستئناف المساءلة حول طبيعة العلاقة التواصلية القائمة‬

‫بين النحن و الهم من جهة و الخصوصية و ال كونية من جهة أخرى‪ .‬و من ثمة يقتضي العقل كإجراء أن تنشأ‬

‫بين الأنا و الغير علاقة إعتراف متبادل و إحترام للغير في خصوصيته الثقافية و في تفردكيفية وجوده في ال كون‪.‬‬

‫مثل هذا التوتر بين منهج علمي يكتفي بالموجود و يختزل الهو ية في بعدها التحليلي البسيط‪ ،‬ومنهج فلسفي‬

‫ينظر إلى الهو ية ككل لا متناهي التركيب و التعقيد يدعو إلى إثارة جملة تساؤلات هــــي‪:‬‬

‫• أي معنى يمكن أن تضفيه على كثرة الواحد و وحدة التنوع أو ما دلالة الهو ية المركبة؟‬

‫• هل التنوع الثقافي عامل وحدة أم سبب للتفرقة؟‬

‫‪97‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• ما مضمون الدعوة إلى وحدة مركبة؟‬

‫• إذا كان رهان هذه الدعوة هو حكمة العيش معا فوفق أي شروط و إجراءات يتسنى تحقيقها؟‬

‫يدخل إدقار موران في سجال نظري مع الموقف العلمي و الموقف العامي ليدحض كل التصورات التي‬

‫ترى الاختلاف و التنوع عائقا و حاجزا أمام التواصل في معناه ال كوني وهي مواقف عاجزة عن فهم وحدة‬

‫ال كثرة و كثرة الوحدة‪ ،‬فتنتهي إلى إعتبار ال كثرة عامل تشتيت و تفرقة و ترى أن تنوع الإنتماءات الثقافية‬

‫والدينية و العرقية ينفي كل إمكانية للتفاهم بين البشر‪ .‬و هذه التصورات قد تغذيها نزعات إيديولوجية تسعى‬

‫إلى الهيمنة و التحكم‪.‬‬

‫يرفض موارن هذا التوجه مبينا أن التنوع حجة تضمن تحقق ال كوني في إطار من التفاعل و التلاقح‬

‫الحضاري الذي يؤسس لأفق الإبداع و يكون شرطا أساسيا للتجديد‪.‬‬

‫كما أنه يرجع التنوع إلى وحدة و الوحدة إلى تنوع مستندا إلى أساس بيلوجي ذلك أن كل فرد يحمل‬

‫داخله صفات و سمات النوع الإنساني من خلايا و جينات و يتميز في الوقت نفسه بخصوصيته الجينية والتشر يحية‬

‫و الفيز يولوجية‪.‬‬

‫و يضيف إلى هذا الأساس البيولوجي أساسا ثقافيا يشهد على تعايش ال كثرة مع الوحدة و تعايش الوحدة‬

‫مع ال كثيرة إذ يتحدث عن ثقافة مشتركة أو عن وحدة ثقافية و تنوع ثقافي‪ .‬و تعني الثقافة ما يكتسبه الإنسان‬

‫عبر علاقته بالعالم أو كل ما يضيفه إلى الطبيعة سواء طبيعته كإنسان عبر ما يتعلمه من معارف ومهارات و فنون‬

‫أو الطبيعة الخارجية عبر ما يبتكره من أدوات و تقنيات في سعيه إلى تغيير الطبيعة و أنسنتها‪.‬‬

‫‪ -1‬في دلالات الثقافة و علاقتها بالهو ية‪:‬‬


‫تتألف الثقافة اذن من كل مركب يشمل الإكتسابات و الإنتاجات الفكر ية و الروحية من معارف‬

‫و قيم و معتقدات و الم كتسبات المادية من أدوات و تقنيات و إنتاجات مادية‪.‬‬

‫والثقافة تعني الهو ية من حيث أن الثقافة هو ية إنسانية بمعنى أن الإنساني يتشكل في الثقافة و بالثقافة‪.‬‬

‫فالثقافة هي في آن واحد مجال و إطار و شرط إمكان و أفق تواجد مما يشرع للإقرار بأن الإنسان ليس كائنا‬

‫طبيعيا بل هو كائن ثقافي‪ ،‬فالطبيعة ليست هي ما تحدد الإنسان و تشكل هويته بل الإنساني يتحدد بفضل الثقافي‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫و الثقافة تختلف في أشكال تعابيرها فتحيل على خصوصية إجتماعية ل كنها تتوحد في مضمونها فتحيل على‬

‫ال كونية لذلك فإن التسليم بتنوع الثقافات لا يتعارض مع الإقرار بوجود ثقافة إنسانية‪.‬‬

‫و نجد في اللغة خير مثال على هذا الواقع المتداخل بين ال كثرة و الوحدة فما هو إنساني و ثقافي مشترك‬

‫هو اللغة ل كن توجد ألسن مختلفة‪ .‬و كذلك الدين فهو إنساني و مشترك إذ مضمون الدين واحد و الحاجة إلى‬

‫الدين حاجة كونية‪ ،‬أي ما يضطلع به الدين من وظائف تفسير يه و منح الوجود معنى و تمكين الإنسان من‬

‫مدونة و رؤ ية لعالمه و الاستجابة إلى الرغبة في التفسير الشمولي و توحيد المجتمع و التكيف مع الواقع‪ .‬كل‬

‫هذه الوظائف تجعل من الدين مطلبا و ممارسة إنسانية‪ .‬و ل كن شكل الدين أي التدين مختلف و يتطابق مع‬

‫الخصوصيات و يتلاءم معها فتوجد شرائع متنوعة‪.‬‬

‫وفق هذا التمشي الحجاجي المسنود بأساس بيولوجي ثقافي ينتهي موران إلى أن الهو ية الإنسانية هي حقيقة‬

‫مركبة وهو بهذا الحكم يتخطى طر يقة و منهج العلم البيولوجي الذي يختزل الحياة في الم كونات العضو ية مما تسبب‬

‫في تفقير الحياة و إفقار الإنسان من كل معنى و قيمة‪ .‬إذ أن عيب البيولوجيا أنها لم تزاوج بين الثقافي و العضوي‬

‫أو أنها لم تقحم ما هو إنساني فيما هو حيوي و لم تدخل النسيج الحيوي في النسيج الإنساني لترى نسيجا واحد‪.‬‬

‫يدعو موران إلى إدراك الحياة داخل سياقات متنوعة تتداخل و يتناغم فيها البيولوجي مع الفيز يائي مع‬

‫الإجتماعي و الثقافي لأن البحث في ماهية الإنسان يقترن بالبحث عن بداية الحياة و البحث في تداخل عناصر‬

‫متظافرة أهلت ظهورها‪.‬‬

‫‪ -2‬الاختلاف أساس الهو ية المركبة‪:‬‬


‫و بهذا التصور فإنه ليس من الوجاهة أن تنغلق ثقافة ما على ذاتها بحجة الخوف المرضي على هو يتها‬

‫و الخشية من الإندثار و التفتت الثقافي‪ ،‬و هذا النزوع إلى رفض الأخر غير مشروع و لم يفهم واقع ال كثرة‬

‫و لم يعي جيدا أهمية الإختلافات بين الثقافات الذي لا يفضي ضرورة إلى الصراع و النفي المتبادل بل أن‬

‫الوعي بالخصوصية يكون في إطار الوعي بإختلافي إذ أنا هو المختلف عن الآخر قبل أن يكون الآخر مختلفا عني‪.‬‬

‫فالإختلاف لا ينفي الخصوصية و إنما هو شرط لتأكيدها و إثباتها‪.‬‬

‫إن هذه المحاورة النقدية التي يجريها موران تقر بأن الرأي الشائع يسقط في مأزق حداه فيهما إفراط‬

‫و مغالاة‪ :‬فإما وحدة ترسخ التجانس و التماثل و تبحث عن وجه الذات في الأخر مما يؤدي إلى تذويب و صهر‬

‫‪99‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الثقافات في ثقافة واحدة‪ .‬و إما كثرة تكرس الانغلاق و تقوم على اعتبار الخصوصية إنعزال و فراق وجه الآخر‬

‫مما يفضي إلى عزل ثقافة ما عن بقية الثقافات الأخرى‪.‬‬

‫هذين الحدين فيها تحطيم للعقل و للإنسان‪ ،‬إذ الوحدة المرسخة للتجانس تشل كل فعل إبداعي و تحول‬

‫الواقع إلى معاودة لا اختلاف فيها و لا متعة أو ضرب من التناسخ الثقافي‪ .‬كما أن ال كثرة الم كرسة للإنغلاق‬

‫و الخوف تؤدي حتما إلى تفقير الثقافة و تلاشيها في النهاية‪.‬‬

‫يكمن الحل في إعادة تعلم رؤ ية العالم وفق منظور ية الوحدة في التنوع و التنوع في الوحدة‪ ،‬أي مقاربة‬

‫مشكل الخصوصية و ال كونية ضمن مشروع يؤسس لرؤ ية نسقية للإنسان في أبعاده الطبيعية و المعرفية و الثقافية‬

‫تفهم وضعيته كواقع مركب‪ .‬وهي مقاربة تتوحد في أفق الإنسانية سعيا إلى تجاوز مظاهر إغتراب ولا إنسانية‬

‫الإنسان المعاصر عبر اللقاء القائم على التلاقح و المؤسس لمنظور ية ترى التنوع إبداعا و تجديدا و ثراء و عبر‬

‫الدعوة إلى وحدة مركبة قوامها الوصل و حلوله محل الفصل‪.‬‬

‫يبدو أن حل معضلة العلاقة بين الخصوصي و ال كوني يؤول إلى فشل داخل المعرفة العلميةكمعرفة جزئية‬

‫تنبني على معطى وحيد إذ أن تطور المعرفة العلمية لم يوسع دائرة وعينا بالإنسان إلا كما‪ ،‬أما كيفيا فإن تطور‬

‫المعرفة العلمية لا يعني فهما أكثر أو أعمق للإنسان‪ ،‬فأقصى ما بلغته المعرفة السائدة هو الجهل بالإنسان‪.‬‬

‫‪ -3‬ضرورة التسلح بفكر مركب لفهم الهو ية المركبة‪:‬‬


‫لا يمكن فهم الإنسان ككائن شديد التعقيد و لا يمكن النفاذ إلى هو ية الإنسان المركبة إلا بواسطة‬

‫الفكر المركب الذي يفيد بناء معرفة متكاملة عن الإنسان من حيث هو كائن يفكر و يمتلك القدرة على التعقل‬

‫و يحيا وفق آداب سلوكية و إيتيقا حوار تحرره من بربر يته المعاصرة المعلنة شكلا عن تهذيب مفرط و المضمرة‬

‫لعنف لا هوادة فيه‪.‬‬

‫إن الفكر المركب هو العودة إلى الكل المركب من معطيات بيولوجية و فيز يائية و إجتماعية و ثقافية‬

‫و أنتربولوجية و لسانية‪ .‬كلها تلتقي في مسألة مخصوصة هي الهو ية و تعبر عن أفق إنتظار هو ال كونية‪ .‬و تعبر‬

‫جميع هذه الهو يات بأبعادها المتداخلة و أشكالها المختلفة عن وضعية الإنسان وعن واقعه و تكشف موقعه في‬

‫ال كون‪ .‬و تستدعي هذه الطر يقة المركبة إستئناف المساءلة في أشكال الهو يات من جهة علاقتها بسؤال مركزي‪:‬‬

‫ماهي الإنسانية؟ و بما صلاحها ؟ و كيف نؤمن تواصلها و لقاءها؟‬

‫‪100‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إن لقاء الإنسان بالإنسان و ضمان صلاح الإنسان و تحقيق إنتظاراته ليس رهين حرب كما يدعي‬

‫المرابطين بجيوشهم على مشارف المدن و بصورهم على مشارف العقول‪ .‬و ليس مشروطا بتمرد أو ثورة فكر ية‪.‬‬

‫وليس متوقفا على إنشاء واقع لا شر فيه‪ .‬و إنما إبداع طر يقة تعبر عن وفاق بين الإنسان و ذاته و الإنسان‬

‫و عالمه و الإنسان و غيره‪ ،‬وفاقا يحدد أرضية دنيا للتوافق وهو لا يستدعي موقفا سياسيا بل رؤ ية ثقافية أو ثقافة‬

‫جديدة أساسها ما أصطلح على تسميته بالإيتيقا التي تتجاوز الأنطولوجي كمعطى ثابت نحو الإيتيقي كبناء مركب‬

‫يعبر عن لقاء جديد بين الأنا و الغير‪ ،‬لقاء بين " أن نفكر جيدا" و " أن نفعل على نحو جيد"‪.‬‬

‫فالإيتيقا هي ملاذ أخير أو قارب نجاة أو مشروع الإنسان كفرد في توافق مع ذاته و مشروع الإنسان‬

‫كغير ية لا يرى في الآخر عدوا بل صديقا مما يشرع للتفاهم والتحاور و الإشتراك بين الذوات وهو في الوقت‬

‫نفسه مشروع المجتماعات التي تتلاقح و تتجاوز العزلة و تؤثث الفراغ‪ ،‬ليس عبر إزاحة الأخر منه بل عبر ملئه‬

‫معا‪.‬‬

‫و هذا هو مشروع ورهان و أفق إنتظار الإيتيقا المركبة التي تدعو إلى وحدة خلاقة تجعل البشر‬

‫يتشاركون معا في تكوين إنسانية كونية تحمل قيما و معاني أساسها عدم التلاشي‪.‬‬

‫إيتيقا تحاور الغير و تحترمه و تتضامن معه وهي نمط من الرؤ ية لا تسقط في ترسيم واقع بلا عوائق‬

‫و لا تدعي تغيير العالم أو تجاوز التناقضات مجاوزة نهائية أو امتلاك حلول جاهزة لمشاكل الإنسانية‪ .‬بل هي‬

‫إيتيقا تمتلك من التواضع ما يسمح لها بوضع أسئلة دقيقة للوصول إلى أجو بة واضحة بمعنى ملائمة و متوافق‬

‫حولها‪ ،‬أسئلة يكون الإنسان قادرا على حلها و تخلصه من غفوته و غفلته و تحرك فيه الرغبة في تجاوز البربر ية‬

‫و تغذي فيه حب الإنسانية و تنمي فيه ميله إلى الكلي و تدرك أن الوحدة و التنوع واقعا جدليا يقتضي فهما‬

‫جدليا يكون أساسا لتأو يل الإنسان و الثقافة على حد سواء‪ ،‬عندها فقط نستطيع تجاوز عنف العالمي فأي مخاطر‬

‫تنجم عن الخلط بين العالمي و ال كوني؟‬

‫‪101‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مخاطر الخلط بين العالمي و ال كوني أو عنف العالمي‬ ‫‪.III‬‬

‫جان بودر يار عالم اجتماع فرنسي ‪2007 - 1929‬‬

‫إذا كان تساؤل الإنسان عن إنيته مداره الإستفهام عن وجوده و ماهيته و سعيه إلى تحديد هويته بما‬

‫يقتضيه من تصور تأملي تجريدي للإنية باعتبارها نفسا عاقلة وجوهرا مفكرا و ذاتا واعية فإن التساؤل عن من‬

‫نحن يستدعي تصورا واقعيا ينزل الإنية ضمن الوجود الفعلي و التار يخي أي ضمن معيش متجسد يدرك الإنية‬

‫بوصفها وجودا في العالم ومع الآخر‪ ،‬إنية إجتماعية مركبة تحضر فيها الغير ية بأسماءها المتعددة و بكل مرادفاتها‬

‫كذات عينية توضح لنا أسبقية الأنا موجود على الأنا أفكر و مما يشرع لاعتبار الإنسان مشروع وجود يبنى‬

‫و ينشئ و ليس إنية معطاة على نحو طبيعي و قبلي‪.‬‬

‫مثل هذا التحول من منهج تأملي في تأو يل الإنسان إلى منهج تار يخي في فهم الإنسانية‪.‬‬

‫يفترض إعتبار الإنسان مشروع وجود على حد عبارة سارتر و الإقرار بأننا نحيا فيما هو خصوصي وفق‬

‫تعبير فوكو‪ ،‬فالحقيقة العينية للإنية تكشف أنها في علاقة مع إطار ثقافي تتقاطع فيه النداءات بين أصوات تدعو‬

‫إلى إحترام حقوق كونية للإنسان و قطبها الدفاع عن ال كرامة الإنسانية و الحر ية‪ ،‬وأصوات مقابلة تبرر لسلطة‬

‫تقنية واقتصادية مدعومة بروافد إعلامية تدفع بالبشر إلى تماثل و تطابق نمطي يهدد الإنسان كمشروع يحطم‬

‫الخصوصي الذي نحيا فيه‪.‬‬

‫وفي هذا الوضع المتأزم بين قطب فكري كوني و قطب بضائعي عالمي نحتاج إلى إثارة الأسئلة التاليــــة‪:‬‬

‫‪ ‬أي تمييز يمكن أن نقيمه بين العالمي و ال كوني؟‬

‫‪ ‬كيف نتعاطى مع واقع يدفع ال كوني إلى التلاشي و يرسم للعولمة إتجاه لا تراجع فيه؟‬

‫‪ ‬إذا كانت العولمة قدرا خطيرا فهل من أفق لتدارك مخاطرها؟‬

‫يميز بودر يار بين مفهومين يتشابهان بشكل خادع إلى درجة الإعتقاد أن اللفظين واحد في حين يوجد بينهما‬

‫من الاختلاف ما يدعو إلى الإقرار بتعارضهما وهما مفهومي العالمي و ال كوني فما الفرق بينهما؟‬

‫‪102‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫العالمي‬ ‫ال كوني‬

‫العالمي يحيل على العولمةكسيرورة إنفتاح الإقتصاد‬ ‫ال كوني يحيل على ال كونية و يتعلق أساسا‬

‫المحلي على السوق العالمية ‪ +‬هاجسه إقتصادي‬ ‫بالحقل القيمي و السياسي و يرتبط بمفهوم‬

‫ويتعلق بالاتصال والتبادل المتسم في عصر العولمة‬ ‫الحقوق و الحر يات‪ ،‬مثل حقوق الإنسان‬

‫بالشمولية و الطموح إلى توسيع التبادل‬ ‫و الحر يات الثقافية و الديمقراطية وهو لا يشير‬

‫الاقتصادي إلى تبادل ثقافي و سياسي‪.‬‬ ‫إلى الأدوات و الوسائل المحققة للربح والمرتبطة‬

‫‪ +‬ترمي العولمة إلى تفكيك الهو يات القومية و إزالة‬ ‫بالسوق أو بالإعلام‪.‬‬

‫الحدود بغرض تنمية تبادل البضائع و الخدمات ‪+‬‬ ‫يلاحظ بودر يار أن ال كوني في طر يقه إلى‬

‫تفهم العولمة فلسفيا في إتجاهين متناقضين‪ :‬إتجاه‬ ‫التلاشي و يبدو غريبا عن العالم أو هو على الأقل‬

‫موحد يرى العالم قر ية بدون حدود تقوم على‬ ‫وجود مؤجل ‪ +‬إن القيم التي تدعي ال كونية لا‬

‫تقسيم عالمي للعمل و تخصص دقيق‪ .‬و إتجاه‬ ‫تجد نظيرا لها في الثقافات الأخرى ‪ +‬ال كوني‬

‫صدامي يرى في العولمة منبع أزمة و توسيع‬ ‫في طر يقه إلى الموت لخدمة مصلحة العالمي‬

‫للفوارق حيث أن الأثر ياء يزدادون ثراء‬ ‫فال كونية بوصفها الإنسانية في حالة إندثار‬

‫و الفقراء يزدادون فقرا مما يؤدي إلى الفوضى‬ ‫تؤسس لموت الإنسان ذاته ‪ +‬أصبح ال كوني‬

‫و عدم إحداث أي تحول ونوعي في العلاقات‬ ‫هذا المشترك ضحلا ل كي يجمع قدر الإمكان‪ .‬أي‬

‫الإنسانية ‪ +‬العولمة حل لرأس المال تسعى إلى‬ ‫تعميم ال كوني يقتضي التخفيض ‪ +‬تحول إلى‬

‫تفكيك العالم من أجل مزيد السيطرة و التحكم مما‬ ‫أداة إستعمال تؤمن مرورا سلميا يجعل تعميم‬

‫يؤسس لتواصل إخضاعي ننتقل بموجبه من عولمة‬ ‫الاستهلاك و التقسيم العالمي للعمل و توحيد‬

‫التبادل إلى عولمة الإنتاج بحيث تنحاز الدولة إلى‬ ‫سبل الحياة أمرا مقبولا من طرف الجميع‬

‫رأس المال و مما ينتج وجها لا إنسانيا للعولمة‬ ‫‪ +‬ال كوني أضحى نقلا لخصوصية ما إلى مستوى‬

‫يضحي بالإنسانية لصالح الرأسمالية‪.‬‬ ‫للجميع‬ ‫صالح‬ ‫أنه‬ ‫يفترض‬ ‫معمم‬

‫‪ +‬العولمة إتجاه لا محيد عنه أي تمثل قدرا تار يخيا‬ ‫و هذا الإدعاء للصلاحية و الملاءمة يخفي‬

‫لا يمكن مجابهته لأن ضحايا العولمة في حالة عجز‬ ‫فائدة إقتصادية و خطرا حضار يا ← فالواقع أن‬

‫‪103‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫حيالها و لأن وجه العالم قد تشكل إيديولوجيا على‬ ‫ال كوني يهلك بالعولمة لأن عولمة التبادلات أو‬

‫شاكلتها‪.‬‬ ‫تبادل الانتاج يضع نهاية ل كونية القيم‪.‬‬

‫← العالمي ينمو و يتصاعد على حساب ال كوني‪.‬‬ ‫ال كوني اليوم يواجه إنحرافا و يلاقي تمردا من‬

‫← العالمي في قمة تأوجه و تألقه و يمتلك وسائل‬ ‫الخصوصيات إذ أن مفاهيم الديمقراطية‬

‫فعالة و مؤثرة وهو عنيف‪.‬‬ ‫و حقوق الإنسان أصبحت فاقدة لبر يقها‬
‫← العالمي هو تبادل الانتاج وهو إتجاه لا محيد‬ ‫و باهتة و فاقدة لكل دلالة أو ضحلة على الأقل‬
‫عنه و قدر لا رجعة فيه‪.‬‬ ‫و أضحت أشباحا ل كوني مندثر‪.‬‬
‫← ال كوني هو تبادل القيم وهو في طر يقه إلى‬
‫التلاشي‪.‬‬

‫← إذا ال كوني إلى إندثار فيعني ذلك موت الثقافات أو أن الإعلان عن موت ال كوني هو إعلان عن‬

‫موت الخصوصيات أي موت الإنسان في نهاية المطاف‪ .‬لأن كل الثقافات بصدد الإنهيار تحت تأثير العولمة بما‬

‫في ذلك الثقافة الغالبة و المسيطرة مما دفع بــبودر يار إلى التمييز بين كيفيتين لموت الثقافات فالثقافة المهيمنة‬

‫و المهيمن عليها كلاهما في حالة موت إذ تتعدد الأسباب و تختلف ال كيفيات ل كن الموت واحد و سبله هي‬

‫الــتاــلــيــة‪:‬‬

‫موت الثقافة الغالبة و ضحالة قيم ال كونية‬ ‫موت الثقافات المغلوبة أو موت الخصوصية‬

‫توسع و تعميم يفترض تنازلا إلى درجة الصفر‬ ‫رفض وإنغلاق يؤدي بها إلى الموت فالثقافات‬

‫يجعلها ضحلة‪ ،‬إذ الثقافة المهيمنة المسنودة بقوة‬ ‫المخصوصة يتم تدميرها عبر دمجها بالعنف‬

‫رأس المال و بفعل نشيط لتبادل الإنتاج و بقدرة‬ ‫و القوة داخل مسار كوني يحطم رموزها‬

‫إعلامية و المدفوعة بالحاجة إلى تقسيم عالمي للعمل‬ ‫و علاماتها و يحولها إلى مسخ مشوه للثقافة‬

‫تؤول إلى الموت أيضا لأن كل ثقافة يتم تعميمها‬ ‫السوق‬ ‫بديكتاتور ية‬ ‫المسنودة‬ ‫المسيطرة‬

‫تفقد خصوصيتها و تتلاشى إذ في تطلعها لل كوني‬ ‫وبإرهاب المؤسسة الإنتاجية و الإعلامي‬

‫تتنازل عن تفردها وعمقها و تستغني عن إختلافها‬ ‫والسياسية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫لتروج سطحها و تنزل بقيمها إلى درجة دنيا في‬ ‫‪ +‬الثقافة الغالبة في سعيها و تطلعها إلى ال كوني‬

‫عملية التفاوض من أجل الملائمة و التكيف‪.‬‬ ‫تحطم الرموز المغايرة لها إعتقادا منها بأنها عائق‬

‫بحيث أنها تصبح بلا هو ية أي أنها تسعى إلى‬ ‫أمام إنتشارها ‪ +‬تموت أثناء المواجهة و تكتفي‬

‫تحقيق فوائد و منافع عبر إرتقائها إلى ال كوني‬ ‫بحد أدنى مشترك ضحل و ضعيف لثقافة الإنسان‬

‫و تعميمه فتستأصل ملامحها و مميزاتها لتنتج قيما‬ ‫العالمي وهو الأدوات ‪ +‬تدخل الثقافة المنهزمة في‬

‫و تريد التلاؤم مع‬ ‫تشاركية صالحة للجميع‬ ‫أزمة مع رموزها بسبب تطلعها إلى ال كوني ‪ +‬في‬

‫الكل فتنتج معايير لإنسان إفتراضي و ليس إنسانا‬ ‫بحثها عن فوائد و منافع من الإنخراط في ال كوني‬

‫واقعيا له ما يميزه‪ .‬فهي تتخلى عن خصوصية مدججة‬ ‫تندفع إلى التنازل عن قيمها و معتقداتها و نسيجها‬

‫بالرموز لتتحول إلى ثقافة عار ية يتماهي معها‬ ‫الرمزي فتتنكر لنمط وجودها الأصيل في العالم‪.‬‬

‫الآخرين ‪ +‬شرط الإرتقاء إلى ال كونية يدفعها إلى‬ ‫← إنها تموت من جراء دمجها أو من جراء رفضها‬

‫و التجرد و يقحمها في تعميم مجرد‬ ‫التجريد‬ ‫الإنخراط في ال كوني فتنغلق على ذاتها بفعل‬

‫يسمح لها بإذابة الفروق ل كنه يقتلها بعنف فتعمد‬ ‫خوف مرضي يدفعها إلى الموت في خصوصيتها‪.‬‬

‫الثقافة المسطرة إلى خنق ذاتها و التنكر لأصالتها‬ ‫← تموت اعتقادا منها أن المصير المثالي يتمثل في‬

‫و تتنصل من جذورها لتسو يق نفسها كثقافة‬ ‫الإرتقاء إلى ال كوني أو تموت تحت تأثير رفضها‬

‫مقبولة و ناجعة‪.‬‬ ‫لل كوني بفعل المحافظة المشطة‪.‬‬

‫‪ +‬إن إنتاج ال كوني ليس مصيرا مثاليا لكل قيمة‬ ‫← إنها تندثر بفعل الترقي إلى ال كوني و بسبب‬

‫بل إن الإرتقاء إلى ال كوني هو تخفيف و تخفيض‬ ‫عدم تقدير الخطر المميت‪ ،‬أو أنها تندثر بفعل‬

‫من القيمة إلى الحد الأدنى لذلك فهو ليس ترق‬ ‫التنكر لل كوني‪ .‬فهي إما أن تموت في ال كونية أو‬

‫بل سلب و نفي و فعل تدمير و فرض الحضور‬ ‫تموت في الخصوصية‬

‫بالغياب‪ .‬أي تخلي عن الحضور بالغياب أو‬

‫بالتلافي لكل قيمة لا تجد رواجا عالميا و إن كانت‬

‫قيمة ‪ +‬يتم الهروب إلى أضعف قاسم مشترك‬

‫يتطابق مع أضعف مستو يات القيمة‪ ،‬نلحظ ذلك‬

‫في ضحالة المفاهيم التي كانت أساسا للعقل الغربي‬

‫‪105‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫و التي أصبحت أداة للإستعمال و ذر يعة أو‬

‫معيارا أداتيا للتوظيف مثل حقوق الإنسان‬

‫و الحر يات و الديمقراطية و حق تقرير المصير‪.‬‬

‫نستنتج مع بودر يار أن إرتقاء القيم إلى مصاف ال كونية يشكل موتا لها ‪ +‬هناك إعتقاد بغيض يعتبر أن‬

‫الترقي إلى ال كوني فعلا إيجابيا وهو بذلك لا يقدر الخطر المميت الذي يحيط بالثقافات ‪ +‬تكشف قراءة بودر يار‬

‫عن أن عبور الخصوصي إلى ال كوني يهدد بموته كما أن محايثة ال كوني للعالمي يهدد باندثار ال كوني فالواقع أن‬

‫ال كوني يهلك بالعولمة لأن العولمة تختزل التبادل في بعده المادي فتضع نهاية ل كونية القيم ‪ +‬العولمة تمثل خطرا‬

‫على الخصوصية و على ال كونية في آن واحد ‪ +‬مخاطر العولمة ناشئة عن منطق العولمة نفسه‪.‬‬

‫• في خطورة منطق العولمة‪:‬‬


‫‪ o‬ال كوني كما الخصوصي يهلك بالعولمة‪.‬‬

‫‪ o‬العولمة إعلان عن نهاية كونية القيم‪.‬‬

‫‪ o‬إنتصار للفكر الوحيد و تسو يغه على حساب ال كونية كواقعة‪.‬‬

‫‪ o‬إعتماد الخلط بين كل العلامات و تحو يل الرموز إلى بورنوغرافية متسترة حينا و معلنة غالب الأحيان‪.‬‬

‫‪ o‬التأسيس لحالة من الضياع و الفراغ و تخليق الفوضى‪.‬‬

‫‪ o‬العمل على خلق تماهي بين العالمي و ال كوني‪ ،‬بحيث يختلط نسيجهما و يعسر التمييز بينهما لأن ال كوني‬

‫نفسه تعولم‪ ،‬و تحول ال كيف إلى كم و آنقلبت القيم النوعية إلى مقادير كمية إلى درجة أننا نتحدث عن‬

‫معايير إحصائية للديمقراطية و عن مقادير للحقوق و عن وحدات قيس للحر يات‪ .‬إننا نتحول من الحداثة‬

‫كقدرة على تحو يل ال كيف إلى كم إلى ما بعد الحداثة كقدرة على جعل ال كيف كما‪ .‬و نحن بذلك نمر‬

‫من إبستيميا تكميم النوعية إلى فضاء ثقافي ما بعد حديث يقوم بنقل النوع إلى كم يسمح بتصنيف الشعوب‬

‫بغرض مكافئتها حين يقتضي الأمر ذلك و معاقبتها حين تجور المصلحة ذلك‪ .‬و مثل هذا الفعل‬

‫يستدعي إنشاء مراكز بحوث و مختبرات و مراصد و إخصائيين و عمال قيمة يسهرون على نقلها و تبادلها‬

‫و تسهيل عبورها للحدود كأي سلعة أو بضاعة‪ ،‬و لسوء حظ المجتمعات أن هذا المسار يجد موزعين محليين‬

‫‪106‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫و باعة متجولين لنسخ باهتة للقيم‪ .‬يدفعهم ولاؤهم لل كوني لفتح مطار ياتهم في أراضيهم حين تمطر في‬

‫أراضي أخرى‪.‬‬

‫‪ o‬عبور ال كوني إلى العالمي فعل تجانس و تفكك و إنحراف دائم و تمييز و إستبعاد مستديم و هذا هو المنطق‬

‫الذي يحكم العولمة و ينميها و يسمح لها بالحياة‪.‬‬

‫‪ o‬إن منطق العولمة هو التشكيك و الهدم دون أن تبني بدائل لذلك تتلازم مع فكر النهايات كفكر يعلن عن‬

‫نهاية الإنسان و عن نهاية التاريخ و عن نهاية العقل‪.‬‬

‫• في إمكانية التحرر من منطق العولمة‪:‬‬


‫قد يندفع البعض إلى إيجاد الحل في الماضي لأن أي أزمة تنتج فكرا إرتكاسيا يستعيض عن التفكير في‬

‫حاضره بالعودة إلى أصوله وأسلافه‪ ،‬غير أنه من التعسف التفكير في الحاضر بعقل أعد للماضي و التجربة لا‬

‫تعاد مرتين إلا في المخبر‪ .‬لذلك لا يجب النظر إلى الماضي على أنه ماضي الحقيقة و القيمة بل النظر إليه على أنه‬

‫ما ولى و آنقضى والتاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة‪ .‬لذلك فإن المحافظة ليست تحفظا و الإعتزاز بالهو ية‬

‫لا يعني الإنغلاق فالنزعة التي تحارب العولمة بهذا المنطق لا تقطع مع منطق العولمة ذاته وهي نزعة أصولية‬

‫و ليست نزعة أصيلة إذ الأصالة تعني الإعتزاز بالجذور و القدرة على محاورة العصر و النفاذ إلى رموزه‪ .‬في حين‬

‫أن الأصولية هي النكوص إلى الماضي و الإنغلاق فيه و عدم القدرة على التكيف مع مستجدات واقع حثيث‬

‫التغير‪.‬‬

‫إن الحل لا يكمن في الرفض لأنه سبب موت‪ ،‬كما أن الدعوة إلى الهروب إلى الوراء تتجاهل أن الثقافة‬

‫المحلية قد تم التأثير فيها و تبعثرت وتفككت ففي حالة رفض المركزي (الثقافة المهيمنة) ليست الأطراف أو‬

‫المحلي هو الذي يخلف المركزي بل المفكك و المشوة و النسخة و الشبح أو المنحرف‪ .‬إن الثقافات المحلية فعل‬

‫فيها الإنحراف بشكل لم تعد قادرة معه على أن تمثل حلا أو خارطة رمزية واضحة بل إنها خارطة مشوهة و غير‬

‫محينة‪.‬‬

‫فهل يكمن الحل في الاستسلام؟‬

‫إن الاستسلام للايديولوجيا المهيمنة و السير في ركاب العالمي لا يحقق شيئا لأن من يرتمي في أحضان‬

‫العولمة يصبح وجها غفليا يحقق طموحا غير طموحه و يحيا في رموز لم يبدعها‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يبدو أن أزمة العالمي تجد حلها في المستقبل أي في تطوير العولمة نفسها أو إقامة عولمة بديلة أو القيام‬

‫بحركة تصحيح ينبه لآنز ياحات العولمي و يفطن لمخاطره و يتسلح بالنقد في مواجهته و يراهن على عولمة تفسح‬

‫المجال للثقافات المحلية لتجد مكانا و مكانة‪ .‬عولمة تقوم على الحوار و التنافس و التكامل و الإبداع‪ ،‬عولمة تكف‬

‫عن كونها ثقافة لتؤسس لثقافة عالمية أو بتعبير سمير أمين يجدر المرور من ثقافة العولمة إلى عولمة الثقافة‪.‬‬

‫شروط التواصل الخلاق بين الثقافات‬ ‫‪.IV‬‬

‫كلود ليفي ستراوس عالم إجتماع فرنسي‪...1908‬‬

‫يبدو أن التفكير في ال كوني كإنساني لا يكون إنسانيا بحق إلا متى تأسس على إستحضار الآخر داخل‬

‫الهو ية‪ ،‬إستحضارا يكشف عن تصدع الهو ية كثبات و يشرع لمنظومات رمزية مختلفة الروافد تحيل إلى ثراء‬

‫تجربة الإنسان و قدرته على الإبداع و التواصل و الاستفادة من المختلف بغرض الإغتناء به دون السعي إلى‬

‫فرض سلطة عليه‪ .‬بيد أن الواقع الإنساني تتداخل فيه المفاهيم بشكل خادع يصعب معه التمييز بين ما ينشد‬

‫الحقيقة و المعرفة و التواصل و بين ما يرمي إلى الوهم و العنف و الإتصال بحيث توجد مفارقة بين قوة إتصالية‬

‫مدفوعة بنفوذ إقتصادي و سياسي تهدف إلى الهيمنة و النفوذ وبين رغبة في التواصل تدرك أننا نعيش في واقع‬

‫التنوع الثقافي المحكوم بقيم التعددية و المعبر عن أصالة كل جماعة و المعترف بحق كل ثقافة في التعبير عن‬

‫مقوماتها‪.‬‬

‫مثل هذا التوتر بين مفهوم الإتصال و التواصل يدعو إلى المساءلــــة‪:‬‬

‫‪ -‬إذا سلمنا بأن العقل واحد فبماذا نعلل الإختلاف؟‬

‫‪ -‬بأي معنى تكون الفروقات الثقافية عامل إثراء؟‬

‫‪ -‬هل التمسك بالأصالة دعوة إلى الأصولية‪ ،‬أي كيف نشرع لمحافظة دون السقوط في التحفظ؟‬

‫‪ -1‬في تقر يظ الإختلاف‪:‬‬


‫يرفض كلود ليفي ستراوس الأساس العرقي للثقافة معتبرا أن المغالطة القائمة على ربط الثقافة بالعرق‬

‫تخلط بين البيولوجي و الإجتماعي و النفسي‪ ،‬أي أنها تقوم على خلط لا أساس له بين فكرة بيولوجية للعرق‬

‫‪108‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫و الإنتاج الاجتماعي و العقلي و النفسي للثقافات‪ .‬و يؤكد أن نظر ية العرق هذه تهمل فعل التاريخ و تعتبر أن‬

‫الإنسان جوهر ثابت أو ماهية مسبقة على وجوده‪ .‬في حين تؤكد الدراسات الآنتربولوجية أن الإنسان ليس له‬

‫ماهية بل له تاريخ‪ .‬تنبع النظر ية القائلة بالأساس العرقي للثقافة من شوفينية تقوم على الإستعلاء و تهدف‬

‫لتأسيس مركز ية ثقافية تبرر للهيمنة و التمييز و الإسغلال‪ ،‬و الحجة على ذلك أن نظر ية الأساس العرقي تتصاعد‬

‫مع تنامي رغبة الديكتاتور يات في الهيمنة على محيطها الجغرافي و تصاحبها نزعة سيطرة على المجال‪ ،‬وهي عادة ما‬

‫تكون تبريرا للحرب و تعلة للتطهير العرقي أو للدمج الثقافي و الاجتماعي‪.‬‬

‫ل كن التاريخ يؤكد أن الإنسان ينجز رموز الخاصة و الملائمة له بفعل جملة من المحددات البيئية و تحت‬

‫تأثير التبادل الإنساني و تداخل الجماعات البشر ية بيحث لا يوجد عرق نقي لم يداخله عرق آخر و لا توجد‬

‫ثقافة لم تنهل من ثقافة مغايرة‪ .‬وهو ما أنتج تنوعا ثقافيا أسس للحضارة الإنسانية‪ .‬غير أن الإنسان لم يثمن حقيقة‬

‫التنوع مما دفعه إلى إدراكه كعامل تهديد للخصوصية و مما جعله لا يدرك التنوع في ثرائه بل صار يتوهم أن وجه‬

‫المختلف وجه مكروه مما حطم الإستعداد للتعاطف و التفاهم و مما ولد شدة التعصب‪.‬‬

‫يعترض لفي ستراوس على كل محاولات الرفض كما الدمج النابعة من الموقف التلقائي و النفسي المتسم‬

‫بالسذاجة و الخطورة و الداعي إلى إلغاء التنوع و صهره ضمن ثقافة النموذج وهو يعتبر أن لا معنى لحضارة كونية‬

‫و لا قيمة لثقافة عالمية ما لم تتعايش داخلها الثقافات‪ ،‬إذ الدعوة إلى التجانس دعوة إلى الموت و ليس إلى‬

‫الحياة ل أن قدر الثقافة التمايز و ليس التجانس‪ .‬إن التمايز و الفروق هو المنتج لتفاعلات تثري الواقع الذي هو‬

‫ثري أصلا‪.‬‬

‫يتمثل مشروع ليفي ستراوس في الدعوة إلى "تحالف الثقافات" مما يسمح لكل ثقافة بالتعايش و التأثير‬

‫و التأثر أي التفاعل مع ثقافات أخرى دون التنكر لمميزاتها و دون الزهد فيما تختص به‪ ،‬فتصبح أكثر ثراء‬

‫و أقدر على مواصلة الحياة و تثري الثقافات الأخرى مما يؤسس للحضارة التي تكون نتاج مساهمة الثقافات‬

‫المتنوعة فالحضارة ليست إلا إستراتيجيا مشتركة لثقافات مختلفة أو هي حوار ينبثق من التنوع و يحمل رسالة‬

‫مشتركة مضمونها واحد و لغاتها مختلفة‪ .‬إنها رسالة حقيقية تفسر لنا كثرة النظم الرمزية و تنوع أشكال التعابير‬

‫الثقافية و عدم نجاح أي مشروع تنميطي تمارسه الثقافة المهنية‪ .‬رسالة تفضح وهم المفاضلة المتستر بالإستبداد‬

‫و الذي يتعسف في إقناعنا بأن التاريخ ينحو منحى تصاعديا‪ ،‬و كأن للتاريخ غاية يسعى إليها و كأن كل تقدم في‬

‫الزمن هو تقدم في سلم العقلانية في حين أن حركة التاريخ لا تسعى إلى غاية لتتوقف عندها بل هي حركة متواصلة‬

‫‪109‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إلى ما لا نهاية بشرط أن نرفع عنها قوى الهيمنة و نضمن إحتكاكا غير صادم للثقافات ببعضها البعض و أن‬

‫تتوفر لكل خصوصية جاذبيتها المجذرة لها في بيئتها الفريدة و نقر بأن للخصوصية دلالة هي الفرق و الإختلاف‪.‬‬

‫إذا ثبت أن الحضارة الإنسانية إستراتيجية مشتركة تؤكد أن العقل واحد فبم نعلل الإختلاف؟‬

‫‪ -2‬في أن الإختلاف إستراتيجيا ال كوني‪:‬‬


‫• إن تعر يف الثقافة يسعفنا بفهم الإختلاف إذ تعني الثقافة أسلوب حياة مجتمع معين و أنماط تفكير‬

‫و سلوك و إعتقاد‪ ،‬أي قدرة رمزية على التلاؤم مع المحيط الطبيعي و الإنساني‪ .‬و من هذا التعر يف نستنتج‬

‫دلالة الخصوصية بما تعنيه من فروق و آختلافات‪.‬‬

‫• كما أن أسباب الإختلاف طبيعية و تار يخية إذ أن البشر ية لم تكن بوفرة عددية عالية طيلة ألاف من‬

‫السنين بحيث كانت المسافات شاسعة تفصل بين الجماعات البشر ية فكان من الطبيعي أن تطور كل جماعة‬

‫سمات خاصة بها في علاقة ببيئتها و بهذا الشكل ظهرت هو يات ثقافية متنوعة في مستوى أدواتها المادية‬

‫و في مستوى قيما و تصوراتها و رؤ يتها للإنسان و للعالم‪.‬‬

‫• و ما يفسر الإختلاف أيضا هو التباعد الجغرافي إذ الفوارق نتجت عن العزلة كما نتجت أيضا عن التجاور‬

‫كرغبة من التمايز و تأكيدا للخصوصية‪.‬‬

‫يتأكد أن التنوع له ما يفسره بحيث يرتقي إلى مستوى القيمة التي يجب تأكيدها ففي تقر يظ الإختلاف ما‬

‫يؤسس للإقرار بــــــأن ‪:‬‬

‫‪ -‬الإختلاف عامل تجميع أكثر مما هو فعل انعزال‪.‬‬

‫‪ -‬الإختلاف واقعة إجتماعية و إنسانية بمعنى أنها موجودة داخل المجتمع الواحد إذ تعمل كل فئة أو‬

‫طبقة أو جماعة أو طائفة على تنمية رموز خاصة تنفرد بها و ترسم صورة لذاتها تشكل وعيها‪ .‬و يتجه هذا‬

‫التنوع الداخلي إلى مزيد النمو كلما أصبح المجتمع أكثر تجانسا‪ .‬وهي موجودة أيضا بين الثقافات بحكم‬

‫الإختلاف الطبيعي و المناخي و بحكم تنوع العناصر الم كونة للفضاء و الكائنات و المواد المتوفرة فيه‪.‬‬

‫‪ -‬الإختلاف حركة لا تدرك على نحو ساكن وهو مصدر إبداع و عامل تقدم وهو يوسع من أفاق النظر‬

‫و يسمح بإدراك العالم و تمثله وفق منظور يات متعددة يجعلنا نرى على نحو مغاير و يؤسس لسبل غير‬

‫‪110‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مسلوكة سابقا و لدروب جديدة فيحررنا من التشابه و التماثل و المحاكاة و المعاودة التي لا إختلاف فيها‬

‫و يحمينا من العودة إلى نفس المسالك دائما‪.‬‬

‫‪ -‬يسمح الإختلاف بالخروج من ذواتنا من أجل العودة إليها بعد نقد إذ هو قدرة على تحريرنا من رؤ ية‬

‫واقعنا على انه الأمثل حيث يدفعنا المختلف إلى اليقظة و يخلصنا من النوم و ينبهنا لحدودنا لأن اللقاء‬

‫بالمختلف يرج الذات و يدفعها إلى إعادة النظر في أدواتها و رموزها و حقائقها‪ ،‬فهو يميط اللثام عن‬

‫ثبات قاتل لها و يحفزها إلى إبتكار سبل جديدة مما يعني أن الإختلاف عامل تجديد و قدرة على المراجعة‬

‫و التصحيح و التعديل‪.‬‬

‫هل الإختلاف عامل تهديد للخصوصية؟‬

‫ما يهدد الخصوصية ليس الإختلاف و إنما نفي الإختلاف طالما أن الهو ية الثقافية قائمة على الخصوصية‪.‬‬

‫إن الخصوصية تفرض الإختلاف كأساس خلاق لها و كشرط لتفردها و لتواصلها لأن التفر يط‬

‫و التفويت في الخصوصية يعطل كل فعل إبداعي‪ ،‬كما أن الهو ية لا تضيع بفعل التنوع و الخصوبة و إنما بفعل‬

‫تحولها إلى مسخ ينذر بإغترابها و ضياعها و آفتقارها لمعيار للحكم على الأشياء و أفق تتطلع له وفقدانها لمشروع‬

‫تنخرط فيه‪.‬‬

‫إضافة على ذلك فإن الخصوصية الثقافية مهددة لا بفعل الإختلاف و إنما بسبب الإفراط في الإتصال‬

‫إذ يحولنا الميل إلى المعرفة الدقيقة بكل ما يجري في الأجزاء الأخرى من العالم إلى مستهل كين للبضائع‬

‫و العلامات و الرموز‪ ،‬فالخطر يتمثل في العولمة التي تسوق لقيم إستهلاكية تنذر بإنتشار القيم الكمية على حساب‬

‫القيم النوعية‪ ،‬و تخبر عن إنفتاح للسلع و ليس عن إنفتاح على المعارف الأخرى و المنتجات الثقافية الأخرى‪،‬‬

‫إن الإفراط في الإتصال يؤدي إلى العزلة فتنامي أدوات الإتصال و التفنن في إنتاجها لم يفض إلى تواصل بل‬

‫إلى بث هادف إلى التأثير‪ .‬إنه تكنولوجيا الهدف منها التأثير في الأشخاص من أجل تنشيط السوق مما حول‬

‫الثقافة إلى سوق و القيم إلى بضاعة و الرموز إلى إيحاءات و الفضيلة إلى تسوق و السعادة إلى رغبة في التبضع‬

‫و المساواة من مساواة في الحقوق إلى مساواة في الإستهلاك و اللذة إلى متعة حسية و سعادة معروضة أمام‬

‫الآخرين مما أفقد الأفراد و الثقافات كل خصوصية و مما جعلهم يسل كون الدروب نفسها‪.‬‬

‫إن الإفراط في الإتصال ينفي الإبداع فضلا عن الخصوصية فالحد الأدنى من الإتصال كاف حتى‬

‫تتمكن ثقافة ما من إنتاج ماهي في حاجة إليه و في ظل شروطها الخاصة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫← إن الثقافة تتهدد بخطرين وهــماــ‪:‬‬

‫‪ /1‬إفراط الثقافة في الإتصال‪.‬‬

‫كلاهما يهدد بموت الثقافة و غياب قدرتها الإبداعية‪.‬‬

‫‪ /2‬إفراط الثقافة في الإنغلاق‪.‬‬

‫فهل يعني ذلك ضرورة التخلي عن الإتصال في بعده الأدواتي أم الإنخراط في ال كونية دون حدود؟‬

‫الحدان فيهما إفراط و فيهما تفر يط و يتمثل الحل فــــي‪:‬‬

‫‪ -‬ضرورة الإتصال و الإستفادة منه و التحكم في أدواته بالقدر المحقق للحاجة دون تزيد‪ ،‬مع الحرص على‬

‫بقاء الإنسان مالكا لأدواته خشية أن يتحول إلى ملك لها أي بقائه سيدا على أدواته و عدم تحوله إلى‬

‫مسود من طرفها‪ ،‬و استعمال الأدوات و سائل لقاء و حوار و شحنها بمضمون إيتيقي و توظيفها‬

‫كفضاءات للتثاقف الخالي من الهيمنة أي إمكانية السيطرة عليها مع إمكانية التحرر منها و العودة إلى‬

‫التحالف مع الطبيعة و الإرتباط بالواقع حتى لا تتحول وسائل الاتصال إلى أدوات تجريد معمم‪.‬‬

‫‪ -‬بقدر ما تكون الثقافة معزولة بقدر ما تؤسس لموتها و فقدان قدرتها على أن تكون متفوقة لأن الإنغلاق‬

‫إنضاب لروافد الثقافة و تجفيف لمنابعها و حرمانها من أطياف كانت ستغني مشهدها‪.‬‬

‫‪ -3‬شروط التواصل الخلاق بين الخصوصيات‪:‬‬


‫يدعو ليفي ستراوس إلى توفير شروط التواصل بين الثقافات التي تتمثل فــــ ي‪:‬‬

‫• النظر إلى أن العقل واحد هنا و هناك‪ ،‬أي أن الثقافات نشأت من جذع مشترك‪.‬‬

‫• النظر إلى التنوع على أنه واقع طبيعي للمجتمعات في بنيتها الداخلية و للثقافات فيما بينها‪.‬‬

‫• ال كوني لا يحتاج إلى تأسيس بل هو معطى تار يخي يحتاج إلى الوعي به و حمايته‪.‬‬

‫• الخصوصي ليس خطرا على الحضارة بل هو عامل إثراء و محافظة على ال كوني‬

‫• لا يجب السقوط في الأصولية بحجة الأصالة لأن الأصالة هي الإعتزاز بالإنتماء و الإرتباط بالجذور‬

‫دون رفض لمنطق التغير و لفعل التاريخ‪ .‬في حين أن الأصولية هي الإنقطاع عن الحاضر و رفض‬

‫الحوار و الإنغلاق و العودة الغير واعية إلى الأصول‪ .‬كما لا يجب السقوط في التحفظ بحجة المحافظة‬

‫إذ المحافظة تعني حماية الخصوصية من الإندثار و التلاشي عبر دعمها بالمختلف و النهل منه و الإنخراط‬

‫‪112‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫في كوني صالح‪ .‬أما التحفظ فهو أن يجثم الإنسان على إختلافه و يرفض التواصل و يرى في المغاير‬

‫وجه مكروها و يتحفظ من لقائه فيسقط في العنف‪.‬‬

‫• أن تكون الثقافة وفية لجذورها و تمتلك يقينا يمثل مرجعية للحكم على الأشياء و معيارا للتقييم‬

‫و مقياسا للفعل و الممارسة أو إطار و أفقا بتعبير تشارلز تيلور يمنح الأشياء معناها و يكسب الفعل‬

‫رهانه و يضفي على الوجود دلالة و قيمة بحيث تنخرط الثقافة في مشروع يكون مشروعها ولا يكون‬

‫إملاء و لا محاكاة‪ .‬مشروع يرفض الجمود في الموجود و الإنغلاق على الثوابت و لا يتنكر لمنطق‬

‫التاريخ‪ ،‬مشروع يرتبط بالإبداع و الخلق المنطلق من الهو ية و الساعي إلى ال كونية‪ ،‬يسهم بفنه‬

‫و أدبه و معتقداته و مقدسه و فلسفته في حضارة كونية‪.‬‬

‫تلك هي الشروط التي تجعل الثقافة لا تعيش أزمة مع ماضيها و لا إنقطاعا عن حاضرها‬

‫و لا عزوفا عن مستقبلها‪ ،‬وهي شروط ثقافة مستيقظة حية و نشيطة‪ ،‬متحفزة للمستقبل‬

‫و مستعدة للقاء المختلف و قادرة على تحمل عناء اللقاء بالثقافات الأخرى‪.‬‬

‫• شرط التواصل يتمثل في الإنطلاق من الخصوصية كتنوع بحاجة إلى تنمية و كتفرد يسمح بالرسوخ‬

‫في ال كونية‪ ،‬لأن الموجود حقيقة هو الإختلاف‪ .‬ينبغي إعتبار ال كونية إستراتيجيا تشترط‬

‫الخصوصيات عناصر لها و يتحتم النظر إلى الخصوصي على أنه ما نحيا فيه و إعتبار ال كوني هو ما يحيا‬

‫فينا‪ .‬لذا من الواجب تنمية الخصوصي إذا رمنا إبداع ال كوني أو على الأقل إنقاذه من التلاشي تحت‬

‫تأثير إرتباطه بالعولمي و التفاف العالمي القائم على الإتصال و ليس على التواصل‪ ،‬فالإتصال غالبا‬

‫ما يكون أحادي الإتجاه و يفترض علاقة هيمنة و تبعية في حين أن ال كوني رهانه التواصل الذي‬

‫يعني إقامة علاقات تعتبر الآخر شر يكا في العالم و النظر إلى البشر على أنهم مواطنوا كوكب واحد‬

‫و يشتركون في المصير و يسعون إلى تجاوز العزلة بالتفاعل و التبادل و الإشتراك في التفكير و في‬

‫الممارسة‪ ،‬يتقاسمون الوجود معا‪ ،‬يسعدون بذواتهم و بعالمهم و يشغفون بلقاء المختلف بعيدا عن‬

‫الهيمنة و الإستبداد و التهميش‪ ،‬يعتبرون أنفسهم ضيوفا في الوجود و يهيؤون للغير شرط و ظروف‬

‫الضيافة ال كونية كما يدعو إليها فيلسوف ال كوني كانط‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫في الحاجة الأنطولوجية و الثقافية لل كوني‬ ‫‪.V‬‬

‫أو المطلب الأخلاقي و السياسي لل كوني‬

‫كاـــنــــــط ألماني ‪1804-1724‬‬

‫لئن كانت المقاربات الأنتربولوجية لل كوني تختزل في وصف واقع التنوع و فهم آليات إشتغال الثقافات‬

‫و تحديد بناها و تفكيك عناصرها و الوقوف على كيفيات التبادل الرمزي‪ ،‬متسلحة في عملها بمنهج تار يخي‬

‫يكتفي يتوصيف الواقع‪ .‬فإن المقاربات الفلسفية لل كوني وإن إنطلقت من فهم فهي لتجاوزه من أجل تحديد ما‬

‫ينبغي أن يكون عليه ال كوني علما و أن الفيلسوف يؤسس لواقع منشود‪ ،‬لذلك تتسلح المقاربات الفلسفية بمنهج‬

‫تأسيسي يدرك أن الإنسان ليس خاضع للقيم بل واضع لها‪ .‬و بهذا الوعي بمهمة الفلسفة و بما ينبغي أن يكون‪،‬‬

‫فكر كانط في ال كوني و تعقل شروط إمكانه و رسم مجالاته ونبه إلى حدوده‪ ،‬معتبرا أن الأرض وطن للجميع‬

‫و أن علاقة الإنسان بالإنسان لا يجب أن ينظر إليها من جهة المحبة بل من جهة الحق‪.‬‬

‫‪ -‬فما الذي يؤمن إحترام هذا الحق؟‬

‫‪ -‬و كيف نتجاوز التعارض بين حق الضيافة ال كونية و واقع الصراع السياسي؟‬

‫‪ -‬و بأي معنى يكون الدستور ال كوني رهانه إقامة سلم دائمة بين الشعوب أساسها القيمة و ال كرامة؟‬

‫يعتبر كانط أن أكبر مشكلة تواجه النوع البشري وهو مجبر على حلها هي إقامة مجتمع مدني قائم على‬

‫الحق ال كوني و المواطنة ال كونية يضمن إحترام الفرد للغريب و يؤمن حق الضيافة و يحدد للأجنبي واجبه تجاه‬

‫الثقافة المضيفة‪.‬‬

‫يضع كانط شروطا للحق السياسي كحق يضمنه القانون لكل إنسان في إطار الدولة حيث يكون القانون‬

‫عاما و شاملا و كونيا أي مفهوما ما صدقا‪ ،‬يصدق على كل الناس و بنفس الصفة و دون تمييز أو إستثناءات‬

‫بين البشر و يضمن لهم حق التنقل وهو حق يقوم على أساسين متلازمين همــــاــ‪ :‬التسليم بالحر ية و إرساء‬

‫النظام على أساس عقلي‪.‬‬

‫و غاية هذا الحق تجاوز تناقضات الواقع و تجاوز الحرب و إقامة علاقات سلم‪ .‬و السلم في نظر كانط‬

‫ليس ما يقابل الحرب بقدر ما هو القضاء على كل الأسباب المؤدية إليها و آجتناب أسسها عبر إنشاء دستور‬

‫‪114‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫سياسي كوني يضمن الحر ية و يخضع الجميع إلى تشر يع واحد ينطبق على الكل دون تمييز أو تفرقة و يرى في‬

‫البشر كائنات عاقلة و حرة لهم الحق في المساواة‪.‬‬

‫و يفترض كانط أن الذات مشرعة على مستوى الأخلاق بما أن الإنسان كما يحدده كانط ليس كائن‬

‫رغبة و آنفعالات بل هو كائن عقل يشرع لوجوده الأخلاقي و السياسي عن طر يق الإستقلالية‪.‬‬

‫إنطلاقا من هذا التعميم لمفهوم الإنسان يؤكد كانط أن الإنسان مواطن كوني و أنه من الضروري‬

‫القبول بحق الضيافة لكل إنسان و إقامة دستور كوني‪.‬‬

‫‪ -‬فما هي براهين إثبات حق المواطنة ال كونية؟‬

‫‪ -1‬أسس إقامة الحق ال كوني في الضيافة‪:‬‬

‫لقد كان كانط الوريث الشرعي للفيز ياء الحديثة مما جعل حجته تستند إلى إقرار علمي يتمثل في كرو ية‬

‫الأرض و محدوديتها إذ الشكل ال كروي للأرض يحيل على الدائرةكمجاز منته و مغلق مما يعني أن الإنسان يعيش‬

‫في كوكب محدود و مغلق و يدفعه هذا الوعي بتناهي ال كوكب و آنغلاقه إلى أن كل البشر يتواجدون في نفس‬

‫الدائرة و مصيرهم اللقاء لأن الإنسانية تتكاثر و تمتد داخل نفس المكان المحدود مما يجعل لقاء الإنسان بالإنسان‬

‫حتمية‪ .‬لهذا يدعو كانط إلى ضرورة أن يتحمل الناس بعضهم بعضا‪.‬‬

‫أما الحجة الثانية فتتمثل في المل كية المشتركة لسطح الأرض التي تمنح كل البشر حق تملك جزء منها‬

‫و بهذا الحق يجوز للجميع إستضافة الجميع‪ ،‬و يحق لكل فرد أن يزور أي مكان من الأرض لأنها أرض الجميع‪.‬‬

‫فهو يقيم حجته على أسبقية و جود الأرض على وجود الإنسان‪ ،‬ففي الأصل ليس لأي إنسان حقا أكثر من‬

‫غيره في التمتع بمنافع الأرض فحق مل كية الأرض ليس حقا مطلقا لأن العالم الذي نعيش فيه سابق في وجوده‬

‫على القسمة بيننا‪ ،‬فهو كان موجودا قبلنا و لم يكن ملكا لأحد‪ ،‬كما أن وجود أي إنسان على الأرض حادث‬

‫عرضي ومؤقت مما يشرع للإستفادة و الإنتفاع و التنقل في أي مكان كحق للجميع إذ أن الحدود المرسومة بدقة‬

‫أمر لاحق و ليس أمرا طبيعيا‪.‬‬

‫إن لأسبقية وجود الأرض على وجود الإنسان معنى جذري و عميق و دلالة حاسمة مفادها أن الأرض‬

‫وطن للجميع و من حق الجميع الإقامة فيه و معناها أننا مواطنو عالم واحد‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل كن الواقع الراهن لسوء الحظ لا يقوم على هذه الأخلاقية بل تقف كل أمة حارسة لحدودها مانعة حق‬

‫الز يارة رافضة حق الضيافة حيث يسمح بآنتقال المواد و المنتوجات و البضائع و السلع و رأس المال و بمرونة‬

‫شديدة و في المقابل توصد أبواب اللقاء الإنساني بعنف‪.‬‬

‫هذا التأسيس الكانطي للحق لا يجد صداه في عالم تندفع فيه الدول الغنية إلى إقامة جدران عازلة‬

‫و أسلاك شائكة أمام التواصل و تبقي فقط على وظيفة التوصيل و التي إن فتحت بواباتها للمغاير فبمنطق الشفقة‬

‫و الرأفة و وفق منظور ية المحبة و هذا ما يرفضه كانط الذي يعتبر أن ما يضمن إحترام الغريب ليس المحبة و إنما‬

‫الحق‪.‬‬

‫‪ -‬فما الفرق بين أخلاقية الحق و أخلاقو ية المحبة؟‬

‫يميز كانط بين الحق و المحبة كاــلتاــلــــي‪:‬‬

‫المحبة‬ ‫الحق‬

‫أساسها عاطفي ‪ -‬تقوم على إنفعال ‪ -‬غير دائمة‬ ‫أساسه عقلي‪ -‬يقوم على تعقل‪ -‬دائم و ثابت‬

‫و تتغير بتغير نظرتي للآخر ‪ -‬ترتبط بظروف لحظية‬ ‫و غير متناقض و لا يرتبط بما هو جزئي‬

‫و مؤقتة ‪ -‬حق لأشخاص و ليس حق لكل البشر ‪-‬‬ ‫و خاص‪ -‬يرتبط بالإنسان في مفهومه و في‬

‫ترتبط بمظهر لا بمفهوم مجرد للإنسان ‪ -‬خاصة –‬ ‫جوهره و ليس في مظهره ‪ -‬يشمل كل البشر‬

‫ظرفية – جزئية – محدودة – متناقضة تتأسس على‬ ‫دون استثناء ‪ -‬صادق على الجميع و بنفس الصفة‬

‫تمييز ‪ -‬و ذات طابع جزئي تؤسس لردود أفعال ‪-‬‬ ‫‪ -‬شامل و عام ‪ -‬مطلق كلي و كوني‪.‬‬

‫تتأسس على الغير ية بما تتضمنه من رأفة و إحسان‬ ‫الحق سنده قانوني ذو طابع عمومي يؤسس‬

‫و إيثار ‪.‬‬ ‫لدستور كوني ‪ -‬يتأسس على ال كونية التي لا‬

‫ترى في الأخر آخر بل ترى فيه الإنسانية‪.‬‬

‫فما رهانات الدستور ال كوني؟‬

‫و على أي نحو يتم إجلاؤه؟‬

‫‪116‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -2‬رهانات الدستور ال كوني‪:‬‬


‫يراهن الدستور ال كوني على إقامة علاقات سلمية بين دول متباعدة‪ ،‬كما يهدف إلى تقنين العلاقات بين‬

‫البشر و النظم السياسية و يسعى إلى إقامة سلم دائمة أي إقامة ميثاق أو عقد يضمن إستئصال أسباب الحرب‬

‫و يؤمن حقوق كل البشر خارج نطاق الدولة القطر ية‪.‬‬

‫و يتجلى الميل إلى ال كوني أو هذا الإقتراب أكثر فأكثر من دستور سياسي كوني ف ي ‪:‬‬

‫* مستوى أنطلوجي‪ :‬حيث أن الأرض بحكم تناهيها و دائرتيها تحتم اللقاء بين البشر‪.‬‬

‫* مستوى ثقافي‪ :‬إذ طالما شكل حق الضيافة و الإقامة و الز يارة قيمة مضافة بالنسبة للثقافات المضيفة‬

‫بموجبه إزدادت تنوعا و خصوصية‪.‬‬

‫* مستوى سياسي‪ :‬وهو الأهم حيث يتخذ ال كوني شكل الدستور ال كوني الذي ينظم العلاقات المتبادلة‬

‫بين الدول و يؤسس لقوانين عامة و مؤسسات و منظمات كونية تأخذ في إعتبارها أن الإنسان مواطن كوني‪.‬‬

‫كما يحد هذا الدستور ال كوني من إستبداد الدولة القطر ية وهو دستور يؤسس ل كونية لا تنظر للآخر كغير أو‬

‫كوجه مختلف عن الذات بل ترى فيه ذاتها ترى إنسانيتها في كل إنسان حيث أن مرادف الأنا ليس الأخر‬

‫كغريب بل الإنسانية الكامنة فيه بوصفها إنسانيتي فيدرك الإنسان كجوهر مجرد و كمفهوم مطلق خال من كل‬

‫تحديد أو مظهر خارجي قد يضعف من إنسانيته وهي كونية تتجاوز دلالة الغير ية التي قد ترتبط بعاطفة أو إحسان‬

‫أو شفقة أو إيثار‪.‬‬

‫انه دستور كوني سياسي يقر سلما دائمة بين البشر و يضع حدا لحالة الفوضى و النزاع و الحرب‬

‫والتناقض‪ .‬وهو لا يعني تحطيم سيادة الدولة أو التقليص من دورها و إنما يعني فقط دعم حقوق الإنسان‬

‫ال كونية عبر إنشاء منظمة أو فدرالية دولية تتجاوز الخصوصية دون نفيها و تقدر بال كونية دون تضارب مع مصالح‬

‫الدول المخصوصة‪.‬‬

‫* مستوى أخلاقي‪ :‬وهو أساس المشروع السياسي ال كوني لأن البعد الأخلاقي هو المؤسس للبعد السياسي‬

‫و هذه ال كونية الأخلاقية تظهر أولا‪ :‬في مستوى المبدأ لأن الفعل الأخلاقي لا يقاس بنتائجه بل بمبادئه‪ ،‬أي‬

‫أنها أخلاقية لا ترتبط بنتائج نافعة للبلد المضيف و لا بتوظيفات للضيافة في الضغط على الدول‪ .‬و تظهر ثانيا‬

‫‪:‬في مبدأ الكلية بحيث يتصرف الإنسان و كأن سلوكه سيكون قانونا عاما لكل الناس‪ ،‬أي سلوك الإنسان لا‬

‫يكون أخلاقيا حقا إلا إذا كان إلتزاما بالواجب الأخلاقي كواجب عقلي ينبع من إرادة عاقلة و حرة يقطع‬

‫‪117‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مع الحساسية (المحبة) و يفترض أن يكون قانونا عاما ينطبق على الجميع دون إستثناء و يتجاوز ما هو جزئي‬

‫و خاص و نفعي و إجتماعي‪ .‬كما تتجلى هذه ال كونية ثالثا‪ :‬في قيامها على مبدأ الإنسانية التي تنظر للإنسان بوصفه‬

‫غاية و ليس وسيلة و تقوم بتعميم مفهوم الإنسان على كل إنسان أي لا تجعل فكرة الإنسان منحصرة في فئة أو‬

‫جماعة أو جنس أو لون و لا تجعلها ضيقة في حدود مكانية أو زمانية بل تنظر للإنسان بوصفه فكرة و ترى في‬

‫كل إنسان تجسيدا لها أو صورة متعينة و حسية لجوهر مطلق و إنساني‪ ،‬و تعتبر كل إنسان جدير بالإحترام‪،‬‬

‫و الإعتقاد أن الإنسان إنشاء تربوي و رهان إجتماعي و حضاري يصلح أمره بقطع أسباب إنحرافه عن‬

‫إنسانيته بتوفير شروط أفضل لإجلاء ذاته كإنسان‪.‬‬

‫يؤسس كانط لأخلاقية الواجب التي ترفض النظر إلى الإنسان كوسيلة لتحقيق أغراض خاصة‬

‫و جزئية بحيث يفعل الإنسان و كأن الإنسانية في شخصه و في شخص الآخرين غاية و ليست وسيلة‪ .‬وهي فلسفة‬

‫تأمل في أن يكون الإنسان أكثر إنسانية مما هوعليه‪ .‬إنها فلسفة أمل في الإنسان هو أمل في كون الإنسان في‬

‫واقعه التار يخي المخصوص يكون قادرا على إستحضار ال كونية و الإنسانية و الكلية فيه‪.‬‬

‫وأخيرا تتجلى هذه ال كونية في فكرة ال كرامة الإنسانية التي تنبع من منظور سياسي‬

‫و أخلاقي يقوم على تصور آنطولوجي للإنسان يقر بأن للإنسان ماهية مشتركة بين البشر جميعا‪ ،‬ماهية عاقلة‬

‫و كونية‪ ،‬ترى ال كرامة قيمة تسم الإنسان بصفته كائنا إنسانيا‪ ،‬أي أنها قيمة ذاتية لكل إنسان‪ ،‬فالناس ليسوا‬

‫متساوون في الأشياء المادية بل في ال كرامة‪ ،‬فال كرامة هي ما يميز الإنسان عن بقية مكونات العالم وهي الشرط‬

‫اللازم الذي وحده يجعل شيئا ما يكون غاية في ذاته‪ .‬فالإنسانية تعني ال كرامة أي أن يعامل الإنسان كإنسان‬

‫من طرف الإنسان و من جهة كونه غاية و هي تسمو بالإنسان عن أن يكون مجرد شيء‪.‬‬

‫إن ال كونية ليست حاصلة‪ ،‬كما أنها ليست معطى واقعيا‪ ،‬و إنما الكلية هي تعبير عن عقيدة و رؤ ية‬

‫يعترف بمقتضاها الإنسان بالإنسان في كل إنسان‪.‬‬

‫و هذه الرؤ ية ليست ممكنة إلا بمقتضيات سياسية و حقوقية مما يطرح مشكل العلاقة بين ال كونية‬

‫و حقوق الإنسان‪ .‬و بين الخصوصية والديمقراطية‪ .‬بحيث أن حقوق الإنسان لا تصبح واقعا فعليا إلا في إطار‬

‫نظام سياسي ديمقراطي يفترض وجود التعددية كواقع بحاجة إلى إنماء يحمي الحق في الإختلاف و يدعمه‪.‬‬

‫‪ -‬فما طبيعة العلاقة القائمة بين الحقوق الإنسانية و الخصوصية و ال كونية؟‬

‫‪ -‬أي هل حقوق الإنسان كونية أم تتلون و تصطبغ بالخصوصية؟‬

‫‪118‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -3‬التأصل في الخصوصية أصل ال كونية‪:‬‬


‫تشكل فلسفة كانط محاولة أصيلة و جدية و قاعدة أساسية لكل مجتمع يسعى إلى أن يجعل من وجوده‬

‫التار يخي و من ثقافته و رموزه إرادة قوة فعلية تجدد في قيمه و حقائقه وغاياته‪ .‬و تزداد فلسفة كانط قيمة مع‬

‫تحولها إلى أساس للتفكير المعاصر‪ ،‬و خصوصا مع راولز و فلسفته السياسية حول الفعل التواصلي و الفضاء‬

‫العمومي أو مع كارل أوطو آبل و فلسفته حول أخلاق الحوار و التواصل أو مع هابرماس و نظر ية الفعل‬

‫التواصلي‪.‬‬

‫و تزداد فلسفة كانط قيمة اليوم إنطلاقا من إعتبارها أن العمومية الثقافية لا تستقل عن العمومية‬

‫السياسية حيث يخرج الإنسان من ذاتيته بفعل التواصل و التداول الإجتماعي إلى شكل جماعي تشاركي جوهره‬

‫سياسي و يستدعي القدرة على الحجاج و التوافق و التعارض دعامة لهذا الخروج من الحساسية الذاتية إلى الحساسية‬

‫الثقافية العمومية‪.‬‬

‫و يميز كانط بين نوعين من الغايات الإنسانيــــ ة‪:‬‬

‫* غايات السعادة‪ :‬وهي ما يسعى الإنسان إلا تحقيقه في إنشداده إلى الطبيعة و آستعمالها في إطار ما هو‬

‫معطى أو في إطار ما تهبه إياه الطبيعة‪.‬‬

‫* غايات الثقافة‪ :‬وهي تتجاوز النظام الأولي للطبيعة وهي غايات أخلاقية و سياسية و ثقافية بآعتبار أن‬

‫الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تمثل الغايات و تحقيقها‪.‬‬

‫وهو الوحيد الذي يستطيع تأسيس نظام للوجود يحتكم إلى غايات أخلاقية سياسية و إجتماعية‪ .‬فنظام‬

‫الثقافة هو ما يسمح للإنسان بالإكتمال بفضل ما يبدعه بواسطة عقله و بآستقلال عن الغريزة‪ .‬و هو ما يمكن‬

‫الإنسان من الحياة مع الغير بفضل الثقافة التي تعني قدرة تقنية على إستثمار الطبيعة‪ ،‬و قدرة على تصميم الغايات‪،‬‬

‫فهي عقل تقني و عملي بالمعنى الكانطي للعمل كتأسيس لما هو أخلاقي و سياسي و إجتماعي‪ .‬و الذي يستوجب‬

‫الإنفتاح على خبرات الغير و فكره‪ ،‬ل كي يصبح الإنسان أكثر تحضرا طالما أن التحضر يعني الخروج من الخضوع‬

‫للميولات المحسوسة نحو التواصل مع الغير لأن التواصل يمثل مجالا للإشتراك في الفضاء العمومي الذي لا يكون‬

‫فضاء لتداول القيم الذوقية و الثقافية فحسب بل أيضا مجالا لتبادل القيم السياسية و المدنية‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يؤكد كانط التحايث بين المجال الثقافي و المجال السياسي إذ أن العمومية الثقافية تلتقي مع العمومية‬

‫السياسية و تدعمها‪ .‬مما يعني ضرورة تجاوز ماهو جزئي نحو ما هو كلي و يضع كانط قواعد للارتقاء إلى ال كوني‬

‫المنشود أو قواعد لحكمة عملية تؤسس للعلاقة مع الغير وهــــي‪:‬‬

‫‪ -‬أن تنطلق كل خصوصية فردية كانت أو ثقافية من ذاتها أي أن تفكر كل خصوصية إستنادا إلى‬

‫إمكانياتها الخاصة و أن تكون فاعلة و خلاقة و أن تنتج قواعدها دون تبعية للغير‪.‬‬

‫‪ -‬أن تكون الخصوصية متلائمة و متماسكة مع ذاتها و مراعية للعقل و متقيدة بمبادئه‪.‬‬

‫‪ -‬أن تكون متجاوزة لشروطها الذاتية و الخاصة عبر ضرورة الإنفتاح على الغير و متخلصة من كل وثوقية‬

‫ذاتية مما يؤهلها للإنخراط في ال كوني‪.‬‬

‫عند الإلتزام بهذه القواعد أو هذه الشروط يكون التواجد في العالم عقلانيا و يؤسس للإنفتاح على الغير و يكون‬

‫أصيلا و مستقلا في آن واحد‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫التسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق الإنسان و آصطدامها بالخصوصيات‬ ‫‪.VI‬‬

‫أو علاقة الخصوصية و ال كونية بحقوق الإنسان‬

‫جــون راولـــز ‪ -‬فيلسوف أمريكي ‪2002-1921 :‬‬


‫يــورغــن هاـــبــرماـــس ‪ -‬فيلسوف و عالم إجتماعي ألماني ‪.....1929‬‬

‫إذا سلمنا بأن الجدل بين الثقافات و الأنظمة الرمزية يزداد اليوم إحتداد في سياقات عديدة فإن المجال‬

‫الأكثر إثارة للجدل في حاضرنا الراهن هو المتعلق بحقوق الإنسان إذ تنقسم الإنسانية على ذاتها بين مناد بحقوق‬

‫كونية لا تقبل التبييئ و مدافع عن حقوق مبيئة تراعي الخصوصية و تتماشى مع الواقع المتفرد للثقافات‪ .‬أي‬

‫هناك سجال نظري عميق بين رؤ ية تطمح إلى وضع معايير كونية لا تقبل التناول أو سقف لحقوق الإنسان لا‬

‫يمكن التفويت فيه‪ ،‬وحجتها في ذلك تماثل الإنسان في العقل و ال كرامة و الحر ية‪.‬‬

‫وتوجد رؤ ية مناهضة تنشد نسج رداء حقوقي يلائم واقعا بعينه‪ ،‬و تعتبر أن الإنسان ليس تصورا مطلقا‬

‫و خارج مسار التاريخ بل هو كائن محدد بظروف تار يخية ترسمه بدقة و بإقتضاءات‪ ،‬غالبا ما تكون أكثر إلحاحا‬

‫من الحقوق‪ ،‬و حجتها في ذلك التنمية الإقتصادية و التماسك الوطني و تحقيق الأمن‪.‬‬

‫و إزاء هذا الوضع المتناقض يقتضي الأمر التساؤل‪ :‬هل حقوق الإنسان كونية أم تتلون و تصطبع‬

‫بالخصوصية؟‬

‫تجدر الملاحظة بادئ الأمر أن حقوق الإنسان إرتبطت بالحداثة و نعني بذلك أن الأساس النظري بدأ‬

‫يتأصل مع الحداثة‪ ،‬أي أن حقوق الإنسان كانت مجرد شذرات أو نواتات أو أفكار مشتتة داخل الأديان‬

‫و الفلسفات‪ ،‬إقترنت بحكمة أو بتدبير كوني للتعايش ل كنها لم ترتقي إلى مستوى البناء و إلى مستوى الثقافة‬

‫القائمة بذاتها إلا في القرن السابع عشر و الثامن عشر في العقل الحديث‪.‬‬

‫أما ما يفسر تأخر ثقافة حقوق الإنسان فهو تأخر إعتبار الذات معيارا‪ ،‬بحيث لم تدرك الذات كأساس‬

‫إلا مع الحداثة يقول ميشال فوكو " إن الإنسان إكتشاف جديد في العصر الحديث" و قبل ميلاد الإنسان‬

‫‪121‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫كمعيار للحق و للتشر يع كانت الطبيعة هي المقياس و الإله مشرعا‪ .‬ل كن مع إرتقاء الذات إلى منزلة المشرع‬

‫و النظر إليها كمبدأ هو الذي سيولد قيما كونية تقوم عليها حقوق الإنسان ‪.‬‬

‫إن مفهوم الحق الإنساني لم يكن عاما و شاملا و كونيا لذلك لم توجد مساواة في الحقوق بل المساواة‬

‫تمكن في عدم المساواة‪ ،‬فكل يستمد حقه من طبيعته الخاصة به‪ .‬و هذا التمايز في صفة الإنسانية و لد تمايزا في‬

‫الحقوق‪ .‬ل كن إنطلاقا من الحداثة ستتم مغادرة الرؤ ية الترابية للطبيعة البشر ية و سيوضع الإنسان في فضاء أفقي‬

‫مما سينتج تجانسا و تماثلا في الإنسانية يدشن لمولد الحقوق ال كونية‪.‬‬

‫إن مفهوم الإنسان سيصبح مقولة كلية وجوهر ية تشمل كل الناس مما سيبشر بتعميم وتوحيد للبشر في‬

‫مفهوم ما صدق بقطع النظر عن الوجود الواقعي و الإجتماعي للأشخاص‪.‬‬

‫و سيترتب عن كونية العقل ككونية أولى كونية ثانية تطال الحق فبما أن الأفراد يتماثلون في طبيعتهم‬

‫فإنهم تبعا لذلك متجانسون في الحقوق‪.‬‬

‫ل كن فكرة ال كونية ستواجه إعتراضات أو نوع من الممانعة بحجة أن هذه النزعة ال كونية تخفي طمسا‬

‫للإختلاف و تمثل تهديدا للخصوصية الحضار ية مما يشي بوجود مفارقة بين ال كونية و الخصوصية‪.‬‬

‫‪ -‬فما مضمون الإعتراضات حول حقوق كونية للإنسان؟‬

‫أ‪ -‬الإعتراضات على كونية حقوق الإنسان‪:‬‬

‫إن كونية حقوق الإنسان تقوم على قيم المساواة و الحر ية و حرمة الشخص الإنساني أي اعتبارا الذات مصدرا‬

‫لهذه الحقوق‪ .‬وفي هذا الإقرار بأن الذات هي مصدر الحقوق ما من شأنه أن يولد إعتراضات أي من هذا‬

‫التحديد ستنشأ الاعتراضات و يمكن اختزالها فــــــــــي‪:‬‬

‫‪ ‬هناك خصوصيات حضار ية تشكل حائلا دون تناول حقوق الإنسان بمناظر كوني كما أنها منافية‬

‫للخصوصية الثقافية و تدخل في تناقض معها و تشكل تهديدا حقيقيا لها‪.‬‬

‫‪ ‬هناك مفارقة بين الخصوصية بما تعنيه من تصورات و أحكام حول المعقول و الامعقول في ثقافة بعينها‬

‫و بين أحكام و معايير مطلقة لا تراعي الإختلاف و تؤسس لقيم صالحة لكل الثقافات مما يتضمن‬

‫الإنطلاق من ثقافة معينة و إعتبارها معيارا و تعميمها على مجمل ال كون‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ ‬حقوق الإنسان تنبع من تصور ميتافيز يقي حول الإنسان كإنسان له ماهية ثابتة وطبيعية معطاه بصفة‬

‫مسبقة‪.‬‬

‫‪ ‬يسعى العقل الغربي إلى تسو يق ذاته و مبادئه على أنها ذات طبيعية كونية مما يعني أن حقوق الإنسان‬

‫ليست إلا تحو يلا لقيم خاصة و جزئية إلى قيم كلية‪.‬‬

‫‪ ‬حقوق الإنسان تنبع من رؤ ية ليبرالية تدرك الإنسان كصورة مطلقة بحيث توهمنا إن الإنسان واحد‬

‫في حين هذه ال كونية الليبرالية سرعان ما يدحضها واقع تار يخي يتسم بالطبقية و مما يجعل حقوق‬

‫الإنسان مجرد وسيلة للتلطيف و للتضليل و لتبرير الواقع الذي تشقه تناقضات لا تسمح بالحديث عن‬

‫الإنسان في صيغة مطلقة‪ ،‬و مما يحول ال كوني إلى تعتيم على الكائن و حجبا و تعطيلا لما يجب أن يكون‬

‫و هذا ما نجده صداه في النقد الماركسي ل كونية حقوق الإنسان‪.‬‬

‫‪ ‬يعتبر ليوتار أن الإنسان كائن تصنعه الثقافة فهو يتحدد بالثقافة و في الثقافة و كل القيم بما فيها قيم‬

‫حقوق الإنسان ترتبط دائما بثقافة مخصوصة مما يكشف عن رغبة في ضرب الإختلاف الثقافي بإسم‬

‫كونية هذه الحقوق‪.‬‬

‫‪ ‬حقوق الإنسان هي إخراج جديد للإمبر يالية أي للرغبة في الهيمنة و التوسع والإستغلال‪ ،‬فهي الآلية‬

‫الجديدة للإمبر يالية‪ ،‬إذ كنا إزاء إمبر يالية سافرة و عار ية لم تعد مقبولة فإذا بها تتحجب بغطاء حقوقي‬

‫إلى درجة يمكن الحديث عن إمبر يالية حقوق الإنسان مما يجعلنا في وضع تظنن إزاء كونيتها‪.‬‬

‫‪ ‬العديد من ثقافات العالم لا تعتبر الذات مصدرا للحقوق بل تستمدها من مصدر متعالي على الإنسان‬

‫و متجاوز له (الدين – التاريخ ‪.)...‬‬

‫ل كن هل أن هذا التشكيك يعني أن حقوق الإنسان ليست مقتضى كونيا؟‬

‫و هل يفضي بنا مثل هذا النقد إلى الزهد في حقوق الإنسان و فقدانها لكل صلاحية و العدول عن‬

‫تسو يغها فلسفيا؟‬

‫أتجوز لنا هذه المراجعة النقدية عدم إنقاذ هذه الحقوق و السعي إلى إنقاد أنفسنا من كونيتها؟‬

‫‪123‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ب‪ -‬براولز‪ :‬التسو يغ ل كونية حقوق الإنسان ‪:‬‬

‫إذا كان لفظ التبرير يتخذ غالبا معنى سلبيا فإن عبارة التسو يغ تكون الأكثر ملاءمة لفهم تفكير راولز‬

‫الذي يسوغ كونية حقوق الإنسان‪ .‬و عكس فلسفة الحداثة فإنه لا يستند إلى أساس ميتافيز يقي للإنسان و لا‬

‫ينطلق من كونية الذات وهو لا يستعيد فلسفات الذات كمرجع له في التفكير بل يستعيد إطارا فكر يا مختلفا هو‬

‫الإطار التعاقدي‪.‬‬

‫يعتقد راولز أن أساس كونية حقوق الإنسان هو المجتمع حيث يكون الفرد منبع كل قيمة‪ .‬و يؤكد أن‬

‫القيم تتأسس على العدالة و القانون بشرط أن لا تتعارض الحر يات الفردية و لا تتضارب و لا تتصارع‪ ،‬وهو‬

‫موقف ينبع من تصور مضاد للموقف الغائوي الذي يضع محددا للفعل الأخلاقي هو الخير و السعادة‪ ،‬يرفض‬

‫راولز الغائو ية و ينخرط في تصور ديونطولوجي يفصل بين الأخلاق و الخير و السعادة‪.‬‬

‫الموقف الديونطلوجي‬ ‫الموقف الغائوي‬

‫المحدد للفعل الأخلاقي هو الفرد و الخير فردي‬ ‫المحدد للفعل الأخلاقي هو الخير و السعادة‪ .‬مما‬

‫و السعادة فردية فما يسعد فردا لا يسعد فردا أخر‬ ‫ينتج عنه إنخراط الدولة في تصور معياري حول‬

‫و الخير ذاتي ‪ +‬الدولة يجب أن تكون محايدة إزاء‬ ‫الخير و يؤدي إلى عدم حياد الدولة إزاء الخير ‪+‬‬

‫تصورات الخير و الشر ‪ +‬وظيفتها الحرص على‬ ‫الدولة تحدد مفهوم الخير ← تحول الدولة إلى‬

‫عدم تضارب الحر يات الفردية و منع تصارعها‪.‬‬ ‫ديكتاتور ية تقوم على إكراه المواطنين على الإمتثال‬

‫← تكون الدولة ديمقراطية و لا تكره مواطنيها على‬ ‫لمعيار للخير ‪ +‬تحول القانون إلى عامل قمع و طمس‬

‫الإمتثال لتصور معياري للخير ‪ +‬يكون القانون‬ ‫للخصوصيات‪.‬‬

‫ضامنا للحر يات و مكرسا للخصوصيات‪.‬‬

‫يدعو راولز إلى حياد الدولة إزاء مفهومي الخير و السعادة و هذه الدعوة تمثل حلا داخل الدولة الواحدة‬

‫لإحترام الخصوصيات الثقافية و الإجتماعية‪.‬‬

‫ل كن ما هو الحل في مستوى عالمي؟‪.‬‬

‫و كيف يمكن أن يكون الفرد مصدرا و معيارا للقيم داخل المجتمعات الليبرالية؟‬

‫‪124‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫يلاحظ راولز أن المشكل في مستوى عالمي يطرح مع المجتمعات الغير ليبرالية‪ ،‬إذ ليست كل المجتمعات‬

‫ليبرالية بل هناك مجتمعات يكون فيها الفرد فاقدا لكل قيمة و لا يعتبر أساسا أو مصدرا للصلاحية و هو مجرد‬

‫عنصر إحصائي داخل جماعة أو دين أو طائفة أو عرق و يكون مصدر الصلاحية في مثل هذه المجتمعات سلطة‬

‫التاريخ أو القبيلية أو الدين أو اللون‪ ،‬أي يكون المعيار متجاوزا للفرد بقطع النظر عما يستند إليه‪.‬‬

‫عندها يتقلص مجال الفردي إلى درجة الصفر‪ ،‬و رغم ذلك يمكن حسب راولز الحديث عن مجتمعات‬

‫لائقة‪ .‬و يعني بالمجتمعات اللائقة المجتمعات التي لا تستعمل العنف و لا تميل إلى الحرب و لا تسعى إلى نشر‬

‫قيمها و تقبل التواصل و ترغب في تبادل الإعتراف أي هي المجتمعات التي ليست لها رغبات توسعية و لا‬

‫تطمح إلى الهيمنة‪.‬‬

‫إن هذه المجتمعات اللائقة مع المجتمعات الليبرالية التي لا تحتكم إلى معيار شمولي‬

‫أوتصور معياري للخير و الشر و التي تحترم الأفراد تؤسس عهدا دوليا أو ميثاقا كونيا أو عقد إنسانيا يكون‬

‫أرضية للقاء كوني لا يتصادم مع الخصوصي و يقوم على مبادئ متساو ية و منصفة و عادلة‪ .‬ذلك هو مضمون‬

‫الحل الذي إنتهت إليه نظر ية العدالة لدى جون راولز و ليبرالية السياسية التي تؤكد على قيمة المجتمعات اللائقة‬

‫و تعتبر أن حقوق الإنسان هي ثمرة صراع الإنسان ضد ماضيه اللاإنساني‪.‬‬

‫ج‪ -‬تسو يغ هابرماس ل كونية حقوق الإنسان أو تجاوز القيم نحو المعايير‪:‬‬

‫يميز هابرماس بين مفهومين وهــمــــاــ‪:‬‬

‫المعايير‬ ‫القيم‬

‫المعايير كونية‪ ،‬مطلقة‪ ،‬ترتبط بالإنسان كإنسان بقطع‬ ‫القيم خصوصية‪ ،‬ترتبط بمجتمع معين‪ ،‬تختلف من‬

‫النظر عن خصوصيته و هويته الشخصية أو الإجتماعية‬ ‫مجتمع إلى آخر و تختلف داخل المجتمع الواحد‬

‫أو الثقافية‪.‬‬ ‫و بين الأفراد‪.‬‬

‫وهي مجال توافق إنساني تقوم على أساس العقل‪.‬‬ ‫القيم نسبية و ليست مجال توافق بين الأفراد‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وفقا لهذا التمييز ينتهي يورغن هابرماس إلى الدعوة إلى ضرورة إنشاء توافق أو إتفاق عالمي رغم‬

‫الإختلافات الثقافية‪ ،‬فالأمر يستدعي قيام معاهدات حقوق إنسان تكون محل مواضعة كونية‪ .‬و مرجعه في‬

‫ذلك الحداثة‪ ،‬إذ يعتقد أنه يمكن تعميم الحداثة لخلق أرضية إتفاق أساسها عدم التفر يط في معايير مثل حرمة‬

‫الفرد و الحر ية بوصفها معايير كونية‪.‬‬

‫يحاول هابرماس التخفيض في المعايير إلى المستوى الأدنى حتى تستطيع جل الخصوصيات الإرتقاء إليها‬

‫أي حتى تكون هذه المعايير حقل توافق لجل الخصوصيات‪ ،‬فال كوني يصل من الضحالة حده الأدنى ليحافظ‬

‫على الخصوصي و ليضمن كونيته و ليتمكن من إيجاد أفق أو إطار أو نطاق توافقي يفضي طابعا نسبيا على القيم‬

‫الثقافية و يتمسك بالمعايير كمبادئ ل كونية حقوق الإنسان‪.‬‬

‫إن جدة هابرماس تمكن في تجاوز ميتافيز يقا الذات القائمة على طبيعة ثابتة و ماهية إنسانية مشتركة تنزل‬

‫حقوق الإنسان ضمن أساس كوني للذات و ضمن عقل إنساني واحد ليمر إلى إطار فكري ما بعد ميتافيز يقي‬

‫يستند إلى ثقافة التواصل‪ ،‬أو إلى عقل تواصلي قوامه التعاقد و التفاهم و تقاسم العيش لا الانقسام‪ .‬مما ينتج‬

‫جدلا يتجاوز منطق الحجة الأسلم أو الحجة المطابقة للحقيقة نحو منطلق الحجة الأفضل حيث معيار الصدق ليس‬

‫الحقيقة و إنما الصلاحية و بذلك لم يعد العقل مل كة حكم بل أداة تداول‪ .‬وهو بذلك ينقلنا من عقل مشرع إلى‬

‫عقل تداولي يغادر كونية القيم ليؤسس لمعايير التداول ال كوني‪ .‬مما يسمح بوجود إنساني مشترك ضروري‬

‫و ناجع رغم ضحالته و ذلك أفضل من طموح يتعلق بشروط الإمكان فيجعل ال كوني بحثا ترنسندنتاليا و متعاليا‪.‬‬

‫إن ما ينتهي إليه مشروع هابرماس فعلا هو تغير في معنى العقل و دلالته فهو يتفق مع كانط أن ال كونية‬

‫تقوم على أساس العقل ل كن التشابه في الألفاظ لا يعني ضرورة التشابه في المعاني‪.‬‬

‫فالعقل يكتسب داخل نظر ية العقل التواصلي صورة جديدة إذ يضحي عقلا إتفاقيا يشترط التفاهم‬

‫لتحقيق ال كونية دون المساس بالقيم الثقافية الخصوصية لأن التوافق هو توافق آراء و تناج تفاوض‪.‬‬

‫إنه عقل جديد يتلائم مع واقع ما بعد الحداثة‪ ،‬عقل يهتم بالتواصل في علاقته بالسلطة‬

‫و التقنية و يؤسس لإيتيقا التواصل القائمة على الحوار المضاد لكل عنف و الداعي إلى إحترام الخصوصيات‬

‫و التمسك بأخلاقية الحوار الحر‪.‬‬

‫ل كن إيتيقا العقل التواصلي لدى هابرماس تزهد في الحقيقة و تجعل من الحقيقة إدعاءا للصلاحية أي‬

‫شرطا لتحقيق التواصل وهو ما يجعل هابرماس لا يميز بين شروط إمكان الحقيقة و شروط إمكان تبرير الحقيقة‬

‫‪126‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وهو ما يدفعه إلى بلورة ضرب من الحقيقة كصيروة تبرير تكون بمثابة إعتقادات و ليست الحقيقة كجوهر مما‬

‫و كأنها قائمة‬ ‫يجعل محور التفكير و الممارسة ليس مفهوم الحقيقة و إنما مفهوم الإعتقاد و مما يجعل المعرفة‬

‫على الإعتقاد وهو ما يشرع لبراقماتية كونية‪.‬‬

‫ل كن رغم هذا الموقف من الحقيقة فإن نظر ية الفعل التواصلي تمثل نقدا للتواصل التكنولوجي و محاولة‬

‫لتجاوز الأدوات و الآلات و التقنيات التي صارت زوجا لنا و بديلا عنا‪ .‬وهي تدعو إلى التوافق و لا تجد ما‬

‫تتوافق حوله إذ الإنسانية بلغت درجة من الإنقسام و التفاوت لم يعد بالإمكان تلافيه وأصبح يعوق لقاء الإنسان‬

‫بالإنسان‪ ،‬خصوصا و أن إتفاقنا العقلي صار يتقلص مع نز يف التواصل و الإفراط فيه و هيمنة الصورة‬

‫و تضخم أدوات الإتصال ذات الاتجاه الأحادي و حلول مفهوم التوصيل و البث محل التواصل‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ال ـخــات ـم ــة‬


‫اإلنساين يف مفـترق القيمة و اإلستعمال و رهان التحرر‬
‫ما تجدر ملاحظته في النهاية هو أن المجتمع الإستهلاكي المعاصر أو مجتمع السوق فقد كل أثر للمبادئ‬

‫الضامنة لوحدة الكل‪ ،‬و تخلى عن مطلب الإنسجام‪ ،‬و تقلص فيه التواصل الذي إنزاح من مركز كل فعالية‬

‫و أصل و مبدأ المجتمع ذاته ليتحول إلى تخوم حسية تقوم على مشهد عار يؤسس لنزع الحياة مع الإمتناع عن‬

‫الإشعار بالأذى‪ ،‬و ليمارس إيديولوجيا بلا ضحية‪ ،‬أو لينجر جريمة كاملة قوامها ال كتمان والتفنن بضروب من‬

‫الشقاء الأكثر لطفا و الأكثر صمتا و الخالي من كل الأثار الظاهرة للعيان‪.‬‬

‫إذ مرت الهيمنة من فن القوة المادية الخام و اللامحتملة إلى إقتصاد العنف‪ ،‬لم يعد الإنسان مستهدفا بل‬

‫رموزه و قيمه‪ .‬لقد أصبحت القوة تنحو إلى الدخول في الظل و تمارس من بعيد و بنظافة عبر وسائط مثل‬

‫الصورة‪ .‬لم يعد إبراز القوة طقسا إحتفاليا بل أضحت القوة مبثوثة و مشتتة و مفتتة في التواصل و في أنظمته‬

‫الرمزية‪ ،‬مما حول التواصل إلى حصة ألم علني و موقدا لإشتعال العنف ينذر بالإستحواذ على الحر ية و إستحضار‬

‫الإنسان من أجل تغييبه و الإستنجاذ بالرموز من أجل إفراغها من مضامينها‪ .‬إننا إزاء فن ترو يض للإنسان‬

‫ينبني على عملية إفراغ لا يروم التأسيس‪ ،‬مما حول التواصل إلى تكنولوجيا تهدف إلى الفعل في الأشخاص‬

‫و آحتجازهم‪.‬‬

‫لقد أضحى التواصل بأنظمته الرمزية سياجا مكهربا يطوق الإنسان و تقنية حجز تفخر بأنها نظيفة‬

‫و متعففة‪ ،‬تنجح في إنجاز جريمتها الكاملة مع توفق في موارة الجثة و سلب الحياة من ضحاياها مع إبقائهم أحياء‬

‫و ذلك بفضل مروض يحسن الهيمنة و يحذق الإخفاء إستنادا إلى النظام الرمزي الخصوصي أحيانا أو ل كوني‬

‫المنتصر غالب الأحيان‪.‬‬

‫لقد حلت العزلة و أضحى فهم الإنسان للإنسان يتقلص إلى أدنى مستو ياته و بشكل مطرد‪ ،‬إذ صرنا‬

‫نتكلم أكثر لنتفاهم أقل و ننمي أدوات الإتصال لنقيم الحجة على إنعدام التواصل‪ ،‬طالما أن ما يحكم تواصلنا هو‬

‫الانطواء التكراري القائم على التحصيل الحاصل و على المعاودة التي لا إختلاف فيها و التي تستبدل الحجة بالتكرار‬

‫و الإقناع بمزيد الإعادة فتسعى وسائل الإعلام إلى ضرب من التكرار المفضي إلى الإعتقاد و التصديق فلم تعد‬

‫الحجة العقلية أداة إثبات أو دحض بل الخيال و الظل حجة و معيارا للتصديق و للدحض أيضا‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مثل هذا الإنز ياح في واقع التواصل يدفع إلى التمييز بين الفعل الذي يهدف إلى تحقيق التفاهم المتبادل‬

‫و الفعل الذي يروم تحقيق النجاح‪ ،‬أي ذلك الفعل الإستراتيجي بتعبير هابرماس‪ .‬وهو فعل مناقض للفعل‬

‫التواصلي الذي يستدعي أساسا عقليا ينبني على الحجاج و ليس على حجة الهيمنة ليتمكن من تحقيق الإتفاق‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك فإن التواصل و الأنظمة الرمزية و الخصوصية و ال كونية تضعنا أمام مشكل خبري‬

‫و عملي معيش من ناحية و أمام مشكل مفهومي من ناحية ثانية‪ ،‬خاصة و أن البحث عن التواصل و الرغبة في‬

‫الإرتقاء من الخصوصي إلى ال كوني هو بحث رهانه الكلي و الإنساني الذي ينشد المشترك و يرتهن إلى أدوات‬

‫و رموز و يحتاج إلى إقامة تحالف بين الوحدة و ال كثرة‪.‬‬

‫إن مبحث التواصل و معضلة الخصوصية و ال كونية إنتهت إلى أن التواصل إبستيميا أي بنية ذهنية‬

‫و روح عصر و عقلية تحكم الفضاء العمومي‪ .‬و العلاقة بين الخصوصي و ال كوني تتجاوز الحقل المفهومي نحو‬

‫واجب الممارسة التي تعدل في تصورنا للحقيقة‪ ،‬فتكف الحقيقة عن كونها تجربة لليقين تولد العنف و تعيد إنتاجه‬

‫لتصبح حقيقة بحذف الألف و اللام وهي حقيقة إتفاقية تتميز بطابعها البيذاتي‪ ،‬حقيقة تتماهي مع إدعاء الصلاحية‬

‫و تحايث النافع‪ ،‬وهي ليست حقيقة إلا لأنها نتاج بحث تشاركي يقوم على الإحتكام إلى الحجة الأفضل‪.‬‬

‫إنها نمط جديد من الحقيقة تدرك فلسفيا على أنها تسعى إلى ال كونية دون إهمال لخصوصية الكائن وهي‬

‫لا تسوق لقيم ال كونية بالقوة‪ ،‬و لا تقوم على منطق القوة‪ ،‬ولا حتى على قوة المنطق‪ ،‬بل على التوافق‪ .‬حقيقة‬

‫متحللة من كل منطق عقلاني يقوم على المطابقة و يرى العقل واحدا‪ ،‬و متمسكة بتصور أداتي و تقني للعقل‬

‫يعتبر الفكر ملاذا أخيرا وحصنا وحيدا للخير و يعترف بأن ال كونية مسار مضني و شاق و عميق شاركت‬

‫و تشارك فيه كل الشعوب و الثقافات‪.‬‬

‫إنها حقيقة تدرك أن الإنسان قدرة لا متناهية على الفعل والتجاوز وأن النقد سلاح و أرض غير‬

‫مكتشفة بالنسبة لل كثيرين‪ ،‬و أن الفن و الإبداع رؤ ية عميقة ل كوننا و تعبير عن تجاوز لصيغة الوجود كتملك‬

‫نحو صيغة الوجود ككينونة يقول تينشه ‪ ":‬لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة"‪ ،‬و أن التاريخ لا يتوقف عند نقطة‬

‫محددة طالما أن الإنسان ينشد ماهو إنساني فيه‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تلخيص ملسألة اخلصوصيّة والكونيّة‬

‫المعارف ‪:‬‬
‫الأسئلة الممكنة والمواضيع‬ ‫المفاهيم والمعاني‬
‫التمش ّي المضموني ‪ /‬بنك المعلومات‬

‫‪ .1‬ما حاجة إنسان اليوم إلى ال كوني ؟‬ ‫الخصوصي‪ :‬هو ما يمي ّز جماعة ثقافية ما‪ ،‬إن ّه‬ ‫تمهيد إشكالي‪ :‬هل ننقذ ال كوني أم ننقذ‬

‫ما يجمع بصفة مشتركة بين جماعة في مستوى‬ ‫أنفسنا من ال كوني ؟‬


‫‪ .2‬هل يمكن المحافظة على الخصوصية في‬
‫القيم والمعايير و التصو ّرات والمواقف‬ ‫يجب أن ننقذ ال كوني‪:‬‬
‫ل حضارة كوني ّة ؟‬
‫ظ ّ‬
‫والأفعال و ردود الأفعال‪ ،‬إن ّه ما يمي ّز ثقافة‬ ‫ل ثقافة‬
‫• لل كوني فائدة حضار ي ّة‪ :‬ك ّ‬
‫ل إنسان‬
‫‪ .3‬قيل‪" :‬يجب أن أرى في ك ّ‬
‫ما عن ثقافة مغايرة يتجل ّى في الإرث‬ ‫تحتاج إلى نوع من الكل ّي‪ ،‬أي تحتاج إلى‬
‫الإنساني ّة ذاتها وأن أعي أن ّه ضيفي"‪.‬‬
‫الاجتماعي والأحكام الثقافية مثل الل ّغة‬ ‫قيم معترف بها من طرف الجميع‬
‫حدّد شروط الانخراط في ال كوني‬
‫والدّين‪ ،‬هو جملة رموز توحّد مجموعة ثقافية‬ ‫الثقافات‬ ‫طرف‬ ‫من‬ ‫وخصوصا‬
‫وحدوده ؟‬
‫وتشكّل هو ي ّتها وانتمائها‪.‬‬ ‫الأخرى‪ ،‬هناك ميل إلى الكل ّي يمكّن من‬

‫‪ .4‬هل تشكّل ال كوني ّة تهديدا‬ ‫ال كوني‪ :‬هو الح ّد الأدنى المشترك الكل ّي‬ ‫المحافظة على الهو ي ّة أي هناك توق إلى‬

‫للخصوصي ّات ؟‬ ‫والعامّ الذي يجمع الإنساني ّة‪ ،‬إن ّه جملة معايير‬ ‫الكل ّي‪ ،‬فالإنسان تحكمه رغبة في المطلق‬

‫وقيم حاصلة على اتفاق كوني يتجل ّى في‬ ‫تجعله ينخرط في ال كوني‪ ،‬ال كوني صالح‬

‫مجموعة مفاهيم مثل الحر ّية وال كرامة‬ ‫للجميع وهو رغبة في العيش المشترك‬

‫والمساواة في الإنسانية وحرمة الشخص‬ ‫يسمح بالاعتراف المتبادل‪.‬‬

‫النفسية والجسدي ّة والعدالة كإنصاف أي‬ ‫• لل كوني فائدة أخلاقية‪ :‬فهو ينتج إيتيقا‬

‫ل إنسان ما يستحقّ وفقا لمجهوده‪،‬‬


‫لك ّ‬ ‫ل الناس‬
‫كل ّية أي قانون عام صالح لك ّ‬

‫ال كوني قيمة حضار ية وأخلاقية وسياسية‬ ‫أي إنتاج قاعدة للسلوك ترتكز إلى قانون‬

‫وهو لا يتجل ّى في الأشياء بل في القيم‪ ،‬إن ّه‬ ‫أخلاقي كل ّي وكوني يقوم على النظر إلى‬

‫الميل إلى المطلق ومخاطبة الإنسان لا كرغبة‬ ‫ل‬


‫الإنسان كإنسان وأن ترى ذلك في ك ّ‬

‫وانفعالات بل كقدرة على التعقّل‪.‬‬ ‫إنسان وأن ترى الإنسان كمشروع‪ ،‬أي‬

‫الضيافة ال كوني ّة‪ :‬هي قيمة سياسية‬ ‫اعتبار الإنسان ضمن أفق الكائنات‬

‫وأخلاقية تؤسّس لمدني ّة الإنسان وتعني‬ ‫ل‬


‫العاقلة أي احترام الإنساني ّة في ك ّ‬

‫النظر إلى الآخر كصديق لا كعدوّ وتحمل‬ ‫إنسان‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫معنى الإيثار‪ ،‬تؤسّس لتجن ّب العنف وللسّلم‬ ‫• لل كوني فائدة سياسي ّة‪ :‬إذ تعني ال كوني ّة‬

‫الدائمة‪.‬‬ ‫سياسي ّا الضيافة ال كوني ّة القائمة على تقدير‬

‫قيم الحضارات الأخرى والتعايش مع‬

‫الثقافات المغايرة واعتبار الآخر صديقا‬

‫لا عدوّا وذلك ما يسمح بتجاوز العنف‬

‫والتأسيس لسلم دائم‪.‬‬

‫يجب أن ننقذ أنفسنا من ال كوني‪:‬‬

‫• الانخراط في ال كوني يتطل ّب تنازلا‬

‫عن الخصوصيّ‪ :‬أي ال كونية كجملة قيم‬

‫ومعايير تكون أحيانا في تناقض مع‬

‫ن ال كوني ّة تدّعي رسم‬


‫الخصوصي لأ ّ‬

‫خارطة للقيمة وللممارسة وهي تصنيف‬

‫تنظر إلى منخرط فيها على أن ّه أدنى‬

‫ال كونية‪ .‬بهذا المعنى تصبح تثبيتا قيمي ّا‬

‫حط من شأن الرموز المغايرة‬


‫ودلالي ّا ي ّ‬

‫للعقل ال كوني‪.‬‬

‫• ال كوني اتّ خذ شكلا ليبراليّا‪ :‬تحو ّل‬

‫ال كوني إلى تعميم مظلّل واكتسب‬

‫مضمونا حسّيا واستهلاكيّا مم ّا حو ّل الجسد‬

‫إلى لغة رسمي ّة وإلى بضاعة‪ ،‬فراق وجه‬

‫مطلق‬ ‫وجه‬ ‫في‬ ‫والحلول‬ ‫النحن‬

‫والاكتفاء بوجه إستيتيقي دون وجه‬

‫بالتقنيات‬ ‫ارتبط‬ ‫ال كوني‬ ‫إيتيقي‪،‬‬

‫والأدوات‪.‬‬

‫• ال كوني سبب صراع‪ :‬إذ يحو ّل الثقافة‬

‫ن‬
‫المهيمن عليها إلى سوق استهلاكي ّة لأ ّ‬

‫ال كونية هي ارتقاء ثقافة ما وتحو ّلها إلى‬

‫‪131‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫كوني ّة بفعل انتشارها‪ ،‬ال كونية تدعو إلى‬

‫الاتفاق ولا تجد ما تت ّفق حوله‪ ،‬ال كونية‬

‫وسيلة تلطيف وتور ية فهو يوظّ ف لخدمة‬

‫العولمة والتسو يق‪.‬‬

‫← من الواجب حماية ال كوني نظرا‬

‫الأخلاقية‬ ‫و‬ ‫الحضار ية‬ ‫لفضائله‬

‫و السياسية‪ ،‬و يجب في نفس الوقت‬

‫الحذر من ال كوني لأن ّه يتطل ّب تنازلا‬

‫ي واتّ خذ شكلا ليبرالي ّا وهو‬


‫عن الخصوص ّ‬

‫سبب صراع وهو مهدّد للخصوصي ّات‪.‬‬

‫فما دلالة الخصوصي ّة ؟‬

‫‪ I‬دلالة الخصوصي ّة‪( :‬إير يك فروم)‬


‫‪ .1‬هل هويتي قدر ٌ أم موقف ؟‬ ‫يُقيم إير يك فروم تمييزا بين الذات والأنا‬ ‫الخصوصية‪ :‬تعني الهو ي ّة وهي‬

‫‪ .2‬ما هي مؤش ّرات أزمة الهو ي ّة ؟‬ ‫كالتالي‪:‬‬ ‫وجود خاصّيات ممي ّزة وهي تحمل‬

‫الذات‪ :‬وضعية تملّك‪ ،‬تمدية الإنسان‪،‬‬ ‫في مضمونها معنى الغير‪ ،‬الهو ية‬
‫‪ .3‬لا أكون أنا إلا ّ بقدر ما أنقطع عن‬
‫الإحساس بالذات كموضوع‪ ،‬دوري‬ ‫تصنيف‪ ،‬هناك صراع هو يّات‪،‬‬
‫ذاتي‪.‬‬
‫الاجتماعي مُمدّى‪.‬‬ ‫ن فهي‬
‫الهو ية صورة مطلقة للنح ُ‬
‫‪ .4‬ما الذي يشرّع للمحافظة على الهو ي ّة‬
‫ليست فقط ما نحن عليه بل ما‬
‫اليوم ؟‬
‫‡‬
‫نريد أن نكونه فهوي ّتي ليست‬
‫الأنا‪ :‬وضعية وجود وكينونة‪ ،‬مجال أكونُ‬
‫قدرا بل موقفا أي ليست ما نرثه‬
‫فيه حيّ‪ ،‬وضعية تحقيق للصورة التي لي عن‬
‫بل ما نكتسبه ونورثه‪.‬‬
‫نفسي والتي أعطيها للآخرين‪.‬‬
‫الهو ية معيار انتماء لمطلق ما فهي‬
‫الهو ي ّة أو الخصوصية‪ :‬قيمة ومعيار‬
‫قيمة ومعيار‪ ،‬يجب التمييز بين هو ية‬
‫وتصنيف‪ ،‬صورة مطلقة للنحنُ‪.‬‬
‫شخصية وهي كيفية في إدراك‬

‫الذات لذاتها من الد ّاخل‪ ،‬وهو ي ّة‬

‫اجتماعي ّة وهي كيفية في إدراك‬

‫الذات من الخارج عبر رموز‬

‫‪132‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وعلامات‪ ،‬وهو ي ّة ثقافي ّة وهي تقوم‬

‫على رؤى العالم والقيم والك ُل ّيات‬

‫والمُثل‪ ،‬الخصوصية هي وحدة في‬

‫مستوى قيمي ورمزي تقوم على ح ّد‬

‫أدنى من التطابق أو التشابه والتماثل‬

‫وهي ليست مطابقة صرفة‪.‬‬

‫أ‪ -‬دلالة الهو ي ّة وشروط تحقّقها‪:‬‬

‫الهو ي ّة لفظ لا يصدق إلا ّ على‬

‫الإنسان فالحيوانات والأشياء بلا‬

‫هو ية لأنّها لا تمتلك رموز ولا تعيش‬

‫التجربة ‪ +‬الهو ية تجربة تسمح بقولي‬

‫أنا بصفة شرعي ّة ‪ +‬استحضار القيمة‬

‫والمعنى‪.‬‬

‫شروط تحقّقها‪ :‬الفاعلي ّة ‪ +‬قدرة على‬

‫تنظيم جميع النشاطات ‪ +‬التلقائية ‪+‬‬

‫اليقظة ‪ +‬الانفصال عن المعطى‬

‫الحس ّي المباشر ‪ +‬الإحساس بالأنا ‪+‬‬

‫حالة امتلاء ‪ +‬تجن ّب الاغتراب إذ‬

‫يتمث ّل الاغتراب في ضياع الذات في‬

‫الأشياء وهو ما يكون سببا لأزمة‬

‫الهو ي ّة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أزمة الهو ي ّة في واقعنا الرّاهن‪:‬‬

‫فقدان جذري لليقين ‪ +‬تمدية الإنسان ‪+‬‬

‫انعدام الوعي بالواقع ‪ +‬عجز عن تحديد‬

‫من يكون ‪ +‬العجز عن اتخاذ أي موقف‬

‫‪ +‬حجل من جهل الذات لذاتها ‪ +‬تنتقل‬

‫إلى أي مكان وتتفاعل مع أي طرف‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل أزمة الهو ية‪:‬‬


‫ج‪ -‬ح ّ‬

‫تحقيق إشباع بالمعنى المادّي والقيمي ‪+‬‬

‫امتلاك تصو ّر حول الوجود ‪ +‬الانخراط‬

‫في قيمة ‪ +‬العيش وفق فكر الذات ‪+‬‬

‫القدرة على تحديد المصير ‪ +‬الالتزام‬

‫الأخلاقي والر ّوحي ‪ +‬إيجاد إطار وأفق‬

‫يمنح الأشياء دلالتها ‪ +‬التجذّر في‬

‫ال كوني ّة ‪ +‬المحافظة على الخصوصي ّة‪.‬‬

‫‪ -II‬تضافر الخصوصيّات والحاجة إلى‬

‫ال كوني كأفق‪ :‬الفارابي‪:‬‬


‫‪ .1‬ما الذي يؤسّس لوحدة الإنسانية ؟‬ ‫التعاون‪ :‬هو التقاء البشر من أجل س ّد‬ ‫ن‬
‫الخصوصيات تتعاون وتتضافر لأ ّ‬
‫معنى يكون التعاون بين‬ ‫‪ .2‬بأيّ‬ ‫الحاجة وهو ضرورة طبيعي ّة إذ لا يمكن‬ ‫الإنسان محتاج إلى غيره ولا يمكن لثقافة‬
‫الخصوصيات شرط قيام ال كوني ّة ؟‬ ‫لإنسان أو لثقافة أن تكتفي بذاتها بل هي‬ ‫أن تنعزل عن الثقافات الأخرى‪،‬‬
‫عاجزة بمفردها‪.‬‬ ‫الثقافات تلتقي لتلبية الحاجيات‪ ،‬التبادل‬
‫ق فعلا ً في إمكاني ّة انغلاق ثقافة‬
‫‪ .3‬هل نث ُ‬
‫ال كمال‪ :‬بلوغ أعلى درجات الترق ّي وهو‬ ‫ضرورة لأجل التعاون لنيل ال كمال‪.‬‬
‫ما واكتفائها بذاتها؟‬
‫كمالي ْن‪ :‬كمال مادّي أي تحقيق الحاجة‬
‫‪ .4‬هل الخصوصيات في تكامل أم في‬ ‫ن ال كمال لا يتحقّق في انعزال عن‬
‫إ ّ‬
‫بالمعنى البيولوجي‪ ،‬وكمال قيمي و يكون‬
‫صراع ؟‬ ‫الآخرين بل يفترض التعاون إذ المدنيات‬
‫امتدادا للأوّل وحاميا له أي كمال الجسد‬
‫الكاملة والاجتماعات الغير كاملة تحتاج‬
‫وكمال النفس والثاني أفضل ال كمالات‪.‬‬
‫ن‬
‫بعضها بعضا فرغم الترتيب التفاضلي فإ ّ‬
‫السّعادة‪ :‬مطلب إنسانيّ تستوجب العلم بها‬
‫الاجتماعات الإنسانية في حالة تكامل‪،‬‬
‫واستنباط طرق بلوغها واعتبارها قيمة‬
‫ل خصوصية خادمة لخصوصية أخرى‬
‫فك ّ‬
‫معنو ي ّة تحتاج إلى التعقّل وتشترط التحقّق‬
‫مم ّا يؤسّ س لوحدة الإنسانية‪.‬‬
‫المادّي‪.‬‬
‫ن الاجتماع الإنساني له رهانات‪،‬‬
‫إ ّ‬
‫الفضيلة‪ :‬هو تجاوز الحيواني ّة‪ ،‬وجود إيتيقي‬
‫تحقيق السعادة وتأسيس الفضيلة‪.‬‬
‫يراعي الحقّ ويستند إلى الواجب ويميل إلى‬
‫هذه الرهانات لا تُدر َك بالعزلة بل بتعاون‬
‫الخير ويتجاوز النقص‪.‬‬
‫الأمم والخصوصيات ليست في صدام‬

‫بل في تكامل وتبادل للاعتراف من أجل‬

‫‪134‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫التعاون على الخير وتجاوز الشر ←‬

‫المدنية تستدعي وجود المختلف والفعل‬

‫لا يكون إلا ّ بتعاون الأمم والثقافات‪.‬‬

‫‪ -III‬العلاقة بين الخصوصي ّة وال كوني ّة‬

‫أو من الخصوصي ّة إلى الخصوصيّات‪:‬‬

‫التعصّ ب‪ :‬داء يصيب الإنسان فيصي ّره قو ّة‬ ‫‪ -1‬صراع الخصوصي ّات وسبل التحر ّر‬
‫‪ .1‬ما السّبيل إلى تجاوز التعصّ ب؟‬
‫عمياء هم ّها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب‬ ‫منه‪ :‬مونتانيو‪:‬‬
‫ل واحد يسمّي همجي ّا ما لا‬
‫‪ .2‬قيل‪" :‬ك ّ‬
‫الغير وهو أداة يجري التلاعب بها لخدمة‬ ‫بالضرورة‬ ‫ليست‬ ‫الخصوصيات‬ ‫ن‬
‫إ ّ‬
‫يت ّفق مع عوائده"‪.‬‬
‫أغراض ومنافع وهو يحطّم ما هو إنساني‪.‬‬ ‫متعاونة بل تكون أحيانا في حالة صراع‬
‫حلّل دلالة الهمجي ّة م ُبي ّنا عدم وجودها‬
‫مردّه التعصّ ب‪.‬‬
‫الهمجي ّة‪ :‬ليست وجودا فعلي ّا بل هي نظرة‬
‫فعلي ّا مؤكّدا على أنّها مجر ّد حكم‪.‬‬
‫للآخر تصن ّفه في خانته الهمجي ّة فهي حكم‬ ‫ن التعصّ ب خاصّية إنساني ّة وله تعلا ّت‪.‬‬
‫إ ّ‬
‫‪ .3‬التعصّ ب وليس الهو ي ّة نقيض الحوار‪.‬‬
‫قيمة وليست وجودا موضوعي ّا تستند على‬ ‫• أسس التعصّ ب‪ :‬تعيير الآخر وفق معيار‬
‫حلّل هذا الرّأي وناقشه‪.‬‬ ‫الاعتقاد الخاطئ في وجود معيار نقي ّم وفقه‬ ‫حكمنا الذوقي والأخلاقي ‪ +‬تقييم الآخر‬
‫المختلف‪.‬‬ ‫ن ‪ +‬امتلاك تصو ّر‬
‫داخل ثقافة النح ُ‬

‫حول المعقول واللا ّمعقول ‪ +‬رسم خارطة‬

‫للعقل وللقيمة أي أحكام القيمة ‪+‬‬

‫الذوق الفاسد‪.‬‬

‫• نتائج الحكم على الآخر بالهمجي ّة أو نتائج‬

‫التعصّ ب‪:‬‬

‫إخراج المغاير من النظام الطبيعي ‪+‬‬

‫سقوط العقل في اللا ّمعقول ‪ +‬عدم‬

‫إدراك الآخر في تفر ّده ‪ +‬تقديم وصفة‬

‫للحقيقة ورسم جغرافيا للعقل ‪ +‬الاعتقاد‬

‫في تمامي ّة ما ننتمي إليه أي اعتبار وجودنا‬

‫مظهرا لل كمال‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ .1‬قيل‪" :‬التعصّ ب وليس الحوار نقيض‬ ‫ل لتجاوز التعصّ ب‪:‬‬


‫• الح ّ‬
‫المعارف‬ ‫من‬ ‫مركّب‬ ‫ل‬
‫ك ّ‬ ‫الثقافة‪:‬‬
‫العنف‪.‬‬ ‫والمهارات والفنون والمعتقدات‪ ،‬الثقافة‬ ‫تشكيل أنفسنا على شاكلة الطبيعة‬

‫حلّل وناقش‪.‬‬ ‫هو ي ّة إنساني ّة‪ ،‬الإنساني يتشكّل في الثقافة‬ ‫القائمة على الاختلاف ‪ +‬رفض‬

‫وبالثقافة‪.‬‬ ‫الإقرار بوجود شعوب همجي ّة ‪+‬‬


‫ن التمسّك بالخصوصية‬
‫← يعتقد عادة أ ّ‬
‫← هي شرط إمكان‪ ،‬مجال وإطار وأفق‬ ‫التسل ّح بالنقد والحوار ‪ +‬اعتبار النسبية‬
‫والمحافظة على الهو ي ّة نفي لحوار الثقافات‬
‫تواجد‪ ،‬الثقافة ليست موحّدة وهي منفتحة‬ ‫ثراء ‪ +‬اعتماد العقل ‪ +‬المراهنة على‬
‫ن الهو ي ّة تقف حائلا‪ ،‬عائقا أمام لقاء‬
‫وكأ ّ‬
‫على ال كوني‪.‬‬ ‫الإنسان ‪ +‬تحصين الوجود بالتعقّل ‪+‬‬
‫الإنسان بالإنسان‪ ،‬وهنا التصو ّر خاطئ‬
‫الهو ي ّة‪( :‬في سياق الفكر المركّب) حقيقة‬ ‫النظر إلى الإنسان كغاية لا كوسيلة‬
‫ل هو ي ّة تستحضر الهو يّات المختلفة‬
‫نك ّ‬
‫لأ ّ‬
‫مركّبة تشمل ما هو عضوي‪ ،‬ما هو نفسي‪،‬‬ ‫‪ +‬التأسيس لمشروع ينقذ الإنسان من‬
‫وتحاورها‪ ،‬ولا توجد هو ي ّة منقطعة عن‬
‫ما هو فكري‪ ،‬ما هو اجتماعي‪ ،‬ما هو ثقافي‬ ‫الإنسان فينقذ الإنسان من ذاته‪.‬‬
‫ال كوني بل الهو ي ّة مركّبة (موران) ‪+‬‬
‫وتنفتح على ال كوني وفي تناغم‪ ،‬الاختلاف‬
‫التعصّ ب نفي للحوار لأن ّه يقوم على حجج‬
‫أساس الهو ي ّة المركّبة فهو اختلاف داخل‬
‫واهية وهي مجر ّد تعلا ّت و يؤدّي إلى نتائج‬ ‫‪ -2‬مطلب ال كونية وشروط تحقيقه‪:‬‬
‫ل اختلاف هو‬
‫الهو ي ّة إذ أنا المختلف وك ّ‬
‫ل لتجاوزه‪ .‬يجب أن‬
‫خطيرة و يحتاج إلى ح ّ‬ ‫إدﭭاــر موران‪:‬‬
‫اختلافي‪.‬‬
‫أدين التعصّ ب وأدافع على الهو ي ّة‪.‬‬ ‫‪ -‬إرجاع الوحدة إلى تنو ّع والتنو ّع إلى‬
‫الفكر المركّب‪ :‬بناء معرفة متكاملة حول‬
‫‪ .2‬هل من وجاهة في الدّعوة إلى وحدة‬ ‫وحدة أي داخل كل كثرة هناك وحدة‬
‫الإنسان ككائن مفك ّر يحيى وفق آداب سلوكي ّة‬
‫مركّبة ؟‬ ‫ل وحدة تتضمّن ال كثرة أي كثرة‬
‫وك ّ‬
‫وإيتيقا حوار تضمن صلاح الإنسان وتجن ّبه‬
‫الوحدة ووحدة ال كثرة‪.‬‬
‫العنف‪.‬‬
‫‪ -‬يستند موران إلى حج ّتين‪ :‬أساس‬
‫إيتيقا مركّبة‪ :‬هي ضرب من الأخلاقي ّة‬
‫ل فرد تتداخل‬
‫نك ّ‬
‫بيولوجي يتمث ّل في أ ّ‬
‫تجمع بين أن نفك ّر جي ّدا وأن نفعل على نحو‬
‫فيه جملة اختلافات جينية وله في نفس‬
‫جي ّد وتكون في توافق بين الإنّية والغير ي ّة‬
‫‪ .1‬ما الذي يجعل العالمي نقيضا لل كوني؟‬
‫الوقت خصوصياته الجينية ‪ +‬الأساس‬
‫أساسها الحوار والتعقّل‪.‬‬
‫ل الثقافات مهدّدة بسبب‬
‫نك ّ‬
‫‪ .2‬كيف أ ّ‬ ‫الثقافي إذ كل ثقافة تشمل تأثيرات‬
‫العولمة ؟‬ ‫لمختلف الثقافات ولها ما يمي ّزها في نفس‬

‫الوقت‪ ← .‬دعوة إلى التعايش بين‬


‫ال كونيّ‪ :‬يتعل ّق بالحقل القيمي والسياسي‪،‬‬
‫الثقافات وتناغم الهو يّات في وحدة‬
‫يرتبط ب ‪ :‬الحقوق والحر ّيات والثقافة‬
‫تتضمّن التنو ّع‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫والديمقراطي ّة‪ ،‬لا يشير إلى الأدوات‪ ،‬يهلك‬ ‫← الاختلاف لا ينفي الخصوصي ّة‪،‬‬

‫بالعولمة و يواجه انحرافا‪ ،‬إن ّه تبادل القيم‪.‬‬ ‫يجب تجن ّب الوحدة التي ترسّ خ التجانس‬

‫‪ +‬يجب استدعاء وجه ثالث ليس وجه‬


‫العالمي‪ :‬إشارة إلى العولمة كصيرورة انفتاح‬
‫الذات وليس وجه الآخر‪.‬‬
‫الاقتصاد المحل ّي على السوق العالمي ّة هاجسه‬

‫اقتصادي يقوم على‪ :‬الات ّصال والتوصيل‬ ‫← لتجاوز الص ّراع بين الخصوصيات‬

‫والسياحة والإعلام‪ .‬إن ّه تبادل البضائع‬ ‫يجب‪:‬‬

‫والخدمات‪ ،‬يقوم بتفكيك الهو يّات وتوسيع‬ ‫‪ -‬إعادة تعل ّم رؤ ية العالم وفق منظور ي ّة‬
‫محيد عنه وقدر لا‬
‫الفوارق‪ .‬العولمة اتّ جاه لا َ‬ ‫الوحدة في التنو ّع والتنو ّع في الوحدة ‪+‬‬
‫رجعة فيه‪ ،‬تبادل الإنتاج وهو عنيف‪.‬‬ ‫التأسيس لرؤ ية نسقي ّة للإنسان وللعالم في‬

‫‪ .1‬هل من تفاضل بين الثقافات؟‬ ‫أبعاده المتعدّدة ‪ +‬التوحّد في أفق‬

‫← بيان الاعتقاد البغيض الذي يقر ّ‬ ‫الإنساني ّة ‪ +‬فهو الواقع بوصفه واقعا مركّبا‬

‫بتفاضل الثقافات استنادا إلى العرق مع‬ ‫‪ +‬الدعوة إلى وحدة مركّبة أي التسل ّح‬

‫بيان النتائج السلبية لعرقية الثقافة ‪+‬‬ ‫بفكر مركّب لفهم الهو ي ّة المركّبة ‪+‬‬

‫الاشتغال على مفهوم اختلاف الثقافات‬ ‫التأسيس لإيتيقا مركّبة تقوم على أن‬

‫إذ لا يوجد تفاضل بل تنو ّع ثقافي‪،‬‬ ‫نفك ّر جي ّدا وأن نفعل على نحو جي ّد ‪+‬‬
‫التحفّظ أو الأصولية‪ :‬التعصّ ب للجذور مع‬ ‫إيتيقا تقوم على توافق بين الإنّية والغير ي ّة‬
‫والاختلاف شرط لقاء الثقافات والثقافة‬
‫عدم القدرة على النفاذ إلى رموز العصر أي‬ ‫ترى الآخر صديقا وليس عدوّا ‪ +‬وضع‬
‫تنشأ في محدّدات تار يخي ّة‪.‬‬
‫شدّة التمسّك بالأصول مع العجز على محاورة‬ ‫التشر يع للحوار تجاوزا للعزلة ‪ +‬وضع‬
‫‪ .2‬نفي الاختلاف وليس الاختلاف هو‬
‫الحاضر كرموزه وعلاماته‪.‬‬ ‫أسئلة دقيقة وصولا إلى أجوبة واضحة ‪+‬‬
‫ما يهدّد الهو ي ّة‪ .‬حلّل وناقش‪.‬‬

‫← يوجد موقفين‪ :‬موقف خاطئ هو‬ ‫‡‬ ‫اعتبار الوحدة والتنو ّع واقعا جدلي ّا‪.‬‬

‫الاختلاف يهدّد الهو ي ّة ‪ +‬يوجد موقف‬ ‫المحافظة والأصالة‪ :‬هي التمسّك بالجذور مع‬ ‫‪« -‬توجد وحدة إنساني ّة بقدر ما يوجد‬

‫سليم وهو نفي الاختلاف يهدّد الهو ي ّة‪.‬‬ ‫القدرة على الانخراط في العصر والفعل فيه‬ ‫تنو ّع إنسانيّ» (موران)‪.‬‬

‫‪ .3‬هل من إمكانية لتعايش الثقافات رغم‬ ‫واستيعاب رموزه‪.‬‬

‫مخاطر العولمة ؟‬ ‫الحضارة‪ :‬هي المشترك بصفة إنسانية وهي‬

‫استراتيجيا مشتركة لثقافات مختلفة فهي أشمل‬


‫‪ .4‬هل من الواجب أن نؤسّ س لثقافة‬
‫من الثقافة الخصوصية وهي منطقة تداخل‬
‫إنساني ّة ؟‬
‫مجمل الاختلافات الثقافية‪ .‬إنّها نتاج‬

‫‪137‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫شراكة الثقافات وهي خلاصة التاريخ‬ ‫‪ -3‬مخاطر الخلط بين العالمي وال كوني‪:‬‬

‫الإنساني‪.‬‬ ‫بودر يار‪:‬‬

‫الاختلاف‪ :‬ظاهرة طبيعية وهو واقعة‪ ،‬إن ّه‬ ‫مفهومي العالمي‬ ‫خلط بين‬ ‫هناك‬

‫حركة ومصدر إبداع‪ ،‬يؤسّس لسبل غير‬ ‫وال كوني‪ ،‬ال كوني يتعل ّق بالحقل القيمي‬

‫مسلوكة سابقا‪ ،‬أداة تحر ّر من التشابه‬ ‫والسياسي‪ ،‬أمّا العالمي فيرتبط بال كم ّ‬

‫والتماثل والتجانس‪ ،‬يسمح لنا بالخروج من‬ ‫والسوق وتبادل الإنتاج ‪ +‬ال كوني إلى‬

‫ذواتنا للعودة إليها بعد نقدٍ‪ ،‬يحر ّرنا من رؤ ية‬ ‫ل‬


‫اندثار مم ّا يفضي إلى موت الثقافات فك ّ‬

‫واقعنا على أن ّه الأمثل فهو قدرة على‬ ‫الثقافات مستهدفة من العولمة‪:‬‬

‫المراجعة والتصحيح‪.‬‬ ‫موت الثقافة الغالبة‪ :‬يحصل لها توسّع‬


‫‪ .1‬ما الذي يضمن الحقّ ال كوني ؟‬
‫شاهد‪« :‬بقدر ما تكون ثقافة م َا معزولة لا‬ ‫وتجريد وتعميم يقتلها ‪ +‬تتنازل عن‬
‫‪ .2‬أيّ فرق يمكن أن نقيمه بين وجود‬
‫يمكنها أن تكون متفو ّقة» كلود لفي‬ ‫تفر ّدها لتسو ّق سطحها ‪ +‬تستأصل‬
‫يقوم على العنف ووجود يقوم على الحقّ ؟‬
‫ستراوس‪.‬‬ ‫ملامحها ‪ +‬تتحو ّل إلى ثقافة عار ية ‪ +‬تخنق‬
‫‪ .3‬هل من تعارض بين حقّ الضيافة وواقع‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫الصراع السياسي؟‬
‫رفض‬
‫ٌ‬ ‫موت الثقافة المغلوبة‪ :‬يحصل لها‬
‫ل خصوصي ّة ؟‬
‫‪ .4‬هل تقصي ال كوني ّة ك ّ‬
‫وانغلاق يقتلها ‪ +‬تتنازل عن تفر ّدها ‪+‬‬
‫ن أكبر مشكلة للنوع البشري‬
‫شاهد‪« :‬إ ّ‬
‫يقع دمجها بالعنف ‪ +‬تحو يلها إلى مسخ‬
‫يجب حل ّها هي إدراك مجتمع مدني قائم على‬
‫مشو ّه ‪ +‬تموت في تطل ّعها إلى ال كوني‪.‬‬
‫الحق ال كوني» كانط‪.‬‬
‫في خطورة منطق العولمة‪ :‬الخصوصي كما‬
‫الحقّ ‪ :‬يصدر عن الإنسان‪ ،‬أساسه عقلي‪،‬‬
‫ال كوني يَهلك بالعولمة ‪ +‬العولمة إعلان‬
‫ثابت‪ ،‬غير متناقض‪ ،‬سنده قانوني‪ ،‬يرى في‬
‫عن نهاية كوني ّة القيم ‪ +‬انتصار الفكر‬
‫الآخر الإنسانية‪.‬‬
‫ل العلامات ‪+‬‬
‫الوحيد ‪ +‬الخلط بين ك ّ‬
‫‡‬
‫التأسيس لحالة من الضّ ياع ‪ +‬تسهيل‬
‫المحب ّة‪ :‬أساسها عاطفي وانفعالي غير دائمة‪،‬‬
‫عبور القيم ونقلها كأيّ سلعة أو بضاعة‬
‫جزئي ّة‪ ،‬حقّ لأشخاص ترتبط بمظهر‪،‬‬
‫‪ +‬التشكيك والهدم دون بناء بدائل ‪+‬‬
‫ل الخصوصيات ملائمة لل كونيّ‬
‫‪ .1‬هل ك ّ‬ ‫متناقضة‪ ،‬تتأسّس على الغير ي ّة‪.‬‬
‫التجانس والانحراف ‪ +‬فكر النهايات‪.‬‬
‫؟‬
‫في إمكاني ّة التحو ّل من منطق العولمة‪ :‬لا‬

‫ل في العودة إلى الماضي ‪+‬‬


‫يكمن الح ّ‬

‫‪138‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن الحوار هو الذي يجن ّبنا صراع‬


‫‪ .2‬إ ّ‬ ‫تجاوز التحفّظ ‪ +‬التمسّك بالمحافظة ‪ +‬عدم‬

‫الخصوصيات‪.‬‬ ‫الاستسلام للإيديولوجيا المهيمنة ‪+‬‬

‫حلّل وناقش‪.‬‬ ‫تطوير العولمة نفسها أو إقامة عولمة بديلة‬

‫‪ .3‬هل يمكن تجاوز القيم الخصوصي ّة نحو معايير‬ ‫أو المرور من ثقافة العولمة إلى عولمة‬

‫كوني ّة ؟‬ ‫الثقافة‪.‬‬

‫القيم‪ :‬هي الأسس التي يقوم عليها الفعل‬ ‫ن العولمة تؤسّس لديانة توحيدي ّة‬
‫‪« -‬إ ّ‬

‫الإنساني وتستند حسب راولز إلى تعاقد ينبع‬ ‫كوني ّة جديدة هي ديانة السّوق» (روجيه‬

‫من الذات الإنسانية في عملية لقاء مشترك‬ ‫ﭭاــرودي)‪.‬‬

‫هدفها التأسيس لحكمة العيش مع ًا‪.‬‬


‫‪ -4‬شروط التواصل الخلا ّق بين‬
‫المعايير‪ :‬هي جملة من القواعد الأساسي ّة‬
‫الثقافات‪ :‬كلود لفي ستراوس ‪:‬‬
‫للسلوك الإنساني تقوم على التلاؤم مع‬
‫يرفض لفي ستراوس تأسيس الثقافة على‬
‫ن هناك‬
‫العقل وتتجاوز الخصوصيات لأ ّ‬
‫العرق إذ الأساس العرقي للثقافة مغالطة‬
‫خصوصيات غير ملائمة للمعايير ال كوني ّة‪،‬‬
‫البيولوجي‬ ‫بين‬ ‫خلط‬ ‫على‬ ‫تقوم‬
‫المعايير أساسها تعقّلي ومرجعها الحداثة بما‬
‫والاجتماعي والنفسي وتُهمل فعل‬
‫تعنيه من حرّ ية وال كرامة وحرمة الشخص‬
‫ن الثقافة تنشأ تار يخيا‪،‬‬
‫التاريخ‪ ،‬في حين أ ّ‬
‫والعدالة كإنصاف‪.‬‬
‫القول بعرقية الثقافة يقر ّ بماهية مسبقة في‬
‫الحوار‪ :‬هو شرط لقاء الإنسان بالإنسان‬
‫ن الإنسان يتشكّل في ظروف‬
‫حين أ ّ‬
‫يتأسّس على وحدة العقل البشري وينشد‬
‫تار يخي ّة‪.‬‬
‫التعايش الخالي من العنف والإقصاء‪ ،‬وهو‬
‫• نتائج تأسيس الثقافة على العرق‪:‬‬
‫رغبة في التواجد مع ًا من أجل أن يكون‬

‫الوضع الإنساني أفضل‪.‬‬ ‫الشوفيني ّة‪ ،‬المركز ي ّة الإثني ّة )‪(ethnique‬‬

‫الاستعلاء‪ ،‬الهيمنة والتمييزوالاستغلال‪،‬‬

‫تبرير الحرب والعنف‪ ،‬الدّمج الثقافي‪،‬‬

‫الإقصاء والتهميش‪.‬‬

‫• على ما تتأسّ س الثقافة ؟‬

‫الإنسان ينجز رموزه الخاصّة بفعل‬

‫محدّدات بيئي ّة‪ ،‬بفعل التبادل الثقافي‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تداخل الجماعات‪ ،‬التنو ّع داخل نفس‬

‫الثقافة‪.‬‬

‫← الثقافة فعل التاريخ لذلك يجب رفض‬

‫ثقافة النموذج من أجل التعايش‪ ،‬التجانس‬

‫دعوة إلى الموت‪ ،‬قدر الثقافة التمايز لذلك لا‬

‫تفاضل بين الثقافات‪.‬‬

‫لتجاوز التصو ّر العرقي للثقافة يجب‪:‬‬

‫‪ -‬تحالف الثقافات من أجل إنتاج‬

‫ن الاختلاف لا يهدّد‬
‫الحضارة لأ ّ‬

‫الخصوصية بل نفي الاختلاف هو ما‬

‫يهدّدها‪ ،‬النظر إلى الاختلاف على أن ّه‬

‫أساس خلا ّق للثقافة والهو ي ّة تضيع بفعل‬

‫التجانس والمسخ و يفعل تحو ّل الإنسان‬

‫ل في‪ :‬الاستفادة‬
‫إلى مستهلك‪ ،‬يكمن الح ّ‬

‫من الات ّصال مع التحكّم في أدواته بقدر‬


‫الحاجة دون ُّ‬
‫تزي ّدٍ أي ملك الأدوات‬

‫وشحنها بمضمون إتيقي حت ّى لا نصير ملكا‬

‫لها‪.‬‬

‫• شروط التواصل الخلا ّق بين الثقافات‬

‫هي‪:‬‬

‫‪ -‬النظر إلى العقل على أن ّه واحد والفرق‬

‫في كيفي ّات إجلائه‪ ،‬تثمين التنو ّع‪،‬‬

‫ن ال كوني معطى تار يخي يجب‬


‫الإقرار بأ ّ‬

‫الوعي به وحمايته‪ ،‬النظر إلى الخصوصي‬

‫على أن ّه لا يمث ّل خطرا على الثقافة‪ ،‬تجن ّب‬

‫الأصولي ّة والتحفّظ مع التمسّك بالأصالة‬

‫والمحافظة‪ ،‬يجب أن تكون الثقافة وفي ّة‬

‫لجذورها‪ ،‬امتلاك يقين‪ ،‬امتلاك معيار‬

‫‪140‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وإطار وأفق يمنح الأشياء معنى ودلالة‪،‬‬

‫رفض المحاكاة‪ ،‬النظر إلى الخصوصي على‬

‫أن ّه ما نحيا فيه وال كونيّ هو ما يحيا فينا‪،‬‬

‫تنمية الخصوصي‪ ،‬الشغف بلقاء الآخر‪،‬‬

‫اعتبار أنفسنا ضيوفا‪.‬‬

‫‪ -5‬الحاجة الأنطولوجي ّة والثقافية‬

‫لل كوني‪ :‬كانط‪:‬‬

‫يؤسّ س كانط لمفهوم الضيافة ال كوني ّة ‪+‬‬

‫يؤسّ س لمجتمع مدنيّ قائم على الحق‬

‫والمواطنة ال كوني ّة التي تحترم حقّ‬

‫الغريب وتؤمّن حقّ الضيافة‪.‬‬

‫• شروط الحق السياسي ال كوني‪ :‬حق‬

‫ن‬
‫ل إنسان حيث أ ّ‬
‫يضمنه القانون لك ّ‬

‫القانون يكون نابعا من الإنسان كذات‬

‫مشرّعة و يكون القانون عامّا‪ ،‬شاملا‬

‫وكوني ّا دون تمييز ودون استثناءات‪.‬‬

‫• غاية الحق السياسي ال كوني‪ :‬تجاوز‬

‫تناقضات الواقع ‪ +‬تجاوز الحرب ‪ +‬الحق‬

‫في المساواة ‪ +‬إنشاء دستور كونيّ‪.‬‬

‫• مفترضات وأسس الحق ال كوني‪:‬‬

‫ن‬
‫ن الذات مشرّعة‪ ،‬افتراض أ ّ‬
‫افتراض أ ّ‬

‫الإنسان كائن عاقل‪ ،‬احترام حق‬

‫الغريب وحق الضيافة استنادا إلى حجج‬

‫هي كرو ي ّة الأرض تجعل لقاء الإنسان‬

‫وجود‬ ‫وأسبقية‬ ‫ضرورة‬ ‫بالإنسان‬

‫الأرض على الإنسان وضرورة أن يتحمّل‬

‫‪141‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الناس بعضهم بعضا واعتبار وجودنا‬

‫عرض مؤق ّت‪.‬‬

‫← يجب تجاوز أخلاقو ية المحب ّة نحو‬

‫أخلاقي ّة الحق‪.‬‬

‫← يؤسّ س كانط لميثاق كوني ولمشروع‬

‫أخلاقي يقوم على استئصال الحرب‬

‫و يؤمّن حق البشر‪ ،‬و يؤسّس لأخلاق‬

‫تقوم على المبدإ لا على النتيجة‪ ،‬الأمل في‬

‫الإنسان‪ ،‬تأكيد فكرة ال كرامة‪ ،‬الميل إلى‬

‫الكل ّي‪ ،‬جعل الخصوصية ملائمة للعقل‪.‬‬

‫‪ -6‬التسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق‬

‫الإنسان‪ :‬راولز ‪ +‬هابرماس‪:‬‬

‫حقوق الإنسان ارتبطت بالحداثة‪،‬‬

‫الذات معيار لهذه الحقوق‪ ،‬الذات‬

‫مشرّعة‪ ،‬التسليم بوجود قيم كوني ّة مثل‬

‫حرمة الشخص الجسدي ّة والنفسية‬

‫وال كرامة والحر ية والعدالة‪.‬‬

‫• راولز‪ :‬يدحض الأساس الميتافيز يقي‬

‫لفهم الإنسان‪ ،‬يؤسّس لفكر تعاقدي‪،‬‬

‫ل قيمة‪ ،‬الدولة محايدة فيما‬


‫الفرد منبع لك ّ‬

‫يتعل ّق بالخير والشرّ‪ ،‬يجب إقامة تحالف‬

‫بين المجتمعات اللاّئقة وتجاوز المعيار‬

‫الشمولي للخير والشر‪ ،‬حقوق الإنسان‬

‫ماضيه‬ ‫مع‬ ‫الإنسان‬ ‫صراع‬ ‫ثمرة‬

‫اللاّإنساني‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫← تجن ّب العنف‪ ،‬تبادل الاعتراف‪،‬‬

‫تجاوز الر ّغبة التوسّعي ّة‪ ،‬اعتبار الخير‬

‫والسعادة قيم فردي ّة‪.‬‬

‫ن‬
‫• هابرماس‪ :‬تجاوز القيم نحو المعايير لأ ّ‬

‫القيم خصوصية ونسبية وليست مجال‬

‫توافق‪ ،‬أمّا المعايير فكوني ّة وهي مجال‬

‫توافق أساسه العقل وترتبط بالإنسان‬

‫ككائن عاقل أي كإنسان‪.‬‬

‫← يجب إنشاء توافق عالمي مرجعه‬

‫الحداثة يقوم على معايير هي حرمة الفرد‬

‫أو الحرمة الشخصية وال كرامة من أجل‬

‫التأسيس لعقل تواصلي يقوم على الحج ّة‬

‫الأفضل أي عقل تداولي يقوم على‬

‫الحوار‪ ،‬يتلاءم مع واقع ما بعد الحداثة‬

‫أي عقل تقني يقوم على الحوار المضادّ‬

‫للعنف‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫ش‬
‫ف ّية الإ يغال‬‫ي‬‫ك‬

‫ف‬‫س‬‫ل‬‫ف‬‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ع‬


‫ى‬ ‫ن‬
‫ى ا ّص ا‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫منهجية حتليل النصّ الفلسفي‬


‫• المقدمة ‪:‬‬

‫وظيفتها إدخال القارئ إلى مجال تفكيري فهي ليست دخولا إلى المقال بل عملية تحفيز ودفع الآخر إلى متابعة‬

‫النص و يحصل ذلك عبر افتعال واصطناع الحيرة والصراع والمفارقة التي‬
‫كيفية تفكيري في المشكل المطروح في ّ‬

‫النص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من شأنها أن تقحمني في مشكل‬

‫توجد تقنيات عديدة لاصطناع التوت ّر أهم ّها ‪:‬‬

‫النص ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬الإنطلاق من إحراج يثيره رأي شائع فيما يتعلق بمشكل‬

‫رأي فلسفي‬ ‫رأي شائع‬


‫‪‬‬
‫موقف فلسفي‬ ‫غير أن‬ ‫موقف عامي‬

‫بيد أن – في حين – ل كن – بينما‬

‫ل الحالات إذ هناك قضايا لا يبحث فيها العامّة ‪.‬‬


‫‪ ‬هذه التقنية ليست ممكنة في ك ّ‬

‫‪ -‬الإنطلاق من إحراج تثيره مفارقة بين موقفين فلسفيين‪ .‬لعلّ‪ /‬إذا سلمنا‪ /‬حين نقر‪ /‬حين نفترض‬
‫‪‬‬
‫موقف فلسفي ‪2‬‬ ‫موقف فلسفي ‪1‬‬

‫الأقوى‬ ‫الأضعف‬

‫ن الصراع‬
‫‪ ‬إحذر ‪ :‬التأكيد –إحذر الحكم والحسم والإستباق – إحذر التأريخ – إحذر ذكر اسم فيلسوف لأ ّ‬

‫صراع أفكار وليس صراع أشخاص‪.‬‬

‫• الإشكالية ‪:‬‬

‫النص إلى أسئلة تكون بمثابة الإعلان عن مراحل العمل‪.‬‬


‫‪ -‬تحو يل عناصر ّ‬

‫‪ -‬الإشكالية هي مخطط العمل في شكل أسئلة تعلن عن مراحل التحرير ‪ +‬إضافة سؤال أو أكثر للنقد يكون بمثابة‬

‫النص و يصاغ بأسلوب تشكيكي مثل إلى أي مدى ‪...‬؟ هل فعلا ‪...‬؟ ما أحقية‪...‬؟ ما‬
‫ّ‬ ‫التشكيك في أفكار‬

‫وجاهة‪...‬؟ هل من مشروعية‪...‬؟ أيحقّ لنا‪...‬؟‬

‫‪145‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ ‬إحذر إعادة نفس الصيغة في التساؤل – تجنب ذكر أسماء الفلاسفة – تجنب الأسئلة الفارغة من المحتوى إذ‬

‫يجب التنصيص على محتوى ومضمون للسؤال ‪.‬‬

‫• الجوهر ‪:‬‬

‫‪ -‬الأطروحة ‪ :‬هي ما يعمل الكاتب على إقناعنا به في ّ‬


‫النص أي ما يريد الدفاع عنه وتبليغه أي الوقوف على الفكرة‬

‫النص مع شرحها وتوضيحها وتبسيطها ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الناظمة والموحّدة والموجّهة والقائدة لكل‬

‫تصاغ الأطروحة في أسلوب تقريري ونستعمل ألفاظا مثل ‪ :‬يؤكد الكاتب‪ ...‬ويذهب إلى ‪ ...‬من أجل أن‬

‫يكذّب‪ ...‬و يجزم ب ‪ ...‬ل كي يرفض‪ ...‬و يقر ّ ب ‪ ...‬و يعمل على إقناعنا ب ‪ ...‬وهو يريد أن يقو ّض‪ ...‬ويدافع‬

‫عن‪ ...‬ويريد أن يثبت‪ ...‬و يبرهن على‪ ...‬و يقدّم حجة هي‪ ...‬و يضيف قرينة هي‪ ...‬ليكشف عن‪ ...‬وهو‬

‫بذلك يدحض‪ ...‬ويشكّك في‪ ...‬من أجل تجاوز‪ ...‬فهو يفن ّد‪ ...‬ل كي يحطم الإقرار ب ‪ ...‬ويستخلص‪ ...‬ويتوصّل‬

‫إلى‪ ...‬لينتهي إلى أنّ‪...‬‬

‫النص ‪ .‬يجب أن أفترض أن القارئ لمقالي جاهل‪.‬‬


‫‪ ‬إحذر الإشتغال على الفيلسوف وليس على ّ‬

‫‪ -‬الأطروحة المستبعدة ‪ :‬ليست مرحلة مخصوصة بذاتها ولا نخصص لها حي ّزا مكانيا بل نشتغل عليها أثناء معالجة‬

‫الأطروحة‪ ،‬لأن توضيح الأطروحة يحتاج إلى بيان الأطروحة المستبعدة‪ .‬وهي تعني ما يعمل الكاتب على نفيه‬

‫وتكذيبه وتقو يضه فهي ما يكتب ضدّه الكاتب‬

‫أحيانا تكون مصرّح بها ومعلنة وأحيانا تكون ضمنية وغير مصرّح بها‪.‬‬

‫نص وضعية الأنا في العالم لمرلوبنتي ص‪48‬‬


‫النص أكثر من أطروحة مستبعدة مثال ّ‬
‫ملاحظة ‪ :‬أحيانا يدحض ّ‬

‫من الكتاب المدرسي ‪.‬‬

‫النص لإثبات أطروحته‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬ال كشف عن الحجج أو المسار الحجاجي ‪ :‬أي استخراج الحجج التي يستعملها الكاتب في‬

‫ولدحض الأطروحة المستبعدة مع تنظيمها وتوضيحها وشرحها واستخلاص نتائجها‪.‬‬

‫النص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النص بحجج من خارجه ل كن بعد حجج‬
‫ّ‬ ‫يمكن دعم‬

‫الحجج ليست مرحلة مخصوصة بذاتها بل هي إشتغال أثناء عملية الإقناع بالأطروحة وأثناء عملية الدحض‪.‬‬

‫النص ‪ .‬أي إستخراج المفهوم المركزي‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬رصد شبكة المفاهيم ‪ :‬أي الإشتغال على النسيج المفهومي المستعمل في‬

‫النص أي من خلال دلالة المفهوم‬


‫ّ‬ ‫الرئيسي الأساسي و المفاهيم المجاورة والمفهوم المضاد مع شرحها في سياق‬

‫سياقيا‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ ‬إحذر‪ :‬لا نخصص فقرة بذاتها للمفاهيم بل هو عمل يتخلل كل التحرير جوهرا ونقدا‪.‬‬

‫• النقد‪:‬‬

‫للنص أي رصد حجم التغي ّر الحاصل في أربع‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬المكاسب ‪ :‬هي تحديد حجم الغنم‪ /‬الربح الحاصل من معالجتي‬

‫مستو يات وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬ما الذي تغير في نظرتي لذاتي؟‬

‫‪ -2‬ما الذي تغير في علاقتي بالعالم؟‬

‫‪ -3‬ما الذي تغير في علاقتي بالآخر؟‬

‫‪ -4‬ما الذي تغير في نظرتي للقيم والرموز؟ ( الأخلاق – الفن – الدين – السياسة‪)...‬‬

‫النص عبر تنسيب ما ذهب إليه الكاتب و يحصل ذلك ب ‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬الحدود ‪ :‬أي إبراز محدودية أفكار‬

‫النص‪ :‬ضعف قيمتها ‪ +‬خلل في صدقها ‪ +‬التشكيك فيها‪.‬‬


‫❖ بيان عدم إطلاقية أفكار ّ‬

‫النص بموقف يضعفها ( يمكن الإستناد إلى التجربة المعيشة ‪ +‬إستدعاء مرجعية مناقضة)‬
‫❖ مقارنة أفكار ّ‬

‫خاص ب‬
‫النص لزمانها ال ّ‬
‫❖ إرجاع أفكار ّ‬

‫ن ما ورد من أفكار هو نتاج ظروف تار يخية خاصّة بعصره‪.‬‬


‫❖ ها أي إدراك أ ّ‬

‫النص من أفكار هو نتاج خصوصية ذاتية‬


‫ّ‬ ‫❖ إرجاع أفكار الكاتب لذاتيته أي ال كشف عن أن ما ورد في‬

‫للكاتب أي نتاج تجربة خاصّة به لذلك لا ترفع تلك الأفكار إلى مرتبة الحقيقة‪.‬‬

‫النص بأفكار عصرنا‪.‬‬ ‫‪ -‬الراهنية ‪ :‬هي فحص مدى حضور أفكار ّ‬


‫النص في عصرنا اليومي أي مقارنة ومحاورة أفكار ّ‬

‫‪ -‬المسلمات الضمنية ‪ :‬هي ال كشف عن الأسس أي ما لم يقل وكل القول مؤسس عليه أي الإشتغال على‬

‫المسكوت عنه والصمت واللامقال أي الغير مصرح به أو الغير مسلم به‪.‬‬

‫• الخاتمة‪:‬‬

‫م ما توصلنا إليه جوهرا ونقدا أي تحديد المحاصيل أو الحصاد الحاصل من العمل ككل مع‬
‫هي تلخيص لأه ّ‬

‫ل وبكثير من التفاؤل‪ ،‬الخاتمة هي خلاصة العمل ككلّ‪.‬‬


‫التلويح بح ّ‬

‫‪ ‬إحذر طرح الأسئلة ‪ +‬تجنب فتح الآفاق ‪ +‬تجنب القولات وذكر أسماء الفلاسفة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫أساليب احلجاج يف النصّ الفلسفي‬


‫كيفية استخراج احلجج يف النصّ وكيفية بنائها من أجل اإلقناع يف املوضوع‬

‫إن العمل الفلسفي عمل حجاجي بالأساس وللحجج أساليب هي‪:‬‬

‫‪ .1‬الإستنتاج بالقياس ‪ :‬يتمثل القياس في الإستنتاج من العام إلى الخاص وهو قول يتألف من مقدمة كبرى‬

‫( عامة وكلية وبديهية) ومقدمة صغرى (خاصة وجزئية) ونتيجة تلزم عنهما ضرورة‪.‬‬

‫مثال ‪ : 1‬كل النساء جميلات‪ :‬مقدمة كبرى‬

‫صبا إمرأة ‪ :‬مقدمة صغرى‬

‫صبا جميلة = نتيجة =‬

‫مثال ‪ : 2‬كل إنسان فان ‪ :‬مقدمة كبرى‬

‫سقراط إنسان ‪ :‬مقدمة صغرى‬

‫سقراط فان = نتيجة‬

‫مثال ‪ : 3‬كل البشر موجهون باللاوعي‪ :‬مقدمة كبرى بديهية وكلية‬

‫أنا بشر ‪ :‬مقدمة صغرى‬

‫أنا موجه باللاوعي = نتيجة‬

‫‪ .2‬الإستنتاج التأليفي ‪ :‬هو إنشاء أو بناء بواسطة التأليف لمعارف جديدة من حقائق أو مسلمات أو تعر يفات‬

‫معلومة وبسيطة وبديهية‪.‬‬

‫* الإستنتاج التأليفي ينطلق من شيء معلوم ومعروف وبديهي ليكشف شيئا جديدا لم يكن معلوما‪.‬‬

‫*من المعلوم إلى المجهول‪.‬‬

‫مثال ‪ : 1‬بما أننا كنا أطفالا قبل أن نكون رجالا (معلوم وبديهي) وكنا قبل حصولنا على المعرفة الكاملة نخطئ‬

‫تارة في حكمنا على الأشياء ونصيب تارة أخرى (معلوم بديهي)‪.‬‬

‫لأجل ذلك كانت الأحكام التي كو ّناها على نحو من التسرّع تعوقنا عن إدراك الحقيقة (معلوم وبديهي)‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن الشك واجب وضروري في كل ما تلقيناه (نتيجة) مجهول ولم يكن معلوما وتم إنشاءه من‬
‫لذلك فإ ّ‬ ‫‪‬‬
‫التأليف‪.‬‬

‫*الإستنتاج التأليفي هو إنشاء وبناء لمعارف جديدة لم تكن معروفة هي أشياء معلومة ‪.‬‬

‫‪ .3‬الإستنتاج التحليلي ‪ :‬الإستنتاج بالتراجع ‪ :‬وهو إثبات قضية مركبة ومجهولة وغير واضحة بإرجاعها إلى قضايا‬

‫معلومة وبسيطة أي يحدث عبر التراجع من المجهول إلى المعلوم‪.‬‬

‫‪-‬الإستنتاج التحليلي هو انتقال من المجهول إلى المعلوم أي من المركب إلى البسيط‪.‬‬

‫المثال ‪ :‬هو الإستنتاج التأليفي مقلوبا‪.‬‬

‫ن نقيضها مستحيل‪.‬‬
‫‪ .4‬برهان الخلف ‪ :‬يتمثل في الإستنتاج بالخلف أي إثبات قضية ما ببيان أ ّ‬

‫مثال ‪ :‬ل كي يثبت سبينوزا قدرة الجسد لم يتعرض للجسد بل كشف عن عدم قدرة النفس المطلقة وذلك عبر‬

‫بيان أنّ‪:‬‬

‫‪ -‬النفس لا تفكر حين تريد‬

‫‪ -‬بقدر استعداد الجسد لصورة هذا الموضوع أو ذاك يكون استعداد النفس‪.‬‬

‫‪ -‬ليس للإنسان سلطان على ذاته‪.‬‬

‫‪ -‬الإنسان يعرف الفضيلة و يأتى الرذيلة‪.‬‬

‫‪ -‬التردّد قبل الفعل والندم بعد الفعل‪.‬‬

‫‪ -‬المستطاع الفيز يولوجي والحركي للجسد‪.‬‬

‫‪ ‬نستنتج أن النفس ليست قادرة بإطلاق بل إنها موجهة من طرف الجسد أي الجسد قادر ومستطيع وما‬

‫يؤكد ذلك عجز النفس عن التحرك بمفردها‪.‬‬

‫‪ .5‬برهان التقسيم ‪ :‬يتمثل في تقسيم القضايا إلى أصناف والقيام باستنتاجات إنطلاقا من التقسيم أي نبين بطلان‬

‫أحد الأصناف ل كي نثبت صح ّة الصنف الآخر أي لتأكيد سلامة صنف نبيّن خطأ الأصناف الأخرى‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬الإنسان إما أن يكون وعيا أو جسدا وبما أن الجسد شيء من أشياء العالم فالإنسان وعي وليس جسد‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن الإستقراء ينتقل من‬


‫‪ .6‬الإستقراء ‪ :‬وهو عكس القياس فإذا كان القياس ينتقل من العام إلى الخاص فإ ّ‬

‫الخاص إلى العام‪ .‬أي ينطلق من وقائع جزئية وأحداث خاصة ليصوغ قانونا عامّا‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬الإنسان لا يتحكم في رغباته‪ ،‬وأكثرنا محكوم في أفعاله بالأهواء وأغلبنا يأتي أفعالا لا إرادية فالإنسان‬

‫كائن رغبة‪.‬‬

‫ن السكران برغم سكره يتعرف على ذاته‪ .‬كما أن بعضنا يمشي أثناء النوم وأحيانا أتلفظ عكس ما أريد‬
‫مثال ‪ : 2‬إ ّ‬

‫تبليغه‪ .‬نستنتج أن اللاوعي يحرك و يوجه أفعال الإنسان‪.‬‬

‫‪ .7‬حجة المماثلة‪ :‬وتسمى الإستدلال بالمماثلة ‪ :‬وهي الخروج بنتائج إنطلاقا من التماثل والتشابه بين وضعين أو‬

‫شيئين أو شخصين‪.‬‬

‫مثال ‪ : 1‬كما لا يمكن لأحد أن يتغذّى بدلا عن ّا لا يمكن لأحد أن يفك ّر بدلا عنّا ‪ .‬نستنتج إذا قيمة التفكير‬

‫الشخصي‪.‬‬

‫مثال ‪ : 2‬في مجال التجارة والمعاملات نحتاج إلى معيار وهو الميزان وكذلك الأمر بالنسبة للمعرفة نحتاج إلى‬

‫معيار وهو العقل ‪ .‬نستنتج إذا أن المعرفة عقلية بالأساس‪.‬‬

‫‪ .8‬حجة المقارنة‪ :‬حجة المفاضلة وهي تقوم على المقارنة بين وضعين أو حالتين مختلفتين للإقرار بأفضلية حال على‬

‫حال وبتمي ّز طرف على طرف‪.‬‬

‫مثال ‪ : 1‬المقارنة بين من يدعّي المعرفة فينتهي جاهلا وبين من يدّعي الجهل فينتهي عارفا والأفضلية لمدّعي‬

‫الجهل‪.‬‬

‫مثال ‪ : 2‬المقارنة بين التواصل الحركي والتواصل اللفظي وتفضيل الألفاظ على الحركات‪.‬‬

‫‪ .9‬حجة المثال‪ :‬حيث تستعمل الأمثلة لمزيد الإقناع ولتجسيم الأفكار ولتوضيحها وتبسيطها‪.‬‬

‫يستعمل المثال في اتجاهين‪ :‬لتأكيد أطروحة ما أو لنفي أطروحة مستبعدة‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬سبينوزا ليؤكد قدرة الجسد استعمل العديد من الأمثلةكزلات اللسان وكالحركات اللاإرادية والمشي أثناء‬

‫النوم وحالة المخمور الذي يتعرف على ذاته‪ .‬كل هذه الأمثلة تؤكد قدرة الجسد‪.‬‬

‫النص الفلسفي بناء حجاجي بالأساس ‪ +‬الموضوع الإنشائي يحتاج فيه التلميذ إلى بناء حجج من أجل عملية الإقناع‪.‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫‪150‬‬
‫ش‬
‫ف ّية الإ يغال‬ ‫ي‬ ‫ك‬

‫ي‬ ‫ض‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ل‬ ‫ع‬


‫ى ا وا ع‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫صيغ املواضيع‬
‫‪ .1‬صيغة إستفهامي ّة ‪ :‬هل‬

‫• قسم التحليل‪ :‬صيغة ‪ 1‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬مسايرة الأطروحة‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬رفض الأطروحة وإستدعاء نقيضها‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬لا مكاسب لا حدود‬

‫الت ّأليف بين العنصرين (إثبات ‪ +‬نفي ‪ +‬تأليف)‬

‫‪ .2‬صيغة ‪ :2‬أمي ّة ‪ :‬هل ‪ 1‬أمّ ‪2.....‬‬

‫• قسم التحليل‪ :‬ثلاث عناصر‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل الجملة التي وردت مع هل‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تحليل الجملة التي وردت مع أمّ‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثالث‪ :‬الت ّأليف بين العنصر الأوّل والث ّاني‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب و حدود الراهنية ‪.‬‬

‫‪ .3‬صيغة إستفهامي ّة‪ :‬إذا ‪ ...‬هل ‪...‬‬

‫• قسم التحليل‪ :‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل عنصر إذ‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تحليل عنصر هل (هي مركز الإهتمام)‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ -‬الراهنية‪.‬‬

‫‪ .4‬صيغة إستفهامي ّة‪ :‬بأيّ معنى‬

‫• قسم التحليل‪ :‬عنصر وحيد‬

‫‪ -‬العنصر الوحيد‪ :‬يتمث ّل في رصد تعدّد المعاني مع التركيز على المعاني المطلوبة أي الإشتغال على تعدّد‬

‫الدلالات واختلافها والإهتمام بالد ّلالة المخصوصة (تطبيق المنهجية العامّة)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ -‬الراهنية‪.‬‬

‫‪ .5‬صيغة قولة‪ :‬قيل‬

‫• قسم التحليل‪ :‬عنصر واحد‬

‫‪ -‬يتمث ّل في الإشتغال على أطروحة القول عبر تحديد مفهومها الر ّئيسي‪ ،‬أسسها‪ ،‬حججها‪ ،‬مرجعي ّتها‪،‬‬

‫راهنيتها‪ ،‬مسلّماتها الضمنية‪ ،‬نتائجها وإستتباعاتها‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ -‬راهنية‪.‬‬

‫‪ .6‬صيغة نفي و إثبات ‪ :‬ليس ‪ /‬لا ‪ ...‬بل و إنّما أحيانا يكون منفيان ‪/‬منفي ومثبت‬

‫• قسم التحليل‪ :‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل الأطروحة المنفية ← المنفي‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تحليل الأطروحة المثبتة ← مثبت (نقد للمنفي)‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬الن ّقد‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ +‬راهنية‬

‫‪ .7‬صيغة الإختزال و الشرط ‪ :‬صيغة شرطي ّة وحصر ي ّة‬

‫• قسم التحليل‪ :‬ليس – إلا ّ ‪ /‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل الأطروحة ليس‪.‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تحليل الأطروحة إلا ّ‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬الن ّقد‬

‫مكاسب‪ :‬حدود ‪ +‬راهني ّة‬

‫‪ .8‬صيغة رفض الشرط والإختزال ‪:‬‬

‫• قسم التحليل‪ :‬ليس ‪ ...‬فحسب بل ‪ /‬لا ‪ ...‬وإنّما ‪ /‬بل‪ :‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل الأطروحة ليس مجال إثبات أي تحليلها بأن تنزع عنها أداة الن ّفي ل كن‬

‫دون توسّ ع‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تجاوز الاختزال لتحليل الأطروحة الثانية الواردة بعد فحسب ثم ّ الجمع بين‬

‫الأطروحتين و تجاوزهما‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ +‬راهني ّة‬

‫‪ .9‬صيغة التناسب أو الموازنة ‪ :‬بقدر ما – بقدر ما‬

‫• قسم التحليل‪ :‬عنصران‪:‬‬

‫‪ -‬العنصر الأوّل‪ :‬تحليل أطروحة بقدر ما(‪. )1‬‬

‫‪ -‬العنصر الثاني‪ :‬تحليل أطروحة بقدر ما (‪. )2‬‬

‫‪ -‬الجمع بين العنصرين وتجاوزهما‪.‬‬

‫• قسم النقاش‪ :‬مكاسب ‪ +‬حدود ‪ +‬راهني ّة‬

‫مواضيع قول أو إقرارا‬ ‫مواضيع السؤال‬

‫‪ -‬قول في شكل أطروحة‬ ‫‪ -‬سؤال يبحث في معنى‬

‫‪ -‬قول في شكل تعارض‬ ‫‪ -‬سؤال يقوم على فرضية واستنتاج‬

‫‪ -‬صيغة شرطية أو حصر ي ّة‪.‬‬ ‫ل موضوع في‬


‫‪ -‬سؤال في صيغة جدال‪ :‬هي ك ّ‬

‫‪ -‬صيغة رفض الش ّرط أو الإختزال‪.‬‬ ‫شكل استفهامي و يقوم على الإثبات ثم ّ الن ّفي‬

‫‪ -‬صيغة علاقة تلازم أو سببي ّة‬ ‫ثم ّ التأليف (لا مكاسب لا حدود لا راهينية)‬

‫(سبب – نتيجة)‬ ‫‪ -‬سؤال تشكيك (هل فعلا – هلا حقّا)‬

‫غياب النقد مع التركيز على التشكيك‪.‬‬

‫‪ -‬سؤال مفارقة (هل – أم – في آن واحد)‬

‫التركيز على الت ّناقض ثم ّ السّعي إلى تجاوزه‬

‫‪ -‬صيغة تلازم بين سبب ونتيجة (هل يترتب‬

‫عن إكتشاف اللا ّوعي يغي ّر في معنى الإنية‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ملاحظة‪:‬‬

‫• العمل على المسودّة‪:‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪ :‬قراءة أوّلي ّة بغرض تصنيف الموضوع إن كان قولا أو سؤالا ثم ّ تحديده داخل‬

‫الصّ نف مع تسجيل التمش ّي المنهجي‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقية‪( :‬الأفكار والعلاقات)‬

‫استخراج أفكار الموضوع وعناصره والعلاقات بين الأفكار‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬

‫تحديد سياقي للمفهوم الر ّئيسي وللمفاهيم المجاورة إن وجدت‪.‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات ‪ +‬مرجعي ّة النقد‬

‫**حظ سعيد **‬

‫‪155‬‬
‫ف‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬‫ط‬ ‫ت‬
‫ّية ى‬ ‫ج‬ ‫يفات‬

‫مسالة الإ نية و الغير ّ ية‬


‫ئ‬ ‫ل‬
‫ا موضوع الإنسا ي‬

‫س‬ ‫ض‬
‫ى يغة وال‬‫ف‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫املوضوع ‪ :1‬هل يستويف األنا أفكِّر حقيقة الذات؟‬


‫توطئة نظر ية‪:‬‬

‫يمكن القول على وجه الإجمال بأن الموضوع الانشائي في الفلسفة انما يرد في شكلين‪ :‬شكل سؤال‪ ،‬أو في شكل‬

‫أطروحة مرفقة بتعليمة‪.‬‬

‫من قبيل‪:‬‬ ‫الموضوع في قالب سؤال‪:‬‬ ‫‪.I‬‬


‫‪ -‬هل ‪...‬؟ (هذا الصنف من الأسئلة قد يرد في شكل سؤال بسيط‪ ،‬أو في شكل سؤال أ ِم ّيّ ٌّ ‪ ،‬أو في‬

‫شكل تساؤل عن وجود تعارض وتناقص)‪.‬‬

‫‪ -‬بأي معنى‪...‬؟‬

‫‪ -‬إلى أي مدى‪...‬؟‬

‫هو يمكن أن يرد‪:‬‬ ‫الموضوع في قالب أطروحة‪:‬‬ ‫‪.II‬‬


‫‪ -‬في شكل أطروحة بسيطة أو أطروحة مركّبة (تتضمن استبعادا واثباتا) كما يمكن أن يرد في شكل‬

‫تناسب بين الأمرين (إما طردا وإما عكسا)‬

‫نكتفي مؤقتا بصنف المواضيع ب "هل"‪ :‬هذا الصنف يقتضي وجوبا ‪ 3‬لحظات‪:‬‬

‫• لحظة أولى‪ :‬يمكن أن تتضمن اثباتا للامكانية أو نفي الامكانية كذلك (يتوقف الخيار على طبيعة‬

‫السؤال)‬

‫• لحظة ثانية وهي لحظة التنسيب والاعتراض على الامكانية الأولى بيان حدودها‪ :‬إمّا بال كشف عن‬

‫المسلمة الضمنية واما برصد تبعاتها‪.‬‬

‫• لحظة ثالثة‪ :‬هي لحظة التجاوز أو التأليف‪.‬‬

‫ملاحظة ‪ :1‬نكتفي بلحظتين إذا كان السؤال الهلّيّ يستفهم عن تعارض أو تناقض‪.‬‬

‫ملاحظة ‪ :2‬إذا كان السؤال الهلّي انيا فيبدو أن اللحظة الثالثة تتضمن التأليف بين الإمكانيات (ل كن ينهي‬

‫التجاوز إمكانية قائمة ان أمكن)‬

‫‪158‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• المقدّمة‪:‬‬

‫التمهيد‪ :‬يمكن لنا الانطلاق من الامكانية التالية‪ :‬مركز ية مبحث الذات في الفلسفة‪ ،‬وما تعرض له هذا المفهوم‬

‫من هز ّات كانت تجبرنا في كل مرّة على إعادة تأسيسه‪.‬‬

‫الإشكالية‪:‬‬

‫ما الذات؟ وعلى فرض التسليم ان لها حقيقة‪ ،‬ما الذي يمث ّل سبيلا لمعرفتها على نحو ما يعني‪ :‬هل للأنا أفكر القدرة‬

‫على إستيفاء حقيقتها‪ ،‬أم على خلاف ذلك‪ ،‬انه قاصر عن بلوغ مداها العميق‪ ،‬ما الذي يمكن أن يمث ّل مدخلا‬

‫مناسبا لسبر أغوارها؟‬

‫• الجوهر‪:‬‬

‫يحلّل المترشح الامكانية القاضية بقدرة الأنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ‪:‬‬

‫ال ّلحظة الأولى ‪ :‬على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ ‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ -1‬تحديدات دلالية‪:‬‬
‫▪ "الأنا أفكر" بما هو في آن نشاط ومضمون‪ ،‬وبما هو منهج يتعارض مع الحسي والخيالي‪.‬‬

‫▪ دلالة الذات بما هي تحتمل معنى مقي ّدا ذا خلفية ميتافيزقية (الذات مفكرة بالضرورة) كما تحتمل معنى مطلقا‬

‫يشير اليها بما هي الذات الأنانة في تعدد ابعادها‪.‬‬

‫▪ تحديد دلالة الحقيقة بما هي تشير الى الث ّابت في الشيء والاصلي والماهية‪.‬‬

‫‪ -2‬مستو يات الإيتيقا‪:‬‬

‫أ‪ -‬م‪ .‬انطولوجي‪ :‬مماهاة الانا أفكر لحقيقة الذات (يمكن الإحالة الى التصور الديكارتي‪ :‬الوعي بالذات وحقيقة‬

‫الذات أمر واحد)‬

‫ب‪ -‬م‪ .‬إيستمولوجي‪ :‬الأنا أفكر منهج‪/‬مدخل للقبض على حقيقة الذات بأي نحو تصورنا الذات‪.‬‬

‫‪ -3‬شروط الإستيفاء‬

‫أ‪ -‬من جهة الفكر‪:‬‬

‫• الثقة في الفكر ميتافزقيا بما هو البداية الأولى ‪ /‬المرجع الوحيد للمعرفة ‪ /‬أصل المعنى‪.‬‬

‫• الثقة الأخلاقية في الفكر‪ :‬التي تفيد صدقه وأنانيته وشفافيته وحياده وموضوعيته‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ب‪ -‬من جهة الذات‪:‬‬

‫ن للذات حقيقة‪ ،‬وبأن هذه الحقيقة واحدة‪.‬‬


‫التسليم بأ ّ‬

‫استخلاص‪ :‬نستخلص أن الثقة في قدرة الأنا أفكر في استيفاء حقيقة الذات انما تتنز ّل ضمن فضاء الوحدة‪:‬‬

‫وحدة العقل ‪ /‬وحدة الذات ‪ /‬وحدة الحقيقة‪.‬‬

‫اللحظة الثانية‪ :‬بيان حدود قدرة أنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بـــ ‪:‬‬ ‫‪.II‬‬
‫‪ -‬انهيار مفهوم الحقيقة نتيجة الرجّات المتتالية (أي مجال المعرفة أساسا)‬

‫‪ -‬انفجار الذات‪ :‬ما عدنا نعرف قرارها الأصلي‪ ،‬ولا منتهى ما تحتمله من تأو يل‬

‫‪ -‬التشكيك في وحدة الأنا أفكر وأصالته وحياته إمّا عبر الاكتشافات اللغو ية أو عبر اكتشاف الشروط الجسدي ّة‬

‫للوعي‪ ،‬أو على اكتشاف التداخل بين الفكر والخيال‪ ،‬أو العقل والانفعال أو الوعي واللاوعي‪...‬‬

‫اللحظة الثالثة‪ :‬في إعادة تأسيس معنى الذات وسبل إستيفائها‪:‬‬ ‫‪.III‬‬

‫‪ -1‬إعادة تأسيس مدلول الذات‪:‬‬


‫• الذات منخرطة في العالم عبر وضعيات‬

‫• الذات تار يخية‬

‫• الذات مندرجة ضمن فضاء بينذاتي‪.‬‬

‫‪ -2‬السبل الممكنة للتفكير فيها‪:‬‬


‫أ‪ -‬استيفاء الذات ليس حدسا أو استنباطا يتم دفعة واحدة‪ ،‬بل هو مشروع مفتوح‬

‫✓ هي مسار بناء وإعادة بناء‪.‬‬

‫✓ هي تجاوز مستمر للصور التي تبنيها الذات حول نفسها‪.‬‬

‫✓ حفر في الذاكرة بمعية المحلل النفسي‪ ،‬يعين الذات على التحكم من سوء الفهم ‪ /‬الوهم‬

‫‪ -‬استخلاص أن كل هذه السبل انما تُبقينا داخل الفضاء المعرفي‪.‬‬

‫ب‪ -‬استيفاء حقيقة الذات ليس عملية تأملية‪ /‬ذهنية ‪ /‬خالصة بل هو مسار فعل وتغيير وتقدم نحو الحر ية‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• الخاتمة‪:‬‬

‫الذات حركة انكشاف بطيء يمث ّل الفكر أحد قواها ووظائفها ووجودها‪ .‬بما يؤكّد اقتضاء مطلب الاستيفاء لمعاني‬

‫الاعتراف والمشاركة والاني ّة مسار وجهد ومشروع يتحدّد داخل الفعل والتجربة خارج كل تصو ّر مسب ّق وبعيدا‬

‫ل حكم مسبق حول الأنا إذ الأنا تدرك ذاتها في عملية حوار وشراكة مع الغير الماثل فيها وخارجها‪.‬‬
‫عن ك ّ‬

‫‪161‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إصالح موضوع يف مسألة اإلنيّة والغرييّة‬

‫املوضوع ‪ : 2‬هل تتحقّق إنيّة اإلنسان بالتعايل عن التاريخ ؟‬

‫العمل على المسودّة‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة المسودة‪:‬‬


‫موضوع سؤال في صيغة إستفهام هل يتم ّ الإشتغال عليه كالت ّالي‪:‬‬

‫• عنصر أو لحظة أولى‪ :‬إثبات ‪ :‬طرح‪.‬‬

‫• عنصر أو لحظة ثانية‪ :‬نفي ‪ :‬نقيض الطرح‪.‬‬

‫• عنصر ثالث أو لحظة ثالثة‪ :‬تأليف وتجاوز‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة‪:‬‬


‫‪ -‬دلالة تحقق الإنية بوصفها الحقيقة والجوهر الذي يتقو ّم ب ِه وجود الأشياء ومن ثم ّة تكون إني ّة الإنسان هي‬

‫حقيقته وجوهره‪.‬‬

‫‪ -‬إحالة إلى الفكر بوصفة دالا على إني ّتي‪.‬‬

‫‪ -‬الإحالة على الوجود المتجسّد كإني ّة‪.‬‬

‫‪ -‬الإحالة على الوجود الر ّمزي بوصفه سمة الإني ّة (كاسيرار)‪.‬‬

‫‪ -‬إدراك معنى التحقق بما هو إنتقال الوجود الطبيعي الخام بالقو ّة إلى الوجود الفعلي الواقعي كقوام حيّ وفاعل‬

‫فكر يا وماديا ورمزيا وثقافيا (الهو ي ّة)‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية تحقق الإني ّة بالتعالي عن التاريخ‪.‬‬

‫ل الحتميات الفيز يائي ّة والفيز يالوجي ّة والإجتماعي ّة‬


‫ن التعالي هو ضرب من الإستقلالي ّة المتحر ّرة من ك ّ‬
‫‪ -‬بيان أ ّ‬

‫من جهة أن الإنسان حر ي ّة لا كوني ّة أو هو فكر خالص أو نفس أو روح‪.‬‬

‫‪ -‬التحر ّر من حتمي ّات التاريخ بضرب من الإنفصال الذاتي عن كل ماهو واقعي كالجسد والعالم والآخر‪...‬‬

‫=> التعالي عن التاريخ شرط لتحقق الإنية‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫* نسبي ّة هذا التعالي عن التاريخ من جهة‪:‬‬

‫▪ جعل الإنسان في عزلة‪.‬‬

‫▪ لا يرى في العالم إلا ّ ذاته‪.‬‬

‫▪ ليس للإنسان تاريخ بل الإنسان في ح ّد ذاته تاريخ بتعبير لوسيان مالسون‪.‬‬

‫▪ لا إمكانية للوجود إلى مع الغير و من أجل الغير و بعد الغير‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم سياقي ّا وموضوعي ّا‪:‬‬


‫ل‬
‫• الت ّاريخ‪ :‬يُفهم بوصفه مجموع الأحداث والتجارب التي تشهدها الحياة البشر ية في مواجهة الطبيعة أو في ك ّ‬

‫لقاء ممكن بين الذوات أفرادا وثقافات‪ ،‬فالتاريخ يعني الحركة والفعل والإنفعال جملة المواجهات والصراعات‬

‫والمشار يع المشتركة والمتضادة والإكتشافات والإبداعات والمراكمات وأشكال التغيير لما هو طبيعي لجعله أكثر‬

‫ملاءمة‪.‬‬

‫و يفهم التاريخ أيضا بما هو ‪ Historia‬وهي كلمة ذات أصل يوناني تتكو ّن من جذرين ‪ Histo‬وتعني ‪temps‬‬

‫أي الزمن و ‪ ria‬وتعني ‪ voir‬أي النظر‪ .‬فهي النظر في الزمان ‪ voir dans le temps‬بمعنى فعل الإنسان في‬

‫الزمان وكم وعدّد الحركة في المكان فالتاريخ لا يعني الماضي أو ما فات وانقضى بل يعني الواقع والحاضر‬

‫والموجود والعالم فهو إشارة إلى الآن وهنا‪. ici et maintenant‬‬

‫التاريخ فضاء للفعل وموضع الل ّقاء وهو أيضا منهج للفهم في مقابل الميتافيز يقا والثبات‪.‬‬

‫=> التاريخ شكل حضور للإنسان في العالم ومع الآخر‪.‬‬

‫• التحقّق‪ :‬هو الإشباع والإكتمال بمعنى التحو ّل من وضع أدنى إلى وضع أرقى‪.‬‬

‫• إني ّة الإنسان‪ :‬إني ّة الشيء جوهره وحقيقته وما به يكون فإني ّة الإنسان تعني ماهي ّته وما به هو هو أي أمْيز َ‬

‫وأخص خصائصه – الثابت والمطلق والكلي وما لا يتغي ّر‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ممي ّزاته‬

‫• التعالي‪ :‬ضرب من الإنفصال ورفض الإت ّصال قائم على الإعتقاد في أفضلي ّة – إن ّه الإستقلالية المفضية إلى‬

‫العزلة في مقابل الانفتاح والإعتراف‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪:‬‬
‫• أفلاطون ‪ +‬ابن سينا ‪ +‬ديكارت‪ :‬في بيان تعالي الإنية على التاريخ‪.‬‬

‫• نيتشة ‪ +‬ميرلوبوتني ‪ +‬ماركس بالأخص ‪ +‬هيقل ‪ +‬سارتر ‪ +‬ليفيناس‪ :‬في بيان محايثة الإنية للتاريخ ومعنى‬

‫وجه الذ ّات‪.‬‬

‫العمل على ورقة الإمتحان‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -1‬تمهيد‪:‬‬
‫ن ما يكون خارج الذ ّات‬
‫يعتقد الإنسان بضرب من التوه ّم أن ّه يعيش ض ّد الآخرين وفي مواجهتهم مم ّا صو ّر له أ ّ‬

‫ن الواقع الت ّار يخي‬ ‫يشكل عائقا أمام فعلها وتحقيقها لأناها مم ّا ترتب عنه تصو ّرا غ ًّ‬
‫ُفلي ّا لمعنى المغاير ولقيمته غير أ ّ‬

‫والفعلي سرعان ما يكشف عن حاجة الإنسان إلى المختلف في سعيه الدؤوب إلى إثبات ذاته وتحقيق كينونته‬

‫بفضل الآخرين ومعهم لا ضدهم‪.‬‬

‫مثل هذا التوت ّر بين الر ّغبة في إثبات الذات ض ّد وواجب الوجود والتحقق مع الآخر هو ما يدفع إلى التساؤل‪:‬‬

‫الإشكالية ‪:‬‬ ‫•‬

‫ما دلالة التاريخ؟‬

‫وأيّ سبيل تسل كه الإني ّة لتتحقّق؟‬

‫هل هو في التعالي عن التاريخ والتحر ّر من حتمياته أم عبر الإنخراط فيه والفعل في سيرورته؟‬

‫‪ -2‬الجوهر‪:‬‬

‫• لحظة أولى ‪:‬‬

‫‪ -‬ال كشف عن القصد من تحقق الإنية ببيان معنى الإنية كجوهر وكحقيقة وكماهية‪.‬‬

‫‪ -‬تأكيد تعالي الفكر كمركز للإنية داخل التصو ّر العقلاني للإنسان مم ّا يجعل الفكر يعب ّر عن حقيقة الأنا ويستكمل‬

‫كيان الإن ّي‪.‬‬

‫‪ -‬رفض الوجود المتجسّد في العالم من طرف الموقف الميتافيز يقي‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل هو ي ّة قوامها الإختلاف ورفض الهو ي ّة السردية نحو تأسيس هو ية‬


‫‪ -‬إنكار الوجود الر ّمزي والثقافي وتجاوز ك ّ‬

‫تقوم على التطابق والتماثل ومعيارها العقل بوصفه أعدل الأشياء قسمة بين الناس‪.‬‬

‫=> تحقق الإنية لا يتم ّ إلا بالتعالي عن التاريخ مما يخفي مسلّمه ضمني ّة هي سلبي ّة التاريخ وانحطاط الواقع في نظر‬

‫الفلاسفة العقلانيين مم ّا أدّى إلى الوصم – وصم الجسد بأنه عائق وإلزامه بحدود الموضوع واعتبار العالم‬

‫ز يف ووهم وحصرة في حدود المادّة‪ .‬واعتبار الآخر معرقلا لعملي ّة اكتشاف الأنا مم ّا دفع بال كوجيتو إلى‬

‫ل ما يحول دون تحقق الانية من جسم‬


‫الإنعزال فالعزلة استراتيجيا وخطّة الغرض منها الإنصراف عن ك ّ‬

‫وعالم وآخر‪.‬‬

‫=> إني ّة مستقلّة ومتحر ّرة من كل الحتميات تثبت ذاتها حر ية إذ الإنسان ممل كة الحر ية داخل ممل كة الضرورة‪.‬‬

‫=> التعالي عن التاريخ شرط لتحقق الغنية أي رفض النظر في الزمان (أنظر تعر يف التاريخ في المسودة)‪.‬‬

‫• لحظة ثــــــــاــنية ‪:‬‬

‫‪ -‬ال كشف عن إمكانية التجذّر في التاريخ ومحايثة الواقع لتحقق إينيتي وذلك ببيان أن الإنسان هو الماهوغير‬

‫حيث الإني ّة تستوجب الغير ي ّة (هيقل) وأن الإنساني لا يتعالى عن التاريخ بل لا ينفصل عنه‪.‬‬

‫‪ -‬نسبي ّة هذا التعالي عن التاريخ من جهة أنه يؤدّي إلى‪ :‬جعل الإنسان في عزلة ‪ +‬لا يرى في العالم إلا ّ ذاته‬

‫‪ +‬ليس للإنسان تاريخ بل الإنسان في ح ّد ذاته تاريخ ‪ +‬لا إمكانية للوجود إلا ّ مع الغير و من أجل الغير‬

‫بعد الغير‪.‬‬

‫‪ -‬الإستفادة من المرجعية الهيقلية التي تؤكّد أن الإنية انفتاح على المغاير‪.‬‬

‫ن الإني ّة تشكّل في علاقة بالواقع الاقتصادي‬


‫‪ -‬التأكيد خصوصا على الموقف الماركسي الذي يكشف عن أ ّ‬

‫والإجتماعي‪.‬‬

‫• لحظة ثــــــــاــلثة ‪:‬‬

‫‪ -‬من جهة التعالي مشروع إذا كان التاريخ مجال المغالطات والتزييف والوعي الكاذب لأن التاريخ ممو ّه وموجّه‬

‫من طرف الفاعلين السياسيين والنخب المتورّطة في الإيديولوجيا والمنفعة‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬من جهة ثانية استرجاع قيمة التاريخ ضرور ية من جهة أن الانسان كائن الزمان والمكان والآخر وأن لا‬

‫هو ية إلا في فضاء مشترك بكل ألاعيبه يظل إنسانيا لأن الإنساني لا يعني وجودا مثاليا وإنما وجود ممكن‬

‫بانكساراته وضعفه وهشاشته‪.‬‬

‫‪ -‬ل كن من جهة المصالحة بين الانا وتار يخها يستوجب الأمر إدراك التاريخ كعامل تأثير في الذات وهو أيضا‬

‫مجال لتأثير الذات فلسنا فقط نتاج التاريخ بل التاريخ هو نتاج الإنسان فالأنا تغي ّر مسار التاريخ إذ أن أفرادا‬

‫استطاعوا تغيير أزمنة وأوطان مثل غاندي الذي جذّر منهج وجود في العالم أساسه اللا ّعنف‪.‬‬

‫ل التأثيرات ول كن ّه فاعل ومؤث ّر أيضا‪.‬‬


‫ل الإنسان مكمن ك ّ‬
‫=> يظ ّ‬

‫‪ -‬حين يتعل ّق الأمر بمنظور ية وأفق ثالث أو جديد لمقاربة أنيتي فإني أحتاج إلى الإقرار بأن الأنا مركبة من‬

‫اختلافات فهو وحدة تتضمّن ال كثرة وكثرة ل كنها موحدة إذ أنني وحدة في التنو ّع وتنوع في الوحدة‪ .‬لهذا‬

‫اني ّتي لا تختزل في بعد وحيد أو في مركز واحد‪.‬‬

‫=> ما يجب رفضه هو المركز ية والتفسير الأحادي للإنسان وللعالم‪ .‬إن المنهج الحقيقي الذي يسمح لنا بمعرفة‬

‫ذواتنا هو التأو يل الذي يقارب الإنسان كظاهرة وكحدث وكواقعة وليس كحقيقة‪ .‬يجدر بنا الإنتقال من‬

‫أفق الحقيقة إلى أفق المعنى‪ .‬ومن فكر إختزالي إلى فكر منفتح يرفض أن تكون إني ّتي معطى بل مسار وجهد‬

‫في التاريخ‪.‬‬

‫‪ -3‬الخاتمة‪:‬‬
‫ل‬
‫يتوضح أن ما يمي ّز الموقف المتعالي هو التعالي عن المغايرة بما فيها التاريخ وتبيّن أن التعالي يجر ّد التاريخ من ك ّ‬
‫ّ‬

‫تأثير في تشكيل الإني ّة وصار من الجلي الإقرار أن الانغماس في مجرى التاريخ يفقد الإنية إرادتها وحر ي ّتها بتحو يلها‬

‫إلى وجود خاضع لحركة ومسار التاريخ‪.‬‬

‫ل منهما فهما مسار واحد‪ .‬والأكيد‬


‫يبدو أن العلاقة جدلية بين الإنية والتاريخ وأن في الفعل والانفعال يتحدّد ك ّ‬

‫أن المحدّد لعلاقة الذات بالتاريخ هو المعنى الذي نمنحه لهذا المفهوم والدلالة التي نرتئيها لذواتنا‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إصالح موضوع يف مسألة اإلنيّة والغرييّة‬

‫املوضوع ‪ : 3‬قيل‪ " :‬إنّ األنا اإلنسانيّة ال تزيد عن كوهنا هبة‬


‫مينحها له اآلخرون‪ ".‬حلّل هذا القول وناقشه مربزا مزنلة الغري‬
‫يف حتديد اإلنيّة‪.‬‬
‫‪ -1‬التمهيد‪:‬‬
‫يزعم أغلب البشر أنهم قادرون على الإستغناء على وجود الغير وعن تجاوز الحاجة إليه مم ّا ينجم عنه إقصاء الغير ي ّة‬

‫ن‬
‫في عملية إدراك الأنا لذاتها وهو ما أفضى إلى تصو ّر إمكاني ّة الوجود بمعزل عن الآخرين وفي مواجهتهم بَيْد َ أ ّ‬

‫الإنسان كيان من الحاجات والرغبات التي يشكّل الغير موضوعها الأساسي خصوصا وأن الإنسان يتجاوز ما هو‬

‫حسي ليعيش كيان من الحاجات والرغبات التي يشكل الغير موضوعها الأساسي خصوصا في عالم أرحب هو‬

‫عالم الرمز والقيمة والمعنى و يطلب إعترافا به من طرف الآخر‪.‬‬

‫مثل هذه المفارقة بين رغبة في الإنعزال عن الآخر ومطلب الإنسانية التي يمنحها الآخر ما يدعو إلى الت ّساؤل‪:‬‬

‫• الإشكالية‪:‬‬

‫أيّ معاني يكتسيها مفهوم الأنا الإنسانية؟‬

‫هل هي مجر ّد بناء ذاتي فردي وشخصي أم هي هبة يمنحها إيّاه الآخرون؟‬

‫أنطمن فعلا للآخر كواهب للأنا أليس هو من يسلبها كل قيمة؟‬

‫‪ -2‬الت ّحليل‪:‬‬

‫• لحظة أولى ‪:‬‬

‫ل‬
‫ن الأنا تشير إلى النفس وإلى معنى الوعي والإرادة الحر ّة خارج ك ّ‬
‫‪ -‬بيان دلالة الأنا الإنسانية بتوضيح أ ّ‬

‫المحدّدات (ديكارت)‪.‬‬

‫‪ -‬توضيح أن الأنا الإنسانية قدرة متفر ّدة على العودة إلى ذاتها بمعزل عن كل وسيط خارجي‪.‬‬

‫‪ -‬ادراك أن الإنية قدرة على قول أنا‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫مقاربة ميتافيز يقية حيث أن الأنا مجر ّد سطح أو واجهة أو قنــــاــع‪ ،‬واجهة خارجية تزعم أنها‬

‫جوهرا‪.‬‬

‫ضرب من الإيقولوجيا وإنغلاق يخبر عن تعالي ورفض وتنك ّر للعالم والآخر وتجاوز كل غير ي ّة‪.‬‬

‫إعتقاد وتوهم انني وحيد في العالم وأن الآخر عائق‪.‬‬

‫مركز ي ّة الوعي ورفعه ِ إلى مرتبة الحقيقة الوحيدة والمؤسسة للإني ّة‪.‬‬

‫• لحظة ثــــــــاــنية ‪:‬‬

‫‪ -‬بيان قيمة وأهمية ودور الآخر في وهب الأنا لإنسانيتها وذلك عبر توضيح أن الإنسان‪:‬‬

‫▪ كائن ناقص و يحتاج إلى الغير فهو يستعين بالآخر لتلبية حاجياته‪.‬‬

‫▪ الإنسان موجود بفضل الآخرين والآخر أسبق من الذات‪.‬‬

‫ل وجود هو وجود بالمعية‪.‬‬


‫▪ ك ّ‬

‫▪ الآخر ضروري سواء كان عدوّا أو صديقا‪.‬‬

‫تعدّد أوجه قدرة الآخرين على وهب الأنا بعدها الإنساني عبر التنشئة الاجتماعية وترسيخ القيم وتحديد‬

‫السلوك وتحديد معنى الواجب وما ينبغي أن يكون مم ّا يجعل الآخر بداخلي وما يثبت ذلك تجربة الخجل كما‬

‫يحددها سارتر ‪ +‬جدلية السي ّد والعبد لدى هيقل‪.‬‬

‫‪ -3‬النقاش ‪ /‬النقد‪:‬‬

‫• المكاسب ‪:‬‬

‫نغنم جملة معاني‪:‬‬

‫• في رؤيتي لذاتي‪ :‬الاعتراض على المعنى الميتافيز يقي للأنا‪.‬‬

‫• في علاقتي بالعالم‪ :‬إفتراض أن اينيتي عالمية وأن ّني إنسان العالم‪.‬‬

‫• في علاقتي الآخر‪ :‬وجود الآخر أسبق من وجودي وأنا هبة الآخر‪.‬‬

‫• في علاقتي بالقيم‪ :‬القيمة تتأسس في فضاء بيني وبيذاتي في شراكة مع المختلف والقيم مجال توافق‪.‬‬

‫الحقيقة عامة وحقيقة الذات تنتج في الوجود بالمعي ّة‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• الحـــدود ‪:‬‬

‫• قد يشكل الآخرون عامل سلب لإنيتي‪.‬‬

‫• الآخر يجر ّد الأنا من ماهيتها الإنسانية‪.‬‬

‫• لقاء الإنسان بالإنسان مجال موضعة واستهلاك مما يحو ّلني إلى مجر ّد أداة ويسقطني في الاغتراب عن ذاتي‪.‬‬

‫• الوجود مع الآخر يفقدني كينونتي كجوهر و يحو ّلني إلى مظهر وتملك فأكف عن أكون كائنا مفك ّرا وحاملا‬

‫للمعنى لأصبح كائنا مستهلكا‪.‬‬

‫ل على نفسي ورموزي وهوي ّتي‬


‫• يمكن للآخر وهو يمنحني هذه الأنا الإنسانية أن يهبني غيريته فأصبح لا أد ّ‬

‫ل في ذات أخرى وأنطق بلسان الآخر وأفكر بعقله وأعبر برموزه وأتثقف بثقافته فأكون أنا‬
‫وثقافتي بل أح ّ‬

‫غيرا وأحطّم وجهي لأحمل وجه الآخر فأغدو أنا هو الآخر‪.‬‬

‫• الراهنيـــة ‪:‬‬

‫ل ما يمي ّز عصرنا اليوم هو أن لا شيء معطى أو هبة كل شيء مكسب فنحن نكتسب صفات وخاصيات‬
‫لع ّ‬

‫ن ُدفع إليها دفعا إذ إنسان اليوم يُصنع في مختبرات ومؤسسات بحث ومراكز دراسات بحيث أن الإنية بقدر ما‬

‫هي خصوصية وجهد فردي ومسار يمنحه الآخرون بقدر ما هي برنامج مخطط له‪ .‬وبأدوات دقيقة من أجل أن‬

‫يكون الانسان خاضعا وم ُروضا وذلك عبر الصورة وأدوات التواصل و وسائط الاتصال الحديثة إلى درجة أن‬

‫الإنسانية تم ّ توحيدها بشكل تدجيني وتم ّ إنتاج الوعي الزائف وتم ّ إستبعاد الإنساني ّة بشكل معمّم ليتحو ّل الإنسان‬

‫إلى منتج ومستهلك في إطار عولمة تنتج التماثل وتحطم كل الإختلافات‪.‬‬

‫‪ -4‬الخــــاــتمة‪:‬‬
‫ن العلاقة بين الأنا والآخر ليست أحادية الوجه وليست واضحة الوجهة بل هي علاقة مركبة لا تختزل في‬
‫إ ّ‬

‫علاقة خطي ّة بين الأنا والآخر ولا أحد يمكنه التحكم في طبيعة العلاقة بين الأنا والغير واتجاهها لان الإنسان‬

‫ق‬
‫ل مشروعا وقدرة على الت ّجاوز‪ ،‬تجاوز وجهه ووجه الآخر لتأسيس وجه ثالث مركّب من أجل العيش وِف ْ َ‬
‫يظ ّ‬

‫إيتيقا مركّ بة تسعني والآخر وتؤسس لضرب من العيش معا وفق معيار وحكمة الوجود معا‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تدريب منهجي على كيفيّة االشتغال على النصّ‬


‫إصالح نصّ يف مسألة اإلنّية والغرييّة لنيتشه من العلم املَرِح‬
‫ن الوعي لا ينتسب في الواقع إلى الوجود الفردي في الإنسان‪ ،‬ول كن ّه ينتسب‬
‫‪ ...‬يبدو لي فيما أرى أ ّ‬

‫ن الوعي لم ينم بدق ّة إلا ّ بالنظر إلى النفع الذي‬


‫بالأحرى إلى ما يصنع منه طبيعة اجتماعية وقطيعي ّة‪ .‬وتبعا لذلك إ ّ‬

‫ن كلامنا بالضرورة وبصرف النظر عن صدق إرادته في أن يفهم نفسه على نحو فردي قدر‬
‫يقدّمه للمجتمع‪ .‬وإ ّ‬

‫الإمكان‪ ،‬وأن يعرف ذاته‪ ،‬رغم ذلك لم يفعل شيئا آخر عدا حمل ما ليس فرديا إلى وعيه‪ )...( .‬وفي الواقع‬

‫ن أفعالنا بأسرها شخصي ّة وفريدة في معنى ضي ّق فهذا أمر لا مجال للشك فيه‪ .‬ول كن يكفي أن نعيد ترجمتها إلى‬
‫إ ّ‬

‫ن العالم الذي يمكن أن نكون واعين به‪،‬‬


‫ن طبيعة الوعي تفيد بأ ّ‬
‫الوعي حتى تكف عن أن تكون كذلك (‪ )...‬إ ّ‬

‫ل وعي يرتدّ إلى‬


‫نك ّ‬
‫ليس إلا ّ عالما سطحيا ومصغ ّرا ومختزلا إلى بلاهة السلوك الم كرور للقطيع‪ .‬تبعا لذلك فإ ّ‬

‫عملية تعميم وتسطيح ومغالطة‪ ،‬أي عملية هدّامة بالأساس‪.‬‬

‫نيتشه‪ :‬العلم المَرِح‬

‫النص تحليلا فلسفي ّا مستعينا بالأسئلة التالية‪:‬‬


‫اعمل على تحليل ّ‬

‫▪ ما الفرق بين الوعي الذي ينتسب إلى الوجود الفردي في الإنسان والوعي الذي ينتسب إلى ما هو اجتماعي؟‬

‫▪ ما الذي يعيبه نيتشه على الوعي وما هي مختلف المواضع النقدية التي يحملها عليه ؟‬

‫‪ -1‬المقدّمة‪:‬‬
‫ن هذا ما‬
‫ل شيء‪ ،‬وأن ّه دليل على صواب ما ينتج من أحكام‪ ،‬غير أ ّ‬
‫كثيرا ما اعتبر الوعي مقياس ك ّ‬

‫كذّبته وقائع عديدة في تاريخ الفكر البشري‪ ،‬بحيث أصبح الاطمئنان إلى الوعي هو ضرب من التوه ّم‪ ،‬والادّعاء‬

‫ال ذي يجب التنب ّه إليه وهو ما أضحى يلزمنا أكثر بضرورة تفكيك الوعي والانشغال بطبيعته التي تحدّده والتي‬

‫يوضحه نيتشه‪ ،‬مخضعا الوعي للنقد‪.‬‬


‫تتعالى عم ّا هو ذاتي نحو الانخراط فيما هو اجتماعي‪ .‬ذلك ما ّ‬

‫• الإشكالي ّة‪:‬‬
‫فأي طبيعة للوعي ؟‬

‫هل يتحدّد الوعي بوصفه وعيا ذاتيا جوهر يا وحقيقيا أم بوصفه وعيا اجتماعيا ينتهي إلى السقوط في السطحية‬

‫والتعميم والابتذال ؟‬

‫‪170‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وما هي ضروب النقد التي يمارسها نيتشه على الوعي ؟‬

‫ل شيء ويبش ّر‬


‫ول كن ألا تمث ّل إزاحة مركز ية الوعي واجتماعيته خطرا بمعنى أي قيمة لحياة مهدّدة بنقد يهدم ك ّ‬

‫بالعبث ؟‬

‫‪ -2‬التحليل‪:‬‬
‫ن الوعي في جوهره وعي سطحي ومغالط و يؤسّ س موقفا نقديا منهينقد‬
‫الأطروحة‪ :‬يثبت نيتشه أ ّ‬

‫الوعي مرّتين‪:‬‬

‫‪ .1‬يستبعد الوعي الفردي (لا يؤسّس لشكل آخر من الوعي)‪.‬‬

‫‪ .2‬يعرض الوعي الاجتماعي وهو الوعي الشائع‪/‬السائد ليكشف طبيعة ادّعاءات الوعي ومغالطاته‪.‬‬

‫فلسفة نقدي ّة بالأساس تقوم على رفض صنم العقل حيث صنع الإنسان صنما هو الوعي وأضحى يقدّسه‬

‫و يعبده‪.‬‬

‫نتيجة لتضخّم ال كذب لدى الإنسان أصبح يصدّق ما يقوله‪.‬‬

‫‪ ‬الوعي‪ :‬أمنية – إسقاط – ضرب من الإحيائية والرغبة في امتلاك ما لا يمتل كه – كذبة كذبها الإنسان‬

‫واعتقد فيها كحقيقة وحان الوقت بأن ندرك ز يفها (هذا في نظر نيتشه)‪.‬‬

‫في نظر الميتافيز يقيين‪ :‬إدراك مباشر للموضوعات وللذات ‪ +‬ينتسب للذات (أنا أفك ّر) كذات شخصية وفردية‬

‫الميتافيز يقا تنسب الوعي إلى الوجود الفردي‪.‬‬

‫‪ ‬الوعي الفردي تحو ّل إلى وعي مركزي به تتحدّد إنّية الإنسان ويتعر ّف من خلاله الإنسان على ذاته وعلى‬

‫موضوعاته (ديمارت)‬

‫• الأطروحة ‪ :...........‬يستبعد نيتشه الوعي الفردي و يبر ّر هذا الاستبعاد بثلاثة مبر ّرات‪:‬‬

‫‪ .1‬مبر ّر ميتافيز يقي‪ :‬ارتباط الوعي بالفرد ينفي قيمة الوسائط التي تتدخّل في تجربة الإدراك فبين الوعي والفرد‬

‫لا يوجد شيء آخر (نفي العالم والجسد واللغة والدين‪ )...‬فتصبح الذات متعالية على الأشياء والرموز والآخر‬

‫فتتحو ّل إلى إنّية منغلقة تفرغ العالم من واقعي ّته‪.‬‬

‫ن الفرد لا يمكنه أن ينعزل‬


‫ن الوجود الحقيقي يتأسّس على ما هو فردي والحال أ ّ‬
‫‪ .2‬مبر ّر أنطولوجي‪ :‬يفترض أ ّ‬

‫الآخر يشاركني الوجود‬ ‫بذاته عن الآخر فأنطولوجيا لا أوجد بدون الآخرين ولا أتعر ّف على ذاتي إلا ّ بفضلهم‬

‫‪171‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وهم خطير يهدّد الذات‬ ‫ن الذات مركز العالم أو هي العالم‬


‫← هناك ضرب من الوهم قائم على الاعتقاد في أ ّ‬

‫نفسها‪.‬‬

‫‪ .3‬مبر ّر أكسيولوجي‪ :‬أخلاقيا وفي مستوى قيمي الذات المتمركزة حول ذاتها ذاتًا دعية ومغرورة تضخّ م لديها‬

‫الوعي فلم تعد تكترث بالوجود وبالإنسان الآخر الأمر الذي يحجب عنها رؤ ية غيرها والتواصل معه رفض‬

‫التواصل‪.‬‬

‫ما مصدر الوعي إذن ؟‬

‫يوجّهنا نيتشه إلى المصدر الذي ينحدر منه الوعي وهو المجتمع فيتحو ّل الوعي إلى وعي قطيعي‪.‬‬

‫الوعي الاجتماعي‪ :‬الوعي ليس صانع نفسه بل تصنعه المجموعة‪.‬‬

‫ل أشكال حضور الوعي الفردي ‪ +‬الوعي الاجتماعي‬


‫الوعي الاجتماعي وعي واحد بالنسبة للجميع مم ّا يغي ّب ك ّ‬

‫وعي كسول ومستقيل يسل ّم بما أنتجته الجماعة في حين عادة ما تجمع الجماعة على خطإ ‪ +‬يتأسّس على أحكام وظن ّية‬

‫‪ +‬صفة القطيع‪.‬‬

‫مفهوم القطيع‪ :‬يحيل إلى دلالتين ممكنتين‪:‬‬

‫✓ الفرد في القطيع جزء من المجموعة يقوم بما تقوم به‪.‬‬

‫يصبح الوعي مجازا ينجر عن غياب لا عن وجود وحضور‪.‬‬ ‫✓ نفي للوعي فالحيوانات لا تمتلك وعيا‬

‫صفات الوعي القطيعي‪ :‬تحقيق المنفعة والمجتمع يستدرج الفرد و يغر يه بالمنفعة والفائدة‪ + .‬التز يين (التنميق‬

‫ن الوعي الاجتماعي‬
‫البلاغي والشعري والمدح وتمجيد الوعي ليبد ُو نافعا) ‪ +‬التغي ّر مع تغي ّر المنافع لذلك فإ ّ‬

‫ينمو والمقصود بذلك نمو المنافع‪.‬‬

‫الوعي يحمل ما ليس فرديا ‪ +‬الوعي لا يعرف نفسه وإنّما يعرف نفسه بالآخر الاجتماعي (هيڤل‬

‫وسارتر) ‪ +‬يفقد الفرد ذاته ‪ +‬تتطب ّع أفعاله بصفات المجتمع فتكف أفعاله عن أن تكون شخصية وفريدة‪.‬‬

‫ل ما هو فردي‪ ،‬فلم تعد الأنا تقيم داخل إنّيتها وإنّما داخل غيرها يسكنها‬
‫يقضي الوعي الاجتماعي على ك ّ‬

‫الآخر والذي ينكر عليها حق الانتساب إلى نفسها‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل إمكانية الانتساب إلى نفسه فيجعله وعيا شريدا‪.‬‬


‫يجر ّد نيتشه الوعي من ك ّ‬

‫يرفض نيتشه الوعي بشكليه الفردي واالجتماعي‬

‫المنهج التار يخي‬ ‫يرفض المنهج الميتافيز يقي ‪+‬‬

‫ينقد الوعي عامّة‪ :‬الوعي لا يدرك إلا ّ ما هو سطحي من العالم‪ ،‬إدراك الظاهر والاعتقاد أن ّه الحقيقة‬

‫‪ +‬الوقوف على عتبة العالم ‪ +‬إدراك العالم والذات والآخر من خلال غشاء أو حجاب من الرموز الاجتماعية‬

‫‪ +‬تحو يل المظاهر إلى حقائق ‪ +‬تضييق العالم بفعل التجريد (تفاحة) ‪ +‬ما كان كبيرا يصبح مصغ ّرا ‪minimiser‬‬

‫حقيقتها ‪ +‬عدم مباشرة العالم‬ ‫بفعل الاستعدادات الضي ّقة التي يكون عليها الوعي ‪ +‬عدم إدراك الأشياء على‬

‫بل استبداله بعالم مجر ّد من العلامات (حجب) ‪ +‬إنشاء علامات وهمية لإبعادنا عن العالم والآخر فتفسد علينا‬

‫لقاء الآخر (الزواج كرمز يفسد لقاء الأنثى بالذكر) ولقاء العالم ‪ +‬الابتذال ‪ +‬عدم النفاد إلى العمق ‪+‬‬

‫إعدام العالم‪.‬‬

‫إذا كان فرديا تمركز حول ذاته وأعدم العالم والآخر‪.‬‬ ‫الوعي فعل عدمي‪:‬‬

‫إذا كان اجتماعيا أعدم الفرد‪.‬‬

‫انتهى إلى‪ :‬تجريم الوعي ‪ +‬تجربة الوعي تقوم على المغالطة والتهديم ‪ +‬خداع الوعي ‪ +‬الوعي قو ّة ل كنّها‬

‫قو ّة منحرفة تضي ّع الصدق الذي يتطل ّبه لقاء العالم ولقاء الآخر ‪ +‬تهديم الانتساب إلى إنّية مخصوصة ومتفر ّدة ‪+‬‬

‫عدم قدرة الذات على صنع قيمها‪.‬‬

‫النقاــش‪:‬‬

‫• المكاسب‪:‬‬
‫‪ .1‬يعتمد نيتشه أسلوب الدحض وهو يهدف إلى تحطيم الحجج التي يتأسّس عليها الوعي ليكشف عن تهافتها‬

‫فندرك بذلك ما للدحض من قيمة‪.‬‬

‫‪ .2‬تتأكّد لديّ قيمة الن ّقد كقدرة على ال كشف عن ال كذب والوهم‪.‬‬

‫‪ .3‬ال كشف عن ز يف الوعي ووهميته وصنميته فلم يعد الوعي سي ّدا بل ملكا مخلوعا‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن التفلسف قدرة على المراجعة‪.‬‬


‫‪ .4‬مراجعة الوعي والرغبة في تصحيحه مم ّا يؤكّد أ ّ‬

‫‪ .5‬الوعي عائق أمام إرادة الحياة فتصبح فلسفة الوعي هي فلسفة الموت والعدم‪.‬‬

‫ل شيء ويبش ّر بالعبث ؟‬


‫الح دود‪ :‬ول كن أي قيمة لحياة مهدّدة بنقد يهدم ك ّ‬

‫ن نقد الإنّية الواعية وإن عمل على كشف أوهام الوعي فإن ّه قد سقط في إحراجين‪:‬‬
‫من الواضح أ ّ‬

‫ن التهديم الذي يمارسه أش ّد وطأة وخطرا على‬


‫ن الوعي قو ّة هدّامة في حين أ ّ‬
‫• أمّا الإحراج الأوّل‪ :‬افتراض أ ّ‬

‫ل شيء دون التأسيس لمعيار‪ .‬فرغم خطورة‬


‫الإنسانية من خطر الوعي‪ ،‬فهو نقد ينتهي إلى العبثية‪ ،‬ورفض ك ّ‬

‫ل الجدار الأخير الشبيه بحائط هيرود الذي يجمع أفراد لا يجدون ما يتجمّعون حوله‪ ،‬أفراد لهم‬
‫العقل إلا ّ أن ّه يظ ّ‬

‫ل العقل‪/‬الوعي العلامة الدالّة أو علامة طر يق يجب أن‬


‫قليل من الرموز ل كنّهم بحاجة إلى علامة دالّة و يظ ّ‬

‫يسل كه الإنسان‪.‬‬

‫ن نقد الوعي يؤدّي إلى تهديم‬


‫• أمّا الإحراج الثاني‪ :‬التسليم بوهمية الوعي يفضي إلى استتباعات خطيرة‪ ،‬ذلك أ ّ‬

‫ل المعارف والحقائق‪ ،‬وهو ما يجعل النقد النيتشوي نقد عقيم لا يطو ّر‬
‫ل القيم التي صنعها الوعي وتحطيم ك ّ‬
‫ك ّ‬

‫الحياة الإنسانية بقدر ما يدمّرها ولا يدعم اليقين بالحياة وإنّما يدفع إلى الارتياب فيها‪.‬‬

‫ن النقد النيتشوي وهو يزعم الدفاع عن الحياة لا يلبث أن يضي ّعها فيحو ّلها إلى خراب ‪ +‬ينقد نيتشه المنهج‬
‫إ ّ‬

‫الميتافيز يقي والمنهج التار يخي ويتبن ّى منهج التحطيم دون بناء‪.‬‬

‫‪ -3‬الخاتمة‪:‬‬
‫ن والوعي قائم‬
‫ن فرضية الوعي هي إحدى أشكال تحقّق ما هو إنساني في الإنسان وأ ّ‬
‫ينبغي القول أ ّ‬

‫ن تضارب الرؤى حول الوعي يؤكّد‬


‫على جملة من ا لتناقضات مم ّا يجعل الإنسان دائم السؤال عن نفسه‪ ،‬وأ ّ‬

‫ن الإنسان موضوع فهم وله معاني وليس له حقيقة‪ .‬ول كن يبدو أيضا‬
‫الطابع التأو يلي لمقاربة الإنسان‪ ،‬وأ ّ‬

‫ل مجهولا بالنسبة‬
‫ن الرغبة في تجاوز الأجوبة اليقينية هو ما يضفي على الإنساني قيمة‪ ،‬فقدر الإنسان أن يظ ّ‬
‫أ ّ‬

‫ن الإنسان‬
‫ل مرّة النظر إليه من جديد لأ ّ‬
‫لذاته ومصير الإنسان أن ينظر لوجهه فلا يتعر ّف عليه فيعاود ُ في ك ّ‬

‫مشروع‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫م‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬‫ط‬‫ت‬
‫ّية ى سالة‬ ‫ج‬ ‫يفات‬

‫ل‬ ‫خ‬‫ل‬
‫ن‬ ‫ك‬ ‫ض‬ ‫ص‬
‫ا و ية و ا و ية‬
‫ض‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫تدر ب ى و وع‬

‫س‬
‫ا وال‬‫ل‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫املوضوع ‪ : 1‬هل ننقدُ الكوين أم ننقدُ أنفسنا من الكوين؟‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪ :‬موضوع في صيغة سؤال يتعل ّق بأَ م ِيّة ٍ‪.‬‬

‫منهجي ّا‪:‬‬

‫بخصوص التحليل‪:‬‬

‫أ‪ .‬إثبات التعارض عبر بيان أسبابه ومبر ّراته‪.‬‬

‫ب‪ .‬مضمون التعارض أي تعميق التعارض عبر استدعاء مرجعي ّات تؤكّده‪.‬‬

‫ج‪ .‬نتائج واستتباعات التعارض‪.‬‬

‫بخصوص النقد‪:‬‬

‫أ‪ .‬الانتصار لأحد الطرفين أو التأليف بين النقيضين أو الخروج بموقف شخصي يتجاوز النقيضين (يمكن الاشتغال‬

‫على الثلاث إمكانيات في صيغة افتراضية)‪.‬‬

‫ل يرتئيه التلميذ‪.‬‬
‫ب‪ .‬تجاوز التناقض عبر ح ّ‬

‫ج‪ .‬البحث في راهنية المسألة اليوم‪.‬‬

‫‪ -2‬النظر في البنية المنطقية‪:‬‬


‫منطقيا يحتوي الموضوع على فكرتين أو يقوم على مفارقة‪ ،‬فهو يعترف لل كوني بفوائده مم ّا يبر ّر ضرورة إنقاذه‬

‫ن واحدٍ يقر ّ بمخاطر ال كونيّ ويدعونا إلى حماية أنفسنا منه ُ ويشي بوجود تعارض بين‬
‫وحمايته‪ ،‬وهو في آ ٍ‬

‫ال كونية من حيث هي قيمة يتوجّب الانخراط فيها والخصوصية من حيث هي قيمة يستدعي الأمر حمايتها‪.‬‬

‫فيصبح السؤال هو التالي‪ :‬هل نعيش فيما هو مشترك إنسانيا؟ إذ بتعبير فوكو «إنّنا لا نحيا إلا ّ في الخصوصي»‬

‫بما يعني محدودية ال كوني‪ ،‬أي‪ :‬هل نعيش فيما هو إنساني مشترك وننم ّي حُب ّنا للكل ّي ونطمح إلى المطلق‬

‫الإنساني أم نعيش فيما هو خصوصي أي في هو ية ثقافية محدّدة ونزهد في كوني يؤسّ س للصراع ويهدّد‬

‫الهو ي ّة ويُستعم َل كمطي ّة؟‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫الإنقاذ‪ :‬إنقاذ الشيء‪ ،‬إخراج الشيء من العدم‪ ،‬أي منح الشيء حياتا بعد موت محتوم‪ ،‬فالإنقاذ هو عملية إحياء‬

‫ن وضع ال كونيّ‬
‫أو إرجاع الحياة في ما كان سيؤول إلى الموت‪ ،‬و يعني أيضا إخراج الشيء من الأزمة‪ ،‬مم ّا يعني أ ّ‬

‫‪177‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫متأزّم و يحتاج إلى انتشال من الأزمة التي لحقت هذا المفهوم تحت تأثير الاستعمال الأداتي والتوظيف‬

‫الاقتصادي لل كوني والاستثمار السياسي لمفهوم الكلي وإدراك ال كوني على أن ّه الوحدة وليس الاختلاف‪،‬‬

‫ومحاولة نسف الخصوصية باسم ال كونية وتحو يل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة تحت ضغط مفهوم المردودية‬

‫ن ضيق مفهوم‬
‫وعقلنة المجتمع وطغيان كونية النجاعة‪ .‬فالأزمة تستدعي نقدا بغرض التأسيس والتجاوز‪ ،‬أي أ ّ‬

‫ال كوني وانحصاره يستوجب إخراجه بغرض تأسيس كوني مفيد حضار يا ونافع سياسيا وقي ّم أخلاقي ّا‪.‬‬

‫ن ال كوني يشهد انحطاطا في مستوى المعنى‬


‫الإنقاذ يعني التحو ّل بالشيء من وضع سيء إلى وضع أفضل مم ّا يعني أ ّ‬

‫وضحالة في مستوى القيمة‪ ،‬ولم يع ُد قيمة متأوّجة ومتأل ّقة بل هو متأزّم مم ّا يفترض الارتقاء به إلى المنزلة الجدير‬

‫ل وليس الفصل‪ .‬فالإنقاذ هو تحو ّل م ِنْ‬


‫بها بوصفه أساسا لالتقاء البشر وللوجود معا والعيش المشترك والوص ُ‬

‫إلى‪ ،‬من وضع سلبيّ متأزّم يهدّد إنسانية الإنسان ولا يفي بوعوده ولا يحقّق مطالبه ولا يرتقي إلى مستوى الرهان‬

‫الإنساني ولا يكتسب أيّ وجاهة إيتيقي ّة فيكون عامل تهديد وتشتيت وانفصال وانقطاع‪ ،‬إلى وضع إيجابي يت ّسم‬

‫بارتقاء الإنسان إلى مستوى إنسانيته كقيمة مطلقة ومنشودة حيث يكون الكل ّي مطلبا إيتيقي ّا وحاجة لتبادل‬

‫المنافع والأدوات والأفكار والقيم ورهانا يحقّق وعوده في مستوى إيتيقي فنتحر ّر به من التعصّ ب والتصنيف‬

‫ل إنسان إنسانيتنا فيصبح ال كوني محقّقا لانتظارٍ‬


‫السلبي للخصوصيات ونتجاوز نعت الآخر بالهمجي ونرى في ك ّ‬

‫ومؤسّ سا للقاءٍ لا يرى في الآخر آخر بل يرى فيه الإنسانية‪ ،‬لأ ّ‬


‫ن ال كوني ّة لا تعني النظر إلى الآخر بوصفه مغايرا‪،‬‬

‫بل النظر إلى المختلف على أن ّه الإنسانية ذاتها‪ .‬فما يعادل مفهوم ال كوني ّة هو الإنسانية‪ ،‬لهذا من الواجب إنقاذ ال كوني‪.‬‬

‫ن مسؤولية الإنسان إنقاذ ما هو مشترك وما يسمح‬


‫والإنقاذ هو فعل التزام ينبع من مسؤولية‪ ،‬وهذا ما يعني أ ّ‬

‫ن ال كوني مفهوم مهدّد تحت ضرب من التنميط الثقافي المُذوّب للخصوصيات بحيث تفقد وحدة‬
‫بالتواصل‪ ،‬إذ أ ّ‬

‫الإنسانية روافد َها المغذّية لها من اختلاف وتنو ٍّع‪ ،‬أي أ ّ‬


‫ن إنقاذ ال كوني هو إنقاذ للخصوصية كشرط لل كونية‬

‫وحماية الاختلاف والتنو ّع كاقتضاءات لد َعم الكل ّي‪.‬‬

‫ن ال كوني في خطر حيث هناك محاولات للالتفاف على ال كوني‬


‫عادة ما نُن ْقذ ُ ما يكون بصدد الانهيار مم ّا يشي بأ ّ‬

‫يتجلّى في مخاطر فكر ية تتعلق بالحقيقة إذ نلحظ طغيان مفهوم الحقيقة كملائمة أي مفهوم منمذج وموحّد يصوغ‬

‫براديڤم وحيد ويسو ّغه ويسو ّقهكنموذج أمثل للحقيقة‪ .‬تهديدات إيتيقي ّة تكمن في إنتاج أدوات نعتقد أنّها تؤدّي‬

‫إلى توحيد البشر وتحقّق مستوى من الحوار في حين أنّها أدوات تؤسّس للعزلة ولرفض الآخر مم ّا جعل الإنسان‬

‫رهين هذه الأدوات التي أضحت تمتل كه‪ .‬كما تم ّ إنتاج رؤ ية اختزالية للعالم وفق معيار واحد تتوافق مع مقتضيات‬

‫‪178‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫السوق إلى درجة أنّنا نتحدث اليوم عن مجتمع السوق‪ .‬توظيفات سياسي ّة حيث أضحى ال كوني استعمالا لفرض‬

‫الهيمنة على الشعوب المستضعفة واستغلال مقتدراتها باسم قيم كوني ّة وباسم خلط بين ال كونيّ والعالَمي مم ّا حو ّل‬

‫القيم إلى أدوات حرب مثل مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان‪ .‬توظيفات اقتصادية‪ ،‬أي استثمار اقتصادي‬

‫ج أداة تَست َخدم ال كونيّ من أجل‬


‫حيث أصبح ال كونيّ حج ّة في التسو يق أو كما يلاحظ ه َابرم َاس أصبح الحِجَا ُ‬

‫إقامة تواصل نفعي ليس الهدف منه التعقّل وإنّما عقلنة مفضية إلى الاستلاب مم ّا يؤسّس لدكتاتور ي ّة السوق‪.‬‬

‫ال كوني‪ :‬هو ما يتعل ّق بنظام ال كون أي ما يجمع بشكل مشترك بين اختلافات تجد عناصر موحّدة لها‪ ،‬فهو جملة‬

‫من التوافقات تنطلق من تفاوض ضمني بين الثقافات ينتهي إلى ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي‪.‬‬

‫فال كونيّ هو الح ّد الأدنى المشترك الجامع بين الإنساني ّة وهو لا نتعقّبه في الإنتاجات المادي ّة وفي الأدوات بل‬

‫ن ما يؤسّس لل كونية هو الأدوات‪،‬‬


‫صد ُه في مستوى قيمي وحضاري‪ .‬يتوه ّم الفكر العامي وم ُنظّري العولمة أ ّ‬
‫نر ُ‬

‫ن الأدوات هي الضامن لانخراط ثقافة ٍ م َا في ال كونية أي امتلاك نفس المنتجات المادية هو الذي يؤسّس‬
‫أي أ ّ‬
‫لثقافة كل ّية بقطع النظر عن الهو ية الشخصية والهو ية الاجتماعية والثقافية بحيث تصبح الهو ية ُّ‬
‫تمل ّك ًا وليست‬

‫كينونة‪ ،‬إذ يمي ّز إير يك فروم بين دلالتين للهو ي ّة‪ :‬دلالة الذات ودلالة الأنا‪.‬‬

‫ل شيء يكون محسوسا بصيغ ما أمْلك‪،‬‬


‫دلالة الذات هي وضعية تملك أو الإحساس بالذات كموضوع‪ ،‬إذ ك ّ‬

‫ضع َت ِه والن ّظر إليه‬


‫أي إدراك الذات بشكل خارجي فيكون دوري الاجتماعي مُم َ ّدى أي تمدية الإنسان ومَو ْ َ‬

‫ل على ذاتي‪.‬‬
‫كمادّة‪ ،‬أي أمتلك ذاتي كما أمتلك أشياء تد ّ‬

‫دلالة الأنا هي وضعية كينونة ووجود تتحدّد كانخراط في وضعي ّة‪ ،‬إنّها شكل داخلي صرف ← ال كوني بهذا‬

‫ن العالمي هو ما يُحيل إلى التمل ّك‪ ،‬إذ ليس لأنّنا نملك نفس‬
‫التمييز ال كوني ليس الأدوات وليس تملكا في حين أ ّ‬

‫الأدوات فإنّنا نعيش في نفس الثقافة‪.‬‬

‫ال كوني هو ما يكون عامّا وما يتجاوز الاختلافات وما يكون مجال توافق فهو ما يتعل ّق بالإنسانية‪.‬‬

‫أنفسنا‪ :‬نقول الشيء نفسه أي عين ُه ُ أي ما به يكون الشيء ه ُو َ ه ُو أي الهو ي ّة أو الخصوصي ّة‪.‬‬

‫ن فهي معيار انتماء وفقها ترى (مجموعة) جماعة ثقافي ّة م َا ذاتها وهي‬
‫أنفسنا تعني هويّتنا أي الصورة المطلقة للنح ُ‬

‫قيمة ‪ +‬ضرورة التمييز بين الهو ية الشخصية والهو ية الاجتماعية والهو ية الثقافية ← يجب أن ننقذ أنفسنا من‬

‫ال كوني لأن ّه انزاح عن كوني ّته لصالح العالمي أو ليفسح المجال أمام العولمي‪ .‬ننقذ أنفسنا نظرا لمخاطره وننقذه نظرا‬

‫لفوائده‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪:‬‬


‫إير يك فروم‪ :‬في تحديد دلالة الهو ية والتمييز بين الأنا والذات أو في بيان الهو ي ّة كتملّك وككينونة‪.‬‬

‫الفرابي‪ :‬في الحاجة إلى الآخر واعتبار الآخر كأفق لتحقيق ال كمال المادّي والمعنوي وفي بيان أشكال الاجتماع‬

‫الإنساني التي رهانُها السعادة والفضيلة‪.‬‬

‫مونتاني‪ :‬في بيان كيفية تجاوز صراع الخصوصيات عبر فضح أسس وتعلا ّت الذوق الفاسد الذي ينظر إلى الآخر‬

‫كهمجي وال كشف عن آليات الفكر المتعصّ ب من أجل إبراز قيمة التسامح واعتماد العقل والحقيقة كمعيار للحكم ولا‬

‫أن نحاكم المغاير انطلاقا من ذواتنا وثقافتنا وتثمين التنو ّع من جهة ما فيه من متعة‪.‬‬

‫إدقار هوران‪ :‬في الهو ي ّة المركب ّة والوحدة داخل التنو ّع والتنو ّع داخل الوحدة‪.‬‬

‫********‬

‫المقدّمة‪:‬‬ ‫‪.I‬‬
‫ن الح ّد الفاصل بينهما هو العقل‪ ،‬إذ يُنسَب‬
‫كلما طرحت مسألة التمييز بين الخصوصية وال كونية إلا ّ وتكر ّر القول بأ ّ‬

‫ويرتبط بتصو ّر عقلاني حول الوجود وحول الذات وحول الآخر بحيث يوجد‬
‫ُ‬ ‫عادة إلى ال كوني صفة التعقّل‬

‫معيار يسمح بالارتقاء إلى مستوى ال كونية يتمث ّل في التصو ّرات العاقلة وفي القدرة على نسج رموز وقيم وأدوات‬

‫ل ما هو مخصوص‪ .‬وبهذا المعنى يصبح ال كوني قيمة ومعيارا يحدّد ما هو إنساني‬


‫تسمح باللقاء الإنساني وتهمل ك ّ‬
‫ًّ‬
‫حلا ّ‬ ‫ن ال كوني عامل تجميع وتوحيد و يعتبر ال كوني‬
‫ويُسقط من اعتباراته ما ليس مشتركا مم ّا يفضي إلى الإقرار بأ ّ‬

‫وليس مشكلا ً‪ .‬في حين النظر بعمق في مفهوم ال كوني يكشف عن تورّط هذا المفهوم في توظيفات اقتصادية‬

‫يكف عن كونه حلا ّ ليصبح‬


‫ّ‬ ‫وسياسية والالتفاف حوله من أجل تحو يله إلى مطي ّة وذر يعة للاستعمال جعله‬

‫مشكلا يُطر َح بإلحاح في الفكر المعاصر‪ ،‬بحيث يتماهى بشكل خادع مع العالمي ويتجاور بشكل ممو ّه مع العَو ْلمي ولا‬

‫ن ال كوني يُنتَظَر منه‬


‫يحقّق فوائد سواء للثقافة المهيمنة كوني ّا أو للثقافة المغلوبة على أمرها داخل ال كوني‪ ،‬إذ أ ّ‬

‫موت وانقطاع‪ .‬مثل هذه المفارقة تدعو إلى التساؤل‪:‬‬


‫ٍ‬ ‫أن يكون عامل حياة ولقاء إذ به ينقلب عامل‬

‫‪ -‬ما الذي يتهدّد ال كوني حتى يحتاج إلى عملي ّة إنقاذ؟‬

‫‪ -‬وما هي جنس المخاطر التي تلحقنا من ال كوني لنُنقذ أنسفنا منه؟‬


‫ن ال كوني موظّ ف لخدمة الهيمنة ومطي ّة للاستعمال يدفعنا ذلك إلى ُّ‬
‫الز ّهد فيه؟‬ ‫‪ -‬هل لأ ّ‬

‫‪180‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن الحفاظ على الخصوصية يستدعي الحذر من‬


‫‪ -‬أليس ال كوني مطلبا إنسانيا يحتاج إلى الانخراط فيه أم أ ّ‬

‫ال كوني؟‬

‫‪ -‬وماذا لو تحو ّلت المحافظة إلى تَح َُّ ّفظٍ والأصالة إلى أصولي ّة‪ ،‬حينها يستدعي الأمر إنقاذ أنفسنا من الخصوصية؟‬

‫‪ -‬ألا يستدعي الأمر فكرا مركّبا يجمع بين الخصوصي وال كوني في هو ي ّة مركّ بة تنقذنا وتنقذ ال كوني؟‬

‫أ‪ -‬إثبات التعارض عبر بيان أسبابه ومبر ّراته‪:‬‬

‫بطرف‬
‫ٍ‬ ‫ن العقل يكون أمام مفارقة لا تستقيم عملي ّة الجمع بين طرفيها‪ ،‬إذ الأخذ‬
‫حين يتعل ّق الأمر بتعارض فإ ّ‬

‫يستوجب عدم الأخذ بالطرف الآخر لأن ّه يوجد تناقض عميق لا يسمح بالتأليف بين النقيضين إذ من الواجب‬

‫ن مفهوم الإنقاذ يعني إخراج الشيء من العدم أي منح‬


‫إنقاذ ال كوني نظرا لما يهدّد ال كوني من موت‪ ،‬ولأ ّ‬

‫الشيء حياتا بعد موت محتوم‪ .‬فالإنقاذ عملية إحياء أو إرجاع إلى الحياة ما كان سيؤول إلى الموت‪ ،‬وهو أيضا‬

‫إخراج ال كوني من الأزمة التي لحقته تحت تأثير الاستعمال الأداتي والتوظيف الاقتصادي والاستثمار السياسي‬

‫لمفهوم الكلي‪ ،‬لهذا فعملي ّة الإنقاذ تستوجب نقدا لل كوني بغرض التأسيس ل كوني مفيد حضار يا ونافعا سياسيا‬

‫وقي ّما وصالحا أخلاقيا أي ضرورة التحول بال كوني من وضع سيء إلى وضع أفضل وانتشال المشترك الإنساني‬

‫ن ال كوني اليوم لم يعد قيمة متأوّجة وهو ليس في قم ّة تأل ّقه‬


‫من الانحطاط والضحالة في مستوى القيمة‪ ،‬علما وأ ّ‬

‫مم ّا يستوجب الارتقاء به إلى المنزلة الجدير بها بوصفه أساسا للوجود معا وللعيش المشترك والوصل وليس الفصل‪.‬‬

‫ن ما يدفع إلى إنقاذ ال كوني هو الوضع السلبي والمتأزّم الذي جعله لا يفي بوعوده ولا يحقّق مطالبه ولا يرتقي‬
‫إ ّ‬

‫ل وجاهة إيتيقي ّة‪ ،‬بل إن ّه قد أضحى عامل تهديد وتشتيت وانفصال بحيث‬
‫إلى مستوى الرهان الإنساني وفقدانه لك ّ‬

‫يصبح فعل الإنقاذ فعل التزام ينبع من مسؤولي ّة تذود ُ عن المشترك وتؤسّس للتواصل وتحاول الخروج من‬

‫التنميط الثقافي المهدّد للخصوصيات‪.‬‬

‫ن ال كوني مفهوم مُه ّدد لأن ّه لم يعد يتغذّى من روافده المخصوصة المتمثلة في الاختلاف والتنو ّع وإنقاذه يعني‬
‫إ ّ‬

‫دعمه بالخصوصيات كاقتضاء لتنمية الكل ّي‪ .‬ال كوني بصدد الانهيار إذ هناك محاولات للالتفاف عليه وتوظيفه‬

‫مم ّا أدّى إلى مخاطر فكر ية تتعل ّق بالحقيقةكمُلاءَم َة وبالنمذجةكتوحيد يصوغ براديڤم وحيد يسو ّغه ويسو ّقهكنموذج‬

‫ن أدوات الاتصال تحقق الحوار في حين تؤسّس للعزلة‬


‫أمثل للحقيقة‪ ،‬وتهديدات إيتيقي ّة تكمن في الاعتقاد بأ ّ‬

‫ولرفض الآخر وللتخفيض من ال كوني لدرجة الصفر ومم ّا جعل الإنسان أسير هذه الأدوات التي أضحت تمتل كه‬

‫‪181‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫والتي تؤسّ س لمجتمع السوق ومجتمع المشهد‪ ،‬توظيفات سياسية إذ ال كوني استعمالا لفرض الهيمنة وقدرة على‬

‫تحو يل القيم ال كونية إلى تعلا ّت حرب مثل مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان‪ ،‬كما لا يخفى عن المتأمّل‬

‫التوظيفات الاقتصادية لل كوني الذي حوّله إلى حج ّة في التسو يق من أجل إقامة تواصل نفعي‪ ،‬الهدف منه ليس‬

‫التعقّل بل عقلنة مفضية إلى الاغتراب والاستلاب والمؤسّ سة لدكتاتور ية السوق وفق تعبير هابرماس‪.‬‬

‫لهذه الأسباب وغيرها يجدر بالإنسان حماية ال كوني لأن ّه مطلب إنساني وقيمة ومعيار أو هو ما يجمع بشكل‬

‫مشترك الإنسانية أي مجموع العناصر الموحّدة للبشر وهو جملة توافقات تنطلق من تفاوض ضمني بين الثقافات‬

‫ينتهي إلى ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي‪ .‬إ ّن ال كوني هو الح ّد الأدنى المشترك الجامع بين الإنسانية وهو لا نحصل‬

‫عليه في الإنتاجات المادية بل نتعقّبه في مستوى قيمي وحضاري‪ ،‬فال كوني لا يتأسّس على الأدوات أو تقنيات‬

‫الاتصال والبث بل هو مضمون إيتيقي وشرط تواصلي وم ُقتضى عقلي يسمح بلقاء الإنسان بالإنسان دون تحفّظ مم ّا‬

‫يجعل إنقاذه والدفاع عنه والالتزام به مشروعا إنساني ّا‪.‬‬

‫ول كن هذا التقر يظ (تمجيد) لل كوني لا يجب أن يحجب عن ّا مخاطر تدفع إلى حماية أنفسنا‪ ،‬إذ ال كوني خطير‬

‫وهو مناقض لمطالب الإنسان المخصوصة ومحطّم للهو يات لأن ّه يؤسّ س للذات كتملّك حيث يسعى الفكر ال كوني‬

‫ن الحس المشترك ومنظّري‬


‫المقترن بالعولمة أو العالمي إلى حصر اشتراك الإنسانية في البعد الأداتي إلى درجة أ ّ‬

‫ن امتلاك نفس المنتجات المادية هو‬


‫ن الأدوات هي الضامن للانخراط في الثقافة ال كونية وكأ ّ‬
‫العولمة يعتبرون أ ّ‬

‫الذي يؤسّس لثقافةكلي ّة في حين أن ّه ليس لأنّنا نمتلك نفس الأدوات فإنّنا نقيم في نفس الثقافة‪ ،‬بل رغم تماثل‬

‫الأدوات فالهو ية مختلفة وعيب العالمي يتمثل في التأسيس لهو ية تقوم على الأشياء‪ ،‬إذ يمي ّز إير يك فروم بين‬

‫دلالتين للهو ي ّة‪ :‬دلالة الذات ودلالة الأنا‪.‬‬

‫ل شيء محسوس بصيغ ما أمْلك‪،‬‬


‫دلالة الذات هي وضعية تمل ّك أو الإحساس بالذات كموضوع‪ ،‬حيث يكون ك ّ‬

‫إن ّه إدراك الذات بشكل خارجي صرْف ويتحو ّل دوري الاجتماعي إلى تمدية فأكون مُم ّدى إلى درجة أن أمتلك‬

‫ذاتي كما أمتلك الأشياء‪ .‬في حين دلالة الأنا هي وضعية كينونة ووجود‪ ،‬إنّها وضع يكون فيه الإنسان نشيطا‬

‫وحي ّا‪ ،‬إنّها كيفية في إدراك الذات لذاتها بشكل داخلي صرف‪ .‬لهذا حريّ بنا إنقاذ أنفسنا مم ّا يشير إلى الذات‬

‫ولا يشير إلى الأنا‪.‬‬

‫سعْيَي ْن متناقضين إذ أنقذ ُ ال كوني أضح ّي بالأنا كهو ي ّة مخصوصة اجتماعية وثقافية‪ ،‬وحين ننقذ‬
‫يوجد تعارض بين َ‬

‫أنفسنا من ال كوني ننتهي إلى التضحية بما هو مشترك فنزهد في ال كوني‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫فأيّ إحداثية تساعد على مقاربة ال كوني بوصفه خطرا وخطيرا في آن واحد؟‬

‫ب‪ -‬مضمون التعارض أي تعميق التعارض عبر استدعاء مرجعيات تؤكّده‪:‬‬

‫ن ال كوني مفهوم ملازم للتاريخ الإنساني‪ ،‬إذ انخرطت فيه كل الفلسفات فنجد جذوره في الفكر الإغريقي كما‬
‫[إ ّ‬

‫في الحداثة وبالطبع في ما بعد الحداثة‪ .‬وقد شكّل ال كوني حقل التفكير الفلسفي بامتياز]‪ .‬إذ هناك مخاطر ت ُّ ّ‬
‫حف‬

‫ن ال كوني مهدّد‬
‫بال كونية نجد صداها في كتابات مونتاني حيث ينبّهنا إلى الصراع بين الخصوصي وال كوني و يعتبر أ ّ‬

‫بفعل التعصّ ب‪ ،‬إذ التعصّ ب داء ٌ يصيب الإنسان في ُصي ّره قو ّة عمياء هم ّها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب الغير‬

‫وهو أداة استعمال يجري التلاعب بها لخدمة أغراض وتحقيق منافع‪ ،‬ونتائج التعصّ ب تحطيم ال كوني كإنساني‬

‫وتنمية الحيواني في الإنسان متمث ّلا في العنف والحرب والإقصاء‪ ،‬لذلك يدعو مونتاني إلى المراهنة على الإنسان‬

‫وتحصين الفكر بحيث يكون إنقاذ ال كوني هو إنقاذ الإنسان من الإنسان أي إنقاذ الإنسان من ذاته‪.‬‬

‫يلاحظ مونتاني وجود نزعة إقصائي ّة تقوم على الاستعلاء وتقي ّم المختلف بمعايير ليست معاييره‪ ،‬إذ تعتبر الآخر‬

‫همجي ّا وفق معيار حكمها الذ ّوقي والأخلاقي الم كتسب داخل ثقافتها فيصبح الهمجي هو المختلف عن عوائدها‪،‬‬

‫ن المعقول واللامعقول يخضع دائما إلى تقويمات ثقافية تنخرط في أحكام قيمة ٍ لذلك عادة ما يتم ّ تصنيف‬
‫إذ أ ّ‬

‫المختلف بالهمجية‪ .‬وهذا الحكم ينبع من ذوق فاسد يُخرج الآخرين من النظام الطبيعي بدعوى الثقافة إذ يع ُوقنا‬

‫عن إدراك الآخر في خصوصي ّته وتفر ّده و يقدّم لنا وصفة للحقيقة ورسما لجغرافية العقل فنسق ُُط في الاعتقاد في‬

‫ن أي شكل للوجود لا يعدو أن يكون سوى شكل‬


‫تمامي ّة ما ننتمي إليه ونعتبر وجودنا م َظهرا لل كمال‪ ،‬في حين أ ّ‬

‫تلاءم مع واقع مخصوص وهذا ما يؤسّس للتنو ّع‪.‬‬

‫ن نعت الآخرين بالهمجي ّة يستند إلى معيار وليس حكما قائما على العقل والحقيقة لذلك فهو اعتقاد بغيض يتناسى‬
‫إ ّ‬

‫ن الإنسانية تعاون‪ ،‬إذ يوجد تداخل بين الخصوصي‬


‫ن الهمجي هو من ينعت الآخرين بالهمجي ّة ويتناسى أ ّ‬
‫أ ّ‬

‫ن الآخر ُّأفقا لا نحتاج أن نُنقذ‬


‫ن هناك حاجة إلى الآخر وأدرك أ ّ‬
‫وال كوني تفطّن إليه الفرابي حيث اعتبر أ ّ‬

‫ن الحاجة لا تتحقق إلا ّ بالتعاون‪ .‬ومن هذا الأصل الكامن في‬


‫أنفسنا منه بل إلى الانفتاح عليه والسعي إليه لأ ّ‬

‫الحاجة ينشأ أفقا للتبادل من أجل نيل ال كمال العملي في مستواه المادي وال كمال النظري في مستواه القيمي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫اجتماع إنساني تتكامل فيه المدنيات والاجتماعات‪ ،‬إذ رغم الترسم التفاضلي‬ ‫ولا يحصل ال كمال إلا ّ في أشكال‬

‫ل خصوصي ّة خادمة لخصوصي ّة‬


‫نك ّ‬
‫ن الاجتماعات الإنسانية يحتاج بعضها إلى بعض مم ّا يعني أ ّ‬
‫يقر ّ الفرابي أ ّ‬

‫‪183‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫أخرى ومم ّا يؤسّس لوحدة الإنسانية ومم ّا يجعل المدنية رهانها تحقيق السعادة والفضيلة التي لا ت ُدر َك بالعزلة‬

‫ن الخصوصيات ليست في‬


‫ن ال كوني ليس تهديدا وأ ّ‬
‫والتفر ّد والانقطاع عن الآخر بل بالتوحّد معه مم ّا يعني أ ّ‬

‫صدام وصراع بل في تكامل وتبادل للاعتراف‪.‬‬

‫فماذا يترت ّب عن هذا الخوف على ال كوني والخوف من ال كوني من نتائج وإحراجات ؟‬

‫‪184‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تدريب على موضوع السؤال‬

‫املوضوع ‪ :2‬هل تُقصي الكونيّة كل خصوصيّة ؟‬

‫‪ -I‬العمل على المسودة‪:‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪:‬‬


‫موضوع في صيغة سؤال يتساءل عن إمكانية إقصاء ال كونية لكل خصوصية‪.‬‬

‫فهو لا يُجزم بوجود إقصاء وإنّما يبحث عن مجر ّد إمكان‪.‬‬

‫توجد إمكانيتين‪ - :‬إمكانية إقصاء ال كونية لكل خصوصية‪.‬‬

‫‪ -‬إمكانية أن تدعم ال كونية كل خصوصية‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقية للموضوع‪:‬‬


‫يقوم الموضوع على موقف أو أطروحة تتمثل في إمكانية إقصاء ال كونية للخصوصيات (بحث في المدى أو بحث في‬

‫المفاهيم)‪.‬‬

‫منهجيا‪:‬‬

‫أ‪ -‬بخصوص التحليل‪:‬‬


‫• إبراز مختلف الدلالات والمعاني وتعدّد سياقات الفكرة الواردة في الموضوع‪.‬‬

‫• التركيز على الدلالة المخصوصة لفكرة الموضوع‪.‬‬

‫• ر َصد تحو ّل المعنى أو المفهوم أو الدلالة وبيان السجلات التي آلت إليها اليوم‪.‬‬

‫ب‪ -‬بخصوص النقد‪:‬‬


‫• المكاسب‪.‬‬

‫• الحدود‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫ال كونية‪ :‬ال كوني ما يتعل ّق بنظام ال كون إذ معنى من معاني ال كون هو المتعل ّق بالوجود ومبحث الفلسفة كما‬

‫ن الاهتمام الأنطولوجي‬
‫يحدّده أرسطو هو مبحث الوجود‪ ،‬و يحيلنا البحث في الوجود إلى مبحث الإنسان أي أ ّ‬

‫ن سؤال ما الوجود يخفي تساؤلا ضمني ّا هو ما الإنسان لذلك فال كونيّ‬


‫ينزاح ضرورة إلى اهتمام أنثروبولوجي أي أ ّ‬

‫يرتدّ في مستوى المعنى إلى الإنساني‪ ،‬فال كونية تعني الإنسانية‪.‬‬

‫ن‬
‫ل على فكرة مطلقة أو مفهوم مجر ّد ويتعل ّق بماهية ثابتة أي أ ّ‬
‫يجدر التمييز بين الإنسان والإنساني‪ ،‬فالإنسان يد ّ‬

‫ن الإنساني يتعل ّق بوضع مخصوص واقعي وتار يخي لا يبحث في الإنسان‬


‫صيغة الإنسان صيغة ماهو ي ّة في حين أ ّ‬

‫ن‬
‫كماهية بل كظاهرة متغي ّرة ديناميكية ← سؤال ما الإنسان يروم الوقوف على الثابت في الإنسان في حين أ ّ‬

‫سؤال من هو الإنسان يبحث في المعنى كاختلاف وكخصوصية‪ .‬يعني ذلك أنّنا إذا تطل ّعنا إلى فكر ميتافيز يقي ننتهي‬

‫إلى نفي الخصوصيات وتصبح ال كونية مطلبا مناقضا للخصوصي الإنساني‪ ،‬أمّا إذا تطل ّعنا إلى نمطٍ في البحث‬

‫التار يخي الواقعي تصبح ال كونية إستراتيجيا تتعاضد كل الخصوصيات من أجل بلوغها أي تصبح ال كونية هي‬

‫الحضارة التي تساهم فيها كل الثقافات‪.‬‬

‫هناك إمكانيتين‪ :‬إمكانية تعر يف ال كونية بوصفها الإنسانية مطلقا وبشكل مجر ّد يتناسى الكائن الإنساني فنسق ُط‬

‫حينها في ضرب من التجريد ونعجز عن فهم الموجود في اختلافه وفي كثرته وتعدّده‪ ،‬وهذا هو مضمون‬

‫الاعتراض على التصو ّر الميتافيز يقي لل كوني ّة‪.‬‬

‫إمك انية تعر يف ال كونية بوصفها ما يُنتجه الإنسان واقعيا وتار يخيا في علاقة تواصل مع الآخرين كإنسان يدرك‬

‫ل خصوصية من الخصوصيات المغايرة و يُضحي ال كوني القاسم‬


‫اختلافه ويثم ّن اختلاف الآخر فتتغذّى ك ّ‬

‫المشترك أو الح ّد الأدنى الذي تلتقي فيه الخصوصيات‪ ،‬عندها تصبح ال كونية تنبع من الخصوصيات ولا تُقصيها‪،‬‬

‫وتصبح ال كونية غطاء تتعايش في ظلّه الخصوصيات رغم تناقضها أحيانا‪.‬‬

‫ن تعر يف ال كونية مجال تضارب تحكمه رهانات‪ ،‬رهان ميتافيز يقي لا يبحث في المختلف بل ينشد الوحدة‬
‫إ ّ‬

‫ل رؤ ية مخصوصة أو تصو ّر عيني‪ .‬مثل هذا التصو ّر‬


‫ولا يدرك الإنساني بل يبحث في الإنسان فينتهي إقصاء لك ّ‬

‫الماهوي يغفل عن الواقع ويشكّل خطرا على الخصوصيات والهو يّات‪.‬‬

‫ن العقل واحدٌ وتجل ّياته مختلفة‬


‫رهان واقعي ينطلق من ال كونية ليس كمطلب بل كشيء مؤسّ س واقعي ّا يقر ّ بأ ّ‬

‫مم ّا يثري الواقع ومم ّا يفس ّر لنا تعدّد الأنظمة الرمزية وتنو ّع الثقافات‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل فيما يتعل ّق‬


‫ن الميتافيز يقا تطرح أسئلة غير قادرة على الإجابة عليها فهي لذلك عاجزة عن بلوغ ح ّ‬
‫وإذا سلّمنا بأ ّ‬

‫بالشأن الإنساني‪ ،‬لهذا يجدر الانطلاق من منهج تار يخي واقعي يستدعي الكائن‪ ،‬يعي شروط وجوده و يؤسّ س‬

‫لعلاقة ممكنة مع المختلف قوامها الفهم والتفاهم والتعايش والحوار‪.‬‬

‫ال كونية تُفه َم في اتجاهين‪ :‬اتجاه توحيدي يتمسّك بما ينبغي أن يكون فيتغاضى عن الكائن ‪ +‬اتجاه اختلافي‬

‫يثم ّن التنو ّع ويرفعه إلى مستوى القيمة و يجعله مقيما وقائما وقيّم ًا‪.‬‬

‫ن الجسد مقولة اختلافية‪ ،‬إذ لا‬


‫ال كونية تعني كذلك العقل أي ما يجمع الإنسان بصفة كونية ليس الجسد لأ ّ‬

‫يوجد جسد موضوعي بوصفه مجموع الوظائف الحيو ية والذي يدرك من خارجه بل يوجد دائما جسد خاص لا‬

‫ل المحدّدات التي يمكن أن تُنسَب للإنسان لا تشكّل‬


‫ينفصل عن ّي‪ ،‬ي ُدر َك بصفة ذاتي ّة ومن داخله‪ .‬كذلك ك ّ‬

‫حقيقته مثل اللون أو الجنس أو الانتماء ← ما يحدّد الإنسان بصفة جوهر ية وكونية هو العقل بوصفه عامل‬

‫توحيد بين البشر وبما هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس‪.‬‬

‫هذه ال كونية الأولى في مستوى وجود الإنسان ولّدت كونية ثانية في مستوى الحق أي الن ّظر إلى الذات كذات‬

‫ن المساواة من جهة حقيقة الإنسان ستنتج مساواة من جهة‬


‫متماثلة ستؤدّي إلى تماثل في مستوى الحق أي أ ّ‬

‫ن مفهوم الإنسان مفهوم‬


‫السياسة الإنسانية بحيث سيصبح الحق عامّا شاملا صادقا على الجميع وبنفس الصفة لأ ّ‬

‫عام وشامل وصادق‪.‬‬

‫كونية أولى في مستوى تمث ّل الإنسان أنتجت كونية ثانية في مستوى الحقوق‪ ،‬مم ّا يعني وجود معنى ثالث‬

‫ن ال كونية تقتضي أن نرى‬


‫لل كونية هو كونية الحق إذ يقترن مفهوم ال كونية بحقوق الإنسان‪ ،‬إذ يعتبر كانط أ ّ‬

‫ل إنسان مم ّا يعني التسليم بحر ية الإنسان وإرساء النظام السياسي على أساس عقليّ مم ّا دفع ب كانط إلى‬
‫ذاتنا في ك ّ‬

‫الحديث عن الحق ال كوني كحق دائم وغير متناقض ولا يرتبط بما هو جزئي وخاص‪ ،‬يرتبط بالإنسان في جوهره‬

‫ل البشر دون استثناء‪ .‬مثل هذا التصو ّر للحق ال كوني جعل كانط يرفض أخلاقو ي ّة‬
‫وليس في مظاهره ويشمل ك ّ‬

‫المحب ّة التي أساسها عاطفي وغير دائمة وتتغي ّر بتغي ّر نظرتي للآخر وهي حق لأشخاص وليس حقّا لك ّ‬
‫ل البشر ترتبط‬

‫بمظهر وبظرف‪.‬‬

‫ال كونية في مستوى الحق تراهن على إنشاء دستور كوني أساسه التماثل في الإنسانية‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫تُفه َم ال كونية في معنى رابع بما هي كونية في مستوى سياسي بحيث لا توجد معارضة بين السيادة والمواطنة‪،‬‬

‫أي لا يحدث تغيب للمواطنة من طرف السيادة كسلطة والعلاقات الدولية تضع في اعتبارها الإنسان كمواطن‬

‫كوني بحماية الإنسان من استبداد دولة مخصوصة‪.‬‬

‫صل في الخصوصة هو أصل ال كونية‪.‬‬


‫ن التأ ّ‬
‫لا يوجد تعارض في نظر كانط بين ال كونية والخصوصية بل إ ّ‬

‫ال كونية تتعدّد دلالاتها وسجلات حضورها‪ ،‬فهي كونية مساو ية للإنسانية‪ ،‬وهي كونية مساو ية للعقل في‬

‫فكر الحداثة‪ ،‬وهي كونية تعني الحق‪ ،‬وهي كونية ترتبط بالحقل السياسي وتطمح إلى إنشاء مواطن كوني‪ ،‬وآلت‬

‫ال كونية اليوم إلى كونية تعاقدية مع جون راولز‪ ،‬وعقل تداولي أداتي مع هابرماس يطمح إلى الصلاحية ويتسل ّح‬

‫بالحج ّة الأفضل وليس الحج ّة الأسلم‪ ،‬فاستحالت الحقيقة ضرب من الاعتقادات المُفضية إلى الصلاحية وكفّت‬

‫الحقيقة عن كونها يقينا بحيث يتم ّ الاستغناء عن منطق القو ّة وحتى عن قو ّة المنطق للتسل ّح بالحوار والتوافق‪،‬‬

‫ن هابرماس في نظر ية العقل التواصلي يُخفّض في معايير ال كونية إلى درجة الصفر و يعتبر ال كوني هو ما‬
‫أي أ ّ‬

‫يتعل ّق بالحر ية وال كرامة الإنسانية وحرمة الفرد بحيث أضحى ال كوني ضحلا ً ل كي يستوعب الخصوصيات مم ّا يعني‬

‫ن القيم ثقافية وفردية وتختلف من‬


‫ن ال كونية لا تقصي الخصوصية بل تتنازل عن القيم وتتمسّك بالمعايير وتعتبر أ ّ‬
‫أ ّ‬

‫ن المعايير كونية‪.‬‬
‫مجتمع إلى آخر في حين أ ّ‬

‫ن القيم نسبي ّة وليست مجال توافق‬


‫ال كونية آلت اليوم إلى معايير تكون مجال توافق إنساني أساسه العقل لأ ّ‬

‫بين الأفراد‪ ،‬ل كن مع تغي ّر في دلالة العقل‪ ،‬إذ يعود هابرماس إلى الحداثة عكس راولز الذي يعود إلى التعاقد‪.‬‬

‫ل كن العقل يكتسب معنى جديدا كعقل تداولي وأداتي أساسه التوافق والحوار حيث معيار الصدق ليس‬

‫الحقيقة وإنّما الصلاحية‪.‬‬

‫الخصوصية‪ :‬تعني الاختلاف أو الهو ي ّة أي ما يمي ّز فضاء عمومي ّا بعينه‪ ،‬إنّها المشترك ليس إنسانيا وإنّما اجتماعيا‪.‬‬

‫فالخصوصية هي كيفية لإدراك ثقافة م َا مخصوصة وفق رموزها وعلاماتها من الخارج وتصو ّرات ورؤى أو بنية‬

‫ذهني ّة ت ُدر َك من الد ّاخل‪.‬‬

‫الخصوصية ثقافية بالأساس وهي الح ّد الأدنى المشترك بين أفراد المجتمع مثل رؤ ية العالم أو القواعد العامّة والقيم‬

‫والكليات والمُث ُل‪ ،‬أي رموز التبادل القيمي ومعايير التفاوض الاجتماعي الضرور ية الجامعة للمجتمع ككلّ‪.‬‬

‫فالخصوصية تعني الهو ية الثقافية أي ما تنفرد به جماعة اجتماعية بعينها‪ ،‬إنّها الثقافة أي نمط الحياة وشكل الوجود‬

‫وكل ما يضيفه الإنسان إلى محيطه بشكل مخصوص‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫وما يؤسّس لخصوصية ما جملة عوامل أهم ّها المحدّدات البيئي ّة ‪ +‬العناصر الم كو ّنة للفضاء ‪ +‬التبادل الإنساني ‪+‬‬

‫اللقاء التار يخي مع الآخر ‪ +‬تباعد المسافات جغرافيا والتجاور أيضا إذ العزلة كما التجاور تنم ّي الاختلاف‬

‫والخصوصية‪.‬‬

‫إقصاء‪ :‬عدم الاعتراف ‪ +‬التهميش ‪ +‬الرفض ‪ +‬عدم الرغبة في اللقاء ‪ +‬توت ّر في مستوى العلاقة تفضي إلى‬

‫الصراع ‪ +‬تعالي أحد الطرفين‪.‬‬

‫ال كونية تكون إقصاء للخصوصية في حالة الاعتقاد الميتافيز يقي في ماهية ثابتة وجوهر م ُسب َق‪.‬‬

‫ال كونية تكون اعترافا وانفتاحا على الخصوصية في حالة التسل ّح بمنهج تار يخي واقعي يدرك الإنسان كظاهرة‬

‫وكمعنى مختلف‪.‬‬

‫علاقة ال كونية بالخصوصية تتراوح بين الإقصاء حينًا والاعتراف حينًا آخر‪ .‬مردّ الإقصاء هو تحو يل‬

‫ال كوني إلى تعلّة‪ ،‬مطي ّة للاستعمال وتحت تأثير العالَمي وتضخّم الاتصال والتوصيل وتبادل المنتجات دون انفتاح‬

‫للقيم‪ .‬تكون علاقة ال كونية بالخصوصية علاقة اعتراف متبادل عندما تكتفي بالح ّد الأدنى من الأدوات وتتجاوز‬

‫البث والتبادل البضائعي نحو تبادل إنساني‪ ،‬قيمي وأخلاقي‪ ،‬أي عندما تمر ّ من منطق العولمة أو من ثقافة العولمة‬

‫إلى عولمة الثقافة‪.‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪:‬‬
‫‪ -‬إير يك فروم في تحديد مفهوم الخصوصية كهو ي ّة‪.‬‬

‫ن ال كونية إستراتيجيا الثقافات‪.‬‬


‫‪ -‬كلود ليفيس ستروس في تقر يظ الاختلاف وبيان أ ّ‬

‫‪ -‬بودر يار في بيان مخاطر العالمي وفضائل ال كوني‪.‬‬

‫‪ -‬كانط في بيان كونية الحق وإنشائه على العقل وليس على المحب ّة‪.‬‬

‫‪ -‬راولز في بيان الأساس التعاقدي لل كونية والحديث عن المجتمعات اللائقة والتمسّك بالعدالة كمفهوم كوني‪.‬‬

‫‪ -‬هابرماس في بيان الفرق بين القيم الخصوصية والمعايير ال كونية وال كشف عن تغي ّر معنى العقل ال كوني من‬

‫عقل التطابق والمنطق إلى عقل أداتي وتواصلي قوامه الحوار‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إصالح موضوع يف صيغة سؤال‬


‫مسألة‪ :‬اخلصوصيّة والكونية‬

‫املوضوع ‪ : 1‬هل ميثّل تعدّد الثقافات عائقا أمام وحدة اإلنسانيّة؟‬

‫العمل الت ّحضيري‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪:‬‬


‫إستفهام حول إمكان أو عدم إمكان اعتبار كثرة الثقافات حاجزا يمنع تحقيق وحدة الإنساني ّة أي كوني ّة النوع‬

‫البشري وإتحاده‪ .‬الن ّظر في دلالة الموضوع يجعلني أركز في مسألة التعدّد‬

‫=> الكل ّي لا ينفي ال كثرة بل يحتويها‪:‬‬

‫صيغة السّؤال‪ :‬إقرار ضمني بــــــ‪:‬‬

‫‪ -‬التعدّد واقع لا يمكن انكاره‬

‫‪ -‬وحدة الانساني ّة مطلب وليس معطى‬

‫‪ -‬ضرورة الإعتراف بواقع الت ّعدّد‬


‫ضرورتان تبدوان متناقضتان‬ ‫≠‬
‫‪ -‬ضرورة الوحدة‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة للموضوع (الأفكار والعلاقات)‪:‬‬

‫‪ -‬وحدة الانساني ّة مطلب بالغ الأهمي ّة‪.‬‬

‫ن هذا الامل يصطدم بواقع الصراع والتعصّ ب والر ّفض‪.‬‬


‫‪ -‬الحاجة إلى وحدة الإنساني ّة بيد أ ّ‬

‫‪ -‬التعدد الثقافي يفهم في بعده الكم ّي والنوعي‪ .‬الكمي من حيث كثرة الوسائط والرموز وتزايدها والنوعي من‬

‫جهة إختلافها وعدم تماثلها‪.‬‬

‫‪ -‬وحدة الغاية والرهان والقيمة وتعدّد شكال إجلائها وتجسّدها ثقافي ّا‪.‬‬

‫‪ -‬وحدة العقل وتع ّدد اشكال ظهوره في العالم‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬وحدة العقل ككونية أولى هي المولدة لوحدة الحقّ ككوني ّة ثانية ورغم هذه الوحدة يُوجد تنو ّع في كيفي ّات‬

‫التعبير عن العقل واشكال حضور الانسان في العالم وتعدّد الر ّموز‪.‬‬

‫‪ -‬الانساني ّة موحدة من حيث المشروع وهو التحر ّر والقدرة وتختلف في سبل تجسيد هذا المشروع والتعبير‬

‫عن القدرة وكيفيات التحر ّر‪.‬‬

‫‪ -‬ل كن أليس في الوحدة ما قد يسقطنا في دغمائي ّة النموذج والثقة في نموذج وحيد فنكف عن تقر يظ التعدد‬

‫لننتج توحيدا تدجينيا يعمّم ثقافة منتصرة ويسميها الكلي أو ال كوني‪.‬‬

‫<=> الاختلاف قارب نجاة و سفينة عبور لتحقيق وحدة فعلي ّة‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫▪ الت ّعدّد‪ :‬ضرب من ال كثرة و التباين في مستوى الطبيعة والانسان‪ ،‬أي التنو ّع القائم داخل الأشياء والقيم‬

‫وهو شرط وجودها وحياتها‪.‬‬

‫الت ّعدّد خارجي من شيء إلى آخر وهو تعدّد داخلي في نفس الشيء وفي بنيته الداخلية‪.‬‬

‫التعدّد عنوان حياة و حيو ي ّة وثراء‪.‬‬

‫▪ الثقافات‪ :‬توجد دائما في صيغة الجمع وال كثرة لأن قدر الثقافة الاختلاف وتعني الثقافة جملة الرموز‬

‫ختص بها جماعة اجتماعية وهي المحدّدة لتصورنا لل كون‬


‫والعلامات والم كتسبات المادية والر ّمزي ّة التي ت ّ‬

‫ورؤيتنا للعالم‪ ،‬إنها نمط وجود وتمث ّل للعالم وكيفي ّة حياة‪ ،‬هي ما يحمله الفرد من معارف وتقنيات وأشكال‬

‫تعبير يكتسبها داخل الوسط الثقافي الذي ينتمي إليه‪ .‬إنها ما يمي ّز الانسان عن الحيوان في مستوى رمزي‬

‫مثل اللغة و الدين والتقنية والعمل وما يمي ّز جماعة إنساني ّة عن أخرى في مستوى اشكال الر ّموز والممارسات‬

‫والبنية الذهنية المميزة والمتمايزة‪.‬‬

‫ل الثقافات مهدّدة اليوم بفعل العولمة ‪.‬‬


‫•ك ّ‬

‫▪ عــــاــئق‪ :‬ما يحول دون و ما يمنع وما لا يترك مجالا و ما يقطع الطر يق أمام غاية الحضارة‪.‬‬

‫و العائق في سياق الموضوع هو جملة عراقيل لا يسمح بتحقق وحدة الانسانية وهي عوائق ذات طبيعة‬

‫إيديولوجية و سياسية وترتبط بالسوق مثل العولمة كنمط وجود يقوم على التبادل السلعي وينفي التبادل‬

‫الثقافي ‪ +‬ديكتاتور ية السوق بما تعنيه من انكار للقيم ‪ +‬الهيمنة والإستعمار كآلية لطمس الاختلاف و للد ّمج‬

‫الثقافي‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫توجد كذلك عوائق بنيو ي ّة مثل التعصب والاعتقاد في مركز ية الثقافية والمركز ية الإثنية واعتبار أن م ُدوّنتنا‬

‫على حقّ ومدونة الآخر باطلة‪.‬‬

‫▪ وحدة الإنسانية‪ :‬هي افتراض ان الانسان واحد من حيث هو كائن عاقل وذات مشرعة‪ ،‬أي وحدة العقل‬

‫كوحدة أولى وأوّلي ّة تؤسس لوحدة ثانية وهي وحدة الحق كقيمة قصوى وعليا‪.‬‬

‫ن‬
‫ن الثقافات في اختلافها تسعى إلى تحقيق غاية هي الوحدة التي ينشدها البشر في مستوى الحق أي أ ّ‬
‫أي أ ّ‬

‫حقوق الانسان من كرامة وحر ية وحرمة الشّخص الجسدي ّة والنفسي ّة والعدالة وحق الاختلاف دون‬

‫اختلاف على الحق هي مطلب كل الثقافات‪.‬‬

‫ما يوحّد الإنساني ّة هي العقل من جهة أنه جامع مشترك بين البشر والقانون من جهة أنه الشكل الاسمي‬

‫للتعبير عن هذا العقل والعيش المشترك كحكمة ينشدها هذا العقل والحوار بين الثقافات كسبيل إلى الوحدة‬

‫والسلم كغاية منشودة تسمح بالبقاء والحر ية كشكل أرقى للبقاء‪.‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪:‬‬


‫▪ كلود لفي ستراوس‪ :‬شروط التواصل الخلاق بين الثقافات ‪ +‬رفض التماثل القائم على العرقية وتأسيس‬

‫الثقافة على التاريخ كتنو ّع‪.‬‬

‫▪ ادغار موران‪ :‬الوحدة في التنو ّع و التنوع في الوحدة إستنادا إلى الأساس البيولوجي للتعدّد والأساس الثقافي‪.‬‬

‫▪ مونتانيو‪ :‬رفض التعصب والدعوة إلى وحدة تغتني بالاختلافات ← أنا المختلف ‪ +‬يجب تشكيل أنفسنا على‬

‫شاكلة الطبيعة القائمة على الاختلاف و التنوع‪.‬‬

‫▪ راولز‪ :‬ضرورة تحالف الثقافات اللائقة والملائمة في كوني صالح للجميع‪.‬‬

‫▪ هابرماس‪ :‬اعتبار العقل مرجع في كل عملية توحيد واعتبار الوحدة المنشودة بين البشر هي ثمرة جهد‬

‫ومسار وتنك ّر لماضي البشر اللا إنساني‪.‬‬

‫▪ الفارابي‪ :‬قيمة التعاون وتضافر الخوصيات‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫العمل على ورقة الامتحان‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫• المقدّمة‪:‬‬

‫يمكن الانطلاق من المفارقة التي تجعل واقع إنسان العصر الرّاهن ممز ّق بين ضرورتين ملحّ تين ل كنّهما تبدوان‬

‫متناقضتين وهما ضرورة ال كونية ووحدة البشر ية من جهة وضرورة الحفاظ على الت ّعدّد الثقافي وتنو ّع الحضارات‬

‫من جهة ثانية باعتباره تجلّي لممكنات الانسان ولتنو ّعاتها‪.‬‬

‫• طرح المشكل‪ :‬بإبراز أهمية التنو ّع والوحدة وذلك بــ‪:‬‬

‫الت ّأكيد على أن هذه المفارقة تضعنا في مشكل التعدّد والوحدة بما هو ثقافي إنساني أنتربولوجي الأمر الذي‬

‫يستدعي الإضطلاع بمهمّة معالجة طبيعة العلاقة بين ضرورة الحفاظ على ماهو كل ّي وعدم القطع معه أو اليأس‬

‫منه وبين ضمان الإعتراف بالثقافات المختلفة في تعدّدها وتنو ّعها وفرادتها وخصوصتها‪.‬‬

‫• صياغة الإشكالي ّة‪:‬‬

‫ففي ماذا يتمث ّل التعدّد الثقافي؟‬

‫وما الذي يبر ّر إعتباره عائقا أمام وحدة الإنساني ّة؟ أو ليس في مثل هذا الإعتبار ما يفترض إستبعاد التعدّد‬

‫ومن ورائه الاختلاف والت ّنو ّع؟‬

‫• الجوهر‪:‬‬

‫• لحظة اولى ‪ :‬الن ّظر في التعدّد الثقاــفي ومبر ّرات اعتباره عائقا أمام وحدة الانساني ّة وذلك بــ‪:‬‬

‫أ‪ -‬الن ّظر في صيغة السّؤال‪:‬‬

‫وتبيّن ما ينطوي عليه كمطلوب مركزي يمث ّل وحدة ناظمة متمثّلة في النظر في دلالة التعدد الثقافي ووظيفته‬

‫ومنزلته في الوجود الانساني وتقويمه أو تعييره في علاقة بوحدة الإنساني ّة‪.‬‬

‫‪ -‬إستخراج ما ينطوي عليه السؤال من بعض المفترضات الضّ مني ّة التي يمكن أن تُع ّد بمثابة المسلّمات المنطقي ّة‬

‫لمعالجته‪.‬‬

‫ب‪ ← -‬التسليم الضمني بواقع التعدّد الثقافي‪:‬كمعطى‬

‫ن وحدة الإنساني ّة أو ال كونية مطلب‪.‬‬


‫← التسليم الضمني بأ ّ‬

‫و يوجد تعارض بين المسلمتين الضمني ّتين‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ج‪ -‬العمل على تحديد دلالة الت ّعدّد ‪:‬‬


‫بما هو اختلاف رقمي وعددي يحيل إلى الت ّنو ّع الكم ّي مم ّا يفترض ضرورة الانطلاق من الثقافات لا الثقافة بما‬

‫أن الثقافة لا تتجلّى في صيغة وشكل واحد أحدٍ وإنّما في صيغ متباينة هي ممكنات وجود لهذا الإنساني وتعيين‬

‫فنومنولوجي له ضمن تار يخي ّات الكائن الثقافي‪.‬‬

‫د‪ -‬مبر ّرات اعتبار التعدّد الثقافي عائقا أمام وحدة الانساني ّة ‪ :‬وذلك ببيان‪:‬‬

‫‪ -‬الوقوف على ما تفيده كلمة عائق من معنى الحاجز الذي يحول دون أو يعرقل مطلب ال كونية بما هو وحدة‬

‫الانسانية‪.‬‬

‫‪ -‬ال كشف عن ما ينبني عليه هذا الاعتبار للتعدّد كعائق من مفترض ضمني يسل ّم بأن الوجود واحد في صيغة‬

‫ن تاريخ الميتافيز يقا‬


‫هوو ي ّة صبغت كامل تاريخ الفلسفة الميتافيز يقية الغربية رغم تلويناته وتنو يعاته يقول هايرڤير "إ ّ‬

‫هو تاريخ نسيان الموجود" أي نسيان التعدّد‪.‬‬

‫إنه تاريخ بارمنيدي يبرهن على الوحدة دون تعدّد وينظر للهو ي ّة على أنها هو ية بسيطة ونجد في الصياغة الديكارتية‬

‫للجوهر المفكر او ال كوجيتو بساطة قاتلة للتنو ّع مم ّا يجعل من الهو ي ّة هو ي ّة تطابق للماهو هو المتطابق مع ذاته منطقيا‬

‫ل كثرة وتعدّد وغير ي ّة وتغي ّر وتبعات‬


‫وفق مبدأ الهو ي ّة ‪ Idem‬الشفاف والمنسجم مع ذاته والنافي من ذاته ك ّ‬

‫ومشتقات ومكملات ومتممات مبدأ الهو ية من تماثل وعدم تناقض وثالث مرفوع ورفض للاختلاف داخل‬

‫أو خارج الذات والثقافة وهو يستبعد قسمة الواحد أو تكثره إلا على نفسه وهو ما يفضي إلى تصو ّر أنطولوجي‬

‫أساسه التطابق الرافض للت ّنو ّع وهو في علاقة بالانتربولوجي القائم على توحيد تدجيني ينكر الاختلاف والمفرز‬

‫لإبستمولوجي معياره الحقيقة الواحدة والمعرفة الواثقة واليقين‪.‬‬

‫إنطولوجيا وأنتربولوجيا و إبستمولوجيا وبالأخص أكسيولوجيا في مستوى قيمي أعتبر الت ّعدّد تشو يه للإنساني‪.‬‬

‫ل تفكير أحادي واحدي بماهو تفكير اختزالي بتعبير "موران" يختزل ال كثرة في الوحدة ولا يرى‬
‫=> إن ّه حال ك ّ‬

‫في التعدّد إلا خطرا يهدّد الإنساني ّة‪.‬‬

‫ه‪ -‬مظاهر اعتبار التعدد عائقا أمام وحدة الانسانية ‪ :‬وذلك بال كشف عن‪:‬‬

‫‪ -‬المماهاة بين مفهوم الحضارة العالمية والحضارة الغربية وما أفضى إليه ذلك من نزعات توسّ عي ّة إستعمار ية‪.‬‬

‫‪ -‬ثقافة العولمة بما هي ثقافة إنتصار الفكر الوحيد على الفكر ال كوني‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬ديكتاتور ي ّة السوق والإستغلال واعتبار الت ّبضّ ع شكل وجود معاصر‪.‬‬

‫‪ -‬التعدّد كوضعي ّة لم يتم ّ الوعي بها و إدراك مآثرها مما يسقط البعض في ريبي ّة ثقافي ّة تفتقر لكل وحدة‪.‬‬

‫‪ -‬صدام الحضارات الذي يرى في الت ّعدّد خطر على وحدة الانسانية ومعطلا لمسارها وهي قراءة تبر ّر الحرب‬

‫والعنف (صامو يل هادينڤتن)‪.‬‬

‫‪ -‬بعض التوظيفات التي تستعمل ال كوني كأداة تلطيف للصراع وتستخدم قيم ال كونية لخدمة السوق والعولمة‬

‫فتحو ّل قيم العدالة والديمقراطية والحر ية وحقوق الانسان إلى آليات حرب و أدوات إستخدام‪.‬‬

‫‪ -‬النظرة الخارجي ّة للتعدد والاختلاف التي تحصر الاختلاف في الآخر وتراه مختلفا في حين أنني أنا المختلف‬

‫فالاختلاف داخلي‪.‬‬

‫‪ -‬أن يجثم الانسان على إختلافة فيحوّله إلى معيار امتياز وتفاضل في حين لا تفاضل بين الثقافات موقف يقوم‬

‫على مفترضات ضمني ّة هشّة و يفضي إلى استتباعات خطيرة ترفع الواحد إلى مرتبة الحقيقة وتنكر كل ما عداه‬

‫وفي ذلك ما يؤدّي إلى موت الثقافات سواء المغلوبة أو المنتصرة فكل الثقافات مهدّدة‪.‬‬

‫ن الإختلاف والت ّعدّد عائق أمام وحدة الانساني ّة وذلك ببيان‪:‬‬


‫• لحظة ثانية‪ :‬الاعتراض على القول بأ ّ‬

‫أ‪ -‬الت ّعدّد طبيعي‪ :‬النظر إلى الطبيعة بما هي مجال تعدّد‪.‬‬

‫▪ التعدّد بيولوجي‪ :‬الانسان البيولوجي للتنو ّع‪.‬‬

‫▪ التعدّد ثقافي‪ :‬ما يمي ّز الثقافة داخليا تعدد روافدها وتكثر مكوناتها واختلافها الخارجي عن الثقافات الأخرى‪.‬‬

‫▪ التعدّد في الوحدة والوحدة في التعدّد‪ :‬رفض التصو ّر الاختزالي للثقافة وللهو ية‪.‬‬

‫▪ رفض الهووي وتجاوز المطابقة نحو إقرار الاختلاف كمقتضى وشرط وقيمة (لفي ستراوس)‬

‫تعاون وتضافر الخصوصيات لتحقيق رهانات السعادة والفضيلة أي بلوغ ال كمال المادي وال كمال المعنوي‬ ‫▪‬

‫=> الإنسانية تتعاون في أفق كوني (الفارابي)‪.‬‬

‫<=> رؤ ية الطبيعة كمثل أعلى ايتيقي يجب محاكاته وتعلم حكمة العيش مع ًا‪.‬‬

‫ب‪ -‬رهانات التفكير في المشكل‪:‬‬


‫▪ نظر يّا‪ :‬الن ّظر إلى الإنسان والعالم وفق منهج التركيب واعتبار أن الوجود مركب و يحتاج إلى تفكير فيه يكون‬

‫مركبا‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫▪ عملي ّا‪ :‬التأسيس لايتيقا مركبة تجمع بين أن نفك ّر جي ّدا وأن نفعل على نحو جي ّد أي أن ندرك أن الاختلاف‬

‫قائم ومقيم فينا وقي ّم من جهة الدعوة إلى العيش المشترك والحوار‪.‬‬

‫ج‪ -‬اعتبار أن الإختلاف إثراء وليس تفقيرا لما فيه من متعة ومعرفة لأن إزدياد معرفتنا‬

‫بالثقافات هو إزدياد للكلي‪.‬‬

‫د‪ -‬افتراض أن الت ّاريخ يحقّق غائي ّة هي الإعتراف بالآخر وتجاوز الاختلافات نحو وحدة تلوح‬

‫كغاية وكأن صيرورة التاريخ محكومة بهدف وهو ما يحتاج إلى كثير من التظنّن‪.‬‬

‫لحظة ثالثة‪ :‬في الت ّظنّن على الد ّعوة إلى وحدة الانسانية والتفطّن إلى إمكاني ّات توظيفها ض ّد التعدّد وذلك‬ ‫•‬

‫بال كشف عن‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن المجتمعات المعاصرة اليوم لا يُنظر إليها من زاو ية ما تحمله من تنو ّع وامكانيات إغتناء وإغناء وإنّما‬

‫من زاو ية النجاعة والفائدة حيث أن النجاعة صارت محطّمة للقيم وللاختلاف‪.‬‬

‫ب‪ -‬قد تستعمل وحدة الانساني ّة كاداة لمزيد التدخل في الشعوب وتحديد مصيرها وإعادة التحكم فيها‬

‫ورسكلة عبوديتها باسم التوحيد‪.‬‬

‫‪ -‬المنظمات العالمية اليوم والشركات والبنوك في خدمة فكر واحد ونمط رؤ ية وحيدة وهي رؤ ية شديدة‬

‫التسل ّح والفتك بالمختلفين‪.‬‬

‫▪ الراهني ّة‪ :‬إن واقع الثقافات اليوم مهدّد تحت تأثير الصورة المحطمة للوعي وتحت تأثير عولمة متوحّشة وهو ما‬

‫ن ثقافة الانساني ّة أو الحضارة في أزمة وأن أزمة الثقافات‬


‫يدعونا إلى مزيد التفكير والحذر والإلتزام واعتبار أ ّ‬

‫هي أزمة العقل وأن العقل قادر على ابتكار طرق تجاوز المهم أن لا نيأس من الانسان وأن نراهن على‬

‫التربية لأن الانسان انشاء تربوي كما يؤكد كانط‪ ،‬تربية قوامها الحوار والاعتراف المتبادل والحجة وبذلك تصبح‬

‫الوحدة مسارا نقطعه لا نقطة إنطلاق‪.‬‬

‫• الخاتمة‪:‬‬

‫يتوضح أن الإنسان بقدر تجذّره في الخصوصي بقدر حاجته إلى ال كوني وأن البشر ية تختلف في أشكال تعابيرها‬

‫ل كنها تلتقي في الغائية المحركة لوجودها وتأكّد أيضا أن التعدّد شرط كل وجود وأن تقدّم الإنساني ّة يقتضي‬

‫وعيها باختلافاتها رغم وحدة العقل البشري‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إصالح موضوع يف صيغة إقرار أو قول يقوم على موازنة‬


‫يف مسألة‪ :‬اخلصوصيّة والكونية‬

‫املوضوع ‪ : 1‬بقدر ما نعرف ثقافات خمتلفة نعرف الكلّي‪.‬‬


‫حلّل هذا اإلقرار وناقشه‪.‬‬
‫العمل الت ّحضيري‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪:‬‬


‫موضوع قول أو إقرار يقوم على موازنة ويتعل ّق بتناسب طَرَدِي بين تزايد معرفتنا بالثقافات المختلفة وتزايد معرفتنا‬

‫للكل ّي‪.‬‬

‫=> كل ّما ازدادت معرفتنا بالإختلاف والتنوع وال كثرة التي تحكم واقع الثقافات إزدادت معرفتنا بأن ال كوني‬

‫والكلي نتاج تلك ال كثرة‪.‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة‪( :‬الأفكار والعلاقات)‬


‫‪ -‬ال كشف عن الواقع الثقافي بما هو واقع التنوع والتعدّد‪.‬‬

‫‪ -‬إدراك ما في الطبيعة والمجتمعات من تنو ّع بيولوجي ورمزي وثقافي يستدعي الوعي به وإدراكه وتدب ّر غاياته‪.‬‬

‫ل إليه كمشروع ومَهَمّة مرتبطة‬


‫‪ -‬الت ّفطّن إلى أن الكل ّي ليس ما ننطلق منه وليس معطى قبلي وإنما هو ما نص ُ‬

‫بتزايد المعرفة بالثقافات المغايرة‪.‬‬

‫‪ -‬افتراض أن ثقافتنا بمفردها لا تشكل الكلي بل هي شكل من إشكاله وتعب ّر عن مظهر من مظاهره وأن الكلي‬

‫يتّخذ إشكالا متنو ّعة‪.‬‬

‫=> لا توجد ثقافة مركز‪.‬‬

‫ن الآخر الثقافي هو موضوع معرفة مم ّا يستوجب الذهاب إليه وطلب لقائه والسعي إلى إكتشافه‬
‫‪ -‬ال كشف عن أ ّ‬

‫وتكب ّد مشقّة الترحاــل إليه في تعدّده و تكث ّره‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬ال كشف عن المسلّمة الضمني ّة للموضوع والمتمثّلة في تخطّي المركز ي ّة الثقافي ّة والإثنية وتجاوز معنى الأفضلية‬

‫نحو الإعتراف بالتنوع الإثني والثقافي والرمزي وإدراك ما فيه من متعة وإثراء ولذ ّة إستكشاف‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫▪ نعرف ‪ /‬المعرفة‪ :‬فهم الظواهر بما هي عليه وتأو يلها وفق منظور ية تسمح بالوقوف على خاصيتها‪ ،‬ومعرفة‬

‫الثقافات تفضي إلى إدراك أميز ما يمي ّزها وهو التنو ّع‪.‬‬

‫▪ الثقافات‪ :‬إشكال وجود في العالم تتضمّن أنماط تعبير وتكيف‪ ،‬وتشمل ماهو مادي من وسائل وأدوات‬

‫وتقنيات وماهو رمزي من نظم معرفة وقيم ورؤى للعالم ورموز تعبير عن روح الجماعات الاجتماعية وهي‬

‫تتمي ّز بال كثرة‪.‬‬

‫▪ مختلفة ‪ /‬الإختلاف‪ :‬هو خاصي ّة ممي ّزة للعالم وللانسان أي الوجود بماهي وحدة تتضمّن ال كثرة – الاختلاف‬

‫له أسس انطلوجية وهو واقع أنتربولوجي وقيمة أكسيولوجية‪.‬‬

‫▪ الكل ّي‪ :‬هو ال كوني بما هو إنساني‪ ،‬إنه جملة القيم المشتركة‪ ،‬المشترك بماهو موجود في كل واحد‪ .‬إن ّه الإنساني‬

‫مشت ّتا وموزعا في الر ّموز والممارسات المتنو ّعة‪ .‬إنه موضوع معرفة ومشروع موكول لكل إنسان إنجازه عبر‬

‫حوار ورغبة في الل ّقاء‪.‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪:‬‬


‫▪ الفارابي‪ :‬قيمة تعاون الثقافات‪.‬‬

‫▪ ادڤاــر موران‪ :‬واقع التنو ّع في الوحدة والوحدة في التنو ّع و أهمي ّة المعرفة المركبة والمنهج التركيبي لتخطّي‬

‫كل معرفة تقوم على التبسيط فتهمل الكلي‪.‬‬

‫▪ كلود لفي ستراوس‪ :‬شروط التواصل الخلاقة بين الثقافات‪.‬‬

‫▪ راولز‪ :‬قيمة الفكر التعاقدي في إنتاج قيم كلية تسمح بالتعايش‪.‬‬

‫هابرماس‪ :‬ضرورة تجاوز القيم المحلية والاجتماعية نحو معايير كونية تسمح بالانخراط في الكل ّي إستنادا إلى‬
‫ْ‬ ‫▪‬

‫الحداثة وإلى كونية العقل‪.‬‬

‫▪ كانط‪ :‬الحاجة الأنطلوجية والثقافية لل كوني وافتراض أن الإنسان مسار وإنشاء تربوي يزداد ميله إلى الكلي‬

‫بازدياد معرفته بالثقافات المختلفة‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫العمل على ورقة الامتحان‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫• المقدّمة‪:‬‬

‫يمكن الانطلاق من مفارقة تطبع عصرنا الرّاهن وتمي ّز سياقنا التار يخي والمتمثّلة في تمز ّق وحيرة الانسان‬

‫المعاصر و انكفائه على ذاته وإنغلاقه على خصوصي ّته متعلّلا باكتفائها بذاتها واكتمالها وحيازتها للمطلق والكلي‬

‫والحاجة الماسّ ة إلى التعر ّف على أنماط مغايرة من الوجود الثقافي والإنساني من شأنه أن يدفع إلى مزيد التعر ّف‬

‫على الكلي والانخراط فيه‪.‬‬

‫• صياغة الاشكالية‪:‬‬

‫‪ -‬التساؤل عن دلالة الكل ّي وأسس الحاجة إلى الوعي بالاختلاف‪.‬‬

‫‪ -‬التساؤل عن مبر ّرات القول بالتناسب الطّردي بين مزيد معرفة الثقافات المغايرة وبين معرفة الكل ّي‪.‬‬

‫‪ -‬التساؤل عن المفترضات الضمني ّة التي يقوم عليها التزايد أو التناسب والتساؤل عن شروط إمكان تحقّقه‪.‬‬

‫‪ -‬التظنّن حول إمكاني ّة استخدام المعرفة بالكل ّي في الصّ دام السياسي وكيفية تحو ّل ال كوني إلى آلية تصنيف‬

‫وأداة إستعمال وتلطيف في الصراع‪.‬‬

‫• الجوهـــر‪:‬‬

‫• القسم التحليلي‪:‬‬

‫ن الكل ّي ليس معطى وإنما هو مشروع ومهمّة مرتبطة بتزايد‬


‫‪ -‬تحليل الأطروحة الواردة في الإقرار والمتمثّلة في أ ّ‬

‫المعرفة بالثقافات المغايرة وذلك بال كشف عن‪:‬‬

‫‪ -1‬لحظة تحليلية أولى‪:‬‬


‫أ‪ -‬الإنطلاق مم ّا يتضمّنه الإقرار من شبكة علائقية بين المفاهيم وإقراراتها الضّ مني ّة‪.‬‬

‫‪ -‬ال كشف عن أن الآخر الثقافي هو موضوع معرفة وتدب ّر يتطلب الترحال إليه واكتشافه في تكثره‪.‬‬

‫‪ -‬ال كشف عن الواقع الثقافي بماهو واقع التنو ّع والت ّعدد وإدراك ما في الطبيعة والمجتمعات من تنو ّع بيولوجي‬

‫وثقافي ورمزي وما يستوجبه ذلك من الوعي بقيمة الإختلاف وتدب ّر غاياته‪.‬‬

‫ب‪ -‬معرفة الآخر تقتضي تجاوز مستمر ّ للمماثل نحو الأغيار الثقافية وافتراض أن ثقافتنا بمفردها لا تشكّل‬

‫الكل ّي بل هي شكل من إشكاله‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫=> رفض التمركز الثقافي‪.‬‬

‫ج‪ -‬إبرار ما تقتضيه معرفة الأغيار من تخطّي للمركز ي ّة الثقافية والإثنية والاعتراف بالتنوع الإثني والثقافي‪.‬‬

‫التساؤل عن‪:‬‬
‫إذا كانت معرفة الآخر ضرور ية وإذا كان الوعي بالآخر مُهمّا فكيف يتلازم‬

‫ذلك ويتناسب تصاعديّا وبشكل م ُطر ّد مع مزيد معرفتنا بالكل ّي؟‬

‫‪ -2‬لحظة تحليلية ثانية‪:‬‬


‫أ‪ -‬إبراز التناسب الطردي بين مزيد المعرفة بالثقافات المغايرة ومزيد معرفة الكل ّي وذلك بــ‪:‬‬

‫• الوقوف عند دلالة الكل ّي بماهو موضوع معرفة موضوعي ّة منهجها التركيب ورفض كل منهج تبسيطي يجهل‬

‫ويهمل الواقع المركب‪.‬‬

‫• الكل ّي يتجاوز كونه موضوع معرفة نظر ية ليكون مشروعا موكول إنجازه لكل إنسان فال كوني أو الكل ّي ليس‬

‫منطلقا بل غاية نصل إليها وليس هبة أو معطى لحظي خارج الزمن بل هو نتاج مسار عسير يعب ّر عن رغبة‬

‫الانسان في تجاوز ماضية اللاإنساني واعتبار ان حقوق الانسان والحداثة والتعقل والحوار والإعتراف‬

‫المتبادل هي تمثرة جهد تار يخي وثمار إنشاء تربوي دأبت عليه الإنساني ّة عبر تعلّمها من أخطائها ومشيّها على‬

‫جروحها‪.‬‬

‫• اعتبار أن كل تقدم في الزمن هو تقدّم في المعرفة وفي الاعتراف‪ :‬معرفة تتكثر في المقاربات والمناهج‬

‫وطرق الفهم والتأو يل ورفض المعرفة الواحدة والمطابقة واعتراف مضاد لكل مركز ية مؤدية إلى الصنف‬

‫والحرب‪.‬‬

‫=> إيتيقيا هناك دعوة إلى التعايش على أساس الحكمة القائمة على التعاون والتبادل والنظر إلى أن العالم‬

‫ملك للجميع واننا م ُواطنو كوكب واحد‪.‬‬

‫=> الكل ّي ليس معطى بل بناء للعقل البشري وليس موضوع احتكار لثقافة بعينها بل مشروع انساني‬

‫مشترك تُساهم فيه الثقافات المتنو ّعة‪.‬‬

‫ن تحقيق مشروع الكل ّي والإنساني يتلازم مع معرفة أكبر وأوسع بقدر الطاقة الانسانية وبقو ّة‬
‫ب‪ -‬التدليل على أ ّ‬

‫الإمكان بالثقافات في صيغة الجمع والمغايرة لا في صيغة المطابقة والمفرد‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫=> تحو ّل معرفي إبستمولوجي ومنهجي‪ :‬من معرفة التماثل والتشابه وتأمل وجه الذات والنحن إلى عرفة‬

‫مركبة بالاختلاف والتنوع وتأمل وجه الغير وهو ما يستوجب استعدادا للترحّل والسفر واستعدادا للبوح‬

‫والتحو ّل عقلا وممارسة من جوار إلى جوار والقدرة على دخول واستكشاف ميادين ثقافية متنو ّعة لتجاوز‬

‫وجه الذات ووجه الآخر نحو وجه ثالث بلغة ليفيناس أو الترحال بين اختلافات والتحو ّل من جوار إلى‬

‫جوار بلغة ميشال سار‪.‬‬

‫ج‪ -‬ابراز أن الكل ّي موجود فينا وفي ثقافتنا وأن الخصوصي لا يتعارض مع ال كوني بل يغذيه و يغنيه و يغتني‬

‫ويتغذّى به وبيان ما ينطوي عليه ذلك بتزايد الإعتراف كل ّما إزدادت المعرفة‪ .‬أي بقدر ما نتتعر ّف على‬

‫ثقافات مغايرة بقدر ما نعرف الانساني وال كوني والكل ّي فينا وفي الآخرين‪.‬‬

‫د‪ -‬التأكيد على أن إستقراء الواقع وال تاريخ يقيم الحج ّة على الارتباط الوثيق بين المعرفة بالمغاير والمعرفة بالكل ّي‬

‫وذلك بالتنبيه إلى أن المعرفة تطلعنا على اله َووي الذي يجب تجاوزه وعلى الهو ية التي يجب المحافظة عليها‬

‫أي الوقوف على انسانيتنا المشتركة رغم التمايز يقول بول ر يكور‪:‬‬

‫ن الإنسان غريب عن الإنسان ل كن ّه شبيهه على الد ّوام‪.‬‬


‫إ ّ‬

‫ومعنى ذلك أن هناك وحدة رغم ال كثرة وأن ال كثرة شرط ومقتضى أنطولوجي وايتيقي لكل وحدة فالكل ّي‬

‫هو جملة الإختلافات‪.‬‬

‫=> كونية الإنسان المستندة إلى وحدة العقل وتكث ّر اشكال تعابيره وأنماط حضوره في العالم‪.‬‬

‫• النقــــــد‪:‬‬

‫‪ -1‬المكاسب‪:‬‬
‫▪ تثمين منهج الفهم القائم على التركيب والرافض للتبسيط والإختزال‪.‬‬

‫▪ تثمين الفهم والتأو يل للكل ّي على أنه بناء ومشروع يُنجز في الزمن وفي علاقة بالمغاير وهو مرتبط بالعقلنة في مستوى‬

‫نظري وبالتعقل في مستوى عملي‪.‬‬

‫▪ تثمين قيمة التلازم بين معرفتنا للثقافات المتعدّدة ومزيد إدراكنا للإنساني الكل ّي بما يعنيه ذلك من تجاوز لكل‬

‫ل ثقافة في خيلائها وزهوِها المرضي بذاتها‪ .‬والرغبة في تجاوز المغالطة‬


‫إدعاء للمطلقية والمركز ية التي تزع َم ُها ك ّ‬

‫والإدعاء بوجود ثقافة نموذج‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫▪ تثمين تعدّد الأشكال واعتبار أن كثرة الأشكال والتعابير الثقافية ليس من شأنها أن تسقطنا في ريبي ّة وخوف‬

‫ن الجديد هو القديم في‬


‫مرضي من المختلف بل كل تعدّد في الشكل هو تجديد في نفس المضمون يقول نيتشه "إ ّ‬

‫شكل جديد" فالتجديد الثقافي يلتزم بأسس للكل ّي لا يمكن تخطّيها مثل الحر ي ّة وال كرامة والعدالة وحقوق الإنسان‬

‫كحقوق كلية وكونية‪.‬‬

‫‪ -2‬الحـــــــــــــــدود‪ :‬يمكن مناقشة الإقرار عبر‪:‬‬

‫ال كشف عن أن معالجة مشكل الاختلاف ليس مشكلا معرفيا بقدر ماهو مشكل اخلاقي وفق تعبير‬ ‫▪‬

‫ر يكور أي أن العمل يتعل ّق بالأخلاق والسياسة أكثر مم ّا يتعل ّق بالمعرفة فالضامن لمعرفتنا بالكل ّي ليس تزايد‬

‫معارفنا بقدر ما هو تزايد استعدادنا الأخلاقي للتعاطف والفهم والانفتاح على الآخر‪.‬‬

‫▪ المعرفة مجر ّد تقنية وتحو ّلنا إلى عارفين بالأغيار وبالثقافات المغايرة ليس عاملا ح َاسما في إدراكنا للكل ّي فهو‬

‫شرط ضروري ل كن ّه غير كاف إذ يقتضي الأمر دربة اجتماعية وسياسي ّة لادراك الكلي إذ كل شيء يرتبط‬

‫جذر يّا بالسياسة فلا تصلح المعرفة إلا ّ في فضاء سياسي يسمح باستخدامها على نحو خي ّر لذلك يدعونا إدڤاــر‬

‫موران إلى ضرورة "أن نفك ّر جي ّدا و أن نفعل على نحو جي ّد" أي ضرورة الجمع بين معرفة بالإختلاف وايتيقا‬

‫تقرظيه وتنميته وتعيش وفقا له أي يستدعي الأمر إيتيقا مركبة تصالح بين المعرفة والسلوك بين النظر والعمل‬

‫لأن عصرنا يتمي ّز بانفصال تام بين ما نعرفه وما نسلك وفقا له‪.‬‬

‫▪ التفطّن إلى أن ازدياد المعرفة بالكل ّي وال كوني يتم ّ استخدامه اليوم لتلطيف الصراعات بين الث ّقافات ولإخفاء‬

‫الاستغلال المادي باسم نشر قيم كونية فأضحت مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان أدوات حرب‬

‫واستعمار وأضحى ال كوني فاقدا لكل مشروعية أخلاقية إذ الراهن اليوم يؤش ّر لسوء استخدام للكل ّي في المجال‬

‫ل الر ّموز والعلامات لتسهيل مرور السّلع وتوطين الإستهلاك وال كم ّ‬


‫السياسي و يتم ّ اليوم الخلط العمد بين ك ّ‬

‫باسم القي ّم‪.‬‬

‫• الخاتمة‪:‬‬

‫استخلاص الموقف بأهمية مشروعية معرفة الكل ّي والتناسب الطّردي بين إزدياد معرفتنا بالثقافات المغايرة وازدياد‬

‫ل والأفق المعرفي الإبستمولوجي نحو‬


‫إدراكنا لل كوني والإنتباه إلى أن المعرفة وحدها لا تكفي وعدم كفاية الح ّ‬

‫أفق إيتيقي أخلاقي وأكسيولوجي رهانه الممارسة والحقّ ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫م‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ط‬‫ت‬
‫ّية ى سالة‬ ‫ج‬ ‫فات‬ ‫ي‬

‫م‬ ‫ل‬ ‫ظ‬‫ت‬ ‫ص‬ ‫ت‬


‫ا وا ل و الإ مة ا ر ر ّ ةي‬‫ل‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫تدر ب ى‬

‫ل‬
‫موضوع ا وال‬
‫س‬
‫من خلإل مسالة التواصل والإتظمة الرمر ية‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫املوضوع ‪ : 1‬هل يف اعتبار اللغة والصورة نظاما رمزيّا حجّة‬


‫على ملكيّة اإلنسان هلما؟‬

‫العمل على المسودة‪:‬‬ ‫‪.I‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪ :‬موضوع سؤال يقوم على فرضية واستنتاج‪.‬‬

‫• منهجيا‪:‬‬

‫* بخصوص التحليل‪:‬‬

‫أ‪ .‬إبراز مختلف الدلالات أي تعدّد سياقات الفكرة الواردة في الموضوع‪.‬‬

‫ب‪ .‬التركيز على المعنى والدلالة المخصوصة في الموضوع‪.‬‬

‫ج‪ .‬ر َصد تحو ّل المعنى أو المفهوم أو الدلالة وبيان السجلات التي آلت إليها الدلالة اليوم‪.‬‬

‫* بخصوص النقد‪ :‬أ‪ :‬المكاسب – ب ‪ :‬الحدود‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقية‪:‬‬


‫ن‬
‫يقوم الموضوع على فكرة وحيدة وهي النظر إلى أدوات التواصل بوصفها نظاما رمزيّا ومل كي ّة إنساني ّة‪ ،‬أي إ ّ‬

‫ن الإنسان‬
‫ن الرمز خاصية الإنسان أو أ ّ‬
‫ختص به الإنسان (التمييز بين الإنسان والحيوان وإبراز أ ّ‬
‫النظام الرمزي ي ّ‬

‫حيوان رامز) ← سلطة الإنسان على الرمز وسلطة الرمز على الإنسان‪.‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫اعتبار‪ :‬هو الإقرار والتأكيد أو الحكم الجازم الذي لا يقبل الشك أي الحكم اليقيني‪.‬‬

‫اللغة‪ :‬خاصية إنسانية وهي قدرة ذهنية‪ .‬فهي ليست فعلا آلي ّا بل فاعلية ذهنية تفترض العقل لذلك فهي حكر‬

‫ن اللغة صورة‪ ،‬اللغة صورة‬


‫على الإنسان وهي تشمل كل أدوات التواصل بما فيها الصورة‪ ،‬إذ الصورة لغة كما أ ّ‬

‫ذهنية مجر ّدة والصورة لغة حسية‪ .‬اللغة في نظر الرازي هي وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في التواصل أي هدف اللغة‬

‫لقاء الآخر من أجل التبادل الاجتماعي أي تبادل المنافع‪ ،‬تبادل الأفكار‪ ،‬تبادل المشاعر والعواطف والحاجة‬

‫ل لتحصيل جميع مهمّاته فاحتاج‬


‫ن الإنسان خ ُلق بحيث لا يستق ّ‬
‫إلى التواصل فطر ية وغريز ية‪ ،‬والحج ّة على ذلك أ ّ‬

‫ن معايير الحكم متعدّدة أو معايير الثقة مختلفة‪.‬‬


‫إلى أن يعرف غيره ما في للتصديق وفق تعبير ر يجيس ديبراي لأ ّ‬

‫‪205‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ففي عصر الخطاب معيار الثقة هو الأفكار المعقولة ورفض الحواس واعتماد العقل كمرجع‪ ،‬أمّا في عصر‬

‫الأشكال فيتم ّ التقي ّد بالمرئي وليس بالمعنى الحس ّي للرؤ ية‪ ،‬بل هي رؤ ية عقلية تقوم على بناء ذهني للعالم وليس‬

‫الع َالَم كما هو منحوتا بل العالَم المُنشأ ذهني ّا أي معيار الثقة هو العقل الر ياضي المتسل ّح بمنهج والذي يرى العالَم‬

‫هندسي ّا‪ .‬ل كن في عصر الشاشة تم ّ التخلّي عن المقروء والم كتوب وتم ّ الاستغناء عن العقل إذ ليس المهم المنهج‬

‫بقواعده بل المهم هو أن تكون الصورة جي ّدة‪ ،‬وجي ّدة تعني مبهرة وموحي َة ومغر ية وتغي ّب التفكير‪ .‬و يؤكّد غي‬

‫ن الصورة استبعاد م ُعمّم وضرب من التنويم الجماعي ‪ hypnose collectifs‬وترتبط الصورة بشروط‬
‫ديبور أ ّ‬

‫الإنتاج المعاصر‪ ،‬فكل ّما تنامى الاستهلاك تنامت الفرجة وتقوم بإبعاد المعيش المباشر وتحو يله إلى تمث ّل‪ ،‬فهي‬

‫تجريد م ُعمّم‪ ،‬وهي موضع البصر المخادع والوعي الزائف‪ ،‬وما التوحيد الذي تدّعيه سوى ضرب من الاستبعاد‬

‫المعمّم‪ ،‬هي علاقة اجتماعية بين أشخاص تتوسطهم الصور‪ ،‬هي رؤ ية للعالم تتجلى على نحو موضوعي أي تمحو‬

‫الاختلاف وتردّ ال كثرة إلى الوحدة وتصبح بواعث فع ّالة للسلوك المنو ّم تجد في البصر الحاسة الأكثر تجريدا أو‬

‫الأكثر خِداعا وهذا ما يطلق "ديبور" بتعميم التجريد وهي نقيض الحوار وترفض التمث ّل المستقل والفكر الحر‬

‫والرأي الشخصي‪ .‬وما يمي ّز الفرجة هي القدرة على إعادة بناء ذاتها كلما اصطدمت بتمث ّل حرّ ٍ‪ ،‬فهي ليست ملكا‬

‫للإنسان فحسب بل تملك الإنسان أيضا مم ّا يعني ضرورة إعادة قراءة معطى الموضوع كالتالي‪ :‬ليست أدوات‬

‫التواصل ملكا للإنسان فحسب بل هي تملك الإنسان أيضا وهي ليست نظاما رمزيا فقط بل نظام إكراه وتسل ّط‬

‫ونفوذ وهذا ما يستوجب استحضار القراءة الأركيولوجي ّة (الحفر ي ّة) لميشال فوكو التي ترى في أدوات التواصل‬

‫ن بارط يعتبر اللغةكما الصورة إخضاع وإكراه م ُعمّمان‪ ،‬إذ للصورة قدرة على قيادة العقل‬
‫إستراتيجية للهيمنة‪ .‬كما أ ّ‬

‫وتوجيه الذوق وإنتاج مل كة الحكم مم ّا يمكّنها من فصلنا عن عالمنا وعن ذواتنا وعن الآخر‪ ،‬وهذا ما لاحظه‬

‫ن اللغة لا تعب ّر عن حقيقة الذات ولا تعب ّر عن‬


‫برغسون في مقاربته للغة كصورة أو كبطاقات ملصقة بحيث أ ّ‬

‫حقيقة الأشياء مم ّا يؤكّد مرة أخرى أنّنا عبيد ومل كي ّة للصورة وللغة‪ ،‬إذ انقلب السحر على الساحر وانقلبت‬

‫الأدوات على الصانع وأصبح المصنوع سي ّدا على الصانع‪.‬‬

‫ن لفظ نظام‬
‫نظام‪ :‬اشتقاقا تحيل على الأصل ‪ ordo‬ومنها ‪ ordre‬فهي الأمر والقهر والإكراه والإخضاع أي أ ّ‬

‫ن الرمز‬
‫يحتوي على معنى السلطة أي سلطة الرموز‪ ،‬فنظام رمزي يعني إكراه الرموز وسيطرتها على الإنسان أي أ ّ‬

‫سلطة وقهر و ‪.ordo‬‬

‫‪206‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الرمز‪ :‬إنشاء ذهني إنساني وخاصية إنسانية وهو صورة مجر ّدة لواقع حس ّي‪ ،‬وللرمز وظيفة اختزالية يختزل الواقع‬

‫وله وظيفة تواصلي ّة‪.‬‬

‫النظام الرمزي‪ :‬هو نسيج أو جهاز من الدلالات والعلامات بفضله نباشر العالم فهو وساطة ‪.intermédiaire‬‬

‫حج ّة‪ :‬برهان‪ ،‬دليل على‪ ،‬والحج ّة عقلي ّة بالأساس أي قدرة على الإثبات والنفي‪.‬‬

‫ختص به وما يكون في حيازته‪ .‬والمل كية نوعان‪ :‬إمّا شيئا نر ِثه والرموز إرث اجتماعي‪ ،‬أو شيئا‬
‫مل كي ّة‪ :‬أي ما ي ّ‬

‫ن الرمز ينتجه الإنسان و يُكتسب ثقافيا‪ .‬وعادة لا تنفصل مل كية الشيء من‬
‫ننتجه والرموز إنتاج إنساني‪ ،‬أي أ ّ‬

‫طرف الإنسان عن مل كية الإنسان من طرف الشيء وهذا ما يحصل بالنسبة لشت ّى الوسائط الرمزية إذ بقدر ما‬

‫نمتل كها تمتلكنا‪.‬‬

‫ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير‪ ،‬إذ الإنسان كائن ناقص ولا يستطيع تحقيق حاجياته بمفرده‪ ،‬لذلك‬

‫احتاج إلى اللغة‪ .‬اللغة أداة تعبير عن الأفكار والمشاعر والعواطف وضرورة للتبادل‪.‬‬

‫الصورة‪ :‬هي نظام رمزي وهي قدرة على التبليغ وحاملة للمعاني وأداة تواصل مع الآخر تقوم على استخدام حاسة‬

‫البصر‪ ،‬أدواتها الإبهار والتأثير واستعمال المخيّلة وعدم استعمال العقل‪ ،‬تحقّق لذ ّة حسية وإشباعا بصر ي ّا تخاطب‬

‫الانفعالات‪ ،‬تفكّك الواقع وتبدّده‪ ،‬ضرب من التواصل الإيحائي المُغي ّب للحج ّة‪ ،‬فهي يُنظَر إليها كحج ّة بديهي ّة‬

‫ومعيارا‬

‫الإنسان‪ :‬قدرة رمزية أي قدرة على إنتاج الرموز والعلامات ويتميز عن الحيوان بامتلاك الحلقة الثالثة‪ ،‬إذ الحيوان‬

‫ينحصر في الحلقة العضو ية والحلقة العصبي ّة‪ ،‬ل كن الإنسان إضافة إلى هاتين الحلقتين يمتلك حلقة رمزية وهي أهم‬

‫خصائصه وفق تعبير كاسيرار‪.‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪:‬‬
‫التحليل ‪ :‬كاسيرار‪ :‬في التركيز على القدرة الرمزية كخاصية إنسانية‪.‬‬

‫فخر الدين الرازي‪ :‬في تحديد وظيفة اللغة وطبيعتها والحاجة إليها‪.‬‬

‫بنفنيست‪ :‬في تحديد وظيفة اللغة التواصلية‪.‬‬

‫النقد‪ :‬غي ديبور – ر يجيس ديبراي – كلود حجاج – بارط – فوكو – برغسون‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫العمل على ورقة الامتحان‪:‬‬ ‫‪.II‬‬

‫• المقدّمة‪:‬‬

‫هناك العديد من المفارقات التي يمكن استثمارها كمدخل لموضوع حول التواصل والأنظمة الرمزية مثل‪:‬‬

‫‪ -‬المفارقة بين تنامي أدوات الاتصال وانعدام التواصل‪.‬‬

‫ن العالم القر ية كونية والواقع الفعلي للعزلي‪.‬‬


‫‪ -‬المفارقة بين القول بأ ّ‬

‫‪ -‬المفارقة بين الانتظارات أي ما ننشُد ُه وبين واقع فعلي يُخي ّب هذه الانتظارات‪.‬‬

‫‪ -‬المفارقة بين الأهداف المُعلن َة للتواصل والأهداف الحقيقية‪.‬‬

‫‪ -‬المفارقة بين ما أنتجه الإنسان كمل كية له وبين واقع فعلي يجعل الأدوات تملك الإنسان (هل نملك‬

‫أدوات أم نحن ملك للأدوات)‪.‬‬

‫ن كل ما ينتجه الإنسان‬
‫ن م َا م ِن فعل إلا ّ وله غاية بحيث أ ّ‬
‫ن الإنسان كائن الغائية فذلك يعني أ ّ‬
‫حين نفترض أ ّ‬

‫يحقق انتظارات ويستجيب لمنشود إذ إنتاج الرمز وصنع أدوات تواصل وابتكارها كنّا ننتظر منه تحقيق إنسانية‬

‫الإنسان‪ ،‬ربط ال إنسان بالآخر‪ ،‬التوسّط بين الإنسان والعالم‪ ،‬خلق ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي‪ ،‬والدخول‬

‫ن‬
‫في حوار إيتيقي من أجل تأسيس القيمة وإضفاء المعنى‪ ،‬والخروج من حالة التملّك إلى حالة ال كينونة غير أ ّ‬

‫واقع التواصل الفعلي والتار يخي سرعان ما يُخي ّب هذه الانتظارات‪ ،‬إذ أضحى التواصل دالا ّ بلا مدلول‪ ،‬أو سياقا‬

‫بلا دلالة‪ ،‬أو أداة بلا معنى‪ ،‬بل التواصل اليوم يمث ّل شكلا للاستيلاب المقترن بالعقلنة ونمط من التفكير المنوم‬

‫والتوحيد التدجيني والتجريد المُعمّم‪ .‬مثل هذا التوت ّر بين ما نَنْشُده في مستوى الانتظار وبين المُنجز كممارسة‬

‫يراهن نظر يّا على مساءلة التواصل مساءلة نقدي ّة‪ ،‬وعملي ّا يريد تحريرنا من التصور البريء لأدوات التواصل‪ .‬ومم ّا‬

‫يفترض التساؤل‪:‬‬

‫• الإشكالية‪:‬‬

‫‪ -‬بأيّ معنى يكون التواصل نظاما رمزيّا ؟‬

‫ن الإنسان‬
‫ن أدوات التواصل مجموعة علامات ورموز ما يُقدّم الحج ّة على حِيازة الإنسان لها أم أ ّ‬
‫‪ -‬هل في الإقرار بأ ّ‬

‫أصبح خاضعا لأدواته ؟‬

‫‪ -‬وما مدى قدرة الإنسان على التحر ّر من سلطة الرمز ؟‬

‫‪208‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• التحليل‪:‬‬

‫أ‪ -‬إبراز مختلف الدلالات أي تعدّد سياقات الفكرة الواردة في الموضوع‪:‬‬


‫ن الفلسفة صناعة المفاهيم كما يحدّدها جيل ديلوز فذلك يعني ضرورة الوقوف على تعدّد الدلالات‬
‫إذا افترضنا أ ّ‬

‫والاشتغال على مختلف سجلا ّت المفهوم واختلاف زوايا مقاربته‪ ،‬إذ أدوات التواصل لغة كانت أو صورة تتعدّد‬

‫سجلات حضورها فهي تفهم على أنها قدرة رمزية أي أنّها خاصية إنسانية يحتكرها الإنسان بمعنى أ ّ‬
‫ن الكائن‬

‫ن‬
‫ن أفعاله تُصن ّف ضمن الارجاع فهي ليست ردودا عضو ي ّة إذ أ ّ‬
‫الوحيد الذي يمتلك رموزا هو الإنسان لأ ّ‬

‫الردود العضو ية تتمي ّز بكونها ردودا طبيعية وأفعالا ثابتة خالية من الخلق والإبداع وتفتقر إلى القصد والدلالة‬

‫ترتبط بحاجة بيولوجية مباشرة‪ ،‬مم ّا يجعل الحيوان لا يكسب عالَم َه ُ معنى إلى درجة أن ّه من الصعب أن نُن ْسب له ُ‬

‫العالَم إذ العالَم يُنسَب إلى الإنسان فالارجاع كخاصية إنسانية هي أفعال ثقافية تتمي ّز بالخلق والإبداع والتنو ّع‬

‫والاختلاف وهي ذات معنى وقصد وقيمة وتتجاوز العالم كمعطى مباشر وتتعالى عن الحاجة البيولوجية وهي‬

‫ن أدوات التواصل هي الصفة الجوهر ية المحدّدة للإنسان إذ‬


‫نسيج وشبكة رموز تمنح العالم معناه ودلالته‪ .‬كما أ ّ‬

‫هناك سِم َة تجمع بين جميع الصفات التي تُنسَب إلى الإنسان وتعلو على جميعها وهي سمة الرمزي ّة‪ ،‬إضافة إلى ذلك‬

‫ن القدرة الرمزية تتجلّى في جهاز رمزي بوصفه حلقة ثالثة وفق تعبير كاسيرار‪ ،‬إذ الحيوان يمتلك حلقتين‪ ،‬حلقة‬
‫فإ ّ‬

‫عضو ية وحلقة عصبية أي جهاز مستقيل وجهاز مؤث ّر عكس الإنسان الذي إلى جانب الحلقتين يمتلك حلقة‬

‫ثالثة هي الحلقة الرمزية كقدرة على تحو يل الحياة الإنسانية من حياة مباشرة إلى حياة توسطية‪ ،‬فالرمز وساطة‬
‫ن اللغة أو الصورة تشكّل نظاما رمزيا بمعنى قدرة على توسيع الدائرة الإنسانية ًّ‬
‫كم ّا ونوعًا أي جعل‬ ‫زِ ْد على ذلك أ ّ‬

‫الإنسان يعيش في عالَم أوسع‪ ،‬أي يعيش في بعدٍ جديد من أبعاد الواقع هو البعد الذهني والتخيّلي‪ ،‬فالإنسان لا‬

‫يستطيع أن يحدّق في عالَمه مباشرة أي لا يستطيع النظر وجها لوجه في العالم إلا ّ من خلال شبكة من الرموز‬

‫وبذلك تعني الرموز إنشاء العالم أي قدرة الذات على صنع عالَمها‪ ،‬فالإنسان يعيش في عالَم من صنعه‪ ،‬إنّنا لا‬

‫نعيش في عالَم بل نعيش في عالَم من صنعنا وبذلك فإ ّ‬


‫ن الإنسان لا يصغي إلى أشياء العالم ولا ينصت إلى عالم‬

‫منحوت بل يتحدّث إلى عالم ذاتي‪ ،‬عالَم من إنشائه أو بتعبير جان لاكروا «الإنسان لا يدرك‬
‫ٍ‬ ‫موضوعي وعيني أو‬

‫ن الإنسان يتحدّث دائما إلى ذاته أي يصغي إلى رموزه وعلاماته‪ .‬مثل هذه‬
‫العالم كما هو بل كما يبدو له»‪ .‬أي أ ّ‬

‫ن التواصل حاجة إنسانية أكيدة ووظيفة الحكمة تكمن في تواضع‬


‫الدلالات لا تُغفل عن ّا دلالة رئيسية وهي أ ّ‬

‫الناس واتفاقهم وإجماعهم على وضع ألفاظ للمعاني‪ .‬ويتخذ الرازي اللغة نموذجا لإبراز قيمة التواصل ولتأكيد‬

‫‪209‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫أهمية النظام الرمزي‪ ،‬إذ اللغة وسيلة لتحقيق غاية أي لقاء الآخر من أجل التبادل‪ ،‬تبادل المنافع والأفكار‬

‫ن الإنسان خ ُلق بحيث لا‬


‫والمشاعر والأحاسيس‪ ،‬وهذا النظام الرمزي النابع من الحاجة تبر ّره حج ّة تتمثل في أ ّ‬

‫يستقل لتحصيل جميع مهماته فاحتاج ليعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير فالإنسان‬

‫ن اللغة هي استجابة‬
‫كائن ناقص مم ّا يجعله في حالة عدم استغناء عن الآخر‪ ،‬وإذا كانت الحاجة تتطلب إشباعا فإ ّ‬

‫ن التواصل‬
‫ن فخر الدين الرازي يفاضل بين التواصل الحركي والتواصل اللفظي‪ ،‬إذ أ ّ‬
‫لحاجة وتعبير عنها‪ ،‬رغم أ ّ‬

‫الحركي مشتبه وملتبس وغير اقتصادي في حين التواصل بالألفاظ مربح للجهد والوقت والمواد و يفنى بفناء الحاجة‬

‫ن‬
‫إليه وتتولّد منه الألفاظ بلا نهاية‪ ،‬إذ بفضل اللغة نعب ّر عن ما في القلوب والضمائر والعقول‪ .‬ننتهي إلى أ ّ‬

‫أدوات التواصل تتحدّد في تعدّد دلالاتها وعموما اللغة صورة والصورة لغة‪ ،‬فاللغة صورة ذهنية والصورة لغة‬

‫ل منهما يبل ّغ رسالة و يحقق غاية هي التواصل‪ ،‬إذ اللغة خاصية إنسانية تشمل كل ما من شأنه أن يبل ّغ‬
‫حسية وك ّ‬

‫رسالة والصورة أيضا نظاما رمزيا وقدرة على التبليغ وحمل المعاني وأداة تواصل مع الآخر‪ ،‬تقوم على استخدام‬

‫حاسة البصر‪ ،‬أدواتها الإبهار والتأثير واستعمال المخيّلة وتحقّق ضربا من اللذ ّة الحسية وإشباعا بصر يّا تخاطب‬

‫ن اللغة والصورة‬
‫ن الإنسان ليس كائن الحاجة فحسب بل هو كائن المطالب القيمية فإ ّ‬
‫الانفعالات‪ .‬وإذا اعترفنا بأ ّ‬

‫ن للغة والصورة دلالة قيمي ّة‪ .‬فكيف تكون‬


‫أدوات للتبادل القيمي ولا تنحصر في التبادل النفعي لذلك نُجزم أ ّ‬

‫أدوات التواصل حج ّة على امتلاك الإنسان لها؟‬

‫ب‪ -‬التركيز على الدلالة المخصوصة للفكرة الواردة في الموضوع‪:‬‬


‫يجب أن نمي ّز بين مقاربة شمولية تطلب المفهوم في مُجمله وتتعل ّق بالدلالة في م ُطلَقها وبين مقاربة إجرائية تُسائل‬

‫الدلالة في سياق مرسوم بدقة ومخصوص بحيث اللغة والصورة ملك للإنسان إذ تُجلي قدرة ذهنية وتعب ّر عن‬

‫إنسانية الإنسان وتحمل ر ُؤاه وتصو ّراته‪ ،‬إذ لا يكتفي الرمز بكونه شكلا بل مضمون ذهني اجتماعي وأخلاقي‬

‫أي بقدر ما هو أداة بقدر ما هو حامل للمعاني‪.‬‬

‫ن الإنية لا تتحقق إلا ّ بفضل‬


‫فالإنسان وهو ينتج أدواته يتحوّز ُ بها و يح ُوز ُ عليها‪ ،‬ينتج ذاته وينشئها إنشاء نشيطا لأ ّ‬

‫وسائط‪ ،‬فالوسائط والإنسان يتماهيان أو هما من المحايثة بحيث لا انفصال بينهما لذلك يؤكّد بنفنيست على التماثل‬

‫ن الرمز فعل إنساني يحمل كثافة دلالية بحاجة إلى‬


‫بين اللغة والفكر أو بين التمثيل الرمزي والممثل رمزيا بحيث أ ّ‬

‫ن هناك ارتباط بين الشكل والمضمون أو بين اللغة‬


‫تأو يل فيظهر الرمز في شكل صُور ثر ية بالمعاني والدلالات لأ ّ‬

‫ن اللغة وكذلك‬
‫ن مقولات اللغة هي مقولات الفكر مم ّا يعني أ ّ‬
‫والفكر‪ ،‬فالفكر ليس مجر ّد انعكاس للعالم بل إ ّ‬

‫‪210‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الصورة كلغة وسيط رمزي بامتياز وحج ّة على انفراد الإنسان بهما إذ يقول بنفنيست‪« :‬يكون أنا من يقول أنا»‬

‫ن‬
‫ن الإنسان لم يوجد مرتين‪ ،‬مرّة بدون لغة ثم ّ و ُجد مع اللغة بل إ ّ‬
‫ن ال كينونة هي اللغة ذاتها إلى درجة أ ّ‬
‫أي أ ّ‬

‫ن الإنسان قبل القول كان بمثابة حيوان ولم‬


‫الإنسان و ُجد بفضل اللغة‪ ،‬إذ لحظة الكلام هي لحظة الوجود أي أ ّ‬

‫ينفصل عن الحضيرة الحيوانية إلا ّ بإنجاز أداة شكّلت جوهره ُ وهي اللغة سواء في شكلها المجر ّد أو في شكلها‬

‫الحس ّي كصورة‪.‬‬

‫لقد شكّلت أدوات التواصل باستمرار ما به كان الإنسان إنسانا ما يدعو إلى مساءلة ال كينونة عن فعل النظام‬

‫الرمزي فيها اليوم‪ .‬فهل الأنظمة الرمزية في راهننا اليوم تشير إلى الإنسان فعلا ؟‬

‫ج‪ -‬رصد التحو ّل في المعنى أو المفهوم ودلالته اليوم‪:‬‬


‫ن فكرة ما لا تكتسب قيمتها من إطلاقي ّتها بل تستحوذ على القيمة من ملاءمتها لواقع فعلي وتار يخي أي من‬
‫إ ّ‬

‫حاضر تصغي إليه وتعب ّر عنه‪ ،‬إذ اللغة في معناها المنطوق والم كتوب تخل ّت عن وظائفها وتم ّت الاستعاضة عنها‬

‫ل شفافية إذ أنّنا نعيش ضياع المعنى وانحصار القيمة بالمعنى النوعي وانتشار‬
‫بالصورة وأضحى التواصل فاقدا لك ّ‬

‫القيمة بالمعنى الكم ّي مم ّا يثير أسئلة خارقة‪:‬‬

‫‪ -‬هل أدوات التواصل اكتفت بكونها مل كي ّة للإنسان أم حو ّلت الإنسان إلى ملكٍ لهَا ؟‬

‫‪ -‬وهل ح ًّ ّقا نحن إزاء الهو ي ّة كتملّك أم الهو ي ّة ككينونة أم في حالة من ضياع الهو ي ّة؟‬

‫• الن ق د‪:‬‬

‫أ‪ -‬المكاسب‪:‬‬
‫تمش يَغنم مكاسب‪ ،‬إذ اعتبار الإنسان كائن رامز هو ترفيع من شأن الإنسان وفصله عن‬
‫تتحدّد مهمة التفكير في ّ‬

‫ن‬
‫ن الإنسان يتعالى عن واقعه المنحوت لينشأ عالَمًا يعب ّر عن قدرة وتحكّم وقو ّة‪ .‬كما أ ّ‬
‫الوجود المباشر وافتراض أ ّ‬

‫الإنسان يتمي ّز بوجود قيمي هو الذي يسمح له بامتلاك ذاته‪ ،‬إضافة إلى ذلك لا يوجد شكل وحيد للرمز بل سِمة‬

‫الرمز التعدّد مم ّا يعني أنّنا من فلسفة تؤسّس للتطابق إلى فلسفة تعدّد الأشكال الرمزية وبذلك تتحو ّل من مفهوم‬

‫التفسير إلى مفهوم الهيرمينوطيقا (التأو يل) أي تتحو ّل من عقل تفسيري إلى عقل تأو يليّ يفتح أفقا للاختلاف‬

‫ن العقل واحد‬
‫و يجعل التنو ّع قي ّما وقائما ومقيما في التفلسف‪ ،‬زِ ْد على ذلك أن ّه من الضروري التأكيد على أ ّ‬

‫والرموز متعدّدة مم ّا يعني وحدة الإنسانية وكونية العقل وتعدّد أشكال إنتاجاتها الرمزية وهذا ما يبر ّر تعدّد‬

‫ن إنجاز الرمز وكيفية تبادله والتوافق حوله هو المؤسّس للهو ية إذ الهو ي ّة تعني‬
‫الثقافات ووجود هو يّات إذ أ ّ‬

‫‪211‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ن تعدّد الأنظمة الرمزية لا يشكّل خطرا على الإنسان بل هو إثراء‬


‫الاشتراك في الرموز‪ ،‬كما لا يجب أن نغفل أ ّ‬

‫ن الوجود واحد‬
‫ل خصوصية تفعل بطر يقتها الخاصة مم ّا يعني أ ّ‬
‫نك ّ‬
‫وتنمية لجوهر ية الإنسان والحج ّة على ذلك أ ّ‬

‫وأشكال التواجد فيه متعدّدة بتعدّد مقاصد الإنسان وشكل إدراكه لعالَمه وهذا ما يطرح معضلة هي معضلة‬

‫ن علاقة الإنسان بالعالَم ليست علاقة أحادي ّة بل هي علاقة‬


‫الوعي‪ ،‬فهل يوجد وعي أم أشكال وعي ؟ يتأكّد أ ّ‬

‫غني ّة بالرموز ثر ي ّة بالدلالات مم ّا يفرز أشكالا للوعي تختلف زمانا ومكانا‪ .‬لهذا فالنظام الرمزي الصالح لزمان أو‬

‫مكان ليس ناجعا لكل زمان وكل مكان وهذا ما يؤسّس لنسبية الحقيقة ولنظرة تار يخية تطور ية تقطع مع‬

‫ن الإنسان كائن الزمانية ومرتبط بجاذبية اجتماعية‬


‫التصو ّر الثبوتي الذي ينشد مطلقا رمز ًّي ّا‪ .‬ننتهي إذن إلى أ ّ‬

‫ومن شأن هذا التصو ّر أن ينتج وعيا نقديا يقطع مع الوثوقية كما يقطع مع الريبي ّة‪ .‬إذ الموقف الوثوقي يهدم‬

‫ل الرموز ويشكك في قدرة‬


‫ن الموقف الريبي يهدم ك ّ‬
‫الحقيقة والعقل ويرفع الرمز إلى مستوى الإطلاقية‪ ،‬كما أ ّ‬

‫ن عقلا يس َع علم َه ُ يدرك جي ّدا نسبية رموزه مم ّا يدفعه إلى تجن ّب العنف والتسلح بالحوار كمنهج‬
‫العقل‪ .‬يبدو أ ّ‬

‫تقوده الحج ّة الأفضل وفق تعبير شايم برلمان مم ّا يجن ّب الإنسانية الصراع خصوصا في مستوى حضاري هذا إن‬

‫تبن ّينا مقولة صراع الحضارات كما يؤسّس لها أدينقتون‪.‬‬

‫ل كن أليس الإنسان ملكا لرموزه ؟‬

‫ب‪ -‬الحدود‪:‬‬
‫ن لفظ المل كية يُفهم في اتجاهين متناقضين فمن يملك م َنْ ‪ ،‬الإنسان يملك رموزا أم الرموز تملك الإنسان ؟ مل كية‬
‫إ ّ‬

‫الإنسان للرمز هي في نفس الوقت مل كية الرمز للإنسان وهذا ما يعنينا في هذا المستوى إذ بقدر ما يمتلك‬

‫الإنسان رموزا بقدر ما يستحيل ملكا لَهَا‪ ،‬إذ ينقلب السحر على الساحر و يصبح المصنوع سيدا على الصانع وليس‬

‫ن الوسيلة أضحت معيارا وأضحى التواصل مغيبا للحج ّة‪ ،‬وأضحى مجر ّد اتصال وبث ّا أي ضرب‬
‫ل على ذلك من أ ّ‬
‫أد ّ‬

‫من الإيحاء المغيب للحج ّة‪ ،‬إذ يعتبر ر يجيس ديبراي استحالة إلى معيارا للتصديق‪ ،‬إذ حين نسأل أحدهم ما‬

‫حج ّتك في ذلك يجيب شاهدت ذلك في التلفاز‪ ،‬إذ يمي ّز ديبراي بين معايير متعدّدة للحكم أو معايير للثقة‪ ،‬ففي‬

‫عصر الخطاب معيار الثقة هو الأفكار المعقولة ورفض الحواس واعتبار العقل مرجعا‪ ،‬أمّا في عصر الأشكال‬

‫فيتم ّ التقي ّد بالمرئي وليس بالمعنى الحس ّي للرؤ ية بل هي رؤ ية عقلية تقوم على بناء ذهني للعالَم وليس العالَم كما هو‬

‫منحوت بل العالم المنشأ ذهني ّا أي الاستناد إلى العقل الر ياضي كمعيار للثقة والمتسل ّح بمنهج والذي يرى العالم‬

‫هندسي ّا (الهندسة والمسطرة والمنهج والبركار) أمّا في عصر الشاشة فتم ّ التخلي عن المقروء والم كتوب وتم ّ الاستغناء‬

‫‪212‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫عن العقل إذ في الڤيديوقراطية ليس المهم المنهج أو الأفكار بل المهم أن تكون الصورة جي ّدة ومبهرة ومغر ية‬

‫وتغيب التفكير وترتبط الصورة بشروط الإنتاج المعاصر‪ ،‬فكلما تنامى الاستهلاك تنامت الفرجة إذ هناك علاقة‬

‫ل فهي تجريد‬
‫تناسبية بين تراكم الفرجات وتراكم البضاعة‪ ،‬وتقوم الصورة بإبعاد المعيش المباشر وتحو يله إلى تمث ّ ٍ‬
‫معمّم وهي موضع البصر المخادع والوعي الزائف‪ ،‬وما التوحيد الذي تدّعيه سوى ضرب من الاستبعاد المعمّم‬
‫وهي علاقة بين أشخاص تتوسّ طهم ُّ‬
‫الصّ و َر فتنتج سلوكا منو ّما وتجد في البصر الأكثر تجريدا والأكثر خداعا وهذا‬

‫ما يُطلق عليه غي ديبور تعميم التجريد وهي نقيض الحوار‪ ،‬وترفض التمث ّل الحر ّ والفكر المستقل‪ .‬وما يمي ّز الفرجة‬

‫هي القدرة على إعادة بناء ذاتها لمواجهة التمث ّل الحر ّ مم ّا يعني أنّها ليست ملكا للإنسان فحسب بل تملك الإنسان‬

‫أيضا لذلك أدوات التواصل إستراتيجيا للهيمنة ليس في حقل الصورة فقط بل في حقل اللغة أيضا‪ ،‬إذ يكشف‬

‫ن اللغة تخوم السلطة وأطرافها‪ ،‬إذ اللغة سلاح من أجل السيطرة والتحكّم وهي لا تنكشف بفضل ما‬
‫فوكو أ ّ‬

‫ن اللغة تقول دوما عكس ما تقول وهي لا تقول فعلا ما تقوله لذلك يحتاج الخطاب إلى‬
‫تقوله بل بما تخفيه‪ .‬لأ ّ‬

‫أركيولوجيا تفضح علاقته الخفي ّة بالسلطة‪.‬‬

‫ن السلطة جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع في‬


‫مثل هذا التمشي نجد صداه في سيميولوجيا بارط الذي يؤكّد أ ّ‬

‫مجموعه وهي اللغة لذلك فاللغة إكراه وإخضاع معمّمان تمتزج فيها السلطة والعنف بلا هوادة لذلك فهي ‪،ordo‬‬

‫ن عبارة نظام رمزي تحيل على معنى الإكراه والإخضاع والقهر ولفظ نظام يعني ‪ ordo‬أي الأمر والقهر‬
‫إذ أ ّ‬

‫ن اللغة تفصلنا عن عالَمنا وعن ذواتنا‬


‫مم ّا يؤكّد قدرة الرموز على التسل ّط وتوجيه الإنسان وإفقاده لحريته علما وأ ّ‬

‫فهي لا تعب ّر عن حقيقة الأشياء ولا عن حقيقة الذات‪ ،‬إنّها مجر ّد بطاقات ملصقة أو صور ملصقة كما يحدّدها‬

‫ن اللغةكصورة والصورةكلغة مجر ّد سلطة بيد المحُفّزين على الفعل كما يدركها كلود حجاج فهي‬
‫برغسون‪ .‬نستنتج أ ّ‬

‫لم تعد مل كية إنسا نية بل هي حكر على منتجي الرأسمال الرمزي فهي غير قادرة على خلق الواقع وهي لا تُبدّل‬

‫أمرا ولا تضم َن الفهم بل بالعكس يمكن أن تؤدّي إلى سوء الفهم وهي سلطة في يد الذين يسعو ْن إلى التحر يض‬

‫ل‬
‫على الفعل والمستفيدين من ذلك الفعل‪ ،‬فاللغة ليست مل كية جماعي ّة إنّها ملك الإنسان ل كنّها ليس ملك ك ّ‬

‫إنسان أي هي نفوذ بعبارة كلود حجاج وأداة للتأثير والتوجيه والتبرير مم ّا يدفع إلى التظنّن واستئناف المساءلة إزاء‬

‫وظيفتها التواصلية لذلك استعضنا عن الحوار بالمنولوق وارتدّت الذات إلى ذاتها وأصبح الكلام ليس هدفه لقاء‬

‫الآخر بل مخاطبة الفرد لنفسه‪ .‬ولتجاوز هذه الأزمة يسعى كلود حجاج إلى رسم الحدود البنيو ية والإيديولوجية‬

‫للغة‪ ،‬أي بيان قصورها الداخلي والتوظيفات التي تلحقها من خارجها داعيا إلى الحوار كشرط أساسي لقيام‬

‫‪213‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫علاقة مع الآخر‪ ،‬علاقة اجتماعية وحضار ية قوامها حوار يضمن الفهم والتفاهم والإفهام ويرتقي بالذات من‬

‫مستوى عزلتها وفرديتها إلى مستوى غير ي ّتها‪ ،‬يجعلها تدرك قيمة الإحساس بالآخر والتعاطف معه والتعاون معه‬

‫من أجل الاستئناف به وتبديد اللافهم‪ .‬عندها فقط لا يكون الإنسان عبدا لأدواته سواء تحت تأثير المحدودية‬

‫البنيو ية أو المحدودية الإيديولوجية‪ ،‬وهذه الأزمة تجد حل ّها أيضا في الفن كقدرة رمزية على مقاومة الرموز أو‬

‫كلغة تحارب داخل اللغة أو كخيانة ملائمة للواقع بحيث يمكّن الفن من تجاوز العجز والرؤ ية أفضل‪ ،‬إذ الفن‬

‫يرى الواقع أفضل لأن ّه يرى أعمق لذلك فلنا الفن كي لا تميتنا الحقيقة‪.‬‬

‫• الخاتمة‪:‬‬

‫ن أدوات التواصل تقف بين مفترق التواصل والنفوذ وهي من جهة قدرة على ربط الإنسان بالآخر‬
‫يتوضح إذن أ ّ‬
‫ّ‬

‫وهي من جهة أخرى أداة تسلط وعنف وإكراه‪ ،‬إ ْذ ما كنّا ننتظره لم يصادفنا‪ ،‬فبفضل أو بسبب أدوات تواصلنا‬

‫صرنا في واقع فعلي للعزلة ل كن رغم ذلك لم يكن بالإمكان قيام علاقة بين الإنسان وعالمه وبين الإنسان والآخر‬

‫دون وسائط رمزي ّة مثل اللغة والصورة والمقدّس والأسطورة‪ ،‬وهذه الأدوات حو ّلت وجود الإنسان ووجود‬

‫العالم إلى منظومة من الرموز تتّحد في الوظيفة وتختلف في الشكل وهي لم تغي ّر واقع الإنسان ونظام حياته ونمط‬

‫تواصله فحسب بل غي ّرت الإنسان ذاته‪ ،‬إذ تم ّت التضحية بال كينونة من أجل العيش في واقع التملك‪ ،‬فاستحالت‬

‫الأدوات موجّها لمصير الإنسان‪ ،‬لذلك أضحينا لا نعيش في العالم بل نعيش في عالم مصنوع وديجيتالي وسيبرنتيقي‬

‫نعرف م َنْ نحنُ‪ .‬ل كن مثل هذه الإحراجات لا تحجب عن ّا‬


‫ُ‬ ‫وافتراضي يؤسّس لضياع الهو ية إلى درجة لم نعد‬

‫ن الإنسان قطب للفعل‬


‫بعدا أو أفقا للتفاؤل إذ لا يجب اليأس من قدرة الإنسان على قيادة منتجاته باعتبار أ ّ‬

‫ل‬
‫نك ّ‬
‫يتحدّد ككينونة نشيطة وكإمكانية تجاوز‪ ،‬إذ أزمة التواصل ليس من شأنها أن تجعلنا نزهد في التواصل لأ ّ‬

‫الأزمات مؤقتة والعقل الإنساني يتقدّم بفضل أزماته‪ ،‬لذلك يبقى الرهان على الإنسان قائما بوصفه قدرة على‬

‫أمس الحاجة إلى القيم‪.‬‬


‫إضفاء القيمة والمعنى والحقيقة على تواصل صار في ّ‬

‫‪214‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪.‬إصالح موضوع يف التواصل و األنظمة الرّمزيّة‬


‫املوضوع ‪ :2‬هل الصّورة أداة تواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟‬

‫العمل التحضيري‪:‬‬ ‫‪.I‬‬


‫• تحو يل السؤال إلى مشكل‪:‬‬

‫‪ -‬صيغة السؤال‪ :‬يتضمّن السؤال تناقضا‪.‬‬

‫‪ -‬التناقض الذي يقر ّه السؤال‪ :‬الصّ ورة كاذبة‪ ،‬تغالطنا‪ :‬تظهر شيئا و تفعل شيئا آخر‪.‬‬

‫‪ -‬السّؤال الذي نجيب عنه‪ :‬ما حقيقة الصّ ورة؟ هل هي أداة تواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟‬

‫‪ -‬الأسئلة التي يخفيها السؤال‪ :‬كيف تستطيع الصّ ورة مغالطتنا؟ و هل هي المسؤولة عن ذلك؟‬

‫‪ -‬الر ّهان الذي يمكن تحقيقه من خلال معالجة هذا الموضوع‪ :‬ال كشف عن ازدواجية وظيفة الصّ ورة‬

‫والتنبيه إلى مسؤولية الإنسان في حسن أو سوء استخدامها‪.‬‬

‫• الإشكالية‪:‬‬

‫ما حقيقة الصّ ورة؟ هل هي أدا‬

‫ة تواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟ و إذا سلّمنا بأنّها أداة إخفاء و تضليل‪ ،‬فمن المسؤول عن ذلك وضمن أي ّة‬

‫شروط يمكنها أن تكون لصالح الإنسان وليس ضدّه؟‬

‫• دواعي طرح الإشكالية‪:‬‬

‫تناقض الصّ ور التي تمطرنا بها الفضائيات اليوم‪ ،‬حول الخبر الواحد‪ ،‬مدعاة للتساؤل عن حقيقتها وعن حقيقة‬

‫وظيفتها‪.‬‬

‫• مفاهيم المفاتيح في الموضوع‪:‬‬

‫‪ -‬الصّ ورة = تمثيل مرئي يُظهر واقعا ما يبدو حاضرا بواسطة هذا التمثيل رغم غيابة الفعلي‪ ،‬سواء تعل ّق الأمر‬

‫بصورة فني ّة أو فوتوغرافية أو رقمية‪" / .‬تظهر" شيئا=تبديه‪ ،‬تجعله باديا أمامنا‪ ،‬في متناول رؤيتنا ‪" /‬تفعل شيئا‬

‫آخر" = تفعل غير ما تعلن‪ ،‬تراوغنا ← في الظّاهر تفعل شيئا و الواقع تفعل شيئا آخر‪( .‬تحدّد المفاهيم سياقيا‬

‫ول كن بإمكان المترشّ ح الإستعانة بــ "المقال الفلسفي جذاذات للمراجعة"‪ ،‬التواصل والأنظمة الر ّمزية ‪ /‬الصّ ورة)‬

‫‪215‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫• مدى وجاهة السؤال‪:‬‬

‫‪ -‬المكاسب‪ :‬مغالطات الصّ ورة اليوم معاينة لا جدال فيها في التجنيد الإيديولوجي و الإشهار والد ّعاية السّياسية‪.‬‬

‫‪ -‬الحدود‪ :‬ول كنّ الصّ ورة بإمكانها أيضا أن تفضح مغالطات الإيديولوجيا والإشهار والد ّعاية السّياسي ّة‪ .‬وتعود‬

‫المسؤولية في ذلك إلى الإنسان الذي يستخدمها أكثر من كونها تعود إلى الصّ ورة في ح ّد ذاتها‪( .‬تحدّد المفاهيم‬

‫سياقي ّا ول كن بإمكان المترشّ ح الإستعانة بــ "المقال الفلسفي‪ ،‬جذاذات للمراجعة"‪ ،‬الت ّواصل والأنظمة الر ّمزي ّة ‪/‬‬

‫الصّ ورة)‪.‬‬

‫• المــــــــاــدّة المعرفي ّة‪:‬‬

‫ن عصرنا هو عصر الصّ ورة التي عو ّضت سلطتها شيئا سلطة الخطاب‬
‫بيّن رجيس ديبراي ‪ Régis Debray‬أ ّ‬

‫بفضل ثورة "الملتيميديا"‪ .‬فالصّ ورة تر ينا مباشرة الواقع ولا تجهد ذهننا في محاولة تخيّله مع ما يحتمله ذلك من‬

‫إمكانية الخطأ‪ ،‬ولا يقدر أيّ خطاب على تفنيدها بل تعو ّضها صورة أخرى‪ .‬ل كنّ هذه الصّ ورة تخفي عن ّا أيضا‬

‫الواقع‪" ،‬فما يرينا العالم هو ايضا ما يعمينا عن رؤيته ‪ /‬يبيّن غي دي بور ‪ Guy Debord‬في "تعليقات على‬

‫ن الصّ ورة تتنز ّل اليوم في إطار استراجيا هيمنة إقتصادية و سياسية تسب ّب الاغتراب للإنسان‬
‫مجتمعات الفرجة" أ ّ‬

‫القص و إعادة التركيب عالما‬


‫ّ‬ ‫المعاصر وتعزله عن الواقع إذ لا تعكس حقيقة الأشياء‪ ،‬بل تنتج بواسطة تقنيات‬

‫وهميا يقي ّد الإنسان المعاصر و يطو ّعه‪" :‬من منظور تقني‪ ،‬عندما تصبح الصّ ورة المهي ّئة والمختارة من قبل شخص‬

‫ن‬
‫آخر المحدّد الوحيد لعلاقة الفرد بالعالم بعد أن كان يراه بنفسه من أي ّة بقعة يقصدها‪ ،‬لا نجهل بطبيعة الحال أ ّ‬

‫ل شيء‪ ،‬إذ داخل الصّ ورة الواحدة يمكن أن نجاور دون تناقض بين أيّ‬
‫الصّ ورة عندئذ بإمكانها أن تستقبل ك ّ‬

‫من الأشياء"‪.‬‬

‫ل شيء‪.‬‬
‫بالصّ ورة على هذا الن ّحو يصبح بالإمكان تمرير ك ّ‬

‫التخطيط‬ ‫‪.II‬‬

‫‪ -1‬المقدّمة‪:‬‬
‫• تمهيد‪:‬‬

‫‪ -‬تناقض الصّ ور التي تمطرنا بها الفضائيات اليوم‪ ،‬حول الخبر الواحد‪ ،‬مدعاة للتساؤل عن حقيقتها و عن حقيقة‬

‫وظيفتها‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -‬طرح الإشكالية‪ :‬فما حقيقة الصّ ورة؟ هل هي وسيط من وسائط التواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟ و إذا سلّمنا‬

‫بأنّها أداة إخفاء و تضليل‪ ،‬فمن المسؤول عن ذلك و ضمن أي ّة شروط يمكنها أن تكون لصالح الإنسان وليس ضدّه؟‪.‬‬

‫‪ -2‬الجوهر‪:‬‬
‫• التحليل‪:‬‬

‫ن الصّ ورة كاذبة‪ ،‬تغالطنا‪ ،‬تظهر شيئا وتفعل شيئا آخر‪ .‬وذلك من خلال‪:‬‬
‫تحليل الموضوع القائل بأ ّ‬ ‫‪-‬‬

‫تحديد موجز للصّ ورة بما هي تمثيل مرئي للواقع يوحي بحضوره أمام أعيننا سواء أكانت فن ّي ّة أو فوتوغرافية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫ساكنة أو متحرّكة‪.‬‬

‫ن الصّ ورة على هذا النحو تنسينا حقيقتها كوسيط لتوهمنا بأنّها تضع الواقع مباشرة أمامنا‪ ،‬بل‬
‫بيان كيف أ ّ‬ ‫‪‬‬

‫ل ما نشكّ في مصداقي ّتها‪ :‬يمكن أن نكذّب ما‬


‫لتظهر لنا وكأنّها في الواقع‪ ،‬خاصّة وهي تتوجّه إلى العين التي ق ّ‬

‫نسمعه أو يقال لنا‪ ،‬ل كن ّنا لا نكذّب ما نراه‪.‬‬

‫←من هنا ثقتنا في الصّ ورة التي أصبح حضورها معمّما اليوم بفضل تطو ّر تقنيات الاتصال وثورة "الميديولوجيا"‪.‬‬

‫لقد استطاعت الصّ ورة اليوم أن تفتكّ من الخطاب تاجه كما يبيّن رجيس ديبراي‪ :‬ما تقنع به الصّ ورة لا يقدر‬

‫أيّ خطاب على تفنيده (انظر المادّة المعرفي ّة)‪.‬‬

‫ن الصّ ورة تحظى بثقة مسبقة لا ح ّد لها من قبلنا فباستطاعتها أن تغالطنا‪ ،‬وهي تغالطنا بالفعل اليوم نتيجة‬
‫‪ ‬لأ ّ‬

‫القص و إعادة التركيب‪ ،‬أن تظهر لنا شيئا نعتقد في‬


‫ّ‬ ‫لتطو ّر تقنيات مراقبتها‪ ،‬بما أن ّه باستطاعتها اليوم‪ ،‬عن طر يق‬

‫وجوده لأنّنا "نراه" بينما لا وجود له؛ كما بإمكانها أن ترينا شيئا يوجد‪ ،‬ول كن لا كما يوجد بالفعل‪ ،‬بل كما‬

‫تظهره هي بعد قص ّها و إعادة تركيبها‪.‬‬

‫← في الظّاهر تلعب الصّ ورة بكيفي ّة أمينة وظيفتها التواصلية‪ ،‬تعب ّر عن الواقع و تنقله إلينا بكيفي ّة أمينة‪ ،‬ول كنّها‬

‫في الحقيقة تغالطنا‪ ،‬لا ترينا إيّاه‪ ،‬بل تخفيه عن ّا أو تشو ّهه‪ ،‬تخفي عن ّا أيضا الواقع‪" ،‬فما يرينا العالم هو أيضا ما‬

‫يعمينا عن رؤيته" كما يقول رجيس ديبراي‪.‬‬

‫ن الصّ ورة تترت ّل اليوم في إطار‬


‫‪ ‬يبيّن غي دي بور ‪ Debord Guy‬في "تعليقات على مجتمعات الفرجة" أ ّ‬

‫استراجيا هيمنة إقتصادية و سياسية تسب ّب الاغتراب للإنسان المعاصر و تعزله عن الواقع إذ لا تعكس حقيقة‬

‫القص و إعادة التركيب عالما وهميا يقي ّد الإنسان المعاصر و يطو ّعه‪" :‬من منظور‬
‫ّ‬ ‫الأشياء‪ ،‬بل تنتج بواسطة تقنيات‬

‫و المختارة من قبل شخص آخر المحدّد الوحيد لعلاقة الفرد بالعالم بعد أن‬ ‫تقني‪ ،‬عندما تصبح الصّ ورة المهي ّئة‬

‫‪217‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫ل شيء‪،‬‬
‫ن الصّ ورة عندئذ بإمكانها أن تستقبل ك ّ‬
‫كان يداه بنفسه من أي ّة بقعة يقصدها‪ ،‬لا نجهل بطبيعة الحال أ ّ‬

‫إذ داخل الصّ ورة الواحدة يمكن أن نجاور دون تناقض بين أيّ من الأشياء"‪ .‬بالصّ ورة على هذا النحو يصبح‬

‫ل شيء‪.‬‬
‫بالإمكان تمرير ك ّ‬

‫← التخل ّص‪ :‬فإلى أيّ مدى ترينا الصّ ورة شيئا و تفعل شيئا آخر؟ إلى أيّ مدى تغالطنا؟ أليس بإمكانها أن‬

‫تكون أداة لفضح المغالطات لتضطلع وقتها بوظيفة تواصلية حقيقية؟‬

‫‪ -‬الن ّقاش‪:‬‬

‫‪ -‬المكاسب‪ :‬بإمكان الصّ ورة أن تكون أداة تضليل و مغاطة إذا ما أسيئ استخدامها في التجنيد الإيديولوجي‬

‫والإشهار و الد ّعاية السياسية‪.‬‬

‫‪ -‬الحدود‪ :‬و ل كنّها قد تصبح أيضا أداة لفضح المغالطات و تحقيق تواصل حقيقي‪ .‬فصورة واحدة يلتقطها‬

‫مصو ّر صحفي ويتمكّن من بثّها تستطيع أن تفضح وضعا إيديولوجيا ما أو إقتصاديا أو سياسيا و تساهم في‬

‫تغييره‪ .‬مثال ذلك ما يتعل ّق بتجاوزات الجيش الأمريكي في العراق‪ ،‬أو حادثة الد ّم الملو ّث في فرنسا‪ .‬مم ّا‬

‫يعني أن مسؤولية المغالطة لا تعود على الصّ ورة في ح ّد ذاتها‪ ،‬بل بكيفي ّة استخدامها‪ ،‬وهي إذن مثل الل ّغة‬

‫كالإله "جانوس" ذات وجهين‪ ،‬بإمكانها أن تكون خطيرة كما بإمكانها أن تكون ثمينة بالن ّسبة إلى الإنسان‪.‬‬

‫‪ -3‬الخــــاــتمة‪:‬‬
‫ن الصّ ورة بإمكانها أن تكون وسيطا ثمينا من وسائط التواصل‪ ،‬كما‬
‫تأسيسا على ما سبق نخلص إذن إلى أ ّ‬

‫ن مسؤولية ذلك لا تعود إلى الصّ ورة في ح ّد ذاتها بقدر ما تعود إلى الإنسان نفسه‪.‬‬
‫بإمكانها أن تفسده و أ ّ‬

‫‪218‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫الفهرس‬
‫‪1‬‬ ‫كثرة ……………… ‪…………………………………………………………………………………. ...........................‬‬ ‫مدخل عام لباب الإنساني بين الوحدة و ال‬

‫‪2‬‬ ‫تار ي خي …………………………… ‪………………………………..……………. ..........................‬‬ ‫نقل مشكل الإنساني من مستوى ميتافيز يقي إلى مستوى‬

‫‪ .I‬مستوى الموضوع ‪2 .................................... ............................ ............... ............... ............................................................................................................................. :‬‬

‫‪ .II‬مستوى المنهج ‪2 …… ............................……………… .................................. ............................................................................................................................. … :‬‬

‫‪ .III‬في مستوى المفاهيم ‪3 ....................... ........................... ...................................................... ........................................................................................................... :‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪.......................... ......................... . ............... ......................................... ....................................................................................... :‬‬ ‫‪ .IV‬في مستوى الغاية و الرهان‬

‫‪1‬‬ ‫‪.............. ..................................... ................. ............................................................................ ...............‬‬ ‫الانية و الغير ية علاقة الأنا بالآخر‪ :‬اتصال أم انفصال ؟‬

‫‪7‬‬ ‫‪............ ...... ................................. ................................. .......................‬‬ ‫‪ .I‬الوعي الم كتفي بذاته في فلسفة ديكارت و الجدل الذي يثيره في فهمنا لإني ّتنا ‪:‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪............ .......... ................................ ............................. ....................‬‬ ‫‪ . II‬النقد الكانطي للإنية اللامشروطة والمطلقة لدى ديكارت ورسم حدود الأنا ‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪................................................. ....... ......................................... ....................................................................... .........................‬‬ ‫‪ . III‬الترميم الفنمنولوجي للإني ّة المباشرة ‪:‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪.................... ................................. ...................................... ........................... .......................................‬‬ ‫‪ .IV‬الجينيالوجيا و تمز يق وحدة الوعي فريدر يك نيتشه ‪:‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪..... ................ .............................. ............‬‬ ‫‪ .V‬هي ﭬ ل مرّة أخرى أو هي ﭬ ل معاصرا‪ :‬الأنا و آخر هي ﭬ ل أو الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر‬

‫‪32‬‬ ‫‪............. ...................... .................... ................. ....................................................................................... .....................................................‬‬ ‫تلخيص لمسألة الإن ّية والغير ي ّة‬

‫‪33‬‬ ‫‪...... ............ .................................... ..................... ........................................................ ..................‬‬ ‫‪ .I‬في إثبات تعالي الإن ّية على الغير ي ّة ‪( :‬الانفصال والت ّقابل)‬

‫‪ -1‬الإن ّية بما هي نفس (اب ن سينا ‪ ،‬ديكارت) ‪33 ........ .............. .................. .... ........................ .................. ............................................................................. :‬‬

‫‪35‬‬ ‫‪............... ............. .......................................... .............................................................................. .......................................................................‬‬ ‫‪ . II‬في جدلي ّة الإن ّية والغير ي ّة‪:‬‬

‫‪ -1‬في محايثة ال ذ ّات ا لجسد أو ال ذ ّات المتجسّدة (مورلو بنتي)‪35 ................... ................ ........................... ........................ .................................... :‬‬

‫‪ -2‬في تار يخي ّة الذ ّات الواعية‪( :‬ماركس) ‪36 ........................................................... ......................................... ..........................................................‬‬

‫‪ -3‬في جدلي ّة الوعي واللا ّوعي‪( :‬فرو يد) ‪37 ......................................................... ............................................ ............................................................‬‬

‫‪38‬‬ ‫‪.................... .. ............................ ............................. ................. ....................................................................‬‬ ‫‪ -4‬من الذاتية إلى البيذاتية‪( :‬هي ﭭ ل)‬

‫‪41‬‬ ‫‪............. .. .................... .. .......... .......... ................................................................. ............................................................‬‬ ‫التواصل و الأنظمة الرمزية‬

‫‪42‬‬ ‫‪..................... .......................... ....................................... ................................‬‬ ‫الوضع المفارقاتي بين تنامي أدوات الإتصال و إنعدام التواصل‬

‫‪44‬‬ ‫‪.................... ..... .............................. .......................................................... .................................................................‬‬ ‫‪.I‬التواصل حاجة أم مطلب ؟‬

‫‪ .II‬الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل ‪47 .......................... ................... ................................................................... ..................... :‬‬

‫‪ -1‬الإنسان قدرة رمزية ‪47 ..................... ................................. ............................................................................................................... ....................... :‬‬

‫‪ -2‬تعــدد الأنظــم ة الــرمــز يـــة ‪50 .................. ............................... ................................................................... ........................................................ :‬‬

‫‪. III‬حـــدود الـــتــواصـــل الـــرمــــزي ‪67 ................... ............................... ..................................................... .......................................................‬‬

‫‪ -1‬الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــغــــة ‪67 ................................................... .... ................................................ .......................................‬‬

‫‪219‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -2‬الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــصورة ‪73 ........................ .................................. ............................. ............... ..........................................‬‬

‫‪78‬‬ ‫‪............................................... ....................... . ...................................... ............................‬‬ ‫خاتمة لمسألة التواصل والأنظمة الرمزية‬

‫‪79‬‬ ‫‪......... ......................... ........................ ............................................................. .............................................‬‬ ‫الخصوصي ّة و ال كوني ّة‬

‫واقع التنو ّع و مشكل الهو ي ّة أو إنقاذ ال كوني أم إنقاذ أنفسنا من ال كوني ؟ ‪80 ......... ................................................ ........................‬‬

‫‪ -1‬فعلا يجب أن ننقذ الكلي ّ‪80 ................................ ........................ ................................................... ............................................... :‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪............ .................. ....................... .................... ...........................................................‬‬ ‫‪ -2‬من الواجب أن ننقذ أنفسنا من الكلي ‪:‬‬

‫‪ .I‬في دلالة الخصـــوصية و في معاــني الهو يـــــــة ‪85 .................... ............................. ........ ................... .............................................‬‬

‫‪ -1‬دلالة الهو يــــة و شروط تحققـــها‪87 .............. ............................... ..................................... ......................................................... :‬‬

‫‪ -2‬في الاختلاف بين الـــذات و الأناــ‪88 ................... ............................ ................................................ ......................................... :‬‬

‫‪ -3‬أزمة الهو ية في واقعنا الراهن‪89 ...................... ........................ ............................................................ ........................................... :‬‬

‫‪ .II‬تــج دي ل العلاقة بين الخصوصية و ال كونية‪90 ................. ...................... ............................ .................................... ........................‬‬

‫تظافر الخصوصيات و الحاجة إلى ال كوني كأفق ‪90 ............... ....................... ........... ........................................ ....................................‬‬

‫‪ -1‬الحاجة إلى الأخر أو الأخر كأفق‪90 ............... ....................... ............... ........................................ ................................................ :‬‬

‫‪ -2‬في أشكال الاجتماع الإنساني‪91 ............ .......................... ................................................. ............................................................ :‬‬

‫‪ -3‬في كيفية تحقيق المدنية لرهانات البشر‪( :‬السعادة و الفضيلة) ‪91 .................................. ..................... ..................... .......................‬‬

‫صراع الخصوصيات و سبل التحرر منه ‪93 .................... .......................... ........................................................ ....................................‬‬

‫‪ -1‬في دلالة التعصب و إسهامه في صراع الخصوصيات‪94 ..................... ....................... ................................... ................................... :‬‬

‫‪ -2‬أسس و تعلات النظر إلى المغاير على أنه همجي‪95 ...................... ...................... ................. ..................................... ..................... :‬‬

‫مطلب ال كونية و شروط تحققه ‪97 ................... ........................ ....................................................... ....................................................‬‬

‫‪ -1‬في دلالات الثقافة و علاقتها بالهو ية‪98 .................... ................................................................................... .................................. :‬‬

‫‪ -2‬الاختلاف أساس الهو ية المركبة‪99 ....................... ........................ ...... ................................................ .......................................... :‬‬

‫‪ -3‬ضرورة التسلح بفكر مركب لفهم الهو ية المركبة‪100 ............. ........ ....................... ........................................... .............................. :‬‬

‫‪ .III‬مخاطر ا لخلط بين العالمي و ال كوني أو عنف العالمي ‪102 .................... ....................... ................. ................................ ...................‬‬

‫‪ .IV‬شروط التواصل الخلاق بين الثقافات ‪108 ..................... ....................... .... .......................................... .........................................‬‬

‫‪ -1‬في تقر يظ الإختلاف‪108 .................... ........................ ......................................................... ........................................................ :‬‬

‫‪110‬‬ ‫‪................... ...................... ............ ......................................... ........................................‬‬ ‫‪ -2‬في أن الإختلاف إسترات يجيا ال كوني‪:‬‬

‫‪112‬‬ ‫‪................. ...................... .......................... ................................... .........................‬‬ ‫‪ -3‬شروط التواصل الخلاق بين الخصوصيات‪:‬‬

‫‪ .V‬في الحاجة الأنطولوجية و الثقافية لل كوني ‪114 .................... ............... ....................................................................................‬‬

‫‪ -1‬أسس إقامة الحق ال كوني في الضيافة‪115 ............. ....................... ..................... ...................................... ...................................... :‬‬

‫‪220‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -2‬رهانات الدستور ال كوني‪117 ...................................... ....................... ......................... ......................... .......................................... :‬‬

‫‪ -3‬التأصل في الخصوصية أصل ال كونية‪119 ........................................ ............................ ................................. ................................. :‬‬

‫‪ .VI‬التسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق الإنسان و آصطدامها بالخصوصيات ‪121 .............................. ......................... .................. .............‬‬

‫الــخاــتــمـــة ‪ :‬الإنساني في مف ترق القيمة و الإستعمال و رهان التحرر ‪128 ................... ................ ..................... ............................‬‬

‫تلخيص لمسألة الخصوصي ّة وال كوني ّة ‪130 ................ ............. ....................... ............................... .........................................................‬‬

‫‪132‬‬ ‫‪................... ............. ........ .......... ........ ................. ..................................... ..........................‬‬ ‫‪ . I‬دلالة الخصوصي ّة‪( :‬إير يك فروم)‬

‫‪ . II‬تضافر الخصوصي ّات والحاجة إلى ال كوني كأفق‪ :‬الفارابي‪134 .................. ............ ............................ ............. .............................. :‬‬

‫‪ . III‬العلاقة بين الخصوصي ّة وال كوني ّة أو من الخصوصي ّة إلى الخصوصي ّات‪135 ................ ......... ................. ....................... ................ :‬‬

‫‪ -1‬صراع الخصوصي ّات وسبل التحر ّر منه‪ :‬مونتانيو‪135 ............. ................ ........................................ ................................................. :‬‬

‫‪136‬‬ ‫‪................. ...................... ............. ................................ .................................‬‬ ‫‪ -2‬مطلب ال كونية وشروط تحقيقه‪ :‬إدﭭ اــر موران‪:‬‬

‫‪ -3‬مخاطر الخلط بين العالمي وال كوني‪ :‬بودر يار‪138 ................. ....................... .............. .......................................... ............................. :‬‬

‫‪ -4‬شروط التواصل الخلا ّق بين الثقافات‪:‬كلود لفي ستراوس‪139 ............... ......................... ......................... ..................................... :‬‬

‫‪ -5‬الحاجة الأنطولوجي ّة والثقافية لل كوني‪:‬كانط‪141 ............... ....................... ................ ................................... .................................. :‬‬

‫‪ -6‬التسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق الإنسان‪ :‬راولز ‪ +‬هابرماس‪142 ............... ....................... .................................. .......................... :‬‬

‫‪144‬‬ ‫‪..... ... ...... .... ............... ............................ ............................................ .................................‬‬ ‫النص الفلسفي‬
‫ّ‬ ‫كيفي ّة الإشتغال على‬

‫النص الفلسفي ‪145 ............. ........................ ......................................................... .........................................................‬‬


‫ّ‬ ‫منهجية تحليل‬

‫‪148‬‬ ‫‪......... ........ ................ ......................................... ... ........................................... ......................‬‬ ‫النص الفلسفي‬
‫ّ‬ ‫أساليب الحجاج في‬

‫‪ .1‬الإستنتاج بالقياس ‪148 .......... ......................... ................ .................................................................... ......................................... :‬‬

‫‪ .2‬الإستنتاج التأليفي ‪148 .......... ............................... .............................................................................................. .......................... :‬‬

‫‪ .3‬الإستنتاج التحليلي ‪ :‬الإستنتاج بالتراجع ‪149 ................ ....................... ..................................................................... .................... :‬‬

‫‪ .4‬برهان الخلف‪149 ......... ........................... .................................................................................. .................................................... :‬‬

‫‪ .5‬برهان التقسيم‪149 ............ ......................... .......... ................................................. ......................................................................... :‬‬

‫‪ .6‬الإستقراء‪150 ................................ ............ ....................................................... ............................................................................ :‬‬

‫‪ .7‬حجة المماثلة‪150 .................................... ............................................. ............................................................................................ :‬‬

‫‪ .8‬حجة المقارنة‪150 ............ ......................... .......... .................................................................... .......................................................... :‬‬

‫‪ .9‬حجة المثال‪150 ............ ......................... .................. ................................................................................................ ........................ :‬‬

‫كيفي ّة الإشتغال على المواضيع ‪151 ........... .................. ....................................... ..................................................... ............................‬‬

‫صيغ المواضيع ‪152 ........... ......................... ........ ............................................................. ..................................................... ................‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪. ........ ........................ ................................................... .................................................. .............................‬‬ ‫‪ .1‬صيغة إستفهامي ّة ‪:‬‬

‫‪221‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪.2‬صيغة ‪ :2‬أمي ّة ‪ :‬هل ‪ 1‬أم ّ ‪152 ........................................ ..................... ....................... .................. .................................... :2 .....‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪........... ........................... ...................... ....................................... .......................................‬‬ ‫‪ .3‬صيغة إستفهامي ّة‪ :‬إذا ‪ ...‬هل ‪:...‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪............... ....................... ............................... .......................................... ....................................‬‬ ‫‪ .4‬صيغة إستفهامي ّة‪ :‬بأيّ معنى‪:‬‬

‫‪ .5‬صيغة قولة‪ :‬قيل‪153 ............. ........................ ................................................................ ................................................................. :‬‬

‫‪ .6‬صيغة نفي و إثبات ‪ :‬ليس ‪ /‬لا ‪ ...‬بل و إن ّما‪153 ...................... ...................... ................................. ........................................... :‬‬

‫‪ .7‬صيغة الإختزال و الشرط ‪ :‬صيغة شرطي ّة وحصر ي ّة‪153 ............................. ............ ................................ ...................................... :‬‬

‫‪ .8‬صيغة رفض الشرط والإختزال‪153 ......................... .............................. ........................................... ............................................ :‬‬

‫‪154‬‬ ‫‪..... ..................... ......................... ............................................. .....................‬‬ ‫‪ .9‬صيغة التناسب أو الموازنة ‪ :‬بقدر ما – بقدر ما‪:‬‬

‫تطبيقات منهجي ّة في مسألة الإنية و الغير ي ّة‪156 .......... ......... ............. ................ ................ ............. ............................ ........................ :‬‬

‫الموضوع الإنشائي في صيغة سؤال ‪157 .............. ..................... ..................... ........ .................... ............................................................ :‬‬

‫الموضوع ‪158 ..... ........................................... ......................................................................................................................... :1‬‬

‫‪.I‬الموضوع في قالب سؤال‪158 ........................... ................................................................ ................................................... ............ :‬‬

‫‪. II‬الموضوع في قالب أطروحة‪158 ....................... .............................. ........................................... ...................................................... :‬‬

‫‪ .I‬اللّحظة الأولى‪ :‬على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ ‪159 ............................. ............ .......................................... ............................. :‬‬

‫‪ -1‬تحديدات دلالية‪159 .......... ......................... ......... ............................................... .......................................................................... :‬‬

‫‪ -2‬مستو يات الإيتيقا‪159 ................ ........................ ............................................................................. ............................................. :‬‬

‫‪ -3‬شروط الإستيفاء‪159 ................ ........................ ................................................................. ........................................................... :‬‬

‫‪ . II‬اللحظة الثانية‪ :‬بيان حدود قدرة أنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بـــ ‪160 .................... .................... ........ ...................... :‬‬

‫‪ . III‬اللحظة الثالثة‪ :‬في إعادة تأسيس معنى الذات وسبل إستيفائها‪160 ............ ............... ..................... .......... ..................................... :‬‬

‫‪ -1‬إعادة تأسيس مدلول الذات‪160 ........... ............ ........................ ............................................................................. ...................... :‬‬

‫‪ -2‬السبل الممكنة للتفكير فيها‪160 .................. ............................................................................................... .................................... :‬‬

‫إصلاح موضوع في مسألة الإني ّة والغير ي ّة ‪162 .......... .......................... ........................................................ ........................................‬‬

‫الموضوع ‪162 ................ .................................... ................................................................................................................... : 2‬‬

‫‪162‬‬ ‫‪........ ........................ .................................... ............................................... ...............................................‬‬ ‫‪.I‬العمل على المسو دّة‪:‬‬

‫‪162‬‬ ‫‪........................... ........................ .................. ................................................... ..................................‬‬ ‫‪ -1‬النظر في صيغة المسودة‪:‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة‪162 ............................ ...................................................................... ............................................................. :‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم سياقي ّا وموضوعي ّا‪163 ............................ .......... ....................................................... ................................................ :‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪164 ............ ........................ ......................... .............................................................. ........................................ :‬‬

‫‪. II‬العمل على ورقة الإمتحان‪164 ............................ ............................. ....................................................... ...................................... :‬‬

‫‪222‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫إصلاح موضوع في مسألة الإني ّة والغير ي ّة ‪167 ................................. ....................... ................................................... ..........................‬‬

‫الموضوع ‪167 ........................... ....................... ......................... .......................................... ............................................................ : 3‬‬

‫النص ‪170 ................ ........................... ....... ....................... ..................................................‬‬


‫ّ‬ ‫تدر يب منهجي على كيفي ّة الاشتغال على‬

‫نص في مسألة الإن ّية والغير ي ّة لنيتشه من العلم الم َرِح ‪170 .............................................. .............. ..................... .....................‬‬
‫إصلاح ّ‬

‫‪175‬‬ ‫‪............................. ...................... .. .......................... ........ ........... ...................‬‬ ‫تطبيقات منهجي ّة في مسألة الخصوصية و ال كونية‬

‫تدر يب على موضوع السؤال ‪176 ...................................... ........................................ ............... .............. ...............................................‬‬

‫الموضوع ‪177 ................................. ................................................................... ........................................................................ : 1‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪177 ................. ................................... ........................ ............................ .................................................. :‬‬

‫‪2-‬النظر في البنية المنطقية‪177 .................................................... .................................................... ................................................... :‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪177 ............................ ..................... .................................................. ...................................................................... :‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪180 ............... ......................... ........ ............................................................ ....................................................... :‬‬

‫‪180‬‬ ‫‪........... ......................... ....................................... ................................................................. ......................................‬‬ ‫‪ .I‬المق دّمة‪:‬‬

‫تدر يب على موضوع السؤال ‪185 ............ ................................. .................................... ........................................................................‬‬

‫الموضوع ‪185 ..... ...................................................................................................... ................ .............................................. :2‬‬

‫‪185‬‬ ‫‪........................................ ................................................. ....................... ..... ....................................‬‬ ‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪:‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقية للموضوع‪185 ................. ............................................. ................................ ......................... .......................... :‬‬

‫‪186‬‬ ‫‪.............................. ....................................... ........................ .......... .................................................................‬‬ ‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬

‫‪189‬‬ ‫‪............................................. ....................... . ................................................. ............................................‬‬ ‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪:‬‬

‫‪190‬‬ ‫‪..................................... ....................... ........... .......................................... .................................‬‬ ‫إصلاح موضوع في صيغة سؤال‬

‫الموضوع ‪190 .................... ............... ................................................................................................................................... : 1‬‬

‫‪ .I‬العمل الت ّحضيري‪190 ........................ .......... ................................................ .................................................................................. :‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪190 .................. ........................ .............. ..................................................... ........................................... .:‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة للموضوع (الأفك ار والعلاقات)‪190 .............................. ............................................ ................................... :‬‬

‫‪191‬‬ ‫‪............................... .................................................. ........................ .................. .............................................‬‬ ‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪:‬‬

‫‪192‬‬ ‫‪...... .................................................................. ....... ........... ............. ...........................................................‬‬ ‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪:‬‬

‫‪ .II‬العمل على ورقة الامتحان‪193 ............... .................................... ........................ ...................... ..................................................... :‬‬

‫إصلاح موضوع في صيغة إقرار أو قول يقوم على موازنة في مسألة‪ :‬الخصوصي ّة وال كونية‪197 ............. .............. .......................... ......:‬‬

‫الموضوع ‪197 ......................... ................ ............................................................................................................................... : 1‬‬

‫‪ .I‬العمل الت ّحضيري‪197 ................. ......................... ..................................................... ..................................................................... :‬‬

‫‪223‬‬
‫الأستاــذ ‪ :‬صابــــر بوزايدة‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪197 ............. ................. .......................... ................................ ................................................................... :‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقي ّة‪( :‬الأفكار والعلاقات) ‪197 ................ ............. ....................... ............................ ............................................‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪198 ......................... .................. ........ ................................................ ...................................................................... :‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعي ّات‪198 .......................... ......................... ................................................................ ................................................ :‬‬

‫‪ .II‬العمل على ورقة الامتحان‪199 ................... ........................ ...... ................................................................... .................................. :‬‬

‫‪ -1‬لحظة تحليلية أولى‪199 ................ ........................ ......... .............................................................................................. .................... :‬‬

‫‪ -2‬لحظة تحليلية ثانية‪200 ............... ............ ............ ..................................................... ....................................................................... :‬‬

‫تطبيقات منهجي ّة في مسألة التواصل و الأنظمة الرمزي ّة ‪203 ................ ....................................... ............................. ..........................‬‬

‫تدر يب على موضوع السؤال ‪204 ...................... ................... ................ ................................................... ..............................................‬‬

‫الموضوع ‪205 ................................ ........................................................................................................................................ : 1‬‬

‫‪.I‬العمل على المسودة‪205 ............... .......... .................... .......... ...................... ........................................ .............................................. :‬‬

‫‪ -1‬النظر في صيغة الموضوع‪205 ............... ......................... ........... .............................................................. ......................................... :‬‬

‫‪ -2‬تحديد البنية المنطقية‪205 ................ ......................... .................................................................................... .................................. :‬‬

‫‪ -3‬تحديد المفاهيم‪205 ................... .......................... ......................... ................................................. ............................................. ......:‬‬

‫‪ -4‬تحديد المرجعيات‪207 .......... ............................... ................................................................ ........................................................... :‬‬

‫‪. II‬العمل على ورقة الامتحان‪208 .............. ......................... .................................................. ............................................................. :‬‬

‫إصلاح موضوع في التواصل و الأنظمة الر ّمزي ّة ‪215 ................ ........ ............... .................................. ...................................................‬‬

‫الموضوع ‪215 .................... ................ ..................................................................................................................................... :2‬‬

‫‪.I‬العمل التحضيري‪215 ............. ......................... ...................................... ............................................... .......................................... :‬‬

‫‪ .II‬التخطيط ‪216 ............. .......................... .......................................................... ...............................................................................‬‬

‫‪224‬‬

You might also like