Professional Documents
Culture Documents
Al Sharqa Al Thaqafia 63
Al Sharqa Al Thaqafia 63
Al Sharqa Al Thaqafia 63
الخليل
مدينة ت�شي
بــجـذورهــا
التـاريـخـية
مجالت دائرة الثقافة
عـدد يناير 2022
مجلة شهرية تُ ـعنى بالشعر واألدب الشعبي -السنة الرابعة -يناير 2022م -العدد ()29
تصدر عن دائرة الـثـقـافـة بالشارقـة
مهرجان الفنون اإلسالمية نافذة الثقافة العربية ت�شدر �شهري ًا عن دائرة الثـقـافـة بال�شـارقة
«تدرجــــــات» كـــنوز ال�شنة ال�شاد�شة-الـعدد الثــالـث وال�شتـون -يـنـايـر ٢٠٢٢م
الخليل
شــــعــــراء " :الـــــــحـــــــيـــرة مــــن الـــشـــارقـــة" مدينة ت�سي
تـــراثـــيـــة
ّ مـــنـــبـــر إبــــــداعــــــي وحــــاضــــنــــة بــجـذورهــا
احـــــتــفـــــاالً بــــ 4أعــــــوام عــلــى صــدورهـــــا التـاريـخـية
زهـــــرة الشعــــر
..2021إنـــــــجـــــــــــــــــازات
تــقــدم وجـــــهـــــــــــــ ًا جــديــد ًا
وعــروس الشمــال
لـــلـــســـاحـــل ال ــش ــرق ـــ ـــ ــي
مــهــرجــان الــشــارقــة كلباء
لــــلــــجــــواد الــــعــــربــــي..3 الغفران عند الشعراء..
جــــــــمــــــــال وأصــــــــالــــــــة تُعنى بالشعر واألدب العربي
مـجـلـــة شهـريــــة تــنـمويــة ثـقـافـيـــة
من المنطـقة الشرقية بإمارة الـشارقة
م
التمــاس العـــذر في الشـــي ِ
شعـر الفكــاهة
«معرض التخييم الته
تحت وطأة الواقع وتح ّوّال
والمغامرات» دعامة
الــــســــيــــاحــــة ال ــج ــب ــل ــي ــة للسياحة البيئية
فــي الــمــنــطــقــة الــشــرقــيــة..
مساراتترويحكاياتاألجداد
..2021تحديث
وتطوير يغير وجه
الغة الصورة الشعرية..
ببال
المنطقة الوسطى اللـــة المعنـــى والخيــــال
دالد
الحوية..
حياة راسخة في أكناف الصحراء
في الشعر.. السفينة
غــــربة وتيــــه وترحــــال
الملكـية الأدبية
وحماية الإبداع
الذي يعززه منح الجوائز التقديرية وطباعة �ضرورية لإحداث �أي نقلة على الم�ستويين ال ���ش� ّ�ك � ّأن الإب�����داع ب��ك��ل �أ���ص��ن��اف��ه
الحق فيّ الكتب ،يجب �أن يكون للم�ؤلف الفكري والثقافي ،وكلما جرى ال�سهر على واتجاهاته يحتاج �إلى بيئة �آمنة وجاذبة،
منع �أي عمل من �ش�أنه الإ�ساءة �إلى ا�سمه توفير هذه الحماية ازدهر الت�أليف و�أينعت تت�سم بالحرية لكي تنمو غ�صونه وتمتد
الت�صدي لل�سرقات
ّ ومكانته و�إبداعه ،وكذلك الأقالم وانت�شرت الكتب ودور الن�شر ،وات�سعت جذوره وتن�ضج ثماره ،ويحتاج �أي�ض ًا �إلى
واالقتبا�سات الأدبية ،خ�صو�ص ًا في ع�صر ال�ساحة للفعل الثقافي ،ل ّأن الحفاظ على �أفكار جديدة وم�سارات خ�صبة ووم�ضات
الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة التي �سهلت حقوق الم�ؤلف و�صون نتاجه من �أي انتهاك �ساحرة لكي يتطور ن�شاطه ويتجلى ح�ضوره
نقل ون�سخ وا�ستعمال وا�ستغالل العمل يجعالنه ي�شعر بالر�ضى وتحقيق ال��ذات وتتفجر ينابيعه� ،إال � ّأن ذلك يبقى غير ٍ
كاف
الأدبي ب�شكل غير م�شروع ،ما يتطلب تكثيف والطم�أنينة ،ف�ض ًال عن � ّأن الحماية من خالل ل�صنع ثقافة فاعلة وحالة فكرية متوهجة
الجهود للحفاظ على حقوق المبدعين هذه الملكية تدفع باتجاه االبتكار واختالق �إن لم ُتحط به �أطر وقوانين و�أنظمة تحفظ
والمبتكرين ،وت�شجيع االبتكار ،وحقيقة طرائق معرفية حديثة ،وا�ستنبات �أفكار مكانته وت�صون نتاجه ،من هنا جاءت
تبذل حالي ًا كل الجهود في �إطالق المبادرات غير م�سبوقة ،و�إي�لاء الأهمية لل�صناعات الملكية الأدبية التي ت�شمل حقوق الم�ؤلف
الرائدة في مجال مكافحة الجرائم المتعلقة الإبداعية� ،إذ من �ش�أن كل ذلك �أن تنتقل المادية والمعنوية من بينها؛ الن�شر والطبع
بالملكية الفكرية والأدبية ،وتعزيز الخبرات المجتمعات �إل��ى مرحلة �أك��ث��ر ت�صالح ًا والن�سخ والترجمة ،فكانت ال��دع��وة �إل��ى
وبحث �أف�ضل ال�سبل والممار�سات العالمية وان�سجام ًا ووعي ًا ،وتخطو خطوات وا�سعة وتقدم،
ّ جعلها �أ�سا�س �أي نه�ضة وح�ضارة
والتعديات
ّ للق�ضاء على جرائم القر�صنة والتقدم.
ّ في البناء وهي من �أهم الخطوات التي حر�ص العالم
على الملكية الفكرية في المنطقة ،باعتبار كما � ّأن االهتمام بالمبدعين والأدب��اء على تحقيقها وتطويرها بما يتنا�سب مع
� ّأن حماية هذا الإب��داع و�صونه والحفاظ والمفكرين ،وتوفير الحماية لهم ولإنتاجهم متطلبات الع�صر ،فكانت اليد التي حمت
عليه ي�شكالن مع ًا �إحدى دعائم االقت�صاد ه��و ح��م��اي��ة ل�ل�إن��ج��ازات ال��ت��ي حققوها �أروع الإبداعات في ال�شعر والنثر والفل�سفة
القائم على المعرفة. والأع��م��ال التي قدموها ،وللأفكار التي والفن ،وثبتت �أوتادها و�شرعت النوافذ على
كلما تطورت المجتمعات الإن�سانية عززت القيم الإن�سانية و�صنعت ح�ضارات الثقافات والمتغيرات ،لتنه�ض وت�ستمر
م�ستفيدة من التكنولوجيا وو�سائل االت�صال وثقافات مختلفة ،ويعود لها الف�ضل في وتحيا في اللغة والجمال.
ومتغيراتها الداخلية
ّ تحوالتها
الحديثة في ّ الت�أ�سي�س لحياة �أف�ضل ولم�ستقبل �أكثر � ّإن حماية الإب��داع والمبدعين �ضرورة
والخارجية ،ازدادت الحاجة �إلى المعايير �إب��داع � ًا واب��ت��ك��اراً ،واالهتمام بالمبدعين ملحة في هذا الع�صر وك ّل ع�صر ،وحاجة ّ
والنظم وال�صيغ التي تح ّقق العدالة والتنمية، وحماية �إبداعاتهم هو حماية �أي�ض ًا للكتاب
وتفتح �آف��اق � ًا جديدة لالبتكار والإب���داع، ال��ورق��ي وحفظه من االن��دث��ار والنهو�ض المعنى الحقيقي للتكريم
وتعطي للحقوق �أهمية خا�صة وقيمة �أخالقية ب�صناعته ،وهو كذلك حماية لدور الن�شر من
هو �أن يح�صل الم�ؤلف
وح�ضارية ،تلعب دوراً كبيراً في التغ ّلب على انت�شار الفو�ضى والكتب المزورة وانتهاك
التحديات ومقاربة الق�ضايا الراهنة وفي الحقوق. على حقه في الحماية
ّ
مقدمتها الق�ضايا الثقافية والفكرية. وحتى ندرك المعنى الحقيقي للتكريم، والت�شجيع
مدير التحرير
نـواف يونـ�س
هيئة التحرير
عبد الكريم يون�س
عـــــزت عـــــمــــــــر
حــ�ســـــان الـعــبـــد
عبدالعليم حري�ص
فــــــوزي �صـــــالـــــح
م�ساعد مخرج
محـمـد غانم
مدينة الخليل المحتوى الب�صري والإلكتروني
محـمـد مح�سن
�أمكنة و�شواهد
جدل الواقعي والمتخيل في �سيرة عنترة الخليل ..مدينة م�ضيافة ١٨
وتعد ال�سيرة ال�شعبية �إحدى �أكثر الأ�شكال
يتميز ال�سرد العربي القديم بغنى �أ�شكالهّ ، �شنقيط ..ذاكرة موريتانيا التاريخية 24
ال�سردية خ�صو�صية� ،إذ تتمحور حول �شخ�صية واحدة تمثل ب�ؤرة الحكاية...
�إبداعات
نبيل �سليمان ..جمع بين
الإبداع الروائي والنقد ٥٢ �أدبيات
قا�ص وناقد
28
32
تعد تجربة نبيل �سليمان الروائية ،وفق
�أكثر المراقبين والمهتمين بال�ش�أن
في الم�ست�شفى � -شعر مترجم ٣٥
الثقافي ،تجربة عميقة وجادة... قيمة العطاء -ق�صة ق�صيرة 38
�أج���اد �أب ��و القا�سم عبا�س بن ولتو ُّقد ذهنه ،كان �أدباء الأندل�س و�شعرا�ؤها،
ف ��رن ��ا� ��س ال��ع��م��ل ب��ال��ر���س��م وحتى علماء اللغة ،يجل�سون حوله يعلمهم
الهند�سي ،حتى لقد غدا من النحو وق��واع��د الإع����راب ،ويفك الغام�ض من
المعماريين؛ فهو �صنع في علم البديع والبيان وعلوم البالغة واللغة ،مثل
مختبر بيته (قب ًة �سماوي ًة) كتاب العرو�ض! ويفك رموز المو�سيقا العربية
م ّثل فيها �صور الكواكب في الأندل�س ،مدخ ًال عليها علم العرو�ض ،الذي
وال�شم�س وال��ق��م��ر وال��ن��ج��وم و�ضعه الخليل بن �أحمد الفراهيدي .كان �شاعراً
والغيوم ،وزوده��ا بم�ؤثرات ُمجيداً مليح المعاني بعيد الغور رقيق الذهن (له
ب�صرية و�صوتية ،ف��ي �أول �شخ�ص �إن�سي وفطنة جني!) ..ثم �صار مخترع ًا في
حجرة محاكاة في التاريخ مختلف ال�صنع ،عالم ًا في الريا�ضيات ،وفي الطب
للظواهر الجوية المختلفة، وال�صيدلة والفلك والكيمياء والهند�سة المعمارية
م��ث��ل ال��ع��وا���ص��ف وال��رع��د والمو�سيقا� .أتقن اليونانية ،وترجم منها �إلى
وال ��ب ��رق ،م��ا ج��ع��ل بيته العربية بع�ض الكتب في الفل�سفة والمو�سيقا،
مق�صداً للنا�س ي�ستمتعون وك ّلل معارفه تلك بتع ّلم المو�سيقا والعزف على
ب��م��ا ي��زخ��ر ب��ه م��ن �أع��اج��ي��ب عديد من �آالتها ،و�أتقن نظم المو�شحات وتلحينها
ال��م��دارات ال�����س��م��اوي��ة� ..أم��ا م�شاركة على �آلة العود ،وو�ضع �سلم ًا مو�سيقي ًا
على م�ستوى ال��ب�لاد فقد عربي ًا في �ضوء �أوزان ال�شعر العربي وبحوره،
ج � ّ�م ��ل م��دي��ن��ة ق��رط��ب��ة و�ص ّنع � ٍ
آالت مو�سيقي ًة �أندل�سية.
بفنون عمارته وبنافوراته فوق هذا وذاك اهتم (ابن فرنا�س) بدرا�سة
ر�سم تخيلي لـ عبا�س بن فرنا�س و�أفانينه ،م�سهم ًا في تحويل المدينة �إلى الأم ��را� ��ض ،ودر����س ال��ط��ب وال�صيدلة واهتم
تحفة فنية فاتنة. بت�صنيف خ�صائ�ص الأم ��را� ��ض و�أع��را���ض��ه��ا
كذلك ابتكر عبا�س بن فرنا�س بنف�سه �ساعة وت�شخي�صها وط��رق الوقاية منها ،وبت�صنيف
مائية لقيا�س الوقت بد ّقة �سميت (الميقاتة)، الأع�شاب وفوائدها الطبية؛ فاتخذه �أم��راء بني
تعمل على مبد�أ تد ُّفق المياه ب�آلية معقدة ت�ستخدم �أم��ي��ة ف��ي الأن��دل�����س طبيب ًا خا�ص ًا لق�صورهم
المياه كمحرك �سائل وم�صدر للطاقة ،من خالل ل�شهرته وحكمته في �إر�شاداته الطبية الخا�صة
اعتبر عمالق العلوم تدفقها عبر مجموعة من ال�صمامات مع فتحها بفنون الوقاية من الأمرا�ض .وبعدما �صار طبيب
�أو �إغالقها ،وقدمها هدية للأمير الأموي محمد الق�صر و�شاعره �أن�ش�أ مختبراً في داره كان يقوم
التطبيقية في جل
بن عبدالرحمن بن الحكم .وتقوم فكرة (الميقاتة) فيه بنف�سه ب�صناعة ابتكاراته وتركيباتها،
العلوم والمعارف التي على قيا�س الظل وح�ساب درجات زواي��اه ،وقد واخت�ص بالأكثر بمعالجة المعادن بالحرارة،
در�سها ّ
ونظر لها ُ�ص ّممت عقاربها لتقي�س ،كما �ساعاتنا ،الدقائق فا�ستنبط منذ القرن التا�سع الميالدي طريقة
المق�سم
ّ والثواني على م�سار ر�ؤو�سها الدائري َ غير م�سبوقة لت�صنيع الزجاج ال�ش ّفاف عالي
تعد هذه الآلة ال�صورة�إلى �أقوا�س مت�ساوية؛ وبذا ّ النقاء ،ذي الجودة العالية (الكوارتز) من الرمل
الأول��ى التي ت�أ�س�ست عليها �صناعة ال�ساعات عم االبتكار الأندل�س وانت�شر منها والحجارة ،وقد ّ
المائية �أو الزئبقية �أو ال�ساعات ال�شم�سية الد ّقاقة. �إلى العالم ،خ�صو�ص ًا العالم الأوروبي المجاور.
ا�شتغل في
الريا�ضيات والفلك
والطب والهند�سة
والمو�سيقا
القراءة مفتاح
م�ستودع المعارف
رعد �أمان ويحكى عن الجاحظ �أنه (لم يكن يكتفي كثيراً م��ا نتحدث ونكتب ع��ن �أهمية
�أو يقنع بقراءة الكتاب والكتابين في اليوم ال��ق��راءة ،ودور الكتاب في �إث��راء الجوانب
الوراقين،الواحد ،بل كان ي�ست�أجر مكتبات ّ المعرفية والفكرية لدى الإن�سان في كل
العامة .و�أذكر يوم ت�س ّلمت �أول جائزة مالية ويبيت فيها للقراءة والنظر ،فقد كان يقر�أ زمان ومكان ،وكثيراً ما ن�صادف كتابات
عن ف��وز ق�صيدة لي في م�سابقة �شعرية كل ما يقع بيده وي�ستوفيه كائن ًا ما كان). تحث على االطالع والقراءة وتثقيف الذات،
محلية ،وكنت في ال�سابعة ع�شرة من عمري، من هنا تبرز �أهمية القراءة ك�ضرورة لما لها من فعل م�ؤثر في العقل وال��روح
�أذكر �أنني ذهبت �ساعتها وا�شتريت بالمبلغ حياتية مثل ال��م��اء وال��ه��واء للإن�سان، مع ًا .ويتعاظم الأمر عند �أ�صحاب الأقالم
كله المعجم اللغوي المعروف (المنجد) فمن دونها يظل مفتقداً الكثير من القيم الذين يمار�سون الكتابة با�ستمرار ،فالقراءة
الأبجدي ،ومازلت �أحتفظ به �إلى اليوم. والمفاهيم الأخالقية وال�سلوكية ،ويغلق بالن�سبة �إليهم �ضرورة ،تم ّكنهم من ارتياد
مواكب من ال�سنين مرت ،كان الكتاب �أمامه م�ستودع العلوم والآداب والمعارف، �آفاق وا�سعة ،والتحليق بعيداً وعميق ًا في
خاللها �سيد الأيام ،وكانت القراءة عرو�س التي عليه �أن يتمثلها في حياته ،ويجد ف�ضاءات رحيبة ومديدةـ من الت�أمل والطرح
الليالي ال��م��زدان��ة ب���أل��وان م��ن المعرفة نف�سه غريب ًا ومنعز ًال عن واقع �صاخب ال والتناول والتحليل ،وا�ستدعاء الأفكار
الإن�سانية وتجلي الفكر والإبداع في �أجمل ي�ؤمن باالنزواء� ،أو كبحيرة راكدة �آ�سنة في وال�شواهد والمعلومات ،وكل ما يحقق لهم
و�أب��ه��ى ���ص��وره .حتى ج��اء عهد ال�شارقة؛ عالم يموج بالحركة والتغيير والتطور ،وهذا الغايات من وراء الكتابة.
ف�أ�شرقت ال��روح ب��أن��وار الثقافة والفنون ال يت�أتى له �إال ب�شحذ العقل والنف�س مع ًا، محق م��ن ي��ق��ول� :إن على الكاتب �أن
والآداب ،وفرح العمر وابتهج بمهرجانات بما ي�ضخ فيهما الحياة ويمل�ؤهما بالنور، يكون قارئ ًا جيداً ،لكي يكون كاتب ًا جيداً،
و�أعرا�س الكتاب ،فهنا الثقافة بال حدود، ويق�شع عنهما كتل الظالم المتراكمة ،و�أعني لكن عليه قبل ذلك �أن يحب الكتاب ،و�أن
هنا مكتبة لكل بيت ،هنا حيث للقراءة بذلك القراءة. تكون بينه وبين الكتب عالقة حب و�شغف
ن�ش�أ على
مغنى ومعنى ،وحيث الطفولة ُت ّ �أذك��ر �أنني كنت و�أن��ا في العا�شرة من يومية ال تنتهي ،هذا الحب هو الذي يمده
حب الكلمة المقروءة ،وعلى حب الكتاب، عمري� ،أذه��ب ل��زي��ارة ج��دي كل �أ�سبوع، بالو�سائل ال�ضرورية وال�سليمة ،من مفردات
فما يقوم به �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور في�سمح ل��ي با�ستعارة ك��ت��اب واح ��د من ومعانٍ ولغة وبالغة وبيان ،وغير ذلك من
�سلطان بن محمد القا�سمي ع�ضو المجل�س مكتبته ال�شخ�صية الثرية لأق��ر�أه ،على �أن �ضرورات الكتابة ،وبالأ�ساليب المتجددة
الأعلى حاكم ال�شارقة ،من مبادرات ال ُتعد ي�س�ألني الأ�سبوع ال��ذي يليه عما قر�أته الم�ساعدة على الخلق واالبتكار والإب��داع،
وم�شروعات ال ُتح�صى ،وما ير�صد له �سموه قبل �أن يعيرني كتاب ًا �آخر .وحين كنت في و�سلوك �سبل الخلود ،وفي هذا يقول العقاد:
من �إمكانات هائلة مادية وب�شرية ،من الثالثة ع�شرة؛ �أخذني وال��دي �إل��ى �إح��دى (ال �أح��ب الكتب لأنني زاه��د في الحياة،
�أجل ن�شر عادة القراءة بين النا�س وتوفير المكتبات العامة في مدينتي (عدن) ،وهي ولكني �أح��ب الكتب لأن حياة واح ��دة ال
الكتاب لكل فئات المجتمع ،هو نهج �أ�صيل مكتبة (م�����س��واط) وط��ل��ب م��ن م�س�ؤوليها تكفيني) ،وقد قلت في هذا المعنى:
ت�سير عليه ال�شارقة م�ستر�شدة ب�آراء و�أفكار يومها ت�سجيل ا�سمي لديهم كم�شترك جديد، ي���وم
وت��ع��ط��ي��ن��ي ال����ق����راء ُة ك���ل ٍ
وتوجيهات �سموه ،وهو جزء مهم و�أ�صيل ومنحي بطاقة ع�ضوية ،لتن�ش�أ منذئ ٍذ عالقة ح���ي���ا ًة ل��ي�����س ي��درك��ه��ا ال��م��م��اتُ
من م�شروعها الح�ضاري النه�ضوي الكبير، ح��ب بيني وبين الكتاب وتتعلق نف�سي �إذا اف��ت��ق��د ام������ر�ؤٌ ي���وم��� ًا ك��ت��اب�� ًا
الذي �أ�سا�سه وهدفه الإن�سان ،ف�سموه كان بالقراءة ،حتى �إنني �صرت �أ�صرف ال�ساعات ��دى منه الحيا ُة فقد �ضاعت ُ���س ً
وم�شجع ًا على القراءة وعلى
ِّ واليزال داعم ًا في المكتبات ما بين االط�لاع وال��ق��راءة
حب الكتاب ،وهو القائل( :الكتاب الكتاب، والبحث وال��ت��دوي��ن ،وك��ل ما ي�ضيف �إلي محق من يقول �إن علىّ
وال��ق��راءة ال��ق��راءة ،فهما �أغ��ل��ى م��ن كنوز وي�شبع رغباتي في اال�ستزادة من المعارف،
الأر�ض كلها). وب��الأخ�����ص ف��ي ال�شعر والأدب والثقافة الكاتب �أن يكون قارئ ًا جيداً
كلمة معجزة مت�ساوي ًا تمام ًا في كل و�أن��واع التع�صب والتمييز بين الب�شر ،وكانت
م��ن الحالتين .وق��د ي�صفنا البع�ض �إحدى بدايات التنوير والحداثة والحرية.
بالمغاالة حين ن�ستعمل كلمة معجزة، تميز ج���ورج ���س��ارت��ون بالمو�ضوعية
ولكن ما حدث في كل من بالد الإغريق والحيادية في كتاباته و�إ�سهاماته المتعددة
والبالد الإ�سالمية ،كان من الغرابة �إلى دون���ه من ف��ي ت��اري��خ ال��ع��ل��وم ،وخ��ا���ص��ة م��ا ّ
درجة تحمل الإن�سان على التطرف في مو�ضوعات عن تاريخ العلم العربي ،وبيان
التعبير ،وقد يجوز للم�ؤرخين الم�سلمين قيمته بين �أنظمة العلم الأخرى في الح�ضارات
�أن يرجعوا �سر انت�شار الإ�سالم ،كعقيدة الأخرى ،في وقت ا�شتد فيه الهجوم على العرب
وكدولة ،وكذلك انت�شار اللغة العربية، والم�سلمين� ،إذ يقول( :ظلت كتب العلم التي
�إلى �أنه ن�صر من اهلل لعبده ،الذي لوال كتبها العرب في القرون الو�سطى� ،أهم مورد
ما �أكده به من ت�أييد ون�صر ،ما �أ�س�س ي�ستقى منه العلم الحديث ط��وال ع��دة قرون
دين ًا كهذا الدين ..و�أن �أذكياء الم�سلمين من الزمان .ولقد ن�شر هذه الكتب وتناولها
�أدرك�����وا �أن ه�����ؤالء الأج ��ان ��ب ال��ذي��ن بالتحليل والتعليق عدد كبير من الم�ست�شرقين
هزموا �أمامهم من الإغ��ري��ق والفر�س عامة ،ودار�سي العلوم العربية ب�صفة خا�صة).
والم�صريين والإ�سبان� ..إل��خ ،يعرفون وبهذه ال�شهادة ي�ؤكد �سارتون حقيقة يكاد
م��ن �أن ��واع الفنون م��ا ال يعرفون هم ينكرها معظم الم�ست�شرقين ،وي��ح��اول��ون
عن �أنف�سهم .وهكذا احتاج العرب �إلى االلتفاف عليها ،وهي �أن علماء الغرب الو�سيط
مترجمات عن كتب لـ «جورج �سارتون»
معاونة ه�ؤالء ..وبف�ضل تعاونهم الكامل قامت تالمذة الم�سلمين ،تعلموا من كتاباتهم ،وفهموا
يم�ض وقت طويل الإمبراطورية الإ�سالمية ،ولم ِ �إ�سهاماتهم العلمية ب�صورة دقيقة ،ثم فاقوهم..
حتى �أدرك العرب �أن ما لدى هذه ال�شعوب من و�سارتون حين ي�ؤكد هذا� ،إنما يجيء ت�أكيده
امتياز ثقافي يرجع في واق��ع الأم��ر �إل��ى ما من منطلق ت�أريخه للح�ضارات ،فهو لي�س �أحد
بد�أ ن�شر م�شروعه لديهم من علوم وفنون .ومن هذه النقطة يبد�أ الم�ست�شرقين ،ولكنه م�ؤرخ للعلم والح�ضارات،
ال�ضخم تحت عنوان ما يمكن �أن ن�سميه بمعجزة العلم العربي .ومرة تميز بالنزاهة والمو�ضوعية.
(مقدمة في تاريخ �أخرى ُت�ستعمل كلمة معجزة ،لأن ما تحقق على و�إيمان جورج �سارتون ب�أن العلم هو �ضمير
العلم) �أيدي العرب في ميدان العلوم ،ال يكاد ي�صدق، الإن�سانية جميع ًا ،ما�ضي ًا وحا�ضراً وم�ستقب ًال،
ولم يحدث قط في تاريخ الإن�سانية �أن تمكن دفعه �إلى ا�ستنطاق هذا ال�ضمير عبر الح�ضارات
قوم من العلم هذا التمكن ال�سريع). التي ارتكز فيها وا�ستقام ،وهو يفعل ذلك �إنما
ل��م يكن حكم �سارتون على قيمة العلم �إحقاق ًا للحق من جهة ،ومن جهة �أخرى تكوين
العربي الإ�سالمي من ف��راغ ،و�إنما كان من ت�صور يجعل م��ن االع��ت��راف ب��الآخ��ر �شرط ًا
�أ�سهم في �إعطاء خالل خبرة علمية طويلة تكونت لديه ،ومن �أ�سا�سي ًا لمعرفة الذات .وعليه ينفي �سارتون نفي ًا
تاريخ العلم مكانته خالل اطالعه على الوثائق القديمة بلغاتها م�ضاعف ًا �أن يكون العلم منجزاً غربي ًا يرتبط
في تاريخ الثقافة المختلفة ،فقد كان يجيد العديد من اللغات، باليونان قديم ًا� ،أو �أن يكون العلم وليد الع�صر
وفل�سفة العلم ومنها الفرن�سية والإنجليزية والألمانية الحديث ،فتاريخ العلم ،كما يذهب �سارتون،
والإ�سبانية ،وبع�ض ال�صينية وال�سن�سكريتية الذي ي�ستهله م��ؤرخ بالقرن ال�ساد�س ع�شر �أو
والعربية والعبرية ،الأمر الذي مكنه من �إجراء القرن ال�سابع ع�شر لي�س ناق�ص ًا فح�سب ،بل
مقارنات عديدة بين الثقافات والح�ضارات، يكون منطوي ًا على خط�أ فادح وفا�ضح ،والذي
وهو �صاحب تعليقات دقيقة ،ن�سب للم�سلمين ال يلم بغير هذا من ق�صة العلم ،ف�إنما يملك فكرة
�أ�شار �إلى �أن �إدراك الف�ضل في تعريف الغربيين بكتب الأقدمين، م�ضلة عن تاريخ العلم ،وبالمثل فكرة م�ضلة عن
العالقة بين الإن�سان وكيف �أن الترجمات العربية للعلوم اليونانية تاريخ الح�ضارة وتاريخ العقل الإن�ساني.
وتاريخه االجتماعي ���س��اع��دت على ح�صول ال��غ��رب على �أ���ص��ول وجورج �سارتون يحاول دائم ًا في كتاباته
الكتابات القديمة المفقودة .وقد حدد �سارتون �أن يقرر الحقائق وي�ضعها �أم��ام الفكر كما
والعلمي �أول الطريق
هدفه ب�أن يجعل من تاريخ العلم (نظام ًا علمي ًا هي ،في غير تحيز �أو تع�صب لأي �شعب من
نحو (ب�شرية جديدة) من�ضبط ًا) وقال �إنه ي�أمل بذلك �أن ي�سهم في ال�شعوب ،وي��ق��ول( :م��ن الممكن �أن نتحدث
تو�ضيح التاريخ الفكري الثقافي للإن�سانية، عن معجزة الثقافة العربية ،كما نتحدث عن
وفي المزيد من فهم طبيعة الإن�سان. معجزة الثقافة الإغريقية ،و�سيكون معنى
الم�ؤرخون العرب
وع�صر ال�صورة د .محمد �صابر عرب
الجدد ،لم يفكروا في ابتكار منهج جديد للنقد نحن مدينون للرعيل الأول من الم�ؤرخين
التاريخي ،معتبرين كل الكتابات التاريخية العرب ،الذين در�سوا في �أوروبا خالل الن�صف
�أعما ًال ر�صينة ،قد يخ�ضع بع�ضها لنقد �سطحي الأول م��ن ال��ق��رن الع�شرين ،م��ن الم�صريين
من قبيل االنطباعات ال�شخ�صية التي ال تخ�ضع وال�شوام والعراقيين ،ومعظمهم در�سوا في
ل��ر�ؤى علمية ر�صينة تحكمها قواعد �صارمة الجامعات الكبرى في بريطانيا وفرن�سا على
للنقد العلمي ،مثل مدار�س النقد الحديث في وج��ه الخ�صو�ص ،تبعهم جيل جديد �أح��دث
حقل الدرا�سات الأدبية. تطويراً كبيراً في حقل الدرا�سات التاريخية،
لقد انح�صرت الكتابات التاريخية في بعد �أن �أدخلوا الفل�سفة والتفكير العلمي ومناهج
المجال ال�سيا�سي واالجتماعي واالقت�صادي، البحث الحديثة ك�أحد المقومات المهمة في
ول��م نلتفت �إل��ى تاريخ الفكر وت��اري��خ العلم هذا المجال من المعارف التاريخية .لم يحدث
وت��اري��خ ال��ف��ن� ،إ�ضافة �إل��ى افتقاد المكتبة تطوير يذكر من الم�ؤرخين الجدد ،فقد �أخذوا
العربية درا�سات جادة عن الجاليات العربية كل ما قال به �أ�ساتذتهم من قبيل ح�سا�سيتهم
الرعيل الأول من في الأمريكتين وال��دول الأوروب��ي��ة� ،إ�ضافة ال�شديدة في التعامل مع ال��ت��راث ،باعتباره
الم�ؤرخين العرب �إلى الوجود العربي في �آ�سيا و�إفريقيا ،وهي �إرث ًا تاريخي ًا ال يجوز نقده �أو �إعادة تفكيكه،
�أر�سى قواعد حقل م��و���ض��وع��ات غ��اي��ة ف��ي الأه��م��ي��ة ،وال�لاف��ت واخ��ت��اروا �أ�سهل الحلول( ،لي�س في الإمكان
الدرا�سات التاريخية للنظر �أن معظم ما ن�شر من ر�سائل ماج�ستير �أبدع مما كان).
ودكتوراه قد افتقد التفكير العلمي الر�صين، ل��م يختلف الأم� ��ر ف��ي ح��ق��ل ال��درا���س��ات
و�أحد مقومات التفكير العلمي هو �إعمال العقل، التاريخية الحديثة والمعا�صرة ،فقد تم�سكنا
واالنفتاح على الدرا�سات الفل�سفية والفكرية ب�شرط مرور ن�صف قرن على كتابة الأحداث
ك�شرط من �شروط الكتابة التاريخية ،لدرجة �أن التاريخية كم�ؤ�شر على حيادية الم�ؤرخ ،وهو
الكثير من هذه الدرا�سات جاءت بمثابة مجرد �أمر لم يعد مقبو ًال في ظل طوفان المعلومات
جمع معلومات من م�صادرها ومراجعها ،من عن الأح��داث المعا�صرة ،والدرا�سات الهائلة
دون تحقيق علمي وفل�سفي ر�صين ،وهو ما التي تواكب وقوع الأح��داث التاريخية لحظة
�أفقدها القيمة العلمية. بلحظة ،ف�ض ًال عن �إتاحة الوثائق بمجرد وقوع
لفت نظري عمل علمي مبتكر ،لم يحظ حدث ما� ،سواء �أكان ذلك في مجال الحروب �أو
بما ي�ستحق من عناية الم�ؤرخين والمثقفين، الأزمات ال�سيا�سية واالقت�صادية ،وهو ما يتيح
برغم �أنه قد ن�شر في دار الكتب منذ �أكثر من للم�ؤرخ �أن يكتب بقدر من المو�ضوعية� ،إ�ضافة
ع�شر �سنوات ،كتبه الدكتور محمد رفعت الإمام �إل��ى �إهمال الم�ؤرخين العالقة الوثيقة بين
تحت عنوان (ع�صر ال�صورة في م�صر الحديثة)، التاريخ والم�ستقبل ،كما �أن الم�ؤرخين العرب
بالت�صوير ال�شم�سي ،وهكذا دخل العالم ع�صر وهو عمل مبتكر في مجال تاريخ العلم ،فهو
ال�صورة ،حينما تمكن الإنجليزي (روجر فنتون ي�ؤرخ لمو�ضوع �شائق وممتع ،يتناول تاريخ
) من عمل �أول تحقيق م�صور عن حرب القرم الت�صوير الفوتوغرافي ،الذي �أحدث نقلة هائلة،
(١٨٥٦-١٨٥٣م) ومن رحم الت�صوير ال�شم�سي حينما �أ�صبحت ال�صورة �إحدى الوثائق المهمة،
تم اختراع التليغراف ،مما خدم عمل ال�صحافة، ابتداء من عام (١٨٣٩م) ،وكانت م�صر في
الجيل الأو�سط وكان �أول من اخترع هذا الفن هو الإيطالي مقدمة الدول التي ا�ستخدمت هذا الفن الجديد
نجح في التطوير (ماركوني) ،بعدها توالت االختراعات ،التي الوافد من فرن�سا ،في نف�س العام الذي ظهرت
عبر مناهج البحث خرجت م��ن رح��م ال�����ص��ورة ،لي�س ف��ي مجال فيه ،وه��و مو�ضوع �أث��ار ج��د ًال محتدم ًا بين
الحديثة والتفكير ال�صحافة فقط ،بل في مجال الطب ،حينما تم دعاة العقل ودعاة الن�ص ،حينما �أجمع معظم
ابتكار �أ�شعة (رونتجن) منذ منت�صف ت�سعينيات علماء الأزه��ر على تحريم الت�صوير ،وبقيت
العلمي ال��ق��رن التا�سع ع�شر ،وال��ت��ي تمكن بها من هذه الفتاوى عائق ًا دون �إعمال ال�صورة ك�أحد
النفاذ �إلى داخل ج�سم الإن�سان ،لمعرفة كافة الفنون المبتكرة في تاريخ الب�شرية ،لما يقرب
الأمرا�ض ،وهو ما �أحدث تطوراً مذه ًال في علم من ن�صف قرن� ،إلى �أن �أفا�ض فيها ال�شيخ محمد
الجراحة ،وظهر الت�صوير بالألوان (١٩٠٧م)، عبده منحازاً �إلى هذا الإنجاز الذي اعتبره �أمراً
على يد الأخوين الفرن�سيين لوي�س ولوميير. م�ستحب ًا ،وقد �أفتى ب�أن (ال�صورة حفظت من
بينما ك��ان (�شامبليون) يعكف على فك �أحوال الأ�شخا�ص في ال�ش�ؤون المختلفة ،ومن
طال�سم التاريخ الم�صري القديم ،من خالل �أح��وال الجماعات في المواقع المتنوعة ما
ما هو مكتوب على حجر ر�شيد ،كان الفرن�سي ي�ستحق �أن ت�سمى ديوان الحياة).
يعاني الم�ؤرخ (داج��ي��ر) ي��ج��ري ت��ج��ارب��ه على اخ��ت��راع �آل��ة يعد اختراع �آل��ة الت�صوير عالمة فارقة
الجديد نتيجة الت�صوير ،وهكذا قدم الأخير خدمة جليلة لعلم في تاريخ العلم ،فقد �أحدثت ال�صورة تطوراً
الح�سا�سية ال�شديدة الم�صريات بتوثيقه و�إتاحة درا�سته للعلماء، هائ ًال في كل مجاالت العلم ،ابتداء من الطب
في التعامل مع وهكذا انتقلت �صورة م�صر القديمة �إلى العلماء والجراحة وتوثيق الحقوق ،و�صو ًال �إل��ى ما
في �أماكنهم دون عناء ،وف��ي خطاب �شهير و�صلت �إليه ال�صورة في حياتنا المعا�صرة.
التراث لفران�سو �أراج��و �أح��د �أب��رز علماء الم�صريات ومما يثير االنتباه �أن المكتبة العربية تكاد
ال��ذي �أل��ق��اه ف��ي المعهد العلمي ف��ي باري�س تخلو م��ن درا���س��ة �أك��ادي��م��ي��ة ت��وث��ق لتاريخ
(� ١٩أغ�سط�س � ،)١٩٣٩أم��ام الرعيل الأول الت�صوير ،وما نجم عنه من ث��ورة هائلة في
من م�ستخدمي �آل��ة الت�صوير التي اخترعها كل المعارف العلمية والإن�سانية ،لهذا نحن
(داجير) ( :لو كان الت�صوير ال�شم�سي قد اخترع مدينون له�ؤالء العلماء الذي ابتكروا هذا الفن
(١٧٩٨م) ،لكانت لدينا اليوم �صور �صادقة خالل الن�صف الأول من القرن التا�سع ع�شر،
عن اللوحات الجدارية الهيروغليفية التي حرم اب��ت��داء م��ن م��ح��اوالت الإن��ج��ل��ي��زي (توما�س
منها العلماء ،وكنا قد تم ّكنا من الحفاظ على ودج��ور ١٨٠٢م) ،والفرن�سي (نيقفونبي�س)،
يعد د .محمد رفعت هذا التراث الإن�ساني من التدمير وال�سرقة ،لكن ال��ذي نجح في ت�صوير �أول �صورة ،١٨٢٧
بداية جديدة بعد ظهور �آلة داجير �صار من الممكن لرجل وق��د تلقف ه��ذا االخ��ت��راع العلماء الإنجليز
النفتاح الم�ؤرخين واح��د �أن يقوم بهذا العمل ال�ضخم ،ب��د ًال من والأمريكان ،و�أ�ضافوا �إليه تطويراً هائ ًال ،برغم
الر�سامين الذين يقطعون وقت ًا م�ضني ًا في هذه �أنهم لم يوفقوا في ت�صوير الأ�شخا�ص ،واكتفوا
العرب على تاريخ المهمة الجليلة). بت�صوير الطبيعة� ،إلى �أن نجح المجري جوزيف
العلم �إذا كان من ال�صعب� ،إن ُن ّلم بكل ما كتبه بيتزفال في عام (١٨٤٠م) ،با�ستخدام عد�سة
الدكتور محمد رفعت ،من معلومات وثقت مقعرة لت�صوير الوجوه والأ�شخا�ص.
لتاريخ هذا الفن� ،إال �أن��ه يعد بداية النفتاح �أحدثت ال�صورة نقلة هائلة في تاريخ العلم،
الم�ؤرخين العرب على جوانب متعددة من وم��ا تبعها من تطورات مذهلة في التقنية،
تاريخ العلم ،وهو مجال ي�ستحق �أن يحظى وف��ي مطلع الأربعينيات من القرن التا�سع
بعناية الباحثين ،بعيداً عن هذا الكم الهائل من ع�شر ،نظم الفرن�سي (هيبولت) �أول معر�ض
الدرا�سات النمطية والتقليدية ،التي ال ت�شكل لل�صور الفوتوغرافية (١٨٤٤م) ،و�صدرت في
�إ�ضافة حقيقية للمكتبة التاريخية. نيويورك (١٨٥٠م)� ،أول دورية علمية ُتعنى
�أغناطيو�س كرات�شكوف�سكي
كر�س حياته لدرا�سة اللغة العربية
ّ
�رة ،وي�ضم م�����ص��ق��ول� ٍ�ة ك��ب��ي� ٍ ويعقوب �صف ًا ،والمدينة في وهدة بين الجبال
المبنى مئذنتين ،ول��ه �أكثر كثيرة كثيفة الأ�شجار ،و�أ�شجار هذه الجبال
من مدخل� ،أ�شهرها المدخل و�سائر جبال فل�سطين و�سهلها زيتون وتين
ال�شماليّ � .أما داخل المبني؛ وجميز وعنب ،و�سائر الفواكه �أقل من ذلك). ّ
ف��ي��وج��د م�����س��ج��د ج��ام��ع، ُعرفت (الخليل) منذ ال ِقدم ب�أ ّنها مدينة
و�صحن مك�شوف ،و�أروق ��ة، الزراعية من كل جانب، ّ تحيط بها الأرا�ضي
وغ���رف ،وم��م��رات ،وق��ب��اب، وا���ش��ت��ه��رت ب��زراع��ة ال��ع��ن��ب وال��ت��ي��ن وال��ل��وز
وقبو �أر���ض� ّ�ي ُي��ع��رف با�سم والم�شم�ش والزيتون والحبوب .كما مار�س
ٍ
مجموعة (الغار)� ،إ�ضافة �إلى �سكانها ال�صناعة ،حيث انت�شرت ال�صناعة
النبيين
َّ من القبور ،تخ�ص اليدوية ،بل � ّإن بع�ض حارات (الخليل) �سميت
�إب��راه��ي��م ويعقوب و�إ�سحق الحرف ،مثل� :سوق الح�صرية، ب�أ�سماء هذه ِ
وزوجاتهم. و�سوق الغزل ،وح��ارة الزجاجيين ..ولمدينة
وف ��ي الم�سجد م�صلى (الخليل) �شهرة في �صناعة ال�صابون ،ودباغة
الم�ص ّلى من الداخل ُيدعى ُ الجلود ،و�صناعة الأكيا�س الكبيرة من �شعر
(الإ���س��ح��اق��ي) ،وتظهر فيه الحيوان ،ومعاطف الفرو ،والفخار ،والن�سيج،
حجرتا �إ�سحق (على اليمين)، الخ�شبية ،وال��خ��زف .وتجدر ّ وال�صناعات
ويقع في الن�صف الجنوبي يدوي ًا
الإ�شارة �إلى � ّأن �أكبر ثوب في العالم حيك ّ
ويتكون من ثالثة ّ للم�سجد، (و�سجل في مو�سوعة موجود في مدينة الخليل ُ
وللم�ص ّلى ثالثة �أبواب �أروقةُ . جيني�س Guinnessللأرقام القيا�سية) .كذلك
من �شوارع البلدة القديمة ال�شمالية ،ويتو�سط ّ في الجهة ت�شتهر (الخليل) بالتجارة ،حيث يعتبر �أهلها
مرخم له ُق ّبة للم�ص ّلى محراب ّ الجنوبية ُ ّ الجهة من �أمهر التجار في فل�سطين ،وتنت�شر الأ�سواق
ذهبة ،وعلى جانبيه الم ّمزخرفة بالف�سيف�ساء ُ بكثرة ،حتى �إن المدينة كلها تعتبر ٍ في الخليل
رخام ،وعلى يمين المحراب يوجد ٍ عمودان من �سوق ًا.
ومما
عد �أق��دم منبر �إ�سالميّ ، المنبر ،ال��ذي ُي ّ وم ��ن �أه���م م��ع��ال��م ال��م��دي��ن��ة( :الم�سجد
طعم،الم ّ
ميزه �أ ّنه م�صنوع من خ�شب الأبنو�س ُ ُي ِّ ويتكون
ّ الإبراهيمي)� ،أو (الحرم الإبراهيمي)،
تقع على طريق وال يوجد به �أي م�سمار ،حيث ُر ّك��ب بطريقة ال�شكل ،تبلغ م�ساحته من بنا ٍء كبي ٍر م�ستطيل ّ
يربط فل�سطين التع�شيق. نحو ( )2040متراً مربع ًا ،وتحيط بالمبنى
بال�شام وم�صر � ّأم��ا (ال ��رواق الإبراهيمي)� ،أو (الح�ضرة ٍ
حجارة من الخارج جدران �ضخمة ُبنيت من
الإبراهيمية) ،فيقع في و�سط الم�سجد ،حيث
الم�ص ّلى حجرتين ،ت�ضمان قبرين ي�شمل هذا ُ
رم��زي��ي��ن للنبي �إب��راه��ي��م وزوج��ت��ه ���س��ارة،
والحجرتان متقابلتان بينهما ردهة م�ستطيلة
ال�شكل ذات �سقف معقود .وللردهة ج��دران
م���ؤزرة بالرخام ،ال��ذي يعلوه ط��راز رخامي
طعم بال�صدف. ُم ّ
مرت عليها ح�ضارات بينما ي��ق��ع ُم�����ص� ّل��ى (ال��ي��ع��ق��وب� ّ�ي��ة)� ،أو
الآ�شوريين ال�شمالية من
ّ اليعقوبية) ،في الجهة ّ (الح�ضرة
والبابليين والإغريق الم�ص ّلى حجرتين، الم�سجد ،حيث ي�شمل هذا ُ
والرومان ودخلها فيهما قبرين رمزيين للنبي يعقوب وزوجته،
العرب في القرن والحجرتان متقابلتان بينهما ردهة م�ستطيلة
ال�شكل ذات �سقف م��ع��ق��ود ،وفيها بابان
ال�سابع الميالدي ي�ؤديان للمقامين .وتعلو حجرة النبي يعقوب
مثمنة ال�شكل ،جدرانها مزينة بالرخام ُق ّبة ّ
والملون ،يعلوها �إزار كتبت عليه �آيات ّ الأبي�ض
قر�آنية من �سورة البقرة. من معالم الخليل
المعمار والأ�صالة
الخليلية
ّ (القاف �إلى �ألف) ،كما تمتاز اللهجة ويقول �أهالي (الخليل) � ّإن تاريخ التكية يعود
المو�سيقية والكلمات بهاّ � .أما
ّ بطول النغمة �إلى عهد النبي �إبراهيم الذي ُو�صف ب�أ ّنه�( :أبو
فيتميز في منطقة ّ بالن�سبة �إلى الزي التقليدي؛ ال�ضيفان) ،حيث كان ال ي�أكل � ّإل مع �ضيف،
من �أ�شهر الكتاب الغربية عن غيره من ّ الخليل وجنوبي ال�ضفة قدم الطعام لعابري ال�سبيل من ذات كما كان ُي ِّ
وال�شعراء وال�صحافيين الفل�سطينية الأخ��رى بب�ساطته ولونهّ الأزي��اء المكان ال��ذي ت��وزع فيه التكية الطعام هذه
من �أبنائها يو�سف المق ّلم .كما توجد في الخليل ُ أبي�ض ل وا الأحمر الأيام.
مجموعات �شبابية ُم��ت��ع� ِّ�ددة تهتم ب��الأدب ومن �آثار مدينة (الخليل) �أي�ض ًا؛ (م�سجد ابن
الخطيب وغ�سان والعربية ،ومن �أهمها الفل�سطينية والثقافة عثمان) ،الذي يقع بالقرب من �سوق ال�سكافية
ّ ّ
طهبوب وعزالدين الثقافية في الخليل .ومن �أ�شهر الكتاب الندوة والمربعة بالبلدة القديمة ،ف��ي � ّأول ح��ارة
ّ
المنا�صرة وال�شعراء وال�صحافيين فيها ،يو�سف الخطيب، العقابة ،وف��ي الطريق ال��م��ؤدي �إل��ى الم�سجد
وعزالدين المنا�صرة ،وغ�سان طهبوب ،وثورة الإبراهيمي ،وهو �أق��دم م�ساجد المدينة بعد
حوامدة ،وعدد �آخر من الكتاب وال�شعراء. الم�سجد الإبراهيمي .كما يوجد (منتزه الكرمل)
تم �إن�شا�ؤه على �أرا�ضي بيت كاحل ،مقابل الذي ّ
م�شتل وينابيع (وادي القف) ،وفيه يوجد م�سبح
كبير بموا�صفات �أولمبية .وهناك كذلك �شجرة
(المقد�سية) تقع بالقرب من كني�سة ّ ُتدعي
الم�سكوبية على جبل الجلدة ،وه��ي �شجرة
�ضخمة ،يرجح ب� ّأن ُع ْمرها يزيد على خم�سة
�آالف �سنة ،وال ي�سمح لأح � ٍد بالدخول �إليها
حفاظ ًا عليها.
وقد �شكلت الثقافة معلم ًا مهم ًا من ُه ُوية
�سكان منطقة الخليل منذ زمن بعيد ،والتي
عبر عن االقت�صاد كانت في الأغلب ثقافة ُت ِّ
الفل�سطيني ،ويظهر االختالف ب�شكلٍ وا�ضح
ميز �سكان هذه في اللكنة �أو اللهجة التي ُت ِّ
الفل�سطينية بقلب
ّ المنطقة عن باقي اللهجات
الخليل في فترة ال�ستينيات
ومن خالل مراجعتي لأغرا�ض درا�سية �أو كنت لوقت طويل �أح�سب �أن هيمنة ال�شعر
نقدية ،حول التراث النثري العربي ،وجدت �أن وق��دم معرفته نظم ًا على الثقافة العربيةِ ،
التركيز في الدرا�سات الحديثة ،با�ستثناءات وقراءة ،هما �سبب تراجع االهتمام بالنثر ،وقلة
قليلة ،على نوعين بارزين من النثر القديم: م�صادره ونماذجه و�أنواعه في الأدب العربي
الإ�شراقات والفيو�ض الت�صوفية ،التي حررت درا�س ًة ونقداً .لكن الفراغ الوا�ضح لمكانة النثر
النثر العربي من نمطية الر�سائل والمناو�شات الأدبي في ثقافتنا ،بد�أ يلفت انتباهي ،برغم
وال�شروح ،و�سواها من عاديات النثر الر�سمية تعلقي بال�شعر وخطابه كتاب ًة ونقداً؛ فالمدر�سة
والتقليدية ،والتي خ�ضعت ال�شتراطات داللية العربية تكتفي بما هو �شائع وي�سير منه ،وال
وبالغية و�صورية �سائدة .والنثر المفارِق تمت فهر�سته ر�سمي ًا في تهتم ب�أنواعه �إال بما ّ
للمو�ضوعات التقليدية وال�صور ال�سائدة ،كنثر ثقافتنا.
الجاحظ ،و�أل��ف ليلة وليلة ،والمقامات ،وما لا ،حتى يبد�أ ك��ان علينا �أن ننتظر ط��وي� ً
تت�سم كتاباته فيها من فنون ال�سرد و�أبنيته ودالالت��ه ،لكن االهتمام بالمقامات مث ًال ،والأخبار والنوادر
بالتزام وا�ضح تركيز ال��در���س الأكاديمي والنقدي في تلك والمجال�س ،والحكايات الخرافية ،و�ألف ليلة
المتون التي �أ�صبحت مركزاً �أزاح متون ًا نثرية وليلة والق�ص الحيواني الرمزي -كما في كليلة
بال�سجع وا�ست�شهاد �أخرى �إلى هام�شه. ودمنة -والر�سائل الم�ؤلفة في مو�ضوعات
بالم�أثور وتوظيف �إن معاينة بع�ض تلك المتون النثرية فل�سفية �أو اجتماعية �شتى.
ال�سخرية بتقنية المهم�شة ،ترينا �أن بها حاجة لمزيد من ال�ضوء: وحتى حين تكر�ست الأنواع النثرية و�أخذت
�أ�سلوبية �أكاديمي ًا ونقدي ًا ،ال �سيما �أن الدرا�سات الجديدة مكان ًا في الثقافة العربية ،ظل الموروث النثري
المن�ضوية تحت �شعارات النقد الثقافي تبحث بعيداً عن التداول بالقوة ،التي امتلكها ال�شعر
عن �أن�ساق م�ضمرة ،وم�سكوت عنه في المتون ومجاميعه ودواوينه ومختاراته ونقده ،وجرى
التي تدر�سها .وال �شك في غنى النثر المهم�ش بال�ضرورة �إغفال الهوام�ش النثرية ،تلك التي لم
بالإ�شارات والعالمات التي يمكن �أن ن�ستخل�ص تلق القبول ُي�سلط عليها �ضوء النقد القديم ،ولم َ
منها ال�سياقات التي و َّلدت ن�سقية القول والفكر، تحظ
َ في المدر�سة العربية ومناهجها ،ول��م
وال�شخ�صيات والأحداث ،ومن تلك النماذج التي باالهتمام المنا�سب في الدرا�سات الأكاديمية،
ات�سمت بالمخالفة لل�سائد �صياغي ًا وفكري ًا ،نثر والندوات والم�ؤتمرات وكتب النقد ،وما �صدر
�أبي العالء المعري الذي طغت (ر�سالة الغفران) عنها ،على رغ��م قيمته العلمية وتميزه في
على باقي �أعماله ،كالر�سائل التي �أنجزها في كثير من الم�ؤلفات ،ال يكافئ مكانتها وقيمتها
مو�ضوعات �شتى. التاريخية والفنية ،وال نريد هنا �أن نناق�ش
و ُت��ع��د م��ن��ام��ات ال��وه��ران��ي وم��ق��ام��ات��ه االهتمام المنقو�ص بالنثر الحديث �أي�ض ًا،
ور�سائله من �أب��رز تلك المتون المغفلة� ،أو وانزواء فنونه وقلة مباحثها ،فلهذا �ش�أن �آخر
البعيدة عن اهتمام الدار�سين بما ت�ستحق، ي�ستوجب وقفة خا�صة.
ال�ضر،
حجة الإ�سالم ،فدخلتها بعد مقا�ساة ُّ كما تغفلها المناهج الدرا�سية في �أق�سام اللغة
ومكابدة العي�ش المر. العربية والدرا�سات الأكاديمية ،ربما لجر�أة
من زاوي��ة المعاني والمو�ضوعات ،يمكن محتواها ،وم��ا يحف بها من �شعبويات في
ت�صنيف (الوهراني) ك�سارد مت�صعلك ،وذلك ما الم�سميات المتداولة لدى ّ الو�صف والحوار� ،أو
كان علينا �أن ننتظر ت�ؤكده �سيرته ،فهو مرتحل يرد من (وهران) في عامة النا�س .مع علمي بوجود درا�سات مميزة
ال حتى يبد�أطوي ً الغرب الجزائري ،ليطوف في �صقلية وم�صر للمنامات �ضمن الخطاب ال�سردي العربي
وال�شام وب��غ��داد ،ويت�صل بطبقات �شتى من الموروث وتقنياته المتقدمة .لكنها لم تحظ
االهتمام بمكانة المجتمع ،الذي يقيم بين �أف��راده .ولكنه يوثق بالتعريف المنا�سب وال�شيوع ثقافي ًا ،حتى
النثر الأدبي �أ�سفاره و�إقاماته تلك ب�أ�سلوب طريف ،وي�صف اختلط م�صطلح المنامات ال�سردي ،بمعنى
مدن �إقامته ومرائيها. �شعبوي يتناول ال��ر�ؤى والأح�لام والتهي�ؤات
ف��ن��ي� ًا تت�سم ك��ت��اب��ات��ه ب��ال��ت��زام وا���ض��ح التي يراها الإن�سان في منامه ،ويقدم لها
بال�سجع ،وتق�سيم الفقرات بتوازٍ وتقابل طريف، تف�سيراً ن�سقي ًا بما يوافق الفكر ال�شعبي الجمعي.
وا�ست�شهاد بالم�أثور نثراً و�شعراً ،وبتوظيف ي ��رد ع��ن��وان ال��ك��ت��اب ال��ج��ام��ع لأع��م��ال
ال�سخرية المنطوية على �شكوى م��ن العوز (الوهراني) �أو بع�ض منها في المراجع با�سم
ظل الموروث النثري �أحيان ًا� ،أو هجاء لأ�شخا�ص خذلوه �أو غبنوه؛ (جلي�س ك ّل ظريف) ،لكن ن�سبتها �إليه �شاعت
بعيداً عن التداول كابن ظفير ،الذي ورد ذكره في منام �صغير، و���ص��ارت ع��ن��وان� ًا م��ع��روف � ًا ،ف��غ��دت منامات
مقارنة بال�شعر �رد ما�ضمن ر�سالة كتبها طالب ًا �إن�صافه ب� ِّ (الوهراني) متداولة كنوع نثري ،له في تاريخ
ا�ستدانه منه. النثر العربي �أمثلة قليلة .لكن (الوهراني) تفرد
لكن المنام الكبير المتميز بطوله و�سرده عب �سردية رفعته �إلى مقام (ر�سالة بتفا�صيل و ُل ٍ
المتقن و�شخ�صياته ،من �أب��رز �أعماله ،وفيه الغفران) للمعري ،التي نجد لها ظال ًال وا�ضحة
تقنية �أ�سلوبية خا�صة جعلت له تلك المكانة، في �صياغة المنام الكبير وبع�ض الر�سائل،
فهو ي�سرد �أحداث ًا ت�شبه في �إطارها ما ورد و�إن تفرد الوهراني نظراً ل�شخ�صيته وتكوينه
في (ر�سالة الغفران) من تخيل الح�ساب ،وما ال�شطاري ب�سخرية محببة ،وتحررٍ في �إي��راد
يح�صل لأفراد من ال�سا�سة والعلماء وال�شعراء المواقف والألفاظ ،التي يراها بع�ضهم عامية.
تعد منامات الوهراني من مواقف في الجنة والنار والأعراف .وتبدو وه��ي ف��ي �سياق خطاب (ال��وه��ران��ي) تت�سق
ومقاماته ور�سائله ثقافة (الوهراني) و�سعة اطالعه بما يورده وتتوافق مع واق��ع �أو محيط ما ي�سرد ،ومع
من �أبرز المتون من �أ�شعار و�أخبار ،وما ي�ست�شهد به من �آيات طبيعة الأح��داث وطرافتها ومفارقاتها ،التي
المغفلة وم�أثورات وحكم ،واختالط الخيال بالحقائق. تعمد اختيارها؛ ليرى القراء ما في الحياة ذاتها
وكان هو �سارد المنام على مروي له ي�شركه من مفارقات ومظالم ،كان هو �أحد �ضحاياها.
في الحدث ويزيد من المحاورة ،وي�ستح�ضر تعرف بالوهراني (ركن فالم�صادر التي ّ
عدة �شخ�صيات ،حتى يطول المنام الذي ا�ستهله الدين محمد بن محرز الوهراني) من �أدب��اء
بعبارة تقليدية (ر�أى في ما ي��رى النائم)، القرن ال�ساد�س الهجري ،تذكر عوزه وفقره،
وينهي المنام بم�شهد طريف ،حيث ي�سقط من ومعاناته في حل وارت��ح��ال بين الأم�صار،
�سريره �إلى الأر�ض. ومخاطبة ذوي ال�ش�أن من ال��والة والق�ضاة
تفرد الوهراني
ّ وقد لفت الدار�سين بع�ض نثره المبتكر، والحكام لإن�صافه ،كما ي�صرح:
ولعب بتفا�صيل كتلك الر�سائل التي اعتمد فيها �إنطاق الحيوان، تعذرت م�آربي ،وا�ضطربت مغاربي، ْ لما
ٍ
كما في ر�سالة الطير ،و�شكوى بغلته للقا�ضي، ألقيت حبلي على غاربي ،وجعلت ُمذهبات � ُ
�سردية رفعت من والحديث بل�سان الجماد ،وال تخلو كلها من �سرد ال�����ش��ع��ر ب�����ض��اع��ت��ي ،وم���ن �أخ��ل��اف الأدب
مقامه النثري عربي ًا يحفه الجد والهزل ،ويت�ضمن بجانب ال�شكوى ر�ضاعتي .فما مررت ب�أمير �إال حللت �ساحته،
فوائد و�أخباراً وطرائف متنوعة .وفي �صياغة وا�ستمطرت راحته ،وال بوزير �إال قرعت بابه،
مقاماته يظهر �أث��ر بديع الزمان والحريري، �سيبه،
بقا�ض �إال �أخ��ذت َ ٍ وطلبت ثوابه ،وال
لكنه ي�ضع نف�سه راوي ًا لها ،وال ينيب عنه �سارداً جيبه .فتقلبت بي الأع�صار ،وتقاذفت و�أفرغت َ
كما في مقامات َمن �سبقوه. بي الأم�صار ،فق�صدت مدينة ال�سالم ،لأق�ضي
¯ �أدبيات
¯ قا�ص وناقد
¯ �ضجيج ال�صمت -ق�صة ق�صيرة
¯ في الم�ست�شفى � -شعر مترجم
¯ قيمة العطاء -ق�صة ق�صيرة
¯ من �أجل �أمي! -ق�صة ق�صيرة
¯ بـاقـة زهـور -ق�صة مترجمة
وادي عبقر
ِل َمن َط َل ٌل
�شداد (من الوافر)
عنترة بن ّ
ري���������ح ال�������ش���م���الِ
ُ ������ت �آث����������������ا َر ُه
������ح ْ َم َ ال������ر ْم������لِ ب��ال��ي َّ َ����ل بِ��������وادي ِل���� َم����ن طَ ����ل ٌ
ِ
���غ���ان���ي���ه ال���خَ ���وال���ي ���ف���ي�������ض َع����ل����ى َم
ُ َي ِ������ه َو َد ْم������ع������ي ِم�����ن ُج��ف��ون��ي �����ف�����ت ب ِ
ُ َو َق
����ج����م����الِ
ذات ال َ ����������ن �أَتْ������رابِ������ه������ا ِ َو َع ْ ٍ
�������راد �������ن فَ�����ت�����ا ِة َب����ن����ي ُق �أُ������س�����ا ِئ�����لُ َع ْ
�����س�����ؤال����ي �������������ر ُّد َع����ل����ى ُ
َ ����ع����ي����د ال ُي
ٌ َب ���ل ������م ُم���ح���ي ٌ �������س ٌ ������ف ُي���ج���ي��� ُب���ن���ي َر ْ َوكَ������ ْي َ
َو�أَ ْج��������������رى �أَد ُم�������ع�������ي ِم�����ث�����لَ ال��ل��آل����ي ِ�������ه َ���ش��ج��ان��ي ُ������راب ب ِ ُ �����ص����اح ال������غ
َ �إِذا
������ن َب���� ْع ِ
����د ال���وِ����ص���الِ �����ج�����رانِ ِم ْ َوبِ�����ال����� ُه ْ ال�����رزاي�����اَّ ِ
����ن����اف ������رن������ي ِب�����أَ ْ
�����ص َو�أَخ������ َب َ
����������د �أَ�����ش���� َغ����ل����تَ ب��ال��ي ����دن����ي َو َق ْ تُ����ع����ا ِن ُ �������ل َي������ ْو ٍم َ������ك كُ َّ ����ن م����ا ل َ ���������راب ال���� َب���� ْي َ
َ غُ
ُ���ك بِ���ال ِ
���ح���ب���الِ �����ك �أَو َق���نَ�������ص���ت َ ِف�����راخَ َ �����د � َ��س�� ْي��ف��ي ِ�����ح ِّ �����ت ب َ
�����ح ُ َك������أَنّ�����ي َق ْ
������د َذ َب ْ
������ري بِ����ال���� َم����ق����الِ �������س ّ َو َر ِّو ْح ن��������ا َر ِ ���������ر َح َق��ل��ب��ي ب�����ي�����ك داوي ُج ْ َ �����ق َ�أ
ِ�����ح ِّ
ب َ
َ����ت بِ���ه���ا �أَ ْي����������دي ال��� َل���ي���ال���ي َوم������ا فَ���� َع����ل ْ ّ����ت َ���ة �أَ َ
ي��������ن َح���� َل ْ ������ن ُع��� َب��� ْي���ل َ
������ر َع ْ َوخَ ������ ِّب ْ
ِ
�������ف�������اف ال���جِ ���م���الِ ِث���������ر َ�أ ْخ
َ ُي�����قَ����� ِّب�����لُ �إ ���������ل �أَ ٍ
ر����������ض ������م ف�����ي كُ ِّ فَ���قَ���ل���ب���ي ه������ا ِئ ٌ
����ي����ف ال���خَ ���ي���الِ
َ ����رتَ����ج����ي طَ ٌ
�����ي�����ال َي ْ خَ ��ى ال�����ر ْم�����لِ ُم��ل��ق ً َّ َوجِ ���� ْ���س���م���ي ف���ي جِ ����ب����الِ
ال�����ج����� ِّو ع��ال��ي
َ �������ه ف����ي
�����وح َونَ������� ْو ُح ُ َي�����ن ُ َوف�����ي ال������وادي َع���ل���ى الأَغْ ���������ص����انِ طَ ��� ْي ٌ
���ر
����ر ح��ال��ي ُ����ك غَ ����ي ُ �������ش���ك���وى فَ����ح����ال َ َد ِع ال َ ���������د �أَ ْب����������دى نَ��ح��ي��ب�� ًا َ�������ه َو َق ْ
����ت ل ُ فَ����قُ����ل ُ
������ك������اء ���س��ال��ي
ُ َ
َ�����������ذاك ُب �����������ع ف
بِ���ل��ا َد ْم ٍ ب����اك ٍ �������ض َو�أَن�����������تَ�أَن��������ا َد ْم�����ع�����ي َي���ف���ي ُ
������ب
ال������ح ِّ
ُ
ف��اع��ج��ب��وا ����ا�����س � َأل ْ
������ه لَ�������� ْو َع��������ةُ
���ر ال���� ّن ِ ي����ا َم��� ْع َ
�������ش َ
م����� ّم�����ا َج������نَ������ ْت ُ
واح ُة ِّ
ال�ش ْعر َ
ال���دج���ى������د ِر ُّ َ������م َي������ ْن������زِ لْ بِ������ َب ْ
لَ��������وال ُه ل ْ ت�صم الكرام ُ
بنت ال ُم ْع ِ ِ � ُّأم
ُّ����ر ِب
ْ������وي ل����ل����ت ْ ���������ن �أفْ�������� ِق ِ
��������ه ال������ ُع������ل ِّ ِم ْ
ّ�������ه
�����ن � ْأه�������������وا ُه لَ������� ْو �أن ُ الم ْعت�ص ِم بنِ ُ�صمادح (ولدت 1050 بنت ُ الكرام ُ
ِ � ُّأم
�������س���ب���ي بِ����� َم َْح ْ
��������ه َق�����لْ�����ب�����ي َ
ف��������ارق��������ن��������ي ت��������ا َب�������� َع ُ والدها ُ أندل�سي ًة،
ّ كانت �أمير ًة و�شاعر ًة � ْ للميالد)،
ِ
الطائف ملك
عت�صمُ ، الم ِ بن َم ْعنُ ، محمد ُ ٌ �أبو َي ْحيى
� ّأم الكرام �شاعر ٌة رقيق ٌة بارع ُة ال َغ َزل َح�سن ُة ال ّتعبير، الم ّرية ،في الم ّرية (تتوافق حالي ًا مع ُمحافظ ِة ُ في ُ
الأندل�س� -إ�سبانيا).
�ستطيع
ُ فقد �أ ِث َر �أ ّنها كانت ت�صنع ال ّت َ
و�شيح ،وال َي ف ّنانة؛ ْ
و�ص ْن ٍ َت ْنتمي �إلى ُ�ساللة بني ُ�صمادح ،كان َل َد ْيها ثالث ُة
عة ،لما �شاعر ذو ُق ْدر ِة ،وف ّن ٌ
ان ذو َ�ص ْب ٍر َ ٌ ذلك � ّإل
الد ْو َل ِة
الواثق ع ُّز ّ ُ �شعراء: �أ�ش ّقاء ،ولها �إخوة ثالث ٌة
و�ش ُح ِم ْن َن�سقٍ بعي ِن ِه ّ
يتكر ُر َب ْي َن �أ ْقفالٍ الم ّ
�ضع ل ُه َُي ْخ ُ ُ
و� ْأغ�صانٍ و� ْأدوارٍ و َت ْ�شطي ٍر . الد ْو َل ِة الحاجِ ُب �أبو زكريا ورفيع َّ ُ عبداهلل. حمد ُ �أبو ُم ّ
تو ّفيت �سنة 1091للميالد ،ولم تتجاوز الأربعين. المرية المعت�صم ،ملك ُ ُ يحيى ،و�أبو جعفر؛ و�أبوهم
�شاعر �أي�ض ًا من � ْأهلِ المئ ِة الخام�س ِة. ٌ و� ْأعما ِلها،
دل�س � ْأن َي ْعهدوا بِبنا ِتهم لوك الأ ْن ِ وكانت عاد ُة ُم ِ ْ
رهان خا�سر
ق��ل��ي��ل م���ا �أت����ي����تَ ب���ه و�إن����ي قال معن�« :أذكره وال �أن�ساه والحمد
لأطم�ع من�ك بالم�ال الكثي�رِ هلل» ،فقال الأعرابي:
ُ
المل�ك عف�و ًا فث�ن فق�د �أت�اك ِّ ف�س�بحان ال�ذي �أعط�اك مل�ك ًا عبدالرزاق �إ�سماعيل
ب�ل�ا ر� ٍأي وال ع���ق���لٍ م��ن��ي��رِ وعلمك الجلو�س على ال�سريرِ
فقال معن�« :أع��ط��وه �أل��ف� ًا ثانية فقال معن�« :سبحانه وتعالى»، ا�شتهر الأمير معن بن زائدة بكرمه
ليكون عنا را�ضي ًا» فقال الأعرابي: وحلمه و�صفحه عن �أخطاء الآخرين
فتقدم الأعرابي �إليه وقال: مادم�ت حي� ًا
ُ فل�س�ت م�س�لّم ًا وزالتهم ،وحين واله الخليفة العبا�سي
�س��ألت اهلل �أن يبقي�ك ده�ر ًا ع��ل��ى م��ع��نٍ بت�سليم الأم��ي��رِ �أبوجعفر المن�صور على اليمن ،تذاكر
فما لك في البرية من نظيرِ قال معن�« :إن �سلمت رددنا عليك جماعة �أخبار معن و�أثنوا عليه كثيراً
فمنك الجود والإف�ضال حق ًا ال�سالم ،و�إن تركت فال �ضير عليك»، لما ات�صف ب��ه م��ن ج��ود وح��ل��م قل
وفي�ض يديك كالبحر الغزيرِ فقال الأعرابي: نظيره ،وكان من بينهم �أعرابي �أخذ
ف��ق��ال م��ع��ن�« :أع��ط��ي��ن��اه لهجونا ���س���أرح��ل ع��ن ب�لاد �أن���ت فيها على نف�سه �أن يغ�ضبه ،ف�أنكروا عليه
�ألفين� ،أعطوه لمديحنا �أربعة» ،فقال ول�و ج�ار الزم�ان عل�ى الفقي�رِ ذلك ،ووعدوه ب�أن يعطوه مئة بعير �إذا
الأعرابي« :ب�أبي �أيها الأمير ونف�سي قال معن�« :إن جاورتنا فمرحب ًا نجح في �إغ�ضاب معن.
ف�أنت ن�سيج وحدك في الحلم ،ونادرة بالإقامة ،و�إن جاوزتنا فم�صحوب ًا عمد الأع��راب��ي �إل��ى بعير ف�سلخه
كنت في �صفاتك دهرك في الجود ،وقد ُ بال�سالمة» ،فقال الأعرابي: وارت ��دى جلده بعد �أن جعل ظاهره
بين م�صدق ومكذب ،وما دفعني �إلى ناق�صة* بمالٍ
ٍ فجد لي يا ابن
ُ باطن ًا وباطنه ظ��اه��راً ،ودخ��ل على
ما فعلت �إال مئة بعير جعلت لي على عزمت على الم�سيرِ ُ ف�إني قد معن ولم ي�سلم عليه ،فلم يعره معن
�إغ�ضابك» ،فقال له الأمير« :ال تثريب فقال معن�« :أع��ط��وه �أل��ف دينار انتباه ًا ،ف�أن�ش�أ الأعرابي يقول:
عليك» ،و�أمر ب�أن يعطوا الأعرابي ()٢٠٠ تخفف عنه م�شاق الأ�سفار» ،ف�أخذها �أتذك�ر �إذ لحاف�ك جل�د ٍ
�ش�اة
بعير )١٠٠( ،للرهان و( )١٠٠له. الأعرابي وقال: و�إذ نعلاك م�ن جل�د البعي�رِ
ٍ
ناق�صة � :أم الأمير ا�سمها زائدة *
انتظار
كجرو جريح مذعور في غابة �أنتظر
�صياداً متجو ًال� ،أو �أن تثير رائحة دمائي
ذئب ًا جائع ًا.
رغم وجودك
رغ ��م وج� ��ودك م��ع��ي��� ،س ��أظ��ل وح��ي��داً
يرافقني �أل��م يق�ضم ما تبقى من �أيامي،
غيب عني ظلي ،لذا �سيظل فوجودك بجانبي ّ
دعائي بيني وبين نف�سي :اللهم �أدم عدم
القبول بيننا.
بوابات ومحطات
من داخل بوابات الغياب� ...سافر من
�سافر وم��ات من م��ات ،ول��م يبق لوحدتي
�سوى تقاطر الذكريات في محطات التقاط
الأنفا�س.
حكايات
ك��م م��ن الحكايات كنتها ،وك��م من
الحكايات لم تزهر في خريف وقتي ،وكم
من الأوج ��اع تل�سع جلدي بعد �أن �سكن
�شا�شة حا�سوبي الفراغ ،ودفن هاتفي في
�سلة النفايات بعد �أن كان ي�سكن دوم ًا
راحة يدي.
نقد
الذاتية الك�شف عن حالتين متناق�ضتين: من جديد ،ف�أي مفارقة رهيبة هذه عندما الق�صة الق�صيرة ج ��داً جن�س �أدب��ي
مزهرة بوجود الحا�سوب والهاتف الخلوي تتحول التقنية المو�ضوعة �أ�ص ًال في خدمة �شديد الخ�صو�صية ،بل �شديد الح�سا�سية
بين يدي الراوي ،وذابلة بفقدهما؛ ليدخل الإن�سان �إلى تهديد لحياته ؟! وفي ق�صة �إذ يخت�صر حالة �إن�سانية �أو موقف ًا نف�سي ًا
القارئ في دوامة الت�سا�ؤل� :أكان التخلي (جائزة الن�سيان) تت�سلل المفارقة لتميط على درج��ة عالية من التعقيد في عبارة
عنهم ًا وهما ع�صبا الحياة المعا�صرة، اللثام عن كذبة ينفي المت�سابق/الراوي �شديدة التكثيف ،عميقة ال��دالل��ة ،تحترم
بعامل خارجي �أم عامل داخلي يعك�س التورط فيها؛ فذاكرته ال تحتفظ بذكرى ذكاء المتلقي في ا�ستنباط المغزى دون
�أزم��ة ع�صرية ،هي فقدان التوا�صل الحي م��ا لحبيب �أو �صديق حتى يملك �إرادة �إه ��دار القيمة الجمالية .و�إذا ك��ان ثمة
بين الب�شر لم�صلحة التوا�صل االفترا�ضي. الن�سيان ،ف�ض ًال عن الم�شاركة في جائزته، معايير نقدية لهذا الجن�س الأدب��ي ف�إنها
وفي ق�صتنا الأخيرة (حلم م�سافر) تكمن ف�أي ب�ؤ�س �إن�ساني هذا؟ وفي ق�صة (رغم �شديدة التباين فيما بين نقاده؛ لأن كل
المفارقة في التناق�ض بين النور والعتمة، وج��ودك) يعاني ال��راوي �ألم الوحدة برغم ق�صة من ق�ص�صه الناجحة تقدم �أوراق
بين الحلم والواقع� ،إذ يعبر الراوي عن تبدد وجود حبيبته �إلى جانبه ،وي�شف بوحه عن اعتمادها كمعايير خا�صة مقنعة بقدر
حلمه �أو �سفره حين اكت�شف خاتم الخطبة مفارقة ،يمليها قدره ،بين وجود حبيبته ما هي مربكة العتمادها كمعايير عامة.
في بن�صر فتاته ،ف�أنار بعتمته ب�صيرته �إل��ى جانبه و�شعوره بالوحدة ،فال يملك غير �أن معياراً �شديد الأهمية ،ال على نطاق
�أو حقيقة �أن فتاته لم تكن مخل�صة له. �سوى التو�سل �إلى اهلل �أن يديم عدم القبول الق�صة الق�صيرة جداً فح�سب ،بل على نطاق
�إننا لنجد �أنف�سنا �أمام ن�صو�ص تراوحت بينهما ،فهل هو �صادق في دعائه؟ وفي ال�سرد عامة ،يحظى ب�إجماع النقاد فال
بين ق�ص�ص ق�صيرة جداً ،ووم�ضات فنية ق�صة (ب��واب��ات ومحطات) يفطن القارئ ي�ستغنى عن ح�ضوره القوي في الق�صة
اعتمدت على المفارقة كما �أ�سلفنا كعن�صر �إلى �أن البوابات والمحطات رموز لمراحل الق�صيرة جداً لتحظى بم�صداقيتها كجن�س
فني �سائد ،وعك�ست في م�ضامينها حاالت في حياة الراوي عا�ش فيها مع �أحبة ،ثم �أدبي� ،إنه المفارقة التي تعني باخت�صار
ي�أ�س مريرة ،حيث الألم يولد الإبداع كما غيبهم ال�سفر �أو الموت ،وتركوه لوحدته قول المرء نقي�ض ما يعنيه ،وهي تقنية
ذه��ب �إل��ى ذل��ك الرومان�سيون ،وتميزت تتقاطر عليها الذكريات لتعينه على التقاط تحرر ال�سرد من المبا�شرة وتهدف �إلى
لغتها بالتكثيف ال�شديد والإيحاء الثري �أنفا�سه .والمفارقة هنا تتجلى في الألفاظ الإثارة والت�شويق �أو مخالفة �أفق التوقع،
ال��دالل��ة ،و�أب��ان��ت عبر ال��ف��ن ع��ن �أزم ��ات والموقف مع ًا .فالبوابات مداخل مثلما هي �أو الإدها�ش بوا�سطة ثنائية الت�ضاد التي
الإن�سان المعا�صر في معاناته للوحدة، مخارج ،والمحطات ا�ستراحات مثلما هي تحكم مواقف الحياة بجميع مظاهرها
وفقدانه بو�صلة التوا�صل مع محيطه �أكان منطلقات للرحيل .فالمحطات التي �شهدت كافة؛ فهل كانت المفارقة تنتظم ق�ص�ص
ذلك ب�سبب هيمنة التقنيات على حياته، رحيل الأحبة بين م�سافر وميت ،تقاطرت �صالح عبدال�ستار ال�شهاوي التي بين
�أم ب�سبب تهتك العالقات الإن�سانية في فيها ذكرياته معهم لت�سعف وحدته وتغنيه �أي��دي��ن��ا؟ �إن��ه��ا ف��ي ق�صة وه��ي ف��ي ق�صة
عالم مغرق في المادية ،ممعن في تكري�س بح�ضورهم الروحي عن غيابهم المادي. (قريب ًا) قيد ب�سال�سل الهاتف المحمول
الوحدة كمالذ ...و�أي مالذ بائ�س هذا؟! وف��ي ق�صة (حكايات) تتولى المناجاة يحول دون عودة قلب �صاحبه �إلى النب�ض
�ضجيج ال�صمت
و�أن الطبيب عمل مجهوداً �شاق ًا في تلك وجودها كان وهم ًا و�أنك ن�سجت من خيالك
الرحلة .بعد �أن التقط الطبيب �أنفا�سه بكل �شخ�صية لتتعاي�ش معها)� .أدام الطبيب
ف��رح مم�شوق ال�صدر وم��د ي��ده ي�صافح النظر �إليه م�ستفهم ًا عن عدم رده� ،إلى �أن �سارة عدلي
�أحمد في ح��رارة ويخرج بريق من عينيه انتبه �إليه �أحمد ورد عليه بالإيجاب بهز
المع وهو مازال ي�صافحني� ،س�ألني( :ماذا ر�أ�سه .مرت جل�سة تلو الأخ��رى و�أن��ا هنا نادل رث الثياب ،ذو ب�شرة قمحاوية
�ستفعل الآن؟) .انتابني �شعور بالال�شيء، �أعد خطوط مالمحها من جديد و�أبرز �أدق اللون ،وعالمات تتخلل تفا�صيل وجهه
و�أنا �أجيبه( :ال �أعرف ،لكن �أعتقد �أني علي تفا�صيلها على ج��دران الوهم كما وعدت لتحدد هويته ،وال تفارقه �ضحكات �أو
�أن �أذهب �إليها الآن في مكان تجديد اللقاء الطبيب� ،إلى �أن و�صلنا �إلى الجل�سة الأخيرة نكات اع��ت��اد �أن يتبادلها م��ع الزبائن.
نف�سه ،ربما لأخبرها ب�أنها �صارت وهم ًا، نعود منها بعد ما �ألقينا كل ما يتعلق بها تمتزج �أ�صوات تراق�ص الأكواب الزجاجية
فقد اعتدت �أن �أخبرها بكل �شيء) .لم ينب�س في مخلفات الوهم ،ال �أتذكر كم كان عدد ف��ي قعقعة لتلتحم م��ع رن��ي��ن المالعق
الطبيب ببنت �شفة وغرق في ذهوله. تلك الجل�سات ،كل ما �أتذكره تفا�صيلها، المعدنية و�سحب الكرا�سي الخ�شبية لتعلو
به �إلى �سيمفونية لم تحدد م�سارها بعد..
ف��ي ال��زاوي��ة الداخلية م��ن يمين المقهى
يجل�س �أحمد بين �شرود وترقب وتفر�س في
ق��راءة الوجوه من حوله ،على كل طاولة
ت�سرد الحكايات التي تتناقلها الأجيال
على الطاولة نف�سها ،منهم من يروي عن
�أحالمه التي �أبت �أن تقف في �صفوف
االنتظار يوم ًا و�أ���ص��رت على البقاء،
وطاولة ت��روى عليها خيبات انتظار
وط��ن م��ا ،وحقائب �سفر ت��ودع عبق
الرائحة التي في المكان ،ووج��وه
ت��خ��زن ف��ي ال��ذاك��رة ،وه��ك��ذا دام��ت
الحكايات بيننا ..عند مفارق الطرق
يقف �أحمد منت�صب ًا زائغ العينين ،ربما
هو �ضل م�ساره وم��ا ع��اد يفرق بين
ما كان وما يجب �أن يكون� ،إل��ى �أن
تجمدت مالمحه ،وت�ساقطت �أوراق��ه
واحدة تلو الأخرى .مر يوم �أو �شهور
ما ع��اد يفرق بين ما ح��دث وما
يجب �أن يكون� ،أيقن وقتها �أنه ال
مفر من تحديد موعد مع الطبيب
النف�سي ،وف��ي خطوات ثابتة لم يحرك
فيها جفن ،و�صل �إل��ى ال�شازلونج ،ومر
التعارف المبدئي في �سالم .وكانت �أولى
كلمات الطبيب له�( :سوف نفتر�ض مع ًا �أن
في الم�ست�شفى
طفل يحت�ضن دميته المت�سخة ويهدهدها
في ممر الم�ست�شفى
�أتيتَ لي ب�أذرع ممدودة
بعيد ًا عن والدتك
ما �أطيب نظرتك المر�صعة بالنجوم ترجمة :د� .شهاب غانم
�أهو �أنا من تدعو بلطف با�سم «عمي»؟ �شعر� :أو� .إن .في .كُ ُرب*
ابت�سامة جميلة تقترب!
ال تلتفت لتو�سالت والدتك ،وتثبت نظرتك علي!
يا للنقاء! �أي �إن�سان �سيو ُّد �أن يزرع قبلة عليه
هل �أنت حقيقة �أم وهم؟
دعني �ألم�س خدك
ك�أنه بتلة زهرة مقد�سة.
وبينما �أ�ستمع في ده�شة �إلى البهجة التي ال ت�صدق في كلماتك ن�صف الم�شكّلة،
ت�أتي والدتك ،تم�سك بك وتختفيان خلف الباب.
وكلما �أم�شي في هذا الممر يومي ًا
عيناي تبحثان عنك
و�أذناي تتلهفان لنطقك بكلمة «عمي».
�أم�س من خالل ثقب ..ر�أيتك نائماً ،ودميتك التي ال تدرك �شيئاً ،كانت تنام بجانبك.
بينما جل�ست والدتك الباكية بجانبك على ال�سرير.
فهمت كل �شيء ،على الرغم من �أنني لم �أ�س�أل �أحداً.
وعندما و�ضعوا الحق ًا غطاء �أبي�ض
على ج�سمك البارد كما لو �أنه �آنية ذهبية
وقفت بجانبك ..ك�أنني بكاء �صامت يمتد عبر عدة والدات.
اللحظات المري�ضة في حياتي تطول وتطول ..من خالل
هذا الممر.
يحتل بائ�س مت�أوه �آخر ال�سرير الذي �أخليت.
ولكنك مازلت على �سريرٍ في ذاكرتي.
عوالم وحكايات
عبدالفتاح �صبري..الخفية
فرج مجاهد عبد الوهاب
الرجل معروف ًا لكل �أهل القرية ،الرجل الذي كثيراً ما يلعب الخيال في نف�س اليافع دوراً
هاجر وع��اد ب�أمر ال�شرطة في القاهرة التي في تحري�ض ذاكرته ،و�إحياء نب�ض ذكورته،
�أعيتها حيله وبراعته في الن�شل وال�سرقة ،ما في�سترجع ظالل خياالت ،غالب ًا ما تكون قديمة
�أ�صبح خطراً على �أمن القاهرة� ،صادفه الراوي وبعيدة ،تتوارد في الذاكرة بعد �أن �شب واكتملت
وي�سهر معه في �صومعته و�أعلمه �أن المدينة رجولته ،وتحاول مناو�شته من �أجل ا�ستعادتها
الوا�سعة ت�ضيق بالبع�ض حين ال يكون هناك من الذاكرة ،من خالل مجتمع ريفي اليزال على
تعرف �إل��ى ن�شال محترف وعلى م��ورد رزقَّ ، طبيعته التي لم ت�شوهها ما �أفرزته الح�ضارة
يديه تلقى الدرو�س النظرية في عملية الن�شل، الجديدة ،فين�ضح الريف حكاياته المختلفة،
ومعه بد�أت الدرو�س العملية حتى �أتقنها تمام ًا، والم�س)
ّ ومروياته المتنوعة ،التى يكون (الجن،
وفي القرية تعلم كيف ي�صنع الناي ،وكيف �أحد مرتكزات تلك الحكايات والمرويات التي
يعزف عليه ويروي له ق�صة حياته� ،أما ال�سبب منها ما هو حقيقي ،ومنها ما هو خيالي،
ي�ستعيد القا�ص في طرده من القاهرة �أنه بينما كان في حي �إال �أن من �أهم ما يجمعها هو ال�سرد الحكائي
ف�ضاء وذاكرة لا مثل �أه��ل اليابان الح�سين وجد �أمامه رج� ً
ْ الذي يولد الحكاية التي ال يمكن �إال �أن تكون
وعلى ر�أ�سه طاقية غريبة ،احتك به ون�شله ،وجد موجودة ب�شكل ما في �أي مكان �أو تجمع ريفي
طفولته في مجتمع
ملونة ّد�سها
في يده نقوداً غير م�صرية ،و�أوراق ًا ّ �أو مدني.
ريفي لم يزيف في جيبه وغادر �إلى �شبرا في منت�صف الليل من هذا الف�ضاء ،ي�ستعيد القا�ص عبدالفتاح
داهمته ال�شرطة ،ف ّت�شوه فعثروا على الأوراق المن�سية ،م�ؤكداً
ّ �صبري عوالم ق�ص�ص طفولته
المالية و�سجن عام ًا ثم �أبعدوه عن القاهرة. �أن (هذه الق�ص�ص لي�ست ق�ص�ص ًا حقيقية تمام ًا،
�أما المفاج�أة ،فكان الرجل الذي �سرقه هو ولي�ست خيالية تمام ًا ،وال ال�شخ�صيات ،حتى
(�سوكارنو) الرئي�س الإندوني�سي الذي كان في ولو ت�شابهت الأ�سماء والأماكن مع مثيلها في
زيارة لم�صر. عالم الواقع).
وف��ي ق�صة (ال��خ��ائ��ن) ق�صة طريفة عن ومن هذه المرجعيات التذكرية ،ي�ستذكر
الرجل الذي اكت�شف �أنه جا�سو�س خائن لبلده، (القرينين)
ْ ثالث ع�شرة ق�صة �أهداها �إلى قريته
وعند تفتي�شه عثروا على كاميرا غريبة ال�شكل والمرمية في وداعة
ّ ال�ضاربة في عمق التاريخ،
وعلى �أوراق وخرائطِ ،قيد �إلى مركز ال�شرطة، وهدوء في ح�ضن النيل.
ولم يعد �أحد يعرف ماذا حدث له ،فهل ا�ستطاع في الق�صة الأولى (ما�سح الأحذية ..عازف
�أن يعود �إلى غزة؟ هل تزوج و�أ�س�س عائلة؟ هل الناي) ،عودة �إلى الفترة البعيدة ،حيث كان
الأ�شجار ب��ؤرة من ظالم دام�س ت�صبح واحة مات؟ انقطعت الأخبار حتى وقتنا هذا.
خ�صبة ال�ستجالب الأوه��ام والمخاوف ،في وفي ق�صة (ال�شيخ بيومي الملط)� ،إ�شارة
�إحدى المرات ذهب بر�سالة �إلى �إحدى القرى �إلى المجتمع الريفي ،الذي ي�شير �إلى قوى خفية
المجاورة ،وفي العودة وعند زريبة �سالمة التي �أو مجهولة �أو خارجة على الم�ألوف ،وهناك
تعج في الليل بالجان ،كما تقول الق�ص�ص ،بد�أ من يقول :الجن ال��ذي يلب�س �إن�سان ًا لأ�سباب
الهلع يتلب�سه وفج�أة ي�سمع من يناديه با�سمه، تعر�ض تعود �إلى الجن� ،أو لأن هذا الإن�سان ّ
يعامله وك�أنه �سالمة �صاحب الزريبة ،يراه �إلى تعنيف خارج عن الم�ألوف� ،أما ذلك ال�شيخ
يقترب منه ر�أى نف�سه في ح�ضن رجل كبير فكان ال يعمل وال ندري من �أين ي�أكل ،يعي�ش
مبهم ،الأهم هو عدم قدرتي على النطق قال لي: في دار �أبيه ال��ذي رحل منذ �سنوات وزوجة
الق�ص�ص لي�ست �أنا كنت اليوم مري�ض ًا وتعب ًا لم �أ�ستطع مغادرة �أبيه تعي�ش في نف�س الدار ،يحمل على كتفيه
حقيقية تمام ًا الحظيرة ...الظالم الدام�س لم يمنع من �أن يرى ُخ��رج� ًا وي�سير في الطرقات ،وف��ج��أة ترتفع
ولي�ست خيالية بحتة قدميه اللتين ت�شبهان �أرجل الماعز و�شعرهما عقيرته بال�سب وال�شتم وهو ال يملك �سوى �سب
طويل وكثيف ،رفع ر�أ�سه في عينه فر�أى مرج ًال و�شتم عائلة العربي �إح��دى عائالت القرية
من نار يرميه ب�شظايا من نيران ،فيهرول طائراً ب�أقذع ال�شتائم ،وال �أحد يدرك لماذا هذا ال�شيخ
غير مدرك لما حوله و�أمامه وخلفه ،حتى و�صل يتعر�ض له الأطفال بذكر هذه العائلة ،الرجل
�إلى باب منزله غائب ًا عن الوعي ..ومن �ساعتها كان حام ًال لكتاب اهلل ،يمر على بع�ض البيوت
انقطع عن ال�سير لي ًال وحده. التي تعاقدت معه على تالوة القر�آن �صباح ًا
ثالث ق�ص�ص ق�صيرة من المجموعة دخلت وم�ساء� ،أحيان ًا يخرج عن التالوة وي�صرخ ً
ق�ص مرجعي في ف�ضاء الم�س والجن ،من خالل ّ �شاتم ًا عائلة العربي ،ويهرف ببع�ض الكلمات
يعنى ب�سرد ما يمكن �أن يكون وقع فع ًال ،ولكن التي ال يعرف �أحد معناها مثل (في�ش ..في�ش ..
في مرجعية ال�سرد التخييلي الذي يقوم على في�ش)� ،أو (بري ،بري ،بري)� ،أو يتكلم مع الذين
ال�سرد التخييلي من حيث الراوي والمروي له. ال نراهم ،زوج��ة �أبيه تحملته كثيراً ،ويقال
ولما كان الراوي في الق�ص المرجعي هو �إنها عملت له عم ًال ت�سبب في ارتكابه �أعمال
الم�ؤلف نف�سه ،فهو ملتزم ب�سرد ما وقع في الجنون� ،إ�ضافة �إلى حكايات �أخرى مختلفة.
(زمكانيتها) المحددة. وعندما مات كانت جنازته كبيرة ،فذهبوا
يبدو في جل
وفي هذا الف�ضاء نجح الم�ؤلف عبدالفتاح به باتجاه المقابر ،في �آخر حدود القرية� ،إال
الق�ص�ص الراوي �صبري في تحريك ذاته الإبداعية كراوٍ �صانع �أنه رف�ض التحرك �إال من �شارع داير الناحية
الم�ؤلف الملتزم ل�ل�أح��داث ،موظف ًا كثيراً من �أ�ساليب ال�سرد عك�س المقابر ،والغريب �أن الجنازة توقفت عند
ب�سرد ما وقع في مد
المعهودة في الق�ص�ص الإن�ساني ،وهذا ما ّ بيت عميد عائلة العربي ،ده�ش النا�س ،ووري
الزمكان الق�ص�ص بتلك الحرارة التي ت�شع من خالل جثمانه الثرى و�سط تعجب النا�س ،لأنه كان
لغة الق�ص ،التي كان من �أهم نجاحاتها ما يبطئ وي�سرع في م�شوار مثواه الأخير ،الغريب
انعك�س ب�شكل ���ض��روري وفني على طبيعة بعد عدة �أيام� ،أق�سم بع�ضهم ب�أنهم ر�أوا �أنواراً
ال��م��روي ،وع��ل��ى خ��ط��اب ال���راوي وارتباطه
ّ تنبعث من قبره لي ًال لعدة ليالٍ :ترى هل كان(
ع�ضوي ًا في الم�ؤلف نف�سه ،م��ؤك��داً ح�ضوراً بيومي الملط ) مجنون ًا �أم مجذوب ًا� ،أم �إن�سان ًا
�إبداعي ًا لقا�ص ذكي ومتميز ،يعرف �أين ي�ضع يتلب�سه الجن؟!
قدمه في الحراك الق�ص�صي المعا�صر والمت�ألق ونجد في ق�صة (�سالمة)� ،إحالة �إلى الريف
في الوقت نف�سه. الأخ�ضر المكتنز بمزروعاته ،وفي الليل ت�شكل
قيمة العطاء
�أ�ضاف مبلغ ًا يعادل ن�صف الذي �أعطانيه، م��ازال��ت ت��غ��دق عطاءها ط ��وال الأ�سبوع
تم ّنعت ب�صدق ،لك ّنه -وعلى الرغم من المن�صرم.
اعترا�ضي� -أق�سم قائ ًال: أحدث نف�سيّ � و ة)،تّ (الم إبريق � أعد
رحت ّ
�
� -أو ًال ،ه��ذه الإ�ضافة لأن��ك �أنقذتني ب�صمت عقلي ناظراً �إلى هاتفي المحمول
من ورطة م�ستع�صية ،...ثاني ًا ،لأنك �أنجزت قلت :قد ت�أخر الوقت فلن ت��أت��ي .و�آزرت
العمل بزمن غير متو ّقع وبخبرة عالية العبارة بحركة من ي��دي قائ ًال :خيراً �أن غ�سان حداد
تح�سد عليها. تفعل لأن م��ردود هذا اليوم كان �ضئي ًال،
ب�سيارته ..ب��دوري؛ غ��ادرن��ي ال��رج��ل ّ الرازق رب العباد. ال�ساعة ت�شير �إل��ى ال��واح��دة والن�صف
و�ضعت المبلغ الحقيقي في جيبي ونظرت �شربت ب�ضعة �أك��واب وهممت ب�إغالق ظهراً ،معظم المحال والور�ش في المنطقة
�إلى الفائ�ض ،قلت ب�صوت �أ�سمعه: الور�شة ،لوال �أن ركن �أحدهم مركبته �أمام ال�صناعية راح��ت تغلق �أبوابها تباع ًا...
ّ
� -س�أ�شحن هاتفي المحمول بقيمة ترجل وراح يرجوني �أن �أ�صلح الباب ،ثم ّ حدثتني نف�سي :لم ال تفعل كغيرك؟! �أجبتها ّ
ال��رب��ع ،و�س�أ�شتري �سندوي�شة كباب مع �سيارته ،لأن��ه على �سفر طويل وعاجل، مبرراً ومماط ًال �س�أفعلها؛ بعد االنتهاء من
الحم�ص والمخلل بقيمة الربع ،والباقي ّ فلل�ضرورة �أحكام. �شرب (الم ّتة).
�س�أبتاع ما تي�سر من الفاكهة التي تحبها ا�ستب�شرت خيراً ،راودتني نف�سي على قلت في ���س� ّ�ري� :صباح ي��وم الخمي�س
ويف�ضلها ابني.ّ زوجتي فقرعني �ضميري كاللطم ،ثم رحت ابتزازه ّ الفائت ،ج��اءت العجوز الم�ستعطية في
يدي حتى ظهرت ما كدت �أنهي غ�سل ّ �أعمل� ...أنجزت المطلوب بزمن قيا�سي وبما الل ال�سماء ت�سكب من موعدها ،وكانت ِد ُ
العجوز وهي تعت�صر ماء ،من فورها قالت ورب��ي،
ير�ضي الرجل وير�ضي �ضميري ّ فجاجها الغيث الهطيل ..من باب ور�شتي
تهدم جدار بيتي قبل متو�سلةّ : ّ لي راجية ومن فوره �أعطاني المبلغ المتفق عليه ،ثم نظرت �إلى الخارج و�أردف��ت قائ ًال ب�صمت:
يومين ب�سبب المطر الغزير ،لم �أ�ستطع دفع
كامل المبلغ لإ�صالحه ،وقد اعتدت
على كرمك.
بعيني ،وعين عقلي ّ نظرت �إليها
على جيب �سترتي� ،أخرجت المبلغ
الفائ�ض ك ّله و�أعطيتها �إياه قائ ًال:
خذي ،ع�ساه يكفي لترميم ما
تهدم!!
ّ
ده�����ش��ت ال ��م ��ر�أة ال��ع��ج��وز،
ن��ظ��رت �إل���ى ي ��دي وتل ّقفت
المبلغ غير واثقة بنف�سها،
ان�سحبت وهي تردد دعاء ملأ
فراغ الور�شة ،حتى �إنني كنت
�أ�سمع ابتهالها الم�ستمر؛
وهي تغيب خلف الجدار.
�أن��ه��ي��ت ال��م��ه��ام،
ث��م �أغ��ل��ق��ت الأب����واب،
وغ ��ادرت �إل��ى منزلي
ف��رح�� ًا ،و���ش��ع��وري مفعم
بامتالء معدتي والهاتف،
وم��ع��ي ك��ل م��ا ت�شتهيه
عائلتي ال�صغيرة.
باقة زهور
�سمعت خطى �أب ��ي حين �أق��ب��ل قلق ًا كي ا�ستطعت �أن �أحتمل ولو قلي ًال �سماع �صرير
يجنبني من الغرق في البركة� .أخفى وقعها القلم على ورقة دفتري.
�أي�ض ًا تعبير حزن �أمي في تلك اللحظة وهي �وم �إل��ى المكان نف�سه كنت �أع��ود كل ي� ٍ
تن�شفني بالمن�شفة بعد �أن �أنقذتني. الذي عثرت فيه على ف�ضاء �شفاف ،تعبره
ترجمة :رفعت عطفة
غادرت منزل الطلول ..ركبت ال�سيارة �أحيان ًا الأ�سماك و�صفحات كتبي� .أتذكر �أنه ت�أليف :را�ؤول �إيرناندثْ بيبيرو�س*
قا�صداً المقبرة ..ابت�سمت عند قبر والدي، �صار عندي مجموعة من الأقنعة.
لأنني �أعرف �أن ما هو تحت يبقى فوق ،و�أن لتماهي مع الما�ضي تداعياته ّ ك��ان كنت �أح��دق في بركة الحديقة� ،أت�أمل
ما في الداخل �سيطلع دائم ًا �إلى الخارج. لحظة ا�ست�سلمت يداي لجنون اللم�س .كان الأ�سماك الحمراء في قاع مائها .حاولت
حمدت اهلل على �أن الما�ضي دائم ًا خلفنا. الوقت يتحلل في ثوانٍ بين �أ�صابعي ،وال بواحدة منها .ا�ستطعت �أنٍ ٍ
لوهلة �أن � ْأم�سك
و�ضعت الباقة ال�صغيرة على ال�ضريح .انبثق �أقع على �أملٍ �آخر لأت�أمل مرور ال�ساعات. �أم�سك بالجلد المحر�شف لأكبرها ،لكنها
الم�ستقبل �أمامي ،واختفى الحا�ضر �أمام مازلت �أحتفظ بكل الأقنعة ،وم��ع حلول ابتعدت بحركة واح��دة .م��ر ًة �أخ��رى ،نطت
عيني� .شعرت ب�أن ال�سعادة ورائي ،و�أنني لن الليل� ،أنتقي القناع الذي غطى وجهي في �سمك ٌة متو�سطة الحجم و�سقطت في الخارج.
�أ�ستطيع �أن �أنظر �إليها �أبداً ،كحال الأميال ذاك اليوم الذي فقدت فيه طفولتي. �أخذتها ب�أ�صابعي ال�صغيرة وقذفت بها نحو
التي انطوت في الطريق �إلى منزلي الجديد. هكذا فتحت الن�سيج� ،أدخلت فيه ر�أ�سي ال�سطح الالمع كمر�آة .انتبهت في االنعكا�س
فج�أة ،جعلتني عبارة �ألبرت �أين�شتاين: ببطء ،واختب�أت داخل ال�صور لأنني كنت �إلى لون عيني البراق ،و�شعرت ب�أنني ما
(ماذا تعرف ال�سمكة عن الماء الذي ت�سبح �أع��رف �أن هناك �أم��اك��ن ممنوعة ،وربما عدت طف ًال.
فيه طوال حياتها) �أقع في جو ذلك ال�صيف ومناطق من مدنٍ
ٌ �وارع
غ��رف ،زواي ��ا��� ،ش� ٌ ٌ احتلت الطحالب وزنابق الماء البركة.
الخانق والأليف .كنت واثق ًا من �أنني لن ومناطق من الكوكب ،لم �أ�ستطع �أن �أط�أها أ�صياف ،وكانت كثيرة لدرجة ٌ �رت � م� ْ
�أعود �أبداً �إلى موطني الأ�صلي ،ومن �أن تلك قط .ما من �أثر على �أم��واج البحر وال على �أنني لم �أتذكر تلك الم�شاهد ،وال حتى في
الأفكار �ستتال�شى �أمام رحابة الطريق. رمال ال�صحراء. الأحالم .بعد عدة �سنوات ،قررت �أن �أعيد بناء
لم �أملك �أي �إمكانية لتغيير اللحظة. بع�ض ال�صور ،فعدت �إلى موطني الأ�صلي..
لكنني على الأقل اكت�شفت �أنني كنت داخل قفزت من ال�سيارة ورك�ضت بحث ًا عن فناء
الأقنعة محظوظ ًا ب�سعادة �أنني مختلف. المنزل ..كان كل �شيء مختلف ًا ..في الممرات
في النهاية واجهت الم�صير النهائي ب�أن تظهر الآن م�صاطب خر�سانية� .أ�صابني
�ود ل��دي بالكلمات.. قبلت م��ا ه��و م��وج� ٌ حزن .كانت الع�صافير تتقافز� .أنقذت في ٌ
�أخرجت محفظتي ،واخترت ال�صورة فكري �صورة الأ�سماك الحمراء ،وحاولت �أن
من مخبئها بين الأوراق النقدية.. �أعود و�أ�شعر بها بين يدي اللتين كانتا مثل
كان وجه �أبي مايزال على الورقة �سمكة كانت تع�ض على الطعم ٍ خطافين .كل
ال�صفراء. تعني �إنقاذاً للذاكرة في الحا�ضر� ..أود �أي�ض ًا
ت�أملت النظرة المماثلة �أن �أجرب هذا النوع من ال�صيد مع كتبي.
لتلك التي كانت معكو�س ًة م�ل�أت البركة بالكتب ،ورح��ت �أرم��ي
ف��ي م����ر�آة م ��اء ال��ب��رك��ة.. ال�صنارة .من ح�سن الحظ علق الم�ؤلف الذي
اع��ت��رف��ت ب���أن ��ه ك��ان كان ي�ساعدني على اال�ستمرار في االنغما�س
مماث ًال لوجه ذاك في هذا الواقع ،و�أعتقد �أن��ه لوال �أ�سماكي
ال����رج����ل ال����ذي الملونة ،الم�صنوعة من الورق والأغلفة ،ما
منحني الحياة.
������س�����ع�����دت * را�ؤول �إيرناندث بيبيرو�س :من مواليد ،١٩٤٤
حين عرفت �أن المك�سيك .كاتب له العديد من المجموعات
م�صيرنا واح ��د. الق�ص�صية والروايات.
عبدالرزاق قرنح..
ورحلته نحو «نوبل»
م�شهوراً في زنجبار بالرغم من كونها م�سقط
ر�أ�سه ،بل كان م�شهوراً في بريطانيا ..وهي مهدت ل��ه الكتابة الطريق لالنغما�س ف��ي واقعية
الحال نف�سها بالن�سبة �إليه ،فال �أحد يعرفه الأدب و�أدبية الواقع ،فلم تكن حياته �سهلة ،بل كانت
في زنجبار .ولكن باعتباره �أول �إفريقي، �سل�سلة م��ن الم�آ�سي الأن��ي��ق��ة ،وال��ت��ي يبدو �أن��ه تلقاها
�أ�سمر اللون ،يفوز بنوبل ل�ل�آداب منذ �أكثر في ه��دوء �شديد ..حمل في جعبته الأدب��ي��ة مفتاح ًا
من ثالثة عقود ،قد تكون زنجبار ،والعالم
�أجمع ،على ا�ستعداد الآن لإيالء المزيد من
�سحرياً ،ا�ستطاع �أن يدلف به من بوابة (نوبل) هذا
�شيرين ماهر
االهتمام به وب�أعماله ..فمن هو عبدالرزاق ال��ع��ام ،مع �أن ا�سمه لم يتردد كثير ًا داخ��ل الأو���س��اط
قرنح الذي ال يعرفه �أحد؟ وكيف بد�أ م�شواره الأدبية ،ولم يكن معروف ًا مقارنة ب�أدباء �أفارقة �أكثر �شهرة منه .كتاباته
الأدب��ي بعيداً عن الأ���ض��واء ،لي�سطع نجمه برغم �أهميتها ،لم تكن �ضمن الأكثر مبيعاً ،بل حققت مبيعات متوا�ضعة.
ُدفعة واح��دةُ ،مقت ِن�ص ًا الجائزة الأهم على
الإطالق ،في عالم الأدب هذا العام؟ (الجارديان) �س�ؤا ًال بمنا�سبة فوزه ،مت�سائلة هن�أه الأديب النيجيري الم�شهور (وولي
(مع�ضلة ال��ه��وي��ة واالن��ت��م��اء)� ..أزم��ة عن كونه قد �أ�صبح ثاني �أ�شهر زنجباري �سوينكا)� ،أول �إفريقي فائز بنوبل للآداب،
حقيقية عاي�شها عبدالرزاق قرنح على مدى بعد مطرب البوب ال�شهير فريدي ميركوري، لا( :لقد �أع ��دت نوبل م��رة �أخ ��رى �إل��ى
ق��ائ� ً
�سنوات عمره الأولى وما تالها ..فعلى الرغم ليجيب ب���أن (م��ي��رك��وري) نف�سه ل��م يكن �أح�ضان القارة الأم) ،فيما وجهت له �صحيفة
الأديـــب..
ومخا�ض الوالدة الأولى م�صطفى عبداهلل
وبعد هذه ال�شهادة الرائعة ،قدم المجموعة (الورد والرماد) هو �أول كتبه ،هو �إ�صدار
�إلى �أ�ستاذه ورفيق م�سيرته البحثية الأ�ستاذ ال�شباب ،الكتاب الحلم ،مخا�ض الوالدة الأولى،
الدكتور محمد القا�ضي ،الذي كان ومايزال في وال�صرخة المعلنة عن القدوم �إلى العالم� .أ�شير
ريعان �شبابه ،فجاء ر�أيه كر�أي توفيق بكار، هنا �إل��ى كتابات المبدع والناقد والمترجم
وقد ا�ستحثه ذلك على المبادرة بالن�شر. التون�سي الدكتور محمد �آيت ميهوب الأولى في
و�سرعان ما �صدقت نبوءة توفيق بكار، الق�صة ،الكتابات الأولى النا�ضجة بعد �أن بد�أ
و�صادف الكتاب تقب ًال طيب ًا ،وف��از بجائزة يخرب�ش ق�ص�ص ًا �ساذجة تخلط بين الخاطرة
الإب��داع الثقافي من وزارة الثقافة التون�سية، والمقالة والق�صة منذ بلغ �سن العا�شرة ،قبل �أن
و�أدرج في برامج المطالعة للمعاهد الثانوية، يكتب وهو في ال�ساد�سة ع�شرة كتاب ًا نقدي ًا في
وك ِت َبت فيه ،وماتزال ،مقاالت عديدة ،وو�ضعت ُ م�سرح عزالدين المدني امتد �إلى �أكثر من مئتي
فيه ث�لاث ر�سائل ماج�ستير .وبعد (ال��ورد �صفحة.
يبدو �أثر المكان وال��رم��اد) ج��اءت روايته (ح��روف الرمل) ثم �أما �أقا�صي�ص مجموعته (الورد والرماد)،
(بنزرت) بارزاً في �أخذته م�شارب البحث و�أغوته الترجمة فغاب التي ين�صب عليها هذا المقال ،فكتبها وهو
كتاباته الإبداعية ف��ي �سحرها ،وب ��دا وك ��أن��ه ق��د ن�سي (ال ��ورد في الجامعة يدر�س اللغة والآداب العربية
فبدت حكاية ذك��ره به �صديقه الدكتور وال��رم��اد) �إل��ى �أن ّ بكلية الآداب بمنوبة ،وين�سج على مهل خيوط
العادل خ�ضر ،الم�شرف على �سل�سلة (�أح�سن م�ستقبل قريب يتعانق فيه الإب��داع والبحث
�أ�سطورية الق�ص�ص) التي ت�صدرها الدار التون�سية للكتاب، الأكاديمي والنقد الأدب ��ي .ه��ذه المجموعة
وحر�ص على �إعادة ن�شره �ضمن ال�سل�سلة التي وهيئت للطبع قبل تخرجه وح�صوله اكتملت ّ
يراهن عليها النا�شر محمد المرزوقي .ويعترف على الإج��ازة ،وكان يدر�س ،حينها ،على يد
لي الدكتور محمد �آيت ميهوب ب�أنه لم يكتب �أ�ستاذ الأجيال ،م�ؤ�س�س الدرا�سات ال�سردية
جملة واح��دة في هذه المجموعة الق�ص�صية في الجامعة التون�سية الناقد المبدع توفيق
�إال وك��ان ي�ستح�ضر مدينته (ب��ن��زرت) التي ب َّكار ،فقدمها (�آي��ت ميهوب) �إليه ليقر�أها
يتعانق فيها الماء وال�سماء ،ويتم�شى البحر وين�صحه ،وب��ع��د �شهر �أرج��ع��ه��ا �إل��ي��ه مع
بين �شوارعها و�أزقتها ،وتغت�سل ال�شم�س على ابت�سامته المعروفة ،وهو يقول له بتوا�ضعه
جدرانها البي�ض ،وتتخذ من �صفحة الماء في الجم ،وعيناه ن�صف مغم�ضتين( :لي�س لدي ما
الميناء العتيق مر�آة تنظر فيها كل �صباح وهي �أن�صحك به ،ف�أنت تمتلك �أدوات الق�ص كلها،
تم�شط �شعرها بخيوط النور. و�أنتظر لك م�ستقب ًال زاهراً).
والحياة والعاطفة وجذوة الحكي تلتهب بهما). كان ذلك �صريح ًا في ق�ص�ص يعتز بها
وعن رمزية العنوان ،يقول فتحي بن معمر: كثيراً ،مثل( :حكاية �أجمل �سمكة في العالم)
الق�ص عند ميهوب ،تنبعث الحياة من ّ (وفي �أو (مدن بال �أ�ساطير) ،ولكننا نلم�س �أن روح
الموت وقد يينع الورد من ركام رماد خامد. (ب��ن��زرت) مبثوثة ف��ي ك��ل م��ا ك��ت��ب ،تح�ضر
محمد �آيت ميهوب فنحن �إذاً ف��ي ك � ّل ال� ّل��وح��ات التي يعر�ضها ب�أماكنها المرجعية ،وبنا�سها ،وعاداتها،
جمع بين الكتابة �وري يقوم على ف��ي ق�ص�صه� ،أم ��ام وت��د م��ح� ّ وبحرها.
الإبداعية والنقد ثنائية« :الورد» بما هو جمال وحياة وبهجة، وعن �أق�صو�صة (�أجمل �سمكة في العالم)
والبحث والترجمة يتحين ّ و»الرماد» بما هو موت وخمود وكمون ّ وح�ضور (بنزرت) في المجموعة ،يقول الناقد
الفر�صة لالنبعاث). ن�ص ًا لأ ّنني �أحار فتحي بن معمر�( :أقول عنها ّ
وبعد �أن ن�شر كاتبنا (ال���ورد وال��رم��اد) ق�صة �أم حكاية �أم حكايات في تجني�سها؛ �أهي ّ
و(ح��روف الرمل) ،عكف على �إتمام درا�ساته �أم خرافة �أم �أ�سطورة �أم ملحمة� ،أم جن�س هجين
العليا ،والفراغ من �أطروحة الدكتوراه ،وظنها يقتات من ك ّل هذه التي ما فتئت ت�أكل من
وقفة عابرة يعود منها �سريع ًا �إل��ى الكتابة ر�ؤو�سها طيور الأجنا�س الف ّنية التي تنتقر من
الإب��داع��ي��ة ،ول��ك��ن البحث ك��الأخ��ط��ب��وط �إن الخا�ص
ّ هنا وهناك لت� ّؤ�س�س عالمها الف ّني
�أول �أعماله (الورد �أم�سكك فلن يتركك البتة .في تلك الأثناء تو ّل َه الذي �أراده �آيت ميهوب� ،أو على الأق��ل ن�شره
والرماد) �أو�ضح بالترجمة ،و�أنجز عدة ترجمات� ،أ�ضافت �إليه �ضمن مجموعة ق�ص�صية الحقيقة).
الكثير ،ونال عنها جائزة ال�شيخ زايد للكتاب. وبعد القراءة المت�أ ّنية ،ال ن�ستطيع بي�سر
امتالكه لأدوات لكن ذل��ك كله ال يعني �أن��ه ت��رك الإب���داع في �أن نقطع بر�أي ب�ش�أن جن�س هذا المولود الف ّني،
الق�ص فني ًا م�ستوى ر�ؤية العمل البحثي نف�سه ،وفي م�ستوى لك ّننا ن�ستطيع �أن نجزم بجودة �سبكه والقدرة
�أ�سلوب الكتابة والعبارة .فمن قر�أ ن�صو�صه العجيبة على �صهر مختلف الألوان فيه ..ف�إذا
الإبداعية ودرا�ساته النقدية وترجماته ،يجد ذكي لع�شق نحن ،في تقديري� ،أمام ت�صريف ّ
خيط ًا رفيع ًا يربط بينها. مجنون لمدينة البحر وال ّزرقة والجمال ،مدينة
وفي تلك الأثناء �شرع في كتابة روايته ت ّتخذ لنف�سها موقع ال ّتاج على ر�أ���س تون�س
الثانية ،التي �أعلم �أنه لم يتبق على اكتمالها الح�سناء وهي ت�شدو ب�ألحانها من عه ٍد �أندل�سي
�أجمع النقاد �أن �إال القليل ،ولكن ل�سبب من الأ�سباب انف�ض عن يحيا في �شرايينها كما تحيا في �شرايينه� .إ ّنها،
الحياة تبعث من �إكمالها ،و�أخذته م�شارب �أخ��رى ،ولم ين�شط وبب�ساطة ،محاولة �أكاد �أجزم ب�أ ّنها ناجحة
الموت في جل للعودة �إليها برغم تغير حال الكتابة ال�سردية لأَ ْ�س َط َر ِة المدينة و�صياغة �أ�سطورة البدايات
ق�ص�صه بدالالت كثيراً عما كان عليه في بداية الت�سعينيات من فيها� ،أو على الأق��ل ا�ستعادتها� ،إن كانت قد
ورموز فنية وتح�سن ظروف الن�شر ،وتطور ّ القرن الفائت، فقدت ،لت�ستعيد المدينة ن�ضارتها التي بد�أت
المواكبة النقدية ،وح�ضور جوائز كثيرة ..وهنا ربما .فهي تقف في ال�سارد ّ
تخبو في ذهن ّ
يقول ميهوب( :ال �أري��د �أن �أظهر في �صورة الطرق ،بين الما�ضي تليداً والحا�ضر مفترق ّ
ال�ضحية ،وال �أريد �أن �أتعلل ب�أ�سباب مو�ضوعية �ضبابي ًا .ومن خالل هذه ّ والم�ستقبل محيراً
ّ
أحملها غيابي الإبداعي ،فهذه م�س�ؤوليتي �أنا. � ّ ماهية هذه القادمة ّ حول الحيرة أت ش�ن� الحيرة،
طبع ًا لم �أبتعد عن الق�صة الق�صيرة والرواية، من �أعماق البحر (يا �إلهي! امر�أة هي �أم حوت؟).
فقد كتبت ف��ي الأث��ن��اء بع�ض الأقا�صي�ص، ق�صة مدينة، فهذا ال ّن�ص �إذاً �أعتى من ّ
لوحاته الق�ص�صية أدر�س ال�سرد في الجامعات، وترجمت الكثير ،و� ّ و�أقرب �إلى ملحمة (بنزرتية) �أبطالها ينبج�سون
تقوم على ثنائية و�أح ّكم في م�سابقات تون�سية وعربية .ولكن هذا وتتمدد علىّ من رماد الأ�ساطير لتزهر المدينة
كله لي�س في طعم ،وال في �أهمية �أن ين�شر المرء الن�ص
�شاطئ البحر بدالل يغوي بالع�شق ،فكان ّ
(الورد) و(الرماد) ن�صو�صه الإبداعية هو .ومن الم�ؤكد �أنني قريب ًا �أ�سطورة مدينة ،و�أ�سطورة عا�شق .وكما يقول
في .و�أود جداً �س�أعود �إلى القا�ص والروائي ّ الحرية �إلى مطلب الحياة ّ ابن معمر( :من مطلب
بهذه المنا�سبة �أن �أحيي كل القراء الذين ما يتدرج بنا ميهوب في �سفينته الإبداعية الكريمة ّ
يذكرونني بـ«الورد والرماد» وبـ«حروف زالوا ّ التي حمل فيها من ك ّل الأزواج� ،أخياراً كانوا �أو
الرمل» ،وال ينفكون ي�س�ألونني عن جديدي). الحب
ّ �أ�شراراً �إلى ما ال تحلو الحياة إ� ّال به� ،إلى
ذات��ي بالكوني ،وم��ا هو خا�ص بالجماعي ال�سياب ،يقف في مقدمة ال�شعراء في براعة
العام الم�شترك ،وقد �أبدع في ا�ستخدامها كل توظيف الأ���س��ط��ورة ،لخدمة الق�صيدة فني ًا
من (عبدالوهاب البياتي ،وال�سياب ،و�صالح وفكري ًا ،حيث لم ُيدخل الأ�سطورة كما هي
عبدال�صبور ،و�أم ��ل دن��ق��ل ،وخليل ح��اوي)، في ق�صائده ،بل �أجرى عليها تحويرات وفق
والمالحظ �أن ال�شعراء ال���رواد ،ق��د اكت�شفوا ر�ؤيته العميقة وطورها فني ًا ،ولم ينظر �إلى
�إمكانيات القناع في التعبير ال�شعري القادر الفعل الأ�سطوري بنف�س نظرة كاتب الأ�سطورة
على حمل الم�ضامين العميقة ،ف�شحنوه وحملها
ذاته ،بل �شحنها بطاقة الفعل الخالق ّ
بهموم الإن�����س��ان وح�����س ال�شاعر و�أع����اروه م�ضامين حديثة �أكثر عمق ًا مما هي عليه
من التقنيات مواقفهم الحا�سمة من ب�ؤر ال�صراع المحتدمة ومزجها بغيرها من الأ�ساطير ،ولم يكتف
الحديثة التي والمواجهات الم�صيرية التي ي�ضج بها العالم، بت�ضمين ق�صائده بالأ�ساطير ،ب��ل عا�ش
و�إن من �أبرز معطيات تقنية القناع �أنها تبعد معها وتوحد بها ،ويتجلى ذلك في الكثير من
ا�ستخدمها ال�شاعر
التطابق بين �شخ�صية ال�شاعر ك�إن�سان ون�صه ق�صائده منها ق�صيدته (من ر�ؤيا فوكاي):
الأ�سطورة وال�سرد كفعل حيوي في الواقع ،وبهذا ال�سياق ي�ؤكد ما زال ناقو�س �أبيك يقلق الم�ساء
والقناع والرمز البياتي في كتابه «تجربتي ال�شعرية»�( :إن ب�أفجع الرثاء
وتداخل الأ�صوات الق�صيدة في مثل هذه الحالة عالم م�ستقل عن هياي كونغاي كونغاي
ال�شاعر ،و�إن كان هو خالقها)� ،إذاً فالقناع هو فيفزع ال�صغار في الدروب
�شخ�صية افترا�ضية تظهر في الق�صيدة كعن�صر وتخفق القلوب
خلق لم�ضامين و�أفكار ،يحركها ال�شاعر بحرية الدور ببكّين و�شنغهاي
وتغلق ّ
حيثما يريد منذ ال�شروع بالق�صيدة حتى من رجع كونغاي كونغاي
نهايتها ،ويمكننا تلم�س ذلك في ق�صيدة �أمل
دنقل (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة): ال�سرد الق�ص�صي؛ من ال�شعراء الرواد الذين
برعوا في ا�ستخدام هذه التقنية نازك المالئكة،
و�صالح عبد ال�صبور� ،إذ عمال على مواءمة
ال�سرد مع ال�شعر ،ويظهر ذلك جلي ًا في ق�صيدة
(الخيط الم�شدود في �شجرة ال�سرو) التي كتبتها
نازك عام (1948م) ،وهي ت�سرد ق�صة بال�شعر
�أو تكتب �شعراً ب�أ�سلوب ق�ص�صي ،فت�سرد لنا
حكاية ح��ب م�أ�ساوية ،عبر ت�صوير جميل
ن�سجتها على �سبعة محاور ،ولم ت�ضطرب روح
ال�شعر فيها:
حراك
ْ دون
َ هنا �
ّ أنتَها ثم
الممر
ِّ أر�ض
ِ � في ر
َ تنها أن
ْ متعب ًا ِ
تو�ش ُك �
البياتي بلند الحيدري
هناك
ْ م�شدود
ٌ الحائر
ُ طرف َ
ُـك
�سر
ألف ِّخيط �شُ َّد في ال�سرو ِة يطوي � َ عند ٍ َ
وبنف�س التقنية نجد �صالح عبدال�صبور ،في
ق�صيدة (المر�أة وال�شم�س) يقول:
نظرت تتلم�س خطوتها في الرمل
وقامت مرهقة �شمطاء
�أخذت من �أول دكان
ما يكفيها من خبز ......
نبيل �سليمان..
وح�ضوره الروائي والنقدي
نقر�أ في �أدب نبيل �سليمان ح�س ًا عالي ًا ف��ي ع��ام (2008م) ،زرت الأدي���ب نبيل
الفعال والحيوي في ّ باللغة ،ه��ذا العن�صر �سليمان في بيته الريفي ،ال��ذي يختزن بين
تقنيات الرواية ،وقد �أجاد توظيفها في نتاجه جدرانه حكايات �ألف ليلة وليلة ،وبرغم �أنه
الأدبي ،حيث نراها تتفجر بمفردات تختلف ما لقائي الأول معه ،ف�إن ما يتمتع به من دماثة
بين كتاب و�آخر ،وعن التقنيات التي يعتمدها بدد حالة التكلف التي الروح وعذوبة الح�ضورّ ،
�سلوى عبا�س ف��ي كتابته ،وكيف يعمل على تقنية اللغة كان يمكن �أن ترت�سم على مالمح لقائنا ،فكان
بحيث تجعل االلتماعة الأول��ى حا�ضرة في �أقرب للبوح منه للقاء ال�صحافي الذي تحكمه
�أي�ض ًا في روايته (ثلج ال�صيف) يتحدث كل كتاب نقر�ؤه له يتحدث( :هذا هو هاج�س طبيعة الأ�سئلة والأجوبة المقت�ضبة ،وهذا لي�س
عمري وحياتي �أن �أخ��رج من جلدي مرة بعد الأديب �سليمان عن حرب حزيران ،وفي رواية غريب ًا على �أديبنا ،فغناه الروحي يمثل جزءاً
مرة مادمت حي ًا ،فل ّذة المغامرة في البحث (جرماتي) تناول حرب ت�شرين ،وهنا يخطر مهم ًا من غناه الأدب ��ي ،حيث حقق ح�ضوراً
بحد ذاتها
عن كتابة جديدة ،عن بناء روائي جديد ،عن ال�س�ؤال :هل ب�إمكاننا اعتبار الكتابة ّ الفت ًا ومتميزاً في حقل الأدب ال�سوري خا�صة،
لغة جديدة ،وعلى الم�ستوى اللغوي �أظ��ن �أن فعل مقاومة؟ فيجيب( :لي�س بال�ضرورة �أن تلعلع والعربي عامة ،نظراً لغزارة �إنتاجه وتنوعه في
الجذر هو في الن�ش�أة قبل الجامعة ،وكذلك الق�صيدة �أو الرواية بالر�صا�ص �أو باال�ست�شهاد، مجال الرواية والنقد ،فما بين روايته الأولى
في درا�ستي في الجامعة على �أي��دي �أ�ساتذة �أو �أن تتخبط بالدماء حتى تكون كتابة مقاومة، (وينداح الطوفان) ال�صادرة عام (1970م)،
�أجالء �أن�ش�ؤوني ن�ش�أة لغوية مميزة ،ف�ض ًال عما قد يكون ه��ذا ،ولكن �شرط �أن يكون محكوم ًا مروراً ب�أعمال �أدبية كثيرة تراوحت بين الرواية
�أن�ش�أني عليه جدي بما قر�أته تحت و�صايته بالفن ال��ذي هو المعيار الأول والأخير ،لذلك والدرا�سات النقدية ،و�صو ًال �إلى عمله الأخير
ال�صارمة من القر�آن �إلى �أ�شعار بدوي الجبل الكتابة نف�سها في زمن كالزمن الذي نعي�شه (تاريخ العيون المطف�أة) (2019م) ،وفوزه
وغيرها ..وبالوقت ذاته �أ�صغي جيداً للنب�ض وال ��ذي يمتد على م��دى ال��ق��رن الع�شرين كله �أخيراً بجائزة �سلطان العوي�س الثقافية لعام
اللغوي لل�شارع والحياة ،فالرواية ال تعي�ش وحتى الآن ،هي فعل مقاوم للتكل�س والتخلف (2021 -2020م) ،تمتد تجربة غنية ورائدة
يكبل روح الإن�سان ،وكل ما بلغة القوامي�س ودواوي ��ن ال�شعر التراثي �أو والبالدة وكل ما ّ �سجلها الأديب نبيل �سليمان في معجم الأدب
ي�شوه القيم الإن�سانية النبيلة الرفيعة ،وكل ماّ �سواها فقط ،فاللغة الروائية تت�شظى لت�صبح والرواية ،تجربة تمتد لأكثر من ن�صف قرن.
لغات ،وه��ذا كله كعجينة يجعل لغة الكاتب يب�شر بالعدالة ،بالجمال ،ببهجة الحياة ...بهذه �أغوته الحكاية منذ طفولته ،بت�أثير من
مميزة ،و�أنا حري�ص جداً على هذا التميز و�أعمل المعاني الرحبة� ،أنظر للمقاومة في الكتابة). والده الذي كان يتمتع بقدرة الفتة على ال�سرد
وفي ت�صريحاته حول فوزه بجائزة �سلطان عليه حتى الآن). والت�شويق ،عبر �سرده للوقائع كما يتخيلها،
وي�شير �أدي��ب��ن��ا ف��ي كتابه (فتنة ال�سرد العوي�س الثقافية يقول الأديب نبيل �سليمان: و�أ�سهم عامل �آخر في الت�أ�سي�س لتجربة �أديبنا
والنقد)� ،إل��ى الممار�سة الروائية للنقد ،ونقد (كانت لحظة �سعيدة� ،أو بالأحرى كانت مفاج�أة النبيل ،هو انجذابه للقراءة في �سن مبكرة� ،إذ
النقد عبر ا�شتغال الروائي بنقد �شغله الروائي� ،سعيدة على غير ميعاد ،لأنني لم �أنتظرها كما لم يكن قد تجاوز العا�شرة من عمره ،عندما بد�أ
�أو بما يتوازى مع هذا ال�شغل من النقد ،وا�شتغال لم �أنتظر غيرها يوم ًا ،مثل هذه الجائزة تجعلك بقراءة ال�سرديات التراثية ال�شعبية ،وفي مرحلة
الرواية على نف�سها وعلى غيرها ،م�ؤكداً �أي�ض ًا ت�شعر ب�أنك ل�ست وحيداً �أو من�سي ًا في ظالم هذا الحقة تطورت ق��راءات��ه �إل��ى رواي��ات �إح�سان
�أنه ال غنى عن الناقد �إطالق ًا ،وي�أ�سف �أن لدى الليل العربي الطويل). عبدالقدو�س ،ويو�سف ال�سباعي وغيرهما من
و� ّأكد الأديب �سليمان �أهمية هذه الجائزة، بع�ض الك ّتاب مباهاة بالجهل النقدي ،ويحلو رواد الأدب العربي ..ومن العوامل الغام�ضة
لبع�ضهم �أن يقول �أنا ال �أبالي بالنقد وال �أفهم كواحدة من �أف�ضل ال ّتكريمات الأدب��ي��ة على التي يمكن �أن تتوافر في �إن�سان دون �آخر ،هناك
به ،لكن هذه لي�ست ميزة ،وله�ؤالء يقول( :هناك م�ستوى المنطقة ،لإ�سهامها في �إنعا�ش الرواية عامل التخييل ،وعنه يقول( :كان عام ًال �أ�سا�سي ًا
على م�ستوى ال�ساحة العربية �أمثلة كثيرة من العربية ت�أليف ًا ون�شراً وق��راءة ،فهي في واقع في مراهنتي على قراءة الرواية ،وكتابتها مع ًا،
الروائيين الذين �أثبتوا ح�ضورهم النقدي �إلى الأمر ،ت�ش ّكل نافذة م�شرعة على الإبداع الروائي لدرجة �أن التخوم بين الواقعي والمتخيل،
جانب ح�ضورهم الروائي ،فجبرا �إبراهيم جبرا لجيل الك ّتاب الكبار ،الذي اليزال يرفد الحياة ظلت بالن�سبة �إل��ي تخوم ًا متداخلة ،وربما
ك��ان روائ��ي� ًا ون��اق��داً بامتياز ،ومثله �إدوارد الثقافية بمزيد من الإب��داع� ،إل��ى جانب جيل تكون �أحالم اليقظة حتى هذه ال�سن تزاحم في
الخراط ،وغيرهما كثر ..وعلى الم�ستوى العالمي الأدباء ال�شباب. �أعماقي ووعيي حتى الأمور الموعاة تمام ًا).
جائزة �سلطان العوي�س الثقافية لي�ست عبر تاريخ الأدب هناك دائم ًا المبدع الناقد،
كما �أن هناك ناقداً فقط ومبدع ًا فقط ،ومن هذه الأولى التي ينالها الأديب نبيل �سليمان ،وال اللغة الروائية تت�شظى
علي دائم ًا� ،أن �أعمق معرفتي بفن التكريم الأول وال الأخير ،فقد حاز العديد من الزاوية يلح ّ
الجوائز العربية. الرواية �سواء كنت �أكتب نقداً �أم ال). لت�صبح لغات وتجعل لغة
الكاتب مميزة
51 العدد الثالث وال�ستون -يناير - ٢٠٢٢
جمع بين الإبداع الروائي والنقد
نبيل �سليمان
يـحــلـــم بالـتــفــرغ
للقراءة والكتـابـة
على م��دار تاريخها ،حيث منحت في �أولى ا�ستقبل الو�سط الثقافي والأدبي �أخيراً ،ب�سعادة بالغة،
دوراتها �إل��ى الأدب ��اء :حنا مينه ،و�سعداهلل
ونو�س ،ومن ثم الدكتور عبدالرحمن منيف، ح�صول الأديب والناقد ال�سوري نبيل �سليمان ،و�أحد كتاب
و�صنع اهلل �إبراهيم ،و�إدوارد الخراط ،وغيرهم مجلة «ال�شارقة الثقافية» ،على جائزة �سلطان بن علي
الكثير م��ن �أع�ل�ام الأدب وال�����س��رد العربي العوي�س الثقافية ،بدولة الإمارات العربية المتحدة ،في
المعا�صر. مجال الق�صة والرواية والم�سرحية ،بعد م�سيرة حافلة
ولد نبيل �سليمان بمدينة (�صافيتا) بريف زمزم ال�سيد
محافظة طرطو�س ال�سورية ،حيث الطبيعة من الإب��داع ،ا�ستمرت على مدار �أكثر من ( )5عقود ،من
ال�ساحرة والآثار التاريخية العريقة ،وتلقى العطاء المتجدد ،ت�ضمنت ( )57كتاباً ،منها ( )22رواية� ،إلى جانب �صدور
تعليمه في الالذقية ،وقد ح�صل �سليمان على ( )13كتاب ًا حول �أعماله ،والعديد من المقاالت والأطروحات الجامعية.
�إجازة في اللغة العربية عام (1967م) من
كلية الآداب في جامعة دم�شق ،ومن ثم عمل تلميذ دائم �أتعلم ممن �سبقوني ،وممن جا�ؤوا تعد تجربة �سليمان الروائية ،وفق �أكثر
في بداية حياته مدر�س ًا ،وقبل �أن ي�ستقيل من معي وبعدي)� ،إلى جانب ا�ست�ضافته في �أغلب المراقبين والمهتمين بال�ش�أن الثقافي،
التدري�س� ،أ�س�س مكتبة (�آفاق) (1979م) ،ومن الملتقيات الأدبية والثقافية ،على م�ستوى تجربة عميقة وجادة ،ويبرز فيها التجريب
بعدها �أ�س�س (دار الحوار للن�شر والتوزيع)، الوطن العربي ،نظراً لما يتمتع به من تجربة والمثابرة وتجديد ال�سرد وط��رح الق�ضايا،
(1982م) ،وقد تفرغ للكتابة ما بين عامي ا�ستثنائية ،تو�صف ب�أنها الأكثر غزارة و�إبداع ًا. التخيل والتاريخ وال�سيرة
ّ حيث يمزج بين
(1989-1990م). وتعتبر (جائزة العوي�س الثقافية) ،التي والفل�سفة والواقع ،متمكن ًا من فتح �أفق فريد
بد�أ �سليمان م�سيرته الروائية في العام تنظمها م�ؤ�س�سة �سلطان بن علي العوي�س عدة.
يجمع بين �أنواع �سردية ّ
(1970م) ب��رواي��ة (ي��ن��داح ال��ط��وف��ان) وهو الثقافية بدبي ،من �أبرز التكريمات الأدبية �أما عن تجربته النقدية ،فهي ت�أ�سي�سية،
في �سن الخام�سة والع�شرين ،ومن ثم انطلق على م�ستوى الوطن العربي ،التي تتوج م�سيرة ر�صد م��ن خاللها الحركة الأدب��ي��ة خا�صة
�سليمان ب�إبداعه وكتابته ،ليرفد المكتبة الأدب��اء العرب .وفي دورتها ال�سابعة ع�شرة الرواية ،محلي ًا وعربي ًا ،وقد و�صف (�سليمان)
العربية ب��ع��دة رواي����ات ودرا� ��س ��ات ،نذكر (2021 - 2020م) منحت ل�ل�أدي��ب نبيل كتبت حرف ًا فيُ تجربته النقدية بقوله( :ما
منها على �سبيل المثال في مجال الرواية: �سليمان ،لي�ضاف ا�سمه �إلى قائمة تطول من النقد �إال لأفيد منه في كتابة الرواية ،محاو ًال
ال�سجن ،قي�س يبكي ،مجاز الع�شق ،دلعون، الأدباء والمفكرين العرب ،الذين منحوا هذه في كل كتاب� ،أن �أرى م��اذا ُتقدم رواي��ات
مدارات ال�شرق في (� )4أجزاء ،وتاريخ العيون الجائزة ،فئة الق�صة والرواية والم�سرحية، الآخرين ،الكبار منهم وال�شباب خ�صو�ص ًا ،ف�أنا
�أعماله الروائية
نافذة يطل القارئ
منها على تاريخ
�سوريا المعا�صر
�إدوارد الخراط بو علي يا�سين غالب هل�سا
من الأهمية ،فالحديث عن �شخ�صية المبدع االهتمام بم�ستوى �إح�سا�س المبدع بالعالم تدل مفردة (العمل) في م�صطلح (العمل
يعني ،من وجهة نظر علم النف�س ،البحث المحيط والتعامل معه وما ينتج عن ذلك الفني الإب��داع��ي) على معنى الإن��ت��اج �أو
في اال�ستعدادات والدوافع والتمثل الفكري من مهارات ،ومن الخط�أ � ْأن نعزو القدرة المح�صلة ،التي تتوج مجموعة متفاعلة
والطبع والمزاج والمواقف العاطفية والذكاء، الإبداعية �إل��ى الموهبة النظرية فح�سب، ومعقدة من الن�شاطات التي تتج�سد في هذا
لكن الجانب النف�سي لي�س كل �شيء في فالمبدع لي�س مجرد كائن موهوب فقط؛ بل العمل ،في حين �أن (الإب��داع) مفهوم وا�سع
تكوين ال�شخ�صية الإبداعية ،ذلك لأن هناك هو �إن�سان قادر على تنظيم مجموعة معقدة �شامل عميق؛ فهو يمتد من االختراعات
ت�أثيراً عميق ًا� ،أي�ض ًا ،للعالم االجتماعي في من الن�شاطات للو�صول �إلى تج�سيدها في واالكت�شافات العلمية ،مروراً باالبتكارات
�شخ�صية المبدع ،فاال�ستيعاب الفني للعالم عمل فني �إب��داع��ي ،وجميع ه��ذه الجوانب والإبداعات الفنية ،و�صو ًال �إلى كل �إنتاج
يقوم في تكوينه لل�شخ�صية الإبداعية على تمثل البعد الفردي ال�شخ�صي في الإبداع. جديد وقيم.
جدلية الذاتي والمو�ضوعي. �إن البعد الإبداعي االجتماعي هو البعد �إن الإبداع الفني �شكل راقٍ من �أ�شكال
غير �أن الحديث عن �شخ�صية المبدع الذي يكفل في العمل الفني عملية التوا�صل الن�شاط الإن�����س��ان��ي ،وه��و ظ��اه��رة معقدة
يدفعنا �إلى التمييز بين �شخ�صيته الحياتية بين الفرد والجماعة ،فكل عمل �إبداعي هو ج ��داً� ،أو جملة معقدة م��ن الظواهر ذات
و�شخ�صيته الإبداعية� ،إذ �إننا ،على الأرجح، عمل خا�ص وع��ام في الوقت نف�سه؛ �أي وبمعنى �أدق؛
ً وج ��وه و�أب��ع��اد م��ت��ع��ددة.
نجد اختالف ًا بين ال�شخ�صيتين؛ فال�شخ�صية فردي واجتماعي في �آنٍ مع ًا ،في حين �أن الإب���داع هو وح��دة متكاملة من العوامل
المبدعة ه��ي التي تعبر ع��ن نف�سها في البعد التاريخي التطوري هو البعد الذي الذاتية والمو�ضوعية التي ت�شتمل على
الإب���داع ،لتبدو كما لو �أنها ترتفع فوق يج�سد حركة تطور الفن ،على نح ٍو عام ،عبر ن�شاطات التفكير والخيال والقدرة على نقل
ال�شخ�صية الحياتية الملمو�سة بكل م�شاغلها م�سيرة التاريخ ،فالن�شاط الفني الإبداعي المعلومات ،و�إيجاد العالقات بين العنا�صر
المعي�شية الم�ضطربة واهتماماتها اليومية ه��و ظ��اه��رة �إن�سانية تاريخية تخ�ضع المعرفية والجمالية ،وتندرج فيها حركية
المبا�شرة ،فكلما ات�سع حجم ال�شخ�صية لقوانين التطور والجدل واالرتقاء ،فالمبدع الحياة العاطفية واالنفعالية والعوامل
الإبداعية في مقابل ال�شخ�صية الحياتية، ال يبد�أ من ف��راغ؛ �إنما يعتمد على تراكم ال�شخ�صية والعامة برمتها.
ازدادت �أهمية الإب��داع ،لكن ذلك ال يعني �ضخم لتراث �إن�ساني وا�سع وخ�صب. تتمثل �أبعاد العملية الإبداعية في ثالثة
انف�صال ال�شخ�صية الإبداعية عن ال�شخ�صية لعل تحديد �أب��ع��اد العملية الإبداعية م�ستويات ،هي :البعد الفردي ال�شخ�صي،
الحياتية والواقع انف�صا ًال مطلق ًا؛ ذلك �أن يقود ،تلقائي ًا �إل��ى تحديد مكونات هذه والبعد االجتماعي ،والبعد التاريخي �أو
الإب��داع يولد ويت�شكل ،بطبيعة الحال ،في العملية �أي�ض ًا ،و�أهمها :ال�شخ�صية المبدعة، التطوري� .إننا حينما نبحث في ماهية
و�سط اجتماعي ملمو�س ي�ؤثر به ويكون والموهبة ،والتجربة الحياتية ،والفكر (�أو العمل الفني الإبداعي نقوم بتحليل �شخ�صية
كثيراً من �أبعاده. العقيدة) ،والحد�س والوعي ،والإح�سا�س المبدع مزاجي ًا وعقلي ًا وواقعي ًا ،وندر�س،
�أما المكون الثاني في العملية الإبداعية بالعالم ،والمهارة. �أي�ض ًا ،عالقة الموهبة بالمقدرة والتجربة
فهو الموهبة ،وهي �شرط �إلزامي من �شروط ت��ق��وم �شخ�صية ال��م��ب��دع ف��ي عملية الحياتية ،ونهتم بفهم ال�صلة بين الوعي
الن�شاط الإبداعي؛ �إنها قدرة فطرية ولي�ست جانب كبير
ٍ الإب��داع ب��دور محوري وعلى والحد�س (الوعي وال�لا وع��ي) ،ف�ض ًال عن
�أن االحتكام �إلى الال وعي ،وحده ،في تحليل مكت�سبة ،لأن ال�شخ�صية المبدعة ت�ستطيع �أن
كيفيات تخليق العمل الفني الإب��داع��ي هو تكت�سب معارف تتحول في عملية الإبداع �إلى
�صحيح �أن جانبي الحد�س ٌ تطرف مبال ٌغ فيه،
ٌ قدرات� ،إال �أنها ال ت�ستطيع �أن تكت�سب القدرة
الإبداع الفني �شكل والال وعي يجدان في العملية الإبداعية مت�سع ًا الفطرية التي نطلق عليها ا�سم (الموهبة)،
راق من �أ�شكال
ٍ ال يمكن � ْأن يجداه في �أي مجالٍ �آخر ،لكنهما والمتمثلة ب�إمكانات الإن�سان على تكوين
الن�شاط الإن�ساني عن�صران م��ت��داخ�لان م��ع ال��وع��ي ف��ي �صوغ تفكير فني مجازي خا�ص ينه�ض عليه العمل
م�ستوى الموقف والر�ؤية في العمل الفني ،وفي الإبداعي بما هو قائم على ملكات المبدع في
ذو وجوه و�أبعاد تحديد خ�صو�صية هذا العمل وجمالياته. اال�ستيعاب الجمالي واال�ستعاري ،ووعي العالم
�إن جميع م��ك��ون��ات العملية الإب��داع��ي��ة و�إدراكه �ضمن تركيب �شمولي موحد.
المذكورة حتى الآن ،ال بد لها من مكون �ساد�س �إن تجربة المبدع الحياتية بو�صفها
يربط بينها ،وي�شكل �صلة الو�صل التي تجعل المكون الثالث في العملية الإبداعية هي التي
كل هذه المكونات نا�شطة في تنا�سق وان�سجام، تمد العمل الفني بالعمق واالكتمال �أكثر ،كلما
ثالثة م�ستويات �إنه :الإح�سا�س بالعالم. كانت معرفة الحياة التي يكت�سبها المبدع
تمثل �أبعاد العملية موقع تحيط ٍ في نف�سه الحديث يجد الإن�سان �أو�سع و�أعمق و�أدق .فهذه التجربة الحياتية هي
الإبداعية هي البعد به �آالف الأح��داث ،وت�صادفه مئات الظواهر، التي تعيد بناء الحياة �إبداعي ًا ،وهي المكون
ويتوا�صل معها داخ��ل �شبكة م��ن العالقات الدائم من مكونات الإب��داع التي تجعل عالم
الفردي ال�شخ�صي غنى وفعالية وجما ًال� ،إذ تبدو
االجتماعية ،وهذا يكون ر�أيه واعتقاده ومخيلته العمل الفني �أكثر ً
واالجتماعي �إلى حد بعيد ،ويمنحه نظر ًة �شمولية لكل ما معرفة المبدع للحياة قوة فاعلة ت�ؤ�س�س خبرته
والتاريخي يحيط به ،فالمرء ي�ستطيع �أن يراكم معارف جانب �أول ،وهو الأمر الذي ينعك�س، ٍ بها ،من
علمية �أو ثقافية �ضخمة ،لكنه لن ي�ستطيع �أن جانب ثانٍ ،وعلى نح ٍو مبا�شر وغير مبا�شر،
ٍ من
يكون مبدع ًا �إال �إذا ات�سم بتلك النظرة الوا�سعة في تخليق العمل الفني الإبداعي مجازي ًا.
ال�شمولية �إلى الحياة عبر الإح�سا�س بالعالم، ي�شكل فكر المبدع المكون ال��راب��ع من
بما هو ظاهرة اجتماعية نف�سية تتجاوز معنى مكونات العملية الإبداعية؛ والفكر هو ما يتراكم
تقوم �شخ�صية حقل الوعي االعتيادي عند النا�س العاديين �إلى عند كل �شخ�صية مبدعة خالل م�سيرة الحياة
م�ستوى �صوغ العالم ،على نح ٍو خا�ص ومجازي من وجهات نظر محددة حول تف�سير الواقع
المبدع في عملية وجديد لدى المبدع الأ�صيل. والعالم والكينونة؛ فما ن�سميه (عقيدة المبدع)
الإبداع بدور محوري لعل ما يجعل من �سمة الإح�سا�س بالعالم هو مجموع العالقات التي تقيمها ال�شخ�صية
على جانب كبير من لدى المبدع �سم ًة مبتكرة وخا�صة هو المكون المبدعة م��ع مختلف ج��وان��ب ال��ح��ي��اة؛ من
ال�سابع من مكونات العملية الإبداعية ،وهو: �سيا�سية ودينية وفل�سفية و�أخالقية وقانونية
الأهمية المهارة؛ فالمبدع الأ�صيل المبتكر هو الذي وجمالية ت�ؤ�س�س مجمل نظرات المبدع �إلى
ي�ستطيع � ْأن يذيب جميع مكونات العمل الفني العالم ،وتكون ثابت ًة عند بع�ض المبدعين� ،أو
الإبداعي في بنية �شمولية خا�صة ومتكاملة متطور ًة متغيرة مع الزمن واختالف العمر
تعك�س م��ه��ارت��ه ف��ي تخليق ع��ال��م مجازي والتجربة عند البع�ض الآخر.
جمالي ،له �سماته ورهافته وذكا�ؤه في التقاط و�إذا كان مكون الفكر �أو العقيدة هو المكون
يولد الإبداع التفا�صيل والمفارقات ،ف�ض ًال عن ات�صاف مرتبط بقوة
ٌ الواعي عند المبدع ،فهذا المكون
ويت�شكل بطبيعة هذا العالم بالخ�صو�صية الفنية والفرادة �شك ًال بالمكون الخام�س ف��ي العملية الإب��داع��ي��ة،
الحال في و�سط �زء ع�ضوي من وم�ضمون ًا ،فالمهارة هي ج� ٌ والمتمثل ب�صلة الوعي بالحد�س؛ فعندما يندفع
القدرة التخييلية والمعرفية التي تنه�ض عليها أ�سا�س ما
المبدع �إلى الإبداع ،ف�إنه ينطلق من � ٍ
اجتماعي ملمو�س موهبة ال�شخ�صية الإبداعية ،والتي ت�ستطيع � ْأن لم ي�ص ْغ بعد؛ �أي من �أ�سا�س قائم على مجموعة
وم�ؤثر تمتلك مفاتيح بناء الداللة الفنية عبر تمثل من العمليات والدوافع ال�سيكولوجية التي لم
جميع مكونات العملية الإبداعية ،و�صياغتها تتحول بعد �إلى فعل ،ولذا فهو ال يكاد يعرفها
في عمل جديد ومبتكر. تمام ًا ،بل ال يميز �إال مالمح عامة فيها ،غير
العالم بعد هذه الترجمة ،وال �سيما �سرديات وقد تج ّلى هذا الجديد في �أنماط التجريب،
�أمريكا الالتينية ونموذجها الأمثل ،الكتابات وعلى نحو خا�ص لدى ك ّتاب الرواية الجديدة،
ال�شعرية وال�سردية للكاتب الأرجنتيني خورخي �سمي بك ّتاب (الح�سا�سية الجديدة) مع �أو ما ّ
لوي�س بورخي�س. انت�شار رواي ��ات ك � ّل م��ن �أالن روب جرييه،
كتب غابرييل غار�سيا ماركيز ،روايته في ناتالي �ساروت ،مي�شيل بوتور ،وغيرهم من
عام (1965م) ون�شرت كاملة عام (1967م) التجريبيين الذين �أ ّث��رت توجهاتهم الفكرية
في المك�سيك ،وبح�سب بع�ض المراجع التي المتحم�س
ّ والتقنية في كتابات ال�شباب العربي
الحرة (ويكيبيديا)
عدنا �إليها ،ومنها المو�سوعة ّ للجديد والمفارق في الكتابة الروائية حينها،
�أن هذه الرواية وزعت ماليين الن�سخ في �أنحاء ولكن مع الأ���س��ف ،ك��ان على ه��ذه ال��رواي��ة �أو
العالم المختلفة ،وح��ازت ع��دداً من الجوائز هذا االتجاه ال�سردي �أن ينتظر ب�ضعة عقود،
اجترح ماركيز الدولية ،واعتبرت واح��دة من �أه��م الأعمال كي يتخذ مجراه الطبيعي في االنت�شار ،وذلك
خيا ً الأدبية في تاريخ �إ�سبانيا ،وظهر ذلك خالل لأ�سباب عديدة ،منها :المواقف العدائية التي
ال مجنح ًا باحث ًا الم�ؤتمر الدولي الرابع للغة الإ�سبانية الذي عقد واجهتها م��ن قبل مثقفي الي�سار واليمين
عن �أنماط تعبيرية في قرطاجة عام (2007م). وبع�ض الن ّقاد ،ب�سبب ما يمكن و�صفه ب�صدمة
جديدة تتجاوز هي �أ�شبه بملحمة عائلية جابهت �أقدارها، (ما بعد الحداثة) ،ك ��أدب طرح نف�سه كبديل
التقليدية منها �أو بالأحرى لعنة توارثتها هذه العائلة على طليعي ،وبالرغم من انت�صار البنيويين له،
ثم انقر�ضت،مدار مئة عام و�ستة �أجيال توالدت ّ ومنهم روالن بارت لدى تناوله النقدي لتجربة
وك�أنها عوقبت لجملة المفا�سد التي ارتكبتها، (جرييه) الروائية ،ولذلك ف ��إن ه��ذه الجهود
مثل :الغطر�سة والعنف وال��زواج بالقا�صرات المبكرة لم ت�أخذ ح ّقها في االنت�شار الوا�سع،
واالبتعاد عن القيم الدينية ،با�ستثناء �أور�سوال �سيما مع �صدور (مئة ع��ام من العزلة) وال ّ
الأم التي كانت تن�صحهم بالعودة �إلى القيم بمنهجها وبع�ض مواقف كاتبها من �شركات
غيهم ولم الدينية الفا�ضلة ،لكنهم وا�صلوا ّ الموز والحرب الأهلية والطغم الع�سكرية التي
ي�ستمعوا لن�صائحها ،بما في ذلك قولها� :أخ�شى انت�صرت لأ�صحاب ال�شركات ،فق�ضت على
أبناء ب�أذناب خنازير،
ذات يوم �أن تلد الأمهات � ً احتجاج العمال ومزارعي كولومبيا حينها،
بد من العقاب.وبناء على ذلك كان ال ّ ال�سردي ال��ذي دمج هذاّ ومن جانب �أ�سلوبه
الواقع القا�سي مع الخيال غير المعتاد حينها..
فاتفق الن ّقاد على ت�سميتها برواية (الواقعية
ال�سحرية) التي فعلت فعل ال�سحر ح ّق ًا في
الم�شهد الإب��داع��ي العالمي ،م��ع��زز ًة ح�ضور
رواية �أمريكا الالتينية واللغة الإ�سبانية ،وما
انف ّكت هذه االنعطافة ال�سردية هادرة كالموج
روائي �إلى �آخر ،ح ّتى يومنا
ّ المتالحق من جيل
نطلع على تقييمات الن ّقاد ب�أن هذا� ،إذ غالب ًا ما ّ
�أ�سلوب هذه الرواية �أو تلك ينتمي �إلى الواقعية
ال�سحرية.
البحث الجاد في مرجعيات �أو �أ�صول هذا
ال�ضرب من الكتابة المعززة بالخيال ،نلتم�سه
�إبداعي ًا على �صعيد الثقافة العربية حا�ضراً ،في
التراث ال�شفاهي العربي ،وبخا�صة في حكايات
�سمي بـ(الليالي (�أل ��ف ليلة ول��ي��ل��ة)� ،أو م��ا ّ
العربية) في الن�سخة التي ترجمت عنها �إلى
اللغات الأوروبية في القرن ال�ساد�س ع�شر وما
بد من التنويه ب�أهمية بعد .وفي هذا الإطار؛ ال ّ
تم اال�صطالح عليه بـ(الحكاية الإطارية) ما ّ
و(العجائبية) �أو (الفانتازيا) التي درجت في
غابرييل غار�سيا ماركيز
لون ًا من �أل��وان الممار�سة الخيالية ،وبرغم ه��ل ال��رواي��ة��� ،س��واء �أك��ان��ت تاريخية �أم
ذلك ،ف�إن الرواية التاريخية ورواية التاريخ �أدبية ،تعتبر م�صدراً تاريخي ًا؟ وما الفارق
كلتيهما تقدمان �إفادة للإن�سانية .وي�شجعنا بين ال��رواي��ة التاريخية ورواي���ة التاريخ؟
ه��ذا لأن نقول ب ��أن ال��رواي��ة من الممكن �أن يعتقد البع�ض �أن الرواية التاريخية نوع من
تكون م�صدراً تاريخي ًا� ،إذ �إنها فترة زمنية الأدب الذي يهدف كاتبه �إلى تجنب رهانات
تتحول �إلى حالة ما�ضوية� ،أي تاريخ ،وجزء الحا�ضر ال��م��ع��ق��دة ،وم��ن ث��م ف ��إن��ه ي�ستمد
من الذاكرة الجماعية. �شخو�صها من �أح��داث التاريخ مع مراعاته
التاريخ ال يكون تاريخي ًا �إال عندما يكون ل�شروط ال�سردية ال��روائ��ي��ة ،وال ندعي �أن��ه
في حقله ونظامه ،وخا�ضع ًا لفنونه وقوانينه �سيحافظ على الحقائق التاريخية بقالبها
ال�صارمة ،لكنه عندما ي��غ��ادره ليكتب في ال��ج��ام��د ال ��ذي يتعامل ب��ه ال��م���ؤرخ ،و�إن��م��ا
رواي� ��ة ،ف ��إن��ه يبتعد ع��ن حقيقته الأول���ى، �سيختلط عنده الذاتي بالتاريخي بالخيالي،
وي�صبح فع ًال روائ��ي � ًا ،حيث هو فعل منتج فالرواية التاريخية مزيج من ه�ؤالء جميع ًا،
م�شروط ب�شروط العمل ال��روائ��ي ،وبالتالي لكنها ت�ضم بين طياتها بع�ض الحقائق
يت�سع المتخيل ،وفي ذات الوقت يحاول �أن التاريخية المجردة ،وفي الوقت نف�سه يختلط
يجد مكان ًا في الأ�شياء المن�سية والمهملة� ،أو فيها الحا�ضر بالما�ضي؛ �إذ �إنها تمثل قراءة
الرواية التاريخية الم�سكوت عنها في �صلب التاريخ ،فيتعر�ض كاتبها للأحداث التاريخية التي قر�أ عنها،
مزيج من الذاتي للأحداث غير المكتوب عنها من قبل الم�ؤرخ فالخيال عند الراوي مقد�س ،والحقيقة مجال
والتاريخي والخيالي العتبارات �سيا�سية �أو �أيديولوجية ،ومن ثم انتهاك ،وهو موقف مناق�ض لما يراه الم�ؤرخ
وجزء من الحقيقة ف ��إن ال��رواي��ة بوظيفتها ه��ذه �أق��رب �إل��ى نقد من �أن الحقائق مقد�سة ،بينما الخيال مجال
التاريخ� ،أو لون من �ألوان الوعي به ،برغم عدم دائم لالنتهاك.
مطابقتها تمام ًا لرواية التاريخ. ف��ال��راوي ال ي��رك��ز على م��ج��رد العر�ض
فالراوي ال يركز في عر�ضه على العر�ض الب�سيط للحقائق والأحداث التاريخية؛ و�إنما
الب�سيط للحقائق والأحداث التاريخية ،و�إنما يكتب تاريخه الخا�ص من خالل حبك الم�شاهد
يكتب تاريخه الخا�ص ،فهو يقدم �شخ�صيات وتوليفها ،وه��و �أ�سلوب مختلف عن حبكة
حقيقية ،في �صورة ر�سم لهم فيها مالمحهم، الحقائق ال�سردية ،التي يقوم بها الم�ؤرخ ،كما
يتحاورون مع بع�ضهم بع�ض ًا ،وينتج عن �أن الم�ؤرخ يرتبط ارتباط ًا وثيق ًا بما يتوافر
تفاعلهم ف��ي م��ا بينهم ال��ح��دث التاريخي، له من �شواهد مادية� ،سواء �أكانت وثائق �أو
ولعل ه��ذا يقودنا �إل��ى الت�سا�ؤل :هل كتابة مخلفات �آثارية وتراثية ،فهو بمثابة القا�ضي
التاريخ عمل �إبداعي؟ �أم �أن تفاعل الم�ؤرخ مع الذي ي�ست�شهد ب�شهود �أموات .وهو هنا عك�س
الم�شاهد التاريخية ي�شكل لون ًا من �ألوان كتابة الراوي ،الذي يكتب رواية تاريخية ،ف�إنه يعمل
الروايات ،ما دام يج�سد م�شاهد متخيلة برغم خياله في ر�سم �شخ�صياته و�أحداثه وم�شاهده
كونها حقيقية؟ وعلى هذا يمكننا التفريق بين الدرامية ،فكتابة الم�شاهد التاريخية تمثل
ما قد يحاول �أن يكتب تاريخه ،فيمزج في مجال التاريخ ومجال الرواية ،فالتاريخ هو
كتاباته ما بين التاريخ والمتخيل ،ب�صورة المادة المنجزة والمنتهية ،والم�ؤرخ يتناول
قد تذيب الفوا�صل بين الحقيقة المو�ضوعية �أح��داث � ًا تف�صله عنها م�سافة زمنية كافية
والحقيقة المتخيلة ،ولعلنا نرجع قلي ًال �إلى لك�شف جوانبها التاريخية كافة .ويتبع الناقد
ن�ش�أة المعرفة التاريخية في رحم الأ�سطورة، منهج البحث التاريخي التحليلي اال�ستنباطي
التي لم تكن �أكثر من رواية مجهولة المكان المقارن .وه��ذا ما يميز الكتابة التاريخية
وال ��زم ��ان ،وه��م��ا الأ���س��ا���س��ان ال��ل��ذان يقوم عن الكتابة الروائية ،و�إن تقاطعتا مع ًا في
عليهما علم التاريخ ،فهو فعل �إن�ساني في بع�ض ال�صفات وال��ع��وام��ل ،و�إال �سي�صبح
الراوي يكتب تاريخه زمان محدد نتج عن تفاعله مع مكان معين، كل من التاريخ والرواية تاريخ ًا باعتباره
الخا�ص من خالل بعك�س الرواية التي تمزج الحقيقة التاريخية ما�ضوي ًا ،لكن الرواية التاريخية تتميز عن
حبك الم�شاهد بالق�صة المتخيلة ،ك�أن ين�سج الروائي ق�صة رواية التاريخ بالمتخيل ،وهو المادة ال�سردية
وتوليفها الب�س ًا قناع غرامية متداخلة مع �سرده لحوادث التاريخ، التي تن�ش�أ عن العالقة بين الروائي والحدث
الم�ؤرخ وهنا يعتمد على التاريخ من حيث الزمان التاريخي ،ومن ثم تخرج الرواية التاريخية
وال��م��ك��ان والأ���ش��خ��ا���ص ،بالرغم م��ن �أن��ه ال عن الموثوقية التامة �إلى الموثوقية الن�سبية،
يق�صد �سرد الوقائع التاريخية ،وفي الوقت بالرغم من �أن عالم المتخيل ين�ش�أ عن المادة
نف�سه يتمثل التاريخ في جوانبه الناق�صة �أو التاريخية كحقيقة ،وم��ن ث��م ف���إن وظيفة
الم�سكوت عنها. الروائي �أقرب �إلى الحقيقة الن�سبية ،فالحقيقة
ف��ال��رواي��ة ت�سرد ال��وق��ائ��ع التاريخية، في الن�ص الإبداعي حقيقة مركبة تن�ش�أ عن
�ضمن �سردية حوارية متخيلة ،تختلط فيها فعل الكتابة وف��ق تعددية ت�أويلية للن�ص،
الحقيقة التاريخية ال��م��ج��ردة بالحقيقة ف��ال��روائ��ي ال تهمه الحقيقة المو�ضوعية
المتخيلة( ،فالرواية تدرج للوقائع التاريخية كحقيقة ال يداخلها التزيف ،و�إنما هدفه الأول
المرتبكة� ،ضمن متخيل يعطي الإي��ه��ام ال�سيرورة ال�سردية داخل الن�ص ،التي ت�ؤلف
التاريخ ال يكون بالحقيقة المو�ضوعية ،التي لي�ست مهمة �إال لعالمه الخا�ص ،وتميزه عن التاريخ كحقيقة،
تاريخ ًا �إال عندما من حيث هي تعبير عميق عن لحظة متحركة وتحل فيه الرواية التاريخية كمتخيل بالرغم
يكون مواكب ًا لفنونه في التاريخ ت�ستطيع الرواية �إلقاء القب�ض من حفاظها على بع�ض مقومات التاريخ،
وقوانينه ال�صارمة عليها في كامل توهجها) .وبين هذا وذاك؛ فعمل الروائي �سردي يتخل�ص من الحقائق،
تن�سج الرواية عالمها المتخيل و�شخ�صياتها وبالتالي ف ��إن كتاباته �أو رواي��ات��ه لي�ست
وعالقاتها المت�ضاربة ،وتلقي ال�ضوء على تاريخ ًا بالمعنى الحقيقي للكلمة.
اللحظات الأكثر ح�سا�سية في التاريخ ،والتي التاريخ �إذاً ال يكون تاريخ ًا �إال �إذا كان
يعجز الم�ؤرخ المو�ضوعي عن ذكرها ،وتوجد في حقله ونظامه ومنهجه وقوانينه وقواعده،
فوارق دقيقة بين عمل الم�ؤرخ الذي يتطلب و�إذا ما انتقل �إل��ى ال��رواي��ة ف�إنه لب�س ثوب ًا
درج��ة كبيرة من المو�ضوعية وال�سرد عند جديداً بعنوان وقوانين ومنهج جديدة ،ومنتج
تناول الحدث التاريخي ،م�ستخل�ص ًا العبرة جديد م�شروط بقوانين و�أ�س�س وثوابت الرواية،
والعظة ودرو� ��س الما�ضي لتفيد الحا�ضر فالراوي يتعامل مع الحقيقة المخب�أة وراء
وت�ست�شرف الم�ستقبل ،وعندما يغادر التاريخ الحقيقة التي يقول بها الم�ؤرخ ،وقد يعجز
الحقيقة في الن�ص ميدانه ك�سل�سلة وقائع ويعاد تركيبه في ال��م ��ؤرخ ع��ن ذك��ره��ا لأ���س��ب��اب �سيا�سية �أو
الإبداعي حقيقة العمل ال��روائ��ي ،ف��إن��ه يتجرد م��ن الحقيقة اجتماعية �أو �أيديولوجية ،فالراوي قد يلب�س
مركبة تن�ش�أ عن فعل المطلقة ،وال تكون الرواية حجة يرجع �إليها قناع الم�ؤرخ ،ويحاول �أن يجد لنف�سه مكان ًا
الكتابة الم�ؤرخ في الحقائق ،ولكن لها فائدة عامة بين طيات التاريخ المن�سي �أو الم�سكوت عنه.
عبر الطريقة الق�ص�صية التي ت�شخ�ص الوقائع ووظيفة الراوي عندما يكتب رواية تاريخية
ت�شخي�ص ًا �أق��رب للحقيقة ،وتجلياتها في لن تعدو �إال �أن تكون نوع ًا من وعي التاريخ
�سياق التمثيل ال�سردي الروائي ،وت�ستعر�ضها ونقده ،وهنا ت�صبح الرواية مرادفة للتاريخ،
في �إطار فني متخيل في ن�ص متجان�س �أعيد ولي�ست مطابقة له ،لأن الحقيقة التاريخية
ت�شكيل مواد كثيرة فيه ،انف�صلت عن �سياقها تختلط فيها بمخيلة الراوي .ومن ناحية �أخرى
التاريخي الحقيقي. قد ي�ستعين ال��م��ؤرخ بعمل ال��روائ��ي ليتمثل
وتعد ال�سيرة
ّ يتميز ال�سرد العربي القديم بغنى �أ�شكاله،
ال�شعبية �إحدى �أكثر الأ�شكال ال�سردية خ�صو�صية� ،إذ تتمحور
حول �شخ�صية واحدة تمثل ب�ؤرة الحكاية ،منها ينطلق فعل
تعد ال�سيرة الحكي و�إليها يعود ،ومن �أ�شهر ال�سير العربية� :سيرة عنترة،
ال�شخ�صية من �أهم ما و�سيرة �سيف بن ذي يزن ،و�سيرة حمزة العرب ،و�سيرة بني
د� .سعيد بكور
يميز ال�سرد العربي هالل ،و�سيرة الأميرة ذات الهمة ،و�سيرة الظاهر بيبر�س .وقد
القديم مرت ال�سيرة في رحلتها التاريخية من طورين :طور الم�شافهة وطور التدوين ،وي�صل ّ
الفارق بين لحظة كتابتها ولحظة تدوينها �إلى قرون ،الأمر الذي �أثّر في متنها الذي
داخلته زيادات كثيرة ،يمكن للمتلقي مالحظتها ،خا�صة ،في �سمتي اللغة والأ�سلوب.
ينتقل الراوي �إلى و�صف المرعى وخطورته ليبين تعد �سيرة عنترة بن �شداد� ،أ�شهر ال�سير العربية
ج�سارة البطل ،وت�سلك الق�صة م�سلك ًا مغايراً بظهور على الإط�ل�اق ،اكت�سبت �أهميتها وذيوعها من
الأ�سد مد ّال بقوته وزمجرته ،ويبالغ ال��راوي في �شخ�صية (عنترة) ال�شاعر والبطل الأ�سطوري الذي
قامت على خا�صية و�صف خطورته ،فكلما كان قوي ًا كان الذي ي�صرعه جمع بين ال�شعر والف�ضيلة والبطولة ،وتقوم على
تمجيد البطولة �أق��وى ،وبعد �أن يخرج ت�شرد الإب��ل وتفر ،وي�صل رواي��ة حياته ومغامراته المرتبطة بال�شجاعة
والمغامرة و�إر�ساء (عنترة) �إلى المكان ويخاطب الأ�سد بما يخاطب وال�شهامة والحب والت�ضحية والإب���اء ون�صرة
القيم ال�سامية به العدو ،متمث ًال ب�شعر في الفخر ،وفي هذه الأثناء المظلوم ،وهي �سيرة بطولية� ،سميت ب�إلياذة العرب،
يقحم الراوي م�شهد �أخي عنترة و�أبيه لكي يت�سنى وتندرج �ضمن الأدب الملحمي القائم على المبالغة
نقل الحادثة ون�شرها ،وي�صرع عنترة الأ�سد �صرع ًا، في و�صف البطولة و(�أَ ْ�سطرة) البطل ،وت��دور في
وينتهي الحدث بتعجب الأب وابنه وانبهارهما. عمقها حول التجربة الوجودية وتحقيق ال��ذات،
ت�سير �أح��داث الق�صة وف��ق �سيرورة حكائية وتعتبر ال�سيرة �صورة عن المخيال العربي ،المرتبط
مت�صاعدة ،تبد�أ هادئة بت�أثيث الف�ضاء والحدث، ب�أ�سطرة الوقائع وال�شخ�صيات والحكايات.
وتتحول لتنتقل �إل��ى ال�صراع ثم تنتهي نهاية تخلو �سيرة عنترة ،من وح��دة الت�أليف ومن
من ال�سمات المميزة يح�سن ال�سكوت عليها ،وفي كل ذلك تتالحم عنا�صر وحدة العقدة� ،إذ تت�شعب �إلى �أحداث نووية غايتها
لل�سيرة الجمع بين الحكي تالحم ًا ي�صعب ف ّكه ،ونقف على مراحل �إثبات البطولة الخارقة ،وفيها عنا�صر تح ّقق المتعة
�سهولة الأ�سلوب الحبكة فيما يلي :البداية :و�صول عنترة �إلى الوادي الق�ص�صية ك�شجاعة عنترة وحب عبلة وتمجيد
المخيف؛ العن�صر المخل :ظهور الأ�سد وخروجه من البطولة ،وو�صف المعارك ،تعلق بها �أحداث طفيلية
ولين اللغة وتوظيف الوادي؛ الو�سط :مواجهة الأ�سد وتهديده ومواجهته؛ تق�صر وتمتد� ،أ�سلوبها �سهل يتجاور فيه الت�سجيع
ال�سجع وال�شعر عن�صر االن��ف��راج� :صرع الأ�سد وف�صل ر�أ�سه عن واالزدواج ،ويمتزج فيها ال�شعر بالنثر.
والنثر ج�سده؛ النهاية :انبهار الأب والأخ بالم�شهد. يبد�أ الن�ص ال��ذي �أخ��ذن��اه نموذج ًا للقراءة
يمثل عنترة ال�شخ�صية الأب���رز ،فهو محور ويحذف م�شهد ما قبل بو�صول عنترة �إلى الواديُ ،
الحكي وب�ؤرة الق�صة ،وكل العنا�صر ُت�ساق لت�صوير الو�صول لأنه غير ذي �أهمية في تطوير الأحداث،
قوته و�شجاعته ،وي��رك��ز ال���راوي على الجانب وتلخ�صه الجملة ال�سردية (ثم �سار حتى) ،بعد ذلك
والم�س�ؤولية ،والبقاء ،و�أحيان ًا المكابدة، والقافية ،وين�سى المقومات الإبداعية التي عرف قدامة بن جعفر ( 873م 948 -م) َّ
وي��ج��ب �أن ي�ستح�ضر ال�شاعر ك��ل ذلك تعني ال�صور الفنية المفارقة والمعنى ال�شعر ب�أنه (قول ،موزون ،مقفى ،دال على
عندما يم�سك القلم ليكتب الق�صيدة ،ولي�س المبتكر والتراكيب الموحية المده�شة. معنى) ،وبرغم �أنه جمع بين مقومات ال�شعر
من المقبول الآن �أن ي�صف ال�شاعر وجه و(العادي) في قامو�س المعاني هو (ب�سيط، المعروفة ،ف�إنه تعريف ناق�ص ،فقد افتقد
محبوبته بالقمر ،و�شعرها بالليل وخدها عامة م�ألوف ،معهود ،غير متجاوز م�ستوى ّ العن�صر الأول وهو (القول) �صفة مهمة وهي
ب��ال��ورد الأح��م��ر ،على ال�شاعر �أن يجتهد ال َّنا�س ،وفي مو�ضع �آخر هو :العتيق .ويقال: االبتكار والخلق بمعنى �أدق( ..الإب ��داع)،
ليقدم لنا �أو�صافا جديدة ومعاني مبتكرة �أَ ْم� ٌ�ر َع��ا ِد ٌّي جِ � ّ�داً :بمعنى َب ِديهِ ٌّيَ ،ج� َ�ر ْت ِب ِه والتعريف ،في ر�أيي ،يجب �أن يكون (قول
و�إبداع ًا حقيقي ًا ينتزع منا كلمة �إعجاب، كاء َعا ِد ٌّي� :أي ُم َت َو ِّ�س ٌطَ ،
وح َر َك ٌة اد ُة .و َذ ٌ ا ْل َع َ مبدع ،م ��وزون ،مقفى ،دال على معنى)،
و�أمامه (اللغة) المادة الخام الغنية التي اعتيادي
ّ أمر � و ، ة ي ِ
ع ِي
ب ط ة
َ َ َ ٌ َ َّ ٌ ك ر ح أي � :ةَعا ِد َّ ٌ
ي فالإبداع هو الذي يفرق بين القول ال�سيار
ت�صنع المعجزات. �صادف �أو ملحوظ ب�شكل �شاهد �أو ُم َ هو ُم َ والأدب ،بين الأغاني الزاعقة التي ن�ستمع
�أزم��ة الق�صيدة العمودية المعا�صرة، متكرر).
ِّ �إليها في �سيارات الأج��رة ،وبين الق�صائد
العادية ال�شعرية ،عندما
ّ في ر�أيي� ،سببها الكثير من ال�شعر الذي ن�سمعه الآن في الخالدة التي تبقى على مر التاريخ ،تلهم
اهتم الكثير من ال�شعراء بال�شكل ،فقدموا ال��ن��دوات والأم�سيات �شعر وفق ًا للقواعد، النا�س وتعلم الأمم.
لنا �أنا�شيد جميلة تطرب لها الأذن ،ولكنها ولكنه �شعر عادي ،خافت� ،شعر جميل ،ولكن ال يكفي �أن ي�شتمل ال�شعر على ما اتفق
خالية م��ن ال�����ص��ور ال��ج��دي��دة والمعاني التراكيب م�ست�أن�سة ،وال�صور الفنية تقليدية، عليه وهو الوزن والقافية ،ولكن الحم�ض
المبتكرة ،بمعنى �أدق ..خالية من الإبداع. والمعاني قيلت م��ن قبل ( )1000م��رة. النووي للأدب هو الإب��داع ،الم�شكلة لي�ست
يجب �أن نعيد تعريف ال�شعر ال��ذي (العادية ال�شعرية) قد يكون متعلق ًا َّ و�سبب ف��ي ال��ك��م ،ه��ن��اك �شاعر �أ���ص��در ع�شرات
و�ضعه قدامة ،لي�س فقط لخلوه من العن�صر بالم�ستوى المعرفي لل�شاعر نف�سه ،عندما الدواوين ،ولم يتبق منها في الذاكرة بيت
الأه��م وهو (الإب���داع) ،ولكن �أي�ض ًا لتغير ين�ش�أ تحت �آل��ة ت�ضخيم �شكل ال�شعر وهو واح��د ،و�آخ��ر كتب ق�صيدة واح��دة خلدها
معنى الق�صيدة على مر الع�صور ،وظهور (العرو�ض والقوافي) ،فيهمل الجوهر وهو التاريخ .لقد مر على التاريخ العربي �آالف
�أنماط �شعرية حديثة مثل ال�شعر الحديث �أو ال�شعر نف�سه ،وقد يتعلق الأمر ب�أ�شياء �أخرى ال�شعراء ،ولكن قلة منهم �أبدعوا وتركوا �أثراً،
التفعيلي ،الذي يتخلى �أحيان ًا عن منظومة مثل حدود الموهبة� ،أو المعرفة القا�صرة، قلة منهم بقيت �أبياتهم ترددها الأجيال
ال�شطرين ،و�أحيان ًا القافية� ،أو المنثور �أو الك�سل ال�شعري� ،أو المناخ الثقافي� ،أو حتى الآن.
ال��ذي يتخلى عن بحور الخليل بن �أحمد (متطلبات ال�سوق)� ،إن �صح التعبير� ،أو (العادية ال�شعرية) فخ يقع فيه الكثيرَّ
الفراهيدي ،ويكتفي بالمو�سيقا الداخلية، الت�سرع في الكتابة قبل الن�ضج الكافي ،وقد من ال�شعراء ،وفيها يهتم ال�شاعر بمقومات
والأنماط التي �ست�أتي في الم�ستقبل والتي يتعلق الأمر من ناحية �أخرى بالنقد الذي ال�شعر ال�شكلية ال��ت��ي تتمثل ف��ي ال��وزن
ال يعلمها �أحد. اهتم هو الآخر ،في معظم الع�صور ،بالقواعد
نحن بحاجة �إلى تعريف مفتوح جديد ال�شكلية ،كما فعل قدامة بن جعفر منذ الإبداع هو الذي يفرق بين
لل�شعر ،ال يهمل المكت�سبات التاريخية (� )1074سنة ،وتبعه العديد من النقاد.
التي حققتها الق�صيدة العربية من ناحية، الإب��داع� ،سواء كان في ال�شعر �أو فنون القول ال�س ّيار والأدب ..بين
وي�ستوعب حركات التجديد ال�شعري ،وما التعبير الأخ��رى عملية غير عادية ،تت�سم الأغاني الزاعقة والق�صائد
�أ�ضافته من �آفاق من ناحية �أخرى. وال��ج��د واالج��ت��ه��اد
ّ ب��االه��ت��م��ام وال��ع��م��ل الخالدة
ت�شابه بين �أ�شخا�ص ،و�أو�ضاع ،وممار�سات يح�سون � ّأنيعمد كثير من النا�س ،الذين ّ
و�أق���وال في ال��رواي��ة ،مع ما هو موجود في خ�صو�صية و�صدى مختلف ًا� ،إلى كتابة ّ لحياتهم
الواقع ،هو مح�ض م�صادفة ،و� ّأن ال�شخو�ص �سيما �أ�صحاب الم�صالح الذاتية؛ وال ّ ّ �سيرهم
أعد ذلك- متخيلة؛ فيما � ّ ّ والأفعال مفتر�ضة �أو ال�سيا�سية
ّ المختلفة: الحياة ميادين في والنفوذ
�شخ�صي ًا -دلي ًال على �شيء من الواقع المعي�ش، ّ واالجتماعية ...ويقومون بذلك ّ واالقت�صادية
ّ
�أو ال��م��ع��روف ف��ي ال��ع��م��ل ،ح�سب المفهوم: خ�ضمها ،وفي ّ في أو � اتهم، ؤولي
ّ � م�س بعد انتهاء
(يكاد المريب يقول خذوني!) و�س�أبتعد هنا �أواخر �أعمارهم� ،أو في �أوا�سطها ..ويكتب �أدباء
م�سوغ ًا� ،إن كان عن التقييم ،الذي ال �أجد له ّ الذاتية �أي�ض ًا .و�إذا كان الكالم ّ كثر �سيرهم
للك ّتاب نبوءاتهم الحيز ،يتناول الأدباء و�سيرهم؛ فل ّأن
وقوع هذا الت�شابه �أو عدمه مقبو ًال �أو منبوذاً؛ في هذا ّ
ور�ؤاهم ولهم ملكاتهم ل ّأن الكاتب ابن الحياة بظروفها ،و�شروطها، الآخرين يعمدون �إلى هذا الإجراء� ،أو يك ّلفون
التي تحلل وت�ستقرئ الطبيعي
ّ وك��ائ��ن��ات��ه��ا ،وط��ق��و���س��ه��ا ،وم���ن �آخ��ري��ن بكتابتها؛ �سبي ًال لتخليد �أعمالهم
مادته من هذه العنا�صر ي�ستمد ّ
ّ والمفهوم� ،أن ي�صح:
ّ ولكن ���س��ؤا ًال،
ّ و�إنجازاتهم وذك��راه��م..
وت�ستنتج �سيما ك ّتاب
و�سواها في العي�ش الواقع والمحتمل ،و� ّإن ما لماذا يقوم الأدب ��اء بذلك؟! وال ّ
يذكره الكاتب �أو يثيره عار�ض ًا �أو منتقداً �أو والم�سرحية!
ّ والق�صة ،والمقالة، ّ النثر :الرواية،
مقرظ ًا ،لي�س مجال ا ّتهام �أو �إدانة �أو محا�سبة ّ �إذا كانت جوانب عديدة ،ظ��روف� ،أ�شخا�ص،
تميز؛ من حيث �أو م�ساءلة ،وال مجال �إ�شادة �أو ّ بيئات ،وحيوات ..غالب ًا ما تتو ّزع �أعمالهم،
مو�ضوعه فح�سب� ،أو مدى تماثل ما في �سطوره وق��د قيل الكثير في ه��ذا؛ موافقة �أو رف�ض ًا؛
�أو تقاطعه �أو تعار�ضه مع الواقع ،ويجب � ّأل فهناك من يقول � ّإن الأدي��ب ،يبقى دائ��راً في
فن �أو محاولة نن�سى لحظة واحدةّ � ،أن ما نقر�ؤه ّ فلك ذاته ومحيطه ،ومعرفته المبا�شرة للنا�س
أدبي �أو ذاك ،ويفتر�ض ف ّن ّية في هذا الجن�س ال ّ الروائي
ّ تنوعت؛ و� ّإن والأحوال ،في �أعماله؛ و�إن ّ
المو�ضوعي،
ّ التقييم الجاد،
ّ �أن يتناول النقد ال�شخ�صية في روايته الأول��ى ّ يكتب تجربته
المطلوب في العمل الن�ص؛ من حيث ّ والتحليل الف ّن ّي ،ما جاء في ربما ..فيما هناك �أق��وال �أخ��رى؛ من و�سواها ّ
الإبداعي ال�صدق الداخلي ،وتوافق عنا�صره ،وجودة ّ ان�سجامه � ّأن جوانب كثيرة وكائنات و�أحداث ًا في حياة
البناء ،و�أ�ساليب القول و�أدوات ��ه ،وما يمكن أدبية؛ كما الكاتب� ،ستبقى خارج الأعمال ال ّ
الفني داخل الن�ص �أن يحمل من �أبعاد ومديات ،وما يحتمل من إبداعي ،يفر�ض نف�سه بهذا القدر �أو � ّأن الخيال ال
ّ
بال �أخطاء �إثارة �أو ت�أويل �أو �إرها�ص؛ فللك ّتاب نبوءاتهم أ�سطوري ،والخيال ّ ذاك؛ و�صو ًال �إلى الخيال ال
�أو تناق�ضات ور�ؤاهم؛ ولهم ملكاتهم ،التي تح ّلل ،وت�ستقرئ، العلمي (من المعلومّ � ،أن هناك ما يعرف ب�أدب ّ
وت�ستنتج... العلمي)؛ �إ�ضافة �إلى � ّأن �إرها�صات بما ّ الخيال
إبداعي؛ � ّأي عمل
ّ ل ا العمل في المطلوب � ّإن قد يجري في الم�ستقبل ،ال يمكن تجاوزها..
الن�ص ،وعدمّ �إب��داع� ّ�ي ،ال�صدق الف ّن ّي داخ��ل يثبت في بداية عمله وفي الوقت ذاته ،نجد من ّ
الوقوع في �أخطاء وتناق�ضات وعدم �إقناع، الأدب� ّ�ي �إ�شارة �أو مالحظة ،ت�شير �إل��ى � ّأن � ّأي
التقييمي ،والعتب واللوم والإحراجات ،التي ّ معرفية، ّ تاريخية �أوّ و� ّأل تكون هناك �إ�شكاالت
هو في غنى عنها. � ّإل �إذا كان ذلك مق�صوداً من قبل الكاتب ،ومن
إبداعي ،فيمكن ذكر كثير ّ الن�ص الّ � ّأما في الن�ص ور�صيده.. �أ�س�س بناء ّ
ال�سر ّيةّ من العورات والنزوات والممار�سات � ّأم��ا الن�صو�ص ،التي تدخل مبا�شرة في
تعرف �إليها� ،أو رويت والعلنية ،التي عرفها �أو ّ ّ الذاتية؛ فهي تتناول حياة الكاتب: ّ ال�سيرة
له ،من دون حرج ،ويمكن �أن ي�ضيف �إليها، طفولته ،ون�ش�أته ،و�شبابه ،والم�ؤ ّثرات التي
يحور فيها ما يراه منا�سب ًا ف ّن ّي ًا� ،أو �إغناء �أو ّ لعبت دوراً في تن�شئته ،والظروف ،التي �ساقته
للن�ص والفحوى� ،أو توثيق ًا للتاريخ ،و�إن كان ّ �إلى �أحداث ومهن وبيئات وم�صائر� ،أو �ساقتها
من المنطقي الحقيقي ،وغير معترف ّ للتوثيق ا
ً موازي ا ً توثيق �إليه ،وكان قد تعامل معها؛ �أ�سهمت في تربيته،
مدوناته؛ ّ تنجو الحقيقي ،الذي ال به؛ التاريخ الطبيعي � ّأن �أو �أ�سهم في م�ساراتها .وم��ن
والمتفهم �أال ين�سخ ّ ّ
هو الآخر ،من ت�أثيرات �أهواء ورغبات و�ضغوط ال�شخ�صية هذه ّ �سيركز ،ح ّتى في �سيرته ّ الكاتب
الكاتب حياته بجميع مهددات.. ومرغبات �أو ّ ّ ونفوذ وظروف أ�سا�سية ،و�سيتغافل ّ مهمة و�
على عنا�صر يراها ّ
تفا�صيلها وف�صولها ومن الم�ستحيل ت�سجيل ك ّل �شيء في الحياة ال�شخ�صية
ّ هام�شي ًا وفق ر�ؤيته ّ عما قد يكون ّ
م��ن وق��ائ��ع وم�شاعر وع��واط��ف ومواجهات والمتفهمّ � ،ألّ المنطقي من أن
ّ � كما ة؛ أدبي
ّ ل ا ال
وكائناتها ّ
ولقاءات وتوافقات وخ�صومات.. ين�سخ الكاتب حياته بجميع تفا�صيل � ّأيامها
وهنا نعود �إلى ال�س�ؤال المفتوح :ما الذي وف�صولها وكائناتها ،ولذلك ف�إ ّنه �سيتغافل
�ذك��رات��ه �أو �سيرته يغري الأدي���ب بكتابة م� ّ عن �أ�شخا�ص ،ويهمل �أحداث ًا ووقائع ال يرى
الذاتية؟! وكيف ُينظر �إليها؟! وب�� ّأي معيار؟! ّ �أ ّنها ذات قيمة �أو �أثر في حياته؛ كما �سيتج ّنب
ت�صورات النا�س �إليه ،من ّ يعتد بها فيوهل ّ الحديث عن كثير من العيوب والنواق�ص ،التي
تعد من �إنجازاته� ،أو خالل كتاباته؟! وهل ّ تعرف �إليها لدى عا�شها بنف�سه وفي نف�سه� ،أو ّ
عثراته؟! كائنات �أخرى ،وقد جرى ،ويجري كالم كثير
ولي�س المق�صود هنا تلك ال�شهادات ،التي (تجر�ؤوا) على قول ّ عن بع�ض الك ّتاب ،الذين
تتناول ظروف الكتابة ب�شكل عام� ،أو والدة ما ال يقال في العلن؛ من ع��ادات ورغبات
معين ،و�صارت �أمراً م�ألوف ًا في الن�شاطات ن�ص ّ ّ بيئية؛ فيما اقت�صر �شخ�صية �أو ّ ّ وممار�سات
والخارجي.
ّ يّ ل
ّ المح الم�ستوى على ة، أدبي
ال ّ حديث �آخرين عن الم�شرق� ،أو ما يرونه كذلك
الكاتب يواجه في بد من ت�أكيد � ّأن تدوين وهنا� -أي�ض ًا -ال ّ في حيواتهم وحيوات معاي�شين .ويظهر هنا
ال�سيرة الذاتية �سيرة للأديب ،تختلف فيما �إذا كتبها بنف�سه، ن�صه بين ،بين الذي يقوله الكاتب في ّ فرق ّ
�أو كتبها �آخ ��رون؛ من دون �أن يختلف �أمر يتن�صل؛ موارب ًا �أو مح ّق ًا من ّ إبداعي ،الذي ّ ال
حرفهاوقائع ّ النق�صان �أو التحوير �أو التغافل؛ بل يختلف واقعيته ،ويفتر�ض � ّأل يحا�سب عليه ،وبين ّ
�شوهها �أو ابت�سرها
�أو ّ الأ�سلوب ،الذي يلحق من يقوم بالكتابة .ومن الذاتية المح�سوبة ّ �سيرته في به يعترف ما
�أو �أ�ضاف �إليها الطبيعي �أن تختلف �سيرة الأدي��ب عن �سيرة ّ إبداعية �أي�ض ًا في ّ � تكون قد التي عليه، أو � له
�سواه من الذين ،يرغبون بتخليد م�سيراتهم؛ �صياغاتها ولغتها و�أ�سلوبها ،وهذا �أمر �آخر في
المدونة ذاتها ّ من دون �أن نن�سى � ّأن ال�سيرة الم�س�ألة ،تجدر الإ�شارة �إليه..
وم�شوق ًا
ّ أدبي ،يفتر�ض �أن يكون ج ّذاب ًا ن�ص � ّ ّ لكن المق�صود في المالحظة �أع�لاهّ � ،أن ّ
أدبي �أي�ض ًا؛ وقد ّ ل ا للتقييم ويخ�ضع ، ا
ً وحيوي
ّ الذاتية بوقائع ّ ال�سيرة في هنا ه يواج
الكاتب َ
يلج�أ بع�ض من غير الك ّتاب �إلى ك ّتاب؛ ليقوموا �شوهها� ،أو ابت�سرها� ،أو �أ�ضاف حرفها �أو ّ ّ
يتم هذا بعد رحيل بهذا العمل؛ كما يمكن �أن ّ �إليها ،و�أخرى تغافل عنها وتج ّنبها ،وقد يجد
�روري �أن يكون �صاحب ال�سيرة؛ وم��ن ال�����ض� ّ معنيين بهذا الذكر �أو بهذا القراء �أنف�سهم ّ بع�ض ّ
الن�ص ذا م�ستوى �أدب� ّ�ي منا�سب ،خالي ًا من ّ مغبة ّ لونه ويحم
ّ عليه، يحملون وقد الإغفال،
أهم ّيةّ � د ؤك
ّ �ي وهذا ة، اللغوي
ّ والعثرات أخطاء ال ذلك ،وهنا ال يمكن للأديب �أن يقول :ال �أق�صد،
كتابي
ّ أدبية في � ّأي عمل الأدب والمقدرة ال ّ ثم يقع �ضروري ًا ..ومن ّ ّ �أو ن�سيت� ،أو لم � َأر هذا
إبداعي.
ّ إبداعي �أو غير � ّ � أدبية بالمعنى فخ الم�ساءلة؛ ح ّتى �إن كانت � ّ في ّ
�أني�س الرافعي
حداثة الحكي في الق�صة
العربية المعا�صرة
د .يحيى عمارة
جهة ،و�إل��ى اندها�ش ذائقتها القرائية� ،إزاء ينفتح ال��ع��ال��م الق�ص�صي ل��دى الكاتب
عوالم التجريب المتمرد ،على كل ما هو ثابت المغربي �أني�س الرافعي ،على كتابة �سردية
ومكرر ،في ال�سرد الق�ص�صي العربي من جهة معا�صرة ،تنت�صر لكل جديد ،يبتغي تطوير
�أخرى. الحكي العربي ،عبر معانقة اللغة الحداثية،
لقد عرف الم�شهد الق�ص�صي المغربي ثالث التي تمتاح مكوناتها من الألفاظ المن�سية في
مراحل مختلفة ،من حيث تحديد مفهوم الحكي المعاجم العربية ومن التعابير غير المعيارية،
العربي :مرحلة الت�شبث بالكتابة الكال�سيكية التي تعمل على رفع �ش�أو اللغة �إلى مرتبة عالية
التي �أ�س�سها الرواد بعد اال�ستقالل ،من �أمثال: ال ي�ستوعبها �إال الحكي الجديد المغاير لكل
عبدالكريم غالب ،عبدالجبار ال�سحيمي ،مبارك �أ�صناف الحكي الكال�سيكي الذي كان متداو ًال
ربيع ،محمد عزيز الحبابي ،ومرحلة التجريب �سابق ًا .وي�ستنتج ق��ارئ الم�شروع الق�ص�صي
المقيد بر�ؤية الواقع في �سنوات ال�سبعينيات للكاتب هذا االنفتاح المت�شكل في رباعياته
والثمانينيات ،م��ع �أح��م��د ب��وزف��ور ،ومحمد الق�ص�صية المعنونة (متحف العاهات) ،وفي
من الجيل الأدبي ع��زال��دي��ن ال��ت��ازي ،ومحمد زف���زاف ،و�أح��م��د منها(:خ َّياط مجموعة �أخرى من محكياته نذكر
َ
الجديد الذي �أ�سهم المديني ،ومحمد برادة ،وعبد الحميد الغرباوي الهيئات ،والحيوان ال��دائ��ري) التي �أبدعها ْ
في تطوير مكونات ومحمد الهرادي ،ثم مرحلة �شعريات الحكي للحديث عن حياة الجائحة.
الق�صة العربية العربي الجديد التي �ستد�شنها مجموعة البحث ف�أني�س الرافعي من الجيل الأدبي الجديد،
�إلى جانب عدد من في الق�صة الق�صيرة بالمغرب لتخو�ض غمار الذي �أ�سهم في تطوير مكونات الق�صة العربية،
الدعوة �إلى االنتباه �إلى جديد الم�شهد الق�ص�صي �إلى جانب كل من جمال بوطيب ،وعبدال�سالم
الكتاب المغاربة المغربي ،والذي �سينتمي �إليه �أني�س الرافعي. ال��ج��ب��اري ،ومحمد ال��ع��ت��رو���س ،وعبدالقادر
وت��ق��وم الق�صة ل��دى الكاتب المغربي على ال��ط��اه��ري ،وح�سن �إغ�ل�ان ،وع��ل��ي �أزح���اف،
معالجة مو�ضوعات العالم الق�ص�صي ب َن َف ٍ�س والح�سان بنمونة ،ولطيفة ب��اق��ا ،وفاطمة
فل�سفي وجمالي ،ومعرفي يقترب من تداخل ب��وزي��ان ،وفاتحة مر�شيد ...كما �شارك في
الكتابة ال�سردية بباقي الكتابات المنفتحة على �سنوات الت�سعينيات ،من القرن الع�شرين في
ال�شعري ،والعجائبي ،والأ�سطوري ،والملحمي، ت�أ�سي�س كل من جماعتي (الغا�ضبون الجدد)،
والتخييلي ،ثم على لغة حكائية ُم َر َّكبة تتركب و(الكوليزيوم الق�ص�صي) ،كما هو متداول في
من القول المغمور ،والأ�سلوب المخترق للتداول �سيرته الإبداعية ،ومعنى الغ�ضب هنا يقترب
الحكائي الم�ألوف؛ ومن ت�شكل لغوي متعدد، معرفي ًا وجمالي ًا ،من عدم الر�ضى عما كان
وذلك لي�س في جملة واحدة �أو جملتين فح�سب، �سائداً من تجارب �سردية مغربية ،لم تكن
بل في كل المتن الق�ص�صي ،بدءاً من العنوان، ُت ْح ِ�سن الإن�صات �إل��ى تجربة الجيل الجديد،
م��روراً بالحبكة ،وو�صو ًال عند الن�سق اللغوي المنتمي �إليهم �صاحب المجموعة الق�ص�صية
الذي ي�صاغ به الن�ص الق�ص�صي. (�أري��ج الب�ستان في ت�صاريف العميان) من
محور اال�ستك�شاف والتنب�ؤ والإمتاع والتفاعل ومن النماذج الق�ص�صية التي تت�أ�س�س على
والده�شة .و ُت َم ِّثل مجموعته الق�ص�صية (�أريج ه��ذه الخ�صائ�ص ،نجد مجموعته الم�شهورة
الب�ستان في ت�صاريف العميان) �أنموذج ًا لهذين (م�صحة الدمى) ،الم�شيدة بالجمع بين الحكي
النوعين ،ونكتفي بالإ�شارة �إليهما ق�صد البحث والفوتوغرافيا ،بين الرمزي والواقعي ،بين
والدرا�سة ،لأن المقام ال ي�سمح بالتف�صيل. التاريخي والعجائبي ،بين ال�شعري والنثري،
�إن الكاتب المغربي في م�شروعه الق�ص�صي بين الحكائي والت�شكيلي .كلها بنيات حداثية
تقوم الق�صة ال��ح��داث��ي ،ي�سعى �إل��ى جعل الق�صة العربية تجريبية جعلت المجموعة تقترب من ال�شعريات
لديه على معالجة ذات ر�ؤي��ة م��زدوج��ة ،تعتمد في عمقها على المعا�صرة ،التي عرفها الم�شهد العربي م�شرق ًا
مو�ضوعات العالم بعدين رئي�سين :البعد الخ�صو�صي للمرجعية ومغرب ًا ،وه��و الم�شهد ال��ذي عبر عنه �إدوارد
الق�ص�صي ب َن َف�س ال�سردية المحلية ،والبعد الكوني لتوظيف تلك ال��خ��راط ،ف��ي حديثه ع��ن مفهوم الح�سا�سية
فل�سفي جمالي المرجعية .حيث ي�ؤكد ذلك قائ ًال في مقدمة الجديدة في ارتباطها بالحداثة قائ ًال ( :الحداثي
(الب ْر�شمان)( :لقد علمتني ال�سياحة كتابه ُ هو ،من بين نتاجات الح�سا�سية الجديدة ،ما
ومعرفي في النظائر الكونية العليا لل�سرد� ،أن لكل يظل متمرداً ،داح�ض ًا ،هام�شي ًا ،ومقلق ًا ،ي�سعى
كاتب لعبته الخا�صة والأث��ي��رة ،التي ينهل م�ستع�ص بطبيعته على ٍ �إل��ى «ن��ظ��ام» قيمي
منها لي�شيد الجانب التقنوي لن�صه ،وفي هذا لبه نواة هدمه وتدميره، التحقق ،لأنه يحمل في ِّ
ال�سياق ،يكفي �أن �أ�سوق «الدمى الرو�سية» عند من �أجل �سعي م�ستمر �إلى قيم (جمالية ،وثقافية،
كا�ساري�س ،و«�أوراق الكوت�شينة» عند كالفينو، واجتماعية) متجددة ،دائمة التجدد ،ولي�ست-
و«الكلمات المتقاطعة» عند بيريك ،و«مربعات فقط -جديدة) .بهذا المعنى الجمالي ،يتعامل
الحجلة» عند كورتزار ،و«البازل» عند بوتزاتي، �أني�س الرافعي مع مفهوم الق�صة الجديدة،
مرجعيته جديدة و«الأرابي�سك» عند لوفكرافت ،و«المتاهات» لت�صبح ذات المبدع من�شغلة بتقديم �س�ؤال
عند بورخي�س ...وها �أنذا بدوري �أطرح «لعبتي الحداثة في التجربة ال�سردية ،حيث تحيا ذاته
تنطلق من تراكم الخا�صة والأث��ي��رة» ذات الطابع المغربي قلق ًا وجودي ًا يع�شق مغامرة التجريب ،ال�ساعي
متعدد وتقوم على ال�صرف :فلكم وا�سع «البر�شمان»). �إل��ى تطور تلك ال ��ذات ،انطالق ًا م��ن الغو�ص
تقنيات لم ي�سبق �أن �إن التجربة الق�ص�صية لدى �أني�س الرافعي، في الداخل ،ال التعلق بالظاهر ،ومن م�ؤان�سة
ا�ستلهمها في ق�ص�صه ال تقدم عالمها �إال �إذا تيقن �صاحبها ب�أن لديه ا�ست�شرافية للحكي الغريب ال��ذي يقدم خدمة
ال�سابقة جديداً ي�أتلف مع ال�سابق ،في الحفاظ على جمالية للغة العربية ،والتي تتجلى في ك�شف
الن�سق الحداثي القائم على مكونات ن�صية، المخبوء ،والم�ستور ،والمهم�ش داخل الل�سان
تعزز م�شروع الكاتب المتفرد وتختلف عنه العربي لتقول لنا �إن اللغة العربية ت�ستطيع �أن
في الوقت نف�سه ،بالإتيان بهند�سة حكائية، ترقى �إلى م�صاف اللغات الإبداعية العالمية،
تعتمد على مرجعية جديدة تنطلق من تراكم �إذا وج��دت مبدع ًا موهوب ًا يقوم بحفريات
مرجعي متعدد ،وتقوم على تقنيات لم ي�سبق جديدة تنطلق من �شعار البحث عن الجماليات
�أن ا�ستلهمها في ق�ص�صه ال�سابقة� ،إنها عملية الباطنية في الأن�ساق اللغوية ،والعمل على
الكتابة بالتجريب التخييلي المغامر ،الذي ن�سج عالم حداثي مغاير يراعي �شروط الكتابة
تعامل مع مفهوم ال يقف عند زاوية من الزوايا ليكرر التجربة الجديدة ،التي �أ�صبحت الآن تعتمد على تداخل
الق�صة الجديدة �أو الر�ؤية ،بل لي�ستمر في قول المختلف لكي الأجنا�س والمعارف والت�صورات والعلوم،
ي�ستمر مختبر الكتابة وال ي�سقط الحكي في وت�سعى �إلى خيبة انتظار �أفق القارئ ،كما ت�ؤكد
لت�صبح ذات المبدع
المبتذل ،ليبقى ا�سم ًا بارزاً من الأ�سماء العربية ذلك نظرية جمالية التلقي� ،إذ الكاتب في كل
من�شغلة بتقديم التي تمكنت من َط� ْ�رق ه��ذه الجماليات بكل مجموعة ق�ص�صية يقدم عالم ًا جديداً وال يقف
�س�ؤال الحداثة في ثقة المبدع المتجدد ،وثبات الكاتب المتمرد، عند مو�ضوعة واحدة في العالم الق�ص�صي ،مع
التجربة ال�سردية الم َجرب� ،إن �صح التعبير،
(الح ّكاء) ُ
ومغامرة َ االعتماد على ر�ؤية تداخل الكتابة الق�ص�صية
الذي يق�ص عجائب الحكي وغرائبه في كتبه/ تارة بالفل�سفة والفكر ،وتارة �أخرى بالت�صوير
ق�ص�صه؛ لكي يقدم للأدب العربي وقارئه متعة والت�شكيل .فمن الأنواع الق�ص�صية الجديدة التي
الت�شويق والحفر وال�سفر في ال�س�ؤال ،الأمر الذي �أبدعها كاتبنا ما �أ�سميه (الق�صة الفل�سفية) ،ذات
جعله يح�صل ع��دة جوائز ،من بينها جائزة ال�س�ؤال الوجودي والمعرفي والنف�سي ،ثم (الق�صة
(غوتنبيرغ) الدولية للكتاب ،فرع اللغة العربية. الت�شكيلية) ،التي تجعل اللوحة الفنية ب�ؤرة
يحمل في م�ضمون
�أعماله �شجون
الإن�سان عموم ًا
العا�صمة الجزائر
كفرد متخلف غير �سوي ،يختار في حياته وتقدمه ٍ العربي ب�صورته وواقعه الحقيقيين ،كان دائم ًا
دائم ًا ذلك العي�ش الم�ضاد للطبيعة الإن�سانية في �صميم وجدانه وتفاعله وواجبه.
في ردات فعل عنيفة ،وهي موا�ضيع لم تعالج وق��د حاولنا �ضمن جملة م��ن التداعيات،
كتاباته تلقى القبول عربي ًا بال�شكل الإبداعي ال�سليم ،الذي يفتر�ض فيه ال��ع��ودة �أو ًال بالرجل �إل��ى التن�شئة الع�سكرية
في الغرب وال تتوافر االجتهاد الفاعل ،القريب من لغة البهاء والروح ال�صارمة ،التي كونته وعا�شها �ضابط ًا في الجي�ش
لدى القارئ العربي ال�شفافة ،المتطلعة �إلى ال�سمو والغد الم�شرق ،مثل الجزائري ،لأكثر من ثالثين �سنة ،وما منحته من
كل �شعوب العوالم ال�سعيدة الأخرى. �أفكار وتوجهات ،عبر عنها ب�شتى الأ�ساليب في
�إن «يا�سمينة خ�ضرا» هو واحد من الأ�سماء �أعماله ،التي تجاوزت الأربعين منجزاً (روائي ًا)
الأدب��ي��ة المنا�ضلة ال��ت��ي تتعر�ض ل��ح��روب ال ناجح ًا ،الحظنا �أنه لم تكن لديه رغبة بالحديث
متناهية �ضمن حلقات التخويف ،ال��ذي يزداد عنها ب�شكل مبا�شر ،لأن جملة م��ن الأق��ف��ال
تراكم ًا مع �أمثاله ،الذين هم بحاجة ما�سة �إلى والمفاتيح وربما الأ�سرار ،تظل تكتنفها ،ولكنه
تحولت معظم �سند يفتقدونه بدون �شك ،في هذه المرحلة من حاول التطرق �إليها ب�أ�شكال مح�ض �إبداعية ،لها
رواياته �إلى �أعمال الداخل العربي ،وخا�صة الإبداعي منه ،بدل ذلك تفا�سير حياتية عامة ،ومن غير المرغوب في
م�سرحية و�سينمائية المعاك�س ،الذي ينغم�س في المعارك الهام�شية التوجه �إليها بال�شكل التلقائي الوا�ضح والمبا�شر،
المتناق�ضة مع الأ�سف. الذي تحيطه المحاذير ،وربما الأ�سرار.
وعن ا�ستماتته الالفتة في الدفاع عن حرفة كما تطرقنا معه بعدها �إل��ى بع�ض الأدب
الأدب كفعل موثوق ،فهو يدعو دائم ًا� ،إلى نه�ضة واجبات وطنية وقومية ٍ المهاجر ،ال��ذي ي ��ؤدي
�أدبية من�صفة وفاعلة في توجهاتها ،وبالأخ�ص الفتتين ،غير ذل��ك ال��ذي يقدم ال�صور النمطية
في هذا الع�صر الروائي العربي ال�شئيمة عن داخلنا العربي ،ال��ذي ال ي�سر كما
المنتع�ش ..ولم ين�س التطرق �إلى نعلم ،فقال ب�أن تلك �أكثر من تطرق �إليها ،وبالغ
تلك الأمنية �أو ذلك الحلم ،الذي في ت�شويه واقعها ،و�صورتها هي الأقالم العربية
ظل يراوده مغترب ًا ,بقي فقط �أن المتخاذلة مع الأ���س��ف ،والمنطلقة من الداخل
نذكر ب�أن يا�سمينة خ�ضرا هو م�سلمات يتهم الجميعٍ على الغالب ،حتى غدت
وري��ث �أدب��اء الحركة الوطنية في �إث��ارت��ه��ا ،لذلك فهو يرجو ال��ق��ارئ العربي
الجزائرية ،الذين توجهوا ذات االقتراب �أكثر من الأق�لام الجادة والمخل�صة،
ي��وم �إل��ى الم�ستعمر الفرن�سي للتحقق مما نقدم ك�سفراء حقيقيين في الخارج
بلغته (الفرن�سية) حتى تكون لأوطاننا ،ولهمومها وذلك ما يحدث فع ًال لدى
مولود فرعون محمد ديب ر�سالتهم وا�ضحة مثل مولود القارئ الغربي ،المتفهم والم�ساند لنا �إعالمي ًا في
فرعون ،وكاتب يا�سين ،ومالك م�ساحاته ومنابره.
ح ��داد ،ومحمد دي��ب ،ومولود لقد حاول «يا�سمينة خ�ضرا» ذلك و�أبرزه في
معمري ،وغيرهم ،ممن قادوا جميع �أعماله تقريب ًا ،لتفادي المنزلقات الظالمة،
ن�ضال الكلمة والإب ��داع� ،سواء التي ال تتوقف ع��ن ال�شحن المجانب للواقع
م��ن العمق ال��ج��زائ��ري وتركوا وحقائقه ،لل�سمو دائم ًا بالقراءات المدافعة عن
�إرث ًا غني ًا في الأدب الفرن�سي، الهوية (المظلومة) ،لذلك هو يعي�ش يومي ًا معارك
وم��ن ح�سن الحظ �أن الإخ��وة معروف مع المتخاذلين ومع ٍ ال نهاية لها ،كقلم
العرب ،قد اقتربوا منه كثيراً، الم�ؤ�س�سات واللوبيات ،التي ال هموم لديها �سوى
وترجموه حب ًا وتعلق ًا. و�ضع الإن�سان العربي في ت�شكيلة من ال�صور،
من م�ؤلفاته
ّ
الـخـلق تـوقنـا
�إلى ال�سعادة الثقافية د .حاتم الفطنا�سي
والو ُجود وال�سيا�سة والأخالق ،ب ْل الحقيق ِة ُ ال�س ْعد)، بال�س ْع ِد؟ بلى( ،م� ْ�ن ُحرِمها ُح�رِم ّ ّ نتذكر � ّأن ِحكمة بكِ ،ف ْع ًال� ،أن ّ كم ُهو ُم ْر ٌ ْ
بر ّم ِت ِه.
وح ْكم ُة الخلق ُ الغايات ِ ِ �إ ّنها غاي ُة يق�ص ُدون بها ح�سن هكذا ق��ال ال ُقدامىِ ، �اء المعنى على ُ � �ف � �ض � ْ إ� � �ي � ه ال� ُ�وج��ود �إ ّن��م��ا
ال�سعادة، ال�سعاد ِة لي�ست ف��ي ّ قيم ُة ّ العام والتو ُّفق في ّ وت�صريف ال�ش�أنِ القيادة ْ الجمعي ِةّ �شخ�صي ِتنا ّ كم ُهو جار ٌِح ِل الموجودْ . ُ
الطريق �إليها؛ فطريق ُة ال ّنظر �إلى بل في ّ الحاجات وق�ضا ِء الم�صا ِلح وتحقيقِ ِ توفير �درن��ا ،ح�ضار ًة ُ � ق �س � � �
أ ْ � �ي
� ال أن
ّ � � � ب ع ن ِ ت ق
ْ �أن ن
فهي ال�سعادة ذات��ه��اْ ، ِ أه��م من ّ ال�سعاد ِة � ُّ ّ ال�سعادة للمواطنين. ِ ّ وم ْ�ستقب ًال. وتاريخ ًا ،ما�ضي ًا وحا�ضراً ُ ِ
للرغبة فيها ،للفعل، ّ ز
ٍ ف ِّ مح د
ُ مجر
ّ ٍ
كمقولة رئي�س ِم ْحور ٌِّي �إلي ِه ٌ هدف ٌ ال�سعادة � ّإن ّ رهينُ ودنا وج قا�س � ْأن ُن ْ�ؤ ِمن ب� ّأن ُ كم ُهو ٍ ْ
الفيل�سوف �أندريه ُ ردة الفعل .هكذا ي�شترط ِل ّ دةالفرعي ِة من ج� ْ�و ٍ ّ جميع الأه ��داف ُ ترتد
ُّ ت�سيي ِر د ّف ِت ِه ْ في م
ُ ك
ّ نتح ال تاريخ
ٍ ة ِ حرك
ك��ون��ت �سبونفيل (ف��ي ترجمة ل�صديقنا للرفاه ّ وتحقيقٍ ِ
للحاجات ٍ
ِية ب ل
ْ وت ة ِ للحيا ر�س ِم ْ �ي � ف وال ، هِ ِ
ت �صل بو
ْ هِ توجي وال ف��ي
�شرط االقتدار ،في الدكتور المعز الوهايبي)ْ ، أهداف مع لل ِ مج ٌ إن�ساني ِة الإن�سان ،وهي ْ ّ ول دافهِ وو�ض ِع � ْأه ِ خارِط ِت ِه وال في �صناعة �آلته ْ
ِ ِ ِ
لب ال�سعادة. مط ِ ْ الدول ّ ل�سيا�سات مى أ�س
ْ ل ا الهدف بل �سفة، ل
وف ْ الحتمي ُة
ّ رددين �إ ّنها �صاغرين ُم ِّ ِ وغاي ِت ِه،
ال�سعاد ُة مطلب ًا يتح ّق ُق �إ ّال ّ تكون ولن
ْ جرد في ُك ّل المجاالت ،فال�سعاد ُة لي�ست ُم ّ آخر) الأقوى ي�صنعها (ال ُ ُ الميتافيزيقي ُة التي ّ
امل ِة ،ولن يت�أ ّتى ال�ش ِ
وبالر�ؤي ِة ّ ّ خطيط بال ّت إن�سان، رغبة ،بل هي ُمهِ ّم ٌة ي�ضط ِل ُع بها ال ُ ٍ ال�س ْي ُر ّ ال
ّ �
إ (المغلوب)، لنا منا�ص الغا ِل ُب ،فال
تغي ٍر للم�ستقبلّ � ،أي حينٍ ُم ّ بت�ص ُّورٍ ُم ّ ذلك �إ ّال ُّ كونه �إن�سان ًا. ِ
حقيق بِها م��ن جهة ْ ِ ٌ وه��و أفلي�س لت�صوراتهْ � . ِ ِ ُّ �ان نهجِ ِه والإ ْذع � ُ على ْ
راجْ ِ ِ
د ن واال بانتظاره ال الم�ستقبل، ب�صناعة الحقّ � ،أي ِّ هذا م�ستوى في يكون أن � وعليه المغلوب ُمولع ًا� ،أب��داً ،باال ْق ِتدا ِء بالغالب، ُ
ال�شباب ولن يت�س ّنى ذلك �إ ّال بم�شاركة ّ فيهْ ، عليه �أن يكون ق��ا ِدراً على �أن ينه�ض بهذا لا!، على ح� ّ�د عبارة اب��ن خ��ل��دون؟ بلى! ك� ّ
الحي ِة في المجتمع ،بم�شاركة وك ّل ال ُقوى ّ ُ الواجب عليه �أن ُي ْقبِل على ِ الحق .بل من ّ نتق�ص ُد ُه ،دالل ًة على التم ُّزقِ الذي ّ باك ْار ِت ٌ
المبدعين والمث ّقفينُ .مهِ ّم ُة الإن�سان هي الحق ح ّتى ي�ستكمل ُ�صورة ِّ هو�ض بهذا ال ّن ِ الحرج بل ِ تابنا ،ف� ْ�رداً وجماع ًة ،وعلى ي ْن ُ
ن�شهد ُه ،اليوم، ُ وه��و ما ِ�صناع ُة ال ّتاريخ ْ الإن�سان فيه .ومعنى ذلك �أ ّن ُه ح ّتى �إذا كانت العربي ُك ّلما �أراد ُّ ه ر
ْ ْ ُُ ع ِ ت�ش ي�س �ذي � ال ز ِ العج
ْ
في بع�ض الخطابات انتقا ًال �إلى المرحل ِة يتعي ُن على غب فيه ،ف�إ ّن ُه ّ نر ُ ال�سعاد ُة هي ما ْ ّ حالالحا�ضر .هذه ِهي ُ ِ وتجاوز
ُ راف ت�ش
ْ اال�س
ْ
يتحا�ضن فيه العم ِل ُّي ُ مجتمع
ٍ العملي ِة� ،إلى ّ ثمة ّ ن ِ
وم غبة. الر
ّ بهذه ي�ضطلع أن � إن�سانِ ال ومات، وح ُك ٍ ُ ا
ً وب ع ُ �ش ُ م، اليو
ْ ، العرب
ِ من كثير
معنى ْ فال . م
ِ ي ِ
ق ال مجتمع إلى � ، أخالقي
ُّ وال حق ،و�إ ّنها لكذلك، جرد ٍّ ال�سعاد ُة ُم ّ تكون ّ ُ ال وج ْم ُهوراً. ُنخب ًا ُ
لم ُت ْفهم فل�سف ُته ْ ما اريخ، ت
ّ ال في ِ، ز ج نللم ُْ تكون كذلك واجِ ب ًا .بذلك يتجاو ُز ُ ها ن ّ ولك الظالم. ّ في �ض ٌ ُ ُ وم ِ ي ثناء ت ِ ا�س
ك ّال ّ ْ ة ثم !،
وم�ضامي ُن ُه ودواعيه. ِ (ال�سعادة) حالة رغ ِد العي�شِ ،لي ْغ ُدو ُ ّ مفهوم ثمة ُمقارب ٌة �أخرى نمط �آخر يت�ش ّك ُلّ ، ثمة ٌ ّ
ُي��� ْ��ص��ن� ُ�ع ال� ُ�م����ْ�س��ت� ْق��ب� ُ�ل ب��ال� ُ�م��ؤ� ّ��س�����س��ات اال�ستراتيجيات ّ ن م ِ ة ً و�شبك ا
ً ه وتوج
ُّ ف ْل�سف ًة ت�صورٍ ُّ في إليها، � نتوق والم�ستقبل ر ِ للحا�ضِ
بالطموح، ّ الخيرة، ّ وبال�شباب ،ب ��الإرادة ّ ح�شدٍ ِ
ت�صوراً و�سيع ًا جامع ًا ل ْ المت ّنوعة ،لي ْغ ُدو ُّ ِ فعا ًال، العربي ع ْق ًال ّ عل الع ْقل يج ُ جدي ٍدْ ،
ّ
بالعمل ،باالبتكار ،بال ّتخطيط ،بالإنتاج، ات والغائي ِ ّ ة، المادي
ّ ِ
إنجازات الر�ؤى وال ِمن ُّ ي�سعى يجع ُل ُه ع ْق ًال خ ّالق ًاْ ، نيراًْ ... ُم ْب ِدع ًاّ ،
بالمكتبات وبالت�شجيع ِ بال ّتجارة ،بال ّثقافة، تتخطى ّ الملمو�س ِة والمح�سو�س ِة ا ّل��ت��ي بمنظومة ِمن ٍ البراغماتي ِة
ّ ي�ض تروِ ِ �إل��ى ْ
ب��ال��ر�ؤي��ة ّ ع��ل��ى ال���ق���راءة وال ��م ��ع ��رف ��ة... الفل�سفي
ّ يا�سي� ،إلى الخطاب ال�س ّ الخطاب ّ ِ أفلم
الفهم نف�سهْ � . يجد ُد ْ ال ِقي ِم ال ّنبيل ِة ،بل ِّ
بالح ْل ِم
ُ ِ
والعملية،
ّ مي ِة
اال�ستراتيجية ال ِع ْل ّ ّ تطال هواجِ �س ُ وم ْنه �إلى خطابات �أخ��رى ِ ا�سُ ،من ُذ القديم ،ح�سن القيادة ي ْقرن ال ّن ُ
ت�صور ا�ستراتيجي ّ والتحديث والتجديد� ،ضمن ال�سعادة بال�س ْعي �إلى ّ نع ال ّتاريخ ّ وال ّت ْوقِ ُ ،ي ْ�ص ُ
يهدف �إلى �صناعة ال ّثقاف ِة و�صناعة الم�ستقبل نف�سي ًة،
ّ وراحة الء
ً ِ
ت ام ، ا ً منيع ا ً ييظل ِ ّ
ع�ص هدف ًا ُّ
إن�سانية.
ّ في مجال الآداب والعلوم ال يجتمع فيها ُ مجمع ًا لل ِقي ِم، ال�سعاد ُة ْ تكون ّ بذلك ُ
حداثي ٍّ م�شروع ٍ يتوق المثقف العربي �إلى �سام ُح والوطني ُة وال ّت ُ ّ ال�صعاب ومغالب ُة ّ ال�ص ْب ُر ُ ّ
العربية ّ ويةاله ّ تنويري �شامل ،ا ْن ِدقاق ًا في ُ ٍّ الم�صلحة ِ ّ أجل � ن ِ
م والتفاني والعلم العمل ب ُ ُّ وح
ال�سعادة حق للب�شر ِ
إيجابية ّ ل ا بعنا�صرها ا ز
ً �زا � ت � واع
ْ ة، إ�سالمي
ّ ال وتتجاور فيها الأ�صال ُة والحداث ُة، ُ ة، العام
ّ
وواجب ويتجاوز ٍ
منظومة الكونية والحداثة ،في ِ
كنف وتوق ًا �إلى ال�ض ْو ِء ةُ ر ه ب ها ن �
إ آخر)... ل وا أنا، ل (ا فيها يتعاي�ش
ُ
ّ ْ ّ ّ ُْ
مفهومها في بع�ض �سام ُح ُ ت
ّ وال ة ُ الو�سطي
ّ ارّ ُ �دو � ال ها ور
ْ ُ ح مِ ة، قيمي
ّ واعداً ُم ْقت ِدراً في العتمة! بها ن ُق ُّد الكائن بهي ًا ِ
الأحيان رغد العي�ش واالع ِت ُ
دال. ْ واالنفتاح
ُ وقبول الآخر ُ وال�س ْلم ِ التحج ِر �أو ُّ طرف �أو واعي ًا ،ال مجال لل ّت ُّ مرِن ًا ِ
على ه��ذا ال ّنحو ،يكون مفهوم الثقافة ال�شوفيني ِة في م ُقوال ِت ِه البانية. ّ وغمائي ِة �أو
ّ الد
ّ
لا ،ي��ت��ج��اوز تعريفها ال��ذي م��ف��ه��وم� ًا ���ش��ام� ً عملت بع�ض المجتمعات ونحلم لقد ِ
الذهني
ّ ي ْق ِ�ص ُرها على تلك الأنماط من ال ّن�شاط �أن نكون مثلها ،منذ �سنوات ،على �صياغة
ت�صورٍ ُّ المجردة� ،إل��ى ّ الرمزية
ّ والإن��ت��اج��ات ح�ضاري را ِئ ٍد حا ِل ٍم، ّ مجتمعي
ّ ثقافي
ّ م�شروع
ٍ
� ْأو���س��ع يجمع بين النظري والعملي في �آن، لكن ال ّأيام والوقائع ّ ،اً ي
ّ وباوِ طُ بع�ضهم تبره
ْاع ُ
ويرتبط بوجهين م ّت ِ�صلين ال ينف�صالن� ،أق�صد إنجازية، ّ وقابليت ُه ال ّ واقعيت ُه ّ والمنجزاتّ � ،أكدت ُ
والكونية .وعلى هذا ال ّنحو تغدو ّ الخ�صو�صية
ّ قو ِة الإرادة والت�صميم وتحيين الأهداف، ّ بف�ضل
ي�ش ّد كا ّفة القطاعات بع�ضها �إلى بع�ض، ن�سيج ًا ُ �ض ركائ ِز بع ُ والفن والإبداعْ ، ّ بال ّثقافة والفكر
مهمة الإن�سان المبدع الفرد، ُ كيان عن عبير ت
ويتجاوز ُ ّ ّ
ال دجر م تتج�سم في ّ هذا الم�شروع ،بل ُع ْمدت ُه الأ�سا�س
�صناعة التاريخ وهو �أو ُم��ج� ّ�رد تظهير عقله ووج��دان��ه ومجاالت الثقافية وم� ّؤ�س�سات ال ّن�شر والمج ّال ِت ّ المنابِر
ما ن�شهده اليوم في ال ّتخييل لديه لترتقي �إل��ى مرتبة الم�شروع ؤولية
للحرية والم�س� ّ ّ والمالحق ،لت�صبح ُك ًوى
أ�سا�سية ل�شعب ّ لل�شخ�صية الّ ال�صا ِنع الجماعي ّ ّ والج�سار ِة الإب��داع� ّ�ي��ة ،وتكون ُنقطة � ٍ
إ�شعاع
بع�ض الخطابات حولها وفيها جِ ّل ًة من
�ض ُ ُ ف وير كان بما نع ق
ْ ي ال ح�ضارة، �أو � ّأمة �أو لتجمع ْ ّ و�ضاء ًة، وب ْهر ًة ّ ُ
المغلقة ،يربط بين لحظات ال ّتاريخ الأزمنة ُ أكاديميين ّ ل وا رين ك
ّ والمف والمبدعين فين ق ّ المث
بي ْ�س ٍر و�سهولة ومرونة ويتحرك بين ِحقبِه ُ ّ العربية ،من الم�شرق والمغرب، ّ من �ش ّتى البالد
ِ
تجعل الإب��داع ي�ستلهم الما�ضي وي�ستح�ضر ْ �شرطٍ قيد وال ْ ٍ حرية التعبير من ُدون ْ لهم ّ و ُتتيح ُ
ويوظ ُفه ،كفع ِله مع الحا�ضر، بع�ض رم��وزه ُ طوقٍ ويتوقون �إلى ّ ْ ل ك من ون قُ أب � ي ، ٍ
الءات وال � ْإم
ين�شد �إليه من حيث هو يتوق �إلى زمنٍ �آخر ،وقد ُّ الق�صية.ّ الرحب ِة الآفاقِ ّ
في�سهم في ُ أخرى � ب أو � بطريقة، الم�ستقبل يعي�ش الوجود في الوجود في الأذه��ان� ،إلى ُ من ُ
وتدب ٍر واقتدار. بوع ٍي ُّ �صناعته ْ الم�شاريع ،فتنجح ُ تتج�سم
ّ الأعيانُ ،يمكن �أن
ا�ستناداً �إلى هذا الفهمُ ،ي�صبِح الفعل في وتتميز وت�سهم في تنمية الإن�سان� ،سبي ًال من ّ
نظ ُر (للثقافة عالم ُي ِّ ٍ الكونية ،في ّ ف�ضاءات ُ�سبل ال�سعادة.
الم�ستقبل ي�صنع
ثقافي ًا ّ تحدي ًا ال��واح��دة) ،و(ال ّنمط ال��واح��د)ّ ، في هذه اللحظات الع�صيب ِة من تاريخ � ّأمتنا،
بالإرادة الخيرة.. عو ٍلم وح�ضاري ًا ناجِ م ًا عن انت�شار ٍ نفو�س المث ّقفين العرب اليوم �إلى قيام ته ُفو
ثقافي ُم ّْ نمط ّ ُ
بالطموح واالبتكار ال�شعوب في كيانها ،بل في وجودها هدد ّ ُي ّ حا�ضنة� ،إلى ُم� ّؤ�س�سات كبرى، ِ منابر خ ّالقة
والت�شجيع على �أ�ص ًال. وق �إلى بنائها ،كمراكز الإعمار ،والمتاحف ن ُت ُ
المعرفة م�صيري ،ال �سبيل �إلى ُمغالبته ّ تحد
�إ ّن��ه ٍّ ودور الم�سرح ،ومراكز التكنولوجيا ...نح ُلم
إيجابي مع ّ �إ ّال باالعتزاز بالذات وال ّتفاعل ال بـ�إن�شاء مراكز ل�صناعة الم�ستقبل ،في الآداب
بد من ّ ال بل تغيرات، يج ُد في العالم من ُم ِّ ما ِّ بمهمةّ والفنون ،والعلوم الإن�سانية ،تنه�ض
المبادرة والفعل الخ ّالق. ُ للت�صورات ّ التخطيط وت��ك��ون ق � ّ�وة اق��ت��راح
تتر�سخ دولة ّ وبذلك الم�ستقبل ن�صنع بذلك والمقاربات الجديدة ،وتعمل في الم�ستوى
دح مو�سيقاها. وت�ص ُ ال�سعادة ،وتتعالى رايا ُتها ْ ّ التطبيقي على �إن�شاء الور�شات ورعاية التجريب
مدحة عــكـــا�ش
عميد الثقافة في �سوريا
أولئك ِ
العربية يعو ُد �إل��ى � َ ِ
ال�صحافة أكبر الف�ضل في لعلَّ � َ
العلم
وجدوا في ن�شر ِ ِ
المطبوعةُّ ، ِ
الكلمة الذين ع�شقوا ر�سالة
العربي الكبير ،وكانوا بحقٍّ
ِّ والمعرفة بين �أ�صقاع الوطنِ ِ
حين
وفر�سان القلم َ
َ ق��اد َة الفكر،
وعوا و�أدركوا دو َر ال�صحافة
ر�صد الأحداث مفيد فهد نبزو المهم في ِ
الكبرى ال��ت��ي م��� َّرتْ بها �أمتنا ،فقاموا
ٍ
�صفحات ي�ضيء
َ من �ش� ِ
أنه � ْأن بت�أريخ ِكلِّ ما ْ
ِ
المجيد ،لتظلَّ �إرث ًا من تاريخنا ً
نا�صعة ْ
المنورين
َ العديد من
َ أنجبت خالد ًا ل ٍ
أمة � ْ
المبدعين ،وف��ي �أكثر من َ والمفكرين
َ
م�ضما ٍر وميدانٍ ،وعلى �أكثر من �صعيد.
الدور إغفال َّ يمكن � ُ ُ �شك فيه �أن ُه ال ومما ال َّ
المهم الذي لعبت ُه (الثقافة) مجلة ً و�صحيفة
منذ ُعام (1958م) في �إغنا ِء ال�صحاف ِة العربي ِة
الثقافي ِة ،من خاللِ ا�ستقطابها �أع��داداً كبيرة
وت�شجيعهم وتقوي ِم ْ ِ
والمبدعات، المبدعين
َ من
لديهم ،والأخ���ذ ب�أيديهم ،وه��م في طو ِر ِ ْ ما
قادرين على َ ي�صبحوا حتى فتتبناهم
ْ ، ِ
البدايات
نديم محمد كوليت خوري عمر �أبو ري�شة ف�ضاءات الفكر والثقاف ِة، ِ الطيران والتحليقِ في
�داع ،ومن �أجلِ مواكب ِة الأجيالِ أدب والإب� ِ وال ِ
الح�ضاري ،وهذا ِّ الفكري والتطو ِر ِّ التقدم
ِ لركب
ِ
وا�سعة في زمنٍ لم يكن ٍ بالطبع كان ذا � ٍ
أهمية ِ
�سحة من ُف ٍ ْ ر
ِ المفك ِ
الباحث أو � المبدع
ِ للكاتب
ِ
المفكرين َ مع غير ِه من من خاللها َ يتفاعل ْ ُ
تخ�ضع ُ والمبدعين ،وك��ان� ْ�ت عملي ُة الن�شر َ
إلكتروني ِّ ل ا ر ِ الن�ش ر
ِ ع�ص قبل
َ ٍ
عديدة ٍ
العتبارات
للجميع بدونِ ا�ستثنا ٍء ،وبدونِ انتقاء ِ المفتوح
ِ
القمح م� َ�ن ال ��ز�ؤانِ ، ِ �أو تمييز ،وب��دون ِ غربل ِة
ت�صحيح اللحنِ واخت�صا ِر الح�شو ،وتقدي ِم ِ �أو
من م�ؤلفاته العادي ،واختيار الدقيق ِّ ِ
ألوف � الم على ز ِ الممي
أكبر الأ�سماء قلتَّ � :إن � َ عجب �إذا ُ َ الأول��ى ،وال الخيرة، ِّ المقا�صد المنا�سب عند التعبير عن
كان الأدبية العربية �شهر ًة في الوطن والمهجر َ والقيم الفا�ضلة ،والغايات النبيلة ال�سامية.
تكن بدايت ُه منها، مكان� ،إن لم ْ ٌ ل ُه في (الثقافة) وقد �أو�ضح مدحة عكا�ش رئي�س التحرير
كبير من �سدن ِة ٌ عدد
ٌ تحريرها �شارك فيَ فقد و�صاحب (دار الثقافة للطباعة والن�شر) �إيمانه
الذين وجدوا فيها ملتقى َ الكلم ِة ،و� ِ
أرباب الفكر العميق بما يقوم به من �إنجازات ال غاية له
عبر عنه عبداهلل طموحاتهم و�آمالهم ،وهذا ما َّ منها �إال م�صلحة الوطن والأمة كما في قوله:
ال يمكن �إغفال الدور ال�شيتي بقول ِه: عن موا�صل ِة
�شهدت (ثقافتنا) الوفية والد َة ْ همة ،ولم يقعدنا ك�س ٌل ْ تفتر لنا َّ لم ْ
المهم الذي لعبته وتبارت �أقالمنا ْ م�شاهير،
َ البواكير حتى �صاروا العملِ في �أدا ِء هذ ِه الر�سال ِة التي اخترناها
مجلة (الثقافة) ومحاوالتنا الأولى ،في ظ ِّل �صاحبها ال�صديق را�ضون ،وما َ ونحن بها ُ فكانت قدرنا ْ لأنف�سنا،
في الم�شهد الثقافي ال�سعيد منا
ُ فكان
َ القديم الحميم مدحة عكا�ش، الكمال ،فلنا نجاحاتنا َ ندعي تعودنا قط � ْأن َّ
من يحظى بن�شر ق�صة �أو ق�صيدة �أو مقالة، نق�ص ْر في ربط هذا ِ لم ِّ ولنا �إخفاقاتنا �إال �أننا ْ
ال�سوري والعربي
وبرغم كل التحديات المادية ،وهي باهظة أول َّ َ � ل ولع أمتنا، � و وطننا العملِ الكبير بم�صالح
مكلفة ف��ي ال�صناعة ال�صحافية ،فقد ظلت ما نعت ُز به هو محاولتنا الأولى للقا ِء الأدبا ِء
تعلن عن نف�سها بكثي ٍر من المجلة واثقة الخطى ُ �صفحات هذه ِ العرب على امتداد �أقطارهم على ِ
تكون وتبقى ،حتى َ التوا�ضع والإ�صرار على �أن المجلة ،فعمدنا �إلى �إ�صدار �أعدادنا الخا�صةِ
أحب �إليناُّ � ال وهو ،د ِ إثبات الوجو باب � ِ ولو من ِ عن محافظات القطر العربي ال�سوري �أو ًال،
كانت مثله وال �أ�شهى ،لأن ُه ي�شدنا دائم ًا �إلى يوم ْ وتجاوزنا ذلك �إلى الأقطار العربي ِة ،ف�أ�صدرنا
منذ �صدورها في �صاحبها أراد لها المغرب والجزائ ِر �أع���داداً خا�صة عن �أدب ��ا ِء
ُ وبقيت مثلما � َ ْ واح ًة ومنار ًة ِ
العام (1958م) وحتى ورئي�س تحريرها ال�صديق مدحة �أن تبقى ،وال ُ المعا�صرين َ وال�سعودي ِة وليبيا ،و�أدبا ِء المهج ِر
رحيل م�ؤ�س�سها �أغنت مطمع له وال مبتغى �إال � ْأن يجع َل منها همز َة َ العرب ِ أدب تر�صد � َ ُ وثائقَ أعداد
غدت هذه ال ُ حتى ْ
ال�صحافة الثقافية بين الثقافة وروادها َ التوا�صلِ وج�سر
َ الو�صل الدور
ُ في هذه المرحل ِة من تاريخنا .كما َ
كان
العربية الأوائل وقرائها و�أ�صدقائها الأوفياء من قدامى تكن دار الثقافة التي لم ْ قامت ب ِه ُ ْ البار ُز لما
يجمع
َ ومحدثين� .إذاً ا�ستطاع مدحة عكا�ش � ْأن ت�سهم ُ راحت
ْ ملتقى الأدباء والمبدعين فقط ،ب ْل
كتاب ال�ستينيات �أمثال عمر ِ في مجلت ِه � َ
أقالم أجنا�س ،وترعى ِ في طباعة الكتب من كافة ال
�أبو ري�شة ،ونزار قباني الذي ن�شر �أولى ق�صائده ت�شد �أزرهم ال�شعراء والمبدعين الأدب��اء ،حيث ُّ
على �صفحات (الثقافة)� ،إ�ضافة �إلى الكثيرين انطالقتهم
ْ وت�ساعدهم في ْ وتطبع لهم، ُ وتن�شر
ُ
ق�صيدة الم�شهد
يو�سف عبد العزيز
ق�صيدة الم�شهد التي نق�صدها هنا هي تلك تعاني الق�صيدة العربية ،باعتبارها ق�صيدة
الق�صيدة التي تقوم على اجتراح م�شهد كلي غنائية ،م�شكل ًة بنيوية ،تت�صل بوجود فيو�ضات
من خالل الكتابة ال�شعرية ،ينق�سم �إل��ى عدد �شعرية زائدة عن حاجة هذه الق�صيدة .ولعلنا ال
من الم�شاهد الجزئية ،المت�شكلة من عدد من نبالغ �إذا قلنا� ،إن كبار ال�شعراء العرب وقعوا في
ال�صور ال�شعرية .ال نن�سى هنا الحركة التي تتم هذا الخلل� .أنت تم�سك ق�صيدة ل�شاعر معروف
من خالل ال�سرد ،ذلك الذي ينتقل بالقارئ من وتقر�ؤها ،و�إذا قمت تالي ًا بحذف بيت �شعر
م�شهد �إلى �آخر ،حتى ينتهي الأمر به �إلى وجود منها �أو مجموعة من الأبيات ،ف�إنك تكت�شف �أن
ن�ص مكتمل بين يديه ،يبد�أ من نقطة معينة، الق�صيدة لم تت�أثر بهذا الحذف .ترى ما ال�سبب؟
وينتهي في نقطة معينة. تقوم الحالة الغنائية ف��ي ال�شعر على
ظهر الم�شهد ال�شعري في الكتابة ال�شعرية تتبع العواطف الإن�سانية من حب و�ألم وفرح
العربية منذ الع�صر الجاهلي ،ولكنه كان ي�أتي وغ�ضب� ..إلخ ،ومحاولة التعبير عنها من خالل
الغنائية لي�ست ُ�س ّبة من خالل بيت �شعري واحد� ،أو عدد قليل من ال�شعر .هنا ين�ساق ال�شاعر وراء هذه العواطف،
في الكتابة ال�شعرية الأبيات في الق�صيدة ال��واح��دة ،من ذلك هذا وهذا ما يدفع به �إلى الخروج عن م�سار الن�ص
البيت لل�شاعر الجاهلي (المثلم ب��ن ري��اح ال�شعري� ،إلى مناطق �أخرى خارج الن�ص ،وهذا
بل هي حالة المري) ،حيث يقول فيه: ما ي ��ؤدي �إل��ى ت�شكل تلك الحموالت الزائدة،
متناغمة مع روح وفيهم
ُ ت�صيح الردينيات فينا وبالتالي فقدان الوحدة المو�ضوعية للن�ص
ال�شعر �صياح بنات الماء �أ�صبحن ج ّوعا المكتوب.
في هذا البيت نرى م�شهداً �شعري ًا ي�ضج ال بد من الت�أكيد �أن الغنائية لي�ست �سب ًة
بالحركة ،فالرماح تنطلق ،وتت�صايح في في الكتابة ال�شعرية ،بل هي حالة متناغمة
المعركة ،كما ت�صيح طيور البحر الجائعة وهي مع روح ال�شعر ،وال �شعر هناك من دونها.
ترفرف فوق الماء. لكن ال�ستخدام هذه الغنائية بع�ض الم�شكالت،
تطور الم�شهد ال�شعري على �أيدي ال�شعراء وعلى ر�أ�سها تلك الزوائد التي تطر�أ على الن�ص.
في الع�صر العبا�سي ،مثل البحتري ،والمتنبي، من هنا ربما ج��اءت الحاجة ما�س ًة �إلى
وابن المعتز الذي ر�سم هذا الم�شهد (الت�شكيلي) كتابة ق�صيدة الم�شهد ،تلك الق�صيدة التي ت�سير
لإحدى البرك ،حيث يقول: في حركة متناغمة ومت�صلة ،من بدايتها �إلى
ك�������أن ال���ب���رك���ة ال���غ���ن���اء ل��م��ا نهايتها ،دون �أن يكون هناك ح�شو فيها ،ودون
غ���دتْ ب��ال��م��اء م��ف��ع��م ً��ة ت��م ُ
��وج �أن يفقد ال�شاعر ال��ذي يكتبها االتجاه الذي
وق��د الح ال��دج��ى ،م���ر�آة ق ْينٍ يق�صده� .إ�ضافة �إلى الجماليات العالية ،التي
الخليج
ُ ان�صقلت ومقب�ضها ْ قد يمكن لها �أن تتخلق في ج�سد الن�ص.
المحت�شدة بالأ�شجار .وما حدث للرجل الذي فالبركة هنا ما هي �إال م��ر�آة .ومثل هذا ُ
يظهر هناك ،حيث �أم�سكت به منحوتة ،وقادته الم�شهد ال�ساحر ال يمكن الو�صول �إليه اليوم،
من يده لتقبله ،وذل��ك في ظل غياب النا�س، �إال من خالل م�صور محترف يحمل الكاميرا،
ب�سبب يوم الأحد الذي هو يوم عطلة .حين ندقق وي�صعد بها مكان ًا مرتفع ًا ليلتقط تلك ال�صورة
في هذا الم�شهد ،يده�شنا ما حدث ،حيث تقوم الدقيقة للبركة ،حتى لتبدو �شبيهة بالمر�آة.
ق�صيدة الم�شهد المنحوتة ،ب�أخذ الرجل من ي��ده .فهل كانت في الع�صر الحديث تطور الأمر بالن�سبة �إلى
ت�سير في حركة المنحوتة تعاني ال�شعور بالوح�شة مث ًال ،حتى الكتابة الم�شهدية في ال�شعر العالمي ،ولم يعد
تخلت عن حالتها ال�صلبة الجامدة ،و�أم�سكت الم�شهد ال�شعري مجرد جزء من الق�صيدة ،بل
متناغمة ومت�صلة من بالرجل؟! من المفارقات الأخرى التي نكت�شفها امتد ليغطي م�ساحة الق�صيدة كاملة.
بدايتها �إلى نهايتها هنا؛ �أنه لم يكن هناك �أحد ليرى ما حدث بين كان الختراع ال�سينما في العام (1895م)،
المنحوتة والرجل ،با�ستثناء طفل �أعمى كان �أث��ر كبير في كتابة ق�صيدة الم�شهد ،وذلك
ي�شير �إليهما ب�إ�صبعه! وك�أن ال�شاعر �أراد �أن جنب ًا �إلى جنب مع باقي المرجعيات الب�صرية
يقول لنا� ،إن الطفل الذي كان �ضريراً ،ربما المعروفة ،مثل الم�سرح والفن الت�شكيلي .هذا
كان يرى الأ�شياء الجميلة بقلبه .وهكذا يمكن االختراع الجديد �أبهر الماليين الذين باتوا
القول �إن ما قام به ال�شاعر ،هو محاولة من متيمين بما ي�شاهدونه على ال�شا�شات ،من
�أجل انت�صار الحب والجمال ،وذلك من خالل �أف�لام ت�سرد �أمامهم تلك الحكايات الجميلة
�أن�سنة الأ�شياء وبعث الحياة في �أو�صالها. والق�ص�ص الغرائبية .ال�شعراء �أي�ض ًا انبهروا �أكثر
�أخيراً؛ ال بد من مالحظة �أمر مهم في هذا من غيرهم بهذا الخيال المجنح الذي تخلقه
النوع من الق�صائد ،وهذا الأمر يتعلق بـ(الواقع ال�سينما ،فانخرطوا في العمل فيها� ،سواء على
اختراع ال�سينما ال�سحري) ،الذي يتحرك فيه الم�شهد ال�شعري، �صعيد الإخراج� ،أو على �صعيد كتابة ال�سيناريو.
دفع ال�شعراء �إلى وهو واقع جمالي يت�سبب بمتعة عالية للقارئ. م��ن المخرجين ال�سينمائيين المهمين من
تبني طرق �شتى على ال�صعيد العربي؛ فقد ظهرت ق�صيدة ال�شعراء الذين �أبدعوا في هذا المجال ،نذكر
لبناءالق�صيدة الم�شهد ب�صورتها الجديدة� ،أول ما ظهرت في ك ًال من :الفرن�سي جان كوكتو ،والإيطالي بيير
الم�شهدية العراق على �أيدي ثلة من ال�شعراء المجددين باولو بازوليني ،والمولدافي �إيميل لوتيانو.
الذين كتبوها في �ستينيات القرن الما�ضي، ومن كتاب ال�سيناريو نذكر ال�شاعر الفرن�سي
منهم :ح�سب ال�شيخ جعفر ،يو�سف ال�صائغ ،علي الكبير جاك بريفير.
جعفر العالق ،و�آخرون .ثم ما لبث هذا ال�شكل بالن�سبة �إل��ى بريفير ،يعد ال�شاعر الأهم
الجديد �أن انت�شر في باقي الأقطار العربية� .أما الذي ا�شتغل على �صعيد كتابة ق�صيدة الم�شهد،
عن ظهور ق�صيدة الم�شهد بداي ًة في العراق، فقد كتب ال�سيناريو ل�سبعين فيلم ًا �سينمائي ًا،
فال�سبب في ذلك يعود �إلى الأج��واء الثقافية وعمل من خاللها مع عدد كبير من المخرجين،
الباذخة ،التي �سادت هذا البلد العربي ،الغني وبالتالي ف�إن عمله في مجال ال�سينما قد �أفاده
ب�شعرائه� ،أولئك الذين كانوا على �صلة عميقة في كتابة هذا النوع من الق�صائد .والآن لنقر�أ
بال�شعر في العالم ،فاطلعوا على الجديد منه، هذه الق�صيدة لبريفير ،وهي بعنوان (الأحد)،
وت�أثروا به. لنطل على طبيعة الم�شهد ال�شعري الذي ر�سم
امتد الم�شهد ال�شعري
في العقود القليلة الما�ضية ،انت�شرت ال�شاعر تفا�صيله بدقة:
عالمي ًا ليغطي ال�شعر كتابة ق�صيدة الم�شهد في العالم العربي، (بين �صفوف الأ�شجار في جادة غوبلن/
جميعه في الع�صر بين ال�شعراء ال�شباب ،ولكنها على الرغم من منحوتة من الرخام تقودني من يدي /اليوم
الحديث ذلك ،ظلت تتحرك في م�ساحة �صغيرة ن�سبي ًا، هو الأحد /وقاعات ال�سينما ممتلئة /الع�صافير
�إذا ما قورنت بالم�ساحة الكبيرة ،التي بقيت على الأ���ش��ج��ار تت�أمل الب�شر /والمنحوتة
ت�شغلها الق�صيدة الغنائية .ومثل هذه الحالة تقبلني /وال �أحد يرانا� /إال طفل �أعمى /كان
ال ت�ضير النماذج ال�شعرية الجيدة التي تكتب، ي�شير ب�إ�صبعه �إلينا).
وفي النهاية جميل �أن تتعدد الأغ�صان على ف��ي ه��ذه الق�صيدة ،تتبدى الم�شهدية
�شجرة ال�شعر. ال�شعرية :فنطل على �ساحة غوبلن ،والحديقة
جبران خليل جبران اللورد بارون د� .سمر روحي الفي�صل محمود فاخوري عبدال�سالم الم�ساوي �شيللي
د .هيثم الخواجة خالد زغريت محمد الماغوط �سليمان العي�سى �إ�سماعيل عامود �أحمد ف�ضل �شبلول
المكتوبة عن الأطفال وللأطفال؛ ونذكر في ¯ ما ال�شعور الذي ي�ستولي عليك ،و�أنت ترى
هذا ال�سياق �أن ال�شعر المكتوب للأطفال ،ينبغي اعتماد العديد من ق�صائدك في المناهج
�أن تتوافر فيه جملة من ال�شروط ليتنا�سب مع المدر�سية؟
مرحلتهم العمرية ،ويتم �إن�شاده من قبلهم -بقي ال�شعر لي بمثابة الرئة الثالثة ،و�أنا
فردي ًا وزمري ًا ،ومن �أهم هذه ال�شروط ،الإيقاع �أوا�صل الليل بالنهار �شعري ًا ونقدي ًا ،والآن
ثمة محاوالت الذي ي�ساعد الأطفال على الحفظ� ،إ�ضافة �إلى وبينما �آخذ ق�سط ًا من الراحة ،ال تغادرني المتعة
تجديدية مر بها الم َب ّ�سطة وال�صور ال�شعرية غير
اللغة الجميلة ُ و�أنا �أرى ق�صيدة لي قد تقررت من وزارة التربية
ال�شعر العربي في المركبة التي تراعي �آف��اق الخيال الطفولي، لطالب المرحلة االبتدائية في �سوريا ،واختيرت
وال��ت��ي تتج�سد م��ن خاللها م�ضامين القيم ق�صيدتان للأطفال في لبنان ،كما اعتمدت
م�سيرته الطويلة التربوية ال�سامية والرفيعة ..و�أعترف قائ ًال عدة ق�صائد لي لطلبة اللغة العربية في كلية
بلغت ذروتها في �إنني بعد ع�شرين عام ًا من تعليم الأطفال، �آداب جامعة حلب؛ وما زادني غبطة في �سنوات
ع�صرنا الراهن هيب على كتابتي ال�شعرية لهم ،وهو �أقدمت و ِب َت ّ
المعاناة ،ر�ؤية العديد من ق�صائدي في درا�سات
ما تج ّلى في مجموعتي (�صباحات م�شرقة)، �أكاديمية و�أطروحات لنيل درجة الدكتوراه ،في
محاو ًال من خاللها االرتقاء بالق�صيدة �إلى غير بلد عربي؛ �إ�ضافة �إلى الدرا�سات النقدية
م�ستوى خطاب عالم الطفولة.. المن�شورة في كتب وفي ال�صحافة ،لأ�سماء �أدبية
مرموقة من النقاد مثل( :ح�سن فتح الباب ،روز
غريب� ،أحمد ف�ضل �شبلول ،محمود فاخوري ¯ ،بعد عقود �أم�ضيتها مع الق�صيدة ،و�أ�صدرت
الدكتور هيثم يحيى الخواجة ،الدكتور �أحمد العديد من المجموعات ال�شعرية التي حظيت
زي��اد محبك ،ف��واز حجو� ،أحمد دوغ��ان� ،سمر بح�ضور محلي وعربي ،كيف ترى حال الق�صيدة
الق�صيدة المعا�صرة روح��ي الفي�صل ،عبدال�سالم الم�ساوي ،خالد اليوم؟
قطعت �شوط ًا كبيراً -قطعت الق�صيدة المعا�صرة �شوط ًا حققت زغريت )..مع حفظ الألقاب لهم جميع ًا.
حققت فيه �إ�ضافات فيه �إ�ضافات مهمة ال يغفل عنها ناقد من�صف
¯ اعتماد ق�صائدك في المناهج المدر�سية ومتابع؛ لكنها الآن ت�ضاعفت �أمامها التحديات
مهمة ال يغفل عنها �سيدفعنا �إل��ى �س�ؤالك عن ال�سمات الواجب الج�سام ،الذاتية والمو�ضوعية ،فمن الغرابة �أن
ناقد من�صف يكتفي ال�شاعر بما �أنجزه خالل العقود ال�سابقة، توافرها في الق�صيدة الطفولية؟
-ما قام به �أحمد �شوقي في هذا الم�ضمار ،ويقدمه للمتلقي وك�أنه �شعر اليوم في واقع
مهد الطريق ،ويعتبر عندنا في �سوريا �سليمان مت�أزم ،على ال�شعراء �أن يكونوا على م�ستوى
العي�سى �شاعراً للأطفال بامتياز ،و�سبقه تحدياته عبر ق�صيدة طموحة في نواحيها
تاريخي ًا �إلى ذلك عبدالكريم حيدري ..واهتمت الفنية والم�ضمونية ،لت�أخذ مكان ًا الئق ًا في
المناهج ال��ت��رب��وي��ة بالعديد م��ن الق�صائد التراث الإن�ساني.
�سر الكتابة..
ُّ
بين الو�ضوح والغمو�ض
ال�سيد حافظ
برنارد�شو في كتابه ،وهناك كاتب يكتب تظل الكتابة تحمل هم ًا كبيراً لدى
القارئ يبحث عن متنف�س وال �أح��د ي�سمع عنه ،ويظل هنا في حالة المبدع ول��دى المتلقي ،فالمبدع يبحث
في ما يكتبه المبدع ارتباك وغمو�ض؛ هل هذه الكتابة �صالحة عن �أر�ض جديدة �أو اكت�شافات جديدة� ،أو
للمجتمع �أو غير �صالحة ،لذلك يلج�أ الكاتب يبحث عن متنف�س له ،كي ي�صل �إلى القارئ،
وال�شعراء في وقته ،ويدل على �أن ال�صدق �إلى محاولة المراوغة على م�ستويات عدة والقارئ يبحث عن متنف�س في ما يكتبه
يبقى والباقي يزول ،بدليل �أن هيئة الكتاب في الكتابة كي ي�صل �إلى جمهوره �أو ي�صل المبدع حتى يجد نف�سه �أو يجد حلم ًا �أو يجدد
الم�صرية طبعت هذه الملحمة في �سبعة بق�ضيته �إلى النا�س. طاقته الإبداعية �أو الإن�سانية �أو الفكرية �أو
�أج ��زاء وب�سعر زهيد ج��داً ال ي��أت��ي بثمن لذلك؛ فالو�ضوح �أحيان ًا يكون جريمة، العاطفية ،وكالهما في م�شكلة بين المبدع
الغالف ،وال �أح��د ي�شتريها ،لأن الوجدان ولكنه يقلل من الفن ،فمث ًال (يفتو�شينكو) وبين المتلقي ،فالكاتب عادة ما يكون لديه
الجمعي للجماهير يرف�ض هذا. ال�شاعر الرو�سي المولود عام (1932م)، هواج�س �أو ق�ضية �أو م�شروع� ،أو تكون لديه
فالظاهر في الأدب م�شكلة ،والغمو�ض �أوكراني الأ�صل ،كان وا�ضح ًا �إلى درجة ف َكر مغايرة� ،أو تكون لديه ر�ؤية� ..إذاً الكاتب
في الأدب م�شكلة �أي�ض ًا ،لأن البع�ض يظن فجة للدفاع عن �أفكاره وعن �أفكار حزبه، يحمل ما يمكن �أن نقول �إنه ر�سالة ،وهذا
�أن الغمو�ض ال�شديد للهروب من الرقابة ف�أ�شعاره �سقطت في المبا�شرة و�ضاعت يعتبر تجاوزاً ،لأن الر�ساالت في مفهومها
والمواجهة مع ال�سلطة ،يجعله يقع في هباء.
ً ال�ضيق هي للأنبياء فقط ،ولكن الر�ساالت
فخ الغمو�ض ال�شديد .والجماهير عادة �أو وهناك ك ّتاب يهبون �أنف�سهم في �سبيل للب�شر �أي�ض ًا للعلماء والحكماء والأدب��اء
�أغلبها لي�ست من المتعلمين �أو المثقفين ق�ضية ما ،ويظلون يرددونها ب�شكل مبا�شر، والفنانين والمثقفين يحملونها �إلى النا�س
بما يكفي .ف�إن زمن التلقي لي�س مباح ًا، وهذا ال�شعر في وقته يكون المع ًا ونا�صع ًا كي ت�صل معاني وت�صل �أفكاراً وت�صل طاقة
من الممكن ترحيله �أو اال�ستغناء عنه في بف�ضل ال�شخ�صية التي يتغنى بها الكاتب �أو روحية جديدة ي�ستطيع فيها القارئ �أن
ق�ضية معينة وا�ستقدامه في ق�ضية �أخرى، ال�شاعر ،ثم بعد موته ينطفئ هذا ،والدليل يجد نف�سه� ،أو تتغير ال�شعوب بالتراكمات،
بل يبقى وجوده وح�ضوره م�ستمراً لعملية على ذلك ما كتبه ال�شعراء الم�صريون في فال�شعوب ال تتغير فج�أة �إال في حاالت
خلق الإب��داع الفني والتجربة الأدبية ذات ملحمة الظاهر بيبر�س ،وهي ملحمة في نادرة..
الفن العميق ،خا�صة �أن قراءة هذه التجربة �سبعة �أجزاء ب�آالف الأوراق وكانوا يتغنون في �إنجلترا مث ًال ،عندما كتب برنارد�شو
من قبل المتلقين ال تكون مت�شابهة ،بل بها في �أي��ام بيبر�س ،ويمجدون البطل كتابه عن الطب في لندن ..ماذا حدث؟ الدنيا
تتحكم فيها �أ�سباب ذاتية ومو�ضوعية ،كما المغوار العظيم القائد المنت�صر ،ثم بعد قامت ولم تقعد وتم تغيير النظام الطبي كله
�أن نتائجها تتغير كلما �أعادها المتلقي مرة موته ال �أحد يغنيها� ،أو يلقيها �أي �شاعر بناء على ما قدمه وما قاله في بريطانيا ً
�أخرى. في �أي منا�سبة ،وال �أحد يقر�ؤها وال �أحد
وهنا الق�ضية ت�صبح مختلفة ،حيث ي�شتريها ،وال حتى الباحثين لمجرد البحث عندما كتب برنارد �شو عن
تكمن ف��ي ���س��ر ال��ك��ت��اب��ة ب��ي��ن ال��و���ض��وح عن جماليتها �أو عيوبها ..وظلت حبي�سة
الكتب ،وظلت تراث ًا يدل على نفاق الكتاب
الطب في بريطانيا تغير
والغمو�ض ،التي �ستظل ق�ضية مدى الدهر.
النظام الطبي كله
�سيف الرحبي
وجه �شعري ُعماني بامتياز
يكاد يكون ال�شاعر �سيف الرحبي الوجه الأبرز لل�شعر العماني المعا�صر ،حيث يحتل
موقع ًا مهم ًا على خريطة �شعر الحداثة العربية ،وبين �شعراء ق�صيدة النثر تحديداً،
قدم من م�شروع �إبداعي� ،سواء في ال�شعر �أو منذ ثمانينيات القرن الع�شرين ،بما َّ
كتاباته النثرية ،التي حملت ر�ؤى وجودية وهموم ًا فكرية كبرى .تبدو كتابات
الرحبي� ،سواء في ال�شعر �أو النثر ،ك�سردية كبرى ،يمثِّل كل كتاب �أ�صدره ف�ص ًال فيها
د .ر�ضا عطية
يبني لنف�سه ن�سق ًا �شعر ّي ًا له هويته
في ات�ساق تكاملي .ا�ستطاع �سيف الرحبي� ،أن َ
الإبداعية المميزة ومالمحه الجمالية و�سماته الفنية التي جعلت لن�صه ب�صمة تعبيرية خا�صة.
الموج
ِ من �أح�شاءِ
لتكوني خاتَم زواجي
ِ
الهائمة أ�شباحي
َ ُم ْ�ستقر �
()...
م�سافر ًا نحو ال�شرقِ
بينما ر�سالت ُِك تقول
الغرب
ِ ذاهبة باتجا ِه ٌ � ِ
إنك
ِ
القارات بين
التائهة َ ِ في � ِّأي ُمفْترقٍ للقوافلِ
قدم م�شروعه �سواء تلتقي م�صار ُع الع�شّ اقِ ؟
في ال�شعر �أو كتاباته ال�سير
َ خياالتُهم الناحلةُ تَغذُّ
وارف ٍ باتجا ِه ظلٍّ
النثرية بر�ؤى ِ ِظ ِ
�صدمة لك الذي يتب ُعني مالك ًا حار�س ًا من
وجودية �إن�سانية ال ِفراقِ
طاغ للطبيعة، ح�ضور ٍ ٌ في �شعر الرحبي،
وخ�صو�ص ًا البحار والمحيطات ،في مقابل
الفيافي وال�صحارى والجبال� ،أي الطبيعة في �سيف الرحبي يوقع �أحد كتبه
تراميها المهول وف�ساحتها الرهيبة ،والوجود
في �آفاقه المنفتحة البعيدة؛ لذا فثمة ا�ستغراق وال �شك � َّأن تجربة ال��رح��ب��ي الحياتية
ت�أملي في ر�ؤي��ة العالم ،عند �سيف الرحبي، والثقافية ،ك��ان لها بالغ الأث ��ر ف��ي �شعره
بتم ُّثل مرهف الح�سا�سية لأ�شيائه وموجوداته �صبي ًا
ّ وكتابته عموم ًا .كانت ن�ش�أته الأول��ى
في عالقاتها بالذات ،فيبدو العالم لديه ن�سق ًا و�شاب ًا يافع ًا في م�صر التي يحمل لها كثيراً من
من التهويمات ،فهو عالم نف�سي بامتياز ،من تبدى في �شعره وكتاباته المحبة واالنتماءَّ ،
منحنى اختالفي ًا
ً مثل �صنع ال��ذات ووليد تم ُّثالتها النف�سية .وفي عموم ًا ،حتى �إ َّنه قد خ�ص�ص ديوان ًا كام ًال عن
في ال�شعر العربي ت�شكيل الرحبي ل�صوره ال�شعرية ثمة وعي م�شاهداته في م�صر ،بعنوان (قطارات بوالق
المعا�صر ب�أبعاده بدوي يالحق خياالت ال�شاعر في تم ُّثله لحركة ال��دك��رور) ،غير ا�ستدعاءاته العديدة لمعي�شه
الوجود ،كما في ت�شبيهه لل�سكينة ب�شيء ُي�س َتل فيها في غير ق�صيدة له ،وفي غير كتاب نثري،
الفنية والفكرية م��ن �أح�شاء ال��م��وج ال��ذي يبدو ك ��أ َّن��ه وح�ش لكن حياة �سيف الرحبي في الرحيل المداوِ م َّ
�ذات ال�سكين َة من جوفه .كما يتجلى تننزع ال� ُ أمد
َّ � قد ا
ً وغرب ا
ً �شرق والمدن العالم بلدان بين
عند الرحبي ،بو�ضوح ،هذا ال�صراع المحتدم تجربته الإبداعية برافد ثري� ،أ�سهم في منحه ًا
في داخ��ل ال��ذات ،في ارتحاالتها بين ال�شرق وزوده ��ا بوعي فل�سفي ور�ؤي��ة �أب��ع��اداً رحبة َّ
يفجر الت�سا�ؤالت الهادرة، والغرب ،وهو ما ِّ وجودية وت�أمل كوني.
ف�شعر �سيف الرحبي يحمل با�ستمرار �أ�سئلة فني ًا ،منحنى م َّثل �شعر �سيف الرحبيّ ،
تبحث عن �أجوبة .كما يغلب على �صور الرحبي ال�شعر العماني المعا�صر ،بانتمائه غالبفيهلسا
اختالفي ًا
ّ
الح�س ال�سريالي في تركيب عنا�صر ال�صورة �إلى تيار الحداثة ال�شعرية العربيةُ ،ر َّبما جاء
تعبيراً عن �شعور بم�أ�ساوية العالم� ،إ�ضافة �إلى ذلك ب�أثر ثقافة الرحبي المنفتحة منذ �صباه
على الإب��داع الحداثي خ�صو�ص ًا في القاهرة
وبيروت ،ما كان له �أكبر الأثر في ت�شكيل وعيه
الطليعي وج�سارته في خياراته الفنية .وفي
�شعر �سيف الرحبي يح�ضر هذا التردد الوجودي
والحيرة الدائمة التي تنتاب الذات في طوافها
الم�ستمر بين ال�شرق والغرب ،كما في ديوان
(من بحر العرب �إلى بحر ال�صين):
ٍ
قرا�صنة ينتظرون �س�ألقي التح ّية على
الإع�صار
�أيتها ال�سكينةُ ،كيف �أ�ستلُّكِ
من م�ؤلفاته
الرافعي عرياني ًا ،وقيل �إن العريان �أ�صبح ا�ستطاع الأدي���ب وال��روائ��ي والق�صا�ص
رافعي ًا ،وقال الدكتور طه ح�سين( :لم ي�صبح الم�صري محمد �سعيد ال��ع��ري��ان (-1905
العريان رافعي ًا ولكنه �أ�صبح مدرة الرافعي). 1964م)� ،أن يج�سد ب�صماته في محراب �أدب
و�أثناء فترة اقترابه من الرافعي ومعاي�شته له، الأطفال ،عبر �إنجازاته الملمو�سة على مدى
فقد ت�سرب �أ�سلوبه وروح��ه التعبيرية ،وربما �أكثر من �أرب��ع وثالثين عام ًا ،ب�شكل حقق له
روحه الفكرية ،ومن ثم فقد ظهرت �آثار الرافعي الريادة في ذلك المجال عن جدارة وا�ستحقاق،
الأ�سلوبية في كتابة العريان. حتى �أ�صبح واحداً من رواد �أدب الطفل .ولم يكن
تلقى محمد �سعيد العريان تعليمه الأولي (العريان) مجرد كاتب �أو �أديب فح�سب ،بل كان
بمعهد طنطا الأزه���ري ،ثم التحق بمدر�سة �أي�ض ًا تربوي ًا مفكراً ،ا�شتهر برواياته التاريخية
�أ�صدر �أكثر من دار العلوم وتخرج فيها عام (1930م) ،وبد�أ وب�إبداعه الق�ص�صي والفني للأطفال؛ فهو �أول
٣٠كتاب ًا �أبرزها حياته العملية فور تخرجه في دار العلوم في من �أ�صدر مجلة متخ�ص�صة في �أدب الأطفال
عام (1930م) ،حيث عمل مدر�س ًا بالتعليم وهي مجلة (�سندباد) التي كانت تعد نوع ًا �أدبي ًا
(حياة الرافعي، االبتدائي حتى عام (1942م) ،واهتم خالل فريداً في ع�صره ،كما عمل على تطوير التعليم،
والعقد الفريد هذه الفترة بكتابة الق�ص�ص للأطفال و�إلقائها م��ن خ�لال عمله ب���وزارة المعارف (التربية
البن عبدربه) على م�سامعهم ،فا�ستطاع ب�إبداعه الدخول �إلى والتعليم الآن) ،فكان �أول من �صمم و�أن�ش�أ
عالم الطفل بتقديم ما يهوى ويرغب فيه وما المكتبة المدر�سية في م�صر.
يحتاج �إليه ،وه��ذا ما جعله يهتم بالناحية ولد محمد �سعيد العريان في عام (1905م)
التربوية في كتاباته للأطفال ،فقد حر�ص عند بقرية محلة ح�سن التابعة لمركز المحلة
كتابة ن�صه الإبداعي للطفل على اختيار اللفظ الكبرى بمحافظة الغربية .وتتلمذ على يد
القريب من عالم الطفل ،و�ضمن تح�صيله اللغوي الأديبين الكبيرين م�صطفى �صادق الرافعي،
وقدرته على فهمه ومعرفة دالالته ،ف�ض ًال عن وعلي الجارم ،و�أطلق الرافعي على (العريان)
توظيف الموروث ال�شعبي والعربي والإن�ساني كاتب وحي الرافعي ،وكان الرافعي �أ�صم ،فكان
في الأعمال الإبداعية ،والدخول �إل��ى عوالم العريان �صديقه وتلميذه في الوقت نف�سه ،وكان
الأ�سطورة والخرافة والخيال والنبات والحيوان لهذه ال�صداقة �أثر عميق في حياة كل منهما
والألعاب ،والطبيعة ذات ال�صلة الوثيقة بالطفل. وفي �أعمالهما .وقد قال البع�ض :لقد �أ�صبح
و(عرو�س الببغاء) ،و(�أ�صحاب الكهف) ،وله وف��ي ع��ام (1942م) ،انتقل �إل��ى العمل
عدة مجموعات ق�ص�صية مثل (مدينة العجائب، في ال�سلك الإداري ب��وزارة المعارف (التربية
وال�صياد ال�ساحر ،وال�صندوق ال�صغير). والتعليم الآن) ،ليلتحق بق�سم مراقبة الثقافة
وكان محمد �سعيد العريان �صاحب ر�سالة العامة .وفي عام (1944م)� ،أ�صبح رئي�س ًا
تربوية ،وقد ظهر هذا في العديد من كتاباته لمكتب ال�صحافة ب���ال���وزارة ،وت����درج في
وم�ؤلفاته ،التي كان يهدف من ورائها تربية المنا�صب ،حتى �شغل وظيفة مدير المكتب
�أول من �أ�صدر مجلة الن�شء ،على القيم الرفيعة والمبادئ ال�سامية، الفني لوزير المعارف (التربية والتعليم) �آنذاك.
متخ�ص�صة للأطفال ب��ل ك��ان واح� ��داً م��ن �أه ��م و�أب� ��رز رواد �أدب ك��ان لمحمد �سعيد ال��ع��ري��ان دور ب��ارز
الأطفال في ع�صره ،وقام ب�إ�صدار العديد من في مجاالت �شتى� ،سواء في ميادين الأدب
و�أ�سماها (�سندباد) الم�ؤلفات والأعمال ،التي تهدف �إلى االرتقاء والت�أليف ،والمحا�ضرة والق�صة وال��رواي��ة
ب��م��دارك و�سلوك الطفل ،فكان �أدب الطفل والمقال ،وفي تحقيق التراث ،وفي التربية
الذي �أجاد فيه محمد �سعيد العريان نموذج ًا والتعليم ،وكان من كتاب الرواية التاريخية،
يمثل الآراء التربوية ،التي ك��ان يهدف من وعلى دراية بما يكتبه كتاب الرواية التاريخية
ورائ��ه��ا �إل��ى تربية الأج��ي��ال على حب اللغة الآخرون �أمثال علي الجارم ،ومحمد فريد �أبو
العربية والوعي بالتاريخ العربي والإ�سالمي، حديد ،وعلي �أحمد باكثير ،ونجيب محفوظ
وبطوالت و�أمجاد العرب والم�سلمين .ومهما وغيرهم.
يكن من �أمر التاريخ ،ف�إن �أ�سلوب محمد �سعيد وك��ان �أول ن�شاطه الأدب��ي امتد ،بجانب
العريان الروائي �أقرب �إلى التعبير الحقيقي الق�صة وال��رواي��ة� ،إل��ى �أدب الأط��ف��ال و�أدب
تتلمذ على يدي عن الجو الق�ص�صي ب�صفة عامة .ولما كانت الرحالت ،وتحقيق التراث وكتابة التراجم.
الق�صة ،تلعب دوراً رئي�سي ًا ومهم ًا في كتابات و�أ�صدر �أكثر من ثالثين كتاب ًا من �أبرزها كتاب
الأديبين الكبيرين
الأط��ف��ال ،فهي ت�أخذ ن�صيب ًا واف��راً من �أدب (حياة الرافعي) ،وتحقيق كتابي (المعجب
م�صطفى �صادق الأطفال� ،إ�ضافة �إلى �إقبال الأطفال �أنف�سهم في تلخي�ص المغرب) لعبد الواحد المراك�شي،
الرافعي وعلي الجارم على ح��ب مطالعتها ودرا���س��ت��ه��ا .وم��ن هذا و(العقد الفريد) البن عبدربه ،كما حقق للرافعي
المنطلق ف ��إن ق�ص�ص التاريخ والبطوالت، كتابي (ر�سائل الأح��زان في الجمال والحب)،
التي �ألفها محمد �سعيد العريان للأطفال، و(ال�سحاب الأحمر).
كي تحكي لهم الت�صورات للأحداث الما�ضية، �أما في مجال �أدب الأطفال ،فقد كانت له
وت�صل �شخ�صياتها بالحا�ضر ،تهدف �إلى جهود ال تنكر ،ومن �أعماله في هذا المجال:
تنمية ارت��ب��اط الطفل بتاريخه ،وبكرامته (مجموعة التربية الدينية للمدار�س االبتدائية
الوطنية ،وتنمي عنده الحب ال�صادق للوطن، ورو�ضة الأطفال) ،وفيها بث العقيدة والقيم
�إ�ضافة لهذا ف�إن ق�ص�ص التاريخ ،تعتمد على الإ�سالمية الرفيعة والثقافة المتنوعة للأطفال.
ق�ص�ص البطوالت الدينية والوطنية ،والتي كما كتب (رح�لات �سندباد) ،و(ق�صة العرب)
ُتحكى للأطفال ال�ستح�ضار الما�ضي وربطه لكري�ستوف كولومبو�س ،وفي مجال الرواية
�صاحب ر�سالة بالحا�ضر ،لتوقظ ل��دى الأط��ف��ال ال�شعور التاريخية ،فقد قدم �أعما ًال �أكثر حيوية ودقة،
تربوية ظهرت في بالتقدير والرغبة في التقليد والمناف�سة، و�أكثر ن�ضج ًا وواقعية و�إقناع ًا من ق�ص�ص
العديد من م�ؤلفاته وتهدف �إلى الإعجاب بالأبطال وال�سير على الكثيرين في هذا المجال ،وله في هذا المجال
بهدف تربية الن�شء دروب��ه��م ف��ي ال�شجاعة والحكمة والفطنة (قطر ال��ن��دى) ،و(ع��ل��ى ب��اب زوي��ل��ة) ،و(بنت
والت�ضحية� .أي�ض ًا ف�إن ق�ص�ص الأطفال �أكثر ق�سطنطين) ،و(�شجرة الدر) ،وق�صة الكفاح بين
�ألوان �أدب الأطفال انت�شاراً ،ففيها من العنا�صر العرب واال�ستعمار.
الفنية للق�صة من الحبكة ،والبيئة الزمانية كما ا�شتهر محمد �سعيد العريان ،ب�إ�صداره
والمكانية ،والمو�ضوع وال�شكل والحجم ،ما مجلة (�سندباد) في ع��ام (1952م) ،وكان
يجعل منها مجا ًال يقبل الأطفال على درا�سته رئي�س ًا لتحريرها لعدة �سنوات ،كما �ألف الكثير
وال�شغف به �أكثر من غيره. من ق�ص�ص الأطفال ،منها (ال�صياد التائه)،
عيد عبدالحليم:
ال�شاعر هو الرائي و�سارق النار بامتياز
�شع ٍر وفك ٍر تحر�ض على المزيد من الحرية
والتوا�صل والحياة. ع��ي��د ع��ب��دال��ح��ل��ي��م ،ال��ك��ات��ب وال�����ص��ح��اف��ي وال�����ش��اع��ر..
بين ال�شعر لحظةُ ال ُ��ح��ل��م ،وغ��ن��اء و�أن��ي��ن ال���روح وهي
¯ يقول هولدرلين( :يبقى على الأر�ض ما ت�����س��ه ُ��م ف��ي ت��رت��ي��ب ُ���س��رر ال��ح��ي��اة وت��ج��م��ي��ل��ه��ا� ..إل��ى
يترك ُه ال�شعراء) ..قل لي ماذا ترك ال�شعر؟ النثر؛ عطر الفكر لل�سباق ،وت��ج��اوز العالم في تعليق
بل ماذا يترك ال�شعراء ع�شاق الأم�س ..غرباء
يعي�شه الإن�سان الحالم ،وهو يقو ُد زورقه ُ ج��ريء عما
اليوم؟ ِعذاب الركابي
-ما يتركه ال�شعر هو �أثر الفرا�شة كما العنيد متحدي ًا �أم����واج ب��ح��اره ..ورع��ون��ة عوا�صفه.
يقول محمود دروي�ش ،ذلك الأث��ر ال��ذي ال
أخاديد الخلود،
َ ُيرى ،لكنه يحفر في الروح � الإن�سان �إلى حياة الحياة ..ووجود الوجود! عيد عبدالحليم وال�شعر الم� ّؤ�س�س للحياة..
أ�ساطير الجمال،
َ وينق�ش على ج�سد الحياة � وال�شاعر �أحد المريدين الواقفين على إحباط وك� ٍ
آبة واللقاح الم�ضاد لفيرو�س ك ّل � ٍ
فال�شعر مثل الن�سغ الأخ�ضر ،الذي ي�سري باب الحرية� ،إذ ال �أ�صابع مكهربة بالعدالة، و�ضج ٍر واغتراب�( ..أث��ر الفرا�شة) ،ومملكة
ف��ي ج�سد ال�شجرة فيمنحها االزده���ار وهي تطرق هذا الباب� ،إال �أ�صابع ال�شاعر/ �شاعر يراوغ بال�شعر
ٌ الجمال في الحياة..
واالخ�ضرار ،ويجعلها قادرة على الإثمار. الرائي� ،سارق النار بامتياز! ال��ذات المتهدمة وه��ي تبحث عن ذاتها..
بال�شعر نرى ال�صفات الأجمل في الحياة عيد عبدالحليم وال�شعر/الحلم ..والفكر- ويتو�سل في ���ش��ذرات الفكر الإ�سهام في
ونتعامل بها ،فلو � ّأن هذه الحياة بال ِ�شعر، نزهة ال��ع��ق��ل !..ولنا ف��ي حديث ِه ���ش� ُ
�ذرات الق�ضايا الكبرى ،حيث الحرية بو�صلة
بوجود د�.سلطان
القا�سمي �أنا متفائل
بم�ستقبل الم�سرح
العربي
¯ منذ ديوانك الأول وو�صو ًال �إلى ديوانك الأخير ت�صور كيف تكون الإقامة عليها؟! ال�شعراء منذ
(حبر �أبي�ض) و�أنت من �أيتام الحرية /الباحث بداية الب�شرية� ،أعمالهم هي التي جعلت هذه
عن العدالة في هذا العالم /المتاهة؟ ماذا في الحياة قابلة لأن يحيا فيها الب�شر ،لأن البديل
ال�شعراء هم من قوافي الق�صائد �أي�ض ًا؟ ك��ان التناحر وال��ح��روب وال��م��وت بالت�أكيد.
جعلوا الحياة قابلة -ال�شعر من وجهة نظري هو فل�سفة للحياة، فالحياة هي ما ي�ؤ�س�سه ال�شعراء ،ونظرة �سريعة
للعي�ش منذ البداية ور�ؤيتها بعين الحقيقة ،ومنذ بداية كتابتي على الح�ضارات الكبرى كيف تم تخليدهاَّ � ،إن
لل�شعر و�أنا تتملكني مقولة ل�صالح عبدال�صبور، ذلك ما تركه �شعرا�ؤها مثلما نرى في الح�ضارة
وهي (عندي �شهوة لإ�صالح العالم) .فال�شعر اليونانية والح�ضارة الفرعونية والح�ضارة
لي�س تعبيراً مجاني ًا عن العواطف� ،إنما حفر في الآ�شورية والح�ضارة العربية ،وهكذا ..و�إذا
ج�سد الواقع ،ومالم�سة لكل مفرداته ال�سيا�سية كان ال�شاعر بحكم تكوينه النف�سي والعاطفي
واالجتماعية .ولي�س عيب ًا �أن يعبر ال�شعر عن يح�س باالغتراب في الحياة ،ف� ّإن هذا االغتراب
الق�ضايا الكبرى ،خالف ًا لما يروجه البع�ض يتحول �إلى طاقة روحية يبثها في ق�صائد ِه،
من �أن الق�صيدة الحداثية هي بنت التفا�صيل فمن اغتراب ال�شاعر يولد �أمل المتلقي ،وهكذا..
من م�ؤلفاته
الح�ضاري والفكري ،الذي تتميز به المنطقة ¯ �أ�صدرت كتابين جدليين مهمين في الفكر
العربية .فلو نظرنا �إلى تاريخ ال�صحافة العربية، والثقافة ،قل لي :من يعي�ش على هذه التربة
�سنجد �أن ن�ش�أتها كانت ثقافية ،وكانت ق�صائد القلقة؟ الفكر دفقة ال�ضوء والحلم؟ �أم الإن�سان/
�إرث ال�شعراء هو �أحمد �شوقي وبيرم التون�سي تن�شر في ال�صفحة الحالم؟ تحت ميكرو�سكوب العولمة والنظام
الأولى من الجريدة� ..أما عن (�أدب ونقد)؛ في�أتي العالمي الجديد ،الذي وجدنا فيه �إن�سان ًا �أكثر
الذي خلد الح�ضارات �سبب وج��وده��ا بقوة على ال�ساحة الثقافية امتهان ًا وفقراً وقهراً و�ضياع ًا؟
الإن�سانية الكبرى العربية برغم �إمكانياتها الب�سيطة من الناحية -ح��اول��ت �أن �أر���ص��د م��ا يتعر�ض له
المادية ،وكونها الأكثر ح�ضوراً في الثقافة المبدعون والمفكرون من ت�ضييق ،وم�صادرة
الم�صرية ،من كونها �أخل�صت لفكرة الثقافة حرياتهم الإبداعية والفكرية عبر كتابين هما
الجادة ،و�إيمان ًا بتقديم �أفق التجديد في الإبداع (فقه الم�صادرة) و(الحرية و�أخواتها) ..حاولت
والنقد والفكر ،منذ ت�أ�سي�سها عام (.)١٩٨٤ تتجدد
ّ تلم�س �أوج��اع الثقافة العربية التي
با�ستمرار ،من خ�لال و�ضعية المثقف الذي
ً
الم�سرح �أي�ضا ،وح�صلت على جائزة َ يحمل م�شاعل التنوير في مجتمع يهم�ش دور ¯ كتبت
ال�شعر لي�س تعبيراً المعرفة ،بل ويلغيها �أحيان ًا ،لم�صلحة ثقافة توفيق الحكيم ..كيف تقيم الحركة الم�سرحية
مجاني ًا عن العواطف تقليدية ذات طابع �أبوي متخلف ،بالرغم من في بالدنا؟
-دعني �أقل في البدايةَّ � ،إن الم�سرح العربي � َّأن الثقافة هي �أحد حوائط ال�صد القوية في
بل حفر في ج�سد مواجهة القوى الظالمية التي تترب�ص بالأمة .من �أه��م التجارب الم�سرحية على الم�ستوى
الواقع بمقترحات العالمي خالل المئة عام الأخيرة .فهناك ك ّتاب
جمالية ¯ ككاتب و�شاعر و�صحافي ورئي�س تحرير يوازون التجارب الكبرى العالمية ،مثل :محمود
مجلة ثقافية وا�سعة االنت�شار في م�صر والوطن دي��اب و�سعداهلل ونو�س و�صالح عبدال�صبور..
ممن قدموا ر�ؤي��ة عربية في العربي ..كيف تقيم �صحافتنا الثقافية؟ البع�ض وغيرهم .ه ��ؤالء ّ
يراها مر�آ ًة مه�شمة ،ولماذا (�أدب ونقد) برغم الم�سرح .وحالي ًا تلعب المهرجانات الم�سرحية
العربية دوراً مهم ًا في تحريك المياه الراكدة، �إمكاناتها الب�سيطة الأكثر ح�ضوراً وانت�شاراً؟
-ال�صحافة الثقافية مظلومة في الوطن وكذلك ال��دور المهم للهيئة العربية للم�سرح،
العربي ب�شكل عام ،وفي م�صر ب�شكل خا�ص ،والتي �أن�ش�أها �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور
الثقافة �أحد حوائط فعدد المجالت الثقافية المتخ�ص�صة قليل �سلطان القا�سمي� .أنا متفائل بم�ستقبل الم�سرح
ال�صد القوية للغاية ال يتنا�سب مع حجم ال�سكان وال مع البعد العربي بخالف الكثيرين ،و�أعتقد �أن الكتابة
لمواجهة الظالم للم�سرح لها غ��واي��ة خا�صة،
والتخلف خا�صة الم�سرح ال�شعري ،الذي
ب����د�أت ف��ي كتابته وح�صلت
م�سرحيتي الأولى (الجرافة) على
جائزة توفيق الحكيم من وزارة
الثقافة الم�صرية ،وكتبت بعدها
ثالث م�سرحيات �أخرى ،حاولت
االقتراب من خاللها من الواقع.
توفيق الحكيم بيرم التون�سي
ويزداد تعجبه من عدم الوفاء عندما يوازن فا ّتجروا به و�أثروا ،وهو يتلوى م�سغب ًة وفاقة،
بين الإن�سان ،وبين الكلب الذي ال يدع �سيده أديب لمع نجمه وت�ألق وكان ي�ستمد فكم من � ٍ
مهما حل به من فاقة ،فال ي�شكو الجوع �أو �ضوءه و�إ�شراقه من نف�س الديب التي �صهرها
يت�سول ،بل ي�شاركه �شظف العي�ش: الألم فتوهجت ،و�إن بقيت را�سبة في البوتقة:
ك���ل��اب �إن ك��ل��ب��ت��ن��ا
ٌ ل���ي���ت ال���ع���ب���اد ي����ا �أم�������ةً ج��ه��ل��ت��ن��ي وه�����ي ع��ال��م��ة
تحملت ق�سطها ف��ي الب�ؤ�س �صابرة �أع��ي�����ش ف��ي��ك��م ب�ل�ا �أه�����لٍ وال وط���نٍ
كتب عليه ال�شقاء في ل��� ّم���ا ت����زل ل��ح��ف��اظ ال�����ود ع��ن��وان��ا ول��ي�����س ل��ي م��ن ح��ب��ي ٍ��ب ف��ي ربوعكم
حياته والزمه �سوء ِ
ت�ستجد �إن�سانا ت�شك جوع ًا ول��م
ُ لم �إن ال��ك��واك��ب م��ن ن����وري و�إ���ش��راق��ي
الحظ ك��ع��ي�����ش م��ن��ت��ج��ع ال���م���ع���روف �أفّ�����اقِ
ولما ا�شتدت بال�شاعر الفاقة ،و�ضاق به �إال الحبيبين� :أق�لام��ي و�أوراق����ي!
الحال؛ ت�سلل �إلى الأحزاب ال�سيا�سية ،يمدح هذا،
ويهجو ذاك ،ولم ي�سلم �أحد من هجائه الحارق، بل ا�ستمع �إليه وهو يبالغ في تقدير نف�سه،
وفي مقدمتهم :ال��وزراء والأع��ي��ان ،كما هجا وال تعجب! ف�إنه عزاء من جفاه الحظ ال�سعيد،
الأدباء ،ورجال ال�صحافة� ،أمثال :جبرائيل تقال وهو يرى من تغذوا بقلمه قد �سعدوا وظل �شقي ًا،
�صاحب جريدة الأهرام: و�أثروا وما فتئ ذا متربة.
ٍ وك��ان (ال��دي��ب) ي�صل �إل��ى ذروة الغ�ضب
ب��ح�����س��رة �إن ����ض���اع ع��م��ري �أم������وت
وقمة الغيظ من الواقع المحيط به ،فك�أنه يقف
ول������م �أن�������ج ال����ب��ل�اد وم������ن ع��ل��ي��ه��ا
في و�سط الطريق �شاهراً �سيفه على النا�س،
ول�����م �أظ����ف����ر ب���ج���ب���رائ���ي���لَ تَ��� ْق�ل�ا
م���ن (ال���������ش����وام) ت�������ش���ري���د ًا وق��ت�لا و�صارخ ًا ب�أعلى �صوته:
ي��م��ي��ن�� ًا ل��ئ��ن ل���م ي���ؤم��ن��وا بق�ضيتي
م�سيرته الحياتية بل �ضاق (ال��دي��ب) ذرع�� ًا ب�سائر الأدب��اء �س�أرقب ع��د ًال من ق�ضائي ،ف���إن �أب��وا
والأدبية �أ�شبه بق�صة والكتاب ،فهجاهم جميع ًا. لأم�����ض��ي �إل��ي��ه��م �سهم ظلمي م�سددا
تراجيدية يعرف ال�شاعر (الديب) ب�أنه �صاحب �أ�شهر �أب���ت ق��وت��ي ف��ي ال��ه��ج��و �أن تتقيدا
ق�صيدة بذيئة في ال�شعر المعا�صر ،وب�سبب
ك��ان يغلب على (ال��دي��ب) �ضيق ال�صدر كراهية النا�س لها لم يحفظها �أحد ،ولم تن�شر
بالحياة ،والتبرم بها ،والتمرد عليها ،فكان في كتاب! لكنها تك�شف عما تعر�ض له ال�شاعر
ي�صرح وال يكني ،تعبيراً عن فقره وما يعانيه من �ضياع نف�سي.
وم��ع ذل��ك؛ ك��ان (ال��دي��ب) يتمتع بالمرح من ذل ونكران يتجرعه ليل نهار .بل �صار
�ساخط ًا على العباد والبالد ،و�ساخط ًا على كل والدعابة ،وخفة الظل ،وربما ا�ستخدم �سالح
الدعابة للتخفيف من �شبح ال�ضياع ،وكابو�س �شيء حوله:
وق���د ���س��اء ظ��ن��ي ب��ال��ع��ب��اد جميعهم
ف�أجمعت �أم��ري في العداء و�أجمعوا
�سو�سن جالل..
لوحاتها حاالت ثقافية جمالية
خ�سرت الأو�ساط الفنية والثقافية الفنانة الت�شكيلية �سو�سن
جالل ،التي رحلت بدم�شق في � 29أبريل (2021م) ،وهي في
�أوج العطاء وال�شهرة ،وكانت منذ عقود ،قد �أعلنت اللوحة
تتداخل �ألوان كم�شروع ثقافي ،ي��روي حقائق حياتها وت�أمالتها ،ويف�سر
البهجة والفرح ح�سا�سيتها اللونية المتمادية في ال�شاعرية والغنائية.
�أديب مخزوم
والمو�سيقا الب�صرية
في �أعمالها باب النقا�ش �أو الحوار الثقافي المفيد ،كونها �سو�سن جالل كانت �إحدى �أكثر الفنانات
في هذه اللوحات تج�سد الزهور ال�شامية في كل ال�����س��وري��ات غ���زارة ف��ي الإن��ت��اج وال��ع��ر���ض،
�أ�شكالها و�ألوانها وعنا�صرها ،وبر�ؤى حلمية و�أعمالها المنجزة على الورق المقوى بمواد
�شفافة تلتقي مع تطلعات الحداثة والمعا�صرة، لونية متنوعة ت�شكل �إ�ضافة لتجاربها ال�سابقة
وهي من خالل تعاملها اليومي مع تقنيات في �إيقاعاتها وتقنياتها وجمالياتها ،وتفتح
للفن والعمل الت�شكيلي الفراغي في تنويعاته اللون المتنوعة في �أعمالها الأح��دث ،تطرح
وتوجهاته المختلفة. بع�ض القيم التعبيرية الوثيقة ال�صلة بت�أمالت
كانت تتم�سك بالحرية التعبيرية وتعاود فنون الع�صر ،على الأقل في تركيزها لإظهار
الر�سم بالمائي والإكريليك والزيتي ،ثم ت�ضيف �إ�شراقة و�شاعرية النور المتدفق عبر �إيقاعات
�أحيان ًا فوق الم�ساحات ال�شفافة( ،ته�شيرات) الت�شكيل والتلوين.
البا�ستيل الطب�شوري ،التي ت�أتي بعيدة كل لقد �أبرزت قدرات تعبيرية وتقنية وو�صلت
الغناء اللوني البعد عن الجماليات الخارجية ،كونها تتجه �إل��ى خ�صو�صية في ر�سم ال��زه��ور ،و�أف�سحت
المتتابع في �إطار نحو تفعيل الحوار الذاتي �أو اللغة التعبيرية لوحاتها المجال في اختيار زواي��ا متنوعة،
لوحاتها �أ�شبه بنوتات الداخلية ،ال�شيء الذي يعطي اللوحة مفهوم ًا �آخر في ت�شكيل لوحات الزهور بات�ساع ورحابة
مو�سيقية ب�صرية وواقعية جديدة ،حيث بدت �شاعرية و�شفافية �ألوانها ،ولقد كانت �ألوان الزهور والورود في
اللون �أ�شبه بواحة ورود وزه ��ور ،و�أ�ضحى مائياتها قابلة با�ستمرار لطواعية التغيير،
الغناء اللوني المتتابع في �إطار لوحاتها �أ�شبه كونها تعتمد تقنية متنوعة ومواد مختلفة في
بنوتات مو�سيقية ب�صرية لم�سيرتها الفنية �صياغة �إيقاعات مو�سيقية ال�شكل ،ومو�سيقية
الطويلة ،وما ع�صف بها من تغيرات وتبدالت الظالل ،التي تخت�صر بدورها تقا�سيم المفردات
وتحوالت وك�شوفات وانفعاالت . الواقعية ،نحو ت�شكيل تعبيري يعك�س وهج
ال�شم�س الذي يحيل �أماكن النور �إلى بيا�ض.
لهذا كان �إ�صرارها في �أعمالها الأخيرة االن��ف��ت��اح على �أل� ��وان ال� ��ورود وال��زه��ور
على البحث عن معنى جديد للم�ساحة ،من المحلية �أثمر في لوحات �سو�سن جالل �صياغة
�أجل �إيجاد حركة مو�سيقية ونغمية م�شحونة فنية حديثة ،تحمل نب�ض الرهافة والأناقة
بغنائية اللم�سة العفوية والتلقائية� ،ضمن �إطار وال�شاعرية ،وت ��ؤك��د مالمح �إ�سقاط ال��ذات،
اعتمدت في مراحلها الحلم الرومان�سي والإ�شراقة االنطباعية .كل وتعرفنا �إلى �إمكانياتها في تحريك �إيقاعات
الأخيرة على الألوان ذلك في خطوات البحث عن حقائق جمالية ظ�لال و�أن���وار العنا�صر الحاملة ف�سحة من
المائية والمختلطة جديدة ،لأن الو�صول �إل��ى اللوحة المغايرة، �شفافية ت��درج قطف الإح�سا�س ،و�صو ًال �إلى
يعني دوم ًا �إيجاد �أو ابتكار �أبجديتها ولغتها الوهج المتدرج في م�ساحة البيا�ض ،الذي يظهر
ومناخاتها الخا�صة المفتوحة على المفاج�آت ع�شقها للنور ولل�شفافية اللونية المتتابعة في
الدائمة. م�ساحة اللوحة.
م��ن �أه���م �صفاتها �أن لوحاتها تمحو لقد �أبرزت �أناقة و�شفافية �إ�شعاعات اللون
الخطوط بين العنا�صر ،فاللون هو الذي يحدد المحلي ال��ق��ادم من ت��أم�لات ام��ت��داد الزهور
العنا�صر ،وبذلك حققت في تطلعها وتجديدها وال ��ورود ،كما يمكن �أن نراها في حديقة �أو
ح��االت التوا�صل الحي والتناغم المطلق مع ب�ستان ،وبعيداً كل البعد عن النمط التقليدي في
الأط��روح��ات التحديثية التعبيرية الأ�شكال تج�سيد الزهور.
و����ص���و ًال �إل����ى التب�سيط نهج �سو�سن جالل الفني ي�شكل حلقة ال
التعبيري ،ال��ذي ال تغيب تنف�صل عن تاريخ الفن ال�سوري والعربي،
عنه �إ���ش��ارات و�إي��ح��اءات كما قدمت في مراحل �سابقة موا�ضيع الوجوه
الواقع. والعنا�صر الإن�سانية والطيور والأح�صنة
�إح�سا�سها المتوا�صل والعمارة القديمة وغيرها ،و�أ�سهمت بالتالي
وال��م��زم��ن باللون جعلها في �إيجاد تنويعات لعنا�صر ت�شكيلية �إيقاعية
تزاول طوال �أكثر من ن�صف واقعية ومفتر�ضة في عالمها الب�صري المتميز،
ق��رن اخ��ت��ب��ارات الحداثة، ه��ي التي ن�ش�أت ف��ي �أ���س��رة فنية ،وتفتحت
باحثة عن رحابة الم�ساحة عيناها على منحوتات ولوحات والدها الفنان
ال�����ش��اع��ري��ة ،ال��ت��ي تعطي الرائد محمود ج�لال� ،أح��د �أب��رز رواد و�أع�لام
ال��ل��ون م� ��داه الإي��ق��اع��ي، النحت والر�سم الواقعي ،وال��ذي تميز بن�صبه
ل��ي��ط��رب ال��ع��ي��ن ويحقق المرتبط بالعامل والفالح والعنا�صر المحلية،
ع��ن��ا���ص��ر ال��ده�����ش��ة .ولقد كما خا�ص �شقيقها الراحل خالد جالل غمار
ركزت في مجمل ت�أمالتها تجربة نحتية حديثة ،تبقى �شاهدة على ع�شقه
�سو�سن جالل
نجاة مكي..
تنحاز �ألوانها للأزرق
والأبي�ض
المخرج الم�سرحي
في خدمة المجتمع والثقافة الم�سرحية، الإن�سان �أن يكر�س نف�سه لهذا العمل المعقد، ا�ستفاد الناقد الم�سرحي في تطوير
بحكم �أن��ه الحكم بالن�سبة �إل��ى العرو�ض، فينبغي عليه �أن يتمتع بالمواهب المنا�سبة مناهجه من العلوم الإن�سانية ،و�أ�صبح
وه��و ق��ارئ �أك��ث��ر وع��ي� ًا وخ��ب��رة و�إل��م��ام� ًا من الطبيعة ولو ب�شكلها البدائي ،بعد ذلك �أك��ث��ر تخ�ص�ص ًا م��ن ذي قبل م��ت��ج��اوزاً
ب��الأف��ك��ار والتقنيات ،وع��دد ال ب��أ���س به ي�ستطيع تطوير الملكات الطبيعية بتمارين المناهج االنطباعية والنف�سية واالجتماعية
من النقاد الم�سرحيين بال ر�ؤي��ة للأمور، معينة للو�صول �إلى الحد الأدنى من العملية والتاريخية ،وانعك�س ذل��ك على مجمل
ويكتفون بتقديم وجهة نظر انطباعية الإبداعية. الت�صورات العامة لفن الم�سرح وب�ضمنها
وق��راءة �صحافية عن العر�ض الم�سرحي، من هنا ج��اء النقد ك�ضرورة ال غنى عمل المخرج ،وق��درة الناقد على الت�أويل
فغياب الناقد الم�سرحي المتخ�ص�ص في عنها ،مثل عالمة دالة تر�شد �إلى جوانب لم والإ�شارة �إلى معانٍ خفية ،بحيث ت�صبح
الندوات التطبيقية ،التي تلي العرو�ض ،وفي يكن المخرج على وجه الخ�صو�ص قد فطن فاعلية عمله منطلقة من تف�سيره للعر�ض
ال�صحافة على وج��ه الخ�صو�ص ،وتولي لها ،ف�ض ًال عن �أن النقد ي�شعل روح التناف�س الم�سرحي ،الذي يوفر فر�صة كبيرة للمقاربة
المحررين الثقافيين مهمة النقد الم�سرحي، بين الفنانين ليرتقي ب�أعمالهم ،وكذلك النقدية في اكت�شاف الأن�ساق التوا�صلية،
من دون �أن تكون لهم دراي��ة نظرية وال يك�شف عيوب المنتج الم�سرحي ،ويمهد في التي يمكن �أن ينتجها ا�شتغال المخرج على
تطبيقية بالم�سرح ،هو ما يجعل ما يكتب �أحيان �إلى اكت�شاف �أ�شكال جديدة للعمل عالمات العر�ض.
ف��ي ال�صحافة م��ن نقد م�سرحي ،ف��اق��داً الم�سرحي� ،إال �أن كل ذلك ال يمكن �أن يكون، لذلك ،بات دور مخرجي الم�سرح في
للمو�ضوعية في كثير من جوانبها. ما لم تكن العالقة بين المخرج والناقد الوقت الراهن �أكثر �سعة وتعقيداً ،بالنظر
فمنذ �أن ولد النقد ،والعالقة على طرفي على وف��اق ووئ��ام ور�ضا ،وكذلك القبول لوجود المدار�س الإخراجية المتعددة ،وكذلك
نقي�ض بين المخرج والناقد ،فالأول �صانع، واالقتناع بطروحات الآخ��ر ،ف��إن �أختلف ال��ق��راءات النقدية المتعددة ،والن�صو�ص
والثاني باحث عن �أوج��ه ومكامن الخلل، معك ال يعني �أنني �أكرهك� ،أن �أخالف ر�أيك الم�سرحية الكثيرة التي تتطلب درا�ستها
يتمها،
التي تركها ال�صانع وراءه دون �أن ّ وما ذهبت �إليه ،ال يعني �أنني �أحيلك �إلى درا���س��ة واف��ي��ة ،ودخ���ول التكنولوجيات
فال ه��ذا ير�ضى بف�ضح عثراته ،وال ذاك عدم وك�أنك لم تكن. والتقنيات في بنية العر�ض الم�سرحي .ومع
يقبل بالتغا�ضي عنها ،فيحتدم ال�صراع والنقد ال نق�صد به النقد ال�صحافي �أو تطور علم الم�سرح� ،ش�أنه �ش�أن باقي العلوم
حد القطيعة المبطنة� ،أو بينهما حتى ي�صل ّ النقد االنطباعي ،فنقاد من هذين ال�صنفين، الأخ���رى ،توجب على المخرج م�ضاعفة
العداوة الكامنة التي قد تنفجر في لحظة، هما في حالة وئام متبادل مع المخرجين، جهوده من �أجل الو�صول �إلى عتبات ذاك
وكم من ناقد و�صف بالعته �أو الخرف ،لأنه �إذ �إنهما يكتفيان بمالم�سة �سطحية عامة التطور على �أقل تقدير.
قال ر�أيه ال�صريح بالعر�ض ،وكم من مخرج للعر�ض الم�سرحي ،دون الدخول �إلى عمق كما �أن تعدد وتنوع المهام الإبداعية
وجهت �إليه �أح� ُّ�د ال�سهام ،ك��ون ر�ؤيته ال وتفا�صيل ال��ع��ر���ض ،وي��ح��دث��ون �أح��ي��ان� ًا للمخرج ،فر�ض عليه �أن يقابلها ثراء في
تتفق مع هوى الناقد ،وكالهما ال ي�صغيان ت�شوي�ش ًا على فهم ال��ق��ارئ ،في حين �أن القدرات الإبداعية عنده ،فهي المهنة الأكثر
لبع�ضهما .من �أجل ذلك ،ومن �أجل التوفيق �أ�س�س النقد الحقيقية ،تقوم على دور الناقد احتياج ًا �إلى تنوع في المواهب ،و�إذا �أراد
المخرج الم�سرحي يختار طرق التف�سير بين الناقد المعتز بر�أيه ،والمخرج المتم�سك
والت�أويل للن�ص ،فيبدع عر�ض ًا م�سرحي ًا ،بينما ب�أدواته ،وجب ال�سعي �إلى عقد هدنة �أو �إقامة
ي�سلك الناقد الم�سرحي ع��ادة طرق التحليل، �صلح بينهما ،عبر تغيير مفهوم النقد عند
�أي تحليل ما �آل �إليه تف�سير المخرج .فتف�سير االثنين ،من كونه �ساحة لل�صراع ونثر العثرات
تتطلب مهنة المخرج لي�س محدداً ب�شروط ،وهو غير محدد على الطرق� ،إلى كونه منطقة للنقا�ش والتحليل
الإخراج الم�سرحي بقواعد ثابتة �أو جامدة� ،إنه االجتهاد الإبداعي والتف�سير والت�أويل.
قدرات وموهبة الذي يوظف طاقات ومفاهيم لم تفكر يوم ًا فمهمة الناقد الم�سرحي اليوم� ،أكثر ع�سر ًا
� ٌّأي من القواعد الثابتة والمعايير باحتوائها من �أية مهمة نقدية ت�شمل قطاع ًا ثقافي ًا �أو فني ًا
�إبداعية متنوعة وال�سيطرة عليها� ،أو ب�إدخالها �ضمن منظومتها �آخ��ر ،باعتبار �أن الم�سرح مجموعة مكونات
الفكرية الخال�صة وال��ج��اه��زة� .أم ��ا تحليل كثيرة ،مدار�س وفل�سفات ومكونات متباينة
الناقد ،فيعتمد �آلية قد ال يحيد عنها( :ال�شروط وم��ف��ردات و�أ���ش��خ��ا���ص ومو�سيقا و�إ���ض��اءة
والأه� ��داف والغر�ض وال��وظ��ي��ف��ة .)...كما �أن و�أ�صوات ومفاهيم و�أفكار وقوالب وغيرها..
الإبداع يكون على الدوام وليد عملية التف�سير كلها تجعل المهمة ف��ي �صميم الم�س�ؤولية
والت�أويل ،والنقد الذي يعتمد التحليل دون �سواه الخطيرة ،وتحتاج �إلى قدرات واعية كبيرة� ،إن
يلحق دائم ًا بركب الر�ؤى الإخراجية الإبداعية، لم نقل �إلى م�ؤ�س�سات تعنى بهذا الفن العظيم.
�أ�صبح دور مخرجي فيعيد دائم ًا ح�ساباته مع الن�ص الم�سرحي ومع �إن المخرج الم�سرحي المنظم ،هو الذي
العر�ض الم�سرحي� .إن عالقة النقد الم�سرحي يراه الناقد في كل �شيء ،في «الميزان�سين»
الم�سرح حالي ًا �أكثر بالإبداع الدرامي وبالإخراج ،هو �شبيه بعالقة والديكور والم�ؤثرات ال�صوتية والإ�ضاءة ،وفي
تعقيداً مع تعدد العلم بالتكنولوجيا ،فنحن نوافق بع�ضهم الم�شاهد الجماعية ،ويدخل في اخت�صا�صه
المدار�س والقراءات الر�أي في وجود ممار�سة نقدية متطورة ،وهي جميع عنا�صر ال��ع��ر���ض ال��م�����س��رح��ي ،وف��ي
رهن وجود تراكم �إبداعي متطور �أي�ض ًا. مقدمتها �إبداع الممثل ،الذي يجب �أن ين�سجم
النقدية �إن العر�ض الم�سرحي يتحول من بين �أيدي م��ع بقية العنا�صر ف��ي ك � ٍّل واح�� ٍد متكامل.
مبدعيه لي�صبح ملك ًا لم�شاهديه ،ومن بينهم يقول المخرج الرو�سي �ألك�سي بوبوف( :على
النقاد� ،إذ يتلقون العمل الم�سرحي بحوا�سهم، المخرج ح�شد الجهود العامة والفردية في
فيكونون من خاللها م�شاركين ومت�أثرين، �سبيل تحقيق الخطة الفكرية والفنية الموحدة
باعتبار �أن الم�سرح فعل الممثل القادر على للعر�ض الم�سرحي ،وهي تتحقق من خالل فن
تج�سيد �صورة الإن�سان االجتماعي .من ذلك التكوين الإخراجي ،فهو مدعو لأن يعطي كل
توجب على المخرج ا�ستخدام حوا�سه الخم�س �صور العر�ض الم�سرحي توافق ًا عام ًا ،وجميع
�أثناء انغما�سه في مراقبة العالم بكل تنوع الأف��ع��ال ال��درام��ي��ة فيه منطقية م�شروعة،
�أ�شكاله ،فتراه يتحول من �أجل هذا بالتناوب؛ و�أخيراً �أن يعطي كل �أق�سام العر�ض الم�سرحي
يحتاج المخرج �إلى ر�سام تارة ،و�إلى نحات �أو مو�سيقي تارة تنا�سب ًا �ضروري ًا ،فالمخرج مثله مثل الكاتب
الم�سرحي الواعي �أخرى ،وهذه الحوا�س يجب �أن تكون في حالة والر�سام؛ غني بالو�سائل التعبيرية ،غير �أن
�إلى ناقد ينظر بعين جاهزية دائمة لتقبل الحياة ب�شكل ن�شيط. امتالك حرية التعبير الفني عند المخرج �أمر
�إن منهجية الناقد و�شفافيته ومهنيته في غاية ال�صعوبة ،ذلك �أن و�سيلة فنه مادة
الحياد للعر�ض وخبرته واحترامه لم�صداقيته وعمله ،وكذلك حية ومعقدة هي الإن�سان /الممثل) .من هنا
�سعة �صدر المخرج والنظر �إلى العمل الم�سرحي نرى �أن المخرج الم�سرحي الواعي والمتمكن
على �أن��ه منطقة للنقا�ش والبحث ،ه��ي من من �أدواته ،هو ناقد بنف�سه ،غير �أن قربه من
�ستديم العالقة ال�صحيحة بين مخرجي الم�سرح العر�ض الم�سرحي واندماجه فيه وان�صهاره
ونقاده ،و�ستبني �سوراً يحمي المنتج الم�سرحي في تفا�صيله ،يجعله بحاجة �إلى عين �أخرى
من الفو�ضى واالتكاء على الفر�ضيات الثابتة تنظر �إلى العر�ض بحياد ومحبة ،وهي بما ال
والأ�شكال الجامدة. يقبل ال�شك �أو الجدال عين الناقد.
نموذجان من الم�سرح
الفـرنـ�ســي الحديث
م�صـطـفـى العــقــــاد
مخرج عالمي بتوقيع عربي
�أحداثه على الظلم والتمييز الذي تعانيه طائفة �أم��ا �سر تفوق هذا الفيلم ،وال�ضجة التي ومن تلك النوعية ،واحتالل المراكز الأولى
تتعر�ض �إلى �إق�صاء متوا�صل وانتهاكات� ،سببها �أحدثها داخل المجتمع الهندي وحول العالم، على موقع IMDbلتقييم الأف�ل�ام ،فيلمان
النظام الموجود في الهند ،والمده�ش في هذا يعبر عن حركة جديدة ي�سهم فذلك يعود لكونه ّ هما( :العراب) الذي ح�صل على تقييم (،)9.1
العمل �أن يتولى فيه ممثلون من هذه الفئة للمرة في ن�شرها �شباب ال�سينما ،ووجد دعم ًا كبيراً و(الخال�ص من �شاو�شانك) الذي كان الأكثر
الأولى الأدوار الرئي�سية ،و�أن يكون ناطق ًا باللغة من المخرجين والممثلين الذين �أ�شادوا بالعمل تقييم ًا بنتيجة ( .)9.2ولكن مع نهاية العام
التاميلية المغمورة ،وال يكون من �إنتاجات الفني الفريد من نوعه. الما�ضي (2021م) ،كانت المفاج�أة ال�سينمائية
�أف�لام بوليوود ذات الموازنات ال�ضخمة ،و�أن فيلم (جاي بيم) من �إخراج كاتب ال�سيناريو غير المتوقعة� ،أن ي�أتي الفيلم الهندي «جاي
ت�شارك في دعمة وتقديمه من�صة البث التدفقي (ت.ج .جانافيل) ( 42عام ًا) والنجم �سوريا ب��ي��م» ويح�صل على نتيجة ( ،)9.6ليطيح
(�أم��ازون برايم) ،وقد قوبل بالإ�شادة لنجاحه �سيفاكومار الذي لعب دور البطولة ،وهو مبني بالفيلمين ال�سابقين بعد �سنوات من ت�صدرهما
في التعبير عن �أفراد الطبقة الدنيا باعتبارهم على ق�صة حقيقية تعود �إل��ى عام (1993م) تقييم الموقع ال�سينمائي ال�شهير ،لين�ضم �إلى
�ضحايا ال �صوت لهم. التما�س
ٍ لمحام حارب في المحكمة من �أجلٍ الئحة من الأعمال التي نطلق عليها �أفالم ًا
وبقدر ما ي��دور ه��ذا العمل ح��ول �سادية قدمته امر�أة ،بعدما احتجزت ال�شرطة زوجها ثم خالدة ،حيث ت�ستقي فكرة خلودها من قدرتها
ال�شرطة ،فهو �أي�ض ًا ير�صد طبقات المجتمع التي �أعلنته من عداد المفقودين ،وي�سلط ال�ضوء �ضمن على التعبير عن حاالت �إن�سانية.
المكان في روايات
عبدالرحمن منيف
والخطاب مالمح خا�صة ج�سدته �شخ�صي ًة تعد الأن�سنة من
اعتبارية ،وجعلته يت�صدر واجهة ال�سرد، �أروع القيم الجمالية
لكونه تجلى ب�ؤر ًة ت�شع منها المادة الروائية في الفن ،لأن الفنان
على �أن�ساق الن�ص الروائي ،وعمل على ربطه حينما ي�ؤن�سن الأمكنة
بالإن�سان ربط ًا رحمي ًا ،ولذلك �أ�صبحا ذات ًا والحيوانات والأ�شياء
واحدة). وظواهر الطبيعة في
�أحمد مر�شد في الف�صل الأول (تجليات �أن�سنة المكان د .مريم اغري�س عمله الفني ،يجعلنا
الدال على �شخ�صية اجتماعية)؛ ذهب الكاتب نتعرف ب�شكل جديد
ويجعلها �صاخبة في ف�ضائه ب�شكل �أعمق، �إلى �أن الذات الإن�سانية تتميز ب�سمات متنوعة يت�سم بالعمق والروعة� ،إلى تجليات العالم
و�أكثر ثراء وجما ًال). يمكن تق�سيمها �إلى ق�سمين� :سمات ح�سنة �أو الخارجي ال��ذي ي�صبح �أكثر حيوية وحياة
في الف�صل الثاني (تجليات �أن�سنة مكونات �إيجابية ،و�سمات �سيئة �أو �سلبية .وبالتالي و�إن�سانية ،ونتلم�س في الوقت نف�سه ر�ؤية
ال��م��ك��ان)؛ ي��رى الكاتب �أن �أن�سنة المكان ف�إن المكان في رواي��ات عبدالرحمن منيف الفنان الفكرية للحياة والمدى الإن�ساني الذي
تقت�ضي بال�ضرورة �أن�سنة مكوناته التي ا�صطبغ بهاتين ال�سمتين ،فال�سمات الإن�سانية تت�سم ب��ه ،ونعي الأ�سباب التي دفعته �إلى
ت�أتي في مقدمتها الطبيعة بكل عنا�صرها الح�سنة التي تميز بها المكان هي :الوعي، التعبير عن ر�ؤيته بهذا الأ�سلوب.
وظواهرها ،لذلك وجدنا عبدالرحمن منيف الوفاء ،التعاطف ،ال�شجاعة .وبهذه ال�سمات ولتقريب مو�ضوع الأن�سنة في الأعمال
في رواياته ي�ضفي عليها �صفات الإن�سان الإيجابية ا�ستطاع المكان �أن يحمي �أهله الأدبية من القارئ� ،سلط الناقد والأديب �أحمد
العاقل ،وم�شاعره ال�سامية ،و�إح�سا�سه الحاد، ال��ذي��ن يحت�ضنهم ،وي��ؤوي��ه��م م��ن ك��ل �أذى مر�شد �ضوءه على المكان وكيف تمت �أن�سنته
فقد �أحبتها �شخ�صيات رواي��ات��ه ،و�ألفتها تعر�ضوا له بف�ضل وعيه النا�ضج و�شجاعته. في روايات عبدالرحمن منيف ،من خالل عمل
وعاملتها معاملة �إن�سانية راقية .وب�أن�سنتها �أما ال�سمات الإن�سانية ال�سيئة �أو ال�سلبية يقع في (� )88صفحة من الحجم الكبير ،مق�سم
تكون قد خرجت عن وظيفتها البيولوجية التي ات�سم بها المكان في روايات عبدالرحمن �إل��ى ثالثة ف�صول ت�سبقها مقدمة ق�صيرة
�أو الطبيعية ،وقامت بدور �إن�ساني خالق هو منيف فهي :العجز ،التحول ،الخوف ،الق�سوة. ومذيلة بالئحة للم�صادر والمراجع ،وقد
الإح�سا�س بواقع الب�شر الأليم ،والتعاطف وقد كانت حا�ضرة بقوة في الأمكنة الآتية: اختار الكاتب روايات عبدالرحمن منيف ،لأن
معهم. (الطيبة ،حران ،وم��وران) في رواية (التيه)، هذا الأخير (منح المكان على م�ستوى الن�ص
في الف�صل الثالث (م�ستويات الأن�سنة)؛ وي�ستثنى من ذلك (وادي العيون) ،لأن الحكي
يرى الكاتب �أن الأمكنة ومكوناتها الطبيعية الروائي عن هذا المكان انتهى في الربع الأول
التي وردت في �أعمال عبدالرحمن منيف، من خما�سية (مدن الملح).
يمكن �أن ن�صنفها �ضمن ثالثة م�ستويات: لقد ا�ستطاع عبدالرحمن منيف من خالل
�أماكن �أف�ضل من الإن�سان� ،أماكن متوازنة المزج بين ال�سمات الح�سنة وال�سيئة ،تج�سيد
ومن�سجمة مع الإن�سان ،و�أماكن �أدن��ى من المكان تج�سيداً �إن�ساني ًا مو�ضوعي ًا ،وقد تجلت
الإن�سان .وب�شكل ع��ام؛ يمكن �أن نقول �إن ه��ذه ال�سمات الإن�سانية ب�شكل وا�ضح في
عبدالرحمن منيف ،حين �أن�سن الأمكنة روايتي (النهايات) و(مدن الملح) ،لأنه في
والحيوانات والطيور ،وغيرها ،في رواياته، هاتين الروايتين انتقل من التعبير عن المكان
�أعلى من �ش�أنها وقيمتها ومكانتها ،وحين بال�صيغة الفردية التي ا�ستخدمها في رواياته
قارنها بالإن�سان العاقل ،وف�ضلها عليه في التي �سبقت �إلى التعبير عن المكان بال�صيغة
بع�ض المواقف ،زاد من قيمتها و�إن�سانيتها، الجماعية ،وهذا االنتقال هو تطور في تعامله
وهذا التف�ضيل هو �إثبات لحالة ال�ضعف التي مع المكان .لأن المكان (لي�س فرداً فقط ،و�إن
تعتري الإن�سان ،و�إدان��ة له ،لأنه تخلى عن دل الفرد على الجماعة ،وج�سد ر�ؤية الم�ؤلف
قيم الإن�سانية والمثل والمبادئ ،وتقاع�س الدالة عليها ،والمكان الروائي بقدر ما فيه
عن ن�صرة �أخيه الإن�سان ،والإح�سا�س ب�أزمته من جماعة متفاعلة مع محيطها ف�إنه يمثل
وقت المحن. الحياة خير تمثيل ،ويعبر عنها ،ويدل عليها،
ق�ضايا النقد
في ال�شعر الجاهلي
عكاظ منا�سبة �شعرية �سنوية يجتمع فيها يقدم كتاب (�إج��راءات النقد وق�ضاياه
ال�شعراء ،فيكون الإن�شاد بح�ضرة �شاعر ناقد في ال�شعر الجاهلي) ،للناقد الدكتور فاروق
يوازن ويفا�ضل بين المن�شدين ،كما ا�شتهر ا�سليم ،وال�صادر حديث ًا (2021م) ،عن
النابغة الذبياني بذلك. دائ��رة الثقافة بال�شارقة� ،ضمن �سل�سلة
�أبرار الآغا جاء الباب الأول (تجليات نقد العرب قراءات لإجراءات نقد ال�شعر ٍ درا�سات نقدية،
لل�شعر قبل الإ�سالم) ،وفيه ثالثة ف�صول: ووظائفه ،وق�ضاياه المختلفة ،لدى العرب
والفخر والمديح واالعتذار والهجاء والرثاء. (�أوليات نقد العرب لل�شعر) ،و(�أقوال العرب قبل الإ���س�لام ،ول��دى من في حكمهم من
ويتجلى نقد ال�شاعر الجاهلي لإبداعه الناقدة لل�شعر) ،و(ال�شاعر ناقداً لل�شعر)، المخ�ضرمين.
ال�شعري في معاناته برهة الإبداع ،واختيار وبين �أن نقد العرب لل�شعر ن�ش�أ في �سياق ّ وبين الناقد �أن ال�شفاهية كانت الو�سيلة ّ
�أف�ضل ال�صور والمعاني والأل��ف��اظ ،كما تطور التجربة ال�شعرية من االرتجال فني ًا الرئي�سة لنقل ثقافة العرب قبل الإ�سالم،
ان�شغل ال�شاعر بنقد �شعر غيره ،م�ضمراً وجمالي ًا �إلى االنتظام ،معبراً عنها ب�أربعة فالن�صو�ص النقدية التي و�صلت �إلينا
مقارنة بين �شعره و�شعر غيره. معالم رئي�سة ،ه��ي( :التق�صيد) ويعني مقاربة لحقيقتها الأول���ى ،المعبرة عن
وي�ضم ال��ب��اب ال��ث��ان��ي (ق�ضايا نقد مرحلة تجاوز ال�شعر زم��ن المقطعة �إلى جوهر وعي العرب في الجاهلية لل�شعر ،و�أن
العرب لل�شعر قبل الإ�سالم) ثالثة ف�صول، زمن الق�صيدة المطولة ،وكانت نتيجة نقد بع�ضها و�صلنا على نحو دقيق.
هي( :وعي العرب لوظائف ال�شعر) ،و(وعي ال�شعراء للمنجز ال�شعري ،وكان امر�ؤ القي�س و�أو�ضح في توطئة الكتاب� ،أن ال�شعر
العرب ل�ل�إب��داع العربي) ،و(وع��ي العرب �أول من �أتقن فن التق�صيد وو�ضع له تقاليده ال��ع��رب��ي م��ر ب��م��راح��ل ت��ط��ور ،ن��م��ت فيها
لثنائيات ق�ضايا نقد ال�شعر) .و�أرجع العرب التي �سار عليها ال�شعراء قبل الإ�سالم وبعده. تجارب ال�شعراء من حالتي الإن�شاد الديني،
قبل الإ�سالم �إبداعهم ال�شعري �إلى �أنه وحي وتال مرحلة التق�صيد مرحلة (االختيار)، و�أغ��ان��ي ال��ع��م��ل� ،إل ��ى مرحلة الق�صيدة
من الجن ،ومنهم من �أرجعه �إلى الموهبة وك��ان��ت �أول��ي��ة النقد باختيار الق�صائد المتعددة المو�ضوعات ،و�أ�سهم فيها ال�شعراء
الموروثة ،ومنهم من �أرجعه �إليهما مع ًا، الجياد للتدوين والتعليق من عمل النخب المبدعون عبر نقدهم لتجاربهم ولتجارب
ويتمظهر ذل��ك في مظهرين :تفاعل بين المتلقية لل�شعر ،راف��ق ذلك مرحلة �ألقاب غيرهم م��ن ال�����ش��ع��راء ،ع�ل�اوة على تطور
وحي الجن والموهبة ،وتفاعل بين �شاعر ال�شعراء الفنية ومرحلة الم�صطلحات الفنية المجتمع في بع�ض البيئات ،ك�سوق عكاظ،
و�آخ��ر .واهتم ال�شعراء بتنمية القدرة على ال�شعرية ،وتمثل �ألقاب ال�شعراء في الجاهلية ومكة ،ويثرب ،ثقافي ًا ولغوي ًا وفني ًا.
الإب��داع بالثقافة والرواية وتحدي �شاعر حكم ًا مجتمعي ًا على �أ�شعارهم ،ولها طابع و�أ�شار ا�سليم� ،إلى �أن العرب قبل الإ�سالم
لآخر والتغني بال�شعر و�شحذ القريحة. ع��ام وج��زئ��ي خ��ا���ص ،حيث �إن الأل��ق��اب اه��ت��م��وا بالف�صاحة وعالقتها بال�شعر
و�أو�ضح ا�سليم �أن العرب في الجاهلية الفنية العامة مبينة على نظرة عامة على والذات القبلية ،فكانت �سمة الزمة لإبداعهم
عبروا عن وجهات نظر نقدية في ق�ضايا �شعر ال�شاعر ،و�أقدمها لقب مهلهل� .أما ال�شعري الأكثر ح�ضوراً و�شيوع ًا وت�أثيراً،
ثنائية ،منها :التقليد والتجديد ،والأ�صالة الم�صطلحات ال�شعرية؛ فقد بلغ القليل منها منوه ًا �إلى �أن ال�شعر كان �سبب ًا رئي�س ًا في
واالنتحال ،وال�صدق وال��ك��ذب ،ومحا�سن درجة التمام الم�صطلحي. رفعة منزلة عدد من ال�شعراء ،فبه تكتمل
ال�شعر وم�ساوئه ..فقد حاول بع�ض ال�شعراء و�أف ��اد الناقد ب ��أن نقد العرب لل�شعر ال�سيادة والفرو�سية لدى ال�سادة والفر�سان.
تجاوز التقاليد الرا�سخة ،ويتجلى �أول الجاهلي له مظهران ،نقد ال�شعر بالقول ولفت �إلى �أن ال�شعر� ،إن�شاداً ونقداً ،كان
تجاوز في االنتقال من نمط المقطعة �إلى ن��ث��راً ،ون��ق��ده بالقول �شعراً ،ويغلب على من�شط ًا رئي�س ًا للعرب في الجاهلية ،وفي
نمط الق�صيدة ،وحر�ص متلقو ال�شعر على الأول �أن��ه��ا �إ� ��ش ��ارات م��وج��زة و�سريعة والمقاول والقبائل في َ مجال�س الملوك
الت�أكد من �أ�صالة �إب��داع ال�شاعر ،في حين وع��ام��ة ،كما ج��اء ف��ي تقديم �شاعر على ال��ب��وادي ،وف��ي مكة ويثرب ،ويمثل �سوق
حر�ص ال�شعراء على �أ�صالة �شعرهم و�صدقه؛ غيره با�ستخدام ا�سم التف�ضيل �أ�شعر� .أما
�إال �أن ذلك ال ينفي كذب بع�ضهم في المديح الثاني؛ فيغلب عليه طابع ال�صورة ال�شعرية
والهجاء .ومن �أبرز معايير محا�سن ال�شعر، التي لج�أ لها ال�شعراء لإب���راز �أفكارهم م ّثل �سوق عكاظ منا�سبة
�أن يكون ال�شعر وا�ضح ًا ال ا�ضطراب فيه، النقدية ،كما �شكلت الفرو�سية في حياة �سنوية تجمع بين ال�شعر
و�أن تكون معانيه منا�سبة للمقام وقيم الجاهليين مظهراً نقدي ًا لل�شعر بال�شعر،
المجتمع. وب���رزت مو�ضوعات ال�شعر كالحما�سة
والنقد
روبرت غرين
وثقـافـة النجـاح
التعامل معها .وقد �أو�ضح الكاتب الأمريكي ول�����د (روب������رت
عدة طرق للتعاي�ش معها �أو تجنبها� ،سواء غ� ��ري� ��ن) ف� ��ي (14
في العمل �أو عالقاتنا مع الآخرين ،فبداي ًة م���اي���و 1959م)،
الكاتب ين�صح القارئ ب�أن ال ي�سحب ال�ضوء هو كاتب ومتحدث
من رئي�سه في العمل ،و�أال ي�ضع الثقة الكاملة �أم���ري���ك���ي ا���ش��ت��ه��ر
في الأ�صدقاء ،وعدم الت�صريح بالنوايا لأي بكتبه ح��ول النفوذ
روبرت غرين
�شخ�ص منهم ،ويجب عليك االمتناع عن نهلة خر�ستوفيد�س واال���س��ت��رات��ي��ج��ي��ات،
وعدم �إعطاء وعود كثيرة ربما لن نتمكن �إعطاء معلومات �شخ�صية لأي �شخ�ص بكل و�أل ��ف خم�سة كتب،
من الوفاء بها. �سهولة ،فمن الممكن ا�ستغاللها في �أغرا�ض وكان الأكثر مبيع ًا كتاب ي�ضع فيه (48
و�أ�شار �إلى �أن التظاهر بالغباء وعدم �أخ����رى ،و���ض��رورة االح��ت��ف��اظ بال�صورة قانون ًا للقوة) ،ويزعم الكاتب �أنه جمعها
الفهم �أح��ي��ان � ًا مفيد ،لأن ه��ن��اك بع�ض وال�سمعة الطيبة لمن حولك وو�ضع نف�سك من خالل التجارب الب�شرية المختلفة عبر
الأ�شخا�ص ال يحبون ال�شخ�ص الذكي، في قالب ال�شخ�ص الناجح القوي. ثالثة �آالف �سنة ،م�ست�شهداً بمئات الأمثلة
و�أهمية ا�ستخدامنا �سيا�سة االن�سحاب وا�ستطرد الكاتب �أي�ض ًا في �ضرورة والق�ص�ص ومعتمداً على المخزون الثقافي
�إذا �شعرنا بوجودنا في مو�ضع �ضعف، وجودك تحت الأ�ضواء و�أمام �أعين النا�س من كل ال�شعوب ،وقد بيع �أكثر من ()1.2
والتركيز على تقويتها لنرجع مرة �أخرى دوم ًا ،ومن الممكن �أن يكون القائد في و�سط مليون ن�سخة في الواليات المتحدة وحدها،
بكامل قوتنا ،فالأف�ضل حينها �أن نركز المجموعة وي��وزع عليهم بع�ض الأعمال وك��ان��ت نقطة تحول ف��ي حياته .يتكون
على م�صادر قوتنا وتطويرها .و�أ�ضاف �أف�ضل من �أن يكون تابع ًا لهم ،مع تجنب الكتاب م��ن ( )48ق��اع��دة تتطلب الكثير
�أن��ه يمكننا القيام ب��دور الو�سيط وتقديم النقا�شات الكثيرة والثرثرة وال�سعي لتحقيق من الحنكة والبراعة في تتبعها ،مع �أخذ
اقتراحات جيدة والمواظبة على اكت�شاف نتائج ناجحة. الحيطة والحذر مع قوة الإغ��واء والتعامل
الذات ،والحر�ص ،حيث ال يمكنهم �أخذ �أي و�أ���ش��ار �أي�ض ًا �إل��ى تجنب الأ�شخا�ص مع الآخرين.
خط�أ علينا ،ومن الرائع جداً �أن يكون لك المحبطين واالبتعاد عن طاقاتهم ال�سلبية وبمعنى �آخ��ر؛ فالكتاب يلخ�ص كيف
مبد�أ وق�ضية تدافع عنها ،وجعلها تف�سيراً حتى ال ن�صاب ب��ال��ع��دوى ،و�أن نتم�سك تم�سك بزمام الأم��ور حتى ت�صل لأحالمك
ل��ردود �أفعالنا وت�صرفاتنا ،والمواجهة بالإيجابيين والناجحين والأ�شخا�ص با�ستخدام قوتك الداخلية .وه��ذا الكتاب
والدخول بكل جر�أة وثبات في �أي موقف. �أ�صحاب النفوذ والقوة. ثقافي يهدف �إل��ى تطوير ال��ذات ومعرفة
و�أكد الكاتب �أي�ض ًا �أهمية التخطيط لكل وم��ن وجهة نظر الكاتب �أي�����ض� ًا� ،أن نقاط القوة وال�ضعف في الأ�شخا�ص وكيفية
�شيء حتى النهاية وبكل مرونة ،وعدم نجعل الأ�شخا�ص يعتمدون علينا ب�صفة
�سرد تفا�صيل نجاحاتك و�إنجازاتك ،ولكن م�ستمرة ،و�أن نكون نحن الم�صدر الوحيد
اجعل الجميع ي�ست�شعرون ب�أنك لم تجتهد لهم في المعلومات ،و�أن نعبر عن جزء
وكان الأمر �سه ًال ومي�سراً بالن�سبة �إليك، �صغير من الحقيقة وال نبوح بكل الحقائق
و�أن تظل قوتك العقلية مر�سخة ومرتبطة الخا�صة بنا ،مع عدم طلب �أي م�ساعدة من
بعقلهم ،وتمتع بالعقل الملكي وكن �أنت �أحد ،لكن يف�ضل �أن تكون مقابل م�صلحة
الملك وتعامل من هذا المنطلق واكت�شف م�شتركة.
نقاط �ضعف الآخرين للتغلب عليهم ،وكن و�أك��د م��رة �أخ��رى �أن��ه من الممكن �أن
خبيراً في �إدارة الوقت .و�أ�ضاف �أي�ض ًا �أنه نتغيب بع�ض الوقت حتى يفتقدونا ،ونجعل
من ال�ضروري خلق م�شهد مثير لالنتباه ت�صرفاتنا غير متوقعة ،مع الغمو�ض في
وو�ضع نف�سك في قالب ال�شخ�ص الخارق �سلوكنا� ،إ�ضافة �إل��ى ع��دم االن��ع��زال عن
وخلق ق�صة لإبهارهم ف�ستجدهم مهتمين النا�س ،ولكن نتميز ب�شخ�صية منفردة وال
بك ب�شكل عجيب وعقلهم معك ...فكر كما ن�شبه �أح ��داً .وح�� ّذر من الغ�ضب وخ�سارة
يحلو ل��ك �أن��ت ول��ك��ن ت�صرف كما يحب الأ�صدقاء لأنه وقتها لن ن�ستطيع التمييز
النا�س. بين ال�شخ�ص ال�صحيح وال�شخ�ص الخط�أ،
عبدالحكيم الزبيدي
قدم حالة النفي لن�ص ت�أملي
َّ
�أر���ض العدل وال��ع��ز ،وق��د تدفق فيها نبع ج������اء ع���ن���وان
المحبة والعطاء والكرم والت�سامح: المجموعة ال�شعرية
ه��ذي ب�لاد العال �أر����ض الإم���اراتِ (م��راي��ا ال تعك�س)،
ِ
والم�سرات �أر���ض الهنا والأم��ان��ي وال�����ص��ادرة ع��ن دار
�أر����ض ت�لاق��ت على �أرج��ائ��ه��ا �أم��م روا����ش���ن ،ل��ل��دك��ت��ور
��ات �شتى ال��ل��غ��ات ت�لاق��ت وال��دي��ان ِ ال�شاعر عبدالحكيم
ت��ع��ي�����ش ف��ي��ه��ا ب��ع��ز وه����ي �آم��ن��ة د� .سعاد عريقات الزبيدي؛ ليقدم حالة
د .عبد الحكيم الزبيدي
ِ
الم�ساحات يرفرف العدل في كل النفي لن�ص ت�أملي،
الفرح ،ويرمي هذا الحزن وهذا الألم: ك���أن��ه��ا ج��ن��ة ف��ي الأر������ض وارف���ة عبر ا�ستح�ضار الذكريات والما�ضي الحافل
ت��ع��ال��ي ف��ي رب���ى الأح��ل�ا ِم زينات ِ بدت على الكون في �أث��واب بالجمال والحب ،وقد تغيرت الأحوال ،حتى
ن�����غ�����رق ك������ل م������أ������س�����اةِ يتغنى ال�شاعر بعبقرية الأديب العربي المرايا التي كانت تعك�س ما حولها ،تعطلت
ون���ط���ل���ق روح����ن����ا ط���ي���ر ًا الكبير علي �أحمد باكثير ،ابن اليمن المبدع، وتوقفت عن الحياة ،وه��ذا ت�شبيه رمزي،
ي��ح��ل��ق ف����ي ال�������س���م ِ
���وات الذي �شكل عالمة فارقة في الأدب العربي ي�ستدرك الحال التي و�صل �إليها ال�شاعر ،من
ب��ع��ي ً��دا ع��ن ع��ي��ون الخلقِ التاريخي ،والذي �أ�سهم ب�أعماله في الم�سرح حزن ولوعة وحنين.
وال �آتِ ال دانٍ ال�شعري والقومي ،وفي الأعمال التاريخية وي�ستذكر ال�شاعر مناقب وم�آثر ال�شيخ
���ي ال��م��ا���ض��ين��ع��ي��د ل���ي���ال َ ال��ت��ي ق��دم��ت ع��ب��ر ال ��درام ��ا ال�سينمائية زايد في ق�صيدته (ذكرى زايد الخير) ،يعد
ِ
وب�������س���م���ات أف��������راح
ٍ ب��������� والتلفزيونية: مناقب ال�شيخ زايد الذي �أ�س�س دولة اتحاد
ويعود ليتغنى ال�شاعر بالآباء والأجداد ه����ذا ���ش��ع��اع��ك م�����ش��رق وم��ن��ي ُ��ر الإم����ارات ،على ال�شموخ وال��ع��ز؛ لتزدهر
الذين ورثوا المجد والعزة والكرامة ،وزرعوه ي��م�����ض��ي ال���زم���ان وظ��ل��ه م��ن�����ش��و ُر وتطاول الأقمار والنجوم ،تاركا �أبناءه
في نفو�س �أبنائهم ،ين�شرون العدل والعلم، ي�صل الع�صور �إل��ى الع�صور ك�أنما يكملون م�سيرة البناء ،وقد �ساروا على درب
وقد �ساد الأمن والحب والعدل واالزدهار. ي��ط��وى �إل��ي��ه ال��ع��م��ر وه���و ده���و ُر العز وال�شموخ والإباء:
(�أي��ه��ا ال�����س��ائ��ل ع��ن �أخ �ل�اق �آب��ائ��ي/ ف�����إذا ب��ه وال���ق���رن يف�صل بيننا في و�صف (زاي��د) من م�آثر ف�ضله
و�أج���دادي /ترفق� /أن��ت ال تعرف /كيف ح���ي ي������ؤوب ف���ي ال��ح��م��ى وي����دو ُر ت��ق��ف ال���ح���روف �أم��ام��ه��ن ح��ي��ارى
الخير فيهم /يتدفق� /أنت ال ت��دري /ب�أن وعانى الفراق ،وقد انفطر الحزن في وي��ت��غ��ن��ى ال�����ش��اع��ر ب��ع�����ش��ق��ه للوطن
النور من كثبانهم /للكون� /أ�شرق). قلبه ،على �صديقه الذي مات في (عمان) (الإم��ارات) �أر���ض العال والمجد والكرامة،
وتهيم ب��ه م�شاعر االغ��ت��راب والفقد، بعيداً ع��ن الأه ��ل والأ���ص��ح��اب ،م�ستذكراً
ليعود ويقف على �أطالل دار من رحلوا ،وقد خ�صاله والذكريات التي مرت بهما ،والأيام
�أخذهم الموت ،فلم يبق غير الحجارة ،وغاب التي جمعتهما ،ي�صبر نف�سه على هذا الفراق،
نورهم والبهجة عن المنزل ،و�صار م�أوى لكنه ال ي�ستطيع وقد �أ�ضناه الفراق:
للحزن والك�آبة ،بعد �أن كان مرتع ًا للفرح: ���ي الت�صبر ���ص��ب��رت ول��ك��ن �أي���ن ف ّ
يا عين �صبي من دموعك واذرف��ي وف���ي ال��ق��ل��ب �آه�����ات ون����ار ت�سعر
بكّى �صديق العمر والخل الوفي �أك��ت��م ح��زن�� ًا ف��ي ال���ف����ؤاد وغ��ي��ره
بكّى (�أب���ا حمد) الحبيب ومثله ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن��ي دم��ع��ه��ا يتحور
ُي��ب��ك��ى ع��ل��ي��ه ب��ح�����س��رة وت��ل��ه ِ
��ف �أب��ك��ي دف��ي��ن�� ًا غ��ال��ه ال��م��وت نائب ًا
وت�سافر ب��ه الأم��ن��ي��ات وتبعده عمن ب�أعلى ذرا (عمان) والقطر يمطر
يحب ،في�سافر لكن هذا ال�سفر قد حرمه من وي�ستح�ضر الحلم الذي ي�سكن دواخله،
يحب وتجرع فيه علقم االغتراب والبعد يحاول ا�ستمطار الما�ضي ليعود حيث هذا
والحرمان ،فعاد لبثها �أ�شواقه ،لكن �شاءت الحلم� ،أو عله ي�ستح�ضر الحبيبة ،وتلك
الأق����دار غير م��ا ���ش��اء و���ص��ارت م��ن �أه��ل الأي���ام؛ لتغدو واق��ع � ًا ،ولي�س مجرد حلم
المقابر. يدعوها لت�أتي ،ليطلقا روحيهما ،حيث
واقع وم�ستقبل
الق�صة الق�صيرة عربي ًا
هذا التجريب �أ�سهم في فتح �أفق الكتابة موازٍ للرواية ،ولكنه يختلف عنه في الوقت
الق�ص�صية الحديثة ،ما دعا �إلى انت�شار �أو�سع نف�سه ،وهو ما جعله ي�صبح �أكثر �إقناع ًا في
لفن الق�صة الق�صيرة عالمي ًا ،وخ�صو�ص ًا بعد قبول خ�صائ�صه ومميزاته المتفردة فني ًا
ما راج ما ي�سمى بالحداثة الأدبية ،ف�شهدنا وفكري ًا.
�إقبا ًال كبيراً من الق�صا�صين على التجريب وبدرا�سة هذه المقارنة مع الرواية ،وجد نواف يون�س
وخ�صو�ص ًا ف��ي ال�سياق الفني ،فتعددت النقاد االختالف مع الق�صة ،في الأزمنة
التيارات واالت��ج��اه��ات وال��م��دار���س الفنية والأح����داث وال�شخ�صيات والأم��ك��ن��ة ،ف ��إذا يعد فن الق�صة الق�صيرة ،من �أحدث الفنون
وت�ضاربت فيما بينها ،ما �أث��رى الم�شهد كان زمن الحدث في الرواية ي�ستغرق زمن ًا الأدبية من حيث الن�ش�أة� ،إذا ما قي�س بتاريخ
الق�ص�صي وفاعليته من جهة ،وا�ست�سهاله لا ،يمتد �إل��ى ح��ي��وات م��ت��ع��ددة ،وعبر
ط��وي� ً الرواية �أو ال�شعر �أو بقية الفنون والأجنا�س
وكثرة المنتمين �إليه ،ومن جهة �أخرى مازاد �أجيال متتالية ،ف�إن زمن الق�صة الق�صيرة، الأخ�����رى ،وب��ال��رج��وع �إل���ى ن��ق��اد الق�صة
م��ن �إ�شكاليته اخ��ت�لاف النقاد و�أقالمهم يقت�صر على وحدة زمنية محددة ،ربما لحظة الق�صيرة ،فقد اعتمدوا ظهور جن�س الق�صة
و�أفكارهم مع ت�ضارب �آرائ��ه��م وتنظيرهم �أو �ساعة �أو يوم� ،أما بالن�سبة لل�شخ�صيات الق�صيرة لأول مرة ،مع نهاية القرن التا�سع
لمعايير وا�ضحة وجلية لهذا الفن الق�ص�صي والأبطال ،والتي تتعدد وتعج بها الرواية، ع�شر� ،أو بدايات القرن الع�شرين ،وهي بذلك
الحديث. ف�إن الق�صة الق�صيرة تكتفي ب�شخ�صية واحدة ال تمت للما�ضي ب�صلة ،بل وكما يحلو لبع�ض
�أم��ا بالن�سبة �إل��ى الم�شهد الق�ص�صي وبطل واح��د ،وال ب�أ�س ب�شخ�صيات �أخ��رى النقاد ت�سميتها بمولود القرن الع�شرين ،حيث
العربي ،فقد الحت في بدايات ال�سبعينيات عابرة على هام�ش الأمر ،وهو ما ينطبق على انطلقت �أو ًال من رو�سيا و�أمريكا ،مع كتابات
وحتى نهاية الأل��ف��ي��ة الثانية� ،إ���ش��راق��ات الحدث وال��ذي تركز عليه الق�صة الق�صيرة، جوجول و�إدج��ار �آلن بو ،ثم تتابع ظهورها
الفتة� ،شملت م�شرق الوطن الكبير ومغربه، وتحفر فيه ب�ؤرتها ،عك�س الرواية التي يمتد في فرن�سا و�إنجلترا ،ولم تم�ض فترة وجيزة
وب���رزت �أ���س��م��اء ق�ص�صية ت��ب��و�أت الم�شهد الحدث فيها ويت�شظى �إل��ى �أح ��داث �أخ��رى حتى انت�شرت الق�صة الق�صيرة في العالم،
الثقافي العربي ،منها على �سبيل المثال مرتبطة بالحدث الرئي�س بطريقة مبا�شرة �أو وكثر كتابها ،وت��ع��ددت اتجاهاتها ،حتى
محمد خ�ضير وزكريا تامر ويحيى الطاهر غير مبا�شرة� ،إ�ضافة �إلى �أن الق�صة الق�صيرة �أ�صبح لها الآن معاهد متخ�ص�صة لتدري�سها.
عبداهلل ووا�سيني الأع��رج ور�شيد بوجدرة انفردت بالتوغل داخل �أبعاد النف�س و�أعماقها وين�صف الكاتب الكبير مك�سيم جورجي،
وعزالدين المدني ،وكانت ذات اتجاهات الدفينة عبر «المونولوج» والحوار الداخلي القا�ص الأول نيقوالي جوجول ،بمقولته
واقعية ورمزية تجريبية وذلك نتيجة اهتمام لل�شخ�صية. ال�شهيرة( :لقد خرجنا جميع ًا من معطف
الم�ؤ�س�سات المعنية ثقافي ًا ،فخ�ص�صت لها وكان �أن �أخذت الق�صة �شرعيتها الفنية، ج��وج��ل) ،ويق�صد ب��ذل��ك ق�صته ال�شهيرة
نواد للق�صة �إلىالجوائز والم�سابقات و�إن�شاء ٍ منذ ذلك الوقت �ضمن �سياق فني ،يتوافر فيه «المعطف» ال��ذي ب��د�أت بعده ،موجة ظهور
جانب تبني ال�صفحات الثقافية في ال�صحف الزمن والحدث والمكان وال�شخ�صية ،وي�ؤطر كتاب للق�صة الق�صيرة ،ت��ن��اول��وا وخطوا
اليومية والمجالت الثقافية الأ�سبوعية بطريقة مت�سل�سلة (بداية – حبكة -نهاية) ب�أقالمهم ق�ضايا وهموم وفكر مجتمعاتهم
وال�شهرية للكثير من كتاب الق�صة الواعدين. وظل الحال على و�ضعه هذا نحو مئة �سنة، ب��ف��ن ج��دي��د ،م��ن��ه��م ع��ل��ى �سبيل ال��م��ث��ال
�إال �أن خفوت ًا وا���ض��ح� ًا الم�����س مكانة وت��ح��دي��داً ف��ي منت�صف خم�سينيات القرن «موبا�سان» في فرن�سا و«ت�شيخوف» في
ومقام الق�صة في ال�سنوات الأخيرة ،وحدث الفائت� ،إذ ب��رزت كوكبة من الق�صا�صين رو�سيا ،وهو ما �أثار اهتمام النقاد في العالم،
انزياح كبير للق�صة والق�صا�صين ،مقارنة في فرن�سا ،قررت خلخلة هذا ال�صرح الفني فلج�ؤوا �إلى مقارنة هذا الفن الأدبي الجديد
بالرواية وال�شعر والم�سرح ،برغم �أنها جن�س المعتمد للق�صة ،وعدم التقيد بتلك الفنيات بفن �أدبي �آخر هو الرواية ،وتو�صلوا من خالل
�أدبي يتميز بالقدرة على ا�ستمرارية التطور التقليدية ،ومنهم ناتالي �ساروت و�آالن روب هذه المقارنات� ،إلى خال�صات فنية �أ�سبغت
ومواكبة المتغيرات والتحوالت المجتمعية، جرييه ومي�شيل بوتور ،فالتزموا خ�صو�صية على هذا الفن �شرعيته الفنية كجن�س �أدبي
وه��و ما يجعلنا نتوج�س خيفة على مدى الزمن وال�شخ�صية والحدث ،ولكنهم تعدوا على
جاهزية هذا الفن الق�ص�صي للتطور وتر�سيخ الت�سل�سل (بداية – حبكة -نهاية)� ،إذ بد�ؤوا لقد خرجنا جميع ًا من
ثوابته الفنية والفكرية في الم�شهد الثقافي من الو�سط �أو الحبكة ثم العودة �إلى البداية،
«معطف» جوجول
العربي م�ستقب ًال. ومن ثم النهاية.