Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 94

‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬

‫‪1‬‬

‫تمويُل المَس اكن من أموال الّز َك اة‬


‫المقدم إلى الفعالية السابعة ضمن فعاليات‬
‫موقع الفقه اإلسالمي‬

‫إعداد‬
‫محَّم د بن موسى بن مصطفى الَّد الي‬
‫الباحث بمركز الدراسات والبحوث الفقهية‬
‫بموقع الفقه اإلسالمي‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪2‬‬

‫‪‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪3‬‬

‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬


‫احلمد هلل جمزل العطاء ومسبغ الِّنعم‪ ،‬وأشهد أن ال إله إَّال اهلل وحده ال شريك له‬
‫ذو الفضل واإلحسان واجلود والكرم‪ ،‬وأشهد أَّن حممدًا عبده ورسوله سِّيد العرب‬
‫والعجم‪ ،‬املخصوص من رِّبه جبوامع الكلم‪ ،‬الَّلهَّم صِّل وسِّلم وبارك عليه وعلى آله أهل‬
‫املكارم والِّش َيم‪ ،‬وعلى أصحابه مصابيح الُّد َج ى والُّظَلم‪ ،‬الذين أكرمهم اهلل فجعلهم خري‬
‫األمم‪ ،‬وعلى كل َم ن جاء بعدهم مقتفيًا آثارهم‪ ،‬وقد خال قلُبه من الغِّل للمؤمنني وسلم‪،‬‬
‫وبعد‪.‬‬
‫فإن معرفة أحكام الدين من أشرف املناصب وأعالها‪ ،‬والتفقه يف دين اهلل من أنفع‬
‫املكاسب وأزكاها‪ ،‬فحوادث العباد مردودة إىل أهل العلم والفضل‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ { :‬و َلْو‬
‫َر ُّد وُه ِإَلى الَّرُسوِل َو ِإَلى ُأْو ِلي اَألْم ِر ِم ْنُهْم َلَعِلَم ُه اَّلِذ يَن َيْسَتنِبُطوَنُه ِم ْنُهْم }النساء‪،83-‬‬
‫وكفى العلماء شرفا أن جعلهم اهلل تعاىل ورثة األنبياء‪ ،‬فعَّلموا وأرشدوا ووَّج هوا‪.‬‬
‫فأسأل اهلل تعاىل أن جيعلنا منهم‪ ،‬وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصاحل‪ ،‬والفقه يف‬
‫كتابه ويف سنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأن يرزقنا العمل هبما ظاهرا وباطنا إنه على‬
‫ذلك قدير‪.‬‬
‫مازال يستجد يف الفقه اإلسالمي مسائل ونوازل وأمور حمدثة‪ ،‬مل تكن لتوجد يف‬
‫العصور املتقدمة‪ ،‬أوجدهتا الظروف واحلاجات املتجددة‪ ،‬ومازالت ُتعىن دوائر البحث‬
‫والفقه اإلسالمي بالنظر يف تلك املستجدات والنوازل لتقدم فيها من األحباث ما عساه أن‬
‫ينفع املسلمني‪ ،‬ويرفع عنهم احلرج‪ ،‬ويبني هلم احلكم الشرعي‪ ،‬وفق قواعد الشرع احلنيف‪.‬‬
‫وكان من مجلة تلك املستجدات مسألة‪" :‬تمويل المساكن من أموال الزكاة"‪،‬‬
‫واليت قد ُعقد فيها ندوة سابقة‪ ،‬مث جاء هذا البحث املختصر إكماال ألحباث تلك الندوة‪.‬‬
‫وقد تشرفت بدعوة كرمية من قبل أمانة موقع الفقه اإلسالمي ببحث جمموعة‬
‫الصور اليت مجعتها األمانة هلذا املوضوع‪ ،‬فقمت بكتابة هذه الورقة‪ ،‬حماوال تكييف تلك‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪4‬‬

‫الصور‪ ،‬والوقوف على أنسب ختريج فقهي هلا‪ ،‬ومن َّمَث بيان احلكم الشرعي يف كل‬
‫صورة‪.‬‬
‫وقد جعلته يف متهيد ومخسة مباحث وخامتة‪.‬‬
‫التمهيد‪ ،‬وفيه املقاصد الشرعية من فرض الزكاة‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الصورة األوىل‪ ،‬إخراج الزكاة للفقري بتمليكه املسكن‪ ،‬وفيها‬
‫مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫املطلب الثاين‪ :‬احلكم الشرعي هلذه الصورة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الصورة الثانية‪ ،‬إخراج الزكاة للفقري بتمليكه منفعة املسكن‪ ،‬وفيه‬
‫مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أن يبين أو يشرتي البيت بأموال ليست زكوية‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫الفرع الثاين‪ :‬احلكم الشرعي هلذه الصورة‬
‫املطلب الثاين‪ :‬أن يبين أو يشرتي البيت بأموال زكوية‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫الفرع الثاين‪ :‬احلكم الشرعي هلذه الصورة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الصورة الثالثة‪ ،‬إخراج الزكاة للفقري بتمليكه ريع املسكن‪ ،‬وفيها‬
‫مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫املطلب الثاين‪ :‬احلكم الشرعي هلذه الصورة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الصورة الرابعة‪ ،‬إخراج الزكاة للفقري بوقف املسكن عليه‪ ،‬وفيها‬
‫مطلبان‪:‬‬
‫املطلب األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫املطلب الثاين‪ :‬احلكم الشرعي هلذه الصورة‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪5‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬الصورة اخلامسة‪ ،‬متويل املساكن باألموال الزكوية عن طريق‬


‫تسديد الديون‪.‬‬
‫الخاتمة‪ :‬وفيه أهم نتائج البحث‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪6‬‬

‫‪‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪7‬‬

‫المقاصد الشرعية من فرض الزكاة‪:‬‬


‫احلمد هلل أن فرض على عبادة الزكاة‪ ،‬حىت جعلها ركنا من أركانه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬‬
‫َو َأِقيُم وْا الَّصَالَة َو آُتوْا الَّز َكاَة َو اْر َك ُعوْا َم َع الَّراِكِع يَن } البقرة‪ ،43-‬وقال تعاىل‪َ { :‬فِإن‬
‫َتاُبوْا َو َأَقاُم وْا الَّصَالَة َو آَتُو ْا الَّز َكاَة َفِإْخ َو اُنُك ْم ِفي الِّديِن } التوبة‪ ،11-‬وطَّه ر هبا من ُش ِّح‬
‫النفس ودنس املعصية عباَده‪ ،‬فقال‪ُ { :‬خ ْذ ِم ْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة ُتَطِّهُر ُهْم َو ُتَز ِّك يِهم ِبَها‬
‫}التوبة‪.103-‬‬
‫وجعل يف إخراج الزكاة استجالب الربكة والزيادة واخللف من اهلل‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫{ َو َم ا َأنَفْقُتم ِّم ن َش ْي ٍء َفُهَو ُيْخ ِلُفُه }سبأ‪.39-‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ ( :‬قال اهلل‬
‫عز وجل‪َ :‬أنفق ُأنفق عليك )(‪.)1‬‬
‫فإن اهلل تعاىل مبنه وكرمه إمنا فرض الفرائض على عباده حلكم عظيمة‪ ،‬ومقاصد‬
‫بالغة‪ ،‬ولعل من أبرز املقاصد اليت من أجلها شرعت الزكاة اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حتقيق التعبد هلل بامتثال أمره والقيام بفرضه { َو َأِقيُم وْا الَّصَالَة َو آُتوْا الَّز َكاَة‬
‫َو اْر َك ُعوْا َم َع الَّراِكِع يَن }البقرة‪.43-‬‬
‫ثانيا‪ :‬شكر نعمة اهلل بأداء زكاة املال املنعم به على املسلم‪ ،‬قال تعاىل‪َ{ :‬و ِإْذ َتَأَّذ َن‬
‫َر ُّبُك ْم َلِئن َشَك ْر ُتْم َألِز يَد َّنُك ْم َو َلِئن َكَفْر ُتْم ِإَّن َع َذ اِبي َلَش ِد يٌد }إبراهيم‪.7-‬‬
‫ثالثا‪ :‬تطهري املزكي من الذنوب‪،‬كما قال تعاىل‪ُ{ :‬خ ْذ ِم ْن َأْم َو اِلِهْم َص َد َقًة‬
‫ُتَطِّهُر ُهْم َو ُتَز ِّك يِهم ِبَها}التوبة‪ ،103‬كما مشلت اآلية تطهري املزكي من الشح والبخل‪.‬‬
‫وعن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪( :‬الصدقة تطفئ اخلطيئة كما يطفئ املاء‬
‫النار) (‪.)2‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري(‪ ،)4316‬ومسلم(‪.)1658‬‬


‫‪ )?(2‬أخرجه أمحد والرتمذي وابن ماجه‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح وضعيف سنن الرتمذي ‪.116 / 6‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪8‬‬

‫رابعا‪ :‬تطهري مال الزكاة؛ لذا هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن األخذ من‬
‫الصدقات؛ معلال ذلك بأهَّن ا أوساخ الناس‪ ،‬فبالزكاة حيصل التطهري وتزول تلك األوساخ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬تطهري قلب الفقري من احلقد واحلسد على الغين؛ وذلك أن الفقري إذا رأى‬
‫من حوله ينعمون باملال الوفري وهو يكابد أمل الفقر‪ ،‬فلُر مبا تسبب ذلك يف بث احلسد‬
‫واحلقد والعداوة والبغضاء يف قلب الفقري على الغين‪ ،‬وهبذا تضعف العالقة بني املسلم‬
‫وأخيه‪ ،‬بل رمبا تقطعت أواصر األخوة وشَّبت نار الكراهية‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬مضاعفة حسنات معطيها ورفع درجاته‪ ،‬وهو مقصد شرعي مهم‪ ،‬وفيه‬
‫يقول اهلل تعاىل‪َّ{ :‬م َثُل اَّلِذ يَن ُينِفُقوَن َأْم َو اَلُهْم ِفي َس ِبيِل ِهّللا َك َم َثِل َح َّبٍة َأنَبَتْت َس ْبَع َس َناِبَل‬
‫ِفي ُك ِّل ُسنُبَلٍة ِّم َئُة َح َّبٍة َو ُهّللا ُيَض اِع ُف ِلَم ن َيَش اُء َو ُهّللا َو اِس ٌع َع ِليٌم }البقرة‪.261-‬‬
‫سابعا‪ :‬مواساة الغين للفقري‪ ،‬فمن املقاصد املهمة اليت ُش ِر عت ألجلها الزكاة مواساة‬
‫الفقري وسد حاجته‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬مناء مال الزكاة‪ ،‬بكثرته وحلول الربكة فيه‪ ،‬فالزكاة هي النماء‪ ،‬وقد دل‬
‫{َيْمَح ُق ُهّللا اْلِّر َبا َو ُيْر ِبي الَّص َد َقاِت }البقرة‪-‬‬ ‫على هذا الكتاب والسنة كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪.276‬‬
‫تاسعا‪ :‬حتقيق الضمان والتكافل االجتماعي‪ ،‬فالزكاة جزء رئيس من حلقة التكافل‬
‫االجتماعي‪ ،‬اليت تقوم على توفري ضروريات احلياة من مأكل وملبس ومسكن‪ ،‬وسداد‬
‫الديون‪ ،‬وإيصال املنقطعني إىل بالدهم‪ ،‬وفك الّر قاب‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬تنمية االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬فللزكاة أثر إجيايب كبري يف دفع عجلة االقتصاد‬
‫اإلسالمي وتنميته؛ وذلك أن مناء مال الفرد املزكي كما تقدم‪ ،‬يعود على اقتصاد اجملتمع‬
‫بالقوة واالزدهار‪ ،‬كما أن فيها منعا الحنصار املال يف يد األغنياء كما قال تعاىل‪َ { :‬ك ْي‬
‫اَل َيُك وَن ُد وَلًة َبْيَن اَأْلْغ ِنَياء ِم نُك ْم }احلشر‪ ،7-‬فوجود املال يف أيدي أكثر اجملتمع يؤدي‬
‫لصرفه يف شراء ضروريات احلياة ‪،‬فيكثر اإلقبال على السلع ‪،‬فينشأ من هذا كثرة اإلنتاج‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪9‬‬

‫مما يساهم يف كثرة العمالة والقضاء على البطالة‪ ،‬فيعود ذلك على االقتصاد اإلسالمي‬
‫بالفائدة(‪.)1‬‬
‫***‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬نوازل الزكاة للغفيلي(‪)48‬وما بعدها‪ ،‬وفقه الزكاة‪ ،2/930‬وما بعدها‪ ،‬والزكاة وتطبيقاهتا املعاصرة‬
‫للدكتور عبد اهلل الطيار(‪.)26‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪10‬‬

‫المبحث األول‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه المسكن‪.‬‬
‫تصوير المسألة‪:‬‬
‫أن يقوم الفرد أو املؤسسة اخلريية ببناء أو شراء مسكن من مال الزكاة‪ ،‬مث يتم‬
‫متليكه للفقري على أنه الزكاة الواجبة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التكييف الفقهي‪.‬‬
‫عند النظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أهنا يكتنفها أصالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬اشرتاط متليك الفقري واملسكني‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مقدار ما يعطى الفقري واملسكني‪.‬‬
‫األصل األول‪ :‬اشتراط التمليك للفقير والمسكين‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫من املعلوم ما ملسألة اشرتاط متليك الفقري واملسكني أمواَل الزكاة من أثر كبري جدا‬
‫يف مسائل هذا البحث‪ ،‬إن مل تكن تلك املسألة هي أبرز ما يعول عليها؛ لذا كان من‬
‫املناسب حبثها‪ ،‬وأعين بالتمليك وجوب تسليمه النقد‪ ،‬وإال فمن املعلوم أن الفقري املستحق‬
‫للزكاة يتملك ما يأخذه نقدا كان أو عينا‪ ،‬لكن املراد هل يشرتط أن يأخذ حقه نقدا‪ ،‬أم‬
‫أن التمليك معناه أعم من ذلك؟‬
‫التمليك اصطالحا‪:‬‬
‫املراد بالتمليك‪" :‬متكن اإلنسان شرعا بنفسه أو بنيابة من االنتفاع بالعني أو‬
‫املنفعة‪ ،‬ومن أخذ العوض عن العني أو املنفعة"(‪.)1‬‬
‫أو‪" :‬القدرة الشرعية على التصرف يف الرقبة"(‪.)2‬‬

‫‪)?(1‬إدرار الشروق على أنواء الفروق ‪.3/209‬‬


‫‪ )?(2‬القواعد النورانية (‪.)240‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪11‬‬

‫ومتليك الزكاة املراد به إعطاء الفقري أو غريه من املستحقني املال ليتصرف فيه‬
‫بكامل حريته‪.‬‬
‫واملراد هنا ليس التمليك اجلماعي إمنا التمليك الفردي‪ ،‬ومن مث فال جيوز صرف‬
‫الزكاة يف إنشاء املرافق العامة‪ ،‬كاملدارس واملستشفيات وحنوه لعدم حتققق التمليك‬
‫الفردي(‪.)1‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف اشرتاط التمليك على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬اشرتاط التمليك‪ ،‬فال يكفي جمرد اإلباحة‪ ،‬وهو املشهور من مذهب‬
‫احلنفية واملالكية الشافعية واحلنابلة‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬واختاره مجع كبري‬
‫من املفسرين(‪.)2‬‬
‫وعلى هذا املعىن جرت عبارات الفقهاء‪:‬‬
‫قال املاوردي‪ " :‬أضاف الصدقة إىل األصناف الثمانية بالم التمليك‪ ،‬وعطف‬
‫بعضهم على بعض بواو التشريك‪ ،‬وكل ما يصح أن ميلك إذا أضيف إىل من يصح أن‬
‫ميلك اقتضت اإلضافة ثبوت امللك‪ ،‬كما لو قال‪ :‬هذه الدار لزيد وعمرو "(‪.)3‬‬
‫وجاء يف املهذب بعد أن ذكر أبو إسحق رمحه اهلل آية مصارف الزكاة‪ ":‬فأضاف‬
‫مجيع الصدقات إليهم بالم التمليك‪ ،‬وأشرك بينهم بواو التشريك‪ ،‬فدل على أنه مملوك هلم‬
‫مشرتك بينهم " (‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬حبث التمليك واملصلحة فيه ‪ -‬أحباث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت (‪.)210‬‬
‫‪ )?(2‬فتح القدير‪ ،2/267‬وتبيني احلقائق‪ ،1/251‬وحاشية الدسوقي‪ ،1/496‬واحلاوى الكبري ‪ ،479 / 8‬واملغين‬
‫‪ ،2/500‬واإلقناع ‪ ،212 / 1‬وجمموع الفتاوى ‪.25/80‬‬
‫وهذا القول اخُتلف فيه يف األصناف اليت نصت اآلية عليها‪ ،‬وهل التمليك شرط يف اجلميع كما هو مذهب احلنفية‬
‫أو يف األربعة األوىل فقط كما هو مذهب البقية باستثناء املالكية الذين يدخلون ابن السبيل مع األربعة األوىل‪ ،‬مما ال‬
‫عالقة مباشرة له بالبحث‪.‬‬
‫‪ ) ?(3‬احلاوى الكبري ‪.479 / 8‬‬

‫‪ ) ?(4‬املهذب مع شرحه اجملموع ‪. 6/185‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪12‬‬

‫وقال اخلطيب الشربيين‪ ":‬وأضاف يف اآلية الكرمية الصدقات إىل األصناف األربعة‬
‫األوىل بالم امللك‪ ،‬واألربعة األخرية بفي الظرفية لإلشعار بإطالق امللك يف األربعة األوىل‪،‬‬
‫وتقييده يف األربعة األخرية حىت إذا مل حيصل الصرف يف مصارفها اسرتجع خبالفه يف‬
‫األوىل … "(‪.)1‬‬
‫وقال ابن قدامة‪ " :‬وأربعة أصناف يأخذون أخذًا مستقرًا وال يراعى حاهلم بعد‬
‫الدفع‪ ،‬وهم الفقراء واملساكني والعاملون واملؤلفة‪ ،‬فمىت أخذوها ملكوها ملكًا دائمًا‬
‫مستقرًا ال جيب عليهم ردها حبال‪.)2("..‬‬
‫وجاء يف توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة املنعقدة يف الكويت‬
‫سنة ‪1413‬هـ ما يلي‪ " :‬التمليك يف األصناف األربعة األوىل املذكورة يف آية مصارف‬
‫الزكاة شرط يف إجزاء الزكاة‪ ،‬والتمليك يعين دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج‪،‬‬
‫كآالت احلرفة‪ ،‬وأدوات الصنعة‪ ،‬ومتليكها للمستحق القادر على العمل "(‪.)3‬‬
‫وخالصة هذا القول أن التمليك شرط يف األصناف األربعة اليت نصت اآلية عليهم‬
‫بالالم‪-‬واليت ذهب أكثر املفسرين إىل أهنا الم امللك‪ -‬فيصرف املال إليهم يتصرفوا فيه‬
‫كيف شاءوا‪ ،‬أما األربعة األخرية من اآلية فإن املال ال يصرف إليهم‪ ،‬بل يصرف إىل‬
‫جهات احلاجات املعتربة يف الصفات اليت ألجلها استحقوا صرف الزكاة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬عدم اشرتاط التمليك يف صرف الزكاة للمستحقني‪ ،‬وهو ما اختاره‬
‫الشوكاين‪ ،‬ونسبه ابن قدامة إىل عطاء واحلسن‪ ،‬وهو قول متماٍش مع الذين توسعوا يف‬
‫مصرف سبيل اهلل‪ ،‬فأجازوا صرف الزكاة إىل مجيع وجوه اخلري(‪.)4‬‬
‫أدلة القول األول‪:‬‬

‫‪ ) ?(1‬مغين احملتاج ‪.4/173‬‬


‫‪ ) ?(2‬املغين ‪ ،2/500‬وانظر‪ :‬اإلقناع ‪ ،212 /1‬والكايف ‪.423 /1‬‬
‫‪ ) ?(3‬أحباث فقهية يف قضايا الزكاة املعاصرة ‪. 2/886‬‬
‫‪ ) ?(4‬السيل اجلرار ‪ ،2/77‬واملغين ‪.6/420‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪13‬‬

‫أوال‪ :‬قوله تعاىل‪ِ ( :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن َو اْلَع اِمِليَن َع َلْيَها َو اْلُم َؤ َّلَفِة‬
‫ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب َو اْلَغاِر ِم يَن َو ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو ِاْبِن الَّس ِبيِل َفِر يَض ًة ِم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم‬
‫َحِكيٌم ) التوبة‪.60-‬‬
‫فهذه اآلية الكرمية حصرت مصارف الزكاة يف املصارف الثمانية ويدل على ذلك‬
‫قوله تعاىل‪ِ( :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ) ولفظة‪ِ( :‬إَّنَم ا) تقتضي حصر الزكاة يف املصارف الثمانية‪ ،‬مث‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل أضاف الصدقات للفقراء بالالم اليت تدل على التمليك‪-‬على القول‬
‫املشهور‪ -‬مث عطف بقية األصناف على الفقراء(‪.)1‬‬
‫ولذلك اشرتط مجهور الفقهاء فيها التمليك؛ فأوجبوا متليكها للفقري أو املسكني‬
‫حىت ينفقها يف حاجته اليت هو أدرى هبا من غريه‪ ،‬وإمنا أجاز بعض العلماء إخراجها يف‬
‫صورة عينية عند حتقق املصلحة مبعرفة حاجة الفقري وتلبية متطلباته‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقشت هذه اآلية بأن كون الالم يف اآلية للملك ليس حمل اتفاق‪ ،‬إمنا فيها خالف‬
‫على عدة أقوال‪ ،‬فقيل‪ :‬للملك‪ ،‬وقيل‪ :‬لبيان املصرف‪ ،‬أي‪ :‬إمنا الصدقات مصروفة‬
‫للفقراء‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الالم لالختصاص‪ ،‬وقيل‪ :‬للعاقبة‪ ،‬ولعل القول بأهنا لالختصاص قول‬
‫مناسب أيضا‪ ،‬يدل عليه سياق اآليات‪ ،‬فقد ذم اهلل املنافقني يف تعرضهم للصدقة‪ ،‬وهم‬
‫ليسوا أهال هلا‪ ،‬مث قال‪ِ ( :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن ‪ ) ..‬أي‪ :‬أهنا مستحقة هلم‬
‫خاصة هبم دون غريهم‪.‬‬
‫بل لقد اعترب عدد من أهل اللغة أن األصل يف الالم أنه لالختصاص؛ ولذا قدمها‬
‫على امللك واالستحقاق(‪.)2‬‬

‫‪ ) ?(1‬انظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.8/167‬‬


‫‪ )?(2‬الالمات للزجاجي (‪ ،)62‬واجلين الداين يف حروف املعاين للمرادي (‪)96‬ط‪ .‬املكتبة العربية حبلب‪ ،‬وروح‬
‫املعاين ‪ ،5/314‬والعناية شرح اهلداية ‪ ،2/268‬وانظر يف تفصيل ذلك‪ :‬حبث التمليك واملصلحة فيه‪ -‬أحباث الندوة‬
‫الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت (‪.)226-225‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪14‬‬

‫وعلى فرض أن الالم للتمليك‪ ،‬فال يشرتط متليك العني‪،‬كما قال أهل اللغة‪ " :‬الالم‬
‫للملك واالستحقاق‪ ،‬وليس نعين بامللك ملك العني‪ ،‬بل قد يكون ملكا لبعض املنافع أو‬
‫لضرب من التصرف"(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬النصوص الكثرية من الكتاب والسنة الدالة على وجوب إيتاء الزكاة‪،‬‬
‫واإليتاء هو اإلعطاء وهو التمليك‪ ،‬فالبد يف الزكاة من قبض الفقري ومتليكها إياه(‪.)2‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقشت هذه النصوص بعدم التسليم أن معىن اإلعطاء التمليك‪ ،‬فقد يكون اإليتاء‬
‫للتمليك ولغري التمليك‪ ،‬بل اإليتاء ال يقتضى خروج ا عَطى من ملك املعِط ي‪ ،‬فضال عن‬
‫ُمل‬
‫متلك املعطى له إياه‪ ،‬فاإليتاء على التحقيق يقتضي اإلباحة والتمليك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يف عدم اشرتاط التمليك حماذيَر كثريًة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬صرفها يف غري ما وضعت له‪ ،‬كإنشاء املدارس واملستشفيات والطرق واجلسور‬
‫وغريه‪.‬‬
‫‪ -‬تأخري توصيلها إىل املستحقني‪ ،‬وإىل اجلهة اليت ينوي الصرف عليها‪.‬‬
‫‪ -‬التحكم يف مصاحل املستحقني‪ ،‬وختصيص االنتفاع يف نوع معني دون أن يكون‬
‫للفقراء رأي أو إذن‪ ،‬وهو مال مستحق هلم‪ ،‬فال جيوز التصرف فيه بغري إذهنم‪.‬‬
‫‪ -‬ضياع الفقراء واملساكني؛ إذ إن كثريا من األغنياء تستهويهم املؤسسات‬
‫واجلمعيات اخلريية وحنوه‪ ،‬مما يؤدي إىل صرف غالب األموال الزكوية يف إنشاء املؤسسات‬
‫وترك الفقراء واملساكني(‪.)3‬‬
‫أدلة القول الثاني‪:‬‬

‫‪ ) ?(1‬املفردات (‪.)459‬‬
‫‪ ) ?(2‬تبيني احلقائق‪ ،1/251‬وبدائع الصنائع‪ ،2/74‬ومعامل السنن ‪.2/73‬‬
‫‪ )?(3‬انظر‪ :‬اجملموع للنووي‪ ،6/122‬وملزيد من املناقشات انظر‪ :‬حبث التمليك واملصلحة فيه‪-‬أحباث الندوة الثالثة‬
‫لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت (‪.)224‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪15‬‬

‫أوال‪ :‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا‬
‫أيت بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل‪ :‬صدقة‪ .‬قال ألصحابه‪ :‬كلوا ومل يأكل‪ ،‬وإن‬
‫قيل‪ :‬هدية ضرب بيده صلى اهلل عليه وسلم فأكل معهم(‪.)1‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أباح هلم طعام الصدقة‪ ،‬ومل ميلكهم‬
‫إياه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عن أنس رضي اهلل عنه أن ناسا من عرينة اجتووا املدينة فرخص هلم رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألباهنا وأبواهلا‪ ،‬فقتلوا الراعي‬
‫واستاقوا الذود‪ ،‬فأرسل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأيت هبم فقطع أيديهم وأرجلهم‪،‬‬
‫ومسر أعينهم‪ ،‬وتركهم باحلرة يعضون احلجارة(‪.)2‬‬
‫ووجه الداللة من الحديث‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أباح ألبناء السبيل‬
‫االنتفاع بإبل الصدقة دون متليك رقاهبا؛ ألنه أباح هلم شرب ألبان اإلبل للتداوي‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقش هذان احلديثان أهنما يف الصدقة التطوعية‪ ،‬ال الصدقة الواجبة؛ ألن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم كان يبيح الطعام جلميع احلاضرين من الصحابة رضي اهلل عنهم‪،‬‬
‫واشرتاط التمليك حمل النزاع إمنا هو يف مصارف الزكاة الواجبة‪.‬‬
‫كما أن حديث العرنيني يف ابن السبيل‪ ،‬وهذا الصنف ليس حمل إشكال أصال‪ ،‬إذ‬
‫هذا الصنف مما ال يشرتط فيه التملك الفردي‪ ،‬بل اجلماعي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن األصل عدم اشرتاط التمليك‪ ،‬وجواز اإلباحة من إطعام وضيافة‪ ،‬ومن‬
‫ادعى غري ذلك فعليه الدليل‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا بأن غايتكم مطالبة بالدليل‪ ،‬وقد أقام اجلمهور األدلة الكثرية الدالة على‬
‫اشرتاط التمليك يف مصارف الصدقات الواجبة‪ ،‬وهبذا يبطل استداللكم هبذا األصل‪.‬‬
‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري (‪ ،)2388‬ومسلم (‪.)1790‬‬
‫‪)?(2‬أخرجه البخاري(‪ )1405‬ومسلم(‪.)3162‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪16‬‬

‫الترجيح‪:‬‬
‫بعد عرض القولني السابقني‪ ،‬وعرض أدلتهم‪ ،‬وبعد مناقشة تلك األدلة تبني أن‬
‫قول اجلمهور من حيث األدلة أقوى‪ ،‬إال أنه ينبغي أن يوضع اآليت يف االعتبار‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن أدلة اجلمهور أيضا ال تدل على اشرتاط التمليك داللة قاطعة‪ ،‬فكما تقدم‬
‫يف مناقشة اآلية ‪-‬اليت هي أقوى أدلتهم‪ -‬فإن الالم ليست متمحضة يف التمليك‪ ،‬بل هلا‬
‫استعماالت أخرى‪ ،‬ومن أبرز استعماالهتا التخصيص‪ ،‬والذي قد يرجحه سياق اآلية‪ ،‬فلم‬
‫يسلم أقوى دليل هلم من مناقشة قوية‪ ،‬قد تبطل االستدالل به‪ ،‬وأعين داللته على اشرتاط‬
‫متليكه النقد‪ ،‬أما التمليك مبعىن هل ميلك أو ال ؟ فهذا ليس املقصود من هذا البحث‪ ،‬إذ‬
‫املتقرر أن الفقري إذا قبض حقه من الزكاة ملكه‪ ،‬واإلشكال فقط يف هذا احلق‪ ،‬هل يشرتط‬
‫أن يأخذه نقدا أم جيوز نقدا أو عينا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ليس يف األدلة األخرى من الكتاب والسنة ما يدل صراحة على اشرتاط‬
‫التمليك‪ ،‬حبيث يعد من مل مُي ِّلك الفقَري مل يفعل ما جيزئ‪ ،‬بل جاء يف السنة‪َ( :‬فَأْع ِلْمُه ْم َأَّن‬
‫الَّلَه َعَّز َو َج َّل اْفَتَر َض َعَلْيِه ْم َص َدَقًة يِف َأْم َو اِهِلْم ‪ُ ،‬تْؤ َخ ُذ ِم ْن َأْغ ِنَياِئِه ْم َو ُتَر ُّد يِف ُفَق َر اِئِه ْم )(‪،)1‬‬
‫فعرب بـ "يف" الدالة على الظرفية‪ ،‬وهذا ال يتأَّتى أن يكون دليال على اشرتاط التمليك‪ ،‬مما‬
‫جيعل الدليل الوحيد على اشرتاط التمليك هو اآلية‪ ،‬مع عدم سالمتها!‬
‫ثالثا‪ :‬أنه على تقدير سالمة هذه األدلة يف الداللة على التمليك‪ ،‬فليس املقصود‬
‫متليك النقد‪ ،‬بل كل ما حتصل به املصلحة للفقري‪ ،‬سواء كان نقدا أو عينا‪.‬‬
‫ولذلك توسع الفقهاء يف معىن التمليك ومل يقصروه على دفع النقد‪ ،‬بل كل ما‬
‫حتصل به املصلحة من عني وغريه‪.‬‬
‫قال الشافعي‪" :‬وال وقت فيما يعطى الفقري إال ما خيرجه من حد الفقر إىل الغىن‬
‫قل ذلك أو كثر"‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال القاضي أبو الطيب‪" :‬يريد به أن الغىن هو الكفاية على الدوام‪ ،‬فيدفع إىل كل‬
‫واحد منهم ما جيعله رأس مال ويكفيه فضله ملؤنة‪ ،‬ومن كان من أهل العلم الذين ال‬
‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1308‬ومسلم (‪.)27‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪17‬‬

‫حيسنون التجارة اشرتى هلم ما يغلهم كفايتهم على الدوام‪ ،‬ومن كان من أهل احلرفة‬
‫اشرتى هلم آالهتم"(‪.)1‬‬
‫قال البهويت‪" :‬ويعطى فقري ومسكني كفاية عمر غالبٍ‪ ،‬فيشرتيان مبا يعطيانه عقارا‬
‫يستغالنه‪ ،‬وللإمام أن يشرتي له ذلك كما يف الغازي‪ ،‬هذا فيمن ال حيسن الكسب حبرفة‬
‫وال جتارة"(‪.)2‬‬
‫كما فسر النووي الكفاية اليت يعطاها الفقري بقوله‪" :‬املطعم وامللبس واملسكن‬
‫وسائر ماال بد له منه على ما يليق حباله‪ ،‬بغري إسراف وال إقتار لنفس الشخص وملن هو‬
‫يف نفقته"(‪.)3‬‬
‫وقال ابن حجر اهليتمي‪" :‬أما من حيسن حرفة تكفيه الكفاية الالئقة به كما مر‬
‫أول الباب فيعطى مثن آلة حرفته‪ ،‬وإن كثر‪ ،‬وظاهر أن املراد بإعطاء ذلك له اإلذن له يف‬
‫الشراء‪ ،‬أو الشراء له نظري ما يأيت"(‪.)4‬‬
‫وقال املرداوي‪" :‬وعنه يأخذ متام كفايته دائما مبتجر أو آلة صنعة وحنو ذلك"(‪.)5‬‬
‫ويف مطالب أويل النهى‪":‬والغىن هنا ما حتصل به الكفاية‪ ( ،‬وعليه ) أي‪ :‬قول اإلمام (‬
‫فيعطى حمرتف مثن آلة حرفة‪ ،‬وإن كثرت‪ ،‬وتاجر يعطى رأس مال يكفيه )"(‪.)6‬‬
‫وقال ابن حزم‪" :‬فيقام هلم مبا يأكلون من القوت الذى ال بد منه‪ ،‬ومن اللباس‬
‫للشتاء والصيف مبثل ذلك‪ ،‬ومبسكن يكنهم من املطر والصيف والشمس وعيون املارة"(‪.)7‬‬

‫‪ )?(1‬أسىن املطالب ‪.1/100‬‬


‫‪ )?(2‬اإلقناع ‪.1/213‬‬
‫‪ )?(3‬اجملموع ‪.191/ 6‬‬
‫‪ )?(4‬حتفة احملتاج يف شرح املنهاج ‪.165/ 7‬‬
‫‪ )?(5‬اإلنصاف ‪.239/ 3‬‬
‫‪ )?(6‬مطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى ‪.2/136‬‬
‫‪ )?(7‬احمللى ‪.156/ 6‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪18‬‬

‫فجَّو ز الفقهاء أن ُيشرتى للفقري من أموال الزكاة ما حتصل به الكفاية من مطعم أو‬
‫ملبس أو مسكن أو آلة حرفة‪ ،‬أو ما يكون له رأس مال‪ ،‬وهذا نوع توسع أيضا فيما يزيد‬
‫على الَّس نة أو النصاب‪ ،‬وسيأيت‪.‬‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪19‬‬

‫األصل الثاني‪ :‬مقدار ما يعطى الفقير والمسكين‪.‬‬


‫إعطاء الفقري البيَت على أنه الزكاة الواجبة‪ ،‬يستلزم أن يبقى فيه مدة طويلة‪ ،‬قد‬
‫تستغرق عمره كله؛ لذا كان لزاما حبث مقدار ما يعطى الفقري من الزكاة‪ ،‬هذه املسألة اليت‬
‫اختلف أهل العلم فيها على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الفقري واملسكني يعطيان ما خيرجهما من الفاقة إىل الغىن‪ ،‬وهو‬
‫ما حتصل به الكفاية على الدوام‪ ،‬وال يقدر حبٍّد‪.‬‬
‫وهو قول يف مذهب مالك‪ ،‬وقول عند الشافعية‪ ،‬واحلنابلة يف رواية‪ ،‬واختاره ابن‬
‫سالم‪ ،‬وابن حزم‪ ،‬وشيخ اإلسالم‪ ،‬وقواه الشيخ ابن عثيمني بشرط وجود من يقول به(‪.)1‬‬
‫استدلوا باآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬حديث قبيصة بن املخارق رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪( :‬ال حتل‬
‫املسألة إال ألحد ثالثة ‪ -‬وذكر منهم – رجل حتّم ل محالة‪ ،‬فحلت له املسألة حىت يصيبها‬
‫مث ميسك‪ ،‬ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ‪،‬فحلت له املسألة حىت يصيب قوامًا من‬
‫عيش – أو قال‪ :‬سداد من عيش – ورجل أصابته فاقة حىت يقول ثالثة من ذوي احلجا‬
‫من قومه‪:‬لقد أصابت فالنًا فاقٌة‪ ،‬فحلت له املسألة حىت يصيب قوامًا من عيش‪-‬أو‬
‫قال‪:‬سداد من عيش‪-‬فما سواهن من املسألة يا قبيصة ُس ْح ٌت يأكلها صاحبها سحتًا)(‪.)2‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن النيب ‪ ‬أجاز املسألة للمحتاج حىت يصيب ما يسد حاجته‪ ،‬فدل على‬
‫إعطائه ما حتصل به الكفاية‪ ،‬ولو على الدوام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما روي عن بعض السلف من كوهنم يستحبون سد حاجة أهل البيت‬
‫بالزكاة‪ ،‬ولو كان اإلعطاء أكثر من سنة‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬عن عمر رضى اهلل عنه أنه قال‪ " :‬إذا أعطيتم فأغنوا "(‪.)3‬‬
‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬الكايف (‪ ،)115‬ومغين احملتاج‪ ،3/144‬واإلنصاف‪ ،3/169‬واألموال(‪ ،)676‬احمللى‪،6/156‬‬
‫واالختيارات الفقهية للبعلي (‪ ،)156‬والشرح املمتع‪.6/221‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه مسلم (‪.)1044‬‬
‫‪ )?(3‬أخرجه أبو عبيد يف األموال (‪ ،)565‬والبيهقى يف السنن الكربى ‪.353/ 2‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪20‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن عمر رضي اهلل عنه فهم من الشرع أن املراد إغناء الفقري‬
‫بالزكاة‪ ،‬ال جمرد سد جوعته بلقيمات‪ ،‬أو إقامة عثرته بدريهمات‪.‬‬
‫‪-2‬ما ورد عن عمر رضي اهلل عنه أن رجًال جاء يشكو إليه سوء احلال‪ ،‬فأعطاه‬
‫ثالثًا من اإلبل‪ ،‬وقال لعماله‪( :‬كرروا عليهم الصدقة‪ ،‬وإن راح على أحدهم مائة من‬
‫اإلبل)‪.‬‬
‫وقال‪( :‬ألكررَّن عليهم الصدقة‪ ،‬وإن راح على أحدهم مائة من اإلبل) (‪.)1‬‬
‫‪-3‬كما جاء يف سنن البيهقي ترمجته‪ " :‬باب ال وقت فيما يعطى الفقراء‬
‫واملساكني إال ما خيرجون به من الفقر واملسكنة "‪.‬‬
‫مث قال‪ُ :‬رِّوينا عن على بن أىب طالب رضى اهلل عنه أنه قال‪" :‬إن اهلل فرض على‬
‫األغنياء ىف أمواهلم بقدر ما يكفى فقراءهم"(‪.)2‬‬
‫وعنه رضي اهلل عنه قال‪" :‬إن اهلل فرض على األغنياء ىف أمواهلم بقدر ما يكفى‬
‫فقراءهم‪ ،‬فإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع األغنياء‪ ،‬وحق على اهلل أن حياسبهم يوم‬
‫القيامة ويعذهبم عليه"(‪.)3‬‬
‫‪-4‬وعن أيب محزة عن إبراهيم قال‪" :‬كان يستحب أن يسد هبا حاجة أهل البيت‬
‫‪-‬أي بالزكاة‪.)4("-‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن القصد إغناؤه من الفقر‪ ،‬ودفع حاجته‪ ،‬وحيصل هذا املقصود مبا إذا أعطي‬
‫كفايته على الدوام‪.‬‬
‫ونوقش‪:‬بأن املقصود اإلغناء املقيد عن املسألة‪ ،‬ال اإلغناء املطلق كما يف قوله ‪:‬‬
‫(أغنوهم عن املسألة هذا اليوم )(‪.)5‬‬
‫‪ )?(1‬أخرجه يف األموال(‪.)676‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه البيهقى يف السنن الكربى ‪.2/357‬‬
‫‪ )?(3‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪ )?(4‬أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.403/ 2‬‬
‫‪ )?(5‬رواه الدارقطين‪ ،2/152‬وضعفه األلباين كما يف اإلرواء ‪.3/332‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪21‬‬

‫متامها له وملن يعوله‬


‫الكفاية أو َ‬
‫َ‬ ‫القول الثاني‪ :‬أن املستحق للزكاة يُعطى من الزكاة‬
‫متام الكفاية‬
‫عاما كامال‪ ،‬وال يزاد عليه‪ ،‬وإن كان ميلك أو حيصل له بعض الكفاية أعطي َ‬
‫لعام‪ ،‬وهو ما ذهب إليه مجهور أهل العلم من املالكية‪ ،‬وهو قول عند الشافعية‪ ،‬واملذهب‬
‫عند احلنابلة(‪.)1‬‬
‫واستدلوا مبا يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم َّادخر ألهله قوت سنة(‪.)2‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأن احلديث يدل على جواز االدخار ملدة سنة‪ ،‬وجواز دفع الزكاة ملدة‬
‫سنة‪ ،‬وال يوجب ذلك‪ ،‬وال ينفي جواز إعطائه أكثر من سنة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن وجوب الزكاة يتكرر كل َحْو ل‪ ،‬فينبغي أن يأخذ ما يكفيه إىل مثله‪.‬‬
‫ويناقش‪ :‬بأنه قد ال يتمكن من أخذ الزكاة كل حول‪ ،‬كما أن أخذه ما يكفيه‬
‫من الزكاة يغنيه عن زكاة األعوام القادمة‪ ،‬فيستفيد منها غريه من الفقراء(‪.)3‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن من ال ميلك نصابا زكويا كامال جيوز أن يكمل له النصاب‪،‬‬
‫بأن يدفع إليه أقل من مائيت درهم أو متامها‪-‬وهو النصاب‪ ،-‬ويكره أكثر من ذلك‪ ،‬وهو‬
‫املشهور من مذهب احلنفية(‪.)4‬‬
‫ودليلهم‪ :‬أن إعطاء الفقري نصابا يصرِّي ه غنيا‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا الدليل من أوجه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم التسليم أن اإلغناء حيصل بإعطائه النصاب‪ ،‬بل املقصد حتصيل الكفاية‬
‫من الزكاة ودفع احلاجة عنه‪ ،‬ومعلوم أنه لو أعطي نصابا قد ال يفي حباجته‪ ،‬وال بعشر‬

‫‪ )?(1‬الشرح الصغري‪ ،1/231‬واجملموع‪ ،6/176‬واملغين ‪.9/335‬‬


‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري(‪ ،)3901‬ومسلم (‪.)1757‬‬
‫‪ )?(3‬نوازل الزكاة (‪ )354‬للدكتور عبد اهلل الغفيلي‪.‬‬
‫‪ )?(4‬فتح القدير والعناية ‪ ،2/28‬وبدائع الصنائع‪ ،2/48‬ورد احملتار ‪.2/353‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪22‬‬

‫معشارها‪ ،‬ففرق بني الِغىن الذي ُيوجب إخراج الزكاة‪ ،‬وبني ِغىن عدم االحتياج‪ ،‬فقد‬
‫يكون الشخص مالكا للنصاب فتجب عليه الزكاة يف هذا النصاب‪ ،‬وال مينع أن يكون‬
‫مستحقا للزكاة لعدم كفاية ما ميلك لدفع حاجته؛ لذلك ملا سئل مالك‪ :‬هل يعطى من‬
‫الزكاة من له أربعون درمها؟ قال‪ :‬نعم(‪.)1‬‬
‫وكان الشافعي يقول‪" :‬قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسبه‪ ،‬وال يغنيه األلف‬
‫مع ضعفه يف نفسه وكثرة عياله"(‪ ،)2‬مث عقب ابن عبد الرب على هذا بقوله‪" :‬وما ذهب إليه‬
‫مالك والشافعي‪-‬أي‪ :‬من عدم التحديد‪-‬أوىل بالصواب"(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنه لو أعطي متام النصاب فإنه سينقص منه بأقل نفقة ينفقها‪ ،‬فيصري فقريا‬
‫ثانيًة يف احلال‪ ،‬وجيوز له أن يأخذ ما يكمل النصاب‪ ،‬ودواليك‪ ،‬وهذا ال يتماشى مع روح‬
‫الشرع‪ ،‬اليت حترص على أال تعِّر ض الفقري لذل املسألة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن ظاهر قوله صلى اهلل عليه وسلم يف صدقة الفطر‪( :‬أغنوهم عن السؤال يف‬
‫ذلك اليوم) يدل على أن من مقاصد الصدقة دفَع احلاجة واإلغناء يف يوم وجوب صدقة‬
‫الفطر‪ ،‬فتجب على وجه اإلغناء يف الزكاة السنوية‪ ،‬ومعلوم أن تكميل النصاب أو إعطاَءه‬
‫كامال ال حيصل به متام دفع احلاجة‪ ،‬وقد ال تندفع يف كثري من األحيان إال بأكثر من‬
‫النصاب‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫بعد النظر يف األقوال السابقة وأدلتها‪ ،‬ترجح لدي القول األول‪ ،‬وأن إعطاء الزكاة‬
‫ليس حمددا بقدر؛ وأن األظهر التفصيل حبسب أحوال الفقراء املستحقني للزكاة؛ وذلك‬
‫للوجوه اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أنه ليس يف النصوص ما يدل على اشرتاط أن يكون العطاء مقيدا بسنة أو‬
‫بنصاب أو تكميل النصاب‪ ،‬بل كلها مطلقة فيما حيصل به اإلغناء والكفاية‪ ،‬وغاية ما‬

‫‪ )?(1‬التمهيد ‪.4/98‬‬
‫‪ )?(2‬مصدر سابق ‪.4/104‬‬
‫‪ )?(3‬مصدر سابق ‪4/119‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪23‬‬

‫ورد أنه صلى اهلل عليه وسلم كان يدخر ألهله قوت سنة‪ ،‬وليس يف هذا النص املنع من‬
‫إعطاء الفقري ما يسُّده ألكثر من سنة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن يف إعطائه الكفاية على الدوام موافقًة ملقاصد الشرع‪ ،‬وهذا ما فهمه مجع‬
‫من الصحابة رضي اهلل عنهم كما تقدم‪ ،‬قال أبو عبيد بعد ما ساق تلك الطائفة من اآلثار‬
‫عن الصحابة رضي اهلل عنهم‪:‬‬
‫"فكل هذه اآلثار دليل على أن مبلغ ما يعطاه أهل احلاجة من الزكاة ليس له وقت‬
‫حمظور على املسلمني أال يعدوه إىل غريه‪ ،‬وإن مل يكن املعطى غارما‪ ،‬بل فيه احملبة والفضل‬
‫إذا كان ذلك على جهة النظر من املعطي بال حماباة وال إيثار هوى؛ كرجل رأى أهل‬
‫بيت من صاحلي املسلمني أهل فقر ومسكنة وهو ذو مال كثري‪ ،‬وال منزل هلؤالء ُيئويهم‬
‫ويسرت خلتهم ‪،‬فاشرتى من زكاة ماله مسكنا ُيِكِّنهم من َك َلب الشتاء وحر الشمس‪ ،‬أو‬
‫كانوا عراة ال كسوة هلم‪ ،‬فكساهم ما يسرت عوراهتم يف صالهتم‪ ،‬ويقيهم من احلر والربد‪،‬‬
‫أو رأى مملوكا عند مليك سوء قد اضطهده وأساء ملكته‪ ،‬فاستنقذه من ِر ِّق بأن يشرتيه‬
‫فيعتقه‪ ،‬أو مر به ابن سبيل بعيد الشقة نائي الدار‪ ،‬قد انقطع به‪ ،‬فحمله إىل وطنه وأهله‬
‫ِبِكراٍء أو شراء‪.‬‬
‫هذه اخلالل وما أشبهها اليت ال ُتنال إال باألموال الكثرية‪ ،‬فلم تسمح نفس الفاعل‬
‫أن جيعلها نافلة‪ ،‬فجعلها من زكاة ماله‪ ،‬أما يكون هذا مؤديا للفرض؟ بلى‪ ،‬مث يكون إن‬
‫شاء حمسنا‪ ،‬وإين خلائف على من َص ّد مثله عن فعله؛ ألنه ال جيود بالتطوع‪ ،‬وهذا مينعه‬
‫بفتياه من الفريضة‪ ،‬فتضيع احلقوق ويعطب أهلها" (‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن قوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬حىت يصيب قواما من عيش) مطلق‪ ،‬يراد منه‬
‫حتقيق غاية من الصدقات‪ ،‬وهي أن يصيب من الصدقة ما يغنيه‪ ،‬وهذا قد يكون يف إعطائه‬
‫ما يكفيه سنة أو سنتني أو أكثر أو أقل حبسب حاجته‪.‬‬
‫فاألقرب عدم التحديد بسنة أو نصاب‪ ،‬وأن يف املسألة تفصيال حبسب حال الفقري‬
‫على النحو اآليت‪:‬‬
‫‪ )?(1‬األموال (‪.)678‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪24‬‬

‫أوال‪ :‬الفقري الذي يقوى على التكسب ال يعطى أكثر من زكاة احلول؛ وذلك أنه‬
‫يغلب على الظن ارتفاع وصف الفقر عنه يف خالل ذلك العام‪ ،‬وذلك بالتكسب‬
‫واالمتهان واحلرفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الفقري الذي يغلب على الظن أنه ال ميكنه التكسب وعدم حتصيل الكفاية‬
‫كل حول من الزكاة‪ ،‬فهذا يعطى كفايته على الدوام‪ ،‬بشرط بقاء اتصافه بصفة الفقر‪،‬‬
‫فإذا ارتفع عنه هذا الوصف ُمنع من أخذ الزكاة فيما يستقبل‪ ،‬وال يلزمه أن يرَّد ما أخذه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنه ينبغي يف حال إعطاء الفقري مراعاة بقية الفقراء املستحقني يف نفس البلد‪،‬‬
‫فال يؤدي إعطاؤه الكفاية إىل حرمان اآلخرين‪ ،‬ففي هذه احلال ينبغي أال يعطى أكثر من‬
‫زكاة سنة‪ ،‬ويقتصر عليها‪.‬‬
‫واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪25‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحكم الشرعي لهذه الصورة‬


‫بناء على اخلالف يف األصلني السابقني اختلف أهل العلم يف مسألة بناء املساكن من‬
‫أموال الزكاة على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ال جيوز أن تدفع الزكاة ملساكن الفقراء‪ ،‬وهذا القول هو‬
‫املتماشي مع قول اجلمهور القائلني بأن التمليك شرط‪ ،‬ويرون أن بناء املسكن من أموال‬
‫الزكاة خمالف هلذا الشرط‪ ،‬والقائلني بأن الفقري ال يعطى إال كفايته لعام واحد‪.‬‬
‫وهو القول الذي صدرت به فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪،‬‬
‫واختاره الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل(‪.)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬جواز صرف أموال الزكاة لبناء املساكن‪ ،‬قال به أبو عبيد القاسم‬
‫بن سالم وانتصر له جدا‪ ،‬وقد تقدم كالمه‪ ،‬وابن حزم الظاهري‪ ،‬وعدد من بعض‬
‫املعاصرين‪ ،‬وبه صدرت فتوى جممع البحوث اإلسالمية باألزهر‪ ،‬وفتوى اهليئة الشرعية‬
‫لبيت الزكاة الكوييت‪ ،‬الندوة الفقهية جملمع الفقه اإلسالمي الدويل لقضايا الزكاة‪ ،‬واختاره‬
‫الشيخ ابن جربين حفظه اهلل(‪.)2‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫الذي يرتجح يف هذه الصورة اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬احتياطا للقول باشرتاط التمليك يف مصارف الزكاة‪ ،‬فإن األوىل أن يسلم‬
‫الفقري الزكاَة‪ ،‬وَمُيَّلكها عمال بظاهر النص‪ ،‬فإذا قبضها فله أن يأذن يف بناء أو شراء مسكن‬
‫له‪ ،‬إذا كان ممن توفرت فيهم شروط من يعطى الزكاَة كفايَة العمر كله‪ ،‬ويكون األذن‬

‫‪)?(1‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ -‬فتوى رقم (‪ ،)4836‬وفتاوى نور على الدرب للشيخ‬
‫العثيمني‪.‬‬
‫‪ )?(2‬احمللى‪ ،6/156‬واألموال (‪ ،)678‬وجملة اقتصاد العامل اإلسالمي‪-‬العدد ‪ ،1816‬فتاوى الشيخ ابن جربين(‬
‫‪ ،)12405‬والندوة الفقهية األوىل جملمع الفقه يف قضايا الزكاة بالبحرين‪ ،‬وفتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالكويت‬
‫‪ -‬ج‪ ،1‬فتوى رقم ‪. 194‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪26‬‬

‫منه مبثابة توكيل دافع الزكاة‪-‬سواء كان املالك أو نائبه من مؤسسة وحنوه‪ -‬يف هذا‬
‫التصرف‪ ،‬وهو من التصرفات اليت يقتضيها ملكه للمال بعد قبضه‪ ،‬وهذا أكمل األحوال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬بناء على ما تقدم يف األصلني السابقني‪ ،‬مع ما تقدم من كالم الفقهاء يف أنه‬
‫ليس املقصود من اشرتاط التمليك متليك النقد‪ ،‬بل املعىن أوسع من ذلك‪ ،‬فيشمل متليك‬
‫األعيان‪ ،‬فاألظهر جواز بناء أو شراء مساكن للفقري أو املسكني؛ حيث كان هذا هو‬
‫املتوافق مع مقاصد الشرع يف إخراج الزكاة‪ ،‬فإن من أشد احلاجات اليت حيتاجها الفقري‬
‫حاجته إىل السكن الذي هو من ضروريات احلياة‪ ،‬وأن إخراج الزكاة على هذه احلال مما‬
‫ال خيرج عن مدلول النص‪ ،‬ومقاصد الشرع‪ ،‬إال أن هذا جيب أن يقيد بالضوابط اآلتية(‪:)1‬‬
‫‪ -1‬حتقق مصلحة راجحة ومنفعة أكيدة يف صرف الزكاة على هذه الصورة‪،‬‬
‫وذلك بأن يكون إخراجها على هذا النحو من أهم حاجيات املستحق للزكاة‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب املواءمة بني احلاجات العاجلة وغريها‪ ،‬فإذا كان هناك حاجة لدى‬
‫آخرين لسّد جوعتهم‪ ،‬أو لسرت عوراهتم‪ ،‬أو لعالجهم من مرض يتهددهم‪ ،‬فإنه ال بد من‬
‫إعطاء هذه احلاجات احلق يف التقدمي على غريها‪.‬‬
‫‪ -3‬أال يؤثر ذلك يف احلاجات األساسية لبقية املستحقني‪ ،‬فال يسوغ صرف أموال‬
‫الزكاة يف بناء املساكن وهناك من يتضور جوعًا أو ميشي عاريًا!! فإن ُو جد من له حاجة‬
‫أشد فإنه ُيكتفى باالستئجار للفقري لتلبية حاجة بقية الفقراء‪.‬‬
‫‪ -4‬أال يكون للفقري دخل شهري ميكِّنه من استئجار مسكن‪ ،‬فإذا وجد ما ميكنه‬
‫أن يستأجر به شهريا‪ ،‬مل تتعني املصلحة يف بناء أو شراء مسكن له‪ ،‬وحينئذ القول باملنع‬
‫من هذا التصرف أوجه وأقوى‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون البناء مبا يكفي لسد حاجة الفقري الذي سيتملكه‪ ،‬من غري إسراف‬
‫وال زيادة‪.‬‬

‫‪ )?(1‬استفيدت هذه الضوابط من مجلة من الباحثني عند تعقيبهم على هذا املوضوع‪ ،‬كالشيخ يوسف الشبيلي‪،‬‬
‫والشيخ صاحل بن حممد الفوزان‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪27‬‬

‫‪-5‬أن تتوىل اجلمعيات واهليئات املختصة بشؤون الزكاة تنفيذ هذا األمر‪ ،‬وأال‬
‫يرتك للفقراء أنفسهم؛ ألن اجلمعيات واهليئات متلك خربات جيدة يف جودة التنفيذ وقلة‬
‫التكاليف‪ ،‬اليت لو أعطيت للفقراء مباشرة ألضاعوها وما استطاعوها إال بكلفة كبرية‪.‬‬
‫‪-6‬فيما إذا كان ا خِر ُج للزكاة على هذا النحو مؤسسًة أو مجعيًة وحنَو ه‪ ،‬فإنه‬
‫ُمل‬
‫يشرتط أن تعلن أن هذه األموال زكوية حىت ال متتد إليها أيدي غري املستحقني(‪.)1‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫هذه الصورة املذكورة مقيدة بكون بناء أو شراء املسكن إمنا هو مسكن املثل‬
‫للفقري أو املسكني‪ ،‬فيتصور يف شراء بعض الشقق املتواضعة‪ ،‬أو بناء عمارة تشتمل على‬
‫‪)?(1‬وقد ذكر بعض املعاصرين من القيود والضوابط ما مل أره مناسبا‪ ،‬ومنه اآليت‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون صرف املال يف بناء املسكن أو شرائه من قبل اجلهات الرمسية املخولة من اإلمام وليس من‬
‫قبل املزكي‪ ،‬إذ إن الواجب على املزكي املبادرة بإخراج الزكاة‪ ،‬وليس له تأخريها لشراء املسكن أو بنائه‪.‬‬
‫وهذا ال حاجة له‪ ،‬ويكتفى عنه بأن يقال للمزكي‪-‬املالك األصلي‪" :-‬ال جيوز لك تأخري إخراج الزكاة‪،‬‬
‫فإذا وجبت وجب عليك املبادرة بإخراجها"؛ ألن مقتضى الشرط املذكور إجياب توكيل املزكي من خيرج له‬
‫زكاته‪ ،‬وهذا إلزام بغري دليل من الشرع ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تتابع اجلهة اخلريية مالك املسكن‪ ،‬فإذا اغتىن هو أو ورثته‪ ،‬وصار له من الدخل ما ميكنه من توفري‬
‫حاجاته األساسية مع أجرة املسكن فإنه خُي رج من املسكن وُيعطى لفقري آخر‪.‬‬
‫وهذا ال يسلم ألن مقتضى إعطاء الزكاة للفقري أن ميلكها‪ ،‬فإذا خرجت من ملك املالك أو من ينوب عنه‬
‫من مؤسسة وغريه‪ ،‬فإنه ال ميلك أن يقول للفقري‪َ :‬أرجْع ما أخذته حال فقرك!! شأنه شأن أي فقري يأخذ من الزكاة‬
‫مث يغنيه اهلل‪ ،‬وعنده بقية من أموال الزكاة‪ ،‬فهل يقال له ‪ :‬أرجع ما تبقى؟!!ومن املعلوم أنه ما من فقري إال وحيتمل‬
‫أن يغتين هببة أو إرث أو جتارة وحنوه‪ ،‬ومل يرد يف الشرع ما يشري إىل أن الفقري يرُّد ما أخذ أو ما تبقى إذا اغتىن‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ُيشرط على الفقري عدم إخراج العقار من ملكه ببيع وحنوه؛ ألن ذلك يدل على عدم حاجته أو‬
‫نقص تدبريه ورشده‪ ،‬وميكن أن ينص يف صكوك هذه املساكن على ملكية اجلهة اخلريية هلا لئال يتمكن الفقري من‬
‫التصرف الناقل للملكية‪.‬‬
‫وهذا أغرب مما سبق‪ ،‬إذ كيف نقول‪ :‬إن الفقري ميلك الزكاة مبقتضى النص‪ ،‬مث نشرتط عليه أن اجلهة‬
‫اخلريية النائبة عن املالك يبقى ملكها على املال‪ ،‬وما عالقة اجلهة اخلريية باملال اليت نابت عن مالكه يف إخراجه‪ ،‬حىت‬
‫جتعل نفسها وصَّيًة عليه العمر كله؟!! إن إخراج الزكاة للفقري‪ ،‬سواء كان عينا أو نقدا يعين ملكه التام له‪ ،‬وقد‬
‫قبضه مبقتضى الشرع‪ ،‬فال جيوز ألحد أن يقيد هذا امللك الذي هو من قبل الشارع إال بدليل من الشارع‪ ،‬وأين‬
‫دليل هذا من الكتاب أو السنة؟!وغاية فعل املؤسسة يف هذا أن تنوب عن الغين يف إيصال الزكاة إىل أهلها‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪28‬‬

‫عدد من الشقق املناسبة لفقٍري ‪ ،‬حباجة إىل مسكٍن يقيه حَّر الشمس وبرَد الشتاء‪ ،‬ويقيه‬
‫احلاجة السنوية لسداد أجرة السكن اليت تتزايد عاما عن عام‪ ،‬مث جْع ل هذه العمارة زكاًة‪،‬‬
‫وخيرج الغين من ملكها‪ ،‬ليتملكها املستحقون للزكاة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه منفعة المسكن‪.‬‬
‫تصوير المسألة‪:‬‬
‫أن يقوم الغين بشراء أو بناء مسكن‪ ،‬مث جيعل منفعة سكناه للفقري‪ ،‬وتكون القيمة املالية‬
‫هلذه املنفعة هي ما جيب عليه من زكاة سنوية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬إذا كان املسكن ُمشرتى بأموال ليست زكوية‪ ،‬وفيه فرعان‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التكييف الفقهي هلذه الصورة‪.‬‬
‫للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أنه ميكن خترجيها على مسألة‬
‫إخراج الزكاة منافع‪ ،‬والكالم يف هذه املسألة يدور على حمور رئيس‪ ،‬وهو مالية املنافع‪ ،‬وقد‬
‫اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن املنافع أموال‪ ،‬وهو قول اجلمهور من املالكية والشافعية‬
‫واحلنابلة(‪.)1‬‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري‪ ،3/442‬ومغين احملتاج ‪ ،2/286‬وكشاف القناع ‪،122 ،4/80‬‬
‫وقواعد ابن رجب ‪ ،224 ،223‬واحمللى ‪.9/15‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪29‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن املنافع ليست أمواال‪ ،‬وهو املشهور من مذهب احلنفية(‪.)1‬‬
‫ومنشأ اخلالف يف هذه املسألة هو اخلالف املشهور بني اجلمهور واحلنفية يف تعريف‬
‫املال‪ ،‬وهو كاآليت‪:‬‬
‫عرف احلنفية املال بأنه‪" :‬ما مييل إليه الطبع‪ ،‬وجيري فيه البذل واملنع‪ ،‬وميكن ادخاره‬
‫لوقت احلاجة"(‪.)2‬‬
‫فالبد للمال عندهم من أن يشتمل على ثالثة عناصر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون الشيء منتفعًا به عرفًا‪ ،‬بأن مييل إليه طبع الناس‪ ،‬فال تعافه النفوس‪،‬‬
‫كامليتة واألشياء الفاسدة‪.‬‬
‫‪-‬أن يكون للشيء قيمة مادية بني الناس‪ ،‬مما جيري فيه التصرف والبذل واملنع‬
‫متول‬
‫والشح‪ ،‬خبالف ما ال جيري فيه ذلك؛ حلقارته أو لقلته‪ ،‬فال ُيعّد عندهم ماًال؛ لعدم ّ‬
‫الناس له‪.‬‬
‫االدخار لوقت احلاجة‪،‬‬‫عينا مادية موجودة زمانني فأكثر‪ ،‬حىت يقبل ّ‬ ‫‪-‬أن يكون ً‬
‫خبالف املنافع واحلقوق‪.‬‬
‫أما اجلمهور فتوسعوا جدا يف تعريف املال‪.‬‬
‫فعرفه املالكية بأنه‪" :‬ما يقع عليه امللك‪ ،‬ويستبد به المالك عن غريه إذا أخذه من‬
‫وجه"(‪.)3‬‬
‫أو‪" :‬هو ما متتد إليه األطماع‪ ،‬ويصلح عادة وشرعا لالنتفاع"(‪.)4‬‬

‫‪)?(1‬البحر الرائق‪ ،5/277‬ورد احملتار على الدر املختار‪ ،4/501‬واألشباه والنظائر البن جنيم (‪ ،)351‬وأصول‬
‫السرخسي‪ ،1/56‬المبسوط ‪.79 ،11/78‬‬
‫‪)?(2‬حاشية ابن عابدين ‪ ،4/501‬والبحر الرائق ‪.5/277‬‬

‫‪)?(3‬املوافقات ‪. 10 / 2‬‬
‫‪)?(4‬أحكام القرآن البن العريب ‪. 607 / 2‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪30‬‬

‫وعند الشافعية‪" :‬ما كان منتفعا به‪-‬أي مستعدا ألن ينتفع به‪ -‬وهو أعيان أو‬
‫منافع"(‪.)1‬‬
‫وقال الشافعي‪" :‬ال يقع اسم املال إال على ما له قيمة يباع هبا‪ ،‬وتلزم متلفه‪ ،‬وإن‬
‫قلت‪ ،‬وما ال يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك"(‪.)2‬‬
‫وعرفه احلنابلة بأنه‪" :‬ما يباح نفعه مطلقًا‪ ،‬أي يف كل األحوال‪ ،‬أو يباح اقتناؤه بال‬
‫حاجة"(‪.)3‬‬
‫عتد هبا شرعًا‪ ،‬حبيث ُتقاَبل‪،‬‬
‫فاملال يف اجلملة عند اجلمهور‪ :‬ما فيه منفعة مقصودة يُ ّ‬
‫مبتمَّو ل عرفًا‪ ،‬يف حال االختيار‪.‬‬
‫وهو ما اشتمل على اآليت‪:‬‬
‫عرفا‪ ،‬خبالف ما ال قيمة له‪ ،‬وال متتد إليه األطماع؛ فال يُعّد ماالً‪،‬‬
‫‪ -1‬قيمة مادية ً‬
‫كحبة قمح وحنوه‪.‬‬
‫حرم‬
‫‪ -2‬أن تكون فيه منفعة مقصودة‪ ،‬خبالف ما ال منفعة فيه أصًال كاحلشرات‪ ،‬وما ّ‬
‫الشرع منفعته كاخلمر‪ ،‬وما أُبيح االنتفاع به يف حال الضرورة أو احلاجة؛ كَد فع‬
‫عد ماالً عندهم‪.‬‬ ‫خبمر‪ ،‬أو اقتناء الكلب للصيد‪ ،‬فكل ذلك ال يُ ّ‬ ‫املضطر غصَّة لقمٍة ٍ‬
‫‪ -3‬أن يكون الشيء مما يباح االنتفاع به شرعًا حالَ السعة واالختيار‪ ،‬خبالف ما ال‬
‫يكون كذلك‪ ،‬فال ُيعّد ماًال؛ كاألصنام واخلمر وآالت املعازف وكتب السحر‬
‫والشعوذة‪.‬‬
‫وبناء على هذا اخلالف يف تعريف املال‪ ،‬فإننا نجد أن اجلمهور اتفقوا يف اجلملة على‬
‫أن املال هو كل ما ميكن أن ينتفع به‪ ،‬سواء كان قليال أو كثريا‪ ،‬وسواء كان مما ميكن‬
‫ادخاره أو ال ميكن ادخاره‪.‬‬

‫‪ )?(1‬املنثور ‪.222/ 3‬‬


‫‪ )?(2‬األم ‪.5/237‬‬
‫‪ )?(3‬شرح منتهى اإلرادات ‪.2/7‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪31‬‬

‫خبالف احلنفية الذين تفردوا يف تعريف املال بكون املال ما ميكن ادخاره‪ ،‬أما ما ال‬
‫ميكن ادخاره مطلقا‪ ،‬فال يدخل يف تعريف املال عندهم‪.‬‬
‫فاملنافع هبذا التوجه ليست أمواًال ألمور‪:‬‬
‫‪ -1‬أن صفة املالّية للّش يء إمّن ا تثبت بالّتمول‪ ,‬والّتمول يعين صيانة الّش يء واّدخاره‬
‫لوقت احلاجة‪ ,‬واملنافع ال تبقى زمانني‪ ,‬لكوهنا أعراضًا‪ ,‬فكّلما خترج من حّيز العدم إىل‬
‫حّيز الوجود تتالشى‪ ,‬فال يتصّو ر فيها الّتمول(‪.)1‬‬
‫متقومة يف نفسها؛ ألن التقوم ‪-‬بمعىن كون الشيء له قيمة مادية‬ ‫‪ -2‬أن املنافع غري ِّ‬
‫بني الناس‪ -‬ال يسبق وجوده؛ إذ املعدوم ال قيمة له‪ ،‬وليس بشيء‪ ،‬فال يوصف بأنه متقِّو م‪،‬‬
‫واإلحراز بعد الوجود ال يتحقق فيما ال‬
‫ُ‬ ‫كما أن التقوم بعد الوجود ال يسبق اإلحراز‪،‬‬
‫يبقى زمانني كاملنافع‪ ،‬فال تعد متقّو مةً‪.‬‬
‫وتضمن بمثلها أو‬ ‫‪ -3‬أن املنافع ليست كاألعيان‪ ،‬فالعني تبقى وَتقوم بنفسها ُ‬
‫بقيمتها‪ ،‬واملنفعة ال تبقى وال تقوم إال بالعني وال ُتضمن بمنافع مثلها عند اإلتالف‪.‬‬
‫وقد طرد احلنفية هذا احلكم بشكل واضح وصريح يف مسألتنا‪ ،‬فلو أعطى داره لفقري‬
‫يعد املؤجر أجرتها عن هذه السنة من زكاة‬ ‫مستحق للزكاة ليسكنها سنة مثال‪ ،‬على أن َّ‬
‫ماله‪ ،‬مل جيز عند احلنفية‪ ،‬وقد نص بعضهم على ذلك‪.‬‬
‫جاء يف كشف األسرار‪( :‬حىت لو أسكن الفقري داره سنة بنية الزكاة ال جيزيه؛ ألن‬
‫املنفعة ليست بعني متقومة‪ ،‬وكذا لو أباحه طعاما بنية الزكاة فأكله الفقري‪ ،‬ال جيزيه عن‬
‫الزكاة؛ ألنه أكل مال الغري‪ ،‬وبه ال حيصل الغنى) (‪.)2‬‬
‫بينما جند أن مذهب اجلمهور كون املنافع أموالا‪ ،‬وليس بالزم يف املال أن حيرز‬
‫وحياز بنفسه‪ ،‬بل يكفي أن حياز حبيازة أصله ومصدره‪ ،‬وال شك أن املنافع حتاز حبيازة‬
‫حماهلا ومصادرها‪ ،‬فإن من حيوز سيارة مينع غريه أن ينتفع هبا إال بإذنه وهكذا‪ ،‬ويؤيد هذا‬
‫القول اآليت‪:‬‬
‫‪ )?(1‬البحر الرائق‪ ،5/277‬ورد احملتار على الدر املختار ‪.4/501‬‬

‫‪ )?(2‬كشف األسرار‪.1/308‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪32‬‬

‫‪-1‬أن األعيان ال تقصد لذاهتا‪ ,‬بل ملنافعها‪ ,‬وعلى ذلك أعراف الّناس ومعامالهتم‪،‬‬
‫فال يعهد أن يقدم شخص على شراء سيارة ال متشي‪ ،‬أو قلم ال يكتب‪ ،‬مما يدل على أن‬
‫املنفعة هي املقصودة من العقد‪ ،‬وال يقدم على شراء ما ال ينفع إال سفيه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشرع حكم بمالية املنفعة‪ ،‬وقَّو مها كما يف عقد اإلجارة‪ ،‬وكما أجاز جعل‬
‫املنفعة مهرًا جيري االعتياض عليه يف عقد النكاح‪ ،‬فجعل عمل موسى عليه الصالة‬
‫والسالم –وهو منفعة قطعا‪ -‬مهرا البنته‪َ( :‬قاَل ِإِّني ُأِر يُد َأْن ُأنِكَح َك ِإْح َدى اْبَنَتَّي َهاَتْيِن‬
‫َع َلى َأن َتْأُج َر ِني َثَم اِنَي ِح َج ٍج) القصص ‪.27‬‬
‫‪-3‬أن يف عدم اعتبارها أمواًال تضييعًا حلقوق الّناس‪ ،‬وإغراًء للّظلمة يف االعتداء على‬
‫منافع األعيان اّليت ميلكها غريهم‪ ,‬ويف ذلك من الفساد واجلور ما يناقض مقاصد الّش ريعة‬
‫وعدالتها‪.‬‬
‫‪-4‬أنه مما ال خالف فيه أن العقد يرد على املنفعة‪ ،‬وتصري به مضمونة‪ ،‬سواء أكان‬
‫صحيحا أم فاسدًا‪ ،‬وضمان املنفعة دليل على صريورهتا مالًا بالعقد عليها‪ ،‬مع أن‬ ‫ً‬ ‫العقد‬
‫العقد ال جيعل ما ليس بمال ماًال‪ ،‬مثلما ال جيعل العقد ما ليس مبتقوم ‪-‬كاخلمر‪ -‬متقوما‪،‬‬
‫مما يدل على أن املنافع أموال متقّو مة بذاهتا‪ ،‬سواء أورد عليها العقد أم مل َيِرد‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫بعد النظر يف القولني السابقني‪ ،‬وما ذكر من تعليالت تدعم القولني‪ ،‬يرتجح قول‬
‫اجلمهور‪ ،‬القائل مبالية املنافع‪ ،‬وكونه تصلح مثنا وأجرة؛ ألنه املتفق مع عرف الناس‬
‫ومعامالهتم‪ ،‬فهم ال يبتغون الأعيان إال طلبا ملنافعها‪ ،‬وألجلها يستعيضوهنا بالنفيس من‬
‫أمواهلم‪ ،‬وما ال منفعة له ال رغبة فيه وال طلب له‪ ،‬وإذا طلب ُعَّد طالبُه من احلمقى‬
‫والسفهاء‪ ،‬ورمبا حجر عليه‪.‬‬
‫ومما يزيد هذا القول قوة ما ذكره الفقهاء فيما يتعلق مبالية املنافع‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪-‬ضمان املنافع‪ :‬فتضمن املنافع باإلتالف والغصب مطلقا عند اجلمهور‪ ،‬وال تضمن‬
‫إال بالعقد أو ما يشبهه عند احلنفية‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪33‬‬

‫‪-‬جعل املنافع صداقا‪ :‬فيجوز أن تكون املنفعة مهرا عند اجلمهور‪ ،‬وكذلك عند‬
‫احلنفية؛ ألن املنافع هنا يف عقد‪.‬‬
‫‪ -‬إرث املنافع‪ :‬فتورث املنافع عند اجلمهور‪ ،‬خالفا للحنفية‪.‬‬
‫‪ -‬رهن املنفعة‪ :‬فيجوز يف قول للمالكية رهن املنفعة‪ ،‬وهذا متحقق يف املنافع‬
‫واألعيان‪.‬‬
‫‪ -‬الوصية باملنفعة‪ :‬فقد اتفق الفقهاء على جواز الوصية باملنافع‪ ،‬كما تجوز الوصية‬
‫باألعيان‪.‬‬
‫‪ -‬وقف املنفعة‪ :‬فيجوز عند املالكية وقف املنفعة‪ ،‬كما جيوز وقف األعيان(‪.)1‬‬
‫‪ -‬صحة كون املنفعة مثنا‪ :‬فباإلضافة إلى ما قرره مجهور الفقهاء من أن املنفعة مال‪،‬‬
‫فإنه صفة املالية هذه تنضم إليها صفة أخرى‪ ،‬وهي الثمنية‪ ،‬فاملنفعة تصح مثنًا‪ ،‬وقد صرح‬
‫بذلك ابن قدامة بقوله‪ " :‬كل ما جاز مثنا يف البيع جاز عوضا يف اإلجارة‪ ،‬ويجوز أن‬
‫تكون املنفعة عوضا يف اإلجارة‪ ،‬أي تكون مقابًال عن منفعة أخرى"(‪.)2‬‬
‫كما يدعم هذا االختيار قول من أجاز إخراج الزكاة بالقيمة من الفقهاء‪ ،‬كما هو‬
‫اختيار احلنفية ورواية عند احلنابلة(‪ ،)3‬ولشيخ اإلسالم تفصيل يف هذه املسالة‪ ،‬فقد سئل‬
‫رمحه اهلل عمن أخرج القيمة يف الزكاة؟‬
‫فأجاب‪" :‬وأما إخراج القيمة يف الزكاة والكفارة وحنو ذلك‪ ،‬فاملعروف من مذهب‬
‫مالك والشافعي أنه ال جيوز‪ ،‬وعند أيب حنيفة جيوز‪ ،‬وأمحد رمحه اهلل قد منع القيمة يف‬
‫مواضع‪ ،‬وجوزها يف مواضع‪ ،‬فمن أصحابه من أقر النص‪ ،‬ومنهم من جعلها على روايتني‪.‬‬
‫واألظهر يف هذا أن إخراج القيمة لغري حاجة وال مصلحة راجحة ممنوع منه؛ وهلذا‬
‫قدر النيب صلى اهلل عليه وسلم اجلربان بشاتني أو عشرين درمها‪ ،‬ومل يعدل إىل القيمة‪،‬‬

‫‪ )?(1‬املوسوعة الفقهية ‪.108 -39/103‬‬


‫‪ )?(2‬املغين ‪. 6/7‬‬
‫‪ )?(3‬انظر‪ :‬فتح القدير ‪495 / 1‬وما بعدها‪ ،‬والشرح الكبري ‪ ،502 / 1‬وجمموع الفتاوى ‪. 83 / 25‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪34‬‬

‫وألنه مىت جوز إخراج القيمة مطلقا فقد يعدل املالك إىل أنواع رديئة‪ ،‬وقد يقع يف التقومي‬
‫ضرر‪ ،‬وألن الزكاة مبناها على املواساة‪ ،‬وهذا معترب يف قدر املال وجنسه‪.‬‬
‫وأما إخراج القيمة للحاجة أو املصلحة أو العدل‪ ،‬فال بأس به‪ ،‬مثل أن يبيع مثر‬
‫بستانه‪ ،‬أو زرعه بدراهم‪ ،‬فهنا إخراج عشر الدراهم جيزيه‪ ،‬وال يكلف أن يشرتي مثرًا أو‬
‫حنطة‪ ،‬إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه‪ ،‬وقد نص أمحد على جواز ذلك‪.‬‬
‫ومثل أن جيب عليه شاة يف مخس من اإلبل‪ ،‬وليس عنده من يبيعه شاة‪ ،‬فإخراج‬
‫القيمة هنا كاف‪ ،‬وال يكلف السفر إىل مدينة أخرى ليشرتي شاة‪.‬‬
‫ومثل أن يكون املستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة‪ ،‬لكوهنا أنفع‪ ،‬فيعطيهم إياها‪،‬‬
‫أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء‪ ،‬كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول ألهل‬
‫اليمن‪ " :‬أنتوين خبميس أو لبيس أسهل عليكم‪ ،‬وخري ملن يف املدينة من املهاجرين‬
‫واألنصار "(‪.)1‬‬

‫***‬

‫‪)?(1‬جمموع الفتاوى ‪. 83 / 25‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪35‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحكم الشرعي لهذه الصورة‪.‬‬


‫بناء على ما تقدم من كون القول الراجح هو قول اجلمهور‪ ،‬وأن املنافع جتري جمرى‬
‫األموال‪ ،‬وأن هذا القول هو مدلول الشرع والنظر الصحيح‪ ،‬كما أنه القول املتفق مع‬
‫عرف الناس وأغراضهم ومعامالهتم؛ وذلك أهنم ال يبتغون الأعيان إال طلبا ملنافعها‪ ،‬فإن‬
‫األعيان إمنا تقصد ملا فيها من منافع‪ ،‬بدليل أن العني إذا كانت خالية من املنفعة مل يقدم‬
‫أحد على شرائها‪ ،‬أو العني على استئجارها‪ ،‬فإن الراجح هو جواز إخراج الزكاة على‬
‫صورة منفعة بالضوبط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬كون حاجة الفقري ماسة إىل تلك املنفعة‪ ،‬وذلك إما بأن خيرب الفقري عن حاجته‪،‬‬
‫وهذا أحسن األحوال‪ ،‬أو خبروج جلنة من اللجان املتخصصة لالطالع على حال‬
‫الفقري واحتياجاته‪.‬‬
‫‪ -2‬كون املستحق راضيا عن حتصيل الزكاة على صورة منفعة من الغين‪ ،‬فإن مل يرَض‬
‫فليس للغين أن يلزم الفقري أن يستويف زكاة ماله منفعة منه‪ ،‬كأن يكون طبيب غين‬
‫يريد أن يزكي ماله‪ ،‬فيقدم هذه الزكاة يف صورة منفعة كالكشف واملتابعة مع فقري‬
‫مستحق للزكاة مريض‪ ،‬فيشرتط قبول ذلك الفقري للمنفعة من هذا الطبيب؛ إذ قد‬
‫يكون له رغبة يف العالج عند طبيب آخر‪ ،‬وكذا إذا كان ُمعِّلما‪ ،‬فإنه ال يقبل‬
‫إخراج زكاته على صورة منفعة تدريس وتعليم حىت يقبل الفقري املستحق أن يدرس‬
‫على يدي هذا املعلم؛ ألنه قد يريد حتصيل تلك املنفعة عند ُمعِّلم آخر‪ ،‬فيجب‬
‫حينئذ دفع الزكاة نقدا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تكون املنفعة ماًال متقوما شرعا‪ ،‬فال جيوز حبال أن تكون املنفعة حمرمة شرعا‪،‬‬
‫كتعليم سحر أو كهانة أو غناء وحنوه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تكون املنفعة ملكا لمن يريد بذل تلك املنفعة بدال عن زكاة ماله‪ ،‬فلو أرسل‬
‫الغين أجرة الطبيب نيابة عن‬‫الغين المستحق للزكاة إىل الطبيب مثلا‪ ،‬على أن يدفع ُّ‬
‫املستحق للزكاة؛ لما كان ذلك دفعا ملنفعة بدلا عن الزكاة‪ ،‬بل هو من قبيل دفع‬
‫الزكاة يف ضرورات المستحق للزكاة‪ ،‬أو حاجياته‪ ،‬وهذا جائز وال عالقة له مبسألة‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪36‬‬

‫البحث‪.‬‬
‫أن تكون املنفعة معلومة منضبطة جنسا وقدرا وصفة حبيث ال خيتلف فيها‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أن ال تكون املنفعة ذريعة موصلة إىل ما هو حمرم شرعا‪ ،‬فاملنفعة اليت يصح دفعها‬ ‫‪-6‬‬
‫بدلا عن الزكاة هي اليت تكون عملا جائزا يف ذاته؛ فيُمنع الطبيب من إجراء عملية‬
‫جتميلية لفقري‪ ،‬واعتبار املنفعة بدلا عن الزكاة‪.‬‬
‫أن ال تكون املنفعة مبذولة باجملان من جهات أخرى‪ ،‬كالعالج احلكومي‪ ،‬والتعليم‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫أن تكون املنفعة من احلاجات األساسية‪ ،‬ال من الكماليات‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫املخرجة زكاةً بقيمتها احلقيقية يف السوق (‪.)1‬‬
‫أن تقدر املنفعة َ‬ ‫‪-9‬‬
‫تنبيه‪ :‬بالرغم من كون هذا القول يستلزمه احلكم مبالية املنافع‪ ،‬الذي تقدم تقريره‪ ،‬فإنه‬
‫يعكر عليه ويضعفه اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬باعتبار أن الفقري ضعيف‪ ،‬فقد حيمله ضعفه على قبول ما ال يرتضيه من‬
‫بعض املنافع‪ ،‬خشية أن تضيع عليه سائر الزكاة حىت ولو كانت تلك املنفعة مما ال حيتاجه‪،‬‬
‫فريضى بضياع بعضه أفضل من ضياع كله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن الغالب على الغين الذي يريد إخراج زكاة ماله يف صورة منفعة ُتقَّو م‬
‫بقدر ما وجب عليه من زكاة‪ ،‬الغالب عليه أنه يراعي حظ نفسه‪ ،‬ورمبا محله ذلك على‬
‫عدم تقومي تلك املنفعة التقومي املماثل‪ ،‬أو رمبا قَّدم منفعة أشبه بالسلعة البائرة عنده‪.‬‬
‫لذا فاألوىل عدم التوسع يف األخذ هبذا القول‪ ،‬إال يف أضيق األحوال‪ ،‬وبتوفر‬
‫الشروط كاملة‪ ،‬مع مراعاة أن إخراج املنفعة زكاة يف هذه احلال يكون أشبه خبطوة‬
‫االختصار‪ ،‬فبدال من أن نعطي الفقري عشرة آالف مثال زكاة‪ ،‬يريد أن يسكن هبا‪ ،‬خنتصر‬
‫اإلعطاء بتوفري مسكن له يرتضيه‪ ،‬يستويف منه حَّقه يف الزكاة بسكناه‪ ،‬ويكون اإلعطاء هنا‬

‫‪)?(1‬انظر‪ :‬حبث‪ :‬دفع املنافع يف الزكاة‪ ،‬للدكتور يوسف حسن الشراح‪ ،‬وحبث‪ :‬حكم إخراج املنفعة بدال عن زكاة‬
‫املال الدكتور أمحد احلجي الكردي‪ ،‬ضمن الندوة الثامنة عشرة لقضايا الزكاة املعاصرة‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪37‬‬

‫منفعة تساوي عشرة اآلالف‪ ،‬فال فرق بني أن يأخذ العشرة ليدفعها يف السكن‪ ،‬وبني أن‬
‫يسكن مباشرة‪ ،‬هذا ما أردته جبواز إخراج املنفعة زكاًة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إذا كان المسكن ُمشترى بأموال زكوية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أهنا ميكن خترجيها على مسألة‬
‫استثمار أموال الزكاة‪ ،‬وهلا حاالن‪:‬‬
‫الحال األولى‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل املالك‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو نائبه‪.‬‬
‫***‬
‫الحال األولى‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل المالك‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أوال‪ :‬اتفق العلماء على جواز االستثمار إذا حصل من مستحقي الزكاة بعد‬
‫قبضها؛ ألن الزكاة إذا وصلت أيديهم أصبحت مملوكة ملكا تاما هلم‪ ،‬فيجوز هلم‬
‫التصرف فيها كتصرف املالك يف أمالكهم‪ ،‬كسائر التصرفات اجلائزة شرعا‪.‬‬
‫وعلى هذا جرت عبارات الفقهاء‪.‬‬
‫جاء يف الفروع وكشاف القناع‪" :‬فاملذهب أن من أخذ بسبب يستقر األخذ به‬
‫صَرَفه‬
‫وهو الفقر واملسكنة والعمالة والتأليف صرفه فيما شاء كسائر ماله‪ ،‬وإن مل يستقر َ‬
‫فيما أخذه له خاصة‪ ،‬لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه‪ ,‬وإمنا ميلكه مراعى‪ ،‬فإن صرفه‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪38‬‬

‫يف اجلهة اليت استحق األخذ هبا‪ ،‬و إال اسرتجع منه كالذي يأخذه املكاتب والغارم‬
‫والغازي وابن السبيل"(‪.)1‬‬
‫وقال النووي‪" :‬قال أصحابنا جيوز للغارم أن يتجر فيما قبض من سهم الزكاة‪ ،‬إذا‬
‫مل يف بالدين ليبلغ قدر الدين بالتنمية"(‪.)2‬‬
‫وقالوا‪" :‬جيوز للعبد املكاتب أن يتجر فيما يأخذه من الزكاة طلبا للزيادة وحتصيل‬
‫الوفاء"(‪.)3‬‬
‫وهذا مع كون الشافعية يرون امللك يف األصناف األربعة األخرية يف اآلية مقيد‬
‫بالصرف يف تلك اجلهات‪ ،‬إال أهنم أجازوا هلؤالء املستحقني استثمار أموال الزكاة اليت‬
‫وصلت إىل أيديهم‪ ،‬وال شك أن من يأخذ حلظ نفسه أوىل هبذا اجلواز ممن يأخذ جلهة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا كان االستثمار من غري مستحقي الزكاة‪ ،‬وبعد وجوهبا قبل قبضها‪ ،‬فهو‬
‫إما أن يكون من املالك‪ ،‬أو نائبه‪.‬‬

‫‪ )?(1‬الفروع ‪ ،2/618‬وكشاف القناع ‪ ،2/283‬واإلنصاف ‪ ،3/244‬ويف هذا الكالم ما يبنِّي موقف املؤسسات‬
‫اخلريية من األموال الزكوية اليت ينوبون يف توزيعها عن أرباهبا‪ ،‬مث يقومون بإيصاهلا ملستحقيها‪ ،‬وأنه مبجرد صرفها‬
‫للفقري الذي يأخذ حلظ نفسه فإنه ميتلكها‪ ،‬وال جيب عليه رُّدها حىت يف حال غناه‪ ،‬وأن هذا هو مقتضى الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬جاء يف جممع األهنر‪" :‬وال يلزم أن يتصدق مبا فضل يف يده عند قدرته على ماله كالفقري إذا استغىن"‬
‫‪ ،2/255‬وقال اللخمي‪" :‬ومن أخذ زكاة لفقره مل يردها إن استغىن قبل إنفاقها"‪.‬مواهب اجلليل ‪.289 / 6‬‬

‫‪ )?(2‬اجملموع ‪. 210/ 6‬‬


‫‪ )?(3‬مصدر سابق ‪.204/ 6‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪39‬‬

‫فإن كان استثمار أموال الزكاة من قبل املالك‪ ،‬فإن املال إذا وجبت فيه الزكاة‪،‬‬
‫باكتمال الشروط اليت أوجبها الشرع‪ ،‬فإن مقتضى الوجوب املبادرة بإخراج الزكاة‪ ،‬فإن أراد‬
‫استثمار أموال الزكاة ليعود بالنفع على الفقراء‪ ،‬فإن هذا يستلزم تأخري إخراج الزكاة عن‬
‫وقتها‪ ،‬وهو جيُّرنا إىل مسألة إخراج الزكاة‪ ،‬هل هو على الفور أم على الرتاخي؟ وقد اختلف‬
‫أهل العلم يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬
‫الق\\ول األول‪ :‬أن الزكــاة واجبــة على الفــور‪ ،‬وهــو م ـذهب احلنفية‪ ،‬وعليه الفتــوى‬
‫واحلنابلة(‪.)1‬‬ ‫عندهم‪ ،‬واملالكية والشافعية‬
‫واستدلوا على ذلك مبا يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مطلق األمر بالزكاة يف القرآن‪ ،‬كقوله تعاىل‪َ { :‬و َأِقيُم وْا الَّصَالَة َو آُتوْا‬
‫الَّز َكاَة }البقرة‪ ،43-‬وقوله‪َ { :‬و آُتوْا َح َّقُه َيْو َم َحَص اِدِه }األنعام‪.141-‬‬
‫واألمر املطلق يقتضي الفورية‪ ،‬بدليل قوله‪َ { :‬قاَل َم ا َم َنَع َك َأَّال َتْس ُجَد ِإْذ َأَم ْر ُتَك‬
‫}األعراف‪ ،12-‬فوخبه إذ مل يسجد حني أمر‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد بن املعلى رضي اهلل عنه قال‪ { :‬كنت أصلي يف املسجد‪ ،‬فدعاين‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم أجبه‪ ،‬مث أتيته فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إين كنت أصلي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أمل يقل اهلل‪ { :‬استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم }(‪.)2‬‬
‫فتبني أن خمالفة األمر املطلق بدعوى أنه للرتاخي مذموم شرعا‪ ،‬كما هو مذموم‬
‫عقال؛ ولذلك فإن املخالف يستحق العقاب والتوبيخ‪.‬‬
‫وألنه لو جاز التأخر يف األمر املطلق جلاز إىل غري غاية‪ ،‬وهو خمالف ملا وضع له‬
‫األمر(‪.)3‬‬

‫‪ )?(1‬درر احلكام ‪ ،1/174‬وبدائع الصنائع ‪ ،2/3‬وحاشية الدسوقي ‪ ،1/503‬اجملموع للنووي ‪ ،5/286‬مغين‬


‫احملتاج ‪ ،1/413‬واملبدع ‪ ،2/399‬واملغين ‪.2/684‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري (‪.)4114‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪40‬‬

‫ثانيا‪ :‬حديث عقبة بن احلارث رضي اهلل عنه قال‪" :‬صلى النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم العصر فأسرع‪ ،‬مث دخل البيت‪ ،‬فلم يلبث أن خرج‪ ،‬فقلت أو قيل له‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫( كنت خلفت يف البيت تربا من الصدقة‪ ،‬فكرهت أن أبيِّتَه فقسمته)(‪.)1‬‬
‫قال ابن بطال رمحه اهلل‪" :‬اخلري ينبغي أن يبادر به‪ ،‬فإن اآلفات تعرض واملوانع متنع‪،‬‬
‫واملوت ال يؤمن‪ ،‬والتسويف غري حممود"(‪.)2‬‬
‫وال شك أن املبادرة بإخراج الزكاة أبرأ الذمة‪ ،‬وأقرب لطاعة اهلل اآلمر باملبادرة‬
‫إىل فعل اخلريات‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حديث عائشة رضي اهلل عنها مرفوعا‪َ ( :‬م ا َخ اَلَطْت الَّص َدَقُة َم ااًل َقُّط إاَّل‬
‫َأْه َلَك ْتُه )‪.‬‬
‫وللحميدي زيادة‪ ( :‬يكون قد وجب عليك يف مالك صدقة فال خترجها فيهلك‬
‫احلرام احلالل )(‪.)3‬‬

‫‪ )?(3‬اختلف أهل العلم يف اقتضاء األمر للفورية‪ ،‬فذهب اإلمام أمحد وأصحابه‪ ،‬واملالكية‪ ،‬وبعض الشافعية‪ ،‬وبعض‬

‫احلنفية إىل أّن األمر يقتضي الفور‪ ،‬وذهب الشافعية يف املشهور من مذهبهم‪ ،‬واحلنفية إىل أن األمر يقتضي الرتاخي‪.‬‬
‫روضة الناظر ‪ ،1/202‬واإلحكام لآلمدي ‪ ،2/18‬واملسودة (‪ ،)20‬وإرشاد الفحول ‪ ،1/211‬ومطالب أوىل‬
‫النهى ‪. 2/116‬‬
‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري (‪.)1340‬‬

‫‪ )?(2‬فتح الباري ‪.4/41‬‬


‫‪ )?(3‬رواه الشافعي والبخاري يف األدب املفرد‪ ،‬واحلميدي بسند فيه حممد بن عثمان بن صفوان اجلمحي‪ ،‬وقد‬
‫ضعفه أبوحامت والدارقطين‪ ،‬وذكره ابن حبان يف الثقات‪ ،‬وباقي رجال اإلسناد ثقات‪ ،‬ورواه البزار وضفعه بسبب‬
‫اجلمحي‪ .‬احتاف اخلرية املهرة بزوائد املسانيد العشرة ‪.3/1‬‬
‫واحلديث ضعفه السيوطي يف اجلامع الصغري‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬تفرد به حممد‪ ،‬قال الذهيب يف املهذب‪ :‬ضعيف‪ ،‬ويف‬

‫امليزان عن أيب حامت‪ :‬منكر احلديث‪ ،‬مث عَّد من مناكريه هذا اخلرب ‪ .‬فيض القدير‪ ،5/443‬وضعفه أيضا اهليثمي يف‬
‫اجملمع ‪ ،64 / 3‬واأللباين يف متام املنة‪.1/359‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪41‬‬

‫فاحلديث يدل على أن الرتاخي عن اإلخراج سبب إلتالف املال وهالكه‪ ،‬وهو‬
‫يدل على وجوب املبادرة بإخراج الزكاة وعدم جواز التأخر يف ذلك‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن حاجة الفقراء ناجزة‪ ،‬فيجب أن يكون الوجوب على الفور(‪.)1‬‬
‫خامسا‪ :‬أن الزكاة عبادة تتكرر يف كل عام‪ ،‬فلم جيز تأخريها إىل وقت وجوب‬
‫مثلها‪ ،‬كالصالة والصوم(‪.)2‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن الزكاة جتب على الرتاخي‪ ،‬وهو قول جلماعة من احلنفية‪ ،‬اختاره‬
‫أبو بكر اجلصاص وغريه‪ ،‬وقول عند احلنابلة(‪.)3‬‬
‫واستدلوا لذلك مبا يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن األمر بأداء الزكاة مطلق‪ ،‬واألمر المطلق يقتضي الرتاخي‪ ،‬فال يتعني‬
‫الزمن األول ألدائها دون غريه‪ ،‬كما ال يتعني لذلك مكان دون مكان(‪.)4‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫وقد نوقش هذا الوجه بعدم التسليم‪ ،‬بل إن األمر املطلق يقتضي الفور على الراجح‬
‫من أقوال أهل العلم‪ ،‬وذلك لوجوه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن هذا هو املوافق ألمر اهلل باملسارعة واملسابقة إىل مغفرته وجنته‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذا هو الذي يقتضيه اللسان العريب الفصيح‪.‬‬
‫‪ -‬أنه مقتضى املعقول‪ ،‬فإنه البد لألمر ممن زمن حيصل فيه االمتثال‪ ،‬وأوىل هذه‬
‫األزمنة الذي يعقب األمر‪ ،‬ألنه يكون ممتثال يقينا‪ ،‬وساملا من اخلطر قطعا(‪.)5‬‬

‫‪ )?(1‬املغين ‪ ،2/684‬واملبدع ‪.2/399‬‬


‫‪ )?(2‬املغين ‪.2/685‬‬
‫‪ )?(3‬تبيني احلقائق‪ ،1/252‬وحاشية ابن عابدين‪ ،2/4‬واملبدع‪.2/397‬‬
‫‪ )?(4‬بدائع الصنائع ‪ ،2/3‬فتح القدير‪.2/114‬‬
‫‪ )?(5‬استثمار أموال الزكاة وما يف حكمها للدكتور صاحل بن حممد الفوزان (‪.)74‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪42‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم ضمان من عليه زكاة إذا هلك نصابه بعد متام احلول والتمكن من‬
‫األداء‪ ،‬ولو كانت واجبة على الفور لضمن(‪.)1‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقش هذا بأن عدم الضمان هبالك النصاب بعد وقت الوجوب هو حمل النزاع؛‬
‫ألن النزاع يف اقتضاء األمر للفورية وعدمها‪ ،‬ويرتتب على هذا أن من قال بالفورية‬
‫ضَّم نه‪ ،‬ومن قال بالرتاخي مل يضِّم نه‪ ،‬فال يصلح االستدالل به؛ ألنه استدالل مبحل‬
‫النزاع(‪.)2‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫الراجح ما ذهب إليه مجهور الفقهاء من أن الزكاة جتب على الفور لألوجه اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن هذا مقتضى القرآن اآلمر باالستباق إىل اخلريات‪ ،‬واملسارعة يف مغفرة اهلل‬
‫وجناته ورضوانه‪ ،‬وهذا يف األعمال املستحبة‪ ،‬ففي الزكاة الواجبة من باب أوىل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنه القول الذي تقتضيه اللغة العربية الفصيحة‪ ،‬واليت تؤكد كون األمر‬
‫يقتضي الفورية‪ ،‬بدليل جواز املعاقبة والتوبيخ على التأخري يف امتثال األمر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أنه املوافق للمعقول كما تقدم‪ ،‬فالبد من زمن يقع فيه امتثال األمر‪ ،‬وال‬
‫شك أن أول وقت عقيب األمر هو أوىل األزمنة‪.‬‬
‫وبالرغم من كون القول بوجوب فورية إخراج الزكاة‪ ،‬إال أن القائلني هبذا القول‬
‫نصوا على مجلة من األعذار اليت تبيح تأخري إخراج الزكاة‪ ،‬من ذلك اآليت‪:‬‬
‫‪ -‬ترُّتب مضرة على رب املال يف حال ما إذا أخرجها فورا‪ ،‬أو خيشى على نفسه‬
‫أو ماله ضررا‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال ضرر وال ضرار)‪ ،‬وألنه إذا جاز تأخري‬
‫قضاء دين اآلدمي لذلك‪ ،‬فتأخري الزكاة أوىل‪.‬‬

‫‪ )?(1‬العناية شرح اهلداية ‪ ،2/156‬ودرر احلكام ‪.1/174‬‬


‫‪ )?(2‬حبث حكم استثمار أموال الزكاة للدكتور حممد عثمان شبري‪ ،‬واستثمار أموال الزكاة وما يف حكمها(‪.)75‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪43‬‬

‫‪ -‬أن يكون يف تأخري إخراجها مصلحة‪ ،‬كما لو أخرها لدفعها ملن هو أحق هبا‪،‬‬
‫كذي قرابة أو حاجة شديدة‪ ،‬وهذا مشروط أيضا بكون التأخري يسريا‪ ،‬وأال يتضرر‬
‫احلاضرون وتشتد فاقتهم‪ ،‬فال جيوز التأخري إذن‪.‬‬
‫‪ -‬عند الرتدد يف استحقاق احلاضرين‪ ،‬فيؤخرها ليعرف األحق هبا‪.‬‬
‫‪ -‬عند تعذر إخراجها فورا‪ ،‬سواء لغيبة املستحق‪ ،‬أو لغيبة املال‪ ،‬أو لعدم القدرة‬
‫على التصرف يف املال‪ ،‬لسرقته أو غصبه(‪.)1‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحكم الشرعي لهذه الصورة‪.‬‬
‫بناء على ما تقدم من كون الواجب تعجيل إخراج الزكاة إذا حلت‪ ،‬وتعلق حق الفقراء هبذا‬
‫املال‪ ،‬فإن الراجح أن االستثمار إذا كان من املالك فإنه ال جيوز‪ ،‬ملا يأيت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما فيه من تأخري إخراج الزكاة عن وقتها‪ ،‬وعدم املبادرة بإخراج ما وجب‬
‫ملستحقيه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن االستثمار ليس من مجلة األعذار املذكورة آنفا‪ ،‬فليس هو ضرورة وال‬
‫حاجة‪ ،‬فال وجه للقول جبواز االستثناء إذا كان واقعا من املالك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن االستثمار إذا وقع من املالك يف األموال الزكوية‪ ،‬فهو نوع تصرف فيما‬
‫ال ميلك‪ ،‬حيث قد تعلق به حق الفقراء‪ ،‬فاملالك يف هذه احلال أشبه باملوَدع‪ ،‬فال حيق له‬
‫هذا التصرف لتعلق حق الغري به‪ ،‬ولكونه على وشك اخلروج من ملكه‪ ،‬أو هو بالفعل‬
‫خارج عن ملكه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن االستثمار يف الغالب يستغرق وقتا طويال‪ ،‬فيخرج باملال عما أراده‬
‫الشارع من نفع حاجة الفقري احلالة‪ ،‬إىل حماولة لنفع فقراء فيما يستقبل‪ ،‬مع كون أمرهم‬
‫موكوال إىل اهلل‪ ،‬على أن من استثىن بعض األعذار اشرتط أن يكون التأخري يسريا‪ ،‬وهذا‬
‫متعذر غالبا يف األعمال االستثمارية‪.‬‬

‫‪ )?(1‬استثمار أموال الزكاة وما يف حكمها (‪ ،)78 ،77‬وانظر‪ :‬هناية احملتاج‪ ،3/136‬واملغين ‪ ،2/539‬وكشاف‬
‫القناع‪.2/256‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪44‬‬

‫وقد استحسن بعض أهل العلم استثناء ما إذا أذن الفقري للغين أن يستثمر له ما‬
‫وجب له من زكاة‪ ،‬واألْو ىل أن يقبضها الفقري أوال خروجا من النزاع يف هذه املسألة‪ ،‬إذ‬
‫القول بعدم جواز توكيل الفقري للغين يف االستثمار قبل القبض قول وجيه؛ وهو املشهور‬
‫من مذهب احلنابلة‪.‬‬
‫جاء يف املغين‪" :‬قال أمحد‪ :‬ولو دفع إىل أحد زكاته مخسة دراهم‪ ،‬فقبل أن يقبضها‬
‫اشرت هبا ما قال‪ ،‬فضاع منه فعليه‬
‫اشرت يل هبا ثوبا أو طعاما‪ ،‬فذهبت الدراهم‪ ،‬أو ِ‬
‫منه قال‪ِ :‬‬
‫أن يعطي مكاهنا؛ ألنه مل يقبضها منه‪ ،‬ولو قبضها منه مث ردها إليه‪ ،‬وقال‪ :‬اشرت يل هبا‬
‫فضاعت أو ضاع ما اشرتى هبا فال ضمان عليه إذا مل يكن فرط"‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪" :‬وإمنا قال ذلك ألن الزكاة ال ميلكها الفقري إال بقبضها‪ ،‬فإذا وكله‬
‫يف الشراء هبا كان التوكيل فاسدا؛ ألنه وكله يف الشراء مبا ليس له"(‪.)1‬‬
‫ووجه هذا القول أن التوكيل فرع عن امللك‪ ،‬واحلق الثابت يف مال الغين إمنا هو‬
‫للفقراء‪ ،‬فلم يتعني لفالن بعينه حىت يقبَض ه‪ ،‬فإذا قبضه َم َلكه‪ ،‬أما قبل القبض فهو مال‬
‫مستَح ق ملن يوصف بالفقر‪ ،‬وهذا مشاع يف األفراد‪ ،‬فإذا وَّك ل فقٌري معٌني غنيا يف التصرف‬
‫يف مال الزكاة‪ ،‬فقد وَّك ل فيما ال ميلك‪ ،‬فيقع التوكيل فاسدا‪ ،‬خبالف ما إذا قبض الزكاة‬
‫من الغين فقد ملكها‪ ،‬فله احلق حينئذ أن يتصرف يف هذا املال تصرف املالك‪ ،‬وله أن‬
‫يوكل فيه من شاء من الناس‪ ،‬سواء نفس الغين الذي دفعها له‪ ،‬أم غريه من الناس‪.‬‬
‫وعليه فاألوىل أن َيقبض الفقُري الزكاَة أَّو ًال من الغين‪ ،‬مث إذا شاء وكله يف‬
‫استثمارها‪ ،‬أما قبل القبض فليس له احلق يف ذلك‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫كما استحسن بعض أهل العلم استثمار أموال الزكاة إذا عزهلا املالك عن أمواله‪،‬‬
‫مث حال حائل دون إيصاهلا للمستحقني‪ ،‬مع اشرتاطه على نفسه أن يضمن يف حال‬
‫اخلسارة(‪.)2‬‬
‫‪ )?(1‬املغين (‪.)2/539‬‬
‫‪ )?(2‬حبث استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪45‬‬

‫إال أن األوىل عدم ذلك ‪-‬أيضا‪ -‬ملا فيه من تعريض املال للخسارة‪ ،‬ومن مث املطالبة‬
‫بالضمان‪ ،‬وملا فيه من تصُّر ف من املالك فيما ال ميلك مما تعلق به حق الغري‪ ،‬كما أنه ال‬
‫يظهر أثر يف احلكم ملسألة عزل مال الزكاة عن املال األصلي‪ ،‬أو إبقاؤها معه‪ ،‬فال وجه‬
‫لرتتيب اجلواز وعدمه على ذلك‪.‬‬
‫واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪46‬‬

‫الحال الثانية‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه‪.‬‬


‫صورة المسألة‪:‬‬
‫إذا وصلت أموال الزكاة إىل يد اإلمام أو نائبه‪ ،‬من مؤسسة أو مجعية خريية أقامتها‬
‫الدولة‪ ،‬أو بيت مال للمسلمني أو بيت الزكاة وحنوه‪ ،‬فهل جيوز له استثمارها يف مشاريع‬
‫ذات ريع يعود على الفقراء املستحقني للزكاة أم ال ؟‬
‫وقبل الشروع يف ذكر اخلالف يف هذه املسألة‪ ،‬فإنه جيب أن نعلم أن لإلمام أو من‬
‫ينيبه أخَذ الزكاة الواجبة من أصحاهبا‪ ،‬وأن من يدفعها إىل اإلمام أو نائبه فإن ذمته تربأ‬
‫بذلك‪ ،‬ويكون اإلمام أو نائبه وكيال عن الفقراء يف أخذ هذا احلق‪ ،‬ووكيال عن األغنياء‬
‫يف أخذ احلق منه‪ ،‬وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضي اهلل عنهم(‪.)1‬‬
‫فاهليئة أو املؤسسة أو بيت الزكاة وحنوها مما يقيمه اإلمام تكون مبثابة اإلمام‪،‬‬
‫ومبقتضى هذا التنصيب من اإلمام تأخذ سلطته‪ ،‬وتكون واليتها كوالية اإلمام باعتبارها‬
‫جهة رمسية متثله يف هذا الباب‪.‬‬
‫أما إذا مل تكن اهليئة منَّص بة وخمَّو لة من جهة اإلمام‪ ،‬بل هو عمل مجاعي خريي‪،‬‬
‫فغايتها أن تكون وكيلة عن املزكي لتقوم بإيصال الزكوات عنه‪ ،‬فال تأخذ احلكم السابق‪،‬‬
‫وليس هلا أي سلطة‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء املعاصرون يف حكم استثمار اإلمام أو نائبه ألموال الزكاة على‬
‫عدة أقوال مرُّدها إىل قولني‪:‬‬
‫الق\\ول األول‪ :‬جواز اس ــتثمار أم ــوال الزك ــاة يف مشاريع اس ــتثمارية س ــواء فاض ــت‬
‫الزك ـ ــاة أو ال‪ ،‬وممن ذهب إىل ه ـ ــذا الق ـ ــول األس ـ ــتاذ مص ـ ــطفى الزرق ـ ــا وال ـ ــدكتور يوس ـ ــف‬
‫القرضــاوي وال ــدكتور عب ــد العزي ــز اخلياط‪ ،‬والشيخ عب ــد الفت ــاح أبو غ ــدة‪ ،‬وال ــدكتور عب ــد‬
‫السالم العبادي‪ ،‬والدكتور حممد صاحل الفرفور‪ ،‬وقد أفىت جبواز استثمار أموال الزكاة كثــري‬

‫‪ )?(1‬وقد ذكر الدكتور صاحل بن حممد الفوزان يف كتابه‪ :‬استثمار أموال الزكاة أدلة هذا من الكتاب والسنة وإمجاع‬
‫الصحابة (‪ )113‬وما بعدها‪ ،‬فلرياجع‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪47‬‬

‫من العلم ــاء وجلان الفت ــوى يف الع ــامل اإلس ــالمي‪ ،‬وبه ص ــدر ق ــرار جمم ــع الفق ــه اإلس ــالمي يف‬
‫دورته الثالثة(‪.)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬حترمي استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه‪ ،‬وجيب‬
‫املبادرة بإيصال األموال الزكوية إىل مستحقيها مبجرد الوجوب‪ ،‬وممن ذهب إىل ذلك‬
‫الشيخ حممد العثيمني‪ ،‬والدكتور وهبه الزحيلي‪ ،‬والدكتور عبد اهلل علوان‪ ،‬والدكتور‬
‫عيسى شقرة‪ ،‬وبه صدر قرار اجملمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي يف‬
‫الدورة اخلامسة‪ ،‬وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة(‪.)2‬‬
‫األدلة‪:‬‬
‫أدلة القائلين بجواز االستثمار‪:‬‬
‫استدل القائلون جبواز استثمار أموال الزكاة بأدلة كثرية‪ ،‬ولعل أمهها اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم واخللفاء الراشدين كانوا يستثمرون أموال‬
‫الصدقات من إبل وبقر وغنم‪ ،‬فقد كان لتلك احليوانات أماكن خاصة للحفظ والرعي‬
‫والدر والنسل‪ ،‬كما كان هلا رعاة يرعوهنا ويشرفون عليها‪.‬‬

‫‪ )?(1‬جملة جممع الفقه اإلسالمي العدد ‪ ،1/421-3‬وأحباث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة (‪،)323‬‬
‫حبث‪" :‬آثار الزكاة يف األفراد واجملتمعات "للقرضاوي‪-‬منشور ضمن أعمال مؤمتر الزكاة األول عام ‪ 1984‬ص‬
‫‪ ،45‬فتوى فقيهة يف حبث‪" :‬توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق" للدكتور الفرفور‪-‬منشور يف جملة‬
‫الفقه اإلسالمي العدد الثالث ‪ ،1/358‬حبث‪" :‬توظيف أموال الزكاة يف مشاريع ذات ريع بال متليك فردي‬
‫للمستحق " للخياط‪-‬منشور يف جملة جممع الفقه اإلسالمي‪-‬العدد الثالث ‪ ،1/371‬والقرار بمجلة اجملمع‪-‬العدد‬
‫الثالث ‪.309 /1‬‬
‫‪ )?(2‬جملة جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد الثالث‪ ،418-406-1/335‬وفتاوى اللجنة الدائمة ‪ ،9/454‬وحبث‬
‫استثمار أموال الزكاة‪-‬ضمن أحباث وأعمال الندوة الثالثة(‪ ،)76‬واللقاء الشهري للشيخ العثيمني‪ ،2/43‬وأحكام‬
‫الزكاة لعبد اهلل علوان(‪ ،)96‬وحبث توظيف الزكاة يف مشاريع ذات ريع بال متليك فردي للمستحق جملة اجملمع‬
‫‪.1/335‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪48‬‬

‫ومما يؤيد هذا األمر قصة العرنيني يف الصحيحني‪ ،‬وفيه‪ ( :‬إن شئتم أن خترجوا إىل‬
‫فصحوا )(‪.)1‬‬
‫إبل الصدقة فتشربوا من ألباهنا وأبواهلا فافعلوا ُّ‬
‫فاحلديث يدل على أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يقسم إبل الصدقة على‬
‫املستحقني مبجرد وصوهلا‪ ،‬بل جعلها يف املرعى تتناسل وتدر اللنب‪ ،‬وهذا نوع من‬
‫االستثمار‪ ،‬وإذنه صلى اهلل عليه وسلم للعرنيني يف شرب ألبان تلك اإلبل لكوهنم إذ ذاك‬
‫حمتاجني‪ ،‬فهم من أهل الزكاة(‪.)2‬‬
‫ونظري ذلك ما أخرجه مالك يف املوطأ عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال‪:‬‬
‫"شرب عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه لبنا فأعجبه‪ ،‬فسأل الذي سقاه من أين هذا اللنب؟‬
‫فأخربه أنه ورد على ماء قد مساه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون‪ ،‬فحلبوا يل من‬
‫ألباهنا فجعلته يف سقائي‪ ،‬فهو هذا! فأدخل عمر بن اخلطاب يده فاستقاءه(‪.)3‬‬
‫ويف املصنف أن عمر رضي اهلل عنه محى الَّر َبذة لَنَعم الصدقة(‪.)4‬‬
‫وهذان األثران وغريمها يدالن صرحيا على أن عمر رضي اهلل عنه مل يكن يبادر‬
‫بإخراج الصدقة بعد استالمها من أصحاهبا‪ ،‬وكونه رضي اهلل عنه جيعل هلا حممى ومرعى‬
‫يعين أنه ينميها ويستثمرها‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫بأن ما ذكر إمنا كان جملرد حفظ احليوانات حلني توزيعها على املستحقني ال‬
‫لالستثمار‪ ،‬وما حيصل من توالد وتناسل ودر لنب فهو طبيعي غري مقصود‪ ،‬فال يدل هذا‬
‫على جواز إنشاء مشاريع إنتاجية طويلة األجل‪ ،‬وإمنا يدل على جواز استثمار أموال‬
‫الزكاة يف إحدى املصارف اإلسالمية حلني توزعها أو توصيلها إىل املستحقني‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1405‬ومسلم (‪.)3162‬‬


‫‪ )?(2‬شرح مسلم للنووي ‪.11/154‬‬
‫‪ )?(3‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ ،)536‬وابن أيب حامت ‪.269 / 26‬‬
‫‪ )?(4‬أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف ‪.5/391‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪49‬‬

‫جياب عن ذلك بأن جمرد ترك إبل ونعم الصدقة عند اإلمام أو نائبه حىت تلد وتدر‬
‫اللنب يدل على أن األمر فيه سعة‪ ،‬إذا ما قبضت الزكاة من أصحاهبا‪ ،‬وأن مبدأ التنمية‬
‫واالستثمار غري مرفوض‪ ،‬وليس يف نصوص الشرع ما يوجب على العاملني على الصدقة‬
‫حدا معينا‪ ،‬أو زمنا معينا ال جيوز جتاوزه أو التأخر عنه‪ ،‬وأن ذمة املزكي تربأ بذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستئناس باألحاديث اليت حتض على العمل واإلنتاج واستثمار ما عند‬
‫اإلنسان من مال وجهد‪ ،‬حنو حديث عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن رجال من‬
‫األنصار أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم يسأله‪ ،‬فقال‪ :‬أما يف بيتك شيء؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬حلس‬
‫نلبس بعضه ونبسط بعضه‪ ،‬وقعب نشـرب فيه من املـاء قال‪ :‬ائتين هبما قال‪ :‬فأتاه هبما‪،‬‬
‫فأخذمها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيده وقال‪ :‬من يشرتي هذين؟ قال رجل أنا‬
‫آخذمها بدرهم قال من يزيد على درهم مرتني أو ثالثا قال رجل أنا آخذمها بدرمهني‬
‫فأعطامها إياه وأخذ الدرمهني وأعطامها األنصاري وقال اشرت بأحدمها طعاما فانبذه إىل‬
‫أهلك واشرت باآلخر قدوما فأتين به فأتاه به فشد فيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عودا‬
‫بيده مث قال له اذهب فاحتطب وبع وال أرينك مخسة عشر يوما فذهب الرجل حيتطب‬
‫ويبيع‪ ،‬فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشرتى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما‪ ..‬احلديث(‪.)1‬‬
‫ووجه االستدالل‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أرشد هذا الفقري إىل ما يعود عليه‬
‫بالنفع العام‪ ،‬وال شك أن الفقراء ومستحقي الزكاة أوىل هبذا املنهج النبوي‪ ،‬وذلك برتشيد‬
‫أموال الزكاة لصاحلهم‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا بأن هذا املبدأ عام يف األموال اململوكة‪ ،‬واملستقرة عند مالكها‪،‬‬
‫والبحث يف أموال مل تصل إىل مستحقيها‪ ،‬وامللك عليها ليس تاما‪ ،‬سواء للمؤسسة أو‬
‫للمزكي‪ ،‬فال ميكن إحلاق هذه بتلك‪.‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه أبو داود(‪)1398‬وابن ماجه(‪ ،)2189‬واحلديث ضعفه األلباين كما يف ضعيف سنن أيب داود (‬
‫‪.)360‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪50‬‬

‫ثالثا‪ :‬االستئناس بقول من توسع يف مصرف‪ ( :‬في سبيل هللا ) وجعله شامال‬
‫لكل وجوه اخلري‪ ،‬من بناء احلصون وعمارة املساجد وبناء املصانع‪ ،‬وغري ذلك مما فيه‬
‫مصاحل للمسلمني‪ ،‬فإذا جاز صرف الزكاة يف مجيع وجوه اخلري‪ ،‬جاز صرفها يف إنشاء‬
‫املصانع واملشاريع ذات الريع اليت تعود بالنفع على املستحقني‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقش هذا الدليل بأنه القول غري الصحيح يف تفسري اآلية‪ ،‬واملختار عند املفسرين‬
‫والفقهاء واحملققني أن هذا املصرف يراد به اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬ال مجيع وجوه اخلري(‪.)1‬‬
‫رابعا‪ :‬القياس على استثمار املستحقني للزكاة بعد قبضها ودفعها إليهم‪ ،‬فإذا جاز‬
‫استثمارها لتأمني كفايتهم وحتقيق إغنائهم جاز استثمارها من قبل الويل أو نائبه مبا يعود‬
‫عليهم بالريع الدائم‪ ،‬مبا يفي حباجاهتم‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫نوقش هذا بأنه ال يصح؛ ألن استثمار مستحقي الزكاة بعد قبضها واقع من أهله‪،‬‬
‫والتملك حاصل هلم على أكمل وجه‪ ،‬وال يتحقق ذلك الشرط يف إنفاق الزكاة يف‬
‫املشاريع االستثمارية من قبل الإمام‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫جياب عن ذلك بأن حقيقة اإلمام أو نائبه كونه وكيال عن املستحقني كما تقدم‪،‬‬
‫فهو بقبضه الزكاة من أصحاهبا متلكها عن الفقراء املستحقني هلا‪ ،‬فالدولة أو املؤسسة أو‬
‫من ينيبه اإلمام ينوب عن املستحقني‪ ،‬ويتملك نيابة عنهم‪ ،‬وإذا حصل التملك فقد وجد‬
‫ما يسِّو غ له استثمارها‪ ،‬هذا على التسليم بأن التمليك شرط‪.‬‬
‫كما أن التمليك اجلماعي حاصل للمستحقني‪ ،‬أو لبيت املال أو بيت الزكاة أو ملن‬
‫وتملك(‪.)2‬‬
‫ينيبه اإلمام‪ ،‬وقد اعترب الفقهاء بيت املال شخصية اعتبارية أو حكمية متلك ُ‬

‫‪ )?(1‬اجملموع ‪ ،6/158‬األموال أليب عبيد ‪. 801‬‬

‫‪ )?(2‬جملة جممع الفقه اإلسالمي العدد ‪ 1/372-3‬وما بعدها‪ ،‬وحبث‪ :‬استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري(‬
‫‪.)41‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪51‬‬

‫خامسا‪ :‬القياس على جواز استثمار األوصياء على اليتامى يف أمواهلم‪ ،‬وهو حمل‬
‫اتفاق بني أهل العلم ملا فيه من حفظ أمواهلم‪ ،‬فإذا جاز استثمار أموال األيتام جاز استثمار‬
‫أموال الزكاة قبل دفعها إىل املستحقني؛ لتحقيق منافع هلم‪ ،‬فهي ليست بأشد حرمة من‬
‫أموال األيتام(‪.)1‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا بأن أموال اليتامى مملوكة هلم على وجه التحقيق‪ ،‬فلهم أو ألوصيائهم‬
‫أن يتصرفوا فيها تصرف املالك‪ ،‬ببيع أو شراء أو استثمار‪ ،‬خبالف أموال الزكاة إذا قبضها‬
‫اإلمام أو نائبه‪ ،‬فامللك ليس متحققا فيها حىت يقوم باستثمارها‪ ،‬والتملك شرط يف‬
‫التصرف؛ ألنه فرع عنه‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫جياب عن هذا بأن اإلمام أو نائبه وكيل عن املستحقني‪ ،‬فقبضه للزكاة كقبض‬
‫املستحقني متاما‪ ،‬فإذا قبضها فكأن املستحقني قبضوها‪ ،‬فكما أن ملستحقيها أن يستثمروها‬
‫فلإلمام أو نائبه أن يستثمرها ويتصرف فيها مبا يراه أصلح‪ ،‬مبقتضى واليته الشرعية‪ ،‬بل‬
‫إن والية اإلمام أو نائبه أقوى من والية الوصي على اليتيم‪ ،‬وأوسع من حيث جواز‬
‫التصرف‪.‬‬
‫أدلة القائلين بعدم جواز االستثمار‪:‬‬
‫استدل القائلون بعدم جواز استثمار أموال الزكاة مبا يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إىل تأخري توصيل الزكاة إىل املستحقني‪ ،‬إذ‬
‫إن إنفاقها يف تلك املشاريع يؤدي إىل انتظار األرباح املرتتبة عليها‪ ،‬وهذا خمالف ملا عليه‬
‫مجهور العلماء من أن الزكاة جتب على الفور‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬

‫‪ )?(1‬مصدر سابق (‪ )33‬وما بعدها‪.‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪52‬‬

‫نوقش هذا بأن الفورية تتعلق باملالك ال باإلمام‪ ،‬فإذا وصلت الزكاة إىل يد اإلمام‬
‫أو نائبه حتققت الفورية‪ ،‬وجاز له عند مجهور العلماء تأخري قسمتها‪.‬‬
‫واستدلوا لذلك مبا روى أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪" :‬غدوت إىل رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بعبد اهلل بن أيب طلحة ليحنكه‪ ،‬فوافيته يف يده امليسم يسم إبل‬
‫الصدقة"(‪.)1‬‬
‫فهــذا دليل على جواز بقــاء تلــك اإلبل وتــأخري قســمتها؛ ألهنا لــو عجلت الســتغىن‬
‫عن الوسم"(‪.)2‬‬
‫فالفورية إمنا ختص مالك املال فقط‪ ،‬أما اإلمام أو نائبه فله أن يؤخر الزكاة مىت‬
‫وجد ما يسوغ ذلك من مصلحة أو عذر يف التأخري‪ ،‬فإن اجتهد وأداه اجتهاده إىل أن‬
‫املصلحة يف تأخري الزكاة كان له ذلك‪ ،‬وعلى هذا جرى كالم الفقهاء‪:‬‬
‫جاء يف مواهب اجلليل‪" :‬جيوز لإلمام تأخري الزكاة إىل احلول الثاين‪ ،‬إذا أداه إليه‬
‫اجتهاده؛ ألن اإلمام وكيل املستحقني‪ ،‬وهو مأمور بأن يتحرى املصلحة"(‪.)3‬‬
‫ويف اإلنصاف‪" :‬جيوز لإلمام والساعي تأخريها عند رهبا لعذر قحط أو حنوه"(‪.)4‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إىل اخلسارة والضياع؛ ألن التجارة إما‬
‫ربح وإما خسارة‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا بأن احتمال اخلسارة يف التجارة ال مينع االجتار باألموال‪ ،‬ملا فيه من‬
‫تنمية املال وزيادته‪ ،‬فينبغي أال يكون سببا يف املنع من االستثمار‪ ،‬وقد تقدم مرارا أن‬
‫اإلمام أو نائبه وكيل عن املستحقني‪ ،‬فيتصرف عنهم مبقتضى والية شرعية تؤهله هلذه‬
‫التصرفات‪ ،‬شأنه شأن املالك األصلي إىل أن يقبض الفقري املال منه‪.‬‬
‫‪ )?(1‬أخرجه البخاري (‪ ،)1406‬ومسلم (‪.)3955‬‬
‫‪ )?(2‬فتح الباري ‪ ،4/109‬وانظر‪ :‬استثمار أموال الزكاة لشبري‪.‬‬
‫‪ )?(3‬مواهب اجلليل للحطاب ‪.2/363‬‬

‫‪ )?(4‬اإلنصاف ‪.3/188‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪53‬‬

‫ثالثا‪ :‬إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إىل إنفاق أكثرها يف األعمال اإلدارية‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫يناقش هذا بأن اهلل تعاىل أوجب العمل يف الزكاة‪ ،‬يف مجعها وإيصاهلا ملستحقيها‪،‬‬
‫وجعل للعاملني عليها أجرا‪ ،‬وال ميكن القول بإسقاط هذا احلق الواجب بالقرآن بدعوى‬
‫أنه ينقص أموال الزكاة املستحقة للفقراء واملساكني‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫جياب عن هذه املناقشة بأن سهم العاملني يف كتاب اهلل لضرورة متام العمل به‪ ،‬وال‬
‫ضرورة يف استثمار أموال الزكاة‪ ،‬فال يصح قياس ما يأخذه العاملون يف االستثمار على‬
‫العاملني يف الزكاة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إىل عدم متلك األفراد هلا متليكًا فرديًا‪ ،‬وهذا‬
‫خمالف ملا عليه مجهور الفقهاء من اشرتاط التمليك يف أداء الزكاة‪ ،‬ألن اهلل تعاىل أضاف‬
‫الصدقات إىل املستحقني يف آية الصدقات بالم امللك‪.‬‬
‫المناقشة‪:‬‬
‫وقد تقدم الكالم على اشرتاط التمليك‪ ،‬وأنه إذا كان اإلمام أو نائبه هو الذي أخذ‬
‫الزكاة ممن وجبت عليهم‪ ،‬فإنه وكيل عن املستحقني يف قبضها‪ ،‬وتصرفه فيها كتصرف‬
‫املالك املستحقني هلا‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن يد اإلمام أو من ينوب عنه على الزكاة يد أمانة ال ُّ‬
‫تصرف‬
‫واستثمار(‪.)1‬‬
‫المناقشة‪:‬‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬حبث استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري‪ ،‬وحبث‪" :‬توظيف أموال الزكاة "للشيخ آدم شيخ عبد اهلل‪،‬‬
‫وجملة جممع الفقه اإلسالمي ‪ -‬عدد ‪ ،354 /1-3‬وملزيد من األدلة واملناقشات انظر‪ :‬استثمار أموال الزكاة وما يف‬
‫حكمها للدكتور صاحل الفوزان (‪.)150-117‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪54‬‬

‫يناقش هذا بعدم التسليم‪ ،‬فقد أجاز الفقهاء التصرف يف مال الزكاة لضرورة أو‬
‫حاجة؛ ولذا أجاز املالكية والشافعية واحلنابلة بيع الزكاة للضرورة(‪.)1‬‬
‫قال اخلرشي‪" :‬إذا قلنا بنقل الزكاة إىل البلد احملتاج واحتاجت إىل كراء يكون من‬
‫الفيء‪ ..‬فإن مل يكن يف يفء أو كان وال أمكن نقلها‪ ..‬فإهنا تباع يف بلد الوجوب‪،‬‬
‫ويشرتي بثمنها مثلها يف املوضع الذي تنقل إليها إن كان خريًا(‪.)2‬‬
‫وقال النووي‪" :‬ال جيوز لإلمام والساعي بيع شيء من مال الزكاة من غري ضرورة‪،‬‬
‫فإن وقعت الضرورة بأن يقف عليه بعض املاشية أو خاف هالكه‪ ،‬أو كان يف الطريق‬
‫خطر‪ ،‬أو احتاج إىل رد جربان أو إىل مؤونة النقل‪ ،‬أو قبض بعض شاة وما أشبه جاز‬
‫البيع ضرورة(‪.)3‬‬
‫وق ــال ابن قدام ــة‪" :‬إذا أخ ــذها الس ــاعي فاحت ــاج إىل بيعه ــا ملص ــلحة من كلف ــة نقله ــا‬
‫وحنوه ــا فل ــه ذل ــك ملا روي قيس بن أيب ح ــازم أن النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم رأى يف إبل‬
‫الص ــدقة ناق ــة كوم ــاء فس ــأل عنه ــا؟ فق ــال املص ــدق‪ :‬إين ارجتعته ــا بإبل‪ ،‬فالرجع ــة أن يبيعه ــا‬
‫ويشرتي بثمنها مثلها أو غريها(‪.)4‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها اتضح اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬وجود الفرق الكبري بني استثمار املال من قبل املالك األصلي‪ ،‬وبني استثماره‬
‫من قبل اإلمام أو من ينيبه‪ ،‬وأنه يف حال ما إذا كان املستثمر هو اإلمام أو نائبه‪ ،‬فإن‬
‫احلكم خيتلف‪ ،‬وأنه مبجرد قبضه املال من املزكي‪ ،‬تسقط املطالبة عن املزكي بالفورية‬

‫(?) حبث استثمار أموال الزكاة لعيسى شقرة (‪. )70‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حاشية اخلرشي ‪.2/223‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اجملموع للنووي ‪.6/120‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ )?(4‬املغين ‪.2/674‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪55‬‬

‫حلصوهلا‪ ،‬ويسقط الضمان عنه مبجرد ذلك‪ ،‬ويف العصر احلديث تعترب املؤسسات الزكوية‬
‫أو اخلريية ا نَّص بة من قبل اإلمام نائبة عنه يف ذلك‪.‬‬
‫ُمل‬
‫وأن والية اإلمام والية شرعية تستلزم التصرف باملصلحة يف مواضع كثرية‪ ،‬ويؤيد‬
‫ذلك ما يلي‪:‬‬
‫فعل عمر رضي اهلل عنه يف وقف األرض املفتوحة عنوة بقصد استثمارها وتأمني‬
‫مورد ثابت للدولة اإلسالمية‪ ،‬فقد رأى عمر رضي اهلل عنه عدم تقسيم أراضي العراق‬
‫ومصر والشام بني الفاحتني وتركها يف أيدي أهلها من أهل الذمة يزرعوهنا خبراج معلوم‪.‬‬
‫وقال يف أهلها‪" :‬يكونون عّم ار األرض‪ ،‬فهم أعلم هبا‪ ،‬وأقوى عليها‪..‬مث قال‪:‬‬
‫فكيف مبن يأيت من املسلمني‪ ،‬فيجدون األرض بعلوجها قد اقتسمت‪ ،‬وورثت عن اآلباء‪،‬‬
‫وحيزت؟! ما هذا برأي"(‪.)1‬‬
‫فهذا تصرف من اإلمام باملصلحة‪.‬‬
‫وقال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪" :‬إين أنزلت نفسي من مال اهلل منزلة مال‬
‫اليتيم"(‪.)2‬‬
‫وهذا يستلزم التصرف مبقتضى هذه الوالية باملصلحة‪ ،‬وعدم التشهي‪ ،‬وعدم جمانبة‬
‫احلق‪.‬‬
‫وقال اإلمام مالك‪" :‬األمر عندنا يف قسم الصدقات أن ذلك ال يكون إال على‬
‫وجه االجتهاد من الوايل‪ ،‬فأي األصناف كانت فيه احلاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر‬
‫ما يرى الوايل(‪.)3‬‬
‫وق ــال أبو عبيد‪" :‬الإم ــام خمري يف الص ــدقة يف التفري ــق فيهم مجيع ـًا‪ ،‬ويف أن خيص هبا‬
‫بعضهم دون بعض إذا كان ذلك على وجه االجتهاد‪ ،‬وجمانبة اهلوى وامليل عن احلق"(‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬اخلراج (‪.)141‬‬
‫‪ )?(2‬الطبقات الكربى ‪.3/276‬‬
‫‪ )?(3‬املوطأ ‪.2/296‬‬

‫‪ )?(4‬األموال (‪.)767‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪56‬‬

‫وق ــال احلاف ــظ‪" :‬لإلم ــام أن خيص مبنفع ــة م ــال الزك ــاة دون الرقب ــة ص ــنفًا دون ص ــنف‬
‫حبسب االحتياج"(‪.)1‬‬
‫كما أن يف أصول الشريعة ما يدل على ذلك‪ ،‬ففي حديث عروة البارقي رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أعطاه دينارًا يشرتي أضحية أو شاة‪ ،‬فاشرتى شاتني‪،‬‬
‫فباع إحدامها بدينار فأتاه بشاة ودينار‪ ،‬فدعا له بالربكة يف بيعه فكان لو اشرتى ترابًا لربح‬
‫فيه(‪.)2‬‬
‫ففي احلديث داللة على أن عروة اتَّجر فيما مل يوكل باالجتار به‪ ،‬فهو يدل على‬
‫جواز استثمار مال الغري بغري إذن مالكه؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أقره على ذلك‪،‬‬
‫ودعا له بالربكة يف بيعه‪ ،‬ففي دعائه له بالربكة دليل على أنه فعل مستحسن ومستحب‪،‬‬
‫وخباصة إذا كان حيقق اخلري لصاحب املال‪.‬‬
‫فإذا جاز استثمار املال اخلاص بدون إذن صاحبه جاز لإلمام أو نائبه استثمار املال‬
‫العام بدون إذن من له نصيب يف هذا املال؛ ألن اإلمام له حق النظر والتصرف باملال مبا‬
‫حيقق املصلحة للمستحقني‪ ،‬ويدفع الضرر عنهم كويل اليتيم والناظر على الوقف(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬من خالل ما سبق من كون اإلمام أو نائبه بعد قبض الزكاة فإنه يتصرف فيه‬
‫باملصلحة‪ ،‬وله تأخري إيصال الزكاة عن مستحقيها إذا دعت املصلحة لذلك‪ ،‬كأن ينظر يف‬
‫املستحقني حقيقة‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬وقد تقدم من أدلة السنة ما يدل على ذلك‪ ،‬ما جعل‬
‫الفقهاء نصوا على هذا يف غري موضع‪ ،‬وقد تقدم طرف من ذلك‪ ،‬من خالل ذلك يتبني‬
‫أن االستثمار من مجلة ما يتصرف اإلمام فيه إذا اقتضته املصلحة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬هذا ال ينفي كون األصل يف أموال الزكاة أن يعجل إخراجها لتعلق حق‬
‫الفقراء هبا‪ ،‬وال جيوز تأخريها يف حال ما إذا علم احتياج الفقراء امللحة إليها‪ ،‬مع اعتبار‬
‫أنه إذا دعت الضرورة إىل التأخري فإنه جيوز‪ ،‬وحتفظ مبا يراه اإلمام مناسبا‪.‬‬

‫‪ )?(1‬فتح الباري ‪.4/109‬‬


‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري (‪.)3370‬‬
‫‪ )?(3‬استثمار أموال الزكاة لشبري ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪57‬‬

‫بناء على ما تقدم فإن األظهر أن الواجب على اإلمام أو من ينيبه أن يبادر بإخراج‬
‫الزكاة إىل مستحقيها مبجرد قبضها‪ ،‬وأنه ال مانع يف حال ما إذا اقتضت املصلحة العمل‬
‫يف هذه األموال باستثمار وحنوه‪ ،‬وهو ما صدر به قرار اجملمع الفقهي‪ ،‬فقد جاء فيه‪:‬‬
‫" جيوز من حيث املبدأ توظيف أموال الزكاة يف مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك‬
‫أصحاب االستحقاق للزكاة‪ ،‬أو تكون تابعة للجهة الشرعية املسؤولة عن مجع الزكاة‬
‫وتوزيعها‪ ،‬على أن تكون بعد تلبية احلاجة املاسة الفورية للمستحقني وتوافر الضمانات‬
‫الكافية للبعد عن اخلسارة "(‪.)1‬‬
‫ويتأكد هذا اجلواز يف مواضع‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتأخر املال عند اجلهات املعنية بذلك‪ ،‬ألي سبب من األسباب‪ ،‬فال بأس‬
‫حينئذ باستثمارها مبا حيقق املصلحة‪ ،‬إىل أن حيني وقت صرفها‪ ،‬بالضوابط اآلتية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يفيض من أموال الزكاة ما يزيد عن حاجة الفقراء‪ ،‬فال بأس حينئذ‬
‫باالستثمار‪.‬‬
‫وهذا اجلواز مشروط بكون العمل االستثماري له هناية يف وقت مناسب‪ ،‬وبعدها‬
‫تقوم اجلهة القائمة هبذا العمل بتوزيع أصل املال وأرباحه على املستحقني‪ ،‬وال جيوز إبقاء‬
‫أصل املال عند اجلهة املستثمرة؛ ملا يف ذلك من عدم إيصال احلق ملستحقيه‪.‬‬
‫ويف حال بقاء أصل املال املستثَم ر عند اإلمام أو نائبه لالستثمار بصورة دائمة‪ ،‬فإنه‬
‫ال جيوز هذا االستثمار‪ ،‬بل الواجب إيصال هذا املال إىل مستحقيه‪.‬‬
‫ومىت توجه القول جبواز استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه فالبد من‬
‫مراعاة الضوابط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬التحقق من وجود مصلحة راجحة يف استثمار أموال الزكاة‪.‬‬
‫‪ -‬أال تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري ألموال الزكاة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتم استثمار أموال الزكاة بالطرق املشروعة‪.‬‬

‫‪)?(1‬مجلة اجملمع الفقهي العدد ‪. 309 /1 -3‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪58‬‬

‫‪ -‬أال يستفيد من ريع املشروع الزكوي إال مستحقو الزكاة‪ ،‬وكذلك األصل إذا‬
‫متت تصفيته‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتخذ اإلجراءات الكفيلة ببقاء األصول املستثمرة على أصل حكم الزكاة‪،‬‬
‫وكذلك ريع تلك األصول‪.‬‬
‫‪ -‬املبادرة إىل تنضيض –تسييل‪ -‬األصول املستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي‬
‫الزكاة صرفها عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬بذل اجلهد للتحقق من كون االستثمارات اليت سُتوضع فيها أموال الزكاة جمدية‬
‫ومأمونة وقابلة للتنضيض عند احلاجة‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ويل األمر جبمع الزكاة‬
‫وتوزيعها‪ ،‬وأن ُيسند اإلشراف على االستثمار إىل ذوي الكفاية واخلربة واألمانة (‪.)1‬‬
‫***‬

‫‪)?(1‬حبث استثمار أموال الزكاة للدكتور عجيل النشمي‪ ،‬وحبث استثمار أموال الزكاة لشبري (‪.)44‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪59‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه َريع المسكن‪.‬‬
‫تصوير المسألة‪ :‬أن يقوم الفرد أو املؤسسة ببناء أو شراء مسكن‪ ،‬مث جيعل َر يعه للفقراء‪،‬‬
‫على أنه الزكاة الواجبة‪.‬‬
‫والفرق بني هذه الصورة واليت قبلها أن املساكن هنا ال يشرتط أن يسكنها‬
‫الفقراء‪ ،‬بل األصل أن يسكنها من يستطيع دفع األجرة‪ ،‬حىت يعود الريع على الفقراء‬
‫املستحقني للزكاة‪.‬‬
‫وهذه الصورة ال ختلو من حالني‪:‬‬
‫الحال األولى‪ :‬أن ُيشترى المسكن أو ُيبنى بأموال غير زكوية‪.‬‬
‫وهذه احلال ال إشكال فيها‪ ،‬إذ حقيقة هذه الصورة هو َعنْي ما يقوم به أي‬
‫شخص أو مؤسسة من استثمار ألموال عندها‪ ،‬سواء ببناء مساكن أو جتارة أو صناعة‬
‫وحنوه‪ ،‬مث إذا خرج ريع هذه األموال أخرجوا الزكاة منها‪.‬‬
‫فإذا قام املالك األصلي ببناء أو شراء مساكن من أموال ليست زكوية‪ ،‬مث جعل‬
‫ريعها اخلارج منها زكاة تدفع للفقراء‪ ،‬فال إشكال يف جواز هذا(‪.)1‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫يف حال ما إذا كانت املؤسسة اخلريية وحنوها هي اليت قامت بشراء أو بناء‬
‫املساكن بأموال غري زكوية‪ ،‬فال حرج أن خترج ريعها‪ ،‬لكن ليس على أنه زكاة هلذا املال‬
‫وال لغريه؛ إذ ال جتب عليها الزكاة على الراجح من أقوال أهل العلم فيما لديها من‬
‫أموال(‪ ،)2‬إمنا على أنه باب من أبواب الصدقات العامة اليت هي من مهام املؤسسات‬

‫‪ )?(1‬هذا القسم ال ميثل إشكاال يف البحث أصال‪ ،‬وِذكُر ه هنا تتمة للقسمة‪.‬‬
‫‪ )?(2‬ألن من شروط وجوب الزكاة يف املال أن يكون مملوكا ملالك معني‪ ،‬أما إذا كان لغري مالك معني كبيت املال‪،‬‬
‫وبيت الزكاة‪ ،‬واملؤسسات اخلريية‪ ،‬واألموال املوقوفة على جهة‪ ،‬وحنوه فال جتب فيه الزكاة‪ .‬انظر‪ :‬بدائع الصنائع‬
‫‪ ،2/9‬وإعانة الطالبني ‪ ،2/62‬واملغين ‪.2/577‬ط مكتبة الرياض احلديثة‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪60‬‬

‫اخلريية‪ ،‬أما األموال اليت ُدفعت هلا على أهنا زكاة فإهنا خترج يف مصارفها املعروفة‪ ،‬وتقدم‬
‫حكم استثمارها بشروطه(‪.)3‬‬
‫***‬

‫‪ )?(3‬انظر‪ :‬ص (‪.)54‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪61‬‬

‫الحال الثانية‪ :‬أن تكون تلك املساكن مشرتاة أو مبنية بأموال زكوية‪ ،‬وهذه احلال‬
‫فيها نظران‪:‬‬
‫النظر األول‪ :‬التكييف الفقهي هلذه الصورة‪.‬‬
‫للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها فإنه ميكن خترجيها على مسألة‬
‫استثمار أموال الزكاة‪ ،‬وقد تقدم الكالم على هذه املسألة(‪ ،)1‬وهو ال خيلو من حالني‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون االستثمار من املالك األصلي للمال‪ ،‬وتقرر أنه ال جيوز حبال‬
‫االستثمار من املالك األصلي‪ ،‬وأنه مبجرد وجوب الزكاة فإن الواجب عليه إيصال احلق‬
‫ملستحقيه‪ ،‬وال جيوز تأخري إخراج الزكاة‪ ،‬وأنه مىت أَّخ ر اإلخراج فإنه يأمث ملنافاة ذلك‬
‫لشرط الفورية‪ ،‬الذي هو شرط يف اإلخراج عند اجلمهور‪ ،‬ويف حال تلف املال فإنه‬
‫يضمن مطلقا‪ ،‬إال إذا كان التأخري لعذر أو لضرورة‪ ،‬فال يضمن واحلال كذلك إال بتعٍّد أو‬
‫تفريط‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون االستثمار من اإلمام أو نائبه‪ ،‬وتقرر أنه جيوز بالضوابط‬
‫والشروط السابقة(‪.)2‬‬
‫وهذا يتطلب النظر فيما جيب على اإلمام أو نائبه إذا قبض أموال الزكاة‪ ،‬وقد‬
‫تقدم أن اإلمام أو نائبه إذا قبض املال من املزكي‪ ،‬فإنه يكون وكيال عنه يف إيصال املال‬
‫إىل مستحقيه‪ ،‬ويكون وكيال عن الفقراء يف القبض عنهم‪ ،‬وأنه إذا كانت املصلحة يف‬
‫التأخري فإنه جائز استنادا لظواهر سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعل اخللفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬إال أن األمر هنا خيتلف اختالفا كبريا‪ ،‬فإن املسكن سيشرتى أو يبىن ويبقى عند‬
‫تلك اجلهة لالستثمار الدائم‪ ،‬من أجل أخذ الريع‪ ،‬وهو متناٍف مع حقيقة الزكاة‪.‬‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬ص (‪.)54-35‬‬


‫‪ )?(2‬انظر‪ :‬ص (‪.)54‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪62‬‬

‫النظر الثاني‪ :‬الحكم الشرعي لصورة المبحث‪.‬‬


‫بناء على ما تقدم‪ ،‬فإن حكم هذه الصورة على أحوال ثالثة‪:‬‬
‫الحال األولى‪ :‬أن يكون الشراء أو البناء بأموال غري زكوية‪ ،‬مث جيعل للريع‬
‫للفقراء على أنه من الزكاة الواجبة‪ ،‬وتقدم أن هذا ال شئ فيه البتة‪ ،‬وأنه جائز‪ ،‬وهو ال‬
‫يعدو كوَنه إخراجا للزكاة على الوجه املعتاد‪ ،‬مع توفر كافة شروط الزكاة يف املال‬
‫ا َز كى‪ ،‬كبلوغ النصاب‪ ،‬وحوالن احلول‪ ،‬وامللك التام‪ ،‬وحنوه‪.‬‬
‫ُمل‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن يشرتي املالك األصلي أو يبىن املسكن بأموال زكوية‪ ،‬يريد به‬
‫االستثمار‪ ،‬فإنه ال جيوز حبال‪ ،‬بل الواجب على املالك األصلي مبجرد وجوب الزكاة‬
‫إخراج املال‪ ،‬وال جيوز له استثماره حبال‪.‬‬
‫حىت عند وجود عذر يسوغ له التأخري‪،‬كما تقدم‪ ،‬فإنه ال جيوز له ‪-‬واحلال‬
‫كذلك‪ -‬االستثمار‪ ،‬الحتياج االستثمار لوقت طويل يف الغالب‪ ،‬قد يتجاوز التأخر الذي‬
‫جاز له للعذر‪.‬‬
‫الحال الثالثة‪ :‬أن يكون هذا التصرف من اإلمام أو نائبه‪ ،‬فإذا كان األمر كذلك‬
‫فإن َّمثت إشكاال كبريا يف هذه احلال؛ وذلك أن الواجب يف املال الزكوي أن يدفع إىل‬
‫مستحقيه مبجرد الوجوب‪ ،‬وال يضر التأخر اليسري إذا اقتضته املصلحة كما تقدم‪ ،‬ومعلوم‬
‫أنه إذا اشِرُت َي املسكن أو ُبين بأموال الزكاة على وجه االستثمار‪ ،‬فإنه يف هذه الصورة‬
‫يبقى املسكن حتت تصرف اجلهة املشرفة عليه‪ ،‬املمِّثلة لإلمام أو النائبة عنه‪ ،‬وهذا يعين‬
‫عدَم وصول أصل هذا املسكن إىل املستحقني للزكاة‪ ،‬مع كونه مستَح قا هلم‪.‬‬
‫فالذي يظهر عدم جواز بناء أو شراء مسكن من أموال زكوية‪ ،‬مث جعل ريعه‬
‫للفقراء املستحقني للزكاة على أنه الزكاة الواجبة‪ ،‬ملا يف ذلك من تعطيل وإيقاف ألصل‬
‫هذا املال على صورة املسكن‪ ،‬وعدم وصوهلا ملستحقيها‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪63‬‬

‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫الصورة الرابعة‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بوقف المسكن عليه‪.‬‬
‫تصوير المسألة‪:‬‬
‫أن يقوم الفرد أو املؤسسة ببناء أو شراء مسكن من أموال زكوية أو غري زكوية‪ ،‬مث يقوم‬
‫بوقف هذا املسكن على الفقراء على أنه الزكاة الواجبة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التكييف الفقهي‬
‫هذه الصورة خترج على مسألة وقف املال الزكوي على مستحقيه‪ ،‬وبناء عليه فإنه‬
‫البد من التعريف بالوقف يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬لبيان العالقة بينه وبني الزكاة‪.‬‬
‫اختلفت عبارات الفقهاء يف تعريف الوقف‪ ،‬وهذا جممل ما قالوه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عرفه احلنفية بأنه حبس العني على حكم ملك اهلل تعاىل‪ ،‬وصرف منفعتها‬
‫على من أحب‪ ،‬وهذا عند أيب يوسف وحممد بن احلسن‪.‬‬
‫وعند أيب حنيفة‪ :‬حبس العني على ملك الواقف والتصدق باملنفعة(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬عرفه املالكية بأنه إعطاء منفعة شيء مدة وجوده‪ ،‬الزما بقاؤه يف ملك‬
‫معطيه ولو تقديرا(‪.)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬عرفه الشافعية بأنه حبس مال ميكن االنتفاع به مع بقاء عينه‪ ،‬بقطع التصرف‬
‫يف رقبته على مصرف مباح موجود(‪.)3‬‬
‫رابعا‪ :‬عرفه احلنابلة بأنه حتبيس مالك مطلق التصرف ماله املنتفع به مع بقاء عينه‬
‫بقطع تصرفه وغريه يف رقبته‪ ،‬يصرف ريعه إىل جهة بر تقربا إىل اهلل تعاىل(‪.)4‬‬
‫وأَّيا كانت هذه التعريفات‪ ،‬فإهنا تدور على أن الوقف حتبيس األصل‪ ،‬أو العني‪ ،‬أو‬
‫املال‪ ،‬مع بقاء رقبة املوقوف وعينه‪.‬‬
‫‪ )?(1‬تبيني احلقائق‪ ،3/325‬وفتح القدير ‪.6/205‬‬

‫‪ )?(2‬منح اجلليل ‪ ،4/34‬وجواهر اإلكليل ‪.2/205‬‬


‫‪ )?(3‬مغين احملتاج ‪.2/376‬‬
‫‪ )?(4‬شرح منتهى اإلرادات ‪ ،2/489‬واإلنصاف ‪.7/3‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪64‬‬

‫كما اختلف الفقهاء يف انتقال ملك الوقف على أقوال ثالثة‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬أن ملك رقبة املوقوف ينتقل إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فينفك من‬
‫اختصاص اآلدمي إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وهو الظاهر من ثالثة أقوال للشافعية‪ ،‬وبه قال أبو يوسف‬
‫وحممد بن احلسن من احلنفية(‪.)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن املوقوف يبقى على ملك الواقف‪ ،‬وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة‬
‫وبه قال املالكية على املشهور‪ ،‬والشافعية يف قول(‪.)2‬‬
‫القول الثالث‪ :‬التفصيل‪ ،‬فإن كان على شخص أو جهة معينة بقي على ملك‬
‫الواقف‪ ،‬وإن كان على جهة عامة انتقل إىل ملك اهلل تعاىل‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة‪،‬‬
‫والشافعية يف قول ثالث(‪.)3‬‬
‫وسبب اخلالف هو نقص امللك يف الطرفني‪ :‬الواقف واملوقوف عليه‪ ،‬فالواقف ملا‬
‫كان ال ميلك منفعة األصل كان ملكه ناقصا‪ ،‬واملوقوف عليه ملا كان ميلك االنتفاع فقط‬
‫كان ملكه ناقصا‪.‬‬
‫وإمنا ُس ْق ت هذا اخلالف لإلشارة إىل كون الوقف مل خيرج بالكلية عن امللك‪،‬‬
‫بقطع النظر عن كونه على ملك الواقف‪ ،‬أو ملك املوقوف‪ ،‬أو على التفريق بني اجلهة أو‬
‫الشخص املعني‪ ،‬وبني اجلهة العامة‪ ،‬فينتقل امللك فيها هلل‪ ،‬وهذ يبني جانبا مهما من حقيقة‬
‫الوقف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف الزكاة‬
‫كما اختلفت عبارات الفقهاء يف تعريف الزكاة‪:‬‬

‫‪ )?(1‬روضة الطالبني ‪ ،5/342‬ومغين احملتاج ‪ ،2/389‬وتبيني احلقائق ‪ ،3/325‬وبدائع الصنائع ‪. 6/221‬‬


‫‪ )?(2‬تبيني احلقائق ‪ ،325 ،3/320‬وبدائع الصنائع ‪ ،6/221‬وحاشية اخلرشي ‪ ،7/98‬وروضة الطالبني ‪،5/342‬‬
‫ومغين احملتاج ‪. 2/389‬‬
‫‪ )?(3‬كشاف القناع ‪ ،4/254‬واملغين ‪ ،5/601‬ومغين احملتاج ‪ ،2/389‬وانظر‪ :‬حبث الدكتور عيسى شقرة مبجلة‬
‫أحباث وأعمال الندوة لقضايا الزكاة املعاصرة (‪.)73،74‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪65‬‬

‫فعند الحنفية‪" :‬هي متليك املال من فقري مسلم غري هامشي وال مواله‪ ،‬بشرط قطع‬
‫املنفعة عن اململك من كل وجه هلل تعاىل"(‪.)1‬‬
‫وعند المالكية‪" :‬مال خمصوص يؤخذ من مال خمصوص إذا بلغ قدرا خمصوصا يف‬
‫وقت خمصوص يصرف يف جهات خمصوصة"(‪.)2‬‬
‫وعند الشافعية‪" :‬اسم لقدر من مال خمصوص‪ ،‬يصرف لطائفة خمصوصة‬
‫بشرائط"(‪.)3‬‬
‫وعند الحنابلة‪" :‬حق واجب يف مال خاص لطائفة خمصوصة"(‪.)4‬‬
‫ومن خالل هذه التعريفات جندها تدور على أن الزكاة حق جيب لطائفة‬
‫خمصوصة‪ ،‬خترج من أموال خمصوصة‪ ،‬وبشروط خاصة‪ ،‬وقد تقدم أن مجهور الفقهاء‬
‫يشرتطون التمليك لألصناف األربعة يف املال الزكوي‪ ،‬وملكه يعين ملك رقبة املال‪،‬‬
‫وبالتايل ملك منافعه‪ ،‬فالزكاة ال خترج عن كوهنا متليك أصل املال ورقبته ومنفعته للفقري‬
‫واخلروج منه هلل تعاىل‪ ،‬فال جيوز بقاء الرقبة أو أصل املال للغين‪ ،‬مع انتفاع الفقري باملنفعة‬
‫فقط‪.‬‬
‫وهبذا يتبني الفرق الكبري بني الزكاة والوقف بالنسبة ألصل املال‪ ،‬وأن كال منهما‬
‫يباين اآلخر من حيث احلقيقة والقصد واملعىن‪ ،‬مع كوهنما يفرتقان يف أمور كثرية‪،‬‬
‫كافرتاقهما يف احلكم الشرعي‪ ،‬فالزكاة واجبة بأصل الشرع باكتمال الشروط‪ ،‬خبالف‬
‫الوقف الذي هو من إجياب اإلنسان على نفسه‪.‬‬
‫وكاختالفهما يف الشروط‪ ،‬فالزكاة يشرتط هلا شروط‪ ،‬ختالف شروط الوقف‪.‬‬

‫‪ )?(1‬انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،2/202‬وبدائع الصنائع‪ ،2/65‬والفتاوى اهلندية‪.1/170‬‬


‫‪ )?(2‬انظر‪ :‬الثمر الداين ‪ 1/323‬ط‪ .‬املكتبة الثقافية ببريوت‪ ،‬وحاشية العدوي ‪ ،1/473‬ومنح اجلليل ‪.2/5‬‬
‫‪ )?(3‬انظر‪ :‬مغين احملتاج ‪ ،2/65‬وحاشيتا قليويب وعمرية ‪ ،2/5‬وحاشية البجريمي على اخلطيب ‪.2/312‬‬
‫‪ )?(4‬انظر‪ :‬كشاف القناع ‪ ،2/167‬وشرح املنتهى ‪ ،1/388‬ومطالب أوىل النهى ‪.2/5‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪66‬‬

‫وكوهنما يلتقيان يف أن كال منهما نفع للفقري‪ ،‬فإن هذا غري الزم؛ إذ الوقف قد‬
‫يكون على أغنياء‪ ،‬كما أن الزكاة قد جتب لغري الفقري‪ ،‬كابن السبيل والعامل عليها‬
‫واملؤلفة قلوهبم‪ ،‬فإن هذه األصناف وحنوها ال يأخذون لفقرهم‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪67‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحكم الشرعي لهذه الصورة‬


‫بناء على ما تقدم من كون الزكاة تفارق الوقف مفارقة تامة‪ ،‬وأن كال منهما‬
‫خمتلف عن اآلخر من حيث املوضوع واحلقيقة‪ ،‬يرتجح القول بتحرمي جعل األموال‬
‫الزكوية وقفا على جهة من اجلهات‪ ،‬ولو كانت من جهات الزكاة‪ ،‬لعدم توفر شرط‬
‫أصيل يف الزكاة‪ ،‬وهو نقل أصل املال إىل مستحقيه على وجه التملك‪ -‬بقطع النظر عن‬
‫معىن التملك‪ ،‬وقد تقدم الكالم عليه(‪ -)1‬وال يضر التأخري اليسري بشروطه اليت تقدمت(‪،)2‬‬
‫أما الوقف فإنه يلزم منه بقاء أصل املال حتت تصرف اجلهة املوِقفة‪ ،‬سواء كانت من قبل‬
‫اإلمام أو جهة شخصية وحنوه‪ ،‬وهذا يتناقض متاما مع الزكاة‪.‬‬
‫كما أن األموال الزكوية املوقوفة ال جيوز التصرف فيها بالبيع وال باهلبة‪ ،‬وعليه فال‬
‫سبيل لتسبيلها؛ لذا فالقول مبنع هذه الصورة متوِّج ه‪.‬‬
‫وقد صدرت فتوى للشيخ القرضاوي يف حترمي وقف األموال الزكوية‪ ،‬وهذا نص‬
‫الفتوى‪:‬‬
‫"ال جيوز حتويل أموال الزكاة إىل وقف‪ ،‬لُينفق منه على الفقراء واملساكني؛ ألن‬
‫املفروض يف أموال الزكاة أن ُتصَر ف يف احلال إىل املستحِّقني‪ ،‬وتوضع يف مصارفها‬
‫الشرعية اليت حَّددها القرآن الكرمي‪ ،‬لتحِّقق أهدافا وحاجات ناجزة ومطلوبة طلبا فوريا‪،‬‬
‫وال حتتمل التأجيل؛ وهلذا اَّتفق العلماء على أنه ال جيوز تأخري الزكاة عن وقت وجوهبا‪،‬‬
‫وكُّل ما أجازه الفقهاء أن يعزهلا وحدها‪ ،‬ويوِّز عها على مستحِّقيها خالل شهور السنة‬
‫حتقيقا ملصاحل معَّينة تتعَّلق باملستحِّقني أنفسهم‪ ،‬وحتويل الزكاة إىل وقف حيرم أهلَ‬
‫االستحقاق من وصول الزكاة إليهم يف احلال‪ ،‬وإمنا بعد أن ُتستثَم ر وخيرج عائد وريع‪ ،‬مث‬
‫إن العائد الذي يأيت به الوقف ليس هو الزكاة اليت آتاها صاحبها‪ ،‬بل هو جزء صغري‬
‫منها‪ ،‬ميِّثله ريع الوقف قد يكون ‪ %10‬أو ‪ ،%5‬وقد أمر اهلل تعاىل أن يكون نصيب‬
‫املستحِّقني كّلَ الزكاة‪ ،‬وهي مائة يف املائة‪.‬‬
‫‪ )?(1‬انظر ص(‪.)9‬‬
‫‪ )?(2‬انظر ص(‪.)36‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪68‬‬

‫هلذا ال ُتشرع هذه العملية املنافية ملقاصد الزكاة الشرعية‪ .‬واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫بعض أهل العلم يرى أن صنف (يف سبيل اهلل) أشبه بالوقف‪ ،‬أو أنه صنف يصح‬
‫وقف املال الزكوي عليه؛ وذلك باعتبار أن هذا املصرف يكون املال فيه للمجاهدين‬
‫واملقاتلني يف سبيل اهلل‪ ،‬فكل ما حيتاجه اجملاهدون يف سبيل اهلل يصرف من الزكاة هلذا‬
‫الصنف‪ ،‬مث إذا انتهت احلاجة إليه يعود لبيت املال‪ ،‬لينتفع به جماهدون آخرون‪ ،‬فليس فيه‬
‫انتقال ملك يف احلقيقة؛ ألنه ال يأخذ ملصلحة نفسه‪ ،‬إمنا ملصلحة املسلمني؛ ولذلك ال‬
‫يشرتط أن يكون فقريا‪ ،‬حىت جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه َعِن الَّنِّيِب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬ال حتل الصدقة لغين إال خلمسة‪ :‬لعامل عليها‪ ،‬أو رجل اشرتاها‬
‫صدق عليه منها فأهدى منها لغين "(‪.)2‬‬ ‫غاز يف سبيل اهلل‪ ،‬أو مسكني تُ ُّ‬
‫مباله‪ ،‬أو غارم‪ ،‬أو ٍ‬
‫وقد نص الفقهاء على أن مصرف يف سبيل اهلل تنفق الزكاة على اجملاهدين‬
‫واملقاتلني‪ ،‬وقد ُتصرف يف جتهيزهم بآالت احلرب والسالح‪ ،‬وهذه ال مُتّلك للمقاتل‪ ،‬وإمّن ا‬
‫يستعملها وجيب عليه إعادهتا إىل بيت املال بعد انتهاء القتال‪.‬‬
‫فاملصَر ف الوحيد عند الفقهاء الذي تصّح فيه الزكاة وميكن أن يكون وقفًا ‪-‬من‬
‫حيث املعىن‪ -‬هو ما يتعّلق بتجهيز املقاتلني يف سبيل اهلل‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وهذا الكالم قد ُيسَّلم يف بعض املواضع‪ ،‬كاليت يأخذ فيها املقاتل من أموال الزكاة‬
‫مث إذا انتهت حاجته وجب رد ما أخذه‪ ،‬فهذا من حيث الصورة يشابه الوقف‪ ،‬لكن ال‬
‫يعين هذا أن كل مال زكوي يأخذه من قاتل يف سبيل ال يكون على وجه التملك‪ ،‬بل إن‬
‫الغازي يأخذ من هذا املصرف لينفق ويطعم على نفسه وعلى عياله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)?‪http://www.qaradawi.net/site/topics/static.asp‬‬
‫‪cu_no=2&lng=0&template_id=232&temp_type=42&parent_id=17‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه أمحد(‪ ،)11113‬وأبو داود(‪ ،)1393‬وابن ماجه(‪ ،)1831‬واحلديث صححه األلباين في إرواء‬
‫الغليل ‪. 377 / 3‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪69‬‬

‫قال النووي‪" :‬قال أصحابنا‪ :‬ويعطي ما يستعني به على الغزو فيعطي نفقته‬
‫وكسوته مدة الذهاب والرجوع واملقام يف الثغر وإن طال"(‪.)1‬‬
‫غزِوه ً‬
‫نفقة‬ ‫وقال الشربيين‪" :‬يعطى الغازي إذا حان وقت خروجه قدر حاجته يف ْ‬
‫وكسوةً لنفسه وكذا لعياله "(‪.)2‬‬
‫وجاء يف شرح غاية املنتهى‪" :‬فيعطى‪-‬أي الغازي‪ -‬منها‪ -‬أي‪ :‬الزكاة‪ -‬ولو كان‬
‫غنيا؛ ألنه حلاجة املسلمني ما حيتاج إليه لغزوه ذهابا وإقامة بأرض العدو وإيابا إىل بلده"(‪.)3‬‬
‫بل جاء يف عبارات الفقهاء ما يفيد أن من اشرتى آالت اجلهاد من أموال الزكاة‬
‫مث أراد أن يوقفها أن ذلك ال جيوز‪.‬‬
‫قال ابن مفلح رمحه اهلل‪" :‬وال جيوز أن يشرتي من الزكاة فرسا يكون حبيسا يف‬
‫اجلهاد‪ ،‬وال دارا أو ضيعة الرباط‪ ،‬أو يقفها على الغزاة"(‪.)4‬‬
‫وقال الرحيباين‪":‬وال جيزئ من وجبت عليه زكاة (أن يشرتي منها فرسا‪ ،‬حيبسها‬
‫) يف سبيل اهلل‪( ،‬أو) أن يشرتي منها (عقارا يقفه على غزاة)‪ ،‬لعدم اإليتاء املأمور به"(‪.)5‬‬
‫بناء على ما تقدم فإنه ال حاجة الستثناء هذا الصنف‪ ،‬وكونه يشابه الوقف يف‬
‫بعض صوره ال يعين أن يأخذ حكم الوقف‪ ،‬بل إنه مصرف من مصارف الزكاة تتنوع‬
‫صور إخراجها فيه‪ ،‬فتارة حيصل به التملك كما سبق‪ ،‬وتارة تدفع وتسرتد عند احلاجة‪،‬‬
‫ويبقى احلكُم مَّطِر دا يف كون األموال الزكوية ال جيوز وقف شئ منها‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫***‬

‫‪ )?(1‬اجملموع ‪.6/213‬‬
‫‪ )?(2‬مغين احملتاج‪ ،4/187‬وانظر‪ :‬احلاوى الكبري ‪ 8/1323‬ط‪.‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ )?(3‬مطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى ‪.2/148‬‬
‫‪ )?(4‬الفروع ‪ ،2/621‬وانظر‪ :‬اإلقناع ‪.1/290‬‬
‫‪ )?(5‬مطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى ‪.2/148‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪70‬‬

‫المبحث الخامس‪:‬‬
‫الصورة الخامسة‪ :‬متويل املساكن باألموال الزكوية عن طريق تسديد الديون‪ ،‬وهلذه‬
‫الصورة طريقان‪:‬‬
‫الطريق األولى‪:‬‬
‫أن يأيت الفقري إىل املؤسسة اخلريية أو الغين‪ ،‬ليطالب بالزكاة يف صورة شراء أو بناء‬
‫مسكن‪ ،‬فتقول اجلهة أو الشخص املزكي‪ :‬ما دمت حمتاجا للسكن فاشرت أنت بيتا أو ابِنِه‬
‫بالَّد ْين‪ ،‬مث نقوم حنن بالتسديد عنك باعتبارك مدينا غارما ملصلحة نفسك‪.‬‬
‫‪‬‬
‫تقدم يف هذا البحث أن الصحيح جواز إخراج الزكاة يف صورة مسكن يسكنه‬
‫الفقري‪ ،‬وهو مبين على ما تقدم من جواز صرف الزكاة يف صورة منفعة‪ ،‬وأن هذا يدخل‬
‫يف التمليك املقصود للشارع‪ ،‬وأنه جيوز أن ُيعطى الفقري كفاية العمر إذا غلب على الظن‬
‫عدم تغري حاله إىل الكسب أو ما حيصل به الغىن‪ ،‬وبناء على هذا القول فهذه الصورة ال‬
‫حاجة لعرضها وطرحها‪ ،‬فيجوز ابتداء أن يصرف الغين أو املؤسسة اخلريية الزكاة يف‬
‫صورة شراء أو بناء بيت يسد حاجة الفقري‪.‬‬
‫فال وجه لبحث هذه الصورة إال على القول باملنع‪ ،‬وأنه ال جيوز إخراج الزكاة يف‬
‫صورة بناء أو شراء مسكن مث دفعه ملن حيتاجه‪ ،‬فحينئذ يتأَّتى النظر فيها‪ ،‬ويف توصيفها‬
‫وتكييفها الفقهي‪ ،‬ومن مث بيان حكمها الشرعي‪.‬‬
‫التكييف الفقهي‪:‬‬
‫مما يساعد يف التكييف الفقهي هلذه الصورة حترير الغارم املستحق من الزكاة‬
‫حقيقة؛ ووجه ذلك أن هذا التوجه املذكور يف الصورة قد يفتح بابا كبريا من التحيل على‬
‫توجيه الزكاة إىل غري ما وضعت له شرعا‪ ،‬فقد يتوجه أحدهم إىل االستدانة لبناء مسجد‬
‫أو مدرسة أو شراء سيارات جلهة خريية وحنوه‪ ،‬مث ادعاء أنه استدان‪ ،‬وهو غارم ومستحق‬
‫للزكاة‪ ،‬فيأخذ من الزكاة لسداد دينه يف هذه اجلهات‪ ،‬وهي ليست اجلهات اليت أراد‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪71‬‬

‫الشرع أن خترج فيها الزكاة؛ لذا كان حتما بيان املراد بصنف الغارمني‪ ،‬لبيان الَّد ْين الذي‬
‫يستحق صاحبه أن يوصف بأنه غارم حقيقة‪ ،‬ومن مث يستحق أن يعطى من الزكاة‪.‬‬
‫األصل في هذا الباب‪ :‬حديث َقِبيصة بن خمارق اهلاليل رضي اهلل عنهٍ قال‪:‬‬
‫حتملت محالة فأتيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسأله فيها‪ ،‬فقال‪( :‬أقم حىت تأتينا‬
‫الصدقة‪ ،‬فنأمر لك هبا"‪ ،‬قال‪ :‬مث قال‪" :‬يا َقِبيصة‪ ،‬إن املسألة ال حتل إال ألحد ثالثة‪ :‬رجل‬
‫حتَّم ل محالة فحلت له املسألة حىت يصيبها مث ميسك‪ ،‬ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله‪،‬‬
‫فحلت له املسألة حىت يصيب قواما من عيش‪ ،‬أو قال‪ :‬سداًدا من عيش‪ ،‬ورجل أصابته‬
‫فاقة حىت يقوم ثالثة من ذوي احلجا من قومه‪ ،‬فيقولون‪ :‬لقد أصابت فالنا فاقة فحلت له‬
‫املسألة‪ ،‬حىت يصيب قواما من عيش‪ ،‬أو قال‪ :‬سدادا من عيش‪ ،‬فما سواهن من املسألة‬
‫سحت‪ ،‬يأكلها صاحبها سحتا"(‪.)1‬‬
‫وعن أيب سعيد رضي اهلل عنه قال‪ :‬أصيب رجل يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف مثار ابتاعها‪ ،‬فكثر دينه‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬تصدقوا عليه)‪.‬‬
‫فتصدق الناس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه‪ ،‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم لغرمائه‪:‬‬
‫(خذوا ما وجدمت‪ ،‬وليس لكم إال ذلك)(‪.)2‬‬
‫وعن عبد الرمحن بن أيب بكر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪" :‬يدعو اهلل بصاحب الدين يوم القيامة حىت يوقف بني يديه‪ ،‬فيقول‪ :‬يا بن آدم‪ ،‬فيم‬
‫الديْن؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول‪ :‬يا رب‪ ،‬إنك تعلم أين أخذته فلم‬ ‫أخذت هذا َّ‬
‫آكل ومل أشرب ومل أضيع‪ ،‬ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة‪.‬‬
‫فيقول اهلل‪ :‬صدق عبدي‪ ،‬أنا أحق من قضى عنك اليوم‪ ،‬فيدعو اهلل بشيء فيضعه‬
‫يف كفة ميزانه‪ ،‬فرتجح حسناته على سيئاته‪ ،‬فيدخل اجلنة بفضل اهلل ورمحته"(‪.)3‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه مسلم (‪.)1730‬‬


‫‪)?(2‬أخرجه مسلم (‪.)2910‬‬
‫‪ )?(3‬أخرجه أمحد(‪ ،)1615‬وضعفه األلباين يف ضعيف الرتغيب والرتهيب‪.282 / 1‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪72‬‬

‫والغارم يف كالم الفقهاء أحد صنفني‪:‬‬


‫األول‪ :‬من كان عليه دين ملصلحة نفسه‪.‬‬
‫الَّثاِني‪ :‬الغارم إلصالح ذات البني‪.‬‬
‫جاء يف اإلقناع‪ :‬الغارمون وهم املدينون املسلمون‪ ،‬وهم ضربان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬من غرم إلصالح ذات البني ولو بني أهل ذمة‪ ،‬وهو من حتمل بسبب‬
‫إتالف نفس أو مال أو يهب دية أو ماال لتسكني فتنة وقعت بني طائفتني‪ ،‬ويتوقف‬
‫صلحهم على من يتحمل ذلك‪ ،‬فيدفع إليه ما يؤدي محالته‪ ،‬وإن كان غنيا أو شريفا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬من غرم إلصالح نفسه يف مباح حىت يف شراء نفسه من الكفار‪ ،‬فيأخذ إن‬
‫كان عاجزا عن وفاء دينه(‪.)1‬‬
‫وفيه‪" :‬الغارم وهو ثالثة‪ :‬من تداين لنفسه يف مباح طاعة‪ ..‬أو صرفه يف مباح‬
‫فيعطى مع احلاجة بأن حيل الدين وال يقدر على وفائه‪ ..‬وما لو مل حيتج مل يعط"(‪.)2‬‬
‫ويف بداية اجملتهد‪" :‬وأما قدر ما يعطى‪-‬أي‪ :‬أهل الزكاة‪-‬من ذلك‪ ،‬أما الغارم‪،‬‬
‫فبقدر ما عليه إذا كان دينه يف طاعة ويف غري سرف‪ ،‬بل يف أمر ضروري"(‪.)3‬‬
‫كما اشرتط املالكية أال يكون قد استدان ليأخذ من الزكاة‪ ،‬كأن يكون عنده ما‬
‫يكفيه وتوسع يف اإلنفاق بالدين ألجل أن يأخذ منها‪ ،‬خبالف فقري استدان للضرورة ناويا‬
‫األخذ منها(‪.)4‬‬
‫وقد جاء يف كالم السلف تفسري للغارم‪:‬‬
‫قال جماهد‪" :‬الغارمون هم قوم ركبتهم الديون من غري فساد وال تبذير"(‪.)5‬‬
‫وعنه قال‪" :‬من احرتق بيته‪ ،‬وذهب السيل مباله‪ ،‬واَّدان على عياله"‪.‬‬
‫‪ )?(1‬اإلقناع ‪ ،1/290‬واإلنصاف‪.3/233‬‬

‫‪ )?(2‬اإلقناع ‪.1/213‬‬
‫‪ )?(3‬بداية اجملتهد ‪.221 / 1‬‬
‫‪ )?(4‬حاشية الدسوقي ‪. 1/496،497‬‬
‫‪ )?(5‬تفسري الطربي ‪. 317 / 14‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪73‬‬

‫وعن أيب جعفر قال‪" :‬الغارمون املستدين يف غري َس َر ف‪ ،‬ينبغي لإلمام أن يقضي‬
‫عنهم من بيت املال"(‪.)1‬‬
‫وعن قتادة‪" :‬أما الغارمون فقوم غَّر قتهم الديون يف غري إمالق(‪ ،)2‬وال تبذير‪ ،‬وال‬
‫فساد"(‪.)3‬‬
‫فمن خالل هذه النصوص تبني أن الغارم الذي يستحق أن يأخذ لسداد دينه هو‬
‫الذي يأخذ ملصلحة نفسه اليت هو حباجة إليها أو اضطرار إليها بغري فساد وال تبذير‪ ،‬وأنه‬
‫ليس كل من استدان حتل له الزكاة‪ ،‬فمن استدان ألمر كمايل ال يدخل يف هذا الصنف‪.‬‬
‫ومن استدان حلظ غريه إن كان حلاجة كاإلصالح بني الناس‪ ،‬أو احلاجة اليت ال‬
‫يقوم هبا غريه فال بأس بأن يأخذ من الزكاة‪ ،‬أما االستدانة ألمر تقوم به الدول‬
‫واحلكومات‪ ،‬كبناء مسجد يف بعض األحياء تكُّثرا وحنوه‪ ،‬فإن الواجب إغالق هذا‬
‫الباب‪ ،‬وعدم اعتبار هذا من الديون املوجبة لألخذ من مصرف الغارمني‪.‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة‪:‬‬
‫بناء على ما تقدم فإن الشخص إذا استدان لبناء أو شراء مسكن حيتاجه‪ ،‬ومل يكن‬
‫له بٌّد منه‪ ،‬وليس عنده من املال ما ميكنه به شراءه أو بناءه دون استدانة‪ ،‬فاستدان لبناء‬
‫هذا املسكن‪ ،‬من غري سرف وال تبذير وال إضاعة للمال‪ ،‬ومل يكن عنده من الدخل‬
‫الشهري أو السنوي ما ميكنه به سداد هذا الدين‪ ،‬وعجز عن السداد مباله عجزا تاما‪ ،‬فإنه‬
‫يعطى من الزكاة حىت يسد دينه‪ ،‬أو بعض دينه إذا متكن هو من سداد البعض اآلخر‪ ،‬واهلل‬
‫تعاىل أعلم‪.‬‬

‫‪ )?(1‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪ )?(2‬أي‪ :‬إنفاق املال وتبذيره حىت يورث حاجة‪ ،‬ويطلق على اإلفساد‪.‬لسان العرب ‪ 347 / 10‬ط‪.‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ )?(3‬تفسري الطربي ‪.318 / 14‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪74‬‬

‫الطريق الثانية‪:‬‬
‫أن تبين املؤسسة اخلريية مسكنا من أموال ليست زكوية بغرض االستثمار‪ ،‬مث تقوم‬
‫بتسكني الفقراء فيها بأجرة‪ ،‬مث عند وجوب سداد األجرة‪ ،‬تدفع املؤسسة األموال الزكوية‬
‫للفقراء لسد ما وجب عليهم من أجرة املسكن على أهنم غارمون؛ ليعود بذلك املال‬
‫الزكوي للمؤسسة مرة ثانية‪ ،‬لتقوم باستثماره‪ ،‬وهلم جًّر ا‪.‬‬
‫الذي يظهر يل أن هذا من حيث املبدأ ال يرد عليه ما يبطله‪ ،‬فمن حق املؤسسة أن‬
‫تسكن من شاءت يف هذه املساكن‪ ،‬بل إن أرادت أن تسكنها الفقراء من غري أجرة‬
‫باعتبارهم من أهل الصدقات كان هلا ذلك‪ ،‬بل هذا من أولويات عملهم‪ ،‬كما أن هلا أن‬
‫تسكن هذه الفئة من الفقراء بأجرة يف الذمة‪ ،‬فإذا انشغلت ذمتهم هبذه األجرة أصبحوا‬
‫غارمني حلظ أنفسهم‪ ،‬وكانوا من أهل الزكاة‪ ،‬فاستحقوا بذلك أن يأخذوا من الزكاة‪.‬‬
‫فإذا دفعت املؤسسة هذه األموال إليهم كغارمني‪ ،‬مث قاموا هم بدفعها إليهم على‬
‫أهنا أجرة السكن كان هذا من األعمال اجلائزة‪.‬‬
‫وال أرى أن التواطؤ على هذا من التواطؤ احملرم‪ ،‬فالتواطؤ املمنوع هو الذي يعود‬
‫على الشخص باملصلحة‪ ،‬كأن يدفع له الزكاة من أجل أن يسده دينه‪-‬على خالف يف‬
‫ذلك‪-‬؛ ولذلك إذا وقعت بغري تواطؤ‪ ،‬فإهنا جتوز‪.‬‬
‫التكييف الفقهي‪:‬‬
‫ميكن ختريج هذه املسألة على األصل يف احليل‪.‬‬
‫وقد عرف الشاطيب احليل يف االصطالح بقوله‪" :‬تقدمي عمل ظاهر اجلواز إلبطال‬
‫حكم شرعي وحتويله يف الظاهر إىل حكم آخر"‪.‬‬
‫مث قال رمحه اهلل‪" :‬فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة"(‪.)1‬‬
‫وعرفها شيخ اإلسالم ابن تيمية "بأن يقصد سقوط الواجب أو حل احلرام بفعل مل‬
‫يقصد به ما جعل ذلك الفعل له‪ ,‬أو ما شرع له"(‪.)2‬‬
‫‪ )?(1‬املوافقات ‪. 201 / 4‬‬
‫‪)?(2‬الفتاوى الكربى ‪.17 / 6‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪75‬‬

‫وقال ابن عاشور‪" :‬اسم التحيل يفيد معىن إبراز عمل ممنوع شرعا‪ ,‬يف صورة عمل‬
‫جائز‪ ,‬أو إبراز عمل غري معتد شرعا يف صورة عمل معتد به لقصد تفصيلي من مؤاخذته؛‬
‫فالتحيل شرعا هو ما كان املنع فيه شرعيا واملانع الشارع‪ ،‬أما السعي إىل عمل مأذون‬
‫بصورة غري صورته‪ ،‬أو بإجياد وسائله فليس حتيال‪ ,‬ولكنه يسمى تدبريا أو حرصا أو‬
‫ورعا"(‪.)1‬‬

‫وقد قسم أهل العلم احليل إىل حيل مشروعة وحيل حمرمة‪.‬‬
‫فاحليل احملرمة هي اليت يستحل هبا احملارم كحيل اليهود‪ ,‬وكل حيلة تضمنت‬
‫إسقاط حق هلل أو آلدمي فهي تندرج فيما يستحل به احملارم‪ ,‬فإن ترك الواجب من احملارم‪،‬‬
‫وذلك كمن يتهرب من زكاة ماله‪ ,‬بأن يهبه قبيل احلول‪ ,‬مث إذا كان يف حول آخر أو قبله‬
‫رجع يف هبته‪ ،‬وحنوه‪.‬‬
‫وهي حنو املذكورة يف قوله تعاىل‪َ { :‬و َلَقْد َع ِلْم ُتُم اَّلِذ يَن اْعَتَدْو ا ِم ْنُك ْم ِفي الَّسْبِت‬
‫َفُقْلَنا َلُهْم ُك وُنوا ِقَر َد ًة َخ اِسِئيَن } البقرة‪.65-‬‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬قاَتَل الَّلُه اْلَيُه وَد‪ُ ،‬ح ِّر َم ْت َعَلْيِهِم الُّش ُح وُم َفَج َم ُلوَه ا‬
‫َفَباُعوَه ا )(‪.)2‬‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ ( :‬لَعَن َرُس وُل الَّلِه اْلُم َح ِّلَل َو اْلُم َح َّلَل َلُه )(‪.)3‬‬
‫َألَّن ِفيِه اْس ِتْح الَل الِّز ىَن ِباْس ِم الِّنَك اِح ‪.‬‬
‫وصح عن أنس وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهم أهنما سئال عن العينة؟ فقاال‪:‬‬
‫إن اهلل ال خيدع! هذا مما حرم اهلل ورسوله(‪.)4‬‬

‫‪ )?(1‬مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪.)106‬‬


‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري(‪ ،)2071‬ومسلم(‪.)2961‬‬
‫‪ )?(3‬أخرجه أمحد(‪ ،)601‬وأبو داود(‪ ،)1778‬والرتمذي(‪ ،)1038‬وابن ماجه(‪ ،)1924‬وصححه األلباين يف‬
‫إرواء الغليل ‪.307 / 6‬‬
‫‪ )?(4‬إعالم املوقعني ‪.161-3/160‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪76‬‬

‫وحنو التحايل على الربا بالعينة‪ ،‬فيقول املرايب‪ :‬بعتك هذه السلعة بكذا ‪-‬كما يف‬
‫بيع العينة عند اجلمهور‪ -‬على أن يسرتدها منه بأقل مما باعها‪ ،‬ومل يكن مريدا حلقيقة البيع‪.‬‬
‫لذا حذر صلى اهلل عليه وسلم من احليل اليت على هذا النحو‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ( :‬ال َتْر َتِكُبوا َم ا اْر َتَك َبِت اْلَيُه وُد َفَتْس َتِح ُّلوا َحَماِر َم الَّلِه ِبَأْد ىَن اِحْلَيِل )(‪.)1‬‬
‫واحليل املشروعة هي احليل اليت تتخذ للتخلص من املآمث للتوصل إىل احلالل‪ ،‬أو إىل‬
‫احلقوق‪ ،‬أو إىل دفع باطل‪ ،‬وهي احليل اليت ال هتدم أصال مشروعا‪ ،‬وال تناقض مصلحة‬
‫شرعية‪.‬‬
‫فيتوصل باحليل املشروعة إىل مطلوب صحيح‪ ،‬بطريق ال يتضمن خمالفة شرعية‪،‬‬
‫كما أمر يوسف عليه الصالة والسالم بوضع أمتعة إخوته يف رحاهلم لعلهم يعرفوهنا‬
‫لعلهم يرجعون‪ ،‬فهذه حيلة مشروعة‪.‬‬
‫وقد قام من أدلة الشرع ما يبيح احليلة‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قوله سبحانه وتعاىل‪ِ { :‬إَّال اْلُم ْسَتْض َعِفيَن ِم َن الِّر َج اِل َو الِّنَس اء َو اْلِو ْلَداِن َال‬
‫َيْسَتِط يُعوَن ِح يَلًة َو َال َيْهَتُد وَن َس ِبيًال }النساء‪ ،98-‬أراد باحليلة التحيل على التخلص من‬
‫الكفار‪ ،‬وهذه حيلة حممودة يثاب عليها من عملها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قوله تعاىل‪ { :‬وخذ بيدك ضغثا فاضرب به وال حتنث }وهي حيلة للخروج‬
‫من احلنث‪.‬‬
‫وقد عمل به النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حق الضعيف الذي زىن‪ ،‬ملا أخربه بعض‬
‫أصحابه من األنصار أنه اشتكى رجل منهم حىت أضىن‪ ،‬فعاد جلدة على عظم‪ ،‬فدخلت‬
‫عليه جارية لبعضهم‪ ،‬فهش هلا فوقع عليها‪ ،‬فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخربهم‬
‫بذلك‪ ،‬وقال‪ :‬استفتوا يل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإين قد وقعت على جارية‬
‫دخلت علي‪ ،‬فذكروا ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما رأينا بأحد من‬
‫الناس من الضر مثل الذي هو به‪ ،‬لو محلناه إليك لتفسخت عظامه‪ ،‬ما هو إال جلد على‬
‫‪ )?(1‬رواه ابن بطة يف جزء اخللع و إبطال احليل(‪ ،)57‬و إسناده جيد كما قال احلافظ ابن كثري يف تفسريه ‪/ 2‬‬
‫‪ ،257‬وابن القيم كما يف هتذيب السنن‪ ،‬وضعفه األلباين كما يف السلسلة الضعيفة ‪.493 / 1‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪77‬‬

‫عظم‪ ،‬فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يأخذوا له مائة مشراخ‪ ،‬فيضربوه هبا ضربة‬
‫واحدة "(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم استعمل‬
‫رجال على خيرب‪ ،‬فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أكل متر‬
‫خيرب هكذا ؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعني‪ ،‬والصاعني‬
‫بالثالثة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬ال تفعل بع اجلمع بالدراهم‪ ،‬مث ابتع‬
‫بالدراهم جنيبا ) (‪.)2‬‬
‫رابعا‪ :‬أن املعىن الذي من أجله حرمت احليل هو أهنا هتدم األصول الشرعية‪،‬‬
‫وتناقض املصاحل الشرعية‪ ،‬فإذا انتفى هذا املعىن وكانت احليل مما ال يناقض األصول‬
‫الشرعية‪ ،‬فال معىن ملنعها بل كانت من املشروع‪.‬‬
‫كما نص الفقهاء على حترمي التواطؤ حينما يعود على الشخص باملصلحة‪ ،‬كأن‬
‫يربئه من الدين يف مقابل الزكاة‪.‬‬
‫قال ابن مفلح‪" :‬وإن أبرأ رب الدين غرميه من دينه بنية الزكاة مل جيزئه‪ ،‬نص عليه‪،‬‬
‫سواء كان املخرج عنه عينا أو دينا‪ ،‬خالفا للحسن وعطاء‪.‬‬
‫قال أمحد‪ :‬إذا أراد إحياء ماله مل جيز‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬إن كان حيلة فال يعجبين‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬أخاف أن يكون حيلة فال أراه‪.‬‬
‫ونقل ابن القاسم‪ :‬إذا أراد احليلة مل يصلح وال جيوز‪.‬‬
‫قال القاضي وغريه‪ :‬يعين باحليلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه‪ ،‬فال جتزئه؛ ألن‬
‫من شرطها متليكا صحيحا‪ ،‬فإذا شرط الرجوع مل يوجد فلم جتزئه‪.‬‬

‫‪ )?(1‬أخرجه أمحد(‪ ،)20925‬وأبو داود(‪ ،)3878‬وابن ماجه(‪ ،)2564‬وصححه األلباين يف صحيح وضعيف‬
‫سنن أيب داود ‪.472 / 9‬‬
‫‪ )?(2‬أخرجه البخاري(‪ ،)2050‬ومسلم(‪.)2984‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪78‬‬

‫فحصل من كالم اإلمام أمحد أنه إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه مل جيز؛ ألهنا‬
‫هلل‪ ،‬فال يصرفها إىل نفعه"(‪.)3‬‬
‫فهذه النصوص فيها من الفقه أن املنع إمنا يكون حينما يريد املزِّك ي مصلحة نفسه‪،‬‬
‫وإحياء ماله‪ ،‬واستيفاء دينه‪ ،‬وحنوه من املقاصد اليت تعود عليه بالنفع‪ ،‬ومعلوم أن املزكي‪-‬‬
‫مؤسسة كان أو شخصا‪-‬إذا دل شخصا على شراء أو بناء مسكن بالدين‪ ،‬ليكون غارما‬
‫مستدينا حلاجة نفسه األصلية‪ ،‬مث دفع الزكاة إليه هبذا االعتبار‪ ،‬معلوم أنه ما أراد بذلك‬
‫نفع نفسه‪ ،‬وال محاية ماله‪ ،‬بل إنه وافق مقصود الشرع‪ ،‬وعلى تقدير كوهنا حيلة‪ ،‬فكما‬
‫تقدم ليس كل حيلة حمرمًة‪ ،‬بل منها ما هو جائز مشروع‪ ،‬وهذا منه‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة‪:‬‬
‫بناء على ما تقدم فإن األظهر أنه يف حال ما إذا قامت املؤسسة اخلريية ببناء‬
‫مساكن من أموال غري زكوية‪ ،‬وأسكنت فيها الفقراء‪ ،‬بقصد نفعهم وسد حاجتهم يف‬
‫مطلب عزيز هلم يف احلياة‪ ،‬وهو السكن واالستقرار يف مسكن يظُّلهم ويكُّنهم‪ ،‬مث طالبتهم‬
‫باألجرة‪ ،‬ويف حال عدم قدرهتم أصبحوا غارمني‪ ،‬فدفعت هلم الزكاة باعتبارهم غارمني‪،‬‬
‫ومن مث قاموا بدفع األجرة الواجبة يف ذمتهم للمؤسسة مرة أخرى‪ ،‬لتقوم هي بدورها يف‬
‫استثمارها ليعود بالنفع على الفقراء‪.‬‬
‫أرى‪-‬واهلل تعاىل أعلم‪ -‬أن هذا من حيث اجلملة جائز‪ ،‬وليس فيه حرج‪ ،‬ملوافقته‬
‫ملقاصد الشرع‪ ،‬إال أن الواجب أن يراعى اآليت‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن تنظر املؤسسة حقيقة يف حاجة الفقراء‪ ،‬وأهنم يف هذه احلال يف أمس‬
‫حاجة إىل السكن‪ ،‬فإن تعينت حاجتهم يف غري السكن‪ ،‬وجب دفع الزكاة إليهم‪ ،‬دون‬
‫إلزامهم بالسكن؛ إذ املال حق هلم‪ ،‬فال جيوز تعطيله عنهم أو إرغامهم على أخذه يف‬
‫صورة سكن‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يف حال ما إذا تعينت حاجة الفقري إىل السكن فإن املؤسسة تعرض عليه‬
‫مساكنها عرضا ليس إلزاميا‪ ،‬فإن ارتضاه‪ ،‬وإال فال جيوز إلزامه ملنافاة ذلك ملبدأ التملك‪،‬‬
‫‪ )?(3‬الفروع ‪.2/621‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪79‬‬

‫وألن املؤسسة يف هذه احلال تكون متسلطة فيما وكلت يف إيصاله ملستحقيه‪ ،‬فهي جمرد‬
‫وكيل يف إيصال هذا احلق‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يف حال ما إذا قامت املؤسسة بتسكني الفقراء يف هذه املساكن‪ ،‬فالواجب‬
‫أن يكون بأجرة املثل أو أقل‪ ،‬وال جيوز أن يزيد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬جيب أال يكون املصرف الوحيد لألموال الزكوية عند تلك املؤسسات هو‬
‫الغارمني فقط‪ ،‬بل تصرف األموال الزكوية املودعة لديهم يف مصارفها الشرعية‪ ،‬واليت من‬
‫مجلتها مصرف الغارمني‪ ،‬فال تقصر تلك األموال على هذا املصرف‪ ،‬بل تنوع حبسب‬
‫حاجة األصناف األخرى‪ ،‬عمال بقوله تعاىل‪ِ { :‬إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اء َو اْلَم َس اِكيِن‬
‫َو اْلَع اِمِليَن َع َلْيَها َو اْلُم َؤ َّلَفِة ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب َو اْلَغاِر ِم يَن َو ِفي َس ِبيِل ِهّللا َو اْبِن الَّس ِبيِل‬
‫َفِر يَض ًة ِّم َن ِهّللا َو ُهّللا َع ِليٌم َحِكيٌم }التوبة‪.60-‬‬
‫فجعلها اهلل مفروضة على العباد‪ ،‬مث ختم اآلية هبذا التقرير العظيم دفعا لعقل فاسد‬
‫أو رأي عقيم أن يقدمه على شرع اهلل العليم احلكيم‪.‬‬
‫واهلل املوفق‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪80‬‬

‫الخاتمة‪ :‬وفيها أهم نتائج البحث‪.‬‬


‫وقد توصلت يف خامتة هذا البحث إىل النتائج اآلتية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن التمليك شرط يف الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬وأن‬
‫املقصود األعظم من التمليك هو منافع األعيان ال ذاهتا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ما يعطى الفقري من الزكاة على ثالثة أقوال‪ ،‬أرجحها عدم التحديد بسنة‬
‫أو نصاب‪ ،‬وأن يف املسألة تفصيال حبسب حال الفقري على النحو اآليت‪:‬‬
‫األول‪ :‬الفقري الذي يقوى على التكسب ال يعطى أكثر من زكاة احلول‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الفقري الذي يغلب على الظن أنه ال ميكنه التكسب وعدم حتصيل الكفاية‬
‫كل حول من الزكاة‪ ،‬فهذا يعطى كفايته على الدوام‪ ،‬بشرط بقاء اتصافه بصفة الفقر‪،‬‬
‫فإذا ارتفع عنه هذا الوصف ُمنع من أخذ الزكاة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه ينبغي يف حال إعطاء الفقري مراعاة بقية الفقراء املستحقني يف نفس‬
‫البلد‪ ،‬فال يؤدي إعطاؤه الكفاية إىل حرمان اآلخرين‪ ،‬ففي هذه احلال ينبغي أال يعطى‬
‫أكثر من زكاة سنة‪ ،‬ويقتصر عليها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن أهل العلم اختلفوا يف بناء ومتويل املساكن من األموال الزكوية‪ ،‬وأن‬
‫األرجح جواز ذلك بالشروط املذكورة يف البحث‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن املنافع متمولة‪ ،‬وهو قول مجهور‬
‫الفقهاء‪ ،‬خالفا للحنفية‪ ،‬الذين ال يرون ذلك‪ ،‬وهو مبين على اخلالف يف تعريف املال‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن الراجح جواز إخراج الزكاة على صورة منافع‪ ،‬بالشروط والقيود‬
‫املذكورة يف البحث‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أن الراجح يف استثمار أموال الزكاة أنه إذا كان هذا من املالك‪ ،‬فإنه ال‬
‫جيوز حبال من األحوال ملنافاة ذلك ملقصود الزكاة‪ ،‬واخلروج هبا عن موضوعها‪ ،‬وتأخري‬
‫إيصاهلا ملستحقيها‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪81‬‬

‫أما إذا كان من اإلمام أو نائبه‪ ،‬فإن الواجب على اإلمام أو من ينيبه أن يبادر‬
‫بإخراج الزكاة إىل مستحقيها مبجرد قبضها‪ ،‬وأنه ال مانع يف حال ما إذا اقتضت املصلحة‬
‫العمل يف هذه األموال باستثمار وحنوه‪ ،‬بالضوابط والشروط املذكورة يف البحث‪.‬‬
‫ويتأكد اجلواز يف مواضع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتأخر املال عند اجلهات املعنية بذلك‪ ،‬ألي سبب من األسباب‪ ،‬فال بأس‬
‫حينئذ باستثمارها مبا حيقق املصلحة‪ ،‬إىل أن حيني وقت صرفها‪ ،‬بالضوابط اآلتية‪.‬‬
‫‪ -‬أن يفيض من أموال الزكاة ما يزيد عن حاجة الفقراء‪ ،‬فال بأس حينئذ‬
‫باالستثمار‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬أن الراجح أنه ليس للفقري أن يوكل الغين يف استثمار الزكاة أو التصرف‬
‫فيها حىت يقبضها؛ ألن ذلك توكيل فيما مل ميلك بعد‪ ،‬والواجب أن يقبضها أوال مث‬
‫يتصرف فيها مبا يشاء من تصرفات املالك‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أنه يف حال ما إذا أراد إخراج ريع املساكن على أنه زكاة‪ ،‬فإنه ال خيلو من‬
‫أحوال ثالثة‪:‬‬
‫الحال األولى‪ :‬أن يكون الشراء أو البناء بأموال غري زكوية‪ ،‬مث جيعل للريع‬
‫للفقراء على أنه من الزكاة الواجبة يف هذا املال أو غريه‪ ،‬وهذا ال شئ فيه‪ ،‬وهو ال يعدو‬
‫كوَنه إخراجا للزكاة على الوجه املعتاد‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن يشرتي املالك األصلي أو يبىن املسكن بأموال زكوية‪ ،‬يريد به‬
‫االستثمار‪ ،‬فإنه ال جيوز حبال‪ ،‬بل الواجب على املالك األصلي مبجرد وجوب الزكاة‬
‫إخراج املال‪ ،‬وال جيوز له استثماره حبال‪.‬‬
‫الحال الثالثة‪ :‬أن يكون هذا التصرف من اإلمام أو نائبه‪ ،‬فالذي يظهر عدم‬
‫جواز بناء أو شراء مسكن من أموال زكوية‪ ،‬مث جعل ريعه للفقراء املستحقني للزكاة على‬
‫أنه الزكاة الواجبة‪ ،‬ملا يف ذلك من تعطيل وإيقاف ألصل هذا املال على صورة املسكن‪،‬‬
‫وعدم وصوهلا ملستحقيها‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪82‬‬

‫تاسعا‪ :‬أن وقف املال الزكوي على مستحقيه ال جيوز للتباين الكبري بني الزكاة‬
‫والوقف يف القصد واحلقيقة واملعىن‪ ،‬وسواء كان املوقف شخصا أم غريه‪ ،‬وسواء كانت‬
‫اجلهة املوقوف عليها من جهات الزكاة أم غريها‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬أن متويل املساكن باألموال الزكوية عن طريق تسديد الديون له طريقان‪:‬‬
‫الطريق األولى‪ :‬أن يأيت الفقري إىل املؤسسة اخلريية أو الغين‪ ،‬ليطالب بالزكاة يف‬
‫صورة شراء أو بناء مسكن‪ ،‬فتقول اجلهة أو الشخص املزكي‪ :‬ما دمت حمتاجا للسكن‬
‫فاشرت أنت بيتا أو ابِنِه بالَّد ْين‪ ،‬مث نقوم حنن بالتسديد عنك باعتبارك مدينا غارما ملصلحة‬
‫نفسك‪ ،‬واألظهر أن الشخص إذا استدان لبناء أو شراء مسكن حيتاجه‪ ،‬ومل يكن له بٌّد‬
‫منه‪ ،‬وليس عنده من املال ما ميكنه به شراءه أو بناءه دون استدانة‪ ،‬فاستدان لبناء هذا‬
‫املسكن‪ ،‬من غري سرف وال تبذير وال إضاعة للمال‪ ،‬ومل يكن عنده من الدخل الشهري‬
‫أو السنوي ما ميكنه به سداد هذا الدين‪ ،‬وعجز عن السداد مباله عجزا تاما‪ ،‬فإنه يعطى‬
‫من الزكاة حىت يسد دينه‪ ،‬أو بعض دينه إذا متكن هو من سداد البعض اآلخر‪.‬‬
‫والطريق الثانية‪ :‬أن تبين املؤسسة اخلريية مسكنا من أموال ليست زكوية بغرض‬
‫االستثمار‪ ،‬مث تقوم بتسكني الفقراء فيها بأجرة‪ ،‬مث عند وجوب سداد األجرة‪ ،‬تدفع‬
‫املؤسسة األموال الزكوية للفقراء لسد ما وجب عليهم من أجرة املسكن على أهنم‬
‫غارمون؛ ليعود بذلك املال الزكوي للمؤسسة مرة ثانية‪ ،‬لتقوم باستثماره‪ ،‬وهلم جًّر ا‪،‬‬
‫والظاهر جواز ذلك بالشروط املذكورة يف البحث‪.‬‬
‫واهلل تعاىل أعلم‬
‫واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‬

‫كتبه‬
‫حممد بن موسى بن مصطفى الدايل‬
‫موقع الفقه اإلسالمي‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪83‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة‪ :‬أمحد بن أيب بكر بن إمساعيل‬
‫البوصريي‬
‫أحكام الزكاة على ضوء المذاهب األربعة‪ :‬لعبد اهلل علوان‪ -‬دار السالم‪-‬الطبعة الرابعة‪-‬‬
‫‪1406‬هـ‪.‬‬
‫أحكام الُقْر آن‪ :‬أبو بكر حمَّم د بن عبد اهلل بن العريب(ت‪543‬هـ)‪-‬ت‪/‬حمَّم د عبد القادر‬
‫عطا‪-‬دار الفكر‪-‬بريوت‪.‬‬
‫اإلحكام في أصول األحكام‪ :‬علي بن حمَّم د اآلمدي(ت‪631‬هـ)‪-‬ت‪/‬د‪ .‬سيد اجلميأيت‪-‬‬
‫دار الكتاب العريب – بريوت‪ -‬الطبعة األوىل‪1404-‬هـ‪.‬‬
‫االخبار العلمية من االختيارات الفقهية‪ :‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬عالء الدين أيب‬
‫احلسن علي بن حممد بن عباس البعلي ‪.‬‬
‫إدرار الشروق على أنواء الفروق‪ :‬قاسم بن عبد اهلل املعروف بابن الشاط‪-‬مع الفروق‬
‫للقرايف‪-‬دار املعرفة بريوت‪.‬‬
‫إرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم االصول‪ :‬حملمد بن علي الشوكاين‪.‬‬
‫إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل‪ :‬حمَّم د بن ناصر الِّدين األلباين‪-‬املكتب‬
‫اإلسالمي‪-‬بريوت‪-‬الطبعة الثانية‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪84‬‬

‫استثمار أموال الزكاة وما في حكمها‪ :‬للدكتور صاحل بن حممد الفوزان‪-‬دار كنوز‬
‫إشبيليا‪-‬الرياض‪1426-‬هـ‪.‬‬
‫أسنى المطالب شرح روض الطالب‪ :‬أليب حيىي زكريا األنصاري‪-‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫األشباه والنظائر‪ :‬زين الِّدين بن إبراهيم بن حمَّم د الشهري بابن جنيم (ت‪970‬هـ) دار‬
‫الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1419-‬هـ‪.‬‬
‫أصول السرخسي‪ :‬حمَّم د بن أمحد بن أيب سهل السرخسي(ت‪490‬هـ)ت‪/‬أبو الوفا‬
‫األفغاين‪-‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪1372-‬هـ‪.‬‬
‫إعانة الطالبين‪ :‬السيد البكري بن السيد حمَّم د شطا الدمياطي‪-‬دار الفكر‪-‬بريوت‪.‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‪ :‬أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم‬
‫بن تيمية – حتقيق‪ :‬حمَّم د حامد الفقي – مكتبة السنة احملَّم دية ‪ -‬الطبعة الثانية ‪1369‬هـ‪.‬‬
‫اإلقناع‪ :‬حمَّم د الشربيين اخلطيب‪-‬ت‪/‬مكتب البحوث والدراسات بدار الفكر‪1415-‬هـ‪.‬‬
‫األم‪ :‬حمَّم د بن إدريس الشافعي(ت‪204‬هـ)‪-‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪-‬الطبعة الثانية‪1393-‬هـ‪.‬‬
‫األموال ‪ :‬القاسم بن سالم اهلروي‪-‬دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األوىل‪1406-‬هـ‪.‬‬
‫اإلنصاف في معرفة الَّر اجح من الخالف‪ :‬علي بن سليمان املرداوي(ت‪885‬هـ)‬
‫ت‪/‬حمَّم د حامد الفقي‪-‬دار إحياء الرتاث‪-‬بريوت‪.‬‬
‫بحث استثمار أموال الزكاة‪ :‬للدكتور عجيل النشمي‪ -‬ضمن أحباث وأعمال الندوة‬
‫الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة ‪.‬‬
‫بحث استثمار أموال الزكاة‪ :‬للدكتور حممد عثمان شبري‪-‬ضمن أحباث وأعمال الندوة‬
‫الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة ‪.‬‬
‫بحث استثمار أموال الزكاة‪ :‬للدكتور‪ /‬عيسى شقرة‪ -‬ضمن أحباث وأعمال الندوة الثالثة‬
‫لقضايا الزكاة املعاصرة ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪85‬‬

‫بحث التمليك والمصلحة فيه‪ :‬أحباث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت‪.‬‬
‫بحث توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع بال تمليك فردي للمستحق‪:‬‬
‫للخياط‪-‬منشور يف جملة جممع الفقه اإلسالمي‪-‬العدد الثالث‪.‬‬
‫بحث توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق‪ :‬للدكتور الفرفور‪-‬منشور يف‬
‫جملة الفقه اإلسالمي العدد الثالث‪.‬‬
‫بحث توظيف أموال الزكاة‪ :‬للشيخ آدم شيخ عبد اهلل‪.‬‬
‫بحث حكم إخراج المنفعة بدال عن زكاة المال‪ :‬الدكتور أمحد احلجي الكردي ضمن‬
‫الندوة الثامنة عشرة لقضايا الزكاة املعاصرة‪.‬‬

‫بحث دفع المنافع في الزكاة‪ :‬للدكتور يوسف حسن الشراح‪.‬‬


‫البحر الرائق‪ :‬زين الِّدين بن إبراهيم بن حمَّم د بن بكر (ت‪970‬هـ) دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪-‬‬
‫الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ :‬عالء الِّدين بن مسعود الكاساين (ت‪587‬هـ) ‪ -‬دار‬
‫الكتاب العريب‪-‬بريوت‪-‬الطبعة الثانية‪1982-‬هـ‪.‬‬
‫بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ :‬حمَّم د بن أمحد بن حمَّم د بن رشد احلفيد(ت‪595‬هـ)‬
‫ت‪/‬حمَّم د صبحي حسن حالق‪-‬مكتبة ابن تيمية‪-‬القاهرة‪-‬الطبعة األوىل‪1415-‬هـ‪.‬‬
‫تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ :‬عبد اهلل بن أمحد النسفي (ت‪710‬هـ)‪ -‬دار الكتب‬
‫العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1420-‬هـ‪.‬‬
‫تحفة المحتاج‪ :‬عمر بن علي بن أمحد الوادياشي(ت‪804‬هـ) ت‪/‬عبد اهلل بن سعاف‬
‫اللحياين‪-‬دار حراء‪-‬مكة املكرمة‪-‬الطبعة األوىل‪1406-‬هـ‪.‬‬
‫تفسير الُقْر آن العظيم‪ :‬إمساعيل بن عمر بن كثري الِدِم شقي(ت‪774‬هـ)دار الفكر‪-‬‬
‫بريوت‪1401-‬هـ‪.‬‬
‫تمام المنة في التعليق على فقه السنة‪ :‬حممد ناصر الدين األلباين‪-‬املكتبة اإلسالمية ‪،‬‬
‫دار الراية للنشر‪ -‬الطبعة الثالثة – ‪.1409‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪86‬‬

‫التمهيد‪ :‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري (ت‪463‬هـ) ت‪/‬مصطفى العلوي‪ ،‬حمَّم د‬
‫البكري ‪ -‬وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ -‬املغرب‪1387-‬هـ‪.‬‬
‫الثمر الدانى في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني‪ :‬صاحل عبد‬
‫السميع الآىب األزهري‪ -‬املكتبة الثقافية بريوت لبنان‪.‬‬
‫جامع البيان عن تأويل آي الُقْر آن‪ :‬حمَّم د بن جرير بن يزيد بن خالد الطربي(ت‬
‫‪310‬هـ)دار الفكر‪-‬بريوت‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫الجامع الصحيح‪ :‬حمَّم د بن إمساعيل البخاري(ت‪256‬هـ) دار السالم‪-‬الرياض‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‪1419-‬هـ‪.‬‬
‫الجامع ألحكام الُقْر آن‪ :‬حمَّم د بن أمحد األنصاري القرطيب‪-‬دار الكتاب العريب –القاهرة‪-‬‬
‫‪1387‬هـ‪0‬‬
‫الجني الداني في حروف المعاني‪ :‬للمرادي ط‪ .‬املكتبة العربية حبلب‪.‬‬
‫جواهر اإلكليل شرح مختصر خليل‪ :‬صاحل بن عبد السميع اآليب األزهري ‪-‬دار‬
‫املعرفة‪-‬بريوت‪.‬‬
‫حاشية ابن القيم‪ :‬حممد بن أيب بكر أيوب الزرعي املعروف بابن القيم (ت‪751‬هـ)دار‬
‫الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة الثانية‪1415-‬هـ‪.‬‬
‫حاشية البجيرمي‪ :‬سليمان بن عمر بن حمَّم د البجريمي‪-‬املكتبة اإلسالمية‪-‬ديار بكر‪-‬تركيا‬
‫‪0‬‬
‫حاشية الخرشي على مختصر خليل‪ :‬حمَّم د اخلرشي املالكي(ت‪1101‬هـ)‪-‬دار الفكر‪.‬‬
‫حاشية الدسوقي‪ :‬حمَّم د عرفة الدسوقي‪-‬ت‪/‬حمَّم د عليش‪-‬دار الفكر‪-‬بريوت‪.‬‬
‫حاشية العدوي‪ :‬علي الصعيدي املالكي‪-‬دار الفكر‪-‬بريوت‪1412-‬هـ‪.‬‬
‫حاشيتي قليوبي وعميرة على المنهاج‪ :‬شهاب الِّدين القليويب‪ ،‬وعمرية‪-‬دار إحياء علوم‬
‫الِّدين الكتب العربية‪.‬‬
‫الحاوي الكبير‪ :‬علي بن حمَّم د املاوردي (ت‪450‬هـ) الطبعة األوىل‪-‬بريوت‪1988-‬م‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪87‬‬

‫الخراج‪ :‬أليب يوسف ‪ .‬ط السلفية‪.‬‬


‫درر الحكام في شرح غرر األحكام ‪ .‬ط دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫رد المحتار على الدر المختار‪ :‬حمَّم د أمني الشهري بابن عابدين(ت‪1252‬هـ) ‪-‬مكتبة‬
‫احلليب‪-‬القاهرة‪-‬الطبعة الثانية‪1381-‬هـ‪.‬‬
‫روح المعاني في تفسير الُقْر آن العظيم والسبع المثاني‪ :‬حممود األلوسي‪-‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪-‬بريوت‪.‬‬
‫روضة الطالبين‪ :‬حييي بن شرف بن مري النووي‪-‬املكتب اإلسالمي‪-‬بريوت‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫روضة الناظر‪ :‬عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي(ت‪620‬هـ)ت‪/‬د‪0‬عبد العزيز عبد‬
‫الرمحن السعيد‪-‬جامعة اإلمام‪-‬الرياض‪-‬الطبعة الثانية‪1399-‬هـ‪.‬‬
‫سلسلة األحاديث الضعيفة‪ :‬حمَّم د بن ناصر الِّدين األلباين‪-‬مكتبة املعارف‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ :‬حمَّم د بن يزيد القزويين(ت‪275‬هـ) دار السالم‪-‬الرياض‪-‬الطبعة األوىل‪-‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫سنن أبي داود‪ :‬سليمان بن األشعث السجستاين األزدي(ت‪275‬هـ) دار السالم‪-‬‬
‫الرياض‪-‬الطبعة األوىل‪1420-‬هـ‪.‬‬
‫سنن البيهقي الكبرى‪ :‬أمحد احلسني بن علي بن موسى البيهقي (ت‪458‬هـ)ت‪/‬حمَّم د عبد‬
‫القادر عطا‪-‬دار الباز‪-‬مكة املكرمة‪1414-‬هـ‪.‬‬
‫سنن الدارقطني‪ :‬علي بن عمر الدارقطين(ت‪385‬هـ)ت‪/‬السيد عبد اهلل هاشم مياين‬
‫املدين‪-‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪1386-‬هـ‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪ :‬عبداهلل بن عبدالرمحن أبو حمَّم د الدارمي(ت‪255‬هـ)‪-‬دار الكتاب العريب‪-‬‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫السنن الكبرى‪ :‬أمحد بن احلسني بن علي بن يوسف البيهقي (ت‪458‬هـ) ت‪/‬حمَّم د عبد‬
‫القادر عطا‪-‬مكتبة دار الباز‪-‬مكة املكرمة‪1414-‬هـ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪88‬‬

‫سنن النسائي(المجتبى)‪ :‬أمحد بن شعيب بن علي النسائي(ت‪303‬هـ)دار الفكر‪-‬‬


‫بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1348-‬هـ‪0‬‬
‫السيل الجرار‪ :‬حمَّم د بن علي الشوكاين (ت‪1250‬هـ)‪.‬‬
‫الشرح الكبير‪ :‬أبو الربكات أمحد الدردير‪ -‬ت‪/‬حمَّم د عليش ‪ -‬دار الفكر‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫الشرح الممتع على زاد المستقنع‪ :‬حمَّم د بن صاحل العثيمني(ت‪1421‬هـ)ت ‪ /‬للدكتور‬
‫سـليمان أبا اخليل‪ ،‬للدكتور خالداملشيقح – مؤسسةآسام – الطبعةالثانية ‪1414 -‬هـ‪.‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم‪ :‬حييي بن شرف بن مري النووي (ت‪676‬هـ) دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪-‬بريوت‪-‬الطبعة الثانية‪1392-‬هـ‪.‬‬
‫شرح فتح القدير‪ :‬حمَّم د بن عبد الواحد السيواسي(ت‪681‬هـ)دار الفكر‪-‬بريوت‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‪.‬‬
‫شرح منتهى اإلرادات ‪ :‬حممد بن منصور البهويت‪ .‬ط دار الفكر‪.‬‬
‫شرح منح الجليل‪ :‬على خمتصر خليل‪ .‬ط‪ .‬دار صادر‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ :‬مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري(ت‪261-‬هـ)دار السالم ‪-‬‬
‫الرياض‪-‬الطبعة األوىل‪1419-‬هـ‪.‬‬
‫ضعيف الترغيب والترهيب‪ :‬حمَّم د ناصر الِّدين األلباين(ت‪1420‬هـ) مكتبة املعارف–‬
‫الرياض‪.‬‬
‫ضعيف سنن أبي داود‪ :‬حممد ناصر الدين األلباين‪.‬‬
‫الطبقات الكبرى‪ :‬حمَّم د بن سعد بن منيع أبو عبداهلل البصري الزهري‪-‬دار صادر –‬
‫بريوت‪.‬‬
‫العناية شرح الهداية‪ :‬حملمد بن حممود البابريت‪ .‬ط‪.‬دار الفكر‪.‬‬

‫فتاوى الشيخ ابن جربين‪.‬‬


‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪89‬‬

‫الفتاوى الكبرى‪ :‬أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية (ت‪728‬هـ) ت‪/‬حسنني‬
‫حمَّم د خملوف‪-‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1386-‬هـ‪.‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالكويت‪.‬‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ :‬رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‪-‬‬
‫الطبعة الثانية‪1423-‬هـ‪.‬‬
‫الفتاوى الهندية العالمكيرية‪ :‬الشيخ نظام ومجاعة من علماء اهلند‪-‬دار الكتب العلمية –‬
‫بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1421-‬هـ‪.‬‬
‫فتاوى نور على الدرب‪ :‬للشيخ حممد بن صاحل العثيمني‪.‬‬
‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ :‬أمحد بن حجر بن علي العسقالين(ت‪852‬هـ) دار‬
‫املعرفة ‪-‬بريوت‪1379-‬هـ‪-‬ت‪/‬حمَّم د فؤاد عبد الباقي‪ ،‬وحمب الِّدين‬
‫الفروع‪ :‬حمَّم د بن مفلح املقدسي(ت‪763‬هـ)ت‪/‬د‪.‬عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي‪-‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ -‬الطبعة األوىل‪1423-‬هـ‪.‬‬
‫فيض القدير شرح الجامع الصغير‪ :‬حمَّم د عبد الرؤوف املناوي‪-‬املكتبة التجارية‪-‬مصر‪-‬‬
‫الطبعة األوىل‪1356-‬هـ‪.‬‬
‫قواعد األحكام في مصالح األنام‪ :‬عز الِّدين بن عبد العزيز بن عبد السالم السلمي ( ت‬
‫‪660‬هـ ) دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪.‬‬
‫القواعد الفقهية‪ :‬أبو الفرج زين الدين عبد الرمحن بن رجب احلنبلي– ط‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫القواعد النورانية الفقهية‪ :‬أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية – حتقيق‪ :‬د‪/‬‬
‫أمحد بن حمَّم د اخلليل – دار ابن اجلوزي ‪ -‬الطبعة األوىل – ‪1422‬هـ‪.‬‬
‫الكافي في فقه أهل المدينة المالكي‪ :‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب القرطيب (ت‬
‫‪463‬هـ)‪-‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة اإلوىل‪1407-‬هـ‪.‬‬
‫كشاف القناع‪ :‬منصور بن يونس بن إدريس البهويت(‪1051‬هـ) ت‪ /‬هالل مصيلحي‬
‫مصطفى هالل‪-‬دار الفكر‪-‬بريوت‪1402-‬هـ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪90‬‬

‫كشف األسرار شرح أصول البزدوي‪ :‬ط‪ .‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬


‫الالمات‪ :‬أبو القاسم عبدالرمحن بن إسحاق الزجاجي‪-‬دار الفكر‪-‬دمشق‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‪.1985-‬‬
‫لسان العرب‪ :‬مجال الِّدين حمَّم د بن مكرم بن منظور األفريقي املصري (ت‪711‬هـ)دار‬
‫الفكر‪ -‬الطبعة الثالثة‪1414-‬هـ‪.‬‬
‫لسان العرب‪ :‬مجال الِّدين حمَّم د بن مكرم بن منظور األفريقي املصري(ت‪711‬هـ)دار‬
‫الفكر‪ -‬الطبعة الثالثة‪1414-‬هـ‪.‬‬
‫اللقاء الشهري للشيخ العثيمني ‪.‬‬
‫المبدع‪ :‬إبراهيم بن حمَّم د بن عبد اهلل بن مفلح(ت‪884‬هـ)املكتب اإلسالمي‪-‬بريوت‪-‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫المبسوط‪ :‬مشس الِّدين السرخسي – دار املعرفة‪-‬بريوت‪1414-‬هـ‪0‬‬
‫جملة اقتصاد العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫مجلة البحوث اإلسالمية‪ :‬رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء‪.‬‬
‫جملة جممع الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫مجمع الزوائد‪ :‬علي بن أيب بكر اهليثمي(ت‪807‬هـ)دار الريان للرتاث‪-‬القاهرة‪-‬‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى‪ :‬أمحد بن عبد احلليم بن تيمية‪-‬مجع‪/‬عبد الرمحن بن حمَّم د بن قاسم‬
‫النجدي‪-‬مكتبة ابن تيمية‪ -‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫المجموع شرح المهذب‪ :‬حييي بن شرف بن مري النووي(ت‪676‬هـ)دار الفكر‪-‬‬
‫بريوت‪1997-‬هـ‪.‬‬
‫المحلى‪ :‬علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري(ت‪456‬هـ)دار اآلفاق اجلديدة‪-‬‬
‫بريوت‪-‬ت‪/‬جلنة إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪91‬‬

‫مسند البزار‪ :‬أبو بكر أمحد بن عمرو بن عبد اخلالق البزار(ت‪292‬هـ) ت‪/‬د‪0‬حمفوظ‬
‫الرمحن زين اهلل‪-‬مؤسسة علوم الُقْر آن‪-‬املدينة‪-‬الطبعة األوىل‪1409-‬هـ‪.‬‬
‫المسند‪ :‬أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل الشيباين(ت‪241‬هـ)ت‪/‬أمحد بن حمَّم د بن شاكر‪-‬دار‬
‫املعارف‪-‬مصر‪1374-‬هـ‪.‬‬
‫المسودة‪ :‬لعبد السالم‪ ،‬وعبد احلليم‪ ،‬وأمحد بن تيمية‪-‬ت‪/‬حمَّم د حمي الِّدين عبد احلميد‪-‬‬
‫دار املدين – القاهرة‪.‬‬
‫المصنف‪ :‬أبو بكر عبد اهلل بن حمَّم د بن أيب ابن أيب شيبة يف املصنف الكويف (‬
‫‪235‬هـ)ت‪/‬كمال احلوت‪-‬مكتبة الرشد‪-‬الرياض‪-‬الطبعة األوىل‪ 1409-‬هـ‪.‬‬
‫مطالب أولي النهى‪ :‬مصطفى السيوطي الرحيباين(ت‪1243‬هـ)املكتب اإلسالمي‪-‬‬
‫‪1961‬م‪.‬‬
‫معالم السنن‪ :‬محد بن حمَّم د اخلطايب البسيت (ت‪388‬هـ) ت ‪ /‬عبد السالم عبد الشايف‬
‫حمَّم د ‪ -‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة األوىل‪1411-‬هـ‪.‬‬
‫مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪ :‬مشس الِّدين حمَّم د بن حمَّم د اخلطيب‬
‫الشربيين‪-‬ت‪/‬علي حمَّم د معوض‪ ،‬وعادل عبد املوجود‪-‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬الطبعة‬
‫األوىل‪1415-‬هـ‪.‬‬
‫المغني‪ :‬عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي(ت‪620‬هـ) دار الفكر‪-‬بريوت ‪-‬الطبعة‬
‫األوىل‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫المغني‪ :‬عبد اهلل بن أمحد بن حمَّم د بن قدامة املقدسي(‪620‬هـ) ت‪ /‬د‪.‬عبد اهلل بن عبد‬
‫احملسن الرتكي‪ ،‬د‪0‬عبد الفتاح حمَّم د احللو‪-‬هجر‪-‬الطبعة الثانية‪1412 -‬هـ‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ :‬حممد الطاهر بن عاشور‪-‬دار النفائس‪-‬األردن‪-‬الطبعة الثانية‪-‬‬
‫‪1421‬هـ‪.‬‬
‫المنثور في القواعد‪ :‬حمَّم د بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي(ت‪794‬هـ) ت‪ /‬د‪.‬تيسري فائق‬
‫أمحد‪-‬وزارة األوقاف‪-‬الكويت‪-‬الطبعة الثانية‪1405-‬هـ‪.‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪92‬‬

‫الموافقات‪ :‬إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي(ت‪790‬هـ)ت‪/‬عبد اهلل دراز‪-‬دار‬


‫املعرفة‪-‬بريوت‪.‬‬
‫مواهب الجليل‪ :‬حمَّم د بن عبد الرمحن املغريب(ت‪954‬هـ)دار الفكر‪-‬بريوت‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‪1398-‬هـ‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية‪ :‬وزارةة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪-‬طباعة ذات‬
‫السالسل‪-‬الكويت ‪ -‬الطبعة الثانية ‪1408 -‬هـ‪.‬‬
‫الموطأ‪ :‬مالك بن أنس األصبحي (ت‪179‬هـ) ت‪/‬حمَّم د فؤاد عبد الباقي ‪ -‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب – مصر‪.‬‬
‫ميزان االعتدال في نقد الرجال‪ :‬أيب عبداهلل حممد بن أمحد بن عثمان الذهيب ‪ -‬دار‬
‫املعرفة للطباعة والنشر بريوت – لبنان‪.‬‬

‫الندوة الفقهية األوىل جملمع الفقه يف قضايا الزكاة بالبحرين‪.‬‬


‫نوازل الزكاة‪ :‬للدكتور عبد اهلل الغفيلي‪-‬دار امليمان‪1429-‬هـ‪-‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫***‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪93‬‬

‫الفهارس‬

‫المقاصد الشرعية من فرض الزكاة‪6......................................................... :‬‬


‫الصورة األولى‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه المسكن‪9....................................... .‬‬
‫األصل األول‪ :‬اشتراط التمليك للفقير والمسكين‪9............................................. .‬‬
‫تعريف التمليك اصطالحا ‪9...................................................................‬‬
‫اختالف الفقهاء في اشتراط التمليك على قولين ‪10.............................................‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬مقدار ما يعطى الفقير والمسكين‪17........................................... .‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة ‪23..............................................................‬‬
‫اختالف أهل العلم في مسألة بناء المساكن من أموال الزكاة ‪23.................................‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه منفعة المسكن‪25................................ .‬‬
‫الخالف في مالية المنافع ‪26..................................................................‬‬
‫تعريف المال ‪27.............................................................................‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة ‪33..............................................................‬‬
‫إذا كان المسكن ُم شترى بأموال زكوية‪35.................................................... .‬‬
‫الحال األولى‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل المالك ‪35.........................................‬‬
‫الخالف في فورية إخراج الزكاة ‪36...........................................................‬‬
‫عدم جواز استثمار المال الزكوي إذا كان من المالك ‪40........................................‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه‪43.........................‬‬
‫االخالف في استثمار اإلمام أو نائبه ألموال الزكاة ‪43..........................................‬‬
‫ضوابط استثمار أموال الزكاة من قبل الإمام أو من ينوب عنه ‪54...............................‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بتمليكه َر يع المسكن‪55.................................. .‬‬
‫الحال األولى‪ :‬أن ُيشترى المسكن أو ُيبنى بأموال غير زكوية‪55.............................. .‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن تكون تلك المساكن مشتراة أو مبنية بأموال زكوية‪57.........................‬‬
‫الحكم الشرعي لصورة المبحث‪58.......................................................... .‬‬
‫الصورة الرابعة‪ :‬إخراج الزكاة للفقير بوقف المسكن عليه‪59................................. .‬‬
‫تعريف الوقف ‪59............................................................................‬‬
‫تمويل المساكن من أموال الزكاة‬
‫‪94‬‬

‫اختالف الفقهاء في انتقال ملك الوقف ‪60......................................................‬‬


‫تعريف الزكاة‪60........................................................................... .‬‬

‫الحكم الشرعي لهذه الصورة ‪62..............................................................‬‬


‫الصورة الخامسة‪ :‬تمويل المساكن باألموال الزكوية عن طريق تسديد الديون‪65................‬‬
‫الطريق األولى‪65.......................................................................... :‬‬
‫الغارم في كالم الفقهاء ‪65....................................................................‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة‪65............................................................. :‬‬
‫الطريق الثانية ‪65............................................................................‬‬
‫الكالم في الحيل‪65......................................................................... .‬‬
‫أقسام الحيل ‪65..............................................................................‬‬
‫الحكم الشرعي لهذه الصورة ‪65..............................................................‬‬
‫الخاتمة ‪65...................................................................................‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪65............................................................... :‬‬

You might also like