101- ردود جديدة

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 26

‫ردود جديدة‬

‫على‬

‫إدوارد سعيد‬
‫تقرير عن فلسطين‬

‫في تموز (يوليو) ‪ 1944‬نشرت مجلة "ريدرزدايجست" مقاًال بعنوان "تقرير عن فلسطين" وقد‬
‫عهد المسؤولون عن المجلة إلى تكليف محررهم في الشرق األوسط بكتابة هذا المقال‪ ،‬وتحرك‬
‫فردري ك ب انثيون إلى العم ل وزار فلس طين والتقى ممثلي الفلس طينيين وممثلي اليه ود‪ ،‬وك ان‬
‫محايدًا نزيهًا فنقل وجهة النظر من الجانبين كما عبر عنها أصحابها‪ ،‬وقد نشر هذا المقال في‬
‫الطبعات األمريكية والبريطانية والسويدية واألسبانية والبرتغالية لمجلة "ريدرزدايجست"‪ ،‬وكان‬
‫هذا يعني أن ‪ 40‬مليونًا من القراء من جميع أنحاء العالم سوف يطلعون عليه وهذه هي المرة‬
‫األولى التي يتاح فيها االطالع عل] وجه النظر العربية في مساحة بهذا االتساع‪.‬‬

‫يبدأ الكاتب مقاله بقوله‪ :‬إن جوهر المسألة اليهودية العربية هو الهجرة طبعًا‪ ،‬فاليهود يبغون أن‬
‫تك ون هج رتهم غ ير مقي دة ح تى يبل غ ع ددهم ‪ 4‬ماليين‪ ،‬والع رب يقول ون إنهم لن يحتمل وا أي ة‬
‫هج رة يهودي ة أخ رى‪ ،‬وهمن يوافق ون على أال يق اوموا أو يعرقل وا اليه ود الموج ودين اآلن في‬
‫فلس طين وع ددهم ‪ 550‬أل ف‪ .‬بع د ذل ك ينتق ل الك اتب إلى نص الكت اب األبيض اإلنكل يزي في‬
‫الوقت الحاضر‪ ..‬وهذا الكتاب ينص على التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون ثلث سكان فلسطين من اليهود والثلثان من العرب‪..‬‬

‫‪ -2‬أن يقصر بيع األراضي لليهود على مناطق معينة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن تنقط ع الهجرة اليهودية بعد ‪ 31‬آذار (م ارس) سنة ‪ ،1944‬وهذا القيد ال يسري على‬
‫‪ 75‬ألف يهودي مرخص لهم في الدخول‪ ،‬وال يزال هناك حوالي ‪ 33‬ألفًا منهم لم يدخلوا بعد‪.‬‬

‫‪ -4‬على الحكومة البريطانية أن تعيد النظر في مسألة فلسطين بعد انقضاء عشر سنوات (أي‬
‫في ‪ 31‬آذار سنة ‪ )1954‬توطئة لمنحها الحكم الذاتي المحلي‪.‬‬

‫ويقبل العرب في الوقت الحاضر العمل بالكتاب األبيض‪ .‬أما اليهود فيقاومونه بشدة بل بعنف‪.‬‬
‫ويتلفت العرب حولهم فيرون بالدًا عربية مستقلة‪ ،‬ويود عرب فلسطين أن يظفروا باالستقالل‬
‫أيض ًا‪ ،‬ولكنهم ال يعرف ون كي ف ينالون ه‪ ،‬والع رب في ال وقت الحاض ر (س نة ‪ )1944‬يخش ون‬
‫اليهود لسببين األول أن اليهود أعلى لسانًا ووراءهم صحافة عالمية وثروة طائلة‪ ،‬والثاني أن‬
‫اليه ود ال يزال ون يهرب ون األس لحة بكثاف ة مدهش ة وعلى نط اق واس ع ج دًا‪ ،‬واألم ر ال يقتص ر‬
‫على البنادق بل يمتد إلى المدافع الرشاشة ومدافع الهاون وقد قيل لي إنهم يتقنون اآلن صنع‬
‫القنابل اليدوية‪ ،‬وحيال هذا يلقي العرب أنفسهم غير منظمين‪ ،‬وليس لهم من ينطق بلسانهم وال‬
‫يملكون من السالح إال القليل‪.‬‬

‫وق د قي ل لي إن ه إذا وقعت الواقع ة ف إن اليه ود على قل ة ع ددهم يس تطيعون أن ين ازلوا الع رب‬
‫ومن هنا كان اعتماد العرب على البريطانيين لحفظ السالم‪ ،‬أما اليهود فوجهوا طاقتهم لنقض‬
‫الكتاب األبيض والضغط على بريطانيا لتلغي األحكام الخاصة بالهجرة‪.‬‬

‫ويقول اليهود إنهم لن يرضوا قط بالحكم الذاتي لفلسطين والعرب فيها ‪ 700‬ألف واليهود ‪550‬‬
‫ألفًا‪.‬‬

‫ويصرح هاري بيلين من أعضاء الوكالة اليهودية بقوله‪ :‬إننا نصبح مرة أخرى أقلية كما هو‬
‫حالنا في كل مكان آخر‪.‬‬

‫وقبل أن يجيء اليهود إلى فلسطين بعد وعد بلفور‪ ،‬كان العرب يصدرون في العام حوالي ‪5‬‬
‫ماليين صندوق من برتقال يافا المشهور‪ ،‬وقبل أن تمنع الحرب القائمة (نحن في سنة ‪)1944‬‬
‫الص ادرات ك ان يش حن في الع ام ‪ 25‬ملي ون ص ندوق من بس اتين الم والح‪ ،‬وهي بس اتين ك ان‬
‫العرب يملكون فيها ‪ 55‬في المئة‪ ،‬بينما يملك اليهود ‪ 45‬في المئة‪.‬‬

‫يتحدث الك اتب عن قض ية اليهود وقضية الع رب‪ ،‬أن من حجج اليهود األص لية إلنش اء الوطن‬
‫الق ومي اليه ودي‪ ،‬أن اليه ودي ينبغي أن يع ود إلى األرض وأن يهج ر الحض ر ويعم ل في‬
‫الفالحة‪ ،‬ولكن أرقام اليهود اليوم (سنة ‪ )1944‬تقول إن ‪ 23‬في المئة يعملون في الفالحة‪ ،‬أما‬
‫الغالبي ة الباقي ة فيعيش ون في الم دن‪ ،‬وي ذكر الع رب الحق ائق اآلتي ة‪ :‬أنهم يملك ون معظم األرض‬
‫وفي جملتها ‪ 95‬في المئة من مزارع الزيتون ويملكون من الماشية ‪ 215‬ألف رأس وال يملك‬
‫اليهود سوى ‪ 28‬ألفًا وللعرب من الغنم ‪ 225‬ألف ًا‪ ،‬بينما ال يملك اليهود سوى ‪ 20‬ألف ًا ويتناول‬
‫الع ربي ال ثري بيدي ه ويق ول إن ه ذه أرض ه تاريخ ًا وفعًال وم ا من ق وة تس تطيع أن تس لبه إياه ا‬
‫بغير قتال‪.‬‬
‫وم رت األي ام ووق ع المحظ ور وتط ور الموق ف فلم تع د قض ية الالج ئين اليه ود هي القض ية‪،‬‬
‫وأعلنت دول ة إس رائيل س نة ‪ 1948‬وه ا نحن في الق رن الجدي د نش اهد اليه ود يتس لون بقت ل‬
‫الفلس طينيين ك ل ي وم‪ ..‬وتك اد ع برة األي ام أن تح دثنا أن ه ال قيم ة لش يء س وى الص راع‬
‫والمقاوم ة‪ ..‬لق د بل غ اليه ود م ا بلغ وه باإلره اب‪ ،‬إره اب العص ابات الص هيونية أوًال ثم إره اب‬
‫الدولة العبرية ثانيًا‪ ،‬وال يفل الحديد إال الحديد‪.‬‬

‫أحمد بهجت‬

‫==================‬

‫إدوارد سعيد يراوح بين الصواب والخطأ‬

‫نش رت "األه رام ويكلي أون الين" في ع ددها ‪ 16-10‬ك انون الث اني‪ /‬ين اير ‪ ،2002‬مقال ة‬
‫للبروفيس ور إدوارد س عيد‪ ،‬تحت عن وان "ب روز ب دائل في فلس طين"‪ .‬وهي مقال ة تمث ل مرحل ة‬
‫ثالث ة‪ ،‬أو رابع ة‪ ،‬في معالجت ه للقض ية الفلس طينية من ذ اتف اق أوس لو ح تى الي وم‪ .‬فق د تمثلت‬
‫المرحل ة األولى إلى ج انب نق ده الق وي والص ارم التفاقي ة أوس لو في رف ع ش عار "إقام ة دول ة‬
‫ديمقراطية" لكل مواطنيها‪ ،‬أو ثنائية القومية في فلسطين‪ ،‬وجاءت المرحلة الثانية مع اندالعة‬
‫االنتفاضة ليرى الحل بإقامة دولتين الفلسطينية في الضفة والقطاع‪ ،‬واألخرى اإلسرائيلية على‬
‫أس اس قي ام كونفدرالي ة بينهم ا‪ .‬ثم بل ور م ؤخرًا ش عارًا اق ترب ب ه من الفهم الص حيح لطبيع ة‬
‫الص راع ال دائر اآلن‪ ،‬وه و ه دف "دح ر االحتالل ومخّلفات ه" بال قي د أو ش رط‪ ،‬وع دم التف اوض‬
‫على ذلك ألن من شأن التفاوض أن يمد من عمر االحتالل وليس العكس‪.‬‬

‫يشكل هذا التطور األخير في موقف إدوارد سعيد خطوة متقدمة عن مواقفه السابقة التي أثبتت‬
‫أنه يظل بعيدًا عن فهم طبيعة الصراع عندما راح يتعّل ل بأوهام "دولة لكل مواطنيها" أو ثنائية‬
‫القومية‪ ،‬أو حين اختل ميزانه‪ ،‬إذ طالب بحل الكونفيدرالية بين الدولة العبرية ودولة فلسطينية‪،‬‬
‫وهي س قطة‪ ،‬أحس به تراج ع عنه ا‪ ،‬وك ان هنال ك بين ه ذين الم وقفين مق االت متأرجح ة حس ب‬
‫الظروف التي تكتب فيها مثًال التركيز على الجانب األخالقي في القضية للوصول إلى حل من‬
‫خالل التأثير في الرأي العام العالمي‪ ،‬واتخذ قدوته في ذلك‪ ..‬زعيم جنوب أفريقيا مانديال الذي‬
‫ك ان جم ع بين القض اء على النظ ام العنص ري والمس اواة المواطني ة بأغلبي ة حاكم ة س وداء من‬
‫جه ة‪ ،‬أو بين اس تخدام مختل ف وس ائل الكف اح بم ا في ذل ك المقاوم ة المس لحة‪ ،‬وه ذا الج انب‬
‫ُيسقطه إدوارد سعيد عند محاولة االقتداء بالتجربة الجنوب أفريقية‪.‬‬

‫ال ش ك في أن ترك يز إدوارد س عيد في مقالت ه األخ يرة على ه دف دح ر االحتالل وك ل مخلفات ه‬
‫(المس توطنات وما ح دث في تغيير وتهويد في الق دس)‪ ،‬وبال قيد أو شرط‪ ،‬وعلى التحدي د‪ ،‬بال‬
‫تفاوض‪ ،‬يكون قد اقترب كثيرًا من موقف عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية‪ ،‬بما فيها حماس‬
‫والجهاد‪ .‬والتقى كذلك عدا في موضوع‪ ،‬بال قيد وال بمفاوضات‪ ،‬مع هدف معلن من قبل فتح‬
‫والسلطة الفلسطينية‪.‬‬

‫على أن عنوان المقالة ومحتواها يكشفان‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬عن أن إدوارد سعيد ال يبحث عن‬
‫وح دة الش عب الفلس طيني باعتباره ا ش رطًا أساس ًا من ش روط مقاوم ة االحتالل ودح ره وإ نم ا‬
‫يبحث عن بديل لكل ما هو قائم في الساحة ليأتي على يده وحده الخالص‪ ،‬وبهذا يكون قد عاد‬
‫إلى الوهم (محاولة فرض األفكار واألماني على الواقع دون أن يكون لها من نصيب في ذلك)‬
‫الذي يقفز فوق حقائق مؤسسة تاريخي ًا‪ ،‬ومج ّذ رة في الواقع الفلسطيني‪ ،‬فيستبعدها جميع ًا‪ ،‬لهذا‬
‫الس بب أو ذاك‪ ،‬ويح ل مكانه ا ب ديًال‪ ،‬يمكن ه‪ ،‬في أحس ن األح وال‪ ،‬وق د ج اء مت أخرًا ج دًا‪ ،‬أن‬
‫يص بح طرف ًا في معادل ة وح دة الش عب الفلس طيني ه ذا إذا نجح ب التحول إلى "ح زب" أو "كتل ة"‪،‬‬
‫أما أن يعامل باعتباره هو وأسلوبه (النضال الالعنفي) بدائل تنفي ما حولها من قوى وأساليب‬
‫كفاح متعددة األشكال فهذا ضرب من مجافاة سنن الواقع وقوانين الحياة بل حتى شروط تشكل‬
‫البديل‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬أن تنشأ حركة جديدة داخل صفوف الشعب الفلسطيني‪ ،‬فمسألة ال غبار عليها‪ ،‬بل‬
‫قد تكون خطوة إيجابية بإضافة زخم جديد إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته وصموده‬
‫وال أحس ب أن أح دًا من الع املين في الس احة الفلس طينية ي نزعج من ذل ك إال إذا فّك ر بطريق ة‬
‫ض ّيقة وفئوي ة ج دًا مثلم ا يفك ر إدوارد س عيد وه و يق دم بديل ه‪ .‬ولكن ح تى م ع ه ذا االنزع اج‬
‫"الفئ وي" س وف ال يقاب ل ذل ك الب ديل باإلقص اء أو الهج وم كم ا يفع ل إدوارد س عيد في نهج ه‬
‫اإلقص ائي‪ ،‬ونق ده الع دائي‪ ،‬وإ ن من يت ابع مواق ف حم اس وحرك ة الجه اد يس تطيع أن يلح ظ أن‬
‫مشكلة العلمانية أو مسألة والدة كتلة علمانية لن يزعجهما أبدًا‪ ،‬ما دامت تلك الحركة ستقاوم‬
‫االحتالل‪ ،‬وبالطريقة التي تراها مناسبة‪ ،‬فالعلمانية في الساحة الفلسطينية ليست اختراعًا جديدًا‪،‬‬
‫والتعاون الوثيق بين اإلسالميين والعلمانيين قد أصبح له تاريخ راسخ‪ ،‬على األقل خالل عشر‬
‫السنوات الماضية‪.‬‬

‫وله ذا حين ي دعو إدوارد س عيد تحت راي ة علمانيت ه المح دودة إلى محارب ة "األص ولية" في‬
‫فلسطين‪ ،‬ومعاملتها على قدم المساواة مع "التطرف اإلسرائيلي" يفقد أوًال بوصلته التي حددها‬
‫بأولوي ة ه دف دح ر االحتالل‪ ،‬وبال قي د‪ ،‬وثاني ًا يض ع نفس ه في عزل ة كامل ة عن الش عب‬
‫الفلس طيني ال ذي يري د توحي د جمي ع ق وى الش عب الفلس طيني تحت ش عار "وح دة الق وى الوطني ة‬
‫اإلسالمية" وثالثًا‪ ،‬أحسب أن رأيه معزول حتى بين الذين وّقعوا "على البيان" واعتبرهم بديًال‪،‬‬
‫وكان هو أحدهم‪ ،‬وذلك حين يشدد كل ذلك النكير على حماس والجهاد وال يتوّر ع عن استخدام‬
‫عب ارة تهكمي ة بوص فهم "أص حاب اللحى"‪ ،‬فه ؤالء في أغلبهم حين يط البون في البي ان بالوح دة‬
‫الفلس طينية والمقاوم ة وإ نه اء االحتالل‪ ،‬بال قي د ال يخط ر بب الهم إقص اء اإلس الميين أو من‬
‫يقاومون بالسالح من الفصائل األخرى أو من يلجأون إلى قذف الحجارة على قوات االحتالل‪،‬‬
‫من تلك الوحدة فمصطفى البرغوثي الذي يستشهد به إدوار سعيد لتدعيم رأيه مشارك في وحدة‬
‫القوى الوطنية واإلسالمية‪ ،‬وال يعامل حماس والجهاد باللغة التي يستخدمها إدوارد سعيد‪ ،‬وال‬
‫يه اجم الكف اح المس لح ض د االحتالل من حيث أتى ح تى ل و اتب ع ه و منهج ًا آخ ر في مقاومت ه‬
‫لالحتالل‪.‬‬

‫فعلى إدوارد سعيد ما دام انخرط في حزب‪ ،‬أو كتلة فلسطينية قيد التشكل كما يأمل‪ ،‬أن ينأى‬
‫بلغت ه وه و يتح دث عن حم اس والجه اد عن اللغ ة ال تي يس تخدمها ش ارون وب وش فيعّب ر عن‬
‫وجه ة نظ ره المختلف ة بم ا يخ دم الوح دة الوطني ة‪ ،‬وليس بم ا يث ير الفتن ة حين تتح ول اللغ ة إلى‬
‫القمع واإلقصاء والعدائية المفرطة‪.‬‬

‫أن ي دافع إدوارد س عيد عن األس لوب الالعنفي في مقاوم ة االحتالل فه ذا ش يء‪ ،‬أم ا أن يأخ ذ‬
‫موقفًا عدائيًا من أساليب مقاومة االحتالل األخرى فشيء آخر تمامًا‪ ،‬ألنه إذا أنكر‪ ،‬أو استنكر‪،‬‬
‫األس اليب األخ رى بم ا فيه ا الكف اح المس لح يض ع نفس ه‪ ،‬أوًال بمخالف ة م ع مب دأ أقرت ه الش رائع‬
‫والقوانين واألعراف الدولية كافة‪ ،‬بما في ذلك تجربة قدوته مانديال في جنوبي أفريقيا‪ ،‬ومعظم‬
‫حرك ات التحري ر ض د االس تعمار‪ ،‬ناهي ك عن التجرب ة األمريكي ة ض د االحتالل البريط اني‪ ،‬أو‬
‫المقاومات األوروبية ضد االحتالل النازي‪.‬‬
‫وثاني ًا‪ :‬يتكش ف موقف ه عن خل ل في ق راءة التجرب ة التاريخي ة الفلس طينية نفس ها من ذ م ا بع د‬
‫الحرب العالمية األولى حتى اآلن‪ ،‬فعلى الرغم من االختالل الهائل في ميزان القوى الذي ساد‬
‫الصراع ضد المشروع الصهيوني المدعوم من الدول الكبرى دعم ًا مباشرًا وغير مباشر‪ ،‬فإن‬
‫الش عب الفلس طيني ك ان مض طرًا لممارس ة مختلف أش كال الكف اح والمقاوم ة‪ ،‬ولم يحص ر نفس ه‬
‫بالض رورة واالض طرار ض من ح دود ش كل واح د من أش كال النض ال‪ ،‬ف الطرح بطبيعت ه ك ان‬
‫صراع وجود‪ ،‬أي كان ال بد من ترحيل الشعب الفلسطيني (الجزء األكبر منه) من أجل إقامة‬
‫الدول ة العبري ة‪ ،‬فم ا ك ان ليج دي بين ‪ 1948 – 1917‬أن يس تخدم أس لوب الالعن ف كم ا فع ل‬
‫"غاندي"‪ ،‬وكان من معاصريه الفلسطينيين عدة "غانديين"‪ ،‬أو كان أغلب الفلسطينيين متعاطفين‬
‫م ع "غان دي" وحركت ه الالعنفي ة في ط رد االحتالل البريط اني (الع دو المش ترك في حين ه)‪ ،‬وم ا‬
‫ك ان ليج دي االستس الم‪ ،‬أو اس تعداد "التح الف م ع بريطاني ا"‪ ،‬وك ان هن اك من ح اولوا ذل ك‪،‬‬
‫وطالبوا بمعاهدة معها مثل المعاهدة "العراقية – البريطانية"‪ .‬أما السبب األول في فشل كل ذلك‬
‫ف يرجع إلى طبيع ة الص راع نفس ه –المش روع الص هيوني نفس ه واإلس تراتيجية البريطاني ة –‬
‫الغربية في حينه‪ ،‬كما يرجع إلى الحالة العربية التي كبلت بالتجزئة والسيطرة االستعمارية‪.‬‬

‫أما االضطرابات والتظاهرات واالعتصامات (تدخل ضمن إستراتجية الالعنف كما تدخل في‬
‫إس تراتيجية الكف اح المس لح) فك انت تف ّر ق بال دم والقم ع واالص طدام بالحائ ط‪ ،‬مم ك ان يف رض‬
‫اللجوء إلى السالح والمقاومة وهذه كانت تصيب بعض نجاح في فرض التراجع على بريطانيا‬
‫كانت تواجه بالحصار من خالل النفوذ البريطاني – الفرنسي على الدول العربية في حينه مما‬
‫ك ان يض طرها إلى القب ول بالتهدئ ة لتس حب بريطاني ا م ا قدمت ه من تراج ع ج زئي ليع ود تنفي ذ‬
‫المشروع الصهيوني بزخم أشد‪.‬‬

‫وإ ذا جئن ا إلى تجرب ة ‪( 1965 – 1949‬أو ‪ 1967‬في األدق) فس نجد في تجرب ة الفلس طينيين‬
‫ال ذين بق وا تحت الدول ة العبري ة مث اًال على ال ج دوى "النض ال الس لمي" والالعنفي ليف ع عنهم‬
‫الم يز العنص ري فق ط‪ ،‬وليس حماي ة أرض هم أو الع ودة إلى ق راهم وم دنهم ال تي هج روا منه ا‪،‬‬
‫ناهي ك عن الحق وق األساس ية األخ رى‪ ،‬فال ذين يظن ون أنهم "اخ ترعوا الب ارود" حين اكتش فوا‬
‫نظرية النضال الالعنفي عليهم أن يسندوا ذلك من تجربة عرب ‪ 48‬أوًال‪ ،‬ومن تجربة الخلود‬
‫إلى الس كينة والمناش دة ض مير ال رأي الع ام الع المي من ‪ 1949‬إلى ‪ 1968‬بالنس بة إلى بقي ة‬
‫الش عب الفلس طيني‪ ،‬ثم هنال ك التجرب ة ‪ 1968‬إلى اآلن حيث يمكن أن تس تقرأ نت ائج ك ل ش كل‬
‫من أش كال النض ال حي يمكن رس م مش هد يح وي على م ا ع رف وم ا لم يع رف من أش كال‬
‫مقاومة االحتالل‪.‬‬

‫قراءة التجارب جميعًا يجب أن ال تنفصل عن قراءة طبيعة الصراع الذي كان ولم يزل يحمل‬
‫ط ابع ص راع وج ود‪ ،‬أو عن الفهم ال دقيق لطبيع ة المش روع الص هيوني نفس ه واإلس تراتيجية‬
‫الغربي ة عموم ًا واإلس تراتجية األمريكي ة خصوص ًا (في مرحلته ا الراهن ة)‪ ،‬كم ا يجب أن ال‬
‫ينفصل عن قراءة موازين القوى والوضع العربي واإلسالمي العام فالشعب الفلسطيني كان ولم‬
‫ي زل مس تهدفًا الم دنيين باإلره اب وال ترويع ه و الط رف الص هيوني‪ ،‬ثم اإلس رائيلي بع د تش كل‬
‫الدولة كما في مرحلة ما بعد حزيران ‪ ،1967‬ألن المطلوب هو تهجيره وإ حالل المستوطنين‬
‫مكانهم‪ ،‬فالصراع في فلسطين في طبيعته موجه ضد المدنيين الفلسطينيين أوًال وقبل كل شيء‪.‬‬

‫أم ا من الجه ة ف إن الش عب الفلس طيني ك ان ولم ي زل في موق ع ال دفاع عن النفس أو أم ام‬
‫إس تراتيجية دفاعي ة ومن ض منها هج وم تك تيكي مح دود‪ ،‬ومحك وم بالف ارق الهائ ل في م يزان‬
‫القوى‪ ،‬ومن ثم فإن كل ما عرفته التجربة الفلسطينية من أشكال المقاومة ومحاولة طرح حلول‬
‫أو إيجاد مخارج حكمه العامالن السابقان في إطار معادلة عربية مكبلة بالتجزئة‪ ،‬وبأنماط من‬
‫الهيمنة والضغوط الخارجية‪.‬‬

‫وخالص ة م ا ي راد قول ه من الع رض الس ريع للتجرب ة بمجمله ا أن على إدوارد س عيد أن يك ون‬
‫أك ثر تواض عًا وتفهم ًا وه و يع الج الموض وع الفلس طيني أو يتص ّو ر ل ه الحل ول أو يقدّم تج ارب‬
‫كفاحه أو يتقدم بمشروعه الالعنفي‪ ،‬وإ ال سيجد نفسه كما حدث معه عملي ًا خالل الفترة ما بعد‬
‫اتفاق أوسلو حتى اآلن غير قادر على تحديد توجه يثبت عليه‪ ،‬أو هدف يصمد بضع سنوات‬
‫وأحيان ًا ال يصمد بضعة أشهر كما حدث مع "مشروع الكونفيدرالية"‪( ،‬وإ ذا شاء يمكن تذكيره‬
‫بكل مقالته المشار إليها)‪.‬‬

‫ال تنطلق هذه الملحوظات‪ ،‬من روحية عدائية أو من محاولة إلضعاف إدوارد سعيد‪ ،‬ألننا نريد‬
‫أن يضع ثقله العالمي ُيعتز به وُيقدر عالي التقدير في إطار خدمة الوحدة الوطنية واإلسالمية‬
‫الفلس طينية تحت اله دف المش ترك "دح ر االحتالل ومخلفات ه بال قي د أو ش رط وبال مفاوض ة"‪.‬‬
‫وه ذا ال يتع ارض م ع مش اركته ض من تكت ل علم اني وط ني جدي د في الس احة الفلس طينية‪ ،‬ب ل‬
‫سيكون أكثر انسجامًا مع هذا التكتل ويسمح له أن يلعب دورًا أكثر إيجابية فالساحة الفلسطينية‬
‫ك انت ولم ت زل وس تبقى حمال ة للتع دد في اإلس تراتيجية والتكتي ك‪ ،‬وفي التنظيم ات والتكتالت‬
‫والشخصيات‪ ،‬كما في النقد الداخلي المعلن ولكن بال عدائية‪.‬‬

‫تبقى نقطة كانت حافزًا لكتابة مقالته آنفة الذكر إلى جانب البيان الذي أشار إليه وهي المتعّلقة‬
‫بالمجموع ة األوروبي ة – األمريكي ة ال تي ج اءت بمناس بة أعي اد الميالد ورأس الس نة لتعلن‬
‫تضامنها مع الشعب الفلسطيني وتحاول أن تتحدى الحواجز التي تحاصر المدن والقرى تحت‬
‫ش عار تق ديم حماي ة ش عبية دولي ة للش عب الفلس طيني في مواجه ة م ا يتع رض ل ه من جيش‬
‫االحتالل‪.‬‬

‫يب دو من مقال ة إدوارد س عيد أن معلومات ه ض عيفة عن ه ذه الحرك ة حين يق ول‪" :‬إن حرك ة‬

‫تضامن العنفية دولية أطلقت من قبل الدكتور البرغوثي (مصطفى)" وقد ض ّم ت ‪ 550‬مراقب ًا‬
‫أوروبي ًا (ع دد منهم أعض اء من البرلم ان األوروبي) ج اؤوا على حس ابهم الخ اص معت برًا أنهم‬
‫حين تعرضوا للقوات اإلسرائيلية وحركة االستيطان‪ ،‬و"ومنعوا رمي الحجارة أو إطالق النار‬
‫من الج انب الفلس طيني األم ر ال ذي أدى عملي ًا إلى تجمي د الس لطة واإلس الميين ووض ع األجن دة‬
‫التي تجعل االحتالل اإلسرائيلي نفسه بؤرة االهتمام‪ ،‬وذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬بدأت هذه الحركة المناصرة للشعب الفلسطيني من مجموعة فرنسية قاد أول رحالتها إلى‬
‫فلسطين في حزيران ‪ /‬يونيو ‪" 2001‬جوزيه بوفيه" مسؤول العالقات الدولية في الكونفيدرالية‬
‫الفالحي ة الفرنس ية‪ ،‬والمناض ل المع روف ض د العولم ة‪ ،‬وتت ابعت بع د ذل ك ح تى وص لت إلى‬
‫الرحل ة (وهي السادس ة) ال تي أش ار إليه ا إدوارد س عيد وق د دأب المخ رج س مير عبداهلل على‬
‫إص دار أفالم تغطي نش اطاتها اس تهله بفيلم "رحل ة رحالن" ففي فلس طين أك ثر (من فلس طين‬
‫واحدة) نزل إلى األسواق في أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،2001‬ثم بدأت تتسع هذه الحركة لتصبح أوروبية‬
‫– أمريكي ة "إن أمكن" وهي تع د اآلن إلطالق حمل ة باص ات داخلي ة في فرنس ا لمقابل ة الن واب‬
‫ورجال الدولة بحيث يحشد في كل باص شخصيات ومناصرين للشعب الفلسطيني فينطلق كل‬
‫ب اص من مدينت ه ويحض ر اآلن إلى "ي وم أوروبي من أج ل فلس طين" يكرس ه انطالق قط ارات‬
‫وباص ات من أنحاء مختلفة من أوروبا إلى بروكسيل واالتح اد األوروبي (من أجل المزيد من‬
‫المعلومات اقرأ باص وقطار وطائرة من أجل فلسطين‪ ،‬نهلة الشهال الحياة ‪.)13/1/2002‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أه داف ه ذه الحرك ة المفتوح ة على ك ل من يجب أن يش ارك فيه ا هي مناص رة الش عب‬
‫الفلسطيني وتقديم حماية شعبية رمزية أوروبية لها داخل فلسطين من خالل البعثات التي تذهب‬
‫شهريًا تقريبًا‪ ،‬وّطرت نشاطها لتمارس الضغط داخل أوروبا على البرلمانات والحكومات‪ ،‬وإ ذا‬
‫ك انت ال تواج ه ق وات االحتالل ب العنف فه ذا أم ر ط بيعي وض روري بالنس بة لس ائح ي دخل‬
‫فلس طين ليناص ر الفلس طينيين ويتح دى الح واجز‪ ،‬ولكن ليس من أه داف ه ذه الحرك ة أن تبّش ر‬
‫ب الالعنف وتعلم الش عب الفلس طيني كي ف يق اوم االحتالل‪ .‬ومن يش هد الفيلم المش ار إلي ه يلح ظ‬
‫كي ف يعام ل جيش االحتالل األوروب يين وكي ف يعام ل الفلس طينيين‪ ،‬كم ا أن ه ذه الحرك ات لم‬
‫تجيء لمن ع ُر م ات الحج ارة أو إطالق الن ار أو أن تجم د الس لطة واإلس الميين أو تط رح أجن دة‬
‫جدي دة بالتأكي د ه ذا ليس في حس ابها وليس من أه دافها‪ ،‬وهي ليس ت حص ة فئ ة بعينه ا من‬
‫الفلسطينيين‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬إن نش اط ه ؤالء ال ي زعج غ ير الدول ة العبري ة وه و م رّح ب ب ه من ك ل الق وى‪ ،‬ويلقى‬
‫تعاون ًا في خ ارج فلس طين من ع رب‪ ،‬خصوص ًا من لبن انيين من مختل ف األطي اف السياس ية‬
‫والفكرية‪.‬‬

‫==================‬

‫إدوارد سعيد يطرح هدف الفيدرالية حًال للقضية الفلسطينية‬

‫أج رت وكال ة "روي ترز" مقابل ة م ع إدوارد س عيد في الق دس نش رت "الحي اة" مقتطف ات منه ا في‬
‫‪ ،25/6/2001‬جاء فيها أن إقامة اتحاد فيدرالي بين دولة فلسطينية في المستقبل وإ سرائيل هو‬
‫الحل الوحيد للصراع الدامي بين الطرفين‪ ،‬ولكنه استدرك قائًال "ال أعتقد أنه حل قابل للتطبيق‬
‫اآلن‪ ،‬لكن على الم دى البعي د أعتق د أن ه الح ل الوحي د ال ذي يب دو أن ه يأخ ذ في االعتب ار حقيق ة‬
‫وجود شعبين يطالبان باألرض نفسها"‪ .‬وأضاف أنه ال بد أوًال من قيام دولة فلسطينية على كل‬
‫األرض التي احتلتها إسرائيل في حرب عام ‪ 1967‬قبل تشكيل االتحاد‪.‬‬
‫إن أول ما يتوجب الوقوف عنده أن إدوارد سعيد طرح هدفًا جديدًا أمام الشعب الفلسطيني لحل‬
‫الصراع وهو الذي واظب منذ عدة سنوات على طرح هدف "دولة ديمقراطية لكل مواطنيها"‬
‫فما الذي تغير بين اليوم ومقاالت كتبها منذ بضعة أسابيع‪ ،‬أو أشهر‪ ،‬شدد فيها على اتخاذ الح ل‬
‫ال ذي قدم ه مان ديال نموذج ًا ينبغي للفلس طينيين االقت داء ب ه وه و ح ل "الدول ة الديمقراطي ة لك ل‬
‫مواطنيها" وأسماه بالهدف "األخالقي والغربي على حد سواء"؟‬

‫ربم ا ك ان الس بب ه و اقتناع ه ب أن اله دف الم ذكور ليس عملي ًا‪ ،‬وغ ير مقب ول من ج انب‬
‫اإلسرائيليين‪ ،‬فقد فكر في هدف آخر وهو الفيدرالية بين دولة فلسطينية‪ ،‬بعد أن تقوم على كل‬
‫األرض المحتل ة في ح رب يونيو ‪ ،1967‬والدول ة اإلس رائيلية‪ ،‬ولكن ح تى ه ذا "اله دف" موج ه‬
‫بهدف آخر إذ قال "يبدو لي أن دول ثنائية القومية أو إقامة اتحاد كونفيدرالي هو الحل الوحيد‬
‫المعقول بالنسبة إلى اإلسرائيليين ال ذين لن يستطيعوا االس تمرار في العيش في هذا الجزء من‬
‫العالم كقوة محتلة مستأسدة معتدية‪ ،‬كما تقضي بذلك لغة شارون وكل من سبقوه‪.‬‬

‫وبهذا يكون على الشعب الفلسطيني أن يغير أهداف كفاحه ولغة خطابه كلما بدا إلدوار سعيد‬
‫تص ور جدي د لح ل الص راع‪ ،‬ولكن كي ف يح دث ه ذا التغي ير بمث ل ه ذه الس رعة وه و ال يتعل ق‬
‫بش عار راهن‪ ،‬وه دف آني‪ ،‬وإ نم ا بح ل للقض ية الفلس طينية أو للص راع برمت ه‪ ،‬وه و م ا يحت اج‬
‫منه إلى االنتباه في مثل هذا التغيير في الهدف اإلستراتيجي‪.‬‬

‫ل و اعتبرن ا أن الف ارق بين ه دف دول ة لك ل مواطنيه ا يختل ف عن ه دف دول ة ثنائي ة القومي ة‬
‫اختالفًا بارزًا‪ ،‬ووفق ًا لمفهوم طارحي هذين الهدفين لكل منهما‪ ،‬إال أن هدف الفيدرالية يختلف‬
‫نوعيًا عنهما ألن هدف دولة ديمقراطية لكل مواطنيها يفترض تغييرًا ما في الدولة اإلسرائيلية‬
‫القائمة‪ ،‬وأن األمر كذلك بالنسبة إلى دولة ثنائية القومية خصوصًا‪ ،‬حين يراد منه أن يشمل كل‬
‫فلس طين وك ل الفلس طينيين‪ ،‬أم ا ه دف الفيدرالي ة فيس تبقي الدول ة العبري ة على حاله ا ال راهن‬
‫والت اريخي‪ ،‬وُي دخل تحت عباءته ا بالض رورة‪ ،‬دول ة فلس طينية تق وم في الض فة الغربي ة وقط اع‬
‫غ زة‪ ،‬ولم ا ال يكن هنال ك من فيدرالي ة بال جيش في درالي‪ ،‬وبال سياس ة خارجي ة فيدرالي ة‪ ،‬وبال‬
‫نم ط من أنم اط الوح دة االقتص ادية‪ ،‬فه ذا يع ني أن المش روع اق ترب كث يرًا من المش اريع ال تي‬
‫ترددت بعد اتفاق أوسلو وكان من بينها كونفيدرالية أو فيدرالية تشمل األردن كذلك‪.‬‬
‫طبع ًا ال يس تطيع الم رء لئال يظلم إدوارد س عيد‪ ،‬أن يمض ي في اقتراح ه بعي دًا قب ل أن يوض حه‬
‫جيدًا‪ ،‬ألنه يثير مجموعة من األسئلة الخطيرة التي ال يمكن المرور بها مرور الكرام‪.‬‬

‫على أن الش كل األول ال ذي يع اني من ه منهج إدوارد س عيد في بحث ه عن الح ل األنس ب للقض ية‬
‫الفلس طينية أو لم ا يس ميه "ص راع الط رفين"‪ ،‬أو "حقيق ة وج ود ش عبين يطالب ان ب األرض نفس ها"‬
‫فيتمث ل في تجاهل ه لك ون الش عب الفلس طيني ج زءًا من األم ة العربي ة على األق ل‪ ،‬من دون‬
‫اإلش ارة إلى أن ه ج زء من األم ة اإلس المية‪ ،‬وأن القض ية الفلس طينية ليس ت فلس طينية فحس ب‬
‫وإ نما هي أيض ًا عربية وإ سالمية ولهذا تراه يبحث عن حل فلسطيني – إسرائيلي‪ ،‬سواء كان‬
‫عندما طرح هدف دولة ديمقراطية لكل مواطنيها أم هدف دولة ثنائية القومية‪ ،‬واآلن "فيدرالية‬
‫إسرائيلية – فلسطينية"‪.‬‬

‫أم ا الش كل الث اني فيتمث ل في ترك يز هم ه‪ ،‬ك ل هم ه‪ ،‬عن د البحث في ح ل إس تراتيجي للص راع‬
‫على مخاطب ة اإلس رائيليين وال رأي الع ام األم ريكي بحث ًا عم ا يمكن أن يك ون مقب وًال بالنس بة‬
‫إليهم‪ ،‬وعم ا يك ون "في مص لحتهم" وه و م ا تكش فه عب ارة "الح ل الوحي د المعق ول بالنس بة إلى‬
‫اإلسرائيليين"‪ .‬ولكن أين الشعب الفلسطيني نفسه وما هو "الحل الوحيد المعقول بالنسبة إليه"‪،‬‬
‫طبعًا عبارة المعقول ليس لها حدود إذا كان مقياسها موازين القوى أو ما يراه الطرف اآلخر‬
‫معقوًال ثم أين الشعوب العربية واإلسالمية فيما يوجه من خطاب حول قضية أساسية وحاسمة‬
‫بالنس بة إليه ا‪ .‬وه ذه القض ية ذات أبع اد متع ددة قومي ة وديني ة بالنس بة إلى الع رب وديني ة‬
‫وحضارية بالنسبة إلى الشعوب اإلسالمية عمومًا‪.‬‬

‫المهم إن حل الفيدرالية يمكن أن يقال فيه أكثر بكثير مما يمكن أن يقال بالهدفين األولين ألنه‬
‫سيتض من بالض رورة‪ ،‬إلحاق ًا للدول ة الفلسطينية بالدول ة اإلس رائيلية‪ ،‬ومن ثم إدراجها عملي ًا في‬
‫المشروع الصهيوني في فلسطين‪ ،‬وعلى مستوى المنطقة‪ ،‬وال نحسبه يمكن أن يتصور العكس‬
‫أي إلحاق الدولة اإلسرائيلية‪ ،‬وأمريكا والغرب تالي ًا‪ ،‬بالدولة الفلسطينية حتى لو جاء لها‪ ،‬كما‬
‫يطالب بقيادة "معتدلة جديدة"‪ ،‬أما التصور بأن الفيدرالية ستكون متوازنة‪ ،‬أو متقاسمة‪ ،‬بصورة‬
‫متس اوية‪ ،‬بين ال دولتين فتص ور ُيلغي ك ل ق وانين الص راع وم وازين الق وى أو يف ترض دول ة‬
‫عبري ة عالي ة النزاه ة والعدال ة وحس ن الني ات إزاء الفلس طينيين والع رب والمس لمين‪ ،‬وه ذه‬
‫فرضية ال يحق أن يتصورها أحد خصوص ًا إذ اعتبر نفسه ممن يملكون معرفة عميقة ودقيقة‬
‫للمجتمع اإلسرائيلي وللصهيونية وللدولة العبرية‪.‬‬

‫ه ذا طبع ًا دون اإلش ارة إلى م ا يعني ه ذل ك من تك ريس لم ا ح دث من اغتص اب لفلس طين قب ل‬
‫ح رب يوني و ‪ ،1967‬ومن إس قاط لك ل الحق وق األساس ية للش عب الفلس طيني‪ ،‬ومن إه دار لتل ك‬
‫الحق وق ب إحالل جماع ات مه اجرة مك ان الش عب الفلس طيني وإ قام ة "وطن ق ومي لليه ود" ف وق‬
‫وطن ه‪ ،‬فض ًال عم ا نجم عن ذل ك من تهج ير الج زء األك بر من الفلس طينيين واالس تيالء على‬
‫ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة‪.‬‬

‫أما من الجهة فإن تصوره لقيام الفيدرالية فيواجه ثالث مشاكل‪ :‬المشكلة األولى تتمثل في حله‬
‫الذي ال يعتقد أنه حل قابل للتطبيق اآلن لكن على المدى البعيد‪ ،‬وهذا يعني أنه ال يقدم للشعب‬
‫الفلس طيني وه و في عنف وان انتفاض ته حًال أني ًا مباش رًا يتلخص ب دحر االحتالل إلى م ا وراء‬
‫الخ ط األخض ر وتفكي ك المس توطنات‪ ،‬أم ا المش كلة الثاني ة فت أتي من قول ه "أعتق د ب أن الخط وة‬
‫التالي ة يجب أال تك ون بإلق اء مزي د من القناب ل وإ نم ا ببس اطة‪ ،‬بالمواجه ة الثقافي ة وبتوزي ع‬
‫منش ورات في الس وق السياس ية اإلس رائيلية تقص م ا يح دث بالحق ائق واألرق ام والص ور"‪ .‬إذا‬
‫كانت الخطوة الحالية هي انتفاضة متصادمة مع دبابات االحتالل‪ ،‬ومقاومة مسلحة تهدف إلى‬
‫دحر االحتالل‪ ،‬بال قيد أو شرط‪ ،‬كما حدث في جنوبي لبنان‪ ،‬فإن عبارة "الخطوة التالية" تعني‬
‫التخلي عن االنتفاضة والمقاومة من أجل خطوة وهمية ال يقدم دليًال واحدًا على إمكان تحقيقها‬
‫للهدف‪.‬‬

‫هنا يكون حديث إدوارد سعيد عن دولة فلسطينية تقوم على كل األرض التي احتلت في حرب‬
‫يوني و ‪ ،1967‬بتب ني إس تراتيجية تق وم على المواجه ة الثقافي ة وتوزي ع منش ورات في الس وق‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬وهدفها إقناع اإلسرائيليين أن يعيشوا معهم (يقصد الفلسطينيين) على قدم المساواة‬
‫وليس كقوة أكثر تفوقًا كما يريد شارون"‪ ،‬ولكن ليت إدوارد سعيد عزز إستراتيجيته بمثل واحد‬
‫يثبت أن اإلس رائيليين س يقتنعون عن طري ق المواجه ة الثقافي ة والمنش ورات بس حب ق وات‬
‫االحتالل من تلك األرض‪ ،‬ثم كيف يمكن أن يثبت أنهم سيقتنعون‪ ،‬من خالل إستراتيجية كهذه‪،‬‬
‫بالعيش مع الفلسطينيين على قدم المساواة‪ ،‬بل ليته يستطيع أن يقنع صهيونيي أمريكا والغرب‬
‫أن يعيشوا على قدم المساواة مع مواطني أمريكا وأوروبا فهو يعلم أية امتيازات يتمتعون بها‬
‫هن اك‪ ،‬وأي نف وذ راح وا يض اعفونه يوم ًا بع د ي وم‪ ،‬وفي بالد ال ي دعون أنه ا "أرض إس رائيل"‬
‫ومع شعوب يفترض بأنها األقوى واألكثر هيمنة على العال‪ ،‬بل هي صاحبة الفضل األول فيما‬
‫حققت ه الحرك ة الص هيونية في فلس طين أو في تل ك البالد‪ ،‬فكي ف يمكن ه أن يتص ور ص هاينة‬
‫فلس طين يقبل ون ب العيش على ق دم المس اواة م ع الفلس طينيين وه و يع رف رأيهم الحقيقي في‬
‫الفلس طينيين والع رب والمس لمين‪ ،‬والمع بر عن ه ب روح عنص رية متعالي ة من خالل عش رات‬
‫المواقف والمناسبات‪.‬‬

‫أما المشكلة الثالثة فقوله‪" :‬إن الحل هو شن حملة مؤثرة لوقف المعونة األمريكية إلسرائيل"‪،‬‬
‫ويبش ر أن "هن اك عناص ر جدي دة في الوالي ات المتح دة تب دأ اآلن في التجم ع ح ول قض ية‬
‫الفلس طينيين واإلس رائيليين وه ذه الحمل ة في مه دها لكنه ا اآلن واض حة تمام ًا في أنح اء البالد"‪،‬‬
‫أنه هنا ال يشير إلى اتجاه في اإلدارة األمريكية وإ نما إلى عناصر جديدة قد بدأت تتجمع حول‬
‫قض ية الفلس طينيين واإلس رائيليين ولنف وت ل ه اعتب ار القض ية "قض ية فلس طينيين وإ س رائيليين"‪،‬‬
‫لنلح ظ أن علين ا التعل ق بحب ال اله واء‪ ،‬ون ترك م ا بين أي دينا من انتفاض ة ومقاوم ة‪ ،‬ونس قط أي ة‬
‫أهمية للشعوب العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫==================‬

‫إدوارد سعيد و"األمل الوحيد" في تغيير سياسة إسرائيل‬

‫مقال ة إدوارد س عيد "عن د التح دي والكرام ة والدوغمائي ة" في "الحي اة" في ‪ 23/5/2001‬تتك ون‬
‫من ش قين‪ :‬األول يحم ل طابع ًا نق ديًا لع دد من مواق ف المثقفين والساس ة الع رب والفلس طينيين‪،‬‬
‫ولعدد من المقوالت الخاصة بالموقف من الدولة العبرية‪ ،‬والثاني يقدم البديل المقابل ويفترض‬
‫ب ه أن يك ون على النقيض من "الجه ل" ال ذي اتهم ب ه ك ل من تع رض لم واقفهم وموض وعاتهم‬
‫بالنقد‪.‬‬

‫يجب التأكيد بالبداية‪ ،‬أن إدوارد سعيد حين ينقد كثيرًا ما يصيب المرمى‪ ،‬وقد يطيش سهمه هن ا‬
‫وهناك‪ .‬ولكنه في كل األحوال ناقد ال يشق له غبار‪.‬‬

‫أم ا الش ق الث اني وه و ال ذي س يتناوله ه ذا ال رد‪ ،‬فيتعل ق بالب ديل ال ذي يقترح ه مقاب ل ك ل ذل ك‬
‫"الجهل" أو "الهراء" أو "الدوغمائية"‪.‬‬
‫سألته طالبة فلسطينية بعد محاضرة ألقاها في جامعة اكسفورد قبل ثالث سنوات ونصف‪" :‬ألن‬
‫يكون هذا النوع من االهتمام بإسرائيل شكًال من أشكال التنازل أمها؟" وفهم منها "كانت تسأل‬
‫إذا لم يكن الالتطبيع الجاهل هو الموقف األفضل من الدولة اإلسرائيلية‪" ،‬ولكن كيف يمكن ألي‬
‫منا أن يعارض السعي إلى معرفة وتحليل أكثر ما يمكن من المعلومات عن هذا البلد الذي ك ان‬
‫لحض وره بينن ا من ذ خمس ين س نة ك ل ه ذا الت أثير في طبيع ة حي اة ك ل رج ل وام رأة وطف ل في‬
‫الع الم الع ربي"‪ .‬ولكن "التن ازل" ال عالق ة ل ه بالمعرف ة وإ نم ا بالتعام ل م ع ش رعية اغتص اب‬
‫فلسطين أو كيفية مواجهة الدولة العبرية‪ .‬أما المعرفة فمطلوبة حتى الحد األقصى بالنسبة إلى‬
‫الصهيونية‪ ،‬والكيان الصهيوني‪ ،‬والمشروع الصهيوني واأليديولوجيا‪ ،‬والتاريخ قديمًا وحديثًا‪،‬‬
‫والم ركب االجتم اعي ال داخلي‪ ،‬الجيش‪ ،‬العالق ة ب الغرب‪ ،‬أو على ح د تعب يره "التن اول الخّالق‬
‫لثقاف ة مجتم ع اتخ ذا على ك ل المس تويات المهم ة‪" ..‬سياس ة ته دف إلى ت دمير إنس انية الع رب‬
‫والفلسطينيين"‪ ،‬هذا ويظلم السابقين من يظن أنهم لم يسعوا إلى مثل تلك المعرفة وهم يواجهون‬
‫ميزان قوى عسكري وسياسي محلي وإ قليمي وعالمي قاهر‪.‬‬

‫يقول إدوارد سعيد "ولكنني أعتقد أن األفضل واألذكى من لعن إسرائيل من عاليها إلى سافلها‬
‫التعاون مع القطاعات فيها التي تدافع عن الحقوق المدنية وحقوق اإلنسان‪ ،‬وتعارض سياسة‬
‫االس تيطان وتخ اطر باتخ اذ موق ف ض د االحتالل العس كري‪ ،‬وت ؤمن بالتع ايش والمس اواة‬

‫وتستبشع االضطهاد الرسمي للفلسطينيين‪ ،‬إذ ال أمل من دون ذلك بتغيير سياسة إسرائيل‪ ،‬أخ ذًا‬
‫في االعتب ار التف اوت الهائ ل في الق وة العس كرية بين إس رائيل من جه ة والع رب مجتمعين من‬
‫الثاني ة"‪ .‬وقب ل أن يختم يق دم معالج ة أخ رى فيق ول "علين ا الع ودة إلى القيم األص لية والنق اش‬
‫المخلص‪ ،‬ليس هناك حل عسكري لمصابنا‪ ،‬عربًا ويهودًا على حد سواء‪ ،‬هذه الحقيقة ال تترك‬
‫سوى قوة العقل والثقافة لتحقيق المهمة التي فشلت الجيوش في تحقيقها طيلة أكثر من نصف‬
‫قرن"‪( .‬ال حاجة إلى اإلحراج في التوقف عن عبارة "مصابنا عرب ًا ويهودًا على حد سواء" أو‬
‫كيف يتساوى مصاب الذي هجر من وطنه وبيته ومن حل مكانه فيهما)‪.‬‬

‫هنا نمسك بمثال للتناول الخالق للدولة والمجتمع اإلسرائيليين‪ ،‬وللمعرفة ضد الجهل‪" .‬ال أمل‬
‫بتغيير سياسة إسرائيل إال من خالل "التعاون مع القطاعات فيها التي تدافع عن الحقوق المدنية‬
‫الخ"‪ .‬وه ذا يع ني "ال أم ل" مطلق ًا إال إذا أثبت لن ا ب أن من الممكن تغي ير "سياس ة إس رائيل" عن‬
‫طري ق تل ك القطاع ات وبالمناس بة م ا ال ذي منعه ا ح تى اآلن من أن تح دث ه ذا التغي ير ط وال‬
‫خمسين عام ًا ألنه ا لو كانت س تفعل لفعلت أو ألوص لت نائب ًا واحدًا باس مها إلى الكنيس ت‪ .‬إننا‬
‫هنا حيال مراهنة على الفئات األكثر هامشية من دون أن تحمل العبارة تحقيرًا‪ ،‬ولعل إدوارد‬
‫سعيد يذكر أن حركة فتح منذ رفعت شعار "الدولة والديمقراطية" تعاونت مع كل من استطاعت‬
‫من أمث ال تل ك القطاع ات‪ ،‬وك انت في أواخر الس تينيات وأوائ ل الس بعينيات أكبر عددًا وفاعلي ة‬
‫مما نشهد اليوم فهو يجّر ب المجّر ب‪.‬‬

‫على أن األهم كان من المفترض لمعرفة عميقة‪ ،‬ولمعرفة التاريخ‪ ،‬أن ترشدنا إلى األعمدة أو‬
‫األس س ال تي تق وم عليه ا "سياس ة إس رائيل" ومن ثم كي ف يمكن أن تغ ير بن اء على ذل ك وليس‬
‫بطرح فرضية لم تنبع من تحليل وال من دليل واقعي‪ ،‬أو تاريخي‪.‬‬

‫ق راءة ت اريخ الص راع‪ ،‬ت اريخ المش روع الص هيوني‪ ،‬وت اريخ الص راع الفلس طيني والع ربي‪،‬‬
‫وت اريخ السياس ات أو االس تراتيجيات الغربي ة – البريطاني ة ثم األمريكي ة‪ ،‬ق راءة الواق ع ال راهن‬
‫على مختل ف المس تويات‪ ،‬تف ترض فهم الص راع بأن ه متع دد األبع اد ويحم ل ط ابع المواجه ة‬
‫الش املة‪ .‬وأن أك ثر الق راءات تبس يطية ال تس تطيع الق ول أن األم ل في تغي ير "سياس ة إس رائيل"‬
‫حتى لو قبلنا أن السقف هو تغيير في السياسة‪ ،‬معقود على ذلك التعاون مع تلك القطاعات‪.‬‬

‫كي ف يمكن أن ين اقش مث ل ه ذا الموض وع الخط ير من دون وض ع إس تراتيجية أو ح تى إلق اء‬


‫أض واء متفرق ة‪ ،‬على دور الوض ع الع ربي‪ ،‬رس ميًا وش عبيًا‪ ،‬وعلى دور الوض ع اإلس المي‬
‫وبص ورة متع ددة األبع اد‪ ،‬أم أن ك ل ذل ك يجب اس قاطه من الحس اب لنعق د األم ل على تل ك‬
‫القطاعات المختنقة حتى الموت داخل الكيان الصهيوني بل هي النبت الغريب فيه؟‬

‫وكي ف يمكن أن نش ير إلى "التف اوت الهائ ل في الق وة العس كرية"‪ ،‬ونه رب من مواجهت ه إلى م ا‬
‫ُيس مى "ق وة العق ل والثقاف ة"‪ ،‬فعن دما يك ون هنال ك تف اوت هائ ل في الق وة العس كرية‪ ،‬وال يك ون‬
‫هنالك حل عسكري من خالل جيش مقابل جيش‪ ،‬فهل تسقط مجموعة من البدائل اإلستراتيجية‬
‫لمواجهة هذا التفاوت غير "بديل جيش مقابل جيش"‪ ،‬مثًال االنتفاضة‪ ،‬المقاومة‪ ،‬الدفاع المفكر‬
‫ب ه جي دًا جيش وش عب في آن واح د‪ ،‬توحي د الموق ف الع ربي والموق ف اإلس المي‪ ،‬إيج اد كتل ة‬
‫عربي ة – إس المية ك برى‪ ،‬إطالق الحري ات والمب ادرات الش عبية‪ ،‬المواجه ة على مختل ف‬
‫األص عدة‪ ،‬ثم أين تتمث ل ق وة العق ل إن لم ي أتي بالب دائل ال تي تع الج إش كال التف اوت في الق وة‬
‫العس كرية‪ ،‬وتبحث عن نق اط الق وة المتع ددة األخ رى ال تي تمتلكه ا األم ة؟ وكي ف تفع ل الثقاف ة‬
‫فعلها أن لم تستند إلى أمة قوية وإ ن لم تسهم في بناء تلك القوة في األمة؟ ويجب أن ُيقال األمر‬
‫نفسه بالنسبة إلى القوة األخالقية‪.‬‬

‫إن المش كلة في معرف ة إدوارد س عيد للكي ان الص هيوني يكمن في أن ه ي رى من داخل ه وع بر‬
‫أض عف مكونات ه‪ ،‬وإ ذا توس ع ي رى التغيير ي أتي من خالل أمريك ا والفرق هن ا بين ه وبين ال ذين‬
‫يش دد عليهم النك ير من تب ني إس تراتيجية اتف اق أوس لو أن األخ يرين يخ اطبون ح زب العم ل‬
‫والليكود ويرون تغيير السياسة من خاللهما‪ ،‬بينما هو يخاطب القطاعات المدافعة عن الحقوق‬
‫المدني ة وحق وق اإلنس ان‪ ..‬إلخ‪ ،‬وبالنس بة إلى أمريك ا يخ اطب األول ون إدارته ا أو حزبيه ا‬
‫الجمه وري وال ديمقراطي بينم ا ه و يأم ل بالقطاع ات المدافع ة عن الحق وق المدني ة وحق وق‬
‫اإلنسان‪ ..‬إلخ‪ .‬وهذان فرقان يغبان من "المعرفة" نفسها‪ ،‬وكالهما ال يريا أن التغيير ال يكون‬
‫إال من الخ ارج أي من كف اح الش عب ومن تعبئ ة ق وى واس عة عريض ة إقليمي ة وعالمي ة إلى‬
‫جانب ه‪ ،‬ومن كس ر إس تراتيجية اس تخدام الق وة العس كرية من ج انب الدول ة العبري ة وأبط ال‬
‫الض غوط األمريكي ة على الع رب والمس لمين‪ ،‬ومن ثم تتش كل ش روط تغي ير السياس ات بم ا في‬
‫ذل ك تعمي ق التناقض ات الداخلي ة وربم ا تنش يط تل ك القطاع ات أو بعض ها‪ ،‬فاألم ل الوحي د بمث ل‬
‫ه ذه اإلس تراتيجية وليس بالتع اون م ع تل ك القطاع ات باعتب اره "األم ل الوحي د"‪ ،‬ألن الكيان ات‬
‫العنصرية مثل القالع ‪ ----‬إال من خارجها‪ ،‬وإ ذا طال الحصار واشتد الخناق وعز الخالص‬
‫يمكن أن يخرج منها من يفتح من داخلها ثغرة‪.‬‬

‫وأخ يرًا يمكن في مج ال المعرف ة اإلش ارة إلى رأي ال دكتور ع زمي بش ارة نقلت ه "الدس تور"‬
‫األردني ة في ‪ 28/4/2001‬يق ول‪" :‬إس رائيل كي ان عنص ري ال تركيب وإ ن المس اواة فيه ا لن‬
‫تح دث بين الع رب واليه ود وله ذا الس بب" أو قول ه "ألن الدول ة بحكم تعريفه ا هي دول ة اليه ود‬
‫وفي نهاي ة المط اف تعطي ك هامش ًا في الحري ات وهامش ًا من الحق وق الس تيعابك والحتوائ ك‬
‫ولتهدئة الوضع‪ ،‬وال يمكن أن نحقق المساواة الكاملة في دولة اليهود"‪.‬‬

‫هذا على مستوى المساواة فكيف على مستوى استعادة المنهوب والمسلوب وإ عادة المطرود من‬
‫وطنه فردًا وشعبًا‪ ،‬واستعادة حق الشعب الفلسطيني في فلسطين‬
‫==================‬

‫مقال ة إدوارد س عيد "عن التح دي والكرام ة والدوغمائي ة" في "الحي اة" في ‪ 23/5/2001‬تتك ون‬
‫من ش قين‪ :‬األول يحم ل طابع ًا نق ديًا لع دد من مواق ف المثقفين والساس ة الع رب والفلس طينيين‪،‬‬
‫ولعدد من المقوالت‪ .‬والثاني يقدم البديل اإليجابي المقابل الذي يراه على النقيض من "الجهل"‬
‫الذي يتسم به كل من تعرض لمواقفهم وموضوعاتهم بالنقد‪.‬‬

‫يجب التأكي د بداي ة‪ ،‬أن إدوارد س عيد حين ينق د يص يب الم رمى في أك ثر من موق ع ومق ام‪،‬‬
‫ويحسن بمن ينقدهم‪ ،‬وأن كان لديهم ما يردون به عليه‪ ،‬أن يأخذوا نقده جديًا‪ ،‬ويعيدوا دراسة‬
‫م ا نق ده عن دهم مراجع ة‪ ،‬أو تثبيت ًا وتعميق ًا‪ ،‬أو إن اء وتط ويرًا‪ ،‬ولكن ه ق د ينق د انس ياقًا م ع حمل ة‬
‫سائدة أو موقف مسبق‪.‬‬

‫لع ل الش ق الث اني في المقال ة الم ذكورة ه و ال ذي س تتناوله ه ذه المداخل ة ألن ه يتعل ق بالج انب‬
‫البن ائي‪ ،‬أو بالب ديل ال ذي يقترح ه مقاب ل ك ل ذل ك "الجه ل"‪ ،‬أو "اله راء"‪ ،‬أو "الدوغمائي ة" أو‬
‫المشاعر التي تبرر التخلي الكامل عن العقالنية أو الفرق في "أعمال التحدي العديمة الجدوى‬
‫ال تي تق وم على أفك ار دغمائي ة س خيفة جاهل ة عن معارض ة "إس رائيل"‪ ،‬طبع ًا ه ذا نم وذج من‬
‫األوصاف التي يخعلها على هذا الموقف أو ذاك‪ ،‬هذه الفكرة أو تلك‪ ،‬وبغض النظر عما بين‬
‫المواق ف والسياس ات ال تي ينق دها من تع ارض وتص ادم فه و يض عها جميع ًا في س لة "الع الم‬
‫الع ربي الي وم" ال ذي "يمث ل انتص ار الخ املين واالنته ازيين"‪ ،‬وأن ه ذا الب ديل‪ ،‬بعب ارات أخ رى‪،‬‬
‫يفترض به أن "يضع على المثقفين مسؤولية تقديم التحليالت والمؤشرات إلى الموقف العقالني‬
‫الع ادل ب دل االنض مام إلى جوق ة المص فقين المتملقين‪ ."..‬ويوض ح"ألن مهمتن ا هي مواجه ة‬
‫المستوى المتردي للخطاب والتحليل العربيين هذي هي المسؤولية التي علينا االضطالع بها‬
‫كمواطنين أو الخطوة األولى في هذا االتجاه تتمثل بالتحرر من الكليشيهات الغبية والوصفات‬
‫الجاهزة التي تمأل كتاباتنا وكالمنا"‪.‬‬

‫لهذا يجب أن نبحث في المقالة عن ذلك الجانب البديل الذي يفترض به أن يكون متحررًا من‬
‫الجهل والهراء‪ ،‬وقائما على المعرفة والعقالنية‪.‬‬
‫س ألت طالب ة فلس طينية في جامع ة اكس فورد إدوارد س عيد بع د انتهائ ه من محاض رة ألقاه ا قب ل‬

‫ثالث سنوات ونصف في الجامعة المذكورة "ألن يكون هذا النوع من االهتمام بإسرائيل شكًال‬
‫من أش كال التن ازل أمامه ا؟" فيعل ق "أي أنه ا ك انت تس أل إذا لم يكن "الالتط بيع" الجاه ل ه و‬
‫الموقف األفضل تجاه الدولة التي تدور سياستها منذ زمن طويل على رفض ومنع الفلسطينيين‬
‫في تقري ر المص ير‪ ،‬ب ل هي أص ًال المس ؤول عن س لبهم"‪ .‬ف الالتطبيع الجاه ل يقص د ب ه "ع دم‬
‫االعتراف بالدول ة العبري ة"‪" ،‬عدم االعتراف بش رعية اغتص اب فلسطين"‪ ،‬وما تبع ويتب ع ذلك‬
‫من "مقاطع ة" ولكي ال يس مي األش ياء بأس مائها اس تعاض بعب ارة "الالتط بيع الجاه ل"‪ ،‬ثم ح ول‬
‫األشكال إلى مسألة معرفة وعدمها متسائًال‪" :‬ولكن كيف يمكن ألي منا أن يعارض السعي إلى‬
‫معرفة وتحليل أكثر ما يمكن من المعلومات عن هذا البلد الذي كان لحضوره بيننا منذ خمسين‬
‫سنة كل هذا التأثير في طبيعة حياة كل رجل وامرأة وطفل في العالم العربي"‪.‬‬

‫حق ًا ال أح د يع ارض الس عي إلى معرف ة‪ ،‬ليس ه ذا "البل د"‪ ،‬وإ نم ا ه ذا "الكي ان" ه ذه "الدول ة" ه ذا‬
‫"المجتم ع" ذل ك المش روع الص هيوني‪ ..‬األي ديولوجيا‪ ،‬الت اريخ ق ديمًا وح ديثًا‪ ،‬قب ل م ؤتمر ب ال‬
‫وبعده‪ ،‬قبل قيام الدولة وبعدها‪ ،‬ويخطئ من يظن أنه اكتشف جديدًا حين طلب تلك المعرفة‪ ،‬أو‬
‫دعا لقراءة التاريخ ألنه سيظلم السابقين ممن تصدوا للمشروع الصهيوني وسعوا لمعرفته‪ ،‬ويا‬
‫حبذا لو جيء لنا بمثل واحد عن فهم للصهيونية أو المشروع الصهيوني أو الدولة أو المجتمع‬
‫غ ير من المعرف ة الس ابقة أو نقض ها‪ ،‬أو كش ف عن حق ائق تاريخي ة ذات ش أن‪ .‬ولكن م ع ذل ك‬
‫فالنص يحة مقبول ة في الس عي إلى المعرف ة األعم ق والتحلي ل األدق ش ريطة أن يق دم لن ا نم اذج‬
‫معرفية وليس القول أننا بحاجة إلى المعرف ة أو أهمية المعرف ة‪ .‬وبعبارة أخرى يقترح إدوارد‬
‫سعيد "التناول الخّالق لثقافة ومجتمع اتخذا على كل المستويات المهمة‪ .." :‬سياسة تهدف إلى‬

‫ت دمير إنس انية الع رب والفلس طينيين"‪ .‬والس ؤال أين ه ذا التن اول الخالق؟ لألس ف ال نج د تن اوًال‬
‫متماسكًا ولو مختصرًا‪ ،‬ببضعة أسطر‪ ،‬وإ نما قد نجد لمعات هنا وهناك تعبر شتاتًا وسريعًا مع‬
‫النقد لهذه الفكرة أو تلك‪ ،‬أو هذا الموقف أو ذاك فمثًال يقول‪:‬‬

‫"ولكن ني أعتق د أن األفض ل واألذكى من لعن إس رائيل من عاليه ا إلى س افلها التع اون م ع‬
‫القطاعات فيها التي تدافع عن الحقوق المدنية وحقوق اإلنسان‪ .‬وتعارض سياسة االستيطان‪،‬‬
‫وتخ اطر باتخ اذ موق ف ض من االحتالل العس كري‪ ،‬وت ؤمن بالتع ايش والمس اواة وتستبش ع‬
‫االضطهاد الرسمي للفلسطينيين إذ الذين كانوا خبراء في فنون العمل السياسي سياسة الممكن‪،‬‬
‫وراحوا يدبجون المقاالت في فن التفاوض أصبحوا فجأة خبراء في فن االنتفاضة والمواجهة‪،‬‬
‫وإ ذا بهم يص رون على إنق اذ االنتفاض ة من المزاي دة واإلره اق‪ ،‬واإلس راع‪ ،‬وبأس رع م ا يمكن‬
‫إلى الع ودة إلى طاول ة المفاوض ات قب ل أن تتعب االنتفاض ة وتره ق ويت دخل في الموض وع‬
‫الفلسطيني من‬

‫==========‬

‫في مقالت ه "عن التح دي والكرام ة والدوغمائي ة" في الحي اة في ‪ 23/5/2001‬يتع رض إدوارد‬
‫سعيد بالنقد لفكرة طرحتها طالبة عليه في إحدى محاضراته حين شدد على أن من الضروري‬
‫ليس فق ط فهم العالق ة بين تاريخن ا وت اريخ إس رائيل‪ ،‬ب ل أنن ا كع رب بحاج ة إلى دراس ة ذل ك‬
‫التاريخ اآلخر على أنه موضوع يعنينا وليس تجنبه أو اإلغفال التام كما هي الحال منذ زمن‬
‫طويل"‪.‬‬

‫س ؤال الطالب ة "ألن يك ون ه ذا الن وع من االهتم ام بإس رائيل ش كًال من أش كال التن ازل أمامه ا؟"‬
‫فيفس ر س ؤالها "أي أنه ا ك انت تس أل إذا لم يكن "الالتط بيع" الجاه ل ه و الموق ف األفض ل تج اه‬
‫الدول ة ال تي ت دور ساس تها من ذ زمن طوي ل على رفض ومن ع ح ق الفلس طينيين في تقري ر‬
‫المصير‪ ،‬بل هي أصًال الطرف المسؤول عن سلبهم"‪.‬‬

‫ه ذا التغي ير لم يخط ر بب الي "حين ك ان التفك ير بإس رائيل من المحرم ات في الع الم الع ربي إلى‬
‫درجة أن االسم لم يكن يذكر مباشرة بل باستعمال تعابير مثل الكيان الصهيوني" ويتساءل أن‬
‫الموقف نفسه يتكرر بعد أن أقامت دولتان عربيتان رئيسيتان السالم مع إسرائيل واعترفت بها‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف وتواصل معها عملية السالم فيما أقام عدد من الدول العربية عالقات تجارية معها‪..‬‬
‫"إال أن المثقفين العرب جعلوا من بين مقدساتهم رفض أي نوع من التعامل مع إسرائيل بما في‬
‫ذلك زيارتها أو مالقاة اإلسرائيليين"‪.‬‬

‫وليرد عليهم ينقل المعركة إلى الذين يصمتون إزاء خطوات مثل بيع مصر كميات كبيرة من‬
‫الغاز الطبيعي إلسرائيل وإ دامة العالقات الدبلوماسية معها أثناء حمالتها القمعية المتكررة ضد‬
‫الفلسطينيين‪.‬‬
‫"لكن كيف يمكن ألي منا أن يعارض السعي إلى معرفة وتحليل أكثر ما يمكن من المعلومات‬
‫عن ه ذا البل د ال ذي ك ان لحض وره بينن ا من ذ خمس ين س نة ك ل ه ذا الت أثير في طبيع ة حي اة ك ل‬
‫رجل وامرأة وطفل في العالم العربي"‪.‬‬

‫"اف تراض الباحث ة الش ابة ك ان أن نقيض التن ازل ه و التح دي أي المقاوم ة‪ ،‬ورفض الرض وخ‬
‫إلرادة ط رف ظ الم مجح ف ه ذا كم ا أعتق د ه و الموق ف ال ذي أرادت لن ا اتخ اذه تج اه إس رائيل‬
‫وليس ما كنت اقترحه أي التناول الخالق لثقافة ومجتمع اتخذا على كل المستويات المهمة (وال‬
‫يزاالن يتخذان كما تبين وحشية اإلسرائيليين تجاه االنتفاضة) سياسة تهدف إلى تدمير إنسانية‬
‫العرب عمومًا والفلسطينيين على وجه الخصوص وليس في هذا المجال فرق يذكر بين أرييل‬
‫ش ارون الش نيع وايه ود ب اراك أو اس حق رابين أو ديفي د بن غوري ون ناهي ك عن العنص رية‬
‫المس عورة ل دى حلف اء لش ارون مث ل شارانس كي وليبرم ان الحاخ ام أوفادي ا يوس ف) وال يقتص ر‬
‫موقف هذا على محاولة فهم هؤالء بل أيضًا أن نفهم أنفسنا ألن تاريخنا يبقى ناقصًا إذا لم تأخذ‬
‫إسرائيل في االعتبار بكل ما مثلته في حياتنا وقامت به تجاهنا‪.‬‬

‫بصفته معلمًا هو يعتقد "بأن المعرفة –أي معرفة‪ -‬أفضل من الجهل وليس هناك ببساطة‪ ،‬على‬
‫صعيد الفكر‪ ،‬أي تبرير منطقي التخاذ الجهل سياسة أو استعماله سالحًا في الصراع‪ ،‬الجهل‬
‫هو الجهل ال أقل أو أكثر وهو كذلك دومًا ومهما كانت الظروف‪.‬‬

‫يع رج على اله دايا ال تي ق دمها عرف ات لهيالري كلنت ون (‪ 7‬االف) ج وهر ‪ 17‬أل ف ألول برايت‬
‫ينتق د "العم ل بسياس ة تفتق ر إلى العق ل والكرام ة تح اول اس تمالة ق ادة أمريك ا ب أكثر األس اليب‬
‫فجاجة"‪.‬‬

‫يعتقد أن تقديم هذه الهدايا والرشوة الفجة ينبع من "االفتراض المذهل في السخف هنا هو أن‬
‫أمريك ا أو إس رائيل تش ابهان تمام ًا أوًال من الع الم الث الث مثًال زائ ير في عه د موبوت و حيث‬
‫تصاغ السياسة حسب رغبات الحاكم أو إلثراء أسرته‪ ،‬وال نجد هنا أي إدراك بأن هذه البلدان‬
‫معقدة التركيب ديمقراطية في شكل عام حيث يلعب المجتمع المدني ومصالحه دورًا كبيرًا بدل‬
‫تن اول أمزج ة وأفك ار تل ك المجتمع ات المدني ة وحاول ة تغييره ا يغفلونه ا ويرك زون على م ا‬
‫يعتبرون ه الحل ول الس ريعة أي تمل ق ورش وة الحك ام‪" .‬فيم ا يمكن ألي من يع رف ش يئًا عن‬
‫إسرائيل أو الواليات المتحدة أن يخبرك أن حًال كهذه ال تجدي شيئًا وأن أكثر ما يمكن تحقيقه‬
‫منه ا دع وة عش اء أو مص افحة جافي ة من الج نرال الراح ل رابين في ال بيت األبيض واآلن إذ‬
‫يواصل الفلسطينيون تحديهم الشجاع بالحجارة والبنادق القليلة لقوة إسرائيل العسكرية ال تزال‬
‫القي ادة وب الخنوع المعه ود نفس ه إع ادة التف اوض م ع إس رائيل والوالي ات المتح دة ويمكن ق ول‬
‫الش يء نفس ه عن األنظم ة العربي ة ومن ض منها قطاع ات المثقفين ال تي ترف ع ص وتها بالع داء‬

‫إلس رائيل والوالي ات المتح دة وتعلن إدانته ا للتط بيع‪ ،‬فيم ا تتع اون م ع ال دولتين اقتص اديًا‬
‫وسياسيًا‪..‬‬

‫"لكنني أعتقد أن األفضل واألذكى‪......:‬‬

‫أع رف تمام ًا ص دقية المش اعر إزاء اض طهاد إس رائيل للفلس طينيين الي وم‪ ..‬ولكن ه ل تش كل‬
‫المشاعر تبريرًا كافي ًا للتخلي الكامل عن العقالنية؟ وأيض ًا فيما يخص المثقفين هل يستمر هذا‬
‫التخب ط والتفك ك ب دل ب ذل محاول ة ج ادة لتحدي د موق ف سياس ي أخالقي يق وم على المعرف ة ب دل‬
‫الجهل األعمى الذي ال يمكن في أي شكل وصفه بأنه موقف سياسي؟‬

‫يرد على الذين هاجموا التطبيع مع الترجمة في دفاعه لماذا الترجمة؟‬

‫"إذ أليس لن ا أن نعت بر أن زي ادة ت وفر األدب الع ربي في إس رائيل تزي د من تمكن اإلس رائيليين‬
‫من فهمنا كبشر والتوقف عن معاملتنا كالحيوان أو من هم دون البشر؟!"‪.‬‬

‫جولين بندا‪" :‬أود السير ضد المشاعر السائدة بدل المتاجرة الديماغوجية بها؟!"‪.‬‬

‫ثم ال يج د من حج ة أق وى من الق ول أن التط بيع من خالل الترجم ة أذكى وأنف ع بكث ير من‬
‫التطبيع الجبان الذي تمارسه‪.‬‬

‫=============‬

‫إدوارد سعيد واإلعالم األمريكي‬

‫يعت بر ال دكتور إدوارد س عيد أهم من كتب عن معالج ة اإلعالم الغ ربي للقض ايا الفلس طينية‬
‫والعربي ة واإلس المية‪ ،‬وق د أب رز من ذ كتاب ة "تغطي ة اإلس الم" وكتابات ه األولى عن القض ية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ما يتسم به اإلعالم الغربي من تحامل وتزوير للحقائق‪ ،‬بل قلبها رأس ًا على عقب‪،‬‬
‫كلم ا تن اول قض ية ملتهب ة من قض ايا الفلس طينيين والع رب والمس لمين‪ ،‬وااللته اب هن ا بمع نى‬
‫قضية يدور حولها صراع يقف الغرب أو الدولة العبرية في الطرف المقابل فيه‪.‬‬

‫وكان إدوارد سعيد قد بلغ ذروة في كتابه "االستشراق" وفي كتابه "الثقافة واإلمبريالية" كذلك‪،‬‬
‫ففي كتاب "االستشراق" وهو دراسة أكاديمية معمقة وشاملة من الدرجة األولى‪ ،‬وضمن المنهج‬
‫األك اديمي الغ ربي في البحث نق د أهم الكتاب ات االستش رافية‪ ،‬وكش ف عن تحامله ا وبع دها عن‬
‫الموض وعية والنزاه ة والدق ة العلمي ة‪ ،‬ب ل يمكن الق ول أن ه وج ه ض ربة قاس ية لهال ة الجامع ة‬
‫الغربي ة وإ دعائه ا العلمي ة والموض وعية من خالل تعريت ه للمدرس ة االستش راقية‪ .‬وه و م ا دف ع‬
‫الكث يرين ممن ق رأوا كتاب ه أن ي ردوا علي ه بقص د إنق اذ الجامع ة الغربي ة وهيبته ا‪ ،‬فعن دما تس قط‬
‫األكاديمية "االستشراقية" ال يبقى أمام األكاديمية الغربية في العلوم اإلنسانية األخرى وال سيما‬
‫في علم االجتماع واالنتربولوجيا إال أن يأتي إدوارد سعيد آخر وآخر وآخر يتناولون مدرسة‬
‫"علم االجتماع" أو الدراسات التاريخية‪ ،‬أو االنتربولوجيا أو علم النفس‪ ،‬كما تناول إدوارد سعيد‬
‫مدرس ة االستش راق وهي في مقدم ة انج ازات الجامع ة الغربي ة في اإلنس انيات‪ ،‬األم ر ال ذي‬
‫يزع زع الهيب ة والس طوة الل تين تتمت ع بهم ا األكاديمي ة الغربي ة الرس مية‪ ،‬أو الش ائعة م ع ع دم‬
‫التقليل من أهمية األعمال الجادة التي أفرزتها تلك األكاديمية وسبحت ضد التيار‪ ،‬أي ضد ما‬
‫ه و مطل وب من الجامع ة من قب ل من يرعونه ا وي دعمونها‪ ،‬وإ ن كتاب ات إدوارد س عيد إح دى‬
‫نماذجها‪.‬‬

‫ل و ع دنا إلى موض وع اإلعالم فق د واص ل إدوارد س عيد نق ده لإلعالم الغ ربي وخصوص ًا‬
‫األم ريكي‪ ،‬ح تى يومن ا ه ذا‪ ،‬وبالفع ل تس تحق مقاالت ه ال تي كتبه ا تعليق ًا على األح داث السياس ية‬
‫خالل عش ر الس نوات الماض ية وكيفي ة تن اول اإلعالم الغ ربي له ا‪ ،‬أن تق رأ وتع اد قراءته ا حين‬
‫تتح ول إلى كتب فهي بالفع ل ث روة علمي ة ومعرفي ة ح ول اإلعالم األم ريكي أوًال واإلعالم‬
‫الغربي عمومًا‪.‬‬

‫ولنأخذ نموذجًا ما علق به على معالجة ذلك اإلعالم النتفاضة األقصى فيالحظ‪ ،‬في مقالته التي‬
‫نش رها في "الحي اة" في ‪ ،4/4/2001‬أن الث ابت في السياس ة اإلس رائيلية "ه و أن الص هيونية‬
‫ك انت دائم ًا تري د مزي دًا من األرض وع ددًا أق ل من الع رب فمن بن غوري ون إلى رابين إلى‬
‫بيغين وشامير ونتانياهو وباراك واآلن شارون يوجد تواصل أيديولوجي غير منقطع ينظر فيه‬
‫إلى الش عب الفلس طيني كـ"ح ال غي اب" يعت بر مرغوب ًا في ه ويج ري الكف اح لتحقيق ه"‪ ،‬ويس تند في‬
‫ذلك إلى نور مصالحه الذي بّي ن ذلك في ثالثة كتب‪.‬‬

‫أما النقطة الرئيسية فهي أن كل ذلك بالرغم من أن "األمر واضح تمام ًا مخفي بعناية عن نظر‬
‫ال رأي الع ام الع المي (وح تى اإلقليمي)"‪ .‬والم دهش أن إس رائيل "تواص ل سياس تها ال تي تتص ف‬
‫باالستعالء العرقي واإلقصاء والتعصب غير آبهة بما ينجم عنها‪ ،‬وال يمكن ألي دولة أخرى‬
‫على األرض باس تثناء إس رائيل أن تواص ل سياس ة به ذا الق در من البش اعة ض د س كان أص ليين‬
‫وفق مبررات دينية واثنية‪ ،‬سياسة تمنع السكان األصليين من امتالك األرض‪ ،‬واالحتفاظ بها‬
‫أو العيش من دون قم ع عس كري ل وال س معتها العالمي ة العجيب ة كبل د لي برالي ومتق دم ومث ير‬
‫لإلعجاب"‪.‬‬

‫ثم يتوقف إزاء ما يمارس اآلن من تقتيل واغتياالت وقصف وحصار وجعل حياة الفلسطينيين‬
‫مستحيلة في حين ُيبنى المزيد من المستوطنات وشق الطرق إليها ليقول "كل هذا يحدث بينما‬
‫يج ري االحتف اظ بص ورة ش عب مس كين وأع زل ومه دد بش كل فظي ع‪ ،‬كي ف؟ بواس طة حمل ة‬
‫عالقات عامة عالمية‪ ،‬وخصوصًا أمريكية مستهترة أخالقيًا بقدر ما هي فاعلة"‪.‬‬

‫ويالح ظ إدوارد س عيد كم ا يالح ظ ك ل من يت ابع شاش ات التلف زة الغربي ة كي ف"اختفت أخب ار‬
‫االنتفاضة الفلسطينية تدريجيًا من وسائل اإلعالم" أما هذا االختفاء بينما يبرز اإلعالم مقتل أو‬
‫جرح أي إسرائيلي‪ ،‬فال يرجع إلى عدم توفر صور أو قصص مثيرة يبحث عنها اإلعالم في‬
‫الع ادة‪ ،‬وإ نم ا ل ذلك أس باب منه ا معاقب ة أي مراس ل أو ص حفي إذا أنح رف "عن سياس ة تحري ر‬
‫مقبولة مؤيدة إلسرائيل"‪ .‬بل أن التقارير التي تنشرها اللجان الدولية المختصة بحقوق اإلنسان‬
‫فتطوى في األدراج وتبعد عن اإلعالم وال يطلع عليها إال القليلون‪.‬‬

‫على أن إدوارد س عيد إذ يق ف حي ال ك ل ذل ك وإ لى هن ا يمكن االتف اق مع ه تمام ًا في توص يف‬


‫الحال ة‪ ،‬وفي متابع ة موق ف اإلعالم‪ ،‬وم ا يج ري من س كوت في أمريك ا بالخص وص على‬
‫ارتكاب ات الجيش اإلس رائيلي‪ ،‬أو العنص رية الص هيونية‪ ،‬ب ل م ا يج ري من ت رويج للدعاي ة‬
‫الصهيونية واإلسرائيلية‪ ،‬يعتبر "أن االنتفاضة الفلسطينية غير محمية وغير فاعلة طالما لم تبد‬
‫في الغ رب كفاح ًا من أج ل التحري ر" ومن ثم يق ول "يتعين علين ا نحن الفلس طينيين كش عب أن‬
‫نفع ل م ا فعلت ه الحرك ة المناهض ة لنظ ام التمي يز العنص ري في جن وبي أفريقي ا‪ .‬أي كس ب‬
‫الشرعية في أوروبا وخصوصًا في الواليات المتحدة‪ ،‬وبالتالي نزع الشرعية عن نظام التمييز‬
‫العنصري"‪.‬‬

‫يمكن أن يالحظ هنا ببساطة‪ ،‬وبسرعة أن إدوارد سعيد ينتهي إلى نتيجة غير تلك التي تؤدي‬
‫إليه ا المق دمات‪ ،‬وذل ك يرج ع إلى س بب بس يط ه و البحث عن إقن اع الغ رب‪ ،‬وأمريك ا‬
‫بالخص وص‪ ،‬ب أن الفلس طينيين إنس انيون يح اربون ض د العنص رية ويري دون تحري ر أنفس هم‬
‫وتحرير ال ذين يمارسون العنصرية ضدهم كذلك‪ ،‬أم ا تارة أخرى فاقناعهم أنهم يك افحون من‬
‫أج ل التح رر ض د "االس تعمار اإلس رائيلي"‪ ،‬ومن ثم يمكنهم أن يج دوا الوس يلة اإلعالمي ة ال تي‬
‫تقنع الغرب وأمريكا والرأي العام اإلسرائيلي بعدالة قضيتهم‪ ،‬فهو هنا يعيد المسألة إلى أنها‬
‫مش كلة ط رح الفلس طينيين لقض يتهم أو مش كلة إيج اد الوس يلة اإلعالمي ة المناس بة ال تي تنس جم‬

‫وإ ع ادة الط رح المطل وب‪ ،‬فينس بج رة قلم أن المش كلة تكن في الموق ف الغ ربي نفس ه سياس يًا‬
‫وإ عالميًا وهو مصدر التحامل الموجه ضد الفلسطينيين واالنحياز إلى الدولة العبرية فالمشروع‬
‫الص هيوني ج زء من اإلس تراتيجية الغربي ة ك ان وم ا زال كم ا تكمن المش كلة في النف وذ‬
‫الص هيوني في الغ رب س واء أك ان في الس يطرة على السياس يين ال ذين يص لون إلى الحكم من‬
‫خالل ح اجتهم إلى ال دعم الم الي واإلعالمي الص هيوني وأحيان ًا الص وت اليه ودي (في أمريك ا‬
‫خصوص ًا)‪ ،‬أم ك ان في اإلعالم المس يطر علي ه من ش ركات ص هيونية أو مش تركة م ع‬

‫الصهيونية‪ ،‬أي في كل األحوال سيبقى التحامل قائم ًا ضد الفلسطينيين حتى لو أصبحوا جميع ًا‬
‫مانديال‪ ،‬وسيبقى منحازًا للدولة العبرية مهما فعلت وارتكبت من جرائم‪.‬‬

‫ولهذا عندما يعود إدوارد سعيد إلى التصور أن باإلمكان قلب المعادلة إذا أحسن الفلسطينيون‬
‫تق ديم قض يتهم ووج دوا الوس يلة اإلعالمي ة المناس بة‪ ،‬ي نزع نفس ه من التجرب ة التاريخي ة ومن‬
‫قراءة الموقف الحالي من االنتفاضة‪ ،‬وينسى الربط بين اإلعالم األمريكي ومن يمتلكه‪ ،‬واللعبة‬
‫االنتخابي ة ومن ي ؤثر فيه ا‪ ،‬ف إدوارد س عيد ال يري د أن ي رى الخي ار اآلخ ر المت اح والممكن‬

‫واألك ثر ت أثيرًا‪ ،‬ح تى على أح داث التغي ير‪ ،‬في السياس ات الغربي ة واإلعالم الغ ربي وه و أوًال‬
‫إع ادة تص حيح الوض عين الع ربي واإلس المي لتحويل ه إلى ق وة ض اغطة م ؤثرة‪ ،‬وثاني ًا ترك يز‬
‫الجهود لتش كيل رأي عام عربي وإ س المي ق وي وق ادر على اس ماع ص وته‪ ،‬وثالث ًا العم ل على‬
‫تش كيل رأي ع ام ع المي من بل دان الع الم الث الث ومن يمكن الوص ول إليهم من ال دول الك برى‪،‬‬
‫أي يجب أال تكسب أمريكا والغرب عموم ًا الحسنيين‪ :‬أن ينحازا كل ذلك االنحياز للصهيونية‬
‫والدولة والعبرية وفي الوقت نفسه ال يواجها بجبهة واسعة قادرة على التأثير وجعلهما يدفعان‬
‫ثمنًا من سمعتهما ومصالحهما االقتصادية واستراتيجياتهما الدولية‪.‬‬

‫إن م ا يتج ه إلي ه تفك ير إدوارد س عيد ُج ّر ب فلس طينيًا وعربي ًا من ذ نكب ة فلس طين ‪ 1949‬وه و‬
‫محاولة التأثير في الرأي العام الغربي بلغة تقنعه أي لغة إظهار الحقائق والعدالة‪ ،‬ولكن أثبتت‬
‫التجربة أنك تضرب هناك بحديد بارد عندما تتصور أن إظهار الحقائق والعدالة يقنعان الساسة‬
‫في الغ رب أو يقنع ان اإلعالم الغ ربي لتغي ير مواقف ه‪ ،‬ب ل إن مق دمات إدوارد س عيد تؤك د أن‬
‫الحقائق واضحة كل الوضوح‪ ،‬وأن هنالك تعمدًا في إخفائها وفي الترويج للطرف الصهيوني‬
‫فال بد تفكير آخر‪.‬‬

You might also like