Professional Documents
Culture Documents
التوقيع الالكتروني
التوقيع الالكتروني
في اإلثبات
حنان كرواني
1
لقد عرف العالم و بشكل كبير تطورا مذهال و متسارعا في مجال تكنولوجيا عالم االتصاالت،1
حيث أصبحت وسائل االتصال الحديثة و على رأسها االنترنيت 2وسائل ال يمكن االستغناء عنها
في مختلف مناحي الحياة ،و أصبح هذا األخير الوسيلة المثلى في االتصال و نقل المعلومات و
تقديمها ،نظرا للتقدم العلمي الهائل في شبكات االتصاالت الرقمية ،خاصة على مستوى
المعامالت التجارية والعالقات المالية وعقد الصفقات و ابرام العقود االلكترونية سواء بين
الخواص أو بين هؤالء و اإلدارة ،أو فيما بين االدارات.
فالمعامالت االلكترونية تتميز بكونها نمط جديد في إبرام العقود على دعامات الكترونية غير
مادية متصلة باألذهان و ليس باألبدان ،3تعتمد على شبكة مفتوحة للجميع ،و تسمح بالدخول
إليها بحرية و في أي وقت إلبرام عالقات قانونية مع أطراف غير معروفين مسبقا ،مما يزيد من
احتمال تعرض هذا النظام للقرصنة و التحايل و االنتحال ،هذا ما فرض على المشرع الوطني و
الدولي إيجاد و سائل تقنية حديثة تضمن الحماية الالزمة لهذه المعامالت ،و من بينها تقنية
التوقيع اإللكتروني ،إذ لم يعد للتوقيع التقليدي القدرة على التكيف مع الواقع االفتراضي ،رغم
أن التوقيع االلكتروني بدوره ال يخلو من محاذير أساسها حداثة عهده ،إذ يطرح مشاكل متعددة
أهمها األمن التقني ،فال زالت التشريعات و االجتهادات القضائية تعمل على بلورته و منحه
الثقة المطلوبة في المعامالت االلكترونية.
القضاء الفرنسي مثال لم يعترف بالتوقيع االلكتروني إال ابتداء من سنة 9191عندما اعترفت
محكمة النقض بصحة التوقيع االلكتروني المبني على قرينة قانونية قابلة إلثبات العكس.4
أما التشريع البلجيكي فقد اعترف بصحة التوقيع االلكتروني سنة ،9111إذ أقيم أول زواج
رسمي بتوقيع الكتروني بتاريخ ،9110/40/19ووقع الزوجان في سجل الكتروني بفضل جهاز
ذي تكنولوجيا متطورة أطلق عليه اسم " سمارت بين " .
كما قام المشرع الفرنسي باإلعتراف بالتوقيع اإللكتروني من خالل إصداره للقانون رقم 114
سنة 1444المؤرخ في 91مارس ،51444والذي تطرق فيه إلى التوقيع التقليدي واإللكتروني،
مركزا على وظائف التوقيع المعروفة في المادة 0/9191من القانون المدني الفرنسي بعد
تعديلها حيث نص على أنه " :التوقيع هو الذي يحدد شخصية (هوية) من هو منسوب إليه
والذي يفصح عن قبوله بمضمون المحرر الذي يرتبط به وباإللتزامات الواردة فيه".
ولم يكن المشرع المغربي غائبا عن هذه المواكبة التشريعية إذ اصدار قانونا ينظم التبادل
االلكتروني للمعطيات القانونية ،6و هو القانون رقم 01-40الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
9.4..911الصادر في 91ذي القعدة 9019موافق ل 14نوفمبر .144.
إذ نص على نطاق تطبيقه في الفصل 9كالتالي " :يحدد هذا القانون النظام المطبق على
المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة الكترونية ،و على المعادلة بين الوثائق المحررة
على الورق و تلك المعدة على دعامة الكترونية و على التوقيع االلكتروني ،كما يحدد االطار
القا نوني على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة االلكترونية ،و كذا القواعد
الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورين ،و من لدن الحاصلين على الشهادات
االلكترونية المسلمة" .
1فبعد أن كانت االتصاالت تعتمد على التليفون ثم الفاكس ،ثم التلكس ،ظهر األنترنيت و أصبح الوسيلة األقل كلفة و األكثر فعالية.
إن اصطالح االنترنيت هو اختصار لكلمتين انجليزيتين ،و يقصد بالكلمة شبكة االتصاالت الدولية ،و من بين أهم التعريفات التي قيلت عن
2شبكة األنترنيت " :أنها شبكة هائلة من أجهزة الكمبيوترالمتصلة فيما بينها بواسطة خطوط االتصال عبر العالم "
3المختار بن أحمد عطار :العقد االلكتروني جامعة القاضي عياض كلية الحقوق مراكش ،ص 9و ما بعدها,
4
المرجع السابق ص .04
5
دمحم أوزيان :مدى امكانية استيعاب نصوص االثبات في ظهير االلتزامات والعقود للتوقيع االلكتروني ،مجلة القضاء والقانون ص ..900
6
أنظر الجريدة الرسمية عدد 0090بتاريخ 10ذي القعدة 9019الموافق ل 91ديسمبر ،144.ص .19.1
2
كما نظم في مواده من 1الى 99التوقيع االلكتروني المؤمن ،و في المواد من 90الى 49
المصادقة على التوقيع االلكتروني ،و من خالل تعديل بعض نصوص قانون االلتزامات و العقود
المغربي في الفصل 71-9و الفصول من 9 -10الى .-10و كذا الفصول من 9-09.الى .1-09.
و كعادة المشرع المغربي لم يعرف التوقيع االلكتروني ،تاركا هذه المهمة للقضاء و الفقه ،اذ
اكتفى بذكر وظائف التوقيع العادي و التوقيع االلكتروني المؤمن ،ففي الفصل 1-09.من ق ل ع
م 8جاء ما يلي " :عندما يكون التوقيع الكترونيا ،يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن
ارتباطه بالوثيقة المتصلة به" .
كما نص كذلك الفصل 1-09.من ق ل ع م على ما يلي " :يعتبر التوقيع االلكتروني مؤمنا إذا تم
انشاؤه و كانت هوية الموقع مؤكدة ،و تمامية الوثيقة القانونية مضمونة ،وفق النصوص
التشريعية و التنظيمية المعمول بها في هذا المجال".
إال ان المشرع المغربي حدد لنا المقصود من آلية انشاء التوقيع االلكتروني في المادة 9من
هذا القانون بقوله " :تتمثل آلية انشاء التوقيع االلكتروني في معدات أو برمجيات أو هما معا
يكون الغرض منها توظيف معطيات انشاء التوقيع االلكتروني التي تتضمن العناصر المميزة
الخاصة بالموقع ،كمفتاح الشفرة المستخدم من لدنه إلنشاء التوقيع االلكتروني".
و هو عكس ما فعلته بعض التشريعات العربية ،كالمشرع األردني و المصري ،حيث عرف
المشرع االول التوقيع االلكتروني في قانون المعامالت االلكتروني رقم 90لسنة 1449بما يلي
" :التوقيع االلكتروني هو تلك البيانات التي تتخذ هيئة حروف أو أرقام او رموز ،أو إشارات أو
غيرها و تكون مدرجة بشكل الكتروني أو رقمي أو ضوئي أو أية وسيلة أخرى مماثلة في رسالة
معلومات أو مضافة عليها ،أو مرتبطة بها و لها طابع يسمح بتحديد هوية الشخص الذي وقعها ،و
يميزه عن غيره من أجل توقيعه و بغرض الموافقة على مضمونه".
أما المشرع المصري فقد عرفه في القانون رقم 90لسنة 1440بأنه " :ما يوضع على محرر
الكتروني و يتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو اشارات أو غيرها ،و يكون له طابع منفرد يسمح
بتحديد شخص الموقع و يميزه عن غيره".
و تأتي هذه التعاريف نظرا ألهمية التوقيع كتقنية لإلثبات ،ونظرا لإلقبال المتزايد على التعاقد
االلكتروني ،اذ اهتم الفقه 9بهذا الموضوع ( التوقيع االلكتروني) محاوال وضع تعريف جامع مانع
ودقيق له " :هو مجموعة من االجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه
هذه االجراءات و قبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته".10
و في اعتقادنا يكتمل التعريف القانوني للتوقيع االلكتروني من خالل ادراج أهم صوره و هي:
التوقيع االلكتروني الكودي : 11و يتم هذا النوع من التوقيع بواسطة اعتماد مجموعة من
األرقام أو الحروف معلومة من صاحبها ويسود استعماله في عمليات الدفع االلكتروني
بمختلف أنواعه.
التوقيع البيوميتري :12و يعتمد فيه على أحد الخاصيات الشخصية للموقع ،مثل بصمة
األصبع ،أو مسح شبكية العين ،او نبرة الصوت ،أو بصمة الشفاه ،أو خواص اليد البشرية،
أو غيرها من الخاصيات أو المميزات.
حيث استثنى هذا الفصل من نطاق تطبيق القانون 91-40الوثائق المتعلقة بأحكام مدونة األسرة و المحررت العرفية المتعلقة بالضمانات
7
االشخصية أو العينية ذات الطابع المدني أو التجاري ما عدا المحررات المنجزة من لدن شخص ألغراض مهنته.
8
ق ل ع م :قانون االلتزامات و العقود المغربي.
9
حسن عبد الباسط الجميعي :اثبات التصرفات القانونية التي يتم ابرامها عن طريق االنترنيت ،دار النهضة العربية ،القاهرة 1444ص .10
10
لورنس دمحم عبيدات :إثبات المحرر االلكتروني ،دار الثقافةللنشر و التوزيع ،1441ص 00و ما عدها..
11
المختار بن أحمد العطار:العقد االلكتروني /مرجع سابق ص .00
طارق عبد الرحمان ناجي كامل :التعاقد عبر األنترنيت و آثاره ،دراسة مقارنة بحث لنيل الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية
12
العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية الرباط اكدال ،1440/1441ص .911
3
التوقيع الرقمي :13و يقوم هذا التوقيع على تقنية التشفير عن طريق استخدام مفاتيح
سرية و طرق حسابية معقدة تحول بيانات المحرر االلكتروني من رسالة مقروءة الى
وسيلة غير مقروءة ،و ذلك بواسطة عملية حسابية خاصة قد تكون تماثلية ( ،التشفير
بالمفتاح المتماثل) ،و قد تكون ال تماثلية ( ،التشفير بالمفتاح الالمتماثل) ،كإحدى
وسائل األمان التي يبحث عنها المتعاقدون عند إبرام صفقات الكترونية.
التوقيع بالقلم االلكتروني :14و تتم االستعانة فيه ببرنامج خاص يتم إعداده ليتناسب مع
القلم االلكتروني من خالل الربط بجهاز الحاسب اآللي ،و ليتم قراءة البيانات التي تعرض
على القلم من خالل الحركات التي يتم القيام بها أثناء تحريكه على الشاشة ،إذ يقوم
بالتقاط إمضاء العميل و التحقق من صحة توقيعه بمقارنته مع التوقيع األصلي المخزن.
إذا ثبت هذا فإن السؤال يبقى مطروحا بخصوص الوظائف التي يقوم بها التوقيع االلكتروني في
مجال المعامالت االلكترونية؟ ( أوال ) ،و كذا ما مدى حجيته في االثبات؟ (ثانيا ).
إن التوقيع االلكتروني يحقق أكثر من وظيفة ،و هي تحديد هوية الشخص الملتزم به إضافة الى
التزامه بمضمون المحرر الموقع عليه و إقراره له ،فهو كالتوقيع الكتابي منبثق عن شخص
الموقع إضافة العتباره امتدادا لشخصيته لدرجة يصعب معها فصلها عن بعض ،أو صدوره من
شخص آخر و ذلك في حال استيفائه الشروط الواردة في نصوص القوانين.
و تقليديا البد للتوقيع أن يؤدي وظيفتين :تحديد هوية صاحب المحرر و التعريف به و التعبير عن
رضاه بمضمون و محتوى المحرر الذي وقعه ،و سوف نرى أن التوقيع االلكتروني إذا طبقت آلياته
بصورة صحيحة فإنها تعطي لهذه الوظائف فعالية و أهمية بالغة ،و هناك من يرى أن التوقيع
االلكتروني له وظيفة ثالثة و هي الحفاظ على مضمون المحرر و سالمة محتواه من خالل
15
اتخاذه شكال جديدا في البيئة الرقمية.
إن التوقيع االلكتروني يجعلنا نتحقق من هوية الشخص الموقع مهما كان شكله فيظهر ذلك في
التوقيع التقليدي سواء تم باإلمضاء أو الختم ،أو ببصمة األصبع مما يحدد هوية الشخص الموقع
و التي تعتبر من أهم وظائف التوقيع ،فاإلمضاء االلكتروني الذي يستخدمه الشخص يكون معرفا
له و محددا لشخصه من خالل وسائل و إجراءات موثوق بها تتمثل في استخدام أنظمة مختلفة
مثل التوقيع بالقلم االلكتروني أو البصمة اإللكترونية أو استخدام نظام التشفير 16بأنواعه ،حيث
تتيح هذه الوسائل للعقد تحديد هوية األشخاص الذين أوجدوا هذه الوثائق من خالل الربط بين
هويتهم و النصوص و الرسائل التي يقومون بتبادلها ،في الوقت الذي يرى فيه جانب آخر من
الفقه ان ما يحققه التوقيع االلكتروني من ثقة نظرا لقدرته على تحديد شخصية من يصدر عنه
يتوقف على نوعية التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع مدلال رأيه هذا بأن االجراءات
المتبعة في تأمين التوقيع بالرقم السري و غيرها قد تخضع للقرصنة ،اال أن الرد جاء بكون هذا
التوقيع االلكتروني الذي يخضع لرقابة جهات معتمدة و مختصة تحقق قدرا من الثقة في التوقيع
13
عبد الفتاح بيومي حجازي :النظام القانوني للنظام االلكتروني ،دراسة تأصيلية مقارنة ،144. ،ص .9
كيالني عبد الراضي محمود :النظام القانوني لبطاقات الوفاء و الضمان ،رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق بجامعة عين شمس ،9111 ،ص
14
.991
15
لورنس دمحم عبيدات :إثبات المحرر االلكتروني ،دار الثقافةللنشر و التوزيع ،1441ص .91
16
التشفير تقنية تعتمد مفتاحا خاصا بالمتعاقدين تروم حفظ األمن القانوني و تأمين سرية المعطيات المتبادلة.
4
إضافة الى ما أكده خبراء المعلوماتية من قدرة هذه االجراءات على الصمود في وجه كل
الصعوبات و االختراقات.
و نستطيع القول بأن التوقيع االلكتروني بصوره المختلفة له القدرة على تحديد هوية الشخص
الموقع في حال تدعيم صوره بوسائل تعزز الثقة بها للقيام بوظائفها على قدر يفوق ما تقوم به
الصور التقليدية للتوقيع ،فنجد أن التوقيع الرقمي بما يتمتع به من ثقة و خاصة عبر شبكة
االنترنيت قادر على تحديد هوية الشخص ،و ذلك من خالل قيامه بعملية تشفير مزدوج
بالمفتاحين العام و الخاص ،مما يمكن األطراف من تحديد هوية بعضهم البعض ،و ذلك من خالل
تحويله للتوقيع و المحرر االلكتروني المرتبط به الى معادالت خواريزمية رياضية ال يستطيع أحد
فكها ،إال من يحمل المفتاح الخاص به ،اضافة الى لذلك فإن استعانة أطراف العالقة بجهات
التصديق إلصدار شهادات التوقيع المصادق عليها تؤدي الى تحقيق وظيفة التوقيع بتحديد هوية
الشخص الموقع و الذي يستخدم هذه الشهادة ،و ذلك باحتوائها على معلومات هامة عن
صاحبها ،هذا ما أكده المشرع المغربي في المادة 90من القانون رقم " ،40-01يعهد الى
السلطة الوطنية المكلفة باعتماد و مراقبة المصادقة االلكترونية المسماة بعده السلطة
الوطنية ،عالوة على المهام المسندة اليها بموجب مواد أخرى من هذا القانون بالمهام التالية:
اقتراح معايير نظام االعتماد على الحكومة و اتخاذ التدابير االزمة لتفعيله
اعتماد مقدمي خدمات المصادقة االلكترونية و مراقبة نشاطهم ".
حيث حدد هذا القانون الضوابط الواجب توافرها في شهادات المصادقة من قبل الجهة التي
تقوم بإصدار شهادات المصادقة االلكترونية من حيث تحديد هوية صاحبها و امضائه االلكتروني .
إن الوظيفة الثانية للتوقيع االلكتروني و التي تظهر من خالل تعريف القوانين و الفقه له هي
إظهار التزام الموقع بمحتوى العقد الذي يذيل به ،و ذلك لكي يظهر إرادة الموقع بمضمونه كامال،
بحيث أنها تشكل العنصر المعنوي من عناصر التوقيع و هو جوهر التوقيع و نيته ،فتتجه إرادة
الموقع الى االستحواذ على ما يتضمنه السند الموقع عليه ،و يمكن القول في هذه الحالة أن
17
االرادة سبقت التصرف و جاء التوقيع متمما لهذه االرادة.
إذ يعد التوقيع من وسائل التعبير عن االرادة التي يتطلبها القانون إلنشاء تصرف قانوني سواء
كان هذا التصرف عقدا أم إرادة منفردة ملزمة ،و التعبير عن االلتزام بالتصرف قد يكون باللفظ أو
بالكتابة أو حتى باالشارة المعهودة عرفا ،او المبادلة الفعلية الدالة على التراضي ،و التوقيع
يعتبر نوعا من الكتابة سواء كان امضاء أو ختما يوضع على السند المكتوب لتحديد هوية
الشخص و التعبير عن ارادته بالموافقة على مضمونه ،و نجد أنه
-التوقيع التقليدي -مرتبط بالدور التاريخي للورق كدعامة مميزة في العقود بحيث أنه يوضع في
آخر العقد ،و ذلك المكانية التأكد بشكل تام بااللتزام بكامل العقد و يكون شاهدا على نية
الطرف الملتزم بمضمون العقد الموقع و على نية االقرار بتحرير النص و ما يرتبه من نتائج قانونية
على فعل التوقيع.
أما في مجال التوقيع االلكتروني فإن قيام الشخص بإدخال الرقم السري الخاص به أو مفتاح
الترميز في التوقيع الرقمي بشكل ارادي على المحرر االلكتروني الخاص به ،يعتبر موافقة على
كامل مضمون العقد ،و هناك من يشير الى ضرورة النظر الى األثر النفسي للتوقيع في اظهار
الموافقة على مضمون العقد في بيئة الكترونية مختلفة عن البيئة الورقية في ابرام العقود في
اللحظة التي يوقع بها العقد ،حيث يجد االشخاص أنفسهم مرتبطين بعالقات عقدية بكبسة زر
17
ضياء أمين مشيمش :التوقيع االلكتروني ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،مكتبة صادر ناشرون ،1441 ،ص .901
5
دون أي شكلية ،في الوقت الذي يؤكد هذا الرأي أن ذلك ال يسيء الى مضمون العقد في حال
أن أحيط بضمانات أو اجراءات مثل تنبيه المتعاقد بأنه على وشك توقيع محرر يلزمه قانونا.18
تعتبر هذه الوظيفة من الوظائف األكثر حداثة للتوقيع االلكتروني حيث تتمثل في الحفاظ على
مضمون محتوى العقد و تكامله ،و في بيئة تؤدي هذه الوظيفة دعائم ورقية بحيث يسهل
كشف الغش أو الشطب و االضافات و بالتالي الحفاظ على محتوى العقد ،أما في حالة الوثائق
التي يتم تبادلها من خالل شبكة االنترنيت إلبرام تعاقد أو تصرف قانوني ما،
فإن هذه الوثائق تكون عملية تبادلها في كثير من األحيان محفوفة بالمخاطر ،و يتم التغلب على
هذه المخاطر من خالل استخدام التوقيع االلكتروني الرقمي و المستند على التشفير المزدوج
بالمفتاحين العام و الخاص ،بحيث يتم تحويل النص و التوقيع الى رموز مما يتيح الحفاظ على
19
سالمة العقد.
و كان قد طرح تساؤل عن مدى ارتباط ارادة الموقع و رضاه بمضمون المحرر االلكتروني في بعض
العقود و التي تتم عبر شبكة االنترنيت و يتم التوقيع عليها إلكترونيا حيث اتجه رأي الى أن
التغلب على هذه المشكلة يكون من خالل استخدام تقنيات تكنولوجية حديثة من شأنها توفير
ال ثقة و سالمة المحرر االلكتروني و عدم ادخال أي تعديالت عليه ،ثم ان ارتباط التوقيع
االلكتروني بالمحرر االلكتروني يضفي عليه حجية أكثر في اإلثبات و هذا ما جاءت به قوانين
المعامالت االلكترونية.
فالمادة 19من القانون 01-40المغربي أكدت على هذا الشرط للحفاظ على ثقة المتعاملين
في الوسائل االلكترونية و نصت على ...." :أن ادخال المعطيات و تغييرها ال يسمح بهما إال
لألشخاص المرخص لهم لهذا الغرض من لدن مقدم الخدمة".
إن التحول من استخدام التوقيع التقليدي الى التوقيع االلكتروني في مجال المعامالت المدنية و
التجارية يوجب الحفاظ على الدور الذي يلعبه التوقيع ،و لقد كان للفقه محاوالت إليجاد نوع من
الحجية للتوقيع االلكتروني انتهى فيها البعض الى اعطاء التوقيع االلكتروني حجية في
االثبات.20
حيث كانت المحررات االلكترونية ووسائل االثبات الحديثة تخضع للسلطة التقديرية لقاضي
الموضوع لتحديد قيمة هذه المحررات مراعيا الوسيلة المستخدمة في انشاء هذه المحررات و
غيرها من الشروط التي تأخذها المحكمة بعين االعتبار ،إال أن هذه السلطة التقديرية الواسعة
ال تحقق االستقرار في التعامالت االلكترونية المبرمة من خالل االنترنيت ،لذلك عمل المشرع
الدولي و الوطني على التدخل لتنظيم حجية هذه المحررات االلكترونية و مساواتها في االثبات
و الحجية مع المحررات المادية ،و ذلك من أجل تشجيع التعامل بمثل هذه الوسائل الحديثة في
المعامالت االلكترونية الوطنية و الدولية على السواء.
و قد ثار نقاش فقهي بعد ذلك حول مدى صحة األخذ بحجية التوقيع االلكتروني ،فهناك من قال
أنه ال توجد أي حجية لهذا النوع من التوقيعات و ذلك لغياب فكرة األمن القانوني الكافي لمثل
هذا التوقيع ،إال انه بصدور القوانين الخاصة بالتجارة االلكترونية و التي أضفت حجية على التوقيع
كيالني عبد الراضي محمود :النظام القانوني لبطاقات الوفاء و الضمان ،رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق بجامعة عين عين شمس ،9111
18
الصفحة .999
19
دمحم دمحم أبو زيد ،تحديث قانون االثبات ،بدون دار للنشر ،1441الصفحة .919
20
حسن عبد الباسط الجميعي :مرجع سابق ص .00
6
اإللكتروني و ذلك من خالل وضع اجراءات تحقق االمن و الثقة به ،و تحميه قانونيا و تقنيا تأكدت
حجيته.
فهناك دول خصصت تشريعات خاصة لتنظيم التوقيع االلكتروني و هناك من الدول من قامت
بتعديل قوانينها الوضعية القديمة ،و المشرع المغربي سوى في االثبات بين المحرر الورقي و
المحرر اإللكتروني ،باصدار قانون خاص بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية رقم ،01-40
خاصة في مواده المعدلة لقانون االلتزامات و العقود ،حيث نص الفصل 09. -9على أنه" :
تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة الكترونية بنفس قوة االثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة
على الورق.
و تقبل الوثيقة المحررة بشكل الكتروني لإلثبات شأنها شأن الوثيقة المحررة على الورق"
كما نص الجزء االخير من الفصل 09.-1على ما يلي" تتمتع كل وثيقة مذيلة بتوقيع الكتروني
مؤمن و المختومة زمنيا بنفس قوة االثبات التي تتمتع بها الوثيقة المصادق على صحة توقيعها و
المذيلة بتاريخ ثابت".
إال أنه لالعتداد بالتوقيع االلكتروني في االثبات اشترط المشرع المغربي عدة شروط حتى يكون
توقيعا مؤمنا ( 21محميا) ،و هذا ما نص عليه القانون في فصله 004من قانون االلتزامات و العقود
":تقبل لإلثبات نسخ الوثيقة القانونية المعدة بشكل الكتروني متى كانت الوثيقة مستوفية
للشروط المشار اليها في الفصلين 09.-9و ."09.-1
و يتطلب تحقق هذا الشرط أن يكون التوقيع االلكتروني المرتبط بالمحرر االلكتروني مميزا
لصاحبه عن غيره ،اضافة الرتباطه بهذا الشخص ،فكما في التوقيع التقليدي الذي يعتبر عالمة
شخصية و مميزة لصاحبه ،على اعتبار أن التوقيع بكافة أنواعه يعتبر بمثابة روح للورقة المحررة
بحيث يستطيع هذا التوقيع أن يعبر بطريقة واضحة و محددة عن شخص صاحبه و هو الموقع،22
و الذي عرفه القانون المغربي رقم 01-40بأنه " :هو الشخص الطبيعي الذي يعمل لحسابه
الخاص ،أو لحساب الشخص الطبيعي او المعنوي الذي يمثله ،و الذي يستخدم آلية إنشاء
التوقيع االلكتروني" .
و نجد أن التوقيع االلكتروني بصوره المختلفة إذا تم انشاؤه بصورة صحيحة فأنه يعد من قبل
العالمات المميزة و الخاصة بالشخص وحده دون غيره ،فالتوقيع بالقلم االلكتروني أو التوقيع
الرقمي و غيرها تتضمن عالمات مميزة للشخص الموقع ،فرغم قيام أكثر من شخص
باستعمال أدوات إنشاء التوقيعات التي تمتلكها مؤسسة مثال ،فان تلك األداة يجب أن تكون
قادرة على تحديد هوية مستعمل واح د تحديدا ال لبس فيه في سياق كل توقيع الكتروني على
حدة.
وهذا ما نص عليه الجزء الثاني من المادة 1من قانون التبادل االلكتروني للمعطيات القانونية" ،
ي مكن للملتزم عندما يطلب منه بيان مكتوب بيده ،أن يقوم بتحريره بشكل الكتروني اذا كان من
شأن شروط تحريره ضمان أنه الوحيد الذي يمكنه القيام بذلك".
و يتطلب هذا الشرط أن يكون التوقيع االلكتروني قادرا على التعريف بشخصية الموقع ،حيث
يعتبر هذا االمر بديهيا ،فرغم عدم اشتماله على اسم الموقع فانه يكفي أن يحدد شخصية
الموقع على الرسائل االلكترونية و ذلك من خالل الرجوع مثال الى جهات إصدار التوقيعات
االلكترونية و شهادة التصديق المعتمدة و التي تبين شخصية هذا المستخدم للتوقيع
االلكتروني، 23فكل شكل من اشكال التوقيع سواء بصمة او امضاء أو توقيع رقمي يحدد الموقع
7
ألنه يعود عليه ،باالضافة الى أن الشخص الموقع هو الذي اختار هذا الشكل ليعبر عن ارادته،
مما يسمح بتحديد هويته.
و المثال على ذلك ،التوقيع بالرقم السري في بطاقات األداء اآللي ،حيث أن قيام حامل البطاقة
بإدخال الرقم السري الخاص به في جهاز الصراف اآللي و قيام هذا األخير بالتعرف على الرقم
السري و إدخال الشخص لحسابه ،لتكون هذه االجراءات كافية للداللة على شخصه و اتمام
جميع عمليات البطاقة.
.2أن يتم انشاؤه بوسائل يمكن للموقع االحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة
حصرية
إن هذا الشرط يتطلب أن يكون صاحب التوقيع االلكتروني منفردا به بحيث ال يستطيع أي
شخص معرفة فك رموز التوقيع الخاص به أو الولوج اليه ،سواء عند استعماله لهذا التوقيع أو
عند إنشائه بحيث يسيطر الموقع وحده دون غيره على الوسيط االلكتروني ،او آلية انشاء
التوقيع االلكتروني الذي عرفه المشرع المغربي في المادة رقم 9من القانون 01-40كالتالي":
تتمثل آلية انشاء التوقيع االلكتروني في معدات أو برمجيات او هما معا ،يكون الغرض منها
توظيف معطيات انشاء التوقيع االلكتروني التي تتضمن العناصر المميزة الخاصة بالموقع ،كمفتاح
24
الشفرة الخاصة المستخدم من لدنه النشاء التوقيع االلكتروني".
.3أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير
الحق أدخل عليها
ففي عقود التجارة االلكترونية أو غيرها من العقود فإن وضع التوقيع االلكتروني على هذا العقد
يعني اتجاه ارادة الموقع الى انصراف آثار العقد اليه و التزامه به. 25
و بهذا فاننا نجد أن هذا الشرط يستلزم ضرورة تكامل البيانات المتعلقة بالتوقيع االلكتروني
بحيث يكون أي تغيير يلحق برسالة البيانات أو المحرر بعد توقيعه قابال للكشف و بالتالي إحداث
أي تعديل على التوقيع الموضوع على المحرر االلكتروني يؤدي الى تعديل بيانات المحرر كاملة
و هذا يجعل المحرر غير ذي صالحية في اإلثبات ،و ذلك ألنه يؤدي الى زعزعة سالمة هذه
البيانات و التوقيع االلكتروني أيضا ،حيث أن القانون اعتبر التوقيع االلكتروني الموثق يوثق المحرر
االلكتروني المرتبط به بحيث يشكالن معا قيدا الكترونيا يكون صالحا في حال سالمته إلثبات
الواقعة التي يتضمنها.
.4يجب أن يوضع التوقيع بواسطة آلية إلنشاء التوقيع االلكتروني تكون صالحيتها
مثبتة بشهادة للمطابقة
يضمن هذا الشرط أن يكون التوقيع االلكتروني موثقا و محميا ،و نجده محددا في القانون
المغربي 0126-40في المادة 1و ما بعدها ،حيث تقوم السلطة الوطنية بمراقبة المصادقة
24
طارق عبد الرحمان ناجي كميل :التوقيع االلكتروني و حجيته في االثبات ،جامعة دمحم الخامس بالرباط ،مرجع سابق ص من 140الى .199
25
لورنس دمحم عبيدات :اثبات المحرر االلكتروني ،مرجع سابق ص 919و .911
8
االلكترونية على التوقيع إلسباغ الحجية عليه و على المحرر االلكتروني المرتبط به ،حيث نصت
المادة 1على أنه " :تسلم شهادة المطابقة ...السلطة الوطنية المكلفة باعتماد و مراقبة
المصادقة االلكترونية على التوقيع....عندما تستجيب آلية انشاء التوقيع االلكتروني لمجموعة
من المتطلبات ،"......حيث تثبت العالقة بين المعطيات التي تمكن من التحقق من التوقيع
االلكتروني و الموقع بشهادة الكترونية و تتمثل هذه الشهادة في سند يتم اعداده بشكل
الكتروني ،و تعتبر هذه الشهادة مؤمنة عندما يسلمها مقدم خدمات المصادقة االلكترونية
معتمدا من لدن السلطة الوطنية المكلفة باعتماد و مراقبة المصادقة االلكترونية ،و تقوم
السلطة الوطنية بنشر مستخرج من قرار االعتماد في الجريدة الرسمية و بمسك سجل
بأسماء مقدمي خدمات المصادقة االلكترونية المعتمدين ينشر في نهاية كل سنة في الجريدة
الرسمية.
و يختص مقدمو 27خدمات المصادقة االلكترونية المعتمدون لهذا الغرض بتوريد وسائل أو خدمات
التشفير الخاضعة للترخيص ،حيث تهدف وسائل التشفير على الخصوص ضمان سالمة تبادل
المعطيات القانونية بطريقة الكترونية أو تخزينها بكيفية تمكن من ضمان سريتها و صدقيتها و
مراقبة تماميتها.
و ذلك كله لحماية التعامالت االلكترونية التي تتم من خالل شبكة االنترنيت و التي تعتبر
مفتوحة للجميع مما يجعلها عرضة لعمليات القرصنة من قبل بعض الفئات المتمرسة باعتراض
تلك المعامالت.
لقد عمل المشرع المغربي على تنظيم مسألة التعاقد بوسائل الكترونية و االعتراف بالعملية التعاقدية و انتاج آثارها في التعاقد مع مراعاة
26
ضرورة حماية المستهلك و ذلك في المادة الثالثة.
يشترط الكتساب صفة مقدم خدمات المصادقة االلكترونية ان يكون مؤسسا في شركة يوجد مقرها االجتماعي بتراب المملكة و أن يكون
متوفرا على مجموعة من الشروط التقنية المذكورة في المادة 19من القانون رقم 01-40المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية
27
المغربي.
9