Professional Documents
Culture Documents
الأخوة 2
الأخوة 2
تأليف
أيب عاصم
هشام بن عبد القادر بن محمد آل عقدة
مفسدات األخوة ()4
إهــــــداء إلى
أحبة الصبا ،وصحبة الشباب
أما بعد
()5 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()6
()1
أتدري أين سكناه..؟!
مقدمة
(?) رواه الطLL Lبراني في المعجم الكبLL Lير رقم ( )11537من حLL Lديث ابن عبLL Lاس رضLL Lي اهلل 1
عنهما ،والبغوي في شرح السنة ( )13/53وله شواهد كثيرة عن ابن مسعود عنLLد أبي داود
الطيالسLLي رقم ( ،)378ص ،50والطLLبراني في الصLLغير ،كمLLا في مجمLLع الزوائLLد (،)1/90
وعن البراء رواه اإلمام أحمد في مسLLنده ( )4/286بلفLLظ(( :أوسLLط عLLرى اإليمLLان أن تحب
في اهلل وتبغض في اهلل)).
ورواه ابن أبي شLLيبة في اإليمLLان رقم ( )110ص ،42وصححه األلبLLاني في صحيح الجLLامع
()9 مفسدات األخوة
ومن ثم فأُخ َّو ة المؤمنين أرفع أخوة ،وأسمى عالقة يمكن أن توجد بين البشر،
فأُخ َّو ُة المؤمنين تزري بأُخ َّو ِة األشقاء ،ورابطة العقيدة أقوى من رابطة النسب ،ولما
ِإ ِن ِم ِل ِإ
قال نوح عليه السالمَ :ر ِّب َّن اْب ي ْن َأْه ي َو َّن َو ْعَد َك اْلَح ُّق َو َأْنَت َأْح َك ُم
ِم ِل ِإ ِإ ِكِم
اْلَح ا يَن [ هود ،]45 :قال له ربه جل وعالَ :يا ُنوُح َّنُه َلْيَس ْن َأْه َك َّنُه َعَمٌل
َغْيُر َص اِلٍح َفال َتْس َأْلِن َم ا َلْيَس َلَك ِبِه ِع ْلٌم ِإِّني َأِع ُظَك َأْن َتُك وَن ِم َن اْلَج اِهِليَن [ هود:
.]46
وما أمجل قول الشاعر:
فقلت لهم :إن الُّشُك ول أقارُب فقلُت :أخي ،قالوا :أٌخ من
وإن فّر َقْتنا في األصوِل قرابة
()1
المناِس ب نسيبي في رأيي وعزمي
وهَّم تي
ونظًر ا ألهمية هذه الرابطة بين المؤمنين فقد رتب اهلل جل وعال عليها عظيم
الفضل وجزيل األجر والثواب وقرب أهلها وأحبهم ،فمن السبعة الذين يظلهم اهلل
في ظله يوم ال ظل إال ظله(( :رجالن تحابا في اهلل ،اجتمعا عليه وتفرقا عليه))(.)2
وفي الحديث القدسي(( :المتحابون في جاللي لهم منابر من نور يغبطهم
(?) ج LL Lزء من ح LL Lديث :رواه البخ LL Lاري في األذان رقم ( ،)660والزك LL Lاة رقم (،)1423 2
والرقاق رقم ( )6479مختصًر ا ،وفي الحدود رقم ( ،)6806ورواه مسلم في الزكLLاة رقم
( ،)1031ومالك في الموطأ في الشعر ( ،)953 ،2/952والنسائي في القضاة (،8/222
،)223والترمذي في الزهد رقم ( ،)2391وأحمLد في مسLنده ( ،)2/439والبغLوي في
شرح السنة (.)2/354
مفسدات األخوة ()10
النبيون والشهداء))( ،)1وفي الحديث القدسي أيًض ا أن اهلل تعالى قال(( :حقت
محبتي للمتحابين فَّي ،وحقت محبتي للمتواصلين فَّي ،وحقت محبتي للمتناصحين
فَّي ،وحقت محبتي للمتزاورين فيَّه ،وحقت محبتي للمتباذلين فَّي ))(.)2
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي اهلل عنه عن النبي (( أن رجًال زار أًخ ا له في
قرية أخرى ،فأرصد( )3اهلل تعالى على مدرجته( )4ملًك ا ،فلما أتى عليه قال :أين
تريد؟ قال :أريد أًخ ا لي في هذه القرية .قال :هل لك عليه من نعمة َتُر ُّبها( )5عليه؟
قال :ال ،غير أني أحببته في اهلل تعالى .قال :فإني رسول اهلل إليك بأن اهلل قد أحبك
كما أحببته فيه))(.)6
وقال (( :ما تحاب رجالن في اهلل تعالى إال كان أفضلهما أشَّدهما حًبا
(?) رواه اإلمLLام أحمLLد في المسLLند ()5/239ـ مطLLوًال ـ ،وروى الترمLLذي في الزهد رقم ( 1
)2390الجزء المذكور فقط ،وصححه األلباني "صحيح الجامع الصغير" رقم (.)4312
(?) رواه اإلمام أحمد في المسLند ( ،)328 ،239 ،237 ،233 ،5/229ورواه اإلمLام 2
مالLL Lك في الموطLL Lأ في الشLL Lعر ( ،)954 ،2/953والبغLL Lوي في شLL Lرح السLL Lنة (،)13/50
وصحح إسLLناده الحافLLظ ابن عبLLد الLLبر والحافLLظ المنLLذري في الLLترغيب والLLترهيب (،4/18
،)19وصححه أيًض ا الش LLيخ األلبLLاني "صحيح الجLLامع الصLLغير" رقم ( ،)4320والش LLيخ
شعيب األرناؤوط في تخريج شرح السنة (.)13/50
(?) يعني أقعده يربه .شرح النووي (.)16/124 3
(?) المدرجLLة هي الطريق ،سLLميت بLLذلك ألن النLLاس يدرجون عليها أي يمضLLون ويمشLLون. 4
السابق.
(?) أي تقوم بإصالحها وتنهض إليه بسبب ذلك .السابق. 5
(?) رواه مسلم في البر والصلة رقم ( ،)2567وأحمد في المسند (،462 ،408 ،2/292 6
،)508والبغ LL Lوي في ش LL Lرح الس LL Lنة ( ،)13/51وابن حب LL Lان في صحيحه رقم ()571
اإلحسان.
()11 مفسدات األخوة
لصاحبه))(.)7
وعن عبدة بن أبي لبابة أنه لقي مجاهًد ا رحمه اهلل فأخذ مجاهد بيده فقال :إذا
التقى المتحابان في اهلل فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما
كما تحات ورق الشجر .قال عبدة :فقلت له :إن هذا ليسير ـ يعني المصافحة
والتبسم ـ فقال :ال تقل ذلك ،فإن اهلل يقولَ :لْو َأْنَف ْق َت َما ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما
َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم [ األنفال ،]63 :قال عبدة :فعرفت أنه أفقه مني(.)1
وعن الوليد بن أبي مغيث عن مجاهد قال :إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر
لهما ،قال :قلت لمجاهد :بمصافحة يغفر لهما؟ قال مجاهد :أما سمعته يقولَ :لْو
َأْنَف ْق َت َما ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم [ األنفال .]63 :فقال الوليد
لمجاهد :أنت أعلم مني(.)2
(?) رواه البخLLاري في األدب المفLLرد رقم ( ،)544وأبLLو داود الطيالسLLي في مسLLنده رقم ( 7
(?) ورد هذا المعنى عن سهل بن سLLعد مرفوًع ا بلفLظ" :المLرء كثLير بأخيLه" ،عLزاه السLيوطي 2
في الجLL Lامع البن أبي الLL Lدنيا في "اإلخLL Lوان" ،وذكLL Lره الشLL Lيخ األلبLL Lاني في الضLL Lعيفة وعLL Lزاه
للقضاعي عن أنس بن مالك مرفوًعا ( ،)2/8/1وألبي بكر الشيروي في "العوالي الصحاح"
( )2/211وضعفه ،ضعيف الجامع الصLLغير رقم ( ،)5934سلسLLلة األحLLاديث الضLLعيفة رقم
(.)1895
(?) أورده في روضة العقالء من كالم عمر رضي اهلل عنه ص.90 ،89 3
مفسدات األخوة ()14
وصدق عمر رضي اهلل عنه إذ يقول :لقاء اإلخوان جالء األحزان(.)1
وقال بعض السلف :روح العاقل في لقاء اإلخوان(.)2
وسئل سفيان رحمه اهلل :ما ماء العيش؟ قال :لقاء اإلخوان.
وقيل لمحمد بن المنكدر :ما بقي من لذتك؟ قال :التقاء اإلخوان وإدخال
السرور عليهم(.)3
وقيل لبعض الحكماء :ما العيش؟ قال :إقبال الزمان ،وعز السلطان ،وكثرة
اإلخوان(.)4
وقيل :حلية المرء كثرة إخوانه(.)5
ورحم اهلل الحسن إذ يقول :إخواننا أحب إلينا من أهلينا ،إخواننا يذكروننا
باآلخرة ،وأهلونا يذكروننا بالدنيا(.)6
وأي طعم للحياة بدون األحبة؟! وما أرق قول علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه
البنه الحسن :يا بني ،الغريب من ليس له حبيب(.)7
وقال بعض الشعراء:
وأْش َر قني على حنِق َبريِقي وكنُت إذا الصديُق َنَبا بأمري
غفرُت ُذ نوَبه وكظمُت غيِظ ي
(?) السابق ص.162 1
(?) السابق ص ،164قال الماوردي :ومثل هذا :القول المروي عن أبي بكر الصديق رضي 5
اهلل عنه حين أقطع طلحة بين عبيد اهلل أرًض ا ،وكتب له بها كتاًبا ،وأشهد فيه ناًس ا منهم عمر
بن الخطLاب رضLLي اهلل عنLه فLLأتى طلحLة بكتابLLه إلى عمLLر ليختمLLه ،فLLامتنع عليLه ،فرجLLع طلحLة
ُمغض ًLبا إلى أبي بكر رضLLي اهلل عنLLه وقLLال :واهلل مLLا أدري أنت الخليفLLة أم عمLLر؟ فقLLال :بLLل
عمر ،لكنه أنا.
(?) السابق ص.166 6
ولذا قال خالد بن صفوان :إن أعجز الناس من قصر في طلب اإلخوان ،وأعجز
منه من ضيع من ظفر به منهم(.)2
وقال بعض الحكماء :من لم يرغب في اإلخوان ُبِلَي بالعداوة والخذالن،
ولعمري إن إخوان الصدق من أنفس الذخائر وأفضل العدد(.)3
فبإخوان الصدق تحلو الحياة؛ بسماع حديثهم ورؤية وجوههم واللصوق بهم،
وبهم تذلل الصعاب وتخف المشاق وتهون الشدائد .وصدق ابن المعتز إذ يقول:
من اتخذ إخواًنا كانوا له أعواًنا(.)4
وما أصدق هذا الكالم إذا تأملناه في أيامنا هذه ،من الذي يعينني على االلتزام
بالدين؟ من الذي يعينني على فعل الطاعة وترك المعصية؟ من الذي يعينني على
الدعوة والثبات؟ من الذي أستريح بعرض مشاكلي عليه وأطمئن بوقوفه إلى جانبي؟
ومن الذي يخفف علّي النكبات ويدخل علّي السرور ،ويؤثر فَّي بالقدوة والكلمة؟!
قال سفيان رحمه اهلل :لربما لقيت األخ من إخواني فأقيم شهًر ا عاقًال بلقائه(.)5
(?) عيLLون األخبLLار البن قتيبLLة ( )3/3ولم ينسLLبه ألحLLد ،ونسLLبه في أدب الLLدنيا والLLدين ص 2
162لخالد بن صفوان.
(?) السابق ص.165 3
فحذار أن يعجب المرء بنفسه ويفضل أن يعيش فرًدا مستقًال بعيًد ا عن إخوانه،
((فإنما يأكل الذهب من الغنم القاصية))((( ،)2فإن الشيطان مع الواحد وهو من
االثنين أبعد))( )3كما قال .
ولذا فمن أساليب الشيطان إلضاللك أن يبغض إليك إخوانك ،ويقول لك :هذا
فعل كذا ،وهذا يضايقك في كذا .وال يزال بك حتى تصير فرًدا ضعيًف ا كسوًال ،ثم
ال تلبث أن تتسلط عليك الدنيا ويتسلط عليك الشيطان باألفكار التافهة
واالنشغاالت الدنيوية الحقيرة ،والتفكير في الدنيا وشهواتها ،ويمأل قلبك وحشة
(?) العباس بن عبد يعيش كما في روضة العقالء ص 87ضمن أبيات له. 1
(?) جLLزء من حLLديث رواه اإلمLLام أحمLLد في مسLLنده ( ،)6/446( ،)5/196وأبLLو داود في 2
(?) وقLد روى البخLاري في األدب المفLرد رقم ( )263عن عمLير بن إسLحاق رحمLه اهلل أنLه 2
قال :كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس األلفة ،إال أن أول ما يرفع بين الناس األلفLة ،إال
أن األلبLاني حفظLه اهلل قLال" :ضLعيف اإلسLLناد عمLير وثLق وفيLه القاسLم بن مالLك فيLه لين" اهـ،
ضعيف األدب المفرد رقم (.)43
()19 مفسدات األخوة
سلفنا وما كانوا عليه من التآلف والتآخي.
وشتان بين مجتمع تسوده األلفة والمودة واإلخاء والمحبة ،يشعر الفرد فيه
بقربه من اآلخرين وقربهم منه دون انقباض وال تكلف ،ومجتمع يعيش كل فرد فيه
وحده يستثقل أن يجتمع بأحد أو يجتمع إليه أحد ،ينقبض من اآلخرين ،وينعزل كل
فرد عن اآلخر ،وتخلو الحياة من المشاعر الرقيقة واألشواق الرفيعة ،فإذا هذه
األمة التي ينبغي أن تكون جسًد ا واحًد ا( )3قد صارت أجساًدا كثيرة ال حصر لها،
تحيا حياة مملة جافة قاسية ال روح فيها وال معنى.
واأللفة ال ترفع من الناس ،مرة واحدة ،ولكن هناك مقدمات تحدث تكون سبًبا
لزوال األلفة ،وكم من صاحب لم يراع بعض األمور مع صاحبه فأصبح ثقيًال عليه
وزالت من بينها األلفة؛ لذا كان من المهم أن نعرف كيف نحافظ على األلفة،
وننميها بيننا ،وأن نعلم كل ما يفسدها لنتقيه ونحذر منه.
وينبغي أن ال نستهني مبا ترتكه أقوالنا وتصرفاتنا ومواقفنا من أثر على نفوس
أصحابنا ،فقد يكون أثر الصاحب على صاحبه دافًعا له حلب مجيع أصحابه والتعلق هبم
حىت لريى أهنم سبب سعادته وال يطيق فراقهم.
فإذا فقدتهم انَقَض ى عمري فليتني أحَيا بقربهم
ويكون بين قبورهم َقْبِري فتكون داِري بين دورهم
وقد يكون أثر الصاحب على صاحبه دافًعا له لكره مصاحبة اخللق وإيثار العزلة
واالنفراد عنهم.
ومن الَّتفرد في زمانك فاْز َد ِد ال تجزعَّن لوْح َدٍة وَتَفُّر د
(?) ق LLال (( :مث LLل المؤم LLنين في ت LLوادهم وت LLراحمهم وتع LLاطفهم كمث LLل الجس LLد الواح LLد إذا 3
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) .رواه البخLLاري في األدب رقم (
،)6011ومسلم في البر والصلة رقم ( ،)2586والبغوي في شرح السنة (.)13/46
مفسدات األخوة ()20
إال الَّتمُّلق باللسان وبالَيِد ذهب اإلخاُء فليس َثَّم أخوٌة
أْبصرت َثَّم نِقيع سم األسَو ِد فإذا كشفت ضميرهم
بصدورهْم
فتأمل عظم األثر النفسي للصاحب على صاحبه ،وكيف يتراوح من أن يكون
الصاحب لصاحبه غذاءه الذي تقوم به حياته والبد له منه في كل وقت ،ودواءه
الذي يحتاجه في الحين بعد الحين وليس في كل وقت ،إلى أن يكون ُس َّم ه وداءه
الذي يقضي عليه ويحطمه(( ،)1فالصداقة قد تولد الحب وقد تولد عدمه ،وقد تولد
اإليثار وقد تولد األثرة ،وقد تولد الوفاء وقد تولد البغضاء)(.)2
وما ذاك إال ألن النفس تتأثر جًد ا بتصرفات األصحاب ،وكم نرى من شخص
نظنه مريًض ا أو نزلت به كارثة عظيمة وما به إال أثر صاحبه عليه ،فقد يكون ذلك
أثًر ا لما وقع عليه من تصرف غير حميد ،أو صدمة في صديق ،أو فراق حبيب،
(?) قال المLاوردي في أدب الLدنيا والLدين ص( :171 ،170قLال المLأمون :اإلخLLوان ثالث 1
طبقات :طبقة كالغذاء؛ ال يستغنى عنLه ،وطبقLة كالLLدواء؛ يحتLاج إليLه أحياًن ا ،وطبقLة كالLLداء؛
ال يحتاج إليه أبًد ا.اهـ .ولعمري إن الناس على ما وصفهم ،ولكن ليس من كLLان منهم كالLLداء
من اإلخ LLوان المع LLدودين ،ب LLل هم من األع LLداء المخ LLدورين ،وإنم LLا يداجون ـ من داج LLاه إذا
س LLاتره ـ الم LLودة استكش LLاًفا لش LLرهم ،وتح LLرًز ا من مكاش LLفتهم ،ف LLدخلوا في ع LLداد اإلخ LLوان
بالمظاهرة والمساترة ،وفي األعداء عند المكاشفة والمجاهرة...
فLLإذا خLLرج من كLLان كالLLداء من عLLداد اإلخLLوان ،فLLاإلخوان هم الصLLنفان اآلخLLران ،من كLLان
منهم كالغ LLذاء أو كال LLدواء؛ ألن الغ LLذاء ق LLوام للنفس وحياتها ،وال LLدواء عالجها وصالحها،
وأفضLLلهما من كLLان كالغLLذاء؛ ألن الحاجLLة إليLLه أعم .وإذا تمLLيز اإلخLLوان وجب أن ينزل كLLل
منهم حيث نزلت به أحواله إليLه ،واسLLتقرت خصLاله وخاللLه عليLه ،فمن قLويت أسLLبابه قLويت
الثقة به ،وبحسب الثقة به يكون الركون إليه ،والتعويل عليه).
(?) انظر :الصداقة والصديق ص.86 2
()21 مفسدات األخوة
فيؤثر ذلك على مزاجه وعلى كالمه وعلى نظراته وعلى طعامه وشرابه وعلى نومه،
وعلى عمله وأدائه.
إن جمرد إحساس األخ بشيء يسري من االبتعاد أو اإلعراض من صاحبه حيرق قلبه
وُيَض ِّيق عليه الدنيا ،فكيف مبا هو أعظم من ذلك؟!
ضاَقْت علّي برحِب األرِض إذا رأيَت اْز وَر اًرا من أخي
أوَطاني ثَقة
فالعين غضبى وقلبي غير فإذا صددُت بوجهي كي
غضباِن أكاِفَئه
يعني أنك قد تمرض نفًس ا رقيقة أو تدمرها تدميًر ا وتحطمها تحطيًم ا وأنت ال
تشعر ...وعدم شعورك به ضربة وصدمة أخرى فتكون قد أمته موتتين.
لكل ما سبق كان لزاًما علينا أن ال نتهاون بمفسدات األخوة ،وأن نتعرف عليها
جيًد ا لنصون أخّو تنا عنها لعل اهلل جل وعال أن يديم ألفتنا ويجعلها عوًنا لنا على
قطع رحلتنا في هذه الحياة ،والقيام برسالتنا ،واهلل المستعان وعليه التكالن
أبو عاصم
دمنهور
في مساء السبت 6صفر 1417هـ
22يونيه 1996م
مفسدات األخوة ()22
()1
ُم ْفِس َد اُت األخّو ِة
وقبل الشروع في هذه المفسدات على وجه التفصيل فالبد من اإلشارة إلى أن
المقصود من ذكر هذه المفسدات اتقاؤها وصون أخوتنا عنها ومعرفة كيف يحافظ
األخ على أخيه وكيف تدوم له مودته ،وإن األمور التي يحافظ بها األخ على أخيه
وتدوم له بها مودته خضم عظيم ،وبحر ال ساحل له ،والحديث فيه ال تبدو له
نهاية...
والحديث عما تدوم به األخوة فيه إجمال وتفصيل:
فإجماًال :كرم العشرة سبب دوام األخوة.
وكرم العشرة عبارة جامعة لكل ما ينمي العالقة بينك وبين أخيك ،وإن شئت
فقل :هي حسن الخلق الذي أرشد إليه رسولنا في وصيته الجامعة(( :اتق اهلل
حيثما كنت ،وأتبع السيئة الحسنة تمحها ،وخالق الناس بخلق حسن))( ،)2وقد
(?) قLLد يرى البعض شLLيًئا من التنLLاقض في بعض المفسLLدات المLLذكورة ،وليس كLLذلك فLLإن 1
الفض LLيلة وس LLط بين ط LLرفين كم LLا أن كًال من اإلف LLراط والتفريط م LLذموم ،واإلف LLراط في هذا
الجLLانب أو مLLا يقابلLLه مLLذموم ،ولتوضLLيح ذلLLك بمثLLال؛ فمن مفسLLدات األخLLوة بLLرود العاطفLLة
والتفريط في إظهار المحبLLة ،ومن المفسLLدات أيًض ا اإلفLLراط في المحبLLة ،وليس هذا تناقًض ا
وإنمLLا المLLراد أن ال يصLLل الحLLذر من اإلفLLراط في المحبLLة إلى بLLرود العاطفLLة أو التفريط في
إظهار المحبLLة ،كمLLا ال ينبغي أن تLLؤدي العاطفLLة الحيLLة الجياشLLة وإظهار المحبLLة إلى اإلفLLراط
وما يؤدي إليه من عواقب سLLيئة تعLود على األخLLوة بالفسLاد ـ كمLا سLLيأتي في موضLعه ـ وعلى
هذا فقس أمثال LLه (كت LLدخلك فيم LLا ال يعني LLك من ش LLئونه م LLع ع LLدم االك LLتراث بمش LLاكله ...
وهكذا.)...
(?) رواه الترمLLذي في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)1987وأحمLLد في مسLLنده (،)158 ،5/153 2
()23 مفسدات األخوة
تعددت عبارات السابقين الضابطة لكرم المعاشرة ...وما يجب للصديق على
الصديق.
قال أبو العتاهية :قيل لعلي بن الهيثم :ما يجب للصديق؟ قال :كتمان حديث
الخلوة ،والمواساة في الشدة ،وإقالة العثرة.
وقيل ألعرابي :من أكرم الناس عشرة؟ قال :من إن َقُر ب منح ،وإن َبُعَد مدح،
وإن ُظِلَم صفح ،وإن ضويق سمح ،فمن ظفر به فقد أفلح ونجح.
وقال رجل من قريش :خالطوا الناس مخالطًة إن غبتم حُّنوا إليكم ،وإن متم
بكوا عليكم(.)1
وهي كلمة عظيمة تفتح مجاًال واسًعا رحًبا للتنافس واالجتهاد فيما يحقق كرم
العشرة.
وأما تفصيًال فهناك نقاط كثيرة تفوق الحصر تندرج تحت كرم العشرة ،وما
الحديث اآلتي عن مفسدات األخوة ـ التي ينبغي صون أخوتنا عنها ـ إال محاولة في
سبيل الوصول إلى تحقيق كرم العشرة فيما بيننا ...فلنتناول هذه المفسدات على
وجه التفصيل.
المفسدة األولى
الَطمُع في الّد نَيا أْو فيما عند الناس
وربما يتساءل البعض :وهل من عالقة بين المحبة بين اثنين وطمع أحدهما أو
كليهما في الدنيا؟
والجواب ـ بال تردد ـ نعم ،إذا وجد الطمع في الدنيا والنظر إلى ما بأيدي الناس
كان أكبر طارد لمحبة الناس ،كما قال رسول اهلل (( :ازهد في الدنيا يحبك اهلل،
وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))(.)1
وقال تعالىَ :و ال َتُم َّد َن َعْيَنْيَك ِإَلى َما َم َّتْعَنا ِبِه َأْز َو اجًا ِم ْنُه ْم َزْه َر َة اْلَحَياِة الُّد ْنَيا
ِلَنْف ِتَنُه ْم ِفيِه َو ِر ْز ُق َر ِّبَك َخ ْيٌر َو َأْبَق ى[ طـه.]131:
فكم من أخوين كانا متحابين متصافيين يصعب على كل منهما فراق اآلخر
تغيرت نفوسهما بعدما تعرضا للدنيا وتنافسا في النيل منها...
وكم من أخ حبيب ،مطمئن الفؤاد ،راٍض بما قسم اهلل له ،صافي القلب لجميع
إخوانه ،اضطرب قلبه بعدما صار ينظر في دنياه إلى من هو أكثر منه ويمد عينيه إلى
ما ُمِّتَع به غيره ،وينظر في دينه إلى من هو أقل منه ...فتغير قلبه ولم يعد صفاؤه
إلخوانه كما كان عليه من قبل ،ولم يعد اهتمامه ونظره في الدين وإلى من هو أكثر
منه ديًنا كما كان عليه من قبل.
(?) رواه ابن ماجLLه في الزهد رقم ( ،)4102والحLLاكم في مسLLتدركه ( ،)4/313وأبLLو نعيم 1
في الحلية ( ،)7/136( ،)3/253وحسنه الحافظ ابن حجر رحمLLه اهلل في بلLLوغ المLLرام رقم
( ،)1501وحس LLنه األلب LLاني في صحيح الج LLامع الص LLغير رقم ( )922وتكلم على طرق LLه في
سلسلة األحاديث الصحيحة ،حديث رقم (.)944
()25 مفسدات األخوة
ومع ازدياد التعلق بالدنيا يندثر اإليثار وينسى قوله (( :ال يؤمن أحدكم حتى
يحب ألخيه ما يحب لنفسه))( )2وتحل األنانية البغيضة التي ال تعدو منطق( :نفسي
نفسي).
(يقول سبحانه وتعالىِ :إَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة[ الحجرات ]10 :واألخوة من
أجمل المعاني التي يمكن أن يتحدث عنها اإلنسان شفيفة لطيفة كالنور! ندية محببة
إلى القلوب ...ولكن ما "اإلخوة" التي وردت اإلشارة إليها في كتاب اهلل؟
يستطيع اثنان من البشر وهما يسيران في الطريق الواسع ـ في األمن والسالمة ـ
أن يتآخيا! أن يسيرا مًعا وقد لف كل منهما ذراعه حول أخيه من الحب.
ولكن انظر إليهما وقد ضاق الطريق فال يتسع إال لواحد منهما يسير وراء
اآلخر ،فمن أقدم؟ أقدم نفسي أم أقدم أخي وأتبعه؟
ثم انظر إلى الطريق قد ضاق أكثر ...فلم يعد يتسع إال لواحد فقط دون
اآلخر! إنها فرصة واحدة ...إما لي وإما ألخي ...فمن أقدم؟ أقول :هذه فرصتي،
وليبحث هو لنفسه عن فرصة؟ أم أقول ألخي :خذ هذه الفرصة أنت ،وأنا أبحث
لنفسي؟! هذا هو المحك.
إن األخوة في األمن والسالمة ال تكلف شيًئا وال تتعارض مع رغائب النفس...
بل هي ذاتها رغبة من تلك الرغائب يسعى اإلنسان لتحقيقها مقابل الراحة النفسية
التي يجدها في تحققها...
(?) رواه البخاري في اإليمان رقم ( ،)7ومسلم في اإليمان رقم ( ،)45والترمذي في صفة 2
(?) انظر :واقعنا المعاصر للشيخ محمد قطب ص.490 ،489 1
()27 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()28
المفسدة الثانية
الّتْفريط في الّطاَع اِت والوقوع في المخالفات الّش ْر عَّية
فبقدر ما ترى في أخيك من تقى وصالح بقدر ما تصفو له وتحبه ...وبقدر ما
يمأل جو الصداقة أو الصحبة ويعطره من ذكر وعبادة وتذكر لآلخرة واهتمام بطاعة
اهلل والدعوة إليه ،بقدر ما تقوى وتدوم هذه الصحبة ويزداد حب الصاحبين كل
منهما لآلخر...
أما إذا نضبت ساعات الصحبة من الذكر أو العبادة أو التناصح والتذكير
باآلخرة والتحميس للدعوة ،فإن الجفاف يحل في هذه العالقة ويجد اللغو والجدل
فيها مرتًعا.
وكذا تحل قسوة القلب والملل ،وينفتح باللغو أبواب للشرور واختالف
القلوب ...ثم تأتي الذنوب لتكون الحاجز الذي يفصم عرى األخوة ويفرق بين
الصاحبين ،ففي الحديث الصحيح(( :ما تواد اثنان في اهلل فيفرق بينهما إال بذنب
يحدثه أحدهما))(.)1
(?) رواه بهذا اللف LLظ البخ LLاري في األدب المف LLرد رقم ( )401من ح LLديث أنس رض LLي اهلل 1
عن LLه ،وصححه األلب LLاني في صحيح األدب المف LLرد رقم ،)0310ورواه اإلم LLام أحم LLد في
مسنده ( )2/68من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي كان يقLLول(( :المسLLلم أخLLو
المسLLلم ال يظلمLLه وال يخذلLLه)) ،ويقLLول(( :والLLذي نفس محمLLد بيLLده مLLا تLLواد اثنLLان فيفLLرق
بينهما إال بذنب يحدثه أحدهما ))...الحديث.
ورواه أحمLLد أيًض ا في مسLLنده ( )5/71من حLLديث رجLLل من بLLني سLLليط قLLال :أتيت النLLبي
وهو في أزفلة من الناس فسمعته يقول(( :المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يخذله ،التقLLوى
هاهنا)) وقال بيده إلى صدره(( ،وما تواد رجالن في اهلل عLز وجLLل فتفLرق بينهمLا إال بحLدث
()29 مفسدات األخوة
متعلقا بحق أخيك ،بل الذنوب مطلًق ا
وهذا الذنب ليس بالضرورة أن يكون ً
واحدا إثر اآلخر ...فربما كان
ً التي يرتكبها العبد تؤدي إلى افتقاده لأحبابه وإخوانه
تركا لواجب ,أو خلالً في خلق أو سلوك ,أو
متعلقا بمعاملة مالية ,وربما ً
الذنب ً
عدم حفظ للسان عن خسيس الكلام وقبيحه ,وعن الغيبة والخوض في أعراض
الناس وخصوصياتهم ،وعن االستهزاء بهم ...إلى غير ذلك من المعاصي
والذنوب.
فتلك الذنوب من تفريط ومخالفات تؤدي إلى ضياع المحبة واألخوة؛ إما
بطريق غير مباشر كعقوبة من عقوبات المعاصي؛ حيث يحرمك اهلل محبة إخوانك
وإقبالهم ،وإما بطريق مباشر وذلك أن يدرك أخوك أن جلوسك معه يورطه في
الذنوب أو السكوت على منكر أو يذكره بالدنيا وينسيه ذكر اهلل والدار اآلخرة،
ويقوده للتقصير في العبادة ،ويبعده عن القيام بمهام دعوته ،فحينئٍذ تقل محبته لك
ويشتاق إلى غيرك...
ضُلوا وعظمت مكانتهم ألنهم ُيَذِّكرون باآلخرة ,كما
فإن الإخوان في اهلل إنما ُف ِّ
قال الحسن رحمه اهلل :إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ إخواننا يذكروننا باآلخرة,
وأهلونا يذكروننا بالدنيا(.)1
ضل؟!فإذا صار أخوك إنما ُيَذ ِّك رك بالدنيا فماذا َبِق َيْت له من مزية ُيَق ِّدم بها ويُفَ ِّ
فإذا أردت أخا اإلسالم إخواًنا يحبونك ويقدرونك ويحترمونك فعليك بإصالح
ما بينك وبين اهلل والزم أدب الشرع وحدوده وَتَو َّق عن المعاصي والذنوب ...قال
يحدثLLه أحLLدهما ،والمحLLدث شLLر والمحLLدث شLLر والمحLLدث شLLر)) وقLLال الهيثمي في مجمLLع
الزوائد (" :)10/275رواه أحمد وإسناده حسن" اهـ.
(?) انظر ص.16 1
مفسدات األخوة ()30
عزا بال عشيرة ,وغنى بال مال ,وجاهًا بين اإلخوان ,ومهابة عند
حكيم :من أراد ً
السلطان فليخرج من ذل معصية اهلل إلى عز طاعته.
ومما يتعلق بالمخالفات الشرعية التي تذهب بالمحبة اإليمانية بل ربما حلت
محلها العداوة :المحبة الشيطانية ،وهي التي يتعلق فيها المحب بمحبوبه تعلقًا غير
طبيعي يجعله في شرود مستمر وقلق أو توتر دائم ,حتى في صالته يذكره ويراه...
ويكره أن يعرف محبوبه أحًد ا غيره أو يجلس إليه ،ويكره كل من يقيم عالقة مع
محبوبة ،وربما خسر بعض إخوانه بسبب ذلك فغيرته عليه تشبه غيرة الرجل على
امرأته.
ومثل تلك المحبة ال تكون محبة إيمانية ,بل محبة شيطانية أو شهوانية أشبه
بالعشق ،وتقوم على مجرد االستلطاف أو حسن المنظر أو الهيئة أو نحو ذلك،
وعاقبتها إلى شر مستطير أو انقطاع وعداء؛ ألن ما ال يكون هلل ينقطع ,وما كان هلل
دام واتصل ,كما أن ليس كل من حسن منظره حسن مخبره.
فُرَّب رائعٍة قد َس اء َم ْخ َبُرها ال تركَنَّن إلى ذي منظٍر حَس ٍن
ُص ْفُر العقارِب أْر داها ما كُّل أصفر ديناٌر لُص ْفَر ِته
()1
وأنكُرها
(وقد ضرب ذو الُّر ّم ة مثًال باملاء ،فيمن حسن ظاهره ،وخبث باطنه فقال:
وإن كان لوُن الماِء أبيَض ألم تر أن الماء يخبُث طعُم ه
صافًيا
ونظر بعض احلكماء إىل رجل حسن الوجه فقال :أما البيت فحسن ،وأما الساكن
فرديء ،فأخذ جحظة هذا املعىن فقال:
أما المحبة الإيمانية فهي محبة تجلب الطمأنينة والسكينة ،وتدفع إلى مزيد من
الطاعة والتقرب إلى اهلل ,وتزداد بطاعة المحبوب إلى ربه وتقل بتفريط المحبوب
في حق ربه (وإنه على الرغم مما لألخوة من شأن ،وما لها من حسنات ،فإن
اإلسالم حرص على االعتدال في كل شيء ...والتطرف وضع شاذ كائًنا ما كان
موضوعه ومنطوقه ،وهو بالتالي سلوك غير طبيعي قد يؤدي إلى كثير من
المضاعفات واالنحرافات)(.)2
وعلى العبد أن يكون عمله هلل ويريد به وجهه ،فلتراجع نفسك في ذلك ،فلن
ينفعك أحد من أهل الدنيا ولن يغني حسن وجوههم عنهم وال عنك شيًئا ،فكلهم
إلى فناء وستصير وجوههم عن قريب إلى منظر كريه بشع إذا صارت في القبور
مرتًعا للديدان ُك ُّل َمْن َعَلْيَه ا َفاٍن َ .و َيْبَق ى َو ْجُه َر ِّبَك ُذو اْلَج الِل َو الإِْك َر اِم
[الرحمن ،]27 ،26 :وعن ابن عمر رضي اهلل عنه أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه
يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول :أين أهلك؟ ثم يرجع إلى
نفسه فيقولُ :ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإال َو ْجَهُه[ القصص.]88 :
(إن قلوب الدعاة ينبغي أن تبقى معابد ال يعبد فيها غير اهلل ....وليحذروا
الشرك فإن دبيبه خفي وأثره قوي ...وليذكروا قول أحد الصالحين وقد بلغ من
عاما حتى ال يدخله غير اهلل")
العمر ستين سنة ,قال" :وقفت على باب قلبي أربعين ً
(?) أدب ال LLدنيا وال LLدين ص ،167وبهامش LLه :جحظLLة :لقب أحم LLد بن موس LLى بن يحLLيى بن 1
(?) انظر :التربية الوقائيLة في اإلسLالم ص ،65 ،64ومشLكالت الLدعوة والداعيLة :الحLدود 2
(?) من محاضرة (التنافر والتجLاذب في العالقLات الشخصLية) للشLيخ محمLد صالح المنجLد 1
مفسدات األخوة ()36
والمقصود أن هذه المحبة الشهوانية ،محبة العشق ،نوع من الذنوب أو
المخالفات الشرعية التي تفسد األخوة؛ حيث يفرق اهلل بينهما عقوبة على الذنب؛
أو ألن المحب إذا يئس من نيل مراده من المحبوب ولم يجد منه تجاوًبا فيما يهيم
فيه أعرض عنه بقلب حانق ممتلئ غيًظا وحسرة؛ أو ألن المحبوب إذا شعر أن أخاه
لم يجرد محبته له هلل ،وأن محبته له قد شابتها رغبات أو مشاعر منحرفة ،فإنه
يبغضه وينفر منه ويؤثر االبتعاد عنه.
فاحذر أخا اإلسالم أن تشوب محبتك ألخيك شائبة ،واحذر أن يحبك الناس
هلل ،واهلل مبغض لك ساخط عليك ،فهو تعالى وحده الذي َيْع َلُم َخ اِئَنَة اَأْلْع ُيِن َو َما
ُتْخ ِف ي الُّصُد وُر [ غافر.]19:
وقد كان محمد بن واسع رحمه اهلل يقول في بعض دعائه :اللهم إني أعوذ بك
أن أَح َّب لك وأنت لي مبغض أو ماقت.
قال سفيان :فكان يقال :إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل لك(.)1
فاستحي من اهلل وإياك أن تغتر بثناء الناس عليك وانخداعهم بك أو غفلتهم
عما في محبتك لهم من الغش والشوائب ،وستر اهلل لك ،وبادر بالتوبة إلى اهلل عن
الذنوب كلها قبل أن يفتضح أمرك أو يلقي اهلل لك البغضاء في قلوب من أحبوك.
حفظه اهلل ،مع تصرف يقتضيه تحويل الموضوع من محاضرة مسموعة إلى كالم مكتوب.
(?) في الحليLLة ( :)2/349قيLLل لمحمLLد بن واسLLع :إني ألحبLLك في اهلل .قLLال :أحبLLك الLLذي 1
أحببتLL Lني لLL Lه ،اللهم إني أعLL Lوذ بLL Lك أن ُأَح َّب فيLL Lك وأنت لي مLL Lاقت أو مبغض .ورواه نعيم بن
حماد في زوائد الزهد البن المبارك وذكر عقبLة قLول سLفيان :فكان يقLال...إلخ .زوائLد الزهد
رقم ( )56ص.14
()37 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()38
المفسدة الثالثة
َعَد ُم التزام األدِب في الَحِد يِث
وهذا باب واسع يدخل الشيطان منه إليقاع التنافر والتباغض بين اإلخوان،
وأول هذا األمر أن يعتقد البعض أن شدة قربه من أخيه تبيح له ترك مراعاة األدب
في الحديث ويسمى ذلك خطأ :رفع الكلفة ،وال يمكن أن يكون المراد برفع
الكلفة رفع األدب والحياء ،وإنما رفع الكلفة بانبساط النفس والسهولة في التعامل
مع بقاء األدب والحياء والمحافظة على كل ما يرشد إليه الشرع من خلق أو
سلوك.
ومن المظاهر التي يتمثل فيها اإلخالل بأدب الحديث والتي تفسد المحبة
والعالقة بين األصحاب:
الحدة وعلو الصوت في مخاطبتك ألخيك أو مناقشتك معه
والكالم الخشن:
فإن ذلك يشعر أخاك بتغير قلبك نحوه كما يشعره باإلهانة ،مع كونه مخالًف ا
للسمت العام الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم وقد قص اهلل علينا وصايا لقمان
ِت ِإ ِم
وهو يؤدب ولده ويعظه لنستفيد منها فقالَ :و اْغُضْض ْن َصْو َك َّن َأْنَك َر
اَألْص َو اِت َلَصْو ُت اْلَح ِم يِر [ لقمان.]19 :
ومما ينبغي لألخ مع أخيه في الحديث أن يلزم الكلمة الطيبة اللينة اللطيفة
العفيفة ويحذر من الكالم الخشن والكالم الذي يستحيا منه أو ينفر منه أصحاب
()39 مفسدات األخوة
المروءة ،وقد قال (( :أطيبوا الكالم))( ,)1وفي الحديث الصحيح((( :)2لم يكن
متفحشا)) ،ولنا فيه أسوة حسنة ،وقال علي رضي اهلل عنه" :من النت
ً فاحشا وال
ً
كلمته وجبت محبته"(.)3
عدم الإصغاء إليه وعدم الإقبال عليه بوجهك إذا سلم عليك أو حدثك ,أو
عدم تقديره واحترامه واالهتمام به:
ومن عدم اإلصغاء وعدم اإلقبال أن تقطع حديثه أو تتلفت وتتشاغل عنه وهو
يكلمك.
قال بعض السلف " :إن الرجل ليحدثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمه
فيحملني حسن األدب على االستماع إليه حتى يفرغ"( .)4قال أحدهم:
وِبقلبه ولَع له أْد َر ى به وتراه يصغي للحديِث بسمعِه
وتأمل خلقه العظيم وهو يسمع عتبة وهو مشرك فال يقاطعه حتى إذا سكت
(?) ج LLزء من ح LLديث رواه الط LLبراني ( )1/275/2كم LLا في سلس LLلة األح LLاديث الص LLحيحة 1
،)2321والترم LLذي في ال LLبر والص LLلة رقم ( )1975كلهم من ح LLديث عب LLد اهلل بن عم LLرو
رضLLي اهلل عنهمLLا ،وورد كLLذلك من ح LLديث عائشLLة رضLLي اهلل عنها رواه الترامLLذي في الLLبر
والصلة رقم ( ،)2016وأحمد في المسند ( ،)246 ،236 ،6/174ورواه الترمذي أيًض ا
في الشمائل وصححه األلباني "مختصر الشمائل" رقم (.)298
(?) العقد الفريد .)02/83 3
(?) قال ابن جLريج عن عطLاء :إن الرجLل ليحLدثني بالحLديث فLأنت لLه كLأني لم أسLمعه وقLد 4
(?) قصLLة مفاوضLLة أبي الوليLLد عتبLLة بن ربيعLLة لرسLLول اهلل رواها ابن إسLLحاق في المغLLازي ( 1
)294 ،1/293س LLيرة ابن هش LLام ،ورواها ال LLبيهقي في دالئ LLل النب LLوة (،)205 ،2/204
وذكLLره السLLيوطي في الLLدر المنثLLور ( 5/3589وعزاها البن أبي شLLيبة وعبLLد بن حميLLد وأبي
يعلى والحاكم وصححه ،وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كالهمLا في الLدالئل وابن عسLاك.
اهـ .وحسن سنده األلباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي ص.116
()41 مفسدات األخوة
والتقدير والعاطفة الحية والود وإن لم يكن فيها شئ من الإطراء أو ما يوجب
الغرور ,فتأمل!
كذلك يشعر من تحدثه بالتقدير والود حين تناديه بكنيته أو بأحب األسماء إليه
كبيرا كان أو صغيرًا ,وقد كنى رسول اهلل بعض الصبيان كما في قوله(( :يا أبا
ً
عمير ما فعل النغير))( ،)1وكما قال بعض السلف :إن مما يصفي لك ود أخيك أن
تبدأه السالم إذا لقيته ,وتوسع له في المجلس وتناديه بأحب أسمائه إليه(.)2
ومن األشياء ذات األثر اإليجابي على الناس أن تحفظ أسماءهم ،وإن نسيتها أو
جهلتها ال تتحرج أن تسألهم عنها بأسلوب التعارف المهذب ال بأسلوب التحقيق
المريب ،فإن سؤالك عنها يدل على اهتمامك بهم وذلك خير من أن تترك سؤالهم
عنها حياًء فيكون له أثر سلبي عليهم إذ قد يفسرونه بعدم االهتمام.
ومن تقديرك لمحدثك أن ال تسفهه إذا أشار بأمر بل اطلب رأيه في بعض
األمور فربما انفتح لك باب من التفكير ،أو على األقل تكون قد أشعرته بالتقدير
(?) رواه البخLLاري في األدب رقم ،)6203 ،06129ومسLLلم في األدب رقم (،)2150 1
وأب LLو داود في األدب رقم ( ،)4969والترم LLذي في الص LLالة رقم ( ،)333وابن ماج LLه في
األدب رقم ( ،)3720وأحمد في المسند ( )119 ،3/115وفي مواضLLع أخLLرى .والنغLLير:
طائر صغير يشبه العصفور .راجع :الفتح (.)10/600
(?) وردت هذه الثالث في حLLديث رواه الطLLبراني في األوسLLط ،كمLLا في مجمLLع الزوائLLد ( 2
ومن صور ذلك أن تجترئ على أخيك في المزاح بضربة مهينة أو كلمة نابية
أو تتعرض لما يكره التعرض له من حاله وخصوصياته وأهل بيته ونحو ذلك ,أو أن
تناديه بغير ما يحب ,وتظن ذلك من رفع الكلفة ,ورفع الكلفة ال يعني هجران
اآلداب الشرعية والتوجيهات النبوية.
فعليك باالقتصاد في المزاح ،والحذر من اإلسراف ومن سيئ المزاح الذي
يجافي الطيب من القول ويجلب الخصومة وتغير القلب ،فإن المزاح إذا خرج عن
حد اآلداب واالقتصاد كما يذهب بهيبتك فإنه يجلب لصاحبك الهم والغم والغيظ
(?) ويرجLLع البعض نجLLاح بعض القLLادة إلى أنهم كLLانوا يحفظLLون أسLLماء النLLاس ،أي إن ذلLLك 1
سبب من أسباب نجاح القائد أو المربي .انظر :فن التعامل مع الناس ص.52
(?) انظر رقم 14من المفسدات ص.121 2
(?) قLLال (( :المLLراء في القLLرآن كفLLر)) رواه أبLLو داود في السLLنة رقم ( ،)4603وصححه 2
األلبLLاني صحيح سLLنن أبي داود رقم ( ،)3847ورواه اإلمLLام أحمLLد ()494 ،478 ،2/258
بلفظ" :جدال في القرآن كفر" ورواه ( )528 ،503 ،475 ،424 ،2/286بلفظ" :مراء في
القLرآن كفLر" من حLديث أبي هريرة رضLي اهلل عنLه ،وروى أبLو داود الطيالسLي في مسLنده رقم (
)2286عن عبد اهلل بن عمرو أن النبي قال(( :ال تجLادلوا في القLرآن فLإن جLداًال فيLه كفLر))،
وصححه األلباني في الجامع الصغير رقم (.)7223
()45 مفسدات األخوة
وتجعل الكالم لديهم شهوة غالبة ،فهم ال يملونه أبًد ا .وهذا الصنف إذا سلط
ذالقته على شئون الناس أساء ،وإذا سلطها على حقائق الدين شوه جمالها وأضاع
هيبتها.
وقد سخط اإلسالم أشد السخط على هذا الفريق الثرثار المتقعر ،قال النبي :
((إن أبغض الرجال إلى اهلل األلد الخصم))( ،)1وقال(( :ما ضل قوم بعد هدى كانوا
عليه إال أوتوا الجدل))(.)2
هذا الصنف ال يقف ببسطة لسانه عند حد ،إنه يريد الكالم فحسب ،يريد أن
يباهي به ويستطيل ،إن األلفاظ تأتي في المرتبة األولى ،والمعاني في المرتبة الثانية،
أما الغرض النبيل فربما كان له موضع أخير ،ورما عّز له موضع وسط هذا
الصخب...
والجدال في الدين ,والجدال في السياسة ,والجدال في العلوم واآلداب،
عندما يتصدى له هذا النفر من األدعياء البلغاء ،يفسد به الدين ،وتفسد به السياسة
والعلوم واآلداب ،ولعل السبب في االنهيار العمراني والتحزب الفقهي ،واالنقسام
الطائفي وغير ذلك مما أصاب األمة اإلسالمية هو هذا الجدل في حقائق الدين
وشئون الحياة.
والجدل أبعد شيء عن البحث النزيه واالستدالل الموفق)(.)3
(?) رواه البخLLاري في المظLLالم رقم ( ،)2457والتفسLLير رقم ( ،)4523واألحكام رقم ( 1
،)7188ورواه مسLL L L Lلم في العلم رقم ( ،)2268والنسLL L L Lائي في القضLL L L Lاة (،)8/248
والترمذي في التفسير رقم ( ،)2976وأحمد في المسند (.)6/205
(?) رواه أحمد في المسند ( ،)256 ،5/252والترمذي في التفسير رقم ( ،)3253وابن 2
ماجه في المقدمة رقم ( ،)48وحسنه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (.)5633
(?) خلق المسلم للغزالي ص.87 ،86 3
مفسدات األخوة ()46
لكل ذلك قال (( :أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان
محقًا))( )1فالجدل حول كل صغيرة وكبيرة يؤدي لاختالف القلوب.
ولذا فعليك أخا الإسالم إذا الحظت أن الحديث قد اتجه للجدل أن تنسحب
أيضا إذا حدثت أحًد ا أن ال تستفزه لمجادلتك ،فال تحرجه أمام
منه بلطف وعليك ً
الناس وال تهدده بأنك ستعّر فه كيف أنه ال يعلم شيًئا ،ونحو ذلك من الكلمات ،بل
استخرج الكوامن الطيبة التي في نفسه كأن تقول له :أنا أعرف أنك لو تبين لك
الحق في المسألة فلن تتركه ،أو لعل كالمك يوضح لي أمًر ا أنا غافل عنه،
وسأكون سعيًد ا بمعرفة خطئي ورجوعي للصواب... ،إلخ ،فأنت تفتح بذلك باًبا له
ولك للخروج من مأزق الجدل والمكابرة( ،)2وتسد باب التمادي في الخطأ رغم
وضوحه.
وبعض الناس لألسف يؤثر الجدل والتمادي في الخطأ على الرجوع للحق،
وذلك مما يفسد العالقة مع اآلخرين ،وليس عيًبا بل شجاعة أن تعود للصواب
وتشكر من وضح لك خطأك ،وال تطيل الذيل في الحديث بغية التبرير رغم وضوح
الخطأ ،فهذا مما ينقصك عند الناس ويرونك حينئذ في أقبح صورة ويفقدون الثقة
بكل ما تقول بعد ذلك ،وعليك أن تتفادى الخطأ من البداية ،فقل :ال أدري ،إن
كنت ال تدري.
وهذا عالم كبير معروف على مستوى األمة وهو الشيخ عبد العزيز بن باز
حفظه اهلل مع علمه ومكانته يقول في بعض المواقف( :سأنظر ـ سأبحث المسألة)
وال يحط ذلك من قدره ،وقد يتسرع من هو دونه في الفتيا والحديث فيخطئ،
(?) رواه أبLLو داود في األدب رقم ( )4800من حLLديث أبي أمامLLة رضLLي اهلل عنLLه ،وحسLLنه 1
المفسدة الرابعة
ُبــُروُد الَع اِط َفِة
فإن أخوة بال عاطفة وبال شوق أو حنين من القلب إلى الصاحب هي أخوة
قاصرة يوشك أن تختل أو يعتريها الفتور ويشعر كل من الصاحبين فيها بثقل
الحقوق ،فإن الشوق وحنين القلب والعاطفة الجياشة كل ذلك وقود يديم األخوة
ويعمل على تساميها ورفعتها ويخفف على النفس القيام بحقوقها بل يجعل كًال من
الصاحبين يتلذذ بالقيام بحقوق األخوة...
ومثل هذه األخوة التي لها مرتكزاتها في القلب أو العاطفة مع مرتكزاتها في
العقل أيًض ا تجعل للحياة طعًم ا آخر ولذة ال يدركها إال من ذاقها...
وبعض الناس مييل إىل إلغاء هذه اجلوانب العاطفية والقلبية من معاين األخوة حبجة
أن احملبة هي القيام باحلقوق والواجبات املعروفة من طريق الشرع ،وال ينبغي أن يشغل
الصاحب نفسه بتلك العواطف جتاه صاحبه ما دام قائًم ا باحلقوق اليت يعرفها جتاه أخيه.
()1
وللمحَّبِة أكباٌد وأْج َفاٌن فِللكثاَفِة أقواٌم لها ُخ ِلُقوا
ومثل هذا الفريق من الناس يحلو له أن يفسر أي محبة تفسيًر ا يبعدها عن
العاطفة ...بما في ذلك محبة العبد لربه عز وجل أو لنبيه مكتفًيا بترديد قول
القائل(:)2
إن المحَّب لمن ُيِح ُّب ُمِط ع لو كان حّبك صاِد ًقا ألطْعَته
(?) طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم رحمه اهلل ص.328 1
(?) رواه بهذا اللف LLظ البغ LLوي في ش LLرح الس LLنة ( ،)337 ،10/336ورواه البخ LLاري في 1
الحLLدود رقم ( )6780بلفLLظ" :ال تلعنLLوه فواهلل مLLا علمت أن LLه يحب اهلل ورس LLوله" ،وراج LLع
توجيه الحافظ ابن حجر رحمه اهلل لرواية البخاري المذكورة في الفتح (.)80 ،12/79
(?) وكLLان ذلLLك في وقعLLة القادسLLية ،حين أمLLر سLLعد بن أبي وقLLاص بLLأبي محجن الثقفي فقيLLد 2
وأودع في القصLLر سLLجيًنا بسLLبب شLLربه الخمLLر ،فلمLLا رأى أبLLو محجن الخيLLول تحLLوم حLLول
حمى القصر وكان من الشجعان األبطال قال:
ا ا أن تـــــــــــــــــــرَدا الخيـــــــــــــــــــل بالقَن كفى حزًن
إذا قمُت عنـــــــــــــــــــــــــــــــــــاني الحديـــــــــــــــــــــــــــــــــــُد وغّلقْت
وقــــــــــــــــــْد كنُت ذا مال كثــــــــــــــــــير وإخــــــــــــــــــوة
وأتـــــــــــــــــــــــــرك مشـــــــــــــــــــــــــدوًدا علَّي وثاقيـــــــــــــــــــــــــا
مصــــــــــــــــــــــــاريُع دوني ُتصــــــــــــــــــــــــم المناديــــــــــــــــــــــــا
ا ليــــــــــــــا وني ُم فرًدا ال أَخ وقـــــــــــــــد َترُك
ثم سLLأل أم ولLLد سLLعد أن تطلقLLه وتعLLيره فLLرس سLLعد ،وحلLLف لها أنLLه يرجLLع آخLLر النهار
فيض LLع رجل LLه في القي LLد فأطلقت LLه ،وركب ف LLرس س LLعد ـ وك LLان س LLعد مريًض ا ،وق LLد جلس في
القصLLر ينظLLر في مصLLالح الجيش ـ وخLLرج فقاتLLل قتLLاًال شLLديًد ا وجعLLل سLLعد ينظLLر إلى فرسLLه
مفسدات األخوة ()52
تحدث عن بدعة المولد فنبه إلى أن أولئك المبتدعة قد يحصل لهم ثواب ،ال على
بدعتهم تلك لكن على ما في قلوبهم من الحب أو التعظيم للرسول ،)1(يعني إذا
كان ذلك هو الدافع الحقيقي لهم ،ويحاسبون مع ذلك على بدعتهم إذا كانوا
عالمين بما فيها من المخالفة ،وال ينتفي عنهم الخطأ.
إذن هناك عاطفة خاصة في القلب تمثل ركًنا في المحبة ،عاطفة تجعل المحب
يشتاق لرؤية محبوبه ومجالسته وسماع حديثه ويأنس به ويفرح بلقائه فتعلوا وجهه
البشاشة والتبسم والبشر...
في الحديث الصحيح عن عائشة رضي اهلل عنها قالت :جاء رجل من األنصار
إلى النبي فقال :يا رسول اهلل إنك أحب إلّي من نفسي ،وأحب إلَّي من أهلي،
فيعرفها وينكرها ويشبهه بأبي محجن ولكن يشك لظنه أنه في القصر موثق ،فلمLLا كLLان آخLLر
النهار رجع فوضع رجله في قيدها ونزل سعد فوجد فرسه يعرق ،فقال :ما هذا! فLLذكروا لLLه
قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلقLه رضLLي اهلل عنهمLLا (وقLLد سLLاق ابن كثLير قصLة أبي محجن
بتمامها في البداية والنهاية .)5/113
(?) ق LLال ش LLيخ اإلس LLالم في اقتض LLاء الص LLراط المس LLتقيم مخالف LLة أصحاب الجحيم( :وأك LLثر 1
هؤالء الLLذين تجLLدونهم حرصاء على أمثLLال هذه البLLدع ،ومLLع مLLا لهم فيها من حسLLن القصLLد
واالجتهاد ال LLذي يرجى لهم ب LLه المثوب LLة ،تج LLدونهم ف LLاترين في أم LLر الرس LLول عم LLا أم LLروا
بالنشاط فيه.)...
وقال أيًض ا( :فتعظيم المولد واتخاذه موسًم ا قد يفعله بعض الناس ،ويكون له فيLه أجLLر عظيم
لحسLLن قصLLده ،وتعظيمLLه لرسLLول اهلل )...ص ،268 ،267وكLLذلك قLLال رحمLLه اهلل فيمن
عمل بما روي في فضائل األيام والليLالي بعLد أن نقLل اتفLاق أهل المعرفLة بحديثLه أن ذلLك
كLذب عليLه ،قLال رحمLه اهلل" :ولكن بلLغ ذلLك أقواًم ا من أهل العلم والLدين فظنLوه صحيًح ا
فعملLLوا بLLه وهم مLLأجورون على حسLLن قصLLدهم واجتهادهم ال على مخالفLLة السLLنة" مجمLLوع
الفتاوى (.)24/202
()53 مفسدات األخوة
وأحب إلَّي من ولدي ،وإني ألكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر
إليك ،وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلَت الجنة رفعت مع النبيين،
وإن دخلُت الجنة خشيُت أن ال أراك(.)1
ولو كان كل ما يربط هذا الرجل بالرسول من معاني المحبة طاعته ،فذلك
ينتهي بانتهاء الدنيا إذ ال تكليف في الجنة ...ولكن كان في قلب هذا الرجل عاطفة
وشوق لرسوله وذلك ال ينقطع وال يزول بانتهاء التكليف.
وفي رواية أنه جاء إلى رسول اهلل وهو محزون فقال له (( :يا فالن مالي
محزونا؟)) فقال :يا نبي اهلل ,شئ فكرت فيه .فقال(( :ما هو؟)) قال :نحن
ً أراك
نغدو عليك ونروح ,ننظر إلى وجهك ,ونجالسك ,وغدًا ترفع مع النبيين فال نصل
ِط
شيئا حتى أتاه جبريل بهذه اآليةَ :و َمْن ُي ِع الَّلَه إليك ...فلم يرد عليه النبي ً
الَّر وَل َفُأوَلِئَك اَّلِذ ي َأ الَّل َل ِه ِم الَّنِبِّيي الِّص ِّديِق ي الُّش َد اِء
َن َو َه َن َو َمَع َن ْنَعَم ُه َع ْي ْم َن َو ُس
َو الَّصاِلِح يَن َو َح ُسَن ُأوَلِئَك َر ِفيقًا[ النساء ]69:فبشره .
()2
فتأمل ما يشغل قلب هذا الصحابي بعد دخوله الجنة وفوزه بنعيمها ,يشغله عدم
رؤيته للرسول ...محبة قلبية عظيمة وعاطفة صادقة جياشة ...تلك العاطفة التي
تجعل الصحابة رضوان اهلل عليهم كما يشتاقون لرؤيته يشتاق بعضهم لرؤية
(?) قLLال الهيثمي في مجمLLع الزوائLLد (" :)7/7رواه الطLLبراني في الصLLغير واألوسLLط ورجالLLه 1
رجLLال الصLLحيح غير عبLLد اهلل بن عمLLران العابLLدي وهو ثقLLة" اهـ .ورواه أبLLو نعيم في الحليLLة (
،)8/125( ،)4/240وزاد ابن كثLLير في تفسLLيره ( )1/495نسLLبته البن مردويه وللحافLLظ
أبي عبد اهلل المقدسي في كتابLه صفة الجنLة وذكLر قولLه" :ال أرى بإسLناده بأًس ا" اهـ .وذكLره
الشيخ مقبل في الصحيح المسند من أسباب النزول ص.71 ،70
(?) هذه الرواية البن جرير في تفسيره ( ،)8/534/9924عن سLعيد بن جبLير فهي مرسLلة 2
وثالث يقول:
في كَّل حال فلَّم ا َش طت الدار كنا نزوركم والدار َج اِم عة
وليس للَّش وِق في األْح َش اء ِص ْر نا نقِد ُر وقًتا في زيارتكم
مقداُر
ويقول آخر:
(?) الزهد لإلمام أحمد ص.152 1
وتأمل قول أحدهم ـ وهو يعرب عن فرح قلبه بإخوانه وشوقه إليهم ـ:
تلت عْيَناه آَي المرسالت متى شَّم المحب لكْم َنِس يًم ا
وذا مْعَنى القلوِب الَع اِم راِت ففي فسح الُقلوِب لكم دياٌر
وصبح الوصل يمحو أُتْس ِع ُد نا بقْر ِبكم اللَيالي
القاطعات أحبتنا ...وحفُظ الوَّد َد ْيٌن
ونحن على العهوِد الَّسالَفاِت
وال شك أن صدق العاطفة يورث الفرحة بلقاء األحبة ...كما أن إظهار الفرح
باللقاء ينمي العاطفة ،وكذلك البشاشة والتبسم وحسن االستقبال والسالم كل ذلك
يقرب القلوب ويعطف بعضها على بعض ...ولذلك قال رسول اهلل (( :ال تحقرن
شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق)) ،وقال أيًض ا(( :تبسمك في وجه
من المعروف ً
أخيك لك صدقة))( .)2وقال (( :ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى
(?) رواه مسلم في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)2626وأحمLLد في المسLLند ( )5/173من حLLديث 2
مفسدات األخوة ()56
تحابوا ،أو ال أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السالم بينكم)) (.)1
وصدق عمر رضي اهلل عنه إذ يقول :لقاء اإلخوان جالء األحزان(.)2
وسئل سفيان :ما هناء العيش؟ قال :لقاء اإلخوان( ...)3وقد أصاب رحمه اهلل...
فإن إخوان الصدق ـ كما قيل( )4ـ زينة في الرخاء وعصمة في البالء ،وإن رؤيتهم
تفرح القلب وتريح النفس وتزيل الغم.
والعاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب يؤثر أحبابه على نفسه ولو بما به قوام
الحياة ...ويخاف عليهم كما يخاف على نفسه أو أشد ،ويشق عليه أدنى كدر أو أذى
يصيبهم.
أبي ذر رضLL Lي اهلل عنLL Lه ،ورواه الترمLL Lذي في األطعمLL Lة رقم ( )1833وزاد في آخLL Lره" :وإن
اش LLتريت لحًم ا أو طبخت ق LLدًر ا ف LLأكثر مرقت LLه واغرف لج LLارك من LLه" ،وصححه األلب LLاني في
صحيح الجLLامع الصLLغير رقم ( ،)7634وروى الترمLLذي أيًض ا من حLLديث جLLابر بن عبLLد اهلل
قLال :قLال رسLول اهلل " :كLل معLروف صدقة وإن من المعLروف أن تلقى أخLاك بوجLه طلLق،
وأن تفرغ من دلLوك في إنLاء أخيLك" ،ورواه أحمLد في مسLنده ( ،)360 ،3/344والبغLوي
في شرح السنة ( )6/143وحسنه ،وحسنه كذلك األلبLاني في صحيح الجLامع الصLغير رقم
(.)4557
(?) جLLزء من حLLديث رواه الترمLLذي في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)1956وصححه األلبLLاني في 1
صحيح الج LLامع الص LLغير رقم ( )2908والص LLحيحة رقم ( )572وزاد نس LLبته البن حب LLان (
،)864والبخاري في األدب المفرد (.)128
(?) رواه مسلم في اإليمان رقم ( ،)54والترمذي في االستئذان في فاتحتLه رقم (،)2688 2
وأبLLو داود في األدب رقم ( ،)5193وابن ماجLLه في المقدمLLة رقم ( )68وفي األدب رقم (
،)3692وأحمد في المسند (.)512 ،495 ،442 ،2/391
(?) انظر ص.15 3
(?) المخت LLار من الص LLداقة والص LLديق ألبي حي LLان التوحي LLدي ص ،134وفي العقLLد الفريد ( 1
)2/163قال :قال سعيد بن العاص :إني ألكره أن يمر الذباب بجليسي مخافة أن يؤذيه.
(?) ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري في النكاح رقم ( )5072عن أنس بن مالك قال: 2
"ق LLدم عب LLد ال LLرحمن بن ع LLوف ف LLآخى الن LLبي بين LLه وبين س LLعد بن الربي LLع األنص LLاري ،وعن LLد
األنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فقLال :بLLارك اهلل لLLك في أهلLك ومالLLك،
دلLLوني على السLLوق "...إلخ ،قLLال ابن حجLLر رحمLLه اهلل في الفتح (" :)9/19وفيLLه مLLا كLLانوا
عليه من اإليثار حتى بالنفس واألهل" اهـ .وسيأتي تخريج الحديث ص.59
(?) نزول المهاجرين على األنصLار بالقرعLة ثLابت في صحيح البخLاري ،فقLد روى البخLاري 3
في الجنLLائز ( )1243عن خارجLLة بن زيد بن ثLLابت أن أم العالء ـ امLLرأة من األنصLLار بLLايعت
الن LLبي ـ أخبرت LLه أن LLه اقُتِس َم المهاجرون قرع LLة فط LLار لن LLا عثم LLان بن مظع LLون فأنزلن LLاه في
أبياتنا "...الحLديث ،ورواه في منLاقب األنصLار ( ،)3929ورواه في الشLهادات ()26879
مفسدات األخوة ()58
هكذا مزج هذا الدين بن أرواح أصحابه بهذه الصورة العجيبة َلْو َأْنَف ْق َت َما
ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم َو َلِكَّن الَّلَه َأَّلَف َبْيَنُه ْم [ األنفال ...]63 :إنه
أعظم لقاء أذن اهلل به لصفحات التاريخ لتسجله عبر سطور الزمان وتفخر به على
مر السنين واأليام ...إنه لقاء الحب وتضحية العقيدة واإليمانَ ...و اَّلِذ يَن َتَبَّو ُأوا
الَّداَر َو الإِيَم اَن ِم ْن َقْبِلِه ْم ُيِح ُّبوَن َمْن َه اَج َر ِإَلْيِه ْم َو ال َيِج ُد وَن ِفي ُصُد وِر ِه ْم َح اَج ًة
وَق ُش َّح ْف ِس ِه ِس ِث ِم
َن َّم ا ُأوُتوا َو ُيْؤ ُر وَن َعَلى َأْنُف ِه ْم َو َلْو َك اَن ِبِه ْم َخ َص اَص ٌة َو َمْن ُي
َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن [ الحشر.]9:
ترى أي عاطفة حية قامت بقلب كل واحد منهم تجاه أخيه ،وأي شفقة جعلتهم
يرتقون إلى هذا المستوى السامق من اإليثار والتضحية( ...)1ترى لو بردت هذه
بلف LLظ" :أن عثم LLان بن مظع LLون ط LLار ل LLه س LLهمه في الس LLكنى حيث أق LLرعت األنص LLار س LLكنى
المهاجرين ،ق LLالت أم العالء :فس LLكن عن LLدنا عثم LLان بن مظع LLون ،"...وفي كت LLاب التعب LLير (
)7003بلف LLظ" :أخبرت LLه أنهم اقتس LLموا المهاجرين قرع LLة ،ق LLالت :فط LLار لن LLا عثم LLان بن
مظع LLون وأنزلن LLاه في أبياتن LLا" وفي LLه أيًض ا ( )7018بلف LLظ "ط LLار لن LLا عثم LLان بن مظع LLون في
السكنى حين اقترعت األنصار على سكنى المهاجرين".
(?) ومن القص LLص المش LLهورة ال LLتي ت LLذكر عن LLد الح LLديث على اإليث LLار والتض LLحية في س LLبيل 1
اإلخLLوان قصLLة الحLLارث بن هشLLام وعكرمLLة بن أبي جهل وعيLLاش بن أبي ربيعLLة يوم الLLيرموك
وإيثار كل واحد منهم صاحبه بالماء الذي دعا به ليشربه وموتهم دون أن يشLLرب أحLLد منهم
هذا الماء ،وهذه القصة مع شهرتها إال أنها ال تثبت حديثًيا فقLد رواها الطLبراني كمLا في مجمLع
الزوائLLد ( ،)6/213وقLLال الهيثمي" :وحLLبيب لم يدرك الLLيرموك وفي إسLLناده من لم أعرفLLه"
اهـ .ورواها الح LLاكم في مس LLتدركه ( )3/242من رواية ح LLبيب أيًض ا وهو ابن أبي ث LLابت،
وذكرها ابن قتيب LLة في عي LLون األخب LLار (1/462ـ ،)463وق LLال" :وهذا الح LLديث عن LLدي
موضوع ألن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل يوم أجنLLادين وعيLLاش مLات بمكة والحLLارث
مLLات بالشLLام في طLLاعون عمLLواس" اهـ .ولهذا الكالم في سLLندها ومتنها لم نLLذكرها في سLLياق
()59 مفسدات األخوة
العاطفة وخمدت المحبة التي في القلب هل كانوا يقوون على هذا المستوى من اإليثار
والتضحية؟
إن المحبة القلبية هي التي تحرك اإلنسان ألشياء كثيرة ،وقلب المحب دليل
لصاحبه إلى التفاني في خدمة محبوبه ...وحين تكون هذه المحبة محبة إيمانية فإنها
تقود إلى العجائب...وتأمل قوله تعالى وهو يذكر إيثار األنصار للمهاجرين فيقدم
لذلك بقولهَ :و اَّلِذ يَن َتَبَّو ُأوا الَّداَر َو الإِيَم اَن ِم ْن َقْبِلِه ْم ُيِح ُّبوَن َمْن َه اَج َر ِإَلْيِه ْم ...
[الحشر.]9:
فذكر جل وعال محبتهم إلخوانهم وأن ذلك ظهر في إيثارهم لهم ،ولم يقل
جل وعال :إن إيثارهم إلخوانهم كان ـ مثًال ـ تلبية مجردة ألمر من رسول اهلل ال
عالقة لها بالعواطف ومحبة القلوب ...كال ...فتلك ليست الصورة المثلى للعالقة
بين اإلخوان أو األحبة ،وإنما يصنع المحب ما يصنع تجاه أخيه مدفوًعا بالدافعين
مًعا :دافع المحبة القلبية والعاطفة الصادقة ،ودافع التخلق بآداب الشرع
وأحكامه ...وكل ذلك مما أتى به الشرع وكان عليه الصحابة الكرام والسلف
الصالح ...وحين نفرط في آداب الشرع أو حين تبرد العاطفة تتعرض األخوة
للذبول والفساد.
وتأمل تلك العاطفة الكامنة وراء خوف الصاحب على صاحبه وحرصه على
راحته وإيثاره له فيما رواه مصعب بن أحمد بن مصعب قال :قدم أبو محمد
المروزي إلى بغداد يريد مكة ،وكنت أحب أن أصحبه ،فأتيته واستأذنته في
الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة .ثم قدم سنة ثانية وثالثة فأتيته فسلمت عليه
حLLديثنا عن اإليثLLار ،وأحببت أن أنبLLه على مLLا قيLLل فيها واهلل تعLLالى أعلم بالصLLواب .وانظLLر مLLا
قيLLل في هذه القصLLة في مجلLLة البحLLوث اإلسLLالمية الLLتي تصLLدر عن الرئاسLLة العامLLة إلدارات
البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ـ الرياض العدد ( )22ص30ـ .35
مفسدات األخوة ()60
وسألته فقال :اعزم على شرط :يكون أحدنا األمير ال يخالفه اآلخر .فقلت :أنت
األمير .فقال :ال بل أنت ،فقلت :أنت أسن وأولى .فقال :ال تعصني .فقلت :نعم ـ
وما درى مصعب أن المروزي قبل اإلدارة لخدمة أخيه ال الستخدامه ،وليعِّلم كل
أمير قوم أن يكون خادًما ومحًبا لهم وعطوًفا عليهم ورحيًم ا بهم ـ قال مصعب:
فخرجت معه ،وكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال :ألم أشرط
عليك أن ال تخالفني! فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته لما ُيلحق نفسه من
الضرر.
فأصابنا في بعض األيام مطر شديد ونحن نسير فقال لي :يا أبا أحمد اطلب
الميل( .)1ثم قال لي :اقعد في أصله ،فأقعدني في أصله وجعل يديه على الميل وهو
قائم قد حنا علَّي ،وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر حتى تمنيت أني لم
أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر .فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمة اهلل
عليه(.)2
وإن العاطفة الصادقة الحية هي التي تجعل األخ يدعو لمحبوبه بظهر الغيب...
ويذكره في األوقات الفاضلة ...وقد كان اإلمام أحمد رحمه اهلل يدعو لنفر من إخوانه
في السحر بأسمائهم ..وقد رغبنا رسول اهلل في ذلك وما ترك شيًئا يكمل األخوة
والمحبة بين المسلمين إال علمنا إياه ،فقال (( :دعوة المرء المسلم ألخيه بظهر
(?) أي اذهب إلى أقLLرب ميLLل .والميLLل هو :حجLLر قLLائم يبLLنى للمسLLافر ـ والسLLيما في طريق 1
مكة ـ لالهتLLداء بLLه وإدراك المسLLافة ،وبين كLLل ميLLل وآخLLر مقLLدار مLLدى البصLLر( .من أخالق
السLLلف ص ،)112وفي لسLLان العLLرب :وقيLLل :لألعالم المبنيLLة في طريق مكة أميLLال؛ ألنها
بLLنيت على مقLLادير مLLدى البصLLر من الميLLل إلى الميLLل .والميLLل :منLLار يبLLنى للمسLLافر في أنشLLاز
األرض وأشرافها .انظر :لسان العرب ص.4311
(?) من أخالق السلف ص 112نقًال عن صفة الصفة (.)149 ،4/148 2
()61 مفسدات األخوة
الغيب مستجابة))(.)1
وقل أن يتذكر اإلنسان إخوانه والمبتلين من المسلمين إذا تجرد قلبه عن
العاطفة والشفقة ...ومن ثم يندر أن يدعو ألحد بظهر الغيب ...اللهم إال لو كان له
مصلحة عند أخيه أو له مراد ما في منازعة جرت بينهما فيدعو ألخيه أن يلين قلبه
وينصلح حاله ،وهذا يعني من وجهة نظره أن يقتنع أخوه بوجهة نظره ويترك
منازعته ،ويتجمل بهذا الدعاء في المجالس فيقول :إن فالًنا الذي تظنون أنني
أعاديه ،أحبه وأدعو له بظهر الغيب ،فإذا قيل له :بم تدعو له بظهر الغيب؟ قال:
أدعو له بالهداية والرجوع إلى الحق .ونحو ذلك.
وليس هذا بالضرورة عالمة محبة ،بل قد يكون أقرب إلى السب من الحب؛
يجعل الدعاء متنفًس ا له ينتقص فيه أخاه ويضعه موضع الضال المقصر والمنحرف
الجاهلي وغير ذلك ...ولذا ال تجده مثًال يدعو له مع ذلك بأن يسكنه اهلل
الفردوس األعلى أو أن يقر عينه بماله وولده وأهله ويبارك له في عمره ويرزقه
السعادة التامة وعلو الشأن في الدارين إلى آخره من دعاء المحبين إلخوانهم...
وإن العاطفة الحية هي التي تجعل المحب يقوم بسائر حقوق األخوة تجاه أخيه
قبل أن يعاتبه أخوه أو يذكره بها أحد ،فتراه يدافع عنه في غيبته ،ويخف إلى
مساعدته في أموره وإنجاز حوائجه ،ويحب له ما يحب لنفسه ،ويفرح بالنعمة التي
تصيبه كما لو كانت قد أصابته هو ،فقلبه طاهر من الغل والحقد والحسد والمكر
واللؤم ،فقلبه صاٍف ألحبابه وإخوانه صفاء أفئدة الطير...
وكل هذه المعاني يدفعنا إليها رسولنا دفًعا ليعيننا على تطهير قلوبنا ويرغبنا
(?) رواه مس LLلم في ال LLذكر وال LLدعاء رقم ( ،)2733 ،2732وابن ماج LLه في المناس LLك رقم ( 1
(?) رواه مسLL Lلم في الجنLL Lة وصفة نعيمها وأهلها رقم ( ،)2840وأحمLL Lد في مسLL Lنده ( 2
.)2/331
(?) رواه بهذا اللفLظ ابن ماجLLه في الطب رقم ( ،)3509ورواه مالLك في الموطLLأ في العين ( 3
(?) فكأنما هما روح واحدة أو نفس واحدة ،وهذا ينبغي أن يقيد بما ال مخالفة فيه للشLLرع 5
وما ال يقتضي ترًك ا لفضيلة أو مصلحة شرعية ،أما االمتزاج أو الذوبان المطلق فال نقول به.
والبيت في المختار من الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص.48
()63 مفسدات األخوة
والعاطفة الصادقة هي اليت جتعل احملب يشعر بفقد أخيه إذا غاب ويتأمل لفراقه؛ هذا
الشعور الذي يعرب عنه قول أحد الشعراء وهو يرثي صاحبه:
لطوِل اجتماٍع لم نبت ليلة مًعا فلما تفرقنا كأني ومالًك ا
ويقول آخر:
تصاريُف الحوادِث والُّدُهوِر أبا بكر لئن صرفتك عنا
بمحِض الشوِق عن ُمَهِج فلم نْر َح ْل بأنُفِس نا ولكن
الصدوِر فقدُت بفْقِد ك الوَّد المصَّفى
وأخالًقا تكِش ُف عن ُبدور أَش يُعه إلى سفر كأني
أشيع والدَّي إلى القبور وما ودعُته إال ونفسي
تودعني بَتْو ديع السُروِر وال أتبْع ُته بالّلْح ظ إال
مفسدات األخوة ()64
رددت اللحظ عن طرٍف وكان الشْهُر قْبل اليوِم يوًم ا
حسير
فَص اَر اليوُم بعَدَك كالُّش ْهور
وإن العاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب يدرك قيمة إخوانه ويعد فقدانهم
أعظم خسارة وأشد غربة.
قال علّي بن أبي طالب رضي اهلل عنه البنه الحسن :يا بني ،الغريب من ليس له
حبيب(.)1
وقال ابن المعتز :من اتخذ إخواًنا كانوا له أعواًنا(.)2
وقال خالد بن صفوان :إن أعجز الناس من قّص ر في طلب اإلخوان ،وأعجز منه
من ضّيع من ظفر به منهم(.)3
وقال بعض األدباء :أفضل الذخائر أخ وفّي (.)4
وقال بعض البلغاء :صديق مساعد عضد وساعد(.)5
وقال بعض الشعراء:
وهَّم ي من الدنيا صديٌق مساِع ُد هموم رجاٍل في أموٍر كثيرٍة
فجسماهما جسمان ،والروح نكوُن كروٍح بين جسمين
()6
واحد ُقَّس َم ت
والعاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب حريًص ا على صاحبه وإن قصر معه
(وقال الشاطيب:
وما يأتلي في نصِح هم متبذال وقد قيل ُك ْن كالكلِب يْقِص يه
أهُله
وذلك أن الكلب يضرب ويجفى وُيقصى وال يزداد إلى قرًبا ودنًو ا من أصحابه،
وفي قصة أصحاب الكهف وشأن كلبهم معهم ذكرى وعبرة)(.)2
ولبعض المحبين ملحظ آخر وذلك أنهم تباعدوا أو بتعبير أدق باعدوا أنفسهم
عن أحبابهم مع ما في ذلك من المشقة على نفوسهم لما رأوهم يحبون ذلك إدخاًال
للسرور عليهم وحرًص ا على راحتهم ال غضًبا أو بغًض ا.
قال أحدهم:
فباعدُت نفسي التَباع هَو اكا رأيتك ال تختاُر إال تباُع ِد ي
فكيف احتيالي يا من جعلُت فبعدك يؤذيني وقربي لكم أذى
ِفَداكا
(?) بتصرف يسير من الصLLداقة والصLLديق ص ،115وبيت الشLLعر المLLذكور أورده ابن القيم 2
(?) ضمن ديوانLه المجمLوع ممLا نسLب إليLه من أشLعار ص ،94تحقيLق الLدكتور محمLد عبLد 1
المنعم خفاجى.
()69 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()70
المفسدة الخامسة
النجوى
قال تعالىِ :إَّنَم ا الَّنْج َو ى ِم َن الَّش ْيَطاِن ِلَيْحُز َن اَّلِذ يَن آَم ُنوا[ المجادلة.]10 :
ووردت السنة بالنهي عن التناجي فيما رواه الشيخان وأحمد عن عبد اهلل بن
مسعود رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل (( :إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان
دون صاحبهما؛ فإن ذلك يحزنه))( ،)1وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال
رسول اهلل (( :إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان دون الثالث إال بإذنه؛ فإن ذلك
يحزنه))(.)2
والحكمة من استئذانه ـ واهلل أعلم ـ أن ُيعلم طيب قلبه ورضاه بذلك التناجي،
ومن ثم فال ينبغي أن يجبر على اإلذن بسيف الحياء دون أن ُيعطى فرصة إلبداء
رأيه ،ودون أن ُيعطي المستأِذ ن لنفسه فرصة لالطمئنان إلى رضاه وطيب نفسه
بذلك ،كأن يأخذ أحد الثالثة بيد صاحبه متنحًيا به عن الثالث ،أو يشرع في
مناجاته ثم يقول للثالث( :بعد إذنك)!
(?) رواه البخاري في االستئذان رقم ( ،)6290ومسLLلم في السLLالم رقم ( )2184واللفLLظ 1
داود في األدب رقم ( ،)4852وابن ماج LLه في األدب رقم ( ،)3776ومال LLك في الموط LLأ
في الكالم ( ،)989 ،2/988وأحم LLد في المس LLند ( ،)2/9والبغ LLوي في ش LLرح الس LLنة (
)13/90ـ واللفظ المذكور له ـ.
()71 مفسدات األخوة
وإنما ينبغي أن يكون االستئذان قبل الشروع في التناجي وقبل أن ينصرف
بصاحبه دون الثالث ...حتى ال يقع المحظور ويتحقق للشيطان مراده فيحزن
الثالث ،أو تدور بنفسه الظنون السيئة ،ومع ذلك ننصح الثالث ـ وإن ظلم بمثل هذه
المناجاة ـ إذا أحس بمثل ذلك الحزن أو دارت بنفسه بعض الظنون بسبب تلك
المناجاة أن يستعيذ باهلل وال يمكن الشيطان من نفسه ،وليتوكل على اهلل فإنه ال
يضره شيء بإذن اهلل(.)3
(?) وهذا المعنى األخير مستفاد من كالم ابن كثير رحمه اهلل في التفسير (.)4/324 3
مفسدات األخوة ()72
المفسدة السادسة
اع الّن ْ
صح أو الصدْر عَن سََم ِ
َّ االعتداد بالرأي وضيق
االقتراحات
َ
فإن هذا يشعر أخاك بحاجز كبير بينك وبينه ,ويؤدي إلى انقباضه عنك في
شيئا من الكبر ...فتتولد كراهيته لك في نفسه حتى ال
الحديث ,وربما عد فيك ً
يطيق صحبتك بعد ذلك ...فاحذر من انتقاص أعمال أخيك ,ومن تجاهل آرائه
واقتراحاته ,وقابل ذلك بالتشجيع واألدب وسعة الصدر ال سيما إن لم يكن أخوك
رطا في ذلك.
مُفْ ً
وهاهو رسول الله يراجعه أصحابه ونساؤه في أشياء ويقترحون عليه أمورًا
فيقبل منهم ويتحول إلى ما أرادوا أو يجيبهم في سعة صدر عن اعتراضاتهم أو
نقدهم أو استفساراتهم...
فهاهو مع نبوته وفضله يقترح الصحابة أن يبنوا له عريًش ا في بدر يكون فيه
فيقبل ذلك منهم( ،)1ويشيرون عليه بالخروج في أحد فيخرج ولم يكن ذلك ما
يميل إليه( ،)2وهاهي أم سلمة في الحديبية تشير عليه أن يبدأ هو بحلق رأسه
(?) ال LLذي اق LLترح بنLLاء العLLريش هو س LLعد بن معLLاذ رض LLي اهلل عنLLه ،وقصLLته تلLLك رواها ابن 1
إسLL Lحاق في المغ LLازي (2/620ـ 621ـ سLL Lيرة ابن هشLL Lام) ،والLL Lبيهقي في دالئLL Lل النب LLوة (
،)3/44وذكرها ابن كث LLير في البداية والنهاية ( ،)3/267وابن عب LLد ال LLبر في ال LLدرر في
اختصار المغازي والسير ص ،70وانظر :السيرة النبوية الصLحيحة للLدكتور أكLرم العمLري (
.)2/362
(?) قصLLة مشLLاورة النLLبي ومراجعLLة أصحابه لLLه في الخLLروج من المدينLLة يوم أحLLد رواها 2
البخاري تعليًق ا باختصار في كتLاب االعتصLام بLاب (( )28وأمLرهم شLورى بينهم) في ترجمLة
()73 مفسدات األخوة
ونحر هديه حتى يخف أصحابه لذلك اقتداًء به فيعمل بقولها( ،)1وهاهي عائشة
رضي اهلل عنها تراجعه في بعض كالمه فيبين لها دون ضجر ،وذلك لما قال(( :من
نوقش الحساب ُعِّذ ب)) ،فقالت :أوليس اهلل تعالى يقولَ :فَس ْو َف ُيَح اَسُب
()2
ِح َس ابًا َيِس يرًا[ االنشقاق ،]8:فيقول لها (( :إنما ذلك العرض ،من نوقش الحساب
ُعِّذ ب)) ،ولما قال(( :يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرًال)) قالت :ينظر
بعضهم إلى بعض! قالِ :لُك ِّل اْم ِر ٍئ ِم ْنُه ْم َيْو َم ِئٍذ َش ْأٌن ُيْغِنيِه [ عبس.)3())]37:
ولما صالح رسول اهلل المشركين في الحديبية على أن من أسلم منهم رده
إليهم ،ومن ارتد لم يردوه إليه ،قال عمر رضي اهلل عنه :يا رسول اهلل أو لسنا
بالمسلمين؟! فال يضيق بهذا السؤال التقريري ذي اإلجابة البدهية المعلومة ،بل
الباب ،قال الحافLظ ابن حجLر رحمLه اهلل" :والقLدر الLذي ذكLره هنLا مختصLر من قصLة طويلLة
لم تق LLع موصولة في موض LLع آخ LLر من الج LLامع الص LLحيح ،وق LLد وصلها الط LLبراني وصححها
الحLLاكم ،"...ثم ذكرها الحافLLظ وقLLال" :وهذا مسLLند حسLLن" الفتح ( ،)13/353والقصLLة
رواها ابن إسحاق مطولة ( 64 ،3/63ـ سيرة ابن هشLLام) ،ورواها الLLبيهقي في دالئLLل النبLوة
( ،)205 ،3/204ورواه أيًض ا اإلمام أحمد في المسند (.)3/351
(?) رواها البخاري في الشروط رقم )2732 ،02731ضمن قصة الحديبية الطويلة. 1
(?) رواه البخLL Lاري في العلم رقم ( ،)103والتفسLL Lير رقم ( ،)4939وفي الرقLL Lاق رقم ( 2
(?) ورد في قصة الحديبية رواها البخاري في الشروط رقم (.)2732 ،2731 1
(?) رواه البخ LLاري في الجن LLائز رقم ،)01269والتفس LLير رقم ( ،)4672 ،4670وفي 2
(?) رواه البخLL Lاري في فLL Lرض الخمس رقم ( ،)3149وفي اللبLL Lاس رقم ( ،)5809وفي 2
( ،)4882والترمذي في البر والصلة رقم ( ،)1927وابن ماجه في الزهد رقم ( )4213ـ
وليس عنده إال الجملLة المLذكورة فقLط ـ كلهم من حLLديث أبي هريرة رضLي اهلل عنLه ،ورواه
اإلمام أحمد في المسند ( )3/491من حديث واثلة بن األسقع رضي اهلل عنه.
مفسدات األخوة ()76
الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) (.)4
(?) جLL Lزء من حLL Lديث رواه مسLL Lلم في اإليمLL Lان رقم ( ،)91وأبLL Lو داود في اللبLL Lاس رقم ( 4
)4091بنح LLوه ،والترم LLذي في ال LLبر والص LLلة رقم ( ،)1999وابن ماج LLه في الزهد رقم (
،)4173وأحمLL Lد في المسLL Lند ( )1/399كلهم من حLL Lديث ابن مسLL Lعود رضLL Lي اهلل عنLL Lه،
وروى نحLLوه اإلمLLام أحمLLد في المسLLند ( )2/164من حLLديث عبLLد اهلل بن عمLLرو رضLLي اهلل
عنهما.
()77 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()78
المفسدة السابعة
كثرُة المَخ الفة له في األقوال واألفعال والرغبات ،والكبر
والفظاظة
من زيادة األلفة أن يكون بين الصاحبين وصف مشترك أو عادات وطباع
متشابهة ،فالطيور على أشكالها تقع ,وقد قال رسولنا (( :األرواح جنود مجندة
فما تعارف منها ائتلف ،وما تناكر منها اختلف))(.)1
وقال مالك بن دينار :ال يتفق اثنان في عشرة إال وفي أحدهما وصف من اآلخر
يناسبه.
قدرا في سفر أو طريق فصار هو الصفي والخليل
ولذلك كم من شخص عرفته ً
وعرفته بواسطة صديق قديم فصار هذا الجديد أقرب إليك من القديم لما وجدت
(?) رواه مسLLلم في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)2638وأبLLو داود في األدب رقم (،)4834 1
وأحمLL Lد في المسLL Lند ( ،)527 ،2/295البغLL Lوي في شLL Lرح السLL Lنة رقم ( )3471من
حLLديث أبي هريرة رضLLي اهلل عنLLه ،ورواه البخLLاري ـ تعليًق ا ـ في أحLLاديث األنبيLLاء رقم (
)3336من حديث عائشة رضي اهلل عنها ،وقال الحافظ ابن حجLLر رحمLLه اهلل في الفتح
(" :)6/426وصله المصنف في األدب المفرد عن عبLد اهلل بن صالح عنLه" اهـ .أي عن
الليث ،وقد رواه البخاري كما ذكر الحافLظ في األدب المفLرد رقم ( ،)900وصححه
األلباني في صحيح األدب المفرد رقم (.)691
ورواه الحاكم في مسLLتدركه ( ،)4/420والسLLلمي في آداب الصLLحبة ص 40 ،39من
ح LLديث س LLلمان الفارس LLي رضLL Lي اهلل عن LLه ،ورواه الط LLبراني في الكبLL Lير كم LLا في مجم LLع
الزوائ LL Lد ( )8/87من ح LL Lديث عب LL Lد اهلل بن مس LL Lعود وق LL Lال الهيثمي" :ورجال LL Lه رج LL Lال
الصحيح" اهـ.
()79 مفسدات األخوة
فكرا ...على حد قول القائل:
فهما أو ً
روحا ونفسًا أو ً
فيه من التقارب معك ً
(?) أورده السيوطي في الجامع الصغير وعLLزاه البن المبLLارك عن مكحLLول مرسًLال ،والLLبيهقي 2
عن ابن عمLLر رضLLي اهلل عنهمLLا ،وذكLLر األلبLLاني في السلسLLلة الصLLحيحة رقم ( )936وقLLال:
رواه العقيلي في الضLLعفاء ،214ثم ذكLLر لLLه شLLاهًد ا وقLLال :فالحLLديث بLLه حسLLن .اهـ .انظLLر:
فيض الق LLدير ( )6/258رقم ( ،)9163صحيح الج LLامع الص LLغير رقم ( ،)6669سلس LLلة
األحاديث الصحيحة (.)647 ،2/646
قوله" :األنف" في رواية "األلف" بالالم ومعنى األنLLف أي الLLذي عقLره الخطLام ،وإن كLان من
خشLLاش أو ُب رة أو ِخ زامLLة في أنفLLه فمعنLLاه أنLLه ليس يمتنLLع على قائLLده في شLLيء للوجLLع ،فهو
ذلول منقاد .انظر :لسان العرب (.)1/151
(?) رواه الترمLLذي في صفة القيامLLة رقم ( ،24889وأحمLLد في المسLLند ( )1/415ولفظLLه 3
"ك LLل هين لين س LLهل ق LLريب من الن LLاس" ،والبغ LLوي في ش LLرح الس LLنة ( )13/85بنح LLو رواية
أحمLد ،وصححه األلبLاني في صحيح الجLامع الصLغير رقم ( ،)2609وفي الصLحيحة رقم (
مفسدات األخوة ()80
كان سهًال هيًنا ليًنا حرمه اهلل على النار))(...)1
ذا حياء وعفاٍف وكَر م وإذا صحبَت فاصحْب َص اِح ًبا
()2 قوله للشيء ال إن قلت ال
وإذا قلت نعم قال َنَع م
وهذا بال شك فيما ال يخالف الشرع بل في اإلطار الذي ال يمنع الشرع من
الموافقة فيه ،كما في األمور التي ترجع إلى المزاج وما يهواه الصاحب مما ال
تقييد فيه من قبل الشارع.
فمن الحياء واإليثار ومما تكسب به قلب الصديق وحبه أن توافقه في ذلك
وإن لم يناسب مزاجك أو هواك درًءا للجدال ،وتقريًبا لألرواح والقلوب ،وحفًظا
لها من التغير بسبب أمور ال تمس الدين في شيء ،فإن كثرة المخالفة توحش
القلب وتشعر بعدم التناسب وتزيل االنسجام.
فكن ليًنا سهًال مع أخيك طيًعا له ،ذا رقة في التعامل معه ،بعيًد ا عن الغلظة
والفظاظة عسى أن يشملك هذا الوعد العظيم بالتحريم على النار الذي بشر به
المصطفى أولئك الهينين اللينين.
وقد كان قدوة في اللين والسهولة والبعد عن الكبر والفظاظة حتى إن األمة
كانت تأخذ بيده فتنطلق به لحاجتها إلى حيث شاءت من المدينة( ،)3بل ما أعجب
ما ذكره أنس رضي اهلل عنه ـ خادمه ـ إذ يقول :خدمت رسول اهلل عشر سنين فما
)38وذكLLر لLLه شLLواهد كثLLيرة ،وكLLذا صححه شLLعيب األرنLLاؤوط في تخLLريج شLLرح السLLنة (
،)13/86وراجع في شواهد مجمع الزوائد (.)4/75
(?) صحيح الجامع الصغير رقم (.)6484 1
(?) رواه البخ LLاري في األدب رقم ( ،)6038ومس LLلم في الفض LLائل رقم ( ،)2309وأب LLو 1
وقد يهيأ لبعض أولئك المغرورين أنهم محبوبون إذا رأوا بعض الناس
يحترمونهم ،وما ذلك إال وهم وخدعة خدعهم بها الشيطان ،فإن هذا االحترام قد
يكون لخوف أو لمصلحة ال يلبث أن يزول بزوال السبب فهو احترام المكره،
(?) ق LLال األلب LLاني" :ق LLال في الج LLامع :رواه ال LLدارقطني في األف LLراد ،والض LLياء المقدس LLي في 3
المختLLارة عن ج LLابر ،ثم رمLLز ل LLه الس LLيوطي فيLLه بالصLLحة ،ولم يتكلم عليLLه الش LLارح بش LLيء".
السلسلة الصحيحة ح رقم ( )426ص.712
وأخرجLLه أحمLLد بنحLLوه في المسLLند ( )2/400من حLLديث أبي هريرة بلفLLظ "المLLؤمن ُمؤلLLف
وال خ LLير فيمن ال يألف وال يؤل LLف" ،وأخرج LLه من ح LLديث س LLهل بن س LLعد الس LLاعدي بلف LLظ
"المؤمن مألفة وال خير فيمن ال يألف وال يؤلف" المسند (.)5/335
()83 مفسدات األخوة
وشتان بين هذا االحترام واحترام الطواعية الناشئ عن حب وتقدير.
وما أجمل تلك الكلمة التي تحركت بها شفتا أم ولد هارون الرشيد وهي ترى
من شرفة القصر ازدحام الناس حول ابن المبارك رحمه اهلل فتقول :هذا هو الملك
ال ملك هارون( )1الذي ال يجمع الناس إال بشرطة وأعوان(.)2
(?) ليس المقصود نقد هارون الرشيد رحمه اهلل أو الحط من قدره ،ولكن قصدت المفهوم 1
الLLذي حLLواه كالم امLLرأة هارون ،وهو الفLLرق بين من يحLLترم لملكه ومن يحLLترم لمكانتLLه في
القلوب عن حب وطواعية.
(?) تاريخ بغداد ( ،)157 ،10/156سير أعالم النبالء (.)8/384 2
مفسدات األخوة ()84
المفسدة الثامنة
الُّنْص ُح في الَم أل
فإذا كان من صدق المحبة ومن أدب الصحبة ومن حقوق األخوة أن تنصح
أخاك إذا وجدته على منكر أو معصية أو خطأ وأن ترشده للصواب وما ينجيه من
غضب اهلل وعقابه ،إال أن ذلك ال يعني أن تنصحه في العلن دون ضرورة تلجئ
لذلك ،إذ ال يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس ،فجميع الناس
يكرهون أن ُتبرز عيوبهم أمام اآلخرين ،بل النصيحة في العلن أو ذكر خطأ صاحبك
في المأل من أسرع ما يزيل المحبة ويزرع العداوة لما يشعر به من الفضيحة
والتوبيخ ،وقد يولد في نفسه العناد والرغبة في االنتقام ...وإلى هذا أشار اإلمام
الشافعي رحمه اهلل بقوله(:)1
وجنبني النصيحة في الجماعة تعمدني بنصحك في انفرادي
من التوبيخ ال أرضى سماعه فإن النصح بين الناس نوع
فال َتْج َز ْع إذا لم ُتْع َط َطاَعة فإن خالفتِني وعصيت قولي
ولكن إذا أِخ ذ الرجل جانًبا ونصح على انفراد لكان ذلك أدعى للقبول ،وأدعى
لفهم المسألة ،وألحبك ألنك قدمت إليه معونة وأسديت إليه خدمة بأن نصحته
وصححت خطأه(.)2
(?) ولكن إذا رأى اإلمLLام أو علم النLLاس خًط ا صدر من بعض األفLLراد في المأل وخشLLي أن 2
يؤثر على الناس فإن من السنة أن يصLحح ذلLLك على المنLبر دون ذكLر اسLLم المخطئ ،تعليًم ا
للناس ووقاية لهم من الخطأ حتى لو شعر المخطئ أن هذا التصحيح أو التقويم الذي قLام بLه
()85 مفسدات األخوة
وبعض الناس يريد أن تكون النتائج لحظية فيحب في الناس أن يغيروا ما بهم
بمجرد أن ُيْنَص حوا ،فإذا لم يجد االستجابة في نفس المجلس أو اللحظة التي نصح
فيها ظن أن النصيحة لم تأت بنتيجة أو ربما أثقل على المنصوح لدرجة النزاع ظًنا
منه أن مفهوم النصيحة لم يصله بعد أو لم يقتنع به ...وهذا الناصح مخطئ في
تقديره لألمور؛ ألن الغالب على طبيعة البشر أنهم ال يتراجعون في لحظة وإنما
يأخذون فترة للتفكير أو ينتظرون فرصة لالنسحاب.
وإذا نصحت أخاك فال تعيره بخطئه ،فإن التعيير بالذنب ليس من النصيحة بل هو
خلق رذيل وهو سلوك من ال يخشى على نفسه من سوء الخاتمة ،ولذا قد يكون لهذا
السلوك عاقبة سيئة على صاحبه ،وقديًم ا قيل :من عّير أخاه بذنب لم يمت حتى يقع
فيه(.)1
اإلمLLام كLLان بسLLبب خطئه ،فLLإن هذا ال بLLأس بLLه ،فقLLد بلLLغ رسLLول اهلل أن قوًم ا تLLنزهوا عن
ش LLيء صنعه فخطب الن LLاس وق LLال(( :م LLا ب LLال أق LLوام يت LLنزهون عن الش LLيء أصنعه ف LLإني واهلل
أعلمكم باهلل وأخشLLاكم لLLه)) ،وكLLذلك لمLLا طلب قLLوم بريرة من عائشLLة رضLLي اهلل عنها حين
أعتقت بريرة أن تجعLLل لهم والءها ،غضLLب رسLLول اهلل وخLLرج فخطب النLLاس(( :مLLا بLLال
أقوام يشترطون شروًطا ليست في كتاب اهلل)) ...وقLLال(( :الLLوالء لمن أعتLق)) .انظLر :الفتح
(.)385 ،5/384
(?) الزهد لإلمام أحمد ص ،342ولفظه :كنا نتحدث أنه من عLLير أخLLاه بLLذنب قLLد تLLاب منLه 1
لم يمت حتى يصيب ذلك الذنب ،وفي البداية والنهاية ( :)9/283كLانوا يقولLون :من رمى
أخاه بذنب...إلخ.
وروي هذا مرفوًع ا عنLد الترمLذي في صفة القيامLة رقم ( )2505وقLال أحمLد :من ذنب قLد
تLLاب منLLه .قLLال الترمLLذي :هذا حLLديث غريب وليس إسLLناده بمتصLLل...إلخ ،ورمLLز السLLيوطي
لحسLنه في الجLامع الصLغير رقم ( )8869فيض القLدير ،وتعقب بLأن فيLه محمLد بن أبي يزيد
الهمداني قال أبو داود وغيره :كذاب .ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضLLوعات .انظLLر:
مفسدات األخوة ()86
فيض القLL L Lدير ( ،)6/183وقLL L Lال األلبLL L Lاني في ضLL L Lعيف الجLL L Lامع الصLL L Lغير رقم (:)5722
"موضوع".
()87 مفسدات األخوة
المفسدة التاسعة
َك ثرُة المَع اتَبة وَع دُم الّتَس اُم ِح
والّنظر إلى الَّسلبَّياِت دون اإليجابيات
وَع دم االعِتَذ ار أو َع دم الّتجاوز عن الّز الت
فاألخ قد يعاتب أخاه أحياًنا بتلطف وتودد ،ولكن يكره له املعاتبة يف الصغرية
والكبرية ،بل ليصفح دون معاتبة وليغض الطرف عن بعض ما يعده من اهلفوات ،أو
يتغاىب ـ إن صح التعبري ـ أو يتعامى عنها على حد قول الطائي:
()4 ليس الَغبُّي بسيٍد في قْو ِم ه
لكن سَّيد قوِم ه المُتَغاِبي
وذلك ألن كثرة المعاتبة واإلحراج مما يفضي إلى قطع المودة؛ ألن ذلك يشعر
أخاك أنك ال تتحمل أدنى شيء منه ،أو أنك دائًم ا تسيء به الظن ،أو تنظر إليه على
أنه مقصر في حقك ،وتوشك إذا مضيت على هذه الطريقة أن ال تجد من تعاتبه
أقصد أن ال تجد صديًق ا مصاحًبا.
على حد قول القائل:
مخاَفَة أن أعيَش بال َص ِد يِق أغِم ْض للصديِق عن
المَس اِوي
وقال آخر:
قد ُيْقَبُل المعروف نزًرا اْقَبل أخاك ببْع ِض ه
إن ساَء عْص ًرا سّر عصًرا واْقبْل أخاك فإنه
فاعلم أوًال أنه البد من القناعة في طلب مواصفات الصديق ،وأنك لن تجد
صديًق ا ليس في وده خلل ،وأنت كذلك ال تخلو من نقص ،فاقبل في أخيك ما قبله
فيك ،وإال دام غمك وطال همك ولن تظفر بمطلوبك...
وقد نكره أشياء يف بعض الناس ولكن عندما نفتقدهم وخنالط من هم أسوأ منهم
ندرك اخلري الذي كان فيهم ومل نعبأ به ،يقول الشاعر:
وجرْبُت أقواًم ا بَكْيُت على بكيُت من عمرٍو فلما تركُته
عْم رٍو
وقال آخر(:)2
وجَّرْبُت أقواًم ا بكيُت على عتبُت على سْلٍم فلّم ا فقدُته
ْل ()3
َس ٍم )
فمن حسن الفهم إًذا ومن الفطنة أن توقن أنه ال خيلو صاحب من نقص ،فالبشر هم
البشر:
وأنشد بعضهم:
َيْنُبو الفتى وهو الَج َو اُد ال يؤيسّنك من صديق نبوة
الخضرُم فإذا َنَبا فاستْبِقه وتأَّنه
()2
حتى تفيء به وطبُعك أكرُم
وقد قالت الحكماء :أي عالم ال يهفو ،وأي صارم ال ينبو ،وأي جواد ال
يكبو(.)3
وقالوا :من حاول صديًق ا يأمن زلته ويدوم اغتباطه به كان كضال الطريق الذي
ال يزداد لنفسه إتعاًبا إال ازداد من غايته بعًد ا(.)4
وقال بعض البلغاء :ال يزهدّنك في رجل حمدت سيرته ،وارتضيت وتيرته،
وعرفت فضله ،وبطنت عقله عيب تحيط به كثرة فضائله ،أو ذنب صغير تستغفر له
قوة وسائله ،فإنك لن تجد ـ ما بقيت ـ مهذًبا ال يكون فيه عيب ،وال يقع منه ذنب،
فاعتبر نفسك بعد أن ال تراها بعين الرضا ،وال تجري فيها على حكم الهوى ،فإن
في اعتبارك واختيارك لها ما يؤيسك مما تطلب ،ويعطفك على من يذنب(.)5
(?) أدب الدنيا والدين ص ،179وبهامشه نبا السيف عن الضريبة :كَّل ولم يقطع. 3
وحنن يف واقعنا قد جيد أحدنا نفسه أحياًنا شديد احلنق على أخيه ،وينمي يف نفسه
البغض له ،كل ذلك جلانب ما يف شخصية أخيه ،بل أحياًنا ملوقف واحد حدث يف
ظرف من الظروف وكأن أخاه قد أصبح كله هو هذا املوقف أو ذلك اجلانب...
ومقتضى األخوة واحملبة وحسن العشرة أن تستحضر حماسن أخيك دائًم ا أمامك فتشفع
(?) انظر :فن التعامل مع الناس ص 27 ،26ـ بتصرف يسير ـ. 6
(?) هكذا باألصل ،ولعLL Lل الصLL Lواب" :ولكن كLL Lانت النظLL Lرة األولى في لحظLL Lة غيLL Lظ من 3
الس LLلبيات وعمى عن اإليجابي LLات ،وك LLانت الثاني LLة في لحظ LLة ت LLذكر لإليجابي LLات وغفل LLة عن
السلبيات" وذلك حتى يستقيم المعنى.
()93 مفسدات األخوة
له إذا ما أخطأ مرة معك أو اطلعت على جانب نقص فيه ،على حد قول القائل:
جاءت محاسُنه بألِف َش ِفيع وإذا الحبيُب أتى بذنٍب واحٍد
وال تكن كالمرأة التي إذا رأت من زوجها شيًئا تكرهه قالت :ما رأيت منك
خيًر ا قط ،فقد سمى رسول اهلل ذلك كفًر ا ،وبه صار النساء أكثر أهل النار ،فإنه
لما سئل عن سر كونهن أكثر أهل النار؟ قال(( :يكثرن اللعن ويكفرن)) ،قيل:
يكفرن باهلل؟ قال(( :يكفرن العشير)) أي الزوج ،وفسره بما ذكرنا( .)1بل مع زيادة
احملبة وحسن الظن قد ال حتضرك عيوب صاحبك أصًال وال تراها ،كما قال القائل:
وال بعض ما فيه إذا كنت فلْست براٍء عيب ذي الُو َّد كله
راِض ًيا وعيُن الرضا عن كَّل عيب
كما أن عيَن السخط ُتبدي كليلة
()2
المساويا
وينبني على هذا الكالم أن تعلم أن من حسن المودة وحقوقها العفو واإلغضاء
عن التقصير ،قال الحسن بن وهب :من حقوق المودة أخذ عفو اإلخوان،
واإلغضاء عن أي تقصير كان(.)3
(?) رواه البخLL Lاري في الحيض رقم ( ،)304وفي الزكLL Lاة رقم ( ،)1462وفي الصLL Lوم ـ 1
(?) أدب ال LLدنيا وال LLدين ص ،175والمقص LLود من ذل LLك الم LLداراة ،والف LLرق بين الم LLداراة 3
مفسدات األخوة ()94
وقال أحدهم:
وكل غِض يِض الطرِف عن أِح ُّب من اإلخواِن كّل مواتي
()1
َع َثراتي
وحكى األصمعي عن بعض األعراب أنه قال :تناس مساوئ اإلخوان يُد م لك
ودهم(.)2
فال تدفعنك هفوة بدرت من أخيك إلى قطعه وتركه ،وقد قال رسول اهلل :
((ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))(.)3
والمداهنة بالغرض الباعث على اإلغضLاء؛ فLإن أغضLيت لسLالمة دين ولمLا تLرى في اإلغضLاء
من إصالح أخيك فأنت مدار ،وإن أغضيت لحظ نفسك واجتالب شهواتك وسالمة جاهك
ف LLأنت م LLداهن ،ف LLإن ك LLانت زلت LLه في دين LLه فتلط LLف في نص LLحه مهم LLا أمكن ،وال ت LLترك زج LLره
ووعظLLه .انظLLر :مختصLLر منهاج القاصدين ص ،99وقLLال ابن بطLLال رحمLLه اهلل :المLLداراة من
أخالق المؤمLL Lنين وهي خفض الجنLL Lاح للنLL Lاس ولين الكلمLL Lة وتLL Lرك اإلغالظ لهم في القLL Lول
وذلك من أقوى أسLLباب األلفLة .وظن بعضLهم أن المLLداراة هي المداهنLة فغلLط؛ ألن المLLداراة
من LLدوب إليها والمداهن LLة محرم LLة .والف LLرق أن المداهن LLة من ال LLدهان وهو ال LLذي يظهر على
الشيء ويستر باطنه ،وفسرها العلماء بأنها مباشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيLLه من غير
إنكار عليLLه ،والم LLداراة هي الرف LLق بالجاهل في التعليم والفاس LLق في النهي عن فعلLLه ،وت LLرك
اإلغالظ عليLLه حيث ال يظهر مLLا هو فيLLه ،واإلنكار عليLLه بلطLLف القLLول والفعLLل ،والسLLيما إذا
احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .الفتح (.)1/545
(?) ديوان الشLL Lافعي ص ،59وقLL Lال المLL Lاورديُ :أنشLL Lدت عن الربيLL Lع للشLL Lافعي ،فLL Lذكره، 1
(?) رواه البخLL L L Lاري في األدب رقم ( ،)5991وأبLL L L Lو داود في الزكLL L L Lاة رقم (،)1697 3
وقال آخر:
كان الحلُم رَّد َج َو اِبه من لي بإنساٍن إذا أغضْبُته
ورضيُت
فتغافل عن هفوات أخيك طلًبا لدوام األلفة ،وهذا من الفطنة ووفور العقل...
قال بعض الحكماء :وجدت أكثر أمور الدنيا ال تجوز إال بالتغافل(.)1
وقال أكثم بن صيفي :من شَّدد نَّف ر ،ومن تراَخ تألف ،والشرف في التغافل(.)2
وقال شبيب بن شيبة :األريب العاقل هو الفطن المتغافل(.)3
وسبق قول الطائي:
()4 ليس الغبُّي بسيد في قومه
لكن سَّيد قومه المتغابي
(?) ديوان الشافعي ص ،56وقال الماوردي في أدب الدنيا والدين ص :183وأنشدت عن 5
مفسدات األخوة ()96
أرحُت نفسي من هَّم العداواِت لما عَفْو ُت ولم أحقْد على أحٍد
ألدفع الشر عني بالتحّياِت إني أحيي عدوي عند رؤيته
()1 وأظِهُر الِبشَر لإلنسان أبِغ ُضه
كأنما قد حشا قلبي محَّباِت
وفي اعِتزالِهم َقطُع المواداِت! الناس داء وداء الناس قربهم
()2
وقال الشاعر:
()4
وامزْح له إن المزاَح وفاُق وإذا عجزَت عن العدو فداِرِه
تعطي النضاج وطبُع َها فداِره فالناُر بالماء الذي هو
()5 ضدها
اإلحراُق
(?) في منهاج اليقين :يع LLني الن LLاس الس LLيما األع LLداء والحس LLاد مرض LLى ،وعالجهم ق LLربهم، 2
(?) وهذا ال ين LLاقض ق LLول س LLابقه ،فالم LLذموم اإلكث LLار من الم LLزاح ،أم LLا القلي LLل من LLه فُيص LLلُح
4
الحال.
(?) أدب الدنيا والدين ص.181 5
()97 مفسدات األخوة
فينبغي أن يكون العفو دون َمٍن سمة األخ مع أخيه ،والناس يبغضون من ال
ينسى زالتهم أو ال يزال يذِّك ر بها ويمُّن على من عفا عنه ،فاإلنسان يكره ذلك
الذي يظل يذكره بأخطائه السالفة ويعيدها عليه مرة بعد مرة ،واهلل تعالى يقول:
َو اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس [ آل عمران ]134 :يمتدح الذين يعفون عن أخطاء الناس
وينسونها.
ويتأكد العفو والتجاوز إذا أتاك الصديق معتذًر ا فـ((كل بني آدم خطاء وخير
الخطائين التوابون))(.)3
فإياك أن تكسر قلب الصديق إذا أتاك معتذًر ا نادًم ا على خطئه ،وعامله مبثل ما حتب
أن يعاملك به لو كنت مكانه.
(?) أدب الدنيا والدين ص.175 2
(?) رواه الترم LLذي في صفة القيام LLة رقم ( ،)2499وابن ماج LLه في الزهد رقم (،)4251 3
وال LLدارمي في الرق LLاق رقم ( ،)2727وأحم LLد في المس LLند ( ،)3/198وفي روايت LLه زيادة
((ولLLو أن البن آدم واديين من مLLال البتغى لهمLLا ثالًث ا وال يمأل ج LLوف ابن آدم إال الLLتراب))
كلهم من حLL Lديث أنس رضLL Lي اهلل عنLL Lه ،وقLL Lال الحافLL Lظ ابن حجLL Lر في بلLL Lوغ المLL Lرام رقم (
" :)1505وسنده قوي" اهـ .وحسنه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (.)4515
مفسدات األخوة ()98
من التقصير عذر أخ ُمِقر إذا اعتذَر الصديٌق إليك يوًم ا
()1
فإن الصفَح شيمة كَّل حر فُص ْنه عن عتابك واعُف عنه
قال يونس النحوي :ال تعادين أحًد ا وإن ظننت أنه ال يضرك ،وال تزهدن في
صداقة أحد وإن ظننت أنه ال ينفعك ،فإنك ال تدري متى تخاف عدوك وترجو
صديقك ،وال يعتذر أحد إليك إال قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب ،وليقل عتب
الناس على لسانك(.)2
وما أحلى كالم ذلك األعرابي حين قال :الودود من عذر أخاه ،وآثره على
هواه.
وقال عبد اهلل بن معاوية بن جعفر بن أيب طالب:
لك أن تراه زَّل زَّلة ال يزهدّنك في أٍخ
َّل ()3 ما من أٍخ لك ال يعيب
ولو حرصت الحرص ُك ه
واحذر التدين يف معاملة أخيك إذا أساء معك بأن ترد إساءته بإساءة أو تشغل
نفسك بالتفكري يف تصرف تدخل به عليه الغم كما أغمك ،فهذا أبعد ما يكون عن
عالقة األخوة...
ـَت ،فأين عاطفُة األُخ َّو ة هْبِني أسأُت كَم ا زعمــ
()4 أو إن أسأَت كما أسأ
ُت ،فأين فضلك والُم ُر َّو ة
(?) عيLLون األخبLLار البن قتيبLLة ( ،)3/34حليLLة األوليLLاء ( ،)1/215أدب الLLدنيا والLLدين ص 2
(?) قLLال أبLLو حيLLان :عتب ابن ثوابLLة أبLLو العبLLاس على سLLعيد بن حميLLد في شLLيء فكتب إليLLه 4
سعيد :أقلل عتابك فالزمان قليل...إلخ ،المختار من رسالة الصداقة والصديق ص.69 ،68
مفسدات األخوة ()100
إن ُحَّص ُلوا أفناهم الّتحِص يُل صروفه
فعالم يكثر عتُبنا ويطوُل والمنَتمون إلى اإلخاء جماعة
ولعل أياَم الحياة قصيرة
وقال آخر:
ونطوي ما جرى مَّنا من اليوم تعارفنا
وال قلُتْم وال ُقْلَنا فال َك اَن وال صاَر
من العْتِب فِبالُحْسنى وإن كان والُبَّد
فجعل المرتبة األولى ترك العتاب مطلًق ا مع صفاء النفس ،فإن كانت ال تصفو
بذلك فالمرتبة الثانية العتاب ولكن بالحسنى ،فهذه المرتبة خير من فقد الصديق أو
الحكم عليه في السر دون معاتبة...
وفي ذلك يقول أبو الدرداء :معاتبة األخ خير من فقده(.)1
ومن ذلك قول بعضهم :وفي العتاب حياة بين أقوام.
وقول اآلخر:
()2
ويبقى الوّد ما بقي العتاب إذا ذهَب العتاب فليس وّد
(?) ولن LLا أس LLوة في منهج LLه في معالج LLة خط LLأ ح LLاطب بن أبي بلتع LLة لم LLا بعث للمش LLركين 1
يخبرهم بخLروج رسLول اهلل إذ كLانت الخطLوة األولى تحققLه من ذلLك الخطLأ عن طريق
الLLوحي ،ثم كLLانت الخطLLوة الثانيLLة االستفسLLار أو المعاتبLLة بقولLLه لLLه(( :مLLا حملLLك على مLLا
صنعت؟!)) فلمLا أجابLه بأنLه أراد أن تكون لLه يد عنLد المشLركين يحمي بها قرابتLه ومالLه...
ولم يكن ذل LLك عن نف LLاق أو خيان LLة ...ولكن LLه على أية ح LLال خط LLأ ،لم يحكم علي LLه بهذا
التصرف الواحد بل وزنه بحسناته وسيئاته مًعا معبًر ا عن ذلك بقوله لعمLLر حين غضLب وأراد
ضرب عنق حاطب(( :إنه شهد بدًر ا ،وما يدريك لعل اهلل اطلع على أهل بLLدر فقLLال :اعملLLوا
مLا شLLئتم فقLد غفLرت لكم)) وقصLة حLLاطب رضLي اهلل عنLه رواها البخLاري في الجهاد رقم (
مفسدات األخوة ()102
وإذا فشل العتاب فالتمس النفع بالصدود عنه ،فإن وجدت رجوًعا منه إليك
وميًال فقابل ذلك بالعفو والمسامحة ،فإن الصفح والمغفرة أولى للذي يقدر على
العقاب ،وهذه طبيعة األحياء أنهم يخطئون ،وال يخلو من الذنوب إال األموات.
ويف هذا يقول سعيد بن محيد:
فِقْفه بيَن وصل واْج ِتناب إذا كثَر ْت ذنوب ِم ْن خليٍل
جلَّية ُم شكٍل بعد ارتياب وعاِتْبُه فكْم أبدى عتاٌب
إذا أخفقت من نفع الِع َتاب ورِّج النفع في اإلعراض عنه
ِع ناًنا للرجوِع أو اإلياِب وراجعه بعفوك حين يثني
إذا َقَد َر ت يداك على العقاِب فإن العفو من ذي الحزم أولى
وتعدم ذنب من تحت فإنك واجد للحي ذنًبا
()1
التراِب
ومما يتعلق بفقه المعاتبة ضرورة االبتعاد عن الطقوس التي يقررها البعض في
عالقاتهم ،فبعض الناس مثًال يقول ألخيه( :المفروض أنك أنت الذي تزورني) ،أو
يشعر أخاه دائًم ا بأنه محتاج أن يعتذر إليه في كل أمر حتى ال يسيء به الظن.
وقد كان من مضى من الصالحين يبتعدون عن هذه الطقوس والتعقيدات ،بل
يجتهد كل منهم في رفع الحرج عن أخيه في مثل هذه المواقف.
فهذا أحد السلف يقول ألخيه وقد جاء معتذًر ا لتقصيره في زيارته :إنا إذا وثقنا
وروي أن أبا عبيد بن سالم ذهب ألحمد بن حنبل فقال :يا أبا عبد اهلل ،لو
كنت آتيك على قدر ما تستحق ألتيتك كل يوم ،فقال أحمد بن حنبل :ال تقل هذا،
إن لي إخواًنا ال ألقاهم إال كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم ممن ألقى كل يوم(.)2
وهذا واقع مشاهد ،فالود ليس بالضرورة مقصوًر ا على من تكثر رؤيته ،فقد تتكرر
رؤية اإلنسان ملن ال حيبه بل يضيق به ،على حد قول القائل:
()3 ومن نكد الدنَيا على الحر أن
عدًو ا له ما ِم ن صداقته بُّد
يرى
ولو تفرغ اإلنسان لزيارة األصحاب لما وجد وقًتا ألداء واجبات أخرى كطلب
العلم وطرق أبواب جديدة للدعوة والقيام على حقوق الوالدين واألسرة ،والناس
يتفاوتون فيما يتحملون من األعباء ،فينبغي أن يتسامح مع صاحب األعباء الكثيرة
(?) في روضة العقالء ص :89عن يونس بن عبيد أنه أصيب بمصيبة فقيل له :ابن عLLوف لم 2
يأتك؟ فقال :إنا إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضره أن ال يأتينا ،وفي المختار من رسالة الصLداقة
والصديق ص :64توفي ابن ليLونس بن عبيLد فقيLل لLLه :إن ابن عLLوف لم يأتLLك .فقLال :إنLLا إذا
وثقنا أٍخ ال يضرنا أن ال يأتينا.
(?) منLاقب اإلمLام أحمLد البن الجLوزي ص ،152 ،151المنهج األحمLد ( )1/81والقصLة 2
حًق ا إنهم علماء أبرار ...إذا كان هذا قول الشيخ وأدبه تجاه تلميذه ،فكيف
بالتلميذ مع شيخه؟!
ثم قارن بين هذا الصفاء والتواضع ،وتلك السهولة ،وبين من يثقل على
صاحبه ،وال يستفيد من حفظ حقوق األخ على أخيه سوى محاسبة أخيه عليها
ومطالبته بها ،وفي كل يوم يعاتبه أو يكلمه في واحد منها ،على حد قول القائل(:)1
نافالٍت ،وحَّقه الدهَر فرضا لي صديق يرى حقوقي عليه
ثم من بعد طولها سرت لو قطعت الجبال طوًال إليه
عرضا لرأى ما صنعت غير كبير
واشتهى أن أزيد في األرض
أرضا
(وبعض الناس قد يقابل أحد إخوانه بلوم شديد :لماذا ال نراك؟ لماذا ال تسأل
عنا؟ فإذا اعتذر أخوه تمادى في اللوم والتأنيب ،وينسى أن اللوم يمكن أن يوجه
(?) رواه البخ LLاري في المغ LLازي رقم ( ،)4330وفي التم LLني ـ مختص ًLر ا ـ رقم ،)07245 2
ومسLLلم في الزكLLاة رقم ( ،)1061من حLLديث عبLLد اهلل بن زيد رضLLي اهلل عنLLه .وأحمLLد في
المسند ( )76 ،3/57من حديث أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه.
مفسدات األخوة ()106
()107 مفسدات األخوة
المفسدة العاشرة
اإلْص َغ اء للنّم اميَن َو الَح اِس ديَن
فمن الخطأ أن تبادر لتصديق كل ما يقال في أخيك ،أو تسارع إلى اتهامه
باإلساءة والخطأ اعتماًدا على شائعة أو أمر نقل إليك لم تحسه منه بنفسك بل
يخالف ما عهدته فيه ،فاحذر من ذلك؛ ألن لألحبة حاسدين ،وبعض الحاسدين
عندهم غيرة شديدة ،وال يروق لهم أن يروا مثل تلك العالقة القوية أو المحبة
المتبادلة بين صاحبين ،وال يهدأ لهم بال حتى يروا انفصال المتحابين كل منهما عن
اآلخر ،ورحم اهلل أبا الدرداء إذ يقول :أطع أخاك ولن له ،وال تسمع فيه قول حاسد
وكاشح ـ أي عدو ـ ،غًد ا يأتيك أجله ،فيُك ُّف ك فقده ،كيف تبكيه بعد الموت وفي
الحياة تركت وصله(.)1
وقال بعض الشعراء متندًم ا خياطب أخاه وحمبه:
مقالَة واسٍن يقرِع الِّسن من َندَم أطعَت الوشاَة الكاشحين ومن
علينا َش ِفيق ناِص ح كالذي َز َعم ُيِط ْع
سرائره عن بعِض ما كان َقْد أتاني عدٌو كنت أحِس ُب أنه
كتم فلما تباثْثنا الحديث وَص َّر َح ت
فعندي لَك الُع ْتبى( )2على رغم من تبَّين لي أن المحدث كاذٌب
()3
زعم
(?) بنحLوه في الحليLة ( ،)216 ،1/215عيLون األخبLار ( ،)3/34أدب الLLدنيا والLLدين ص 1
،174وأوله :معاتبة األخ خير من فقده ،ومن لك بأخيك كله ،أطع أخاك...إلخ.
(?) العت LLبى :رج LLوع المعت LLوب علي LLه إلى م LLا ُيرض LLي الع LLاتب ،ق LLال في لس LLان الع LLرب( :ق LLال 2
الجوهري :اصل العتبى رجوع المسَLتْعِتب على محبLLة صاحبه) ،وفي اللسLLان أيًض ا( :العتLLبى:
الرضا ،وأعتبه :أعطاه العتبى ورجع إلى َمَس َّر ته ...وتقول :قد أعتبني فالن ،أي ترك ما كنت
أجد عليه من اجله ،ورجع إلى ما أرضاني عنه ،بعد إسخاطه إياي عليه) ص.2793
مفسدات األخوة ()108
ومن األمور الهامة أن َتَتنَّبه إلى أنك قد تكون سبًبا في إثارة الوشاة والحاسدين
بسبب شدة إظهارك لحب صاحبك أمامهم ،وقد تظن أن ذلك يسرهم ألنهم ـ في
اعتقادك ـ يحبونه كما تحبه ،ثم تفاجأ أن كالمك غَّير نفوسهم من صاحبك ،بل ربما
مجرد رؤيتهم لك كثيًر ا وأنت تصحبه قد يكون سبًبا لتغير قلوبهم ،ويحدث ذلك
في نفوسهم غيرة وحسًد ا ،ثم سعًيا إلفساد ما بينكما ،فكن حكيًم ا في التعبير عن
مشاعرك نحو صديقك في حضور اآلخرين.
ومع هذا ليطمئن كل محتابين جمع اهلل بينهما فأحب كل منهما أخاه هلل محبة
صادقة نابعة من القلب ...أن مثل هذه المحبة لن يستطيع الحاقدون اختراقها أو
هدمها ،وليموتوا بغيظهم فلن يستطيعوا زحزحة تلك القلوب التي جمع اهلل بينها،
فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(" :)1النعمة تكفر والرحم يقطع وإن اهلل تعالى
إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثم تالَ :لْو َأْنَف ْق َت َما ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يعًا َما
َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم اآلية [األنفال."]63 :
(?) الزهد البن المب LLارك ـ بنح LLوه ـ رقم ( )363ص ،123وزاد نس LLبته في ال LLدر المنث LLور ( 1
( )3/199لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والحاكم والبيهقي)اهـ.
()109 مفسدات األخوة
فمما يديم الصحبة أن ال تفشي سًر ا ألخيك ،فقد أخبر الرسول (( أن الرجل
إذا حدث أخاه بحديث ثم التفت فهو أمانة))( ،)1وتذكر دائًم ا أن أخاك إذا أحبك
ووثق فيك فإنه ال يخفي عنك أحواله وتصرفاته ،وال يتحفظ وهو يحدثك ،ولو
كان يحدث غيرك ما قال له كل ما قال لك ،فاعتبر ذلك جيًد ا.
وقد وصف بعضهم الصديق الذي يضر قربه فقال :هو الذي إذا قرب توصل
بصداقته إلى معرفة األسرار ،وعلم األخبار ،ثم تحفظ الزلل والتقط الخلل ،وأحصى
الفلتات ،وعد الهفوات ،وراعى عثرات األلسن ،وبوادر القول والعمل عند الغضب
والرضا ،وفي أوقات االسترسال التي ال يخلو اإلنسان فيها من إغفال ،ثم جعل
ذلك سالًح ا معًد ا يحمله على صديقه وقت العداوة(.)2
إذا علمت ذلك فاحذر أن تفشي ما تطلع عليه من أحوال صاحبك ،أو أمًر ا مما
يؤثر كتمانه من قول أو فعل ،وليكن ما يبوح لك به أمانة ال تتعداك إال بإذنه ،أو إذا
تأكدت من رضاه بذلك وإال صدمته وآذيته وغّيرت قلبه بل ربما كانت القاضية
على ما بينك وبينه من صحبة أو أخوة ،فكيف إذا طلب منك أن تحفظ سره في
كذا أو ما حدثك به بخصوص كذا فلم تفعل؟! الشك أن الكارثة تكون أعظم وأن
(?) رواه أب LLو داود في األدب رقم ( ،)4868والترم LLذي في ال LLبر والص LLلة رقم (،)1959 1
وأحم LLد في المس LLند ( )394 ،380 ،352 ،3/324كلهم من ح LLديث ج LLابر بن عبLLد اهلل
رضي اهلل عنهما ،وحسنه الشيخ األلبLLاني في صحيح سLLنن أبي داود رقم ( ،)4075صحيح
الجامع الصغير رقم (.)486
(?) انظر :الصداقة والصديق ألحمد الكويتي ص.15 2
مفسدات األخوة ()110
الطامة تكون أكبر...
ولذلك قال بعضهم:
َفِبْعه ولو بكٍف من رماد إذا ما المرُء أخطأه ثالث
وكتمان السرائر في الفؤاد سالمُة صْد ره ،والصدق منه،
فكما يؤذي أخاك أن تذيع سره فإنه يتأذى أيًض ا إذا ما ظننت به أنه يسر أمًر ا ما
سيًئا خالف ما يظهر منه بل ورتبت على ظنك أموًر ا ،فهذا يؤذيه ويؤذيك أيًض ا ألن
الظنون السيئة تغير قلبك منه.
ولهذا كان من أسباب بقاء األلفة وزيادتها بين المسلمين سالمة الصدر وحسن
الظن ،ومن ثم نهانا اهلل ورسوله عن سوء الظن واتباع الظن ،فقال جل وعالَ :يا
َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا اْجَتِنُبوا َك ِثيرًا ِم َن الَّظِّن ِإَّن َبْعَض الَّظِّن ِإْثٌم[ الحجرات ،]12 :وذم
الكافرين بأنهم قوم يتبعون الظن وما لهم من علم بما يقولون ،فقال عز وجلَ :و َما
َلُه ْم ِبِه ِم ْن ِع ْلٍم ِإْن َيَّتِبُعوَن ِإال الَّظَّن [ النجم ،]28 :وقال (( :إياكم والظن فإن
الظن أكذب الحديث))(.)1
ومن حق أخيك عليك أن تظن به الخير دائًم ا ،ومن استرجع واقعه في كثير من
المواقف أدرك أنه بعيد عن وصية عمر رضي اهلل عنه إذ يقول :وال تظن بكلمة
خرجت من أخيك إال خيًر ا وأنت تجد لها في الخير محمًال(.)2
(?) رواه البخ LLاري في النكاح رقم ( ،)5143وفي األدب رقم ( ،)6066 ،6064وفي 1
قLال :وضLع عمLر بن الخطLاب رضLي اهلل عنLه ثمانيLة عشLرة كلمLة كلها حكم ... :ثم ذكرها
مفسدات األخوة ()112
وإًذا فليست مهمتك تلمس المقصد السيئ في تصرف أخيك ،وإنما مهمتك
البحث عن أي محمل من الخير يصلح حمل تصرف أخيك عليه.
لكن لألسف تجد بعضنا يجتهد في استجماع ما يثبت ظنونه وال ينظر إلى ما
ينفيها وهذا سبب كثير من البالء وزوال األخوة بيننا ،ولو استحضر كل منا حسن
نية أخيه في كذا وطيب مقصده في كذا وتأول له واجتهد في نفي الظنون السيئة
عن خاطره لدامت األخوة والمحبة وازدادت.
قال ابن المبارك :المؤمن يطلُب المعاذير ،والمنافق يطلب الزالت.
فال شك أن االبتعاد عن سوء الظن بأهل الخير والتغافل عن دواعيه شيمة أهل
اإليمان والدين.
واعلم أن سوء الظن يدعو إلى التجسس المنهي عنه( ،)1ويدعو إلى الوقوع في
قالة السوء في أخيك ،وما أبعده عن المودة واإلخاء من إذا غضب غضبة من أخيه
أو رأى منه أمًر ا محتمًال لوجوه كثيرة ظن به السوء أو قال فيه السوء.
وإنما الخُّل الودود والصديق الصدوق من يحفظ قلبه عن ظن السوء بك،
ويحفظ لسانه عن قول السوء فيك وإن أغضبته يوًما أو فترت عن مراعاته في بعض
األوقات.
قال جعفر بن محمد البنه :يا بني من غضب من إخوانك ثالث مرات فلم يقل
فيك سوًءا فاتخذه لنفسك خًال(.)2
منها.
(?) وكأن LLه ل LLذلك ق LLال ـ في الح LLديث الس LLابق ـ بع LLد أن ح LLذر من الظن بقول LLه(( :إياكم 1
والقاعدة المنجية من ذلك دلنا عليها رسول اهلل ،فلو التزم كل منا أدب
الشرع وتحرى توجيهاته في التعامل ما وقعنا فيما يهدم أخوتنا ومحبتنا ،فهو
القائل(( :ال تجسسوا وال تحسسوا وال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد اهلل
إخوانا))( ،)1وهو القائل(( :من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه)) (.)2
قال األوزاعي :التجسس البحث عن الشيء ،والتحسس االستماع إلى حديث
القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم ،وقيل في الفرق بينهما غير
ذلك(...)3
والمراد أن تجسسك وبحثك فيما خفي عند أخيك مما ُنهي عنه ،ومما يفسد
(?) رواه الترمذي في الزهد رقم ( ،)2317وابن ماجه في الفتن رقم ( )3976من حديث 2
أبي هريرة رضLLي اهلل عنLLه ،ورواه الترمLLذي في الزهد رقم ( ،)2318ومالLLك في الموطLLأ في
حسLL Lن الخلLL Lق ( ،)2/903وأحمLL Lد في المسLL Lند ( ،)1/201والبغLL Lوي في شLL Lرح السLL Lنة (
،)14/321وصححه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (.)5911
(?) ففي الفتح :وقيل :بLالجيم البحث عن بLواطن األمLور وأكLثر مLا يقLال في الشLر ،وبالحLاء 3
البحث عما يدرك بحاسة العين واألذن ورجح هذا القرطLLبي ...وقيLل :بLLالجيم تتبLع الشLLخص
ألجل غيره ،وبالحاء تتبعه لنفسه ،كما نقLل في الفتح أيًض ا عن إبLراهيم الحLربي أنهمLا بمعLنى
واح LLد ،وعن ابن األنب LLاري أن الث LLاني تأكي LLد لألول كق LLولهم :بعًL Lد ا وس LLخًطا .ق LLال الحاف LLظ:
ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريًق ا إلى إنقLاذ نفس من الهالك مثًال كLأن يخLبر
ثقة بأن فالن خال بشخص ليقتله ظلًم ا ،أو بامرأة ليزني بها .انظر :الفتح (.)10/497
مفسدات األخوة ()118
العالقة بينك وبينه ،كما أنه متضمن لمنكر آخر وهو سعيك وكُّدك فيما ال يعنيك،
و ـ كما قيل ـ (على العاقل أن يكون بصيًر ا بزمانه ،مقبًال على شانه ،حافًظا للسانه،
ومن حسب كالمه من عمله قل كالمه إال فيما يعنيه)(.)1
وروى أبو عبيدة عن الحسن قال :من عالمة إعراض اهلل تعالى عن العبد أن
يجعل شغله فيما ال يعنيه(.)2
وقال سهل الُتْس َتِر ُّي :من تكلم فيما ال يعنيه حرم الصدق(.)3
وقال معروف :كالم العبد فيما ال يعنيه خذالن من اهلل عز وجل(.)4
ودخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل ،فسألوه عن سبب تهلل
وجهه فقال :ما من عمل أوثق عندي من خصلتين :كنت ال أتكلم فيما ال يعنيني،
وكان قلبي سليًم ا للمسلمين(.)5
وقال مورق العجلي :أمٌر أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه ،ولست
بتارك طلبه أبًد ا .قالوا :وما هو؟ قال :الكف عما ال يعنيني(.)6
(?) وروي مرفوًع ا :ك LLان في صحب إب LLراهيم ...وفي آخ LLره ـ وعلى العاق LLل...إلخ .ق LLال 1
محقق جامع العلوم والحكم طارق بن موحد ـ ،وإسناده ضعيف جًLد ا .جLLامع العلLLوم والحكم
(.)1/290
(?) جامع العلوم والحكم بتحقيق طارق بن الموحد (.)1/294 2
(?) سLLير أعالم النبالء ( )1/243وسLLمى الصLLحابي وهو أبLLو دجانLLة سLLماك بن خرشLLة رضLLي 5
اهلل عنه وذكره في جامع العلوم والحكم ص 138هكذا دون تسمية الصحابي.
(?) الزهد لإلم LLام أحم LLد ص ،371زوائ LLد الزهد البن المب LLارك رقم ( )41ص ،11حلي LLة 6
األولياء (.)2/235
()119 مفسدات األخوة
وقال عمرو بن قيس :مر رجل بلقمان والناس عنده ،فقال له :ألست عبد بني
فالن؟ قال :بلى ،قال :الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال :بلى ،قال :فما
بلغ بك ما أرى؟ قال :صدق الحديث وطول السكوت عما ال يعنيني(.)1
وقال وهب بن منبه :كان في بني إسرائيل رجالن بلغت بهما عبادتهما أن مشيا
على الماء ،فبينما هما يمشيان في البحر إذ هما برجل يمشي على الهواء ،فقاال له:
يا عبد اهلل بأي شيء أدركت هذه المنزلة؟ قال :بيسير من الدنيا( ،)2فطمت نفسي
عن الشهوات ،وكففت لساني عما ال يعنيني ،ورغبت فيما دعاني إليه ربي ،ولزمت
الصمت ،فإن أقسمت على اهلل أبر قسمي ،وإن سألته أعطاني(.)3
فاحذر أخا اإلسالم مداخل الشيطان للخوض فيما ال يعنيك؛ ولو كان ذلك
بحجة تربية الشخص وتقويمه؛ حيث يوهمك أن كل صغيرة وكبيرة في
خصوصيات أخيك مما يعنيك ،فتقتحم عليه ما يستثقل تدخلك فيه ،ويجد بسببه
الحرج والضيق حتى يضجر من صحبتك.
(?) هكذا قال ،وهي واهلل أمور عظيمة شاقة على النفوس ،وإنما هي يسLLيرة على من يسLLرها 2
اهلل عليه.
(?) جامع العلوم والحكم (.)1/293 3
مفسدات األخوة ()120
()121 مفسدات األخوة
فالناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعالء مهما كان هذا اإلنسان ،حتى لو
كان داعية أو عالًم ا أو معلًم ا ،فالناس ال يحبون هذا الذي ينظر إليهم نظرة استعالء،
أو ال يكترث بهم ،ولذا كان اإلنسان مأموًر ا بالتواضع والشعور باآلخرين وإن كان
في مقام التعليم والرئاسة.
ومن أجمل وأرق ما نقل عن السلف في ذلك ما رواه هارون بن عبد اهلل رحمه
اهلل قال :جاءني أحمد بن حنبل بالليل ،فدَّق علَّي الباب ،فقلت :من هذا؟ فقال :أنا
أحمد ،فبادرت وخرجت إليه فمَّس اني ومَّس يته.
فقلت :حاجة أبي عبد اهلل ـ ما حاجتك ـ؟
قال :شغلَت اليوم قلبي.
فقلت :بماذا يا أبا عبد اهلل؟
قال :جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء ـ الظل ـ والناس في
الشمس بأيديهم األقالم والدفاتر ـ ال تفعل مرة أخرى .إذا قعدت فاقعد مع الناس(.)1
وهنا أيًض ا لفتتان جديرتان بالتأمل :األولى :أن راوي الحادثة ليس الناصح بل
(?) تاريخ بغداد ( ،)14/22مناقب اإلمام أحمLد البن الجLوزي ص ،301وهارون بن عبLد 1
اهلل بن م LLروان اإلم LLام الحج LLة الحاف LLظ المج LLود أب LLو موس LLى البغ LLدادي الت LLاجر ال LLبزاز الملقب
بالحم LLال ،ول LLد س LLنة إح LLدى وس LLبعين ومائ LLة ،وقي LLل :س LLنة اثن LLتين ،روى عن LLه الجماع LLة س LLوى
البخاري .سير أعالم النبالء ( ،)116 ،12/115تاريخ بغداد (.)23 ،14/22
مفسدات األخوة ()122
المنصوح الذي تأثر بالنصيحة ،وهذا من سالمة القلب وإيثار الحق ،والثانية :رقة
اإلمام أحمد ولطفه في توجيه النصيحة حيث ذهب إلى الرجل بالليل وقال له:
(شغلت قلبي) ،هكذا بهذه الشفقة ،ولم يقل له( :أسأت إلى الناس)...
واعلم أن عدم االكتراث بمشاكل الصاحب وظروفه وحاجته يشعره بالغربة
وأن إخوانه يعيشون في عالمهم وهو في عالم آخر ال يشعر به أحد ،وال بما يعانيه،
وإنه ليزداد ألًم ا إذا رأى أن إخوانه أدركوا ظروفه ومع ذلك تجاهلوها ولم يجدهم
إلى جانبه ،ومن ثم تفتر مشاعر الحب تجاههم...
وقد يظهر له أنهم أصيبوا باألنانية أو البالدة وأصبحوا ال يهمهم إال أمر
أنفسهم ...وربما ضَّخم من تقصيرهم مع كونهم في الحقيقة ليسوا بذلك السوء،
ولكن غفلتهم تفتح باًبا بل أبواًبا للشيطان ليفسد ما بين األحبة من عالقة.
وقد توجد صور من نوعية أخرى لعدم االكتراث بظروف أخيك وذلك مثل أن
تتجاهل برنامجه وطريقة ترتيبه وحفظه لوقته وتقسيمه ألعماله وأوقات راحته
فتفسد عليه ذلك ،أو تفترض أنه ال برنامج له لمجرد أنك كذلك ،أو تتصور أنه
ليس عنده مشاغل ومتطلبات فتفرض عليه أوضاًعا تربكه وتتسبب في تراكم
حاجاته وأعماله ومشاكله حتى يضيق بك ذرًعا وتصبح غصة في برنامجه حتى يندم
على معرفتك وتولي محبتك من قلبه.
وأًيا كانت صور عدم االكتراث بظروف أخيك ،فينبغي الحذر منها .وأن تكون
عوًنا ألخيك حسبما يقتضيه الحال سواء بقولك له :ها أنا ذا ،أو بغيابك عنه وتركه
فيما هو فيه إعانة له على إنجاز ما هو بصدده .لكن مع الحذر من المبالغة في
ذلك ،فبعض ذوي الحياء يتحرجون جًد ا من طرق أبواب بيوت أصحابهم ذوي
األعباء الكثيرة ،بل ويتحرجون من استيقافهم للسالم عليهم أو الكالم معهم إذا
()123 مفسدات األخوة
قابلوهم في الطريق حتى لو كان أصحاب األعباء يبدون رغبة ملحة في رؤيتهم أو
الوقوف معهم ...بل ربما لم تكن أعباء هؤالء بهذه الضخامة ،ولكنه حسن الظن
من ذوي الحياء ...وفي هذه الحالة قد يبتلى صاحب العبء بعبء إضافي وهو
افتقاده لرؤية من يخف عنه العبء برؤيتهم من األحبة الذين جعلهم اهلل شفاء من
الكرب وبلسًم ا للجروح في الوقت الذي يبتلى فيه برؤية من يزيدون همه
ويصيرون هم المحيطين به المستهلكين لوقته...
فالمقصود إًذا تلبية حاجات أخيك النفسية والمادية ...وهذه الحاجات تتنوع
جًد ا ...والفطن الذي خبر صديقه وأحبه لن يعجزه أن يدرك تلك الحاجات فيعين
أخاه ،ويفرج عنه ،ويكون ذلك من القرب التي يتقرب بها إلى اهلل وينال بها عظيم
األجر والثواب كما في الصحيحين أن رسول اهلل قال(( :من كان في حاجة أخيه
كان اهلل في حاجته ،ومن فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه بها كربة من كرب يوم
القيامة ،ومن ستر مسلًم ا ستره اهلل يوم القيامة))(.)1
وكن لهَّم أخيَك فارْج اقِض الحوائَج ما استطْعَت
يوٌم قضى فيه الَح وائْج َفَلَخ ْيُر أياِم الفتى
فعلى الصاحب أن يسد على الشيطان األبواب التي ينفذ منها إلفساد ما بينه
وبين صاحبه ،وذلك بالتزام ذلك الهدي أو هذا التوجيه الذي أتانا به نبينا ،
وبالتزام حال سلفنا الصالح كذلك ،وسيأتي في ثنايا الحديث طرف من أحوالهم.
(?) رواه البخ LLاري في المظ LLالم رقم ( ،)2442وفي اإلك LLراه ـ مختصًLLر ا ـ رقم (،)6951 1
ورواه مسلم في الLبر والصLلة رقم ،)02580وفي الLذكر ( ،)2699وابLو داود في األدب
رقم ( ،)4893والترمLLذي في الحLLدود رقم ( ،)1426وأحمLLد في المسLLند ( )2/91كلهم
من حLLديث ابن عمLLر رضLLي اهلل عنهمLLا واألحLLاديث في هذا المعLLنى كثLLيرة من رواية غير ابن
عمر رضي اهلل عنهما.
مفسدات األخوة ()124
ومما عّلمناه رسول اهلل أيًض ا ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل
قال(( :أحب الناس إلى اهلل عز وجل أنفعهم ،وأحب األعمال إلى اهلل عز وجل
سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديًنا ،أو تطرد عنه
جوًعا ،وألن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد
(يعني مسجد المدينة) شهًر ا ))...الحديث(.)1
وقد كان بعض السلف من حرصه على أخيه واهتمامه بحاجاته ومشاكله ال
يقتصر على تفقد حاجة أخيه بل يتفقد عياله بعد موته أربعين سنة فيقضي حوائجهم،
وال يملك أحدنا أمام ذلك العمل إال أن يقول :هذا أخ صادق وتلك هي األخوة
والمحبة.
والمقصود أن من حق األخ على أخيه قضاء حاجته وعونه على أموره( ،وذلك
درجات:
أدناها :القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ،لكن مع البشاشة واالستبشار.
وأوسطها :القيام بالحوائج من غير سؤال.
وأعالها :تقديم حوائجه على حوائج النفس)(.)2
وبصفة عامة ينبغي أن تتميز عالقة الصاحب بصاحبه باالهتمام به وبظروفه
وبآرائه وكالمه ،وبهذا تقوى المحبة وتدوم ،فالناس فطروا على حب ذلك اإلنسان
الذي يهتم بهم ،والذي يهتم بما يفكرون فيه ،وما يشغل بالهم ،وحينما يتحدثون
(?) عزاه السLيوطي في الجLامع الصLغير البن أبي الLدنيا في "قضLاء الحLوائج" ،والطLبراني في 1
معجمLLه الكبLLير من حLLديث ابن عمLLر رضLLي اهلل عنهمLLا ،وحسLLنه الشLLيخ األلبLLاني في صحيح
الجامع الصغير رقم ( ،)176وأورده في السلسلة الصحيحة برقم (.)906
(?) مختصر منهاج القاصدين ص.96 2
()125 مفسدات األخوة
ينصت إلى حديثهم ،وينظر إليهم ،ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه.
نعم (الناس في حاجة إلى من يعرف ما الذي يشغل بالهم وما هي اهتماماتهم،
وليسوا بحاجة أن تقول لهم :يجب عليكم أن تعرفوا كذا وكذا ـ إلقاء جاًفا مجرًدا
ـ ثم تنصرف ،بل حاول التعرف على ما يدور في أنفسهم ويشغلهم واستمع إلى
حديثهم بل وشجعهم على أن يحدثوك عن أنفسهم وال يكن همك أن تحدثهم عن
نفسك ،وكما قيل :إذا أردت أن تكون متحدًثا لبًق ا فكن مستمًعا لبًق ا.
فمن طبع اإلنسان أن يريد أن يتحدث عن قضاياه التي تشغل باله ،ويريد من
يشاركه همومه ،ورسول اهلل يعلمنا بمواقفه ليس فقط االستماع للمتحدث وإنما
إثارته لكي يبسط الحديث ،ومن ذلك قصة الرسول مع عبد الرحمن بن عوف
لما قابله ورأى عليه أثر صفة فقال له َ(( :م ْه َيم؟))( )1قال :تزوجت(.)2
وكذلك قصة جابر لما سأله وقال له(( :تزوجت؟)) قال :نعم ،قال(( :بكًر ا أم
(?) قول LLه "مهيم" هي كلم LLة يماني LLة بمع LLنى م LLا أم LLرك ،وم LLا ش LLأنك؟ ويوض LLح المع LLنى رواية 1
ح LL Lديث عبLL Lد الLL Lرحمن بن عLL Lوف رضLL Lي اهلل عنLL Lه ،ورواه البخLL Lاري في الLL Lبيوع أيًض ا رقم
،020499وفي منLLاقب األنصLLار رقم )03781وفي تسLLعة مواضLLع أخLLرى من الصLLحيح،
ورواه مسLلم في النكاح رقم ( )1427مختصًLر ا ،ومالLك في الموطLأ في النكاح ()2/545
مختصرصا ،وأب LLو داود في النكاح رقم ( )2109مختصًL Lر ا ،والترم LLذي في النكاح رقم (
)1094مختصًر ا ،وفي الLLبر والصLلة رقم ( )1933كرواية البخLاري ،والنسLLائي في النكاح
( ،)120 ،6/119وابن ماجLLه في النكاح رقم ( )1907مختص ًLر ا ،والLLدارمي في النكاح
رقم ( )2204مختصًL L Lر ا أيًض ا ،وأحم LL Lد في المس LL Lند ( )274 ،271 ،3/227مط LL Lوًال
ومختصًر ا كلهم من حديث أنس رضي اهلل عنه.
مفسدات األخوة ()126
ثيًبا؟)) قال :بل ثيًبا ،قال(( :هال بكًر ا تالعبها وتالعبك)) متفق عليه(.)1
وتأمل أسلوبه الرقيق في إثارة جابر رضي اهلل عنه للحديث ((هال بكًر ا
تالعبها وتالعبك)) ،فشرح جابر سبب زواجه من الثيب التي تكون أقدر على رعاية
أخواته من البكر التي ال تكون غالًبا كذلك)(.)2
وإذا كان من حق الصحبة االهتمام بالصاحب واالستماع له ،فإن صاحبك تكون
سعادته أعظم إذا ما وجد منك بعد هذا مسارعة إىل خدمته يف أمر ما من أموره
الشخصية مع استبشارك ،ودون سؤال منه كما أنه يشعر بأخوتك وصدق حمبتك إذا ما
وجدك إىل جواره يف كل شدة وضائقة معنوية أو مادية.
ولكن في البالء قليل أخالء الرَخ اِء هُم كثير
فما لك عند نائبة خليل فال يغررك خلة من تؤاخي
ولكن ليس يفعُل ما يقوُل وكل أِخ يقول أنا وِفَّي
()3 سوي خلُّي له َح َس ب ودين
فذاك لما يقوُل هو الفُعوُل
(?) حLLديث جLLابر رضLLي اهلل عنLLه وزواجLLه :رواه البخLLاري في الLLبيوع رقم ،)02097وفي 1
النكاح رقم ( )5080وفي مواض LLع أخ LLرى ،ورواه مس LLلم في الرض LLاع رقم ( ،)715وأب LLو
داود في النكاح رقم ( ،)2048والترمLذي في النكاح رقم ( ،)1100والنسLLائي (،)6/61
وابن ماجه في النكاح رقم ( ،)1860وأحمد في المسند ( )308 ،302 ،3/294وغيرها
من المواضع والدارمي في النكاح رقم (.)2216
(?) فن التعامل مع الناس ص40 ،38ـ 42بتصرف. 2
(?) ذكره في أدب الدنيا والدين ص 169 ،168من شعر حسان بن ثابت رضي اهلل عنه. 3
()127 مفسدات األخوة
()1
كأن أنامها ليسوا بناس تنَّك َر ت البالُد ومن عليها
قيل ألحدهم :من صديقك؟ قال :الذي إذا صرت إليه في حاجة وجدته أشد
مسارعة إلى قضائها مني إلى طلبها(.)2
وقال أبو حيان :وأنشدنا أبو سعيد السريايف قال :أنشدنا قدامة بن جعفر الكاتب
لشاعر:
يزيدهم هوُل الجناب تآسًيا وفتيان صدٍق ثابتين صحْبتهم
وإن يُك شًرا يشربوه فإن يُك خيًرا يحسنوا أمًال به
()3
تحاسًيا
وقال آخر:
تناُل يدي ظلٌم لهم وعقوُق وتركي مواَس اُة األخالِء بالذي
بحاِل اتساٍع والصديُق وإني ألستحيي من هللا أن
()4 أرى
مضيُق
وهذا ابن المبارك رحمه اهلل كان كثير االختالف إلى طرسوس وكان ينزل
الَّر َّقة ،فكان شاب يختلف إليه ،ويقوم بحوائجه ،ويسمع منه الحديث ،فقدم عبد
اهلل مرة فلم يره ...،فلما سأل عنه قيل له :إنه محبوس على عشرة آالف درهم،
فاستدل على الغريم ،ووزن له عشرة آالف ،وحّلفه أال يخبر أحًد ا ما عاش ،فأخرج
وقال آخر:
ليست بنا وحَش ٌة إلى أَح ِد وكان لي مؤنًسا وكنُت له
()2
كنُت كمحتاٍج يِد األسد حتى إذا احتاَج ْت يدي يَد ُه
وقال صاحل بن عبد القدوس :شر اإلخوان من كانت مودته مع الزمان إذا أقبل ،فإذا
أدبر الزمان أدبر عنك ،فأخذ هذا املعىن الشاعر فقال:
مع الزماِن إذا ما خاَف أو شُّر األخالء من كاَنْت موَّد ُته
()3
َر غَبا)
فأين هذا من حبك ألخيك ما تحب لنفسك فضًال عن إيثارك ألخيك على
نفسك ،قال (( :ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(.)4
فكم هو شعور سعيد سار مريح أن تشعر أن أخاك يؤثرك على نفسه أو على
األقل يحب لك ما يحب لنفسه ،وكم هو شعور محبط كريه أن تشعر أن أخاك
ليس عنده أدنى استعداد لمسألة اإليثار ،بل ال تطمع أن يحب لك ما يحب لنفسه
(?) سLLبق قLLول عمLLر رضLLي اهلل عنLLه :إن ممLLا يصLLفي لLLك ود أخيLLك ثالًث ا :إذا لقيتLLه أن تبLLدأه 1
(?) الصLLداقة والصLLديق ص ،82وفيLLه :قيLLل ألبي العLLريب المصLLري :إذا كLLان الرجLLل يحب 1
صاحبه ويمنعه ماله ،أيكون صديًق ا؟ قال :يكون صادًقا في حبه ،مقصًر ا في حقه.
(?) سبق تخريجه ص.26 2
(?) الضياع جمع ضيعة وهي العقار ،والرباع جمع ربع وهو الLLدار ،والLLبراذين جمLLع بLLرذون 3
وهو الدابة ،وذلك بمثابة باإليثار بالسيارة في أيامنLا ،والمماليLك العبيLد ،والبLدور جمLع بLدرة
وهي وعLL Lاء من جلLL Lد بLL Lه نحLL Lو عشLL Lرة آالف درهم .انظLL Lر :لسLL Lان العLL Lرب ص،252 ،229
.2624 ،1563
مفسدات األخوة ()132
قال جعفر بن محمد :أثقل إخواني علّي من يتكلف لي وأتحفظ منه ،وأخفهم
على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي(.)1
فإذا أردت أن تكون خفيًف ا على قلب صاحبك وأن يكون معك منشرًح ا على
سجيته فاترك االنقباض وارفع عنه الحرج ،وال تحاسبه على قيامه بحقوقك وال
تكلفه التفقد ألحوالك ،وتواضع له( ،ومن تمام هذا األمر أن ترى الفضل إلخوانك
عليك ال لنفسك عليهم ،فتنِز ل نفسك معهم منزلة الخادم)(.)2
وهذا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه (لم يكن يكتفي ببر أصحابه فحسب بل
يبر مواليه ويخدمهم في السفر وهم المكلفون بخدمته)( )3فعن ابن عمر رضي اهلل
عنهما أنه قال ألسلم موىل عمر :يا أبا خالد ،إين أرى أمري املؤمنني يلزمك لزوًم ا ال
يلزمه أحًد ا من أصحابك ،ال خيرج سفًر ا إال وأنت معه ،فأخربين عنه .قال :مل يكن أوىل
القوم بالظل ،وكان ُيرِّح ل رواحلنا ،ويرحل رحله وحده ،ولقد فزعنا ذات ليلة وقد
رحل رحالنا ،وهو يرحل رحله ويرجتز:
والَبسْن له القميص واعَتْم ال يأخذ الليُل عليك بالَهْم
()4 وكن شريك نافع وأسلم
واخُد م األقوام حتى ُتْخ َدم
ولتقصد بمحبتك ألخيك التقرب إلى اهلل ،واالستئناس بلقائه ،ال نيل شيء من
جاهه أو ماله ،أو االنتفاع به في أمورك.
ومن التخفيف عن صاحبك والسعي في إشعاره أنه معك كما يكون وحده أن
تهون عليه في مواقف الحرج ،كأن يكون ضعيف الحال في بيته أو ثيابه أو طعامه
فال تظهر انزعاجك وال تكثر من تلفتاتك وال تشعره أن شيًئا من ذلك قد لفت
نظرك.
وإذا أراد أن يتكلف شيًئا يخفي به ذلك فال تتركه يشق على نفسه بل عِّو ده
ببساطتك وتواضعك أن يكون معك كما يكون وحده ،وبهذا تدوم األلفة.
قال بعض الحكماء :من سقطت كلفته دامت ألفته(.)1
وقال بعض السلف :شر اإلخوان من تتكلف له(.)2
فمن أسباب زوال األلفة التكلف سواء كان في إكرام الصاحب وضيافته أو في
غير ذلك ...فعن سلمان رضي اهلل عنه أن رسول اهلل نهى عن التكلف للضيف(.)3
(?) روى اإلمام أحمد في المسند ( )5/441عن شقيق أو نحوه ـ شك الLراوي ـ أن سLلمان 3
دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده فقال :لوال أن رسLLول اهلل نهانLLا ـ أو لLLوال نهينLLا ـ أن
يتكلLLف أحLLدنا لصLLاحبه لتكلفنLLا لLLك .قLLال الهيثمي في مجمLLع الزوائLLد ( :)8/79رواه أحمLLد
والطLLبراني في الكبLLير واألوسLLط بأسLLانيد ،وأحLLد أسLLانيد الكبLLير رجالLLه رجLLال الصLLحيح ،وعن
شLLقيق بن سLLلمة قLLال :دخلت أنLLا وصاحب لي إلى سLLلمان الفارسLLي فقLLال سLLلمان :لLLوال أن
رسول اهلل نهى عن التكلف لتكلفت لكم ثم جاء بخLبز وملح ،فقLال صاحبي :لLو كLان في
ملحنا عنقز فبعث سلمان بمطهرته فرهنها ثم جاء بعنقز ،فلما أكلنLا قLال صاحبي :الحمLد هلل
()137 مفسدات األخوة
وكان الفضيل بن عياض رحمه اهلل يقول :إنما تقاطع الناس بالتكلف ،يدعو
أحدهم أخاه فيتكلف فيقطعه عن الرجوع إليه.
كذا قد يستثقل الداعي نفسه أخاه بعد فترة.
أما عدم اإلكرام مع القدرة بحجة عدم التبذير فهو ضرب من البخل ،وإنما
السنة أن تكرم صاحبك بما تيسر قليًال كان أو كثيًر ا ما دام في حدود القدرة(.)1
ومن يسر الصحابة في ذلك وعدم تكلفهم ما روى عبد اهلل بن عبيد عمير قال:
دخل على جابر نفر من أصحاب النبي فقدم إليهم خبًز ا وخًال فقال :كلوا فإني
سمعت رسول اهلل يقول(( :نعم اإلدام الخل)) إنه هالك بالرجل أن يدخل عليه
النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهالك بالقوم أن يحتقروا ما قدم
إليهم(.)2
الLLذي قنعنLLا بمLLا رزقنLLا ،فقLLال سLLلمان :لLLو قنعت بمLLا رزقLLك لم تكن مطهرتي مرهونLLة .رواه
الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة "...اهـ.
والحLLديث أورده الشLLيخ األلبLLاني حفظLLه اهلل في سلسLLلة األحLLاديث الصLLحيحة رقم ()2392
وزاد نسبته للحاكم ( )4/123وابن عدي (ق )155 ،154وأورد له طرًقا أخLLرى فراجعها
في المصدر المذكور.
فائدة :روى البخاري في كتاب االعتصام رقم ( )7293عن أنس قال :كنا عند عمLLر فقLLال:
نهينا عن التكلف.
(?) ويشLLهد لLLذلك رواية لحLLديث سLLلمان السLLابق في النهي عن التكلLLف وفيها ((ال يتكلفن 1
أحد لضيفه ما ال يقLدر عليLه)) أوردها الشLLيخ األلبLاني في الصLحيحة رقم ( )2440وكLذلك
في رواية الطLL Lبراني ،كمLL Lا في مجمLL Lع الزوائLL Lد (" )8/179نهانLL Lا رسLL Lول اهلل أن نتكلLL Lف
للضيف ما ليس عندنا".
(?) رواه أحمLLد في المسLLند ( ،)3/371والطLLبراني في األوسLLط وأبLLو يعلى ـ كمLLا في مجمLLع 2
الزوائLL Lد ( )8/180ـ قLL Lال الحافLL Lظ المنLL Lذري في الLL Lترغيب والLL Lترهيب (" :)3/374وبعض
مفسدات األخوة ()138
ومن التكلف :التكلف في الجدية ،وإظهار االهتمام ،واالنقباض عن أي نوع
من الترفيه أو المزاح ،أو حتى التبسم ...وهذا مما يخالف سمت الصحابة ومما
يوحش العالقة ويجفف الود...
روى الترمذي وأبو داود الطيالسي وأحمد بسند صحيح عن جابر بن سمرة
رضي اهلل عنه قال :جالست النبي أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون
الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت ،فربما تبسم معهم(.)1
وروى البخاري في األدب المفرد بسند صحيح :كان أصحابه يتبادحون
بالبطيخ ،فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال(.)2
ومن اإلثقال الذي يذهب باأللفة أن تراقب أخاك وتحاسبه على قيامه تجاهك
بحقوق األخوة ،أو تكلفه ما يشق عليه ،فإن العالقة إذا قامت على إحصاء ما صنعُته
لك وما صنعَته لي ال تدوم ،فضًال عن أن ذلك ال يتأتى مع صدق المحبة وسالمة
الصدر ...وقد يكون القليل الذي يضعه أخوك تجاهك جهًد ا عظيًم ا في حقه وفعًال
أسLLانيدهم حسLLن ،ونعم اإلدام الخLLل في الصLLحيح ،ولعLLل قولLLه :إنLLه هالك بالرجLLل إلى آخLLره
من كالم جابر مدرج غير مرفوع ،واهلل أعلم" اهـ.
(?) رواه الترمذي في األدب رقم ( )2850واللفظ لLLه ،والطيالسLLي في مسLLنده رقم ( )771ص 1
105بنح LLوه ،وأحم LLد في المس LLند ( )5/105من ح LLديث ج LLابر بن س LLمرة رض LLي اهلل عن LLه،
وصححه األلبLL Lاني في صحيح سLL Lنن الترمLL Lذي رقم ( ،)2286ورواه النسLL Lائي في السLL Lند (
)81 ،3/80عن سماك بن حLLرب قLLال :قلت لجLابر بن سLLمرة :كنت تجLالس رسLLول اهلل ؟
قال :نعم ،كان رسول اهلل إذا صلى الفجر جلس في مصالح حتى تطلع الشمس فيتحدث
أصحابه يذكرون حديث الجاهلية وينشدون الشعر ويضحكون ويتبسم .
(?) رواه البخLLاري في األدب المفLLرد رقم )0266عن بكر بن عبLLد اهلل ،وصححه الشLLيخ 2
األلباني في صحيح األدب المفرد رقم ( ،)201وفي السلسلة الصحيحة رقم (.)435
()139 مفسدات األخوة
كبيًر ا في ميزان حسناته ،ويكون الكثير الذي تصنعه نحوه جهًد ا قليًال منك وفعًال
صغيًر ا في ميزان حسناتك؛ ألن ما يبذله كل واحد يقارن بظروفه وقدرته...
ففرق بين ما ينتظر من القوي الصحيح وما ينتظر من الضعيف المريض ،وفرق
بين ما ينتظر من الغني ذي الجاه وما ينتظر من الفقير الخامل ،وفرق بين ما ينتظر
من خفيف المسئوليات واألعمال والمشكالت وما ينتظر ممن أثقلته المسئوليات
والمشاكل واألعباء ...ثم هناك ما يخفى مما في قلب هذا أو ذاك من الود وصدق
المحبة مما ال يعلمه إال اهلل بعيًد ا عن المظاهر المرئية لنا ...فاحذر أن تنشغل بقياس
أو بحساب ما يقوم به أخوك نحوك ،وانشغل بما ينبغي أن تقوم به نحو أخيك.
وصى بعض األدباء أًخ ا له فقال :كن للود حافًظا وإن لم تجد محافًظا ،وللخل
واصًال وإن لم تجد مواصًال(.)1
وسبق قول الشاعر(:)2
فالعفُو عنهم والتجاوز أْص َو ُب وصِل الكرام وإن رموَك
بجْفوة
وال شك أن الذي يطالب دائًم ا أخاه بحقوق األخوة نحوه ويرى حقوقه واجبة
على أخيه ويرى حقوق أخيه عليه نافالت أو ليس له حقوق ...ال شك أن مثل هذا
ثقيل ومع ثقله فهو ظالم مطفف...
وسبق قول الشاعر(:)3
نافالٍت ،وحَّقه الدهَر فرضا لي صديٌق يرى حقوقي عليه
ثم من بعد طولها سرت لو قطعت الجبال طوًال إليه
(?) أدب الدنيا والدين ص.180 1
وقد يغري طيب نفس الصديق وسالمة قلبه وفرحه بخدمة أخيه ،قد يغري ذلك
صديقه باعتياد أن يكون دائًم ا هو المسعي له والمخدوم والذي تقضى له الحوائج
ويتعب من أجله صديقه ...فكأنما صديقه قد خلق له ليقوم تجاهه بحقوق األخوة،
وكأنما خلق هو ليكون مدلًال ،أو كأنما خلق صاحبه ليكون محًبا ال محبوًبا وخلق
هو ليكون محبوًبا ال محًبا.
ومثل هذا الحال يصعب دوامه مهما كان أخوك صابًر ا صبر الجمال...
وما أحسن قول القائل:
ظْهَر البعير فثْق بأنَك عاِقُره إن كنَت تجعُل من حباك بوده
إال اشمأز ،فظن أنك حاِقُره من ذا حَم ْلَت عليه كَّلك كله
فلألسف يظل البعض يثقل على صديقه حتى ينفر صديقه منه ثم يظل يذم
أصدقاءه ويقول :لم أجد أًخ ا صادًقا ..وإنما اآلفة فيه هو ،وما أشد فطنة ابن عطاء
وفقهه ،وما أحسن ما قاله حين سمع رجًال يقول :أنا في طلب صديق منذ ثالثين
سنة فال أجده ،فقال له ابن عطاء :لعلك في طلب صديق تأخذ منه شيًئا ،ولو طلبت
صديًق ا تعطيه شيًئا لوجدت(.)1
فاطلب صديًق ا لتفيض عليه وتمنحه كل حقوق األخوة ال لتأخذ منه.
وخذ األسوة في الخفة على األصحاب وعدم اإلثقال عليهم منه ومن إثقاله
(?) الصLداقة والصLديق ص ،82 ،81وانظLر :الصLديق والصLداقة ألبي حيLان التوحيLدي ص 1
.47
()141 مفسدات األخوة
على نفسه هرًبا من اإلثقال على أصحابه ،فقد قال النووي تعليًق ا على ما رواه مسلم
أنه اشترى من يهودي طعاًما ورهنه درًعا من حديد( :وأما اشتراء النبي الطعام
من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة ...قيل :ألن الصحابة ال يأخذون رهنه
وال يقبضون منه الثمن ،فعدل إلى معاملة اليهودي لئال يضيق على أحد من أصحابه)
(.)1
ومما أرشد إليه حتى ال تكون ثقيًال على صاحبك وحتى تزداد محبته لك
((زر غًبا تزدد حًبا))(.)2
ولذا قال أحدهم:
وإلَّي حيَن أغيُب صًبا إني رأيتَك لي محًبا
حدَثْت وال استحدثت ذنًبا فُعدت ال لماللة
زوروا على األَّياِم غًبا إال لقول نبينا
(?) شرح النووي مع صحيح مسلم .)011/40 1
(?) رواه الLLبزار والطLLبراني في األوسLLط كمLLا في مجمLLع الزوائLLد ( ،)8/175وأبLLو نعيم في 2
الحلي LLة ( ،)3/322وابن قتيب LLة في عي LLون األخب LLار ( ،)3/30وال LLبيهقي ـ كم LLا في الج LLامع
الصLغير ـ كلهم من حLLديث أبي هريرة رضLLي اهلل عنLه ،ورواه الLLبزار والLLبيهقي من حLLديث أبي
ذر رضي اهلل عنه.
ورواه الطLLبراني في معاجمLLه الثالثLLة ـ كمLLا في المجمLLع ـ ،والحLLاكم في مسLLتدركه ()3/347
من حديث حبيب بن مسلمة رضي اهلل عنه.
ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد اهلل بن عمLLرو ،قLLال الهيثمي (" :)8/175وإسLLناده
جيLLد" اهـ .وقLLال الحافLLظ المنLLذري رحمLLه اهلل" :ولم أقLLف لLLه على طريق صحيح كمLLا قLLال
الLLبزار ،بLLل لLLه أسLLانيد حسLLان عنLLد الطLLبراني وغيره ،وقLLد ذكLLرت كثLLيًر ا منها في غير هذا
الكتاب واهلل أعلم" اهـ .الترغيب والترهيب ( ،)3/367وصححه العالمة األلبLLاني حفظLLه اهلل
في صحيح الجLامع الصLغير رقم ( ،)3568وانظLر :فيض القLدير ( ،)4/62وكشLف الخفLاء
للعجلوني (.)1/438
مفسدات األخوة ()142
()1 ولقوله من زار غبا
منكم يزداُد ُحًبا
وقال لبيد:
()2
إذا أكثرَت مَّلك من َتُز ور توقْف عن زيارِة كَّل يوِم
وقال آخر:
تكون كالثوب استجده أْقِلْل زيارتك الَّصديق
()3
أن ال يزال يراك ِع ْنده إن الَّصديق ُيمّلُه
وقال آخر:
إذا كثرت كانت إلى الهجِر عليك بإغباب الزيارة إنها
مْسلًك ا فإني رأيت الغيث ُيْسأم دائًبا
(?) روضLL Lة العقالء ص ،116بهجLL Lة المجLL Lالس ( )1/257مLL Lع اختالف يسLL Lير في الLL Lبيت 1
الثاني.
المختار من رسالة الصداقة والصديق ص 105ولفظ البيت الثالث فيه:
لكن لقْو ٍل قْد َم َض ى
من زار غًبا زاد حًبا
(?) أدب الدنيا والدين ص.178 2
(?) عي LLون األخب LLار ( ،)3/33روض LLة العقالء ص ،117وفي LLه :قل LLل زيارت LLك الح LLبيب... 3
والباقي سواء.
وانظر :المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص 78وفيه:
أقلل زيارتك الصديق
إن الَّصديق يُغ ُّم ه
لو تكن كثوٍب تستجّد ه
أن ال يزال يراك ِع ْنده
()143 مفسدات األخوة
وُيسأل باأليدي إذا هو
()1
أمسكا
لكن البعض يرى في الواقع أنه ال يستوي في القرب شخص يوده دائًم ا وآخر
ال يراه وال يزوره إال نادًر ا ،فما الضابط في كثرة الزيارة ،السيما إذا خاف األخ إذا
أقل من زيارته ألخيه أن تذهب المودة؟
والجواب أنه البد من مراعاة ثالثة أمور:
األول :أن ال يكون االقتصاد أو عدم اإلكثار من الزيارة مصاحًبا للجهل بأحوال
الصاحب والغفلة عن ظروفه ،بل المراد االقتصاد في الزيارة مع االهتمام بأحوال
صاحبك وظروفه ،وبقدر الحاجة لذلك تكرر الزيارة.
ثانًيا :أن اإلكثار في الزيارة إذا كان لحاجة أخيك ال لحظ نفسك فإنه سيزيد
المحبة؛ ألن السعي في قضاء حوائج أخيك أمر محمود حث عليه الشرع ((واهلل
في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))(.)2
ثالًثا :أن اإلقالل من الزيارة ال ينبغي أن يصل إلى الحد الذي يشق على األخ أو
يسيء بسببه الظن بك .وهذا أمر نسبي يتفاوت من شخص آلخر ،وال تستوي في
ذلك نفوس الناس ومشاعرهم ،لكن المهم أن تحذر من الزيارات الزائدة عن حاجة
المزور ،فذلك مفتاح المشاكل واألخطاء وربما العداوات.
قال بعض الشعراء يدعو للتوسط يف الزيارة بني اإلكثار واهلجران:
()3 وإني ألستحيي أخي أن أبَّره
قريًبا وأن أْج ُفوه وهو بعيد
(?) روضة العقالء ص ،117ونحوها مع اختالف يسير في بهجة المجالس (.)1/258 1
قال الماوردي رحمه اهلل :وهكذا يقصد التوسط في زيارته وغشيانه غير مقِّلل
وال مكثر ،فإن تقليل الزيارة داعية الهجران ،وكثرتها سبب المالل.
وقال آخر:
هجراَنه فيلَّج في هْج َر انه أقلل زيارتك الصديق وال
لصديِقه ،فيمل من غَش يانه ُتِط ْل
بمكانه متثاقًال بمكانه إن الصديَق يلُج في غشياِنه
رجٌل ُتُنقَص واستِخ َّف حتى يراه بعَد طوِل سرورِه
()1
بشأنه وإذا توانى عن صياَنِة نفِسِه
وأخيًر ا فمن اإلثقال على صاحبك شعوره بأنك تفرض رأيك عليه في كل شيء
وتدخلك المستمر في كل أعماله ومحاولة تقييمها.
فبعض الناس يفرط في إعالم من يحب بأنه يحبه أو في إظهار ما يدل على هذه
المحبة من كلمة أو هدية أو ابتسامة أو غير ذلك ويعول على ما في القلب ...وهذا
غير صحيح ،فإن الرسول قد علمنا إظهار المحبة واإلعالم بها ،وعلمنا مكافأة
المحسن وإن كان قد أحسن ابتغاء وجه اهلل...
ومن ثم نعلم أنه من التنطع والتعالم المذموم أن يزعم بعضهم أنه يترك مكافأة
المحسن ولو بالثناء بكلمة؛ ألن معنى المكافأة على طاعة أنه لم يفعلها لوجه اهلل أو
أننا نعوده بذلك أن يطلب عليها ثواًبا من غير اهلل ،أو يزعم أنه يترك التعبير عن
محبته ألخيه أو يترك إعالمه بأنه يحبه؛ ألن اهلل يعلم ما في القلب فالكالم عما في
القلب من المحبة ثرثرة يحسن تركها.
فما أسخف هذا التنطع وذلك التعالم ،وإنما هو التكلف والجهل ،وإال فقد قال
رسول اهلل (( :إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه))( ،)1وفي لفظ(( :إذا أحب
(?) رواه أبLLو داود في األدب رقم ( ،)5124والترمLذي في الزهد رقم ( ،)2392وأحمLLد 1
شاهد من حديث مجاهد مرسًLال أيًض ا رواه ابن أبي الLدنيا في كتLاب اإلخLLوان كمLا في الفتح
الكب LLير ( ،)1/67فالح LLديث بمجم LLوع الط LLرق حس LLن إن ش LLاء اهلل تع LLالى .اهـ .باختص LLار من
سلسلة األحاديث الصحيحة رقم ( ،)1999وهو في صحيح الجامع الصغير رقم (.)280
(?) رواه اإلمLLام أحمLLد في المسLLند ( )5/145ولفظLLه أن أبLLا سLLالم الجيشLLاني أتى إلى أبي 2
أميLLة في منزلLLه فقLLال :إني سLLمعت أبLLا ذر يقLLول :إنLLه سLLمع رسLLول اهلل يقLLول(( :إذا أحب
أحدكم صاحبه فليأته في منزلLه فليخLبره انLه يحبLه هلل)) وقLد جئتLك في منزلLك .ورواه عبLد
اهلل بن المب LL Lارك في الزهد وعب LL Lد اهلل بن وهب في الج LL Lامع وصححه األلب LL Lاني وش LL Lعيب
األرناؤوط .سلسلة األحاديث الصحيحة رقم ( ،)797وتخريج شرح السنة (.)13/67
(?) رواه البخLاري في األدب المفLرد رقم ( ،)594والLبيهقي في سLLننه ( ،)6/169وحسLنه 3
الحافظ في التلخيص كما ذكر الشيخ األلباني في اإلرواء ( ،)6/44وحسLنه ،وراجLLع طرقLه
وشواهده في المصدر السابق.
(?) رواه الترمLLذي في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)1955وأحمLLد في المسLLند ( )74 ،3/32من 4
ح LL Lديث أبي س LL Lعيد الخ LL Lدري رض LL Lي اهلل عن LL Lه ،ورواه أب LL Lو داود في األدب رقم (،)4811
والترم LLذي في ال LLبر والص LLلة رقم ( ،)1955واإلم LLام أحم LLد في المس LLند (،295 ،2/258
)461 ،388 ،303من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه ،وصححهما األلبLاني في صحيح
الجامع رقم ( ،)6541وصحيح سنن أبي داود رقم (.)4026
()147 مفسدات األخوة
اآلخرة فاغفر لألنصار والمهاجرة))(.)1
والدعاء بخير من نوع المدح والثناء بل هو أبلغ الثناء كما قال (( :من ُصِنع
إليه معروف فقال لصاحبه :جزاك اهلل خيًر ا فقد أبلغ في الثناء"(.)3())2
وكل ذلك :من اإلعالم بالمحبة والهدية والشكر والمدح أو الثناء بالدعاء أو
غيره والتشجيع ـ ينمي المحبة( ،وهناك فرق بين الشكر والمدح الذي ذمه الشرع،
فالشكر على المعروف والثناء على فاعله رجاء أن يتقدم أكثر في فعل الصالحات
كان من فعل الرسول .
ولكن مدح الناس بما ليس فيهم أو الذي نعرف أنه يؤدي إلى الغرور هو الذي
نهى عنه الرسول فقال(( :إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب))(،)4
(?) رواه البخاري في الرقاق رقم ( ،)6414ومسلم في الجهاد رقم ( ،)1804والترمذي 1
في المن LLاقب رقم ( ،)3856وأحم LLد في المس LLند ( )5/332كلهم من ح LLديث س LLهل بن س LLعد
رضي اهلل عنه.
ورواه البخاري في الجهاد رقم ( ،)2835 ،2834وفي مواضع أخرى ،ومسلم في الجهاد
رقم ( ،)1805والترمLL Lذي في المنLL Lاقب رقم ( ،)3857وأحمLL Lد في المسLL Lند (،3/172
)180من حديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه.
(?) رواه الترمLLذي في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)2035وصححه األلبLLاني في صحيح الجLLامع 2
(?) رواه مسلم في الزهد رقم ( ،)3002وأبو داود في األدب رقم (.)4804 4
والترم LLذي في الزهد رقم ( ،)2393وابن ماج LLه في األدب رقم ( ،)3742وأحم LLد في
المسند ( )6/5كلهم من حديث المقداد بن األسود رضي اهلل عنه.
ورواه أحمد ( )2/94من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما.
قLال اإلمLام النLووي رحمLه اهلل" :ذكLر مسLلم في هذا البLاب األحLLاديث الLواردة في النهي عن
مفسدات األخوة ()148
وقال (( :إياكم والتمادح))(.)1
ولقد ورد عن الرسول المدح والثناء على أفعال بعض أصحابه على سبيل
التشجيع كما في حديث الرجل من األنصار الذي قال فيه(( :من سن سنة حسنة
فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده ))...الحديث( ،)2وقال ألشج عبد القيس في
وجهه(( :إن فيك خصلتين يحبهما اهلل :الحلم واألناة))( ،)3وقال أيًض ا في مدح
أصحابه(( :أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ،وأشدهم في دين اهلل عمر ،وأصدقهم حياء
عثمان ،وأقرؤهم لكتاب اهلل أبّي بن كعب ،وأفرضهم زيد بن ثابت ،وأعلمهم
المدح ،وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالمLLدح في الوجLLه ،قLLال العلمLLاء :وطريق
الجمع بينها أن النهي محمLول على المجازفLة في المLدح والزيادة في األوصاف أو على من
يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحLوه إذا سLمع المLدح ،وأمLا من ال يخLاف عليLه لكمLال تقLواه
ورسLLوخ عقلLLه ومعرفتLLه فال نهي في مدحLLه في وجهه إذا لم يكن فيLLه مجازفLLة ،بLLل إن كLLان
يحص LLل ب LLذلك مص LLلحة كنش LLطه للخ LLير واالزدياد من LLه أو ال LLدوام علي LLه أو االقت LLداء ب LLه ك LLان
مستحًبا واهلل أعلم" اهـ .شرح صحيح مسلم للنووي (.)18/126
(?) رواه ابن ماجه في األدب رقم ( ،)3743ورواه أحمد في المسند ()99 ،93 ،4/92 1
حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما وليس في رواية الترمذي قصة قدوم وفد عبد القيس التي
ذكرها مسلم.
وروى مس LLلم في اإليم LLان رقم ( ،)18وأحم LLد في المس LLند ( )23 ،3/22من ح LLديث أبي
سLLعيد الخLLدري رضLLي اهلل عنLLه ،ورواه أبLLو داود في األدب رقم ( )5225من حLLديث زارع
وهو أحد وفد عبد القيس .ورواه اإلمام أحمد ( )207 ،4/206من حديث بعض وفد عبد
القيس ولم يسمه.
()149 مفسدات األخوة
بالحالل والحرام معاذ بن جبل ،ولكل أمة أمين ،وأمين هذه األمة أبو عبيدة بن
الجراح))(.)1
فمدح كًال منهم بالصفة التي تميزه) (.)2
فإن قال قائل :ولكن هناك فرًقا بيننا وبين الصحابة ينبغي اعتباره.
قيل :وكذلك هناك فرق بين مدح يصدر من رسول اهلل ومدح يصدر ممن
دونه.
وفي مختصر منهاج القاصدين فيما على األخ ألخيه من الحقوق( :الحق الرابع:
على اللسان بالنطق ...فعليه أن يتودد إليه بلسانه ،ويتفقده في أحواله ،ويسأل عما
عرض له ،ويظهر شغل قلبه بسببه ،ويبدي السرور بما يسر به ...ومن ذلك أن يثني
عليه بما يعرفه من محاسن أحواله عند من يؤثر الثناء عنده ،وكذلك الثناء على
أوالده وأهله وأفعاله حتى في خلقه وعقله وهيئته وخطه وتصنيفه وجميع ما يفرح
به من غير إفراط وال كذب.
وكذلك ينبغي أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح به ،فإن إخفاء ذلك
محض الحسد ،ومن ذلك أن تشكره على صنيعه في حقك ،وأن تذب عنه في
غيبته إذا ُقِص د بسوء ،فحق األخوة التشمير في الحماية والنصرة ،وفي الحديث
(?) رواه اإلمام أحمد ( ،)281 ،3/183والترمLذي في المنLاقب رقم (،)3791 ،3790 1
وابن ماجه في المقدمة رقم ( )154وزاد في روايته ((وأقضLLاهم علي بن أبي طLLالب)) ،وأبLLو
نعيم في الحليLL L Lة ( ،)3/122وبنحLL L Lوه الطيالسLL L Lي في مسLL L Lنده ( )9/281رقم (،)2096
والبغوي في شLرح السLنة ( ،)132 ،14/131وصححه األلبLاني في صحيح الجLامع رقم (
،)895وسلسلة األحاديث الصحيحة رقم ( ،)1224وعزاه لمصادر أخرى انظرها فيها.
(?) فن التعامل مع الناس ص.50 ،49 2
مفسدات األخوة ()150
الصحيح(( :المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يسلمه))( ،)1ومتى أهمل الذب عن
عرضه يكون قد أسلمه ،ولك في ذلك معياران:
أحدهما :أن تقدر أن الذي قيل فيه قد قيل فيك وهو حاضر ،فتقول ما تحب
أن يقوله.
الثاني :أن تقدر أنه حاضر وراء جدار يتسمع عليك ،فما تحرك في قلبك من
نصرته في حضوره ينبغي أن يتحرك في غيبته ،ومن لم يكن مخلًص ا في إخائه فهو
منافق ...ومن الوفاء أن ال يسمع بالغات الناس على صديقه وال يصادق عدو
صديقه(.)3())2
فقوة األخوة وتمامها مراعاة الظاهر والباطن في العالقة ،فإذا أحسن األخ إظهار
المحبة وانضم إلى ذلك قوة المحبة في الباطن والقيام بمقتضياتها في الخفاء فقد
قام األخ بالحقوق كلها.
ومن األمور التي تدل على المحبة أو تستجلبها أن تقابل أخاك بالتبسم
والبشاشة كما قال (( :وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) وقد سبق الحديث(.)4
ومن ذلك الفرح بلقائه ،والمسارعة إلى تبشيره بما يسره ،وتهنئته بما يصيبه من
خير ،وتعزيته والتخفيف عنه فيما يصيبه من مصيبة أو سوء...
(?) وليس الم LLراد أن يع LLادي ع LLدو صديقه ولكن ال يجم LLع بين صداقة وصحبة أو أخ LLوة 2
خاصة مع الصديق ومع عLدو الصLديق ،بLل عليLه أن يختLار أحLLدهما لألخLوة الخاصة مLع بقLاء
إخوة اإلسالم العامة والمحبة العامة للجميع ـ ما لم يوجد سبب شرعي للعداوة والكراهية.
(?) مختصر منهاج القاصدين ص98ـ .100 3
(?) ورد هذا في حLLديث كعب بن مالLLك رضLLي اهلل عنLLه في غزوة تبLLوك :رواه البخLLاري في 1
(?) عيون األخبار البن قتيبة ( ،)3/16وجرى نحو هذه القصة للزيادي مع العتابي كمLLا في 2
العزل LLة للخط LLابي ص ،59وذك LLر أب LLو حي LLان في الص LLداقة والص LLديق نحوها بين األصمعي
والخليLLل وفيها قLLول الخليLLل :مLLه فLLإن الLLدنيا بأسLLرها ال تسLLع متباغضLLين ،وإن شLLبًر ا في شLLبر
يسع متحابين .المختار من الصداقة والصديق ص.70
(?) الصداقة والصديق ص.66 3
فـ(من سوء أخالق الصداقة أنك حين تتعرف على صديق جديد ال تعرف نفسه
ونفسيته تترك الذي أمضى معك عمًر ا وحيًد ا ،حتى يصل تركك له درجة اإلهمال
فتكون عاقبتكما االنفصال)(.)1
والحقيقة التي ينبغي أن يعلمها ذلك الصديق الذي يترك صديقه القديم الذي لم
ير منه إال خيًر ا إذا عرفت صديًق ا جديًد ا هي ما قاله بعضهم :من لم يُقم على مودة
الصديق القديم لم يقم على مودة الصديق الجديد(.)2
ومن أسباب صدمة صديقك فيك أن يكون باذًال وسعه يف قربك وبرك وإيثارك
على من سواك مث ال جيد منك وفاء وال تقديًر ا...
فلم أر فيكم من يدوم على وصلتكم جهدي وزدُت على
الَع ْهد جْهِد ي
وكم يكتوي الصاحب هبذا اللؤم وذلك الربود ،وكم يتأمل قلبه وهو يرى صاحبه قد
تعاىل عليه وأمهله بعد أن قدم له كل ما يستطيع وبذل كل جهد يف صلته والتقرب
إليه ...قال بعضهم معًربا عن هذه احلالة املؤملة الكئيبة:
وحاد عن وْص لنا وخانا كان لنا صاحٌب فبانا
فما نراه وما يَر اَنا تاَه عليَنا وتاه مَّنا
(?) ومن ذلLLك أنLLه كLLان يذبح الشLLاة فيهدي لصLLدائق خديجLLة رضLLي اهلل عنها مLLا يسLLعهن. 1
ورد هذا عنLLد البخLLاري في فضLLائل أصحاب النLLبي رقم ( )3818 ،3816وفي مواضLLع
أخ LLرى ,وعن LLد مس LLلم في فض LLائل الص LLحابة رقم ( ،)2435والترم LLذي في المن LLاقب رقم (
.)3875
(?) روى مسلم في البر والصلة رقم ( )2552من حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما 2
قال :سمعت رسول اهلل يقول(( :إن أبر البر صلة الولد أهل وِّد أبيLه)) ورواه أبLو داود في
األدب رقم ( ،)5143والترمذي في البر والصلة رقم ( ،)1903وأحمد (،97 ،91 ،2/88
،)111والبخاري في األدب المفرد رقم ( ،)41وفي رواية مسلم وأحمد قصة لطيفLLة البن
عمر مع رجل كان أبوه صديًق ا لعمر رضي اهلل عنه فانظرها.
(?) رواه الح LLاكم في مس LLتدركه ( )1/16من ح LLديث ابن أبي مليكة عن عائش LLة رض LLي اهلل 3
عنها قLLالت :جLLاءت عجLLوز إلى النLLبي وهو عنLLدي فقLLال لها رسLLول اهلل (( :من أنت؟))
قLالت :أنLا جثامLة المزينLة فقLال(( :بLل أنت حسLانة المزنيLة ،كيLف أنتم ،كيLف حLLالكم ،كيLف
كنتم بعدنا؟)) قالت :بخLير بLLأبي أنت وأمي يا رسLLول اهلل .فلمLLا خLLرجت قلت :يا رسLLول اهلل
تقبل على هذه العجوز هذا اإلقبال؟ فقال(( :إنها كانت تأتينا زمن خديجة ،وإن حسن العهد
من اإليمان)) وصححه الحاكم على شرط الشLيخين ووافقLه الLذهبي ورمLز السLيوطي لصLحته
في الج LLامع الص LLغير رقم (2264ـ فيض الق LLدير) وأق LLره المن LLاوي ،وحس LLنه الش LLيخ األلب LLاني
حفظه اهلل في صحيح الجامع الصغير رقم (.)2056
وأورده في السلسLL Lلة الصLL Lحيحة رقم ( )216وزاد نسLL Lبته لـ(ابن األعLL Lرابي في معجمLL Lه (ق)57/2
()157 مفسدات األخوة
على أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه واتسعت واليته وعظم جاهه)(.)1
ومما يغم الصاحب أن تشعره أن لديك من هم أهم منه وأحب إليك من أهل أو
أصدقاء وإخوان ،فإن هذا مما ال فائدة فيه ،وإنما يوحش قلب الصديق ويشعره
بنوع من الحقارة والهوان ،وربما أدرك الصديق ذلك دون أن تصرح له ،ولكن في
هذه الحالة يكون األمر أخف على نفسه من أن تستهين بمشاعره وتصدمه في
عواطفه ال سيما إذا كان يعدك أحب الناس إليه.
والداعية الناجح والمحب الصادق ينبغي أن يكون له في رسول اهلل أسوة
حسنة في قربه ألصحابه وتقريبهم له وإشعاره كل واحد منهم أنه األثير عنده
القريب إليه ،ومن ذلك :إردافه معاًذا على الدابة( ،)2ومماشاته ألبي ذر في الليل(،)3
وثناؤه على أشج عبد القيس( )4وعلى كثير من أصحابه...إلخ ،مع أنه متقرر في
الواقع عندهم جميًعا وبكالمه أن أبا بكر أحب الرجال إليه وأقربهم منه( ،)5لكن
(?) رواه البخاري في الجهاد رقم ( ،)2856وفي مواضع أخرى ،ومسLLلم في اإليمLLان رقم 2
( ،)30وأبو داود في الجهاد رقم ( )2559من حديث معاذ رضي اهلل عنه.
(?) روى البخLLاري في الرقLLاق رقم ( ،)6443ومسLLلم في الزكLLاة رقم ( ،)94وأحمLLد في 3
المسند ( )5/152عن أبي ذر رضي اهلل عنه قال :خرجت ليلة من الليالي فLLإذا رسLLول اهلل
يمشLLي وحLLده وليس معLLه إنسLLان ،قLLال :فظننت أنLLه يكره أن يمشLLي معLLه أحLLد ،قLLال :فجعلت
أمشLLي في ظلم القمLLر فLLالتفت فLLرآني فقLLال(( :من هذا؟)) قلت :أبLLو ذر جعلLLني اهلل فLLداءك.
قال(( :يا أبا ذر ،تعال)) قال :فمشيت معه ساعة ...الحدث.
(?) سبق تخريجه ص.148 4
(?) عن أبي عثمان قال :حدثني عمLLرو بن العLاص رضLLي اهلل عنLه أن النLبي بعثLه على جيش 5
ذات السالسLLل فأتيتLLه فقلت :أي النLLاس أحب إليLLك؟ قLLال(( :عائشLLة)) فقلت :من الرجLLال؟
مفسدات األخوة ()158
لم يقل لفرد بعينه :فالن أحب إلَّي منك أو أهم ...إلخ؛ ألن ذلك ال يتفق وحسن
خلقه وأدبه العظيم الجم.
قال(( :أبوها)) ،قلت :ثم من؟ قال(( :ثم عمر بن الخطLLاب)) فعّLد رجLLاًال .رواه البخLLاري في
فضLLائل الصLLحابة رقم ( )4358 ،3662واللفLLظ لLLه ،ورواه مسLLلم في فضLLائل الصLLحابة
أيًض ا رقم ( ،)2384والترمذي في المناقب رقم (.)3885
()159 مفسدات األخوة
فقد يحرص بعضهم على أن يلفت نظر أقرانه إلى أنه صديق للعالم أو الداعية
المشهور فالن ،وأنه يلقاه ويدخل بيته ونحو ذلك ،وقد يتعمد في حضوره أن
يتصرف بعض التصرفات أمام أقرانه التي يظهر من خاللها أنه أقرب إليه منهم...
إلى غير ذلك مما يكرهه ذلك العالم أو الداعية لما فيه من إيقاع الغيرة عند بقية
األقران أو إيقاع الوحشة بينهم وبين ذلك الداعية أو العالم ...ومن ثم يلجأ ذلك
العالم أو الداعية إلى الحرص في عالقته بذلك المتباهي وتحجيم هذه العالقة معه
دفًعا لبعض المفاسد فيتقلص ما بينهما من الصداقة.
وللحرص على إظهار الذات أو الوجاهة أمام بعض المدعوين صورة أخرى؛
حيث قد يدفع ذلك الحرص الشخص لبعض التصرفات المفسدة لألخوة من أجل
تحقيق غرضه ،كأن يعامل أخاه وصديقه أمام بعض المدعوين بما يدل على أنه فوقه
في المكانة والمنزلة كأن يمزح معه مزاًح ا يصغره أو يكلمه بلهجة اآلمر ،المكِّلف،
إلى غير ذلك مما يستظرف أو يتعالى به أمام المدعو.
كذلك قد يؤدي الحرص على إظهار النفس أمام المدعو إلى طلب التعظيم من
اإلخوان أمامه ،فيغضب إذا لم يعظمه صاحبه بصورة أو بأخرى أمام اآلخرين...
وهكذا.
أما إذا لم يكن اإلنسان حريًص ا على جاه وال باحًثا عن ظهور فسيكون بعيًد ا
مفسدات األخوة ()160
عن هذه المشاعر والتصرفات التي تعكر صفو األخوة أو الصحبة.
كذا قد يؤدي حب التسلط والهيمنة على المدعو أو قل :حب امتالك المدعو
للنفس ال دعوته إلى اهلل ـ إلى الغيرة الشديدة إذا أحس أن أًخ ا له في اهلل تربطه
كذلك عالقة بنفس المدعو أو معاملة أو تهادي أو مراسلة أو تزاور أو غير ذلك،
ثم ال تلبث الغيرة أن تتحول إلى فساد في العالقة بينه وبين أخيه ،وربما حلت
الكراهية محل المحبة.
ولو كان الداعي يدعو هلل ال لنفسه وال لشخصه لخفت حدة هذه المشاعر وما
صارت األمور العادية مشكلة أو كارثة.
ومن الحرص على إظهار الذات أو الوجاهة المفسد لألخوة أن ينسب أحد
الصاحبين ـ أمام اآلخرين ـ الفضل أو النجاح لنفسه في قضية مشتركة بينه وبين
صاحبه أو بينه وبين أصحابه ،مما يغير قلوبهم منه السيما إذا ألقى التبعة في حالة
حدوث فشل أو خطأ على اآلخرين من إخوانه أو سل نفسه من بينهم فنفى أن
يكون له أدنى عالقة بحدوث مثل ذلك الخطأ أو الفشل...
(فال شك أن مثل هذا الشخص سيكون منبوًذا مبغوًض ا من إخوانه ومن الناس
جميًعا ،فالناس يكرهون من ينسب الفضل إلى نفسه دائًم ا والفشل إلى غيره...
ومثل هذا الشخص ال يمكن أن يكون ذا وجاهة حقيقية أو قيادة أو في مكان إدارة
أو توجيه؛ ألن القائد أو الرئيس بحق من ُيسأل عند الفشل وليس الذي ينسب
النجاح لنفسه ،وإذا أردت أن تعرف من هو الرئيس في أي مؤسسة دعوية أو
تجارية أو اقتصادية ...إلخ ،فاسأل :من الذي يكون مسئوًال عند الفشل؟
والعبد المخلص يسعده أن يأخذ الناس بأفكاره أو ينتفعون بعلمه ولو لم ينسب
إليه شيء من ذلك ،وهو يحب العمل ال الحديث عن ذاته.
()161 مفسدات األخوة
ورحم اهلل الشافعي إذ يقول :وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم وال ينسب
إلّي منه شيء(.)1
وقال سيد قطب رحمه اهلل في رسالته التي أرسلها ألخته( :التجار وحدهم هم
الذين يحرصون على العالمات التجارية لبضائعهم حينما يستغلها اآلخرون
ويسلبونهم حقهم من الربح ،أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن
يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها إلى أنفسهم ال
إلى أصحابها األولين .ولذلك يجب على المرء أن يحرص على أن يدع الناس
يشعرون أن الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها)(.)2
(?) مستفاد من فن التعامل مع الناس ص 37 ،36مLع تصLرف وزيادة إضLافة قLول الشLافعي 2
رحمه اهلل.
مفسدات األخوة ()162
()163 مفسدات األخوة
فإن هذا يرسخ في نفس أخيك عدم اهتمامك به؛ ألن إخالف الموعد أو
االتفاق معناه أن من أخلف قد ترك األقل أهمية إلى األكثر أهمية وحسبك بهذا
كسًر ا لنفس أخيك ،وإفساًدا للمحبة والعالقة األخوية.
فكيف وقد أمر المسلم بالوفاء بالعهود والوعود ونهي عن إخالفها وعَّد
رسول اهلل إخالفها من آيات النفاق فقال(( :آية المنافق ثالث :إذا حدث كذب،
وإذا وعد أخلف ،وإذا اؤتمن خان))(...)1
وحًق ا لو التزمنا اآلداب الشرعية والسلوكيات اإلسالمية في كل حياتنا لطابت
وقويت عالقتنا ،ودامت ألفتنا ومحبتنا.
(?) رواه البخ LL Lاري في اإليم LL Lان رقـم ( ،)33وفي الش LL Lهادات رقم ( ،)2682وفي 1
الوصايا رقم ( ،)2749وفي األدب رقم ( ،)6095ورواه مسLLلم في اإليمLLان رقم (،)59
والترمذي في اإليمان رقم ( ،)2631والنسائي في اإليمان ( ،)8/117وأحمLLد في المسLLند
( ،)2/357والبغوي في شرح السنة رقم ( )1/72( )35كلهم من حديث أبي هريرة رضي
اهلل عنه.
مفسدات األخوة ()164
()165 مفسدات األخوة
مفسدات األخوة ()166
المفسدة العشرون
كثرة تحديثك له بما يغّم ه ونْقِلك إليه ما يسوؤه
فمن أسباب زوال األلفة أن تنقل لصاحبك ما يسوؤه وال ينتفع بمعرفته ،وأن
تكتم عنه ما يستضر بكتمه.
قال ابن حزم رحمه اهلل :ال تنقل إلى صديقك ما يؤلم لنفسه وال ينتفع بمعرفته،
فهذا فعل األراذل ،وال تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل أهل الشر.
وعن يحيى بن معاذ رحمه اهلل قال :ليكن حظ المؤمن منك ثالثة :إن لم تنفعه
فال تضره ،وإن لم تفرحه فال تغمه ،وإن لم تمدحه فال تذمه.
والمراد بذلك توقي الَك لَف بالصاحب وشدة التعلق والولع به ،وتحميل النفس
فوق طاقتها في خدمته والتقرب إليه ،وليس المراد االقتصاد في رعاية حق األخوة
والمحبة ،بل يلزم من القيام بحق اإلخاء (بذل المجهود في النصح ،والتناهي في
رعاية ما بينهما من الحق ،فليس في ذلك إفراط وإن تناهى ،وال مجاوزة حد وإن
كثر وأوفى)(.)1
قال رسول اهلل (( :أحبب حبيبك هوًنا ما عسى أن يكون بغيضك يوًما ما،
وأبغض بغيضك هوًنا ما عسى أن يكون حبيبك يوًما ما))(.)2
وقال عمر رضي اهلل عنه :ال يكن حبك َك َلًف ا ،وال بغضك تلًف ا(.)3
وقال أبو األسود:
فإنك ال َتْد ري متى أنَت ناِز ُع وأحبْب إذا أحببَت حًبا مقارًبا
(?) أدب الدنيا والدين ص.178 1
(?) رواه الترمLLذي في الLLبر والصLLلة رقم ( ،)1997والسLLلمي في آداب الصLLحبة ص،114 2
والخطيب في تاريخ LLه ( )428 ،11/427من ح LLديث أبي هريرة رض LLي اهلل عن LLه مرفوًع ا،
وصححه األلبLL Lاني في صحيح الجLL Lامع الصLL Lغير رقم ( ،)178ورواه البخLL Lاري في األدب
المفLLرد رقم ( )1321موقوًف ا على علّي رضLLي اهلل عنLLه ،وحسLLنه لغLLيره موقوًف ا األلبLLاني في
صحيح األدب المفرد رقم ( )992وقال" :وقد صح مرفوًعا" اهـ.
(?) رواه البخLL Lاري في األدب المفLL Lرد رقم ( )1322وفيLL Lه :فقلُت (القائLL Lل أسLL Lلم) :كيLL Lف 3
ذاك؟ قال :إذا أحببت كلفت كلف الصLLبي ،وإذا أبغضLLت أحببت لصLLاحبك التلLLف ،وصحح
إسناده األلباني في صحيح األدب المفرد رقم (.)993
()169 مفسدات األخوة
فإنك ال تدري متى أنَت وأبغض إذا أبغضت غير
()1 مجانب
راجُع
فينبغي للمحب أن يتوقى اإلفراط في المحبة( ،فإن اإلفراط داٍع إلى التقصير،
ولئن تكون الحال بينهما متنامية أولى من أن تكون متناهية)(.)3
ولكن احرص على أن تكون أكثر حًبا له من حبه لك لتظفر بالفضل عند اهلل عز
وجل لقوله في الحديث الصحيح(( :ما تواد اثنان في اهلل تعالى إال كان أفضَلهما
أكثرهما حًبا لصاحبه))(.)4
(?) روض LLة العقالء ص ،97 ،96وأدب ال LLدنيا وال LLدين ص ،178وذك LLره العجل LLوني في 1
كشف الخفاء ( )1/54عن علي رضي اهلل عنه ،واألمير أسامة بن منقذ في لباب اآلداب ص
25ونسبها لهدبة بن الخشرم العذري.
(?) أدب الدنيا والدين ص.178 2
الخاتمة
لما كانت مفسدات األخوة كثيرة ،والمحبة الصادقة تحتاج إلى تشمير ،كثرت
األقوال في تعريف الصديق( ،)1وتعددت عبارات البلغاء واألدباء والحكماء في
صفته ،وحار بعضهم ،وتشاءم بعضهم حتى نفى وجوده ...وهذا وإن لم يسّلم إال
أنه دال على عظم األمر...
قال بعضهم:
عند أولي التْح ِقيِق عالَم ة الصديق
والصدُق فيها مفَتَر ض محبة بال َغ َر ض
محَّبة في هللا فهي بال اشِتَباه
وأجمل ما في هذه الكلمات أنها عّر فت أسمى أنواع الصداقة ،وذلك أنها
جعلت الصداقة هي األخوة اإليمانية أو المحبة اإليمانية التي يصون اإلسالم فيها
الصداقة عن الغرض ويجعلها خالصة هلل.
وقال الكندي :الصديق إنسان هو أنت إال أنه غيرك(.)2
وذكر بعض الشعراء اختالف الناس يف وصف الصديق أو تعريفه فقال:
في وده وما مذق قالوا :الصديُق من صَدق
في قوله أنت أنا وقيلَ :م ن ال َيْطَع َنا
(?) قLLال أبLLو حيLLان :قلت لألندلسLLي :مم أخLLذ لفLLظ الصLLديق؟ قLLال :أخLLذ من الِّص دق ،وهو 1
خالف الكذب ،ومرة قال :من الَّص ْد ق؛ ألنه يقLLال :رمح َص ْد ق أي صلب ،وعلى الLLوجهين،
الصLديق يصLدق إذا قLال ويكون َص دًقا إذا عمLل .المختLار من رسLالة الصLداقة والصLديق ص
.61
(?) انظر ص.16 2
()171 مفسدات األخوة
معناه في هذا الَو رى وقيل :لفٌظ ال ُيرى
ولهذا آثر بعضهم العزلة واالنفراد ...وحذر بعضهم من األصدقاء ،وذم بعضهم
االستكثار من األصحاب.
قال أحدهم:
واحذر صديقك ألف مرة احذر عدوك مرة
()1 فلربما انقلب الصديُق
فكان أعلم بالمضَّرة
وقال آخر:
فال تستكثرن من الصحاب عدوك من صديقك مستفاد
يكون من الطعام أو فإن الداء أكثر ما تراه
()2
الشراب
والذي دفعهم إلى ذلك كما يبدو في ثنايا كالمهم تجارب مروا بها صدموا
فيها بأصدقائهم ...ومع تعدد هذه التجارب جزموا بأن الصديق ال يوجد.
وقدًميا قال لبيد:
وبقيت في خلف كجلد ذهب الذين يعاش في أكنافهم
()1
األجرب
وللبسيت:
فال تبال أغابوا عنك أو زاروا لقاء أكثر من زاروك أوزاُر
وقال آخر:
والمنكرون لكل أمر منكر ذهب الرجال المقتدى بفعالهم
بعًضا ليدفع ُم عور عن معور وبقيت في خلف يزّيُد بعضهم
وقال أحدهم :لوال مخافة الوسواس لجلست في أرض ليس فيها ناس(.)2
وقيل ألحدهم :لم ال تتخذ األصدقاء؟ قال :حتى أتفرغ من األعداء ،وأطلب
وقد سبق وصف بعضهم للصديق الذي يضر قربه فقال :هو الذي إذا قرب
توصل بصداقته إلى معرفة األسرار ،وعلم األخبار ،ثم تحفظ الزلل ،والتقط الخلل،
وأحصى الفلتات ،وعد الهفوات ،وراعى عثرات األلسن ،وبوادر القول والعمل
عند الغضب والرضا وفي أوقات االسترسال التي ال يخلو اإلنسان فيها من إغفال،
ثم جعل ذلك سالًح ا معًد ا يحمله على صديقه وقت العداوة(.)4
فهذا أشد ما يصدم الصديق في صديقه ،أن يفشي ما يعلمه من أسراره ومن
خفي أحواله التي اطلع عليها بحكم الصداقة.
ولذلك جعل بعضهم إفشاء األسرار من اخلطوط احلمراء اليت ينبغي أن تنتهي عندها
الصداقة فوًر ا ،وقد سبق يف ذلك قول بعضهم:
(?) الصداقة والصديق ص ،95وذكره في موضع آخر ص 10بلفظ :إياك وُك ْر َه اإلخLLوان؛ 3
فإنه ال يؤذيك إال من تعرف...إلخ ،وفي منهاج العابدين للغزالي ـ بنحوه ـ ص.47
(?) انظر ص.109 4
مفسدات األخوة ()174
َفبْعه ولو بكَّف ِم ن َر َم اِد إذا ما المرء أخطأه ثالٌث
وكتماُن السرائِر في الُفؤاد سالَم ُة صدره ،والصدق منه،
وقال آخر:
فما وجدُت له رسًم ا وال أثرا أما الوفاء فشيء قد سمعُت به
ألوم على غدٍر أًخ ا َغ َد َر ا فال أطالُب مْخ لوًقا به أبًدا
فإنه بشر ال يعرُف البشرا ومن توهم في الدنيا أخا ِثَقٍة
وقال ثالث:
()175 مفسدات األخوة
أميِن الغيِب أو عْيَش الوَح ادي وعْش إما قريُن أٍخ وفًّي
وكتب بعضهم :سلكت القفار ,وطفت الديار ،وركبت البحار ،ورأيت اآلثار،
وسافرت البالد ،وعاشرت العباد ،فلم أجد صديًق ا صادًقا ،وال رفيًق ا موافًق ا ،فمن
قرأ هذا الخط ،فال يغتر بأحد قط(.)1
وال شك أن هذه النتائج التي وصل إليها هؤالء وإن كانت غير متفق عليها إال
أنها تدل على ما وصل إليه هؤالء من حالة نفسية بسبب أخطاء أصدقائهم ،وتؤكد
خطورة التهاون بحقوق الصداقة وضرورة معرفة مفسدات األخوة واتقائها...
ولك أن تتصور مدى تلك الحالة النفسية األليمة إذا علمت أن بعضهم تكونت
في نفوسهم عقدة من شيء اسمه صاحب أو صديق ،وكان أصحابهم سبًبا في
تحطيمهم ،وبعضهم ابتعد عن الناس مؤثًر ا أن يعيش بال صاحب ،وأن يعيش بال
ناس ،ووجد في ذلك األنس والراحة...
أنشد أبو القاسم الوزير:
رأيُت اإلنَس الستوحشُت منه أِنست بوْح دتي حتى لو أني
أِم يُل إليه إال مْلُت عنه ولم تدِع التجارُب لي صديًقا
أخاُف عليه إال خْفُت منه وما َظِفَر ْت َيِد ي بصديِق
صدٍق
وعوتب بعضهم لما اعتزل الناس ،فقال :صحبت الناس أربعين سنة ،فما رأيتهم
غفروا لي ذنًبا ،وال ستروا لي عيًبا ،وال أقالوا لي عثرة ،وال جبروا مني كسرة ،وال
بذلوا لي نصرة ،ورأيت الشغل بهم تضييًعا للحياة ،وتباعًد ا من اهلل تعالى ،وتجرًعا
للغيظ مع الساعات ،وتسليًطا للهوى في الهنات بعد الهنات(.)1
وقيل لعروة بن الزبير لما اتخذ داًر ا بعيدة من الخلق ،لما تركت الناس؟ فقال:
إن ألسنتهم الغية ،وأسماعهم صاغية ،وقلوبهم الهية ،وأديانهم واهية ،والفاحشة
بينهم فاشية ،فخفت عليهم من الداهية ،فتنحيت عنهم ناحية ،وصرت منهم في
عافية(.)2
وبعدما مضى من تلك األقوال التي اختار أصحابها العزلة ،وما طفح به كثير
منها من التعبير عن الصدمة في األصحاب وافتقاد اإلخاء الصادق ...هب أنك
تعرضت لبعض المواقف التي صدمت فيها من بعض أحبابك حتى شعرت أنك ليس
لك حبيب ...فهل من شيء تقاوم به األثر النفسي المؤلم الذي يحل بك؟
(?) الصLLداقة والصLLديق ،96 ،95وهو بنحLLوه في المختLLار من رسLLالة الصLLداقة والصLLديق 2
وقال بعضهم:
معرفُة هللا فذاَك الَّش قي من عرف هللا فلم تغنه
والعز كل العز للمتقي ما يْص َنُع العبُد بعز الغنى
()1
في طاعة هللا وماذا َلِقي ما ضَّر ذا الطاعِة ما ناَلُه
وإلى جانب هذا العالج فهناك الوقاية ومنها أن ال تندفع سريًعا في حبك ألحد
إلى حد بعيد في وقت قصير ،بل ليكن حبك ألخيك متدرًج ا يزيد مع الوقت
ومرور الزمن ،حتى يبقى دائًم ا مجال لزيادة المحبة ،وليكن في الطريق فرصة
لمعرفة حال الصديق على حقيقته...
ورحم اهلل الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه حين شهد عنده رجل
بشهادة فقال له :لست أعرفك وال يضرك أن ال أعرفك ائت بمن يعرفك .فقال
رجل من القوم :أنا أعرفه ،قال :بأي شيء تعرفه؟ قال :بالعدالة والفضل ،فقال :فهو
جارك األدنى الذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال :ال .قال :فمعاملك
بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟ قال :ال .قال :فرفيقك في السفر
الذي يستدل به على مكارم األخالق؟ قال :ال .قال :لست تعرفه ،ثم قال للرجل:
وقال آخر:
حتى َتبَّين قدَر نحِو إخائه ال تحمدَّن على اإلخاِء ُم ؤاِخ ًيا
وبعض األصحاب قد تجد منه روح اإلخاء والمودة واإليثار ما دام في زمن
الصبا والمراهقة أو في مقتبل الشباب في فترة الدراسة والطلب ،فإذا خرج إلى
مجال الحياة األصعب بما فيه من زوجة وولد وتنافس في الكسب وطلب الرزق
تغير الحال تماًم ا...
ومن ثم فخير لك أن تمنح نفسك فرصة كافية لمعرفة نفسك ومعرفة صاحبك
على وجه الحقيقة ،وليكن حبك له أثناء ذلك متدرًج ا ،فذلك خير من أن تصل
ألعلى درجات المحبة له قبل أن تعرفه جيًد ا ،ثم تصدم بعد ذلك حين تكتشف أنه
(?) رواه البيهقي في سننه كتاب آداب القاضي ( ،)126 ،10/125وصححه األلبLLاني في 1
(?) مطلع قصيدة البي البقاء الُّر ندي في رثاء األندلس ،وأولها: 2
قال بعضهم:
إن الصديَق إلى المقارِن واختْر قريَنك واصطِفيه
ُينسُب تفاُخ ًرا
(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص.135 3
()181 مفسدات األخوة
فال تقن بكَّل أخي إخاء إذا ما كنَت متخًذ ا خليًال
بأهل العقل منهم والحياء فإن ُخ َّيرَت بين الناِس فالصْق
()1 فإن العقَل ليس له إذا ما
تفاضلت الفضائُل من ِكفاء
وال تصاحب من يذم إخوانك ويذكرهم بالسوء عندك ،وال من يبالغ في الثناء
عليك ويرفعك فوق قدرك ،وال من يحب الرئاسة ويدعيها...
قال بعضهم :إذا ذكر جليسك عندك أحًد ا بسوء فاعلم أنك ثانيه.
وقال آخر :من رفعك فوق قدرك فاتقِه.
وقال ثالث :أكرم المجالسة مجالسة من ال يدعي الرئاسة وهو في محلها ،وشر
المجالسة مجالسة من يدعي الرئاسة وليس في محلها.
وال تصاحب من ينفر من الفقراء ويبغضهم وحيرص على األثرياء وحيبهم فإنه
يوشك أن ينقلب عليك يف حال عسرك ،ومثله ال يكون صادًقا وال يكون خملًص ا يف
إخائه:
ما دمت في دنياك في ُيْس ِر كم من أِخ لك ليس ُتْنكره
يلقاك بالترحيب والِبْش ِر متَص نع لك في موَّد ِته
دهٌر عليك َعَدا مع الدْهر فإذا عدا (والدهر ذو ِغ َيٍر )
َيْقِلي الُمِقَّل ويعشق الُم ثري فارفْض بإجماٍل مودَة َم ْن
()2 وعليَك من حااله واحدة
في الُعْس ِر إما كنَت والُيْس ِر
(?) أدب الLLدنيا والLLدين ص ،166والتعبLLير بعLLدا الLLدهر ليس بمحمLLود؛ ألن عLLدا هنLLا بمعLLنى 2
جار وظلم ،انظر :لسان العرب ص ،2846ونسبة ذلك للدهر من سLLب الLLدهر المنهي عنLLه.
واهلل أعلم.
مفسدات األخوة ()182
وال تصاحب من ال ينصف في غضبه ،قال لقمان البنه :يا بني ،إذا أردت أن
تؤاخي رجًال فأغضبه قبل ذلك ،فإن أنصفك عند غضبه وإال فتجنبه.
ومن أقوال الحكماء :من لم يقوم االمتحان قبل الثقة ،والثقة قبل األنس،
أثمرت مودته ندًما(.)1
ومن أقوالهم :اسُبر تخبر(.)2
وقال بعض البلغاء :مصارمة قبل اختبار ،أفضل من مؤاخاة على اغترار(.)3
وقال بعض األدباء :ال تثق بالصديق قبل الخبرة ،وال تقع بالعدو قبل القدرة(.)4
وقالت الحكماء :اعرف الرجل من فعله ال من كالمه ،واعرف محبته من عينه
ال من لسانه(.)5
وفي مختصر منهاج القاصدين (وفي الجملة ،فينبغي أن يكون فيمن تؤثر
صحبته خمس خصال :أن يكون عاقًال ،حسن الخلق ،غير فاسق ،وال مبتدع ،وال
حريص على الدنيا)(.)6
وقد جمع الماوردي رحمه اهلل الخصال المعتبرة في إخاء اإلخوان بعد
المجانسة التي هي أصل االتفاق في أربع خصال:
الخصلة األولى :عقل موفور ،يهدي إلى مراشد األمور.
المراجع
1ـ آداب الصحبة ألبي عبد الرحمن السلمي (330ـ 413هـ) حققه وعلق عليه:
مجدي فتحي السيد ،ط .دار الصحابة بطنطا.
2ـ اإلبداع في مضار االبتداع للشيخ علي محفوظ ،ط .دار االعتصام.
3ـ اإلحسان بترتيب صحيح ابن حبان ،ترتيب :األمير عالء الدين علي بن بلبان
الفارسي ،المتوفى سنة 739هـ ،قدم له وضبط نصه كمال يوسف الحوت،
ط .دار الكتب العلمية ـ بيروت ،ط .األولى 1407هـ ـ 1987م.
4ـ أدب الدنيا والدين للماوردي ،الحلبي ،ط .الرابعة.
5ـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين األلباني
حفظه اهلل ،ط .المكتب اإلسالمي ،ط .ثانية 1405هـ ـ 1985م.
6ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان البن القيم ،تحقيق :محمد حامد الفقي ،مكتبة
عاطف.
7ـ اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ اإلسالم ابن تيمية ،ط .دار الحديث.
8ـ أين نحن من أخالق السلف ،تأليف عبد العزيز بن ناصر الجليل ،تقديم بهاء
الدين عقيل ،دار طيبة ـ دار المروءة ،ط .الثانية.
9ـ البداية والنهاية البن كثير ،ط .دار الفكر.
10ـ بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس للحافظ أبي عمر
يوسف ابن عبد اهلل بن محمد بن عبد البر ،تحقيق :محمد مرسي الخولي،
ط .دار الكتب العلمية ـ بيروت.
مفسدات األخوة ()186
11ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ت463هـ) ط .دار الفكر.
12ـ التربية الوقائية في اإلسالم لفتحي يكن ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الرابعة.
13ـ الترغيب والترهيب للحافظ زكي الدين المنذري ،ضبط أحاديثه وعلق عليه:
مصطفى محمد عمارة ،ط .دار الريان ـ دار الحديث ،القاهرة 1407هـ.
14ـ تفسير القرآن العظيم البن كثير ،ط .دار الحديث ـ القاهرة ،ط .أولى 1408هـ
ـ 1988م.
15ـ تفسير ابن كثير ،دار الريان.
16ـ التنافر والتجاذب في العالقات الشخصية (محاضرة مسجلة للشيخ محمد
صالح المنجد).
17ـ تهذيب مدارج السالكين ـ المدارج البن القيم ،وهذبه عبد المنعم صالح العلي
الفري.
18ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن البن جرير الطبري ،ط .دار المعارف بمصر،
ط .ثانية ،حققه وعلق حواشيه الشيخ محمود محمد شاكر ،راجعه وخرج
أحاديثه :الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه اهلل.
19ـ جامع العلوم والحكم البن رجب ،تحقيق :طارق بن عوض ،دار ابن حزم،
الطبعة األولى.
20ـ جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) ،ط .دار
الحديث ـ القاهرة ،ط .الخامسة 1400هـ.
21ـ حلية األولياء وطبقات األصفياء للحافظ أبي نعيم األصفهاني (ت430هـ).
22ـ حياة الصحابة للعالمة محمد يوسف الكاندهلوي ،ط .دار الريان ،ط .أولى
()187 مفسدات األخوة
1408هـ.
23ـ خلق المسلم للغزالي ،دار الكتب الحديثة ،ط .الثانية.
24ـ دراسات في السيرة للدكتور عماد الدين خليل ،مؤسسة الرسالة ـ دار النفائس،
ط .الرابعة.
25ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ،وبهامشه تفسير ابن عباس ،ط .دار
المعرفة ـ بيروت ،بدون سنة طبع.
26ـ دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ألبي بكر أحمد بن عبد الحميد
البيهقي (384ـ 458هـ) تحقيق :الدكتور عبد المعطي قلعجي .ط .دار
الريان ،ط .أولى 1408هـ.
27ـ روضة العقالء ونزهة الفضالء لإلمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت
354هـ) ،شرح وتحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،محمد عبد
الرزاق حمزة ،محمد حامد الفقي ،ط .دار الكتب العلمية ـ بيروت.
28ـ الزهد البن المبارك.
29ـ سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني.
30ـ سنن ابن ماجه بتحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي ،ط .دار الكتب العلمية ,بدون
سنة طبع.
31ـ سنن أبي داود ،ط .دار الحديث ـ القاهرة1408 ،هـ ـ 1988م.
32ـ سنن الترمذي ،بتحقيق وشرح :أحمد محمد شاكر ،وأتمها محمد فؤاد عبد
الباقي وكمال يوسف الحوت ،ط .دار الكتب العلمية بدون سنة طبع.
33ـ سنن الدارمي لإلمام الحافظ عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي (181ـ 255هـ)
مفسدات األخوة ()188
بتحقيق وتخريج وفهرسة :فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العليمي ،ط .دار
الريان ،دار الكتاب العربي ،ط .أولى 1407هـ.
34ـ السنن الكبرى لإلمام البيهقي ،وفي ذيلها الجوهر النقي البن التركماني ،ط.
دار الفكر.
35ـ سنن النسائي بشرح السيوط وحاشية السندي ،ط .دار الريان للتراث.
36ـ سير أعالم النبالء للحافظ الذهبي ،ط .مؤسسة الرسالة بإشراف وتخريج شعيب
األرناؤوط ،ط .تاسعة 1413هـ.
37ـ السيرة النبوية البن هشام ،بتحقيق وضبط وشرح :مصطفى السقا وإبراهيم
اإلبياري وعبد الحفيظ شلبي ،ط .مؤسسة علوم القرآن.
38ـ السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم العمري ،مكتبة العلوم والحكم.
39ـ شرح السنة لإلمام البغوي ،تحقيق :شعيب األرناؤوط وزهير الشاويش،
ط.المكتب اإلسالمي.
40ـ شرح النووي على صحيح مسلم ،ط .دار الريان.
41ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري البن حجر ،ط .دار الريان ،ط .ثالثة.
42ـ صحيح الجامع الصغير وزيادته للشيخ األلباني ،ط .المكتب اإلسالمي ،ط.
ثانية 1406هـ.
43ـ صحيح سنن ابن ماجه للشيخ األلباني ،الناشر مكتب التربية العربي لدول
الخليج ،ط .ثانية 1408هـ.
44ـ صحيح سنن أبي داود للشيخ األلباني ، ،الناشر مكتب التربية العربي لدول
الخليج ،ط .أولى 1409هـ.
()189 مفسدات األخوة
45ـ صحيح مسلم بشرح النووي ،ط .دار الريان ،ط .أولى 1407هـ ـ 1987م.
46ـ صحيح مسلم بشرح النووي ،ط .دار القلم ،ط .أولى 1407هـ ـ 1987م.
47ـ الصحيح المسند من أسباب النزول ،تأليف :ابن عبد الرحمن مقبل بن هادي
الوادعي ،ط .مكتبة ابن تيمية ،ط .الرابعة 1408هـ.
48ـ صحيح وضعيف األدب المفرد لإلمام البخاري ،بقلم محمد ناصر الدين
األلباني ،ط .دار الصديق للنشر والتوزيع ،ط .أولى 1415هـ ـ 1994م.
49ـ الصداقة والصديق ألحمد الكويتي ،مكتبة الرشيد ـ الرياض ،ط .األولى ،وهو
عبارة عن ثالث رسائل:
1ـ زاد الطريق إلى قلب الصديق.
2ـ تهذيب (الشهاب الثاقب في ذم الخليل والصاحب للسيوطي).
همسة في أذن صديقي من الروح إلى الروح.
50ـ ضعيف الجامع الصغير وزيادته للشيخ األلباني ،ط .المكتب اإلسالمي ،ط.ثانية
1399هـ.
51ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين البن قيم الجوزية ،ط .مكتبة النهضة اإلسالمية
للطباعة والنشر والتوزيع.
52ـ العزلة لإلمام الخطابي ،ط .مكتبة الزهراء.
53ـ العقد الفريد ألبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه األندلسي ،ط .دار
األندلس ،بيروت ـ لبنان.
54ـ العوائق لمحمد أحمد الراشد ،ط .مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
55ـ عيون األخبار البن قتيبة (ت276هـ) شرح وتعليق د .يوسف علي طويل،
مفسدات األخوة ()190
والدكتور مفيد محمد قميحة ،ط .دار الكتب العلمية.
56ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر.
57ـ فردوس األحجار للديلمي ،ط .دار الريان.
58ـ فقه السيرة للغزالي بتخريج الشيخ األلباني ،ط .دار الريان للتراث ،ط .أولى
1407هـ.
59ـ فن التعامل مع الناس للدكتور عبد اهلل الخاطر ،دار المروءة ،الطبعة الثانية.
60ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ،ط .دار الحديث ـ القاهرة.
61ـ كشف الخفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس
للعجلوني ،ط .دار الكتب العلمية ،ط .ثالثة 1408هـ.
62ـ لباب اآلداب ،تأليف األمير أسامة بن منقذ (488ـ 584هـ) ،تحقيق :أحمد
محمد شاكر ،ط .دار الكتب السلفية 1407هـ.
63ـ لسان العرب البن منظور ،ط .دار المعارف.
64ـ مجلة البحوث اإلسالمية ،إصدار دار األمانة العامة لهيئة كبار العلماء
بالسعودية ،دار أولي النهى .63
65ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين الهيثمي (ت807هـ) ط .دار
الكتب العلمية ـ بيروت.
66ـ مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ،الناشر :مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.
67ـ المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ،الهيئة المصرية
العامة للكتاب.
68ـ مختصر الشمائل المحمدية للترمذي ،اختصره وحققه :محمد ناصر الدين
()191 مفسدات األخوة
األلباني ،ط .المكتبة اإلسالمية ـ عمان ـ األردن ،ط .أولى 1405هـ.
69ـ مختصر منهاج القاصدين البن قدامة المقدسي (ت689هـ) ،بتحقيق علي حسن
علي عبد الحميد ،ط .دار الفيحاء ،دار عمار ،ط .أولى 1406هـ.
70ـ مختصر منهاج القاصدين للمقدسي( ،باب في حقوق األخوة) ،المكتب
اإلسالمي ،ط .الرابعة.
71ـ المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد اهلل محمد بن عبد اهلل الحاكم
النيسابوري ،تحقيق :مصطفى عبد القادر عطا ،ط .دار الكتب العلمية ـ
بيروت.
72ـ مسند أبي داود الطيالسي للحافظ سليمان بن داود عبد الجارود( ،ت204هـ)،
ط .مكتبة المعارف ـ الرياض.
73ـ مسند اإلمام أحمد بن حنبل مع كنز العمال (فهرس األلباني) ،ط .المكتب
اإلسالمي ،ط .الخامسة 1405هـ ـ 1985م.
74ـ مشكاة المصابيح للتبريزي ،بتحقيق األلباني.
75ـ مشكالت الدعوة والداعية لفتحي يكن ،مؤسسة الرسالة ،الطبعة الثالثة.
76ـ مصرع غرناطة ،شوقي أبو خليل ،دار الفكر بدمشق ,الطبعة األولى.
77ـ مناقب اإلمام أحمد بن حنبل للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد
بن الجوزي ،تحقيق :د .عبد اهلل بن عبد المحسن التركي ،ط .دار هجر
للطباعة والنشر والتوزيع ،ط .الثانية 1409هـ ـ 1988م.
78ـ منهاج العابدين ألبي حامد الغزالي ،ط .مكتبة الجندي.
79ـ المنهج األحمد في تراجم أصحاب اإلمام أحمد ،للعليمي (مجير الدين عبد
مفسدات األخوة ()192
الرحمن ابن عبد محمد) حققه :محمد محيي الدين عبد الحميد ،ط .مطبعة
المدني ،ط .أولى 1383هـ.
80ـ الموطأ لإلمام مالك بن أنس رحمه اهلل ،بتصحيح وترقيم وتخريج :محمد فؤاد
عبد الباقي ،ط .دار إحياء الكتب العربية ـ فيصل عيسى البابي الحلبي.
81ـ وإذا قلتم فاعدلوا (للجليل).
82ـ واقعنا المعاصر لمحمد قطب.
الفهرس
الصفحة الموضوع
5 إهداء
7 أتدري أين سكناه
9 مقدمة
23 مفسدات األخوة
25 املفسدة األوىل :الطمع يف الدنيا
29 املفسدة الثانية :التفريط يف الطاعات
39 املفسدة الثالثة :عدم التزام األدب يف احلديث
51 املفسدة الرابعة :برود العاطفة
71 املفسدة اخلامسة :النجوى
73 املفسدة السادسة :االعتداد بالرأي
79 املفسدة السابعة :كثرة املخالفات له يف األقوال واألفعال والرغبات
85 املفسدة الثامنة :النصح يف املأل
87 املفسدة التاسعة :كثرة املعاتبة وعدم التسامح
107 املفسدة العاشرة :اإلصغاء للنمامني واحلاسدين
109 املفسدة احلادية عشرة :إذاعة السر
111 املفسدة الثانية عشرة :اتباع الظن
117 املفسدة الثالثة عشرة :التدخل يف خصوصياته
121 املفسدة الرابعة عشرة :األنانية واالستعالء
مفسدات األخوة ()194
الصفحة الموضوع
135 املفسدة اخلامسة عشرة :التحفظ والتكلف واإلثقال على الصاحب
145 املفسدة السادسة عشرة :التفريط يف إظهار احملبة
155 املفسدة السابعة عشرة :التلهي عنه بغريه وقلة الوفاء
159 املفسدة الثامنة عشرة :احلرص على إظهار الذات
املفسدة التاسعة عشرة :إخالف املواعيد واالتفاقات دون عذر
163 ضروري
165 املفسدة العشرون :كثرة حتديثك له مبا يغمه
167 املفسدة احلادية والعشرون :اإلفراط يف احملبة
169 اخلامتة
185 املراجع
193 الفهرس