Professional Documents
Culture Documents
كتاب الفلسفة
كتاب الفلسفة
يثير مبحث الإنية و الغير ية و التواصل و الأنظمة الرمزية و الخصوصية و ال كونية إشكالا يتمثل في نقل
التساؤل الفلسفي من المقاربة الميتافيز يقية الباحثة على الماهية و المؤسسة على الثبات و الوحدة إلى المقاربة
التار يخية القا ئمة على إنفراط المعنى و على فهم الوضعية الإنسانية بوصفها كثرة و تنوعا ،إذ يستدعي الأمر تغيرا
في مستوى موضوع التفلسف و منهج التفكير و المفاهيم المعتمدة و الرهانات و الانتظارات المراد بلوغها
مسبقة مما لا يثير إشكالا و كأن الإنسان واحد و يتمثل فعل التفلسف في البحث عن السبل المؤدية لإجلاء
ماهيته و جوهره مما جعل ال كوني هو ما ننطلق منه و ليس ما نصل إليه في حين مبحث التواصل و الأنظمة
الرمزية و مشكل الخصوصية و ال كونية يجري على صمت وهو الإقرار بأن موضوع التفلسف لم يعد ينظر للإنسان
كماهية بل كموضوع تار يخي و كوضع متغير وأن الطبيعة الإنسانية هي ما يتغذى بفضل الاكتساب و بفعل
الثقافة مما يثير إشكال البحث عن تعدد الأنظمة و اختلاف الرموز و تنامي الخصوصيات في كوني واحد و مما
يسلم بأن ال كوني هو ما نصل إليه و ما ننشده و أن الإختلاف و الخصوصية هو ما ننطلق منه كحد أدنى مشترك
لا يعدو الأمر أن يكون سوى تخليا و انز ياحا من تصور ميتافيز يقي للذات الإنسانية إلى تصور تار يخي للبيذاتي
2
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لقد تم الإغضاء عن المنهج التأسيسي كإدعاء لم تستطيع الفلسفة أن تفي به حتى اليوم وهو منهج يحيل إلى
مستوى ميتافيز يقي ثابت و موحد يبحث في الماهية في حين أن الإنسان ليس له ماهية فهو موجود مشروط
بتطوراته اللاحقة لوجوده يتحدد و تتشكل ملامحه داخل فضاء عمومي يحوله من معطى منحوت إلى واقع منشئ
فهو بناء يرتهن إلى أشكال وجود في العالم وإلى رموز تطبع نمط وجوده و مشدود إلى خصوصية يعيش فيها
و متطلع إلى كوني يحيا فيه و يدفعه هذا الحب إلى ال كوني أو هذا الميل إلى مراجعة تصوراته لذاته و لعالمه
و لغيره ولإنتاجاته و أول دلالات هذه المراجعة هو ما حصل في فهمنا للفلسفة ذاتها إذ تكف الفلسفة اليوم
عن كونها حبا للحكمة و تعزف عن كونها بلوغا لأرقى درجات ال كمال النظري و العملي و تزهد في كونها طلب
الحقيقة بقدر الطاقة الإنسانية لتصبح حكمة للحب واقعة تحت إلحاح الآخر إذ وجه الغير يطالبني بالموافقة إلى
غيريته و يناشدني الدخول معه في علاقة إيتيقية تتجاوز بعد الاستعمال نحو حضور صلب إثنينية تشرع لظهور
الإنسان الثالث أو الحد الثالث وفق تعبير ليفيناس فأخرج من مسؤولية تحملني على الأنانية و تتدبر بقائي
و المحبة المرتبطة و سعادتي نحو أفق أوسع يحملني مسؤولية إزاء المحبوب و المرغوب و أدرك خلالها أن الرغبة
بما هو استتيقي تحتاج إلى تجاوز نحو أفق أرحب هو أفق الحق و الذي يحملني مسؤلية إزاء الإنسانية جمعاء عندها
يعانق الإنسان وجها إيتيقيا للآخر لم يعد دالا على غير ية بل على الإنسانية كوجه مشترك للأنا و الغير.
لقد تحولت الفلسفة بمفعول تبنيها لمنهج تار يخي في تأو يل الإنساني إلى حكمة الحب بما تعنيه من تسامح و تواشج
و بما تعنيه أيضا من تحكم مما يسوغ لتعر يف للفلسفة كحب للتحكم و رغبة في السيطرة طالما أن ال كوني يسقط في
تشابه خادع مع العولمي يحملنا على التظنن إزاءكونيته و يدفعنا إلى الابتهاج بحكمة الحب و الحذر من حب التحكم.
مفهومية متناقضة أولها التناقض بين الإنسان و الإنساني و الياء هنا تفهم في معنين ،تفهم بوصفها ياء المل كية
فتسائل عن قدرة الإنسان على امتلاك رموزه و قدرتها على امتلاكه أي تخبر عن أسهامها في إنشاءه كإنسان
و استحالتها إلى سيد عليه بفعل التوظيف و الإستعمال الأداتي للصورة و للغة وهو ما يعلن عن دلالتين للأنظمة
الرمزية :دلالة للنظام بوصفه تجاوزا للفوضى و دلالة للنظام بوصفه قهرا و إكراه.
3
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
نلحظ تناقضا حاد ينشد انسجاما بين زوج مفهومي أخر هو الوحدة و ال كثرة أي وحدة الثقافات و تنوع أشكال
التعابير عن هذه الوحدة .وهو ما يشرع للمحافظة على الخصوصية و الإعتزاز بالإنتماء ل كن دون عزوف عن
طلب المغاير و التطلع إلى إيجاد أفق كوني مفيد حضار يا و سياسيا و أخلاقيا.
إن مثل هذه الأزواج المفهومية و غيرها تقوم على وجود" بين" وهو ما يؤكد جدة تعلن عن تنصيص صريح على
البينية وترفع التفلسف إلى مستوى تأو يلي لفهم الإنسان و العدول عن تفسير ما الإنسان .لأن صيغة "ما" تتعلق
بالماهية .و صيغة "ما" الواردة في السؤال الميتافيز يقي عن الإنسان (ما الإنسان ؟) تضع مسافة بين السائل "نحن"
و المسؤول عنه "الإنسان " وهي تصمت عن النظر إلى الإنسانية كمصدر في حين أن الإنسانية فعل متكثر في
من الواجب إذن الاستغناء عن صيغة "ما" الإنسان ؟ و استبدالها بصيغة أكثر تلاؤم وهي "من" هو الإنسان ؟
و من صيغة تبحث في صفة مخصوصة تسم الإنسان .و في نظام محدد يكون فيه الإنسان و تتعلق بفرادة و ترفض
المطلق وهي صيغة تنظر للإنسان كظاهرة تار يخية أو هو حدث و وضعية يجلي معنى و يحتكم إلى قيم ثقافية
في الوسائل و الأدوات و الانعتاق من عنف العالمي و إنقاذ أنفسنا وهويتنا من المسخ و الدمج فإذا كنا نتفلسف
فلأننا نكابد حياتنا باعتبارها حياة مغتربة ،بتعبير نكولا قريمالدي إذ يجد التفكير منطلقا و قادحا له في هذا
التساؤل:
إن الإنسانية تعني الحر ية و في تخلي الفرد عن حريته تخل عن صفته كإنسان ،أي أن الرهان هو إنشاء تواصل
قوامه الوعي بتحقيق أعمق و أثرى لإمكانات الفعل و الممارسة أي تحقيق استقلالية الفكر عن عوائقه الداخلية
المتمثلة في التعصب و محاكمة المختلف إستنادا إلى عوائدنا ،و استقلاليته عن عوائقه الخارجية المتمثلة في الهيمنة.
كما أن الغاية هي الفعل الحر كفعل يتجاوز التمييز الإجتماعي و يتحرر من أشكال التوظيف السياسي للرموز
4
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
← يروم البحث في مشكل التواصل و في الخصوصية و ال كونية الوعي بالإطار الأكثر ملائمة من أجل
تفتح عميق للإنسانيتنا و نبذ الاعتقاد بأن أدواتنا و مؤسساتنا قد خققت ما ننشده من كمال و التفطين إلى تحول
العلم إلى أسطورة و انحراف الثقافة الجماهر ية و إعلانها عن موت الثقافة و التنبيه إلى التشر يط الخفي للفكر
و المؤدي إلى ريبية فكر ية .و لفت الانتباه إلى تحول الحر ية إلى سلوك نمطي و بقاء ال كوني في مستوى نظري
و عدم القدرة على تجسيمه في واقع محكوم بالعنف و الحرب .واقع يقف في مفترق طرق و يبحث عن إجابتيــن:
إجابة متشائمة :تجعل الاغتراب في الاتصال قدرا لا يمكن تجاوزه و ترى الاغتراب مدونة أزلية للإنسان. •
إجابة متفائلة :تراهن على الحوار بين الخصوصيات و تعتبر تعطيل التواصل نتاج أوضاع تار يخية يستطيع الإنسان •
التحرر منها بفكره و بفعله و تنشد نطاقا يلتقي فيه الإنسان بالإنسان دون التضحية برموزه و دون التفويت في
5
لنبة و الغثرنة اإ
لخر:لنا نا إ
علإقة ا إ
اتصال ام انفصال ؟
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الوعي الم كتفي بذاته في فلسفة ديكارت و الجدل الذي يثيره في فهمنا لإني ّتنا : .I
إذا سلمنا مع ليون برانشفيك بأن «التيار الفلسفي يأتي متأخرا عن التيار العلمي»
فإنَ فلسفة ديكارت هي الوريث الشرعي ل كشوفات قاليلي .لقد رفع قاليلي التناقض القديم
بين الحركة والسكون حين اعتبر أن الجسم سواء كان متحركا أو ساكنا فذلك لا يزيد ولا ينقص شيئا من
جوهريته ،إنه لأول مرة تواجد موازاة بين المتحر َك والساكن وتصبح الحركة حالة من حالات الجسم مثلها
مثل السكون تماماِ .إ ْن ﭬاــليلي سيضع الأجسام في فضاء متجانس .إن ما قام به ﭬاــليلي في الطبيعة سيعمّمه
ديكارت على الانسان .إذ الانسان بدوره سيوضع في فضاء متماثل .ل كن ما الذي يجعل الأفراد متماثلين ؟
وهذه المساواة في العقل ستؤدي إلى المطالبة بمساواة في الحقوق ،وذلك ما يعنيه فوكو حين يقول « :إن الانسان
إكتشاف جديد في العصر الحديث» .وذلك يعني بزوغ مقولة الذات الفاعلة كحدث في الفلسفة .فكيف تتجلى
هذه الذات داخل الديكارتية ؟ إن ديكارت سيحول الوعي من وعي بالعالم إلى وعي منفصل عن العالم .إن
الذات الديكارتية نشيطة وفاعلة .فديكارت يقر يأن الوعي لا يتحدد بمواضيعه بل أن موضوع الوعي وماهيته شي
واحد ،انه وعي مكتف بذاته ,لا يستجدي الطبيعة ولا يلاحقها ،إنه وعي يتعالى على المواضيع بل يحتقر الطبيعة
ويدير حواسه عنها .يقول ديكارت في بداية التأمل الثالث« 1أغمض الآن عيني وأصم أذني وأدير حواسي عما
حولي» .
إن الطبيعة مع ديكارت أصبحت خرساء بكماء .لا حكمة فيها مما يستدعي الإعلاء من شأن الذات والحط من
شأن الطبيعة وفرض الهيمنة عليها «هدفي أن أجعل الإنسان سي ّدا ومالكا للطبيعة» .إن فكرة السيادة والغزو هذه
دلالة على أن الوعي قد ترشّد مع ديكارت وأصبح قائما بذاته لا يحتاج إلى غيره .فال كوجيتو الديكارتي يتنك ّر ُ
ل ما هو دونه مم ّا دفع بديكارت الى التّمييز بين الجوهر المفك ّر والجوهر الممتد والجوهر المفك ّر هو الانسان
إلى ك ّ
1
Descartes. Réne. Discours de la méthode suivi des méditations – U.G.E. 1951 – Paris P. 193.
7
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إن هذا الفصل بين الجوهرين يفقد الطبيعة سحرها ويُسمي من قيمة الذات وهو يضع مسافة شاسعه بين الذات
والعالم ،و يعتبر أن الذات تكر ِه العالم على الامتثال لارادتها ،فالمادة خاضعة لسيطرة الفكر ،إن هذا الفصل هو
بمثابة ال كسر «للحلف التلقائي» الذي كان قائما بين الانسان والطبيعة يتعيير بر يجوجين .ل كن هل الأنا الديكارتية
أنا فردية ؟
إن الآنا الديكارتية ليست الأنا الفردية الشخصية .فالذ ّات كما يتمثّلها ديكارت ليست ذاتا سفسطائية بل هي
ذات كل إنسان ،إنها أنا كونية كما أنّها أنا عاقلة وليست أنا حسي ّة لذلك عمد ديكارت إلى إقصاء الحواس في
عملية المعرفة ,ولذلك أيضا يعتبر ديكارت أن العقل متماثل لدى كل الناس .إننا نمر ّ مع ديكارت من فضاء
هرمي متراتب إلى فضاء متجانس .وأما الاختلاف بين البشر فمرده طر يقة الاستعمال إذ أن كل البشر يمتل كون
نفس العقل ول كن الفرق يتعل ّق باستغلال هذا العقل ,فالمهم ليس أن غمتلك عقلا بل الأهم هو أن نحسن
استعماله.
ن مكبوت الديكارتية هو المساواة بين البشر ،هو الديمقراطية ما دام العقل موزعا بالتساوي .ومكبوت الديكارتية
إ ّ
كذلك الهيمنة اذ يتحتم غزو من لا يحسن استغلال عقله .فالديكارتية تخفي نزعة استعمار ية ورغبة في التوحيد
وإنكار الاختلاف وبهذا المعنى تكون الديكارتية فلسفة الوحدة بمعنى وحدة ال كوجيتو أي الوعي ووحدة الثقافة
و إنكار لل كثرة.
يفترض ديكارت أنَ الذات لا تكون واعية إلا متى انفصلت عن الأشياء ،فال كوجيتو الديكارتي لا حامل له،
هو وعي مباشر بتعبير كانط وهو كوجيتو يفعل عن بعد لذلك يحتاج إلى من يُؤَمّ ِن فعله و يضمن قوله وهو الل ّه،
فالوعي داخل الفلسفة الديكارتية يهرب من الطبيعة ليستند إلى الل ّه فالل ّه هو الضامن لما ينتجه ال كوجيتو من
حقائق.
ن ال كوجيتو الديكارتي متعفف وكل متعفف يحتاج إلى وسيط وقد اختار
احتمت بغيرها ،يجب الإقرار بأ ّ
ديكارت وساطة هي الل ّه .فالل ّه هو الضامن للمطابقة بين ما أقول وما عليه الواقع .إن مسألة الوعي مع كانط
ستتنز ّل داخل إطار تجريبي في حين أن ديكارت ينز ّل الوعي داخل إطار عقلي بحت فالذات تباشر نفسها
وتمارس رقابه على ذاتها إذ لا رقيب عليها .ل كن كيف توصل ديكارت إلى اكتشاف ال كوجيتو ؟
8
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
توصّل ديكارت إلى اكتشافه بطر يقة حدسية ،ل كن ليس با معنى الصوفي ولا بالمعنى الكانطي للحدس الذي يقر
بوجود مقولات فطر ية في الدماغ .إن الحدس الديكارتي هو حدس العلماء الذين يضعون الفكرة ليجدوها في
كما نلاحظ أيضا أن الطفولة ليست زمن وعي بل هي زمن الضياع والخطأ «تعلمت أشياء منذ نعومة اظافري
على أنها صحيحة تبين لي فيما بعد أنها خاطئة» . 2لذلك يسكت ديكارت طفولت ّه و يقطع مع الطفولة بمعنييها
الفردي والإنساني ،لأن الطفولة مرحلة تلق في حين أن هدف ديكارت هو الفعل .فالذات الديكارتية هي
ذات مشرّعة معرفيا واجتماعيا وبهذا المعنى يكون الوعي عند ديكارت تجربة بمعنى إمكانية وقدرة على الفعل.
يتبيّن إذن أن الأنا الديكارتي مباشر مستقل مكتف بذاته وأجوف وهو وعي منتج .كما أن الأنا الديكارتية
تساوي أنا (أنا = أنا) إذ لا يوجد وسيط بين الذات وذاتها .
إن العلاقة بين الذات والموضوع في فلسفة ديكارت ليست علاقة اختلافية أي أن الذات لا تعي موضوعا مختلفا
عنها بل هي علاقة مماهاة كلي ّة ،أي أن الذات تجعل من نفسها موضوعا فالذات تعي ذاتها ،أي أن الوعي هو
وعي بالوعي لا بالأشياء أو المواضيع الخارجة عن الذات والمنتصبة أمامها .إن ال كوجيتو الديكارتي يرتد ٌ إلى ذاته
«عدٌ إلى نفسك إن داخلك تكمن الحقيقة» وهو كوجيتو مُم ْتَل ِئ بموضوعه ومنغلق على نفسه وليس منفتحا على
العالم الخارجي ،فهو ليس فارغا من كل محتوى وجوهر وذلك ما جعل سارتر يعتبر أن الوعي إذا انغلق على
نفسه وارتد إلى ذاته إنعدم ِإن إعدام الوعي كما عب ّر عن ذلك سارتر هو الذي تفطنت اليه الفلسفة الكانطية .فمع
كانط سيفرع ال كوجيتو من كل محتوى وجوهر ،سيصبح الوعي أداة وظيفية لتنظيم وتوحيد موضوعات
الحدوس الحسية.
فالأنا أفكر الكانطية لا تعي ذاتها بجعلها من ذاتها موضوعا لنفسها كما أقر ذلك ديكارت ،بل إنها تعي ذاتها
ووجودها بتوحيدها لشتات المعرفة الحسية عبر مقولات فارغة نجد محتو ياتها في موضوعات العالم الخارجي ،ل كن
هذه العلاقة بين الذات والموضوعات التي يضعها كانط وإن مثّلت تجديدا في تاريخ ال كوجيتو فإنها لا تمثل
تقو يضا له .إن هذه العلاقة بسيطة ،خالية من كل معنى ودلالة وذلك ما سيكون موضوع جدّة الفلسفة
الهوسرلية .إن العلاقة ببن الذات والموضوع في فلسفة هوسرل هي علاقة حافلة بالمعنى والدلالات أي هي علاقة
قصدية حيث تجد الذات في الموضوع ما يجعلها تقصده وتنجذاب إليه .
2
Descartes. Réne. Discours de la méthode suivi des méditations – U.G.E. 1951 – Paris.
9
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
النقد الكانطي للإنية اللامشروطة والمطلقة لدى ديكارت ورسم حدود الأنا : .II
إن الوعي الديكارتي مطلق بمعنى أن له القدرة على النفاذ إلى جوهر الأشياء ومعرفة
أنطلوجية الوجود الواقعي فهو لا يرسم حدودا لما يمكن معرفته وما لا يمكن معرفته ،فالوعي
الديكارتي وعي يعي المسائل الميتافيز يقية كوجود الل ّه وخلود النفس ولانهائية العالم أي أنه
وعي بعلم اللاهوت العقلي وبعلم النفس النظري وبعلم ال كون وهذا ما سيعيبه عليه كانط،
فمع كانط ستصيح للوعي حدود .وحين يجعل كانط للوعي حدودا فذلك يعني أنه يقيم حدا فاصلا بين المناطق
التي يمكن أن يشتغل فيها الوعي وهي موضوعات الحدوس الحسية وبين مناطق إذا دخلها الوعي تاه في بيداء
الوهم والضلال وهي المسائل الميتافيز يقية والتي هي ليست موضوع وعي بل هي موضوع إيمان.
ل كن رغم نقده لديكارت تلتقي الذات الكانطية مع الذات الديكارتية في كونها ذاتا مشرعة ٌ :إن الذات الكانطية
ذات م ُش َرع َة ٌ على مستوى معرفي حيث يكون الأنا أفك ّر هو الذي يجعل من حكم الإدراك لموضوعات العالم
الخارجي حكم تجربة ،أي أن الترتيب المنطقي لموضوعات العالم الخارجي يخضع للترتيب المنطقي للذات العالم ّة
وهي ذات مشِرّعة على مستوى الأخلاق بما أن الانسان الكانطي ليس كائن رغبة بل هو كائن عقل يشرع
لوجوده الأخلاقي عن طر يق الاستقلالية الذاتية .إن ّهكائن يخضع للأوامر العقلية غير المشروطة برغبات وميولات
مستوى الظاهر ومستوى الشيء في ذاته ،والانسان في ما يتعل ّق بوجوده الظاهر خاضع للتجربة ،إن ّه انطلاقا من
التّمييز بين الظواهر والأشياء في ذاتها يمكن أن نرسم الحدود الفيز يولوجية للوعي ،إن الوعي ليس مطلقا فهو لا
يقدر على النفاذ إلى جوهر الأشياء لذلك فالوعي له حدود إذ الانسان محدد في مستواه البيولوجي ،إلا أن
الانسان كائن متعال يسمو فوق مستواه البيولوجي عبر التجربة الأخلاقية ،فالوعي محدود فيز يولوجيا ل كنه يتجاوز
هكذا يتوصل كانط إلى رسم الحدود الفيز يولوجية للوعي وإلى اعتبار الوعي الديكارتي بسيطا ومطلقا .فال كوجيتو
ن بين
إذ أقحم كانط وسيطا بين الذات وذاتها ،فالوعي لم يعد مرتدا على نفسه ولم تعد «الأنا» تساوي «أنا» بل إ ّ
10
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الذات وذاتها يوجد وسيط هو الزمان والمكان ،وهكذا يصلح كانط ال كوجيتو الديكارتي ففي حين كان الوعي
الديكارتي ضعيفا يحتاج إلى الل ّه ليضمن صدق معارفه يترشد الوعي مع كانط و يصبح في غنى عن الل ّه ،فالضامن
لصدق المعرفة ليس الل ّه بل تلاقي العقل والتجربة «إذ المفهوم (العقل) بدون تجربة أجوف والتجر ية بدون
مفهوم عمياء» .هكذا يطرد كانط الل ّه من مجال المعرفة .فهو الذي بش ّر بموت الل ّه في الفلسفة حين أخرجه من
ك بيد ما أعطاه باليد الأخرى ،إذ المطرود من مجال المعرفة يصبح ملكا في مجال
حقل المعرفة ،إلا أنَ كانط افت َ
إن هذه العلاقة الجديدة بين الوعي وموضوعاته التي ينتجها كانط وإن مثلت تجديدا في تاريخ الإني ّة فإنها لا تمث ّل
تقو يضا لها ،ول كن هذه العلاقة تبدو بسيطة وتفتقر إلى المعنى والدلالة في نظر هوسرل .فما الجديد في فلسفة
هوسرل ؟
يعيب هوسرل على الوعي الديكارتي والكانطي معا يساطته وافتقاره إلى المعنى وخلوه
من الدلالات .ففي نظر هوسرل لا يوجد وعي مباشر لنفسه يعود على نفسه «فكل حالة
يتبين إذن مع هوسرل أن كل وعي يقيم علاقة مع الشيء وتكون هذه العلاقة رامزة أي
غنية بالمعنى « .فكل كوجيتو يفعل على طر يقته الخاصة» 5والشيء في نظر هوسرل لا ينتصب أمامي من نفس
الزاو ية ،وتسمى حالات الوعي هذه حالات قصدية ،والقصدية تعني أن الوعي هو دائما وعي بشيء ما .فهي
تعني أن نرمي إلى شيء معين وأن نفك ّر فيه وفق هدف محدد .والإدراك لا يكتسب معنى إلا ضمن هذا المشروع.
إن فكرة القصدية هذه من أبرز المفاهيم الخاصة بالظاهرتية ،فكيف يمكن تعر يف الظاهرتية أو الفينمنولوجيا ؟
إن تعر يفا أوليا للفنمنولوجيا يفيد بأنها عودة إلى «الأشياء» ،أي هي وصف لمجموعة من الظواهر فهي لقاء
الأشياء أو المصالحة مع المواضيع ،فكل وعي هو وعي بالأشياء .هكذا تكون الفنمنولوجيا دراسة المعنى .إن َّّها
فلسفة تفترض أن الانسان لا يقيم علاقة وحيدة مع العالم ،بل يقيم علاقات متعددة ،و يعتبر سارتر في شرحه
3
جيل ديلوز ،االختالف و المعاودة ،ص .51
4
E. Husserl. Meditations cartesiennes – Ed. vrin – 1966. P. 28.
5
Ebid. P 28.
11
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
للموقف الهوسرلي في كتابه «الوجود والعدم» أن الآخر (المواضيع) ليس تجريبيا فحسب ،بل الآخر هو الوجود
على نحوه المتعدد .والآخر هو ما تُبنى من خلاله الذات ،يؤكد سارتر اثناء قراءته لهوسرل أن الأنا والآخر
موجودان في نفس الوقت في العالم ،فهناك إذن علاقات تبادل بين الأنا والعالم فوضع الآخر لا يختلف عن
وضع الذات ولا يتحقق وجود الأنا إل ضمن الآخر «فأنا أحقق وعيا بذاتي في نفس الوقت الذي أحقق فيه
وعيا بالاشياء».
إن موقفا هوسرل من ظاهرة الوعي يتجاوز الديكارتية والكانطية معا ،إذ أن علاقة الذات مع مواضيعها ليست
علاقة بسيطة بل هي «علاقة حافلة بالمعنى» .فالوعي مع هوسرل لا يقيم علاقة مع المواضيع بل يقيم علاقات
معنى مع المواضيع أو هو يقيم علاقات مع معاني المواضيع .مثال ذلك أن الانسان الذي هو في علاقة مع غرفة,
فهذه الغرفة ليست جمادا بل هي تحمل ذكر ياته وبالتالي تصبح علاقته بها رمزية ،فهو لا يقيم علاقة مع الغرفة
إن جديد هوسرل يتمث ّل في أن العالم لم يعد حاضرا بطر يقة وحيدة أمام الوعي بل إن للعالم أشكالا متعددة من
الحضور .كما أن الانسان لا يحضر في العالم بطر يقة واحدة بل بطرق شت ّى ،هذه الرؤ ية الجديدة لعلاقة الانسان
بالعالم تنم عن إيمان بالاختلاف وانكار للوحدة .إننا مع هوسرل نفك ّر داخل إطار التعدد والاختلاف وليس
يجب أن تلاحظ أن فلسفة هوسرل لا تقطع مع ال كوجيتو ولا تقوضه بل ترممه .فمع هوسرل هناك استعادة
للبداية الديكارتية حيث يستعاد ال كوجيتو بغية إصلاحه وترميمه تحت ضغط كانط والتجريبيين الأنقليز .فمع
هوسرل سينفتح التأمل الفلسفي على الحقل الفينمونولوجي الذي سيسهم في تحرير الأنا من النزعة النفسية .إذ
نجد عودة إلى الأشياء ذاتها ،إذ يفرغ الوعي من محتواه الشعوري ليصبح مجر ّد علاقة مع المواضيع ،فالوعي ليس
ل كن هذه العودة ليست تجريبية محضة بل تفترض ذاتا متعالية على العالم ،إنّها عودة تفرغ الوعي ول كنّها لا
تقو ّضه ،فهوسرل يعيد بناء ال كوجيتو .فالفينمونولوجيا هي صيغة جديدة للوعي ،انها فلسفة الذاتية كما اعتقد
ديكارت ول كنها فلسفة الحضور كذلك ،إنها فلسفة الذاتية والحضور معا ،أي حضور الأشياء في عملية الوعي.
12
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ّف المعنى عن كونه تَم َُّث ّلا ً وحضوراِ .إن نيتشه يضع
المعرفة من فردوس اليقين و يك ٌ
فلاسفة البداهة والعقل في سلّة واحدة ليفتح الممارسة الفلسفية على الجسد والرغبة.
على الإرادة والقوة ،إنه يخرق التطابق والانسجام الذي يمي ّز العقل الغربي .ويتنز ّل جهد نيتشه فيما يسمّى
يعتبر نيتشه أن كل القيم الثقافية ناتجة عن إسقاط فالوعي عملية إحيائية ت َ ْسق َُط فيها صفات الانسان واحتياجاته
على المواضيع ،لذلك فكل القيم هي بمثابة الأساطير ،يشكك نيتشه إذن في كل مكتسبات العقل الغربي ،ل كن
كيف يتم هذا التشكيك ؟ أن أي ّة فلسفة تشتغل داخل منهج ،والمنهج النيتشوي هو الجينيالوجيا.
لقد هيمن المنهج الجينيالوجي على تاريخ الفلسفة بداية من نيتشه وتعني الجينيالوجيا البحث في اصل الأفكار
وتسلسلها وتفر ّعها .وكان نيتشه في «جينيالوجيا الأخلاق» يعني بالجينيالوجيا شجرة الأفكار وتفرعاتها ...
فالجينيالوجيا دراسة استردادية تعود إلى الوراء انطلاقا من الوضع الراهن للأفكار والمفاهيم ،فالجينيالوجيا منهج
تطوري واتصالي فالحاضر امتداد للماضي والاختلاف ليس سوى وجه لهو ية واحدة » .7
إن المنهج الجينيالوجي هو أداة لرصد الأفكار ومتابعتها وتخليصها مما تراكم حولها من أغشية بفعل الزمن،
.1البحث في الأصل :أي الوقوف على بدايات القيم واكتشاف لحظة النشأة.
.2بحث في قيمة هذا الأصل :أي بيان صلوحية فكرة ما أو قيمة ما آنذاك ،أي تبيين الوظيفة التي تؤديها.
.3مقارنة هذا الا صل بالحاجة إليه اليوم :أي بيان مدى صلوحية هذا الأصل اليوم.
ِإنَ أصل الوعي هو إسقاط لحاجات الانسان على العالم ،ويستعمل الوعي آليات الإخفاء والتمو يه والمراوغة .أما
8
قيمته فتتمثل في ضمان العيش والنظام داخل المجتمع ،فالانسان يحتاج إلى قيم « ينمقها شعر يا وبلاغيا »
6
Ricoeur. P. : Le conflit des interprétations. Seuil. P 161.
7
نور الدين النيفر ،فلسفة علوم االنسان ،األخالء ،تونس ،1993 ،ص 144
8
Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – flam – marion 1969. P 183.
13
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ويرفعها إلى مستوى الحقيقهة حتى تستجيب إلى متطلبات البقاء والاندماج .ل كن ما مدى صلوحية الوعي
اليوم ؟
إنه من الحُمق أن يواصل الانسان العيش داخل أسطورة هو الذي أنشأها فالوعي أسطورة تتعرض يوميا إلى
ات مرجعها الصراع بين العقل والرغبة ،فالعقل أو الوعي يغتال الرغبة ،يدجنها ،يؤجلها ،باسم الأخلاق،
ه َز ّ ٍ
فالوعي ليس إلا قيمة أخلاقية تهدف إلى تقليص إرادة الحياة وتعمل على حفظ الرغبة وتعليبها فالعقل شكل
من أشكال التصو ّف يخفي شيئا أخر أكثر أصالة منه هو الرغبة .فالوعي إذن هو طمس وتنكر للجسد وبهذا
المعنى يكون للوعي تاريخ ،وتار يخه بالنسبة لنيتشه هو تاريخ الحقيقة التي تعادي الرغبة .فما موقع الحقيقة داخل
تاريخ الإني ّة ؟
لقد صار للإني ّة تاريخ مع نيتشه ول كنه تاريخ عاقل ومعاد للر ّغبة .يعتير نيتشه أن الحقيقة تحصل بفضل قدرة
الانسان على النسيان أي نسيان اللحظة التي أسقط فيها مجموعة رغباته وحاجاته على العالم .فالحقيقة مجموعة أوهام
تُنمَ ّقْ بلاغيا وتهدف إلى تعليب الحياة وإقبارها وخفض الإرادة.
ن الإنسان يضع الحقيقة وينسى أنه وضعها فيستمر في الاعتقاد فيها كحقيقة «إنها حشد متدافع من الاستعارات
إ ّ
والكنايات ومن ضروب تشبيه الأشياء بالانسان أو فلنقل بإيجاز :هي جملة من العلاقات البشر ية تم الترفيع من
9
شأنها ...ثم غدت بعد طول استعمال تبدو لعامة الناس راسخة ،شرعية ،ملْزِمّة».
فما الحقيقة إلا ضرب من التشبيهية فهي نسق لغوي .فالقيم يبتكرها الانسان وينسى أنه ابتكرها فما الحل إذن؟
يتمثل الحل في الوقوف على لحظة النشوء ،أي الوقوف على الأصل ونسيان النسيان ،أي تذكر أن الانسان هو
الذي صنع كل القيم ومنها الوعي ،يجب إذن استحضار الاصل قصد هدمه ،ل كن هل أن هدم الم كتسبات
يريد نيتشه تخليص الانسان من إرث ثقافي تراكم بمفعول النسيان ومشروعية نيتشه في المناداة بالتنكر للوعي
َّف بهذا العمل تستم َ ّد م ِن أن مقولة الوعي تتناقض وطبيعة الانسان ككائن رغبة ل كن رغم المشروعية التي ُّ
تَح ّ ُ
ل صعب المنال إذ يتعذر على الانسانية ال ّتي عاشت على هذه القيم لمدة طو يلة أن تتخلص منها،
التدميري فهو يظ ّ
هذا ما دفع بميشال فوكو إلى الاعتراض على قتل الل ّه من طرف نيتشه ،فالاعلان عن موت الل ّه هو إعلان عن
موت الانسان.
9
Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – flam – marion 1969. P 183.
14
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ول كن هذا الاعتراض قد وجهه نيتشه لنفسه حين اعتبر أن الحقيقة صعبة المواجهة ولا يتحملها كل الناس
للمحافظة على الاستمرار في الحياة ،فالانسان يطور قواه الرئيسية عبر الإخفاء والتمو يه والمراوغة والتجمل والتعالي.
فالوعي ليس إلا مقولة لغو ية سطحية تخفي شيئا أكثر جوهر ية منها هو الجسد.
لقد تزامنت الفرويدية مع ظهور الفيز ياء الطاقو ية التي تعتبر أن الأجسام تتحول إلى طاقة عند اجتيازها لسرعة
معينة.
فالطاقو ية نسفت التصو ّر القديم للطبيعة وأنتجت تمث ّلا جديدا لها يقر أنه بإمكاننا تفسير اللامرئي بالمرئي ،فالضوء
مثلا لا يمكن رؤيته ول كن يمكن ملاحظة آثاره .فكرة الآثار هذه هي التي ستمث ّل حجر الزاو ية في التحليل
النفسي .فهذا الأخير لا يتعامل مع أشياء مرئية بل يتعامل مع الآثار التي تصدر عم هو غير مرئي إذ اللاشعور
لا يمكن ملاحظته بل نلاحظ آثاره .أي ما يصدر عنه أو ما يتجلى .كما أن الطاقو ية استندت إلى قانون مركزي
هو قانون التحول « :فلا شيء يخلق ولا شيء َ يضيع بل كل شيء يتحول» ،فكرة التحول والتبدّل هذه هي التي
سيتم استثمارها داخل التحليل النفسي ففي ما يتعلق بالجهاز النفسي لا يضيع شيء ٌ وإنّما يتحو ّل
إن التحليل النفسي نظر ية شاملة حول الإنسان .فهي ليست علما فقط أو نظر ية حول
إن التحليل النفسي نظر ية ذات مضمون فلسفي وهذه النظر ية العامة حول الانسان تتميز بما يلي :
• بوجود معنى لاواعي لكلام القرد وأفعاله التي تفسر بأنها هفوات وأعمال تعب ّر بطر يقة رمزية عن
الانفعالات التي لا يستطيع المرء الإفصاح عنها بحكم تعارضها مع مبدأ الواقع.
10
Dupreel, Les sophistes, P. 22.
11
Nietzsche : le livre du philosophe Aubier – Aubier – Flammarion.
12
Nietzsche, Par – de la le bien et le mal, Ed. Mercure de France. P 34.
13
العرب و الفكر العالمي ،العدد السادس ربيع 1989ص . 94
15
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• بأن كل الناس يخضعون لرغبات يعسر كبحها فتفلت منهم ما يجبر الفرد على بناء جهاز دفاعي وهمي
واستيهامي.
• بتبعية الانسان لطفولته التي لا يمكنه التحرر منها فالإنسان أسير طفولته في كل شيء ،و بالتالي يصعب القطع
• بأنَ العقل والجنون متلازمان ،فالعصابي إنسان حاول أن يكبت ميلا أو رغبة أو ذكرى جارحة ل كي يتفادى
صراعا مع ميول أخرى أساسية ،ويرى فرويد في النشاط الجنسي أحد المواضيع التي يستند إليه ال كبت،
والعصابي انسان ينكص أمام عجزه عن التكيف مع الواقع إلى طفولته .فالإنسان يرتد الى طفولة لم يخرج منها
بعد.
• بأن فرويد يدخل فكرة ال كبت الحيو ية وفكرة الصراع بين الميول المتناقضة حيث تُع َ ّد فكرة الصراع جوهر ية
وبهذا المعنى تكون «فرضية اللاشعور لازمة ومشروعة ...فهي لازمة لأن معطيات الشعور تتخللها ثغرات
يفهم فرويد اللاشعور على أنه رغبات وقع منع تحقيقها فتحولت الى كبت.
يقوم فرويد في كتابه «مختصر علم التحليل النفسي» ،15بتوضيح بنية الجهاز النفسي كالتالي:
• الهو :هو أقدم المناطق 16ومضمونه هو كل ما يحمله الكائن عند ولادته ،إنه مجموعة الرغبات والغرائز والميولات
التي تُحَدّد بنية الجسم ،إنه غريزة حب البقاء أو هو مبدأ اللذة إنه البعد الغريزي أو الفطري ،إنه لا حضاري
خاص.
• الأنا الأعلى :هو مجموع القيم الدينية والأخلاقية ،إنه الشرطي أو الرقيب الذي يترسب داخل الفرد طوال
18
إنه مجموع الأوامر والنواهي وقد استبطنت داخل الذات. فترة الطفولة،
14
S. Freud, Metapsychologie. Gallimard, 1968, P. 66.
15
S. Freud, Abrege de Psychanalyse, P. U. F. 1967.
16
Ibid, P3.
17
Ibid, P4.
18
Ibid, P5.
16
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ما يجب ملاحظته هو أن هذا التقسيم منهجي فقط ،إذ لا يمكن أن توجد منطقة من الجهاز النفسي بمعزل عن
الأخرى ،لذلك لا نستطيع الحديث عن تقسيم للجهاز النفسي بل عن بنية الجهاز النفسي.
إن الأنا (الذات) كانت منسجمة داخل الفلسفات العقلانية وهي في حالة صراع داخل الفرويدية ،إن فرويد
يمر ّ بنا من أنا متماسكة سيدة على نفسها وعلى العالم الخارجي إلى أنا منكسرة مجزأة مشقوقة ,فالأنا لم تعد منطقة
موحدة بل أصبحت ثلاث مناطق وبهذا التمشي ينشئ فرويد ما يمكن تسميته بالجغرافيا النفسية ،إذن الذات لم
تعد سي ّدا بل أصبحت حلبة صراع وهي خادم لثلاثة أسياد في نفس الوقت فهل سيوفق الأنا في خدمة كل
ثمة قول مأثور ينصح الانسان بألا يخدم سي ّدين في آن واحد والأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين
إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة ،وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم وهذه المطالب متناقضة دوما 19وهؤلاء
المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو ،إن الأنا يعمل على إرضائهم جميعا ما يولّد لديه شعورا
بالقلق ،فهو يريد أن يكون وفي للهو من جهة بأن يؤمّن الإتصال بينه و بين الواقع ،ومن جهة أخرى فإن الأنا
الأعلى القاسي ما يفتأ يراقب الأنا ويرصد حركاته 20.وإذا لم يكترث الأنا بأوامر الأنا الأعلى عاقبه وجعله يشعر
هكذا يكافح الأنا على ثلاث واجهات وهو واقع تحت ضغط الهو من جهة واضطهاد الأنا الاعلى من جهة ثانية
ومرفوضا من الواقع.
إنه بمثابة الرجل الذي يعاشر ثلاث نساء ولا يريد لعشرته لهن أن تُغضب إحداهن ،مما يضطره إلى الإخفاء
والمراوغة والتَص َُّن ّ َِّع .فما هي الآليات التي يستعملها الأنا للإخفاء ؟
لا تقتصر الدوافع الجنسية لدى فرويد على الأعضاء التناسلية بل هي تتعلق بعدد من النشاطات لا علاقة لها
بالأعضاء التناسلية .فالأمر الجنسي هو كل ما يتعلق باللذة داخل المناطق المختلفة للجسم .لذلك يرى فرويد أن
الحياة الجنسية لا تبدأ بالبلوغ بل تظهر منذ الوهلة الأولى في حياة الانسان وهو ما عبر عنه فرويد بالوظيفة
19
فرويد ،محاضرات جديدة في التحليل النفسي ،ترجمة ج .طرابيشي ص 93نشر دار الطليعة بيروت.
20
فرويد ،محاضرات جديدة في التحليل النفسي ،ترجمة ج .طرابيشي ص 94نشر دار الطليعة بيروت.
17
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إن ملاحظة الرضيع تبين لنا أنه يركز اهتمامه الوحيد والأساسي على فمه ،فعملية امتصاص أي شيء يجعله يشعر
باللذة وهذا الشعور باللذ ّة في منطقة الفم يعتبر أول تمظهر للوظيفة الجنسية .
فالدافع الجنسي لدى الإنسان يصاحب جميع مراحل نمو ّه وتطوره إلى أن يتحدد أساسا عند سنّ الرشد في علاقته
بالأعضاء التناسلية.
إن الانسان بحكم خضوعه إلى رقابة الأنا الأعلى فإنه يحكم التصرف في دوافعه الجنسية لي ُوظف طاقته تلك في
مجالات اخرى.
فهو يقوم بعملية تحو يل للهدف عوض أن يقصر وجوده على تلبية رغباته وإشباعها «وتسمى هذه القدرة على
استبدال الهدف الذي كان في الأصل جنسيا ،بآخر لم يعد جنسيا وإن كان على الصعيد النفسي ذا قرابة به:
قدرة على الإعلاء» .21إذن سيتم تحو يل جزء من الطاقة الجنسية إلى انتاج حضاري معين كالعمل أو الفن
لذلك يقول فرويد في كتابه «حياتي والتحليل النفسي» ص « : 75ينسحب الفنان كالعصابي من واقع لا يرضيه
إلى دنيا الخيال ول كنه على خلاف العصابي يعرف كيف يقفل راجعا ليجد مقاما راسخا في الواقع» .
إن هذه الطاقة التي وقع تحو يل وجهتها تصير مصدر إبداع فني ،يقول فرويد في كتابه «حياتي والتحليل النفسي»
ن الأعمال الفنية هي اشباع خيالي لرغبات لاشعور ية شأنها شأن الأحلام » .وهي وإياها محاولات توفيق
«ِ :إ ّ
ل
إذ عليها بدورها أن تتفادى أي صراع مكشوف مع قوة ال كبت .هل هذا يعني أن الإعلاء ممكن في ك ّ
الحالات ؟
ليست كل طاقة جنسية تكبت تصّ عد بصفة آلية فليست كل الدوافع الغريز ية قادرة على تغيير الشروط اللازمة
لتلبيتها إذا ما حولت وجهتها .وعدم القدرة على الإعلاء هو الذي يؤدي إلى الأمراض والاختلالات النفسية
وبهذا المعنى يكون للاواعي تجليات سو ية تنتج الحضارة وتجليات مرضية تحتاج إلى معالجة.
يؤكّد فرويد أن موقع اللاوعي «هو الجهاز النفسي ذاته وحقيقته نفسها» .كما يؤكّد أن اللاوعي ليس الجهاز
النفسي لأنه لا يلتزم بهذا المكان الذي هو مكانه الأصلي بل إن موقعه هو المرموز والمتخيل كالحلم والفن .كما
يؤكّد فرويد أن الانسان ليس سيدا بل هو خاضع .فالهو و الأنا الأعلى يشتركان في شيء واحد رغم وجود فرق
جوهري بينهما ،فكلاهما يمثل سلطة الماضي ،الهو سلطة الوراثة ،والأنا الأعلى هي السلطة التي خلقها المجتمع في
الفرد.
21
S. Freud. La vie Sexuelle. P. U. F. 1967 P 33.
18
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
فالإنسان إذن أسير الطفولة والماضي بمعنيين :ماضيه هو كفرد ،وماضي الانسانية أي القيم التي تراكمت بمفعول
للحقيقة ,فالحقيقة ليست ما يظهر أو يتجلى أو يطفو على السطح ،بل هي ما يختفي خلف ،ما يدفع إلى ...أو ما
يتسبب في ...وبهذا التمشي يصبح للظواهر ما وراء و يصبح للحقيقة ميتا ( )Metaولفهم الانسان ينبغي ملاحقة
هذا الميتا أو المتست ّر كما أن الفرويدية رفعت التقابل القديم بين العمق والسطح فعمق الانسان معروض على
السطح وسطح الانسان انعكاس لعمقه .صرنا تعتقد بشكل وثوقي أن الخارج هو الداخل وأن لا فرق بيت
الظاهر والباطن لقد مزق فرويد الحجب وخرق رداء الذات ليبين أن لا عمق لها أو لنقل :إن عمقها يحتل
السطح ،هذا ما دفع بجيل ديلوز إلى القول «:تحققوا جيدا إن لم يكن العمق ليس الا طي ّات السطح ».
لقد مكنت الفرويدية من رفع الحجاب عن الإني ّة ومكنت الانسانية من فهم رموزها وذاكرتها وبهذا المعنى تكون
فالفرويدية لا تتنك ّر للذاكرة كما تفعل الديكارتية بل تعتبرها موضوعها بامتياز ل كن هل أن كل الانتاجات
الحضار ية لاواعية ؟
يعيب كارل قوستاف يونغ ( )Jungعلى فرويد أن يكون الرمز العلمي لاواعيا ،إذ يؤكد يونغ أن إنتاج الرمز
يحصل بطر يقتين :واعية ولاواعية .الرموز الواعية مجالها العلم كالر ياضيات مثلا والرموز اللاواعية مجالها الفن
مثلا.
كما يعيب يونغ على فرويد وقوفه عند اكتشاف الرموز الأسطور ية والخرافية وبهذا النقد ينتهي يونغ إلى تأكيد
إن نقد يونغ لفرويد على أهميته لا يعدو أن يكون تعميما وتعميقا لفلسفة اللاوعي .فماذا ترتب عن اكتشاف
اللا ّشعور؟
و يمث ّل الن ّقد الذي قدّمه آلان (إميل شارتيي) نقدا جذر يا حيث بيّن أن المغالاة في تقدير اللا ّشعور هو سقوط
في الخطئ بالمعنى المعرفي فهو يؤدّي إلى جهل بمعرفتنا بإنيتنا وهو يوقعنا في الخطيئة بالمعنى الاخلاقي إذ يؤسّس
للر ّذيلة في مستوى السّلوك والفعل بحج ّة خضوع الإنسان للا وعي .أي أن آلان Alainيعتبر اللا ّشعور سوء
تقدير معرفي وأخلاقي ينتج الوهم في إدراكنا لذواتنا و ينتج الشّرّ في مستوى العمل .لذلك يجب أن نعترف
19
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
باللاشعور كآلي ّة جسدية أو هو الغ َريرة دون أن نجعله مركزًا لفهم الإني ّة ومصدر ًا للسلوك بحيث يقتضي الواجب
إن اكتشاف اللاشعور بمثابة الطعنة أو الجرح الذي وجهه فرويد للإنسانية .فالذات ليست مل كة بل هي خادمة.
فكانط حين وضع سؤال « ما الإنسان ؟» اقترح كيفية للإجابة عن هذا السؤال هي الأنثربولوجيا أي دراسة
شمولية للإنسان .إلا أن فرويد يجيب عن هذا السؤال ول كن بكيفية مختلفة وجزئية لذلك لم يعد ممكنا مع فرويد
الحديث عن أنثربولوجيا إنسانية ،فالأنثربولوجيا هي بحث عما هو مشترك بين الجماعة في حين أن فلسفة اللاوعي
إننا مع فرويد نمر ّ من الانتربولوجيا الى «أركيولوجيا» ذاتية ،تحفر في ماضي الفرد ..إن فرويد يجبرنا على
استبدال السؤال « :ما الإنسان بسؤال« ما إنسان بعينه ؟» .هكذا نتحول من الحديث عن انثروبولوجيا عامة إلى
التبشير بانثربولوجيا خاصة .أي ننقل من سؤال ومنهج ميتافيز يقي يبحث في :ما الإنسان؟ نحو سؤال ومنهج تار يخي
ُّ
سهتم ّ بسؤال من يكون الإنساني؟ وواقعي
الإنسان كائن مفك ّر ،هذه الإجابة لم تشبع الفلسفة الهي ﭬلية كما يقول كوجيف.
ن
ذلك أن الديكارتية لم تركز انتباهها إلا على الفكر وأهملت كليا الأنا ( ، )le jeهذا الأنا مهم حسب هي ﭬلِ ،إ ّ
الانسان ليس فقط كائنا يفك ّر ،بل كي يكون هناك بحق وجودا إنسانيا يمكن أن يكون وجودا فلسفيًا يجب
تحليل لا «الأنا أفكر» ،بل معرفة كيف استطاع الانسان أن يقول :أنا .
كي يكون هناك وعي بالذات لابد ٌ أن يتعالى الانسان على ذاته كمعطى وهذا لا يتحقق إلا إذا حُملت الرغبة على
ن كل واحد
ل رغبة أخرى ،إن ّه صراع من أجل الحياة أو الموت لأ ّ
التحقق عن طر يق فعل الاعتراف من قب َ
20
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن الرغبة التي تُحمل على رغبة أخرى تتجاوز المعطى البيولوجي ،أي
يريد أن يخضع الآخر بفعل النفي والتدمير لأ ّ
يعرض هي ﭬل هذه المسألة في الفصل الخاص «بالوعي بذاته» وتحديدا في محور «حقيقة اليقين الذاتي» .الذي
ينقسم بدوره الى ثلاثة أبواب :أولها « :الوعي بذاته ،في ذاته» وثانيها« :الحياة» وثالثها « :الأنا والرغبة» .حيث
يرى هي ﭬل أن الوعي إذ ينطلق من الوحدة البسيطة والمباشرة أن «الأنا = أنا» ،فإنه يثري نفسه عبر لحظتين
أساسيتين ،الأولى هي تكوين جملة من الأشكال والثانية هي تحقيق المسار النشاط .
إلا أنه سرعان ما ينعكس على ذاته ل كي يقيم وحدة ما بين هذه الأشكال وهذه المسارات المتحققة فيستعيد
ول كن ّه يختلف عن الجوهر الأول بأنه نتيجة لمسار منعكس للوعي لأجل وعيه بذاته وهو ما يسميه هي ﭬل
«بالوحدة المنعكسة».
إذن هناك حركة يتم إنتاجها ذاتيا وهذه الحركة تسمح بإثراء الوعي بذاته مقارنة مع وضعه الأولي وهذا الإثراء
يتجسد في إنتاج أشكال جديدة أهمها الحياة ،وفي إنتاج نشاطات جديدة أهمها انقسام الوعي بذاته إلى :وعي
سكوني ووعي حركي منعكس على ذاته .مع التأكيد على التلازم بين الشكل والحركة لأن الوعي بالحياة لا يكون
ممكنا إلا لحظة تحقيق الذات ثم الإنعكاس تجاهها .فالحياةكمفهوم هي مضمون الإني ّة حقيقة امتلاء هذا المضمون.
إذن حصل لدينا حت ّى الآن ،الوحدة المنعكسة للوعي بذاته إضافة إلى ما يستوجبه هذا الانعكاس في حركة.
خروج وفي حياة وهو ما يعب ّر عنه هي ﭬل بقوله « :بما أننا ننطلق من الوحدة المباشرة الأولى ،فإننا نعود من
خلال لحظة تكوين الأشكال والمسارات إلى وحدة هاتين اللحظتين وبالتالي نعود من جديد إلي الجوهر البسيط
والبدائي .و هذه الوحدة المنعكسة مختلفة عن الاولى» .وذلك في كتابه «فتمنولوجيا الفكر».
إنها كما يقول هي ﭬل وعلى خلاف الوحدة المباشرة تتمظهر «كوحدة كلية» .وهذا المضمون الكلي للوعي بذاته لم
يكن ليكون لولا الوحدة التي حققها الوعي بذاته من جهة ولولا قدرة هذا الوعي بذاته على تجاوز كل ما حققه
سابقا أي قدرته على تجاوزه لذاته ولوحدته البسيطة الأولى «الأنا = أنا» .
21
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إلا أن الوعي بذاته إذ يدرك هذا المستوى الكل ّي من الوجود يتماهى من جديد مع الحياة .لأن تحقيقه لهذه
الوحدة الجوهر ية التي هي ثمرة ونتيجة خروجه عن ذاته وعودته إليها جعله يستوعب الحياة في كليتها ويزعم من
بذاته بعد هذا التماهي مع الحياة وعيًا بالآخر .لأنه اكتشف نفسه من جديد وبصفة مختلفة عمًا كان سابقا.
وهذا الاكتشاف للوضع المختلف للوعي بذاته أساسي عند هي ﭬل لأن ّه يشكّل بداية ظهور مفهوم الآخر لدى
الوعي بذاته .ول كن ّه ما يزال إلى حد هذا المستوى مفهوما ضمنيا أي ما ينتجه الوعي بذاته ول كن ّه سرعان ما
والوعي بذاته هنا لا يزال في المرحلة الجنينية من الوعي لأجل ذاته لأنه سرعان ما يسقط في وحدة متماثلة مع
وهكذا فالوعي بذاته وإن تحقق في لحظة أخرى من الحياة فإن ّه في الحقيقة لم يدرك الآخر كذات مستقلة .وإنّما
لا يزال منكمشا حول ذاته وليس له من موضوع غير ذاته .
فالموضوع يقع احتواؤه تماما من الذات فينصهر في شكل « أنا محض » .
وهكذا لم يحقق الأنا بعد مسافة التباعد بينه وبين ذاته وبالتالي بين الأنا والآخر رغم ما حققه من مسار وحركة،
فالحركة هنا لا تزال بطيئة .ول كن هذه التجربة تظل ذات أهمي ّة لأن الوعي بذاته قد حقق فعلين مزدوجين:
الأول :هو فعل الانتشار في الحياة وبالتالي تحقيق الوحدة المتعددة ،أي إدراك الوعي بذاته إمكانية التجلي في
أكثر من شكل وفي أكثر من لحظة وهو ما ينتج عنه الفعل الثاني :الذي هو الإثراء الناتج عن مسار الانتشار
إن هذا الأنا المنعكس على ذاته هو أنا بسيط وكلي .ول كنها كلي ّة بدون موضوع فهي بالتالي محكومة بالعدم.
وصبغة العدم أو السلب المطلق هذه تعود إلى هذا الإقصاء الكلي لما هو مختلف عن الإني ّة ،صحيح أن الأنا قد
انتشر أو تمظهر في الحياة ول كنّها الحياة كما هي بالنسبة للأنا وكما يحياها الأنا في وحدته مع ذاته أي في وضع الأنا
المطابق لذاته.
وهكذا فالأنا ثري وحركي وحي ول كن هذا الثراء متزامن مع إقصاء جذري لكل ما هو مختلف عن الأنا .
22
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لذلك ِفإ ْن الوعي بذاته في هذا المستوى لا يزال وعيا مجردا والحياة ليست إلا مفهوما مجردا .إلا أن الوعي بذاته
سيكتشف لاحقا أنه إذ يقصي كل ما هو مختلف وأن ّه إذ يطبع الآخر بطابع العدم لا يفعل غير إقصاء ذاته
وإعدامها .ولذلك يظهر الوعي بذاته كماهية سلبية .مم ّا يجعل المسار الذي أنجزه سابقا واللحظات التي تجلّى فيها
والسلب هنا متزامن مع الانعكاس الذي ينتج ذاتيا أثناء عودة الوعي بذاته للتماهي مع ذاته .لذلك فإن السلب
هو فعل في الآخر بإعدامه وهو لحظة مميزة للوعي بذاته متى يتوهم أنه يدرك الكلي .وسبب هذا الوهم كما يرى
هي ﭬل يعود إلى مكر وحيل العقل .فالعقل الكلي يوهم الوعي بذاته أن ّه أدرك الكلي وبالتالي أنجز مهمته في التاريخ
في حين أنَه لم يفعل غير الارتداد إلى حالته الأولية أي حالة الوعي الفارغ من كل محتوى .
وهكذا فالإثراء الذي يحصل للوعي بذاته بانتشاره وتجليه في الحياة يمدنا بالطابع السلبي في علاقة الوعي بذاته
من جهة وبالآخر من جهة أخرى .لذلك يرى هي ﭬل أن الوعي بذاته متيقن من ذاته ول كن ّه ليس متحقَق ًا بعد
من ذاته وبذاته .وهذا اليقين الذي للوعي في علاقته بذاته يعود أساسا إلى فعل السلب الذي يخترق كليًا الآخر
إن الوعي بذاته إذ يتماهى كليا مع الحياة فإن ّه في الحقيقة يجعل من الحياة نفسها مفهوما مجردا وليس له أي
حضور ممتلئ وحقيقي ،والحياة هنا وإن كانت حياة الوعي بذاته فإنّها في الوقت نفسه الآخر الذي لا علاقة له
بالوعي بذاته ،إنها الآخر المستقل .و الاستقلالية هنا ملازمة للسلب المطلق والعدم .لأن استقلالية الآخر عن
الوعي بذاته تعني غياب الروابط بينهما وبالتالي غياب التفاعل المتبادل أو التداخل بين الذوات (Inter-
،) Subjectivitéوغياب الرابطة يؤدي بدوره إلى غياب الحركة .وبذلك تصبح الحالة سكونية لا بالنسبة للآخر
إلا أن هذا الآخر الذي هو في الآن نفسهكامن في الوعي بذاته يقينا ومستقل عنه سلبا يفضي إلى مفهوم اساسي
جذر يا .وهذا الحضور للآخر وإن كان مجردا في تمظهره الأوّل يعبر عن رغبة ول كنها ليست إلا ّ رغبة عامّة
ومجردة ،أي الرغبة بشكل عام والتي لا موضوع لها إلا ذاتها.
23
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وتجلي الوعي بذاته في شكل رغبة يعود إلى ثنائية الأنا والآخر ،الذات والموضوع ول كنها تكون في شكلها الأوّل
رغبة مجردة أي سلبية لأنّها ليست إلا يقينا صائبا ولم تصل بعد إلى مستوى الحقيقة نظرا لاعتقادها أنّها بإمكانها
أن تكون رغبة لموضوع هو ذاتها .في حين أنه كان عليها أن تجعل من الآخر موضوعا لها.
ن الوعي
وهذا الإقصاء للآخر في عملية الرغبة يجعل الوعي بذاته يتجلى في شكل موضوعي ،والموضوعية هنا تعني أ ّ
بذاته إذ يكتفي بيقينه بذاته وإذ يعتبر هذا اليقين صوابا،فإن ّه يش َي ّئ ذاته.
فالأنا الموضوعي هو الأنا الشيء ،لأن ّه لا يرغب في الآخر وإنّما يرغب في الحياة عامة.
والرغبة عند هي ﭬل تحيلنا إلى مفهوم الإشباع لأنّها نقص ،وهى ليست رغبة إلا لأنه يقع إشباعها .
ول كن لماذا تشبع الرغبة ؟ ثم ما هو الموضوع الذي نقول عنه إنه أشبع الرغبة ؟
إن إشباع الرغبة في هذا المستوى أي الذي يكون فيه الوعى بذاته وعيا سالبا وكليا (سالب لأن ّه لم يعترف بعد
بالآخر ،وكلي لأنه متماه مع الحياة) يتم في حدود الوعي بذاته .
بمعنى أن الوعى بذاته هو ذات الرغبة ( ) le sujet du désirوهو موضوع الرغبة .
وهذا التأكيد يقر ضمنيًا باستقلالية الموضوع ،ول كنّها استقلالية في إطار تبعية ،بمعنى أنه موضوع إشباع الوعي
بذاته لا يزال تابعا للوعي بذاته ,لذلك ِفإن موضوع الرغبة لم يرتق بعد إلى مستوى الآخر الذي هو بدوره وعلي
إن انقسام الوعي بذاته على ذاته وتجاوزه لذاته لا يزال في مرحلته التكوينية الأولى .إن الآخر كوعي بذاته
وهكذا يحيلنا مفهوم الرغبة إلى مفهومين أساسيين في الجدلية الهي ﭬلية وهما :الاستقلالية والتبعية (وهما المفهومان
ومفهوم التبعية أساسي في مسألة الرغبة وخاصة في شكلها الأول ،لأن ّه يبيّن كيف أن رغبة الوعي بذاته هي في
ففي عملية الرغبة وتجربة إشباعها يتبين للوعي بذاته أنه حيثما كانت رغبة فهناك موضوع ،وأن الموضوع هو
ونلاحظ أن هذا الموضوع -الشرط يتجلّى في الوعي بذاته أوّلا :أنا = أنا ،ثم في الحياة ثانية :أنا = حياة ،ثم في
الوعي بذاته من حيث هو ذات وموضوع أي أنا = الوعي بالذات الموضوع ،وأخيرا يظهر الموضوع في شكل
24
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وعي بالذات آخر :الأنا = الآخر و يظهر الشرط للوعي بالذات المطبوع بالسلب أولا في شكل إقصاء لكل هو
ول كن ّه إقصاء للآخر المغاير للوعي بالذات والإبقاء على الآخر الذي وقع إنتاجه ذاتيا داخل مسار الخروج عن
الذات والعودة اليها .هناك إذن إنتاج للموضوع وإعادة له من خلال إعادة إنتاج الرغبة.
وهكذا فإنَ هذا الموضوع بالرغم من العلاقة النافية والسالبة التي بينه وبين الوعي بالذات فإن ّه يستعيد دوما
ن الوعي بذاته إذ ينفى – يستهلك موضوع الرغبة أي يُشْب ِع ُها فإن ّه في الحقيقة ،يثبت من خلال فعل
يعتبر هي ﭬل أ ّ
إن ّه لا يرغب في الموضوع بمقدار ما يرغب في حضور متجدد للآخر يوازي حضوره هو .وهذه الحقيقة تصبح
حاضرة عيانا للوعي بالذات من خلال تجربة الرغبة .إذ يدرك الوعي بذاته هذه الواقعة الجديدة (ضرورة الآخر)
فإن ّه يرتقي من مصاف اليقين الصائب بالذات .إلى مصاف الحقيقة بالذات .
ن الوعي بالذات يتبين أن إقصاءه للموضوع أثناء إشباع الرغبة لا يمكنه أن يكون إقصاء جذر يا لهدف
لذلك ِفإ ّ
ن الإقصاء هو فعل نفي وتجاوز لأجل التأكيد .أي إثبات موضوع الرغبة لا على أنه ما يجب إعدامه بل
بل إ ّ
إن موضوع الرغبة هو بدوره وعي بذاته آخر له من الخصائص الذاتية والموضوعية ومن الآليات الداخلية ما
وهكذا يرتقي الآخر من مرحلة الانبثاق إلى وعي آخر بالذات .فيطفو على سطح الحياة بوصفه وعيا بالذات
مستقلا .إن الوعي بالذات كما يقول هي ﭬل لا يدرك إشباع رغبته إلا في وعي آخر بالذات .وهذه الثنائية في
الوعي هي ما يسمح بالتخلص من العلاقة العضو ية والمباشرة بين الوعي بالذات والحياة ليجعل منها علاقة بواسطة
وذلك ما سيشرحهكوجيف بصفة مدققة وواضحة في كتابه « :مدخل إلى قراءة هي ﭬل» 22حيث يري كوجيف
أن الوعي بالذات هو الإنسان نفسه ،فالإنسان هو وعي بالذات وأن امتلاك هذا الوعي بالذات يتجلى لدى
الإنسان في شكل أنا ول كن هذا الأنا وخاصة في شكله التأمّلي هو أنا يقع استيعابه من قبل الطبيعة في أوّل
22
Kojève, Alexandre : Introduction à la lecture de Hegel, Ed. gallimard. Mai 1985.
25
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
تجلياته .ولذلك فإن ّه مطالب دوما بالعودة إلى ذاته ل كي يمتل كها وبالتالي يتجاوز وضع المباشرة البسيطة مع العالم
الخارجي .
وهذه العودة لا تتم إلا عبر الرغبة إذ يؤكّد كوجيف أنه في ..وعبر ..ومن حيث رغبته يتكون الإنسان ويرتقي
إلى ذاته وإلى الآخرين لذلك فالأنا الإنساني هو أنا الرغبة .
إن الكائن الإنساني يفترض ضمنيًا الرغبة لذلك فإن الواقع الإنساني لا يتقو ّم إلا داخل الواقعة البيولوجية .ول كن
إذا كانت الرغبة البيولوجية هي الشرط الضروري للوعي بذاته فهي ليست الشرط الكافي له ،فالبقاء في حدود
هذه الرغبة الحيوانية لا يؤسس إلا شعورا بالذات لا وعيا بالذات .
على خلاف المعرفة التأملي ّة تجعل الرغبة الإنسان قَلقا وتدفعه إلى الفعل والفعل متولّد عن الرغبة وهو ما ينحو
إلى إشباعها .وذلك لا يتم إلا بنفي وتحطيم للموضوع المرغوب فيه أو لنقل فعل تحو يل له .وهكذا فكل رغبة
ن الفعل لا يترك الموضوع كما هو إن ّه رغبة في تدميره ،تحطيمه :استهلاكه ,وهكذا فإن كل سلب إقصائي في
إ ّ
علاقته بالمعطى هو فاعل ول كن الفعل النافي ليس محض التدمير .فالفعل المتولّد عن الرغبة وإن كان يقصي
ويرى كوجيف أن الأنا المبتدع بواسطة إشباع الرغبة الفاعلة يكون له في البداية الطبيعة نفسها التي للمعطى.
إن ّه أنا متشيّء ،إنه أنا حيواني وحيِّ .إن َّّه لا يمكنه الارتقاء إلى ذاته وإلى الآخرين إلا ّ من حيث هو شعور بذاته.
ل كي يحصل الوعي بالذات يجب أن تتّخذ الرغبة كموضوع لها موضوعا لا طبيعيًا يجب أن تحمل على شيء يتجاوز
على رغبة أخرى تخلق بواسطة الفعل السالب «أنا مختلف ًا » عن الأنا الحيواني.
إنَ هذا الأنا هو فرد إنساني حر في مقابل الواقع المعطى والتار يخي إن هذا الأنا فقط هو الذي يرتقي إلى ذاته
وإلى الآخرين من حيث هو وعي بذاته .و عندها فقط تكون الإني ّة.
إن الوعي بذاته ل كي يتجاوز الشعور بالذات .ول كي تدرك الحقيقة الإنسانية تكو ينها الذاتي داخل الحياة الحيوانية
فإن على هذه الحقيقة -الواقع أن تكون متعددة ،والتعدد داخل الواقع الإنساني لا يكون ممكنا أي لا يتخذ
26
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
شكل اجتماع بشر ي إلا من حيث هو رغبة الرغبات المتبادلة .وهذا ما يفس ّر وجود كثرة داخل الوحدة
إن الرغبة من حيث هي رغبة في الاستيعاب إذا أرادت أن تتجاوز المعطى المباشر فإنّها يجب أن تكون اعترافا.
بالقدر الذي تكون فيه بواسطة رغبة الآخر المحمولة على الموضوع نفسه.
ل رغبة هي رغبة في قيمة وإذا كانت الرغبة الأسم ّى للحيوان هي الرغبة في الحفاظ على الحياة البيولوجية،
نك ّ
إ ّ
ن الإنسان لا ينبثق كإنسان إلا إذا جازف بحياته الحيوانية لصالح رغبته الإنسانية فبواسطة هذه المجازفة
بمعنى أ ّ
تبدع الحياة الإنسانية ،لذلك فإن الحديث عن المجازفة بالحياة لأجل هدف لا حيواني.
ولذلك فأن أرغب في رغبة الآخر يعني أن تكون الرغبة في القيمة التي أنا عليها والتي أمثلها هي رغبة الآخر
نفسه .إنني أريد أن يعترف بقيمتي كقيمته هو ،إنني أريد أن يعترف بي كقيمة لا مشروطة ومستقلة.
أن الرغبة الإنسانية هي المولّدة للوعي بذاته ،للواقع الإنساني وهي وظيفة الرغبة في الاعتراف .كما أن المجازفة
ن الحديث عن الرغبة الإنسانية هو حديث عن صراع الموت من أجل الاعتراف .وهكذا لا يتكون
وبذلك فإ ٌ
الإنسان إلا ّ عبر صراع وتنازع رغبتين على الأقل .وهاتين الرغبتين هما ما يسمح بتمظهر الاعتراف المتبادل.
إن الكائن البشري يتشكّل عبر هذا الصراع لأكثر من رغبة .فكل على استعداد للمجازفة بحياته لمحق رغبة الآخر
ل كي يرغم الآخر على الاعتراف به ،وهكذا فإن اللقاء بين الرغبات المتصارعة لا يمكن أن يكون إلا لقاء مميتا،
إن الصراع يجب أن يفضي حتما إلى موت أحد المتصارعين او الى موتهما معا.
إلا أنَ تحقيق ترقي الإنسانية سيكون مستحيلا في حالة الموت البيولوجي و القيمي للمتصارعين ،إن الإنسان لا
كما أن موت الآخر الذي يصارع الأنا يؤدي إلى هذه الاستحالة نفسها لأنه بإعدام الآخر ستنعدم بالتالي الرغبة
التي يحملها هذا الآخر مما يفضي إلى انعدام الصراع نفسه.
27
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
فالوعي بالذات الذي يظل على قيد الحياة لا يمكنه الحصول على الاعتراف في صورة موت الآخر ،وهكذا فإن
التعدد ضروري في عملية الاعتراف ومن الضروري أن يكون تعددا مختلفا بالماهيةكما يرى ذلك كوجيف حذف
ول كنهما يجب أن يتواجدا لا متساو يين ( )inegauxأي يجب أن يسلكا بطر يقة مختلفة أثناء الصراع من أجل
الاعتراف .
فالواحد يجب عليه -دون أن يقع تدميره تماما -أن يخاف الآخر أي يجب أن يستسلم و يخضع للآخر وأن
يرفض المجازفة بالحياة وبالتالي أن يتخلّى عن الرغبة في الاعتراف من حيث الموضوع الأسمى لإشباع الرغبة
الإنسانية .إن ّه سيكفي بإشباع رغبة الآخر .يجب أن يعترف بالآخر دون أن يكون معترفا به من قبل الآخر،
و يجب على الأنا الانساني أن يكون أنا رغبة نافية ،فاعلة ومن ثمة فلا يوجد وعي بالذات إلا بعد صراع دموي
وحرب ومواجهة .ذلك أ ْن الانسان في بدايته يتحدد كيف سيقع الإفلات من البعد الحيواني في الوجود إلى
إن الوعي بالذات هو وعي متيقن من ذاته ولا يرى في الآخر إلا موضوع رغبة ،لا يرى الآخر إلا شيئا،
فيسعى الى قتله ونفيه مع الاحتفاظ به ،ول كن هذا الآخر هو أيضا متيقّن من ذاته واع بها لا يرى في الذات
الأخرى إلا ّ موضوع رغبة كذلك .فكلا الوعيين بالذات لهما يقين ذاتي ول كن لا يمتلكان حقيقة الوعي بالذات
إلا ّ بفعل الاعتراف بالآخر ،ومن هنا سينشأ صراع دموي من أجل الهيبة وال كرامة وهو صراع إنساني وثقافي
وحضاري.
إن الذي سيضحي بحياته من أجل الحر ية ويتجاوز الحياة كمعطى بيولوجي من أجل حياة غير بيولوجية سيصبح
سيدا وهو الوعي المنتصر ،أما الذي سيضحي بالحر ية من أجل الحياة فسيصبح عبدا للحياة منغمسا في الجانب
البيولوجي .لقد انتصر السيد وانهزم العبد .انتصر السيد لتساوي الحياة والموت عنده .أم العبد فقد انهزم لخوفه
ن السيد سيتجاوز العبد وينفيه كإنسان ول كنه سيحتفظ به كوسيلة بها يَنْفُذ ُ إلى موضوع
وعلى هذا الأساس فإ ّ
رغبته وذلك ما سيدفع العبد إلى العمل كي يرضي رغبات سيده .لقد أجبر العبد على العمل أما السيد فإن ّه وإن
اكتسب اعترافا بسيادته .فإن هذا الوعي بالذات للسيد ليس وعيا حقيقيا بالذات بل هو وعي وهمي بها لأن
الذي اعترف به لم يكن سي ّدا مثله بل عبدا ،والعبد لا يمكن أن يكون إنسانا ،وكي يوجد وعي حقيقي بالذات
28
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لابد أن يعترف به إنسان مثله .أما العبد بفضل عمله العبودي فقد دخل في صراع مع الطبيعة من أجل إرضاء
رغبات سي ّده واستثمارها وتحو يلها .لقد كان انتصار السيد لحظة بداية التاريخ حسب هي ﭬل ،أمّا عمل العبد
فلقد كان لحظة بداية تقدم التاريخ وحركته .أي أن العبد هو المحرك الأساسي للتاريخ أما السيد فهو المعطل
والمعرقل له بما أن موقفه من العالم كان موقفا سكونيا لأنه اعتبر أن كل شيء قد انتهى ،أما العبد فيفضل
العمل العبودي بدأ يغير الطبيعة و يحولها ول كن في تغييره للطبيعة وتحو يله لها هو يغي ّر ذاته و يحولها أيضا ،أي بدأ
يكتسب ما يسميه هي ﭬل بالحر ية ول كنها حر ية رواقية بما أنها مجردة .أي أن العبد اكتسب فكرة الحر ية المجردة
بفضل أثر العمل العبودي ول كن بين فكرة الحر ية المجردة والواقع العبودي الفعلي تكمن أزمة العبد ،ذلك أنَ
ل كن هذه السيادة هي سيادة شكلية ول كنّها تعبير عن الاستقلالية المطلقة إزاء كل العالم المعطى .وهذه
الاستقلالية هي الوعي الذاتي الرواقي فهي حر ية في الفكر فقط و يعب ّر عن ذلك كوجيف في كتابه «مدخل إلى
قراءة هي ﭬل» قائلا « :إن الانسان عند هي ﭬل لا يمكن أن يكون إنسانا إلا بالفعل الذي يغي ّر المعطى أي ينفيه.
وفي حالة العبد الفعل هو نفي للعبودية يعني أن ينفي السيادة» .
ل كن العبد لم يتجرأ بعد على أن يفعل ذلك أي أن يجس ّم الوعي الذاتي الرواقي المجرد على أرض الواقع ،فهو وعي
عند هي ﭬل ذاتي ،شك ّي ،يريد أن ينفي السيد كواقع للعبودية ،فهو وعي شك ّي ناف ول كنه لم يتجرأ على ذلك.
ومن ثمة فإن العبد يعيش تمز ّقا بين وعيه بالحر ية كفكرة مجردة وواقعه العبودي الفعلي .وهي حالة يسميها هي ﭬل
إن «الفينومنولوجيا» تريد أن تكون بالفعل تار يخا للوعي الإنساني مبينة لنا ارتقاء الوعي من أشكاله الأولية
أن تقدّم الإني ّة هو نتاج لتطور تار يخي إنساني حتمي ،هو تطور لأشكال الوعي.
24
أن الوصف الذي يعطيه هي ﭬل للحظات الوعي التي تطبع تطوره أصبحت كلاسيكية .إذ يرى ()Serreau
يبين كيف أن الوعي الحسي أثناء اعتقاده أنه قد أدرك الواقعي حسيًا فإن ّه لم يدرك سوى كلي مجرد ،لا محدد
23
Serreau Réne. Heggel et l’hégélianisme. P.U.F. Paris, 1962, P. 109
24
Ibid. P. 109.
29
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
هذا الوعي الحسي لا يضبط الأشياء بإدماجه لمفاهيم .ول كن العالم الحسي يبدو كممل كة للقوانين التي تحكم هذه
القوى ومعني ذلك أنه نتاج للذهن .وبرفع الحجاب عن الواقع وباعتقادنا أننا قد نفذنا الى باطن الأشياء .فإننا
وفي شرحه لجدلية السيد والعبد يتفق ( )Serreauمع كوجيف إلا أنه يضيف أَ ن كل الفلسفات الوجودية
تستند إلى هذه الجدلية فسارتر قد بين كيف أن وجود الآخر هو الذي يجعلني أعي بنفسي ،إذ عندما أنظر إلى
الآخر فإن ّه يصبح شيئا لي وعندما ينظر الآخر لي فإنني أفقد حريتي وأصبح عبدا للآخر ،الذي يصبح بدوره
ويبين جون فال في كتابه « :تعاسة الوعي عند هي ﭬل» أنه سيقع استبدال الصراع بين وعيين (جدلية السيد
والعبد) بانشطار داخل الذات الواحدة للوصول إلى الذاتية الورعة التي تتضمن لحظة الوعي الت ّعيس وهي
حالات النفس عند مسحيي القرون الوسطى التي تتألم بوجودها منشطرة ومنقسمة بين التعالي الإلهي والعدم
الإنساني .
ولقد تجاوز جون فال الفهم الضيق الذي يقتصر على ربط الوعي الت ّعيس بالمسيحية فربطه بالوعي الإنساني
ن تعاسة الوعي الإنساني تعبير عن تمز ّق في صلب الوجود .وهكذا يحتل الوعي الت ّعيس المكانة
عامّة .إذن ِفإ ّ
انشطار الإني ّة وتقزقها يظهر عند الريبيين القدامى وملحدي القرن الثامن عشر كما هو الشأن بالنسبة لمسيحيي
القرون الوسطى ،كذلك تبدو الذات داخل الأدب الرومنسي مصابة بطابع سوداوي وبنفس منكسرة.
يتبيّن إذن أن بداية الإني ّة ليست الدهشة كما هو الشأن بالنسبة لأرسطو وإنّما هي كذلك عدم الإشباع والوعي
الممز ّق.25
يعتبر هي ﭬل أن ديكارت قد نجح في جعل الوعي مبدأ الأشياء إلا أنه جعل هذا الوعي منفصلا عن الواقع.
-1لحظة الوعى الذاتي :يكون الوعي منفصلا عن موضوعاته أي عن الاشياء ومجاله الفرد وهو وعي ساذج.
25
Serreau Réne. Heggel et l’hégélianisme. P.U.F. Paris, 1962, P. 112
30
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-2لحظة الوعي الموضوعي :تبتدئ هذه اللحظة عندما تنتهي لحظة الوعي بالذات ،في هذه اللحظة يحصل وعي
بالأشياء وخصوصا بالمجتمع ،وقد عبر ال كسندر كوجيف عن ذلك في كتابه «مدخل الى قراءة هي ﭬل» قائلا:
«إن الوعي الموضوعي هو الوعي الذي يتحقق ضمن إطار اجتماعي» .
-3لحظة الوعي المطلق :هي لحظة يعي فيها الوعي بذاته ،يعي علاقته بذاته.
إن الإني ّة بالنسبة لهي ﭬل هو تاريخ الوعي إذ يتحقق داخل التاريخ فهو ليس معطى أو مل كة بل هو بنية .فالإني ّة
تُفهم كتاريخ ،أي كشيء متحرك ،و يعتبر هي ﭬل أن حركة التاريخ هي حركة الوعي بالذات ،إن الوعي يغترب
ل كي يتحرر.
إن عمل هي ﭬل يتمث ّل في استحضار الغائب الذي هو الآخر إذ يعيب هي ﭬل على الأنا المباشر الديكارتي بساطته
وهو بسيط لأن ّه منغلق على نفسه ،فموضوعه وماهيته شيء واحد وهو منفرد ومتميز عن الآخرين وعن الأشياء
و يعتبر كل ما هو خارجه سلبيا ،فعيب الأنا الديكارتي أن ّه ينفي كل ما هو مغاير له أي كل ما هو آخر ،إلا أن
الأنا الهي ﭬل ي منفتح على الطبيعة وعلى المجتمع وهذا الانفتاح رغم أنه يمثل لحظات اغتراب وتعاسة الوعي إلا ّ
أنه ضروري.
يقر هي ﭬل أن الفلسفة كي تصبح « قضية جدية » يتحتم عليها استحضار المغاير للذات ،فكل شيء يتم إثباته عبر
الاعتراف بالآخر وبهذا المعنى تكون فلسفة هي ﭬل فلسفة الاعتراف بالآخر ،إنها تستلهم كل انتاجات الأنا كي
تتحدث عن الأنا.
إن الإني ّة عند هي ﭬل حركتان :حركة يكتشف فيها الانسان ذاته ،وحركة يكشف فيها الانسان عن ذاته ،أي أنه
مع هي ﭬل لا يمكن الحديث عن حر ية بل عن تحرر ،فالإنسان خاضع للطبيعة وللمجتمع وهو يتحرر منهما عبر
وعيه بهما ،فالحر ية هي التي تجد شيئا تعارضه فالذات لا تكون متحررة إلا متى وجدت ما يعترضها لتثبت نفسها
31
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-هل الإنسان موضوع ،تفسير أنطولوجي ّا :هو البحث في جملة الإشكالات (التمهيد) :الفلسفة من جهة
أم تأو يل ؟ الوجود من جهة وحدته دواعيها ومجالاتها ومقاصدها بحث في الوجود فهي
متغي ّرة متجذّرة في التاريخ ماهو ي ّة ،ميتافيز يقي ّة لذا يجب استبدالها بصيغة
أي فهم التعدّد فيما هو من يكون هذا الإنسان ← نحن إزاء منهجي ْن:
إنسانيّ وإدراك الاختلاف منهج ميتافيز يقي ينظر للإنسان كحقيقة ،كجوهر،
ختص به هو ي ّة
بوصفه تنو ّعا ت ّ كماهي ّة ثابتة ،ومنهج تار يخي يقارب و يفهم
مغايرة. كواقعة.
32
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ينتهي الشّعور نافيًا وإقصائي ّا والن ّفس هي التي تحرّكه +الجسد آلة ،علاقة
للمختلف ،إن ّه حالة يقين لا أداتي ّة ،لقاء الن ّفس بالجسد لقاء عرضي ← إن ّية
يرتقي إلى مستوى الحقيقة. متمركزة حول ذاتها تدرك ذاتها وحدة مكتملة.
33
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
تتم ّ عبر عملي ّة تعقّل لا نحتاج (الشكّ في الطفولة ،في الحواس ،في العلم ،الخلط
فيه إلى وسيط ،فالوعي بين الواقع والخيال ،الخلط بين اليقظة والحلم،
بسيط، أن ّه خاصياته الخلط بين العقل والجنون والشكّ في الوجود)...
مكتف
ٍ مستقل ،منعزل، بقدر ما أزداد يقينا بأن ّني موجود كذات مفك ّرة»
بذاته ،مباشر ،منغلق على
← معيار حقيقة الذ ّات الحدس العقلي أي
نفسه إ ْذ «الأنا تساوي أنا».
الانكشاف بلا وسائط ،إنّها حقيقة هي بالأحرى
لا يعرف الوعي عبر تجل ّياته
ن اليقين ذاتي والحقيقة موضوعي ّة ،الأنا
يقين لأ ّ
ولا يعترف بعلاقة تواصلي ّة
جوهر مفك ّر ،التفكير هو الخاصّية الممي ّز للإن ّية،
مع الآخر فالإنّية متمركزة
ل حالات الوعي.
ل على ك ّ
التفكير يد ّ
حول ذاتها.
← يمي ّز ديكارت بين الجسم والن ّفس ،الجسم
الإنّية :هي إشارة إلى إن ّي
جوهر مادّي ،مركّ ب ،آلة ،نُدركه عبر وسائط لا
وليس الأنانة ،فالأنانة تشير
وعي فيه ،متحر ّك بذاته.
من ضرب إلى
أي ما به يكون الوجود و"ديكارت" إلى إقامة الثنائي ّة المتعالية للن ّفس على
وتعني الهو ي ّة كهو ي ّة شخصي ّة، الجسد والت ّأسيس لمنهج ميتافيز يقي ماهو ًّي ّا
الغير ي ّة :هي ما نستبعده من مجر ّد جسم مادّي أو آلة .مثل هذا التصو ّر يجعل
الإنّية ،هو ما ليس الفضيلة عقلي ّة و يجعل السعادة تجاوزا لما هو حس ّي
34
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الحدس :كيفي ّة مباشرة في وبسيطة وينفي التعدّد والاختلاف وفي مستوى
الإدراك دون الحاجة إلى سياسي يجعل العقل حتما للفضاء العمومي مم ّا
الحس ّي الحدس وسائط يولّد استبدادا للعقل هي النّمط الهي ﭭلي و ينهي
والحدس سينا) (ابن أخيرا إلى سعادة تتقو ّم برضا الن ّفس وتوافقها مع
(مورلوبنتي):
35
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-أنا حاضر في العالم والعالم الجسد الموضوعي :هو الجسد ← الوظائف الحيو ي ّة مت ّصلة بما هو نفسي وفكري
حاضر فيّ .حلّل هذا الرأي الجث ّة والقابل للتطبيب ،إن ّه وثقافي ورمزي وقيمي وأخلاقي +الآخر الإنساني لا
36
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يُدر َك من خلال منظور ي ّة الواقع والوعي ،أي هناك تأثير وتأث ّر .نفي تعالي
الحقيقة :هي المطابقة مع التار يخية تقر ّ بتبعي ّة الوعي إزاء الواقع +يوجد وعي
الذي تدركه الذّات في تاريخ الإنّية تاريخ اقتصادي رفض فكرة وجود ماهي ّة
المعنى بواقعها، علاقة إنساني ّة كوني ّة واحدة وثابتة مم ّا يعني عدم وجود هو ي ّة
مختلف ومتعدّد أمّا الحقيقة ثابتة.
فواحدة.
والخصوصية هي خصوصية اقتصادية .وما يفس ّر
الواقع :هو الشروط المادّية التعدّد الثقافي هو تنو ّع أنماط الإنتاج +الدولة تعبير
والتار يخي ّة المحدّدة لإنّية عن مصالح طبقي ّة وهي أداة هيمنة سياسية تنضاف
الإنسان ولوعيه. للهيمنة الاقتصادية +الرموز والعلامات تتحدّد بالانتماء
والتصو ّرات المنبثقة من الإنسان في المنظومة الرأسمالية +السعادة تكمن في
37
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يتراكم من أفكار وتمث ّلات رفض اعتبار الإنسان جوهرا عاقلا +تجاوز
الإنسان العاقل.
المجموع هو اللا ّشعور:
-4من الذاتية إلى البيذاتية( :هي ﭭ ل)
"-إنّيتي لا تنحصر في الوعي" الدّيناميكي لر ّغبات الم كبوتة
أ -حدود الذاتية المنغلقة وضرورة الانفتاح على
حلّل وناقش. والذّكر يات المنسي ّة التي لا
الآخر:
-هل يترت ّب عن اكتشلف تتجل ّى بشكل مباشر في
اليقين بالذات ليس حقيقة الذّات ،لا يمكن
اللا ّوعي نفي الوعي ؟ مستوى الوعي بل تظهر
استبعاد الآخر من الأنا +اعتبار الآخر موضوع
بشكل لاواعي في العلم
← ما وقع ليس نفيا للوعي بل
لمعرفتنا ولرغبتنا وهو موضوع خارج الذّات ،لذلك
وزلّات اللسان والأفعال
تأكيدا له إذ اكتشاف اللاوعي
حقيقة الذّات لا تختزل في ذاتها والتجربة المعيشة
والمهن الأفعال وردود
حصل بفضل الوعي +ما وقع
تكشف لي نمطا مغايرا من الوعي بوج ودي ←
والفنون.
ل
هو رسم حدود الوعي +يظ ّ
الإنسان يكتشف ذاته وفي علاقات مع الآخر.
الوعي الن ّور الذي يضيء لنا
← وجودنا لا يتحقق فعليا إلا ّ بالانخراط في الحياة
الجهاز النفسي :هو شخصي ّة
السّبيل "فرويد".
الإنسانية .الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر +
الإنسان من حيث هي
ل ذات ذاتها وهي متيقّنة من إنسانيتها
في البداية تعي ك ّ
تركيبة تقوم على الصراع بين
38
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ميادين هي "الهو /الأنا ل كنّها ليست كذلك بالنسبة إلى الآخر ،لا ترى في
الأعلى /الأنا" .و يكشف الآخر إلا ّ موضوع ولا ترى فيه ذاتا.
ن الذّات ليست
عن أ ّ ل ذات إلى إثبات ذاتها وإنسانيتها حتى
تسعى ك ّ
موحّدة بل هي وحدة تنتزع اعترافا بها كذات إنسانية أي كحر ّية +السبيل
مجز ّأة. إلى الاعتراف هو المجازفة بالحياة ،خوض الصراع لا
نقد هي ﭭ ل:
الحصان أرى
39
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أصارعه حيث بذاتي، ب -في ضرورة وساطة الآخر لإدراك إنّيتي:
إنسانية قيمة الاعتراف: الآخر وسيط وشرط ضروري لوعي بذاتي وتكوين
الحياة ،دافعي ّة الفعل والجهد. الإنسان كائن القيم ويحمل رؤ ية لذاته إذ تكشف
الآخر في آن واحد.
40
ظت
ل مة ص بل
ا وا ل و ا إ
الرمرنة
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
و مما ينجم عنه معرفة وتواصلا للإنسان بالآخر حيث يسود منطق الإعتراف المتبادل و الإنفتاح و احترام الآخر.
غير أن ،القر ية اليوم فهي لا يعرف فيها الإنسان الآخر و تقوم على إنعدام التواصل حتى داخل العائلة الواحدة،
إذ يمثل كل فرد أمام أجهزة تقطع التواصل ،بحيث أضحى الإنسان غريبا داخل المجموعة ،فهو حسيا و ماديا
مثل هذا التوتر بين الإدّعاء بأن العالم قر ية كونية و الواقع المرير الذي يؤكد أن الإنسان في عزلة جليدية يدعو
-ما قيمة أشكال التواصل الرمزي إذا علمنا أنه محدود إيديولوجيا و بنيو يا ؟
إن مسألة التواصل و الأنظمة الرمزية تحيل على علاقة الأنا بالغير في بعدها الثقافي و الحضاري ،أي تدفع إلى
النظر في واقع الحضارات و الشعوب مما يثير قضايا الإختلاف و يطرح مشكل العالمي و العولمي و الخصوصي.
إذا كان تاريخ الفلسفة مسكونا بالذات كمنطقة للتفكير و بالعقل كمجال للتفلسف و بالجدل كمنهج لمقاربة
الإنسان و بالجدلية كفكر ميز الفلسفة ،فإن الفكر اليوم محوره الإختلاف لا كتقر يظ بل الإختلاف كمفهوم
هذه الأزمة تهدد ما تعيشه المجتمعات اليوم من تعددية و تنوع .و في النظر إلى الإختلاف مواقف متناقضة.
هناك تصورات جادة تلح على التنوع و الإختلاف المثمر و الخصب و تقوم بتقر يظه و الإحتفاء به و رفعه إلى
42
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وهناك تصورات تقوم بإستعمال الإختلاف كمطية لإستعباد الآخر فتصبح مقولة الإختلاف هي ما يسمح لنا
بإقصاء الآخر ،مما يدعو إلى ضرورة ربط الإختلاف بالنقد .أي التسلح بالنقد كآداة تمكن من تجاوز الأزمة،
لأنه حيث توجد أزمة يوجد نقد و التعبير لكانط .ووظيفة النقد تتمثل في فصل المتشابهات و إقامة الحدود بين
التماثلات .فللنقد وظيفة أساسية هي رسم الحدود و التفطين للإستعمالات السيئة و فضح التوظيفات التي
جعلت الإختلاف محل تظنن .و يؤكد النقد على ضرورة البحث في الأسس لأن معنى من معاني النقد هو
إن أساس التواصل هو الإنسان بوصفه وعيا في التاريخ و يتطلب حضور الغير طالما أن الذات لا تنفصل عن
الآخر و عن الزمان و ترتهن إلى أنظمة رمزية .مما يعني أن الأدوات شرط ضروري ل كنه غير كاف لتأصيل
التواصل كقدر إنساني .فالتواصل مطلب إيتيقي و قيمة أخلاقية و غاية إنسانية وهو ليس سلعة أو بضاعة توجد
على قارعة الطر يق ،وهو ليس كما ينتجه البعض و يكون حكرا عليه و يدعي تسو يقه بالقوة المادية الخام أو الرمزية
المتخفية.
إن قيمة التواصل تكمن في كونه مسارا له غايات تتجاوز الوسائل ،ل كن ما نشهده اليوم تضخم الوسائل
و إنعدام الغايات بحيث نعيش تخمة في مستوى ما نمتل كه من وسائط مادية للتواصل ،أي كثرة في وسائل
الإتصال و نز يفا للبث نلحظه في التغطية الإعلامية الم كثفة لكل رقعة من الأرض و قرب المسافات وإنفجار
للصورة و إنتشار للثقافة الرقمية و نعيش في المقابل ضعفا للتواصل و ضحالة في اللقاء الإنساني و آفتقار للرموز
و تصدع لعلاقة الإنسان بالإنسان .لذلك يطرح اليوم سؤالا عميقا هو:
-هل التواصل حاجة تنجز بطبعها و تفترض إشباعا أم مطلبا يفترض إنشاء سبل لتحقيقه؟
-ما حاجة الإنسان إلى التواصل و كيف نؤمن تواصلا يتجنب الدمج و التنميط و الإغتراب؟
43
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
عادة ما يستعمل الإنسان و سائل دون أن يعي كيفية تكونها و آليات إشتغالها وهو ما يحصل إزاء
المنتجات المادية و الرمزية أيضا لذلك يتواصل الإنسان مع ذاته و مع الآخر و مع العالم دون التساؤل عن كيفية
تكو ّن تواصله فاللغة كقدرة تواصله يمارسها الإنسان دون الإهتمام بتحقيقها فيستعمل ألفاظا مختلفة يعبر بها عن
تجاربه دون النظر في معانيها في حين أن الحكمة تقتضي الوقوف على حقيقة الألفاظ و الرموز و على تأليفها
وحياتها الداخلية و القوانين المتحكمة فيها ,مما يبرر التساؤل التالي :
• إذا كانت الألفاظ قادرة على تحقيق التواصل الإجتماعي (ما في القلوب و الضمائر) -فهل تستطيع اللغة
التواصل حاجة إنسانية أكيدة و وظيفية الحكمة تكمن في تواضع الناس و اتفاقهم و إجماعهم على وضع ألفاظ
للمعاني ,أم أن حاجة الإنسان إلى التواصل هي التي و لدت الحاجة إلى اللغة .
-اللغة وسيلة لتحقيق غاية هي التواصل أي لقاء الآخر من أجل التبادل :
▪ المنافع
▪ الأفكار
▪ المشاعر و العواطف
-الحاجة إلى التواصل فطر ية و غريز ية و الحجة في ذلك ان الإنسان خلق بحيث لا يستقل لتحصيل جميع مهماته
فاحتاج إلى أن يعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التو ّسل به إلى الإستعانة بالغير.
هذه الحج ّة ( حج ّة الإستقراء ) تفيد ان الإنسان كائن نقص و انه لا يستطيع تحقيق إحتياجاته بمفرده مما يجعله
44
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الحاجة :
▪ الحاجة حيوانية بمعنى انه لا يمكن الإستغناء عنها و الحاجة مشتركة بين جميع أفراد النوع الإنساني
وظيفة اللغة تحقيق هذه الحاجة لأن الحاجة تفترض تلبية و إشباعا و متى لم تشبع الحاجة إختل طبع •
• الأساس الذي تقوم عليه الألفاظ إذن هو حمل المعاني التي من شأنها أن تلبي الحاجة الإنسانية ,و من
خلال هذه المعاني المصطلح حولها و المت ّفق بشأنها و التي نعب ّر عنها بألفاظ محددة يستطيع الإنسان إشباع
حاجته.
• الإنسان كائن التواصل و ما يعل ّل ذلك الحاجة إلى الحياة الجماعية إذ لو كان الفرد قادرا على تحقيق حاجته
بنفسه لما احتاج إلى إبداع أدوات تواصل مثل الألفاظ أو غيرها.
• التواصل إصطناع و مواضعة و اصطلاح أو إتفاق ضمني غير معلن يحمل معاني لمخاطبة الغير .فهو صلة بيني
تتولد منه الحروف دون نهاية فهو خصب غير ملتبس و غير إقتصادي
غير مشتبه
• ينتهي الرازي إلى تفضيل التواصل اللفظي عن التواصل الحركي و هذا طبيعي بالنسبة لمفك ّر يتحرك داخل
إبستيميا تعادي المادة و ترفع من شأن النفس .فالتعبير الحركي تعبير الجسد أما التعبير اللفظي فتعبير النفس
و هذه المفاضلة تبدو طبيعية بالنسبة إليه لأنه يتحرك داخل فضاء ذهني تراتبي و ثنائي .
45
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الحدود :
لا تفاضل بين أدوات ووسائل التواصل و الحج ّة على ذلك أننا نتواصل مع من لا يملك نفس ألفاظنا. •
موقف الكاتب ليس راهنا فالتواصل اليوم يحدث عبر وسائل غير لفظية و هي أكثر مباشرة و أقدر على •
التعبير و على النفاذ إلى خواطرنا الأكثر حميمي ّة مثل الصورة .
التواصل ليس حاجة فحسب بل هو مطلب إنساني و اجتماعي و إيتيقي إذ الحاجة هي ما ننطلق منه •
نستنتج أن التواصل ممكن عبر كل الوسائط و التواصل حوار و هدف الحوار إفساح المجال أمام الإنسانية
للتعرف على إنسانيتها و إدراك ذاتيتها في الآخر إذ أن الإنسان بفضل التواصل يدرك ذاته عبر الآخرين و بفضلهم.
كما أن التواصل قدرة على التعارف و المشاركة و تحقيق الذاتية و التبادل ( تبادل الحاجيات و تبادل القيم
التواصل مقدمة للفهم و الإستعداد للتواصل هو إستعداد للتعاطف مع الآخر و فهمه و التفاهم معه و ل كي
يكون الحوار حوارا كونيا لا بد أن يؤسس على معياري الحقيقة و الحر ية لا على معيار الصلاحية و النجاعة
و المنفعة و الحاجة .إن التواصل متى كان رهين الحاجة أضحى إتصالا و ات ّخذ منحى البث لا التواصل و منحى
حين ندرك كونية الإنسان لا إجتماعيته فحسب نقر أن التواصل مطلبا أكثر مما هو حاجة .فالحاجة متحق ّقة
بطبعها أما المطلب فهو ما يحتاج إلى أشكال و أنظمة ويراهن على القيمة مما يجعل التواصل متنو ّعا لا وحدة
.وكثرة دون تراتب مما يطرح قضية تعدّد الأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل و الإقرار بأن الإنسان
كائن رامز لا متكلما فحسب لأن الكلام ينبع من قدرة رمزية فما مضمون قولنا :الإنسان حيوان رامز ؟
46
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
كلما طرحت مسألة التمييز بين الإنسان و سائر الكائنات إلا ّ و تكر ّر القول أن اللغة هي خط الفصل بينه
و بينها و في ذلك ما يفترض أنه الكائن الذي يتمي ّز باحتكامه للعقل لأن اللغة تعبير عن الفكر .لذلك ينظر إلى
الوعي على أنه الإطار الأمثل لتحقيق ما ينشده الإنسان من كمال .غيرأن تاريخ وواقع الإنسانية سرعان ما
يخي ّب هذا الإنتظار ليكشف أن الرمز هو أساس جميع الفعاليات الإنسانية وهو الرابطة العامة التي توحّد مختلف
و ليثبت الرموز المؤسسة للتجربة الإنسانية في العالم و ليكشف عن محدودية التعر يفات الكلاسيكية للإنسان
أن الحضارة الإنسانية نشأت عن قدرة رمزية يتمتع بها الإنسان .و إزاء هذا الوضع المفارقاتي يصبح من غير
• هل ما يجمع بين الأسطورة و الدين و الفن و اللغة وجودا موضوعيا أم ذات رامزة
• ألا تكون الشبكة الرمزية معب ّرا عن الذات حين لا يرى الإنسان شيئا إلا ّ من خلالها و هي في نفس الوقت
هناك صفة /سمة تجمع بين جميع الصفات التي تنسب إلى الإنسان و تعلو على جميعا وهي سمة الرمزية.
إن القدرة الرمزية هي الخاصية الجوهر ية الممي ّ زة لإنسانية الإنسان وهي ما تعب ّ ر عن كمال نوعه كإنسان مقارنة
بالكائنات الأخرى .لذلك يدحض كاسيرار كل محاولات فهم الإنسان خارج إطار قدرته الرمزية و هي
• إعتبار التمييز يتحقق بالوقفة العمودية مما مكّن الإنسان من حسن إستعمال يديه و التحكم أفضل في المجال
• إعتبار التمييز يتحقق بالفكر :فالإنسان يمتلك القدرة على التفكير أي الوعي بذاته و بالعالم و بالآخر و بإدراك
47
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• إعتبار التمييز يتحقق بالقدرة على الصنع فالإنسان صانع أدوات مك ّنته من مباشرة العالم عبر وسائط جعلته
أكثر ذكاءا و اقتدارا وهذه الأدوات بقدر ما تعب ّر عن ذكائه بقدر ما تشك ّله و تنتجه.
• الإنسان كائن متكل ّم أو حيوان ناطق بحيث أن النطق كفاعلية ذهنية و كوسيط بينه و بين ذاته و عالمه
• الإنسان ينتمي إلى عالم البيولوجيا يوصفه عضو ية ل كنه يشذ عن القواعد البيولوجية بفضل ممي ّز ينفرد به وهو
• الجهاز الرمزي أداة يمل كها الإنسان بمفرده يقول بنفنيست " :إن القدرة الرمزية هي أخص خصائص
الجهاز الرمزي:
▪ مل كية إنسانية.
▪ حلقة ثالثة ( الكائنات البيولوجية تمتلك حلقتين :حلقة عضو ية و حلقة عصبية -الجهاز المستقبل
و الجهاز المؤثر – الإنسان يمتلك إلى جانب الحلقتين حلقة رمزية ) .
▪ قدرة على تحو يل الحياة الإنسانية من حياة مباشرة إلى حياة توسطية تحيا من خلال شبكة من
العلامات و الرموز.
▪ قدرة على توسيع الدائرة الإنسانية كمّا و نوعا – الجهاز الرمزي غي ّر الإنسان تغييرا نوعيا.
▪ جعل الإنسان يعيش في عالم أوسع و يعيش في بعد جديد من أبعاد الواقع هو البعد التخي ّلي
و الذهني فلا يكتفي الإنسان بالبعد الحس ّي المباشر و إنما ينتج غشاءا أو نسيجا من العلامات حول
الواقع أي إنتاج واقع جديد ,واقع من إنتاج الإنسان فالرمز فهم للعالم و إنتاج للعالم أي إنشاء
العالم ذاتيا.
▪ الوظيفة الرمزية لا ترتكز إلى ردود عضو ية بل إلى أرجاع فالردود العضو ية محدودة و دون وساطة
48
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أفعال ثقافية لدى الإنسان ,تتميز بالخلق و الإبداع ردود أفعال طبيعية لدى الحيوان – ثابتة خالية
متنو ّعة و متكث ّرة و مختلفة في الزمان والمكان من الخلق و الإبداع
تفترض المخيلة و العقل كقدرات تحدّد الفعل + محدودة – خالية من القصد و الدلالة
ذات معنى و قيمة +تتجاوز العالم كمعطى مباشر + تفتقر إلى المعنى
تتجاوز الحاجة البيولوجية المباشرة رغم تلبيتها نحو ترى العالم بشكل مباشر وحس ّي
• إنقاذ العالم من العدم و العبث عبر إنتاج نسيج • تسقط العالم في العدم و لا تكسبه معنى
هي الخروج من العالم المادي الصرف من أجل العيش في عالم رمزي .
▪ كلما تقدمت فعالية الإنسان الرمزية إلا وتقلص الواقع المادي ليصبح الإنسان يعيش في عالم من
▪ الإنسان لا يصغي إلى أشياء العالم و لا ينصت إلى واقع موضوعي و عيني بل يتحدث إلى عالم ذاتي,
عالم من إنشائه :الإنسان يتحدث دائما إلى نفسه أي يصغي إلى رموزه و علاماته التي هي و سيط
▪ لا نعيش في واقع حس ّي /موضوعي /مادي /طبيعي /عيني بل في عالم خيالي ذهني و رمزي ,
49
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لا نرى العالم إلا من خلالها مما قد يفصلنا عن عالمنا " :أصبح الإنسان لا يرى شيئا و لا يعرف
▪ هذه الوسائط الرمزية ( لغة – أسطورة – دين – فن – علم ) ...تحقق نفس القصد و تنبع من
نفس الحاجة و تحقق نفس الوظيفة و تستجيب لمطلب الرمزية لدى الإنسان كحيوان رامز .
-هذا التنوع في الأشكال الرمزية هو الذي سيفتح المجال واسعا أمام فلسفة الإختلاف و التنوع و ال كثرة
-هناك مرور من فلسفة الذاتية ومن فلسفة البيذاتية إلى فلسفة الأشكال الرمزية التي تؤسس لتأو يل إختلافي
للإنسان و للعالم مما يفضي إلى رفض أحادية الرؤ ية للعالم إذ رؤ ية العالم مختلفة بالضرورة .
-الإنسان لا يرى العالم كما هو بل ما يبدو له +الإقرار بقيمة التنوع الحضاري و الثقافي +عدم السعي إلى رد
ال كثرة إلى الوحدة بل تفكيك الوحدة إلى تنوع من شأنه أن يثري الإنسانية و أن يؤسس لحوار بين الحضارات
-كل تمثيل يحمل معنى و يحيل إلى شيء غائب ,فالرمز و ساطة بين ما هو ذهني و ما هو حس ّي .فالرمز يحمل
-كل نظام رمزي ينطوي على معان قابلة للتأو يل فهناك تقاطع بين الرمزي و التأو يلي /الهرمنطيقي .لأن الرمز
متنوع.
يوجد قدر من الإجماع بين الناس على اختزال اللغة في بعدها الأداتي و إعتبارها مجرد و سيلة للتعبير عن
الذات و هي لا تعدو أن تكون سوى آلية للتواصل مع الآخر .هذه القراءة الإختزالية للغة في بعدها الإستعمالي
و الذرائعي أفضت إلى جعلها شيئا يستعمله الإنسان و لا يعبت ّر عن حقيقته و إن ّيته .غير أن الإمعان بأكثر دقة
في طبيعة التواصل اللغوي سرعان ما يكشف قدرة اللغة على إستيفاء حقيقة الإن ّية حيث أن اللغة تمث ّل محدّدا
50
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
جوهر يا للإنسان سواء كان فردا أو جماعة .و في هذا الوضع ما يبرر الشك في مدى قدرة المقاربة الأداتية على
• ما طبيعة علاقة الإقتران الضرور ية بين اللغة و الإنسان و كيف تكون محدّدا جوهر يا لإن ّيته ؟
• إذا لم تكن اللغة أداة للفكر فما الذي يعل ّل كونها الفكر نفسه ؟
• أي علاقة يقيمها بنفينيست بين البيولوجي ( الفطري ) و الثقافي ( الم كتسب ) و بين الذاتية و المجتمع في
اللغة ؟
• ما أحقي ّة الإشتغال على البنية الداخلية للغة و إهمال علاقاتها باللاوعي و بالجسد و التاريخ ؟
الفكر شديد الإرتباط باللغة إلى حد أنه يمكن المماثلة بين الفكر و اللغة إذ الفكر يتشكل بواسطة اللغة والبحث
في مسألة اللغة لا يكون بمعزل عن البحث في مسألة الإنسان و في إن ّيته و في طبيعة علاقته بذاته و أشكال
تواصله مع الآخرين.
اللغة ليست أداة للتعبير عن الفكر و إنما هي الفكر ذاته إنها ليست شكلا أجوفا يحمل مضمونا هو الفكر بل أن
مقولات اللغة هي مقولات الفكر فهي الفكر ذاته .لذلك لم يخلق الإنسان أوّلا دون لغة ثم أنتج لغة بل إن
لحظة القول هي لحظة الوجود أو لحظة إمتلاك اللغة هي لحظة الإن ّية فالإن ّية تتشكل لغو يا يقول بنفنيست :
oليس التفكير شيئا آخر غير القدرة على إنشاء تمث ّلات رمزية للأشياء .
oتحو يل التجربة إلى رموز و علامات مفهومية تصفها و تعب ّر عنها و تستبعدها لإستحضار الذات.
51
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
oالتمثيل الرمزي :---القدرة الرمزية حيث لا يكون الرمز علاقة طبيعية بالشيء و إنما هو فعل إنساني
يعب ّر عن تمث ّل .و الرمز خاصية إنسانية إذ لا يمكن لغيره من الكائنات إنشاءه .الرمز تفكير إذ الفكر
هو الذي يبدع الرمز و يخلقه و الفكر يصنع أشياء و في نفس الوقت الذي يصنع فيه أشياء يصنع
علامات .و الرمز يحمل كثافة دلالية و كثرة في المعاني تجعله بحاجة إلى تأو يل و يظهر الرمز في شكل
صورة ثر ية بالمعاني و الدلالات :---الرمز ضرورة لإقامة علاقة بالعالم و بالآخر فالعلاقة ليست ممكنة
الفكر ليس مجرد إنعكاس للعالم ,فصورة العالم لا تنعكس مباشرة في الفكر بل هناك نسيج من الرموز و العلامات
تتوسط علاقة الفكر بالعالم .و هذا النسيج الرمزي تعبير عن حضور الذات.
يوجد العالم من جهة و توجد لغة تحمل الفكر و تعب ّر عن العالم . o
هناك العالم كمعطى طبيعي خام و هناك تمثل مفهومي للعالم يحصل بفضل اللغة. o
فعل فردي وهو طر يقة الفرد في فعل إجتماعي وهو طر يقة المجتمع خاصية إنسانية تعب ّر عن
استعمال الل ّسان ← خاصية في التواصل اللغوي←خاصية تمثيل رمزي للعالم و تعكس
فردية . إجتماعية ←إنه مؤسسة إجتماعية قدرة رمزية يختص بها الإنسان
اللغة تحقق دوما في لسان أي في بنية لسانية محددة و مخصوصة و هذا ما يفس ّر تعدد الألسن و تعدد •
الثقافات و أنماط التفكير إذ لو كانت اللغة واحدة لكان الفكر واحدا .
ترتبط اللغة بمجتمع بعينه و هي حاملة للبنية الذهنية للجماعة الإجتماعية ( مثال :قواعد اللسان العربي هي •
قواعد العقل العربي لأن اللغة إلى جانب كونها نظاما رمزيا تواصليا هي أداة التفكير المنطقي و تعكس
52
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
بما يعنيه من رفعة و ارتفاع و ترفع و يكون أيضا منصوبا بما يعنيه النصب من سعة الحيلة و القدرة
و الإنتصاب بالمعنى الرمزي و الفيز يولوجي في حين أن المؤنث مكسور بما يحمله المعنى من إنكسار .كما أن
الجمع الغير عاقل يعامل معاملة المؤنث المفرد مما يعني وجود تماهي بين كائنات غير عاقلة و صفة التأنيث .
و أن الصفة الإيجابية إضافة إلى ذلك أغلب الصفات السلبية مؤنثة وهذا يعكس رؤ ية تحقير للمؤنث .علما
عندما تؤنث تكتسب دلالة سلبيةكقولنا :مصيب أي على صواب و عندما تؤنث تصبح مصيبة وهي تحتمل
معنى سلبيا أو قولنا نائب و تأنيثه نائبة بمعنى مصيبة أو حيّ و أنثاه تصبح حي ّة مما يؤكد وجود بنية ذهنية
تح ّط من شان الأنثى و مما يجعل الحاجة ملحة إلى إعادة تدب ّر مشكل اللسان العربي ).
ينفي بنفيست الطابع الفطري عن اللغة و ينفي الفطر ية الإجتماعية ليؤكد أن اللغة إكتساب وأن إجتماعية •
الإنسان إنشاء تربوي و تار يخي ← منهج تار يخي يقطع مع التصورات الماورائية و الميتافيز يقية حول
رفض التصور الماهوي للإنسان و الإقرار بأن للإنسان تاريخ و أن الوعي و اللغة إنشاءات إجتماعية. •
الإقرار بمفهوم التطو ّر كمفهوم يحكم الإنسان و العالم و التاريخ و اللغة←لا شيء معطى كل شيء مكتسب. •
يرفض بنفينيست فكرة طبيعة إنسانية معطاة بصفة مسبقة و بشكل ميتافيز يقي ليؤسس لتصو ّر تاريخي •
يحترم الإختلاف و التنوع إذ لو كان للإنسان ماهية لكان شكل وجوده واحدا ,ل كن الواقع يؤكد أن ما
مثل هذا التصو ّر يعترف بما هو كل ّي في الإنسان وهو القدرة على التمثيل الرمزي و يدرك أن هذا الكل ّي •
نبذ المركز ية الثقافية و الإقرار بأن الإنسان و احد و أشكال وجوده متنوعة. •
الإنسان واحد من حيث هو جملة إستعدادات ل كنه مختلف من حيث قدرته على الإنجاز وكيفيات الإنجاز
53
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ما نتعلمه لاحقا ما نولد به +ما يكون موجودا بشكل مسبق
ما نكتسبه بفعل علاقة مع الآخرين و هو البعد عن أي إنجاز +ما يشترك فيه كل البشر
الثقافي الذي يتلقاه الإنسان داخل وسط بعينه + ما يشكل حاجة لا غنى عنها
إجتماعية و أخرى
المكاسب :نغنم من هذا التصو ّر الذي يقدمّه بنفينيست جملة مكاسب وهي :
-1إعتبار اللغة محددا جوهر يا للإنسان سواء كان فردا أو مجموعة .
-2اللغة و سيط رمزي بامتياز و ل كنها لا تغنينا عن بقية الوسائط الرمزية .
-4اللغة إستعداد فطري كقدرة على التمثيل الرمزي وهي ت ُنجز في لسان محدد و مجتمع بعينه مما يفس ّر كثرة
الألسن و اختلاف أنماط التواصل اللغوي و تنوع الثقافات و مما يدعو إلى تثمين الإختلاف كعامل إثراء
و إخصاب لإنسانية الإنسان و مما يجعل كل تمركز ثقافي إفقارا و إنضابا للإن ّية .كما أن الإن ّية تجلي نفسها
وفق معاني و دلالات مختلفة ووفق أنظمة رمزية غير اللغة مثل الدين كنظام رمزي مقدس.
فبأي معنى يكون الد ّين نظاما رمزيا ووسيطا للتواصل ؟ .
54
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
نشهد اليوم تحولات معرفية و تقنية لم يشهد التاريخ لها مثيلا إذ المجتمعات المعاصرة رغم تفاوتها بلغت
درجة من التقدم المادي توحي بحالة من السعادة الظاهرة للعيان و المعروضة بشكل حسي ,حيث أن الحضارة
المعاصرة حق ّقت ضربا من النمو الكمي و الوفرة الإنتاجية و النهم الإستهلاكي الشيء الذي يشي بأتراكسيا تنبؤ
براحة نفسية و حالة رضى عن ما أنتجه الإنسان .ل كن هذا التضخم المادي قابله فقر روحي و معنوي عميق
وجدب من المعنى و افتقار لقيم نوعية تشتد حاجة الناس إليها مع كل طفرة علمية و تقنية مما يجعلنا نرصد شكلا
مكث ّفا للحضور الديني يجعله من المطالب الإنسانية الماسّة .و مثل هذه المفارقة في سياقنا التار يخي تدعو إلى
التساؤل:
• هل الدين تعبير عن مرض أم أن التخلي عن الوظيفة الروحية هو الذي يؤدي إلى المرض ؟
• ما أحقي ّة الإدّعاء بأن للدين وظيفة نفسية فحسب ؟ و متى يتحول الدين إلى خطر على التواصل ؟
للدين وظيفة حقيقية لا تختلف عن الوظائف البيولوجية ( الجنسية ) أو العرفانية ( المعرفة ) أو الحركية
• الروحاني مقام الحياة لأنه يحتل موقعا في الحياة النفسية .وهو حالة وجود نظرا لقدرته على التأثير.
• الوجود الإنساني و الوعي الإنساني في حالة إنفتاح على كل أشكال الوجود البيولوجي و المعرفي و النفعي
55
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• وجود الد ّين دوما ( توجد مجتمعات بلا علوم و لا تقنيات ل كن لا توجد مجتمعات بلا ديانة )
• موجود في كل مكان :الوجود في المكان يستوجب فهما روحيا له .أي تفسير للمكان بفضل الد ّين ,فالد ّين
• يوجد في حالة كُمون على الأقل :أي أن الأفراد حتى وإن لم يمارسوا أشكالا من التدي ّن فإن الد ّين موجود
فيهم بالقوة و كامن في طبيعتهم ← تأكيد الحاجة الفطر ية للتدين ← التدين مطلب غريزي و فطري
و تستجيب لبعد وحيد من أبعاد الإنسان أما الد ّين فهو تفسير كل ّي و شمولي للإنسان و العالم لذلك يكون
الإنسان في حاجة إليه ←الإنسان كائن التفسير و التفكير الشمولي و الكل ّي و الد ّين مطلبه الكل ّي و الشمولي
يقدم مايار حجة إستقراء تؤكد أن كل المجتمعات و الحضارات هي ّأت مدوّنة دينية و روحية.
هي إستجابة لرغبة الإنسان في التفسير و الفهم و إنقاذ الظواهر من العدم و تفسير المرئي باللامرئي و لها وظيفة
نفسية أساسية تخلق توازنا للفرد و للمجموعة و أداة تواصل مع الآخرين .وهي أداة تماسك و توحيد إجتماعي
-أطروحة ماركس :المتمثلة في الإقرار بأن الدين أفيون الشعوب و هو زفرة المخلوق المضظهد وهو روح عالم لا
روح فيه ← فالدين من منظور المادية التار يخية هو آلية إيهام و تخدير تستعملها الطبقات المهيمنة إقتصاديا من
أجل تبرير إستغلالها للطبقات المضطهدة وهو إيديولوجيا تحتمي بها الطبقات الضعيفة من أجل تبرير واقعها
التعيس إنه تعبير عن وعي شقي بالعالم و عن وعي مقلوب يركن إلى الإستسلام و يحو ّل طبيعة الصراع من
-أطروحة فرويد :المتمثلة في الإقرار بأن الدين عصاب جمعي أي شكل من الإضطراب النفسي الجماعي المتمث ّل
في عدم القدرة على التكيف إذ يماثل فرويد بيم المتديّن و العصابي.
56
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
شخصية مرضية تكابد واقعا لا يرضيها شخصية مرضية تشكو من عدم القدرة على
تعيش صدّا إزاء ميولاتها و تفر ّ من واقع لا تجد صدّا من طرف الواقع
يرضي إلى ضرب من الخيال الديني و الفرار الواقع لا يرضي رغباتها و مضاد لها
الجماعي إلى عالم إفتراضي( الآخرة )–العزوف تفر ّ من واقع لا يرضي على دنيا الخيال
عن الحياة و استبدالها بحياة خيالية منتظرة تعيش الخيال على أنه واقع
و إعداد سبل النجاح لحياة أخرى مفارقة – لا تستطيع العودة إلى واقعها
بالنسبة ل مايار هاذين الكاتبين لم يدركا سوى الوجوه السلبية للسيطرة مثلما وجد في كل إنجاز إنساني +لم يعترفا
في نظر مايار يجب تنمية الوظيفة الدينية +غياب تنمية هذه الوظيفة الروحية لدى الفرد تسبب في اظطرابات
و اختلالات نفسية .فعدم توفر مدوّنة دينية و عدم تنمية الرغبة في التديّن و ضرب الوظيفة الدينية يؤدي إلى:
* الذهان – ( - Psychoseمرض نفسي يتميز باضطراب عام في الوظائف العقلية كالإدراك و الحكم
و الإستدلال و يصاحبه عادة إضطراب عميق في السلوك و الشخصية مما يحدث تهيؤات لدى المر يض )
و الإندفاع +سرعة الإنتقال من موضوع إلى آخر مما يؤدي على الوهن كما في حالة الهوس الإكتئابي ).
المكاسب :
57
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
قد يتحول الدين فعلا إلى حالة ع ُصاب جماعي و هوس +قد يكون الدين خطرا على التواصل حين نعتقد •
الديّن بقدر ما يحققه من إشباع نفسي و توازن إلا أنه قد يتحول إلى سبب إنغلاق و رفض حضاري للآخر •
حين لا ندرك أن الديّن واحد أي أن الوظيفة الروحية متماثلة و ك ُلي ّة لدى البشر ل كن التديّن مختلف +يجب
التمييز بين مضمون الديّن وهو كل ّي و شكل التديّن وهو جزئي .و رغم ذلك يظل الديّن صورة للعالم .فما الصورة
كلم ّا طرحت مسألة التمييز بين الأسطورة و العلم إلا و تكر ّر القول أن العقل هو خط الفصل بين ما هو
علمي و ما هو أسطوري و في ذلك ما يفترض أن الخطاب الأسطوري يتمي ّز باحتكامه إلى الخرافة و غياب
العقل و استبعاد المنطق و الفشل في التفسير و عدم الجدوى و المنفعة بحيث تكون الأسطورة التعبير الأمثل
عن غياب القدرة و عن العجز في مواجهة الواقع الطبيعي و الإنساني .غير أن تاريخ الإنسانية وواقعها سرعان ما
يكشف عن تهافت هذا الحكم ليكشف أن الأسطورة لم تنشأ إلا ّ إستجابة لحاجة إنسانية إلى التفسير و الرغبة في
الفهم و السعي إلى التكي ّف مع الواقع و لتمث ّل رؤ ية للعالم و تحقيقا لمطمح الإنسان إلى المعرفة و التواصل
و إزاء هذا الوضع الحائر في تقدير قيمة الأسطورة يصبح من غير الممكن إجتناب التساؤل :
• إذا كانت الأسطورة إنشاءا إنسانيا فأي منزلة يحتلها الإنسان داخل تصو ّر أسطوري لل كون ؟
58
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• أي علاقة يقيمها قارودي بين العلم و الأسطورة هل هي الرغبة في التفسير السببي أم السعي إلى إيجاد
• ما حاجة العقل اليوم إلى الأسطورة إذا كان العقل نفسه قد تحو ّل إلى أسطورة بسبب التطور العلمي
و التقني ؟
يؤكد قارودي أن الأسطورة شكل من أشكال التواصل الرمزي الخيالي بين الإنسان و الإنسان و بين الإنسان
و العالم .
فهي لذلك تمث ّل رؤ ية الإنسان لعالمه و لذاته وللآخر أي للغير .إنها تمنح العالم دلالته و للوجود الإنساني قيمته
و معناه و تمث ّل الأسطورة مشروع تحرر من المعطى الحس ّي المباشر من أجل إنشاء واقع خيالي يستجيب
لحاجيات الإنسان في التفسير و الفهم و الفعل .إنها تمث ّل تجاوزا لمعطيات التجربة المعيشة لل كشف عن
السببية التي تقودها لهذا تلتقي الأسطورة مع العلم من حيث الوظيفة و هي الرغبة في التفسير السببي .
" الأسطورة هي الشكل الذي يكشف عن إقتحام المُفارق في حياة الإنسان في لغة الخيال و وفق تصو ّر كل
عصر ".
• الرؤ ية :هي التصو ّر للعالم أو ال كيفية التي يدرك بها الإنسان عالمه و ي ُكسب عالمه معنى فالعالم يكتسب
قيمته و معناه من خلال الرؤ ية ←لا يوجد شيء خارج رؤيتنا له .فهي تمنح القيمة و المعنى وهي شاملة
و الوجود لكل جوانب وجود الإنسان إنها تصو ّر حول الذات ,تصو ّر حول الآخر ,تصو ّر حول العالم
.
←الرؤ ية نظر ية تفسير ية أي منظومة فكر ية و رمزية تشمل المواقف و التصورات و الأحكام التي يمتل كها
الإنسان حول عالمه +الرؤ ية إجتماعية فهي ت ُتعلم داخل جماعة إجتماعية.
• طر يقة مثلى للوجود و الفعل :أي فعل أو ردّ فعل يحتاج إلى موقف و تصو ّر و حكم ,فالرؤ ية تق ي يم .
• البناء المتدرج للإنسان :أي أنها نمط من الوعي يقوم على إستحضار كل ما يتجاوز التنظيم العقلي للعالم.
• الأسطورة مشروع :أي طر يقة في التمل ّص من المعطى و التعالي عليه و استباق الواقع من أجل العمل.
59
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• تجاوز معطيات التجربة المعيشة من أجل الوقوف على السببية المحددة للواقع +تجاوز ما هو حس ّي لإنشاء
• الأسطورة تشبه العلم من حيث الرغبة في التفسير بالأسباب و تجاوز الحس ّي نحو معقولية تفس ّر الواقع.
• للرؤ ية وظيفة رئيسية هي الفهم و التفسير أي إخراج الظواهر الطبيعية و الإجتماعية من حالة اللافهم إلى
حالة الفهم أي إنقاذ الظواهر من العدم +توجيه السلوك و الفعل وفق ذلك الفهم فهي ( فهم +فعل
• الحاجة إلى الرؤ ية فطر ية من أجل الإستمرار في الوجود و الحفاظ على البقاء فالوجود الغريزي يميل إلى
إنتاج رؤ ية العالم فالفطري هو الحاجة إلى الرؤ ية أما مضمون الرؤ ية فهو مكتسب.
ثمة بين العلم والأسطورة شبه في الوظيفة فكلاهما يمث ّل سبيلا إلى العالم المتخفي الممتزج بالوقائع المحسوسة.
• العلم و الأسطورة يلبيان حاجة الإنسان إلى التفسير وكلاهما تفسير سببي +كلاهما يضفي معنى على الوجود
+كلاهما يتجاوز المعطى الحس ّي المباشر +إنشاء العالم +المساعدة على العمل و التأثير في العالم .
قابل للتجس ّد و العودة إلى الواقع للفعل فيه الأسطورة غير قابلة للتجس ّد -لا تستطيع العودة
يقبل النقد و المراجعة إلى الواقع للفعل فيه -تفتقر إلى البعد التجريبي -
رؤ ية منفتحة +تار يخي أداتها الإقناع دون برهان -منغلقة -ثابثة -تقوم
← رغم الإختلاف فهما نظام تفسيري للعالم يفسر المرئي باللامرئي و يمك ّن من التكي ّف و الفهم و التفسير.
60
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إذا سلّمنا بأن الخطاب الفلسفي قوامه العقل فإن نمط التفكير الفلسفي دأب على معاداة الصور و ظل
مدفوعا بنزعة رفض الصورة أو الإيكوكلاسم Icoclasmeو الإرتباط بما هو مجر ّد و غير حس ّي ,إذ ما يحدّد
الفلسفة جوهر يا هو تجاوز الحس ّي نحو النموذج المتحكم فيه و استبعاد الصورة للوقوف على الجوهر .مثل هذا
التمش ّي دفع إلى رفض أداة إنتاج الصور و هي المخي ّلة إذ ُّأعتبر الخيال و لمدة طو يلة ضربا من الخروج عن العقل
و اعتُبرت المخي ّلة مجنونة البيت و مطرودة من حقل الحكمة .غير أن ما يمي ّز مجتمعنا المعاصر هو تنو ّع أنظمة
التواصل و طغيان الصورة كقدرة على اختراق العقل و توجيه الرغبات و التحكم في الميولات لما تمتل كه من
إمكانيات تأثير ية ومن وظائف دال ّة تربط بين نسيج من المعلومات و توحّد الشكل بالمعنى و تعب ّر عن نسق
تواصلي إنحرف تحت تأثير الإقتصاد الليبرالي إلى شقاء و حو ّل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة بحيث صرنا
إزاء مجتمع فرجة و مشهد .مثل هذه المفارقة في السياق التار يخي بين نمط من الخطاب العقلي و المجر ّد الرّامي
إلى الحقيقة و بين التواصل الرمزي القائم على توظيف الصورة يدعو على إثارة القضايا التالية:
• ما قيمة الصورة ،أهي منتجة للمتعة و التسلية و سبب سعادة أم هي أداة إستعمال؟
• كيف تكون الفرجة رؤ ية كلي ّة للحياة و لماذا تكون الصورة إستبعادا معمّما و سلوكا منو ّما ؟
• إذا كانت الصورة تشك ّل خطرا على الوعي الإنساني و تؤول إلى حصة ألم فما السبيل إلى التحر ّر من
الفرجة تصوير إيديولوجي للعالم وزرع لأنماط جديدة من العلاقات و تغيير في الب ُنى الإجتماعية و النفسية
• إن الصورة تقنية جديدة في السيطرة على الإنسان و تشييئه إذ هناك علاقة تناسبية بين تراكم البضائع في
61
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• الفرجة نظام رمزي إيديولوجي و الصورة إحدى أنفذ الأجهزة الإيديولوجية المعاصرة.
• تمث ّل الصورة بعدا رمزيا يحمل دلالة تحتاج على تأو يل خصوصا و أنها قد تحو ّلت إلى سلطة عكس التصو ّر
• لذة حسية و نمط من الإبهار المحر ّك للخيال و الدافع إلى الحياة و المشبع للبصر.
• نزوع إلى إظهار العالم المستعصي أو البعيد عن إدراكاتنا عن طر يق مختلف الوسائط البصر ية .أي أن
• الصورة تقر ّب من الناس عواطفهم و إحاسيسهم و طموحاتهم وواقعهم المعيش فالصورة ذاكرة الإنسان
و ذكراه و منشوده.
• الصورة تثبيت للزمن من أجل العودة إليه في كل لحظة و مسك للحركة أي الصورة إيقاف لصيرورة الزمن
• الإقرار بوجود مبالغة في استعمال الصورة نتيجة لتقنيات البث الم كث ّف للصورة إذ هناك تخمة في مستوى
يقدّم صن ّاع الصورة و حرفييها القائمين عليها و المستفيدين منها على أنها:
• أداة توحيد للبشر و للفكر ومؤسسة توعية و ظيفتها تنمية الوعي ( الوعي الصحي – البيئي –الحضاري) ...
• أداة تواصل و اكتشاف للآخر و انفتاح على المختلف في مستوى ثقافي و هي وسيلة إكتشاف و مكاشفة
و تثقيف و مثاقفة.
62
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• هي جزء من المجتمع و قد تم تصويره و التعبير عنه بشكل صادق ووفيّ فالصورة تعكس الواقع أو هي وفق
تعبير غي ديبور " :إعادة إنتاج الأصل أو تمثيله " .إن الصورة متعة و ل ذة حسي ّة و ذهنية و تواصل مع
إن الأهداف المضمرة التي تختفي خلف ما هو معلن للإستعمال الم كث ّف للصورة يفهم على أن الصورة :
** ترتبط بشروط الإنتاج المعاصر :أي أن الرأسمالية توظ ّف الصورة من أجل إنتاج الشقاء أي تسعى إلى
تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح و ذلك بتحو يل الإنسان إلى منتج ومستهلك و تحو ّل المردودية إلى غاية توظ ّف
من أجلها كل القدرات الذهنية و الجسدية فالمبدأ أو الغاية ليس الإنسان بل المردودية و لتحقيق ذلك يتم
فإذا كان ماركس يعتبر أن العامل يمكن أن يستمتع و بشكل حر خارج دائرة العمل فإن ماركيز كما ديبور
يعتبر اللذة مقصاة داخل العمل و خارجه .حيث أن المجتمع الرأسمالي إبتكر تقنيات المراوغة النفسية و الإجتماعية
عبر المراقبة و تقوم الصورة بوظيفة التصرف في الوقت و تبديده من أجل مراقبة الإنسان كما تقوم بالتلاعب
بميول الإنسان و توجيه رغباته إذ أن وسائل الإعلام و السينما و الإشهار ووسائل الترفيه لها وظيفة قمعي ّة أي
أن ثقافة الجماهير تقوم على توجيه إيديولوجي و جعل ما هو موجود مبر ّر و للصورة هدف سياسي يتمثل في
ملاحقة الإنسان في أوقات فراغه فلم يعد الفراغ و اللهو قيمة إنسانية بل أصبحت الصورة أداة تعبئة سياسية
الصورة أداة إغتراب تحو ّل الواقع إلى إستيهام بحيث يصبح الواقع لا لذة فيه و هذا ما يعنيه غي ديبور بقوله " :
إن حياة المجتمعات التي تسود فيها شروط الإنتاج المعاصر تعلن عن تراكم ضخم من الفرجات " فالفرجة هي
ترسانة من الصور المؤثرة على المشاهد و هي ظاهرة تشمل مختلف المجالات المعنية بالإستهلاك.
** إبعاد المعيش المباشر و تحو يله إلى تمث ّل :أي أنها ضرب من التجريد الذي ينفي الواقع ويحمل المُشاهد
إلى عالم خيالي و افتراضي ي ُرضي رغباته بشكل وهمي و يفصله عن واقعه .
63
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
** الوحدة التي تحق ّقها الصورة ليست إلا ّ لغة رسمية للإستبعاد المعمّم :هذا الإستبعاد المعمّم الذي هو وجه
من الإغتراب له سمة الإنتشار يطال كل الطبقات و الفئات و الأعمار و أصناف العقول و له قوة تأثير ية بالغة
تُستمد من الأساس الإقتصادي الذي يطو ّع الصورة و الكلمة لتشكيل الوعي الزائف و هو تأثير يغري الحشود.
الفرجة كإستبعاد معمّم هي فعل مؤسساتي و ممنهج له صن ّاعه و أدواته و غاياته و استراتيجيته القائمة على التحكّم
في سلوك الناس و إبعادهم عن حياتهم الواقعية و إلهائهم بالصورة و جعلهم يتماهون مع صور نموذجية تتصدّرها
** تنويم السلوك :حيث أن المجتمع الفرجوي يمتلك كل الوسائل للفعل في الأفراد و توجيههم و السيطرة عليهم
و تنميط ذوقهم و تضليل فكرهم إذ بقدر ما تعتمد الفرجة أنواعا من الصور المبهرة و أشكال الترفيه المغر ية
يتحو ّل الإنسان إلى مستهلك للبضائع و السلع و إلى مستهلك للأوهام و مكر ّرا لنمط من السلوك الآلي الخالي من
المقاصد و الغايات و المفتقر إلى معنى و هذا مظهر من مظاهر التنويم أي فقدان الإرادة وغياب الذات
و الإنسياق اللاواعي وراء الصورة و السلعة أي إستبعاد الناس بشكل معمّم .
** إنتاج الوعي الزائف :ثمة وجه ملتبس لوضعية الصورة فالصورة في الأصل تبل ّغ و تحدث تواصلا إلا أنها
تحو ّلت إلى عنصر تأثير مفسد للتواصل الحقيقي و أداة إنقطاع للتواصل .فصلت الإنسان عن الآخر و عزلته
عن ذاته و عن عالمه و عن قضاياه الحقيقية و أغرقته في نمط من التصورات الخادعة واللذة الزائفة التي حطّمت
** خداع البصر :الفرجة تجد في البصر أفضل الحواس لأن حاسة البصر هي الأكثر خداعا +هي الحاسة
الأكثر تجريدا و هي تتناسب مع رغبة المجتمع الإستهلاكي في التجريد و الخداع ← .هناك تناقض بين الأهداف
إبعاد المعيش المباشر و تحو يله إلى تمثل. جزء من المجتمع و تعب ّر عنه.
موضع للبصر المخادع و للوعي الزائف. هي القطاع الذي يتمركز فيهكل نظر و كل وعي
الوحدة التي تدعيها الصورة ليست إلا لغة رسمية الفرجة مجموعة صور.
للإستبعاد المعمّم.
64
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
هي علاقة إجتماعية بين أشخاص تتوسطهم الصور +هي الفرجة شطط في استعمال نمط بصري معيّن
رؤ ية للعالم و قد تجل ّت على نحو موضوعي +تصبح هذه +استبدال الواقع بصور بسيطة.
الصور البسيطة نفسها كائنات واقعية وبواعث فعالة أداة إصلاح للسلوك ووسيلة يقظة و لها وظيفة
لسلوك منو ّم +تجد في البصر الحاسة الأكثر تجر يدا توعو ية و تثقيفية.
و الأكثر خداعا .تعميم التجريد +الصورة نقيض الحوار نزوع إلى إظهار العالم المستعصي على الإدراك
و الرأي و ترفض التمث ّل المستقل و الفكر الحر ّ المباشر عن طر يق و سائط متخصّ صة.
الشخصي و تعيد الفرجة بناء ذاتها كلما إصطدمت بتمث ّل الفرجة تنم ّي الحوار و تعز ّز التواصل و التمث ّل
يخي ّل إلينا أن دلالة الصورة تتمثل في تجديد الإحساس بالحياة و المتعة و تحطّم حواجز الزمان و المكان
ل كن الصورة حاملة لدلالة مكث ّفة في الغالب إيديولوجية تخدم مصلحة سياسية و اقتصادية ← .الصورة رؤ ية
للعالم أي انها بناء نظري يستجيب لحاجيات إيديولوجية و يهدف غالبا إلى
• جعل الناس يطرحون نفس القضايا المغلوطة و يصلون إلى نفس الحلول الزائفة +يعيشون وفق نفس النمط
و التصو ّر +يعيدون إنتاج السائد +تز يف الوعي بموجب صناعة الخيال و الحلم و الأوهام و الإستيهامات
• تتّجه الصورة إلى أعماق الإنسان و تخاطب لاوعيه و تغوص في خواطره الحميمية و تجعله أسير إشتقاقات
65
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الحوار :الوظيفة الأصلية للحوار تبادل الأفكار و المشاعر و المصالح و تحقيق مطالب قيمي ّة +تصحيح و تعديل
المواقف + Rectificationالإنكشاف للآخر و اكتشافه +كسر العزلة +المشاركة +لقاء وجه الآخر
الإيتيقي +تجاوز الوجه الإستيتيقي للآخر و للذات من أجل النفاذ إلى الوجه الإيتيقي .
← مع التوظيف الم كثف للصورة يصبح الحوار= الصمت كضرب من الغباء المعمّم والمبرمج (الحوار=
أصمت).
• تستعبد الناس +تدمّر الحوار +سلب الإنسان كل قدرته على ردّ الفعل.
• محو الخصوصية لأنها تخاطب م ُشاهدا إفتراضيا لا واقعيا إذ لا تراعي الفروق في السنّ أو الإنتماء أو التكوين
أو المعتقد ومن هذه الجهة فهي توحّد الناس ل كنه توحيد تدجيني يخدم الصورة الجديدة للعولمة في وجهها
السلبي حيث يتم توحيد العقول و افقارها و جعلها تنطق بنفس اللغة أو بنفس اللغو .
لتجازو الأزمة ,أزمة تسل ّط الصورة يجب التسلح بالنقد إذ يقول كانط " :حيث توجد أزمة يوجد نقد".
التعامل نقديا مع الصورة أي تفكيك بُنى الصورة من أجل فهمها و تأو يلها و التفطن لأبعادها و رهاناتها
و قطع الطر يق أمام غاياتها و رفض إعتبارها حقيقية تعلو على كل نقد.
• النظر إليها على أنها ليست مجرد صورة للعالم و إنما هي إنتاج للإستعباد و الإغتراب و تعميم له .
• الحوار :أي لقاء الآخر و تبادل الحديث معه في إطار من التكافئ القيمي.
• إنتاج عادات جديدة :تنمية حواس أخرى غير حاسة البصر و العودة إلى الإصغاء إلى العالم في شكله
الإيروسي و إحياء التحالف القديم بين الإنسان و الطبيعة و تنمية الرغبة في الإنتاج الذاتي للصورة عبر الكتابة
66
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• إنتاج أنماط جديدة من العلاقات :تقوم على الح ّد من الخضوع للصورة و التسل ّح بالشكّ إزاء صناعة الفرجة
و الغوص في الحياة الواقعية و الإرتباط بواقع محدّد من أجل إثرائه و إغنائه في علاقة مع الآخر و من
مــورلــوبــون ت ي
مـــيــشاـــل فـــوكـــو
رولان باـــرط
نعني بالحدود البنيو ية تلك الحدود المتعلقة ببنية اللغة ذاتها ،و بمعزل عما يلحقها أثناء الإستعمال ،أي تلك
السلطة التي تنشأ عن اللغة ،أو تلك المشكلات في الفهم التي تعوق التواصل من داخل اللغة و بمعزل عن إرادة
البشر المتكلمين ،فالحدود البنيو ية المقصود بها عدم قدرة اللغة أو الصورة كلغة ذاتيا بقطع النظر عما أريد لها من
خارجها ،إذ اللغة تفصلنا عن الواقع و عن الآخر ،و كذلك الصورة أيضا ،فهي شبح لا تعكس نظام الأشياء
إذا كان برغسون يؤكد على عجز اللغة و يدعو إلى الحدس أو التعاطف كبديل عن اللغة من أجل ال كشف عن
حقيقة الأشياء (العالم) وحقيقة الذات فإن مورلوبونتي يحول مجال البحث الفلسفي للغة نحو علاقة الذات
بالآخر أي التواصل.
في مستوى علاقة الذات بالآخر التواصلية نقف على أطروحتين متضادتين وهما :
67
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-إن التواصل ينطوي على مقاصد و كل ذات تعتبر -إما أنا أو الآخر
الآخر كأداة و يختزله في بعده المادي ،الجسدي، -الأخر ينظر إلى كشيء.
الإقتصادي ،و كل ذات تعتقد أنها محصنة من -كل لقاء بين الذات و الآخر يقوم على النفي
تأثير الآخر ،ل كن رغم ذلك فالتواصل ممكن وهو و التشييء و تحو يل الآخر إلى موضوع أي الموضعة.
موضوع هو الذي يضعنا في علاقات تواصلية -فعل التواصل مشوب بالحذر و التحفظ.
← الموضعة سبب للتواصل -النظر إلى الآخر بوصفه أقل قيمة من الذات فهو
← رفض التواصل هو شكل من أشكال التواصل موضوع عارض موسوم بالسلبية ،مما يؤدي إلى الصراع
و موضعة و إقصاء.
← إذا كان سارتر يعتبر أن علاقتي بالآخر تؤدي إلى الإقصاء و النفي و التشيء و الموضعة ،فإن مورلوبونتي
← التواصل ممكن في كل الحالات رغم إستراتيجيات الهيمنة ،فالنظرة السلبية للآخر لا تحطم التواصل بل
تضعفه فقط.
← يعتبر مورلوبونتي أن نفي الآخر كليا أمرا مستحيلا +لا توجد علاقة فيها نفوذ تام لطرف وحيد بل النفوذ
متبادل +الآخر لا يتحول إلى موضوع إلا إذا ساهم هو في ذلك ،أي أن الذات تعرض ذاتها كموضوع ،فالمشكل
68
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ليس في الآخر كما يعتقد سارتر بل في بنية الذات ،كذات منفتحة على الآخر ،تحتاجه و ترغب فيه ،و في أن
تكون موضوعا له .و بفضل ذلك تدخل الذات في علاقة مع الآخرين.
← في نظر مورلوبونتي ينطوي التواصل على مواجهة و هيمنة ولا وجود لعلاقات خطابية لا تعكس علاقات
إن معوقات التواصل هي :التعصب +الأحكام المسبقة +الإعتقاد في إمتلاك الحقيقة +رفض الإختلاف.
← لضمان التواصل يجب التحرر من الأحكام المسبقة +قبول الآخر رغم إختلافه +إعتبار أن الأفكار ليست
حقائق و قيمنا ليست معيارا لذا لا يجب أن نجثم على إختلافنا بل من الضروري الإنفتاح و التعاطف مع
يعتقد فرويد أن اللغة تستجيب لحيل اللاوعي في الإفلات من المراقبة ،فاللغة عرض للأفكار الكامنة و الهوامات،
و اللاوعي يستخدم دهاء وحيلا و مهارات ليجد من خلال اللغة لذة في إنتهاك الرقابة .فالرغبة الملحة و الحادة
هي التي تدفع اللغة إلى التعبير بشكل غريزي فاللغة تعبر عن الغائب و الحاضر معا :الغائب هو طفولة الإنسان
إن الرغبة اللاواعية تسكن اللغة ،و تميل اللغة إلى إخفاء الغريزة بهدف إشباع لا واع لها ،فاللغة إشباع هوامي
للرغبة و آنتهاك للرقابة في نفس الوقت و هي تحو يل لمعاناة الجسد التي لا يمكن الاستجابة لها.
يتضح أن اللغة ليست أداة تواصل فحسب بل هي حافلة بالرغبة وهي حافلة بالسلطة أيضا .فاللغة لها علاقة
بالنحن أي المجتمع وهي تلعب دور الضبط و المنع ففي اللغة إخضاع و إكراه يمتزجان بلا هوادة .فكيف نفهم
ذلك؟
إنه بوسعنا أن نعتبر أن أصل اللغة هو بمثابة فعل من أفعال السلطة ،صادر عن أولئك الذين لهم الغلبة و الهيمنة.
و قد تفطن فوكو لوجود علاقات بين السلطة و اللغة إذ يعتبر مؤلف كتاب "نظام الخطاب" أن السلطة ليست
جهازا مركز يا بل هي مشتتة و موزعة دون إقتصاد ،فهي مبثوثة و لها دوائر صغرى لا متناهية يسميها فوكو
69
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
بميكرفيز ياء السلطة ،و بهذا المعنى لا تفهم السلطة إلا إنطلاقا من تخومها أي من هذه الدوائر الصغيرة و يبدو أن
اللغة هي أكثر التخوم إغراء .إننا ندرك أن أية سلطة تقوم على القهر و المنع و الضبط.
يبدو الخطاب في ظاهره شيئا بسيطا ل كن أشكال المنع و الإكراه التي تلحقه تكشف علاقاته الخفية بالرغبة
و السلطة ،فالخطاب ليس ما يخفي أو يظهر الرغبة ،بل هو أيضا موضوع الرغبة ،فالخطاب ليس ترجمة للصراعات
فقط بل هو ما نصارع من أجله ،إذ هناك صراع داخل المجتمع حول إمتلاك الخطاب ،إن اللغة هي ما نصارع
من أجله لنصارع به ،فالآخر لا يتم ضبطه إلى عبر اللغة.
فاللغة هي ما نمتل كه لنمتلك به ،إن الخطاب سلطة نحاول إمتلاكها و الإستيلاء عليها.
إن اللغة لا تقول فعلا ما تقول فالمعنى الذي نفهمه و الذي يبرز مباشرة ليس إلا معنى ناقصا ،أو هو معنى
إشاري قد يختزن أو يؤدي معنى سطحيا .لذا يجب الحفر في المعنى الأقوى أي المعنى التحتي .مع فوكو نحاول
أن نفاجئ تحت الكلمات خطابا قد يكون أكثر جوهر ية .إن اللغة تريد أن تقول غير ما تقول ،إذ هناك إرادة
في الإخفاء و التمو يه ،فاللغة لا تشير إلى مدلول محدد بل هي تفرض تفسيرات أي تأو يلا ملائما.
و لأنه مازال يوجد تحت كل كلام نسيج من التفسيرات العنيفة يجب الخروج من تفسير الدلالة إلى تفسير
إن فضل فوكو يتمثل في تفجير المعنى الأعمق و ليس العميق و عمل فوكو هذا ،قد إمتد إلى كل المجالات مما
حدا ببارط إلى مقاربة اللغة داخل الحقل الأدبي في كتابه "الدرجة الصفر للكتابة" و في محاضرة بعنوان "درس
إن السلطة حسب بارط جرثومة عالقة بجهاز يخترق المجتمع و يرتبط بتاريخ البشر ية في مجموعه و ليس بالتاريخ
السياسي وحده ،هذا الشيء الذي ترتسم فيه السلطة و منذ الأزل هو اللغة أو بتعبير أدق هو اللسان.
إن كل لسان تصنيف و كل تصنيف نفي و يعتبر بارط أن كل تصنيف ينطوي على نوع من القهر .إن اللغة
تتعين لا بما تخول قوله بل بما ترغم على قوله .فاللغة بطبيعة بنيتها تنطوي على علاقة إستيلاب قاهرة ،فليس
النطق أو الخطاب تبليغا كما يعرف عادة ،إنه إخضاع .فاللغة توجيه و إخضاع معممان .إن اللغة لا تنحصر في
ما تبلغه .بل هي تتجاوز ما تقوله فاللسان ليس رجعيا أو تقدميا ،إنه بكل بساطة فاشي ،ذلك أن الفاشية ليست
70
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الحيلولة دون الكلام و إنما هي الإرغام عليه فاللغة بمجرد أن ينطق بها حتى و إن ظلت مجرد همهمة فهي تصبح
إنني بمجرد أن أتكلم أكون في نفس الوقت سيدا و مسودا ،سيدا على الآخر المتقبل ،مسودا من طرف اللغة.
ففي اللغة إذن خضوع و سلطة يمتزجان بعنف ،فالحر ية ليست مجرد القدرة على الإفلات من قهر اللغة هذه
السلطة و إنما عدم إخضاع أي كان ،فلا مكان للحر ية إلا خارج اللغة ،ل كن اللغة البشر ية لسوء الحظ لا خارج
لها ،إنها انغلاق و لا نفلت منها إلا عن طر يق المستحيل .إما بفضل التصوف الذي يخلو من أي كلام و الذي
يقوم ضد شمولية اللغة و تبعيتها و طاعتها أو بفضل تمرد يشبه الخلخلة المبتهجة الموجهة ضد إستعباد اللغة أي
و ل كننا لسنا فرسان إيمان و لا الإنسان المتمرد لذا يعتقد بارط أنه لم يبق لنا إلا مراوغة اللغة و خيانتها خيانة
ملائمة ،و هذا التلافي و الهروب ،أو هذه الخديعة أو الخيانة السحر ية التي تسمح بتجاوز اللغة و تمز يق غشائها لا
تكون ممكنة إلا عبر اللغة نفسها ،إن اللغة تفلت من اللغة ،إنها تخونها إنطلاقا من الفن عامة و الأدب خصوصا
فالأدب لغة تحارب داخل اللغة ،لأن القلاع الحصينة لا تفك إلى من الداخل ،إن أصالة الفن لا تكمن في
محتواه السياسي فحسب و لا في صبغته الجمالية فقط بقدر ما تكمن في قدرة الفنان على خلخلة اللغة و التخلص
يرفض كلود حجاج أن يختزل معنى اللغة في بعدها الصوري أي إعتبارها نظاما نحو يا بلاغيا يتجاهل
مضمونها المعرفي و الحضاري و القيمي إذ اللغة في نظره ليست آلة أو شكلا أو أداة للإستعمال بل هي مجموعة
بنى مضمونية تتماشى مع روح المتكلم و تعب ّر عن القدرة المعرفية و تح ّدد كيفية نظرة المجتمع لذاته و لعالمه
71
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وتعب ّرعن علاقات إنسانية تتجاوز البعد الصوري للإستعمال مما يجعل اللغة ليست مجرد كلام بل هي كلام و فكر
في آن واحد .لذلك يجب الإشتغال على مستو يين في النظام الرمزي للغة:
• اللغة مضمون يحمل فعاليات فكر ية ,معرفية ,قيمية و دينية ...
• اللغة نقل للإنسان من العزلة إلى التواصل فهي دوما تستهدف الآخر إما بالإقناع أو الدحض فهي حوار
• عدم قدرتها على خلق الواقع فهي تخلقه وهميا أما واقعيا فهي عاجزة و لايمكنها أن تبدّل أمرا فهي تشير
لواقع توحي بتغييره كأن تشير إلى أزمة ل كنها لا تصنع واقعا جديدا فعليا و عمليا.
• اللغة إتقان لل كذب :فهي بحكم بنيتها تعتمد المجاز و التشبيه و المبالغات و ضروب الإستعارة مما يجعلها
• اللغة لا تضمن الفهم بل بالعكس يمكن أن تؤدي إلى سوء الفهم نظرا لإلتباس الكلمات و قابليتها للإيحاء
و للتأو يل من طرف المتقب ّل كما أن اللغة يلحقها ضرب من التوظيف المفقد لأحقي ّته و المشكك في صدقها
• اللغة سلطة :فهي دائما في يد الذين يسعون إلى التحر يض على الفعل و المستفيدين من ذلك الفعل .فاللغة
ليست مل كي ّة جماعية بقدر ما هي حكر على الفاعلين و المنتجين للرأسمال الرمزي بتعبير بورديو و هي أداة
← إذا كانت اللغة أداة تسل ّط فيجب التظنّن إزاء و ظيفتها التواصلية و يجب الإعتراف أنها لم تعد تتنجز وظيفتها
الأساسية في التواصل بين البشر إذ أنها إستعاضت عن الحوار بالمونولوق و ارتدّت بالذات إلى ذاتها و أصبح
الكلام ليس هدفه لقاء الآخر بل مخاطبة الفرد لنفسه .و لتجاوز هذه الأزمة البنيو ية يدعو كلود حجاج إلى
الحوار كشرط أساسي لقيام علاقة مع الآخر علاقة إجتماعية و حضار ية أو حوار يضمن الفهم و التفاهم
72
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
والإفهام و يرقى بالذات من مستوى عزلتها و فرديتها إلى مستوى غير ي ّتها يجعلها تدرك قيمة الإحساس بالآخر
← إن اللغة تقف بين مفترق التواصل و النفوذ فهي من جهة قدرة على ربط الإنسان بالآخر وهي أداة تسل ّط
و عنف و إكراه.
المقصود بحدود إيديولوجية تلك العوائق و العراقيل التي تحول دون لقاء الآخر أي تلك العوائق التي
تكون بفعل فاعل أو تلك الموانع التي تقف أمام أنظمة التواصل ،فتحول دونها و تحقيق غايتها و تكون هذه
العوائق ذات طبيعة سياسية و مذهبية وترتبط بتصور حول الوجود و رؤ ية للعالم تتحدّد دينيا و أخلاقيا
و آجتماعيا ،كما تقف المصلحة حائلا دون التواصل ,بصفة عامة ،كل ما يتعل ّق بالأفكار و الرؤى الجاهزة التي
تمنع التواصل.
-وما موقع الثقة في الصورة و ما الذي يدعو إلى الإعتقاد فيها كحقيقة؟
-أليس من الضروري التسل ّح بوعي نقدي يسمح بتجاوز هيمنة الصورة أو كيف نخلع عن الصورة
جدارتها بالثقة ؟
لكل مجال وسائطي معايير حكم خاصة به بموجبها نقبل حقيقة ما أو نرفضها إذ لكل حقل مقياس يسمح بقبول
الحكم كحقيقة فللحكم على الشيء صدقا أو كذبا ,صوابا أو خطأ ,حقيقة أو وهما أدوات .فما هي أداة كل مجال
وسائطي أو في من نثق ؟
73
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إن لكل مجال وسائطي أو لكل مجموع تقني و اجتماعي محددات لوسائل النقل و التنقل الرمزية و ينطوي على
* عصر الخطاب:
رفض الحواس.
رفض الصور و التصورات الجاهزة حول الواقع و الإعتقاد في واقع تبنيه الذات وفق نظام تكتشفه
عقليا.
الثقة في حقائق الذات كذات متماثلة معيارها التعقل و رفض الأفكار الغير واضحة و التي لم تخضع
للفحص العقلي.
الحقيقة الموثوق بها هي ما يتطابق مع واقع مرئي ل كن الرؤ ية لا تتخذ معنى حسي ّا بل معنى عقلي ّا.
نثق في الواقع كمرجعية ل كن ليس الواقع التلقائي العفوي بل الواقع الذي نظّمه العقل إنه نظام
العقل← معيار الثقة قياس ر ياضي عقلي يعود إلى واقع معقول و يدرك وفق معادلات ثابتة و دقيقة
و صارمة يحددها منهج يقوم على البساطة و الوضوح و التميز و البداهة .
* عصر الشاشة : Videosphere :الإنتقال من المقروء إلى المرئي أو الصورة و النظر إلى ما لا يظهر بالصورة
على أنه مشكوك فيه و الإقرار بأن ما لا يمكن رؤيته لا يتمتع بأي وجود فلا نعير أهمية للألفاظ و الأقوال
و الأفكار .
رفض المنهج المؤدي إلى الحقيقة أي رفض التقي ّد بقواعد صارمة لقيادة الفكر مثل الوضوح و البداهة
و التمي ّز.
74
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إعتبار الصورة المرجع الوحيد للحقيقة إذ حين يسأل أحدهم " :ما حج ّتك في ذلك ؟ " يجيب" :رأيت ذلك في
التلفاز"← إنقلاب في حكمنا و تصو ّرنا للصورة إذ كانت تدرك على أنها ضياع للعقل و سبب للخطأ و أداة وهم
فأضحت معيارا للصدق و أداة للحكم على الحقيقة ,فأصبحت الحقيقة = الصورة.
فقدان الكلمة سلطتها +التخل ّي عن تصديق الخطاب الم كتوب أو الخبر النابع من تعقل أو المستند إلى
أسلوب علمي.
الصورة تهيمن على العقول بيسر فتدفع بالتصديق إلى الحد الأقصى مستخدمة الإنفعال و الإبهار
و الإعجاب نظرا لما تحمله الصورة من إغراءات و ما تمارسه من سلطة و تنويم و مخاطبة اللاشعور في
الصورة إخراس و إسكات إذ أمام منضدة المشاهدة نصمت و لا ندلي برأي ولا ندخل في حوار
فنصبح ضعيفي الحج ّة و نساق إلى التصديق لأننا نفقد القدرة على المقاومة و المقارعة فنسكت ومساحة
صمتنا فراغ تؤثثه الصورة و تحتل مساحة الفكر الشخصي و التمثل الحر و تطرد ما فك ّرنا فيه بمفردنا
و تربط في ذاكرتنا الفكرة بصورة و تكون أقرب للإسترجاع و أكثر تصديقا و أسهل.
الصورة أداة إعتقاد و ثقة :فحتى عندما نريد تفنيد رأي أو صورة فنحن ننجز ذلك بصورة أي حتى
فعل الرفض يتم بالصورة فهي أداة تصديق و تكذيب في آن واحد فالصورة تنتج الحقيقة و هي التي
فالمرئي لا يتم تفنيده بالحجج إنما يتم تعو يضه بمرئي آخر :في نظام البصري أو الفيديوقراطية صار بإمكان المرء تجاهل
خطابات الحقيقة و الخلاص و إنكار الكل ّي والمبادئ العامة و ل كن ليس بإمكانه إنكار حقيقة الصور.
75
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
← لغة الصورة ليست لغة العقل أو الحجة أو التجربة بل هي لغة الميول و الإحاسيس و الرغبات وفيها يتوقف
الكلام و الفهم و التفكير +غياب التفكير عند مشاهدة الصورة هو الذي يضفي عليها طابع القداسة و يمنحها
← الصورة تمارس قيادة صارمة للعقول و الصورة كنظام سلطة تقو ّم نفسها على أنها بديهية.
← الصورة إيديولوجيا بل إيديولوجيتنا وهي إعماء ,فالعالم الذي ترينا إياه هو ما تعمل على إعمائنا عنه و ما تحو ّل
بصرنا عنه فهي تجعلنا ننظر كي لا نرى أو تجعلنا نرى ل كي نعمى +تبدي الصورة حدّة في التخل ّص من الأفكار
فالصورة عدوّة الفكرة و الحقيقة ,فبعدما كان العقل يقصي الصورة أضحت الصورة هي التي تقصي العقل فالصورة
إنكار للعقل و قصاص منه فهي تتخل ّص من الأفكار التي تسكن بؤبؤ أعيننا و هي تذهلنا ل كي تجعلنا لا نفكر .إنه
oمعرفيا :
إن الحضور الم كث ّف للصورة يكسبها قدرة على ممارسة قيادة صارمة للعقول
+يفقد العقل القدرة على قيادة ذاته ذاتيا +يغي ّب المنهج الصارم المستند إلى قواعد البداهة
و المطابقة و الوضوح +الإستناد إلى معيار حس ّي هو البصر بما يقوم عليه من مخادعة علما و أن حاسة البصر
أفضل الحواس ملائمة للخداع +تغي ّب التفكير لأن الصورة تستمد قو ّتها من مخاطبة الخيال والإحساس
و الإنفعال +غياب كل تمث ّل مستقل للعالم بحيث لا نرى العالم إلا من زاو ية الصورة +تغييب النزعة النقدية
القائدة لكل تجديد و إبداع تحت تأثيرالإعتقاد في الطابع البديهي لما تقدمه الصورة +إعتبار الصورة حقائق
مطلقة +العجز عن النظر في حقيقة فعلية +ألفة الخطأ و الشبح و الظل والإنعكاس.
oإيديولوجيا :
الهيمنة على الإنسان +تحديد ذوقه +توجيه حكمه +أخذ كل جهد فكري من المشاهد
و سلبه إياه +نزوع الصورة إلى إستعباد الفكر +الإقامة في عالم الخيال و الهروب من الواقع +سلب الإنسان
76
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
oأخلاقيا :
عدم الإلتزام بواقعه الفعلي و العيني +فرض نموذج أخلاقي موحّد ومعمّم يطمس الإختلاف و يردّ ال كثرة
إلى الوحدة +الإمتثال لواقع لا قيمة فيه +عدم السعي إلى لقاء الآخر و التلذ ّذ بالعزلة و العيش في عالم إفتراضي
+تحو يل لمفهوم السعادة من سعادة روحية إلى سعادة بضائعية +توه ّم المساواة في الإستهلاك والتخلي عن
الإنفتاح على تعدّد الأشكال الرمزية للتواصل و تنمية العقل النقدي و الوعي بالبعد الإيديولوجي للصورة.
التعامل مع الصورة على أنها رسالة مغالطة لا تخلو من شراسة و النظر إليها على أنها غير بريئة و إدراك
أنها تريد سلب الإنسان قدراته الذهنية و استنزاف إمكانياته الإقتصادية و توجيه ذوقه و استبدال
قناعاته بخضوع لسلطة سياسية و اقتصادية و الوعي بأن الصورة إنتاج للشقاء وتأسيس لوعي مقلوب
77
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لم يكن بالإمكان قيام علاقة بين الإنسان و عالمه و بين الإنسان و الآخر دون و سائط رمزية مثل
اللغة و الصورة و المقدّس و الأسطورة .و لمّا كانت الرمزية خاصية ممي ّزة للإنسان و لمّا كانت الشبكة الرمزية
ضرورة لمباشرة العالم الطبيعي و الإجتماعي فقد نجح الإنسان في تحو يل وجوده ووجود العالم إلى منظومة من
الرموز و العلامات تجل ّت في أشكال رمزية متعدّدة من حيث الشكل مت ّحدة من حيث الوظيفة وهو بذلك لم
يغير الواقع فحسب بل غي ّر واقعه و نظام حياته و نمط تواصله و خلق عالما جديدا هو من إنشائه و صنعه و أبدع
ل كن لمّا كانت الرموز هي عالمه الأول تحو ّلت الرموز إلى أداة فصل و انقطاع عن العالم و عن الآخر فتم ّت
التضحية بالحقيقة من أجل العيش في الرمز و تحو ّل الإنسان إلى أسير لأدوات أنتجها و أصبحت آلاته التواصلية
آلهة تتحكم في مصيره و انقلب المصنوع سي ّدا على الصانع مم ّا يدعو إلى ضرورة العودة للحياة من خارج الأجهزة
الرمزية عل ّنا نتحر ّر من أوهام اللغة و الصورة و مغالطاتها و توظيفاتها الإيديولوجية فنقيم مع العالم و مع الآخر
علاقة عشقي ّة تتوحّد فيها الذات بإطارها أو علــّنا نشفى من مرض التصديق و الثقة فنحافظ على خصوصيتنا
داخل ثقافة كونية تنبؤ بموت الإختلاف و الإنتقال من الحديث عن الإختلاف كقيمة إلى الحديث عن
78
ا لخصو ّ
صبة و الكونبةّ
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-هل هذه الفائدة أو هذا الحب للكل ّي ميل كل ّي؟ أي هل الميل إلى الكل ّي إختيار كلي أم هو ميل ثقافة ما؟
• ليس هناك ضرورة أو فائدة لثقافة في أن تنخرط في الكلي فالثقافة تنتج الكل ّي دون إرادة منها و دون برنامج
مسبق فالكل ّي ينتج أوّلا ثم يتم التفكير فيه ككل ّي إنه ليس إختيار حضارة ما و ليس مخططا ليصبح كليا
• الواقع الرّاهن اليوم لا يشهد قم ّة و تأوّج الكلي بل الكلي اليوم يطرح العديد من المشاكل والدليل على ذلك
اننا نتحدّث اليوم عن أزمة العلم كعلم كوني و سياسيا نتحدث عن عدم ملائمة الديمقراطية لبراديقمات
إجتماعية.
• إختيار ال كوني و تسو يغ المفهوم كان إختيارا و تسو يغا غربيا أي أنه يعب ّر عن رغبة ثقافة ما في تحو يل قيمها
-1فعلا يجب أن ننقذ الكليّ :إذ الإرتقاء إلى الكليّ يحقق فوائد أهمها :
لأن كل ثقافة تحتاج إلى نوع من الكليّ ولأن كل حضارة تحتاج إلى بعد كوني بمعنى أنها تحتاج إلى
قيمة معترف بها من طرف كل الحضارات ومن كل البشر ,أي أن الحضارة تقوم على ضرب من القيم الكلية
التي بها توحد المجتمع و تعيد في كل مرة إمتلاك ذاتها و عالمها من جديد و التفاعل مع الواقع بفضل قيمها
الكلية +كل ثقافة تطرح نفسها كثقافة كلية أي كضرب من الإعتقاد في كل ّي يمكنّها من المحافظة على هو يتها
80
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
في مواجهة الهو يات الوافدة و المهددة أي أن كل ثقافة لابد تبلور تصورها للكل ّي الذي يسمح لها بالحفاظ على
خصوصيها باسم الكل ّي الذي تتمسك به و الذي يختلف عن كلي الثقافة المغايرة لها.
الإنسان كائن يتوق إلى المطلق و في فكرة ال كوني هناك فكرة المطلق لذلك تعمل كل حضارة على إنتاج مفاهيم
كلي ّة و الإستفادة منها كمطلق تسعى إليه +ال كوني ضرب من التوافق و التوافق هو توافق آراء وفق تعبير
هابرماس مما يجعل الأفراد متعاقدين على جملة من القيم الكلي ّة.
هناك حاجة إلى مطلق مت ّفق حوله من طرف الجميع بمعنى أن الحضارة تحتاج إلى ما هو كوني تعتقد فيه
و مطلق حول ذاتها و رغبة في تجاوز ذاتها و التعلق بصورة ترغب فيها حول ذاتها.
هناك رغبة في تقاسم الكليّ لأنه مفروض علينا ليس لأنه إختاره الجميع بل لأنه في صالح الجميع +هناك
أنواع من ال كونية يمكن أن تتجل ّى كرغبة في التواجد و التعايش و الإعتراف بثقافات مغايرة نلحظها خصوصا
في الثقافات الملائمة أو المجتمعات اللائقة بتعبير راولز التي تعترف بالتنوع وليست لها رغبة في التوسع .هذه
الفائدة من ال كونية تعب ّر عن السعي إلى تطوير الرغبة في العيش معا وفق كوني صالح .
إن ال كوني حين يتعل ّق بالقيم و يرتبط بأفق تأسيسي ينتج إيتيقا كلية على الشكل الذي يدعو إليهكانط
بحيث يفعل الإنسان و كأن إرادته ستصبح قانونا عاما لكل الناس أي إختيار قاعدة للسلوك و إمتحان إمكانية
إرتقاء الفعل إلى الكل ّي لأن القانون الأخلاقي قانون كل ّي و كوني و لا يستعمل بإستثناءات إذ ال كوني في
مستوى أخلاقي هو الشكلي ّة Formalismeالتي لا تعتبر الأخلاق حسنة أو سيئة بل هي قانون نابع من العقل
ي.
الذي مهما كان ضعيفا يدرك الكل ّ
إن ال كونية أخلاقيا تعني النظر إلى الذات ليس فقط كذات بل كمشرّع يحق ّق الكل ّي و يعتبر ال كوني متمث ّلا
في إدراك الذات لذاتها في كل إنسان واحترام الإنسانية ليس في الآخر بل في الذات م ّما يعني أن ال كوني ّة ليست
تختزل في مفهوم الضيافة ال كونية القائم على تقدير قيم الحضارات الأخرى و التعايش مع الخصوصيات
المغايرة من أجل بلوغ سلم دائمة وأبدية وإنشاء ميثاق أو عهد سياسي عالمي .
81
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• يقول ميشال فوكو ":إننا لا نحيا إلا ّ في الخصوصي" في حين أن الإنخراط في الحداثة يطلب تنازلا عن
الخصوصي و اعتباره أدنى من لحظة تدّعي تجسيد العقل في كونيته و تقوم بترسيم خارطة للقيمة
عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي ينظ ّر لتثبيت قيمي ودلالي يح ّط من شان الرموز المغايرة للعقل
• تحو ّل الكل ّي إلى تعميم مضلل و استبعاد معم ّم للفكر الحر و للتمثل المستقل.
• إكساب ال كوني مضمون حس ّي يتأسس على البصر المخادع و يحو ّل الجسد إلى لغة رسمية و يسعى إلى
الترويج إلى كوني إستهلاكي حو ّل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة .
• إدّعاء العلم و التقنية الجمع بين الحكمة العملية و الحكمة النظر ية فأصبح ال كوني يصاغ علميا إذ كان العلم
معترفا بحدوده النظر ية في تفسير الظواهر يهتم فقط بطرح سؤال كيف و ينتج معرفة ناجعة ل كنه اليوم
أصبح يضطلع بنمذجة الواقع فيبنيه بناءا حرّا و إنشاءا مقصودا داخل سياق إقتصادي و سياسي يجيب عن
سؤال كيف و لماذا و لأجل ماذا مم ّا جعله ميتافيز يقا ينتج الحكمة في أقصى درجاتها النظر ية و في أقسى
درجاتها العملية أي صار العلم فهما يدّعي ال كونية و صارت نمذجات العلم نمذجات للواقع الإجتماعي.
• فراق وجه النحن و الحلول في وجه الآخر المطلق بحيث لم نعد نشبه ذواتنا بل نشبه الآخرين إذ عوض
أن نطلب الوجه الإيتيقي للآخر صرنا وجه الآخر مم ّا أفقر التنوع ثرائه و ردّ ال كثرة إلى الوحدة فصرنا لا
ننم ّي الإختلاف بل ننم ّي التماثل و التشابه و بذلك إندثرت الخصوصيات وما دعوة إيمانو يل ليفيناس إلى
النظر إلى الآخر كمطلق إلا تعبيرا عن إنشاء فلسفة إيتيقية فاقدة لكل أسس أنطولوجية تقوم على أساس
ديني يرى الإنسان تجريدا أو دلالة بلا سياق أو وجها إيتيقيا بلا وجه إستيتيقي او صورة مجر ّدة بلا تاريخ
• هناك رغبة في استعمال ال ك ّلي كمطية في أهداف هيمنة واضحة بحيث نشهد توظيفا أداتيا و استعمالا للكل ّي
يتم ّ بسببه إعتماد ال كوني كوسيلة لإستغلال الشعوب و التدخل في سيادتها و ممارسة وصاية عليها.
82
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• كل ثقافة تسعى إلى الهيمنة لها فائدة في إنتاج الكلي و الإنخراط فيه و الثقافة المهيمن عليها و الضعيفة ليس
لها أي فائدة في الإرتقاء على الكلي إلا إذا ارتأت أن تتحول إلى سوق إستهلاكية و قاعدة عسكر ية للمواجهة
• ال كوني سبب صراع إذ عندما يلتقي كليين في مرحلة تار يخية كل منهما يريد الهيمنة يؤدي ذلك إلى صراع
فتنشأ ثقافة تريد نشر قيمها ككلي و تنشأ ثقافة مضادة تريد إنتاج الكلي ،فيحدث صراعا يتخذ غالب الأحيان
• ال كونية تدعو إلى الإتفاق ل كنها لا تجد ما تتفق حوله لأن ال كوني مطلق و ليس هناك اتفاق حول المطلق.
• كل ثقافة تصنف الثقافة الأخرى أو الخصوصيات المغايرة في مرتبة أدنى إذ الإنسان يقف في حدود ثقافتها
• هناك ثقافات تنظر لخصوصية ثقافية بمنظار التعظيم بحيث تعلي من معايير و قيم ثقافة الآخر و تقلل من شأن
خصوصيتها مما يفرز إمحاقا ثقافيا يفترض نظرة تراتبية للحضارات و إقرارا بالتفاضل في حين لا تفاصل بين
الثقافات.
• الرغبة في تأسيس ال كوني عبر البحث في التناسب و التشابه في حين ال كونية تفترض الإختلاف.
• هناك ارتباط بين الكلي و العولمة أو تجاور بين عولمة السوق و البضاعة والتبادل و القيم أيضا مما جعلنا نمر من
• هناك توظيف لل كوني من أجل تمرير الحقوق و هناك إعتراض على هذا الإستعمال الأداتي لل كوني ،لأن
كل إستعمال له أدوات و أكثر أدوات إستعمال ال كوني اليوم هي التلطيف أي تلطيف و تور ية تناقضات
العولمة .إذ يريد مسوقي مفهوم ال كونية إقناعنا بأن رغم التفاوت الاقتصادي و تضارب المصالح و إستغلال
الشعوب القو ية للشعوب الأقل قدرة إقناعا بوجود إشتراك قيمي و تبادل للحوار .كأن ير يد هابرماس أن
يقنعنا بأن الإنسانية المنقسمة تتحاور و تلتقي .أو كأن ينطلق راولز من فلسفة كلية لينتهي إلى تراجع معتبرا
أن الكلي لا يتحقق إلا في الثقافات الديمقراطية أو فيما أسماها بالثقافات الملائمة.
↔ يجب أن ننقذ أنفسنا من ال كوني لأن الحضارة دخلت في موت مع العالمي وفق تعبير نيتشه.
• العولمة اليوم تعيد إنتاج ذاتها كشيء فاقد للمعنى و فقير للقيمة مستنجدة بالكلي و مدعية تأسيس القيم.
83
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
اليوم هناك فقدان للقيم و للمعنى و يتنامي الحديث اليوم عن ضياع المعنى إذ لم تعد الإنسانية تعتقد
في القيمة .لقد أضحى لدينا قليل من الرموز و ما يهيمن اليوم الدال و ليس المدلول رسالة لا تحيل إلى
حقيقة أو قيمة أو شئ ،بل تحيل على ذاتها أي تعيد إنتاج ذاتها أو هي سياق بلا دلالة حيث أصبح
الإنسان خارج الزمان و المكان و بعيدا عن الأخر أي خارج كل إحداثية إننا في زمن ضياع الإحداثيات
• ال كوني تعبير عن الموت إذ هناك مفاهيم خصوصية و حقوق خصوصية عندما تكون كلية فإنها تضعف
← ليس لأننا نستعمل نفس الأدوات فإننا نعيش في نفس الثقافة بل الأدوات هي الحد الأدنى لثقافة
الإنسان العالمي بتعبير بودر يار +يجب التعامل نقديا مع مفهوم الكلي مثلما تفعل تفكيكية داريدا في نقدها
إن العلاقة بين الخصوصي و ال كوني لا تفهم بمنظور ية الصراع فقط أو الحوار فحسب بل بمنظور ية الإشكال،
طالما أن الصراع يفترض تكافئ القوى و الموازين ،في حين أن الحضارات غير متكافئة ،بل هناك تطور لا
متكافئ في مستوى تقني و معرفي و تواصلي .و طالما أن الحوار يفترض أرضية مشتركة في حين لا تجد
الإنسانية ما تشترك فيه ،و الحوار يفترض تساو بين أطرافه ،في حين أن الأطراف الحضار ية غير متساو ية.
لذلك فالإشكال هو المنظور ية الملائمة لأن الإشكال هو مالا نبلغ فيه حلا نهائيا ،و ما يبقى مفتوحا ،و ما
لا يؤدي إلى نتيجة .فالصراع عادة ما يحسم لصالح الغالب و الحوار يحسم لصالح الحجة الأفضل ،أما الإشكال
فهو القضية التي لا نصل فيها إلى مجاوزة نهائية للمشكل ،لذلك لا يوجد صراع حضارات فحسب كما لا
يوجد حوار حضارات فقط بل هناك إشكال يقتضي صياغة أسئلة دقيقة أدناها :
-و بأي معنى يكون الكلي مطلبا أخلاقيا و سياسيا يتجاوز صراع الهو يات المخصوصة؟
-و ما جنس العلاقة القائمة بين كونية حقوق الإنسان و خصوصية القيم الثقافية؟
84
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إذا كان السؤال من أنا ساءلنا ضمنه ماهية الإنسان و حضوره في العالم و قدرته على التمثيل الرمزي
و التواصل و كيفية التحول من إدراكه لذاته كمعطى مباشر و مستقل إلى الوعي بذاته ضمن علاقة مع الغير
و إذا كان سؤال مشكل التواصل و تعدد الأنظمة الرمزية يطرح معضلة وحدة الإنسانية و تكثر رموزها التواصلية
و كيفية تحول الرمز من قدرة على الوساطة إلى قطع التواصل تحت تأثير المحدودية البنيو ية للرمز و نظرا لاقترانه
بتوظيفات إيديولوجية تجعلنا نشك في الاعتقاد فيه كمعيار للثقة و كمقياس للصدق فإن مشكل الخصوصية
و ال كونية يستدعي التفكير في الإنسان ككائن ثقافي يتجاوز سؤال من أنا نحو سؤال من نحن؟ و يستوجب
ال كشف عن العلاقة الملتبسة بالهو /الهم بحيث من الضروري النظر إلى العلاقة خارج منظور ية صراع الحضارات
كما يطرحها هادنق تون و بعيدا عن منظور ية الحوار كما يعينها قارودي لأن الصراع يفترض تكافئ المتصارعين
و يفترض غالبا يحسم لصالحه الصراع في حين أن الثقافات غير متكافئة و الصراع الحضاري لا يحسم بالضرورة
لصالح الغالب ،كما أن الحوار يفترض تساوي أطراف الحوار و حسم الحوار عبر الحجة الأفضل غير أن الحضارات
لا تتحاور في إطار من المساواة و يقوم الحوار لا على الحجة بل على القدرة على التأثير و امتلاك آليات المغالطة
المتمثلة في وسائل الاعلام و الصورة .لذلك فمن الضروري مقاربة مشكل من نحن؟ و من الأخر؟ ضمن منظور ية
الإشكال الذي لا ينتهي إلى حل و الذي يتقدم في البحث ل كنه لا يصل إلى نتيجة نهائية خصوصا إذا تعلق
• و هل من الجائز التوافق إلى حل لأزمة الهو ية أم يجب أن نشفى من مرض البحث عن الحل؟
85
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الهو ية :الهو ية هي أن يكون الشيء هو هو و ليس غيره أي وجود خاصيات بها يكون الشيء أو النوع متميزا
عن غيره أي توفر سمات جوهر ية تفصل بين شيء و أخر شيبيه به فالهو ية تعني خصائص عامة للاختلاف
عــــن.
و الهو ية تحمل في مضمونها معنى الغير إذ الهو ية تعني نظرة الهو /الآخر /المغاير للإنية أي تتحدد الهو ية وفق
رؤ ية الآخرين كغير بالنسبة إليه ،فالهو ية تصنيف و كل تصنيف نفي لذلك يثير مفهوم الهو ية مشكل الصراع
و عدم الاعتراف و الهو ية تعني أيضا التماثل ليس مع المختلف بل مع الذات أي مع قيمة ترسمها الذات لذاتها،
و صورة مطلقة للنحن أو معيار إنتماء لمطلق ،فالهو ية قيمة و معيار لتصنيف جماعة ثقافية بالنسبة إلى.
-هو ية شخصية :و تحيل على ما يميز الذات في وحدتها رغم تشتتها الظاهري و تتضمن وعي الذات لذاتها
-هو ية إجتماعية :هي كيفية لإدراك الذات من الخارج أي ما يضمن التعرف إلى الذات من خارجها حيث
تقترن بمجلة من الأنظمة و الرموز و العلامات التي تشترك فيها الذات من آخرين أو تنسب إليهم و هذا الاشتراك
هو الذي يستمد منه أي مجتمع خصوصيته و تفرده عن مجتمع لا يشترك معه في الخصوصية.
الهو ية الثقافية :هي الحد الأدنى المشترك بين جميع أفراد المجتمع مثل رؤ ية العالم أو القواعد العامة و القيم
والكليات و المثل أي رموز التبادل القيمي و معايير التفاوض الاجتماعي .الضرور ية الجامعة للمجتمع ككل.
الهو ية إذا كما ورد في تعر يفات الجرجاني هي ما به يكون الشيء هو هو أي بما به يكون الشيء هو نفسه
أي أميز مميزات الشيء و أخصص خصائصه أو ما به يتقوم الشيء و يتأسس فهي حقيقة الشيء و جوهره
و ماهيته أي ما يشمل الصفات الجوهر ية الثابتة في شيء ما .فالهو ية تشير إلى الخصوصية في جانبها العيني
والذاتي ،لذلك تعبر الهو ية عن خاصية الوحدة و التطابق و المساواة و التشابه و التماثل أي مطابقة الشيء لذاته.
و بهذا المعنى فإن الهو ية تعني الثبات النافي لكل إمكان للتغير و الرافض لفعل الزمان و الذي يفترض
وجود نواة صلبة تشكل هو ية ثقافية ما تحدد رموزها و علاماتها وهيئة وجودها و واقعها التار يخي و ملمحها
الخاص غير أن مفهوم المطابقة الذي يشير إليه لفظ الهو ية يستوجب جملة محاذير إذا لهو ية لا تفهم دائما بوصفها
مطابقة صرفة مع الذات و إنما تدرك كتعطش للمغاير و كرغبة في التفاعل مع المختلف و كضرورة للقاء الغير
86
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
مما يثريها و ينميها و يعدلها .إذ يظل الإختلاف قيما و قائما و مقيما في الهو ية مما ينتج خطابا كونيا يستعيض عن
يعتبر إر يك فروم أن لفظ الهو ية لا يصدق حقيقة إلا على الإنسان فسؤال الهو ية لا يطرح إلا عند
87
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الهو ية تجربة تسمح للأنا بأن تكون أنا وهي ليست حضورا شكليا لضمير المتكلم و ليست إدعاء بل شرعية
شروط تحقق الهو ية :الفعالية +قدرة على تنظيم جميع النشاطات +أن تكون هذه النشاطات تلقائية +
حالة يقظة و تجاوز للسلبية +القدرة على الانفصال عن المعطى المباشر و عن الحاجة من أجل الإحساس بالأنا
+حالة إمتلاء .و خلاف ذلك تبقى الأنا مجرد توهم أو ضمير مجازي.
وضعية كينونة و وجود حيث هو ية الأنا ترجع إلى وضعية تملك -الإحساس بالذات كموضوع إذ كل
مقولة الوجود لا إلى مقولة الحصول على أو الامتلاك شيء يكون محسوسا بصيغ ما أملك كقولنا لي
أو حيازة شيء ما جسد -لي ذاكرة – لي مال – لي بيت – لي مركز
حيا يحمل معنى -نطاق يكون فيه الإنسان إجتماعي – أمتلك سلطة -لي شهادة – أحوز على
و يؤسس لقيمه ومهتم بــ و منخرط في ..لي مشكلة = ...ادراك نفسي كموضوع –
و نشيط -وضعية تحقيق للصورة التي لي عن نفسي كشكل خارجي= دوري الإجتماعي يكون ممدى
و التي أعطيها الآخرين فالأنا مشروع يرتبط بصورة أي تمدية إنسانيتي وأعتبر نفسي مادة أو شيئا
تتطلع الذات إلى تحقيقها و تنبع من نواة شخصيتي تجربة و هو ية الذات تبنى على مفهوم الحصول على
-نشاط تلقائي للذات ينخرط في المعيش فأمتلك أناي كما أمتلك أشياء أخرى تمتل كها هذه
← التملك حالة تموضع و ال كينونة تجاوز للإغتراب و التموضع مؤشر على أزمة هو ية.
88
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• فقدان جذري لليقين بالنسبة إلى وضع الإنسان و تمدية الإنسان أي تشييئه و النظر إليه كموضوع و نظر
الذات لذاتها كشيء أو موضعة الذات لذاتها أي تحول الإنسان إلى مادة (تمدية).
• إنعدام الوعي لدى الأفراد بالواقع و عجزهم عن تحديد من يكونون و عدم قدرتهم على تحديد خصوصية
← فقدان الهو ية معياره تساؤل الأنا عن أناها فلا تعرفها إنها حالة جهل الذات لذاتها و شعورها بالضياع فتنقل
إن حل أزمة الهو ية لا يكون إلا في تحو يل الإنسان المسلوب إلى كائن مكتمل الحياة أي تحقيق إشباع
بالمعنى المادي و القيمي إذ لا يكفي امتلاك الأشياء بل من الضروري التطابق مع ال كينونة و الإلتزام بواقع
و الإنخراط في قيمة.
← يكمن الحل في امتلاء الذات و النحن بتصور حول الوجود و امتلاك معنى للوجود في العالم و تحقيق الإرادة
و الحر ية و الفعل و العيش وفق منظور ية فكره و إرادته و عدم الخضوع لسلطة المغاير و القدرة على تحديد
أي حل أزمة الهو ية يكمن في تطابق الأنا مع أناها و عدم تماهيها مع ما هو مختلف عنها +الإلتزام
الأخلاقي و الروحي أي التعلق بمنظور يؤسس الفعل و الممارسة و عكس ذلك يؤدي إلى مسخ للهو ية +إيجاد
إطار أو أفق يمنح الأشياء دلالة ثابتة و مخصوصة دون إنكار لخصوصية الغير مما يفضي إلى حوار يعترف بتميز
89
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يوجد قدر من الإجماع بين الناس على إعتبار الحياة الإجتماعية نفي للخصوصية الفردية و أن الثقافة
العالمية ضد الخصوصية الحضار ية إذ اللقاء بالأخر ال كوني يجرد الإنسان من كل ما يميزه غير أن الإمعان بأكثر
دقة يثبت أن ال كوني كيفية تتجاوز حدود الوجود المباشر و العفوي و الجزئي و تفتح ممكنات لعلاقة بين الفردي
و الكلي حيث ال كوني يستوعب الخاص و يدعمه و يحافظ عليه .مثل هذا التوتر يدعو إلى المساءلة:
• و أي شكل للإجتماع الإنساني كفيل بتحقيق رهانات البشر المتعلقة بالسعادة و الفضيلة؟
← من هذا الأصل الكامن من الحاجة سينشأ أفق للتعاون و التبادل من أجل نيل ال كمال و المقصود
بال كمال في نظر الفرابي كمالين :كمال مادي أي تحقيق الحاجة بالمعنى العضوي و البيولوجي و إنتاج ما هو ضروري
لبقاء الإنسان أي كمال وجوده .و كمال معنوي و قيمي يكون إمتدادا للأول و ضامنا و حاميا له وهو التواجد
معا في إطار أخلاقي و روحي لأن قوام الإنسان لا ينحصر في بعد وحيد بل هناك كمال الجسد و كمال النفس
و الأول تحقيق إشباع بيولوجي و الثاني تحقيق قيمه و معنى وهو أفضل ال كمالات لأنه يرتبط بوعي و تبصر
90
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
← هذه ال كمالات :كمال الجسد و كمال النفس ،لا تتحقق في إنعزال عن الآخر بل تتحقق بمعية الآخرين
أو التعاون أي تعاون الناس على الإنتاج و تقسيم الوظائف و قيام كل منهم بعمل و بذلك تلبي الحاجيات و في
← لا انفصال بين الغايات المادية و الغايات القيمية بل ان ماهو مادي هو المؤسس للافق القيمي
و المدني (يعتبر الفرابي المدنية أرقى من الإجتماع) فجنس العلاقة القائمة بين الإنسان والآخر دافعها مادي
و نهايتها قيمية أي أن ماهو رمزي وقيمي يحدث بشكل محايث للتبادل المادي.
وهي الإجتماعات المدنية الأكبر حجما حيث لا تمييز و لا تفر يق فيها للإنتماءات الحضار ية بين البشر.
و تستمد كمالها من إستيفائها لحاجياتها و قيامها على هياكل و هيئات إقتصادية للتبادل و تنظيمات سياسية للتنظيم
و نظام وجود و حياة يحافظ على الجميع و يحقق مطالبهم المادية و القيمية (السعادة والفضيلة) .
غير قادرة على إستيفاء حاجاتها و غير مكتفية بذاتها و لا تحقق كل مقومات الحياة
ولا تتوفر فيها كل الخدمات وهي تشكل أجزاء بالنسبة إلى المدينة و لا تسمح للإنسان بإدراك غاياته و لا تفي
بمطلب الإجتماع الإنساني لأنها ناقصة مما يدفع أهلها إلى المدينة.
↔ رغم هذا الترسيم التفاضلي فإن الإجتماعات الإنسانية في حالة تكامل و الأدنى يطلب الأكثر تمدنا
كما أن الأكثر تمدنا بحاجة إلى الأدنى لتحقيق حاجياته ،مما يجعل الإنسان في حاجة إلى الآخر و مما يجعل كل
91
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
فالحكمة تقتضي طلب السعادة بقدر الطاقة الإنسانية أو وظيفة العقل هي العلم بالسعادة و استنباط طرق
إن الحكمة تستدعي تجاوز الحيوانية نحو وجود إيتيقي يراعي الحق و يستند إلى الواجب من أجل تنمية
ماهو إنساني في الإنسان و شرط الفضيلة النزوع إلى الخير و تجاوز النقص و ترتبط الفضيلة بالإشباع لأن النقص
و يؤكد الفرابي أن ا لسعادة و الفضيلة كمطلب إنساني أو كفضائل ،لا تدرك بالعزلة و التفرد
و الانقطاع عن الآخر بل بالتوحد معه مما يعني أن الخصوصيات ليست في صدام و صراع بل في تكامل
و تبادل للإعتراف و مما يدفع الأفراد و الأمم و الشعوب إلى طلب اللقاء و التواصل ،لذلك فإن السعي إلى
الآخر ضرورة يفرضها التعاون الذي هو منطلق كل قيمة .فلا إمكانية لتحقيق السعادة و الفضيلة إلا بالإنفتاح
على الآخر ،لأن السعادة تستدعي تأمين الحاجيات و سد النقص عبر التبادل مع الآخر و لأن ما من قيمة
تؤسس إلا بعد التحقق .مما يعني عدم الانفصال بين ماهو بيولوجي و ماهو ذهني و عدم التخارج بين ماهو عملي
و ماهو نظري فالحكمة تعني بلوغ أقصى درجات ال كمال العملي والنظري أي إمتلاك الوسائل و السبل
ال كفيلة بالحفاظ على الحياة و شكل أكمل للحياة و إمتلاك التصورات و القيم ا لمحققة للفضيلة و السعادة.
← لا تتحقق السعادة و الفضيلة كرهانات قصوى إلا في تواجد مع الآخر و في إعتراف بخصوصيتة
و في حاجة إلى إختلافه للتعاون على الخير والشر و الإختيار المتعقل لأن الشر كما الخير ليس ماهية
للانسان و ليس طبيعة متأصلة فيه .بل هما إنشاء تربوي و إختيارات إنسانية و نقص في تحقيق الحاجة و لا
يمكن للانسان أن يدرك الخير و يزهد في الشر بالإنقطاع عن الآخر و العزلة ،بل تجاوز الشر و تأسيس
الخير و مقاومة النقص و الفعل ضده يكون بتعاون الأمم و الشعوب و ذودها على الإنسانية الكامنة في كل
إنسان و بمواجهة صعوبات التحقق بفضل حياة مدنية تكون شرطا لكل قيمة إنسانية تتشارك مع الأخر ،تستفيد
من خصوصيته و تطلب كليا مشتركا أساسه الخير و الفضيلة و السعادة .مما يؤكد حاجة الإنسان إلى الأخر
و حاجة الثقافات إلى بعضها و تعاون الأمم لأن السعادة ليست مطلب فرد لوحده بل هي مطلب الأمة
92
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
و مطلب الإنسانية جمعاء و بلوغها و تحقيقها لا يدرك إلا بالتعاون بين البشر ،و الاعتراف بحق الأخر في بلوغ
السعادة ،و بواجب الإنسان تجاه الإنسان و بتكاثف جهود البشر من أجل إنشاء الوسائل و الأدوات و السبل
المحققة للسعادة .لأن المدنية تشمل الإنشاءات الفنية و الإنجازات المادية و النماذج و القواعد الموضوعية لسد
الحاجة و إنتاج علوم و معارف و مناهج و تطبيقات تمكن من تجاوز النقص و التغلب على الشر .و هذا لا ينال
إلا بتعاون البشر كشرط ضروري و أساسي للإرتقاء بالفردية أو بالهو ية الشخصية و بالخصوصية إلى الهو ية
الإنسانية كهو ية كونية و كلية تنال من الآخر يقدر حاجياتها و تمنح الآخر ما يحتاجه ماديا و رمزيا ،دون نعت
الآخر بالهمجية أو تصنيفه في مرتبة أدنى لأن ذلك التصنيف من شأنه أن يفضي إلى صراع الخصوصيات.
يشهد الواقع الراهن إختلالا عميقا في المستوى المعرفي و التقني و تطورا لا متكافئا للقدرة و القوة
و التحكم بشكل لم تسبق ملاحظته في التاريخ إذ ينقسم العالم و بصورة حادة إلى مجتمعات متقدمة ماديا حققت
ضربا من التفوق الكمي و الوفرة البالغة حد التخمة و مجتمعات تكابد نقصا في الحاجيات و ندرة في الإنتاج
و عدم إقتدار في مواجهة الطبيعة بحيث نلحظ زمانين في زمن واحد و كأن البشر لا ينتسبون إلى نفس الزمان
مما حدا بالبعض و خصوصا المأخوذين ببر يق التقدم و المبهورين بالتعابير التقنية و الكمية للحضارة إلى الإقرار
بوجود تفاضل بين الأمم و إمتياز للشعوب و وصف الثقافات الأدنى في سلم التقييم المادي و التقني
بالثقافات الهمجية و المتوحشة و الغير ملائمة ل كن هذا التضخم للجسم على حساب الروح أو هذا الإنتفاخ
الحسي لا يجب أن يحجب عنا الفقر المدقع في إنسانية الإنسان كما لا يشرع لتفاضل ،إذ كل ثقافة تحقق نجاعة
مطلوبة لأفرادها و تلائم واقعا مخصوصا مما يفقد فكرة تراتب الخصوصيات و أفضلية الحضارات كل مشروعية
93
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-ما السبيل إلى الإعتزاز بإنتمائي الحضاري دون الإقرار بدونية الأخر؟
إن التعصب داء يصيب الإنسان فيصيره قوة عمياء همها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب الغير وهو أداة
استعمال يجري التلاعب بها لخدمة أغراض و تحقيق منافع .و نتائج التعصب تحطيم ما هو إنساني و تنمية الحيواني
لذلك فإن المراهنة على الإنسان كقدرة على التعقل تستدعي تحصين الوجود من داء التعصب وهو تحصين
يضطلع به فكر نقدي يؤسس للإتيقا التعقل منهجا و للقاء الآخر غاية يؤسسها مشروع ينقذ الإنسان من الإنسان
فينقذ الإنسان من ذاته .وهو المشروع الذي ينخرط فيه مونتانيو حيث يعترف بوجود نزوع و ميل إنساني إلى
الهيمنة و تطلع الإنسان إلى ال سيطرة و توقه إلى بسط النقود و التملك للفضاء و للأشياء ل كن هذا النزوع ليس
من شأنه أن يفضي وجوبا إلى علاقة إستعلاء ما دام بإمكان الإنسان أن يفكر عقليا فيتجاوز ميله و يحول
نزوعه إلى تعقل و يقبل الاختلاف و يتحرر من أوهامه بشأن الأخر فيكف عن إعتباره أدنى منه و يعزف عن
النظر إليه كمتوحش غير جدير بمشاركته المرتبة التي ينسبها إلى نفسه و يعدل عن رؤيته غير جدير بالانتماء إلى
الكلي الإنساني و ذلك لا يحصل إلى بفضل إعادة نظر و مراجعة و فعل نقدي يسمح بالتحرر من اعتبار الأخر
همجيا.
يقر مانتانيو أن من نعتبره همجيا وفق معيار حكمنا الذوقي و الأخلاقي الم كتسب داخل تقافة النحن
المعيار ية لا يعد و أن يكون سوى مختلفا عن عوائدنا .و يعتبر أن المعقول و اللامعقول يخضع دائما إلى تقويمات
مختلفة فما يراه الآخر همجيا هو ميزة إنسانية و ثقافية إذ لكل إنسان أو أمة عوائد لذلك فإن نعت الأمم أو
المجموعات بالهمجية ينخرط في أحكام قيمة تحدث تصدعا في العلاقات البشر ية و تعطل التواصل فالهمجي هو
94
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الهمجي تصنيف للإنسان الذي ليس له عوائد مماثلة لعوائدنا فكل من يختلف عن خصوصيتنا ننعته
← الذوق الفاسد يتمثل في الحكم على الآخرين بالهمجية و إخراجهم من النظام الطبيعي بدعوى الثقافة
و هذا الحكم يسقط العقل في اللامعقول و يصبح من قبيل الحكم الإستنقاصي الذي يخرج المختلف من دائرة
النوع الإنساني وهو حكم لا أخلاقي يفتقر إلى العقل السليم و المبررات الموضوعية.
يؤكد مونتانيو أن الثقافة التي ننتمي إليها هي التي تعوقنا عن إدراك الآخر في خصوصيته و تفرده إذ تقدم
لنا وصفة للحقيقة و ترسم جغرافية للعقل فنسقط في الاعتقاد في تمامية ما ننتمي إليه و نعتبر وجودنا مظهرا
لل كمال و يدعونا مونتانيو إلى تشكيل أنفسنا على شكل الطبيعة القائمة على الإختلاف إذ الطبيعة الإنسانية تتشكل
على صورة الطبيعة الطبيعية .وهو يستمد هذه النزعة الانسانو ية من الجذور الإغريقية الداعية إلى إتباع نصائح
الطبيعة و إرشاداتها كي نحسن التمتع بوجودنا .ينتهي مونتانيو إلى رفض الإقرار بوجود شعوب همجية و الدعوة
إلى التسلح بالنقد لتجاوز صراع الخصوصيات و اعتبار النسبية الثقافية ثراءا مرغوبا فيه ،يقول مونتانيو " :لا
يثيرني تعدد الأحوال من أمة إلى أخرى إلا من جهة ما فيه من متعة التنوع" .لهذا لا يحق وصف ثقافة ما
بالهمجية إلا قياسا على قواعد العقل لا قياسا علينا نحن لأن الحكم على الآخرين لا يجب أن يستند إلى رفع قيمنا
و معتقداتنا و ممارساتنا و مؤسساتنا إلى مستوى الحقيقة المطلقة و الثابتة و تقييم الآخر وفقا لها بل يجب تعييره
يؤكد مونتانيو على تعدد الهو يات و تعدد أشكال إجلاء العقل وهو يرفض المقاربات القائمة على المفاضلة
و التي تشرع لهيمنة ثقافة على أخرى و الاستعلاء عليها خصوصا وأن مفهوم التثاقف اليوم صار مطية و تعبيرا
عن علاقة صراع و تصادم بين الهو يات و يكشف عن علاقة اللاتكافئ بين ثقافة و أخرى حيث يتم اللجوء إلى
فرض ثقافة قو ية و تنميطها و تكييفها و هذا ما دفع بجيرار لوكلارك إلى اعتبار التثاقف إستعمالا يهدف إلى
الإشارة إلى أنماط يتم بموجبها قبول مظهر ثقافي معين في ثقافة أخرى .بحيث يتلائم و يتكيف معها مما يفترض
مساواة ثقافية بين الثقافة التي تعطي و الثقافة التي تتقبل .و التكيف هو السيرورة التي تتحول بموجبها عناصر
95
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يرفض مونتانيو نزعة المفاضلة بين الخصوصيات مؤكدا عدم مشروعيتها و عدم وجاهة المقاييس المعتمدة
للتمييز بين الثقافات و يعتبر أن هذه النزعة تقيم موقفها و تؤسسه إنطلاقا من الإعتقاد البغيض القائل بوجود
حضارة تحقق فيها إكتمال كل شيء مما يسقط في إعتقاد بإكتمال العقل و شل التاريخ و مما يؤسس لموقف
وثوقي إزاء ما يجليه العقل من تعابير زمانية و لحظية يعتقد المتعصب في إطلاقيتها .و مما يعبر عن نزعة في الهيمنة
تشرع لتوجه إستعماري حجته نقل شروط و رموز و معاني التحضر و المدنية إلى الآخر "الهمجي" بغرض التسلط
عليه و سلبه معانيه و قيمه و دمجه في قيم الحضارة المسيطرة و مسخ ملامحه و نسف مقوماته و إضعاف قدرته
على المقاومة.
يفضح مانتانيو الأغراض التسلطية لفكر يطلق صفه الهمجية على المختلف و يؤسس لموقف يقوم على
إعتبار المقياس الوحيد الذي يشرع إمكانية التمييز هو مدى تقدمه في تمثل قواعد العقل و الإلتزام والعمل بها
و يعكس هذا الموقف تصورا كونيا للعقل و ينطلق من التنوع كمشهد يميز الواقع الطبيعي و الإنساني ومن أشكال
التعابير الثقافية ال كثيفة ليرجعه إلى واحد هو العقل الكلي كعقل إنساني تمثل الثقافات عقولا أو أشكال إستخدام
للعقل تعبر عن هذا العقل الكلي و ال كوني و النظر إلى التنوع على أنه ليس جوهرا و إنما هو شكل للعقل .
فعلا إن التمسك بالعقل هو الجدار الأخير الشبيه بحائط هيرود أو حائط المبكى الذي يجمع أفرادا لا
يجدون ما يتوحدون حوله ،أشخاص لهم قليل من الرموز ،ل كنهم بحاجة إلى علامة دالة .و يظل العقل العلامة
الدالة على الإنسان أو علامة طر يق يجب أن يسل كه الإنسان ،إنسان يريد التوافق ولا يجد ما يتوافق حوله
خصوصا إذا أدركنا أن العقل عقال الإنسان و معتقله بسبب تحولة عقلنة سالبة للإرادة و أداة إغتراب وارتبط
العقل في شكله التقني بأهداف تحكمية و أضحى العقل ليس عامل وحدة بل عامل تفاوت مرتبط بظروف
ترسمه بدقة و تدجنه بحذق وتتلاعب به بلطف وتقوده بسلاسة ولم يعد العقل معيارا للثقة
و حجة على التصديق بل نحن إزاء مجتمع المشهد و مجتمع السوق الذي يحطم كل خصوصية لا بفعل معرفي أو
ثقافي و إنما بفعل بضاعة تذيب الفروق و تنتج إنسانا ذو بعد واحد يتضخم جسمه على حساب عقله و روحه
و تصبح رموزه تعبيرا رمزيا عن الإستهلاك و علاماته دوالا على ما هو حسي فيفقد العقل نفوذه و تعلن الصورة
عن نفاذه .إنه عصر نفوذ الصورة ونفاذ اللوغوس مما يدعو إلى البحث عن شكل إنساني لل كونية وتقصي لشروط
96
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
حين نسلم بأن المفهوم يتحدد موضعيا أي يكتسب إجرائيته من سياق محدد و في حقل مخصوص فإن
ذلك يعني أن المفهوم يدرك في موضعه .ل كن ذلك لا ينفي إمكانية التوافق حول معنى أولي أو نواة صلبة
للمفهوم تجعله محل تواضع يمنحه معنى عاما و يجر يه في حقول مختلفة ،مما يجعل المفهوم نموذجا تأو يليا يسمح
بمقاربة الظواهر المغرقة في التعقيد و يمكن الواقع من إكتساب دلالة و معنى و يفي بشروط التداول والتواصل
والفهم و ينخرط مفهوم الأنتربولوجيا في هذا المنظور حيث يشكل مسعى علمي و صفي لواقع الخصوصيات
الثقافية ،فهو لا ينظر لمنشود ثقافي و لا يطمح لتأسيس واقع جديد للثقافات ،وإنما يكتفي بوظيفة عرفانية
أساسية هي فهم الواقع الإنساني المتمثل في الرموز والوقوف على صلاحيتها ضمن البيئة المنشئة لها ،أي تنحصر
مهمة الأنتربولوجيا في وصف الموجود مما يجعلها تتباين مع المسعى الفلسفي الذي يلتزم بتأسيس ثقافة كونية،
حيث تتعلق همة المتفلسف بالمنشود و المأمول ،إذ يلتزم المثقف بالنقد و التأسيس ،إنه يؤسس ال كوني ويدرك
أن واقع التنوع الثقافي يمكن أن يفرز علاقات بين البشر قائمة في الآن نفسه على الفصل و الهيمنة والنفوذ.
والوصل و التسامح و التوافق ،كما يدرك أن مفهوم الغير لا يطرح مسألة العلاقة بين الأفراد فقط وإنما يشمل
علاقة الأنا بالغير ككيان ثقافي ،الأمر الذي يدفع إلى إستئناف المساءلة حول طبيعة العلاقة التواصلية القائمة
بين النحن و الهم من جهة و الخصوصية و ال كونية من جهة أخرى .و من ثمة يقتضي العقل كإجراء أن تنشأ
بين الأنا و الغير علاقة إعتراف متبادل و إحترام للغير في خصوصيته الثقافية و في تفردكيفية وجوده في ال كون.
مثل هذا التوتر بين منهج علمي يكتفي بالموجود و يختزل الهو ية في بعدها التحليلي البسيط ،ومنهج فلسفي
ينظر إلى الهو ية ككل لا متناهي التركيب و التعقيد يدعو إلى إثارة جملة تساؤلات هــــي:
• أي معنى يمكن أن تضفيه على كثرة الواحد و وحدة التنوع أو ما دلالة الهو ية المركبة؟
97
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• إذا كان رهان هذه الدعوة هو حكمة العيش معا فوفق أي شروط و إجراءات يتسنى تحقيقها؟
يدخل إدقار موران في سجال نظري مع الموقف العلمي و الموقف العامي ليدحض كل التصورات التي
ترى الاختلاف و التنوع عائقا و حاجزا أمام التواصل في معناه ال كوني وهي مواقف عاجزة عن فهم وحدة
ال كثرة و كثرة الوحدة ،فتنتهي إلى إعتبار ال كثرة عامل تشتيت و تفرقة و ترى أن تنوع الإنتماءات الثقافية
والدينية و العرقية ينفي كل إمكانية للتفاهم بين البشر .و هذه التصورات قد تغذيها نزعات إيديولوجية تسعى
يرفض موارن هذا التوجه مبينا أن التنوع حجة تضمن تحقق ال كوني في إطار من التفاعل و التلاقح
كما أنه يرجع التنوع إلى وحدة و الوحدة إلى تنوع مستندا إلى أساس بيلوجي ذلك أن كل فرد يحمل
داخله صفات و سمات النوع الإنساني من خلايا و جينات و يتميز في الوقت نفسه بخصوصيته الجينية والتشر يحية
و الفيز يولوجية.
و يضيف إلى هذا الأساس البيولوجي أساسا ثقافيا يشهد على تعايش ال كثرة مع الوحدة و تعايش الوحدة
مع ال كثيرة إذ يتحدث عن ثقافة مشتركة أو عن وحدة ثقافية و تنوع ثقافي .و تعني الثقافة ما يكتسبه الإنسان
عبر علاقته بالعالم أو كل ما يضيفه إلى الطبيعة سواء طبيعته كإنسان عبر ما يتعلمه من معارف ومهارات و فنون
أو الطبيعة الخارجية عبر ما يبتكره من أدوات و تقنيات في سعيه إلى تغيير الطبيعة و أنسنتها.
والثقافة تعني الهو ية من حيث أن الثقافة هو ية إنسانية بمعنى أن الإنساني يتشكل في الثقافة و بالثقافة.
فالثقافة هي في آن واحد مجال و إطار و شرط إمكان و أفق تواجد مما يشرع للإقرار بأن الإنسان ليس كائنا
طبيعيا بل هو كائن ثقافي ،فالطبيعة ليست هي ما تحدد الإنسان و تشكل هويته بل الإنساني يتحدد بفضل الثقافي.
98
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
و الثقافة تختلف في أشكال تعابيرها فتحيل على خصوصية إجتماعية ل كنها تتوحد في مضمونها فتحيل على
ال كونية لذلك فإن التسليم بتنوع الثقافات لا يتعارض مع الإقرار بوجود ثقافة إنسانية.
و نجد في اللغة خير مثال على هذا الواقع المتداخل بين ال كثرة و الوحدة فما هو إنساني و ثقافي مشترك
هو اللغة ل كن توجد ألسن مختلفة .و كذلك الدين فهو إنساني و مشترك إذ مضمون الدين واحد و الحاجة إلى
الدين حاجة كونية ،أي ما يضطلع به الدين من وظائف تفسير يه و منح الوجود معنى و تمكين الإنسان من
مدونة و رؤ ية لعالمه و الاستجابة إلى الرغبة في التفسير الشمولي و توحيد المجتمع و التكيف مع الواقع .كل
هذه الوظائف تجعل من الدين مطلبا و ممارسة إنسانية .و ل كن شكل الدين أي التدين مختلف و يتطابق مع
وفق هذا التمشي الحجاجي المسنود بأساس بيولوجي ثقافي ينتهي موران إلى أن الهو ية الإنسانية هي حقيقة
مركبة وهو بهذا الحكم يتخطى طر يقة و منهج العلم البيولوجي الذي يختزل الحياة في الم كونات العضو ية مما تسبب
في تفقير الحياة و إفقار الإنسان من كل معنى و قيمة .إذ أن عيب البيولوجيا أنها لم تزاوج بين الثقافي و العضوي
أو أنها لم تقحم ما هو إنساني فيما هو حيوي و لم تدخل النسيج الحيوي في النسيج الإنساني لترى نسيجا واحد.
يدعو موران إلى إدراك الحياة داخل سياقات متنوعة تتداخل و يتناغم فيها البيولوجي مع الفيز يائي مع
الإجتماعي و الثقافي لأن البحث في ماهية الإنسان يقترن بالبحث عن بداية الحياة و البحث في تداخل عناصر
و الخشية من الإندثار و التفتت الثقافي ،و هذا النزوع إلى رفض الأخر غير مشروع و لم يفهم واقع ال كثرة
و لم يعي جيدا أهمية الإختلافات بين الثقافات الذي لا يفضي ضرورة إلى الصراع و النفي المتبادل بل أن
الوعي بالخصوصية يكون في إطار الوعي بإختلافي إذ أنا هو المختلف عن الآخر قبل أن يكون الآخر مختلفا عني.
إن هذه المحاورة النقدية التي يجريها موران تقر بأن الرأي الشائع يسقط في مأزق حداه فيهما إفراط
و مغالاة :فإما وحدة ترسخ التجانس و التماثل و تبحث عن وجه الذات في الأخر مما يؤدي إلى تذويب و صهر
99
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الثقافات في ثقافة واحدة .و إما كثرة تكرس الانغلاق و تقوم على اعتبار الخصوصية إنعزال و فراق وجه الآخر
هذين الحدين فيها تحطيم للعقل و للإنسان ،إذ الوحدة المرسخة للتجانس تشل كل فعل إبداعي و تحول
الواقع إلى معاودة لا اختلاف فيها و لا متعة أو ضرب من التناسخ الثقافي .كما أن ال كثرة الم كرسة للإنغلاق
يكمن الحل في إعادة تعلم رؤ ية العالم وفق منظور ية الوحدة في التنوع و التنوع في الوحدة ،أي مقاربة
مشكل الخصوصية و ال كونية ضمن مشروع يؤسس لرؤ ية نسقية للإنسان في أبعاده الطبيعية و المعرفية و الثقافية
تفهم وضعيته كواقع مركب .وهي مقاربة تتوحد في أفق الإنسانية سعيا إلى تجاوز مظاهر إغتراب ولا إنسانية
الإنسان المعاصر عبر اللقاء القائم على التلاقح و المؤسس لمنظور ية ترى التنوع إبداعا و تجديدا و ثراء و عبر
يبدو أن حل معضلة العلاقة بين الخصوصي و ال كوني يؤول إلى فشل داخل المعرفة العلميةكمعرفة جزئية
تنبني على معطى وحيد إذ أن تطور المعرفة العلمية لم يوسع دائرة وعينا بالإنسان إلا كما ،أما كيفيا فإن تطور
المعرفة العلمية لا يعني فهما أكثر أو أعمق للإنسان ،فأقصى ما بلغته المعرفة السائدة هو الجهل بالإنسان.
الفكر المركب الذي يفيد بناء معرفة متكاملة عن الإنسان من حيث هو كائن يفكر و يمتلك القدرة على التعقل
و يحيا وفق آداب سلوكية و إيتيقا حوار تحرره من بربر يته المعاصرة المعلنة شكلا عن تهذيب مفرط و المضمرة
إن الفكر المركب هو العودة إلى الكل المركب من معطيات بيولوجية و فيز يائية و إجتماعية و ثقافية
و أنتربولوجية و لسانية .كلها تلتقي في مسألة مخصوصة هي الهو ية و تعبر عن أفق إنتظار هو ال كونية .و تعبر
جميع هذه الهو يات بأبعادها المتداخلة و أشكالها المختلفة عن وضعية الإنسان وعن واقعه و تكشف موقعه في
ال كون .و تستدعي هذه الطر يقة المركبة إستئناف المساءلة في أشكال الهو يات من جهة علاقتها بسؤال مركزي:
100
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إن لقاء الإنسان بالإنسان و ضمان صلاح الإنسان و تحقيق إنتظاراته ليس رهين حرب كما يدعي
المرابطين بجيوشهم على مشارف المدن و بصورهم على مشارف العقول .و ليس مشروطا بتمرد أو ثورة فكر ية.
وليس متوقفا على إنشاء واقع لا شر فيه .و إنما إبداع طر يقة تعبر عن وفاق بين الإنسان و ذاته و الإنسان
و عالمه و الإنسان و غيره ،وفاقا يحدد أرضية دنيا للتوافق وهو لا يستدعي موقفا سياسيا بل رؤ ية ثقافية أو ثقافة
جديدة أساسها ما أصطلح على تسميته بالإيتيقا التي تتجاوز الأنطولوجي كمعطى ثابت نحو الإيتيقي كبناء مركب
يعبر عن لقاء جديد بين الأنا و الغير ،لقاء بين " أن نفكر جيدا" و " أن نفعل على نحو جيد".
فالإيتيقا هي ملاذ أخير أو قارب نجاة أو مشروع الإنسان كفرد في توافق مع ذاته و مشروع الإنسان
كغير ية لا يرى في الآخر عدوا بل صديقا مما يشرع للتفاهم والتحاور و الإشتراك بين الذوات وهو في الوقت
نفسه مشروع المجتماعات التي تتلاقح و تتجاوز العزلة و تؤثث الفراغ ،ليس عبر إزاحة الأخر منه بل عبر ملئه
معا.
و هذا هو مشروع ورهان و أفق إنتظار الإيتيقا المركبة التي تدعو إلى وحدة خلاقة تجعل البشر
يتشاركون معا في تكوين إنسانية كونية تحمل قيما و معاني أساسها عدم التلاشي.
إيتيقا تحاور الغير و تحترمه و تتضامن معه وهي نمط من الرؤ ية لا تسقط في ترسيم واقع بلا عوائق
و لا تدعي تغيير العالم أو تجاوز التناقضات مجاوزة نهائية أو امتلاك حلول جاهزة لمشاكل الإنسانية .بل هي
إيتيقا تمتلك من التواضع ما يسمح لها بوضع أسئلة دقيقة للوصول إلى أجو بة واضحة بمعنى ملائمة و متوافق
حولها ،أسئلة يكون الإنسان قادرا على حلها و تخلصه من غفوته و غفلته و تحرك فيه الرغبة في تجاوز البربر ية
و تغذي فيه حب الإنسانية و تنمي فيه ميله إلى الكلي و تدرك أن الوحدة و التنوع واقعا جدليا يقتضي فهما
جدليا يكون أساسا لتأو يل الإنسان و الثقافة على حد سواء ،عندها فقط نستطيع تجاوز عنف العالمي فأي مخاطر
101
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إذا كان تساؤل الإنسان عن إنيته مداره الإستفهام عن وجوده و ماهيته و سعيه إلى تحديد هويته بما
يقتضيه من تصور تأملي تجريدي للإنية باعتبارها نفسا عاقلة وجوهرا مفكرا و ذاتا واعية فإن التساؤل عن من
نحن يستدعي تصورا واقعيا ينزل الإنية ضمن الوجود الفعلي و التار يخي أي ضمن معيش متجسد يدرك الإنية
بوصفها وجودا في العالم ومع الآخر ،إنية إجتماعية مركبة تحضر فيها الغير ية بأسماءها المتعددة و بكل مرادفاتها
كذات عينية توضح لنا أسبقية الأنا موجود على الأنا أفكر و مما يشرع لاعتبار الإنسان مشروع وجود يبنى
مثل هذا التحول من منهج تأملي في تأو يل الإنسان إلى منهج تار يخي في فهم الإنسانية.
يفترض إعتبار الإنسان مشروع وجود على حد عبارة سارتر و الإقرار بأننا نحيا فيما هو خصوصي وفق
تعبير فوكو ،فالحقيقة العينية للإنية تكشف أنها في علاقة مع إطار ثقافي تتقاطع فيه النداءات بين أصوات تدعو
إلى إحترام حقوق كونية للإنسان و قطبها الدفاع عن ال كرامة الإنسانية و الحر ية ،وأصوات مقابلة تبرر لسلطة
تقنية واقتصادية مدعومة بروافد إعلامية تدفع بالبشر إلى تماثل و تطابق نمطي يهدد الإنسان كمشروع يحطم
وفي هذا الوضع المتأزم بين قطب فكري كوني و قطب بضائعي عالمي نحتاج إلى إثارة الأسئلة التاليــــة:
كيف نتعاطى مع واقع يدفع ال كوني إلى التلاشي و يرسم للعولمة إتجاه لا تراجع فيه؟
يميز بودر يار بين مفهومين يتشابهان بشكل خادع إلى درجة الإعتقاد أن اللفظين واحد في حين يوجد بينهما
من الاختلاف ما يدعو إلى الإقرار بتعارضهما وهما مفهومي العالمي و ال كوني فما الفرق بينهما؟
102
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
العالمي يحيل على العولمةكسيرورة إنفتاح الإقتصاد ال كوني يحيل على ال كونية و يتعلق أساسا
المحلي على السوق العالمية +هاجسه إقتصادي بالحقل القيمي و السياسي و يرتبط بمفهوم
ويتعلق بالاتصال والتبادل المتسم في عصر العولمة الحقوق و الحر يات ،مثل حقوق الإنسان
بالشمولية و الطموح إلى توسيع التبادل و الحر يات الثقافية و الديمقراطية وهو لا يشير
الاقتصادي إلى تبادل ثقافي و سياسي. إلى الأدوات و الوسائل المحققة للربح والمرتبطة
+ترمي العولمة إلى تفكيك الهو يات القومية و إزالة بالسوق أو بالإعلام.
الحدود بغرض تنمية تبادل البضائع و الخدمات + يلاحظ بودر يار أن ال كوني في طر يقه إلى
تفهم العولمة فلسفيا في إتجاهين متناقضين :إتجاه التلاشي و يبدو غريبا عن العالم أو هو على الأقل
موحد يرى العالم قر ية بدون حدود تقوم على وجود مؤجل +إن القيم التي تدعي ال كونية لا
تقسيم عالمي للعمل و تخصص دقيق .و إتجاه تجد نظيرا لها في الثقافات الأخرى +ال كوني
صدامي يرى في العولمة منبع أزمة و توسيع في طر يقه إلى الموت لخدمة مصلحة العالمي
للفوارق حيث أن الأثر ياء يزدادون ثراء فال كونية بوصفها الإنسانية في حالة إندثار
و الفقراء يزدادون فقرا مما يؤدي إلى الفوضى تؤسس لموت الإنسان ذاته +أصبح ال كوني
و عدم إحداث أي تحول ونوعي في العلاقات هذا المشترك ضحلا ل كي يجمع قدر الإمكان .أي
الإنسانية +العولمة حل لرأس المال تسعى إلى تعميم ال كوني يقتضي التخفيض +تحول إلى
تفكيك العالم من أجل مزيد السيطرة و التحكم مما أداة إستعمال تؤمن مرورا سلميا يجعل تعميم
يؤسس لتواصل إخضاعي ننتقل بموجبه من عولمة الاستهلاك و التقسيم العالمي للعمل و توحيد
التبادل إلى عولمة الإنتاج بحيث تنحاز الدولة إلى سبل الحياة أمرا مقبولا من طرف الجميع
رأس المال و مما ينتج وجها لا إنسانيا للعولمة +ال كوني أضحى نقلا لخصوصية ما إلى مستوى
+العولمة إتجاه لا محيد عنه أي تمثل قدرا تار يخيا و هذا الإدعاء للصلاحية و الملاءمة يخفي
لا يمكن مجابهته لأن ضحايا العولمة في حالة عجز فائدة إقتصادية و خطرا حضار يا ← فالواقع أن
103
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
حيالها و لأن وجه العالم قد تشكل إيديولوجيا على ال كوني يهلك بالعولمة لأن عولمة التبادلات أو
← العالمي ينمو و يتصاعد على حساب ال كوني. ال كوني اليوم يواجه إنحرافا و يلاقي تمردا من
فعالة و مؤثرة وهو عنيف. و حقوق الإنسان أصبحت فاقدة لبر يقها
← العالمي هو تبادل الانتاج وهو إتجاه لا محيد و باهتة و فاقدة لكل دلالة أو ضحلة على الأقل
عنه و قدر لا رجعة فيه. و أضحت أشباحا ل كوني مندثر.
← ال كوني هو تبادل القيم وهو في طر يقه إلى
التلاشي.
← إذا ال كوني إلى إندثار فيعني ذلك موت الثقافات أو أن الإعلان عن موت ال كوني هو إعلان عن
موت الخصوصيات أي موت الإنسان في نهاية المطاف .لأن كل الثقافات بصدد الإنهيار تحت تأثير العولمة بما
في ذلك الثقافة الغالبة و المسيطرة مما دفع بــبودر يار إلى التمييز بين كيفيتين لموت الثقافات فالثقافة المهيمنة
و المهيمن عليها كلاهما في حالة موت إذ تتعدد الأسباب و تختلف ال كيفيات ل كن الموت واحد و سبله هي
الــتاــلــيــة:
موت الثقافة الغالبة و ضحالة قيم ال كونية موت الثقافات المغلوبة أو موت الخصوصية
توسع و تعميم يفترض تنازلا إلى درجة الصفر رفض وإنغلاق يؤدي بها إلى الموت فالثقافات
يجعلها ضحلة ،إذ الثقافة المهيمنة المسنودة بقوة المخصوصة يتم تدميرها عبر دمجها بالعنف
رأس المال و بفعل نشيط لتبادل الإنتاج و بقدرة و القوة داخل مسار كوني يحطم رموزها
إعلامية و المدفوعة بالحاجة إلى تقسيم عالمي للعمل و علاماتها و يحولها إلى مسخ مشوه للثقافة
تؤول إلى الموت أيضا لأن كل ثقافة يتم تعميمها السوق بديكتاتور ية المسنودة المسيطرة
104
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لتروج سطحها و تنزل بقيمها إلى درجة دنيا في +الثقافة الغالبة في سعيها و تطلعها إلى ال كوني
عملية التفاوض من أجل الملائمة و التكيف. تحطم الرموز المغايرة لها إعتقادا منها بأنها عائق
بحيث أنها تصبح بلا هو ية أي أنها تسعى إلى أمام إنتشارها +تموت أثناء المواجهة و تكتفي
تحقيق فوائد و منافع عبر إرتقائها إلى ال كوني بحد أدنى مشترك ضحل و ضعيف لثقافة الإنسان
و تعميمه فتستأصل ملامحها و مميزاتها لتنتج قيما العالمي وهو الأدوات +تدخل الثقافة المنهزمة في
و تريد التلاؤم مع تشاركية صالحة للجميع أزمة مع رموزها بسبب تطلعها إلى ال كوني +في
الكل فتنتج معايير لإنسان إفتراضي و ليس إنسانا بحثها عن فوائد و منافع من الإنخراط في ال كوني
واقعيا له ما يميزه .فهي تتخلى عن خصوصية مدججة تندفع إلى التنازل عن قيمها و معتقداتها و نسيجها
بالرموز لتتحول إلى ثقافة عار ية يتماهي معها الرمزي فتتنكر لنمط وجودها الأصيل في العالم.
الآخرين +شرط الإرتقاء إلى ال كونية يدفعها إلى ← إنها تموت من جراء دمجها أو من جراء رفضها
و التجرد و يقحمها في تعميم مجرد التجريد الإنخراط في ال كوني فتنغلق على ذاتها بفعل
يسمح لها بإذابة الفروق ل كنه يقتلها بعنف فتعمد خوف مرضي يدفعها إلى الموت في خصوصيتها.
الثقافة المسطرة إلى خنق ذاتها و التنكر لأصالتها ← تموت اعتقادا منها أن المصير المثالي يتمثل في
و تتنصل من جذورها لتسو يق نفسها كثقافة الإرتقاء إلى ال كوني أو تموت تحت تأثير رفضها
+إن إنتاج ال كوني ليس مصيرا مثاليا لكل قيمة ← إنها تندثر بفعل الترقي إلى ال كوني و بسبب
بل إن الإرتقاء إلى ال كوني هو تخفيف و تخفيض عدم تقدير الخطر المميت ،أو أنها تندثر بفعل
من القيمة إلى الحد الأدنى لذلك فهو ليس ترق التنكر لل كوني .فهي إما أن تموت في ال كونية أو
105
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
نستنتج مع بودر يار أن إرتقاء القيم إلى مصاف ال كونية يشكل موتا لها +هناك إعتقاد بغيض يعتبر أن
الترقي إلى ال كوني فعلا إيجابيا وهو بذلك لا يقدر الخطر المميت الذي يحيط بالثقافات +تكشف قراءة بودر يار
عن أن عبور الخصوصي إلى ال كوني يهدد بموته كما أن محايثة ال كوني للعالمي يهدد باندثار ال كوني فالواقع أن
ال كوني يهلك بالعولمة لأن العولمة تختزل التبادل في بعده المادي فتضع نهاية ل كونية القيم +العولمة تمثل خطرا
على الخصوصية و على ال كونية في آن واحد +مخاطر العولمة ناشئة عن منطق العولمة نفسه.
oإعتماد الخلط بين كل العلامات و تحو يل الرموز إلى بورنوغرافية متسترة حينا و معلنة غالب الأحيان.
oالعمل على خلق تماهي بين العالمي و ال كوني ،بحيث يختلط نسيجهما و يعسر التمييز بينهما لأن ال كوني
نفسه تعولم ،و تحول ال كيف إلى كم و آنقلبت القيم النوعية إلى مقادير كمية إلى درجة أننا نتحدث عن
معايير إحصائية للديمقراطية و عن مقادير للحقوق و عن وحدات قيس للحر يات .إننا نتحول من الحداثة
كقدرة على تحو يل ال كيف إلى كم إلى ما بعد الحداثة كقدرة على جعل ال كيف كما .و نحن بذلك نمر
من إبستيميا تكميم النوعية إلى فضاء ثقافي ما بعد حديث يقوم بنقل النوع إلى كم يسمح بتصنيف الشعوب
بغرض مكافئتها حين يقتضي الأمر ذلك و معاقبتها حين تجور المصلحة ذلك .و مثل هذا الفعل
يستدعي إنشاء مراكز بحوث و مختبرات و مراصد و إخصائيين و عمال قيمة يسهرون على نقلها و تبادلها
و تسهيل عبورها للحدود كأي سلعة أو بضاعة ،و لسوء حظ المجتمعات أن هذا المسار يجد موزعين محليين
106
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
و باعة متجولين لنسخ باهتة للقيم .يدفعهم ولاؤهم لل كوني لفتح مطار ياتهم في أراضيهم حين تمطر في
أراضي أخرى.
oعبور ال كوني إلى العالمي فعل تجانس و تفكك و إنحراف دائم و تمييز و إستبعاد مستديم و هذا هو المنطق
oإن منطق العولمة هو التشكيك و الهدم دون أن تبني بدائل لذلك تتلازم مع فكر النهايات كفكر يعلن عن
حاضره بالعودة إلى أصوله وأسلافه ،غير أنه من التعسف التفكير في الحاضر بعقل أعد للماضي و التجربة لا
تعاد مرتين إلا في المخبر .لذلك لا يجب النظر إلى الماضي على أنه ماضي الحقيقة و القيمة بل النظر إليه على أنه
ما ولى و آنقضى والتاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مهزلة .لذلك فإن المحافظة ليست تحفظا و الإعتزاز بالهو ية
لا يعني الإنغلاق فالنزعة التي تحارب العولمة بهذا المنطق لا تقطع مع منطق العولمة ذاته وهي نزعة أصولية
و ليست نزعة أصيلة إذ الأصالة تعني الإعتزاز بالجذور و القدرة على محاورة العصر و النفاذ إلى رموزه .في حين
أن الأصولية هي النكوص إلى الماضي و الإنغلاق فيه و عدم القدرة على التكيف مع مستجدات واقع حثيث
التغير.
إن الحل لا يكمن في الرفض لأنه سبب موت ،كما أن الدعوة إلى الهروب إلى الوراء تتجاهل أن الثقافة
المحلية قد تم التأثير فيها و تبعثرت وتفككت ففي حالة رفض المركزي (الثقافة المهيمنة) ليست الأطراف أو
المحلي هو الذي يخلف المركزي بل المفكك و المشوة و النسخة و الشبح أو المنحرف .إن الثقافات المحلية فعل
فيها الإنحراف بشكل لم تعد قادرة معه على أن تمثل حلا أو خارطة رمزية واضحة بل إنها خارطة مشوهة و غير
محينة.
إن الاستسلام للايديولوجيا المهيمنة و السير في ركاب العالمي لا يحقق شيئا لأن من يرتمي في أحضان
العولمة يصبح وجها غفليا يحقق طموحا غير طموحه و يحيا في رموز لم يبدعها.
107
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يبدو أن أزمة العالمي تجد حلها في المستقبل أي في تطوير العولمة نفسها أو إقامة عولمة بديلة أو القيام
بحركة تصحيح ينبه لآنز ياحات العولمي و يفطن لمخاطره و يتسلح بالنقد في مواجهته و يراهن على عولمة تفسح
المجال للثقافات المحلية لتجد مكانا و مكانة .عولمة تقوم على الحوار و التنافس و التكامل و الإبداع ،عولمة تكف
عن كونها ثقافة لتؤسس لثقافة عالمية أو بتعبير سمير أمين يجدر المرور من ثقافة العولمة إلى عولمة الثقافة.
يبدو أن التفكير في ال كوني كإنساني لا يكون إنسانيا بحق إلا متى تأسس على إستحضار الآخر داخل
الهو ية ،إستحضارا يكشف عن تصدع الهو ية كثبات و يشرع لمنظومات رمزية مختلفة الروافد تحيل إلى ثراء
تجربة الإنسان و قدرته على الإبداع و التواصل و الاستفادة من المختلف بغرض الإغتناء به دون السعي إلى
فرض سلطة عليه .بيد أن الواقع الإنساني تتداخل فيه المفاهيم بشكل خادع يصعب معه التمييز بين ما ينشد
الحقيقة و المعرفة و التواصل و بين ما يرمي إلى الوهم و العنف و الإتصال بحيث توجد مفارقة بين قوة إتصالية
مدفوعة بنفوذ إقتصادي و سياسي تهدف إلى الهيمنة و النفوذ وبين رغبة في التواصل تدرك أننا نعيش في واقع
التنوع الثقافي المحكوم بقيم التعددية و المعبر عن أصالة كل جماعة و المعترف بحق كل ثقافة في التعبير عن
مقوماتها.
مثل هذا التوتر بين مفهوم الإتصال و التواصل يدعو إلى المساءلــــة:
-هل التمسك بالأصالة دعوة إلى الأصولية ،أي كيف نشرع لمحافظة دون السقوط في التحفظ؟
تخلط بين البيولوجي و الإجتماعي و النفسي ،أي أنها تقوم على خلط لا أساس له بين فكرة بيولوجية للعرق
108
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
و الإنتاج الاجتماعي و العقلي و النفسي للثقافات .و يؤكد أن نظر ية العرق هذه تهمل فعل التاريخ و تعتبر أن
الإنسان جوهر ثابت أو ماهية مسبقة على وجوده .في حين تؤكد الدراسات الآنتربولوجية أن الإنسان ليس له
ماهية بل له تاريخ .تنبع النظر ية القائلة بالأساس العرقي للثقافة من شوفينية تقوم على الإستعلاء و تهدف
لتأسيس مركز ية ثقافية تبرر للهيمنة و التمييز و الإسغلال ،و الحجة على ذلك أن نظر ية الأساس العرقي تتصاعد
مع تنامي رغبة الديكتاتور يات في الهيمنة على محيطها الجغرافي و تصاحبها نزعة سيطرة على المجال ،وهي عادة ما
ل كن التاريخ يؤكد أن الإنسان ينجز رموز الخاصة و الملائمة له بفعل جملة من المحددات البيئية و تحت
تأثير التبادل الإنساني و تداخل الجماعات البشر ية بيحث لا يوجد عرق نقي لم يداخله عرق آخر و لا توجد
ثقافة لم تنهل من ثقافة مغايرة .وهو ما أنتج تنوعا ثقافيا أسس للحضارة الإنسانية .غير أن الإنسان لم يثمن حقيقة
التنوع مما دفعه إلى إدراكه كعامل تهديد للخصوصية و مما جعله لا يدرك التنوع في ثرائه بل صار يتوهم أن وجه
المختلف وجه مكروه مما حطم الإستعداد للتعاطف و التفاهم و مما ولد شدة التعصب.
يعترض لفي ستراوس على كل محاولات الرفض كما الدمج النابعة من الموقف التلقائي و النفسي المتسم
بالسذاجة و الخطورة و الداعي إلى إلغاء التنوع و صهره ضمن ثقافة النموذج وهو يعتبر أن لا معنى لحضارة كونية
و لا قيمة لثقافة عالمية ما لم تتعايش داخلها الثقافات ،إذ الدعوة إلى التجانس دعوة إلى الموت و ليس إلى
الحياة ل أن قدر الثقافة التمايز و ليس التجانس .إن التمايز و الفروق هو المنتج لتفاعلات تثري الواقع الذي هو
ثري أصلا.
يتمثل مشروع ليفي ستراوس في الدعوة إلى "تحالف الثقافات" مما يسمح لكل ثقافة بالتعايش و التأثير
و التأثر أي التفاعل مع ثقافات أخرى دون التنكر لمميزاتها و دون الزهد فيما تختص به ،فتصبح أكثر ثراء
و أقدر على مواصلة الحياة و تثري الثقافات الأخرى مما يؤسس للحضارة التي تكون نتاج مساهمة الثقافات
المتنوعة فالحضارة ليست إلا إستراتيجيا مشتركة لثقافات مختلفة أو هي حوار ينبثق من التنوع و يحمل رسالة
مشتركة مضمونها واحد و لغاتها مختلفة .إنها رسالة حقيقية تفسر لنا كثرة النظم الرمزية و تنوع أشكال التعابير
الثقافية و عدم نجاح أي مشروع تنميطي تمارسه الثقافة المهنية .رسالة تفضح وهم المفاضلة المتستر بالإستبداد
و الذي يتعسف في إقناعنا بأن التاريخ ينحو منحى تصاعديا ،و كأن للتاريخ غاية يسعى إليها و كأن كل تقدم في
الزمن هو تقدم في سلم العقلانية في حين أن حركة التاريخ لا تسعى إلى غاية لتتوقف عندها بل هي حركة متواصلة
109
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إلى ما لا نهاية بشرط أن نرفع عنها قوى الهيمنة و نضمن إحتكاكا غير صادم للثقافات ببعضها البعض و أن
تتوفر لكل خصوصية جاذبيتها المجذرة لها في بيئتها الفريدة و نقر بأن للخصوصية دلالة هي الفرق و الإختلاف.
إذا ثبت أن الحضارة الإنسانية إستراتيجية مشتركة تؤكد أن العقل واحد فبم نعلل الإختلاف؟
و سلوك و إعتقاد ،أي قدرة رمزية على التلاؤم مع المحيط الطبيعي و الإنساني .و من هذا التعر يف نستنتج
• كما أن أسباب الإختلاف طبيعية و تار يخية إذ أن البشر ية لم تكن بوفرة عددية عالية طيلة ألاف من
السنين بحيث كانت المسافات شاسعة تفصل بين الجماعات البشر ية فكان من الطبيعي أن تطور كل جماعة
سمات خاصة بها في علاقة ببيئتها و بهذا الشكل ظهرت هو يات ثقافية متنوعة في مستوى أدواتها المادية
• و ما يفسر الإختلاف أيضا هو التباعد الجغرافي إذ الفوارق نتجت عن العزلة كما نتجت أيضا عن التجاور
يتأكد أن التنوع له ما يفسره بحيث يرتقي إلى مستوى القيمة التي يجب تأكيدها ففي تقر يظ الإختلاف ما
-الإختلاف واقعة إجتماعية و إنسانية بمعنى أنها موجودة داخل المجتمع الواحد إذ تعمل كل فئة أو
طبقة أو جماعة أو طائفة على تنمية رموز خاصة تنفرد بها و ترسم صورة لذاتها تشكل وعيها .و يتجه هذا
التنوع الداخلي إلى مزيد النمو كلما أصبح المجتمع أكثر تجانسا .وهي موجودة أيضا بين الثقافات بحكم
الإختلاف الطبيعي و المناخي و بحكم تنوع العناصر الم كونة للفضاء و الكائنات و المواد المتوفرة فيه.
-الإختلاف حركة لا تدرك على نحو ساكن وهو مصدر إبداع و عامل تقدم وهو يوسع من أفاق النظر
و يسمح بإدراك العالم و تمثله وفق منظور يات متعددة يجعلنا نرى على نحو مغاير و يؤسس لسبل غير
110
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
مسلوكة سابقا و لدروب جديدة فيحررنا من التشابه و التماثل و المحاكاة و المعاودة التي لا إختلاف فيها
-يسمح الإختلاف بالخروج من ذواتنا من أجل العودة إليها بعد نقد إذ هو قدرة على تحريرنا من رؤ ية
واقعنا على انه الأمثل حيث يدفعنا المختلف إلى اليقظة و يخلصنا من النوم و ينبهنا لحدودنا لأن اللقاء
بالمختلف يرج الذات و يدفعها إلى إعادة النظر في أدواتها و رموزها و حقائقها ،فهو يميط اللثام عن
ثبات قاتل لها و يحفزها إلى إبتكار سبل جديدة مما يعني أن الإختلاف عامل تجديد و قدرة على المراجعة
و التصحيح و التعديل.
ما يهدد الخصوصية ليس الإختلاف و إنما نفي الإختلاف طالما أن الهو ية الثقافية قائمة على الخصوصية.
إن الخصوصية تفرض الإختلاف كأساس خلاق لها و كشرط لتفردها و لتواصلها لأن التفر يط
و التفويت في الخصوصية يعطل كل فعل إبداعي ،كما أن الهو ية لا تضيع بفعل التنوع و الخصوبة و إنما بفعل
تحولها إلى مسخ ينذر بإغترابها و ضياعها و آفتقارها لمعيار للحكم على الأشياء و أفق تتطلع له وفقدانها لمشروع
تنخرط فيه.
إضافة على ذلك فإن الخصوصية الثقافية مهددة لا بفعل الإختلاف و إنما بسبب الإفراط في الإتصال
إذ يحولنا الميل إلى المعرفة الدقيقة بكل ما يجري في الأجزاء الأخرى من العالم إلى مستهل كين للبضائع
و العلامات و الرموز ،فالخطر يتمثل في العولمة التي تسوق لقيم إستهلاكية تنذر بإنتشار القيم الكمية على حساب
القيم النوعية ،و تخبر عن إنفتاح للسلع و ليس عن إنفتاح على المعارف الأخرى و المنتجات الثقافية الأخرى،
إن الإفراط في الإتصال يؤدي إلى العزلة فتنامي أدوات الإتصال و التفنن في إنتاجها لم يفض إلى تواصل بل
إلى بث هادف إلى التأثير .إنه تكنولوجيا الهدف منها التأثير في الأشخاص من أجل تنشيط السوق مما حول
الثقافة إلى سوق و القيم إلى بضاعة و الرموز إلى إيحاءات و الفضيلة إلى تسوق و السعادة إلى رغبة في التبضع
و المساواة من مساواة في الحقوق إلى مساواة في الإستهلاك و اللذة إلى متعة حسية و سعادة معروضة أمام
الآخرين مما أفقد الأفراد و الثقافات كل خصوصية و مما جعلهم يسل كون الدروب نفسها.
إن الإفراط في الإتصال ينفي الإبداع فضلا عن الخصوصية فالحد الأدنى من الإتصال كاف حتى
111
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
فهل يعني ذلك ضرورة التخلي عن الإتصال في بعده الأدواتي أم الإنخراط في ال كونية دون حدود؟
-ضرورة الإتصال و الإستفادة منه و التحكم في أدواته بالقدر المحقق للحاجة دون تزيد ،مع الحرص على
بقاء الإنسان مالكا لأدواته خشية أن يتحول إلى ملك لها أي بقائه سيدا على أدواته و عدم تحوله إلى
مسود من طرفها ،و استعمال الأدوات و سائل لقاء و حوار و شحنها بمضمون إيتيقي و توظيفها
كفضاءات للتثاقف الخالي من الهيمنة أي إمكانية السيطرة عليها مع إمكانية التحرر منها و العودة إلى
التحالف مع الطبيعة و الإرتباط بالواقع حتى لا تتحول وسائل الاتصال إلى أدوات تجريد معمم.
-بقدر ما تكون الثقافة معزولة بقدر ما تؤسس لموتها و فقدان قدرتها على أن تكون متفوقة لأن الإنغلاق
إنضاب لروافد الثقافة و تجفيف لمنابعها و حرمانها من أطياف كانت ستغني مشهدها.
• النظر إلى أن العقل واحد هنا و هناك ،أي أن الثقافات نشأت من جذع مشترك.
• النظر إلى التنوع على أنه واقع طبيعي للمجتمعات في بنيتها الداخلية و للثقافات فيما بينها.
• ال كوني لا يحتاج إلى تأسيس بل هو معطى تار يخي يحتاج إلى الوعي به و حمايته.
• الخصوصي ليس خطرا على الحضارة بل هو عامل إثراء و محافظة على ال كوني
• لا يجب السقوط في الأصولية بحجة الأصالة لأن الأصالة هي الإعتزاز بالإنتماء و الإرتباط بالجذور
دون رفض لمنطق التغير و لفعل التاريخ .في حين أن الأصولية هي الإنقطاع عن الحاضر و رفض
الحوار و الإنغلاق و العودة الغير واعية إلى الأصول .كما لا يجب السقوط في التحفظ بحجة المحافظة
إذ المحافظة تعني حماية الخصوصية من الإندثار و التلاشي عبر دعمها بالمختلف و النهل منه و الإنخراط
112
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
في كوني صالح .أما التحفظ فهو أن يجثم الإنسان على إختلافه و يرفض التواصل و يرى في المغاير
• أن تكون الثقافة وفية لجذورها و تمتلك يقينا يمثل مرجعية للحكم على الأشياء و معيارا للتقييم
و مقياسا للفعل و الممارسة أو إطار و أفقا بتعبير تشارلز تيلور يمنح الأشياء معناها و يكسب الفعل
رهانه و يضفي على الوجود دلالة و قيمة بحيث تنخرط الثقافة في مشروع يكون مشروعها ولا يكون
إملاء و لا محاكاة .مشروع يرفض الجمود في الموجود و الإنغلاق على الثوابت و لا يتنكر لمنطق
التاريخ ،مشروع يرتبط بالإبداع و الخلق المنطلق من الهو ية و الساعي إلى ال كونية ،يسهم بفنه
تلك هي الشروط التي تجعل الثقافة لا تعيش أزمة مع ماضيها و لا إنقطاعا عن حاضرها
و لا عزوفا عن مستقبلها ،وهي شروط ثقافة مستيقظة حية و نشيطة ،متحفزة للمستقبل
و مستعدة للقاء المختلف و قادرة على تحمل عناء اللقاء بالثقافات الأخرى.
• شرط التواصل يتمثل في الإنطلاق من الخصوصية كتنوع بحاجة إلى تنمية و كتفرد يسمح بالرسوخ
في ال كونية ،لأن الموجود حقيقة هو الإختلاف .ينبغي إعتبار ال كونية إستراتيجيا تشترط
الخصوصيات عناصر لها و يتحتم النظر إلى الخصوصي على أنه ما نحيا فيه و إعتبار ال كوني هو ما يحيا
فينا .لذا من الواجب تنمية الخصوصي إذا رمنا إبداع ال كوني أو على الأقل إنقاذه من التلاشي تحت
تأثير إرتباطه بالعولمي و التفاف العالمي القائم على الإتصال و ليس على التواصل ،فالإتصال غالبا
ما يكون أحادي الإتجاه و يفترض علاقة هيمنة و تبعية في حين أن ال كوني رهانه التواصل الذي
يعني إقامة علاقات تعتبر الآخر شر يكا في العالم و النظر إلى البشر على أنهم مواطنوا كوكب واحد
و يشتركون في المصير و يسعون إلى تجاوز العزلة بالتفاعل و التبادل و الإشتراك في التفكير و في
الممارسة ،يتقاسمون الوجود معا ،يسعدون بذواتهم و بعالمهم و يشغفون بلقاء المختلف بعيدا عن
الهيمنة و الإستبداد و التهميش ،يعتبرون أنفسهم ضيوفا في الوجود و يهيؤون للغير شرط و ظروف
113
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لئن كانت المقاربات الأنتربولوجية لل كوني تختزل في وصف واقع التنوع و فهم آليات إشتغال الثقافات
و تحديد بناها و تفكيك عناصرها و الوقوف على كيفيات التبادل الرمزي ،متسلحة في عملها بمنهج تار يخي
يكتفي يتوصيف الواقع .فإن المقاربات الفلسفية لل كوني وإن إنطلقت من فهم فهي لتجاوزه من أجل تحديد ما
ينبغي أن يكون عليه ال كوني علما و أن الفيلسوف يؤسس لواقع منشود ،لذلك تتسلح المقاربات الفلسفية بمنهج
تأسيسي يدرك أن الإنسان ليس خاضع للقيم بل واضع لها .و بهذا الوعي بمهمة الفلسفة و بما ينبغي أن يكون،
فكر كانط في ال كوني و تعقل شروط إمكانه و رسم مجالاته ونبه إلى حدوده ،معتبرا أن الأرض وطن للجميع
و أن علاقة الإنسان بالإنسان لا يجب أن ينظر إليها من جهة المحبة بل من جهة الحق.
-و كيف نتجاوز التعارض بين حق الضيافة ال كونية و واقع الصراع السياسي؟
-و بأي معنى يكون الدستور ال كوني رهانه إقامة سلم دائمة بين الشعوب أساسها القيمة و ال كرامة؟
يعتبر كانط أن أكبر مشكلة تواجه النوع البشري وهو مجبر على حلها هي إقامة مجتمع مدني قائم على
الحق ال كوني و المواطنة ال كونية يضمن إحترام الفرد للغريب و يؤمن حق الضيافة و يحدد للأجنبي واجبه تجاه
الثقافة المضيفة.
يضع كانط شروطا للحق السياسي كحق يضمنه القانون لكل إنسان في إطار الدولة حيث يكون القانون
عاما و شاملا و كونيا أي مفهوما ما صدقا ،يصدق على كل الناس و بنفس الصفة و دون تمييز أو إستثناءات
بين البشر و يضمن لهم حق التنقل وهو حق يقوم على أساسين متلازمين همــــاــ :التسليم بالحر ية و إرساء
و غاية هذا الحق تجاوز تناقضات الواقع و تجاوز الحرب و إقامة علاقات سلم .و السلم في نظر كانط
ليس ما يقابل الحرب بقدر ما هو القضاء على كل الأسباب المؤدية إليها و آجتناب أسسها عبر إنشاء دستور
114
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
سياسي كوني يضمن الحر ية و يخضع الجميع إلى تشر يع واحد ينطبق على الكل دون تمييز أو تفرقة و يرى في
و يفترض كانط أن الذات مشرعة على مستوى الأخلاق بما أن الإنسان كما يحدده كانط ليس كائن
إنطلاقا من هذا التعميم لمفهوم الإنسان يؤكد كانط أن الإنسان مواطن كوني و أنه من الضروري
لقد كان كانط الوريث الشرعي للفيز ياء الحديثة مما جعل حجته تستند إلى إقرار علمي يتمثل في كرو ية
الأرض و محدوديتها إذ الشكل ال كروي للأرض يحيل على الدائرةكمجاز منته و مغلق مما يعني أن الإنسان يعيش
في كوكب محدود و مغلق و يدفعه هذا الوعي بتناهي ال كوكب و آنغلاقه إلى أن كل البشر يتواجدون في نفس
الدائرة و مصيرهم اللقاء لأن الإنسانية تتكاثر و تمتد داخل نفس المكان المحدود مما يجعل لقاء الإنسان بالإنسان
حتمية .لهذا يدعو كانط إلى ضرورة أن يتحمل الناس بعضهم بعضا.
أما الحجة الثانية فتتمثل في المل كية المشتركة لسطح الأرض التي تمنح كل البشر حق تملك جزء منها
و بهذا الحق يجوز للجميع إستضافة الجميع ،و يحق لكل فرد أن يزور أي مكان من الأرض لأنها أرض الجميع.
فهو يقيم حجته على أسبقية و جود الأرض على وجود الإنسان ،ففي الأصل ليس لأي إنسان حقا أكثر من
غيره في التمتع بمنافع الأرض فحق مل كية الأرض ليس حقا مطلقا لأن العالم الذي نعيش فيه سابق في وجوده
على القسمة بيننا ،فهو كان موجودا قبلنا و لم يكن ملكا لأحد ،كما أن وجود أي إنسان على الأرض حادث
عرضي ومؤقت مما يشرع للإستفادة و الإنتفاع و التنقل في أي مكان كحق للجميع إذ أن الحدود المرسومة بدقة
إن لأسبقية وجود الأرض على وجود الإنسان معنى جذري و عميق و دلالة حاسمة مفادها أن الأرض
وطن للجميع و من حق الجميع الإقامة فيه و معناها أننا مواطنو عالم واحد.
115
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ل كن الواقع الراهن لسوء الحظ لا يقوم على هذه الأخلاقية بل تقف كل أمة حارسة لحدودها مانعة حق
الز يارة رافضة حق الضيافة حيث يسمح بآنتقال المواد و المنتوجات و البضائع و السلع و رأس المال و بمرونة
هذا التأسيس الكانطي للحق لا يجد صداه في عالم تندفع فيه الدول الغنية إلى إقامة جدران عازلة
و أسلاك شائكة أمام التواصل و تبقي فقط على وظيفة التوصيل و التي إن فتحت بواباتها للمغاير فبمنطق الشفقة
و الرأفة و وفق منظور ية المحبة و هذا ما يرفضه كانط الذي يعتبر أن ما يضمن إحترام الغريب ليس المحبة و إنما
الحق.
المحبة الحق
أساسها عاطفي -تقوم على إنفعال -غير دائمة أساسه عقلي -يقوم على تعقل -دائم و ثابت
و تتغير بتغير نظرتي للآخر -ترتبط بظروف لحظية و غير متناقض و لا يرتبط بما هو جزئي
و مؤقتة -حق لأشخاص و ليس حق لكل البشر - و خاص -يرتبط بالإنسان في مفهومه و في
ترتبط بمظهر لا بمفهوم مجرد للإنسان -خاصة – جوهره و ليس في مظهره -يشمل كل البشر
ظرفية – جزئية – محدودة – متناقضة تتأسس على دون استثناء -صادق على الجميع و بنفس الصفة
تمييز -و ذات طابع جزئي تؤسس لردود أفعال - -شامل و عام -مطلق كلي و كوني.
تتأسس على الغير ية بما تتضمنه من رأفة و إحسان الحق سنده قانوني ذو طابع عمومي يؤسس
116
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
البشر و النظم السياسية و يسعى إلى إقامة سلم دائمة أي إقامة ميثاق أو عقد يضمن إستئصال أسباب الحرب
و يتجلى الميل إلى ال كوني أو هذا الإقتراب أكثر فأكثر من دستور سياسي كوني ف ي :
* مستوى أنطلوجي :حيث أن الأرض بحكم تناهيها و دائرتيها تحتم اللقاء بين البشر.
* مستوى ثقافي :إذ طالما شكل حق الضيافة و الإقامة و الز يارة قيمة مضافة بالنسبة للثقافات المضيفة
* مستوى سياسي :وهو الأهم حيث يتخذ ال كوني شكل الدستور ال كوني الذي ينظم العلاقات المتبادلة
بين الدول و يؤسس لقوانين عامة و مؤسسات و منظمات كونية تأخذ في إعتبارها أن الإنسان مواطن كوني.
كما يحد هذا الدستور ال كوني من إستبداد الدولة القطر ية وهو دستور يؤسس ل كونية لا تنظر للآخر كغير أو
كوجه مختلف عن الذات بل ترى فيه ذاتها ترى إنسانيتها في كل إنسان حيث أن مرادف الأنا ليس الأخر
كغريب بل الإنسانية الكامنة فيه بوصفها إنسانيتي فيدرك الإنسان كجوهر مجرد و كمفهوم مطلق خال من كل
تحديد أو مظهر خارجي قد يضعف من إنسانيته وهي كونية تتجاوز دلالة الغير ية التي قد ترتبط بعاطفة أو إحسان
انه دستور كوني سياسي يقر سلما دائمة بين البشر و يضع حدا لحالة الفوضى و النزاع و الحرب
والتناقض .وهو لا يعني تحطيم سيادة الدولة أو التقليص من دورها و إنما يعني فقط دعم حقوق الإنسان
ال كونية عبر إنشاء منظمة أو فدرالية دولية تتجاوز الخصوصية دون نفيها و تقدر بال كونية دون تضارب مع مصالح
الدول المخصوصة.
* مستوى أخلاقي :وهو أساس المشروع السياسي ال كوني لأن البعد الأخلاقي هو المؤسس للبعد السياسي
و هذه ال كونية الأخلاقية تظهر أولا :في مستوى المبدأ لأن الفعل الأخلاقي لا يقاس بنتائجه بل بمبادئه ،أي
أنها أخلاقية لا ترتبط بنتائج نافعة للبلد المضيف و لا بتوظيفات للضيافة في الضغط على الدول .و تظهر ثانيا
:في مبدأ الكلية بحيث يتصرف الإنسان و كأن سلوكه سيكون قانونا عاما لكل الناس ،أي سلوك الإنسان لا
يكون أخلاقيا حقا إلا إذا كان إلتزاما بالواجب الأخلاقي كواجب عقلي ينبع من إرادة عاقلة و حرة يقطع
117
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
مع الحساسية (المحبة) و يفترض أن يكون قانونا عاما ينطبق على الجميع دون إستثناء و يتجاوز ما هو جزئي
و خاص و نفعي و إجتماعي .كما تتجلى هذه ال كونية ثالثا :في قيامها على مبدأ الإنسانية التي تنظر للإنسان بوصفه
غاية و ليس وسيلة و تقوم بتعميم مفهوم الإنسان على كل إنسان أي لا تجعل فكرة الإنسان منحصرة في فئة أو
جماعة أو جنس أو لون و لا تجعلها ضيقة في حدود مكانية أو زمانية بل تنظر للإنسان بوصفه فكرة و ترى في
كل إنسان تجسيدا لها أو صورة متعينة و حسية لجوهر مطلق و إنساني ،و تعتبر كل إنسان جدير بالإحترام،
و الإعتقاد أن الإنسان إنشاء تربوي و رهان إجتماعي و حضاري يصلح أمره بقطع أسباب إنحرافه عن
يؤسس كانط لأخلاقية الواجب التي ترفض النظر إلى الإنسان كوسيلة لتحقيق أغراض خاصة
و جزئية بحيث يفعل الإنسان و كأن الإنسانية في شخصه و في شخص الآخرين غاية و ليست وسيلة .وهي فلسفة
تأمل في أن يكون الإنسان أكثر إنسانية مما هوعليه .إنها فلسفة أمل في الإنسان هو أمل في كون الإنسان في
واقعه التار يخي المخصوص يكون قادرا على إستحضار ال كونية و الإنسانية و الكلية فيه.
وأخيرا تتجلى هذه ال كونية في فكرة ال كرامة الإنسانية التي تنبع من منظور سياسي
و أخلاقي يقوم على تصور آنطولوجي للإنسان يقر بأن للإنسان ماهية مشتركة بين البشر جميعا ،ماهية عاقلة
و كونية ،ترى ال كرامة قيمة تسم الإنسان بصفته كائنا إنسانيا ،أي أنها قيمة ذاتية لكل إنسان ،فالناس ليسوا
متساوون في الأشياء المادية بل في ال كرامة ،فال كرامة هي ما يميز الإنسان عن بقية مكونات العالم وهي الشرط
اللازم الذي وحده يجعل شيئا ما يكون غاية في ذاته .فالإنسانية تعني ال كرامة أي أن يعامل الإنسان كإنسان
من طرف الإنسان و من جهة كونه غاية و هي تسمو بالإنسان عن أن يكون مجرد شيء.
إن ال كونية ليست حاصلة ،كما أنها ليست معطى واقعيا ،و إنما الكلية هي تعبير عن عقيدة و رؤ ية
و هذه الرؤ ية ليست ممكنة إلا بمقتضيات سياسية و حقوقية مما يطرح مشكل العلاقة بين ال كونية
و حقوق الإنسان .و بين الخصوصية والديمقراطية .بحيث أن حقوق الإنسان لا تصبح واقعا فعليا إلا في إطار
نظام سياسي ديمقراطي يفترض وجود التعددية كواقع بحاجة إلى إنماء يحمي الحق في الإختلاف و يدعمه.
118
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
التار يخي و من ثقافته و رموزه إرادة قوة فعلية تجدد في قيمه و حقائقه وغاياته .و تزداد فلسفة كانط قيمة مع
تحولها إلى أساس للتفكير المعاصر ،و خصوصا مع راولز و فلسفته السياسية حول الفعل التواصلي و الفضاء
العمومي أو مع كارل أوطو آبل و فلسفته حول أخلاق الحوار و التواصل أو مع هابرماس و نظر ية الفعل
التواصلي.
و تزداد فلسفة كانط قيمة اليوم إنطلاقا من إعتبارها أن العمومية الثقافية لا تستقل عن العمومية
السياسية حيث يخرج الإنسان من ذاتيته بفعل التواصل و التداول الإجتماعي إلى شكل جماعي تشاركي جوهره
سياسي و يستدعي القدرة على الحجاج و التوافق و التعارض دعامة لهذا الخروج من الحساسية الذاتية إلى الحساسية
الثقافية العمومية.
* غايات السعادة :وهي ما يسعى الإنسان إلا تحقيقه في إنشداده إلى الطبيعة و آستعمالها في إطار ما هو
* غايات الثقافة :وهي تتجاوز النظام الأولي للطبيعة وهي غايات أخلاقية و سياسية و ثقافية بآعتبار أن
وهو الوحيد الذي يستطيع تأسيس نظام للوجود يحتكم إلى غايات أخلاقية سياسية و إجتماعية .فنظام
الثقافة هو ما يسمح للإنسان بالإكتمال بفضل ما يبدعه بواسطة عقله و بآستقلال عن الغريزة .و هو ما يمكن
الإنسان من الحياة مع الغير بفضل الثقافة التي تعني قدرة تقنية على إستثمار الطبيعة ،و قدرة على تصميم الغايات،
فهي عقل تقني و عملي بالمعنى الكانطي للعمل كتأسيس لما هو أخلاقي و سياسي و إجتماعي .و الذي يستوجب
الإنفتاح على خبرات الغير و فكره ،ل كي يصبح الإنسان أكثر تحضرا طالما أن التحضر يعني الخروج من الخضوع
للميولات المحسوسة نحو التواصل مع الغير لأن التواصل يمثل مجالا للإشتراك في الفضاء العمومي الذي لا يكون
فضاء لتداول القيم الذوقية و الثقافية فحسب بل أيضا مجالا لتبادل القيم السياسية و المدنية.
119
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يؤكد كانط التحايث بين المجال الثقافي و المجال السياسي إذ أن العمومية الثقافية تلتقي مع العمومية
السياسية و تدعمها .مما يعني ضرورة تجاوز ماهو جزئي نحو ما هو كلي و يضع كانط قواعد للارتقاء إلى ال كوني
-أن تنطلق كل خصوصية فردية كانت أو ثقافية من ذاتها أي أن تفكر كل خصوصية إستنادا إلى
إمكانياتها الخاصة و أن تكون فاعلة و خلاقة و أن تنتج قواعدها دون تبعية للغير.
-أن تكون الخصوصية متلائمة و متماسكة مع ذاتها و مراعية للعقل و متقيدة بمبادئه.
-أن تكون متجاوزة لشروطها الذاتية و الخاصة عبر ضرورة الإنفتاح على الغير و متخلصة من كل وثوقية
عند الإلتزام بهذه القواعد أو هذه الشروط يكون التواجد في العالم عقلانيا و يؤسس للإنفتاح على الغير و يكون
120
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إذا سلمنا بأن الجدل بين الثقافات و الأنظمة الرمزية يزداد اليوم إحتداد في سياقات عديدة فإن المجال
الأكثر إثارة للجدل في حاضرنا الراهن هو المتعلق بحقوق الإنسان إذ تنقسم الإنسانية على ذاتها بين مناد بحقوق
كونية لا تقبل التبييئ و مدافع عن حقوق مبيئة تراعي الخصوصية و تتماشى مع الواقع المتفرد للثقافات .أي
هناك سجال نظري عميق بين رؤ ية تطمح إلى وضع معايير كونية لا تقبل التناول أو سقف لحقوق الإنسان لا
يمكن التفويت فيه ،وحجتها في ذلك تماثل الإنسان في العقل و ال كرامة و الحر ية.
وتوجد رؤ ية مناهضة تنشد نسج رداء حقوقي يلائم واقعا بعينه ،و تعتبر أن الإنسان ليس تصورا مطلقا
و خارج مسار التاريخ بل هو كائن محدد بظروف تار يخية ترسمه بدقة و بإقتضاءات ،غالبا ما تكون أكثر إلحاحا
من الحقوق ،و حجتها في ذلك التنمية الإقتصادية و التماسك الوطني و تحقيق الأمن.
و إزاء هذا الوضع المتناقض يقتضي الأمر التساؤل :هل حقوق الإنسان كونية أم تتلون و تصطبع
بالخصوصية؟
تجدر الملاحظة بادئ الأمر أن حقوق الإنسان إرتبطت بالحداثة و نعني بذلك أن الأساس النظري بدأ
يتأصل مع الحداثة ،أي أن حقوق الإنسان كانت مجرد شذرات أو نواتات أو أفكار مشتتة داخل الأديان
و الفلسفات ،إقترنت بحكمة أو بتدبير كوني للتعايش ل كنها لم ترتقي إلى مستوى البناء و إلى مستوى الثقافة
القائمة بذاتها إلا في القرن السابع عشر و الثامن عشر في العقل الحديث.
أما ما يفسر تأخر ثقافة حقوق الإنسان فهو تأخر إعتبار الذات معيارا ،بحيث لم تدرك الذات كأساس
إلا مع الحداثة يقول ميشال فوكو " إن الإنسان إكتشاف جديد في العصر الحديث" و قبل ميلاد الإنسان
121
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
كمعيار للحق و للتشر يع كانت الطبيعة هي المقياس و الإله مشرعا .ل كن مع إرتقاء الذات إلى منزلة المشرع
و النظر إليها كمبدأ هو الذي سيولد قيما كونية تقوم عليها حقوق الإنسان .
إن مفهوم الحق الإنساني لم يكن عاما و شاملا و كونيا لذلك لم توجد مساواة في الحقوق بل المساواة
تمكن في عدم المساواة ،فكل يستمد حقه من طبيعته الخاصة به .و هذا التمايز في صفة الإنسانية و لد تمايزا في
الحقوق .ل كن إنطلاقا من الحداثة ستتم مغادرة الرؤ ية الترابية للطبيعة البشر ية و سيوضع الإنسان في فضاء أفقي
إن مفهوم الإنسان سيصبح مقولة كلية وجوهر ية تشمل كل الناس مما سيبشر بتعميم وتوحيد للبشر في
و سيترتب عن كونية العقل ككونية أولى كونية ثانية تطال الحق فبما أن الأفراد يتماثلون في طبيعتهم
ل كن فكرة ال كونية ستواجه إعتراضات أو نوع من الممانعة بحجة أن هذه النزعة ال كونية تخفي طمسا
للإختلاف و تمثل تهديدا للخصوصية الحضار ية مما يشي بوجود مفارقة بين ال كونية و الخصوصية.
إن كونية حقوق الإنسان تقوم على قيم المساواة و الحر ية و حرمة الشخص الإنساني أي اعتبارا الذات مصدرا
لهذه الحقوق .وفي هذا الإقرار بأن الذات هي مصدر الحقوق ما من شأنه أن يولد إعتراضات أي من هذا
هناك خصوصيات حضار ية تشكل حائلا دون تناول حقوق الإنسان بمناظر كوني كما أنها منافية
هناك مفارقة بين الخصوصية بما تعنيه من تصورات و أحكام حول المعقول و الامعقول في ثقافة بعينها
و بين أحكام و معايير مطلقة لا تراعي الإختلاف و تؤسس لقيم صالحة لكل الثقافات مما يتضمن
122
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
حقوق الإنسان تنبع من تصور ميتافيز يقي حول الإنسان كإنسان له ماهية ثابتة وطبيعية معطاه بصفة
مسبقة.
يسعى العقل الغربي إلى تسو يق ذاته و مبادئه على أنها ذات طبيعية كونية مما يعني أن حقوق الإنسان
ليست إلا تحو يلا لقيم خاصة و جزئية إلى قيم كلية.
حقوق الإنسان تنبع من رؤ ية ليبرالية تدرك الإنسان كصورة مطلقة بحيث توهمنا إن الإنسان واحد
في حين هذه ال كونية الليبرالية سرعان ما يدحضها واقع تار يخي يتسم بالطبقية و مما يجعل حقوق
الإنسان مجرد وسيلة للتلطيف و للتضليل و لتبرير الواقع الذي تشقه تناقضات لا تسمح بالحديث عن
الإنسان في صيغة مطلقة ،و مما يحول ال كوني إلى تعتيم على الكائن و حجبا و تعطيلا لما يجب أن يكون
يعتبر ليوتار أن الإنسان كائن تصنعه الثقافة فهو يتحدد بالثقافة و في الثقافة و كل القيم بما فيها قيم
حقوق الإنسان ترتبط دائما بثقافة مخصوصة مما يكشف عن رغبة في ضرب الإختلاف الثقافي بإسم
حقوق الإنسان هي إخراج جديد للإمبر يالية أي للرغبة في الهيمنة و التوسع والإستغلال ،فهي الآلية
الجديدة للإمبر يالية ،إذ كنا إزاء إمبر يالية سافرة و عار ية لم تعد مقبولة فإذا بها تتحجب بغطاء حقوقي
إلى درجة يمكن الحديث عن إمبر يالية حقوق الإنسان مما يجعلنا في وضع تظنن إزاء كونيتها.
العديد من ثقافات العالم لا تعتبر الذات مصدرا للحقوق بل تستمدها من مصدر متعالي على الإنسان
و هل يفضي بنا مثل هذا النقد إلى الزهد في حقوق الإنسان و فقدانها لكل صلاحية و العدول عن
أتجوز لنا هذه المراجعة النقدية عدم إنقاذ هذه الحقوق و السعي إلى إنقاد أنفسنا من كونيتها؟
123
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إذا كان لفظ التبرير يتخذ غالبا معنى سلبيا فإن عبارة التسو يغ تكون الأكثر ملاءمة لفهم تفكير راولز
الذي يسوغ كونية حقوق الإنسان .و عكس فلسفة الحداثة فإنه لا يستند إلى أساس ميتافيز يقي للإنسان و لا
ينطلق من كونية الذات وهو لا يستعيد فلسفات الذات كمرجع له في التفكير بل يستعيد إطارا فكر يا مختلفا هو
الإطار التعاقدي.
يعتقد راولز أن أساس كونية حقوق الإنسان هو المجتمع حيث يكون الفرد منبع كل قيمة .و يؤكد أن
القيم تتأسس على العدالة و القانون بشرط أن لا تتعارض الحر يات الفردية و لا تتضارب و لا تتصارع ،وهو
موقف ينبع من تصور مضاد للموقف الغائوي الذي يضع محددا للفعل الأخلاقي هو الخير و السعادة ،يرفض
راولز الغائو ية و ينخرط في تصور ديونطولوجي يفصل بين الأخلاق و الخير و السعادة.
المحدد للفعل الأخلاقي هو الفرد و الخير فردي المحدد للفعل الأخلاقي هو الخير و السعادة .مما
و السعادة فردية فما يسعد فردا لا يسعد فردا أخر ينتج عنه إنخراط الدولة في تصور معياري حول
و الخير ذاتي +الدولة يجب أن تكون محايدة إزاء الخير و يؤدي إلى عدم حياد الدولة إزاء الخير +
تصورات الخير و الشر +وظيفتها الحرص على الدولة تحدد مفهوم الخير ← تحول الدولة إلى
عدم تضارب الحر يات الفردية و منع تصارعها. ديكتاتور ية تقوم على إكراه المواطنين على الإمتثال
← تكون الدولة ديمقراطية و لا تكره مواطنيها على لمعيار للخير +تحول القانون إلى عامل قمع و طمس
يدعو راولز إلى حياد الدولة إزاء مفهومي الخير و السعادة و هذه الدعوة تمثل حلا داخل الدولة الواحدة
و كيف يمكن أن يكون الفرد مصدرا و معيارا للقيم داخل المجتمعات الليبرالية؟
124
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يلاحظ راولز أن المشكل في مستوى عالمي يطرح مع المجتمعات الغير ليبرالية ،إذ ليست كل المجتمعات
ليبرالية بل هناك مجتمعات يكون فيها الفرد فاقدا لكل قيمة و لا يعتبر أساسا أو مصدرا للصلاحية و هو مجرد
عنصر إحصائي داخل جماعة أو دين أو طائفة أو عرق و يكون مصدر الصلاحية في مثل هذه المجتمعات سلطة
التاريخ أو القبيلية أو الدين أو اللون ،أي يكون المعيار متجاوزا للفرد بقطع النظر عما يستند إليه.
عندها يتقلص مجال الفردي إلى درجة الصفر ،و رغم ذلك يمكن حسب راولز الحديث عن مجتمعات
لائقة .و يعني بالمجتمعات اللائقة المجتمعات التي لا تستعمل العنف و لا تميل إلى الحرب و لا تسعى إلى نشر
قيمها و تقبل التواصل و ترغب في تبادل الإعتراف أي هي المجتمعات التي ليست لها رغبات توسعية و لا
إن هذه المجتمعات اللائقة مع المجتمعات الليبرالية التي لا تحتكم إلى معيار شمولي
أوتصور معياري للخير و الشر و التي تحترم الأفراد تؤسس عهدا دوليا أو ميثاقا كونيا أو عقد إنسانيا يكون
أرضية للقاء كوني لا يتصادم مع الخصوصي و يقوم على مبادئ متساو ية و منصفة و عادلة .ذلك هو مضمون
الحل الذي إنتهت إليه نظر ية العدالة لدى جون راولز و ليبرالية السياسية التي تؤكد على قيمة المجتمعات اللائقة
ج -تسو يغ هابرماس ل كونية حقوق الإنسان أو تجاوز القيم نحو المعايير:
المعايير القيم
المعايير كونية ،مطلقة ،ترتبط بالإنسان كإنسان بقطع القيم خصوصية ،ترتبط بمجتمع معين ،تختلف من
النظر عن خصوصيته و هويته الشخصية أو الإجتماعية مجتمع إلى آخر و تختلف داخل المجتمع الواحد
وهي مجال توافق إنساني تقوم على أساس العقل. القيم نسبية و ليست مجال توافق بين الأفراد.
125
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وفقا لهذا التمييز ينتهي يورغن هابرماس إلى الدعوة إلى ضرورة إنشاء توافق أو إتفاق عالمي رغم
الإختلافات الثقافية ،فالأمر يستدعي قيام معاهدات حقوق إنسان تكون محل مواضعة كونية .و مرجعه في
ذلك الحداثة ،إذ يعتقد أنه يمكن تعميم الحداثة لخلق أرضية إتفاق أساسها عدم التفر يط في معايير مثل حرمة
يحاول هابرماس التخفيض في المعايير إلى المستوى الأدنى حتى تستطيع جل الخصوصيات الإرتقاء إليها
أي حتى تكون هذه المعايير حقل توافق لجل الخصوصيات ،فال كوني يصل من الضحالة حده الأدنى ليحافظ
على الخصوصي و ليضمن كونيته و ليتمكن من إيجاد أفق أو إطار أو نطاق توافقي يفضي طابعا نسبيا على القيم
إن جدة هابرماس تمكن في تجاوز ميتافيز يقا الذات القائمة على طبيعة ثابتة و ماهية إنسانية مشتركة تنزل
حقوق الإنسان ضمن أساس كوني للذات و ضمن عقل إنساني واحد ليمر إلى إطار فكري ما بعد ميتافيز يقي
يستند إلى ثقافة التواصل ،أو إلى عقل تواصلي قوامه التعاقد و التفاهم و تقاسم العيش لا الانقسام .مما ينتج
جدلا يتجاوز منطق الحجة الأسلم أو الحجة المطابقة للحقيقة نحو منطلق الحجة الأفضل حيث معيار الصدق ليس
الحقيقة و إنما الصلاحية و بذلك لم يعد العقل مل كة حكم بل أداة تداول .وهو بذلك ينقلنا من عقل مشرع إلى
عقل تداولي يغادر كونية القيم ليؤسس لمعايير التداول ال كوني .مما يسمح بوجود إنساني مشترك ضروري
و ناجع رغم ضحالته و ذلك أفضل من طموح يتعلق بشروط الإمكان فيجعل ال كوني بحثا ترنسندنتاليا و متعاليا.
إن ما ينتهي إليه مشروع هابرماس فعلا هو تغير في معنى العقل و دلالته فهو يتفق مع كانط أن ال كونية
تقوم على أساس العقل ل كن التشابه في الألفاظ لا يعني ضرورة التشابه في المعاني.
فالعقل يكتسب داخل نظر ية العقل التواصلي صورة جديدة إذ يضحي عقلا إتفاقيا يشترط التفاهم
لتحقيق ال كونية دون المساس بالقيم الثقافية الخصوصية لأن التوافق هو توافق آراء و تناج تفاوض.
إنه عقل جديد يتلائم مع واقع ما بعد الحداثة ،عقل يهتم بالتواصل في علاقته بالسلطة
و التقنية و يؤسس لإيتيقا التواصل القائمة على الحوار المضاد لكل عنف و الداعي إلى إحترام الخصوصيات
ل كن إيتيقا العقل التواصلي لدى هابرماس تزهد في الحقيقة و تجعل من الحقيقة إدعاءا للصلاحية أي
شرطا لتحقيق التواصل وهو ما يجعل هابرماس لا يميز بين شروط إمكان الحقيقة و شروط إمكان تبرير الحقيقة
126
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وهو ما يدفعه إلى بلورة ضرب من الحقيقة كصيروة تبرير تكون بمثابة إعتقادات و ليست الحقيقة كجوهر مما
و كأنها قائمة يجعل محور التفكير و الممارسة ليس مفهوم الحقيقة و إنما مفهوم الإعتقاد و مما يجعل المعرفة
ل كن رغم هذا الموقف من الحقيقة فإن نظر ية الفعل التواصلي تمثل نقدا للتواصل التكنولوجي و محاولة
لتجاوز الأدوات و الآلات و التقنيات التي صارت زوجا لنا و بديلا عنا .وهي تدعو إلى التوافق و لا تجد ما
تتوافق حوله إذ الإنسانية بلغت درجة من الإنقسام و التفاوت لم يعد بالإمكان تلافيه وأصبح يعوق لقاء الإنسان
بالإنسان ،خصوصا و أن إتفاقنا العقلي صار يتقلص مع نز يف التواصل و الإفراط فيه و هيمنة الصورة
و تضخم أدوات الإتصال ذات الاتجاه الأحادي و حلول مفهوم التوصيل و البث محل التواصل.
127
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الضامنة لوحدة الكل ،و تخلى عن مطلب الإنسجام ،و تقلص فيه التواصل الذي إنزاح من مركز كل فعالية
و أصل و مبدأ المجتمع ذاته ليتحول إلى تخوم حسية تقوم على مشهد عار يؤسس لنزع الحياة مع الإمتناع عن
الإشعار بالأذى ،و ليمارس إيديولوجيا بلا ضحية ،أو لينجر جريمة كاملة قوامها ال كتمان والتفنن بضروب من
إذ مرت الهيمنة من فن القوة المادية الخام و اللامحتملة إلى إقتصاد العنف ،لم يعد الإنسان مستهدفا بل
رموزه و قيمه .لقد أصبحت القوة تنحو إلى الدخول في الظل و تمارس من بعيد و بنظافة عبر وسائط مثل
الصورة .لم يعد إبراز القوة طقسا إحتفاليا بل أضحت القوة مبثوثة و مشتتة و مفتتة في التواصل و في أنظمته
الرمزية ،مما حول التواصل إلى حصة ألم علني و موقدا لإشتعال العنف ينذر بالإستحواذ على الحر ية و إستحضار
الإنسان من أجل تغييبه و الإستنجاذ بالرموز من أجل إفراغها من مضامينها .إننا إزاء فن ترو يض للإنسان
ينبني على عملية إفراغ لا يروم التأسيس ،مما حول التواصل إلى تكنولوجيا تهدف إلى الفعل في الأشخاص
و آحتجازهم.
لقد أضحى التواصل بأنظمته الرمزية سياجا مكهربا يطوق الإنسان و تقنية حجز تفخر بأنها نظيفة
و متعففة ،تنجح في إنجاز جريمتها الكاملة مع توفق في موارة الجثة و سلب الحياة من ضحاياها مع إبقائهم أحياء
و ذلك بفضل مروض يحسن الهيمنة و يحذق الإخفاء إستنادا إلى النظام الرمزي الخصوصي أحيانا أو ل كوني
لقد حلت العزلة و أضحى فهم الإنسان للإنسان يتقلص إلى أدنى مستو ياته و بشكل مطرد ،إذ صرنا
نتكلم أكثر لنتفاهم أقل و ننمي أدوات الإتصال لنقيم الحجة على إنعدام التواصل ،طالما أن ما يحكم تواصلنا هو
الانطواء التكراري القائم على التحصيل الحاصل و على المعاودة التي لا إختلاف فيها و التي تستبدل الحجة بالتكرار
و الإقناع بمزيد الإعادة فتسعى وسائل الإعلام إلى ضرب من التكرار المفضي إلى الإعتقاد و التصديق فلم تعد
الحجة العقلية أداة إثبات أو دحض بل الخيال و الظل حجة و معيارا للتصديق و للدحض أيضا.
128
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
مثل هذا الإنز ياح في واقع التواصل يدفع إلى التمييز بين الفعل الذي يهدف إلى تحقيق التفاهم المتبادل
و الفعل الذي يروم تحقيق النجاح ،أي ذلك الفعل الإستراتيجي بتعبير هابرماس .وهو فعل مناقض للفعل
التواصلي الذي يستدعي أساسا عقليا ينبني على الحجاج و ليس على حجة الهيمنة ليتمكن من تحقيق الإتفاق.
إضافة إلى ذلك فإن التواصل و الأنظمة الرمزية و الخصوصية و ال كونية تضعنا أمام مشكل خبري
و عملي معيش من ناحية و أمام مشكل مفهومي من ناحية ثانية ،خاصة و أن البحث عن التواصل و الرغبة في
الإرتقاء من الخصوصي إلى ال كوني هو بحث رهانه الكلي و الإنساني الذي ينشد المشترك و يرتهن إلى أدوات
إن مبحث التواصل و معضلة الخصوصية و ال كونية إنتهت إلى أن التواصل إبستيميا أي بنية ذهنية
و روح عصر و عقلية تحكم الفضاء العمومي .و العلاقة بين الخصوصي و ال كوني تتجاوز الحقل المفهومي نحو
واجب الممارسة التي تعدل في تصورنا للحقيقة ،فتكف الحقيقة عن كونها تجربة لليقين تولد العنف و تعيد إنتاجه
لتصبح حقيقة بحذف الألف و اللام وهي حقيقة إتفاقية تتميز بطابعها البيذاتي ،حقيقة تتماهي مع إدعاء الصلاحية
و تحايث النافع ،وهي ليست حقيقة إلا لأنها نتاج بحث تشاركي يقوم على الإحتكام إلى الحجة الأفضل.
إنها نمط جديد من الحقيقة تدرك فلسفيا على أنها تسعى إلى ال كونية دون إهمال لخصوصية الكائن وهي
لا تسوق لقيم ال كونية بالقوة ،و لا تقوم على منطق القوة ،ولا حتى على قوة المنطق ،بل على التوافق .حقيقة
متحللة من كل منطق عقلاني يقوم على المطابقة و يرى العقل واحدا ،و متمسكة بتصور أداتي و تقني للعقل
يعتبر الفكر ملاذا أخيرا وحصنا وحيدا للخير و يعترف بأن ال كونية مسار مضني و شاق و عميق شاركت
إنها حقيقة تدرك أن الإنسان قدرة لا متناهية على الفعل والتجاوز وأن النقد سلاح و أرض غير
مكتشفة بالنسبة لل كثيرين ،و أن الفن و الإبداع رؤ ية عميقة ل كوننا و تعبير عن تجاوز لصيغة الوجود كتملك
نحو صيغة الوجود ككينونة يقول تينشه ":لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة" ،و أن التاريخ لا يتوقف عند نقطة
129
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
المعارف :
الأسئلة الممكنة والمواضيع المفاهيم والمعاني
التمش ّي المضموني /بنك المعلومات
.1ما حاجة إنسان اليوم إلى ال كوني ؟ الخصوصي :هو ما يمي ّز جماعة ثقافية ما ،إن ّه تمهيد إشكالي :هل ننقذ ال كوني أم ننقذ
.4هل تشكّل ال كوني ّة تهديدا ال كوني :هو الح ّد الأدنى المشترك الكل ّي المحافظة على الهو ي ّة أي هناك توق إلى
للخصوصي ّات ؟ والعامّ الذي يجمع الإنساني ّة ،إن ّه جملة معايير الكل ّي ،فالإنسان تحكمه رغبة في المطلق
وقيم حاصلة على اتفاق كوني يتجل ّى في تجعله ينخرط في ال كوني ،ال كوني صالح
مجموعة مفاهيم مثل الحر ّية وال كرامة للجميع وهو رغبة في العيش المشترك
النفسية والجسدي ّة والعدالة كإنصاف أي • لل كوني فائدة أخلاقية :فهو ينتج إيتيقا
ال كوني قيمة حضار ية وأخلاقية وسياسية أي إنتاج قاعدة للسلوك ترتكز إلى قانون
وهو لا يتجل ّى في الأشياء بل في القيم ،إن ّه أخلاقي كل ّي وكوني يقوم على النظر إلى
وانفعالات بل كقدرة على التعقّل. إنسان وأن ترى الإنسان كمشروع ،أي
الضيافة ال كوني ّة :هي قيمة سياسية اعتبار الإنسان ضمن أفق الكائنات
130
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
معنى الإيثار ،تؤسّس لتجن ّب العنف وللسّلم • لل كوني فائدة سياسي ّة :إذ تعني ال كوني ّة
للعقل ال كوني.
والأدوات.
ن
المهيمن عليها إلى سوق استهلاكي ّة لأ ّ
131
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.2ما هي مؤش ّرات أزمة الهو ي ّة ؟ كالتالي: وجود خاصّيات ممي ّزة وهي تحمل
الذات :وضعية تملّك ،تمدية الإنسان، في مضمونها معنى الغير ،الهو ية
.3لا أكون أنا إلا ّ بقدر ما أنقطع عن
الإحساس بالذات كموضوع ،دوري تصنيف ،هناك صراع هو يّات،
ذاتي.
الاجتماعي مُمدّى. ن فهي
الهو ية صورة مطلقة للنح ُ
.4ما الذي يشرّع للمحافظة على الهو ي ّة
ليست فقط ما نحن عليه بل ما
اليوم ؟
‡
نريد أن نكونه فهوي ّتي ليست
الأنا :وضعية وجود وكينونة ،مجال أكونُ
قدرا بل موقفا أي ليست ما نرثه
فيه حيّ ،وضعية تحقيق للصورة التي لي عن
بل ما نكتسبه ونورثه.
نفسي والتي أعطيها للآخرين.
الهو ية معيار انتماء لمطلق ما فهي
الهو ي ّة أو الخصوصية :قيمة ومعيار
قيمة ومعيار ،يجب التمييز بين هو ية
وتصنيف ،صورة مطلقة للنحنُ.
شخصية وهي كيفية في إدراك
132
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
والمعنى.
الهو ي ّة.
133
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
134
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
التعصّ ب :داء يصيب الإنسان فيصي ّره قو ّة -1صراع الخصوصي ّات وسبل التحر ّر
.1ما السّبيل إلى تجاوز التعصّ ب؟
عمياء هم ّها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب منه :مونتانيو:
ل واحد يسمّي همجي ّا ما لا
.2قيل" :ك ّ
الغير وهو أداة يجري التلاعب بها لخدمة بالضرورة ليست الخصوصيات ن
إ ّ
يت ّفق مع عوائده".
أغراض ومنافع وهو يحطّم ما هو إنساني. متعاونة بل تكون أحيانا في حالة صراع
حلّل دلالة الهمجي ّة م ُبي ّنا عدم وجودها
مردّه التعصّ ب.
الهمجي ّة :ليست وجودا فعلي ّا بل هي نظرة
فعلي ّا مؤكّدا على أنّها مجر ّد حكم.
للآخر تصن ّفه في خانته الهمجي ّة فهي حكم ن التعصّ ب خاصّية إنساني ّة وله تعلا ّت.
إ ّ
.3التعصّ ب وليس الهو ي ّة نقيض الحوار.
قيمة وليست وجودا موضوعي ّا تستند على • أسس التعصّ ب :تعيير الآخر وفق معيار
حلّل هذا الرّأي وناقشه. الاعتقاد الخاطئ في وجود معيار نقي ّم وفقه حكمنا الذوقي والأخلاقي +تقييم الآخر
المختلف. ن +امتلاك تصو ّر
داخل ثقافة النح ُ
الذوق الفاسد.
التعصّ ب:
مظهرا لل كمال.
135
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
حلّل وناقش. هو ي ّة إنساني ّة ،الإنساني يتشكّل في الثقافة القائمة على الاختلاف +رفض
136
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
والديمقراطي ّة ،لا يشير إلى الأدوات ،يهلك ← الاختلاف لا ينفي الخصوصي ّة،
بالعولمة و يواجه انحرافا ،إن ّه تبادل القيم. يجب تجن ّب الوحدة التي ترسّ خ التجانس
اقتصادي يقوم على :الات ّصال والتوصيل ← لتجاوز الص ّراع بين الخصوصيات
والخدمات ،يقوم بتفكيك الهو يّات وتوسيع -إعادة تعل ّم رؤ ية العالم وفق منظور ي ّة
محيد عنه وقدر لا
الفوارق .العولمة اتّ جاه لا َ الوحدة في التنو ّع والتنو ّع في الوحدة +
رجعة فيه ،تبادل الإنتاج وهو عنيف. التأسيس لرؤ ية نسقي ّة للإنسان وللعالم في
← بيان الاعتقاد البغيض الذي يقر ّ الإنساني ّة +فهو الواقع بوصفه واقعا مركّبا
بتفاضل الثقافات استنادا إلى العرق مع +الدعوة إلى وحدة مركّبة أي التسل ّح
بيان النتائج السلبية لعرقية الثقافة + بفكر مركّب لفهم الهو ي ّة المركّبة +
الاشتغال على مفهوم اختلاف الثقافات التأسيس لإيتيقا مركّبة تقوم على أن
إذ لا يوجد تفاضل بل تنو ّع ثقافي، نفك ّر جي ّدا وأن نفعل على نحو جي ّد +
التحفّظ أو الأصولية :التعصّ ب للجذور مع إيتيقا تقوم على توافق بين الإنّية والغير ي ّة
والاختلاف شرط لقاء الثقافات والثقافة
عدم القدرة على النفاذ إلى رموز العصر أي ترى الآخر صديقا وليس عدوّا +وضع
تنشأ في محدّدات تار يخي ّة.
شدّة التمسّك بالأصول مع العجز على محاورة التشر يع للحوار تجاوزا للعزلة +وضع
.2نفي الاختلاف وليس الاختلاف هو
الحاضر كرموزه وعلاماته. أسئلة دقيقة وصولا إلى أجوبة واضحة +
ما يهدّد الهو ي ّة .حلّل وناقش.
← يوجد موقفين :موقف خاطئ هو ‡ اعتبار الوحدة والتنو ّع واقعا جدلي ّا.
الاختلاف يهدّد الهو ي ّة +يوجد موقف المحافظة والأصالة :هي التمسّك بالجذور مع « -توجد وحدة إنساني ّة بقدر ما يوجد
سليم وهو نفي الاختلاف يهدّد الهو ي ّة. القدرة على الانخراط في العصر والفعل فيه تنو ّع إنسانيّ» (موران).
137
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
شراكة الثقافات وهي خلاصة التاريخ -3مخاطر الخلط بين العالمي وال كوني:
الاختلاف :ظاهرة طبيعية وهو واقعة ،إن ّه مفهومي العالمي خلط بين هناك
حركة ومصدر إبداع ،يؤسّس لسبل غير وال كوني ،ال كوني يتعل ّق بالحقل القيمي
مسلوكة سابقا ،أداة تحر ّر من التشابه والسياسي ،أمّا العالمي فيرتبط بال كم ّ
والتماثل والتجانس ،يسمح لنا بالخروج من والسوق وتبادل الإنتاج +ال كوني إلى
138
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.3هل يمكن تجاوز القيم الخصوصي ّة نحو معايير أو المرور من ثقافة العولمة إلى عولمة
كوني ّة ؟ الثقافة.
القيم :هي الأسس التي يقوم عليها الفعل ن العولمة تؤسّس لديانة توحيدي ّة
« -إ ّ
الإنساني وتستند حسب راولز إلى تعاقد ينبع كوني ّة جديدة هي ديانة السّوق» (روجيه
الإقصاء والتهميش.
139
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الثقافة.
ن الاختلاف لا يهدّد
الحضارة لأ ّ
ل في :الاستفادة
إلى مستهلك ،يكمن الح ّ
لها.
هي:
140
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن
ل إنسان حيث أ ّ
يضمنه القانون لك ّ
ن
ن الذات مشرّعة ،افتراض أ ّ
افتراض أ ّ
141
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أخلاقي ّة الحق.
اللاّإنساني.
142
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن
• هابرماس :تجاوز القيم نحو المعايير لأ ّ
للعنف.
143
ش
ف ّية الإ يغاليك
وظيفتها إدخال القارئ إلى مجال تفكيري فهي ليست دخولا إلى المقال بل عملية تحفيز ودفع الآخر إلى متابعة
النص و يحصل ذلك عبر افتعال واصطناع الحيرة والصراع والمفارقة التي
كيفية تفكيري في المشكل المطروح في ّ
النص.
ّ من شأنها أن تقحمني في مشكل
النص .
ّ -الإنطلاق من إحراج يثيره رأي شائع فيما يتعلق بمشكل
-الإنطلاق من إحراج تثيره مفارقة بين موقفين فلسفيين .لعلّ /إذا سلمنا /حين نقر /حين نفترض
موقف فلسفي 2 موقف فلسفي 1
الأقوى الأضعف
ن الصراع
إحذر :التأكيد –إحذر الحكم والحسم والإستباق – إحذر التأريخ – إحذر ذكر اسم فيلسوف لأ ّ
• الإشكالية :
-الإشكالية هي مخطط العمل في شكل أسئلة تعلن عن مراحل التحرير +إضافة سؤال أو أكثر للنقد يكون بمثابة
النص و يصاغ بأسلوب تشكيكي مثل إلى أي مدى ...؟ هل فعلا ...؟ ما أحقية...؟ ما
ّ التشكيك في أفكار
145
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إحذر إعادة نفس الصيغة في التساؤل – تجنب ذكر أسماء الفلاسفة – تجنب الأسئلة الفارغة من المحتوى إذ
• الجوهر :
تصاغ الأطروحة في أسلوب تقريري ونستعمل ألفاظا مثل :يؤكد الكاتب ...ويذهب إلى ...من أجل أن
يكذّب ...و يجزم ب ...ل كي يرفض ...و يقر ّ ب ...و يعمل على إقناعنا ب ...وهو يريد أن يقو ّض ...ويدافع
عن ...ويريد أن يثبت ...و يبرهن على ...و يقدّم حجة هي ...و يضيف قرينة هي ...ليكشف عن ...وهو
بذلك يدحض ...ويشكّك في ...من أجل تجاوز ...فهو يفن ّد ...ل كي يحطم الإقرار ب ...ويستخلص ...ويتوصّل
-الأطروحة المستبعدة :ليست مرحلة مخصوصة بذاتها ولا نخصص لها حي ّزا مكانيا بل نشتغل عليها أثناء معالجة
الأطروحة ،لأن توضيح الأطروحة يحتاج إلى بيان الأطروحة المستبعدة .وهي تعني ما يعمل الكاتب على نفيه
أحيانا تكون مصرّح بها ومعلنة وأحيانا تكون ضمنية وغير مصرّح بها.
النص.
ّ النص بحجج من خارجه ل كن بعد حجج
ّ يمكن دعم
الحجج ليست مرحلة مخصوصة بذاتها بل هي إشتغال أثناء عملية الإقناع بالأطروحة وأثناء عملية الدحض.
سياقيا.
146
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إحذر :لا نخصص فقرة بذاتها للمفاهيم بل هو عمل يتخلل كل التحرير جوهرا ونقدا.
• النقد:
-4ما الذي تغير في نظرتي للقيم والرموز؟ ( الأخلاق – الفن – الدين – السياسة)...
النص بموقف يضعفها ( يمكن الإستناد إلى التجربة المعيشة +إستدعاء مرجعية مناقضة)
❖ مقارنة أفكار ّ
خاص ب
النص لزمانها ال ّ
❖ إرجاع أفكار ّ
للكاتب أي نتاج تجربة خاصّة به لذلك لا ترفع تلك الأفكار إلى مرتبة الحقيقة.
-المسلمات الضمنية :هي ال كشف عن الأسس أي ما لم يقل وكل القول مؤسس عليه أي الإشتغال على
• الخاتمة:
م ما توصلنا إليه جوهرا ونقدا أي تحديد المحاصيل أو الحصاد الحاصل من العمل ككل مع
هي تلخيص لأه ّ
إحذر طرح الأسئلة +تجنب فتح الآفاق +تجنب القولات وذكر أسماء الفلاسفة.
147
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.1الإستنتاج بالقياس :يتمثل القياس في الإستنتاج من العام إلى الخاص وهو قول يتألف من مقدمة كبرى
( عامة وكلية وبديهية) ومقدمة صغرى (خاصة وجزئية) ونتيجة تلزم عنهما ضرورة.
.2الإستنتاج التأليفي :هو إنشاء أو بناء بواسطة التأليف لمعارف جديدة من حقائق أو مسلمات أو تعر يفات
* الإستنتاج التأليفي ينطلق من شيء معلوم ومعروف وبديهي ليكشف شيئا جديدا لم يكن معلوما.
مثال : 1بما أننا كنا أطفالا قبل أن نكون رجالا (معلوم وبديهي) وكنا قبل حصولنا على المعرفة الكاملة نخطئ
لأجل ذلك كانت الأحكام التي كو ّناها على نحو من التسرّع تعوقنا عن إدراك الحقيقة (معلوم وبديهي).
148
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن الشك واجب وضروري في كل ما تلقيناه (نتيجة) مجهول ولم يكن معلوما وتم إنشاءه من
لذلك فإ ّ
التأليف.
*الإستنتاج التأليفي هو إنشاء وبناء لمعارف جديدة لم تكن معروفة هي أشياء معلومة .
.3الإستنتاج التحليلي :الإستنتاج بالتراجع :وهو إثبات قضية مركبة ومجهولة وغير واضحة بإرجاعها إلى قضايا
ن نقيضها مستحيل.
.4برهان الخلف :يتمثل في الإستنتاج بالخلف أي إثبات قضية ما ببيان أ ّ
مثال :ل كي يثبت سبينوزا قدرة الجسد لم يتعرض للجسد بل كشف عن عدم قدرة النفس المطلقة وذلك عبر
بيان أنّ:
-بقدر استعداد الجسد لصورة هذا الموضوع أو ذاك يكون استعداد النفس.
نستنتج أن النفس ليست قادرة بإطلاق بل إنها موجهة من طرف الجسد أي الجسد قادر ومستطيع وما
.5برهان التقسيم :يتمثل في تقسيم القضايا إلى أصناف والقيام باستنتاجات إنطلاقا من التقسيم أي نبين بطلان
أحد الأصناف ل كي نثبت صح ّة الصنف الآخر أي لتأكيد سلامة صنف نبيّن خطأ الأصناف الأخرى.
مثال :الإنسان إما أن يكون وعيا أو جسدا وبما أن الجسد شيء من أشياء العالم فالإنسان وعي وليس جسد.
149
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الخاص إلى العام .أي ينطلق من وقائع جزئية وأحداث خاصة ليصوغ قانونا عامّا.
مثال :الإنسان لا يتحكم في رغباته ،وأكثرنا محكوم في أفعاله بالأهواء وأغلبنا يأتي أفعالا لا إرادية فالإنسان
كائن رغبة.
ن السكران برغم سكره يتعرف على ذاته .كما أن بعضنا يمشي أثناء النوم وأحيانا أتلفظ عكس ما أريد
مثال : 2إ ّ
.7حجة المماثلة :وتسمى الإستدلال بالمماثلة :وهي الخروج بنتائج إنطلاقا من التماثل والتشابه بين وضعين أو
شيئين أو شخصين.
مثال : 1كما لا يمكن لأحد أن يتغذّى بدلا عن ّا لا يمكن لأحد أن يفك ّر بدلا عنّا .نستنتج إذا قيمة التفكير
الشخصي.
مثال : 2في مجال التجارة والمعاملات نحتاج إلى معيار وهو الميزان وكذلك الأمر بالنسبة للمعرفة نحتاج إلى
.8حجة المقارنة :حجة المفاضلة وهي تقوم على المقارنة بين وضعين أو حالتين مختلفتين للإقرار بأفضلية حال على
مثال : 1المقارنة بين من يدعّي المعرفة فينتهي جاهلا وبين من يدّعي الجهل فينتهي عارفا والأفضلية لمدّعي
الجهل.
مثال : 2المقارنة بين التواصل الحركي والتواصل اللفظي وتفضيل الألفاظ على الحركات.
.9حجة المثال :حيث تستعمل الأمثلة لمزيد الإقناع ولتجسيم الأفكار ولتوضيحها وتبسيطها.
مثال :سبينوزا ليؤكد قدرة الجسد استعمل العديد من الأمثلةكزلات اللسان وكالحركات اللاإرادية والمشي أثناء
النوم وحالة المخمور الذي يتعرف على ذاته .كل هذه الأمثلة تؤكد قدرة الجسد.
النص الفلسفي بناء حجاجي بالأساس +الموضوع الإنشائي يحتاج فيه التلميذ إلى بناء حجج من أجل عملية الإقناع.
ّ
150
ش
ف ّية الإ يغال ي ك
صيغ املواضيع
.1صيغة إستفهامي ّة :هل
-العنصر الوحيد :يتمث ّل في رصد تعدّد المعاني مع التركيز على المعاني المطلوبة أي الإشتغال على تعدّد
152
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-يتمث ّل في الإشتغال على أطروحة القول عبر تحديد مفهومها الر ّئيسي ،أسسها ،حججها ،مرجعي ّتها،
.6صيغة نفي و إثبات :ليس /لا ...بل و إنّما أحيانا يكون منفيان /منفي ومثبت
-العنصر الأوّل :تحليل الأطروحة ليس مجال إثبات أي تحليلها بأن تنزع عنها أداة الن ّفي ل كن
153
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-العنصر الثاني :تجاوز الاختزال لتحليل الأطروحة الثانية الواردة بعد فحسب ثم ّ الجمع بين
الأطروحتين و تجاوزهما.
-صيغة رفض الش ّرط أو الإختزال. شكل استفهامي و يقوم على الإثبات ثم ّ الن ّفي
-صيغة علاقة تلازم أو سببي ّة ثم ّ التأليف (لا مكاسب لا حدود لا راهينية)
154
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ملاحظة:
-1النظر في صيغة الموضوع :قراءة أوّلي ّة بغرض تصنيف الموضوع إن كان قولا أو سؤالا ثم ّ تحديده داخل
-3تحديد المفاهيم:
155
ف ه ن م بط ت
ّية ى ج يفات
س ض
ى يغة والف
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
يمكن القول على وجه الإجمال بأن الموضوع الانشائي في الفلسفة انما يرد في شكلين :شكل سؤال ،أو في شكل
-بأي معنى...؟
-إلى أي مدى...؟
نكتفي مؤقتا بصنف المواضيع ب "هل" :هذا الصنف يقتضي وجوبا 3لحظات:
• لحظة أولى :يمكن أن تتضمن اثباتا للامكانية أو نفي الامكانية كذلك (يتوقف الخيار على طبيعة
السؤال)
• لحظة ثانية وهي لحظة التنسيب والاعتراض على الامكانية الأولى بيان حدودها :إمّا بال كشف عن
ملاحظة :1نكتفي بلحظتين إذا كان السؤال الهلّيّ يستفهم عن تعارض أو تناقض.
ملاحظة :2إذا كان السؤال الهلّي انيا فيبدو أن اللحظة الثالثة تتضمن التأليف بين الإمكانيات (ل كن ينهي
158
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• المقدّمة:
التمهيد :يمكن لنا الانطلاق من الامكانية التالية :مركز ية مبحث الذات في الفلسفة ،وما تعرض له هذا المفهوم
الإشكالية:
ما الذات؟ وعلى فرض التسليم ان لها حقيقة ،ما الذي يمث ّل سبيلا لمعرفتها على نحو ما يعني :هل للأنا أفكر القدرة
على إستيفاء حقيقتها ،أم على خلاف ذلك ،انه قاصر عن بلوغ مداها العميق ،ما الذي يمكن أن يمث ّل مدخلا
• الجوهر:
يحلّل المترشح الامكانية القاضية بقدرة الأنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ:
ال ّلحظة الأولى :على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ : .I
-1تحديدات دلالية:
▪ "الأنا أفكر" بما هو في آن نشاط ومضمون ،وبما هو منهج يتعارض مع الحسي والخيالي.
▪ دلالة الذات بما هي تحتمل معنى مقي ّدا ذا خلفية ميتافيزقية (الذات مفكرة بالضرورة) كما تحتمل معنى مطلقا
▪ تحديد دلالة الحقيقة بما هي تشير الى الث ّابت في الشيء والاصلي والماهية.
أ -م .انطولوجي :مماهاة الانا أفكر لحقيقة الذات (يمكن الإحالة الى التصور الديكارتي :الوعي بالذات وحقيقة
ب -م .إيستمولوجي :الأنا أفكر منهج/مدخل للقبض على حقيقة الذات بأي نحو تصورنا الذات.
-3شروط الإستيفاء
• الثقة في الفكر ميتافزقيا بما هو البداية الأولى /المرجع الوحيد للمعرفة /أصل المعنى.
• الثقة الأخلاقية في الفكر :التي تفيد صدقه وأنانيته وشفافيته وحياده وموضوعيته.
159
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
استخلاص :نستخلص أن الثقة في قدرة الأنا أفكر في استيفاء حقيقة الذات انما تتنز ّل ضمن فضاء الوحدة:
اللحظة الثانية :بيان حدود قدرة أنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بـــ : .II
-انهيار مفهوم الحقيقة نتيجة الرجّات المتتالية (أي مجال المعرفة أساسا)
-انفجار الذات :ما عدنا نعرف قرارها الأصلي ،ولا منتهى ما تحتمله من تأو يل
-التشكيك في وحدة الأنا أفكر وأصالته وحياته إمّا عبر الاكتشافات اللغو ية أو عبر اكتشاف الشروط الجسدي ّة
للوعي ،أو على اكتشاف التداخل بين الفكر والخيال ،أو العقل والانفعال أو الوعي واللاوعي...
اللحظة الثالثة :في إعادة تأسيس معنى الذات وسبل إستيفائها: .III
✓ حفر في الذاكرة بمعية المحلل النفسي ،يعين الذات على التحكم من سوء الفهم /الوهم
ب -استيفاء حقيقة الذات ليس عملية تأملية /ذهنية /خالصة بل هو مسار فعل وتغيير وتقدم نحو الحر ية.
160
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• الخاتمة:
الذات حركة انكشاف بطيء يمث ّل الفكر أحد قواها ووظائفها ووجودها .بما يؤكّد اقتضاء مطلب الاستيفاء لمعاني
الاعتراف والمشاركة والاني ّة مسار وجهد ومشروع يتحدّد داخل الفعل والتجربة خارج كل تصو ّر مسب ّق وبعيدا
ل حكم مسبق حول الأنا إذ الأنا تدرك ذاتها في عملية حوار وشراكة مع الغير الماثل فيها وخارجها.
عن ك ّ
161
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
حقيقته وجوهره.
-إدراك معنى التحقق بما هو إنتقال الوجود الطبيعي الخام بالقو ّة إلى الوجود الفعلي الواقعي كقوام حيّ وفاعل
-التحر ّر من حتمي ّات التاريخ بضرب من الإنفصال الذاتي عن كل ماهو واقعي كالجسد والعالم والآخر...
162
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
لقاء ممكن بين الذوات أفرادا وثقافات ،فالتاريخ يعني الحركة والفعل والإنفعال جملة المواجهات والصراعات
والمشار يع المشتركة والمتضادة والإكتشافات والإبداعات والمراكمات وأشكال التغيير لما هو طبيعي لجعله أكثر
ملاءمة.
و يفهم التاريخ أيضا بما هو Historiaوهي كلمة ذات أصل يوناني تتكو ّن من جذرين Histoوتعني temps
أي الزمن و riaوتعني voirأي النظر .فهي النظر في الزمان voir dans le tempsبمعنى فعل الإنسان في
الزمان وكم وعدّد الحركة في المكان فالتاريخ لا يعني الماضي أو ما فات وانقضى بل يعني الواقع والحاضر
التاريخ فضاء للفعل وموضع الل ّقاء وهو أيضا منهج للفهم في مقابل الميتافيز يقا والثبات.
• التحقّق :هو الإشباع والإكتمال بمعنى التحو ّل من وضع أدنى إلى وضع أرقى.
• إني ّة الإنسان :إني ّة الشيء جوهره وحقيقته وما به يكون فإني ّة الإنسان تعني ماهي ّته وما به هو هو أي أمْيز َ
• التعالي :ضرب من الإنفصال ورفض الإت ّصال قائم على الإعتقاد في أفضلي ّة – إن ّه الإستقلالية المفضية إلى
163
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-4تحديد المرجعيات:
• أفلاطون +ابن سينا +ديكارت :في بيان تعالي الإنية على التاريخ.
• نيتشة +ميرلوبوتني +ماركس بالأخص +هيقل +سارتر +ليفيناس :في بيان محايثة الإنية للتاريخ ومعنى
-1تمهيد:
ن ما يكون خارج الذ ّات
يعتقد الإنسان بضرب من التوه ّم أن ّه يعيش ض ّد الآخرين وفي مواجهتهم مم ّا صو ّر له أ ّ
ن الواقع الت ّار يخي يشكل عائقا أمام فعلها وتحقيقها لأناها مم ّا ترتب عنه تصو ّرا غ ًّ
ُفلي ّا لمعنى المغاير ولقيمته غير أ ّ
والفعلي سرعان ما يكشف عن حاجة الإنسان إلى المختلف في سعيه الدؤوب إلى إثبات ذاته وتحقيق كينونته
مثل هذا التوت ّر بين الر ّغبة في إثبات الذات ض ّد وواجب الوجود والتحقق مع الآخر هو ما يدفع إلى التساؤل:
هل هو في التعالي عن التاريخ والتحر ّر من حتمياته أم عبر الإنخراط فيه والفعل في سيرورته؟
-2الجوهر:
-ال كشف عن القصد من تحقق الإنية ببيان معنى الإنية كجوهر وكحقيقة وكماهية.
-تأكيد تعالي الفكر كمركز للإنية داخل التصو ّر العقلاني للإنسان مم ّا يجعل الفكر يعب ّر عن حقيقة الأنا ويستكمل
164
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
تقوم على التطابق والتماثل ومعيارها العقل بوصفه أعدل الأشياء قسمة بين الناس.
=> تحقق الإنية لا يتم ّ إلا بالتعالي عن التاريخ مما يخفي مسلّمه ضمني ّة هي سلبي ّة التاريخ وانحطاط الواقع في نظر
الفلاسفة العقلانيين مم ّا أدّى إلى الوصم – وصم الجسد بأنه عائق وإلزامه بحدود الموضوع واعتبار العالم
ز يف ووهم وحصرة في حدود المادّة .واعتبار الآخر معرقلا لعملي ّة اكتشاف الأنا مم ّا دفع بال كوجيتو إلى
وعالم وآخر.
=> إني ّة مستقلّة ومتحر ّرة من كل الحتميات تثبت ذاتها حر ية إذ الإنسان ممل كة الحر ية داخل ممل كة الضرورة.
=> التعالي عن التاريخ شرط لتحقق الغنية أي رفض النظر في الزمان (أنظر تعر يف التاريخ في المسودة).
-ال كشف عن إمكانية التجذّر في التاريخ ومحايثة الواقع لتحقق إينيتي وذلك ببيان أن الإنسان هو الماهوغير
حيث الإني ّة تستوجب الغير ي ّة (هيقل) وأن الإنساني لا يتعالى عن التاريخ بل لا ينفصل عنه.
-نسبي ّة هذا التعالي عن التاريخ من جهة أنه يؤدّي إلى :جعل الإنسان في عزلة +لا يرى في العالم إلا ّ ذاته
+ليس للإنسان تاريخ بل الإنسان في ح ّد ذاته تاريخ +لا إمكانية للوجود إلا ّ مع الغير و من أجل الغير
بعد الغير.
والإجتماعي.
-من جهة التعالي مشروع إذا كان التاريخ مجال المغالطات والتزييف والوعي الكاذب لأن التاريخ ممو ّه وموجّه
165
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-من جهة ثانية استرجاع قيمة التاريخ ضرور ية من جهة أن الانسان كائن الزمان والمكان والآخر وأن لا
هو ية إلا في فضاء مشترك بكل ألاعيبه يظل إنسانيا لأن الإنساني لا يعني وجودا مثاليا وإنما وجود ممكن
-ل كن من جهة المصالحة بين الانا وتار يخها يستوجب الأمر إدراك التاريخ كعامل تأثير في الذات وهو أيضا
مجال لتأثير الذات فلسنا فقط نتاج التاريخ بل التاريخ هو نتاج الإنسان فالأنا تغي ّر مسار التاريخ إذ أن أفرادا
استطاعوا تغيير أزمنة وأوطان مثل غاندي الذي جذّر منهج وجود في العالم أساسه اللا ّعنف.
-حين يتعل ّق الأمر بمنظور ية وأفق ثالث أو جديد لمقاربة أنيتي فإني أحتاج إلى الإقرار بأن الأنا مركبة من
اختلافات فهو وحدة تتضمّن ال كثرة وكثرة ل كنها موحدة إذ أنني وحدة في التنو ّع وتنوع في الوحدة .لهذا
=> ما يجب رفضه هو المركز ية والتفسير الأحادي للإنسان وللعالم .إن المنهج الحقيقي الذي يسمح لنا بمعرفة
ذواتنا هو التأو يل الذي يقارب الإنسان كظاهرة وكحدث وكواقعة وليس كحقيقة .يجدر بنا الإنتقال من
أفق الحقيقة إلى أفق المعنى .ومن فكر إختزالي إلى فكر منفتح يرفض أن تكون إني ّتي معطى بل مسار وجهد
في التاريخ.
-3الخاتمة:
ل
يتوضح أن ما يمي ّز الموقف المتعالي هو التعالي عن المغايرة بما فيها التاريخ وتبيّن أن التعالي يجر ّد التاريخ من ك ّ
ّ
تأثير في تشكيل الإني ّة وصار من الجلي الإقرار أن الانغماس في مجرى التاريخ يفقد الإنية إرادتها وحر ي ّتها بتحو يلها
أن المحدّد لعلاقة الذات بالتاريخ هو المعنى الذي نمنحه لهذا المفهوم والدلالة التي نرتئيها لذواتنا.
166
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن
في عملية إدراك الأنا لذاتها وهو ما أفضى إلى تصو ّر إمكاني ّة الوجود بمعزل عن الآخرين وفي مواجهتهم بَيْد َ أ ّ
الإنسان كيان من الحاجات والرغبات التي يشكّل الغير موضوعها الأساسي خصوصا وأن الإنسان يتجاوز ما هو
حسي ليعيش كيان من الحاجات والرغبات التي يشكل الغير موضوعها الأساسي خصوصا في عالم أرحب هو
مثل هذه المفارقة بين رغبة في الإنعزال عن الآخر ومطلب الإنسانية التي يمنحها الآخر ما يدعو إلى الت ّساؤل:
• الإشكالية:
هل هي مجر ّد بناء ذاتي فردي وشخصي أم هي هبة يمنحها إيّاه الآخرون؟
-2الت ّحليل:
ل
ن الأنا تشير إلى النفس وإلى معنى الوعي والإرادة الحر ّة خارج ك ّ
-بيان دلالة الأنا الإنسانية بتوضيح أ ّ
المحدّدات (ديكارت).
-توضيح أن الأنا الإنسانية قدرة متفر ّدة على العودة إلى ذاتها بمعزل عن كل وسيط خارجي.
167
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
مقاربة ميتافيز يقية حيث أن الأنا مجر ّد سطح أو واجهة أو قنــــاــع ،واجهة خارجية تزعم أنها
جوهرا.
ضرب من الإيقولوجيا وإنغلاق يخبر عن تعالي ورفض وتنك ّر للعالم والآخر وتجاوز كل غير ي ّة.
مركز ي ّة الوعي ورفعه ِ إلى مرتبة الحقيقة الوحيدة والمؤسسة للإني ّة.
-بيان قيمة وأهمية ودور الآخر في وهب الأنا لإنسانيتها وذلك عبر توضيح أن الإنسان:
▪ كائن ناقص و يحتاج إلى الغير فهو يستعين بالآخر لتلبية حاجياته.
تعدّد أوجه قدرة الآخرين على وهب الأنا بعدها الإنساني عبر التنشئة الاجتماعية وترسيخ القيم وتحديد
السلوك وتحديد معنى الواجب وما ينبغي أن يكون مم ّا يجعل الآخر بداخلي وما يثبت ذلك تجربة الخجل كما
-3النقاش /النقد:
• المكاسب :
• في علاقتي بالقيم :القيمة تتأسس في فضاء بيني وبيذاتي في شراكة مع المختلف والقيم مجال توافق.
168
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• الحـــدود :
• لقاء الإنسان بالإنسان مجال موضعة واستهلاك مما يحو ّلني إلى مجر ّد أداة ويسقطني في الاغتراب عن ذاتي.
• الوجود مع الآخر يفقدني كينونتي كجوهر و يحو ّلني إلى مظهر وتملك فأكف عن أكون كائنا مفك ّرا وحاملا
ل في ذات أخرى وأنطق بلسان الآخر وأفكر بعقله وأعبر برموزه وأتثقف بثقافته فأكون أنا
وثقافتي بل أح ّ
• الراهنيـــة :
ل ما يمي ّز عصرنا اليوم هو أن لا شيء معطى أو هبة كل شيء مكسب فنحن نكتسب صفات وخاصيات
لع ّ
ن ُدفع إليها دفعا إذ إنسان اليوم يُصنع في مختبرات ومؤسسات بحث ومراكز دراسات بحيث أن الإنية بقدر ما
هي خصوصية وجهد فردي ومسار يمنحه الآخرون بقدر ما هي برنامج مخطط له .وبأدوات دقيقة من أجل أن
يكون الانسان خاضعا وم ُروضا وذلك عبر الصورة وأدوات التواصل و وسائط الاتصال الحديثة إلى درجة أن
الإنسانية تم ّ توحيدها بشكل تدجيني وتم ّ إنتاج الوعي الزائف وتم ّ إستبعاد الإنساني ّة بشكل معمّم ليتحو ّل الإنسان
-4الخــــاــتمة:
ن العلاقة بين الأنا والآخر ليست أحادية الوجه وليست واضحة الوجهة بل هي علاقة مركبة لا تختزل في
إ ّ
علاقة خطي ّة بين الأنا والآخر ولا أحد يمكنه التحكم في طبيعة العلاقة بين الأنا والغير واتجاهها لان الإنسان
ق
ل مشروعا وقدرة على الت ّجاوز ،تجاوز وجهه ووجه الآخر لتأسيس وجه ثالث مركّب من أجل العيش وِف ْ َ
يظ ّ
إيتيقا مركّ بة تسعني والآخر وتؤسس لضرب من العيش معا وفق معيار وحكمة الوجود معا.
169
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن كلامنا بالضرورة وبصرف النظر عن صدق إرادته في أن يفهم نفسه على نحو فردي قدر
يقدّمه للمجتمع .وإ ّ
الإمكان ،وأن يعرف ذاته ،رغم ذلك لم يفعل شيئا آخر عدا حمل ما ليس فرديا إلى وعيه )...( .وفي الواقع
ن أفعالنا بأسرها شخصي ّة وفريدة في معنى ضي ّق فهذا أمر لا مجال للشك فيه .ول كن يكفي أن نعيد ترجمتها إلى
إ ّ
▪ ما الفرق بين الوعي الذي ينتسب إلى الوجود الفردي في الإنسان والوعي الذي ينتسب إلى ما هو اجتماعي؟
▪ ما الذي يعيبه نيتشه على الوعي وما هي مختلف المواضع النقدية التي يحملها عليه ؟
-1المقدّمة:
ن هذا ما
ل شيء ،وأن ّه دليل على صواب ما ينتج من أحكام ،غير أ ّ
كثيرا ما اعتبر الوعي مقياس ك ّ
كذّبته وقائع عديدة في تاريخ الفكر البشري ،بحيث أصبح الاطمئنان إلى الوعي هو ضرب من التوه ّم ،والادّعاء
ال ذي يجب التنب ّه إليه وهو ما أضحى يلزمنا أكثر بضرورة تفكيك الوعي والانشغال بطبيعته التي تحدّده والتي
• الإشكالي ّة:
فأي طبيعة للوعي ؟
هل يتحدّد الوعي بوصفه وعيا ذاتيا جوهر يا وحقيقيا أم بوصفه وعيا اجتماعيا ينتهي إلى السقوط في السطحية
والتعميم والابتذال ؟
170
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
بالعبث ؟
-2التحليل:
ن الوعي في جوهره وعي سطحي ومغالط و يؤسّ س موقفا نقديا منهينقد
الأطروحة :يثبت نيتشه أ ّ
الوعي مرّتين:
.2يعرض الوعي الاجتماعي وهو الوعي الشائع/السائد ليكشف طبيعة ادّعاءات الوعي ومغالطاته.
فلسفة نقدي ّة بالأساس تقوم على رفض صنم العقل حيث صنع الإنسان صنما هو الوعي وأضحى يقدّسه
و يعبده.
الوعي :أمنية – إسقاط – ضرب من الإحيائية والرغبة في امتلاك ما لا يمتل كه – كذبة كذبها الإنسان
واعتقد فيها كحقيقة وحان الوقت بأن ندرك ز يفها (هذا في نظر نيتشه).
في نظر الميتافيز يقيين :إدراك مباشر للموضوعات وللذات +ينتسب للذات (أنا أفك ّر) كذات شخصية وفردية
الوعي الفردي تحو ّل إلى وعي مركزي به تتحدّد إنّية الإنسان ويتعر ّف من خلاله الإنسان على ذاته وعلى
موضوعاته (ديمارت)
• الأطروحة :...........يستبعد نيتشه الوعي الفردي و يبر ّر هذا الاستبعاد بثلاثة مبر ّرات:
.1مبر ّر ميتافيز يقي :ارتباط الوعي بالفرد ينفي قيمة الوسائط التي تتدخّل في تجربة الإدراك فبين الوعي والفرد
لا يوجد شيء آخر (نفي العالم والجسد واللغة والدين )...فتصبح الذات متعالية على الأشياء والرموز والآخر
الآخر يشاركني الوجود بذاته عن الآخر فأنطولوجيا لا أوجد بدون الآخرين ولا أتعر ّف على ذاتي إلا ّ بفضلهم
171
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
نفسها.
.3مبر ّر أكسيولوجي :أخلاقيا وفي مستوى قيمي الذات المتمركزة حول ذاتها ذاتًا دعية ومغرورة تضخّ م لديها
الوعي فلم تعد تكترث بالوجود وبالإنسان الآخر الأمر الذي يحجب عنها رؤ ية غيرها والتواصل معه رفض
التواصل.
يوجّهنا نيتشه إلى المصدر الذي ينحدر منه الوعي وهو المجتمع فيتحو ّل الوعي إلى وعي قطيعي.
وعي كسول ومستقيل يسل ّم بما أنتجته الجماعة في حين عادة ما تجمع الجماعة على خطإ +يتأسّس على أحكام وظن ّية
+صفة القطيع.
يصبح الوعي مجازا ينجر عن غياب لا عن وجود وحضور. ✓ نفي للوعي فالحيوانات لا تمتلك وعيا
صفات الوعي القطيعي :تحقيق المنفعة والمجتمع يستدرج الفرد و يغر يه بالمنفعة والفائدة + .التز يين (التنميق
ن الوعي الاجتماعي
البلاغي والشعري والمدح وتمجيد الوعي ليبد ُو نافعا) +التغي ّر مع تغي ّر المنافع لذلك فإ ّ
الوعي يحمل ما ليس فرديا +الوعي لا يعرف نفسه وإنّما يعرف نفسه بالآخر الاجتماعي (هيڤل
وسارتر) +يفقد الفرد ذاته +تتطب ّع أفعاله بصفات المجتمع فتكف أفعاله عن أن تكون شخصية وفريدة.
ل ما هو فردي ،فلم تعد الأنا تقيم داخل إنّيتها وإنّما داخل غيرها يسكنها
يقضي الوعي الاجتماعي على ك ّ
172
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ينقد الوعي عامّة :الوعي لا يدرك إلا ّ ما هو سطحي من العالم ،إدراك الظاهر والاعتقاد أن ّه الحقيقة
+الوقوف على عتبة العالم +إدراك العالم والذات والآخر من خلال غشاء أو حجاب من الرموز الاجتماعية
+تحو يل المظاهر إلى حقائق +تضييق العالم بفعل التجريد (تفاحة) +ما كان كبيرا يصبح مصغ ّرا minimiser
حقيقتها +عدم مباشرة العالم بفعل الاستعدادات الضي ّقة التي يكون عليها الوعي +عدم إدراك الأشياء على
بل استبداله بعالم مجر ّد من العلامات (حجب) +إنشاء علامات وهمية لإبعادنا عن العالم والآخر فتفسد علينا
لقاء الآخر (الزواج كرمز يفسد لقاء الأنثى بالذكر) ولقاء العالم +الابتذال +عدم النفاد إلى العمق +
إعدام العالم.
إذا كان فرديا تمركز حول ذاته وأعدم العالم والآخر. الوعي فعل عدمي:
انتهى إلى :تجريم الوعي +تجربة الوعي تقوم على المغالطة والتهديم +خداع الوعي +الوعي قو ّة ل كنّها
قو ّة منحرفة تضي ّع الصدق الذي يتطل ّبه لقاء العالم ولقاء الآخر +تهديم الانتساب إلى إنّية مخصوصة ومتفر ّدة +
النقاــش:
• المكاسب:
.1يعتمد نيتشه أسلوب الدحض وهو يهدف إلى تحطيم الحجج التي يتأسّس عليها الوعي ليكشف عن تهافتها
.2تتأكّد لديّ قيمة الن ّقد كقدرة على ال كشف عن ال كذب والوهم.
.3ال كشف عن ز يف الوعي ووهميته وصنميته فلم يعد الوعي سي ّدا بل ملكا مخلوعا.
173
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.5الوعي عائق أمام إرادة الحياة فتصبح فلسفة الوعي هي فلسفة الموت والعدم.
ن نقد الإنّية الواعية وإن عمل على كشف أوهام الوعي فإن ّه قد سقط في إحراجين:
من الواضح أ ّ
ل الجدار الأخير الشبيه بحائط هيرود الذي يجمع أفراد لا يجدون ما يتجمّعون حوله ،أفراد لهم
العقل إلا ّ أن ّه يظ ّ
يسل كه الإنسان.
ل المعارف والحقائق ،وهو ما يجعل النقد النيتشوي نقد عقيم لا يطو ّر
ل القيم التي صنعها الوعي وتحطيم ك ّ
ك ّ
الحياة الإنسانية بقدر ما يدمّرها ولا يدعم اليقين بالحياة وإنّما يدفع إلى الارتياب فيها.
ن النقد النيتشوي وهو يزعم الدفاع عن الحياة لا يلبث أن يضي ّعها فيحو ّلها إلى خراب +ينقد نيتشه المنهج
إ ّ
الميتافيز يقي والمنهج التار يخي ويتبن ّى منهج التحطيم دون بناء.
-3الخاتمة:
ن والوعي قائم
ن فرضية الوعي هي إحدى أشكال تحقّق ما هو إنساني في الإنسان وأ ّ
ينبغي القول أ ّ
ن الإنسان موضوع فهم وله معاني وليس له حقيقة .ول كن يبدو أيضا
الطابع التأو يلي لمقاربة الإنسان ،وأ ّ
ل مجهولا بالنسبة
ن الرغبة في تجاوز الأجوبة اليقينية هو ما يضفي على الإنساني قيمة ،فقدر الإنسان أن يظ ّ
أ ّ
ن الإنسان
ل مرّة النظر إليه من جديد لأ ّ
لذاته ومصير الإنسان أن ينظر لوجهه فلا يتعر ّف عليه فيعاود ُ في ك ّ
مشروع.
174
م ف ه ن م بطت
ّية ى سالة ج يفات
ل خل
ن ك ض ص
ا و ية و ا و ية
ض م ل ع ي
تدر ب ى و وع
س
ا والل
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-1النظر في صيغة الموضوع :موضوع في صيغة سؤال يتعل ّق بأَ م ِيّة ٍ.
منهجي ّا:
بخصوص التحليل:
ب .مضمون التعارض أي تعميق التعارض عبر استدعاء مرجعي ّات تؤكّده.
بخصوص النقد:
أ .الانتصار لأحد الطرفين أو التأليف بين النقيضين أو الخروج بموقف شخصي يتجاوز النقيضين (يمكن الاشتغال
ل يرتئيه التلميذ.
ب .تجاوز التناقض عبر ح ّ
ن واحدٍ يقر ّ بمخاطر ال كونيّ ويدعونا إلى حماية أنفسنا منه ُ ويشي بوجود تعارض بين
وحمايته ،وهو في آ ٍ
ال كونية من حيث هي قيمة يتوجّب الانخراط فيها والخصوصية من حيث هي قيمة يستدعي الأمر حمايتها.
فيصبح السؤال هو التالي :هل نعيش فيما هو مشترك إنسانيا؟ إذ بتعبير فوكو «إنّنا لا نحيا إلا ّ في الخصوصي»
بما يعني محدودية ال كوني ،أي :هل نعيش فيما هو إنساني مشترك وننم ّي حُب ّنا للكل ّي ونطمح إلى المطلق
الإنساني أم نعيش فيما هو خصوصي أي في هو ية ثقافية محدّدة ونزهد في كوني يؤسّ س للصراع ويهدّد
-3تحديد المفاهيم:
الإنقاذ :إنقاذ الشيء ،إخراج الشيء من العدم ،أي منح الشيء حياتا بعد موت محتوم ،فالإنقاذ هو عملية إحياء
ن وضع ال كونيّ
أو إرجاع الحياة في ما كان سيؤول إلى الموت ،و يعني أيضا إخراج الشيء من الأزمة ،مم ّا يعني أ ّ
177
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
متأزّم و يحتاج إلى انتشال من الأزمة التي لحقت هذا المفهوم تحت تأثير الاستعمال الأداتي والتوظيف
الاقتصادي لل كوني والاستثمار السياسي لمفهوم الكلي وإدراك ال كوني على أن ّه الوحدة وليس الاختلاف،
ومحاولة نسف الخصوصية باسم ال كونية وتحو يل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة تحت ضغط مفهوم المردودية
ن ضيق مفهوم
وعقلنة المجتمع وطغيان كونية النجاعة .فالأزمة تستدعي نقدا بغرض التأسيس والتجاوز ،أي أ ّ
ال كوني وانحصاره يستوجب إخراجه بغرض تأسيس كوني مفيد حضار يا ونافع سياسيا وقي ّم أخلاقي ّا.
وضحالة في مستوى القيمة ،ولم يع ُد قيمة متأوّجة ومتأل ّقة بل هو متأزّم مم ّا يفترض الارتقاء به إلى المنزلة الجدير
إلى ،من وضع سلبيّ متأزّم يهدّد إنسانية الإنسان ولا يفي بوعوده ولا يحقّق مطالبه ولا يرتقي إلى مستوى الرهان
الإنساني ولا يكتسب أيّ وجاهة إيتيقي ّة فيكون عامل تهديد وتشتيت وانفصال وانقطاع ،إلى وضع إيجابي يت ّسم
بارتقاء الإنسان إلى مستوى إنسانيته كقيمة مطلقة ومنشودة حيث يكون الكل ّي مطلبا إيتيقي ّا وحاجة لتبادل
المنافع والأدوات والأفكار والقيم ورهانا يحقّق وعوده في مستوى إيتيقي فنتحر ّر به من التعصّ ب والتصنيف
بل النظر إلى المختلف على أن ّه الإنسانية ذاتها .فما يعادل مفهوم ال كوني ّة هو الإنسانية ،لهذا من الواجب إنقاذ ال كوني.
ن ال كوني مفهوم مهدّد تحت ضرب من التنميط الثقافي المُذوّب للخصوصيات بحيث تفقد وحدة
بالتواصل ،إذ أ ّ
يتجلّى في مخاطر فكر ية تتعلق بالحقيقة إذ نلحظ طغيان مفهوم الحقيقة كملائمة أي مفهوم منمذج وموحّد يصوغ
براديڤم وحيد ويسو ّغه ويسو ّقهكنموذج أمثل للحقيقة .تهديدات إيتيقي ّة تكمن في إنتاج أدوات نعتقد أنّها تؤدّي
إلى توحيد البشر وتحقّق مستوى من الحوار في حين أنّها أدوات تؤسّس للعزلة ولرفض الآخر مم ّا جعل الإنسان
رهين هذه الأدوات التي أضحت تمتل كه .كما تم ّ إنتاج رؤ ية اختزالية للعالم وفق معيار واحد تتوافق مع مقتضيات
178
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
السوق إلى درجة أنّنا نتحدث اليوم عن مجتمع السوق .توظيفات سياسي ّة حيث أضحى ال كوني استعمالا لفرض
الهيمنة على الشعوب المستضعفة واستغلال مقتدراتها باسم قيم كوني ّة وباسم خلط بين ال كونيّ والعالَمي مم ّا حو ّل
القيم إلى أدوات حرب مثل مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان .توظيفات اقتصادية ،أي استثمار اقتصادي
إقامة تواصل نفعي ليس الهدف منه التعقّل وإنّما عقلنة مفضية إلى الاستلاب مم ّا يؤسّس لدكتاتور ي ّة السوق.
ال كوني :هو ما يتعل ّق بنظام ال كون أي ما يجمع بشكل مشترك بين اختلافات تجد عناصر موحّدة لها ،فهو جملة
من التوافقات تنطلق من تفاوض ضمني بين الثقافات ينتهي إلى ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي.
فال كونيّ هو الح ّد الأدنى المشترك الجامع بين الإنساني ّة وهو لا نتعقّبه في الإنتاجات المادي ّة وفي الأدوات بل
ن الأدوات هي الضامن لانخراط ثقافة ٍ م َا في ال كونية أي امتلاك نفس المنتجات المادية هو الذي يؤسّس
أي أ ّ
لثقافة كل ّية بقطع النظر عن الهو ية الشخصية والهو ية الاجتماعية والثقافية بحيث تصبح الهو ية ُّ
تمل ّك ًا وليست
كينونة ،إذ يمي ّز إير يك فروم بين دلالتين للهو ي ّة :دلالة الذات ودلالة الأنا.
ل على ذاتي.
كمادّة ،أي أمتلك ذاتي كما أمتلك أشياء تد ّ
دلالة الأنا هي وضعية كينونة ووجود تتحدّد كانخراط في وضعي ّة ،إنّها شكل داخلي صرف ← ال كوني بهذا
ن العالمي هو ما يُحيل إلى التمل ّك ،إذ ليس لأنّنا نملك نفس
التمييز ال كوني ليس الأدوات وليس تملكا في حين أ ّ
ال كوني هو ما يكون عامّا وما يتجاوز الاختلافات وما يكون مجال توافق فهو ما يتعل ّق بالإنسانية.
أنفسنا :نقول الشيء نفسه أي عين ُه ُ أي ما به يكون الشيء ه ُو َ ه ُو أي الهو ي ّة أو الخصوصي ّة.
ن فهي معيار انتماء وفقها ترى (مجموعة) جماعة ثقافي ّة م َا ذاتها وهي
أنفسنا تعني هويّتنا أي الصورة المطلقة للنح ُ
قيمة +ضرورة التمييز بين الهو ية الشخصية والهو ية الاجتماعية والهو ية الثقافية ← يجب أن ننقذ أنفسنا من
ال كوني لأن ّه انزاح عن كوني ّته لصالح العالمي أو ليفسح المجال أمام العولمي .ننقذ أنفسنا نظرا لمخاطره وننقذه نظرا
لفوائده.
179
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الفرابي :في الحاجة إلى الآخر واعتبار الآخر كأفق لتحقيق ال كمال المادّي والمعنوي وفي بيان أشكال الاجتماع
مونتاني :في بيان كيفية تجاوز صراع الخصوصيات عبر فضح أسس وتعلا ّت الذوق الفاسد الذي ينظر إلى الآخر
كهمجي وال كشف عن آليات الفكر المتعصّ ب من أجل إبراز قيمة التسامح واعتماد العقل والحقيقة كمعيار للحكم ولا
أن نحاكم المغاير انطلاقا من ذواتنا وثقافتنا وتثمين التنو ّع من جهة ما فيه من متعة.
إدقار هوران :في الهو ي ّة المركب ّة والوحدة داخل التنو ّع والتنو ّع داخل الوحدة.
********
المقدّمة: .I
ن الح ّد الفاصل بينهما هو العقل ،إذ يُنسَب
كلما طرحت مسألة التمييز بين الخصوصية وال كونية إلا ّ وتكر ّر القول بأ ّ
ويرتبط بتصو ّر عقلاني حول الوجود وحول الذات وحول الآخر بحيث يوجد
ُ عادة إلى ال كوني صفة التعقّل
معيار يسمح بالارتقاء إلى مستوى ال كونية يتمث ّل في التصو ّرات العاقلة وفي القدرة على نسج رموز وقيم وأدوات
وليس مشكلا ً .في حين النظر بعمق في مفهوم ال كوني يكشف عن تورّط هذا المفهوم في توظيفات اقتصادية
مشكلا يُطر َح بإلحاح في الفكر المعاصر ،بحيث يتماهى بشكل خادع مع العالمي ويتجاور بشكل ممو ّه مع العَو ْلمي ولا
180
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ال كوني؟
-وماذا لو تحو ّلت المحافظة إلى تَح َُّ ّفظٍ والأصالة إلى أصولي ّة ،حينها يستدعي الأمر إنقاذ أنفسنا من الخصوصية؟
-ألا يستدعي الأمر فكرا مركّبا يجمع بين الخصوصي وال كوني في هو ي ّة مركّ بة تنقذنا وتنقذ ال كوني؟
بطرف
ٍ ن العقل يكون أمام مفارقة لا تستقيم عملي ّة الجمع بين طرفيها ،إذ الأخذ
حين يتعل ّق الأمر بتعارض فإ ّ
يستوجب عدم الأخذ بالطرف الآخر لأن ّه يوجد تناقض عميق لا يسمح بالتأليف بين النقيضين إذ من الواجب
الشيء حياتا بعد موت محتوم .فالإنقاذ عملية إحياء أو إرجاع إلى الحياة ما كان سيؤول إلى الموت ،وهو أيضا
إخراج ال كوني من الأزمة التي لحقته تحت تأثير الاستعمال الأداتي والتوظيف الاقتصادي والاستثمار السياسي
لمفهوم الكلي ،لهذا فعملي ّة الإنقاذ تستوجب نقدا لل كوني بغرض التأسيس ل كوني مفيد حضار يا ونافعا سياسيا
وقي ّما وصالحا أخلاقيا أي ضرورة التحول بال كوني من وضع سيء إلى وضع أفضل وانتشال المشترك الإنساني
مم ّا يستوجب الارتقاء به إلى المنزلة الجدير بها بوصفه أساسا للوجود معا وللعيش المشترك والوصل وليس الفصل.
ن ما يدفع إلى إنقاذ ال كوني هو الوضع السلبي والمتأزّم الذي جعله لا يفي بوعوده ولا يحقّق مطالبه ولا يرتقي
إ ّ
ل وجاهة إيتيقي ّة ،بل إن ّه قد أضحى عامل تهديد وتشتيت وانفصال بحيث
إلى مستوى الرهان الإنساني وفقدانه لك ّ
يصبح فعل الإنقاذ فعل التزام ينبع من مسؤولي ّة تذود ُ عن المشترك وتؤسّس للتواصل وتحاول الخروج من
ن ال كوني مفهوم مُه ّدد لأن ّه لم يعد يتغذّى من روافده المخصوصة المتمثلة في الاختلاف والتنو ّع وإنقاذه يعني
إ ّ
دعمه بالخصوصيات كاقتضاء لتنمية الكل ّي .ال كوني بصدد الانهيار إذ هناك محاولات للالتفاف عليه وتوظيفه
مم ّا أدّى إلى مخاطر فكر ية تتعل ّق بالحقيقةكمُلاءَم َة وبالنمذجةكتوحيد يصوغ براديڤم وحيد يسو ّغه ويسو ّقهكنموذج
ولرفض الآخر وللتخفيض من ال كوني لدرجة الصفر ومم ّا جعل الإنسان أسير هذه الأدوات التي أضحت تمتل كه
181
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
والتي تؤسّ س لمجتمع السوق ومجتمع المشهد ،توظيفات سياسية إذ ال كوني استعمالا لفرض الهيمنة وقدرة على
تحو يل القيم ال كونية إلى تعلا ّت حرب مثل مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان ،كما لا يخفى عن المتأمّل
التوظيفات الاقتصادية لل كوني الذي حوّله إلى حج ّة في التسو يق من أجل إقامة تواصل نفعي ،الهدف منه ليس
التعقّل بل عقلنة مفضية إلى الاغتراب والاستلاب والمؤسّ سة لدكتاتور ية السوق وفق تعبير هابرماس.
لهذه الأسباب وغيرها يجدر بالإنسان حماية ال كوني لأن ّه مطلب إنساني وقيمة ومعيار أو هو ما يجمع بشكل
مشترك الإنسانية أي مجموع العناصر الموحّدة للبشر وهو جملة توافقات تنطلق من تفاوض ضمني بين الثقافات
ينتهي إلى ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي .إ ّن ال كوني هو الح ّد الأدنى المشترك الجامع بين الإنسانية وهو لا نحصل
عليه في الإنتاجات المادية بل نتعقّبه في مستوى قيمي وحضاري ،فال كوني لا يتأسّس على الأدوات أو تقنيات
الاتصال والبث بل هو مضمون إيتيقي وشرط تواصلي وم ُقتضى عقلي يسمح بلقاء الإنسان بالإنسان دون تحفّظ مم ّا
ول كن هذا التقر يظ (تمجيد) لل كوني لا يجب أن يحجب عن ّا مخاطر تدفع إلى حماية أنفسنا ،إذ ال كوني خطير
وهو مناقض لمطالب الإنسان المخصوصة ومحطّم للهو يات لأن ّه يؤسّ س للذات كتملّك حيث يسعى الفكر ال كوني
الذي يؤسّس لثقافةكلي ّة في حين أن ّه ليس لأنّنا نمتلك نفس الأدوات فإنّنا نقيم في نفس الثقافة ،بل رغم تماثل
الأدوات فالهو ية مختلفة وعيب العالمي يتمثل في التأسيس لهو ية تقوم على الأشياء ،إذ يمي ّز إير يك فروم بين
إن ّه إدراك الذات بشكل خارجي صرْف ويتحو ّل دوري الاجتماعي إلى تمدية فأكون مُم ّدى إلى درجة أن أمتلك
ذاتي كما أمتلك الأشياء .في حين دلالة الأنا هي وضعية كينونة ووجود ،إنّها وضع يكون فيه الإنسان نشيطا
وحي ّا ،إنّها كيفية في إدراك الذات لذاتها بشكل داخلي صرف .لهذا حريّ بنا إنقاذ أنفسنا مم ّا يشير إلى الذات
سعْيَي ْن متناقضين إذ أنقذ ُ ال كوني أضح ّي بالأنا كهو ي ّة مخصوصة اجتماعية وثقافية ،وحين ننقذ
يوجد تعارض بين َ
182
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
فأيّ إحداثية تساعد على مقاربة ال كوني بوصفه خطرا وخطيرا في آن واحد؟
ن ال كوني مفهوم ملازم للتاريخ الإنساني ،إذ انخرطت فيه كل الفلسفات فنجد جذوره في الفكر الإغريقي كما
[إ ّ
في الحداثة وبالطبع في ما بعد الحداثة .وقد شكّل ال كوني حقل التفكير الفلسفي بامتياز] .إذ هناك مخاطر ت ُّ ّ
حف
ن ال كوني مهدّد
بال كونية نجد صداها في كتابات مونتاني حيث ينبّهنا إلى الصراع بين الخصوصي وال كوني و يعتبر أ ّ
بفعل التعصّ ب ،إذ التعصّ ب داء ٌ يصيب الإنسان في ُصي ّره قو ّة عمياء هم ّها الوحيد تأكيد ذاتها على حساب الغير
وهو أداة استعمال يجري التلاعب بها لخدمة أغراض وتحقيق منافع ،ونتائج التعصّ ب تحطيم ال كوني كإنساني
وتنمية الحيواني في الإنسان متمث ّلا في العنف والحرب والإقصاء ،لذلك يدعو مونتاني إلى المراهنة على الإنسان
وتحصين الفكر بحيث يكون إنقاذ ال كوني هو إنقاذ الإنسان من الإنسان أي إنقاذ الإنسان من ذاته.
يلاحظ مونتاني وجود نزعة إقصائي ّة تقوم على الاستعلاء وتقي ّم المختلف بمعايير ليست معاييره ،إذ تعتبر الآخر
همجي ّا وفق معيار حكمها الذ ّوقي والأخلاقي الم كتسب داخل ثقافتها فيصبح الهمجي هو المختلف عن عوائدها،
ن المعقول واللامعقول يخضع دائما إلى تقويمات ثقافية تنخرط في أحكام قيمة ٍ لذلك عادة ما يتم ّ تصنيف
إذ أ ّ
المختلف بالهمجية .وهذا الحكم ينبع من ذوق فاسد يُخرج الآخرين من النظام الطبيعي بدعوى الثقافة إذ يع ُوقنا
عن إدراك الآخر في خصوصي ّته وتفر ّده و يقدّم لنا وصفة للحقيقة ورسما لجغرافية العقل فنسق ُُط في الاعتقاد في
ن نعت الآخرين بالهمجي ّة يستند إلى معيار وليس حكما قائما على العقل والحقيقة لذلك فهو اعتقاد بغيض يتناسى
إ ّ
الحاجة ينشأ أفقا للتبادل من أجل نيل ال كمال العملي في مستواه المادي وال كمال النظري في مستواه القيمي.
ٍ
اجتماع إنساني تتكامل فيه المدنيات والاجتماعات ،إذ رغم الترسم التفاضلي ولا يحصل ال كمال إلا ّ في أشكال
183
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أخرى ومم ّا يؤسّس لوحدة الإنسانية ومم ّا يجعل المدنية رهانها تحقيق السعادة والفضيلة التي لا ت ُدر َك بالعزلة
فماذا يترت ّب عن هذا الخوف على ال كوني والخوف من ال كوني من نتائج وإحراجات ؟
184
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
المفاهيم).
منهجيا:
• ر َصد تحو ّل المعنى أو المفهوم أو الدلالة وبيان السجلات التي آلت إليها اليوم.
• الحدود.
185
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-3تحديد المفاهيم:
ال كونية :ال كوني ما يتعل ّق بنظام ال كون إذ معنى من معاني ال كون هو المتعل ّق بالوجود ومبحث الفلسفة كما
ن الاهتمام الأنطولوجي
يحدّده أرسطو هو مبحث الوجود ،و يحيلنا البحث في الوجود إلى مبحث الإنسان أي أ ّ
ن
ل على فكرة مطلقة أو مفهوم مجر ّد ويتعل ّق بماهية ثابتة أي أ ّ
يجدر التمييز بين الإنسان والإنساني ،فالإنسان يد ّ
ن
كماهية بل كظاهرة متغي ّرة ديناميكية ← سؤال ما الإنسان يروم الوقوف على الثابت في الإنسان في حين أ ّ
سؤال من هو الإنسان يبحث في المعنى كاختلاف وكخصوصية .يعني ذلك أنّنا إذا تطل ّعنا إلى فكر ميتافيز يقي ننتهي
إلى نفي الخصوصيات وتصبح ال كونية مطلبا مناقضا للخصوصي الإنساني ،أمّا إذا تطل ّعنا إلى نمطٍ في البحث
التار يخي الواقعي تصبح ال كونية إستراتيجيا تتعاضد كل الخصوصيات من أجل بلوغها أي تصبح ال كونية هي
هناك إمكانيتين :إمكانية تعر يف ال كونية بوصفها الإنسانية مطلقا وبشكل مجر ّد يتناسى الكائن الإنساني فنسق ُط
حينها في ضرب من التجريد ونعجز عن فهم الموجود في اختلافه وفي كثرته وتعدّده ،وهذا هو مضمون
إمك انية تعر يف ال كونية بوصفها ما يُنتجه الإنسان واقعيا وتار يخيا في علاقة تواصل مع الآخرين كإنسان يدرك
المشترك أو الح ّد الأدنى الذي تلتقي فيه الخصوصيات ،عندها تصبح ال كونية تنبع من الخصوصيات ولا تُقصيها،
ن تعر يف ال كونية مجال تضارب تحكمه رهانات ،رهان ميتافيز يقي لا يبحث في المختلف بل ينشد الوحدة
إ ّ
مم ّا يثري الواقع ومم ّا يفس ّر لنا تعدّد الأنظمة الرمزية وتنو ّع الثقافات.
186
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
بالشأن الإنساني ،لهذا يجدر الانطلاق من منهج تار يخي واقعي يستدعي الكائن ،يعي شروط وجوده و يؤسّ س
ال كونية تُفه َم في اتجاهين :اتجاه توحيدي يتمسّك بما ينبغي أن يكون فيتغاضى عن الكائن +اتجاه اختلافي
يثم ّن التنو ّع ويرفعه إلى مستوى القيمة و يجعله مقيما وقائما وقيّم ًا.
يوجد جسد موضوعي بوصفه مجموع الوظائف الحيو ية والذي يدرك من خارجه بل يوجد دائما جسد خاص لا
حقيقته مثل اللون أو الجنس أو الانتماء ← ما يحدّد الإنسان بصفة جوهر ية وكونية هو العقل بوصفه عامل
هذه ال كونية الأولى في مستوى وجود الإنسان ولّدت كونية ثانية في مستوى الحق أي الن ّظر إلى الذات كذات
كونية أولى في مستوى تمث ّل الإنسان أنتجت كونية ثانية في مستوى الحقوق ،مم ّا يعني وجود معنى ثالث
ل إنسان مم ّا يعني التسليم بحر ية الإنسان وإرساء النظام السياسي على أساس عقليّ مم ّا دفع ب كانط إلى
ذاتنا في ك ّ
الحديث عن الحق ال كوني كحق دائم وغير متناقض ولا يرتبط بما هو جزئي وخاص ،يرتبط بالإنسان في جوهره
ل البشر دون استثناء .مثل هذا التصو ّر للحق ال كوني جعل كانط يرفض أخلاقو ي ّة
وليس في مظاهره ويشمل ك ّ
المحب ّة التي أساسها عاطفي وغير دائمة وتتغي ّر بتغي ّر نظرتي للآخر وهي حق لأشخاص وليس حقّا لك ّ
ل البشر ترتبط
بمظهر وبظرف.
ال كونية في مستوى الحق تراهن على إنشاء دستور كوني أساسه التماثل في الإنسانية.
187
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
تُفه َم ال كونية في معنى رابع بما هي كونية في مستوى سياسي بحيث لا توجد معارضة بين السيادة والمواطنة،
أي لا يحدث تغيب للمواطنة من طرف السيادة كسلطة والعلاقات الدولية تضع في اعتبارها الإنسان كمواطن
ال كونية تتعدّد دلالاتها وسجلات حضورها ،فهي كونية مساو ية للإنسانية ،وهي كونية مساو ية للعقل في
فكر الحداثة ،وهي كونية تعني الحق ،وهي كونية ترتبط بالحقل السياسي وتطمح إلى إنشاء مواطن كوني ،وآلت
ال كونية اليوم إلى كونية تعاقدية مع جون راولز ،وعقل تداولي أداتي مع هابرماس يطمح إلى الصلاحية ويتسل ّح
بالحج ّة الأفضل وليس الحج ّة الأسلم ،فاستحالت الحقيقة ضرب من الاعتقادات المُفضية إلى الصلاحية وكفّت
الحقيقة عن كونها يقينا بحيث يتم ّ الاستغناء عن منطق القو ّة وحتى عن قو ّة المنطق للتسل ّح بالحوار والتوافق،
ن هابرماس في نظر ية العقل التواصلي يُخفّض في معايير ال كونية إلى درجة الصفر و يعتبر ال كوني هو ما
أي أ ّ
يتعل ّق بالحر ية وال كرامة الإنسانية وحرمة الفرد بحيث أضحى ال كوني ضحلا ً ل كي يستوعب الخصوصيات مم ّا يعني
ن المعايير كونية.
مجتمع إلى آخر في حين أ ّ
بين الأفراد ،ل كن مع تغي ّر في دلالة العقل ،إذ يعود هابرماس إلى الحداثة عكس راولز الذي يعود إلى التعاقد.
ل كن العقل يكتسب معنى جديدا كعقل تداولي وأداتي أساسه التوافق والحوار حيث معيار الصدق ليس
الخصوصية :تعني الاختلاف أو الهو ي ّة أي ما يمي ّز فضاء عمومي ّا بعينه ،إنّها المشترك ليس إنسانيا وإنّما اجتماعيا.
فالخصوصية هي كيفية لإدراك ثقافة م َا مخصوصة وفق رموزها وعلاماتها من الخارج وتصو ّرات ورؤى أو بنية
الخصوصية ثقافية بالأساس وهي الح ّد الأدنى المشترك بين أفراد المجتمع مثل رؤ ية العالم أو القواعد العامّة والقيم
والكليات والمُث ُل ،أي رموز التبادل القيمي ومعايير التفاوض الاجتماعي الضرور ية الجامعة للمجتمع ككلّ.
فالخصوصية تعني الهو ية الثقافية أي ما تنفرد به جماعة اجتماعية بعينها ،إنّها الثقافة أي نمط الحياة وشكل الوجود
188
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
وما يؤسّس لخصوصية ما جملة عوامل أهم ّها المحدّدات البيئي ّة +العناصر الم كو ّنة للفضاء +التبادل الإنساني +
اللقاء التار يخي مع الآخر +تباعد المسافات جغرافيا والتجاور أيضا إذ العزلة كما التجاور تنم ّي الاختلاف
والخصوصية.
إقصاء :عدم الاعتراف +التهميش +الرفض +عدم الرغبة في اللقاء +توت ّر في مستوى العلاقة تفضي إلى
ال كونية تكون إقصاء للخصوصية في حالة الاعتقاد الميتافيز يقي في ماهية ثابتة وجوهر م ُسب َق.
ال كونية تكون اعترافا وانفتاحا على الخصوصية في حالة التسل ّح بمنهج تار يخي واقعي يدرك الإنسان كظاهرة
وكمعنى مختلف.
علاقة ال كونية بالخصوصية تتراوح بين الإقصاء حينًا والاعتراف حينًا آخر .مردّ الإقصاء هو تحو يل
ال كوني إلى تعلّة ،مطي ّة للاستعمال وتحت تأثير العالَمي وتضخّم الاتصال والتوصيل وتبادل المنتجات دون انفتاح
للقيم .تكون علاقة ال كونية بالخصوصية علاقة اعتراف متبادل عندما تكتفي بالح ّد الأدنى من الأدوات وتتجاوز
البث والتبادل البضائعي نحو تبادل إنساني ،قيمي وأخلاقي ،أي عندما تمر ّ من منطق العولمة أو من ثقافة العولمة
-4تحديد المرجعيات:
-إير يك فروم في تحديد مفهوم الخصوصية كهو ي ّة.
-كانط في بيان كونية الحق وإنشائه على العقل وليس على المحب ّة.
-راولز في بيان الأساس التعاقدي لل كونية والحديث عن المجتمعات اللائقة والتمسّك بالعدالة كمفهوم كوني.
-هابرماس في بيان الفرق بين القيم الخصوصية والمعايير ال كونية وال كشف عن تغي ّر معنى العقل ال كوني من
189
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
البشري وإتحاده .الن ّظر في دلالة الموضوع يجعلني أركز في مسألة التعدّد
-التعدد الثقافي يفهم في بعده الكم ّي والنوعي .الكمي من حيث كثرة الوسائط والرموز وتزايدها والنوعي من
-وحدة الغاية والرهان والقيمة وتعدّد شكال إجلائها وتجسّدها ثقافي ّا.
190
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-وحدة العقل ككونية أولى هي المولدة لوحدة الحقّ ككوني ّة ثانية ورغم هذه الوحدة يُوجد تنو ّع في كيفي ّات
-الانساني ّة موحدة من حيث المشروع وهو التحر ّر والقدرة وتختلف في سبل تجسيد هذا المشروع والتعبير
-ل كن أليس في الوحدة ما قد يسقطنا في دغمائي ّة النموذج والثقة في نموذج وحيد فنكف عن تقر يظ التعدد
<=> الاختلاف قارب نجاة و سفينة عبور لتحقيق وحدة فعلي ّة.
-3تحديد المفاهيم:
▪ الت ّعدّد :ضرب من ال كثرة و التباين في مستوى الطبيعة والانسان ،أي التنو ّع القائم داخل الأشياء والقيم
الت ّعدّد خارجي من شيء إلى آخر وهو تعدّد داخلي في نفس الشيء وفي بنيته الداخلية.
▪ الثقافات :توجد دائما في صيغة الجمع وال كثرة لأن قدر الثقافة الاختلاف وتعني الثقافة جملة الرموز
ورؤيتنا للعالم ،إنها نمط وجود وتمث ّل للعالم وكيفي ّة حياة ،هي ما يحمله الفرد من معارف وتقنيات وأشكال
تعبير يكتسبها داخل الوسط الثقافي الذي ينتمي إليه .إنها ما يمي ّز الانسان عن الحيوان في مستوى رمزي
مثل اللغة و الدين والتقنية والعمل وما يمي ّز جماعة إنساني ّة عن أخرى في مستوى اشكال الر ّموز والممارسات
▪ عــــاــئق :ما يحول دون و ما يمنع وما لا يترك مجالا و ما يقطع الطر يق أمام غاية الحضارة.
و العائق في سياق الموضوع هو جملة عراقيل لا يسمح بتحقق وحدة الانسانية وهي عوائق ذات طبيعة
إيديولوجية و سياسية وترتبط بالسوق مثل العولمة كنمط وجود يقوم على التبادل السلعي وينفي التبادل
الثقافي +ديكتاتور ية السوق بما تعنيه من انكار للقيم +الهيمنة والإستعمار كآلية لطمس الاختلاف و للد ّمج
الثقافي.
191
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
توجد كذلك عوائق بنيو ي ّة مثل التعصب والاعتقاد في مركز ية الثقافية والمركز ية الإثنية واعتبار أن م ُدوّنتنا
▪ وحدة الإنسانية :هي افتراض ان الانسان واحد من حيث هو كائن عاقل وذات مشرعة ،أي وحدة العقل
كوحدة أولى وأوّلي ّة تؤسس لوحدة ثانية وهي وحدة الحق كقيمة قصوى وعليا.
ن
ن الثقافات في اختلافها تسعى إلى تحقيق غاية هي الوحدة التي ينشدها البشر في مستوى الحق أي أ ّ
أي أ ّ
حقوق الانسان من كرامة وحر ية وحرمة الشّخص الجسدي ّة والنفسي ّة والعدالة وحق الاختلاف دون
ما يوحّد الإنساني ّة هي العقل من جهة أنه جامع مشترك بين البشر والقانون من جهة أنه الشكل الاسمي
للتعبير عن هذا العقل والعيش المشترك كحكمة ينشدها هذا العقل والحوار بين الثقافات كسبيل إلى الوحدة
▪ ادغار موران :الوحدة في التنو ّع و التنوع في الوحدة إستنادا إلى الأساس البيولوجي للتعدّد والأساس الثقافي.
▪ مونتانيو :رفض التعصب والدعوة إلى وحدة تغتني بالاختلافات ← أنا المختلف +يجب تشكيل أنفسنا على
▪ هابرماس :اعتبار العقل مرجع في كل عملية توحيد واعتبار الوحدة المنشودة بين البشر هي ثمرة جهد
192
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• المقدّمة:
يمكن الانطلاق من المفارقة التي تجعل واقع إنسان العصر الرّاهن ممز ّق بين ضرورتين ملحّ تين ل كنّهما تبدوان
متناقضتين وهما ضرورة ال كونية ووحدة البشر ية من جهة وضرورة الحفاظ على الت ّعدّد الثقافي وتنو ّع الحضارات
الت ّأكيد على أن هذه المفارقة تضعنا في مشكل التعدّد والوحدة بما هو ثقافي إنساني أنتربولوجي الأمر الذي
يستدعي الإضطلاع بمهمّة معالجة طبيعة العلاقة بين ضرورة الحفاظ على ماهو كل ّي وعدم القطع معه أو اليأس
منه وبين ضمان الإعتراف بالثقافات المختلفة في تعدّدها وتنو ّعها وفرادتها وخصوصتها.
وما الذي يبر ّر إعتباره عائقا أمام وحدة الإنساني ّة؟ أو ليس في مثل هذا الإعتبار ما يفترض إستبعاد التعدّد
• الجوهر:
• لحظة اولى :الن ّظر في التعدّد الثقاــفي ومبر ّرات اعتباره عائقا أمام وحدة الانساني ّة وذلك بــ:
وتبيّن ما ينطوي عليه كمطلوب مركزي يمث ّل وحدة ناظمة متمثّلة في النظر في دلالة التعدد الثقافي ووظيفته
-إستخراج ما ينطوي عليه السؤال من بعض المفترضات الضّ مني ّة التي يمكن أن تُع ّد بمثابة المسلّمات المنطقي ّة
لمعالجته.
193
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أن الثقافة لا تتجلّى في صيغة وشكل واحد أحدٍ وإنّما في صيغ متباينة هي ممكنات وجود لهذا الإنساني وتعيين
د -مبر ّرات اعتبار التعدّد الثقافي عائقا أمام وحدة الانساني ّة :وذلك ببيان:
-الوقوف على ما تفيده كلمة عائق من معنى الحاجز الذي يحول دون أو يعرقل مطلب ال كونية بما هو وحدة
الانسانية.
-ال كشف عن ما ينبني عليه هذا الاعتبار للتعدّد كعائق من مفترض ضمني يسل ّم بأن الوجود واحد في صيغة
إنه تاريخ بارمنيدي يبرهن على الوحدة دون تعدّد وينظر للهو ي ّة على أنها هو ية بسيطة ونجد في الصياغة الديكارتية
للجوهر المفكر او ال كوجيتو بساطة قاتلة للتنو ّع مم ّا يجعل من الهو ي ّة هو ي ّة تطابق للماهو هو المتطابق مع ذاته منطقيا
ومشتقات ومكملات ومتممات مبدأ الهو ية من تماثل وعدم تناقض وثالث مرفوع ورفض للاختلاف داخل
أو خارج الذات والثقافة وهو يستبعد قسمة الواحد أو تكثره إلا على نفسه وهو ما يفضي إلى تصو ّر أنطولوجي
أساسه التطابق الرافض للت ّنو ّع وهو في علاقة بالانتربولوجي القائم على توحيد تدجيني ينكر الاختلاف والمفرز
إنطولوجيا وأنتربولوجيا و إبستمولوجيا وبالأخص أكسيولوجيا في مستوى قيمي أعتبر الت ّعدّد تشو يه للإنساني.
ل تفكير أحادي واحدي بماهو تفكير اختزالي بتعبير "موران" يختزل ال كثرة في الوحدة ولا يرى
=> إن ّه حال ك ّ
ه -مظاهر اعتبار التعدد عائقا أمام وحدة الانسانية :وذلك بال كشف عن:
-المماهاة بين مفهوم الحضارة العالمية والحضارة الغربية وما أفضى إليه ذلك من نزعات توسّ عي ّة إستعمار ية.
-ثقافة العولمة بما هي ثقافة إنتصار الفكر الوحيد على الفكر ال كوني.
194
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-التعدّد كوضعي ّة لم يتم ّ الوعي بها و إدراك مآثرها مما يسقط البعض في ريبي ّة ثقافي ّة تفتقر لكل وحدة.
-صدام الحضارات الذي يرى في الت ّعدّد خطر على وحدة الانسانية ومعطلا لمسارها وهي قراءة تبر ّر الحرب
-بعض التوظيفات التي تستعمل ال كوني كأداة تلطيف للصراع وتستخدم قيم ال كونية لخدمة السوق والعولمة
فتحو ّل قيم العدالة والديمقراطية والحر ية وحقوق الانسان إلى آليات حرب و أدوات إستخدام.
-النظرة الخارجي ّة للتعدد والاختلاف التي تحصر الاختلاف في الآخر وتراه مختلفا في حين أنني أنا المختلف
فالاختلاف داخلي.
-أن يجثم الانسان على إختلافة فيحوّله إلى معيار امتياز وتفاضل في حين لا تفاضل بين الثقافات موقف يقوم
على مفترضات ضمني ّة هشّة و يفضي إلى استتباعات خطيرة ترفع الواحد إلى مرتبة الحقيقة وتنكر كل ما عداه
وفي ذلك ما يؤدّي إلى موت الثقافات سواء المغلوبة أو المنتصرة فكل الثقافات مهدّدة.
أ -الت ّعدّد طبيعي :النظر إلى الطبيعة بما هي مجال تعدّد.
▪ التعدّد ثقافي :ما يمي ّز الثقافة داخليا تعدد روافدها وتكثر مكوناتها واختلافها الخارجي عن الثقافات الأخرى.
▪ التعدّد في الوحدة والوحدة في التعدّد :رفض التصو ّر الاختزالي للثقافة وللهو ية.
▪ رفض الهووي وتجاوز المطابقة نحو إقرار الاختلاف كمقتضى وشرط وقيمة (لفي ستراوس)
تعاون وتضافر الخصوصيات لتحقيق رهانات السعادة والفضيلة أي بلوغ ال كمال المادي وال كمال المعنوي ▪
<=> رؤ ية الطبيعة كمثل أعلى ايتيقي يجب محاكاته وتعلم حكمة العيش مع ًا.
مركبا.
195
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
▪ عملي ّا :التأسيس لايتيقا مركبة تجمع بين أن نفك ّر جي ّدا وأن نفعل على نحو جي ّد أي أن ندرك أن الاختلاف
قائم ومقيم فينا وقي ّم من جهة الدعوة إلى العيش المشترك والحوار.
ج -اعتبار أن الإختلاف إثراء وليس تفقيرا لما فيه من متعة ومعرفة لأن إزدياد معرفتنا
د -افتراض أن الت ّاريخ يحقّق غائي ّة هي الإعتراف بالآخر وتجاوز الاختلافات نحو وحدة تلوح
كغاية وكأن صيرورة التاريخ محكومة بهدف وهو ما يحتاج إلى كثير من التظنّن.
لحظة ثالثة :في الت ّظنّن على الد ّعوة إلى وحدة الانسانية والتفطّن إلى إمكاني ّات توظيفها ض ّد التعدّد وذلك •
أ -إن المجتمعات المعاصرة اليوم لا يُنظر إليها من زاو ية ما تحمله من تنو ّع وامكانيات إغتناء وإغناء وإنّما
من زاو ية النجاعة والفائدة حيث أن النجاعة صارت محطّمة للقيم وللاختلاف.
ب -قد تستعمل وحدة الانساني ّة كاداة لمزيد التدخل في الشعوب وتحديد مصيرها وإعادة التحكم فيها
-المنظمات العالمية اليوم والشركات والبنوك في خدمة فكر واحد ونمط رؤ ية وحيدة وهي رؤ ية شديدة
▪ الراهني ّة :إن واقع الثقافات اليوم مهدّد تحت تأثير الصورة المحطمة للوعي وتحت تأثير عولمة متوحّشة وهو ما
هي أزمة العقل وأن العقل قادر على ابتكار طرق تجاوز المهم أن لا نيأس من الانسان وأن نراهن على
التربية لأن الانسان انشاء تربوي كما يؤكد كانط ،تربية قوامها الحوار والاعتراف المتبادل والحجة وبذلك تصبح
• الخاتمة:
يتوضح أن الإنسان بقدر تجذّره في الخصوصي بقدر حاجته إلى ال كوني وأن البشر ية تختلف في أشكال تعابيرها
ل كنها تلتقي في الغائية المحركة لوجودها وتأكّد أيضا أن التعدّد شرط كل وجود وأن تقدّم الإنساني ّة يقتضي
196
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
للكل ّي.
=> كل ّما ازدادت معرفتنا بالإختلاف والتنوع وال كثرة التي تحكم واقع الثقافات إزدادت معرفتنا بأن ال كوني
-إدراك ما في الطبيعة والمجتمعات من تنو ّع بيولوجي ورمزي وثقافي يستدعي الوعي به وإدراكه وتدب ّر غاياته.
-افتراض أن ثقافتنا بمفردها لا تشكل الكلي بل هي شكل من إشكاله وتعب ّر عن مظهر من مظاهره وأن الكلي
ن الآخر الثقافي هو موضوع معرفة مم ّا يستوجب الذهاب إليه وطلب لقائه والسعي إلى إكتشافه
-ال كشف عن أ ّ
197
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-ال كشف عن المسلّمة الضمني ّة للموضوع والمتمثّلة في تخطّي المركز ي ّة الثقافي ّة والإثنية وتجاوز معنى الأفضلية
نحو الإعتراف بالتنوع الإثني والثقافي والرمزي وإدراك ما فيه من متعة وإثراء ولذ ّة إستكشاف.
-3تحديد المفاهيم:
▪ نعرف /المعرفة :فهم الظواهر بما هي عليه وتأو يلها وفق منظور ية تسمح بالوقوف على خاصيتها ،ومعرفة
الثقافات تفضي إلى إدراك أميز ما يمي ّزها وهو التنو ّع.
▪ الثقافات :إشكال وجود في العالم تتضمّن أنماط تعبير وتكيف ،وتشمل ماهو مادي من وسائل وأدوات
وتقنيات وماهو رمزي من نظم معرفة وقيم ورؤى للعالم ورموز تعبير عن روح الجماعات الاجتماعية وهي
▪ مختلفة /الإختلاف :هو خاصي ّة ممي ّزة للعالم وللانسان أي الوجود بماهي وحدة تتضمّن ال كثرة – الاختلاف
▪ الكل ّي :هو ال كوني بما هو إنساني ،إنه جملة القيم المشتركة ،المشترك بماهو موجود في كل واحد .إن ّه الإنساني
مشت ّتا وموزعا في الر ّموز والممارسات المتنو ّعة .إنه موضوع معرفة ومشروع موكول لكل إنسان إنجازه عبر
▪ ادڤاــر موران :واقع التنو ّع في الوحدة والوحدة في التنو ّع و أهمي ّة المعرفة المركبة والمنهج التركيبي لتخطّي
هابرماس :ضرورة تجاوز القيم المحلية والاجتماعية نحو معايير كونية تسمح بالانخراط في الكل ّي إستنادا إلى
ْ ▪
▪ كانط :الحاجة الأنطلوجية والثقافية لل كوني وافتراض أن الإنسان مسار وإنشاء تربوي يزداد ميله إلى الكلي
198
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• المقدّمة:
يمكن الانطلاق من مفارقة تطبع عصرنا الرّاهن وتمي ّز سياقنا التار يخي والمتمثّلة في تمز ّق وحيرة الانسان
المعاصر و انكفائه على ذاته وإنغلاقه على خصوصي ّته متعلّلا باكتفائها بذاتها واكتمالها وحيازتها للمطلق والكلي
والحاجة الماسّ ة إلى التعر ّف على أنماط مغايرة من الوجود الثقافي والإنساني من شأنه أن يدفع إلى مزيد التعر ّف
• صياغة الاشكالية:
-التساؤل عن مبر ّرات القول بالتناسب الطّردي بين مزيد معرفة الثقافات المغايرة وبين معرفة الكل ّي.
-التساؤل عن المفترضات الضمني ّة التي يقوم عليها التزايد أو التناسب والتساؤل عن شروط إمكان تحقّقه.
-التظنّن حول إمكاني ّة استخدام المعرفة بالكل ّي في الصّ دام السياسي وكيفية تحو ّل ال كوني إلى آلية تصنيف
• الجوهـــر:
• القسم التحليلي:
-ال كشف عن أن الآخر الثقافي هو موضوع معرفة وتدب ّر يتطلب الترحال إليه واكتشافه في تكثره.
-ال كشف عن الواقع الثقافي بماهو واقع التنو ّع والت ّعدد وإدراك ما في الطبيعة والمجتمعات من تنو ّع بيولوجي
وثقافي ورمزي وما يستوجبه ذلك من الوعي بقيمة الإختلاف وتدب ّر غاياته.
ب -معرفة الآخر تقتضي تجاوز مستمر ّ للمماثل نحو الأغيار الثقافية وافتراض أن ثقافتنا بمفردها لا تشكّل
199
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ج -إبرار ما تقتضيه معرفة الأغيار من تخطّي للمركز ي ّة الثقافية والإثنية والاعتراف بالتنوع الإثني والثقافي.
التساؤل عن:
إذا كانت معرفة الآخر ضرور ية وإذا كان الوعي بالآخر مُهمّا فكيف يتلازم
• الوقوف عند دلالة الكل ّي بماهو موضوع معرفة موضوعي ّة منهجها التركيب ورفض كل منهج تبسيطي يجهل
• الكل ّي يتجاوز كونه موضوع معرفة نظر ية ليكون مشروعا موكول إنجازه لكل إنسان فال كوني أو الكل ّي ليس
منطلقا بل غاية نصل إليها وليس هبة أو معطى لحظي خارج الزمن بل هو نتاج مسار عسير يعب ّر عن رغبة
الانسان في تجاوز ماضية اللاإنساني واعتبار ان حقوق الانسان والحداثة والتعقل والحوار والإعتراف
المتبادل هي تمثرة جهد تار يخي وثمار إنشاء تربوي دأبت عليه الإنساني ّة عبر تعلّمها من أخطائها ومشيّها على
جروحها.
• اعتبار أن كل تقدم في الزمن هو تقدّم في المعرفة وفي الاعتراف :معرفة تتكثر في المقاربات والمناهج
وطرق الفهم والتأو يل ورفض المعرفة الواحدة والمطابقة واعتراف مضاد لكل مركز ية مؤدية إلى الصنف
والحرب.
=> إيتيقيا هناك دعوة إلى التعايش على أساس الحكمة القائمة على التعاون والتبادل والنظر إلى أن العالم
=> الكل ّي ليس معطى بل بناء للعقل البشري وليس موضوع احتكار لثقافة بعينها بل مشروع انساني
ن تحقيق مشروع الكل ّي والإنساني يتلازم مع معرفة أكبر وأوسع بقدر الطاقة الانسانية وبقو ّة
ب -التدليل على أ ّ
200
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
=> تحو ّل معرفي إبستمولوجي ومنهجي :من معرفة التماثل والتشابه وتأمل وجه الذات والنحن إلى عرفة
مركبة بالاختلاف والتنوع وتأمل وجه الغير وهو ما يستوجب استعدادا للترحّل والسفر واستعدادا للبوح
والتحو ّل عقلا وممارسة من جوار إلى جوار والقدرة على دخول واستكشاف ميادين ثقافية متنو ّعة لتجاوز
وجه الذات ووجه الآخر نحو وجه ثالث بلغة ليفيناس أو الترحال بين اختلافات والتحو ّل من جوار إلى
ج -ابراز أن الكل ّي موجود فينا وفي ثقافتنا وأن الخصوصي لا يتعارض مع ال كوني بل يغذيه و يغنيه و يغتني
ويتغذّى به وبيان ما ينطوي عليه ذلك بتزايد الإعتراف كل ّما إزدادت المعرفة .أي بقدر ما نتتعر ّف على
ثقافات مغايرة بقدر ما نعرف الانساني وال كوني والكل ّي فينا وفي الآخرين.
د -التأكيد على أن إستقراء الواقع وال تاريخ يقيم الحج ّة على الارتباط الوثيق بين المعرفة بالمغاير والمعرفة بالكل ّي
وذلك بالتنبيه إلى أن المعرفة تطلعنا على اله َووي الذي يجب تجاوزه وعلى الهو ية التي يجب المحافظة عليها
أي الوقوف على انسانيتنا المشتركة رغم التمايز يقول بول ر يكور:
ومعنى ذلك أن هناك وحدة رغم ال كثرة وأن ال كثرة شرط ومقتضى أنطولوجي وايتيقي لكل وحدة فالكل ّي
=> كونية الإنسان المستندة إلى وحدة العقل وتكث ّر اشكال تعابيره وأنماط حضوره في العالم.
• النقــــــد:
-1المكاسب:
▪ تثمين منهج الفهم القائم على التركيب والرافض للتبسيط والإختزال.
▪ تثمين الفهم والتأو يل للكل ّي على أنه بناء ومشروع يُنجز في الزمن وفي علاقة بالمغاير وهو مرتبط بالعقلنة في مستوى
▪ تثمين قيمة التلازم بين معرفتنا للثقافات المتعدّدة ومزيد إدراكنا للإنساني الكل ّي بما يعنيه ذلك من تجاوز لكل
201
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
▪ تثمين تعدّد الأشكال واعتبار أن كثرة الأشكال والتعابير الثقافية ليس من شأنها أن تسقطنا في ريبي ّة وخوف
شكل جديد" فالتجديد الثقافي يلتزم بأسس للكل ّي لا يمكن تخطّيها مثل الحر ي ّة وال كرامة والعدالة وحقوق الإنسان
ال كشف عن أن معالجة مشكل الاختلاف ليس مشكلا معرفيا بقدر ماهو مشكل اخلاقي وفق تعبير ▪
ر يكور أي أن العمل يتعل ّق بالأخلاق والسياسة أكثر مم ّا يتعل ّق بالمعرفة فالضامن لمعرفتنا بالكل ّي ليس تزايد
معارفنا بقدر ما هو تزايد استعدادنا الأخلاقي للتعاطف والفهم والانفتاح على الآخر.
▪ المعرفة مجر ّد تقنية وتحو ّلنا إلى عارفين بالأغيار وبالثقافات المغايرة ليس عاملا ح َاسما في إدراكنا للكل ّي فهو
شرط ضروري ل كن ّه غير كاف إذ يقتضي الأمر دربة اجتماعية وسياسي ّة لادراك الكلي إذ كل شيء يرتبط
جذر يّا بالسياسة فلا تصلح المعرفة إلا ّ في فضاء سياسي يسمح باستخدامها على نحو خي ّر لذلك يدعونا إدڤاــر
موران إلى ضرورة "أن نفك ّر جي ّدا و أن نفعل على نحو جي ّد" أي ضرورة الجمع بين معرفة بالإختلاف وايتيقا
تقرظيه وتنميته وتعيش وفقا له أي يستدعي الأمر إيتيقا مركبة تصالح بين المعرفة والسلوك بين النظر والعمل
لأن عصرنا يتمي ّز بانفصال تام بين ما نعرفه وما نسلك وفقا له.
▪ التفطّن إلى أن ازدياد المعرفة بالكل ّي وال كوني يتم ّ استخدامه اليوم لتلطيف الصراعات بين الث ّقافات ولإخفاء
الاستغلال المادي باسم نشر قيم كونية فأضحت مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان أدوات حرب
واستعمار وأضحى ال كوني فاقدا لكل مشروعية أخلاقية إذ الراهن اليوم يؤش ّر لسوء استخدام للكل ّي في المجال
• الخاتمة:
استخلاص الموقف بأهمية مشروعية معرفة الكل ّي والتناسب الطّردي بين إزدياد معرفتنا بالثقافات المغايرة وازدياد
202
م ف ه ن م ب طت
ّية ى سالة ج فات ي
ل
موضوع ا وال
س
من خلإل مسالة التواصل والإتظمة الرمر ية
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• منهجيا:
* بخصوص التحليل:
ج .ر َصد تحو ّل المعنى أو المفهوم أو الدلالة وبيان السجلات التي آلت إليها الدلالة اليوم.
ن الإنسان
ن الرمز خاصية الإنسان أو أ ّ
ختص به الإنسان (التمييز بين الإنسان والحيوان وإبراز أ ّ
النظام الرمزي ي ّ
حيوان رامز) ← سلطة الإنسان على الرمز وسلطة الرمز على الإنسان.
-3تحديد المفاهيم:
اعتبار :هو الإقرار والتأكيد أو الحكم الجازم الذي لا يقبل الشك أي الحكم اليقيني.
اللغة :خاصية إنسانية وهي قدرة ذهنية .فهي ليست فعلا آلي ّا بل فاعلية ذهنية تفترض العقل لذلك فهي حكر
ذهنية مجر ّدة والصورة لغة حسية .اللغة في نظر الرازي هي وسيلة لتحقيق غاية تتمثل في التواصل أي هدف اللغة
لقاء الآخر من أجل التبادل الاجتماعي أي تبادل المنافع ،تبادل الأفكار ،تبادل المشاعر والعواطف والحاجة
205
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ففي عصر الخطاب معيار الثقة هو الأفكار المعقولة ورفض الحواس واعتماد العقل كمرجع ،أمّا في عصر
الأشكال فيتم ّ التقي ّد بالمرئي وليس بالمعنى الحس ّي للرؤ ية ،بل هي رؤ ية عقلية تقوم على بناء ذهني للعالم وليس
الع َالَم كما هو منحوتا بل العالَم المُنشأ ذهني ّا أي معيار الثقة هو العقل الر ياضي المتسل ّح بمنهج والذي يرى العالَم
هندسي ّا .ل كن في عصر الشاشة تم ّ التخلّي عن المقروء والم كتوب وتم ّ الاستغناء عن العقل إذ ليس المهم المنهج
بقواعده بل المهم هو أن تكون الصورة جي ّدة ،وجي ّدة تعني مبهرة وموحي َة ومغر ية وتغي ّب التفكير .و يؤكّد غي
ن الصورة استبعاد م ُعمّم وضرب من التنويم الجماعي hypnose collectifsوترتبط الصورة بشروط
ديبور أ ّ
الإنتاج المعاصر ،فكل ّما تنامى الاستهلاك تنامت الفرجة وتقوم بإبعاد المعيش المباشر وتحو يله إلى تمث ّل ،فهي
تجريد م ُعمّم ،وهي موضع البصر المخادع والوعي الزائف ،وما التوحيد الذي تدّعيه سوى ضرب من الاستبعاد
المعمّم ،هي علاقة اجتماعية بين أشخاص تتوسطهم الصور ،هي رؤ ية للعالم تتجلى على نحو موضوعي أي تمحو
الاختلاف وتردّ ال كثرة إلى الوحدة وتصبح بواعث فع ّالة للسلوك المنو ّم تجد في البصر الحاسة الأكثر تجريدا أو
الأكثر خِداعا وهذا ما يطلق "ديبور" بتعميم التجريد وهي نقيض الحوار وترفض التمث ّل المستقل والفكر الحر
والرأي الشخصي .وما يمي ّز الفرجة هي القدرة على إعادة بناء ذاتها كلما اصطدمت بتمث ّل حرّ ٍ ،فهي ليست ملكا
للإنسان فحسب بل تملك الإنسان أيضا مم ّا يعني ضرورة إعادة قراءة معطى الموضوع كالتالي :ليست أدوات
التواصل ملكا للإنسان فحسب بل هي تملك الإنسان أيضا وهي ليست نظاما رمزيا فقط بل نظام إكراه وتسل ّط
ونفوذ وهذا ما يستوجب استحضار القراءة الأركيولوجي ّة (الحفر ي ّة) لميشال فوكو التي ترى في أدوات التواصل
ن بارط يعتبر اللغةكما الصورة إخضاع وإكراه م ُعمّمان ،إذ للصورة قدرة على قيادة العقل
إستراتيجية للهيمنة .كما أ ّ
وتوجيه الذوق وإنتاج مل كة الحكم مم ّا يمكّنها من فصلنا عن عالمنا وعن ذواتنا وعن الآخر ،وهذا ما لاحظه
حقيقة الأشياء مم ّا يؤكّد مرة أخرى أنّنا عبيد ومل كي ّة للصورة وللغة ،إذ انقلب السحر على الساحر وانقلبت
ن لفظ نظام
نظام :اشتقاقا تحيل على الأصل ordoومنها ordreفهي الأمر والقهر والإكراه والإخضاع أي أ ّ
ن الرمز
يحتوي على معنى السلطة أي سلطة الرموز ،فنظام رمزي يعني إكراه الرموز وسيطرتها على الإنسان أي أ ّ
206
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الرمز :إنشاء ذهني إنساني وخاصية إنسانية وهو صورة مجر ّدة لواقع حس ّي ،وللرمز وظيفة اختزالية يختزل الواقع
النظام الرمزي :هو نسيج أو جهاز من الدلالات والعلامات بفضله نباشر العالم فهو وساطة .intermédiaire
حج ّة :برهان ،دليل على ،والحج ّة عقلي ّة بالأساس أي قدرة على الإثبات والنفي.
ختص به وما يكون في حيازته .والمل كية نوعان :إمّا شيئا نر ِثه والرموز إرث اجتماعي ،أو شيئا
مل كي ّة :أي ما ي ّ
ن الرمز ينتجه الإنسان و يُكتسب ثقافيا .وعادة لا تنفصل مل كية الشيء من
ننتجه والرموز إنتاج إنساني ،أي أ ّ
طرف الإنسان عن مل كية الإنسان من طرف الشيء وهذا ما يحصل بالنسبة لشت ّى الوسائط الرمزية إذ بقدر ما
ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير ،إذ الإنسان كائن ناقص ولا يستطيع تحقيق حاجياته بمفرده ،لذلك
احتاج إلى اللغة .اللغة أداة تعبير عن الأفكار والمشاعر والعواطف وضرورة للتبادل.
الصورة :هي نظام رمزي وهي قدرة على التبليغ وحاملة للمعاني وأداة تواصل مع الآخر تقوم على استخدام حاسة
البصر ،أدواتها الإبهار والتأثير واستعمال المخيّلة وعدم استعمال العقل ،تحقّق لذ ّة حسية وإشباعا بصر ي ّا تخاطب
الانفعالات ،تفكّك الواقع وتبدّده ،ضرب من التواصل الإيحائي المُغي ّب للحج ّة ،فهي يُنظَر إليها كحج ّة بديهي ّة
ومعيارا
الإنسان :قدرة رمزية أي قدرة على إنتاج الرموز والعلامات ويتميز عن الحيوان بامتلاك الحلقة الثالثة ،إذ الحيوان
ينحصر في الحلقة العضو ية والحلقة العصبي ّة ،ل كن الإنسان إضافة إلى هاتين الحلقتين يمتلك حلقة رمزية وهي أهم
-4تحديد المرجعيات:
التحليل :كاسيرار :في التركيز على القدرة الرمزية كخاصية إنسانية.
فخر الدين الرازي :في تحديد وظيفة اللغة وطبيعتها والحاجة إليها.
النقد :غي ديبور – ر يجيس ديبراي – كلود حجاج – بارط – فوكو – برغسون.
207
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• المقدّمة:
هناك العديد من المفارقات التي يمكن استثمارها كمدخل لموضوع حول التواصل والأنظمة الرمزية مثل:
-المفارقة بين الانتظارات أي ما ننشُد ُه وبين واقع فعلي يُخي ّب هذه الانتظارات.
-المفارقة بين ما أنتجه الإنسان كمل كية له وبين واقع فعلي يجعل الأدوات تملك الإنسان (هل نملك
ن كل ما ينتجه الإنسان
ن م َا م ِن فعل إلا ّ وله غاية بحيث أ ّ
ن الإنسان كائن الغائية فذلك يعني أ ّ
حين نفترض أ ّ
يحقق انتظارات ويستجيب لمنشود إذ إنتاج الرمز وصنع أدوات تواصل وابتكارها كنّا ننتظر منه تحقيق إنسانية
الإنسان ،ربط ال إنسان بالآخر ،التوسّط بين الإنسان والعالم ،خلق ح ّد أدنى لثقافة الإنسان العالمي ،والدخول
ن
في حوار إيتيقي من أجل تأسيس القيمة وإضفاء المعنى ،والخروج من حالة التملّك إلى حالة ال كينونة غير أ ّ
واقع التواصل الفعلي والتار يخي سرعان ما يُخي ّب هذه الانتظارات ،إذ أضحى التواصل دالا ّ بلا مدلول ،أو سياقا
بلا دلالة ،أو أداة بلا معنى ،بل التواصل اليوم يمث ّل شكلا للاستيلاب المقترن بالعقلنة ونمط من التفكير المنوم
والتوحيد التدجيني والتجريد المُعمّم .مثل هذا التوت ّر بين ما نَنْشُده في مستوى الانتظار وبين المُنجز كممارسة
يراهن نظر يّا على مساءلة التواصل مساءلة نقدي ّة ،وعملي ّا يريد تحريرنا من التصور البريء لأدوات التواصل .ومم ّا
يفترض التساؤل:
• الإشكالية:
ن الإنسان
ن أدوات التواصل مجموعة علامات ورموز ما يُقدّم الحج ّة على حِيازة الإنسان لها أم أ ّ
-هل في الإقرار بأ ّ
208
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
• التحليل:
والاشتغال على مختلف سجلا ّت المفهوم واختلاف زوايا مقاربته ،إذ أدوات التواصل لغة كانت أو صورة تتعدّد
سجلات حضورها فهي تفهم على أنها قدرة رمزية أي أنّها خاصية إنسانية يحتكرها الإنسان بمعنى أ ّ
ن الكائن
ن
ن أفعاله تُصن ّف ضمن الارجاع فهي ليست ردودا عضو ي ّة إذ أ ّ
الوحيد الذي يمتلك رموزا هو الإنسان لأ ّ
الردود العضو ية تتمي ّز بكونها ردودا طبيعية وأفعالا ثابتة خالية من الخلق والإبداع وتفتقر إلى القصد والدلالة
ترتبط بحاجة بيولوجية مباشرة ،مم ّا يجعل الحيوان لا يكسب عالَم َه ُ معنى إلى درجة أن ّه من الصعب أن نُن ْسب له ُ
العالَم إذ العالَم يُنسَب إلى الإنسان فالارجاع كخاصية إنسانية هي أفعال ثقافية تتمي ّز بالخلق والإبداع والتنو ّع
والاختلاف وهي ذات معنى وقصد وقيمة وتتجاوز العالم كمعطى مباشر وتتعالى عن الحاجة البيولوجية وهي
هناك سِم َة تجمع بين جميع الصفات التي تُنسَب إلى الإنسان وتعلو على جميعها وهي سمة الرمزي ّة ،إضافة إلى ذلك
ن القدرة الرمزية تتجلّى في جهاز رمزي بوصفه حلقة ثالثة وفق تعبير كاسيرار ،إذ الحيوان يمتلك حلقتين ،حلقة
فإ ّ
عضو ية وحلقة عصبية أي جهاز مستقيل وجهاز مؤث ّر عكس الإنسان الذي إلى جانب الحلقتين يمتلك حلقة
ثالثة هي الحلقة الرمزية كقدرة على تحو يل الحياة الإنسانية من حياة مباشرة إلى حياة توسطية ،فالرمز وساطة
ن اللغة أو الصورة تشكّل نظاما رمزيا بمعنى قدرة على توسيع الدائرة الإنسانية ًّ
كم ّا ونوعًا أي جعل زِ ْد على ذلك أ ّ
الإنسان يعيش في عالَم أوسع ،أي يعيش في بعدٍ جديد من أبعاد الواقع هو البعد الذهني والتخيّلي ،فالإنسان لا
يستطيع أن يحدّق في عالَمه مباشرة أي لا يستطيع النظر وجها لوجه في العالم إلا ّ من خلال شبكة من الرموز
وبذلك تعني الرموز إنشاء العالم أي قدرة الذات على صنع عالَمها ،فالإنسان يعيش في عالَم من صنعه ،إنّنا لا
منحوت بل يتحدّث إلى عالم ذاتي ،عالَم من إنشائه أو بتعبير جان لاكروا «الإنسان لا يدرك
ٍ موضوعي وعيني أو
ن الإنسان يتحدّث دائما إلى ذاته أي يصغي إلى رموزه وعلاماته .مثل هذه
العالم كما هو بل كما يبدو له» .أي أ ّ
الناس واتفاقهم وإجماعهم على وضع ألفاظ للمعاني .ويتخذ الرازي اللغة نموذجا لإبراز قيمة التواصل ولتأكيد
209
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
أهمية النظام الرمزي ،إذ اللغة وسيلة لتحقيق غاية أي لقاء الآخر من أجل التبادل ،تبادل المنافع والأفكار
يستقل لتحصيل جميع مهماته فاحتاج ليعرف غيره ما في ضميره ليمكنه التوسل به إلى الاستعانة بالغير فالإنسان
ن اللغة هي استجابة
كائن ناقص مم ّا يجعله في حالة عدم استغناء عن الآخر ،وإذا كانت الحاجة تتطلب إشباعا فإ ّ
ن التواصل
ن فخر الدين الرازي يفاضل بين التواصل الحركي والتواصل اللفظي ،إذ أ ّ
لحاجة وتعبير عنها ،رغم أ ّ
الحركي مشتبه وملتبس وغير اقتصادي في حين التواصل بالألفاظ مربح للجهد والوقت والمواد و يفنى بفناء الحاجة
ن
إليه وتتولّد منه الألفاظ بلا نهاية ،إذ بفضل اللغة نعب ّر عن ما في القلوب والضمائر والعقول .ننتهي إلى أ ّ
أدوات التواصل تتحدّد في تعدّد دلالاتها وعموما اللغة صورة والصورة لغة ،فاللغة صورة ذهنية والصورة لغة
ل منهما يبل ّغ رسالة و يحقق غاية هي التواصل ،إذ اللغة خاصية إنسانية تشمل كل ما من شأنه أن يبل ّغ
حسية وك ّ
رسالة والصورة أيضا نظاما رمزيا وقدرة على التبليغ وحمل المعاني وأداة تواصل مع الآخر ،تقوم على استخدام
حاسة البصر ،أدواتها الإبهار والتأثير واستعمال المخيّلة وتحقّق ضربا من اللذ ّة الحسية وإشباعا بصر يّا تخاطب
ن اللغة والصورة
ن الإنسان ليس كائن الحاجة فحسب بل هو كائن المطالب القيمية فإ ّ
الانفعالات .وإذا اعترفنا بأ ّ
الدلالة في سياق مرسوم بدقة ومخصوص بحيث اللغة والصورة ملك للإنسان إذ تُجلي قدرة ذهنية وتعب ّر عن
إنسانية الإنسان وتحمل ر ُؤاه وتصو ّراته ،إذ لا يكتفي الرمز بكونه شكلا بل مضمون ذهني اجتماعي وأخلاقي
وسائط ،فالوسائط والإنسان يتماهيان أو هما من المحايثة بحيث لا انفصال بينهما لذلك يؤكّد بنفنيست على التماثل
ن اللغة وكذلك
ن مقولات اللغة هي مقولات الفكر مم ّا يعني أ ّ
والفكر ،فالفكر ليس مجر ّد انعكاس للعالم بل إ ّ
210
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الصورة كلغة وسيط رمزي بامتياز وحج ّة على انفراد الإنسان بهما إذ يقول بنفنيست« :يكون أنا من يقول أنا»
ن
ن الإنسان لم يوجد مرتين ،مرّة بدون لغة ثم ّ و ُجد مع اللغة بل إ ّ
ن ال كينونة هي اللغة ذاتها إلى درجة أ ّ
أي أ ّ
ينفصل عن الحضيرة الحيوانية إلا ّ بإنجاز أداة شكّلت جوهره ُ وهي اللغة سواء في شكلها المجر ّد أو في شكلها
الحس ّي كصورة.
لقد شكّلت أدوات التواصل باستمرار ما به كان الإنسان إنسانا ما يدعو إلى مساءلة ال كينونة عن فعل النظام
الرمزي فيها اليوم .فهل الأنظمة الرمزية في راهننا اليوم تشير إلى الإنسان فعلا ؟
حاضر تصغي إليه وتعب ّر عنه ،إذ اللغة في معناها المنطوق والم كتوب تخل ّت عن وظائفها وتم ّت الاستعاضة عنها
ل شفافية إذ أنّنا نعيش ضياع المعنى وانحصار القيمة بالمعنى النوعي وانتشار
بالصورة وأضحى التواصل فاقدا لك ّ
-هل أدوات التواصل اكتفت بكونها مل كي ّة للإنسان أم حو ّلت الإنسان إلى ملكٍ لهَا ؟
-وهل ح ًّ ّقا نحن إزاء الهو ي ّة كتملّك أم الهو ي ّة ككينونة أم في حالة من ضياع الهو ي ّة؟
• الن ق د:
أ -المكاسب:
تمش يَغنم مكاسب ،إذ اعتبار الإنسان كائن رامز هو ترفيع من شأن الإنسان وفصله عن
تتحدّد مهمة التفكير في ّ
ن
ن الإنسان يتعالى عن واقعه المنحوت لينشأ عالَمًا يعب ّر عن قدرة وتحكّم وقو ّة .كما أ ّ
الوجود المباشر وافتراض أ ّ
الإنسان يتمي ّز بوجود قيمي هو الذي يسمح له بامتلاك ذاته ،إضافة إلى ذلك لا يوجد شكل وحيد للرمز بل سِمة
الرمز التعدّد مم ّا يعني أنّنا من فلسفة تؤسّس للتطابق إلى فلسفة تعدّد الأشكال الرمزية وبذلك تتحو ّل من مفهوم
التفسير إلى مفهوم الهيرمينوطيقا (التأو يل) أي تتحو ّل من عقل تفسيري إلى عقل تأو يليّ يفتح أفقا للاختلاف
ن العقل واحد
و يجعل التنو ّع قي ّما وقائما ومقيما في التفلسف ،زِ ْد على ذلك أن ّه من الضروري التأكيد على أ ّ
والرموز متعدّدة مم ّا يعني وحدة الإنسانية وكونية العقل وتعدّد أشكال إنتاجاتها الرمزية وهذا ما يبر ّر تعدّد
ن إنجاز الرمز وكيفية تبادله والتوافق حوله هو المؤسّس للهو ية إذ الهو ي ّة تعني
الثقافات ووجود هو يّات إذ أ ّ
211
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ن الوجود واحد
ل خصوصية تفعل بطر يقتها الخاصة مم ّا يعني أ ّ
نك ّ
وتنمية لجوهر ية الإنسان والحج ّة على ذلك أ ّ
وأشكال التواجد فيه متعدّدة بتعدّد مقاصد الإنسان وشكل إدراكه لعالَمه وهذا ما يطرح معضلة هي معضلة
غني ّة بالرموز ثر ي ّة بالدلالات مم ّا يفرز أشكالا للوعي تختلف زمانا ومكانا .لهذا فالنظام الرمزي الصالح لزمان أو
مكان ليس ناجعا لكل زمان وكل مكان وهذا ما يؤسّس لنسبية الحقيقة ولنظرة تار يخية تطور ية تقطع مع
ومن شأن هذا التصو ّر أن ينتج وعيا نقديا يقطع مع الوثوقية كما يقطع مع الريبي ّة .إذ الموقف الوثوقي يهدم
ن عقلا يس َع علم َه ُ يدرك جي ّدا نسبية رموزه مم ّا يدفعه إلى تجن ّب العنف والتسلح بالحوار كمنهج
العقل .يبدو أ ّ
تقوده الحج ّة الأفضل وفق تعبير شايم برلمان مم ّا يجن ّب الإنسانية الصراع خصوصا في مستوى حضاري هذا إن
ب -الحدود:
ن لفظ المل كية يُفهم في اتجاهين متناقضين فمن يملك م َنْ ،الإنسان يملك رموزا أم الرموز تملك الإنسان ؟ مل كية
إ ّ
الإنسان للرمز هي في نفس الوقت مل كية الرمز للإنسان وهذا ما يعنينا في هذا المستوى إذ بقدر ما يمتلك
الإنسان رموزا بقدر ما يستحيل ملكا لَهَا ،إذ ينقلب السحر على الساحر و يصبح المصنوع سيدا على الصانع وليس
ن الوسيلة أضحت معيارا وأضحى التواصل مغيبا للحج ّة ،وأضحى مجر ّد اتصال وبث ّا أي ضرب
ل على ذلك من أ ّ
أد ّ
من الإيحاء المغيب للحج ّة ،إذ يعتبر ر يجيس ديبراي استحالة إلى معيارا للتصديق ،إذ حين نسأل أحدهم ما
حج ّتك في ذلك يجيب شاهدت ذلك في التلفاز ،إذ يمي ّز ديبراي بين معايير متعدّدة للحكم أو معايير للثقة ،ففي
عصر الخطاب معيار الثقة هو الأفكار المعقولة ورفض الحواس واعتبار العقل مرجعا ،أمّا في عصر الأشكال
فيتم ّ التقي ّد بالمرئي وليس بالمعنى الحس ّي للرؤ ية بل هي رؤ ية عقلية تقوم على بناء ذهني للعالَم وليس العالَم كما هو
منحوت بل العالم المنشأ ذهني ّا أي الاستناد إلى العقل الر ياضي كمعيار للثقة والمتسل ّح بمنهج والذي يرى العالم
هندسي ّا (الهندسة والمسطرة والمنهج والبركار) أمّا في عصر الشاشة فتم ّ التخلي عن المقروء والم كتوب وتم ّ الاستغناء
212
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
عن العقل إذ في الڤيديوقراطية ليس المهم المنهج أو الأفكار بل المهم أن تكون الصورة جي ّدة ومبهرة ومغر ية
وتغيب التفكير وترتبط الصورة بشروط الإنتاج المعاصر ،فكلما تنامى الاستهلاك تنامت الفرجة إذ هناك علاقة
ل فهي تجريد
تناسبية بين تراكم الفرجات وتراكم البضاعة ،وتقوم الصورة بإبعاد المعيش المباشر وتحو يله إلى تمث ّ ٍ
معمّم وهي موضع البصر المخادع والوعي الزائف ،وما التوحيد الذي تدّعيه سوى ضرب من الاستبعاد المعمّم
وهي علاقة بين أشخاص تتوسّ طهم ُّ
الصّ و َر فتنتج سلوكا منو ّما وتجد في البصر الأكثر تجريدا والأكثر خداعا وهذا
ما يُطلق عليه غي ديبور تعميم التجريد وهي نقيض الحوار ،وترفض التمث ّل الحر ّ والفكر المستقل .وما يمي ّز الفرجة
هي القدرة على إعادة بناء ذاتها لمواجهة التمث ّل الحر ّ مم ّا يعني أنّها ليست ملكا للإنسان فحسب بل تملك الإنسان
أيضا لذلك أدوات التواصل إستراتيجيا للهيمنة ليس في حقل الصورة فقط بل في حقل اللغة أيضا ،إذ يكشف
ن اللغة تخوم السلطة وأطرافها ،إذ اللغة سلاح من أجل السيطرة والتحكّم وهي لا تنكشف بفضل ما
فوكو أ ّ
ن اللغة تقول دوما عكس ما تقول وهي لا تقول فعلا ما تقوله لذلك يحتاج الخطاب إلى
تقوله بل بما تخفيه .لأ ّ
مجموعه وهي اللغة لذلك فاللغة إكراه وإخضاع معمّمان تمتزج فيها السلطة والعنف بلا هوادة لذلك فهي ،ordo
ن عبارة نظام رمزي تحيل على معنى الإكراه والإخضاع والقهر ولفظ نظام يعني ordoأي الأمر والقهر
إذ أ ّ
فهي لا تعب ّر عن حقيقة الأشياء ولا عن حقيقة الذات ،إنّها مجر ّد بطاقات ملصقة أو صور ملصقة كما يحدّدها
ن اللغةكصورة والصورةكلغة مجر ّد سلطة بيد المحُفّزين على الفعل كما يدركها كلود حجاج فهي
برغسون .نستنتج أ ّ
لم تعد مل كية إنسا نية بل هي حكر على منتجي الرأسمال الرمزي فهي غير قادرة على خلق الواقع وهي لا تُبدّل
أمرا ولا تضم َن الفهم بل بالعكس يمكن أن تؤدّي إلى سوء الفهم وهي سلطة في يد الذين يسعو ْن إلى التحر يض
ل
على الفعل والمستفيدين من ذلك الفعل ،فاللغة ليست مل كية جماعي ّة إنّها ملك الإنسان ل كنّها ليس ملك ك ّ
إنسان أي هي نفوذ بعبارة كلود حجاج وأداة للتأثير والتوجيه والتبرير مم ّا يدفع إلى التظنّن واستئناف المساءلة إزاء
وظيفتها التواصلية لذلك استعضنا عن الحوار بالمنولوق وارتدّت الذات إلى ذاتها وأصبح الكلام ليس هدفه لقاء
الآخر بل مخاطبة الفرد لنفسه .ولتجاوز هذه الأزمة يسعى كلود حجاج إلى رسم الحدود البنيو ية والإيديولوجية
للغة ،أي بيان قصورها الداخلي والتوظيفات التي تلحقها من خارجها داعيا إلى الحوار كشرط أساسي لقيام
213
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
علاقة مع الآخر ،علاقة اجتماعية وحضار ية قوامها حوار يضمن الفهم والتفاهم والإفهام ويرتقي بالذات من
مستوى عزلتها وفرديتها إلى مستوى غير ي ّتها ،يجعلها تدرك قيمة الإحساس بالآخر والتعاطف معه والتعاون معه
من أجل الاستئناف به وتبديد اللافهم .عندها فقط لا يكون الإنسان عبدا لأدواته سواء تحت تأثير المحدودية
البنيو ية أو المحدودية الإيديولوجية ،وهذه الأزمة تجد حل ّها أيضا في الفن كقدرة رمزية على مقاومة الرموز أو
كلغة تحارب داخل اللغة أو كخيانة ملائمة للواقع بحيث يمكّن الفن من تجاوز العجز والرؤ ية أفضل ،إذ الفن
يرى الواقع أفضل لأن ّه يرى أعمق لذلك فلنا الفن كي لا تميتنا الحقيقة.
• الخاتمة:
ن أدوات التواصل تقف بين مفترق التواصل والنفوذ وهي من جهة قدرة على ربط الإنسان بالآخر
يتوضح إذن أ ّ
ّ
وهي من جهة أخرى أداة تسلط وعنف وإكراه ،إ ْذ ما كنّا ننتظره لم يصادفنا ،فبفضل أو بسبب أدوات تواصلنا
صرنا في واقع فعلي للعزلة ل كن رغم ذلك لم يكن بالإمكان قيام علاقة بين الإنسان وعالمه وبين الإنسان والآخر
دون وسائط رمزي ّة مثل اللغة والصورة والمقدّس والأسطورة ،وهذه الأدوات حو ّلت وجود الإنسان ووجود
العالم إلى منظومة من الرموز تتّحد في الوظيفة وتختلف في الشكل وهي لم تغي ّر واقع الإنسان ونظام حياته ونمط
تواصله فحسب بل غي ّرت الإنسان ذاته ،إذ تم ّت التضحية بال كينونة من أجل العيش في واقع التملك ،فاستحالت
الأدوات موجّها لمصير الإنسان ،لذلك أضحينا لا نعيش في العالم بل نعيش في عالم مصنوع وديجيتالي وسيبرنتيقي
ل
نك ّ
يتحدّد ككينونة نشيطة وكإمكانية تجاوز ،إذ أزمة التواصل ليس من شأنها أن تجعلنا نزهد في التواصل لأ ّ
الأزمات مؤقتة والعقل الإنساني يتقدّم بفضل أزماته ،لذلك يبقى الرهان على الإنسان قائما بوصفه قدرة على
214
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-التناقض الذي يقر ّه السؤال :الصّ ورة كاذبة ،تغالطنا :تظهر شيئا و تفعل شيئا آخر.
-السّؤال الذي نجيب عنه :ما حقيقة الصّ ورة؟ هل هي أداة تواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟
-الأسئلة التي يخفيها السؤال :كيف تستطيع الصّ ورة مغالطتنا؟ و هل هي المسؤولة عن ذلك؟
-الر ّهان الذي يمكن تحقيقه من خلال معالجة هذا الموضوع :ال كشف عن ازدواجية وظيفة الصّ ورة
• الإشكالية:
ة تواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟ و إذا سلّمنا بأنّها أداة إخفاء و تضليل ،فمن المسؤول عن ذلك وضمن أي ّة
تناقض الصّ ور التي تمطرنا بها الفضائيات اليوم ،حول الخبر الواحد ،مدعاة للتساؤل عن حقيقتها وعن حقيقة
وظيفتها.
-الصّ ورة = تمثيل مرئي يُظهر واقعا ما يبدو حاضرا بواسطة هذا التمثيل رغم غيابة الفعلي ،سواء تعل ّق الأمر
بصورة فني ّة أو فوتوغرافية أو رقمية" / .تظهر" شيئا=تبديه ،تجعله باديا أمامنا ،في متناول رؤيتنا " /تفعل شيئا
آخر" = تفعل غير ما تعلن ،تراوغنا ← في الظّاهر تفعل شيئا و الواقع تفعل شيئا آخر( .تحدّد المفاهيم سياقيا
ول كن بإمكان المترشّ ح الإستعانة بــ "المقال الفلسفي جذاذات للمراجعة" ،التواصل والأنظمة الر ّمزية /الصّ ورة)
215
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-المكاسب :مغالطات الصّ ورة اليوم معاينة لا جدال فيها في التجنيد الإيديولوجي و الإشهار والد ّعاية السّياسية.
-الحدود :ول كنّ الصّ ورة بإمكانها أيضا أن تفضح مغالطات الإيديولوجيا والإشهار والد ّعاية السّياسي ّة .وتعود
المسؤولية في ذلك إلى الإنسان الذي يستخدمها أكثر من كونها تعود إلى الصّ ورة في ح ّد ذاتها( .تحدّد المفاهيم
سياقي ّا ول كن بإمكان المترشّ ح الإستعانة بــ "المقال الفلسفي ،جذاذات للمراجعة" ،الت ّواصل والأنظمة الر ّمزي ّة /
الصّ ورة).
ن عصرنا هو عصر الصّ ورة التي عو ّضت سلطتها شيئا سلطة الخطاب
بيّن رجيس ديبراي Régis Debrayأ ّ
بفضل ثورة "الملتيميديا" .فالصّ ورة تر ينا مباشرة الواقع ولا تجهد ذهننا في محاولة تخيّله مع ما يحتمله ذلك من
إمكانية الخطأ ،ولا يقدر أيّ خطاب على تفنيدها بل تعو ّضها صورة أخرى .ل كنّ هذه الصّ ورة تخفي عن ّا أيضا
الواقع" ،فما يرينا العالم هو ايضا ما يعمينا عن رؤيته /يبيّن غي دي بور Guy Debordفي "تعليقات على
ن الصّ ورة تتنز ّل اليوم في إطار استراجيا هيمنة إقتصادية و سياسية تسب ّب الاغتراب للإنسان
مجتمعات الفرجة" أ ّ
وهميا يقي ّد الإنسان المعاصر و يطو ّعه" :من منظور تقني ،عندما تصبح الصّ ورة المهي ّئة والمختارة من قبل شخص
ن
آخر المحدّد الوحيد لعلاقة الفرد بالعالم بعد أن كان يراه بنفسه من أي ّة بقعة يقصدها ،لا نجهل بطبيعة الحال أ ّ
ل شيء ،إذ داخل الصّ ورة الواحدة يمكن أن نجاور دون تناقض بين أيّ
الصّ ورة عندئذ بإمكانها أن تستقبل ك ّ
من الأشياء".
ل شيء.
بالصّ ورة على هذا الن ّحو يصبح بالإمكان تمرير ك ّ
التخطيط .II
-1المقدّمة:
• تمهيد:
-تناقض الصّ ور التي تمطرنا بها الفضائيات اليوم ،حول الخبر الواحد ،مدعاة للتساؤل عن حقيقتها و عن حقيقة
وظيفتها.
216
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-طرح الإشكالية :فما حقيقة الصّ ورة؟ هل هي وسيط من وسائط التواصل أم أداة إخفاء و تضليل؟ و إذا سلّمنا
بأنّها أداة إخفاء و تضليل ،فمن المسؤول عن ذلك و ضمن أي ّة شروط يمكنها أن تكون لصالح الإنسان وليس ضدّه؟.
-2الجوهر:
• التحليل:
ن الصّ ورة كاذبة ،تغالطنا ،تظهر شيئا وتفعل شيئا آخر .وذلك من خلال:
تحليل الموضوع القائل بأ ّ -
تحديد موجز للصّ ورة بما هي تمثيل مرئي للواقع يوحي بحضوره أمام أعيننا سواء أكانت فن ّي ّة أو فوتوغرافية،
ساكنة أو متحرّكة.
ن الصّ ورة على هذا النحو تنسينا حقيقتها كوسيط لتوهمنا بأنّها تضع الواقع مباشرة أمامنا ،بل
بيان كيف أ ّ
←من هنا ثقتنا في الصّ ورة التي أصبح حضورها معمّما اليوم بفضل تطو ّر تقنيات الاتصال وثورة "الميديولوجيا".
لقد استطاعت الصّ ورة اليوم أن تفتكّ من الخطاب تاجه كما يبيّن رجيس ديبراي :ما تقنع به الصّ ورة لا يقدر
ن الصّ ورة تحظى بثقة مسبقة لا ح ّد لها من قبلنا فباستطاعتها أن تغالطنا ،وهي تغالطنا بالفعل اليوم نتيجة
لأ ّ
وجوده لأنّنا "نراه" بينما لا وجود له؛ كما بإمكانها أن ترينا شيئا يوجد ،ول كن لا كما يوجد بالفعل ،بل كما
← في الظّاهر تلعب الصّ ورة بكيفي ّة أمينة وظيفتها التواصلية ،تعب ّر عن الواقع و تنقله إلينا بكيفي ّة أمينة ،ول كنّها
في الحقيقة تغالطنا ،لا ترينا إيّاه ،بل تخفيه عن ّا أو تشو ّهه ،تخفي عن ّا أيضا الواقع" ،فما يرينا العالم هو أيضا ما
استراجيا هيمنة إقتصادية و سياسية تسب ّب الاغتراب للإنسان المعاصر و تعزله عن الواقع إذ لا تعكس حقيقة
القص و إعادة التركيب عالما وهميا يقي ّد الإنسان المعاصر و يطو ّعه" :من منظور
ّ الأشياء ،بل تنتج بواسطة تقنيات
و المختارة من قبل شخص آخر المحدّد الوحيد لعلاقة الفرد بالعالم بعد أن تقني ،عندما تصبح الصّ ورة المهي ّئة
217
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
ل شيء،
ن الصّ ورة عندئذ بإمكانها أن تستقبل ك ّ
كان يداه بنفسه من أي ّة بقعة يقصدها ،لا نجهل بطبيعة الحال أ ّ
إذ داخل الصّ ورة الواحدة يمكن أن نجاور دون تناقض بين أيّ من الأشياء" .بالصّ ورة على هذا النحو يصبح
ل شيء.
بالإمكان تمرير ك ّ
← التخل ّص :فإلى أيّ مدى ترينا الصّ ورة شيئا و تفعل شيئا آخر؟ إلى أيّ مدى تغالطنا؟ أليس بإمكانها أن
-الن ّقاش:
-المكاسب :بإمكان الصّ ورة أن تكون أداة تضليل و مغاطة إذا ما أسيئ استخدامها في التجنيد الإيديولوجي
-الحدود :و ل كنّها قد تصبح أيضا أداة لفضح المغالطات و تحقيق تواصل حقيقي .فصورة واحدة يلتقطها
مصو ّر صحفي ويتمكّن من بثّها تستطيع أن تفضح وضعا إيديولوجيا ما أو إقتصاديا أو سياسيا و تساهم في
تغييره .مثال ذلك ما يتعل ّق بتجاوزات الجيش الأمريكي في العراق ،أو حادثة الد ّم الملو ّث في فرنسا .مم ّا
يعني أن مسؤولية المغالطة لا تعود على الصّ ورة في ح ّد ذاتها ،بل بكيفي ّة استخدامها ،وهي إذن مثل الل ّغة
كالإله "جانوس" ذات وجهين ،بإمكانها أن تكون خطيرة كما بإمكانها أن تكون ثمينة بالن ّسبة إلى الإنسان.
-3الخــــاــتمة:
ن الصّ ورة بإمكانها أن تكون وسيطا ثمينا من وسائط التواصل ،كما
تأسيسا على ما سبق نخلص إذن إلى أ ّ
ن مسؤولية ذلك لا تعود إلى الصّ ورة في ح ّد ذاتها بقدر ما تعود إلى الإنسان نفسه.
بإمكانها أن تفسده و أ ّ
218
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
الفهرس
1 كثرة ……………… …………………………………………………………………………………. ........................... مدخل عام لباب الإنساني بين الوحدة و ال
2 تار ي خي …………………………… ………………………………..……………. .......................... نقل مشكل الإنساني من مستوى ميتافيز يقي إلى مستوى
4 .......................... ......................... . ............... ......................................... ....................................................................................... : .IVفي مستوى الغاية و الرهان
1 .............. ..................................... ................. ............................................................................ ............... الانية و الغير ية علاقة الأنا بالآخر :اتصال أم انفصال ؟
7 ............ ...... ................................. ................................. ....................... .Iالوعي الم كتفي بذاته في فلسفة ديكارت و الجدل الذي يثيره في فهمنا لإني ّتنا :
10 ............ .......... ................................ ............................. .................... . IIالنقد الكانطي للإنية اللامشروطة والمطلقة لدى ديكارت ورسم حدود الأنا :
11 ................................................. ....... ......................................... ....................................................................... ......................... . IIIالترميم الفنمنولوجي للإني ّة المباشرة :
13 .................... ................................. ...................................... ........................... ....................................... .IVالجينيالوجيا و تمز يق وحدة الوعي فريدر يك نيتشه :
20 ..... ................ .............................. ............ .Vهي ﭬ ل مرّة أخرى أو هي ﭬ ل معاصرا :الأنا و آخر هي ﭬ ل أو الوعي بالذات يستوجب الوعي بالآخر
32 ............. ...................... .................... ................. ....................................................................................... ..................................................... تلخيص لمسألة الإن ّية والغير ي ّة
33 ...... ............ .................................... ..................... ........................................................ .................. .Iفي إثبات تعالي الإن ّية على الغير ي ّة ( :الانفصال والت ّقابل)
-1الإن ّية بما هي نفس (اب ن سينا ،ديكارت) 33 ........ .............. .................. .... ........................ .................. ............................................................................. :
35 ............... ............. .......................................... .............................................................................. ....................................................................... . IIفي جدلي ّة الإن ّية والغير ي ّة:
-1في محايثة ال ذ ّات ا لجسد أو ال ذ ّات المتجسّدة (مورلو بنتي)35 ................... ................ ........................... ........................ .................................... :
-2في تار يخي ّة الذ ّات الواعية( :ماركس) 36 ........................................................... ......................................... ..........................................................
-3في جدلي ّة الوعي واللا ّوعي( :فرو يد) 37 ......................................................... ............................................ ............................................................
38 .................... .. ............................ ............................. ................. .................................................................... -4من الذاتية إلى البيذاتية( :هي ﭭ ل)
41 ............. .. .................... .. .......... .......... ................................................................. ............................................................ التواصل و الأنظمة الرمزية
42 ..................... .......................... ....................................... ................................ الوضع المفارقاتي بين تنامي أدوات الإتصال و إنعدام التواصل
.IIالأنظمة الرمزية بما هي و سائط للتواصل 47 .......................... ................... ................................................................... ..................... :
-2تعــدد الأنظــم ة الــرمــز يـــة 50 .................. ............................... ................................................................... ........................................................ :
-1الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــغــــة 67 ................................................... .... ................................................ .......................................
219
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-2الحــدود البنيـــو يــة والإديــولــوجيــة للــصورة 73 ........................ .................................. ............................. ............... ..........................................
78 ............................................... ....................... . ...................................... ............................ خاتمة لمسألة التواصل والأنظمة الرمزية
واقع التنو ّع و مشكل الهو ي ّة أو إنقاذ ال كوني أم إنقاذ أنفسنا من ال كوني ؟ 80 ......... ................................................ ........................
-1فعلا يجب أن ننقذ الكلي ّ80 ................................ ........................ ................................................... ............................................... :
82 ............ .................. ....................... .................... ........................................................... -2من الواجب أن ننقذ أنفسنا من الكلي :
.Iفي دلالة الخصـــوصية و في معاــني الهو يـــــــة 85 .................... ............................. ........ ................... .............................................
-1دلالة الهو يــــة و شروط تحققـــها87 .............. ............................... ..................................... ......................................................... :
-2في الاختلاف بين الـــذات و الأناــ88 ................... ............................ ................................................ ......................................... :
.IIتــج دي ل العلاقة بين الخصوصية و ال كونية90 ................. ...................... ............................ .................................... ........................
تظافر الخصوصيات و الحاجة إلى ال كوني كأفق 90 ............... ....................... ........... ........................................ ....................................
-1الحاجة إلى الأخر أو الأخر كأفق90 ............... ....................... ............... ........................................ ................................................ :
-3في كيفية تحقيق المدنية لرهانات البشر( :السعادة و الفضيلة) 91 .................................. ..................... ..................... .......................
صراع الخصوصيات و سبل التحرر منه 93 .................... .......................... ........................................................ ....................................
-1في دلالة التعصب و إسهامه في صراع الخصوصيات94 ..................... ....................... ................................... ................................... :
-2أسس و تعلات النظر إلى المغاير على أنه همجي95 ...................... ...................... ................. ..................................... ..................... :
-1في دلالات الثقافة و علاقتها بالهو ية98 .................... ................................................................................... .................................. :
-2الاختلاف أساس الهو ية المركبة99 ....................... ........................ ...... ................................................ .......................................... :
-3ضرورة التسلح بفكر مركب لفهم الهو ية المركبة100 ............. ........ ....................... ........................................... .............................. :
.IIIمخاطر ا لخلط بين العالمي و ال كوني أو عنف العالمي 102 .................... ....................... ................. ................................ ...................
.IVشروط التواصل الخلاق بين الثقافات 108 ..................... ....................... .... .......................................... .........................................
110 ................... ...................... ............ ......................................... ........................................ -2في أن الإختلاف إسترات يجيا ال كوني:
112 ................. ...................... .......................... ................................... ......................... -3شروط التواصل الخلاق بين الخصوصيات:
-1أسس إقامة الحق ال كوني في الضيافة115 ............. ....................... ..................... ...................................... ...................................... :
220
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.VIالتسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق الإنسان و آصطدامها بالخصوصيات 121 .............................. ......................... .................. .............
الــخاــتــمـــة :الإنساني في مف ترق القيمة و الإستعمال و رهان التحرر 128 ................... ................ ..................... ............................
تلخيص لمسألة الخصوصي ّة وال كوني ّة 130 ................ ............. ....................... ............................... .........................................................
132 ................... ............. ........ .......... ........ ................. ..................................... .......................... . Iدلالة الخصوصي ّة( :إير يك فروم)
. IIتضافر الخصوصي ّات والحاجة إلى ال كوني كأفق :الفارابي134 .................. ............ ............................ ............. .............................. :
. IIIالعلاقة بين الخصوصي ّة وال كوني ّة أو من الخصوصي ّة إلى الخصوصي ّات135 ................ ......... ................. ....................... ................ :
-1صراع الخصوصي ّات وسبل التحر ّر منه :مونتانيو135 ............. ................ ........................................ ................................................. :
136 ................. ...................... ............. ................................ ................................. -2مطلب ال كونية وشروط تحقيقه :إدﭭ اــر موران:
-3مخاطر الخلط بين العالمي وال كوني :بودر يار138 ................. ....................... .............. .......................................... ............................. :
-4شروط التواصل الخلا ّق بين الثقافات:كلود لفي ستراوس139 ............... ......................... ......................... ..................................... :
-5الحاجة الأنطولوجي ّة والثقافية لل كوني:كانط141 ............... ....................... ................ ................................... .................................. :
-6التسو يغ الفلسفي ل كونية حقوق الإنسان :راولز +هابرماس142 ............... ....................... .................................. .......................... :
144 ..... ... ...... .... ............... ............................ ............................................ ................................. النص الفلسفي
ّ كيفي ّة الإشتغال على
148 ......... ........ ................ ......................................... ... ........................................... ...................... النص الفلسفي
ّ أساليب الحجاج في
.3الإستنتاج التحليلي :الإستنتاج بالتراجع 149 ................ ....................... ..................................................................... .................... :
كيفي ّة الإشتغال على المواضيع 151 ........... .................. ....................................... ..................................................... ............................
152 . ........ ........................ ................................................... .................................................. ............................. .1صيغة إستفهامي ّة :
221
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
.2صيغة :2أمي ّة :هل 1أم ّ 152 ........................................ ..................... ....................... .................. .................................... :2 .....
152 ........... ........................... ...................... ....................................... ....................................... .3صيغة إستفهامي ّة :إذا ...هل :...
152 ............... ....................... ............................... .......................................... .................................... .4صيغة إستفهامي ّة :بأيّ معنى:
.6صيغة نفي و إثبات :ليس /لا ...بل و إن ّما153 ...................... ...................... ................................. ........................................... :
.7صيغة الإختزال و الشرط :صيغة شرطي ّة وحصر ي ّة153 ............................. ............ ................................ ...................................... :
154 ..... ..................... ......................... ............................................. ..................... .9صيغة التناسب أو الموازنة :بقدر ما – بقدر ما:
تطبيقات منهجي ّة في مسألة الإنية و الغير ي ّة156 .......... ......... ............. ................ ................ ............. ............................ ........................ :
الموضوع الإنشائي في صيغة سؤال 157 .............. ..................... ..................... ........ .................... ............................................................ :
.Iاللّحظة الأولى :على استيفاء حقيقة الذات وذلك بــ 159 ............................. ............ .......................................... ............................. :
. IIاللحظة الثانية :بيان حدود قدرة أنا أفكر على استيفاء حقيقة الذات وذلك بـــ 160 .................... .................... ........ ...................... :
. IIIاللحظة الثالثة :في إعادة تأسيس معنى الذات وسبل إستيفائها160 ............ ............... ..................... .......... ..................................... :
-1إعادة تأسيس مدلول الذات160 ........... ............ ........................ ............................................................................. ...................... :
إصلاح موضوع في مسألة الإني ّة والغير ي ّة 162 .......... .......................... ........................................................ ........................................
162 ........ ........................ .................................... ............................................... ............................................... .Iالعمل على المسو دّة:
-3تحديد المفاهيم سياقي ّا وموضوعي ّا163 ............................ .......... ....................................................... ................................................ :
. IIالعمل على ورقة الإمتحان164 ............................ ............................. ....................................................... ...................................... :
222
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
إصلاح موضوع في مسألة الإني ّة والغير ي ّة 167 ................................. ....................... ................................................... ..........................
نص في مسألة الإن ّية والغير ي ّة لنيتشه من العلم الم َرِح 170 .............................................. .............. ..................... .....................
إصلاح ّ
175 ............................. ...................... .. .......................... ........ ........... ................... تطبيقات منهجي ّة في مسألة الخصوصية و ال كونية
تدر يب على موضوع السؤال 176 ...................................... ........................................ ............... .............. ...............................................
-2تحديد البنية المنطقية للموضوع185 ................. ............................................. ................................ ......................... .......................... :
190 ..................................... ....................... ........... .......................................... ................................. إصلاح موضوع في صيغة سؤال
-2تحديد البنية المنطقي ّة للموضوع (الأفك ار والعلاقات)190 .............................. ............................................ ................................... :
192 ...... .................................................................. ....... ........... ............. ........................................................... -4تحديد المرجعي ّات:
.IIالعمل على ورقة الامتحان193 ............... .................................... ........................ ...................... ..................................................... :
إصلاح موضوع في صيغة إقرار أو قول يقوم على موازنة في مسألة :الخصوصي ّة وال كونية197 ............. .............. .......................... ......:
223
الأستاــذ :صابــــر بوزايدة
-2تحديد البنية المنطقي ّة( :الأفكار والعلاقات) 197 ................ ............. ....................... ............................ ............................................
.IIالعمل على ورقة الامتحان199 ................... ........................ ...... ................................................................... .................................. :
تطبيقات منهجي ّة في مسألة التواصل و الأنظمة الرمزي ّة 203 ................ ....................................... ............................. ..........................
تدر يب على موضوع السؤال 204 ...................... ................... ................ ................................................... ..............................................
.Iالعمل على المسودة205 ............... .......... .................... .......... ...................... ........................................ .............................................. :
. IIالعمل على ورقة الامتحان208 .............. ......................... .................................................. ............................................................. :
إصلاح موضوع في التواصل و الأنظمة الر ّمزي ّة 215 ................ ........ ............... .................................. ...................................................
224