Professional Documents
Culture Documents
بحث تمويل المساكن من أموال الزكاة محمد بن موسى بن مصطفى الدالي
بحث تمويل المساكن من أموال الزكاة محمد بن موسى بن مصطفى الدالي
1
إعداد
محَّم د بن موسى بن مصطفى الَّد الي
الباحث بمركز الدراسات والبحوث الفقهية
بموقع الفقه اإلسالمي
تمويل المساكن من أموال الزكاة
2
تمويل المساكن من أموال الزكاة
3
الصور ،والوقوف على أنسب ختريج فقهي هلا ،ومن َّمَث بيان احلكم الشرعي يف كل
صورة.
وقد جعلته يف متهيد ومخسة مباحث وخامتة.
التمهيد ،وفيه املقاصد الشرعية من فرض الزكاة.
المبحث األول :الصورة األوىل ،إخراج الزكاة للفقري بتمليكه املسكن ،وفيها
مطلبان:
املطلب األول :التكييف الفقهي
املطلب الثاين :احلكم الشرعي هلذه الصورة
المبحث الثاني :الصورة الثانية ،إخراج الزكاة للفقري بتمليكه منفعة املسكن ،وفيه
مطلبان:
املطلب األول :أن يبين أو يشرتي البيت بأموال ليست زكوية ،وفيه فرعان:
الفرع األول :التكييف الفقهي
الفرع الثاين :احلكم الشرعي هلذه الصورة
املطلب الثاين :أن يبين أو يشرتي البيت بأموال زكوية ،وفيه فرعان:
الفرع األول :التكييف الفقهي
الفرع الثاين :احلكم الشرعي هلذه الصورة
المبحث الثالث :الصورة الثالثة ،إخراج الزكاة للفقري بتمليكه ريع املسكن ،وفيها
مطلبان:
املطلب األول :التكييف الفقهي
املطلب الثاين :احلكم الشرعي هلذه الصورة
المبحث الرابع :الصورة الرابعة ،إخراج الزكاة للفقري بوقف املسكن عليه ،وفيها
مطلبان:
املطلب األول :التكييف الفقهي
املطلب الثاين :احلكم الشرعي هلذه الصورة
تمويل المساكن من أموال الزكاة
5
تمويل المساكن من أموال الزكاة
7
رابعا :تطهري مال الزكاة؛ لذا هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن األخذ من
الصدقات؛ معلال ذلك بأهَّن ا أوساخ الناس ،فبالزكاة حيصل التطهري وتزول تلك األوساخ.
خامسا :تطهري قلب الفقري من احلقد واحلسد على الغين؛ وذلك أن الفقري إذا رأى
من حوله ينعمون باملال الوفري وهو يكابد أمل الفقر ،فلُر مبا تسبب ذلك يف بث احلسد
واحلقد والعداوة والبغضاء يف قلب الفقري على الغين ،وهبذا تضعف العالقة بني املسلم
وأخيه ،بل رمبا تقطعت أواصر األخوة وشَّبت نار الكراهية.
سادسا :مضاعفة حسنات معطيها ورفع درجاته ،وهو مقصد شرعي مهم ،وفيه
يقول اهلل تعاىلَّ{ :م َثُل اَّلِذ يَن ُينِفُقوَن َأْم َو اَلُهْم ِفي َس ِبيِل ِهّللا َك َم َثِل َح َّبٍة َأنَبَتْت َس ْبَع َس َناِبَل
ِفي ُك ِّل ُسنُبَلٍة ِّم َئُة َح َّبٍة َو ُهّللا ُيَض اِع ُف ِلَم ن َيَش اُء َو ُهّللا َو اِس ٌع َع ِليٌم }البقرة.261-
سابعا :مواساة الغين للفقري ،فمن املقاصد املهمة اليت ُش ِر عت ألجلها الزكاة مواساة
الفقري وسد حاجته.
ثامنا :مناء مال الزكاة ،بكثرته وحلول الربكة فيه ،فالزكاة هي النماء ،وقد دل
{َيْمَح ُق ُهّللا اْلِّر َبا َو ُيْر ِبي الَّص َد َقاِت }البقرة- على هذا الكتاب والسنة كما يف قوله تعاىل:
.276
تاسعا :حتقيق الضمان والتكافل االجتماعي ،فالزكاة جزء رئيس من حلقة التكافل
االجتماعي ،اليت تقوم على توفري ضروريات احلياة من مأكل وملبس ومسكن ،وسداد
الديون ،وإيصال املنقطعني إىل بالدهم ،وفك الّر قاب.
عاشرا :تنمية االقتصاد اإلسالمي ،فللزكاة أثر إجيايب كبري يف دفع عجلة االقتصاد
اإلسالمي وتنميته؛ وذلك أن مناء مال الفرد املزكي كما تقدم ،يعود على اقتصاد اجملتمع
بالقوة واالزدهار ،كما أن فيها منعا الحنصار املال يف يد األغنياء كما قال تعاىلَ { :ك ْي
اَل َيُك وَن ُد وَلًة َبْيَن اَأْلْغ ِنَياء ِم نُك ْم }احلشر ،7-فوجود املال يف أيدي أكثر اجملتمع يؤدي
لصرفه يف شراء ضروريات احلياة ،فيكثر اإلقبال على السلع ،فينشأ من هذا كثرة اإلنتاج
تمويل المساكن من أموال الزكاة
9
مما يساهم يف كثرة العمالة والقضاء على البطالة ،فيعود ذلك على االقتصاد اإلسالمي
بالفائدة(.)1
***
)?(1انظر :نوازل الزكاة للغفيلي()48وما بعدها ،وفقه الزكاة ،2/930وما بعدها ،والزكاة وتطبيقاهتا املعاصرة
للدكتور عبد اهلل الطيار(.)26
تمويل المساكن من أموال الزكاة
10
المبحث األول:
الصورة األولى :إخراج الزكاة للفقير بتمليكه المسكن.
تصوير المسألة:
أن يقوم الفرد أو املؤسسة اخلريية ببناء أو شراء مسكن من مال الزكاة ،مث يتم
متليكه للفقري على أنه الزكاة الواجبة.
المطلب األول :التكييف الفقهي.
عند النظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أهنا يكتنفها أصالن:
األول :اشرتاط متليك الفقري واملسكني.
الثاني :مقدار ما يعطى الفقري واملسكني.
األصل األول :اشتراط التمليك للفقير والمسكين.
:
من املعلوم ما ملسألة اشرتاط متليك الفقري واملسكني أمواَل الزكاة من أثر كبري جدا
يف مسائل هذا البحث ،إن مل تكن تلك املسألة هي أبرز ما يعول عليها؛ لذا كان من
املناسب حبثها ،وأعين بالتمليك وجوب تسليمه النقد ،وإال فمن املعلوم أن الفقري املستحق
للزكاة يتملك ما يأخذه نقدا كان أو عينا ،لكن املراد هل يشرتط أن يأخذ حقه نقدا ،أم
أن التمليك معناه أعم من ذلك؟
التمليك اصطالحا:
املراد بالتمليك" :متكن اإلنسان شرعا بنفسه أو بنيابة من االنتفاع بالعني أو
املنفعة ،ومن أخذ العوض عن العني أو املنفعة"(.)1
أو" :القدرة الشرعية على التصرف يف الرقبة"(.)2
ومتليك الزكاة املراد به إعطاء الفقري أو غريه من املستحقني املال ليتصرف فيه
بكامل حريته.
واملراد هنا ليس التمليك اجلماعي إمنا التمليك الفردي ،ومن مث فال جيوز صرف
الزكاة يف إنشاء املرافق العامة ،كاملدارس واملستشفيات وحنوه لعدم حتققق التمليك
الفردي(.)1
وقد اختلف الفقهاء يف اشرتاط التمليك على قولني:
القول األول :اشرتاط التمليك ،فال يكفي جمرد اإلباحة ،وهو املشهور من مذهب
احلنفية واملالكية الشافعية واحلنابلة ،واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ،واختاره مجع كبري
من املفسرين(.)2
وعلى هذا املعىن جرت عبارات الفقهاء:
قال املاوردي " :أضاف الصدقة إىل األصناف الثمانية بالم التمليك ،وعطف
بعضهم على بعض بواو التشريك ،وكل ما يصح أن ميلك إذا أضيف إىل من يصح أن
ميلك اقتضت اإلضافة ثبوت امللك ،كما لو قال :هذه الدار لزيد وعمرو "(.)3
وجاء يف املهذب بعد أن ذكر أبو إسحق رمحه اهلل آية مصارف الزكاة ":فأضاف
مجيع الصدقات إليهم بالم التمليك ،وأشرك بينهم بواو التشريك ،فدل على أنه مملوك هلم
مشرتك بينهم " (.)4
)?(1حبث التمليك واملصلحة فيه -أحباث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت (.)210
)?(2فتح القدير ،2/267وتبيني احلقائق ،1/251وحاشية الدسوقي ،1/496واحلاوى الكبري ،479 / 8واملغين
،2/500واإلقناع ،212 / 1وجمموع الفتاوى .25/80
وهذا القول اخُتلف فيه يف األصناف اليت نصت اآلية عليها ،وهل التمليك شرط يف اجلميع كما هو مذهب احلنفية
أو يف األربعة األوىل فقط كما هو مذهب البقية باستثناء املالكية الذين يدخلون ابن السبيل مع األربعة األوىل ،مما ال
عالقة مباشرة له بالبحث.
) ?(3احلاوى الكبري .479 / 8
وقال اخلطيب الشربيين ":وأضاف يف اآلية الكرمية الصدقات إىل األصناف األربعة
األوىل بالم امللك ،واألربعة األخرية بفي الظرفية لإلشعار بإطالق امللك يف األربعة األوىل،
وتقييده يف األربعة األخرية حىت إذا مل حيصل الصرف يف مصارفها اسرتجع خبالفه يف
األوىل … "(.)1
وقال ابن قدامة " :وأربعة أصناف يأخذون أخذًا مستقرًا وال يراعى حاهلم بعد
الدفع ،وهم الفقراء واملساكني والعاملون واملؤلفة ،فمىت أخذوها ملكوها ملكًا دائمًا
مستقرًا ال جيب عليهم ردها حبال.)2("..
وجاء يف توصيات الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة املنعقدة يف الكويت
سنة 1413هـ ما يلي " :التمليك يف األصناف األربعة األوىل املذكورة يف آية مصارف
الزكاة شرط يف إجزاء الزكاة ،والتمليك يعين دفع مبلغ من النقود أو شراء وسيلة النتاج،
كآالت احلرفة ،وأدوات الصنعة ،ومتليكها للمستحق القادر على العمل "(.)3
وخالصة هذا القول أن التمليك شرط يف األصناف األربعة اليت نصت اآلية عليهم
بالالم-واليت ذهب أكثر املفسرين إىل أهنا الم امللك -فيصرف املال إليهم يتصرفوا فيه
كيف شاءوا ،أما األربعة األخرية من اآلية فإن املال ال يصرف إليهم ،بل يصرف إىل
جهات احلاجات املعتربة يف الصفات اليت ألجلها استحقوا صرف الزكاة.
القول الثاني :عدم اشرتاط التمليك يف صرف الزكاة للمستحقني ،وهو ما اختاره
الشوكاين ،ونسبه ابن قدامة إىل عطاء واحلسن ،وهو قول متماٍش مع الذين توسعوا يف
مصرف سبيل اهلل ،فأجازوا صرف الزكاة إىل مجيع وجوه اخلري(.)4
أدلة القول األول:
أوال :قوله تعاىلِ ( :إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن َو اْلَع اِمِليَن َع َلْيَها َو اْلُم َؤ َّلَفِة
ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب َو اْلَغاِر ِم يَن َو ِفي َس ِبيِل ِهَّللا َو ِاْبِن الَّس ِبيِل َفِر يَض ًة ِم َن ِهَّللا َو ُهَّللا َع ِليٌم
َحِكيٌم ) التوبة.60-
فهذه اآلية الكرمية حصرت مصارف الزكاة يف املصارف الثمانية ويدل على ذلك
قوله تعاىلِ( :إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ) ولفظةِ( :إَّنَم ا) تقتضي حصر الزكاة يف املصارف الثمانية ،مث
إن اهلل سبحانه وتعاىل أضاف الصدقات للفقراء بالالم اليت تدل على التمليك-على القول
املشهور -مث عطف بقية األصناف على الفقراء(.)1
ولذلك اشرتط مجهور الفقهاء فيها التمليك؛ فأوجبوا متليكها للفقري أو املسكني
حىت ينفقها يف حاجته اليت هو أدرى هبا من غريه ،وإمنا أجاز بعض العلماء إخراجها يف
صورة عينية عند حتقق املصلحة مبعرفة حاجة الفقري وتلبية متطلباته.
المناقشة:
نوقشت هذه اآلية بأن كون الالم يف اآلية للملك ليس حمل اتفاق ،إمنا فيها خالف
على عدة أقوال ،فقيل :للملك ،وقيل :لبيان املصرف ،أي :إمنا الصدقات مصروفة
للفقراء ،وقيل :إن الالم لالختصاص ،وقيل :للعاقبة ،ولعل القول بأهنا لالختصاص قول
مناسب أيضا ،يدل عليه سياق اآليات ،فقد ذم اهلل املنافقني يف تعرضهم للصدقة ،وهم
ليسوا أهال هلا ،مث قالِ ( :إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اِء َو اْلَم َس اِكيِن ) ..أي :أهنا مستحقة هلم
خاصة هبم دون غريهم.
بل لقد اعترب عدد من أهل اللغة أن األصل يف الالم أنه لالختصاص؛ ولذا قدمها
على امللك واالستحقاق(.)2
وعلى فرض أن الالم للتمليك ،فال يشرتط متليك العني،كما قال أهل اللغة " :الالم
للملك واالستحقاق ،وليس نعين بامللك ملك العني ،بل قد يكون ملكا لبعض املنافع أو
لضرب من التصرف"(.)1
ثانيا :النصوص الكثرية من الكتاب والسنة الدالة على وجوب إيتاء الزكاة،
واإليتاء هو اإلعطاء وهو التمليك ،فالبد يف الزكاة من قبض الفقري ومتليكها إياه(.)2
المناقشة:
نوقشت هذه النصوص بعدم التسليم أن معىن اإلعطاء التمليك ،فقد يكون اإليتاء
للتمليك ولغري التمليك ،بل اإليتاء ال يقتضى خروج ا عَطى من ملك املعِط ي ،فضال عن
ُمل
متلك املعطى له إياه ،فاإليتاء على التحقيق يقتضي اإلباحة والتمليك.
ثالثا :أن يف عدم اشرتاط التمليك حماذيَر كثريًة ،منها:
-صرفها يف غري ما وضعت له ،كإنشاء املدارس واملستشفيات والطرق واجلسور
وغريه.
-تأخري توصيلها إىل املستحقني ،وإىل اجلهة اليت ينوي الصرف عليها.
-التحكم يف مصاحل املستحقني ،وختصيص االنتفاع يف نوع معني دون أن يكون
للفقراء رأي أو إذن ،وهو مال مستحق هلم ،فال جيوز التصرف فيه بغري إذهنم.
-ضياع الفقراء واملساكني؛ إذ إن كثريا من األغنياء تستهويهم املؤسسات
واجلمعيات اخلريية وحنوه ،مما يؤدي إىل صرف غالب األموال الزكوية يف إنشاء املؤسسات
وترك الفقراء واملساكني(.)3
أدلة القول الثاني:
) ?(1املفردات (.)459
) ?(2تبيني احلقائق ،1/251وبدائع الصنائع ،2/74ومعامل السنن .2/73
)?(3انظر :اجملموع للنووي ،6/122وملزيد من املناقشات انظر :حبث التمليك واملصلحة فيه-أحباث الندوة الثالثة
لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت (.)224
تمويل المساكن من أموال الزكاة
15
أوال :عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إذا
أيت بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل :صدقة .قال ألصحابه :كلوا ومل يأكل ،وإن
قيل :هدية ضرب بيده صلى اهلل عليه وسلم فأكل معهم(.)1
ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أباح هلم طعام الصدقة ،ومل ميلكهم
إياه.
ثانيا :عن أنس رضي اهلل عنه أن ناسا من عرينة اجتووا املدينة فرخص هلم رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألباهنا وأبواهلا ،فقتلوا الراعي
واستاقوا الذود ،فأرسل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فأيت هبم فقطع أيديهم وأرجلهم،
ومسر أعينهم ،وتركهم باحلرة يعضون احلجارة(.)2
ووجه الداللة من الحديث :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أباح ألبناء السبيل
االنتفاع بإبل الصدقة دون متليك رقاهبا؛ ألنه أباح هلم شرب ألبان اإلبل للتداوي.
المناقشة:
نوقش هذان احلديثان أهنما يف الصدقة التطوعية ،ال الصدقة الواجبة؛ ألن النيب
صلى اهلل عليه وسلم كان يبيح الطعام جلميع احلاضرين من الصحابة رضي اهلل عنهم،
واشرتاط التمليك حمل النزاع إمنا هو يف مصارف الزكاة الواجبة.
كما أن حديث العرنيني يف ابن السبيل ،وهذا الصنف ليس حمل إشكال أصال ،إذ
هذا الصنف مما ال يشرتط فيه التملك الفردي ،بل اجلماعي.
ثالثا :أن األصل عدم اشرتاط التمليك ،وجواز اإلباحة من إطعام وضيافة ،ومن
ادعى غري ذلك فعليه الدليل.
المناقشة:
يناقش هذا بأن غايتكم مطالبة بالدليل ،وقد أقام اجلمهور األدلة الكثرية الدالة على
اشرتاط التمليك يف مصارف الصدقات الواجبة ،وهبذا يبطل استداللكم هبذا األصل.
)?(1أخرجه البخاري ( ،)2388ومسلم (.)1790
)?(2أخرجه البخاري( )1405ومسلم(.)3162
تمويل المساكن من أموال الزكاة
16
الترجيح:
بعد عرض القولني السابقني ،وعرض أدلتهم ،وبعد مناقشة تلك األدلة تبني أن
قول اجلمهور من حيث األدلة أقوى ،إال أنه ينبغي أن يوضع اآليت يف االعتبار:
أوال :أن أدلة اجلمهور أيضا ال تدل على اشرتاط التمليك داللة قاطعة ،فكما تقدم
يف مناقشة اآلية -اليت هي أقوى أدلتهم -فإن الالم ليست متمحضة يف التمليك ،بل هلا
استعماالت أخرى ،ومن أبرز استعماالهتا التخصيص ،والذي قد يرجحه سياق اآلية ،فلم
يسلم أقوى دليل هلم من مناقشة قوية ،قد تبطل االستدالل به ،وأعين داللته على اشرتاط
متليكه النقد ،أما التمليك مبعىن هل ميلك أو ال ؟ فهذا ليس املقصود من هذا البحث ،إذ
املتقرر أن الفقري إذا قبض حقه من الزكاة ملكه ،واإلشكال فقط يف هذا احلق ،هل يشرتط
أن يأخذه نقدا أم جيوز نقدا أو عينا.
ثانيا :ليس يف األدلة األخرى من الكتاب والسنة ما يدل صراحة على اشرتاط
التمليك ،حبيث يعد من مل مُي ِّلك الفقَري مل يفعل ما جيزئ ،بل جاء يف السنةَ( :فَأْع ِلْمُه ْم َأَّن
الَّلَه َعَّز َو َج َّل اْفَتَر َض َعَلْيِه ْم َص َدَقًة يِف َأْم َو اِهِلْم ُ ،تْؤ َخ ُذ ِم ْن َأْغ ِنَياِئِه ْم َو ُتَر ُّد يِف ُفَق َر اِئِه ْم )(،)1
فعرب بـ "يف" الدالة على الظرفية ،وهذا ال يتأَّتى أن يكون دليال على اشرتاط التمليك ،مما
جيعل الدليل الوحيد على اشرتاط التمليك هو اآلية ،مع عدم سالمتها!
ثالثا :أنه على تقدير سالمة هذه األدلة يف الداللة على التمليك ،فليس املقصود
متليك النقد ،بل كل ما حتصل به املصلحة للفقري ،سواء كان نقدا أو عينا.
ولذلك توسع الفقهاء يف معىن التمليك ومل يقصروه على دفع النقد ،بل كل ما
حتصل به املصلحة من عني وغريه.
قال الشافعي" :وال وقت فيما يعطى الفقري إال ما خيرجه من حد الفقر إىل الغىن
قل ذلك أو كثر".
َّ
قال القاضي أبو الطيب" :يريد به أن الغىن هو الكفاية على الدوام ،فيدفع إىل كل
واحد منهم ما جيعله رأس مال ويكفيه فضله ملؤنة ،ومن كان من أهل العلم الذين ال
)?(1أخرجه البخاري ( ،)1308ومسلم (.)27
تمويل المساكن من أموال الزكاة
17
حيسنون التجارة اشرتى هلم ما يغلهم كفايتهم على الدوام ،ومن كان من أهل احلرفة
اشرتى هلم آالهتم"(.)1
قال البهويت" :ويعطى فقري ومسكني كفاية عمر غالبٍ ،فيشرتيان مبا يعطيانه عقارا
يستغالنه ،وللإمام أن يشرتي له ذلك كما يف الغازي ،هذا فيمن ال حيسن الكسب حبرفة
وال جتارة"(.)2
كما فسر النووي الكفاية اليت يعطاها الفقري بقوله" :املطعم وامللبس واملسكن
وسائر ماال بد له منه على ما يليق حباله ،بغري إسراف وال إقتار لنفس الشخص وملن هو
يف نفقته"(.)3
وقال ابن حجر اهليتمي" :أما من حيسن حرفة تكفيه الكفاية الالئقة به كما مر
أول الباب فيعطى مثن آلة حرفته ،وإن كثر ،وظاهر أن املراد بإعطاء ذلك له اإلذن له يف
الشراء ،أو الشراء له نظري ما يأيت"(.)4
وقال املرداوي" :وعنه يأخذ متام كفايته دائما مبتجر أو آلة صنعة وحنو ذلك"(.)5
ويف مطالب أويل النهى":والغىن هنا ما حتصل به الكفاية ( ،وعليه ) أي :قول اإلمام (
فيعطى حمرتف مثن آلة حرفة ،وإن كثرت ،وتاجر يعطى رأس مال يكفيه )"(.)6
وقال ابن حزم" :فيقام هلم مبا يأكلون من القوت الذى ال بد منه ،ومن اللباس
للشتاء والصيف مبثل ذلك ،ومبسكن يكنهم من املطر والصيف والشمس وعيون املارة"(.)7
فجَّو ز الفقهاء أن ُيشرتى للفقري من أموال الزكاة ما حتصل به الكفاية من مطعم أو
ملبس أو مسكن أو آلة حرفة ،أو ما يكون له رأس مال ،وهذا نوع توسع أيضا فيما يزيد
على الَّس نة أو النصاب ،وسيأيت.
***
تمويل المساكن من أموال الزكاة
19
وجه االستدالل :أن عمر رضي اهلل عنه فهم من الشرع أن املراد إغناء الفقري
بالزكاة ،ال جمرد سد جوعته بلقيمات ،أو إقامة عثرته بدريهمات.
-2ما ورد عن عمر رضي اهلل عنه أن رجًال جاء يشكو إليه سوء احلال ،فأعطاه
ثالثًا من اإلبل ،وقال لعماله( :كرروا عليهم الصدقة ،وإن راح على أحدهم مائة من
اإلبل).
وقال( :ألكررَّن عليهم الصدقة ،وإن راح على أحدهم مائة من اإلبل) (.)1
-3كما جاء يف سنن البيهقي ترمجته " :باب ال وقت فيما يعطى الفقراء
واملساكني إال ما خيرجون به من الفقر واملسكنة ".
مث قالُ :رِّوينا عن على بن أىب طالب رضى اهلل عنه أنه قال" :إن اهلل فرض على
األغنياء ىف أمواهلم بقدر ما يكفى فقراءهم"(.)2
وعنه رضي اهلل عنه قال" :إن اهلل فرض على األغنياء ىف أمواهلم بقدر ما يكفى
فقراءهم ،فإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع األغنياء ،وحق على اهلل أن حياسبهم يوم
القيامة ويعذهبم عليه"(.)3
-4وعن أيب محزة عن إبراهيم قال" :كان يستحب أن يسد هبا حاجة أهل البيت
-أي بالزكاة.)4("-
ثالثا :أن القصد إغناؤه من الفقر ،ودفع حاجته ،وحيصل هذا املقصود مبا إذا أعطي
كفايته على الدوام.
ونوقش:بأن املقصود اإلغناء املقيد عن املسألة ،ال اإلغناء املطلق كما يف قوله :
(أغنوهم عن املسألة هذا اليوم )(.)5
)?(1أخرجه يف األموال(.)676
)?(2أخرجه البيهقى يف السنن الكربى .2/357
)?(3مصدر سابق.
)?(4أخرجه ابن أيب شيبة يف املصنف .403/ 2
)?(5رواه الدارقطين ،2/152وضعفه األلباين كما يف اإلرواء .3/332
تمويل المساكن من أموال الزكاة
21
معشارها ،ففرق بني الِغىن الذي ُيوجب إخراج الزكاة ،وبني ِغىن عدم االحتياج ،فقد
يكون الشخص مالكا للنصاب فتجب عليه الزكاة يف هذا النصاب ،وال مينع أن يكون
مستحقا للزكاة لعدم كفاية ما ميلك لدفع حاجته؛ لذلك ملا سئل مالك :هل يعطى من
الزكاة من له أربعون درمها؟ قال :نعم(.)1
وكان الشافعي يقول" :قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسبه ،وال يغنيه األلف
مع ضعفه يف نفسه وكثرة عياله"( ،)2مث عقب ابن عبد الرب على هذا بقوله" :وما ذهب إليه
مالك والشافعي-أي :من عدم التحديد-أوىل بالصواب"(.)3
ثانيا :أنه لو أعطي متام النصاب فإنه سينقص منه بأقل نفقة ينفقها ،فيصري فقريا
ثانيًة يف احلال ،وجيوز له أن يأخذ ما يكمل النصاب ،ودواليك ،وهذا ال يتماشى مع روح
الشرع ،اليت حترص على أال تعِّر ض الفقري لذل املسألة.
ثالثا :أن ظاهر قوله صلى اهلل عليه وسلم يف صدقة الفطر( :أغنوهم عن السؤال يف
ذلك اليوم) يدل على أن من مقاصد الصدقة دفَع احلاجة واإلغناء يف يوم وجوب صدقة
الفطر ،فتجب على وجه اإلغناء يف الزكاة السنوية ،ومعلوم أن تكميل النصاب أو إعطاَءه
كامال ال حيصل به متام دفع احلاجة ،وقد ال تندفع يف كثري من األحيان إال بأكثر من
النصاب.
الترجيح:
بعد النظر يف األقوال السابقة وأدلتها ،ترجح لدي القول األول ،وأن إعطاء الزكاة
ليس حمددا بقدر؛ وأن األظهر التفصيل حبسب أحوال الفقراء املستحقني للزكاة؛ وذلك
للوجوه اآلتية:
أوال :أنه ليس يف النصوص ما يدل على اشرتاط أن يكون العطاء مقيدا بسنة أو
بنصاب أو تكميل النصاب ،بل كلها مطلقة فيما حيصل به اإلغناء والكفاية ،وغاية ما
)?(1التمهيد .4/98
)?(2مصدر سابق .4/104
)?(3مصدر سابق 4/119
تمويل المساكن من أموال الزكاة
23
ورد أنه صلى اهلل عليه وسلم كان يدخر ألهله قوت سنة ،وليس يف هذا النص املنع من
إعطاء الفقري ما يسُّده ألكثر من سنة.
ثانيا :أن يف إعطائه الكفاية على الدوام موافقًة ملقاصد الشرع ،وهذا ما فهمه مجع
من الصحابة رضي اهلل عنهم كما تقدم ،قال أبو عبيد بعد ما ساق تلك الطائفة من اآلثار
عن الصحابة رضي اهلل عنهم:
"فكل هذه اآلثار دليل على أن مبلغ ما يعطاه أهل احلاجة من الزكاة ليس له وقت
حمظور على املسلمني أال يعدوه إىل غريه ،وإن مل يكن املعطى غارما ،بل فيه احملبة والفضل
إذا كان ذلك على جهة النظر من املعطي بال حماباة وال إيثار هوى؛ كرجل رأى أهل
بيت من صاحلي املسلمني أهل فقر ومسكنة وهو ذو مال كثري ،وال منزل هلؤالء ُيئويهم
ويسرت خلتهم ،فاشرتى من زكاة ماله مسكنا ُيِكِّنهم من َك َلب الشتاء وحر الشمس ،أو
كانوا عراة ال كسوة هلم ،فكساهم ما يسرت عوراهتم يف صالهتم ،ويقيهم من احلر والربد،
أو رأى مملوكا عند مليك سوء قد اضطهده وأساء ملكته ،فاستنقذه من ِر ِّق بأن يشرتيه
فيعتقه ،أو مر به ابن سبيل بعيد الشقة نائي الدار ،قد انقطع به ،فحمله إىل وطنه وأهله
ِبِكراٍء أو شراء.
هذه اخلالل وما أشبهها اليت ال ُتنال إال باألموال الكثرية ،فلم تسمح نفس الفاعل
أن جيعلها نافلة ،فجعلها من زكاة ماله ،أما يكون هذا مؤديا للفرض؟ بلى ،مث يكون إن
شاء حمسنا ،وإين خلائف على من َص ّد مثله عن فعله؛ ألنه ال جيود بالتطوع ،وهذا مينعه
بفتياه من الفريضة ،فتضيع احلقوق ويعطب أهلها" (.)1
ثالثا :أن قوله صلى اهلل عليه وسلم( :حىت يصيب قواما من عيش) مطلق ،يراد منه
حتقيق غاية من الصدقات ،وهي أن يصيب من الصدقة ما يغنيه ،وهذا قد يكون يف إعطائه
ما يكفيه سنة أو سنتني أو أكثر أو أقل حبسب حاجته.
فاألقرب عدم التحديد بسنة أو نصاب ،وأن يف املسألة تفصيال حبسب حال الفقري
على النحو اآليت:
)?(1األموال (.)678
تمويل المساكن من أموال الزكاة
24
أوال :الفقري الذي يقوى على التكسب ال يعطى أكثر من زكاة احلول؛ وذلك أنه
يغلب على الظن ارتفاع وصف الفقر عنه يف خالل ذلك العام ،وذلك بالتكسب
واالمتهان واحلرفة.
ثانيا :الفقري الذي يغلب على الظن أنه ال ميكنه التكسب وعدم حتصيل الكفاية
كل حول من الزكاة ،فهذا يعطى كفايته على الدوام ،بشرط بقاء اتصافه بصفة الفقر،
فإذا ارتفع عنه هذا الوصف ُمنع من أخذ الزكاة فيما يستقبل ،وال يلزمه أن يرَّد ما أخذه.
ثالثا :أنه ينبغي يف حال إعطاء الفقري مراعاة بقية الفقراء املستحقني يف نفس البلد،
فال يؤدي إعطاؤه الكفاية إىل حرمان اآلخرين ،ففي هذه احلال ينبغي أال يعطى أكثر من
زكاة سنة ،ويقتصر عليها.
واهلل تعاىل أعلم.
***
تمويل المساكن من أموال الزكاة
25
)?(1فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء -فتوى رقم ( ،)4836وفتاوى نور على الدرب للشيخ
العثيمني.
)?(2احمللى ،6/156واألموال ( ،)678وجملة اقتصاد العامل اإلسالمي-العدد ،1816فتاوى الشيخ ابن جربين(
،)12405والندوة الفقهية األوىل جملمع الفقه يف قضايا الزكاة بالبحرين ،وفتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالكويت
-ج ،1فتوى رقم . 194
تمويل المساكن من أموال الزكاة
26
منه مبثابة توكيل دافع الزكاة-سواء كان املالك أو نائبه من مؤسسة وحنوه -يف هذا
التصرف ،وهو من التصرفات اليت يقتضيها ملكه للمال بعد قبضه ،وهذا أكمل األحوال.
ثانيا :بناء على ما تقدم يف األصلني السابقني ،مع ما تقدم من كالم الفقهاء يف أنه
ليس املقصود من اشرتاط التمليك متليك النقد ،بل املعىن أوسع من ذلك ،فيشمل متليك
األعيان ،فاألظهر جواز بناء أو شراء مساكن للفقري أو املسكني؛ حيث كان هذا هو
املتوافق مع مقاصد الشرع يف إخراج الزكاة ،فإن من أشد احلاجات اليت حيتاجها الفقري
حاجته إىل السكن الذي هو من ضروريات احلياة ،وأن إخراج الزكاة على هذه احلال مما
ال خيرج عن مدلول النص ،ومقاصد الشرع ،إال أن هذا جيب أن يقيد بالضوابط اآلتية(:)1
-1حتقق مصلحة راجحة ومنفعة أكيدة يف صرف الزكاة على هذه الصورة،
وذلك بأن يكون إخراجها على هذا النحو من أهم حاجيات املستحق للزكاة.
-2وجوب املواءمة بني احلاجات العاجلة وغريها ،فإذا كان هناك حاجة لدى
آخرين لسّد جوعتهم ،أو لسرت عوراهتم ،أو لعالجهم من مرض يتهددهم ،فإنه ال بد من
إعطاء هذه احلاجات احلق يف التقدمي على غريها.
-3أال يؤثر ذلك يف احلاجات األساسية لبقية املستحقني ،فال يسوغ صرف أموال
الزكاة يف بناء املساكن وهناك من يتضور جوعًا أو ميشي عاريًا!! فإن ُو جد من له حاجة
أشد فإنه ُيكتفى باالستئجار للفقري لتلبية حاجة بقية الفقراء.
-4أال يكون للفقري دخل شهري ميكِّنه من استئجار مسكن ،فإذا وجد ما ميكنه
أن يستأجر به شهريا ،مل تتعني املصلحة يف بناء أو شراء مسكن له ،وحينئذ القول باملنع
من هذا التصرف أوجه وأقوى.
-4أن يكون البناء مبا يكفي لسد حاجة الفقري الذي سيتملكه ،من غري إسراف
وال زيادة.
)?(1استفيدت هذه الضوابط من مجلة من الباحثني عند تعقيبهم على هذا املوضوع ،كالشيخ يوسف الشبيلي،
والشيخ صاحل بن حممد الفوزان ،وغريهم .
تمويل المساكن من أموال الزكاة
27
-5أن تتوىل اجلمعيات واهليئات املختصة بشؤون الزكاة تنفيذ هذا األمر ،وأال
يرتك للفقراء أنفسهم؛ ألن اجلمعيات واهليئات متلك خربات جيدة يف جودة التنفيذ وقلة
التكاليف ،اليت لو أعطيت للفقراء مباشرة ألضاعوها وما استطاعوها إال بكلفة كبرية.
-6فيما إذا كان ا خِر ُج للزكاة على هذا النحو مؤسسًة أو مجعيًة وحنَو ه ،فإنه
ُمل
يشرتط أن تعلن أن هذه األموال زكوية حىت ال متتد إليها أيدي غري املستحقني(.)1
تنبيه:
هذه الصورة املذكورة مقيدة بكون بناء أو شراء املسكن إمنا هو مسكن املثل
للفقري أو املسكني ،فيتصور يف شراء بعض الشقق املتواضعة ،أو بناء عمارة تشتمل على
)?(1وقد ذكر بعض املعاصرين من القيود والضوابط ما مل أره مناسبا ،ومنه اآليت:
-1أن يكون صرف املال يف بناء املسكن أو شرائه من قبل اجلهات الرمسية املخولة من اإلمام وليس من
قبل املزكي ،إذ إن الواجب على املزكي املبادرة بإخراج الزكاة ،وليس له تأخريها لشراء املسكن أو بنائه.
وهذا ال حاجة له ،ويكتفى عنه بأن يقال للمزكي-املالك األصلي" :-ال جيوز لك تأخري إخراج الزكاة،
فإذا وجبت وجب عليك املبادرة بإخراجها"؛ ألن مقتضى الشرط املذكور إجياب توكيل املزكي من خيرج له
زكاته ،وهذا إلزام بغري دليل من الشرع .
-2أن تتابع اجلهة اخلريية مالك املسكن ،فإذا اغتىن هو أو ورثته ،وصار له من الدخل ما ميكنه من توفري
حاجاته األساسية مع أجرة املسكن فإنه خُي رج من املسكن وُيعطى لفقري آخر.
وهذا ال يسلم ألن مقتضى إعطاء الزكاة للفقري أن ميلكها ،فإذا خرجت من ملك املالك أو من ينوب عنه
من مؤسسة وغريه ،فإنه ال ميلك أن يقول للفقريَ :أرجْع ما أخذته حال فقرك!! شأنه شأن أي فقري يأخذ من الزكاة
مث يغنيه اهلل ،وعنده بقية من أموال الزكاة ،فهل يقال له :أرجع ما تبقى؟!!ومن املعلوم أنه ما من فقري إال وحيتمل
أن يغتين هببة أو إرث أو جتارة وحنوه ،ومل يرد يف الشرع ما يشري إىل أن الفقري يرُّد ما أخذ أو ما تبقى إذا اغتىن.
-3أن ُيشرط على الفقري عدم إخراج العقار من ملكه ببيع وحنوه؛ ألن ذلك يدل على عدم حاجته أو
نقص تدبريه ورشده ،وميكن أن ينص يف صكوك هذه املساكن على ملكية اجلهة اخلريية هلا لئال يتمكن الفقري من
التصرف الناقل للملكية.
وهذا أغرب مما سبق ،إذ كيف نقول :إن الفقري ميلك الزكاة مبقتضى النص ،مث نشرتط عليه أن اجلهة
اخلريية النائبة عن املالك يبقى ملكها على املال ،وما عالقة اجلهة اخلريية باملال اليت نابت عن مالكه يف إخراجه ،حىت
جتعل نفسها وصَّيًة عليه العمر كله؟!! إن إخراج الزكاة للفقري ،سواء كان عينا أو نقدا يعين ملكه التام له ،وقد
قبضه مبقتضى الشرع ،فال جيوز ألحد أن يقيد هذا امللك الذي هو من قبل الشارع إال بدليل من الشارع ،وأين
دليل هذا من الكتاب أو السنة؟!وغاية فعل املؤسسة يف هذا أن تنوب عن الغين يف إيصال الزكاة إىل أهلها.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
28
عدد من الشقق املناسبة لفقٍري ،حباجة إىل مسكٍن يقيه حَّر الشمس وبرَد الشتاء ،ويقيه
احلاجة السنوية لسداد أجرة السكن اليت تتزايد عاما عن عام ،مث جْع ل هذه العمارة زكاًة،
وخيرج الغين من ملكها ،ليتملكها املستحقون للزكاة.
المبحث الثاني:
الصورة الثانية :إخراج الزكاة للفقير بتمليكه منفعة المسكن.
تصوير المسألة:
أن يقوم الغين بشراء أو بناء مسكن ،مث جيعل منفعة سكناه للفقري ،وتكون القيمة املالية
هلذه املنفعة هي ما جيب عليه من زكاة سنوية.
المطلب األول :إذا كان املسكن ُمشرتى بأموال ليست زكوية ،وفيه فرعان:
الفرع األول :التكييف الفقهي هلذه الصورة.
للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أنه ميكن خترجيها على مسألة
إخراج الزكاة منافع ،والكالم يف هذه املسألة يدور على حمور رئيس ،وهو مالية املنافع ،وقد
اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على قولني:
القول األول :أن املنافع أموال ،وهو قول اجلمهور من املالكية والشافعية
واحلنابلة(.)1
)?(1انظر :حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ،3/442ومغين احملتاج ،2/286وكشاف القناع ،122 ،4/80
وقواعد ابن رجب ،224 ،223واحمللى .9/15
تمويل المساكن من أموال الزكاة
29
القول الثاني :أن املنافع ليست أمواال ،وهو املشهور من مذهب احلنفية(.)1
ومنشأ اخلالف يف هذه املسألة هو اخلالف املشهور بني اجلمهور واحلنفية يف تعريف
املال ،وهو كاآليت:
عرف احلنفية املال بأنه" :ما مييل إليه الطبع ،وجيري فيه البذل واملنع ،وميكن ادخاره
لوقت احلاجة"(.)2
فالبد للمال عندهم من أن يشتمل على ثالثة عناصر ،وهي:
-أن يكون الشيء منتفعًا به عرفًا ،بأن مييل إليه طبع الناس ،فال تعافه النفوس،
كامليتة واألشياء الفاسدة.
-أن يكون للشيء قيمة مادية بني الناس ،مما جيري فيه التصرف والبذل واملنع
متول
والشح ،خبالف ما ال جيري فيه ذلك؛ حلقارته أو لقلته ،فال ُيعّد عندهم ماًال؛ لعدم ّ
الناس له.
االدخار لوقت احلاجة،عينا مادية موجودة زمانني فأكثر ،حىت يقبل ّ -أن يكون ً
خبالف املنافع واحلقوق.
أما اجلمهور فتوسعوا جدا يف تعريف املال.
فعرفه املالكية بأنه" :ما يقع عليه امللك ،ويستبد به المالك عن غريه إذا أخذه من
وجه"(.)3
أو" :هو ما متتد إليه األطماع ،ويصلح عادة وشرعا لالنتفاع"(.)4
)?(1البحر الرائق ،5/277ورد احملتار على الدر املختار ،4/501واألشباه والنظائر البن جنيم ( ،)351وأصول
السرخسي ،1/56المبسوط .79 ،11/78
)?(2حاشية ابن عابدين ،4/501والبحر الرائق .5/277
)?(3املوافقات . 10 / 2
)?(4أحكام القرآن البن العريب . 607 / 2
تمويل المساكن من أموال الزكاة
30
وعند الشافعية" :ما كان منتفعا به-أي مستعدا ألن ينتفع به -وهو أعيان أو
منافع"(.)1
وقال الشافعي" :ال يقع اسم املال إال على ما له قيمة يباع هبا ،وتلزم متلفه ،وإن
قلت ،وما ال يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك"(.)2
وعرفه احلنابلة بأنه" :ما يباح نفعه مطلقًا ،أي يف كل األحوال ،أو يباح اقتناؤه بال
حاجة"(.)3
عتد هبا شرعًا ،حبيث ُتقاَبل،
فاملال يف اجلملة عند اجلمهور :ما فيه منفعة مقصودة يُ ّ
مبتمَّو ل عرفًا ،يف حال االختيار.
وهو ما اشتمل على اآليت:
عرفا ،خبالف ما ال قيمة له ،وال متتد إليه األطماع؛ فال يُعّد ماالً،
-1قيمة مادية ً
كحبة قمح وحنوه.
حرم
-2أن تكون فيه منفعة مقصودة ،خبالف ما ال منفعة فيه أصًال كاحلشرات ،وما ّ
الشرع منفعته كاخلمر ،وما أُبيح االنتفاع به يف حال الضرورة أو احلاجة؛ كَد فع
عد ماالً عندهم. خبمر ،أو اقتناء الكلب للصيد ،فكل ذلك ال يُ ّ املضطر غصَّة لقمٍة ٍ
-3أن يكون الشيء مما يباح االنتفاع به شرعًا حالَ السعة واالختيار ،خبالف ما ال
يكون كذلك ،فال ُيعّد ماًال؛ كاألصنام واخلمر وآالت املعازف وكتب السحر
والشعوذة.
وبناء على هذا اخلالف يف تعريف املال ،فإننا نجد أن اجلمهور اتفقوا يف اجلملة على
أن املال هو كل ما ميكن أن ينتفع به ،سواء كان قليال أو كثريا ،وسواء كان مما ميكن
ادخاره أو ال ميكن ادخاره.
خبالف احلنفية الذين تفردوا يف تعريف املال بكون املال ما ميكن ادخاره ،أما ما ال
ميكن ادخاره مطلقا ،فال يدخل يف تعريف املال عندهم.
فاملنافع هبذا التوجه ليست أمواًال ألمور:
-1أن صفة املالّية للّش يء إمّن ا تثبت بالّتمول ,والّتمول يعين صيانة الّش يء واّدخاره
لوقت احلاجة ,واملنافع ال تبقى زمانني ,لكوهنا أعراضًا ,فكّلما خترج من حّيز العدم إىل
حّيز الوجود تتالشى ,فال يتصّو ر فيها الّتمول(.)1
متقومة يف نفسها؛ ألن التقوم -بمعىن كون الشيء له قيمة مادية -2أن املنافع غري ِّ
بني الناس -ال يسبق وجوده؛ إذ املعدوم ال قيمة له ،وليس بشيء ،فال يوصف بأنه متقِّو م،
واإلحراز بعد الوجود ال يتحقق فيما ال
ُ كما أن التقوم بعد الوجود ال يسبق اإلحراز،
يبقى زمانني كاملنافع ،فال تعد متقّو مةً.
وتضمن بمثلها أو -3أن املنافع ليست كاألعيان ،فالعني تبقى وَتقوم بنفسها ُ
بقيمتها ،واملنفعة ال تبقى وال تقوم إال بالعني وال ُتضمن بمنافع مثلها عند اإلتالف.
وقد طرد احلنفية هذا احلكم بشكل واضح وصريح يف مسألتنا ،فلو أعطى داره لفقري
يعد املؤجر أجرتها عن هذه السنة من زكاة مستحق للزكاة ليسكنها سنة مثال ،على أن َّ
ماله ،مل جيز عند احلنفية ،وقد نص بعضهم على ذلك.
جاء يف كشف األسرار( :حىت لو أسكن الفقري داره سنة بنية الزكاة ال جيزيه؛ ألن
املنفعة ليست بعني متقومة ،وكذا لو أباحه طعاما بنية الزكاة فأكله الفقري ،ال جيزيه عن
الزكاة؛ ألنه أكل مال الغري ،وبه ال حيصل الغنى) (.)2
بينما جند أن مذهب اجلمهور كون املنافع أموالا ،وليس بالزم يف املال أن حيرز
وحياز بنفسه ،بل يكفي أن حياز حبيازة أصله ومصدره ،وال شك أن املنافع حتاز حبيازة
حماهلا ومصادرها ،فإن من حيوز سيارة مينع غريه أن ينتفع هبا إال بإذنه وهكذا ،ويؤيد هذا
القول اآليت:
)?(1البحر الرائق ،5/277ورد احملتار على الدر املختار .4/501
)?(2كشف األسرار.1/308
تمويل المساكن من أموال الزكاة
32
-1أن األعيان ال تقصد لذاهتا ,بل ملنافعها ,وعلى ذلك أعراف الّناس ومعامالهتم،
فال يعهد أن يقدم شخص على شراء سيارة ال متشي ،أو قلم ال يكتب ،مما يدل على أن
املنفعة هي املقصودة من العقد ،وال يقدم على شراء ما ال ينفع إال سفيه.
-2أن الشرع حكم بمالية املنفعة ،وقَّو مها كما يف عقد اإلجارة ،وكما أجاز جعل
املنفعة مهرًا جيري االعتياض عليه يف عقد النكاح ،فجعل عمل موسى عليه الصالة
والسالم –وهو منفعة قطعا -مهرا البنتهَ( :قاَل ِإِّني ُأِر يُد َأْن ُأنِكَح َك ِإْح َدى اْبَنَتَّي َهاَتْيِن
َع َلى َأن َتْأُج َر ِني َثَم اِنَي ِح َج ٍج) القصص .27
-3أن يف عدم اعتبارها أمواًال تضييعًا حلقوق الّناس ،وإغراًء للّظلمة يف االعتداء على
منافع األعيان اّليت ميلكها غريهم ,ويف ذلك من الفساد واجلور ما يناقض مقاصد الّش ريعة
وعدالتها.
-4أنه مما ال خالف فيه أن العقد يرد على املنفعة ،وتصري به مضمونة ،سواء أكان
صحيحا أم فاسدًا ،وضمان املنفعة دليل على صريورهتا مالًا بالعقد عليها ،مع أن ً العقد
العقد ال جيعل ما ليس بمال ماًال ،مثلما ال جيعل العقد ما ليس مبتقوم -كاخلمر -متقوما،
مما يدل على أن املنافع أموال متقّو مة بذاهتا ،سواء أورد عليها العقد أم مل َيِرد.
الترجيح:
بعد النظر يف القولني السابقني ،وما ذكر من تعليالت تدعم القولني ،يرتجح قول
اجلمهور ،القائل مبالية املنافع ،وكونه تصلح مثنا وأجرة؛ ألنه املتفق مع عرف الناس
ومعامالهتم ،فهم ال يبتغون الأعيان إال طلبا ملنافعها ،وألجلها يستعيضوهنا بالنفيس من
أمواهلم ،وما ال منفعة له ال رغبة فيه وال طلب له ،وإذا طلب ُعَّد طالبُه من احلمقى
والسفهاء ،ورمبا حجر عليه.
ومما يزيد هذا القول قوة ما ذكره الفقهاء فيما يتعلق مبالية املنافع ،من ذلك:
-ضمان املنافع :فتضمن املنافع باإلتالف والغصب مطلقا عند اجلمهور ،وال تضمن
إال بالعقد أو ما يشبهه عند احلنفية.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
33
-جعل املنافع صداقا :فيجوز أن تكون املنفعة مهرا عند اجلمهور ،وكذلك عند
احلنفية؛ ألن املنافع هنا يف عقد.
-إرث املنافع :فتورث املنافع عند اجلمهور ،خالفا للحنفية.
-رهن املنفعة :فيجوز يف قول للمالكية رهن املنفعة ،وهذا متحقق يف املنافع
واألعيان.
-الوصية باملنفعة :فقد اتفق الفقهاء على جواز الوصية باملنافع ،كما تجوز الوصية
باألعيان.
-وقف املنفعة :فيجوز عند املالكية وقف املنفعة ،كما جيوز وقف األعيان(.)1
-صحة كون املنفعة مثنا :فباإلضافة إلى ما قرره مجهور الفقهاء من أن املنفعة مال،
فإنه صفة املالية هذه تنضم إليها صفة أخرى ،وهي الثمنية ،فاملنفعة تصح مثنًا ،وقد صرح
بذلك ابن قدامة بقوله " :كل ما جاز مثنا يف البيع جاز عوضا يف اإلجارة ،ويجوز أن
تكون املنفعة عوضا يف اإلجارة ،أي تكون مقابًال عن منفعة أخرى"(.)2
كما يدعم هذا االختيار قول من أجاز إخراج الزكاة بالقيمة من الفقهاء ،كما هو
اختيار احلنفية ورواية عند احلنابلة( ،)3ولشيخ اإلسالم تفصيل يف هذه املسالة ،فقد سئل
رمحه اهلل عمن أخرج القيمة يف الزكاة؟
فأجاب" :وأما إخراج القيمة يف الزكاة والكفارة وحنو ذلك ،فاملعروف من مذهب
مالك والشافعي أنه ال جيوز ،وعند أيب حنيفة جيوز ،وأمحد رمحه اهلل قد منع القيمة يف
مواضع ،وجوزها يف مواضع ،فمن أصحابه من أقر النص ،ومنهم من جعلها على روايتني.
واألظهر يف هذا أن إخراج القيمة لغري حاجة وال مصلحة راجحة ممنوع منه؛ وهلذا
قدر النيب صلى اهلل عليه وسلم اجلربان بشاتني أو عشرين درمها ،ومل يعدل إىل القيمة،
وألنه مىت جوز إخراج القيمة مطلقا فقد يعدل املالك إىل أنواع رديئة ،وقد يقع يف التقومي
ضرر ،وألن الزكاة مبناها على املواساة ،وهذا معترب يف قدر املال وجنسه.
وأما إخراج القيمة للحاجة أو املصلحة أو العدل ،فال بأس به ،مثل أن يبيع مثر
بستانه ،أو زرعه بدراهم ،فهنا إخراج عشر الدراهم جيزيه ،وال يكلف أن يشرتي مثرًا أو
حنطة ،إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه ،وقد نص أمحد على جواز ذلك.
ومثل أن جيب عليه شاة يف مخس من اإلبل ،وليس عنده من يبيعه شاة ،فإخراج
القيمة هنا كاف ،وال يكلف السفر إىل مدينة أخرى ليشرتي شاة.
ومثل أن يكون املستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة ،لكوهنا أنفع ،فيعطيهم إياها،
أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء ،كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول ألهل
اليمن " :أنتوين خبميس أو لبيس أسهل عليكم ،وخري ملن يف املدينة من املهاجرين
واألنصار "(.)1
***
البحث.
أن تكون املنفعة معلومة منضبطة جنسا وقدرا وصفة حبيث ال خيتلف فيها. -5
أن ال تكون املنفعة ذريعة موصلة إىل ما هو حمرم شرعا ،فاملنفعة اليت يصح دفعها -6
بدلا عن الزكاة هي اليت تكون عملا جائزا يف ذاته؛ فيُمنع الطبيب من إجراء عملية
جتميلية لفقري ،واعتبار املنفعة بدلا عن الزكاة.
أن ال تكون املنفعة مبذولة باجملان من جهات أخرى ،كالعالج احلكومي ،والتعليم، -7
وما أشبه ذلك.
أن تكون املنفعة من احلاجات األساسية ،ال من الكماليات. -8
املخرجة زكاةً بقيمتها احلقيقية يف السوق (.)1
أن تقدر املنفعة َ -9
تنبيه :بالرغم من كون هذا القول يستلزمه احلكم مبالية املنافع ،الذي تقدم تقريره ،فإنه
يعكر عليه ويضعفه اآليت:
أوال :باعتبار أن الفقري ضعيف ،فقد حيمله ضعفه على قبول ما ال يرتضيه من
بعض املنافع ،خشية أن تضيع عليه سائر الزكاة حىت ولو كانت تلك املنفعة مما ال حيتاجه،
فريضى بضياع بعضه أفضل من ضياع كله.
ثانيا :أن الغالب على الغين الذي يريد إخراج زكاة ماله يف صورة منفعة ُتقَّو م
بقدر ما وجب عليه من زكاة ،الغالب عليه أنه يراعي حظ نفسه ،ورمبا محله ذلك على
عدم تقومي تلك املنفعة التقومي املماثل ،أو رمبا قَّدم منفعة أشبه بالسلعة البائرة عنده.
لذا فاألوىل عدم التوسع يف األخذ هبذا القول ،إال يف أضيق األحوال ،وبتوفر
الشروط كاملة ،مع مراعاة أن إخراج املنفعة زكاة يف هذه احلال يكون أشبه خبطوة
االختصار ،فبدال من أن نعطي الفقري عشرة آالف مثال زكاة ،يريد أن يسكن هبا ،خنتصر
اإلعطاء بتوفري مسكن له يرتضيه ،يستويف منه حَّقه يف الزكاة بسكناه ،ويكون اإلعطاء هنا
)?(1انظر :حبث :دفع املنافع يف الزكاة ،للدكتور يوسف حسن الشراح ،وحبث :حكم إخراج املنفعة بدال عن زكاة
املال الدكتور أمحد احلجي الكردي ،ضمن الندوة الثامنة عشرة لقضايا الزكاة املعاصرة.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
37
منفعة تساوي عشرة اآلالف ،فال فرق بني أن يأخذ العشرة ليدفعها يف السكن ،وبني أن
يسكن مباشرة ،هذا ما أردته جبواز إخراج املنفعة زكاًة ،واهلل أعلم.
المطلب الثاني :إذا كان المسكن ُمشترى بأموال زكوية.
الفرع األول :التكييف الفقهي
للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها جند أهنا ميكن خترجيها على مسألة
استثمار أموال الزكاة ،وهلا حاالن:
الحال األولى :استثمار أموال الزكاة من قبل املالك.
الحال الثانية :استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو نائبه.
***
الحال األولى :استثمار أموال الزكاة من قبل المالك.
أوال :اتفق العلماء على جواز االستثمار إذا حصل من مستحقي الزكاة بعد
قبضها؛ ألن الزكاة إذا وصلت أيديهم أصبحت مملوكة ملكا تاما هلم ،فيجوز هلم
التصرف فيها كتصرف املالك يف أمالكهم ،كسائر التصرفات اجلائزة شرعا.
وعلى هذا جرت عبارات الفقهاء.
جاء يف الفروع وكشاف القناع" :فاملذهب أن من أخذ بسبب يستقر األخذ به
صَرَفه
وهو الفقر واملسكنة والعمالة والتأليف صرفه فيما شاء كسائر ماله ،وإن مل يستقر َ
فيما أخذه له خاصة ،لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه ,وإمنا ميلكه مراعى ،فإن صرفه
تمويل المساكن من أموال الزكاة
38
يف اجلهة اليت استحق األخذ هبا ،و إال اسرتجع منه كالذي يأخذه املكاتب والغارم
والغازي وابن السبيل"(.)1
وقال النووي" :قال أصحابنا جيوز للغارم أن يتجر فيما قبض من سهم الزكاة ،إذا
مل يف بالدين ليبلغ قدر الدين بالتنمية"(.)2
وقالوا" :جيوز للعبد املكاتب أن يتجر فيما يأخذه من الزكاة طلبا للزيادة وحتصيل
الوفاء"(.)3
وهذا مع كون الشافعية يرون امللك يف األصناف األربعة األخرية يف اآلية مقيد
بالصرف يف تلك اجلهات ،إال أهنم أجازوا هلؤالء املستحقني استثمار أموال الزكاة اليت
وصلت إىل أيديهم ،وال شك أن من يأخذ حلظ نفسه أوىل هبذا اجلواز ممن يأخذ جلهة.
ثانيا :إذا كان االستثمار من غري مستحقي الزكاة ،وبعد وجوهبا قبل قبضها ،فهو
إما أن يكون من املالك ،أو نائبه.
)?(1الفروع ،2/618وكشاف القناع ،2/283واإلنصاف ،3/244ويف هذا الكالم ما يبنِّي موقف املؤسسات
اخلريية من األموال الزكوية اليت ينوبون يف توزيعها عن أرباهبا ،مث يقومون بإيصاهلا ملستحقيها ،وأنه مبجرد صرفها
للفقري الذي يأخذ حلظ نفسه فإنه ميتلكها ،وال جيب عليه رُّدها حىت يف حال غناه ،وأن هذا هو مقتضى الكتاب
والسنة .جاء يف جممع األهنر" :وال يلزم أن يتصدق مبا فضل يف يده عند قدرته على ماله كالفقري إذا استغىن"
،2/255وقال اللخمي" :ومن أخذ زكاة لفقره مل يردها إن استغىن قبل إنفاقها".مواهب اجلليل .289 / 6
فإن كان استثمار أموال الزكاة من قبل املالك ،فإن املال إذا وجبت فيه الزكاة،
باكتمال الشروط اليت أوجبها الشرع ،فإن مقتضى الوجوب املبادرة بإخراج الزكاة ،فإن أراد
استثمار أموال الزكاة ليعود بالنفع على الفقراء ،فإن هذا يستلزم تأخري إخراج الزكاة عن
وقتها ،وهو جيُّرنا إىل مسألة إخراج الزكاة ،هل هو على الفور أم على الرتاخي؟ وقد اختلف
أهل العلم يف هذه املسألة على قولني:
الق\\ول األول :أن الزكــاة واجبــة على الفــور ،وهــو م ـذهب احلنفية ،وعليه الفتــوى
واحلنابلة(.)1 عندهم ،واملالكية والشافعية
واستدلوا على ذلك مبا يلي:
أوال :مطلق األمر بالزكاة يف القرآن ،كقوله تعاىلَ { :و َأِقيُم وْا الَّصَالَة َو آُتوْا
الَّز َكاَة }البقرة ،43-وقولهَ { :و آُتوْا َح َّقُه َيْو َم َحَص اِدِه }األنعام.141-
واألمر املطلق يقتضي الفورية ،بدليل قولهَ { :قاَل َم ا َم َنَع َك َأَّال َتْس ُجَد ِإْذ َأَم ْر ُتَك
}األعراف ،12-فوخبه إذ مل يسجد حني أمر.
وعن أيب سعيد بن املعلى رضي اهلل عنه قال { :كنت أصلي يف املسجد ،فدعاين
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم أجبه ،مث أتيته فقلت :يا رسول اهلل ،إين كنت أصلي،
فقال :أمل يقل اهلل { :استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم }(.)2
فتبني أن خمالفة األمر املطلق بدعوى أنه للرتاخي مذموم شرعا ،كما هو مذموم
عقال؛ ولذلك فإن املخالف يستحق العقاب والتوبيخ.
وألنه لو جاز التأخر يف األمر املطلق جلاز إىل غري غاية ،وهو خمالف ملا وضع له
األمر(.)3
ثانيا :حديث عقبة بن احلارث رضي اهلل عنه قال" :صلى النيب صلى اهلل عليه
وسلم العصر فأسرع ،مث دخل البيت ،فلم يلبث أن خرج ،فقلت أو قيل له ،فقال:
( كنت خلفت يف البيت تربا من الصدقة ،فكرهت أن أبيِّتَه فقسمته)(.)1
قال ابن بطال رمحه اهلل" :اخلري ينبغي أن يبادر به ،فإن اآلفات تعرض واملوانع متنع،
واملوت ال يؤمن ،والتسويف غري حممود"(.)2
وال شك أن املبادرة بإخراج الزكاة أبرأ الذمة ،وأقرب لطاعة اهلل اآلمر باملبادرة
إىل فعل اخلريات.
ثالثا :حديث عائشة رضي اهلل عنها مرفوعاَ ( :م ا َخ اَلَطْت الَّص َدَقُة َم ااًل َقُّط إاَّل
َأْه َلَك ْتُه ).
وللحميدي زيادة ( :يكون قد وجب عليك يف مالك صدقة فال خترجها فيهلك
احلرام احلالل )(.)3
)?(3اختلف أهل العلم يف اقتضاء األمر للفورية ،فذهب اإلمام أمحد وأصحابه ،واملالكية ،وبعض الشافعية ،وبعض
احلنفية إىل أّن األمر يقتضي الفور ،وذهب الشافعية يف املشهور من مذهبهم ،واحلنفية إىل أن األمر يقتضي الرتاخي.
روضة الناظر ،1/202واإلحكام لآلمدي ،2/18واملسودة ( ،)20وإرشاد الفحول ،1/211ومطالب أوىل
النهى . 2/116
)?(1أخرجه البخاري (.)1340
امليزان عن أيب حامت :منكر احلديث ،مث عَّد من مناكريه هذا اخلرب .فيض القدير ،5/443وضعفه أيضا اهليثمي يف
اجملمع ،64 / 3واأللباين يف متام املنة.1/359
تمويل المساكن من أموال الزكاة
41
فاحلديث يدل على أن الرتاخي عن اإلخراج سبب إلتالف املال وهالكه ،وهو
يدل على وجوب املبادرة بإخراج الزكاة وعدم جواز التأخر يف ذلك.
رابعا :أن حاجة الفقراء ناجزة ،فيجب أن يكون الوجوب على الفور(.)1
خامسا :أن الزكاة عبادة تتكرر يف كل عام ،فلم جيز تأخريها إىل وقت وجوب
مثلها ،كالصالة والصوم(.)2
القول الثاني :أن الزكاة جتب على الرتاخي ،وهو قول جلماعة من احلنفية ،اختاره
أبو بكر اجلصاص وغريه ،وقول عند احلنابلة(.)3
واستدلوا لذلك مبا يلي:
أوال :أن األمر بأداء الزكاة مطلق ،واألمر المطلق يقتضي الرتاخي ،فال يتعني
الزمن األول ألدائها دون غريه ،كما ال يتعني لذلك مكان دون مكان(.)4
المناقشة:
وقد نوقش هذا الوجه بعدم التسليم ،بل إن األمر املطلق يقتضي الفور على الراجح
من أقوال أهل العلم ،وذلك لوجوه ،منها:
-أن هذا هو املوافق ألمر اهلل باملسارعة واملسابقة إىل مغفرته وجنته.
-أن هذا هو الذي يقتضيه اللسان العريب الفصيح.
-أنه مقتضى املعقول ،فإنه البد لألمر ممن زمن حيصل فيه االمتثال ،وأوىل هذه
األزمنة الذي يعقب األمر ،ألنه يكون ممتثال يقينا ،وساملا من اخلطر قطعا(.)5
ثانيا :عدم ضمان من عليه زكاة إذا هلك نصابه بعد متام احلول والتمكن من
األداء ،ولو كانت واجبة على الفور لضمن(.)1
المناقشة:
نوقش هذا بأن عدم الضمان هبالك النصاب بعد وقت الوجوب هو حمل النزاع؛
ألن النزاع يف اقتضاء األمر للفورية وعدمها ،ويرتتب على هذا أن من قال بالفورية
ضَّم نه ،ومن قال بالرتاخي مل يضِّم نه ،فال يصلح االستدالل به؛ ألنه استدالل مبحل
النزاع(.)2
الترجيح:
الراجح ما ذهب إليه مجهور الفقهاء من أن الزكاة جتب على الفور لألوجه اآلتية:
أوال :أن هذا مقتضى القرآن اآلمر باالستباق إىل اخلريات ،واملسارعة يف مغفرة اهلل
وجناته ورضوانه ،وهذا يف األعمال املستحبة ،ففي الزكاة الواجبة من باب أوىل.
ثانيا :أنه القول الذي تقتضيه اللغة العربية الفصيحة ،واليت تؤكد كون األمر
يقتضي الفورية ،بدليل جواز املعاقبة والتوبيخ على التأخري يف امتثال األمر.
ثالثا :أنه املوافق للمعقول كما تقدم ،فالبد من زمن يقع فيه امتثال األمر ،وال
شك أن أول وقت عقيب األمر هو أوىل األزمنة.
وبالرغم من كون القول بوجوب فورية إخراج الزكاة ،إال أن القائلني هبذا القول
نصوا على مجلة من األعذار اليت تبيح تأخري إخراج الزكاة ،من ذلك اآليت:
-ترُّتب مضرة على رب املال يف حال ما إذا أخرجها فورا ،أو خيشى على نفسه
أو ماله ضررا ،لقوله صلى اهلل عليه وسلم( :ال ضرر وال ضرار) ،وألنه إذا جاز تأخري
قضاء دين اآلدمي لذلك ،فتأخري الزكاة أوىل.
-أن يكون يف تأخري إخراجها مصلحة ،كما لو أخرها لدفعها ملن هو أحق هبا،
كذي قرابة أو حاجة شديدة ،وهذا مشروط أيضا بكون التأخري يسريا ،وأال يتضرر
احلاضرون وتشتد فاقتهم ،فال جيوز التأخري إذن.
-عند الرتدد يف استحقاق احلاضرين ،فيؤخرها ليعرف األحق هبا.
-عند تعذر إخراجها فورا ،سواء لغيبة املستحق ،أو لغيبة املال ،أو لعدم القدرة
على التصرف يف املال ،لسرقته أو غصبه(.)1
الفرع الثاني :الحكم الشرعي لهذه الصورة.
بناء على ما تقدم من كون الواجب تعجيل إخراج الزكاة إذا حلت ،وتعلق حق الفقراء هبذا
املال ،فإن الراجح أن االستثمار إذا كان من املالك فإنه ال جيوز ،ملا يأيت:
أوال :ما فيه من تأخري إخراج الزكاة عن وقتها ،وعدم املبادرة بإخراج ما وجب
ملستحقيه.
ثانيا :أن االستثمار ليس من مجلة األعذار املذكورة آنفا ،فليس هو ضرورة وال
حاجة ،فال وجه للقول جبواز االستثناء إذا كان واقعا من املالك.
ثالثا :أن االستثمار إذا وقع من املالك يف األموال الزكوية ،فهو نوع تصرف فيما
ال ميلك ،حيث قد تعلق به حق الفقراء ،فاملالك يف هذه احلال أشبه باملوَدع ،فال حيق له
هذا التصرف لتعلق حق الغري به ،ولكونه على وشك اخلروج من ملكه ،أو هو بالفعل
خارج عن ملكه.
رابعا :أن االستثمار يف الغالب يستغرق وقتا طويال ،فيخرج باملال عما أراده
الشارع من نفع حاجة الفقري احلالة ،إىل حماولة لنفع فقراء فيما يستقبل ،مع كون أمرهم
موكوال إىل اهلل ،على أن من استثىن بعض األعذار اشرتط أن يكون التأخري يسريا ،وهذا
متعذر غالبا يف األعمال االستثمارية.
)?(1استثمار أموال الزكاة وما يف حكمها ( ،)78 ،77وانظر :هناية احملتاج ،3/136واملغين ،2/539وكشاف
القناع.2/256
تمويل المساكن من أموال الزكاة
44
وقد استحسن بعض أهل العلم استثناء ما إذا أذن الفقري للغين أن يستثمر له ما
وجب له من زكاة ،واألْو ىل أن يقبضها الفقري أوال خروجا من النزاع يف هذه املسألة ،إذ
القول بعدم جواز توكيل الفقري للغين يف االستثمار قبل القبض قول وجيه؛ وهو املشهور
من مذهب احلنابلة.
جاء يف املغين" :قال أمحد :ولو دفع إىل أحد زكاته مخسة دراهم ،فقبل أن يقبضها
اشرت هبا ما قال ،فضاع منه فعليه
اشرت يل هبا ثوبا أو طعاما ،فذهبت الدراهم ،أو ِ
منه قالِ :
أن يعطي مكاهنا؛ ألنه مل يقبضها منه ،ولو قبضها منه مث ردها إليه ،وقال :اشرت يل هبا
فضاعت أو ضاع ما اشرتى هبا فال ضمان عليه إذا مل يكن فرط".
قال ابن قدامة" :وإمنا قال ذلك ألن الزكاة ال ميلكها الفقري إال بقبضها ،فإذا وكله
يف الشراء هبا كان التوكيل فاسدا؛ ألنه وكله يف الشراء مبا ليس له"(.)1
ووجه هذا القول أن التوكيل فرع عن امللك ،واحلق الثابت يف مال الغين إمنا هو
للفقراء ،فلم يتعني لفالن بعينه حىت يقبَض ه ،فإذا قبضه َم َلكه ،أما قبل القبض فهو مال
مستَح ق ملن يوصف بالفقر ،وهذا مشاع يف األفراد ،فإذا وَّك ل فقٌري معٌني غنيا يف التصرف
يف مال الزكاة ،فقد وَّك ل فيما ال ميلك ،فيقع التوكيل فاسدا ،خبالف ما إذا قبض الزكاة
من الغين فقد ملكها ،فله احلق حينئذ أن يتصرف يف هذا املال تصرف املالك ،وله أن
يوكل فيه من شاء من الناس ،سواء نفس الغين الذي دفعها له ،أم غريه من الناس.
وعليه فاألوىل أن َيقبض الفقُري الزكاَة أَّو ًال من الغين ،مث إذا شاء وكله يف
استثمارها ،أما قبل القبض فليس له احلق يف ذلك ،واهلل تعاىل أعلم.
كما استحسن بعض أهل العلم استثمار أموال الزكاة إذا عزهلا املالك عن أمواله،
مث حال حائل دون إيصاهلا للمستحقني ،مع اشرتاطه على نفسه أن يضمن يف حال
اخلسارة(.)2
)?(1املغين (.)2/539
)?(2حبث استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
45
إال أن األوىل عدم ذلك -أيضا -ملا فيه من تعريض املال للخسارة ،ومن مث املطالبة
بالضمان ،وملا فيه من تصُّر ف من املالك فيما ال ميلك مما تعلق به حق الغري ،كما أنه ال
يظهر أثر يف احلكم ملسألة عزل مال الزكاة عن املال األصلي ،أو إبقاؤها معه ،فال وجه
لرتتيب اجلواز وعدمه على ذلك.
واهلل تعاىل أعلم.
***
تمويل المساكن من أموال الزكاة
46
)?(1وقد ذكر الدكتور صاحل بن حممد الفوزان يف كتابه :استثمار أموال الزكاة أدلة هذا من الكتاب والسنة وإمجاع
الصحابة ( )113وما بعدها ،فلرياجع.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
47
من العلم ــاء وجلان الفت ــوى يف الع ــامل اإلس ــالمي ،وبه ص ــدر ق ــرار جمم ــع الفق ــه اإلس ــالمي يف
دورته الثالثة(.)1
القول الثاني :حترمي استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه ،وجيب
املبادرة بإيصال األموال الزكوية إىل مستحقيها مبجرد الوجوب ،وممن ذهب إىل ذلك
الشيخ حممد العثيمني ،والدكتور وهبه الزحيلي ،والدكتور عبد اهلل علوان ،والدكتور
عيسى شقرة ،وبه صدر قرار اجملمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي يف
الدورة اخلامسة ،وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة(.)2
األدلة:
أدلة القائلين بجواز االستثمار:
استدل القائلون جبواز استثمار أموال الزكاة بأدلة كثرية ،ولعل أمهها اآليت:
أوال :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم واخللفاء الراشدين كانوا يستثمرون أموال
الصدقات من إبل وبقر وغنم ،فقد كان لتلك احليوانات أماكن خاصة للحفظ والرعي
والدر والنسل ،كما كان هلا رعاة يرعوهنا ويشرفون عليها.
)?(1جملة جممع الفقه اإلسالمي العدد ،1/421-3وأحباث وأعمال الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة (،)323
حبث" :آثار الزكاة يف األفراد واجملتمعات "للقرضاوي-منشور ضمن أعمال مؤمتر الزكاة األول عام 1984ص
،45فتوى فقيهة يف حبث" :توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق" للدكتور الفرفور-منشور يف جملة
الفقه اإلسالمي العدد الثالث ،1/358حبث" :توظيف أموال الزكاة يف مشاريع ذات ريع بال متليك فردي
للمستحق " للخياط-منشور يف جملة جممع الفقه اإلسالمي-العدد الثالث ،1/371والقرار بمجلة اجملمع-العدد
الثالث .309 /1
)?(2جملة جممع الفقه اإلسالمي ،العدد الثالث ،418-406-1/335وفتاوى اللجنة الدائمة ،9/454وحبث
استثمار أموال الزكاة-ضمن أحباث وأعمال الندوة الثالثة( ،)76واللقاء الشهري للشيخ العثيمني ،2/43وأحكام
الزكاة لعبد اهلل علوان( ،)96وحبث توظيف الزكاة يف مشاريع ذات ريع بال متليك فردي للمستحق جملة اجملمع
.1/335
تمويل المساكن من أموال الزكاة
48
ومما يؤيد هذا األمر قصة العرنيني يف الصحيحني ،وفيه ( :إن شئتم أن خترجوا إىل
فصحوا )(.)1
إبل الصدقة فتشربوا من ألباهنا وأبواهلا فافعلوا ُّ
فاحلديث يدل على أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يقسم إبل الصدقة على
املستحقني مبجرد وصوهلا ،بل جعلها يف املرعى تتناسل وتدر اللنب ،وهذا نوع من
االستثمار ،وإذنه صلى اهلل عليه وسلم للعرنيني يف شرب ألبان تلك اإلبل لكوهنم إذ ذاك
حمتاجني ،فهم من أهل الزكاة(.)2
ونظري ذلك ما أخرجه مالك يف املوطأ عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال:
"شرب عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه لبنا فأعجبه ،فسأل الذي سقاه من أين هذا اللنب؟
فأخربه أنه ورد على ماء قد مساه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون ،فحلبوا يل من
ألباهنا فجعلته يف سقائي ،فهو هذا! فأدخل عمر بن اخلطاب يده فاستقاءه(.)3
ويف املصنف أن عمر رضي اهلل عنه محى الَّر َبذة لَنَعم الصدقة(.)4
وهذان األثران وغريمها يدالن صرحيا على أن عمر رضي اهلل عنه مل يكن يبادر
بإخراج الصدقة بعد استالمها من أصحاهبا ،وكونه رضي اهلل عنه جيعل هلا حممى ومرعى
يعين أنه ينميها ويستثمرها.
المناقشة:
بأن ما ذكر إمنا كان جملرد حفظ احليوانات حلني توزيعها على املستحقني ال
لالستثمار ،وما حيصل من توالد وتناسل ودر لنب فهو طبيعي غري مقصود ،فال يدل هذا
على جواز إنشاء مشاريع إنتاجية طويلة األجل ،وإمنا يدل على جواز استثمار أموال
الزكاة يف إحدى املصارف اإلسالمية حلني توزعها أو توصيلها إىل املستحقني.
الجواب:
جياب عن ذلك بأن جمرد ترك إبل ونعم الصدقة عند اإلمام أو نائبه حىت تلد وتدر
اللنب يدل على أن األمر فيه سعة ،إذا ما قبضت الزكاة من أصحاهبا ،وأن مبدأ التنمية
واالستثمار غري مرفوض ،وليس يف نصوص الشرع ما يوجب على العاملني على الصدقة
حدا معينا ،أو زمنا معينا ال جيوز جتاوزه أو التأخر عنه ،وأن ذمة املزكي تربأ بذلك.
ثانيا :االستئناس باألحاديث اليت حتض على العمل واإلنتاج واستثمار ما عند
اإلنسان من مال وجهد ،حنو حديث عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن رجال من
األنصار أتى النيب صلى اهلل عليه وسلم يسأله ،فقال :أما يف بيتك شيء؟ قال :بلى ،حلس
نلبس بعضه ونبسط بعضه ،وقعب نشـرب فيه من املـاء قال :ائتين هبما قال :فأتاه هبما،
فأخذمها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيده وقال :من يشرتي هذين؟ قال رجل أنا
آخذمها بدرهم قال من يزيد على درهم مرتني أو ثالثا قال رجل أنا آخذمها بدرمهني
فأعطامها إياه وأخذ الدرمهني وأعطامها األنصاري وقال اشرت بأحدمها طعاما فانبذه إىل
أهلك واشرت باآلخر قدوما فأتين به فأتاه به فشد فيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عودا
بيده مث قال له اذهب فاحتطب وبع وال أرينك مخسة عشر يوما فذهب الرجل حيتطب
ويبيع ،فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشرتى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما ..احلديث(.)1
ووجه االستدالل :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أرشد هذا الفقري إىل ما يعود عليه
بالنفع العام ،وال شك أن الفقراء ومستحقي الزكاة أوىل هبذا املنهج النبوي ،وذلك برتشيد
أموال الزكاة لصاحلهم.
المناقشة:
يناقش هذا بأن هذا املبدأ عام يف األموال اململوكة ،واملستقرة عند مالكها،
والبحث يف أموال مل تصل إىل مستحقيها ،وامللك عليها ليس تاما ،سواء للمؤسسة أو
للمزكي ،فال ميكن إحلاق هذه بتلك.
)?(1أخرجه أبو داود()1398وابن ماجه( ،)2189واحلديث ضعفه األلباين كما يف ضعيف سنن أيب داود (
.)360
تمويل المساكن من أموال الزكاة
50
ثالثا :االستئناس بقول من توسع يف مصرف ( :في سبيل هللا ) وجعله شامال
لكل وجوه اخلري ،من بناء احلصون وعمارة املساجد وبناء املصانع ،وغري ذلك مما فيه
مصاحل للمسلمني ،فإذا جاز صرف الزكاة يف مجيع وجوه اخلري ،جاز صرفها يف إنشاء
املصانع واملشاريع ذات الريع اليت تعود بالنفع على املستحقني.
المناقشة:
نوقش هذا الدليل بأنه القول غري الصحيح يف تفسري اآلية ،واملختار عند املفسرين
والفقهاء واحملققني أن هذا املصرف يراد به اجلهاد يف سبيل اهلل ،ال مجيع وجوه اخلري(.)1
رابعا :القياس على استثمار املستحقني للزكاة بعد قبضها ودفعها إليهم ،فإذا جاز
استثمارها لتأمني كفايتهم وحتقيق إغنائهم جاز استثمارها من قبل الويل أو نائبه مبا يعود
عليهم بالريع الدائم ،مبا يفي حباجاهتم.
المناقشة:
نوقش هذا بأنه ال يصح؛ ألن استثمار مستحقي الزكاة بعد قبضها واقع من أهله،
والتملك حاصل هلم على أكمل وجه ،وال يتحقق ذلك الشرط يف إنفاق الزكاة يف
املشاريع االستثمارية من قبل الإمام.
الجواب:
جياب عن ذلك بأن حقيقة اإلمام أو نائبه كونه وكيال عن املستحقني كما تقدم،
فهو بقبضه الزكاة من أصحاهبا متلكها عن الفقراء املستحقني هلا ،فالدولة أو املؤسسة أو
من ينيبه اإلمام ينوب عن املستحقني ،ويتملك نيابة عنهم ،وإذا حصل التملك فقد وجد
ما يسِّو غ له استثمارها ،هذا على التسليم بأن التمليك شرط.
كما أن التمليك اجلماعي حاصل للمستحقني ،أو لبيت املال أو بيت الزكاة أو ملن
وتملك(.)2
ينيبه اإلمام ،وقد اعترب الفقهاء بيت املال شخصية اعتبارية أو حكمية متلك ُ
)?(2جملة جممع الفقه اإلسالمي العدد 1/372-3وما بعدها ،وحبث :استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري(
.)41
تمويل المساكن من أموال الزكاة
51
خامسا :القياس على جواز استثمار األوصياء على اليتامى يف أمواهلم ،وهو حمل
اتفاق بني أهل العلم ملا فيه من حفظ أمواهلم ،فإذا جاز استثمار أموال األيتام جاز استثمار
أموال الزكاة قبل دفعها إىل املستحقني؛ لتحقيق منافع هلم ،فهي ليست بأشد حرمة من
أموال األيتام(.)1
المناقشة:
يناقش هذا بأن أموال اليتامى مملوكة هلم على وجه التحقيق ،فلهم أو ألوصيائهم
أن يتصرفوا فيها تصرف املالك ،ببيع أو شراء أو استثمار ،خبالف أموال الزكاة إذا قبضها
اإلمام أو نائبه ،فامللك ليس متحققا فيها حىت يقوم باستثمارها ،والتملك شرط يف
التصرف؛ ألنه فرع عنه.
الجواب:
جياب عن هذا بأن اإلمام أو نائبه وكيل عن املستحقني ،فقبضه للزكاة كقبض
املستحقني متاما ،فإذا قبضها فكأن املستحقني قبضوها ،فكما أن ملستحقيها أن يستثمروها
فلإلمام أو نائبه أن يستثمرها ويتصرف فيها مبا يراه أصلح ،مبقتضى واليته الشرعية ،بل
إن والية اإلمام أو نائبه أقوى من والية الوصي على اليتيم ،وأوسع من حيث جواز
التصرف.
أدلة القائلين بعدم جواز االستثمار:
استدل القائلون بعدم جواز استثمار أموال الزكاة مبا يلي:
أوال :أن استثمار أموال الزكاة يؤدي إىل تأخري توصيل الزكاة إىل املستحقني ،إذ
إن إنفاقها يف تلك املشاريع يؤدي إىل انتظار األرباح املرتتبة عليها ،وهذا خمالف ملا عليه
مجهور العلماء من أن الزكاة جتب على الفور.
المناقشة:
نوقش هذا بأن الفورية تتعلق باملالك ال باإلمام ،فإذا وصلت الزكاة إىل يد اإلمام
أو نائبه حتققت الفورية ،وجاز له عند مجهور العلماء تأخري قسمتها.
واستدلوا لذلك مبا روى أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال" :غدوت إىل رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم بعبد اهلل بن أيب طلحة ليحنكه ،فوافيته يف يده امليسم يسم إبل
الصدقة"(.)1
فهــذا دليل على جواز بقــاء تلــك اإلبل وتــأخري قســمتها؛ ألهنا لــو عجلت الســتغىن
عن الوسم"(.)2
فالفورية إمنا ختص مالك املال فقط ،أما اإلمام أو نائبه فله أن يؤخر الزكاة مىت
وجد ما يسوغ ذلك من مصلحة أو عذر يف التأخري ،فإن اجتهد وأداه اجتهاده إىل أن
املصلحة يف تأخري الزكاة كان له ذلك ،وعلى هذا جرى كالم الفقهاء:
جاء يف مواهب اجلليل" :جيوز لإلمام تأخري الزكاة إىل احلول الثاين ،إذا أداه إليه
اجتهاده؛ ألن اإلمام وكيل املستحقني ،وهو مأمور بأن يتحرى املصلحة"(.)3
ويف اإلنصاف" :جيوز لإلمام والساعي تأخريها عند رهبا لعذر قحط أو حنوه"(.)4
ثانيا :إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إىل اخلسارة والضياع؛ ألن التجارة إما
ربح وإما خسارة.
المناقشة:
يناقش هذا بأن احتمال اخلسارة يف التجارة ال مينع االجتار باألموال ،ملا فيه من
تنمية املال وزيادته ،فينبغي أال يكون سببا يف املنع من االستثمار ،وقد تقدم مرارا أن
اإلمام أو نائبه وكيل عن املستحقني ،فيتصرف عنهم مبقتضى والية شرعية تؤهله هلذه
التصرفات ،شأنه شأن املالك األصلي إىل أن يقبض الفقري املال منه.
)?(1أخرجه البخاري ( ،)1406ومسلم (.)3955
)?(2فتح الباري ،4/109وانظر :استثمار أموال الزكاة لشبري.
)?(3مواهب اجلليل للحطاب .2/363
)?(4اإلنصاف .3/188
تمويل المساكن من أموال الزكاة
53
ثالثا :إن استثمار أموال الزكاة يعرضها إىل إنفاق أكثرها يف األعمال اإلدارية.
المناقشة:
يناقش هذا بأن اهلل تعاىل أوجب العمل يف الزكاة ،يف مجعها وإيصاهلا ملستحقيها،
وجعل للعاملني عليها أجرا ،وال ميكن القول بإسقاط هذا احلق الواجب بالقرآن بدعوى
أنه ينقص أموال الزكاة املستحقة للفقراء واملساكني.
الجواب:
جياب عن هذه املناقشة بأن سهم العاملني يف كتاب اهلل لضرورة متام العمل به ،وال
ضرورة يف استثمار أموال الزكاة ،فال يصح قياس ما يأخذه العاملون يف االستثمار على
العاملني يف الزكاة.
رابعا :إن استثمار أموال الزكاة يؤدي إىل عدم متلك األفراد هلا متليكًا فرديًا ،وهذا
خمالف ملا عليه مجهور الفقهاء من اشرتاط التمليك يف أداء الزكاة ،ألن اهلل تعاىل أضاف
الصدقات إىل املستحقني يف آية الصدقات بالم امللك.
المناقشة:
وقد تقدم الكالم على اشرتاط التمليك ،وأنه إذا كان اإلمام أو نائبه هو الذي أخذ
الزكاة ممن وجبت عليهم ،فإنه وكيل عن املستحقني يف قبضها ،وتصرفه فيها كتصرف
املالك املستحقني هلا.
خامسا :أن يد اإلمام أو من ينوب عنه على الزكاة يد أمانة ال ُّ
تصرف
واستثمار(.)1
المناقشة:
)?(1انظر :حبث استثمار أموال الزكاة حملمد عثمان شبري ،وحبث" :توظيف أموال الزكاة "للشيخ آدم شيخ عبد اهلل،
وجملة جممع الفقه اإلسالمي -عدد ،354 /1-3وملزيد من األدلة واملناقشات انظر :استثمار أموال الزكاة وما يف
حكمها للدكتور صاحل الفوزان (.)150-117
تمويل المساكن من أموال الزكاة
54
يناقش هذا بعدم التسليم ،فقد أجاز الفقهاء التصرف يف مال الزكاة لضرورة أو
حاجة؛ ولذا أجاز املالكية والشافعية واحلنابلة بيع الزكاة للضرورة(.)1
قال اخلرشي" :إذا قلنا بنقل الزكاة إىل البلد احملتاج واحتاجت إىل كراء يكون من
الفيء ..فإن مل يكن يف يفء أو كان وال أمكن نقلها ..فإهنا تباع يف بلد الوجوب،
ويشرتي بثمنها مثلها يف املوضع الذي تنقل إليها إن كان خريًا(.)2
وقال النووي" :ال جيوز لإلمام والساعي بيع شيء من مال الزكاة من غري ضرورة،
فإن وقعت الضرورة بأن يقف عليه بعض املاشية أو خاف هالكه ،أو كان يف الطريق
خطر ،أو احتاج إىل رد جربان أو إىل مؤونة النقل ،أو قبض بعض شاة وما أشبه جاز
البيع ضرورة(.)3
وق ــال ابن قدام ــة" :إذا أخ ــذها الس ــاعي فاحت ــاج إىل بيعه ــا ملص ــلحة من كلف ــة نقله ــا
وحنوه ــا فل ــه ذل ــك ملا روي قيس بن أيب ح ــازم أن النيب ص ــلى اهلل عليه وس ــلم رأى يف إبل
الص ــدقة ناق ــة كوم ــاء فس ــأل عنه ــا؟ فق ــال املص ــدق :إين ارجتعته ــا بإبل ،فالرجع ــة أن يبيعه ــا
ويشرتي بثمنها مثلها أو غريها(.)4
الترجيح:
بعد عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها اتضح اآليت:
أوال :وجود الفرق الكبري بني استثمار املال من قبل املالك األصلي ،وبني استثماره
من قبل اإلمام أو من ينيبه ،وأنه يف حال ما إذا كان املستثمر هو اإلمام أو نائبه ،فإن
احلكم خيتلف ،وأنه مبجرد قبضه املال من املزكي ،تسقط املطالبة عن املزكي بالفورية
(?) حبث استثمار أموال الزكاة لعيسى شقرة (. )70 1
)?(4املغين .2/674
تمويل المساكن من أموال الزكاة
55
حلصوهلا ،ويسقط الضمان عنه مبجرد ذلك ،ويف العصر احلديث تعترب املؤسسات الزكوية
أو اخلريية ا نَّص بة من قبل اإلمام نائبة عنه يف ذلك.
ُمل
وأن والية اإلمام والية شرعية تستلزم التصرف باملصلحة يف مواضع كثرية ،ويؤيد
ذلك ما يلي:
فعل عمر رضي اهلل عنه يف وقف األرض املفتوحة عنوة بقصد استثمارها وتأمني
مورد ثابت للدولة اإلسالمية ،فقد رأى عمر رضي اهلل عنه عدم تقسيم أراضي العراق
ومصر والشام بني الفاحتني وتركها يف أيدي أهلها من أهل الذمة يزرعوهنا خبراج معلوم.
وقال يف أهلها" :يكونون عّم ار األرض ،فهم أعلم هبا ،وأقوى عليها..مث قال:
فكيف مبن يأيت من املسلمني ،فيجدون األرض بعلوجها قد اقتسمت ،وورثت عن اآلباء،
وحيزت؟! ما هذا برأي"(.)1
فهذا تصرف من اإلمام باملصلحة.
وقال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه" :إين أنزلت نفسي من مال اهلل منزلة مال
اليتيم"(.)2
وهذا يستلزم التصرف مبقتضى هذه الوالية باملصلحة ،وعدم التشهي ،وعدم جمانبة
احلق.
وقال اإلمام مالك" :األمر عندنا يف قسم الصدقات أن ذلك ال يكون إال على
وجه االجتهاد من الوايل ،فأي األصناف كانت فيه احلاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر
ما يرى الوايل(.)3
وق ــال أبو عبيد" :الإم ــام خمري يف الص ــدقة يف التفري ــق فيهم مجيع ـًا ،ويف أن خيص هبا
بعضهم دون بعض إذا كان ذلك على وجه االجتهاد ،وجمانبة اهلوى وامليل عن احلق"(.)4
)?(1اخلراج (.)141
)?(2الطبقات الكربى .3/276
)?(3املوطأ .2/296
)?(4األموال (.)767
تمويل المساكن من أموال الزكاة
56
وق ــال احلاف ــظ" :لإلم ــام أن خيص مبنفع ــة م ــال الزك ــاة دون الرقب ــة ص ــنفًا دون ص ــنف
حبسب االحتياج"(.)1
كما أن يف أصول الشريعة ما يدل على ذلك ،ففي حديث عروة البارقي رضي اهلل
عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أعطاه دينارًا يشرتي أضحية أو شاة ،فاشرتى شاتني،
فباع إحدامها بدينار فأتاه بشاة ودينار ،فدعا له بالربكة يف بيعه فكان لو اشرتى ترابًا لربح
فيه(.)2
ففي احلديث داللة على أن عروة اتَّجر فيما مل يوكل باالجتار به ،فهو يدل على
جواز استثمار مال الغري بغري إذن مالكه؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أقره على ذلك،
ودعا له بالربكة يف بيعه ،ففي دعائه له بالربكة دليل على أنه فعل مستحسن ومستحب،
وخباصة إذا كان حيقق اخلري لصاحب املال.
فإذا جاز استثمار املال اخلاص بدون إذن صاحبه جاز لإلمام أو نائبه استثمار املال
العام بدون إذن من له نصيب يف هذا املال؛ ألن اإلمام له حق النظر والتصرف باملال مبا
حيقق املصلحة للمستحقني ،ويدفع الضرر عنهم كويل اليتيم والناظر على الوقف(.)3
ثانيا :من خالل ما سبق من كون اإلمام أو نائبه بعد قبض الزكاة فإنه يتصرف فيه
باملصلحة ،وله تأخري إيصال الزكاة عن مستحقيها إذا دعت املصلحة لذلك ،كأن ينظر يف
املستحقني حقيقة ،أو غري ذلك ،وقد تقدم من أدلة السنة ما يدل على ذلك ،ما جعل
الفقهاء نصوا على هذا يف غري موضع ،وقد تقدم طرف من ذلك ،من خالل ذلك يتبني
أن االستثمار من مجلة ما يتصرف اإلمام فيه إذا اقتضته املصلحة.
ثالثا :هذا ال ينفي كون األصل يف أموال الزكاة أن يعجل إخراجها لتعلق حق
الفقراء هبا ،وال جيوز تأخريها يف حال ما إذا علم احتياج الفقراء امللحة إليها ،مع اعتبار
أنه إذا دعت الضرورة إىل التأخري فإنه جيوز ،وحتفظ مبا يراه اإلمام مناسبا.
بناء على ما تقدم فإن األظهر أن الواجب على اإلمام أو من ينيبه أن يبادر بإخراج
الزكاة إىل مستحقيها مبجرد قبضها ،وأنه ال مانع يف حال ما إذا اقتضت املصلحة العمل
يف هذه األموال باستثمار وحنوه ،وهو ما صدر به قرار اجملمع الفقهي ،فقد جاء فيه:
" جيوز من حيث املبدأ توظيف أموال الزكاة يف مشاريع استثمارية تنتهي بتمليك
أصحاب االستحقاق للزكاة ،أو تكون تابعة للجهة الشرعية املسؤولة عن مجع الزكاة
وتوزيعها ،على أن تكون بعد تلبية احلاجة املاسة الفورية للمستحقني وتوافر الضمانات
الكافية للبعد عن اخلسارة "(.)1
ويتأكد هذا اجلواز يف مواضع:
-أن يتأخر املال عند اجلهات املعنية بذلك ،ألي سبب من األسباب ،فال بأس
حينئذ باستثمارها مبا حيقق املصلحة ،إىل أن حيني وقت صرفها ،بالضوابط اآلتية.
-أن يفيض من أموال الزكاة ما يزيد عن حاجة الفقراء ،فال بأس حينئذ
باالستثمار.
وهذا اجلواز مشروط بكون العمل االستثماري له هناية يف وقت مناسب ،وبعدها
تقوم اجلهة القائمة هبذا العمل بتوزيع أصل املال وأرباحه على املستحقني ،وال جيوز إبقاء
أصل املال عند اجلهة املستثمرة؛ ملا يف ذلك من عدم إيصال احلق ملستحقيه.
ويف حال بقاء أصل املال املستثَم ر عند اإلمام أو نائبه لالستثمار بصورة دائمة ،فإنه
ال جيوز هذا االستثمار ،بل الواجب إيصال هذا املال إىل مستحقيه.
ومىت توجه القول جبواز استثمار أموال الزكاة من قبل اإلمام أو من ينوب عنه فالبد من
مراعاة الضوابط اآلتية:
-التحقق من وجود مصلحة راجحة يف استثمار أموال الزكاة.
-أال تتوافر وجوه صرف عاجلة تقتضي التوزيع الفوري ألموال الزكاة.
-أن يتم استثمار أموال الزكاة بالطرق املشروعة.
-أال يستفيد من ريع املشروع الزكوي إال مستحقو الزكاة ،وكذلك األصل إذا
متت تصفيته.
-أن تتخذ اإلجراءات الكفيلة ببقاء األصول املستثمرة على أصل حكم الزكاة،
وكذلك ريع تلك األصول.
-املبادرة إىل تنضيض –تسييل -األصول املستثمرة إذا اقتضت حاجة مستحقي
الزكاة صرفها عليهم.
-بذل اجلهد للتحقق من كون االستثمارات اليت سُتوضع فيها أموال الزكاة جمدية
ومأمونة وقابلة للتنضيض عند احلاجة.
-أن يتخذ قرار استثمار أموال الزكاة ممن عهد إليهم ويل األمر جبمع الزكاة
وتوزيعها ،وأن ُيسند اإلشراف على االستثمار إىل ذوي الكفاية واخلربة واألمانة (.)1
***
)?(1حبث استثمار أموال الزكاة للدكتور عجيل النشمي ،وحبث استثمار أموال الزكاة لشبري (.)44
تمويل المساكن من أموال الزكاة
59
المبحث الثالث:
الصورة الثالثة :إخراج الزكاة للفقير بتمليكه َريع المسكن.
تصوير المسألة :أن يقوم الفرد أو املؤسسة ببناء أو شراء مسكن ،مث جيعل َر يعه للفقراء،
على أنه الزكاة الواجبة.
والفرق بني هذه الصورة واليت قبلها أن املساكن هنا ال يشرتط أن يسكنها
الفقراء ،بل األصل أن يسكنها من يستطيع دفع األجرة ،حىت يعود الريع على الفقراء
املستحقني للزكاة.
وهذه الصورة ال ختلو من حالني:
الحال األولى :أن ُيشترى المسكن أو ُيبنى بأموال غير زكوية.
وهذه احلال ال إشكال فيها ،إذ حقيقة هذه الصورة هو َعنْي ما يقوم به أي
شخص أو مؤسسة من استثمار ألموال عندها ،سواء ببناء مساكن أو جتارة أو صناعة
وحنوه ،مث إذا خرج ريع هذه األموال أخرجوا الزكاة منها.
فإذا قام املالك األصلي ببناء أو شراء مساكن من أموال ليست زكوية ،مث جعل
ريعها اخلارج منها زكاة تدفع للفقراء ،فال إشكال يف جواز هذا(.)1
تنبيه:
يف حال ما إذا كانت املؤسسة اخلريية وحنوها هي اليت قامت بشراء أو بناء
املساكن بأموال غري زكوية ،فال حرج أن خترج ريعها ،لكن ليس على أنه زكاة هلذا املال
وال لغريه؛ إذ ال جتب عليها الزكاة على الراجح من أقوال أهل العلم فيما لديها من
أموال( ،)2إمنا على أنه باب من أبواب الصدقات العامة اليت هي من مهام املؤسسات
)?(1هذا القسم ال ميثل إشكاال يف البحث أصال ،وِذكُر ه هنا تتمة للقسمة.
)?(2ألن من شروط وجوب الزكاة يف املال أن يكون مملوكا ملالك معني ،أما إذا كان لغري مالك معني كبيت املال،
وبيت الزكاة ،واملؤسسات اخلريية ،واألموال املوقوفة على جهة ،وحنوه فال جتب فيه الزكاة .انظر :بدائع الصنائع
،2/9وإعانة الطالبني ،2/62واملغين .2/577ط مكتبة الرياض احلديثة.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
60
اخلريية ،أما األموال اليت ُدفعت هلا على أهنا زكاة فإهنا خترج يف مصارفها املعروفة ،وتقدم
حكم استثمارها بشروطه(.)3
***
الحال الثانية :أن تكون تلك املساكن مشرتاة أو مبنية بأموال زكوية ،وهذه احلال
فيها نظران:
النظر األول :التكييف الفقهي هلذه الصورة.
للنظر يف األصول اليت ميكن ختريج تلك املسألة عليها فإنه ميكن خترجيها على مسألة
استثمار أموال الزكاة ،وقد تقدم الكالم على هذه املسألة( ،)1وهو ال خيلو من حالني:
األولى :أن يكون االستثمار من املالك األصلي للمال ،وتقرر أنه ال جيوز حبال
االستثمار من املالك األصلي ،وأنه مبجرد وجوب الزكاة فإن الواجب عليه إيصال احلق
ملستحقيه ،وال جيوز تأخري إخراج الزكاة ،وأنه مىت أَّخ ر اإلخراج فإنه يأمث ملنافاة ذلك
لشرط الفورية ،الذي هو شرط يف اإلخراج عند اجلمهور ،ويف حال تلف املال فإنه
يضمن مطلقا ،إال إذا كان التأخري لعذر أو لضرورة ،فال يضمن واحلال كذلك إال بتعٍّد أو
تفريط.
الثانية :أن يكون االستثمار من اإلمام أو نائبه ،وتقرر أنه جيوز بالضوابط
والشروط السابقة(.)2
وهذا يتطلب النظر فيما جيب على اإلمام أو نائبه إذا قبض أموال الزكاة ،وقد
تقدم أن اإلمام أو نائبه إذا قبض املال من املزكي ،فإنه يكون وكيال عنه يف إيصال املال
إىل مستحقيه ،ويكون وكيال عن الفقراء يف القبض عنهم ،وأنه إذا كانت املصلحة يف
التأخري فإنه جائز استنادا لظواهر سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وفعل اخللفاء
الراشدين ،إال أن األمر هنا خيتلف اختالفا كبريا ،فإن املسكن سيشرتى أو يبىن ويبقى عند
تلك اجلهة لالستثمار الدائم ،من أجل أخذ الريع ،وهو متناٍف مع حقيقة الزكاة.
المبحث الرابع:
الصورة الرابعة :إخراج الزكاة للفقير بوقف المسكن عليه.
تصوير المسألة:
أن يقوم الفرد أو املؤسسة ببناء أو شراء مسكن من أموال زكوية أو غري زكوية ،مث يقوم
بوقف هذا املسكن على الفقراء على أنه الزكاة الواجبة.
المطلب األول :التكييف الفقهي
هذه الصورة خترج على مسألة وقف املال الزكوي على مستحقيه ،وبناء عليه فإنه
البد من التعريف بالوقف يف الفقه اإلسالمي ،لبيان العالقة بينه وبني الزكاة.
اختلفت عبارات الفقهاء يف تعريف الوقف ،وهذا جممل ما قالوه:
أوال :عرفه احلنفية بأنه حبس العني على حكم ملك اهلل تعاىل ،وصرف منفعتها
على من أحب ،وهذا عند أيب يوسف وحممد بن احلسن.
وعند أيب حنيفة :حبس العني على ملك الواقف والتصدق باملنفعة(.)1
ثانيا :عرفه املالكية بأنه إعطاء منفعة شيء مدة وجوده ،الزما بقاؤه يف ملك
معطيه ولو تقديرا(.)2
ثالثا :عرفه الشافعية بأنه حبس مال ميكن االنتفاع به مع بقاء عينه ،بقطع التصرف
يف رقبته على مصرف مباح موجود(.)3
رابعا :عرفه احلنابلة بأنه حتبيس مالك مطلق التصرف ماله املنتفع به مع بقاء عينه
بقطع تصرفه وغريه يف رقبته ،يصرف ريعه إىل جهة بر تقربا إىل اهلل تعاىل(.)4
وأَّيا كانت هذه التعريفات ،فإهنا تدور على أن الوقف حتبيس األصل ،أو العني ،أو
املال ،مع بقاء رقبة املوقوف وعينه.
)?(1تبيني احلقائق ،3/325وفتح القدير .6/205
فعند الحنفية" :هي متليك املال من فقري مسلم غري هامشي وال مواله ،بشرط قطع
املنفعة عن اململك من كل وجه هلل تعاىل"(.)1
وعند المالكية" :مال خمصوص يؤخذ من مال خمصوص إذا بلغ قدرا خمصوصا يف
وقت خمصوص يصرف يف جهات خمصوصة"(.)2
وعند الشافعية" :اسم لقدر من مال خمصوص ،يصرف لطائفة خمصوصة
بشرائط"(.)3
وعند الحنابلة" :حق واجب يف مال خاص لطائفة خمصوصة"(.)4
ومن خالل هذه التعريفات جندها تدور على أن الزكاة حق جيب لطائفة
خمصوصة ،خترج من أموال خمصوصة ،وبشروط خاصة ،وقد تقدم أن مجهور الفقهاء
يشرتطون التمليك لألصناف األربعة يف املال الزكوي ،وملكه يعين ملك رقبة املال،
وبالتايل ملك منافعه ،فالزكاة ال خترج عن كوهنا متليك أصل املال ورقبته ومنفعته للفقري
واخلروج منه هلل تعاىل ،فال جيوز بقاء الرقبة أو أصل املال للغين ،مع انتفاع الفقري باملنفعة
فقط.
وهبذا يتبني الفرق الكبري بني الزكاة والوقف بالنسبة ألصل املال ،وأن كال منهما
يباين اآلخر من حيث احلقيقة والقصد واملعىن ،مع كوهنما يفرتقان يف أمور كثرية،
كافرتاقهما يف احلكم الشرعي ،فالزكاة واجبة بأصل الشرع باكتمال الشروط ،خبالف
الوقف الذي هو من إجياب اإلنسان على نفسه.
وكاختالفهما يف الشروط ،فالزكاة يشرتط هلا شروط ،ختالف شروط الوقف.
وكوهنما يلتقيان يف أن كال منهما نفع للفقري ،فإن هذا غري الزم؛ إذ الوقف قد
يكون على أغنياء ،كما أن الزكاة قد جتب لغري الفقري ،كابن السبيل والعامل عليها
واملؤلفة قلوهبم ،فإن هذه األصناف وحنوها ال يأخذون لفقرهم.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
67
هلذا ال ُتشرع هذه العملية املنافية ملقاصد الزكاة الشرعية .واهلل أعلم(.)1
تنبيه:
بعض أهل العلم يرى أن صنف (يف سبيل اهلل) أشبه بالوقف ،أو أنه صنف يصح
وقف املال الزكوي عليه؛ وذلك باعتبار أن هذا املصرف يكون املال فيه للمجاهدين
واملقاتلني يف سبيل اهلل ،فكل ما حيتاجه اجملاهدون يف سبيل اهلل يصرف من الزكاة هلذا
الصنف ،مث إذا انتهت احلاجة إليه يعود لبيت املال ،لينتفع به جماهدون آخرون ،فليس فيه
انتقال ملك يف احلقيقة؛ ألنه ال يأخذ ملصلحة نفسه ،إمنا ملصلحة املسلمني؛ ولذلك ال
يشرتط أن يكون فقريا ،حىت جاء يف حديث أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه َعِن الَّنِّيِب
صلى اهلل عليه وسلم " :ال حتل الصدقة لغين إال خلمسة :لعامل عليها ،أو رجل اشرتاها
صدق عليه منها فأهدى منها لغين "(.)2 غاز يف سبيل اهلل ،أو مسكني تُ ُّ
مباله ،أو غارم ،أو ٍ
وقد نص الفقهاء على أن مصرف يف سبيل اهلل تنفق الزكاة على اجملاهدين
واملقاتلني ،وقد ُتصرف يف جتهيزهم بآالت احلرب والسالح ،وهذه ال مُتّلك للمقاتل ،وإمّن ا
يستعملها وجيب عليه إعادهتا إىل بيت املال بعد انتهاء القتال.
فاملصَر ف الوحيد عند الفقهاء الذي تصّح فيه الزكاة وميكن أن يكون وقفًا -من
حيث املعىن -هو ما يتعّلق بتجهيز املقاتلني يف سبيل اهلل.اهـ.
وهذا الكالم قد ُيسَّلم يف بعض املواضع ،كاليت يأخذ فيها املقاتل من أموال الزكاة
مث إذا انتهت حاجته وجب رد ما أخذه ،فهذا من حيث الصورة يشابه الوقف ،لكن ال
يعين هذا أن كل مال زكوي يأخذه من قاتل يف سبيل ال يكون على وجه التملك ،بل إن
الغازي يأخذ من هذا املصرف لينفق ويطعم على نفسه وعلى عياله.
1
(?)?http://www.qaradawi.net/site/topics/static.asp
cu_no=2&lng=0&template_id=232&temp_type=42&parent_id=17
)?(2أخرجه أمحد( ،)11113وأبو داود( ،)1393وابن ماجه( ،)1831واحلديث صححه األلباين في إرواء
الغليل . 377 / 3
تمويل المساكن من أموال الزكاة
69
قال النووي" :قال أصحابنا :ويعطي ما يستعني به على الغزو فيعطي نفقته
وكسوته مدة الذهاب والرجوع واملقام يف الثغر وإن طال"(.)1
غزِوه ً
نفقة وقال الشربيين" :يعطى الغازي إذا حان وقت خروجه قدر حاجته يف ْ
وكسوةً لنفسه وكذا لعياله "(.)2
وجاء يف شرح غاية املنتهى" :فيعطى-أي الغازي -منها -أي :الزكاة -ولو كان
غنيا؛ ألنه حلاجة املسلمني ما حيتاج إليه لغزوه ذهابا وإقامة بأرض العدو وإيابا إىل بلده"(.)3
بل جاء يف عبارات الفقهاء ما يفيد أن من اشرتى آالت اجلهاد من أموال الزكاة
مث أراد أن يوقفها أن ذلك ال جيوز.
قال ابن مفلح رمحه اهلل" :وال جيوز أن يشرتي من الزكاة فرسا يكون حبيسا يف
اجلهاد ،وال دارا أو ضيعة الرباط ،أو يقفها على الغزاة"(.)4
وقال الرحيباين":وال جيزئ من وجبت عليه زكاة (أن يشرتي منها فرسا ،حيبسها
) يف سبيل اهلل( ،أو) أن يشرتي منها (عقارا يقفه على غزاة) ،لعدم اإليتاء املأمور به"(.)5
بناء على ما تقدم فإنه ال حاجة الستثناء هذا الصنف ،وكونه يشابه الوقف يف
بعض صوره ال يعين أن يأخذ حكم الوقف ،بل إنه مصرف من مصارف الزكاة تتنوع
صور إخراجها فيه ،فتارة حيصل به التملك كما سبق ،وتارة تدفع وتسرتد عند احلاجة،
ويبقى احلكُم مَّطِر دا يف كون األموال الزكوية ال جيوز وقف شئ منها ،واهلل تعاىل أعلم.
***
)?(1اجملموع .6/213
)?(2مغين احملتاج ،4/187وانظر :احلاوى الكبري 8/1323ط.دار الفكر.
)?(3مطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى .2/148
)?(4الفروع ،2/621وانظر :اإلقناع .1/290
)?(5مطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى .2/148
تمويل المساكن من أموال الزكاة
70
المبحث الخامس:
الصورة الخامسة :متويل املساكن باألموال الزكوية عن طريق تسديد الديون ،وهلذه
الصورة طريقان:
الطريق األولى:
أن يأيت الفقري إىل املؤسسة اخلريية أو الغين ،ليطالب بالزكاة يف صورة شراء أو بناء
مسكن ،فتقول اجلهة أو الشخص املزكي :ما دمت حمتاجا للسكن فاشرت أنت بيتا أو ابِنِه
بالَّد ْين ،مث نقوم حنن بالتسديد عنك باعتبارك مدينا غارما ملصلحة نفسك.
تقدم يف هذا البحث أن الصحيح جواز إخراج الزكاة يف صورة مسكن يسكنه
الفقري ،وهو مبين على ما تقدم من جواز صرف الزكاة يف صورة منفعة ،وأن هذا يدخل
يف التمليك املقصود للشارع ،وأنه جيوز أن ُيعطى الفقري كفاية العمر إذا غلب على الظن
عدم تغري حاله إىل الكسب أو ما حيصل به الغىن ،وبناء على هذا القول فهذه الصورة ال
حاجة لعرضها وطرحها ،فيجوز ابتداء أن يصرف الغين أو املؤسسة اخلريية الزكاة يف
صورة شراء أو بناء بيت يسد حاجة الفقري.
فال وجه لبحث هذه الصورة إال على القول باملنع ،وأنه ال جيوز إخراج الزكاة يف
صورة بناء أو شراء مسكن مث دفعه ملن حيتاجه ،فحينئذ يتأَّتى النظر فيها ،ويف توصيفها
وتكييفها الفقهي ،ومن مث بيان حكمها الشرعي.
التكييف الفقهي:
مما يساعد يف التكييف الفقهي هلذه الصورة حترير الغارم املستحق من الزكاة
حقيقة؛ ووجه ذلك أن هذا التوجه املذكور يف الصورة قد يفتح بابا كبريا من التحيل على
توجيه الزكاة إىل غري ما وضعت له شرعا ،فقد يتوجه أحدهم إىل االستدانة لبناء مسجد
أو مدرسة أو شراء سيارات جلهة خريية وحنوه ،مث ادعاء أنه استدان ،وهو غارم ومستحق
للزكاة ،فيأخذ من الزكاة لسداد دينه يف هذه اجلهات ،وهي ليست اجلهات اليت أراد
تمويل المساكن من أموال الزكاة
71
الشرع أن خترج فيها الزكاة؛ لذا كان حتما بيان املراد بصنف الغارمني ،لبيان الَّد ْين الذي
يستحق صاحبه أن يوصف بأنه غارم حقيقة ،ومن مث يستحق أن يعطى من الزكاة.
األصل في هذا الباب :حديث َقِبيصة بن خمارق اهلاليل رضي اهلل عنهٍ قال:
حتملت محالة فأتيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أسأله فيها ،فقال( :أقم حىت تأتينا
الصدقة ،فنأمر لك هبا" ،قال :مث قال" :يا َقِبيصة ،إن املسألة ال حتل إال ألحد ثالثة :رجل
حتَّم ل محالة فحلت له املسألة حىت يصيبها مث ميسك ،ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله،
فحلت له املسألة حىت يصيب قواما من عيش ،أو قال :سداًدا من عيش ،ورجل أصابته
فاقة حىت يقوم ثالثة من ذوي احلجا من قومه ،فيقولون :لقد أصابت فالنا فاقة فحلت له
املسألة ،حىت يصيب قواما من عيش ،أو قال :سدادا من عيش ،فما سواهن من املسألة
سحت ،يأكلها صاحبها سحتا"(.)1
وعن أيب سعيد رضي اهلل عنه قال :أصيب رجل يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم يف مثار ابتاعها ،فكثر دينه ،فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم( :تصدقوا عليه).
فتصدق الناس فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ،فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم لغرمائه:
(خذوا ما وجدمت ،وليس لكم إال ذلك)(.)2
وعن عبد الرمحن بن أيب بكر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم" :يدعو اهلل بصاحب الدين يوم القيامة حىت يوقف بني يديه ،فيقول :يا بن آدم ،فيم
الديْن؟ وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول :يا رب ،إنك تعلم أين أخذته فلم أخذت هذا َّ
آكل ومل أشرب ومل أضيع ،ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة.
فيقول اهلل :صدق عبدي ،أنا أحق من قضى عنك اليوم ،فيدعو اهلل بشيء فيضعه
يف كفة ميزانه ،فرتجح حسناته على سيئاته ،فيدخل اجلنة بفضل اهلل ورمحته"(.)3
)?(2اإلقناع .1/213
)?(3بداية اجملتهد .221 / 1
)?(4حاشية الدسوقي . 1/496،497
)?(5تفسري الطربي . 317 / 14
تمويل المساكن من أموال الزكاة
73
وعن أيب جعفر قال" :الغارمون املستدين يف غري َس َر ف ،ينبغي لإلمام أن يقضي
عنهم من بيت املال"(.)1
وعن قتادة" :أما الغارمون فقوم غَّر قتهم الديون يف غري إمالق( ،)2وال تبذير ،وال
فساد"(.)3
فمن خالل هذه النصوص تبني أن الغارم الذي يستحق أن يأخذ لسداد دينه هو
الذي يأخذ ملصلحة نفسه اليت هو حباجة إليها أو اضطرار إليها بغري فساد وال تبذير ،وأنه
ليس كل من استدان حتل له الزكاة ،فمن استدان ألمر كمايل ال يدخل يف هذا الصنف.
ومن استدان حلظ غريه إن كان حلاجة كاإلصالح بني الناس ،أو احلاجة اليت ال
يقوم هبا غريه فال بأس بأن يأخذ من الزكاة ،أما االستدانة ألمر تقوم به الدول
واحلكومات ،كبناء مسجد يف بعض األحياء تكُّثرا وحنوه ،فإن الواجب إغالق هذا
الباب ،وعدم اعتبار هذا من الديون املوجبة لألخذ من مصرف الغارمني.
الحكم الشرعي لهذه الصورة:
بناء على ما تقدم فإن الشخص إذا استدان لبناء أو شراء مسكن حيتاجه ،ومل يكن
له بٌّد منه ،وليس عنده من املال ما ميكنه به شراءه أو بناءه دون استدانة ،فاستدان لبناء
هذا املسكن ،من غري سرف وال تبذير وال إضاعة للمال ،ومل يكن عنده من الدخل
الشهري أو السنوي ما ميكنه به سداد هذا الدين ،وعجز عن السداد مباله عجزا تاما ،فإنه
يعطى من الزكاة حىت يسد دينه ،أو بعض دينه إذا متكن هو من سداد البعض اآلخر ،واهلل
تعاىل أعلم.
)?(1مصدر سابق.
)?(2أي :إنفاق املال وتبذيره حىت يورث حاجة ،ويطلق على اإلفساد.لسان العرب 347 / 10ط.دار صادر.
)?(3تفسري الطربي .318 / 14
تمويل المساكن من أموال الزكاة
74
الطريق الثانية:
أن تبين املؤسسة اخلريية مسكنا من أموال ليست زكوية بغرض االستثمار ،مث تقوم
بتسكني الفقراء فيها بأجرة ،مث عند وجوب سداد األجرة ،تدفع املؤسسة األموال الزكوية
للفقراء لسد ما وجب عليهم من أجرة املسكن على أهنم غارمون؛ ليعود بذلك املال
الزكوي للمؤسسة مرة ثانية ،لتقوم باستثماره ،وهلم جًّر ا.
الذي يظهر يل أن هذا من حيث املبدأ ال يرد عليه ما يبطله ،فمن حق املؤسسة أن
تسكن من شاءت يف هذه املساكن ،بل إن أرادت أن تسكنها الفقراء من غري أجرة
باعتبارهم من أهل الصدقات كان هلا ذلك ،بل هذا من أولويات عملهم ،كما أن هلا أن
تسكن هذه الفئة من الفقراء بأجرة يف الذمة ،فإذا انشغلت ذمتهم هبذه األجرة أصبحوا
غارمني حلظ أنفسهم ،وكانوا من أهل الزكاة ،فاستحقوا بذلك أن يأخذوا من الزكاة.
فإذا دفعت املؤسسة هذه األموال إليهم كغارمني ،مث قاموا هم بدفعها إليهم على
أهنا أجرة السكن كان هذا من األعمال اجلائزة.
وال أرى أن التواطؤ على هذا من التواطؤ احملرم ،فالتواطؤ املمنوع هو الذي يعود
على الشخص باملصلحة ،كأن يدفع له الزكاة من أجل أن يسده دينه-على خالف يف
ذلك-؛ ولذلك إذا وقعت بغري تواطؤ ،فإهنا جتوز.
التكييف الفقهي:
ميكن ختريج هذه املسألة على األصل يف احليل.
وقد عرف الشاطيب احليل يف االصطالح بقوله" :تقدمي عمل ظاهر اجلواز إلبطال
حكم شرعي وحتويله يف الظاهر إىل حكم آخر".
مث قال رمحه اهلل" :فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة"(.)1
وعرفها شيخ اإلسالم ابن تيمية "بأن يقصد سقوط الواجب أو حل احلرام بفعل مل
يقصد به ما جعل ذلك الفعل له ,أو ما شرع له"(.)2
)?(1املوافقات . 201 / 4
)?(2الفتاوى الكربى .17 / 6
تمويل المساكن من أموال الزكاة
75
وقال ابن عاشور" :اسم التحيل يفيد معىن إبراز عمل ممنوع شرعا ,يف صورة عمل
جائز ,أو إبراز عمل غري معتد شرعا يف صورة عمل معتد به لقصد تفصيلي من مؤاخذته؛
فالتحيل شرعا هو ما كان املنع فيه شرعيا واملانع الشارع ،أما السعي إىل عمل مأذون
بصورة غري صورته ،أو بإجياد وسائله فليس حتيال ,ولكنه يسمى تدبريا أو حرصا أو
ورعا"(.)1
وقد قسم أهل العلم احليل إىل حيل مشروعة وحيل حمرمة.
فاحليل احملرمة هي اليت يستحل هبا احملارم كحيل اليهود ,وكل حيلة تضمنت
إسقاط حق هلل أو آلدمي فهي تندرج فيما يستحل به احملارم ,فإن ترك الواجب من احملارم،
وذلك كمن يتهرب من زكاة ماله ,بأن يهبه قبيل احلول ,مث إذا كان يف حول آخر أو قبله
رجع يف هبته ،وحنوه.
وهي حنو املذكورة يف قوله تعاىلَ { :و َلَقْد َع ِلْم ُتُم اَّلِذ يَن اْعَتَدْو ا ِم ْنُك ْم ِفي الَّسْبِت
َفُقْلَنا َلُهْم ُك وُنوا ِقَر َد ًة َخ اِسِئيَن } البقرة.65-
وقوله صلى اهلل عليه وسلمَ ( :قاَتَل الَّلُه اْلَيُه وَدُ ،ح ِّر َم ْت َعَلْيِهِم الُّش ُح وُم َفَج َم ُلوَه ا
َفَباُعوَه ا )(.)2
وقوله صلى اهلل عليه وسلمَ ( :لَعَن َرُس وُل الَّلِه اْلُم َح ِّلَل َو اْلُم َح َّلَل َلُه )(.)3
َألَّن ِفيِه اْس ِتْح الَل الِّز ىَن ِباْس ِم الِّنَك اِح .
وصح عن أنس وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهم أهنما سئال عن العينة؟ فقاال:
إن اهلل ال خيدع! هذا مما حرم اهلل ورسوله(.)4
وحنو التحايل على الربا بالعينة ،فيقول املرايب :بعتك هذه السلعة بكذا -كما يف
بيع العينة عند اجلمهور -على أن يسرتدها منه بأقل مما باعها ،ومل يكن مريدا حلقيقة البيع.
لذا حذر صلى اهلل عليه وسلم من احليل اليت على هذا النحو ،فقال صلى اهلل عليه
وسلم ( :ال َتْر َتِكُبوا َم ا اْر َتَك َبِت اْلَيُه وُد َفَتْس َتِح ُّلوا َحَماِر َم الَّلِه ِبَأْد ىَن اِحْلَيِل )(.)1
واحليل املشروعة هي احليل اليت تتخذ للتخلص من املآمث للتوصل إىل احلالل ،أو إىل
احلقوق ،أو إىل دفع باطل ،وهي احليل اليت ال هتدم أصال مشروعا ،وال تناقض مصلحة
شرعية.
فيتوصل باحليل املشروعة إىل مطلوب صحيح ،بطريق ال يتضمن خمالفة شرعية،
كما أمر يوسف عليه الصالة والسالم بوضع أمتعة إخوته يف رحاهلم لعلهم يعرفوهنا
لعلهم يرجعون ،فهذه حيلة مشروعة.
وقد قام من أدلة الشرع ما يبيح احليلة ،من ذلك:
أوال :قوله سبحانه وتعاىلِ { :إَّال اْلُم ْسَتْض َعِفيَن ِم َن الِّر َج اِل َو الِّنَس اء َو اْلِو ْلَداِن َال
َيْسَتِط يُعوَن ِح يَلًة َو َال َيْهَتُد وَن َس ِبيًال }النساء ،98-أراد باحليلة التحيل على التخلص من
الكفار ،وهذه حيلة حممودة يثاب عليها من عملها.
ثانيا :قوله تعاىل { :وخذ بيدك ضغثا فاضرب به وال حتنث }وهي حيلة للخروج
من احلنث.
وقد عمل به النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حق الضعيف الذي زىن ،ملا أخربه بعض
أصحابه من األنصار أنه اشتكى رجل منهم حىت أضىن ،فعاد جلدة على عظم ،فدخلت
عليه جارية لبعضهم ،فهش هلا فوقع عليها ،فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخربهم
بذلك ،وقال :استفتوا يل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فإين قد وقعت على جارية
دخلت علي ،فذكروا ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،وقالوا :ما رأينا بأحد من
الناس من الضر مثل الذي هو به ،لو محلناه إليك لتفسخت عظامه ،ما هو إال جلد على
)?(1رواه ابن بطة يف جزء اخللع و إبطال احليل( ،)57و إسناده جيد كما قال احلافظ ابن كثري يف تفسريه / 2
،257وابن القيم كما يف هتذيب السنن ،وضعفه األلباين كما يف السلسلة الضعيفة .493 / 1
تمويل المساكن من أموال الزكاة
77
عظم ،فأمر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يأخذوا له مائة مشراخ ،فيضربوه هبا ضربة
واحدة "(.)1
ثالثا :حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم استعمل
رجال على خيرب ،فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :أكل متر
خيرب هكذا ؟ فقال :ال ،واهلل يا رسول اهلل ،إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعني ،والصاعني
بالثالثة فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :ال تفعل بع اجلمع بالدراهم ،مث ابتع
بالدراهم جنيبا ) (.)2
رابعا :أن املعىن الذي من أجله حرمت احليل هو أهنا هتدم األصول الشرعية،
وتناقض املصاحل الشرعية ،فإذا انتفى هذا املعىن وكانت احليل مما ال يناقض األصول
الشرعية ،فال معىن ملنعها بل كانت من املشروع.
كما نص الفقهاء على حترمي التواطؤ حينما يعود على الشخص باملصلحة ،كأن
يربئه من الدين يف مقابل الزكاة.
قال ابن مفلح" :وإن أبرأ رب الدين غرميه من دينه بنية الزكاة مل جيزئه ،نص عليه،
سواء كان املخرج عنه عينا أو دينا ،خالفا للحسن وعطاء.
قال أمحد :إذا أراد إحياء ماله مل جيز.
وقال أيضا :إن كان حيلة فال يعجبين.
وقال أيضا :أخاف أن يكون حيلة فال أراه.
ونقل ابن القاسم :إذا أراد احليلة مل يصلح وال جيوز.
قال القاضي وغريه :يعين باحليلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه ،فال جتزئه؛ ألن
من شرطها متليكا صحيحا ،فإذا شرط الرجوع مل يوجد فلم جتزئه.
)?(1أخرجه أمحد( ،)20925وأبو داود( ،)3878وابن ماجه( ،)2564وصححه األلباين يف صحيح وضعيف
سنن أيب داود .472 / 9
)?(2أخرجه البخاري( ،)2050ومسلم(.)2984
تمويل المساكن من أموال الزكاة
78
فحصل من كالم اإلمام أمحد أنه إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه مل جيز؛ ألهنا
هلل ،فال يصرفها إىل نفعه"(.)3
فهذه النصوص فيها من الفقه أن املنع إمنا يكون حينما يريد املزِّك ي مصلحة نفسه،
وإحياء ماله ،واستيفاء دينه ،وحنوه من املقاصد اليت تعود عليه بالنفع ،ومعلوم أن املزكي-
مؤسسة كان أو شخصا-إذا دل شخصا على شراء أو بناء مسكن بالدين ،ليكون غارما
مستدينا حلاجة نفسه األصلية ،مث دفع الزكاة إليه هبذا االعتبار ،معلوم أنه ما أراد بذلك
نفع نفسه ،وال محاية ماله ،بل إنه وافق مقصود الشرع ،وعلى تقدير كوهنا حيلة ،فكما
تقدم ليس كل حيلة حمرمًة ،بل منها ما هو جائز مشروع ،وهذا منه ،واهلل تعاىل أعلم.
الحكم الشرعي لهذه الصورة:
بناء على ما تقدم فإن األظهر أنه يف حال ما إذا قامت املؤسسة اخلريية ببناء
مساكن من أموال غري زكوية ،وأسكنت فيها الفقراء ،بقصد نفعهم وسد حاجتهم يف
مطلب عزيز هلم يف احلياة ،وهو السكن واالستقرار يف مسكن يظُّلهم ويكُّنهم ،مث طالبتهم
باألجرة ،ويف حال عدم قدرهتم أصبحوا غارمني ،فدفعت هلم الزكاة باعتبارهم غارمني،
ومن مث قاموا بدفع األجرة الواجبة يف ذمتهم للمؤسسة مرة أخرى ،لتقوم هي بدورها يف
استثمارها ليعود بالنفع على الفقراء.
أرى-واهلل تعاىل أعلم -أن هذا من حيث اجلملة جائز ،وليس فيه حرج ،ملوافقته
ملقاصد الشرع ،إال أن الواجب أن يراعى اآليت:
أوال :أن تنظر املؤسسة حقيقة يف حاجة الفقراء ،وأهنم يف هذه احلال يف أمس
حاجة إىل السكن ،فإن تعينت حاجتهم يف غري السكن ،وجب دفع الزكاة إليهم ،دون
إلزامهم بالسكن؛ إذ املال حق هلم ،فال جيوز تعطيله عنهم أو إرغامهم على أخذه يف
صورة سكن.
ثانيا :يف حال ما إذا تعينت حاجة الفقري إىل السكن فإن املؤسسة تعرض عليه
مساكنها عرضا ليس إلزاميا ،فإن ارتضاه ،وإال فال جيوز إلزامه ملنافاة ذلك ملبدأ التملك،
)?(3الفروع .2/621
تمويل المساكن من أموال الزكاة
79
وألن املؤسسة يف هذه احلال تكون متسلطة فيما وكلت يف إيصاله ملستحقيه ،فهي جمرد
وكيل يف إيصال هذا احلق.
ثالثا :يف حال ما إذا قامت املؤسسة بتسكني الفقراء يف هذه املساكن ،فالواجب
أن يكون بأجرة املثل أو أقل ،وال جيوز أن يزيد.
رابعا :جيب أال يكون املصرف الوحيد لألموال الزكوية عند تلك املؤسسات هو
الغارمني فقط ،بل تصرف األموال الزكوية املودعة لديهم يف مصارفها الشرعية ،واليت من
مجلتها مصرف الغارمني ،فال تقصر تلك األموال على هذا املصرف ،بل تنوع حبسب
حاجة األصناف األخرى ،عمال بقوله تعاىلِ { :إَّنَم ا الَّص َد َقاُت ِلْلُفَقَر اء َو اْلَم َس اِكيِن
َو اْلَع اِمِليَن َع َلْيَها َو اْلُم َؤ َّلَفِة ُقُلوُبُهْم َو ِفي الِّر َقاِب َو اْلَغاِر ِم يَن َو ِفي َس ِبيِل ِهّللا َو اْبِن الَّس ِبيِل
َفِر يَض ًة ِّم َن ِهّللا َو ُهّللا َع ِليٌم َحِكيٌم }التوبة.60-
فجعلها اهلل مفروضة على العباد ،مث ختم اآلية هبذا التقرير العظيم دفعا لعقل فاسد
أو رأي عقيم أن يقدمه على شرع اهلل العليم احلكيم.
واهلل املوفق
***
تمويل المساكن من أموال الزكاة
80
أما إذا كان من اإلمام أو نائبه ،فإن الواجب على اإلمام أو من ينيبه أن يبادر
بإخراج الزكاة إىل مستحقيها مبجرد قبضها ،وأنه ال مانع يف حال ما إذا اقتضت املصلحة
العمل يف هذه األموال باستثمار وحنوه ،بالضوابط والشروط املذكورة يف البحث.
ويتأكد اجلواز يف مواضع ،منها:
-أن يتأخر املال عند اجلهات املعنية بذلك ،ألي سبب من األسباب ،فال بأس
حينئذ باستثمارها مبا حيقق املصلحة ،إىل أن حيني وقت صرفها ،بالضوابط اآلتية.
-أن يفيض من أموال الزكاة ما يزيد عن حاجة الفقراء ،فال بأس حينئذ
باالستثمار.
سابعا :أن الراجح أنه ليس للفقري أن يوكل الغين يف استثمار الزكاة أو التصرف
فيها حىت يقبضها؛ ألن ذلك توكيل فيما مل ميلك بعد ،والواجب أن يقبضها أوال مث
يتصرف فيها مبا يشاء من تصرفات املالك.
ثامنا :أنه يف حال ما إذا أراد إخراج ريع املساكن على أنه زكاة ،فإنه ال خيلو من
أحوال ثالثة:
الحال األولى :أن يكون الشراء أو البناء بأموال غري زكوية ،مث جيعل للريع
للفقراء على أنه من الزكاة الواجبة يف هذا املال أو غريه ،وهذا ال شئ فيه ،وهو ال يعدو
كوَنه إخراجا للزكاة على الوجه املعتاد.
الحال الثانية :أن يشرتي املالك األصلي أو يبىن املسكن بأموال زكوية ،يريد به
االستثمار ،فإنه ال جيوز حبال ،بل الواجب على املالك األصلي مبجرد وجوب الزكاة
إخراج املال ،وال جيوز له استثماره حبال.
الحال الثالثة :أن يكون هذا التصرف من اإلمام أو نائبه ،فالذي يظهر عدم
جواز بناء أو شراء مسكن من أموال زكوية ،مث جعل ريعه للفقراء املستحقني للزكاة على
أنه الزكاة الواجبة ،ملا يف ذلك من تعطيل وإيقاف ألصل هذا املال على صورة املسكن،
وعدم وصوهلا ملستحقيها.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
82
تاسعا :أن وقف املال الزكوي على مستحقيه ال جيوز للتباين الكبري بني الزكاة
والوقف يف القصد واحلقيقة واملعىن ،وسواء كان املوقف شخصا أم غريه ،وسواء كانت
اجلهة املوقوف عليها من جهات الزكاة أم غريها.
عاشرا :أن متويل املساكن باألموال الزكوية عن طريق تسديد الديون له طريقان:
الطريق األولى :أن يأيت الفقري إىل املؤسسة اخلريية أو الغين ،ليطالب بالزكاة يف
صورة شراء أو بناء مسكن ،فتقول اجلهة أو الشخص املزكي :ما دمت حمتاجا للسكن
فاشرت أنت بيتا أو ابِنِه بالَّد ْين ،مث نقوم حنن بالتسديد عنك باعتبارك مدينا غارما ملصلحة
نفسك ،واألظهر أن الشخص إذا استدان لبناء أو شراء مسكن حيتاجه ،ومل يكن له بٌّد
منه ،وليس عنده من املال ما ميكنه به شراءه أو بناءه دون استدانة ،فاستدان لبناء هذا
املسكن ،من غري سرف وال تبذير وال إضاعة للمال ،ومل يكن عنده من الدخل الشهري
أو السنوي ما ميكنه به سداد هذا الدين ،وعجز عن السداد مباله عجزا تاما ،فإنه يعطى
من الزكاة حىت يسد دينه ،أو بعض دينه إذا متكن هو من سداد البعض اآلخر.
والطريق الثانية :أن تبين املؤسسة اخلريية مسكنا من أموال ليست زكوية بغرض
االستثمار ،مث تقوم بتسكني الفقراء فيها بأجرة ،مث عند وجوب سداد األجرة ،تدفع
املؤسسة األموال الزكوية للفقراء لسد ما وجب عليهم من أجرة املسكن على أهنم
غارمون؛ ليعود بذلك املال الزكوي للمؤسسة مرة ثانية ،لتقوم باستثماره ،وهلم جًّر ا،
والظاهر جواز ذلك بالشروط املذكورة يف البحث.
واهلل تعاىل أعلم
واحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات
كتبه
حممد بن موسى بن مصطفى الدايل
موقع الفقه اإلسالمي
تمويل المساكن من أموال الزكاة
83
المصادر والمراجع
اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة :أمحد بن أيب بكر بن إمساعيل
البوصريي
أحكام الزكاة على ضوء المذاهب األربعة :لعبد اهلل علوان -دار السالم-الطبعة الرابعة-
1406هـ.
أحكام الُقْر آن :أبو بكر حمَّم د بن عبد اهلل بن العريب(ت543هـ)-ت/حمَّم د عبد القادر
عطا-دار الفكر-بريوت.
اإلحكام في أصول األحكام :علي بن حمَّم د اآلمدي(ت631هـ)-ت/د .سيد اجلميأيت-
دار الكتاب العريب – بريوت -الطبعة األوىل1404-هـ.
االخبار العلمية من االختيارات الفقهية :لشيخ اإلسالم ابن تيمية :عالء الدين أيب
احلسن علي بن حممد بن عباس البعلي .
إدرار الشروق على أنواء الفروق :قاسم بن عبد اهلل املعروف بابن الشاط-مع الفروق
للقرايف-دار املعرفة بريوت.
إرشاد الفحول الي تحقيق الحق من علم االصول :حملمد بن علي الشوكاين.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل :حمَّم د بن ناصر الِّدين األلباين-املكتب
اإلسالمي-بريوت-الطبعة الثانية1405-هـ.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
84
استثمار أموال الزكاة وما في حكمها :للدكتور صاحل بن حممد الفوزان-دار كنوز
إشبيليا-الرياض1426-هـ.
أسنى المطالب شرح روض الطالب :أليب حيىي زكريا األنصاري-دار الكتاب اإلسالمي.
األشباه والنظائر :زين الِّدين بن إبراهيم بن حمَّم د الشهري بابن جنيم (ت970هـ) دار
الكتب العلمية-بريوت-الطبعة األوىل1419-هـ.
أصول السرخسي :حمَّم د بن أمحد بن أيب سهل السرخسي(ت490هـ)ت/أبو الوفا
األفغاين-دار املعرفة-بريوت1372-هـ.
إعانة الطالبين :السيد البكري بن السيد حمَّم د شطا الدمياطي-دار الفكر-بريوت.
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم :أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم
بن تيمية – حتقيق :حمَّم د حامد الفقي – مكتبة السنة احملَّم دية -الطبعة الثانية 1369هـ.
اإلقناع :حمَّم د الشربيين اخلطيب-ت/مكتب البحوث والدراسات بدار الفكر1415-هـ.
األم :حمَّم د بن إدريس الشافعي(ت204هـ)-دار املعرفة-بريوت-الطبعة الثانية1393-هـ.
األموال :القاسم بن سالم اهلروي-دار الكتب العلمية-الطبعة األوىل1406-هـ.
اإلنصاف في معرفة الَّر اجح من الخالف :علي بن سليمان املرداوي(ت885هـ)
ت/حمَّم د حامد الفقي-دار إحياء الرتاث-بريوت.
بحث استثمار أموال الزكاة :للدكتور عجيل النشمي -ضمن أحباث وأعمال الندوة
الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة .
بحث استثمار أموال الزكاة :للدكتور حممد عثمان شبري-ضمن أحباث وأعمال الندوة
الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة .
بحث استثمار أموال الزكاة :للدكتور /عيسى شقرة -ضمن أحباث وأعمال الندوة الثالثة
لقضايا الزكاة املعاصرة .
تمويل المساكن من أموال الزكاة
85
بحث التمليك والمصلحة فيه :أحباث الندوة الثالثة لقضايا الزكاة املعاصرة بالكويت.
بحث توظيف أموال الزكاة في مشاريع ذات ريع بال تمليك فردي للمستحق:
للخياط-منشور يف جملة جممع الفقه اإلسالمي-العدد الثالث.
بحث توظيف أموال الزكاة مع عدم التمليك للمستحق :للدكتور الفرفور-منشور يف
جملة الفقه اإلسالمي العدد الثالث.
بحث توظيف أموال الزكاة :للشيخ آدم شيخ عبد اهلل.
بحث حكم إخراج المنفعة بدال عن زكاة المال :الدكتور أمحد احلجي الكردي ضمن
الندوة الثامنة عشرة لقضايا الزكاة املعاصرة.
التمهيد :يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب النمري (ت463هـ) ت/مصطفى العلوي ،حمَّم د
البكري -وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية -املغرب1387-هـ.
الثمر الدانى في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني :صاحل عبد
السميع الآىب األزهري -املكتبة الثقافية بريوت لبنان.
جامع البيان عن تأويل آي الُقْر آن :حمَّم د بن جرير بن يزيد بن خالد الطربي(ت
310هـ)دار الفكر-بريوت1405-هـ.
الجامع الصحيح :حمَّم د بن إمساعيل البخاري(ت256هـ) دار السالم-الرياض-الطبعة
الثانية1419-هـ.
الجامع ألحكام الُقْر آن :حمَّم د بن أمحد األنصاري القرطيب-دار الكتاب العريب –القاهرة-
1387هـ0
الجني الداني في حروف المعاني :للمرادي ط .املكتبة العربية حبلب.
جواهر اإلكليل شرح مختصر خليل :صاحل بن عبد السميع اآليب األزهري -دار
املعرفة-بريوت.
حاشية ابن القيم :حممد بن أيب بكر أيوب الزرعي املعروف بابن القيم (ت751هـ)دار
الكتب العلمية-بريوت-الطبعة الثانية1415-هـ.
حاشية البجيرمي :سليمان بن عمر بن حمَّم د البجريمي-املكتبة اإلسالمية-ديار بكر-تركيا
0
حاشية الخرشي على مختصر خليل :حمَّم د اخلرشي املالكي(ت1101هـ)-دار الفكر.
حاشية الدسوقي :حمَّم د عرفة الدسوقي-ت/حمَّم د عليش-دار الفكر-بريوت.
حاشية العدوي :علي الصعيدي املالكي-دار الفكر-بريوت1412-هـ.
حاشيتي قليوبي وعميرة على المنهاج :شهاب الِّدين القليويب ،وعمرية-دار إحياء علوم
الِّدين الكتب العربية.
الحاوي الكبير :علي بن حمَّم د املاوردي (ت450هـ) الطبعة األوىل-بريوت1988-م.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
87
الفتاوى الكبرى :أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية (ت728هـ) ت/حسنني
حمَّم د خملوف-دار املعرفة-بريوت-الطبعة األوىل1386-هـ.
فتاوى اللجنة الدائمة لإلفتاء بالكويت.
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء :رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء-
الطبعة الثانية1423-هـ.
الفتاوى الهندية العالمكيرية :الشيخ نظام ومجاعة من علماء اهلند-دار الكتب العلمية –
بريوت-الطبعة األوىل1421-هـ.
فتاوى نور على الدرب :للشيخ حممد بن صاحل العثيمني.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري :أمحد بن حجر بن علي العسقالين(ت852هـ) دار
املعرفة -بريوت1379-هـ-ت/حمَّم د فؤاد عبد الباقي ،وحمب الِّدين
الفروع :حمَّم د بن مفلح املقدسي(ت763هـ)ت/د.عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي-
مؤسسة الرسالة -الطبعة األوىل1423-هـ.
فيض القدير شرح الجامع الصغير :حمَّم د عبد الرؤوف املناوي-املكتبة التجارية-مصر-
الطبعة األوىل1356-هـ.
قواعد األحكام في مصالح األنام :عز الِّدين بن عبد العزيز بن عبد السالم السلمي ( ت
660هـ ) دار الكتب العلمية-بريوت.
القواعد الفقهية :أبو الفرج زين الدين عبد الرمحن بن رجب احلنبلي– ط .دار الفكر.
القواعد النورانية الفقهية :أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن تيمية – حتقيق :د/
أمحد بن حمَّم د اخلليل – دار ابن اجلوزي -الطبعة األوىل – 1422هـ.
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي :يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب القرطيب (ت
463هـ)-دار الكتب العلمية-بريوت-الطبعة اإلوىل1407-هـ.
كشاف القناع :منصور بن يونس بن إدريس البهويت(1051هـ) ت /هالل مصيلحي
مصطفى هالل-دار الفكر-بريوت1402-هـ.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
90
مسند البزار :أبو بكر أمحد بن عمرو بن عبد اخلالق البزار(ت292هـ) ت/د0حمفوظ
الرمحن زين اهلل-مؤسسة علوم الُقْر آن-املدينة-الطبعة األوىل1409-هـ.
المسند :أبو عبد اهلل أمحد بن حنبل الشيباين(ت241هـ)ت/أمحد بن حمَّم د بن شاكر-دار
املعارف-مصر1374-هـ.
المسودة :لعبد السالم ،وعبد احلليم ،وأمحد بن تيمية-ت/حمَّم د حمي الِّدين عبد احلميد-
دار املدين – القاهرة.
المصنف :أبو بكر عبد اهلل بن حمَّم د بن أيب ابن أيب شيبة يف املصنف الكويف (
235هـ)ت/كمال احلوت-مكتبة الرشد-الرياض-الطبعة األوىل 1409-هـ.
مطالب أولي النهى :مصطفى السيوطي الرحيباين(ت1243هـ)املكتب اإلسالمي-
1961م.
معالم السنن :محد بن حمَّم د اخلطايب البسيت (ت388هـ) ت /عبد السالم عبد الشايف
حمَّم د -دار الكتب العلمية-بريوت-الطبعة األوىل1411-هـ.
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج :مشس الِّدين حمَّم د بن حمَّم د اخلطيب
الشربيين-ت/علي حمَّم د معوض ،وعادل عبد املوجود-دار الكتب العلمية-بريوت-الطبعة
األوىل1415-هـ.
المغني :عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي(ت620هـ) دار الفكر-بريوت -الطبعة
األوىل1405-هـ.
المغني :عبد اهلل بن أمحد بن حمَّم د بن قدامة املقدسي(620هـ) ت /د.عبد اهلل بن عبد
احملسن الرتكي ،د0عبد الفتاح حمَّم د احللو-هجر-الطبعة الثانية1412 -هـ.
مقاصد الشريعة اإلسالمية :حممد الطاهر بن عاشور-دار النفائس-األردن-الطبعة الثانية-
1421هـ.
المنثور في القواعد :حمَّم د بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي(ت794هـ) ت /د.تيسري فائق
أمحد-وزارة األوقاف-الكويت-الطبعة الثانية1405-هـ.
تمويل المساكن من أموال الزكاة
92
الفهارس