اثر الشريعة الاسلامية في الديناميكية

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫كان ظهور اإلسالم أعظم حدث في تاريخ العرب‪ ،‬وبداية تحول خطير في حياتهم الدينية واالجتماعية‬

‫والسياسية والفكرية‪ ،‬وكان له أكبر األثر في حياتهم بحيث أّد ي إلي انقالب تام في معالم هذه الحياة‪،‬‬
‫وتبدل في مقاييسها وُنُظمها ومرافقها‪ ،‬كما بّد ل من نفسية العربي وشخصيته ونمط تفكيره‪.‬‬

‫علي الصعيد الديني ‪:‬‬

‫‪-‬قضي اإلسالم علي الوثنية وقرر التوحيد المطلق لّله في الذات والصفات والتوجه له بالعبادة وحده‪،‬‬
‫جاء في القرآن ‪« :‬وإ لُهُك ْم إلٌه واِح ٌد ال إلَه إّال ُهَو الَّر حمُن الَّر حيُم »(‪ .)1‬أفاد المؤمن من عقيدة التوحيد ‪:‬‬

‫‪-‬االستقالل والحرية‪ ،‬فليس ألحٍد عليه سلطان‪.‬‬

‫‪-‬وصفتي األنفة والعّفة‪ ،‬من اعتقاده ان ال رزاق إّال الّله ‪.‬‬

‫‪-‬والشجاعة وعدم هيبة الموت؛ الّن الذي يملكه هو الّله وحده‪ .‬وبذلك ارتفع إلي العّز ة واإلباء‬
‫واالستشهاد في سبيل الحق‪.‬‬

‫علي الصعيد الفكري والنفسي ‪:‬‬

‫حارب اإلسالم كثيرًا من الخرافات واالوهام كالعرافة والقيافة والكهانة والزجر والصدي والهامة‬
‫والَّر َتم والتعشير وما إلي ذلك‪ .‬ودعا الّناس إلي التفكير المنطقي والتأمل العقلي وطلب العلم والمعرفة‪،‬‬
‫فحّر ك العقول‪ ،‬وفتح األذهان علي أمور كان من شأنها أن بّد لت في المعادلة العقلية عند العرب‬
‫وغيرت نفسيتهم‪ ،‬فقد ُأتيح للعقل في اإلسالم مجال واسع للنظر في سّر الوجود وإ دراك حقيقته وماهيته‪،‬‬
‫وقد نّص ت آيات كثيرة علي تأمل خلق السموات واألرض وما بينهما من كواكب وأفالك وجبال وبحار‬
‫وحيوان وطير وحشرات‪ ،‬ودعت اإلنسان ليتفكر في تعاقب الّليل والنهار والشمس والقمر‪ .‬قال تعالي ‪:‬‬
‫ٍء‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِت‬
‫«أَو َلْم َيْن ُظُر وا في َم َلُك و الَس موا واألْر ِض ‪َ ،‬و ما َخ لَق الّلهُ ْن شي وأْن َع سي أْن َيُك وَن َقد اْقَتَر َب‬
‫أَج ُلُهْم فبأّي حديث َبْع َد ُه ُيؤِم ُنوَن » وقوله تعالي ‪« :‬وآيٌة َلُهُم الّليُل َنْس َلُخ منه النهاَر فإذا ُهُم ُم ظِلُم وَن *‬
‫تجري ِل َتَقٍّر َلها‪ ،‬ذِلَك تقدي ال ِز يِز ال ليم * والَق َقَّد رنا مناِز َل َح ّتي عاَد َك ال ُج ون القديِم‬
‫ُعْر‬ ‫ُه‬ ‫َمَر‬ ‫َع‬ ‫ُر َع‬ ‫ُم ْس‬ ‫والَّش ْمُس‬
‫* ال الَّش مُس َينبغي لها أن ُتْد ِر َك الَقَمَر وال الّليُل ساِبُق الّنهاِر َو ُك ٌّل في َفَلٍك َيْسَبُح وَن »(‪ )15‬وقوله تعالي ‪:‬‬
‫«فلَيْن ُظِر اإلنساُن ِم َّم ُخ ِلق »‬

‫علي الصعيد الخلقي ‪:‬‬


‫كان هناك للعرب بعض الصفات الخلقية كالكرم والشجاعة‪ ،‬والتضحية واباء الضيم وحماية الجار‬
‫وغيرها‪ ،‬اّال أّن ها باتت تضعف وتتغير معاييرها األساسية عندما تغلبت العصبية والتناحر فيما بينهم‪،‬‬
‫وما نتج عنه من سلب ونهب واغارة وابتزاز؛ وذلك لظروفهم االقتصادية وخضوع حياتهم لناموس‬
‫تنازع البقاء(‪.)33‬‬

‫لقد وضع الدين الجديد معطيات جديدة وأسسًا متكاملة؛ حيث وضع لألخالق مثًال عليا تخالف الجاهلية‪،‬‬
‫فكان من أهم أهدافه التأكيد علي المبادئ االخالقية التي تحلي بها العرب قبل اإلسالم بشرط أن تكون‬
‫حمًي للعقيدة وحصنًا للحق‪ ،‬وظهيرًا للخير‪ ،‬ووسيلة إلي نصرة المظلوم‪ ،‬ونجدة المهضوم‪ ،‬وإ نصاف‬
‫الضعفاء‪ ،‬ونفع الناس‪ ،‬وال يرتضي أن تتخذ وسائل للعدوان‪ ،‬أو مظاهر لالستعالء‪ ،‬أو دعائم لإلفساد‬
‫في االرض وإ ذالل الضعفاء‪.‬‬

‫فمثًال كان الكرم خلقًا فاضًال في الحياة الجاهلية‪ ،‬طالما باهي به المفتخرون وأشاد به المادحون‪ ،‬وكان‬
‫البخل رذيلة طالما هجا بها الشعراء‪ ،‬وبرئ منها االسخياء‪ ،‬ولكن كرم العرب في الجاهلية كان من‬
‫امالء البيئة وكان وسيلة من وسائل الفخار والكلف بحسن االحدوثة‪.‬‬

‫علي الصعيد االجتماعي ‪:‬‬

‫حّطم اإلسالم رابطة المجتمع القبلي القائمة علي الدم والنسب‪ ،‬وأحّل محّلها رابطة اإليمان واإلشتراك‬
‫في الدين الواحد‪ ،‬كما جعل المسلمين سواسية فأكرمهم عند الّله أتقاهم‪.‬‬

‫لقد اعتني اإلسالم في بناء المجتمع وتنظيمه‪ ،‬فوضع له القواعد المحكمة التي توّطد الصلة بين أفراده‬
‫علي أساس من المودة والرحمة والتعاون‪.‬‬

‫كما اهتم اإلسالم بالدعامة االولي للمجتمع (وهي االسرة) التي من شأنها أن تؤدي إلي صالح البناء‬
‫كله‪ ،‬أي المجتمع باسره‪.‬‬

‫وبعد تنظيم هذه الدائرة الضيقة انتقل اإلسالم إلي تنظيم دائرة اوسع‪ ،‬وهي دائرة االقارب وذوي‬
‫األرحام‪ ،‬يهدف من وراء ذلك الي ان يكون الذين يمت بعضهم الي بعض بأواصر االبوة أو األخوة أو‬
‫المصاهرة‪ ،‬متعاونين متواسين متضامنين فيما بينهم‪ ،‬علي أساس من البر واالحسان والتعاطف‬
‫والمودة‪.‬‬
‫علي الصعيد اإلقتصادي ‪:‬‬

‫ارتكز النظام اإلقتصادي في االسالم علي أصلين أساسين ‪:‬‬

‫األّو ل ‪ :‬هو االعتراف بمواهب الفرد وحّقه المقدس في ثمار عمله وكفاحه‪ ،‬والسماح له بحرية ضمن‬
‫اطار القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها االسالم‪ ،‬ولم يكن ذلك التحديد تحديدًا للحرية في الحقيقة‪،‬‬
‫وإ ّنما هو عملية انشاء للمحتوي الداخلي لالنسان الحر انشاًء معنويًا صالحًا‪ ،‬حيث تؤدي تلك الحرية في‬
‫ظله رسالتها الصحيحة‪.‬‬

‫فكان دوره اإليجابي الفعال في ضمان اعمال البر والخير التي تتمثل في اقدام المسلمين بمل ء حريتهم‬
‫المتبلورة في اطار ذلك التحديد علي دفع الزكاة وغيرها من حقوق الّله ‪ ،‬والمساهمة في تحقيق مفاهيم‬
‫اإلسالم في العدل االجتماعي‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬تقرير حق المجتمع في كسب الفرد‪ ،‬ووجوب التضامن والتكافل االجتماعي بين ابناء االمة‪،‬‬
‫فوضعت الشريعة مبدأ اشراف ولي األمر علي النشاط العام‪ ،‬وتدخل الدولة لحماية المصالح العامة‬
‫وحراستها‪.‬‬

‫علي الصعيد الثقافي واألدبي ‪:‬‬

‫كان العرب حتي ظهور االسالم شعبًا شبه منعزل‪ ،‬لم تتح له الفرصة الكافية في االختالط بالشعوب‬
‫المتمدنة‪ ،‬فظل متشبثًا بتقاليده وأفكاره‪ ،‬محافظًا علي لغته التي تعتبر مظهر حياته العقلية ومرآة آدابه‪،‬‬
‫ودليل أخالقه‪.‬‬

‫ولم يكن هناك علٌم منظم‪ ،‬وال علماء يدونون قواعده‪ ،‬وال دين واحد يجمعهم تحت لوائه؛ بل كانوا‬
‫طوائف مبعثرة‪ ،‬متنافسة‪ ،‬متناحرة فميا بينها‪ ،‬يسودها الجهل واالمية والفقر واالمراض‪ ،‬فكان ظهور‬
‫االسالم في ذلك الحين نتيجة محتومة‪ ،‬ونقضًا صريحًا لتلك الحياة‪.‬‬

‫وحيث ان الفصاحة والبيان أمّد سببًا الي النفوس‪ ،‬لذا فقد اجتذبهم القرآن ببالغته وسحر بيانه واعجازه‬

‫واحكام أساليبه‪ ،‬فقادهم من ألسنتهم الّن ها مفاتيح ارواحهم‪ .‬واخذ الفكر الجديد يشق لنفسه طريقًا جديدًا‬
‫فيصبح هو الناطق للدعوة الجديدة تّو جت بانتصاراتها وبنشر فكرها في تطهير العقيدة وبناء المجتمع‬
‫بصيغة جديدة وفق قواعده‪ ،‬فتمكن من صهر الصراعات وغليان الصدور والعصبية في بوتقة الجهاد‪،‬‬
‫فانعقدت قلوبهم عليه‪ ،‬واستقاموا لدعوته‪.‬‬

‫علي الصعيد السياسي ‪:‬‬

‫قامت دعوة االسالم علي أساس تنظيم الشؤون الدينية والدنيوية للبشر عامة‪ ،‬فاإلسالم دين ودولة‪،‬‬
‫وعقيدة وشريعة‪.‬‬

‫والعقيدة ‪ :‬هي الجانب النظري في االسالم الذي يطلب االيمان به أّو ًال وقبل كل شيء‪ ،‬وقد تضافرت‬
‫النصوص القرآنية الواضحة علي تقريرها‪ ،‬وهي أّو ل ما دعا اليه الرسول‪ ،‬وقد أجمع المسلمون عليها‪.‬‬
‫كااليمان بالّله وحده ال شريك له‪ ،‬وااليمان بمالئكته وكتبه ورسله وبالبعث والحساب‪ ،‬وهذه هي أركان‬
‫العقيدة التي يقوم عليها البناء الروحي للدولة االسالمية‪.‬‬

‫والشريعة ‪ :‬هي النظم التي شرعها الّله أو شرع أصولها‪ ،‬ليأخذ االنسان بها نفسه وفي عالقته برّبه‬
‫(وسبيلها أداء الواجبات الدينية كالصالة والصوم) وعالقته بأخيه (وسبيلها تبادل المحبة والتناصر علي‬
‫الدوام) وعالقته بالكون (وسبيلها حرية البحث والنظر في الكائنات واستخدام آثارها في رقي االنسان)‬
‫وعالقته بالحياة (وسبيلها التمتع بالحالل من طيبات الحياة دون اسراف)‪.‬‬

You might also like