Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 192

‫في رياض األخوة‬

‫َّو ِة‬ ‫ُخ‬‫ُأل‬ ‫ا‬ ‫ُت‬ ‫ا‬ ‫ْف‬


‫ُم ِس َد‬

‫تأليف‬
‫أيب عاصم‬
‫هشام بن عبد القادر بن محمد آل عقدة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)4‬‬

‫إهــــــداء إلى‬
‫أحبة الصبا‪ ،‬وصحبة الشباب‬
‫أما بعد‬
‫(‪)5‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)6‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أتدري أين سكناه‪..‬؟!‬

‫أخوَك وأين مسَع اُه؟‬ ‫أتدري أين سكناُه‬


‫إذا فاتتك عيناُه؟‬ ‫وهل عيناك ُتثِبُتُه‬
‫في جنبْيَك َم ْسراُه‬ ‫أخوك يعيُش كالتاريخ‬
‫وتْد َم ُع حيَن تلقاُه‬ ‫بال ُلَغ ٍة ًتَص اِفُحُه‬
‫فصدُرَك أنَت مأواُه‬ ‫لئن ضاقت به الُّد ْنَيا‬
‫ُتخِّفَف عنه بلَو اُه‬ ‫وتسمو دوَنَم ا َم ّن‬
‫إذا َك َّلُت ِذَر اَع اُه‬ ‫وترفع دوَنُه ِح ْم ًال‬
‫فَص ْد ُرَك أنَت مأواُه‬ ‫لئن ضاقت به الدنيا‬
‫إذا الَّش ْيَطاُن أْغ واُه‬ ‫وُتْس ِد ُل حوله ِس تًرا‬
‫فقد أخصَبْت ُد ْنياُه‬ ‫ترى أْخ راَك ُم ْثِم رًة‬
‫فصدرك أنت مأواُه‬ ‫لئن ضاقت به الدنيا‬

‫(?) من أناشيد الدعوة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)7‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)8‬‬

‫مقدمة‬

‫الحمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم على من ال نبي بعده‪.‬‬


‫وبعد‪:‬‬
‫فالمحبة بين المؤمنين والتآلف والتآخي شأن عظيم وخطر جليل‪ ،‬فقد جعل اهلل‬
‫عز وجل األخوة سمة المؤمنين في الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪ِ :‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة‬
‫‪[ ‬الحجرات‪ ،]10 :‬وقال جل وعال‪َ :‬و َنَز ْعَنا َما ِفي ُصُد وِر ِه ْم ِم ْن ِغ ٍّل ِإْخ َو اًنا َعَلى‬
‫ُس ُر ٍر ُمَتَق اِبِليَن ‪[ ‬الحجر‪.]47:‬‬
‫واألخوة بين المؤمنين نعمة كبيرة ومنة عظيمة من اهلل تعالى‪َ :‬و اْذُك ُر وا ِنْع َم َت‬
‫الَّلِه َعَلْيُك ْم ِإْذ ُك ْنُتْم َأْعَد اًء َفَأَّلَف َبْيَن ُقُلوِبُك ْم َفَأْص َبْحُتْم ِبِنْع َم ِتِه ِإْخ َو اًنا‪[‬آل عمران‪:‬‬
‫‪ُ ،]103‬ه َو اَّلِذ ي َأَّيَد َك ِبَنْص ِر ِه َو ِباْلُم ْؤ ِم ِنيَن ‪َ .‬و َأَّلَف َبْيَن ُقُلوِبِه ْم َلْو َأْنَف ْق َت َما ِفي‬
‫اَأْلْر ِض َج ِم يًعا َما َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم َو َلِكَّن الَّلَه َأَّلَف َبْيَنُه ْم ‪[ ‬األنفال‪.]63 ،62 :‬‬
‫وهذه األخوة الحاصلة بين المؤمنين سببها اإليمان والعقيدة‪ ،‬فهي أخوة قائمة‬
‫على (الحب في اهلل) الذي هو أوثق عرى اإليمان‪ ،‬قال ‪(( :‬أوثق عرى اإليمان‬
‫المواالة في اهلل والمعاداة في اهلل‪ ،‬والحب في اهلل‪ ،‬والبغض في اهلل عز وجل))(‪،)1‬‬

‫(?) رواه الط‪LL L‬براني في المعجم الكب‪LL L‬ير رقم (‪ )11537‬من ح‪LL L‬ديث ابن عب‪LL L‬اس رض‪LL L‬ي اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫عنهما‪ ،‬والبغوي في شرح السنة (‪ )13/53‬وله شواهد كثيرة عن ابن مسعود عن‪LL‬د أبي داود‬
‫الطيالس‪LL‬ي رقم (‪ ،)378‬ص‪ ،50‬والط‪LL‬براني في الص‪LL‬غير‪ ،‬كم‪LL‬ا في مجم‪LL‬ع الزوائ‪LL‬د (‪،)1/90‬‬
‫وعن البراء رواه اإلمام أحمد في مس‪LL‬نده (‪ )4/286‬بلف‪LL‬ظ‪(( :‬أوس‪LL‬ط ع‪LL‬رى اإليم‪LL‬ان أن تحب‬
‫في اهلل وتبغض في اهلل))‪.‬‬
‫ورواه ابن أبي ش‪LL‬يبة في اإليم‪LL‬ان رقم (‪ )110‬ص‪ ،42‬وصححه األلب‪LL‬اني في صحيح الج‪LL‬امع‬
‫(‪)9‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ومن ثم فأُخ َّو ة المؤمنين أرفع أخوة‪ ،‬وأسمى عالقة يمكن أن توجد بين البشر‪،‬‬
‫فأُخ َّو ُة المؤمنين تزري بأُخ َّو ِة األشقاء‪ ،‬ورابطة العقيدة أقوى من رابطة النسب‪ ،‬ولما‬
‫ِإ ِن ِم ِل ِإ‬
‫قال نوح عليه السالم‪َ :‬ر ِّب َّن اْب ي ْن َأْه ي َو َّن َو ْعَد َك اْلَح ُّق َو َأْنَت َأْح َك ُم‬
‫ِم ِل ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِكِم‬
‫اْلَح ا يَن ‪[ ‬هود‪ ،]45 :‬قال له ربه جل وعال‪َ :‬يا ُنوُح َّنُه َلْيَس ْن َأْه َك َّنُه َعَمٌل‬
‫َغْيُر َص اِلٍح َفال َتْس َأْلِن َم ا َلْيَس َلَك ِبِه ِع ْلٌم ِإِّني َأِع ُظَك َأْن َتُك وَن ِم َن اْلَج اِهِليَن ‪[ ‬هود‪:‬‬
‫‪.]46‬‬
‫وما أمجل قول الشاعر‪:‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬إن الُّشُك ول أقارُب‬ ‫فقلُت ‪ :‬أخي‪ ،‬قالوا‪ :‬أٌخ من‬
‫وإن فّر َقْتنا في األصوِل‬ ‫قرابة‬
‫(‪)1‬‬
‫المناِس ب‬ ‫نسيبي في رأيي وعزمي‬
‫وهَّم تي‬

‫ونظًر ا ألهمية هذه الرابطة بين المؤمنين فقد رتب اهلل جل وعال عليها عظيم‬
‫الفضل وجزيل األجر والثواب وقرب أهلها وأحبهم‪ ،‬فمن السبعة الذين يظلهم اهلل‬
‫في ظله يوم ال ظل إال ظله‪(( :‬رجالن تحابا في اهلل‪ ،‬اجتمعا عليه وتفرقا عليه))(‪.)2‬‬
‫وفي الحديث القدسي‪(( :‬المتحابون في جاللي لهم منابر من نور يغبطهم‬

‫الصغير رقم (‪ ،)2539‬وحسنه شعيب األرناؤوط في تحقيق شرح السنة (‪.)13/53‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.164‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ج ‪LL L‬زء من ح ‪LL L‬ديث‪ :‬رواه البخ ‪LL L‬اري في األذان رقم (‪ ،)660‬والزك ‪LL L‬اة رقم (‪،)1423‬‬ ‫‪2‬‬

‫والرقاق رقم (‪ )6479‬مختصًر ا‪ ،‬وفي الحدود رقم (‪ ،)6806‬ورواه مسلم في الزك‪LL‬اة رقم‬
‫(‪ ،)1031‬ومالك في الموطأ في الشعر (‪ ،)953 ،2/952‬والنسائي في القضاة (‪،8/222‬‬
‫‪ ،)223‬والترمذي في الزهد رقم (‪ ،)2391‬وأحم‪L‬د في مس‪L‬نده (‪ ،)2/439‬والبغ‪L‬وي في‬
‫شرح السنة (‪.)2/354‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)10‬‬
‫النبيون والشهداء))(‪ ،)1‬وفي الحديث القدسي أيًض ا أن اهلل تعالى قال‪(( :‬حقت‬
‫محبتي للمتحابين فَّي ‪ ،‬وحقت محبتي للمتواصلين فَّي ‪ ،‬وحقت محبتي للمتناصحين‬
‫فَّي ‪ ،‬وحقت محبتي للمتزاورين فيَّه‪ ،‬وحقت محبتي للمتباذلين فَّي ))(‪.)2‬‬
‫وروى مسلم عن أبي هريرة رضي اهلل عنه عن النبي ‪(( ‬أن رجًال زار أًخ ا له في‬
‫قرية أخرى‪ ،‬فأرصد(‪ )3‬اهلل تعالى على مدرجته(‪ )4‬ملًك ا‪ ،‬فلما أتى عليه قال‪ :‬أين‬
‫تريد؟ قال‪ :‬أريد أًخ ا لي في هذه القرية‪ .‬قال‪ :‬هل لك عليه من نعمة َتُر ُّبها(‪ )5‬عليه؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬غير أني أحببته في اهلل تعالى‪ .‬قال‪ :‬فإني رسول اهلل إليك بأن اهلل قد أحبك‬
‫كما أحببته فيه))(‪.)6‬‬
‫وقال ‪(( :‬ما تحاب رجالن في اهلل تعالى إال كان أفضلهما أشَّدهما حًبا‬

‫(?) رواه اإلم‪LL‬ام أحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪)5/239‬ـ مط‪LL‬وًال ـ‪ ،‬وروى الترم‪LL‬ذي في الزهد رقم (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )2390‬الجزء المذكور فقط‪ ،‬وصححه األلباني "صحيح الجامع الصغير" رقم (‪.)4312‬‬
‫(?) رواه اإلمام أحمد في المس‪L‬ند (‪ ،)328 ،239 ،237 ،233 ،5/229‬ورواه اإلم‪L‬ام‬ ‫‪2‬‬

‫مال‪LL L‬ك في الموط‪LL L‬أ في الش‪LL L‬عر (‪ ،)954 ،2/953‬والبغ‪LL L‬وي في ش‪LL L‬رح الس‪LL L‬نة (‪،)13/50‬‬
‫وصحح إس‪LL‬ناده الحاف‪LL‬ظ ابن عب‪LL‬د ال‪LL‬بر والحاف‪LL‬ظ المن‪LL‬ذري في ال‪LL‬ترغيب وال‪LL‬ترهيب (‪،4/18‬‬
‫‪ ،)19‬وصححه أيًض ا الش ‪LL‬يخ األلب‪LL‬اني "صحيح الج‪LL‬امع الص‪LL‬غير" رقم (‪ ،)4320‬والش ‪LL‬يخ‬
‫شعيب األرناؤوط في تخريج شرح السنة (‪.)13/50‬‬
‫(?) يعني أقعده يربه‪ .‬شرح النووي (‪.)16/124‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المدرج‪LL‬ة هي الطريق‪ ،‬س‪LL‬ميت ب‪LL‬ذلك ألن الن‪LL‬اس يدرجون عليها أي يمض‪LL‬ون ويمش‪LL‬ون‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫السابق‪.‬‬
‫(?) أي تقوم بإصالحها وتنهض إليه بسبب ذلك‪ .‬السابق‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) رواه مسلم في البر والصلة رقم (‪ ،)2567‬وأحمد في المسند (‪،462 ،408 ،2/292‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،)508‬والبغ ‪LL L‬وي في ش ‪LL L‬رح الس ‪LL L‬نة (‪ ،)13/51‬وابن حب ‪LL L‬ان في صحيحه رقم (‪)571‬‬
‫اإلحسان‪.‬‬
‫(‪)11‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫لصاحبه))(‪.)7‬‬
‫وعن عبدة بن أبي لبابة أنه لقي مجاهًد ا رحمه اهلل فأخذ مجاهد بيده فقال‪ :‬إذا‬
‫التقى المتحابان في اهلل فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما‬
‫كما تحات ورق الشجر‪ .‬قال عبدة‪ :‬فقلت له‪ :‬إن هذا ليسير ـ يعني المصافحة‬
‫والتبسم ـ فقال‪ :‬ال تقل ذلك‪ ،‬فإن اهلل يقول‪َ :‬لْو َأْنَف ْق َت َما ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما‬
‫َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم ‪[ ‬األنفال‪ ،]63 :‬قال عبدة‪ :‬فعرفت أنه أفقه مني(‪.)1‬‬
‫وعن الوليد بن أبي مغيث عن مجاهد قال‪ :‬إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر‬
‫لهما‪ ،‬قال‪ :‬قلت لمجاهد‪ :‬بمصافحة يغفر لهما؟ قال مجاهد‪ :‬أما سمعته يقول‪َ :‬لْو‬
‫َأْنَف ْق َت َما ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم ‪[ ‬األنفال‪ .]63 :‬فقال الوليد‬
‫لمجاهد‪ :‬أنت أعلم مني(‪.)2‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL‬اري في األدب المف‪LL‬رد رقم (‪ ،)544‬وأب‪LL‬و داود الطيالس‪LL‬ي في مس‪LL‬نده رقم (‬ ‫‪7‬‬

‫‪ ،)2053‬والح ‪LL‬اكم في مس ‪LL‬تدركه (‪ ،)4/171‬والخطيب في ت ‪LL‬اريخ بغ ‪LL‬داد (‪،)11/341‬‬


‫وابن حب‪LL‬ان رقم (‪ ،)567‬اإلحس‪LL‬ان‪ ،‬كلهم من ح‪LL‬ديث أنس بن مال‪LL‬ك رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬وق‪LL‬ال‬
‫الهيثمي في مجم‪LL L‬ع الزوائ‪LL L‬د (‪" :)10/276‬رواه الط‪LL L‬براني في األوس‪LL L‬ط وأب‪LL L‬و يعلى وال‪LL L‬بزار‬
‫بنحوه ورجال أبي يعلى والبزار رج‪L‬ال الص‪L‬حيح غير مب‪L‬ارك بن نض‪L‬الة‪ ،‬وق‪L‬د وثق‪L‬ه غير واح‪L‬د‬
‫على ض‪LL‬عف" اهـ‪ .‬وصححه األلب‪LL‬اني "صحيح الج‪LL‬امع الص‪LL‬غير" رقم (‪ ،)5594‬صحيح األدب‬
‫المف‪LL‬رد رقم ‪ ،)0423‬وورد من ح‪LL‬ديث أبي ال‪LL‬درداء مرفوًع ا نح‪LL‬وه بلف‪LL‬ظ‪(( :‬م‪LL‬ا من رجلين‬
‫تحاب ‪LL‬ا في اهلل بظهر الغيب إال ك ‪LL‬ان أحبهم ‪LL‬ا إلى اهلل أش ‪LL‬دهما حًب ا لص ‪LL‬احبه))‪ ،‬ق ‪LL‬ال الهيثمي‪:‬‬
‫"ورواه الطبراني في األوسط ورجاله رجال الصحيح غير المع‪LL‬افى بن س‪LL‬ليمان وهو ثق‪LL‬ة" اهـ‪.‬‬
‫وقال المنذري‪" :‬رواه الطبراني بإسناد جيد قوي"اهـ‪ .‬مجمع الزوائ‪LL‬د (‪ ،)10/276‬ال‪LL‬ترغيب‬
‫والترهيب (‪.)4/17‬‬
‫(?) انظر‪ :‬تفسير ابن كثير (‪.)2/309‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) السابق (‪.)310 ،2/309‬‬ ‫‪2‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)12‬‬
‫ولمثل هذه اإلخوة كان ‪ ‬يعمل (وهو يربي أصحابه رضوان اهلل عليهم ثالثة‬
‫عشر عاًما في مكة‪ ،‬وسنوات في المدينة بعد ذلك‪ ...‬ولم يكن يقول في نفسه وهو‬
‫في مكة‪ :‬إلى متى نربي تلك المشاعر دون أن "نعمل"؛ ألنه كان يعلم يقيًنا بما علمه‬
‫ربه أن هذا من العمل األساسي المطلوب إلنشاء القاعدة المؤمنة التي ُو ِّج ه ‪‬‬
‫إلنشائها‪ ...‬وأن هذه األخوة فوق أنها ضرورية إلقامة القاعدة المؤمنة التي هي‬
‫نواة األمة المسلمة‪ ،‬فهي جزء من "التحقيق السلوكي" لال إله إال اهلل‪...‬‬
‫فليست ال إله إال اهلل وجداًنا قلبًيا عميًق ا فحسب‪ ،‬بل هي التزام بما أنزل اهلل‪،‬‬
‫ومن ثم فكل ما جاء من عند اهلل فااللتزام به هو من مقتضيات ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫وقد أحب اهلل هذه األخوة وامتدحها وأوجبها على المؤمنين‪ ،‬وأنزل فيها آيات‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫كثيرة لعل من أبرزها ـ آيات الحجرات ـ‪َ :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا ال َيْس َخ ْر َقوٌم ْن‬
‫َقْو ٍم َعَس ى َأْن َيُك وُنوا َخ ْيًر ا ِم ْنُه ْم َو ال ِنَس اٌء ِم ْن ِنَس اٍء َعَس ى ْ‬
‫َأن َيُك َّن َخ ْيًر ا ِم ْنُه َّن َو ال‬
‫ِن‬ ‫ِال‬ ‫ِم‬
‫َتْل ُز وا َأنُفَس ُك ْم َو ال َتَناَبُز وا ِباَألْلَق اِب ِبْئَس ا ْس ُم اْلُفُس وُق َبْع َد اِإل يَم ا َو َمْن َلْم َيُتْب‬
‫ِن ِث ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِل‬ ‫ِئ‬
‫َفُأْو َل َك ُه ْم الَّظا ُم وَن ‪َ .‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا اْجَت ُبوا َك يًر ا ْن الَّظِّن ِإَّن َبْعَض الَّظِّن ِإْثٌم‬
‫َو ال َتَج َّس ُس وا َو ال َيْغَتْب َبْع ُضُك ْم َبْع ًض ا َأُيِح ُّب َأَح ُد ُك ْم َأْن َيْأُك َل َلْح َم َأِخ يِه َم ْيًتا‬
‫َفَك ِرْهُتُم وُه َو اَّتُقوا الَّلَه ِإَّن الَّلَه َتَّو اٌب َر ِح يٌم‪[ ‬سورة الحجرات‪.]12 ،11 :‬‬
‫بالقرآن‪ ...‬بالمصاحبة‪ ...‬بالمعايشة‪ ...‬بالتوجيه المستمر‪ ...‬بالقدوة في شخصه‬
‫الكريم ‪ ... ‬بالحب الذي يفيض من قلبه الكبير إليهم‪ ...‬باالهتمام بكل فرد منهم‬
‫كأنه هو األثير عنده‪ ...‬بالممارسة العملية للمشاعر اإليمانية داخل الجماعة‪...‬بهذه‬
‫الوسائل مجتمعة رّبى رسول اهلل ‪ ‬هذه الجماعة المتآخية التي صنعت بتآخيها‬
‫األعاجيب‪ ،‬وأقام ذلك البنيان المتين المترابط‪ ،‬الذي يشد بعضه بعًض ا فيقويه‪...‬‬
‫وفي غربة اإلسالم الثانية نحتاج إلى مثل ما احتاج إليه األمر في الغربة‬
‫(‪)13‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫األولى‪ ...‬إن لم يكن على ذات المستوى السابق فعلى أقرب المستويات إليه‪...‬‬
‫ذلك أن الضغوط الجاهلية تفتت كل ترابط ما لم يكن وثيق الرباط إلى الحد الذي‬
‫يتحمل كل الضغوط‪ ،‬ويبقى وثيًق ا رغم كل الضغوط‪...‬‬
‫كم يستغرق هذا األمر؟ ال أدرى! ولكني أعلم يقيًنا أنه مطلوب‪ ...‬وأن القاعدة‬
‫التي يقع عليها عبء مواجهة الجاهلية بكل كيدها ينبغي أن تحقق في سلوكها‬
‫العملي هذا الخلق من أخالقيات ال إله إال اهلل لتصبح جديرة برعاية اهلل‪ ...‬ولكي‬
‫تستطيع أن تمضي في الطريق متآخية متساندة مترابطة وهي تتعرض لألهوال)(‪.)1‬‬
‫والداعية إلى اهلل تعالى أحوج الناس إلى أن يكون محبوًبا مألوًفا حتى تنفذ‬
‫دعوته إلى القلوب ويدوم أخذ أصحابه عنه‪ ،‬ومن ثم كان من الضرورة بمكان أن‬
‫يتقي ما يعكر صفو العالقة بينه وبين من التفوا حوله حتى تبقى األخوة بينه وبينهم‬
‫عميقة قوية‪ ،‬مما يعين على تعاونهم معه وانتفاعهم به وقبولهم منه‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فحاجة كل منا وحاجة اإلنسان عامة إلى الصاحب والحبيب‬
‫من الحاجات األساسية والمطالب النفسية التي ال تنكر حتى يتمكن من قطع مسيرته‬
‫في هذه الحياة‪ ،‬فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه(‪ ،)2‬فإن إخوان الصدق زينة في‬
‫الرخاء وعصمة في البالء(‪ ،)3‬فإن رؤيتهم تفرح القلب وتريح النفس وتزيل الغم‪.‬‬

‫(?) واقعنا المعاصر ‪.491 ،490‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ورد هذا المعنى عن سهل بن س‪LL‬عد مرفوًع ا بلف‪L‬ظ‪" :‬الم‪L‬رء كث‪L‬ير بأخي‪L‬ه"‪ ،‬ع‪L‬زاه الس‪L‬يوطي‬ ‫‪2‬‬

‫في الج‪LL L‬امع البن أبي ال‪LL L‬دنيا في "اإلخ‪LL L‬وان"‪ ،‬وذك‪LL L‬ره الش‪LL L‬يخ األلب‪LL L‬اني في الض‪LL L‬عيفة وع‪LL L‬زاه‬
‫للقضاعي عن أنس بن مالك مرفوًعا (‪ ،)2/8/1‬وألبي بكر الشيروي في "العوالي الصحاح"‬
‫(‪ )2/211‬وضعفه‪ ،‬ضعيف الجامع الص‪LL‬غير رقم (‪ ،)5934‬سلس‪LL‬لة األح‪LL‬اديث الض‪LL‬عيفة رقم‬
‫(‪.)1895‬‬
‫(?) أورده في روضة العقالء من كالم عمر رضي اهلل عنه ص‪.90 ،89‬‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)14‬‬
‫وصدق عمر رضي اهلل عنه إذ يقول‪ :‬لقاء اإلخوان جالء األحزان(‪.)1‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬روح العاقل في لقاء اإلخوان(‪.)2‬‬
‫وسئل سفيان رحمه اهلل‪ :‬ما ماء العيش؟ قال‪ :‬لقاء اإلخوان‪.‬‬
‫وقيل لمحمد بن المنكدر‪ :‬ما بقي من لذتك؟ قال‪ :‬التقاء اإلخوان وإدخال‬
‫السرور عليهم(‪.)3‬‬
‫وقيل لبعض الحكماء‪ :‬ما العيش؟ قال‪ :‬إقبال الزمان‪ ،‬وعز السلطان‪ ،‬وكثرة‬
‫اإلخوان(‪.)4‬‬
‫وقيل‪ :‬حلية المرء كثرة إخوانه(‪.)5‬‬
‫ورحم اهلل الحسن إذ يقول‪ :‬إخواننا أحب إلينا من أهلينا‪ ،‬إخواننا يذكروننا‬
‫باآلخرة‪ ،‬وأهلونا يذكروننا بالدنيا(‪.)6‬‬
‫وأي طعم للحياة بدون األحبة؟! وما أرق قول علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه‬
‫البنه الحسن‪ :‬يا بني‪ ،‬الغريب من ليس له حبيب(‪.)7‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫وأْش َر قني على حنِق َبريِقي‬ ‫وكنُت إذا الصديُق َنَبا بأمري‬
‫غفرُت ُذ نوَبه وكظمُت غيِظ ي‬
‫(?) السابق ص‪.162‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪.135‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) البداية والنهاية (‪ ،)7/297‬وحلية األولياء (‪.)3/149‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.171‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) السابق ص‪.171‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) اإلحياء (‪.)2/191‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.162‬‬ ‫‪7‬‬


‫(‪)15‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫(‪)1‬‬
‫مخافَة أن أِع يَش بال صديق‬

‫وقال بعض األدباء‪ :‬أفضل الذخائر أخ وفٌّي (‪.)2‬‬


‫وقال بعض البلغاء‪ :‬صديق مساعد عضد وساعد(‪.)3‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫وهَّم ي من الدنيا صديٌق مساِع ُد‬ ‫هموم رجاٍل في أموٍر كثيرٍة‬
‫فجسماهما جسمان‪ ،‬والروح‬ ‫نكوُن كروٍح بين جسمين‬
‫(‪)4‬‬
‫واحد‬ ‫ُقَّس َم ت‬

‫قال الكندي‪ :‬الصديق إنسان هو أنت إال أنه غيرك(‪.)5‬‬


‫وقد قالت الحكماء‪ :‬رب صديق أود من شقيق(‪.)6‬‬
‫وقال ابن المعتز‪ :‬القريب بعداوته بعيد‪ ،‬والبعيد بمودته قريب(‪.)7‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.125‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.162‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) السابق ص‪.162‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) السابق ص‪ ،162‬العقد الفريد (‪.)2/80‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) السابق ص‪ ،164‬قال الماوردي‪ :‬ومثل هذا‪ :‬القول المروي عن أبي بكر الصديق رضي‬ ‫‪5‬‬

‫اهلل عنه حين أقطع طلحة بين عبيد اهلل أرًض ا‪ ،‬وكتب له بها كتاًبا‪ ،‬وأشهد فيه ناًس ا منهم عمر‬
‫بن الخط‪L‬اب رض‪LL‬ي اهلل عن‪L‬ه ف‪LL‬أتى طلح‪L‬ة بكتاب‪LL‬ه إلى عم‪LL‬ر ليختم‪LL‬ه‪ ،‬ف‪LL‬امتنع علي‪L‬ه‪ ،‬فرج‪LL‬ع طلح‪L‬ة‬
‫ُمغض ‪ًL‬با إلى أبي بكر رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه وق‪LL‬ال‪ :‬واهلل م‪LL‬ا أدري أنت الخليف‪LL‬ة أم عم‪LL‬ر؟ فق‪LL‬ال‪ :‬ب‪LL‬ل‬
‫عمر‪ ،‬لكنه أنا‪.‬‬
‫(?) السابق ص‪.166‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) السابق ص‪.166‬‬ ‫‪7‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)16‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫َو ّفى لك عنَد العْهِد من ال‬ ‫َيُخ ونك ذو القْر َبى ِم راًرا‬
‫(‪)1‬‬ ‫وربما‬
‫ُتناِس ُبه‬

‫ولذا قال خالد بن صفوان‪ :‬إن أعجز الناس من قصر في طلب اإلخوان‪ ،‬وأعجز‬
‫منه من ضيع من ظفر به منهم(‪.)2‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬من لم يرغب في اإلخوان ُبِلَي بالعداوة والخذالن‪،‬‬
‫ولعمري إن إخوان الصدق من أنفس الذخائر وأفضل العدد(‪.)3‬‬
‫فبإخوان الصدق تحلو الحياة؛ بسماع حديثهم ورؤية وجوههم واللصوق بهم‪،‬‬
‫وبهم تذلل الصعاب وتخف المشاق وتهون الشدائد‪ .‬وصدق ابن المعتز إذ يقول‪:‬‬
‫من اتخذ إخواًنا كانوا له أعواًنا(‪.)4‬‬
‫وما أصدق هذا الكالم إذا تأملناه في أيامنا هذه‪ ،‬من الذي يعينني على االلتزام‬
‫بالدين؟ من الذي يعينني على فعل الطاعة وترك المعصية؟ من الذي يعينني على‬
‫الدعوة والثبات؟ من الذي أستريح بعرض مشاكلي عليه وأطمئن بوقوفه إلى جانبي؟‬
‫ومن الذي يخفف علّي النكبات ويدخل علّي السرور‪ ،‬ويؤثر فَّي بالقدوة والكلمة؟!‬
‫قال سفيان رحمه اهلل‪ :‬لربما لقيت األخ من إخواني فأقيم شهًر ا عاقًال بلقائه(‪.)5‬‬

‫(?) السابق ص‪.166‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عي‪LL‬ون األخب‪LL‬ار البن قتيب‪LL‬ة (‪ )3/3‬ولم ينس‪LL‬به ألح‪LL‬د‪ ،‬ونس‪LL‬به في أدب ال‪LL‬دنيا وال‪LL‬دين ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 162‬لخالد بن صفوان‪.‬‬
‫(?) السابق ص‪.165‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) السابق ص‪.162‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) روضة العقال ص‪.93‬‬ ‫‪5‬‬


‫(‪)17‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وقال أحدهم(‪:)1‬‬
‫واْع لْم بأن أَخ ا الحَفاِظ أُخ وكا‬ ‫صاِف الكراَم إذا أردَت‬
‫وكأنما آباؤُهم ولُد وكا‬ ‫إخاَء ُهم‬
‫َك م ِإْخ وة لك لم َيِلْد َك أبوهم‬

‫فحذار أن يعجب المرء بنفسه ويفضل أن يعيش فرًدا مستقًال بعيًد ا عن إخوانه‪،‬‬
‫((فإنما يأكل الذهب من الغنم القاصية))(‪(( ،)2‬فإن الشيطان مع الواحد وهو من‬
‫االثنين أبعد))(‪ )3‬كما قال ‪.‬‬
‫ولذا فمن أساليب الشيطان إلضاللك أن يبغض إليك إخوانك‪ ،‬ويقول لك‪ :‬هذا‬
‫فعل كذا‪ ،‬وهذا يضايقك في كذا‪ .‬وال يزال بك حتى تصير فرًدا ضعيًف ا كسوًال‪ ،‬ثم‬
‫ال تلبث أن تتسلط عليك الدنيا ويتسلط عليك الشيطان باألفكار التافهة‬
‫واالنشغاالت الدنيوية الحقيرة‪ ،‬والتفكير في الدنيا وشهواتها‪ ،‬ويمأل قلبك وحشة‬

‫(?) العباس بن عبد يعيش كما في روضة العقالء ص‪ 87‬ضمن أبيات له‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ج‪LL‬زء من ح‪LL‬ديث رواه اإلم‪LL‬ام أحم‪LL‬د في مس‪LL‬نده (‪ ،)6/446( ،)5/196‬وأب‪LL‬و داود في‬ ‫‪2‬‬

‫الصالة رقم (‪ ،)547‬والنسائي في اإلمامة (‪ ،)107 ،2/106‬وعزاه المنذري في ال‪L‬ترغيب‬


‫والترهيب (‪ )1/273‬البن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم كلهم من حديث أبي‬
‫الدرداء وحسنه األلباني‪ ،‬صحيح سنن أبي داود رقم (‪.)511‬‬
‫وروى اإلمام أحمد في مسنده (‪ ،)243 ،5/233‬من حديث معاذ بن جبل قال‪ :‬إن نبي اهلل‬
‫‪ ‬ق ‪LL‬ال‪(( :‬إن الش ‪LL‬يطان ذئب اإلنس ‪LL‬ان ك ‪LL‬ذئب الغنم يأخ ‪LL‬ذ الش ‪LL‬اة القاصية والناحي ‪LL‬ة فإياكم‬
‫والش‪LL L L‬عاب وعليكم بالجماع‪LL L L‬ة والعام‪LL L L‬ة والمس‪LL L L‬جد)) ق‪LL L L‬ال الهيثمي في مجم‪LL L L‬ع الزوائ‪LL L L‬د (‬
‫‪" :)5/219‬رواه أحم‪LL‬د والط‪LL‬براني‪ ،‬ورج‪LL‬ال أحم‪LL‬د ثق‪LL‬ات إال أن العالء بن زياد ق‪LL‬ال‪ :‬إن‪LL‬ه لم‬
‫يسمع من معاذ"اهـ‪ ،‬وضعفه األلباني‪ ،‬ضعيف الجامع الصغير رقم (‪.)1477‬‬
‫(?) جزء من حديث رواه الترمذي في الفتن رقم (‪ ،)2165‬وصححه األلباني‪ ،‬صحيح سنن‬ ‫‪3‬‬

‫الترمذي رقم (‪ ،)1758‬صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)2546‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)18‬‬
‫من إخوانك ومن الدعوة ومن مجالس العلم حتى تصبح لقمة سائغة له وفريسة ال‬
‫حراك لها بين يديه‪ ،‬وهذا هو الخسران المبين‪.‬‬
‫َّلِذ‬ ‫ِف‬
‫وقد أقسم اهلل جل وعال فقال‪َ :‬و اْلَعْص ِر ‪ِ .‬إَّن اِإل ْنَس اَن َل ي ُخ ْس ٍر ‪ِ .‬إال ا يَن‬
‫َآَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َو َتَو اَصْو ا ِباْلَح ِّق َو َتَو اَصْو ا ِبالَّصْبِر ‪ ‬فأي تواٍص يمكن أن‬
‫يحدث إذا كان اإلنسان ال يريد االختالط بغيره ويبتعد عن مواطن التناصح‬
‫والتواصي؟!‬
‫وإن المؤمن الصادق ال يطيق مثل هذه الحياة‪ ،‬فإنما يصبر على الحياة ويحبها‬
‫من أجل ما يجده من إخوانه من التوجيه النافع والكالم الطيب والصحبة الهنيئة‪،‬‬
‫وصدق عمر رضي اهلل عنه إذ يقول‪ :‬لوال ثالث ألحببت أن أكون قد لقيت اهلل‪:‬‬
‫لوال أن أضع جبهتي هلل‪ ،‬أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكالم كما ينقى‬
‫جيد التمر‪ ،‬أو أن أسير في سبيل اهلل عز وجل(‪.)1‬‬
‫وكم تصبح الحياة قاسية حين ينضب معين األخوة‪ ،‬وكم يصيبها السوء‬
‫واالنحدار‪ ،‬فإن حياة الناس ال تسوء حتى تفقد األخالقيات العالية والمشاعر‬
‫الصادقة والمثاليات الرفيعة‪ ،‬كما أن األمة ال تنحدر مرة واحدة وإنما يأتي االنحدار‬
‫دائًم ا تدريجًيا‪ ،‬فأول السيل قطرة‪ ،‬والبالء يكون يسيًر ا في بدايته ثم يستفحل‪.‬‬
‫ومن المشاَه ِد أن من األمور التي تنذر بشر ضياع األلفة بين الناس وكأنه كلما‬
‫مَّر الزمان وازدادت المدنية ازداد تقطيع األواصر(‪ )2‬وشتان بين حالنا‪ ...‬وحال‬

‫(?) حلية األولياء (‪.)1/51‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وق‪L‬د روى البخ‪L‬اري في األدب المف‪L‬رد رقم (‪ )263‬عن عم‪L‬ير بن إس‪L‬حاق رحم‪L‬ه اهلل أن‪L‬ه‬ ‫‪2‬‬

‫قال‪ :‬كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس األلفة‪ ،‬إال أن أول ما يرفع بين الناس األلف‪L‬ة‪ ،‬إال‬
‫أن األلب‪L‬اني حفظ‪L‬ه اهلل ق‪L‬ال‪" :‬ض‪L‬عيف اإلس‪LL‬ناد عم‪L‬ير وث‪L‬ق وفي‪L‬ه القاس‪L‬م بن مال‪L‬ك في‪L‬ه لين" اهـ‪،‬‬
‫ضعيف األدب المفرد رقم (‪.)43‬‬
‫(‪)19‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫سلفنا وما كانوا عليه من التآلف والتآخي‪.‬‬
‫وشتان بين مجتمع تسوده األلفة والمودة واإلخاء والمحبة‪ ،‬يشعر الفرد فيه‬
‫بقربه من اآلخرين وقربهم منه دون انقباض وال تكلف‪ ،‬ومجتمع يعيش كل فرد فيه‬
‫وحده يستثقل أن يجتمع بأحد أو يجتمع إليه أحد‪ ،‬ينقبض من اآلخرين‪ ،‬وينعزل كل‬
‫فرد عن اآلخر‪ ،‬وتخلو الحياة من المشاعر الرقيقة واألشواق الرفيعة‪ ،‬فإذا هذه‬
‫األمة التي ينبغي أن تكون جسًد ا واحًد ا(‪ )3‬قد صارت أجساًدا كثيرة ال حصر لها‪،‬‬
‫تحيا حياة مملة جافة قاسية ال روح فيها وال معنى‪.‬‬
‫واأللفة ال ترفع من الناس‪ ،‬مرة واحدة‪ ،‬ولكن هناك مقدمات تحدث تكون سبًبا‬
‫لزوال األلفة‪ ،‬وكم من صاحب لم يراع بعض األمور مع صاحبه فأصبح ثقيًال عليه‬
‫وزالت من بينها األلفة؛ لذا كان من المهم أن نعرف كيف نحافظ على األلفة‪،‬‬
‫وننميها بيننا‪ ،‬وأن نعلم كل ما يفسدها لنتقيه ونحذر منه‪.‬‬
‫وينبغي أن ال نستهني مبا ترتكه أقوالنا وتصرفاتنا ومواقفنا من أثر على نفوس‬
‫أصحابنا‪ ،‬فقد يكون أثر الصاحب على صاحبه دافًعا له حلب مجيع أصحابه والتعلق هبم‬
‫حىت لريى أهنم سبب سعادته وال يطيق فراقهم‪.‬‬
‫فإذا فقدتهم انَقَض ى عمري‬ ‫فليتني أحَيا بقربهم‬
‫ويكون بين قبورهم َقْبِري‬ ‫فتكون داِري بين دورهم‬

‫وقد يكون أثر الصاحب على صاحبه دافًعا له لكره مصاحبة اخللق وإيثار العزلة‬
‫واالنفراد عنهم‪.‬‬
‫ومن الَّتفرد في زمانك فاْز َد ِد‬ ‫ال تجزعَّن لوْح َدٍة وَتَفُّر د‬
‫(?) ق ‪LL‬ال ‪(( :‬مث ‪LL‬ل المؤم ‪LL‬نين في ت ‪LL‬وادهم وت ‪LL‬راحمهم وتع ‪LL‬اطفهم كمث ‪LL‬ل الجس ‪LL‬د الواح ‪LL‬د إذا‬ ‫‪3‬‬

‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))‪ .‬رواه البخ‪LL‬اري في األدب رقم (‬
‫‪ ،)6011‬ومسلم في البر والصلة رقم (‪ ،)2586‬والبغوي في شرح السنة (‪.)13/46‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)20‬‬
‫إال الَّتمُّلق باللسان وبالَيِد‬ ‫ذهب اإلخاُء فليس َثَّم أخوٌة‬
‫أْبصرت َثَّم نِقيع سم األسَو ِد‬ ‫فإذا كشفت ضميرهم‬
‫بصدورهْم‬

‫فتأمل عظم األثر النفسي للصاحب على صاحبه‪ ،‬وكيف يتراوح من أن يكون‬
‫الصاحب لصاحبه غذاءه الذي تقوم به حياته والبد له منه في كل وقت‪ ،‬ودواءه‬
‫الذي يحتاجه في الحين بعد الحين وليس في كل وقت‪ ،‬إلى أن يكون ُس َّم ه وداءه‬
‫الذي يقضي عليه ويحطمه(‪( ،)1‬فالصداقة قد تولد الحب وقد تولد عدمه‪ ،‬وقد تولد‬
‫اإليثار وقد تولد األثرة‪ ،‬وقد تولد الوفاء وقد تولد البغضاء)(‪.)2‬‬
‫وما ذاك إال ألن النفس تتأثر جًد ا بتصرفات األصحاب‪ ،‬وكم نرى من شخص‬
‫نظنه مريًض ا أو نزلت به كارثة عظيمة وما به إال أثر صاحبه عليه‪ ،‬فقد يكون ذلك‬
‫أثًر ا لما وقع عليه من تصرف غير حميد‪ ،‬أو صدمة في صديق‪ ،‬أو فراق حبيب‪،‬‬

‫(?) قال الم‪L‬اوردي في أدب ال‪L‬دنيا وال‪L‬دين ص‪( :171 ،170‬ق‪L‬ال الم‪L‬أمون‪ :‬اإلخ‪LL‬وان ثالث‬ ‫‪1‬‬

‫طبقات‪ :‬طبقة كالغذاء؛ ال يستغنى عن‪L‬ه‪ ،‬وطبق‪L‬ة كال‪LL‬دواء؛ يحت‪L‬اج إلي‪L‬ه أحياًن ا‪ ،‬وطبق‪L‬ة كال‪LL‬داء؛‬
‫ال يحتاج إليه أبًد ا‪.‬اهـ‪ .‬ولعمري إن الناس على ما وصفهم‪ ،‬ولكن ليس من ك‪LL‬ان منهم كال‪LL‬داء‬
‫من اإلخ ‪LL‬وان المع ‪LL‬دودين‪ ،‬ب ‪LL‬ل هم من األع ‪LL‬داء المخ ‪LL‬دورين‪ ،‬وإنم ‪LL‬ا يداجون ـ من داج ‪LL‬اه إذا‬
‫س ‪LL‬اتره ـ الم ‪LL‬ودة استكش ‪LL‬اًفا لش ‪LL‬رهم‪ ،‬وتح ‪LL‬رًز ا من مكاش ‪LL‬فتهم‪ ،‬ف ‪LL‬دخلوا في ع ‪LL‬داد اإلخ ‪LL‬وان‬
‫بالمظاهرة والمساترة‪ ،‬وفي األعداء عند المكاشفة والمجاهرة‪...‬‬
‫ف‪LL‬إذا خ‪LL‬رج من ك‪LL‬ان كال‪LL‬داء من ع‪LL‬داد اإلخ‪LL‬وان‪ ،‬ف‪LL‬اإلخوان هم الص‪LL‬نفان اآلخ‪LL‬ران‪ ،‬من ك‪LL‬ان‬
‫منهم كالغ ‪LL‬ذاء أو كال ‪LL‬دواء؛ ألن الغ ‪LL‬ذاء ق ‪LL‬وام للنفس وحياتها‪ ،‬وال ‪LL‬دواء عالجها وصالحها‪،‬‬
‫وأفض‪LL‬لهما من ك‪LL‬ان كالغ‪LL‬ذاء؛ ألن الحاج‪LL‬ة إلي‪LL‬ه أعم‪ .‬وإذا تم‪LL‬يز اإلخ‪LL‬وان وجب أن ينزل ك‪LL‬ل‬
‫منهم حيث نزلت به أحواله إلي‪L‬ه‪ ،‬واس‪LL‬تقرت خص‪L‬اله وخالل‪L‬ه علي‪L‬ه‪ ،‬فمن ق‪L‬ويت أس‪LL‬بابه ق‪L‬ويت‬
‫الثقة به‪ ،‬وبحسب الثقة به يكون الركون إليه‪ ،‬والتعويل عليه)‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الصداقة والصديق ص‪.86‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)21‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فيؤثر ذلك على مزاجه وعلى كالمه وعلى نظراته وعلى طعامه وشرابه وعلى نومه‪،‬‬
‫وعلى عمله وأدائه‪.‬‬
‫إن جمرد إحساس األخ بشيء يسري من االبتعاد أو اإلعراض من صاحبه حيرق قلبه‬
‫وُيَض ِّيق عليه الدنيا‪ ،‬فكيف مبا هو أعظم من ذلك؟!‬
‫ضاَقْت علّي برحِب األرِض‬ ‫إذا رأيَت اْز وَر اًرا من أخي‬
‫أوَطاني‬ ‫ثَقة‬
‫فالعين غضبى وقلبي غير‬ ‫فإذا صددُت بوجهي كي‬
‫غضباِن‬ ‫أكاِفَئه‬

‫يعني أنك قد تمرض نفًس ا رقيقة أو تدمرها تدميًر ا وتحطمها تحطيًم ا وأنت ال‬
‫تشعر‪ ...‬وعدم شعورك به ضربة وصدمة أخرى فتكون قد أمته موتتين‪.‬‬
‫لكل ما سبق كان لزاًما علينا أن ال نتهاون بمفسدات األخوة‪ ،‬وأن نتعرف عليها‬
‫جيًد ا لنصون أخّو تنا عنها لعل اهلل جل وعال أن يديم ألفتنا ويجعلها عوًنا لنا على‬
‫قطع رحلتنا في هذه الحياة‪ ،‬والقيام برسالتنا‪ ،‬واهلل المستعان وعليه التكالن‬

‫أبو عاصم‬
‫دمنهور‬
‫في مساء السبت ‪ 6‬صفر ‪1417‬هـ‬
‫‪ 22‬يونيه ‪1996‬م‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)22‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ُم ْفِس َد اُت األخّو ِة‬

‫وقبل الشروع في هذه المفسدات على وجه التفصيل فالبد من اإلشارة إلى أن‬
‫المقصود من ذكر هذه المفسدات اتقاؤها وصون أخوتنا عنها ومعرفة كيف يحافظ‬
‫األخ على أخيه وكيف تدوم له مودته‪ ،‬وإن األمور التي يحافظ بها األخ على أخيه‬
‫وتدوم له بها مودته خضم عظيم‪ ،‬وبحر ال ساحل له‪ ،‬والحديث فيه ال تبدو له‬
‫نهاية‪...‬‬
‫والحديث عما تدوم به األخوة فيه إجمال وتفصيل‪:‬‬
‫فإجماًال‪ :‬كرم العشرة سبب دوام األخوة‪.‬‬
‫وكرم العشرة عبارة جامعة لكل ما ينمي العالقة بينك وبين أخيك‪ ،‬وإن شئت‬
‫فقل‪ :‬هي حسن الخلق الذي أرشد إليه رسولنا ‪ ‬في وصيته الجامعة‪(( :‬اتق اهلل‬
‫حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن))(‪ ،)2‬وقد‬

‫(?) ق‪LL‬د يرى البعض ش‪LL‬يًئا من التن‪LL‬اقض في بعض المفس‪LL‬دات الم‪LL‬ذكورة‪ ،‬وليس ك‪LL‬ذلك ف‪LL‬إن‬ ‫‪1‬‬

‫الفض ‪LL‬يلة وس ‪LL‬ط بين ط ‪LL‬رفين كم ‪LL‬ا أن كًال من اإلف ‪LL‬راط والتفريط م ‪LL‬ذموم‪ ،‬واإلف ‪LL‬راط في هذا‬
‫الج‪LL‬انب أو م‪LL‬ا يقابل‪LL‬ه م‪LL‬ذموم‪ ،‬ولتوض‪LL‬يح ذل‪LL‬ك بمث‪LL‬ال؛ فمن مفس‪LL‬دات األخ‪LL‬وة ب‪LL‬رود العاطف‪LL‬ة‬
‫والتفريط في إظهار المحب‪LL‬ة‪ ،‬ومن المفس‪LL‬دات أيًض ا اإلف‪LL‬راط في المحب‪LL‬ة‪ ،‬وليس هذا تناقًض ا‬
‫وإنم‪LL‬ا الم‪LL‬راد أن ال يص‪LL‬ل الح‪LL‬ذر من اإلف‪LL‬راط في المحب‪LL‬ة إلى ب‪LL‬رود العاطف‪LL‬ة أو التفريط في‬
‫إظهار المحب‪LL‬ة‪ ،‬كم‪LL‬ا ال ينبغي أن ت‪LL‬ؤدي العاطف‪LL‬ة الحي‪LL‬ة الجياش‪LL‬ة وإظهار المحب‪LL‬ة إلى اإلف‪LL‬راط‬
‫وما يؤدي إليه من عواقب س‪LL‬يئة تع‪L‬ود على األخ‪LL‬وة بالفس‪L‬اد ـ كم‪L‬ا س‪LL‬يأتي في موض‪L‬عه ـ وعلى‬
‫هذا فقس أمثال ‪LL‬ه (كت ‪LL‬دخلك فيم ‪LL‬ا ال يعني ‪LL‬ك من ش ‪LL‬ئونه م ‪LL‬ع ع ‪LL‬دم االك ‪LL‬تراث بمش ‪LL‬اكله ‪...‬‬
‫وهكذا‪.)...‬‬
‫(?) رواه الترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)1987‬وأحم‪LL‬د في مس‪LL‬نده (‪،)158 ،5/153‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)23‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫تعددت عبارات السابقين الضابطة لكرم المعاشرة‪ ...‬وما يجب للصديق على‬
‫الصديق‪.‬‬
‫قال أبو العتاهية‪ :‬قيل لعلي بن الهيثم‪ :‬ما يجب للصديق؟ قال‪ :‬كتمان حديث‬
‫الخلوة‪ ،‬والمواساة في الشدة‪ ،‬وإقالة العثرة‪.‬‬
‫وقيل ألعرابي‪ :‬من أكرم الناس عشرة؟ قال‪ :‬من إن َقُر ب منح‪ ،‬وإن َبُعَد مدح‪،‬‬
‫وإن ُظِلَم صفح‪ ،‬وإن ضويق سمح‪ ،‬فمن ظفر به فقد أفلح ونجح‪.‬‬
‫وقال رجل من قريش‪ :‬خالطوا الناس مخالطًة إن غبتم حُّنوا إليكم‪ ،‬وإن متم‬
‫بكوا عليكم(‪.)1‬‬
‫وهي كلمة عظيمة تفتح مجاًال واسًعا رحًبا للتنافس واالجتهاد فيما يحقق كرم‬
‫العشرة‪.‬‬
‫وأما تفصيًال فهناك نقاط كثيرة تفوق الحصر تندرج تحت كرم العشرة‪ ،‬وما‬
‫الحديث اآلتي عن مفسدات األخوة ـ التي ينبغي صون أخوتنا عنها ـ إال محاولة في‬
‫سبيل الوصول إلى تحقيق كرم العشرة فيما بيننا‪ ...‬فلنتناول هذه المفسدات على‬
‫وجه التفصيل‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫والدارمي في الرقاق رقم (‪ )2791‬من حديث أبي ذر رضي اهلل عنه‪.‬‬


‫ورواه الترمذي في الموضع الس‪L‬ابق‪ ،‬وأحم‪L‬د في مس‪L‬نده (‪ )236 ،5/228‬من ح‪L‬ديث مع‪L‬اذ‬
‫بن جب‪L‬ل رض‪L‬ي اهلل عن‪L‬ه‪ ،‬وحس‪L‬نه األلب‪L‬اني في صحيح الج‪L‬امع الص‪L‬غير رقم (‪ ،)97‬وق‪L‬د تكلم‬
‫الحاف‪LL L‬ظ ابن رجب الحنبلي رحم‪LL L‬ه اهلل على هذا الح‪LL L‬ديث كالًم ا نفيًس ا في ج‪LL L‬امع العل‪LL L‬وم‬
‫والحكم "الحديث الثامن عشر"‪.‬‬
‫(?) المختار من الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪.93‬‬ ‫‪1‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)24‬‬

‫المفسدة األولى‬
‫الَطمُع في الّد نَيا أْو فيما عند الناس‬

‫وربما يتساءل البعض‪ :‬وهل من عالقة بين المحبة بين اثنين وطمع أحدهما أو‬
‫كليهما في الدنيا؟‬
‫والجواب ـ بال تردد ـ نعم‪ ،‬إذا وجد الطمع في الدنيا والنظر إلى ما بأيدي الناس‬
‫كان أكبر طارد لمحبة الناس‪ ،‬كما قال رسول اهلل ‪(( :‬ازهد في الدنيا يحبك اهلل‪،‬‬
‫وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))(‪.)1‬‬
‫وقال تعالى‪َ :‬و ال َتُم َّد َن َعْيَنْيَك ِإَلى َما َم َّتْعَنا ِبِه َأْز َو اجًا ِم ْنُه ْم َزْه َر َة اْلَحَياِة الُّد ْنَيا‬
‫ِلَنْف ِتَنُه ْم ِفيِه َو ِر ْز ُق َر ِّبَك َخ ْيٌر َو َأْبَق ى‪[ ‬طـه‪.]131:‬‬
‫فكم من أخوين كانا متحابين متصافيين يصعب على كل منهما فراق اآلخر‬
‫تغيرت نفوسهما بعدما تعرضا للدنيا وتنافسا في النيل منها‪...‬‬
‫وكم من أخ حبيب‪ ،‬مطمئن الفؤاد‪ ،‬راٍض بما قسم اهلل له‪ ،‬صافي القلب لجميع‬
‫إخوانه‪ ،‬اضطرب قلبه بعدما صار ينظر في دنياه إلى من هو أكثر منه ويمد عينيه إلى‬
‫ما ُمِّتَع به غيره‪ ،‬وينظر في دينه إلى من هو أقل منه‪ ...‬فتغير قلبه ولم يعد صفاؤه‬
‫إلخوانه كما كان عليه من قبل‪ ،‬ولم يعد اهتمامه ونظره في الدين وإلى من هو أكثر‬
‫منه ديًنا كما كان عليه من قبل‪.‬‬

‫(?) رواه ابن ماج‪LL‬ه في الزهد رقم (‪ ،)4102‬والح‪LL‬اكم في مس‪LL‬تدركه (‪ ،)4/313‬وأب‪LL‬و نعيم‬ ‫‪1‬‬

‫في الحلية (‪ ،)7/136( ،)3/253‬وحسنه الحافظ ابن حجر رحم‪LL‬ه اهلل في بل‪LL‬وغ الم‪LL‬رام رقم‬
‫(‪ ،)1501‬وحس ‪LL‬نه األلب ‪LL‬اني في صحيح الج ‪LL‬امع الص ‪LL‬غير رقم (‪ )922‬وتكلم على طرق ‪LL‬ه في‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬حديث رقم (‪.)944‬‬
‫(‪)25‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ومع ازدياد التعلق بالدنيا يندثر اإليثار وينسى قوله ‪(( :‬ال يؤمن أحدكم حتى‬
‫يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(‪ )2‬وتحل األنانية البغيضة التي ال تعدو منطق‪( :‬نفسي‬
‫نفسي)‪.‬‬
‫(يقول سبحانه وتعالى‪ِ :‬إَّنَم ا اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة‪[ ‬الحجرات‪ ]10 :‬واألخوة من‬
‫أجمل المعاني التي يمكن أن يتحدث عنها اإلنسان شفيفة لطيفة كالنور! ندية محببة‬
‫إلى القلوب‪ ...‬ولكن ما "اإلخوة" التي وردت اإلشارة إليها في كتاب اهلل؟‬
‫يستطيع اثنان من البشر وهما يسيران في الطريق الواسع ـ في األمن والسالمة ـ‬
‫أن يتآخيا! أن يسيرا مًعا وقد لف كل منهما ذراعه حول أخيه من الحب‪.‬‬
‫ولكن انظر إليهما وقد ضاق الطريق فال يتسع إال لواحد منهما يسير وراء‬
‫اآلخر‪ ،‬فمن أقدم؟ أقدم نفسي أم أقدم أخي وأتبعه؟‬
‫ثم انظر إلى الطريق قد ضاق أكثر‪ ...‬فلم يعد يتسع إال لواحد فقط دون‬
‫اآلخر! إنها فرصة واحدة‪ ...‬إما لي وإما ألخي‪ ...‬فمن أقدم؟ أقول‪ :‬هذه فرصتي‪،‬‬
‫وليبحث هو لنفسه عن فرصة؟ أم أقول ألخي‪ :‬خذ هذه الفرصة أنت‪ ،‬وأنا أبحث‬
‫لنفسي؟! هذا هو المحك‪.‬‬
‫إن األخوة في األمن والسالمة ال تكلف شيًئا وال تتعارض مع رغائب النفس‪...‬‬
‫بل هي ذاتها رغبة من تلك الرغائب يسعى اإلنسان لتحقيقها مقابل الراحة النفسية‬
‫التي يجدها في تحققها‪...‬‬

‫(?) رواه البخاري في اإليمان رقم (‪ ،)7‬ومسلم في اإليمان رقم (‪ ،)45‬والترمذي في صفة‬ ‫‪2‬‬

‫القيام‪LL‬ة والرق‪LL‬ائق وال‪LL‬ورع رقم (‪ ،)2515‬والنس‪LL‬ائي في اإليم‪LL‬ان (‪ ،)8/115‬وابن ماج‪LL‬ه في‬


‫المقدم‪LL‬ة رقم (‪ ،)66‬والبغ‪LL‬وي في ش‪LL‬رح الس‪LL‬نة (‪ )13/60‬وعن‪LL‬ده وعن‪LL‬د النس‪LL‬ائي زيادة في‬
‫آخر الحديث وهي قوله‪" :‬من الخير"‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)26‬‬
‫أما في الشدة ـ أو في الطمع ـ فهنا ُتْخ َتَبُر األخوة االختبار الحق‪ ،‬الذي يتميز فيه‬
‫اإليثار والحب لآلخرين من األثرة وحب الذات‪ ،‬التي قد تخفى على صاحبها نفسه‬
‫في السالم واألمن فيظن نفسه أًخ ا ُمَح ِّق ًق ا لكل مستلَزَمات األخوة‪.‬‬
‫كم جلسة‪ ...‬كم درًس ا‪ ...‬كم موعظة‪ ...‬كم توجيًه ا‪ ...‬يحتاج إليها اإلنسان‬
‫الفرد وتحتاج إليها الجماعة‪ ،‬وتحتاج إليها القاعدة ليرسخ في حسهم جميًعا هذا‬
‫المعنى فال يعود حقيقة ذهنية يستوعبها الذهن ثم ينتهي بها المقام هناك‪ ...‬إنما‬
‫تتحول إلى وجدان قلبي يتعمق في القلب حتى يصدر عنه سلوك عملي كذلك‬
‫ِم ِل ِح‬ ‫ِأْل‬ ‫ِذ‬
‫الذي ورد ذكره في كتاب اهلل‪َ :‬و اَّل يَن َتَبَّو ُأوا الَّداَر َو ا يَم اَن ْن َقْب ِه ْم ُي ُّبوَن َمْن‬
‫ِس‬ ‫ِث‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِج‬
‫َه اَج َر ِإَلْيِه ْم َو ال َي ُد وَن ي ُصُد وِر ْم َح اَج ًة َّم ا ُأوُتوا َو ُيْؤ ُر وَن َعَلى َأْنُف ِه ْم َو َلْو‬
‫َك اَن ِبِه ْم َخ َص اَص ٌة َو َمْن ُيوَق ُش َّح َنْف ِس ِه َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن ‪[ ‬الحشر‪.)1()]9:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) انظر‪ :‬واقعنا المعاصر للشيخ محمد قطب ص‪.490 ،489‬‬ ‫‪1‬‬
‫(‪)27‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)28‬‬

‫المفسدة الثانية‬
‫الّتْفريط في الّطاَع اِت والوقوع في المخالفات الّش ْر عَّية‬

‫فبقدر ما ترى في أخيك من تقى وصالح بقدر ما تصفو له وتحبه‪ ...‬وبقدر ما‬
‫يمأل جو الصداقة أو الصحبة ويعطره من ذكر وعبادة وتذكر لآلخرة واهتمام بطاعة‬
‫اهلل والدعوة إليه‪ ،‬بقدر ما تقوى وتدوم هذه الصحبة ويزداد حب الصاحبين كل‬
‫منهما لآلخر‪...‬‬
‫أما إذا نضبت ساعات الصحبة من الذكر أو العبادة أو التناصح والتذكير‬
‫باآلخرة والتحميس للدعوة‪ ،‬فإن الجفاف يحل في هذه العالقة ويجد اللغو والجدل‬
‫فيها مرتًعا‪.‬‬
‫وكذا تحل قسوة القلب والملل‪ ،‬وينفتح باللغو أبواب للشرور واختالف‬
‫القلوب‪ ...‬ثم تأتي الذنوب لتكون الحاجز الذي يفصم عرى األخوة ويفرق بين‬
‫الصاحبين‪ ،‬ففي الحديث الصحيح‪(( :‬ما تواد اثنان في اهلل فيفرق بينهما إال بذنب‬
‫يحدثه أحدهما))(‪.)1‬‬

‫(?) رواه بهذا اللف ‪LL‬ظ البخ ‪LL‬اري في األدب المف ‪LL‬رد رقم (‪ )401‬من ح ‪LL‬ديث أنس رض ‪LL‬ي اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫عن ‪LL‬ه‪ ،‬وصححه األلب ‪LL‬اني في صحيح األدب المف ‪LL‬رد رقم ‪ ،)0310‬ورواه اإلم ‪LL‬ام أحم ‪LL‬د في‬
‫مسنده (‪ )2/68‬من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬كان يق‪LL‬ول‪(( :‬المس‪LL‬لم أخ‪LL‬و‬
‫المس‪LL‬لم ال يظلم‪LL‬ه وال يخذل‪LL‬ه))‪ ،‬ويق‪LL‬ول‪(( :‬وال‪LL‬ذي نفس محم‪LL‬د بي‪LL‬ده م‪LL‬ا ت‪LL‬واد اثن‪LL‬ان فيف‪LL‬رق‬
‫بينهما إال بذنب يحدثه أحدهما‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫ورواه أحم‪LL‬د أيًض ا في مس‪LL‬نده (‪ )5/71‬من ح‪LL‬ديث رج‪LL‬ل من ب‪LL‬ني س‪LL‬ليط ق‪LL‬ال‪ :‬أتيت الن‪LL‬بي ‪‬‬
‫وهو في أزفلة من الناس فسمعته يقول‪(( :‬المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يخذله‪ ،‬التق‪LL‬وى‬
‫هاهنا)) وقال بيده إلى صدره‪(( ،‬وما تواد رجالن في اهلل ع‪L‬ز وج‪LL‬ل فتف‪L‬رق بينهم‪L‬ا إال بح‪L‬دث‬
‫(‪)29‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫متعلقا بحق أخيك‪ ،‬بل الذنوب مطلًق ا‬
‫وهذا الذنب ليس بالضرورة أن يكون ً‬
‫واحدا إثر اآلخر‪ ...‬فربما كان‬
‫ً‬ ‫التي يرتكبها العبد تؤدي إلى افتقاده لأحبابه وإخوانه‬
‫تركا لواجب‪ ,‬أو خلالً في خلق أو سلوك‪ ,‬أو‬
‫متعلقا بمعاملة مالية‪ ,‬وربما ً‬
‫الذنب ً‬
‫عدم حفظ للسان عن خسيس الكلام وقبيحه‪ ,‬وعن الغيبة والخوض في أعراض‬
‫الناس وخصوصياتهم‪ ،‬وعن االستهزاء بهم ‪ ...‬إلى غير ذلك من المعاصي‬
‫والذنوب‪.‬‬
‫فتلك الذنوب من تفريط ومخالفات تؤدي إلى ضياع المحبة واألخوة؛ إما‬
‫بطريق غير مباشر كعقوبة من عقوبات المعاصي؛ حيث يحرمك اهلل محبة إخوانك‬
‫وإقبالهم‪ ،‬وإما بطريق مباشر وذلك أن يدرك أخوك أن جلوسك معه يورطه في‬
‫الذنوب أو السكوت على منكر أو يذكره بالدنيا وينسيه ذكر اهلل والدار اآلخرة‪،‬‬
‫ويقوده للتقصير في العبادة‪ ،‬ويبعده عن القيام بمهام دعوته‪ ،‬فحينئٍذ تقل محبته لك‬
‫ويشتاق إلى غيرك‪...‬‬
‫ضُلوا وعظمت مكانتهم ألنهم ُيَذِّكرون باآلخرة‪ ,‬كما‬
‫فإن الإخوان في اهلل إنما ُف ِّ‬
‫قال الحسن رحمه اهلل‪ :‬إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ إخواننا يذكروننا باآلخرة‪,‬‬
‫وأهلونا يذكروننا بالدنيا(‪.)1‬‬
‫ضل؟!‬‫فإذا صار أخوك إنما ُيَذ ِّك رك بالدنيا فماذا َبِق َيْت له من مزية ُيَق ِّدم بها ويُفَ ِّ‬
‫فإذا أردت أخا اإلسالم إخواًنا يحبونك ويقدرونك ويحترمونك فعليك بإصالح‬
‫ما بينك وبين اهلل والزم أدب الشرع وحدوده وَتَو َّق عن المعاصي والذنوب‪ ...‬قال‬

‫يحدث‪LL‬ه أح‪LL‬دهما‪ ،‬والمح‪LL‬دث ش‪LL‬ر والمح‪LL‬دث ش‪LL‬ر والمح‪LL‬دث ش‪LL‬ر)) وق‪LL‬ال الهيثمي في مجم‪LL‬ع‬
‫الزوائد (‪" :)10/275‬رواه أحمد وإسناده حسن" اهـ‪.‬‬
‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪1‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)30‬‬
‫عزا بال عشيرة‪ ,‬وغنى بال مال‪ ,‬وجاهًا بين اإلخوان‪ ,‬ومهابة عند‬
‫حكيم‪ :‬من أراد ً‬
‫السلطان فليخرج من ذل معصية اهلل إلى عز طاعته‪.‬‬
‫ومما يتعلق بالمخالفات الشرعية التي تذهب بالمحبة اإليمانية بل ربما حلت‬
‫محلها العداوة‪ :‬المحبة الشيطانية‪ ،‬وهي التي يتعلق فيها المحب بمحبوبه تعلقًا غير‬
‫طبيعي يجعله في شرود مستمر وقلق أو توتر دائم‪ ,‬حتى في صالته يذكره ويراه‪...‬‬
‫ويكره أن يعرف محبوبه أحًد ا غيره أو يجلس إليه‪ ،‬ويكره كل من يقيم عالقة مع‬
‫محبوبة‪ ،‬وربما خسر بعض إخوانه بسبب ذلك فغيرته عليه تشبه غيرة الرجل على‬
‫امرأته‪.‬‬
‫ومثل تلك المحبة ال تكون محبة إيمانية‪ ,‬بل محبة شيطانية أو شهوانية أشبه‬
‫بالعشق‪ ،‬وتقوم على مجرد االستلطاف أو حسن المنظر أو الهيئة أو نحو ذلك‪،‬‬
‫وعاقبتها إلى شر مستطير أو انقطاع وعداء؛ ألن ما ال يكون هلل ينقطع‪ ,‬وما كان هلل‬
‫دام واتصل‪ ,‬كما أن ليس كل من حسن منظره حسن مخبره‪.‬‬
‫فُرَّب رائعٍة قد َس اء َم ْخ َبُرها‬ ‫ال تركَنَّن إلى ذي منظٍر حَس ٍن‬
‫ُص ْفُر العقارِب أْر داها‬ ‫ما كُّل أصفر ديناٌر لُص ْفَر ِته‬
‫(‪)1‬‬
‫وأنكُرها‬

‫(وقد ضرب ذو الُّر ّم ة مثًال باملاء‪ ،‬فيمن حسن ظاهره‪ ،‬وخبث باطنه فقال‪:‬‬
‫وإن كان لوُن الماِء أبيَض‬ ‫ألم تر أن الماء يخبُث طعُم ه‬
‫صافًيا‬

‫ونظر بعض احلكماء إىل رجل حسن الوجه فقال‪ :‬أما البيت فحسن‪ ،‬وأما الساكن‬
‫فرديء‪ ،‬فأخذ جحظة هذا املعىن فقال‪:‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)31‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫(‪)1‬‬
‫منزٌل عاِم ٌر وعقٌل خراُب )‬ ‫رّب ما أبين الَّتَباُين فيه‬

‫أما المحبة الإيمانية فهي محبة تجلب الطمأنينة والسكينة‪ ،‬وتدفع إلى مزيد من‬
‫الطاعة والتقرب إلى اهلل‪ ,‬وتزداد بطاعة المحبوب إلى ربه وتقل بتفريط المحبوب‬
‫في حق ربه (وإنه على الرغم مما لألخوة من شأن‪ ،‬وما لها من حسنات‪ ،‬فإن‬
‫اإلسالم حرص على االعتدال في كل شيء‪ ...‬والتطرف وضع شاذ كائًنا ما كان‬
‫موضوعه ومنطوقه‪ ،‬وهو بالتالي سلوك غير طبيعي قد يؤدي إلى كثير من‬
‫المضاعفات واالنحرافات)(‪.)2‬‬
‫وعلى العبد أن يكون عمله هلل ويريد به وجهه‪ ،‬فلتراجع نفسك في ذلك‪ ،‬فلن‬
‫ينفعك أحد من أهل الدنيا ولن يغني حسن وجوههم عنهم وال عنك شيًئا‪ ،‬فكلهم‬
‫إلى فناء وستصير وجوههم عن قريب إلى منظر كريه بشع إذا صارت في القبور‬
‫مرتًعا للديدان ‪ُ‬ك ُّل َمْن َعَلْيَه ا َفاٍن ‪َ .‬و َيْبَق ى َو ْجُه َر ِّبَك ُذو اْلَج الِل َو الإِْك َر اِم ‪‬‬
‫[الرحمن‪ ،]27 ،26 :‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنه أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه‬
‫يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول‪ :‬أين أهلك؟ ثم يرجع إلى‬
‫نفسه فيقول‪ُ :‬ك ُّل َش ْي ٍء َه اِلٌك ِإال َو ْجَهُه‪[ ‬القصص‪.]88 :‬‬
‫(إن قلوب الدعاة ينبغي أن تبقى معابد ال يعبد فيها غير اهلل ‪ ....‬وليحذروا‬
‫الشرك فإن دبيبه خفي وأثره قوي‪ ...‬وليذكروا قول أحد الصالحين وقد بلغ من‬
‫عاما حتى ال يدخله غير اهلل")‬
‫العمر ستين سنة‪ ,‬قال‪" :‬وقفت على باب قلبي أربعين ً‬

‫(?) أدب ال ‪LL‬دنيا وال ‪LL‬دين ص‪ ،167‬وبهامش ‪LL‬ه‪ :‬جحظ‪LL‬ة‪ :‬لقب أحم ‪LL‬د بن موس ‪LL‬ى بن يح‪LL‬يى بن‬ ‫‪1‬‬

‫خالد بن بردك‪ ،‬كان شاعًر ا أديًبا جاحظ العينين‪.‬‬


‫(?) مشكالت الدعوة والداعية ص‪.210‬‬ ‫‪2‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)32‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫(فاألخوة اإلسالمية هي العالقة الطبيعية الفطرية التي ال تجنح جنوح العشق‪،‬‬
‫وال تبلغ مبلغ "الوله والتيم" بل ينبغي أن ال تصل إلى حد ذوبان األخ بأخيه؛ ألنها‬
‫إن وصلت إلى هذا فقدت ضوابط الصيانة والحدود الشرعية‪ ،‬وقد تخالطها ـ بقصد‬
‫وبغير قصد ـ أحاسيس ودوافع بشرية خفية مغلفة تتساقط أغلفتها على الزمان ويقع‬
‫ما لم يكن بالحسبان‪ ،‬والعاقل من تدارك األمر قبل فوات األوان‪ ،‬ومن حام حول‬
‫الحمى أوشك أن يقع فيه‪ ،‬ورحم اهلل امرًءا عرف حدود الشرع فالتزمها وعرف‬
‫حدود نفسه فوقف عندها‪.‬‬
‫من هنا كان على المتحابين في اهلل أن يتقوا اهلل في كل خاطرة من خواطر‬
‫أنفسهم‪ ،‬وأن يقعدوا إخوتهم وفق تصور اإلسالم ومفهومه‪ ،‬وأن يكونوا مع أنفسهم‬
‫صرحاء‪ ،‬وليلجموا العاطفة بلجام العقل‪ ،‬ولينيروا العقل بهدي اإلسالم‪ ،‬وإياهم‬
‫والترخص في الصغائر فإنها طريقهم إلى الكبائر)(‪.)2‬‬
‫وقد تهيئ النفس األمارة بالسوء لصاحبها أن أخاه ينظر إليه نظرة إعجاب‬
‫وعشق تماًما كما ينظر هو إليه بهذه النظرة‪ ،‬وأن تصرفاته معه تعني شيًئا من ذلك‬
‫وأنه يبادله نظرات تدل على ذلك إلى آخره من أمثال تلك التهيؤات والتخيالت‪،‬‬
‫وذلك كله وهم ناشئ من شدة تعلقه بصاحبه وما بقلبه من المرض وما يدور في‬
‫داخل نفسه من أحاسيس أو مشاعر منحرفة‪ ،‬والشيطان ال يألو جهًد ا في إذكاء أو‬
‫تكبير هذا الوهم في نفسه ليصل الشر إلى غايته‪.‬‬

‫(?) مشكالت الدعوة والداعية ص‪.211‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬التربية الوقائي‪L‬ة في اإلس‪L‬الم ص‪ ،65 ،64‬ومش‪L‬كالت ال‪L‬دعوة والداعي‪L‬ة‪ :‬الح‪L‬دود‬ ‫‪2‬‬

‫الشرعة للعالقات األخوية ص‪.211 ،210‬‬


‫(‪)33‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫يقول الشيخ محمد صالح المنجد حفظه اهلل في معرض بيانه ألنواع العالقات‬
‫التي يحصل فيها التجاذب بين األفراد‪( :‬النوع الرابع من العالقات‪ :‬عالقة معصية‬
‫والعياذ باهلل‪ ،‬تجمعهما المعصية فيشاهدان المحرمات مع بعضهما البعض‪ ،‬وينظران‬
‫إليها ويستمتعان بها ويأتيانها‪.‬‬
‫وهناك عالقة خامسة‪ :‬وهي عالقة قد تكون في خطورتها أخطر من النوع الذي‬
‫ذكرناه قبل قليل‪ ،‬وهي عالقة العشق والتعلق لدرجة أنه يحبه مع اهلل ـ ال يحبه في اهلل ـ‪،‬‬
‫لدرجة تصل إلى صرف أنواع من العبادة لهذا الشخص‪ ،‬وهذه مشكلة تنشأ بسبب‬
‫دوافع كثيرة‪ ،‬تكون بدايتها بسيطة ولكنها تنمو وتنمو وتعظم وتكبر بين هذين‬
‫االثنين حتى أن كًال منهما أو واحًد ا من الطرفين ال يستطيع أن يغيب اآلخر عن‬
‫ناظريه أبًد ا‪ ،‬فالبد أن ينظر إليه دائًم ا وأن يتصل به باستمرار‪ ،‬وقد يكلمه الساعات‬
‫الطويلة هاتفًيا يومًيا‪ ،‬واألدهى من ذلك أنه يفكر فيه في صالته‪ ،‬وعندما يقول‪:‬‬
‫‪ِ‬إَّياَك َنْع ُبُد َو ِإَّياَك َنْس َتِعيُن ‪ ‬يكون فكره مع ذلك الشخص وكأنه الهواء الذي‬
‫يستنشقه‪ ،‬ولو غاب عنه لحظة واحدة يتألم جًد ا للفراق حتى يعود إليه‪ ،‬وهذا النوع‬
‫من التعلق الشديد له درجات قد تكون في بعضها غلًو ا وفي نهايتها شرًك ا أكبر‪.‬‬
‫وبعض الناس يستبعد هذا ويقول‪ :‬كيف يحدث؟ ولكنه يحدث‪ ،‬وهنا نعود إلى‬
‫حديث رسول اهلل ‪(( ‬وأن يحب المرء ال يحبه إال هلل)) ولم يقل‪ :‬أن يحب المرء‬
‫هلل ألن اهلل عز وجل الحكيم الخبير العليم يعلم بأنه تنشأ بين العباد عالقات ليست‬
‫جدا‪ ,‬وأن الشيطان ُيَلِّبُس على بعض‬
‫شرعية‪ ,‬وأن هذه العالقات قد تكون قوية ً‬
‫الناس أنها أخوة في اهلل‪ ,‬لكن الحقيقة ليست كذلك‪.‬‬
‫وقد يزين لهما الشيطان القيام بشيء من الطاعات معًا‪ ,‬ولكن المسألة ما زالت‬
‫نوعا من العشق المذموم شرًعا‪ ,‬ولكي يخرجا من دائرة االنتقاد أو‬
‫في حقيقتها ً‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)34‬‬
‫سويا‬
‫كنوع من وخز الضمير ـ ترى أحدهما يقترح على اآلخر‪ :‬ما رأيك نقرأ ً‬
‫سويا؟‪...‬‬
‫قرآنا؟‪ ...‬نقوم الليل ً‬
‫شريطا؟ ‪ ...‬نحفظ ً‬
‫ً‬ ‫كتابا؟‪...‬نستمع‬
‫ً‬
‫فيفعالن هذا فترة من الوقت أو بعًض ا من األحيان‪ ،‬ولكن ما زالت العالقة في‬
‫حقيقتها ليست أخوة في اهلل‪ ،‬وإنما يحاول كل منهما أن يخدع نفسه وأن يظهر‬
‫أمام نفسه وأمام اآلخرين أنها أخوة في اهلل‪ ،‬ولكن الحقيقة أنها ليست كذلك‪ ،‬بل‬
‫ربما لو جلسا يقرآن كتاًبا لذهب كل فكر واحد منهما في اآلخر ولم يفقها شيًئا‬
‫مما يقرآن‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫فإًذا ما الذي يجرد لنا هذه الصور على حقيقتها‪ ،‬ويظهرها واضحة جلية تحت‬
‫مجهر الكشف عن الحقيقة؟‬
‫إنه هذه الفقرة من حديث رسول اهلل ‪ ،‬إنه قوله ‪(( :‬وأن يحب المرء ال‬
‫يحبه إال هلل))‪ ...‬فاستعمل أقوى أساليب الحصر في اللغة وذلك ألن القضية‬
‫موجودة بين العباد فعًال‪ ...‬حيث تنشأ عالقات محبة ليست هلل‪ ...‬وكثيًر ا ما تكون‬
‫مدمرة على بعض األفراد‪ ...‬وكثيًر ا ما ُتفشل مجموعة أو تجمًعا إسالمًيا بأكمله؛‬
‫ألنها مرض معٍد وتحتاج إلى وقفات صارمة من جميع األطراف‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم رحمه اهلل في كتابه العظيم الجواب الكافي هذه المشكلة‪،‬‬
‫فهذا الكتاب عبارة عن جواب على سؤال كما يتبين لمن يقرأ المقدمة‪ ..‬وأن‬
‫مصيبة وقعت في إنسان كادت أن توبقه تفسد عليه دنياه وآخرته‪ ،‬فهو كتاب عظيم‬
‫لعالج مشكلة العشق والتعلق‪ ،‬وهي المشكلة التي سأل عنها ذلك الشخص ابن‬
‫القيم رحمه اهلل فأجابه عنها بهذا الجواب‪ ،‬وهنا نالحظ منهج العلماء‪ ...‬فأنت ترى‬
‫أنه يقول له‪ :‬الجأ إلى اهلل وعليك بالدعاء وأوقات اإلجابة‪ ...‬ويعلمه ما هي األدعية‬
‫المأثورة‪ ،‬وما هو االسم األعظم‪ ،‬وما هو الشيء الذي إذا سئل اهلل به أعطى‪ ،‬وإذا‬
‫(‪)35‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫دعي به أجاب‪ ،‬وهكذا‪ ...‬ثم يتكلم له عن أضرار الذنوب والفواحش‪ ،‬وأن عملك‬
‫هذا عندما ترى مضاره فإنك إذا كنت عاقًال ينبغي أن تبتعد عنه‪ ،‬وذكر أشياء‬
‫عجيبة في مضار الذنوب‪ ،‬وذكر قصة قوم لوط وماذا فعل اهلل بهم؛ ألن المسألة قد‬
‫تؤدي إلى شيء من هذا‪ ...‬وقد نقرأ وال نفهم عمق الكالم تماًما‪ ،‬ولكن عندما يقرأ‬
‫اإلنسان عدة مرات يلوح له المنهج وترابط الكالم الذي ذكره‪ ،‬والقصص الواقعية‪،‬‬
‫والذين ختم لهم بخاتمة سيئة‪ ،‬وأن بعضهم كانوا متعلقين‪ ...‬بعضهم كان متعلًق ا‬
‫بالمال‪ ،‬بعضهم كان‪ ...‬بامرأة‪ ...‬بعضهم كان متعلًق ا بشخص‪ ،‬بعضهم كان متعلًق ا‬
‫بلسانه‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫فهو منهج ينبغي أن نستفيد منه ليس في عالج مشكلة التعلق والعشق فحسب‬
‫وإنما أيًض ا في عالج بقية المشاكل‪ .‬وكان ابن القيم رحمه اهلل يطرح أطروحات‬
‫قوية في عالج هذه المشكلة‪ ،‬ويقول‪ :‬فإذا كان األمر البد له أن يبتعد أحدهما عن‬
‫اآلخر حتى يضطر أن يسافر إلى بلد آخر بحيث ال يرى صاحبه وال يقع له على‬
‫خبر وال على حس وال أثر فإنه يفعل ذلك ابتغاء السالمة في الدين‪.‬‬
‫فتدرك من هذا أن العلماء المخلصين أصحاب الوعي بالواقع طرحهم في عالج‬
‫المشاكل طرح قوي‪ ،‬جذري‪ ،‬متكامل‪ ،‬بخالف كثير من الحلول القاصرة التي‬
‫نراها تطرح لعالج مشاكل قد تكون أصعب مما كان موجوًدا من قبل‪.‬‬
‫وإننا بحاجة لمزيد من الوعي ولمزيد من االطالع‪ ،‬ولمزيد من اإلخالص قبل‬
‫كل شيء حتى نتخلص من مشاكلنا كلها‪ ،‬وحتى نصل إلى مجتمع إسالمي نظيف‬
‫خاٍل من الشوائب وإال فكيف ينصر اهلل قوًما قد تناوشتهم سهام الشياطين من كل‬
‫جانب‪.)1()...‬‬

‫(?) من محاضرة (التنافر والتج‪L‬اذب في العالق‪L‬ات الشخص‪L‬ية) للش‪L‬يخ محم‪L‬د صالح المنج‪L‬د‬ ‫‪1‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)36‬‬
‫والمقصود أن هذه المحبة الشهوانية‪ ،‬محبة العشق‪ ،‬نوع من الذنوب أو‬
‫المخالفات الشرعية التي تفسد األخوة؛ حيث يفرق اهلل بينهما عقوبة على الذنب؛‬
‫أو ألن المحب إذا يئس من نيل مراده من المحبوب ولم يجد منه تجاوًبا فيما يهيم‬
‫فيه أعرض عنه بقلب حانق ممتلئ غيًظا وحسرة؛ أو ألن المحبوب إذا شعر أن أخاه‬
‫لم يجرد محبته له هلل‪ ،‬وأن محبته له قد شابتها رغبات أو مشاعر منحرفة‪ ،‬فإنه‬
‫يبغضه وينفر منه ويؤثر االبتعاد عنه‪.‬‬
‫فاحذر أخا اإلسالم أن تشوب محبتك ألخيك شائبة‪ ،‬واحذر أن يحبك الناس‬
‫هلل‪ ،‬واهلل مبغض لك ساخط عليك‪ ،‬فهو تعالى وحده الذي ‪َ‬يْع َلُم َخ اِئَنَة اَأْلْع ُيِن َو َما‬
‫ُتْخ ِف ي الُّصُد وُر ‪[ ‬غافر‪.]19:‬‬
‫وقد كان محمد بن واسع رحمه اهلل يقول في بعض دعائه‪ :‬اللهم إني أعوذ بك‬
‫أن أَح َّب لك وأنت لي مبغض أو ماقت‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬فكان يقال‪ :‬إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل لك(‪.)1‬‬
‫فاستحي من اهلل وإياك أن تغتر بثناء الناس عليك وانخداعهم بك أو غفلتهم‬
‫عما في محبتك لهم من الغش والشوائب‪ ،‬وستر اهلل لك‪ ،‬وبادر بالتوبة إلى اهلل عن‬
‫الذنوب كلها قبل أن يفتضح أمرك أو يلقي اهلل لك البغضاء في قلوب من أحبوك‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫حفظه اهلل‪ ،‬مع تصرف يقتضيه تحويل الموضوع من محاضرة مسموعة إلى كالم مكتوب‪.‬‬
‫(?) في الحلي‪LL‬ة (‪ :)2/349‬قي‪LL‬ل لمحم‪LL‬د بن واس‪LL‬ع‪ :‬إني ألحب‪LL‬ك في اهلل‪ .‬ق‪LL‬ال‪ :‬أحب‪LL‬ك ال‪LL‬ذي‬ ‫‪1‬‬

‫أحببت‪LL L‬ني ل‪LL L‬ه‪ ،‬اللهم إني أع‪LL L‬وذ ب‪LL L‬ك أن ُأَح َّب في‪LL L‬ك وأنت لي م‪LL L‬اقت أو مبغض‪ .‬ورواه نعيم بن‬
‫حماد في زوائد الزهد البن المبارك وذكر عقب‪L‬ة ق‪L‬ول س‪L‬فيان‪ :‬فكان يق‪L‬ال‪...‬إلخ‪ .‬زوائ‪L‬د الزهد‬
‫رقم (‪ )56‬ص‪.14‬‬
‫(‪)37‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)38‬‬

‫المفسدة الثالثة‬
‫َعَد ُم التزام األدِب في الَحِد يِث‬

‫وهذا باب واسع يدخل الشيطان منه إليقاع التنافر والتباغض بين اإلخوان‪،‬‬
‫وأول هذا األمر أن يعتقد البعض أن شدة قربه من أخيه تبيح له ترك مراعاة األدب‬
‫في الحديث ويسمى ذلك خطأ‪ :‬رفع الكلفة‪ ،‬وال يمكن أن يكون المراد برفع‬
‫الكلفة رفع األدب والحياء‪ ،‬وإنما رفع الكلفة بانبساط النفس والسهولة في التعامل‬
‫مع بقاء األدب والحياء والمحافظة على كل ما يرشد إليه الشرع من خلق أو‬
‫سلوك‪.‬‬
‫ومن المظاهر التي يتمثل فيها اإلخالل بأدب الحديث والتي تفسد المحبة‬
‫والعالقة بين األصحاب‪:‬‬
‫الحدة وعلو الصوت في مخاطبتك ألخيك أو مناقشتك معه‬ ‫‪‬‬
‫والكالم الخشن‪:‬‬
‫فإن ذلك يشعر أخاك بتغير قلبك نحوه كما يشعره باإلهانة‪ ،‬مع كونه مخالًف ا‬
‫للسمت العام الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم وقد قص اهلل علينا وصايا لقمان‬
‫ِت ِإ‬ ‫ِم‬
‫وهو يؤدب ولده ويعظه لنستفيد منها فقال‪َ :‬و اْغُضْض ْن َصْو َك َّن َأْنَك َر‬
‫اَألْص َو اِت َلَصْو ُت اْلَح ِم يِر ‪[ ‬لقمان‪.]19 :‬‬
‫ومما ينبغي لألخ مع أخيه في الحديث أن يلزم الكلمة الطيبة اللينة اللطيفة‬
‫العفيفة ويحذر من الكالم الخشن والكالم الذي يستحيا منه أو ينفر منه أصحاب‬
‫(‪)39‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫المروءة‪ ،‬وقد قال ‪(( :‬أطيبوا الكالم))(‪ ,)1‬وفي الحديث الصحيح(‪(( :)2‬لم يكن ‪‬‬
‫متفحشا))‪ ،‬ولنا فيه ‪ ‬أسوة حسنة‪ ،‬وقال علي رضي اهلل عنه‪" :‬من النت‬
‫ً‬ ‫فاحشا وال‬
‫ً‬
‫كلمته وجبت محبته"(‪.)3‬‬
‫‪ ‬عدم الإصغاء إليه وعدم الإقبال عليه بوجهك إذا سلم عليك أو حدثك‪ ,‬أو‬
‫عدم تقديره واحترامه واالهتمام به‪:‬‬
‫ومن عدم اإلصغاء وعدم اإلقبال أن تقطع حديثه أو تتلفت وتتشاغل عنه وهو‬
‫يكلمك‪.‬‬
‫قال بعض السلف ‪" :‬إن الرجل ليحدثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمه‬
‫فيحملني حسن األدب على االستماع إليه حتى يفرغ"(‪ .)4‬قال أحدهم‪:‬‬
‫وِبقلبه ولَع له أْد َر ى به‬ ‫وتراه يصغي للحديِث بسمعِه‬

‫وتأمل خلقه العظيم ‪ ‬وهو يسمع عتبة وهو مشرك فال يقاطعه حتى إذا سكت‬

‫(?) ج ‪LL‬زء من ح ‪LL‬ديث رواه الط ‪LL‬براني (‪ )1/275/2‬كم ‪LL‬ا في سلس ‪LL‬لة األح ‪LL‬اديث الص ‪LL‬حيحة‬ ‫‪1‬‬

‫للشيخ األلباني حفظه اهلل رقم (‪ )1465‬وصححه‪.‬‬


‫(?) ج ‪LL‬زء من ح ‪LL‬ديث رواه البخ ‪LL‬اري في األدب رقم (‪ ،)6029‬ومس ‪LL‬لم في الفض ‪LL‬ائل رقم (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)2321‬والترم ‪LL‬ذي في ال ‪LL‬بر والص ‪LL‬لة رقم (‪ )1975‬كلهم من ح ‪LL‬ديث عب ‪LL‬د اهلل بن عم ‪LL‬رو‬
‫رض‪LL‬ي اهلل عنهم‪LL‬ا‪ ،‬وورد ك‪LL‬ذلك من ح ‪LL‬ديث عائش‪LL‬ة رض‪LL‬ي اهلل عنها رواه الترام‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر‬
‫والصلة رقم (‪ ،)2016‬وأحمد في المسند (‪ ،)246 ،236 ،6/174‬ورواه الترمذي أيًض ا‬
‫في الشمائل وصححه األلباني "مختصر الشمائل" رقم (‪.)298‬‬
‫(?) العقد الفريد ‪.)02/83‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) قال ابن ج‪L‬ريج عن عط‪L‬اء‪ :‬إن الرج‪L‬ل ليح‪L‬دثني بالح‪L‬ديث ف‪L‬أنت ل‪L‬ه ك‪L‬أني لم أس‪L‬معه وق‪L‬د‬ ‫‪4‬‬

‫سمعته قبل أن يولد‪ .‬سير أعالم النبالء (‪.)5/86‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)40‬‬
‫قال له ‪(( :‬أقد فرغت يا أبا الوليد)) (‪.)1‬‬
‫ومن عدم األدب في الحديث أن تستهلك الوقت كله لتتحدث عن نفسك أو‬
‫لتقول ما تريد‪ ،‬وتريد من صاحبك أن يصغي إليك في الوقت الذي ال تدع له فرصة‬
‫كهذه وال تهتم بالإصغاء إلى ما يقول‪.‬‬
‫ومما ينبغي أن نتفطن له دائمًا أن لكل إنسان مهما كان مستواه االجتماعي‪,‬‬
‫ومهما كان عمره بحاجة أن يشعر باحترام اآلخرين وتقديرهم له‪ ،‬حتى الصغير‪.‬‬
‫وحين يشعر اإلنسان بتقدير اآلخرين له ويطمئن إلى أنهم يحترمونه حينئذ ال‬
‫يشعر بأدنى حساسية وال يجد غضاضة حتى من العمل والخدمة لهم ليل نهار‪ ،‬ما‬
‫دام قد اطمأن إلى وجود التقدير واالحترام وانتفاء اإلهمال واالحتقار‪.‬‬
‫وبعض المغرورين ال يحسن احترام اآلخرين بحجة الخوف عليهم من الغرور‪،‬‬
‫ونحن ما طلبنا منه إطراءهم أو المبالغة في مدحهم لكن مجرد التقدير واالحترام‬
‫الذي يجعلك أنت أوًال مهذًبا محترًم ا‪.‬‬
‫ولكي تكون دمث األخالق مع غيرك محترًما لهم تأمل في جوانب الحسن‬
‫واإليجابية فيهم‪ ،‬فكلما عرفت الصفات الحسنة في الشخص ازداد حبك وتقديرك‬
‫واحترامك له‪.‬‬
‫بدال من (يا فالن) تشعره بهذا االحترام‬
‫إن مجرد مناداة أخ بكلمة (يا أخ فالن) ً‬

‫(?) قص‪LL‬ة مفاوض‪LL‬ة أبي الولي‪LL‬د عتب‪LL‬ة بن ربيع‪LL‬ة لرس‪LL‬ول اهلل ‪ ‬رواها ابن إس‪LL‬حاق في المغ‪LL‬ازي (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )294 ،1/293‬س ‪LL‬يرة ابن هش ‪LL‬ام‪ ،‬ورواها ال ‪LL‬بيهقي في دالئ ‪LL‬ل النب ‪LL‬وة (‪،)205 ،2/204‬‬
‫وذك‪LL‬ره الس‪LL‬يوطي في ال‪LL‬در المنث‪LL‬ور (‪ 5/3589‬وعزاها البن أبي ش‪LL‬يبة وعب‪LL‬د بن حمي‪LL‬د وأبي‬
‫يعلى والحاكم وصححه‪ ،‬وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي كالهم‪L‬ا في ال‪L‬دالئل وابن عس‪L‬اك‪.‬‬
‫اهـ‪ .‬وحسن سنده األلباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي ص‪.116‬‬
‫(‪)41‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫والتقدير والعاطفة الحية والود وإن لم يكن فيها شئ من الإطراء أو ما يوجب‬
‫الغرور‪ ,‬فتأمل!‬
‫كذلك يشعر من تحدثه بالتقدير والود حين تناديه بكنيته أو بأحب األسماء إليه‬
‫كبيرا كان أو صغيرًا‪ ,‬وقد كنى رسول اهلل ‪ ‬بعض الصبيان كما في قوله‪(( :‬يا أبا‬
‫ً‬
‫عمير ما فعل النغير))(‪ ،)1‬وكما قال بعض السلف‪ :‬إن مما يصفي لك ود أخيك أن‬
‫تبدأه السالم إذا لقيته‪ ,‬وتوسع له في المجلس وتناديه بأحب أسمائه إليه(‪.)2‬‬
‫ومن األشياء ذات األثر اإليجابي على الناس أن تحفظ أسماءهم‪ ،‬وإن نسيتها أو‬
‫جهلتها ال تتحرج أن تسألهم عنها بأسلوب التعارف المهذب ال بأسلوب التحقيق‬
‫المريب‪ ،‬فإن سؤالك عنها يدل على اهتمامك بهم وذلك خير من أن تترك سؤالهم‬
‫عنها حياًء فيكون له أثر سلبي عليهم إذ قد يفسرونه بعدم االهتمام‪.‬‬
‫ومن تقديرك لمحدثك أن ال تسفهه إذا أشار بأمر بل اطلب رأيه في بعض‬
‫األمور فربما انفتح لك باب من التفكير‪ ،‬أو على األقل تكون قد أشعرته بالتقدير‬

‫(?) رواه البخ‪LL‬اري في األدب رقم ‪ ،)6203 ،06129‬ومس‪LL‬لم في األدب رقم (‪،)2150‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأب ‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ ،)4969‬والترم ‪LL‬ذي في الص ‪LL‬الة رقم (‪ ،)333‬وابن ماج ‪LL‬ه في‬
‫األدب رقم (‪ ،)3720‬وأحمد في المسند (‪ )119 ،3/115‬وفي مواض‪LL‬ع أخ‪LL‬رى‪ .‬والنغ‪LL‬ير‪:‬‬
‫طائر صغير يشبه العصفور‪ .‬راجع‪ :‬الفتح (‪.)10/600‬‬
‫(?) وردت هذه الثالث في ح‪LL‬ديث رواه الط‪LL‬براني في األوس‪LL‬ط‪ ،‬كم‪LL‬ا في مجم‪LL‬ع الزوائ‪LL‬د (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)8/82‬وال‪LL‬ديلمي في ف‪LL‬ردوس األخب‪LL‬ار رقم (‪ ،)2303‬والح‪LL‬اكم وال‪LL‬بيهقي‪ ،‬كم‪LL‬ا في فيض‬


‫القدير (‪ )3/314‬من حديث عثمان بن طلحة الحجبي‪ ،‬وضعفه السيوطي‪ ،‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع‪" :‬فيه موسى بن عبد الملك بن عمير وهو ض‪L‬عيف" اهـ‪ .‬وض‪L‬عفه األلب‪L‬اني في ض‪L‬عيف‬
‫الج‪LL‬امع الص‪LL‬غير رقم (‪ ،)2571‬ورواه ال‪LL‬بيهقي موقوًف ا على عم‪LL‬ر رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه وهو ال‪LL‬ذي‬
‫تذكره معظم الكتب عند ذكرها لهذا األثر‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)42‬‬
‫واالحترام إن لم يكن رأيه محًال للقبول(‪.)1‬‬
‫وسيأتي مزيد من ذلك مع بيان هديه ‪ ‬في اإلصغاء ألصحابه وإعطائهم الفرصة‬
‫لبسط الحديث(‪.)2‬‬
‫‪ ‬االجتراء عليه في الُم زاح(‪:)3‬‬
‫فإذا كان املزاح اليسري يف أدب وباحلق يضفي على العالقة بني األخوين مزيًد ا من‬
‫العذوبة واحملبة واألنس‪ ،‬فإن املزاح الثقيل وجتاوز حد األدب فيه من أسرع ما يفسد‬
‫العالقة بني اثنني‪.‬‬
‫وكثرُة المزِح مفتاُح‬ ‫الرفُق يْم ٌن وخير القوِل‬
‫(‪)4‬‬
‫العداواِت‬ ‫أصَد ُقه‬

‫ومن صور ذلك أن تجترئ على أخيك في المزاح بضربة مهينة أو كلمة نابية‬
‫أو تتعرض لما يكره التعرض له من حاله وخصوصياته وأهل بيته ونحو ذلك‪ ,‬أو أن‬
‫تناديه بغير ما يحب‪ ,‬وتظن ذلك من رفع الكلفة‪ ,‬ورفع الكلفة ال يعني هجران‬
‫اآلداب الشرعية والتوجيهات النبوية‪.‬‬
‫فعليك باالقتصاد في المزاح‪ ،‬والحذر من اإلسراف ومن سيئ المزاح الذي‬
‫يجافي الطيب من القول ويجلب الخصومة وتغير القلب‪ ،‬فإن المزاح إذا خرج عن‬
‫حد اآلداب واالقتصاد كما يذهب بهيبتك فإنه يجلب لصاحبك الهم والغم والغيظ‬

‫(?) ويرج‪LL‬ع البعض نج‪LL‬اح بعض الق‪LL‬ادة إلى أنهم ك‪LL‬انوا يحفظ‪LL‬ون أس‪LL‬ماء الن‪LL‬اس‪ ،‬أي إن ذل‪LL‬ك‬ ‫‪1‬‬

‫سبب من أسباب نجاح القائد أو المربي‪ .‬انظر‪ :‬فن التعامل مع الناس ص‪.52‬‬
‫(?) انظر رقم ‪ 14‬من المفسدات ص‪.121‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بكسر الميم وضمها‪ .‬لسان العرب ص‪.4191‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) للقاضي التنوخي‪ .‬أدب الدنيا والدين ص‪.183‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪)43‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫والنفور‪.‬‬
‫كما أن المزاح أو مجرد الكالم إذا كان فيه تهاون في تقدير الصاحب‬
‫واحترامه فإنه يجرح قلبه ويؤلم نفسه فيندم على صحبته لك‪.‬‬
‫وربما كان مزاحك الثقيل سبًبا لسماعك ما تكره أو سبًبا لكره اآلخرين أو‬
‫احتقارهم لك‪ .‬وقد قال بعضهم‪ :‬إياك وكثرة المزاح فإن السفيه يجترئ عليك‪،‬‬
‫واللبيب يحقد عليك‪.‬‬
‫كذلك ينبغي للصاحب أن ال يتعجل في المزاح مع صاحبه ولو كان مزاًح ا‬
‫مقبوًال‪ ،‬وال يكثر في الكالم قبل أن تكشف طبيعة صاحبه ويعرف أبعاده النفسية‬
‫فالبعض قد يأتي المزاح معه بآثار سلبية‪ ..‬والبعض يكره المزاح جملة وينفر منه‪...‬‬
‫والبعض يناسبه لون ما من المزاح وال يناسبه لون آخر‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ ‬المراء أو الجدل و كثرة المعارضة له‪:‬‬
‫مع ما يصحب ذلك من االعتداد بالرأي أو كثرة النقد أو التعالم فيه أو‬
‫استخدام العبارات الالذعة التي تجرحه في فهمه أو تفكيره واستيعابه‪ ،‬فإن (من أشد‬
‫األسباب إثارة للحقد والحسد بين اإلخوان المماراة)(‪ )1‬التي تجنح بالطرفين بعيًد ا‬
‫عن اإلخالص في طلب الحق وأداء الواجب‪ ،‬أو التي تجنح بهما إلى ما غمض‪ ،‬وال‬
‫يتوفر فيه أدلة واضحة‪ ،‬أو التي تجنح بأحدهما إلى اإلصرار على الحديث بعدما بدا‬
‫له أن ال نتيجة إال زيادة الشر وتغير القلوب‪.‬‬
‫وال يبعث على المماراة في هذه الصور (إال إظهار التميز بزيادة الفضل والعقل‬
‫واحتقار المردود عليه‪ ،‬ومن مارى أخاه فقد نسبه إلى الجهل والحمق‪ ،‬أو الغفلة‬
‫والسهو عن فهم الشيء على ما هو عليه‪ ،‬وكل ذلك استحقار وهو يوغر الصدر‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.98‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)44‬‬
‫ويوجب العداوة وهو ضد األخوة)(‪.)2‬‬
‫وكان يقال‪ :‬ال تمار حليًم ا وال سفيًه ا فإن الحليم يقليك‪ ،‬وإن السفيه يؤذيك(‪.)1‬‬
‫والمسلم ال يستطيع االنضباط في هذه القضية إال إذا ملك لسانه وسيطر على‬
‫زمامه بقوة فكبحه حيث يجب الصمت‪ ،‬وضبطه حين يريد المقال‪ ،‬أما الذين‬
‫تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلى مصارعهم‪.‬‬
‫واإلنسان نهي عن الجدل والمماراة في القرآن وأمور الدين(‪ ،)2‬وأولى كذلك‬
‫أن يترك الجدل في أمور الدنيا وتوافه األمور التي ال يترتب على سكوته عنها‬
‫حدوث منكر‪.‬‬
‫(ذلك أن هناك أحواًال تستبد بالنفس وتغري بالمغالبة‪ ،‬وتجعل المرء يناوش‬
‫غيره بالحديث ويصيد الشبهات التي َتْد عم جانبه والعبارات التي تروج حجته‪،‬‬
‫فيكون حب االنتصار عنده أهم من إظهار الحق‪ ،‬وتبرز طبائع العناد واألثرة في‬
‫صورة منكرة ال يبقى معها مكان لتبين أو طمأنينة‪ ،‬واإلسالم ُيَنِّف ُر من هذه األحوال‬
‫ويعدها خطًر ا على الدين والفضيلة‪.‬‬
‫وهناك أناس أوتوا بسطة في ألسنتهم تغريهم باالشتباك مع العالم والجاهل‪،‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.98‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بهجة المجالس (‪.)2/429‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ق‪LL‬ال ‪(( :‬الم‪LL‬راء في الق‪LL‬رآن كف‪LL‬ر)) رواه أب‪LL‬و داود في الس‪LL‬نة رقم (‪ ،)4603‬وصححه‬ ‫‪2‬‬

‫األلب‪LL‬اني صحيح س‪LL‬نن أبي داود رقم (‪ ،)3847‬ورواه اإلم‪LL‬ام أحم‪LL‬د (‪)494 ،478 ،2/258‬‬
‫بلفظ‪" :‬جدال في القرآن كفر" ورواه (‪ )528 ،503 ،475 ،424 ،2/286‬بلفظ‪" :‬مراء في‬
‫الق‪L‬رآن كف‪L‬ر" من ح‪L‬ديث أبي هريرة رض‪L‬ي اهلل عن‪L‬ه‪ ،‬وروى أب‪L‬و داود الطيالس‪L‬ي في مس‪L‬نده رقم (‬
‫‪ )2286‬عن عبد اهلل بن عمرو أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬ال تج‪L‬ادلوا في الق‪L‬رآن ف‪L‬إن ج‪L‬داًال في‪L‬ه كف‪L‬ر))‪،‬‬
‫وصححه األلباني في الجامع الصغير رقم (‪.)7223‬‬
‫(‪)45‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وتجعل الكالم لديهم شهوة غالبة‪ ،‬فهم ال يملونه أبًد ا‪ .‬وهذا الصنف إذا سلط‬
‫ذالقته على شئون الناس أساء‪ ،‬وإذا سلطها على حقائق الدين شوه جمالها وأضاع‬
‫هيبتها‪.‬‬
‫وقد سخط اإلسالم أشد السخط على هذا الفريق الثرثار المتقعر‪ ،‬قال النبي ‪:‬‬
‫((إن أبغض الرجال إلى اهلل األلد الخصم))(‪ ،)1‬وقال‪(( :‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا‬
‫عليه إال أوتوا الجدل))(‪.)2‬‬
‫هذا الصنف ال يقف ببسطة لسانه عند حد‪ ،‬إنه يريد الكالم فحسب‪ ،‬يريد أن‬
‫يباهي به ويستطيل‪ ،‬إن األلفاظ تأتي في المرتبة األولى‪ ،‬والمعاني في المرتبة الثانية‪،‬‬
‫أما الغرض النبيل فربما كان له موضع أخير‪ ،‬ورما عّز له موضع وسط هذا‬
‫الصخب‪...‬‬
‫والجدال في الدين‪ ,‬والجدال في السياسة‪ ,‬والجدال في العلوم واآلداب‪،‬‬
‫عندما يتصدى له هذا النفر من األدعياء البلغاء‪ ،‬يفسد به الدين‪ ،‬وتفسد به السياسة‬
‫والعلوم واآلداب‪ ،‬ولعل السبب في االنهيار العمراني والتحزب الفقهي‪ ،‬واالنقسام‬
‫الطائفي وغير ذلك مما أصاب األمة اإلسالمية هو هذا الجدل في حقائق الدين‬
‫وشئون الحياة‪.‬‬
‫والجدل أبعد شيء عن البحث النزيه واالستدالل الموفق)(‪.)3‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL‬اري في المظ‪LL‬الم رقم (‪ ،)2457‬والتفس‪LL‬ير رقم (‪ ،)4523‬واألحكام رقم (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)7188‬ورواه مس‪LL L L L‬لم في العلم رقم (‪ ،)2268‬والنس‪LL L L L‬ائي في القض‪LL L L L‬اة (‪،)8/248‬‬
‫والترمذي في التفسير رقم (‪ ،)2976‬وأحمد في المسند (‪.)6/205‬‬
‫(?) رواه أحمد في المسند (‪ ،)256 ،5/252‬والترمذي في التفسير رقم (‪ ،)3253‬وابن‬ ‫‪2‬‬

‫ماجه في المقدمة رقم (‪ ،)48‬وحسنه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)5633‬‬
‫(?) خلق المسلم للغزالي ص‪.87 ،86‬‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)46‬‬
‫لكل ذلك قال ‪(( :‬أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان‬
‫محقًا))(‪ )1‬فالجدل حول كل صغيرة وكبيرة يؤدي لاختالف القلوب‪.‬‬
‫ولذا فعليك أخا الإسالم إذا الحظت أن الحديث قد اتجه للجدل أن تنسحب‬
‫أيضا إذا حدثت أحًد ا أن ال تستفزه لمجادلتك‪ ،‬فال تحرجه أمام‬
‫منه بلطف وعليك ً‬
‫الناس وال تهدده بأنك ستعّر فه كيف أنه ال يعلم شيًئا‪ ،‬ونحو ذلك من الكلمات‪ ،‬بل‬
‫استخرج الكوامن الطيبة التي في نفسه كأن تقول له‪ :‬أنا أعرف أنك لو تبين لك‬
‫الحق في المسألة فلن تتركه‪ ،‬أو لعل كالمك يوضح لي أمًر ا أنا غافل عنه‪،‬‬
‫وسأكون سعيًد ا بمعرفة خطئي ورجوعي للصواب‪... ،‬إلخ‪ ،‬فأنت تفتح بذلك باًبا له‬
‫ولك للخروج من مأزق الجدل والمكابرة(‪ ،)2‬وتسد باب التمادي في الخطأ رغم‬
‫وضوحه‪.‬‬
‫وبعض الناس لألسف يؤثر الجدل والتمادي في الخطأ على الرجوع للحق‪،‬‬
‫وذلك مما يفسد العالقة مع اآلخرين‪ ،‬وليس عيًبا بل شجاعة أن تعود للصواب‬
‫وتشكر من وضح لك خطأك‪ ،‬وال تطيل الذيل في الحديث بغية التبرير رغم وضوح‬
‫الخطأ‪ ،‬فهذا مما ينقصك عند الناس ويرونك حينئذ في أقبح صورة ويفقدون الثقة‬
‫بكل ما تقول بعد ذلك‪ ،‬وعليك أن تتفادى الخطأ من البداية‪ ،‬فقل‪ :‬ال أدري‪ ،‬إن‬
‫كنت ال تدري‪.‬‬
‫وهذا عالم كبير معروف على مستوى األمة وهو الشيخ عبد العزيز بن باز‬
‫حفظه اهلل مع علمه ومكانته يقول في بعض المواقف‪( :‬سأنظر ـ سأبحث المسألة)‬
‫وال يحط ذلك من قدره‪ ،‬وقد يتسرع من هو دونه في الفتيا والحديث فيخطئ‪،‬‬
‫(?) رواه أب‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ )4800‬من ح‪LL‬ديث أبي أمام‪LL‬ة رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬وحس‪LL‬نه‬ ‫‪1‬‬

‫األلباني في صحيح سنن أبي داود رقم (‪ ،)4015‬و"ربض الجنة" هو ما حولها‪.‬‬


‫(?) وانظر‪ :‬فن التعامل مع الناس للدكتور عبد اهلل الخاطر رحمه اهلل ص‪.44‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)47‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فإذا اْع ُتِر َض عليه لّج في الجدل والمكابرة(‪.)1‬‬
‫واعلم أن النقاش مع صاحبك إذا تطور لكثرة الجدل والمراء فإنه كما يذهب‬
‫بهيبتك فإنه يجلب لك ولصاحبك الهم والغم‪ ،‬ونفس المحب تتأثر بأدنى قدر من‬
‫المراء فإذا كثر ندم على صحبته لك‪.‬‬

‫‪ ‬النقد الالذع الجارح للمشاعر‪:‬‬


‫فمما يفسد جو الحديث ويفسد األخوة النقد الالذع والتعالم في النقد‪،‬‬
‫كقولك ألخيك‪ :‬كل ما قلته ساقط ال أصل له من الصحة‪ ،‬أو أنت في واٍد آخر‪،‬‬
‫‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وحسن األدب كان ينبغي أن يحملك على أن تقول له‪ :‬ولكن ما قلته يحتاج‬
‫إلى وقفة وتأمل في بعض النقاط‪ ،‬أو في ذهني شيء آخر‪ ،‬أو عندي رأي آخر أود‬
‫أن تسمعه وتبدي لي مالحظتك‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫يقول الدكتور عبد اهلل الخاطر رحمه اهلل‪( :‬الناس يحبون من يصحح الخطأ دون‬
‫خطابا‬
‫أن يجرح المشاعر) ويضرب مثًال في ذلك في أحد الكتب‪( ،‬أن شخًص ا ألقى ً‬
‫"محاضرة" في عدد كبير‪ ،‬ولكنها كانت طويلة وفيها تفصيل مّلَ الناس‪ ,‬فجاء إلى‬
‫زوجته فقال‪ :‬ما رأيك في المحاضرة؟ قالت‪ :‬هذا الموضوع يصلح مقالة رصينة في‬
‫مجلة علمية متخصصة‪ ،‬وقد فهم منه ذلك المحاضر أن الموضوع ال يصلح‬
‫للمحاضرة‪.‬‬
‫وهذا أسلوب طيب يبرز جوانب إيجابية يقدم بها لمسألة النقد‪ ،‬فرجل جاء‬
‫يستشيرك في أن يعمل في التجارة تقول له‪ :‬أنت رجل ذو قلم وفكر وال تدع ذلك‬

‫(?) وانظر‪ :‬فن التعامل مع الناس ص‪.36 ،35‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)48‬‬
‫المجال‪ ،‬إذا رأيت أنه ال يصلح للتجارة وهو مبرز في ذلك المجال‪ ،‬وهكذا فال‬
‫تطرح القضية بأسلوب "أنت ما تصلح لكذا" ولكن بأسلوب "أنت تصلح لغير‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫ويحدث في المجالس أن يتكلم أحد الناس بأسلوب طيب جًد ا‪ ،‬ثم يخطئ خطأ‬
‫في نهاية الحديث‪ ،‬فنجد البعض يتوقف عند الخطأ ويأمره بالتوقف عن الكالم‪.‬‬
‫ولكن األسلوب الصحيح أن يقدم من يريد النقد اإليجابيات فيقول‪ :‬أنا أوافق‬
‫المتحدث في كذا وكذا‪ ،‬ولكن النقطة األخيرة لي عليها مالحظات‪ ،‬فيبدأ‬
‫باإليجابيات‪ ،‬ثم يصحح فيكون ذلك أدعى أن يتقبل المتحدث المالحظات دون‬
‫الدخول في جدل ال طائل من ورائه‪.‬‬
‫وكذلك نطبق القاعدة‪" :‬نبدأ بالقضايا المتفق عليها" ثم بعد ذلك نناقش القضايا‬
‫األخرى)(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) فن التعامل مع الناس ص‪50‬ـ ‪.52‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)49‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)50‬‬

‫المفسدة الرابعة‬
‫ُبــُروُد الَع اِط َفِة‬

‫فإن أخوة بال عاطفة وبال شوق أو حنين من القلب إلى الصاحب هي أخوة‬
‫قاصرة يوشك أن تختل أو يعتريها الفتور ويشعر كل من الصاحبين فيها بثقل‬
‫الحقوق‪ ،‬فإن الشوق وحنين القلب والعاطفة الجياشة كل ذلك وقود يديم األخوة‬
‫ويعمل على تساميها ورفعتها ويخفف على النفس القيام بحقوقها بل يجعل كًال من‬
‫الصاحبين يتلذذ بالقيام بحقوق األخوة‪...‬‬
‫ومثل هذه األخوة التي لها مرتكزاتها في القلب أو العاطفة مع مرتكزاتها في‬
‫العقل أيًض ا تجعل للحياة طعًم ا آخر ولذة ال يدركها إال من ذاقها‪...‬‬
‫وبعض الناس مييل إىل إلغاء هذه اجلوانب العاطفية والقلبية من معاين األخوة حبجة‬
‫أن احملبة هي القيام باحلقوق والواجبات املعروفة من طريق الشرع‪ ،‬وال ينبغي أن يشغل‬
‫الصاحب نفسه بتلك العواطف جتاه صاحبه ما دام قائًم ا باحلقوق اليت يعرفها جتاه أخيه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وللمحَّبِة أكباٌد وأْج َفاٌن‬ ‫فِللكثاَفِة أقواٌم لها ُخ ِلُقوا‬

‫ومثل هذا الفريق من الناس يحلو له أن يفسر أي محبة تفسيًر ا يبعدها عن‬
‫العاطفة‪ ...‬بما في ذلك محبة العبد لربه عز وجل أو لنبيه ‪ ‬مكتفًيا بترديد قول‬
‫القائل(‪:)2‬‬
‫إن المحَّب لمن ُيِح ُّب ُمِط ع‬ ‫لو كان حّبك صاِد ًقا ألطْعَته‬

‫(?) طريق الهجرتين وباب السعادتين البن القيم رحمه اهلل ص‪.328‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) بهجة المجالس (‪.)1/395‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)51‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وهو قول صحيح ولكن المستدل به في هذا الموطن يرتب عليه أشياء غير‬
‫صحيحة؛ حيث ينفي ما سوى الطاعة من معاني المحبة فيحصر المحبة في الطاعة‬
‫فحسب‪ ،‬وال يعظم أمر العاطفة القلبية التي هي محبة أيًض ا وعرفت من طريق‬
‫الشرع كذلك كالحقوق والواجبات‪.‬‬
‫فال شك أن العاطفة القلبية تجاه المحبوب جزء من المحبة الشرعية‪ ،‬كما قال‬
‫‪ ‬ـ لما أتى برجل يشرب الخمر فلعنه رجل من القوم ـ‪(( :‬ال تلعنوه فواهلل ما علمت‬
‫إال أنه يحب اهلل ورسوله))(‪.)1‬‬
‫وعرف التاريخ من يشرب الخمر ثم يصر على الخروج للقتال في سبيل اهلل؛‬
‫ألنه يحب اهلل ورسوله(‪ ،)2‬وقد أنصف شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل حين‬

‫(?) رواه بهذا اللف ‪LL‬ظ البغ ‪LL‬وي في ش ‪LL‬رح الس ‪LL‬نة (‪ ،)337 ،10/336‬ورواه البخ ‪LL‬اري في‬ ‫‪1‬‬

‫الح‪LL‬دود رقم (‪ )6780‬بلف‪LL‬ظ‪" :‬ال تلعن‪LL‬وه فواهلل م‪LL‬ا علمت أن ‪LL‬ه يحب اهلل ورس ‪LL‬وله"‪ ،‬وراج ‪LL‬ع‬
‫توجيه الحافظ ابن حجر رحمه اهلل لرواية البخاري المذكورة في الفتح (‪.)80 ،12/79‬‬
‫(?) وك‪LL‬ان ذل‪LL‬ك في وقع‪LL‬ة القادس‪LL‬ية‪ ،‬حين أم‪LL‬ر س‪LL‬عد بن أبي وق‪LL‬اص ب‪LL‬أبي محجن الثقفي فقي‪LL‬د‬ ‫‪2‬‬

‫وأودع في القص‪LL‬ر س‪LL‬جيًنا بس‪LL‬بب ش‪LL‬ربه الخم‪LL‬ر‪ ،‬فلم‪LL‬ا رأى أب‪LL‬و محجن الخي‪LL‬ول تح‪LL‬وم ح‪LL‬ول‬
‫حمى القصر وكان من الشجعان األبطال قال‪:‬‬
‫ا‬ ‫ا أن تـــــــــــــــــــرَدا الخيـــــــــــــــــــل بالقَن‬ ‫كفى حزًن‬
‫إذا قمُت عنـــــــــــــــــــــــــــــــــــاني الحديـــــــــــــــــــــــــــــــــــُد وغّلقْت‬
‫وقــــــــــــــــــْد كنُت ذا مال كثــــــــــــــــــير وإخــــــــــــــــــوة‬
‫وأتـــــــــــــــــــــــــرك مشـــــــــــــــــــــــــدوًدا علَّي وثاقيـــــــــــــــــــــــــا‬
‫مصــــــــــــــــــــــــاريُع دوني ُتصــــــــــــــــــــــــم المناديــــــــــــــــــــــــا‬
‫ا ليــــــــــــــا‬ ‫وني ُم فرًدا ال أَخ‬ ‫وقـــــــــــــــد َترُك‬
‫ثم س‪LL‬أل أم ول‪LL‬د س‪LL‬عد أن تطلق‪LL‬ه وتع‪LL‬يره ف‪LL‬رس س‪LL‬عد‪ ،‬وحل‪LL‬ف لها أن‪LL‬ه يرج‪LL‬ع آخ‪LL‬ر النهار‬
‫فيض ‪LL‬ع رجل ‪LL‬ه في القي ‪LL‬د فأطلقت ‪LL‬ه‪ ،‬وركب ف ‪LL‬رس س ‪LL‬عد ـ وك ‪LL‬ان س ‪LL‬عد مريًض ا‪ ،‬وق ‪LL‬د جلس في‬
‫القص‪LL‬ر ينظ‪LL‬ر في مص‪LL‬الح الجيش ـ وخ‪LL‬رج فقات‪LL‬ل قت‪LL‬اًال ش‪LL‬ديًد ا وجع‪LL‬ل س‪LL‬عد ينظ‪LL‬ر إلى فرس‪LL‬ه‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)52‬‬
‫تحدث عن بدعة المولد فنبه إلى أن أولئك المبتدعة قد يحصل لهم ثواب‪ ،‬ال على‬
‫بدعتهم تلك لكن على ما في قلوبهم من الحب أو التعظيم للرسول ‪ ،)1(‬يعني إذا‬
‫كان ذلك هو الدافع الحقيقي لهم‪ ،‬ويحاسبون مع ذلك على بدعتهم إذا كانوا‬
‫عالمين بما فيها من المخالفة‪ ،‬وال ينتفي عنهم الخطأ‪.‬‬
‫إذن هناك عاطفة خاصة في القلب تمثل ركًنا في المحبة‪ ،‬عاطفة تجعل المحب‬
‫يشتاق لرؤية محبوبه ومجالسته وسماع حديثه ويأنس به ويفرح بلقائه فتعلوا وجهه‬
‫البشاشة والتبسم والبشر‪...‬‬
‫في الحديث الصحيح عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬جاء رجل من األنصار‬
‫إلى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنك أحب إلّي من نفسي‪ ،‬وأحب إلَّي من أهلي‪،‬‬

‫فيعرفها وينكرها ويشبهه بأبي محجن ولكن يشك لظنه أنه في القصر موثق‪ ،‬فلم‪LL‬ا ك‪LL‬ان آخ‪LL‬ر‬
‫النهار رجع فوضع رجله في قيدها ونزل سعد فوجد فرسه يعرق‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا! ف‪LL‬ذكروا ل‪LL‬ه‬
‫قصة أبي محجن فرضي عنه وأطلق‪L‬ه رض‪LL‬ي اهلل عنهم‪LL‬ا (وق‪LL‬د س‪LL‬اق ابن كث‪L‬ير قص‪L‬ة أبي محجن‬
‫بتمامها في البداية والنهاية ‪.)5/113‬‬
‫(?) ق ‪LL‬ال ش ‪LL‬يخ اإلس ‪LL‬الم في اقتض ‪LL‬اء الص ‪LL‬راط المس ‪LL‬تقيم مخالف ‪LL‬ة أصحاب الجحيم‪( :‬وأك ‪LL‬ثر‬ ‫‪1‬‬

‫هؤالء ال‪LL‬ذين تج‪LL‬دونهم حرصاء على أمث‪LL‬ال هذه الب‪LL‬دع‪ ،‬وم‪LL‬ع م‪LL‬ا لهم فيها من حس‪LL‬ن القص‪LL‬د‬
‫واالجتهاد ال ‪LL‬ذي يرجى لهم ب ‪LL‬ه المثوب ‪LL‬ة‪ ،‬تج ‪LL‬دونهم ف ‪LL‬اترين في أم ‪LL‬ر الرس ‪LL‬ول ‪ ‬عم ‪LL‬ا أم ‪LL‬روا‬
‫بالنشاط فيه‪.)...‬‬
‫وقال أيًض ا‪( :‬فتعظيم المولد واتخاذه موسًم ا قد يفعله بعض الناس‪ ،‬ويكون له في‪L‬ه أج‪LL‬ر عظيم‬
‫لحس‪LL‬ن قص‪LL‬ده‪ ،‬وتعظيم‪LL‬ه لرس‪LL‬ول اهلل ‪ )...‬ص‪ ،268 ،267‬وك‪LL‬ذلك ق‪LL‬ال رحم‪LL‬ه اهلل فيمن‬
‫عمل بما روي في فضائل األيام واللي‪L‬الي بع‪L‬د أن نق‪L‬ل اتف‪L‬اق أهل المعرف‪L‬ة بحديث‪L‬ه ‪ ‬أن ذل‪L‬ك‬
‫ك‪L‬ذب علي‪L‬ه‪ ،‬ق‪L‬ال رحم‪L‬ه اهلل‪" :‬ولكن بل‪L‬غ ذل‪L‬ك أقواًم ا من أهل العلم وال‪L‬دين فظن‪L‬وه صحيًح ا‬
‫فعمل‪LL‬وا ب‪LL‬ه وهم م‪LL‬أجورون على حس‪LL‬ن قص‪LL‬دهم واجتهادهم ال على مخالف‪LL‬ة الس‪LL‬نة" مجم‪LL‬وع‬
‫الفتاوى (‪.)24/202‬‬
‫(‪)53‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وأحب إلَّي من ولدي‪ ،‬وإني ألكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر‬
‫إليك‪ ،‬وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلَت الجنة رفعت مع النبيين‪،‬‬
‫وإن دخلُت الجنة خشيُت أن ال أراك(‪.)1‬‬
‫ولو كان كل ما يربط هذا الرجل بالرسول ‪ ‬من معاني المحبة طاعته‪ ،‬فذلك‬
‫ينتهي بانتهاء الدنيا إذ ال تكليف في الجنة‪ ...‬ولكن كان في قلب هذا الرجل عاطفة‬
‫وشوق لرسوله ‪ ‬وذلك ال ينقطع وال يزول بانتهاء التكليف‪.‬‬
‫وفي رواية أنه جاء إلى رسول اهلل ‪ ‬وهو محزون فقال له ‪(( :‬يا فالن مالي‬
‫محزونا؟)) فقال ‪ :‬يا نبي اهلل‪ ,‬شئ فكرت فيه‪ .‬فقال‪(( :‬ما هو؟)) قال‪ :‬نحن‬
‫ً‬ ‫أراك‬
‫نغدو عليك ونروح‪ ,‬ننظر إلى وجهك‪ ,‬ونجالسك‪ ,‬وغدًا ترفع مع النبيين فال نصل‬
‫ِط‬
‫شيئا حتى أتاه جبريل بهذه اآلية‪َ :‬و َمْن ُي ِع الَّلَه‬ ‫إليك‪ ...‬فلم يرد عليه النبي ‪ً ‬‬
‫الَّر وَل َفُأوَلِئَك اَّلِذ ي َأ الَّل َل ِه ِم الَّنِبِّيي الِّص ِّديِق ي الُّش َد اِء‬
‫َن َو َه‬ ‫َن َو‬ ‫َمَع َن ْنَعَم ُه َع ْي ْم َن‬ ‫َو ُس‬
‫َو الَّصاِلِح يَن َو َح ُسَن ُأوَلِئَك َر ِفيقًا‪[ ‬النساء‪ ]69:‬فبشره ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫فتأمل ما يشغل قلب هذا الصحابي بعد دخوله الجنة وفوزه بنعيمها‪ ,‬يشغله عدم‬
‫رؤيته للرسول ‪ ...‬محبة قلبية عظيمة وعاطفة صادقة جياشة‪ ...‬تلك العاطفة التي‬
‫تجعل الصحابة رضوان اهلل عليهم كما يشتاقون لرؤيته ‪ ‬يشتاق بعضهم لرؤية‬

‫(?) ق‪LL‬ال الهيثمي في مجم‪LL‬ع الزوائ‪LL‬د (‪" :)7/7‬رواه الط‪LL‬براني في الص‪LL‬غير واألوس‪LL‬ط ورجال‪LL‬ه‬ ‫‪1‬‬

‫رج‪LL‬ال الص‪LL‬حيح غير عب‪LL‬د اهلل بن عم‪LL‬ران العاب‪LL‬دي وهو ثق‪LL‬ة" اهـ‪ .‬ورواه أب‪LL‬و نعيم في الحلي‪LL‬ة (‬
‫‪ ،)8/125( ،)4/240‬وزاد ابن كث‪LL‬ير في تفس‪LL‬يره (‪ )1/495‬نس‪LL‬بته البن مردويه وللحاف‪LL‬ظ‬
‫أبي عبد اهلل المقدسي في كتاب‪L‬ه صفة الجن‪L‬ة وذك‪L‬ر قول‪L‬ه‪" :‬ال أرى بإس‪L‬ناده بأًس ا" اهـ‪ .‬وذك‪L‬ره‬
‫الشيخ مقبل في الصحيح المسند من أسباب النزول ص‪.71 ،70‬‬
‫(?) هذه الرواية البن جرير في تفسيره (‪ ،)8/534/9924‬عن س‪L‬عيد بن جب‪L‬ير فهي مرس‪L‬لة‬ ‫‪2‬‬

‫ويشهد لها الرواية السابقة‪.‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)54‬‬
‫رجال عظيمًا كعمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‬
‫بعض‪ ...‬تلك العاطفة التي تجعل ً‬
‫يذكر بعض أصحابه في الليل فيشتاق لرؤياه ولقائه فيعد الساعات إلى الصباح فإذا‬
‫أصبح انطلق ليلقاه‪...‬‬
‫روى الإمام أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في اإلخوان أن عمر بن الخطاب‬
‫رضي اهلل عنه كان يذكر األخ من إخوانه بالليل‪ ،‬فيقول‪ :‬ما أطولها من ليلة ‪ ،‬فإذا‬
‫صلى الغداة غدا إليه فإذا لقيه التزمه أو اعتنقه(‪.)1‬‬
‫نعم‪ ...‬تلك العاطفة التي تجعل األخ يشتاق إلى أخيه والصاحب إلى صاحبه‪...‬‬
‫حتى يود لو لم يفارقه في حياة وال موت‪...‬‬
‫وما أمجل قول القائل‪:‬‬
‫فإذا فقدُّتهم انقضى عمري‬ ‫يا ليتني أحيا بقربهُم‬
‫ويكون بين ُقُبوِر هْم َقْبِري‬ ‫َفَتكوُن داري بين ُد وِر ِهم‬

‫وهذا آخر يقول‪:‬‬


‫إال هموًم ا أعاِنيَها وأحزاًنا‬ ‫وما تبدلت مذ فاَر ْقُت قربكم‬
‫(‪)2‬‬ ‫هل ُيَس ُّر بسكنى داِره أحد‬
‫وليس أحبابه للداِر جيَر اًنا‬

‫وثالث يقول‪:‬‬
‫في كَّل حال فلَّم ا َش طت الدار‬ ‫كنا نزوركم والدار َج اِم عة‬
‫وليس للَّش وِق في األْح َش اء‬ ‫ِص ْر نا نقِد ُر وقًتا في زيارتكم‬
‫مقداُر‬

‫ويقول آخر‪:‬‬
‫(?) الزهد لإلمام أحمد ص‪.152‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.95‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)55‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وأسأل عنهم َم ْن لقيُت وهم‬ ‫ومن َع َج ٍب أني أِح ُّن إليهم‬
‫َم ِع ي‬ ‫وتطلُبُهم َع ْيِني وُهْم في‬
‫ويْش تاُقُهم َقْلِبي وُهْم بين‬ ‫َس َو اِد ها‬
‫(‪)1‬‬
‫أْض ُلِع ي‬

‫ومن أمجل قول بعضهم‪:‬‬


‫فَلْم َتِغ ْب الموَّدُة واِإل َخ اُء‬ ‫فإن َيُك عن لَقائك غاَب‬
‫بظْهِر الغيِب َيْتَبُعه الدَعاُء‬ ‫وْج هي‬
‫على الحاالِت َيحُد وَها الَو َفاُء‬ ‫ّث‬
‫ولم َيِغ ِب ال َناُء عليك مَّني‬
‫وما زالْت َتَتوَّق إليَك نْفسي‬

‫وتأمل قول أحدهم ـ وهو يعرب عن فرح قلبه بإخوانه وشوقه إليهم ـ‪:‬‬
‫تلت عْيَناه آَي المرسالت‬ ‫متى شَّم المحب لكْم َنِس يًم ا‬
‫وذا مْعَنى القلوِب الَع اِم راِت‬ ‫ففي فسح الُقلوِب لكم دياٌر‬
‫وصبح الوصل يمحو‬ ‫أُتْس ِع ُد نا بقْر ِبكم اللَيالي‬
‫القاطعات‬ ‫أحبتنا‪ ...‬وحفُظ الوَّد َد ْيٌن‬
‫ونحن على العهوِد الَّسالَفاِت‬

‫وال شك أن صدق العاطفة يورث الفرحة بلقاء األحبة‪ ...‬كما أن إظهار الفرح‬
‫باللقاء ينمي العاطفة‪ ،‬وكذلك البشاشة والتبسم وحسن االستقبال والسالم كل ذلك‬
‫يقرب القلوب ويعطف بعضها على بعض‪ ...‬ولذلك قال رسول اهلل ‪(( :‬ال تحقرن‬
‫شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق))‪ ،‬وقال أيًض ا‪(( :‬تبسمك في وجه‬
‫من المعروف ً‬
‫أخيك لك صدقة))(‪ .)2‬وقال ‪(( :‬ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى‬

‫(?) منهاج السنة (‪.)5/377‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مسلم في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)2626‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )5/173‬من ح‪LL‬ديث‬ ‫‪2‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)56‬‬
‫تحابوا‪ ،‬أو ال أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السالم بينكم)) (‪.)1‬‬
‫وصدق عمر رضي اهلل عنه إذ يقول‪ :‬لقاء اإلخوان جالء األحزان(‪.)2‬‬
‫وسئل سفيان‪ :‬ما هناء العيش؟ قال‪ :‬لقاء اإلخوان(‪ ...)3‬وقد أصاب رحمه اهلل‪...‬‬
‫فإن إخوان الصدق ـ كما قيل(‪ )4‬ـ زينة في الرخاء وعصمة في البالء‪ ،‬وإن رؤيتهم‬
‫تفرح القلب وتريح النفس وتزيل الغم‪.‬‬
‫والعاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب يؤثر أحبابه على نفسه ولو بما به قوام‬
‫الحياة‪ ...‬ويخاف عليهم كما يخاف على نفسه أو أشد‪ ،‬ويشق عليه أدنى كدر أو أذى‬
‫يصيبهم‪.‬‬

‫أبي ذر رض‪LL L‬ي اهلل عن‪LL L‬ه‪ ،‬ورواه الترم‪LL L‬ذي في األطعم‪LL L‬ة رقم (‪ )1833‬وزاد في آخ‪LL L‬ره‪" :‬وإن‬
‫اش ‪LL‬تريت لحًم ا أو طبخت ق ‪LL‬دًر ا ف ‪LL‬أكثر مرقت ‪LL‬ه واغرف لج ‪LL‬ارك من ‪LL‬ه"‪ ،‬وصححه األلب ‪LL‬اني في‬
‫صحيح الج‪LL‬امع الص‪LL‬غير رقم (‪ ،)7634‬وروى الترم‪LL‬ذي أيًض ا من ح‪LL‬ديث ج‪LL‬ابر بن عب‪LL‬د اهلل‬
‫ق‪L‬ال‪ :‬ق‪L‬ال رس‪L‬ول اهلل ‪" :‬ك‪L‬ل مع‪L‬روف صدقة وإن من المع‪L‬روف أن تلقى أخ‪L‬اك بوج‪L‬ه طل‪L‬ق‪،‬‬
‫وأن تفرغ من دل‪L‬وك في إن‪L‬اء أخي‪L‬ك"‪ ،‬ورواه أحم‪L‬د في مس‪L‬نده (‪ ،)360 ،3/344‬والبغ‪L‬وي‬
‫في شرح السنة (‪ )6/143‬وحسنه‪ ،‬وحسنه كذلك األلب‪L‬اني في صحيح الج‪L‬امع الص‪L‬غير رقم‬
‫(‪.)4557‬‬
‫(?) ج‪LL‬زء من ح‪LL‬ديث رواه الترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)1956‬وصححه األلب‪LL‬اني في‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح الج ‪LL‬امع الص ‪LL‬غير رقم (‪ )2908‬والص ‪LL‬حيحة رقم (‪ )572‬وزاد نس ‪LL‬بته البن حب ‪LL‬ان (‬
‫‪ ،)864‬والبخاري في األدب المفرد (‪.)128‬‬
‫(?) رواه مسلم في اإليمان رقم (‪ ،)54‬والترمذي في االستئذان في فاتحت‪L‬ه رقم (‪،)2688‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأب‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ ،)5193‬وابن ماج‪LL‬ه في المقدم‪LL‬ة رقم (‪ )68‬وفي األدب رقم (‬
‫‪ ،)3692‬وأحمد في المسند (‪.)512 ،495 ،442 ،2/391‬‬
‫(?) انظر ص‪.15‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.15‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪)57‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫قال بعض السلف‪ :‬إن الذباب ليقع على صديقي فيشق علّي ‪.‬‬
‫والمؤمن الصادق في حبه ألخيه يضحي براحته ليريح أخاه ويضحي بماله ليمنح‬
‫أخاه‪ ,‬بل قد بلغ إيثاره ألخيه وخوفه عليه أن يعرض حياته للخطر من أجله‪،‬‬
‫واألمثلة في هذا وغيره كثيرة مشهورة حفلت بها حياة الصحابة الكرام وسلفنا‬
‫الصالح‪ ,‬فمنها‪ :‬ذلك اللقاء التاريخي الحافل بين المهاجرين واألنصار وليس‬
‫يربطهم قرابة نسب وال دم وإنما ربطتهم قرابة العقيدة وأخوة الإيمان‪ ..‬األنصار في‬
‫المدينة بكل مشاعر الحب‪ ،‬بكل مشاعر اإلخاء‪...،‬كلهم يتسابق في إيواء‬
‫المهاجرين ومشاطرتهم المال والمتاع‪ ،‬فكان األنصاري يطلق من نسائه ليجد‬
‫المهاجري امرأة يتزوجها(‪ ،)1‬ويترك أحب ماله هبة ألخيه حتى أن الواقدي يذكر أن‬
‫الرسول ‪ ‬لما تحول من بني عمرو بن عوف في قباء إلى المدينة تحول أصحابه من‬
‫المهاجرين فتنافست فيهم األنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان‪،‬‬
‫فما نزل أحد منهم على أحد إال بقرعة سهم(‪.)3()...)2‬‬

‫(?) المخت ‪LL‬ار من الص ‪LL‬داقة والص ‪LL‬ديق ألبي حي ‪LL‬ان التوحي ‪LL‬دي ص‪ ،134‬وفي العق‪LL‬د الفريد (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )2/163‬قال‪ :‬قال سعيد بن العاص‪ :‬إني ألكره أن يمر الذباب بجليسي مخافة أن يؤذيه‪.‬‬
‫(?) ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري في النكاح رقم (‪ )5072‬عن أنس بن مالك قال‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫"ق ‪LL‬دم عب ‪LL‬د ال ‪LL‬رحمن بن ع ‪LL‬وف ف ‪LL‬آخى الن ‪LL‬بي ‪ ‬بين ‪LL‬ه وبين س ‪LL‬عد بن الربي ‪LL‬ع األنص ‪LL‬اري‪ ،‬وعن ‪LL‬د‬
‫األنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فق‪L‬ال‪ :‬ب‪LL‬ارك اهلل ل‪LL‬ك في أهل‪L‬ك ومال‪LL‬ك‪،‬‬
‫دل‪LL‬وني على الس‪LL‬وق‪ "...‬إلخ‪ ،‬ق‪LL‬ال ابن حج‪LL‬ر رحم‪LL‬ه اهلل في الفتح (‪" :)9/19‬وفي‪LL‬ه م‪LL‬ا ك‪LL‬انوا‬
‫عليه من اإليثار حتى بالنفس واألهل" اهـ‪ .‬وسيأتي تخريج الحديث ص‪.59‬‬
‫(?) نزول المهاجرين على األنص‪L‬ار بالقرع‪L‬ة ث‪L‬ابت في صحيح البخ‪L‬اري‪ ،‬فق‪L‬د روى البخ‪L‬اري‬ ‫‪3‬‬

‫في الجن‪LL‬ائز (‪ )1243‬عن خارج‪LL‬ة بن زيد بن ث‪LL‬ابت أن أم العالء ـ ام‪LL‬رأة من األنص‪LL‬ار ب‪LL‬ايعت‬
‫الن ‪LL‬بي ‪ ‬ـ أخبرت ‪LL‬ه أن ‪LL‬ه اقُتِس َم المهاجرون قرع ‪LL‬ة فط ‪LL‬ار لن ‪LL‬ا عثم ‪LL‬ان بن مظع ‪LL‬ون فأنزلن ‪LL‬اه في‬
‫أبياتنا‪ "...‬الح‪L‬ديث‪ ،‬ورواه في من‪L‬اقب األنص‪L‬ار (‪ ،)3929‬ورواه في الش‪L‬هادات (‪)26879‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)58‬‬
‫هكذا مزج هذا الدين بن أرواح أصحابه بهذه الصورة العجيبة ‪َ‬لْو َأْنَف ْق َت َما‬
‫ِفي اَألْر ِض َج ِم يًعا َما َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم َو َلِكَّن الَّلَه َأَّلَف َبْيَنُه ْم ‪[ ‬األنفال‪ ...]63 :‬إنه‬
‫أعظم لقاء أذن اهلل به لصفحات التاريخ لتسجله عبر سطور الزمان وتفخر به على‬
‫مر السنين واأليام‪ ...‬إنه لقاء الحب وتضحية العقيدة واإليمان‪َ ...‬و اَّلِذ يَن َتَبَّو ُأوا‬
‫الَّداَر َو الإِيَم اَن ِم ْن َقْبِلِه ْم ُيِح ُّبوَن َمْن َه اَج َر ِإَلْيِه ْم َو ال َيِج ُد وَن ِفي ُصُد وِر ِه ْم َح اَج ًة‬
‫وَق ُش َّح ْف ِس ِه‬ ‫ِس‬ ‫ِث‬ ‫ِم‬
‫َن‬ ‫َّم ا ُأوُتوا َو ُيْؤ ُر وَن َعَلى َأْنُف ِه ْم َو َلْو َك اَن ِبِه ْم َخ َص اَص ٌة َو َمْن ُي‬
‫َفُأوَلِئَك ُه ُم اْلُم ْف ِلُح وَن ‪[ ‬الحشر‪.]9:‬‬
‫ترى أي عاطفة حية قامت بقلب كل واحد منهم تجاه أخيه‪ ،‬وأي شفقة جعلتهم‬
‫يرتقون إلى هذا المستوى السامق من اإليثار والتضحية(‪ ...)1‬ترى لو بردت هذه‬

‫بلف ‪LL‬ظ‪" :‬أن عثم ‪LL‬ان بن مظع ‪LL‬ون ط ‪LL‬ار ل ‪LL‬ه س ‪LL‬همه في الس ‪LL‬كنى حيث أق ‪LL‬رعت األنص ‪LL‬ار س ‪LL‬كنى‬
‫المهاجرين‪ ،‬ق ‪LL‬الت أم العالء‪ :‬فس ‪LL‬كن عن ‪LL‬دنا عثم ‪LL‬ان بن مظع ‪LL‬ون‪ ،"...‬وفي كت ‪LL‬اب التعب ‪LL‬ير (‬
‫‪ )7003‬بلف ‪LL‬ظ‪" :‬أخبرت ‪LL‬ه أنهم اقتس ‪LL‬موا المهاجرين قرع ‪LL‬ة‪ ،‬ق ‪LL‬الت‪ :‬فط ‪LL‬ار لن ‪LL‬ا عثم ‪LL‬ان بن‬
‫مظع ‪LL‬ون وأنزلن ‪LL‬اه في أبياتن ‪LL‬ا" وفي ‪LL‬ه أيًض ا (‪ )7018‬بلف ‪LL‬ظ "ط ‪LL‬ار لن ‪LL‬ا عثم ‪LL‬ان بن مظع ‪LL‬ون في‬
‫السكنى حين اقترعت األنصار على سكنى المهاجرين"‪.‬‬
‫(?) ومن القص ‪LL‬ص المش ‪LL‬هورة ال ‪LL‬تي ت ‪LL‬ذكر عن ‪LL‬د الح ‪LL‬ديث على اإليث ‪LL‬ار والتض ‪LL‬حية في س ‪LL‬بيل‬ ‫‪1‬‬

‫اإلخ‪LL‬وان قص‪LL‬ة الح‪LL‬ارث بن هش‪LL‬ام وعكرم‪LL‬ة بن أبي جهل وعي‪LL‬اش بن أبي ربيع‪LL‬ة يوم ال‪LL‬يرموك‬
‫وإيثار كل واحد منهم صاحبه بالماء الذي دعا به ليشربه وموتهم دون أن يش‪LL‬رب أح‪LL‬د منهم‬
‫هذا الماء‪ ،‬وهذه القصة مع شهرتها إال أنها ال تثبت حديثًيا فق‪L‬د رواها الط‪L‬براني كم‪L‬ا في مجم‪L‬ع‬
‫الزوائ‪LL‬د (‪ ،)6/213‬وق‪LL‬ال الهيثمي‪" :‬وح‪LL‬بيب لم يدرك ال‪LL‬يرموك وفي إس‪LL‬ناده من لم أعرف‪LL‬ه"‬
‫اهـ‪ .‬ورواها الح ‪LL‬اكم في مس ‪LL‬تدركه (‪ )3/242‬من رواية ح ‪LL‬بيب أيًض ا وهو ابن أبي ث ‪LL‬ابت‪،‬‬
‫وذكرها ابن قتيب ‪LL‬ة في عي ‪LL‬ون األخب ‪LL‬ار (‪1/462‬ـ ‪ ،)463‬وق ‪LL‬ال‪" :‬وهذا الح ‪LL‬ديث عن ‪LL‬دي‬
‫موضوع ألن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل يوم أجن‪LL‬ادين وعي‪LL‬اش م‪L‬ات بمكة والح‪LL‬ارث‬
‫م‪LL‬ات بالش‪LL‬ام في ط‪LL‬اعون عم‪LL‬واس" اهـ‪ .‬ولهذا الكالم في س‪LL‬ندها ومتنها لم ن‪LL‬ذكرها في س‪LL‬ياق‬
‫(‪)59‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫العاطفة وخمدت المحبة التي في القلب هل كانوا يقوون على هذا المستوى من اإليثار‬
‫والتضحية؟‬
‫إن المحبة القلبية هي التي تحرك اإلنسان ألشياء كثيرة‪ ،‬وقلب المحب دليل‬
‫لصاحبه إلى التفاني في خدمة محبوبه‪ ...‬وحين تكون هذه المحبة محبة إيمانية فإنها‬
‫تقود إلى العجائب‪...‬وتأمل قوله تعالى وهو يذكر إيثار األنصار للمهاجرين فيقدم‬
‫لذلك بقوله‪َ :‬و اَّلِذ يَن َتَبَّو ُأوا الَّداَر َو الإِيَم اَن ِم ْن َقْبِلِه ْم ُيِح ُّبوَن َمْن َه اَج َر ِإَلْيِه ْم ‪...‬‬
‫[الحشر‪.]9:‬‬
‫فذكر جل وعال محبتهم إلخوانهم وأن ذلك ظهر في إيثارهم لهم‪ ،‬ولم يقل‬
‫جل وعال‪ :‬إن إيثارهم إلخوانهم كان ـ مثًال ـ تلبية مجردة ألمر من رسول اهلل ‪ ‬ال‬
‫عالقة لها بالعواطف ومحبة القلوب‪ ...‬كال ‪ ...‬فتلك ليست الصورة المثلى للعالقة‬
‫بين اإلخوان أو األحبة‪ ،‬وإنما يصنع المحب ما يصنع تجاه أخيه مدفوًعا بالدافعين‬
‫مًعا‪ :‬دافع المحبة القلبية والعاطفة الصادقة‪ ،‬ودافع التخلق بآداب الشرع‬
‫وأحكامه‪ ...‬وكل ذلك مما أتى به الشرع وكان عليه الصحابة الكرام والسلف‬
‫الصالح‪ ...‬وحين نفرط في آداب الشرع أو حين تبرد العاطفة تتعرض األخوة‬
‫للذبول والفساد‪.‬‬
‫وتأمل تلك العاطفة الكامنة وراء خوف الصاحب على صاحبه وحرصه على‬
‫راحته وإيثاره له فيما رواه مصعب بن أحمد بن مصعب قال‪ :‬قدم أبو محمد‬
‫المروزي إلى بغداد يريد مكة‪ ،‬وكنت أحب أن أصحبه‪ ،‬فأتيته واستأذنته في‬
‫الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة‪ .‬ثم قدم سنة ثانية وثالثة فأتيته فسلمت عليه‬

‫ح‪LL‬ديثنا عن اإليث‪LL‬ار‪ ،‬وأحببت أن أنب‪LL‬ه على م‪LL‬ا قي‪LL‬ل فيها واهلل تع‪LL‬الى أعلم بالص‪LL‬واب‪ .‬وانظ‪LL‬ر م‪LL‬ا‬
‫قي‪LL‬ل في هذه القص‪LL‬ة في مجل‪LL‬ة البح‪LL‬وث اإلس‪LL‬المية ال‪LL‬تي تص‪LL‬در عن الرئاس‪LL‬ة العام‪LL‬ة إلدارات‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ـ الرياض العدد (‪ )22‬ص‪30‬ـ ‪.35‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)60‬‬
‫وسألته فقال‪ :‬اعزم على شرط‪ :‬يكون أحدنا األمير ال يخالفه اآلخر‪ .‬فقلت‪ :‬أنت‬
‫األمير‪ .‬فقال‪ :‬ال بل أنت‪ ،‬فقلت‪ :‬أنت أسن وأولى‪ .‬فقال‪ :‬ال تعصني‪ .‬فقلت‪ :‬نعم ـ‬
‫وما درى مصعب أن المروزي قبل اإلدارة لخدمة أخيه ال الستخدامه‪ ،‬وليعِّلم كل‬
‫أمير قوم أن يكون خادًما ومحًبا لهم وعطوًفا عليهم ورحيًم ا بهم ـ قال مصعب‪:‬‬
‫فخرجت معه‪ ،‬وكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال‪ :‬ألم أشرط‬
‫عليك أن ال تخالفني! فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته لما ُيلحق نفسه من‬
‫الضرر‪.‬‬
‫فأصابنا في بعض األيام مطر شديد ونحن نسير فقال لي‪ :‬يا أبا أحمد اطلب‬
‫الميل(‪ .)1‬ثم قال لي‪ :‬اقعد في أصله‪ ،‬فأقعدني في أصله وجعل يديه على الميل وهو‬
‫قائم قد حنا علَّي ‪ ،‬وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر حتى تمنيت أني لم‬
‫أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر‪ .‬فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمة اهلل‬
‫عليه(‪.)2‬‬
‫وإن العاطفة الصادقة الحية هي التي تجعل األخ يدعو لمحبوبه بظهر الغيب‪...‬‬
‫ويذكره في األوقات الفاضلة‪ ...‬وقد كان اإلمام أحمد رحمه اهلل يدعو لنفر من إخوانه‬
‫في السحر بأسمائهم‪ ..‬وقد رغبنا رسول اهلل ‪ ‬في ذلك وما ترك شيًئا يكمل األخوة‬
‫والمحبة بين المسلمين إال علمنا إياه‪ ،‬فقال ‪(( :‬دعوة المرء المسلم ألخيه بظهر‬

‫(?) أي اذهب إلى أق‪LL‬رب مي‪LL‬ل‪ .‬والمي‪LL‬ل هو‪ :‬حج‪LL‬ر ق‪LL‬ائم يب‪LL‬نى للمس‪LL‬افر ـ والس‪LL‬يما في طريق‬ ‫‪1‬‬

‫مكة ـ لالهت‪LL‬داء ب‪LL‬ه وإدراك المس‪LL‬افة‪ ،‬وبين ك‪LL‬ل مي‪LL‬ل وآخ‪LL‬ر مق‪LL‬دار م‪LL‬دى البص‪LL‬ر‪( .‬من أخالق‬
‫الس‪LL‬لف ص‪ ،)112‬وفي لس‪LL‬ان الع‪LL‬رب‪ :‬وقي‪LL‬ل‪ :‬لألعالم المبني‪LL‬ة في طريق مكة أمي‪LL‬ال؛ ألنها‬
‫ب‪LL‬نيت على مق‪LL‬ادير م‪LL‬دى البص‪LL‬ر من المي‪LL‬ل إلى المي‪LL‬ل‪ .‬والمي‪LL‬ل‪ :‬من‪LL‬ار يب‪LL‬نى للمس‪LL‬افر في أنش‪LL‬از‬
‫األرض وأشرافها‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب ص‪.4311‬‬
‫(?) من أخالق السلف ص‪ 112‬نقًال عن صفة الصفة (‪.)149 ،4/148‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)61‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫الغيب مستجابة))(‪.)1‬‬
‫وقل أن يتذكر اإلنسان إخوانه والمبتلين من المسلمين إذا تجرد قلبه عن‬
‫العاطفة والشفقة‪ ...‬ومن ثم يندر أن يدعو ألحد بظهر الغيب‪ ...‬اللهم إال لو كان له‬
‫مصلحة عند أخيه أو له مراد ما في منازعة جرت بينهما فيدعو ألخيه أن يلين قلبه‬
‫وينصلح حاله‪ ،‬وهذا يعني من وجهة نظره أن يقتنع أخوه بوجهة نظره ويترك‬
‫منازعته‪ ،‬ويتجمل بهذا الدعاء في المجالس فيقول‪ :‬إن فالًنا الذي تظنون أنني‬
‫أعاديه‪ ،‬أحبه وأدعو له بظهر الغيب‪ ،‬فإذا قيل له‪ :‬بم تدعو له بظهر الغيب؟ قال‪:‬‬
‫أدعو له بالهداية والرجوع إلى الحق‪ .‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وليس هذا بالضرورة عالمة محبة‪ ،‬بل قد يكون أقرب إلى السب من الحب؛‬
‫يجعل الدعاء متنفًس ا له ينتقص فيه أخاه ويضعه موضع الضال المقصر والمنحرف‬
‫الجاهلي وغير ذلك‪ ...‬ولذا ال تجده مثًال يدعو له مع ذلك بأن يسكنه اهلل‬
‫الفردوس األعلى أو أن يقر عينه بماله وولده وأهله ويبارك له في عمره ويرزقه‬
‫السعادة التامة وعلو الشأن في الدارين إلى آخره من دعاء المحبين إلخوانهم‪...‬‬
‫وإن العاطفة الحية هي التي تجعل المحب يقوم بسائر حقوق األخوة تجاه أخيه‬
‫قبل أن يعاتبه أخوه أو يذكره بها أحد‪ ،‬فتراه يدافع عنه في غيبته‪ ،‬ويخف إلى‬
‫مساعدته في أموره وإنجاز حوائجه‪ ،‬ويحب له ما يحب لنفسه‪ ،‬ويفرح بالنعمة التي‬
‫تصيبه كما لو كانت قد أصابته هو‪ ،‬فقلبه طاهر من الغل والحقد والحسد والمكر‬
‫واللؤم‪ ،‬فقلبه صاٍف ألحبابه وإخوانه صفاء أفئدة الطير‪...‬‬
‫وكل هذه المعاني يدفعنا إليها رسولنا ‪ ‬دفًعا ليعيننا على تطهير قلوبنا ويرغبنا‬

‫(?) رواه مس ‪LL‬لم في ال ‪LL‬ذكر وال ‪LL‬دعاء رقم (‪ ،)2733 ،2732‬وابن ماج ‪LL‬ه في المناس ‪LL‬ك رقم (‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،)2895‬وأحمد في المسند (‪.)5/195‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)62‬‬
‫أعظم ترغيب ويحذرنا أقوى تحذير‪ ...‬فهو القائل صلوات اهلل وسالمه عليه‪(( :‬ال‬
‫يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(‪ ،)1‬وهو القائل ‪(( :‬يدخل الجنة‬
‫أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير))(‪ ،)2‬وهو القائل صلوات اهلل وسالمه عليه‪(( :‬عالم‬
‫يقتل أحدكم أخاه ـ يعني بالعين أو الحسد ـ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه‬
‫فليدع له بالبركة))(‪.)3‬‬
‫والعاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب يسارع إلى تبشير المحبوب بما يسره‬
‫ويحرص على أن يكون أسبق الناس إلى ذلك لما يجده من السرور والسعادة حين‬
‫يجد أخاه مسروًر ا‪ ...‬وكذلك يسارع إلى تهنئته بما يتحقق له من نعمة‪...‬‬
‫ولدينا نموذج لذلك في قصة توبة كعب بن مالك رضي اهلل عنه كما سيأتي(‪.)4‬‬
‫والعاطفة الصادقة هي اليت جتعل احملب يريد ما يريده أخوه وحيب ما حيبه‪ ،‬قال‬
‫أحدهم‪:‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫روحه روحي وروحي روُحه‬
‫إن يشأ شئُت وإن شئُت يشأ‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه مس‪LL L‬لم في الجن‪LL L‬ة وصفة نعيمها وأهلها رقم (‪ ،)2840‬وأحم‪LL L‬د في مس‪LL L‬نده (‬ ‫‪2‬‬

‫‪.)2/331‬‬
‫(?) رواه بهذا اللف‪L‬ظ ابن ماج‪LL‬ه في الطب رقم (‪ ،)3509‬ورواه مال‪L‬ك في الموط‪LL‬أ في العين (‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،)939 ،2/938‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )3/447‬ـ بنح‪LL‬وه‪ ،‬والح‪LL‬ديث في‪LL‬ه قص‪LL‬ة وصححه‬


‫األلباني في صحيح سنن ابن ماجه رقم (‪ ،)2828‬وصحيح الجامع رقم (‪.)4020‬‬
‫(?) انظر ص‪.151‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) فكأنما هما روح واحدة أو نفس واحدة‪ ،‬وهذا ينبغي أن يقيد بما ال مخالفة فيه للش‪LL‬رع‬ ‫‪5‬‬

‫وما ال يقتضي ترًك ا لفضيلة أو مصلحة شرعية‪ ،‬أما االمتزاج أو الذوبان المطلق فال نقول به‪.‬‬
‫والبيت في المختار من الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪.48‬‬
‫(‪)63‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫والعاطفة الصادقة هي اليت جتعل احملب يشعر بفقد أخيه إذا غاب ويتأمل لفراقه؛ هذا‬
‫الشعور الذي يعرب عنه قول أحد الشعراء وهو يرثي صاحبه‪:‬‬
‫لطوِل اجتماٍع لم نبت ليلة مًعا‬ ‫فلما تفرقنا كأني ومالًك ا‬

‫أو الذي يعرب عنه آخر حني يقول‪:‬‬


‫تِس ير بها َنْفِس ي وأخرى رهن‬ ‫أنا المهاِج ُر ذو نْفَس ين‪ ،‬واِح دة‬
‫إخوان‬

‫أو الذي يعرب عنه ثالث فيقول‪:‬‬


‫ِس َو ى فرقة األحباب هَّيَنة‬ ‫وجدُت مصيبات الزماِن‬
‫الخْط ب‬ ‫جميعها‬

‫وما أرق وداع المحبين ألحبابهم في أسفارهم وفي مواطن افتراقهم‪...‬‬


‫يقول أحدهم‪:‬‬
‫ذائع من سّره ما اْسَتوَدعك‬ ‫وَد ِع الصبَر محب ودعك‬
‫زاَد في تلَك الُخَطى إذا شَّيَع ك‬ ‫يقرع السَّن على أن لم يكْن‬

‫ويقول آخر‪:‬‬
‫تصاريُف الحوادِث والُّدُهوِر‬ ‫أبا بكر لئن صرفتك عنا‬
‫بمحِض الشوِق عن ُمَهِج‬ ‫فلم نْر َح ْل بأنُفِس نا ولكن‬
‫الصدوِر‬ ‫فقدُت بفْقِد ك الوَّد المصَّفى‬
‫وأخالًقا تكِش ُف عن ُبدور‬ ‫أَش يُعه إلى سفر كأني‬
‫أشيع والدَّي إلى القبور‬ ‫وما ودعُته إال ونفسي‬
‫تودعني بَتْو ديع السُروِر‬ ‫وال أتبْع ُته بالّلْح ظ إال‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)64‬‬
‫رددت اللحظ عن طرٍف‬ ‫وكان الشْهُر قْبل اليوِم يوًم ا‬
‫حسير‬
‫فَص اَر اليوُم بعَدَك كالُّش ْهور‬

‫وإن العاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب يدرك قيمة إخوانه ويعد فقدانهم‬
‫أعظم خسارة وأشد غربة‪.‬‬
‫قال علّي بن أبي طالب رضي اهلل عنه البنه الحسن‪ :‬يا بني‪ ،‬الغريب من ليس له‬
‫حبيب(‪.)1‬‬
‫وقال ابن المعتز‪ :‬من اتخذ إخواًنا كانوا له أعواًنا(‪.)2‬‬
‫وقال خالد بن صفوان‪ :‬إن أعجز الناس من قّص ر في طلب اإلخوان‪ ،‬وأعجز منه‬
‫من ضّيع من ظفر به منهم(‪.)3‬‬
‫وقال بعض األدباء‪ :‬أفضل الذخائر أخ وفّي (‪.)4‬‬
‫وقال بعض البلغاء‪ :‬صديق مساعد عضد وساعد(‪.)5‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬
‫وهَّم ي من الدنيا صديٌق مساِع ُد‬ ‫هموم رجاٍل في أموٍر كثيرٍة‬
‫فجسماهما جسمان‪ ،‬والروح‬ ‫نكوُن كروٍح بين جسمين‬
‫(‪)6‬‬
‫واحد‬ ‫ُقَّس َم ت‬

‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪6‬‬


‫(‪)65‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫وقال الكندي‪ :‬الصديق إنسان هو أنت إال أنه غيرك(‪.)1‬‬


‫وقال أيوب السختياني‪ :‬إذا بلغني موت أٍخ لي فكأنما سقط عضو مني(‪.)2‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬من لم يرغب في اإلخوان بلي بالعدواة والخذالن(‪.)3‬‬
‫ولعمري إن إخوان الصدق من أنفس الذخاَئر‪ ،‬وأفضل العدد؛ ألنهم سهمان‬
‫النفوس ـ أي نصيبها ـ وأولياء النوائب(‪.)4‬‬
‫وقد قالت الحكماء‪ :‬رب صديق أود من شقيق(‪.)5‬‬
‫وقيل لمعاوية‪ :‬أيما أحب إليك؟ قال‪ :‬صديق يحببني إلى الناس(‪.)6‬‬
‫وقال ابن المعتز‪ :‬القريب بعداوته بعيد‪ ،‬والبعيد بمودته قريب(‪.)7‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫َو ّفى لك عنَد العْهِد من ال‬ ‫َيُخ ونك ذو القْر َبى ِم راًرا‬
‫(‪)8‬‬ ‫وربما‬
‫ُتناِس ُبه‬

‫والعاطفة الصادقة هي التي تجعل المحب حريًص ا على صاحبه وإن قصر معه‬

‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عيون األخبار (‪.)3/4‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.166‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) انظر ص‪.17‬‬ ‫‪8‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)66‬‬
‫صاحبه‪ ،‬ومن المحبين من يحرص على القرب من أحبابه وإن تباعدوا عنه وال ينسى‬
‫الدعاء لهم‪ ،‬وهذا قمة المحبة واإلخالص والحرص على األحباب‪.‬‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫صفو المودِة ِم ني آخَر األَبِد‬ ‫َم ا وَّد ني أحٌد إال بذلت له‬
‫إال دعْو ُت له الرحمَن‬ ‫وال جَفاِني وإن كنُت المحَّب‬
‫(‪)1‬‬ ‫له‬
‫بالرَش ِد‬

‫(وقال الشاطيب‪:‬‬
‫وما يأتلي في نصِح هم متبذال‬ ‫وقد قيل ُك ْن كالكلِب يْقِص يه‬
‫أهُله‬

‫وذلك أن الكلب يضرب ويجفى وُيقصى وال يزداد إلى قرًبا ودنًو ا من أصحابه‪،‬‬
‫وفي قصة أصحاب الكهف وشأن كلبهم معهم ذكرى وعبرة)(‪.)2‬‬
‫ولبعض المحبين ملحظ آخر وذلك أنهم تباعدوا أو بتعبير أدق باعدوا أنفسهم‬
‫عن أحبابهم مع ما في ذلك من المشقة على نفوسهم لما رأوهم يحبون ذلك إدخاًال‬
‫للسرور عليهم وحرًص ا على راحتهم ال غضًبا أو بغًض ا‪.‬‬
‫قال أحدهم‪:‬‬
‫فباعدُت نفسي التَباع هَو اكا‬ ‫رأيتك ال تختاُر إال تباُع ِد ي‬
‫فكيف احتيالي يا من جعلُت‬ ‫فبعدك يؤذيني وقربي لكم أذى‬
‫ِفَداكا‬

‫(?) روضة العقالء ص‪.207‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) بتصرف يسير من الص‪LL‬داقة والص‪LL‬ديق ص‪ ،115‬وبيت الش‪LL‬عر الم‪LL‬ذكور أورده ابن القيم‬ ‫‪2‬‬

‫في إغاثة اللهفان (‪ )1/89‬ونسبه للشاطبي‪.‬‬


‫(‪)67‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وهذا يقودنا إلى مسألة التفاوت بين حب كل من الصاحبين لصاحبه‪ ،‬وهي‬
‫مسألة مؤثرة في النفس‪ ،‬أعني حين تشعر أن صاحبك ال يحبك مثل ذاك الحب‬
‫الشديد الذي تجده في نفسك تجاهه‪ ،‬ولكن يهون ذلك عليك ويخففه تلك‬
‫البشرى العظيمة التي بشر بها المصطفى ‪ ‬المحبين حين قال‪(( :‬ما من رجلين تحابا‬
‫في اهلل بظهر الغيب إال كان أحبهما إلى اهلل أشدهما حًبا لصاحبه))(‪.)1‬‬
‫والبعض تتألم نفسه حين يجد أن صاحبه ال يبادله المحبة بنفس القدر أو‬
‫المستوى‪ ،‬وفي الحقيقة هذه مسألة ينبغي أن يكون اإلنسان فيها أكثر مرونة‪ ،‬وأن‬
‫يتقبلها أو يضعها في حجمها الطبيعي‪ ،‬فالغالب في المتحابين أن حبهم لبعضهم ال‬
‫يتساوى‪ ،‬ويقل أن تجد متحابين يتساوى قدر حب كل واحد منهما لآلخر تماًم ا‪...‬‬
‫ومن طريف ما روي عن رجل صادق في محبته لصاحبه‪ ،‬شديد الشوق إليه‪ ،‬ما‬
‫رواه قدامة بن جعفر أن رجًال كتب إلى آخر‪ :‬إن رأيت أن تحدد لي موعًد ا‬
‫لزيارتك أتوقته إلى وقت فيؤنسني إلى حين فافعل‪ .‬فأجابه اآلخر‪ :‬أخاف أن أعدك‬
‫وعًد ا يعرض دون الوفاء به ما ال أملك دفعه فتكون الحسرة أعظم من الفرقة‪.‬‬
‫فأجابه‪ :‬إنما أسر بموعدك وأكون جذًال بانتظارك‪ ،‬فإن عاق عائق عن إنجاز وعدك‬
‫كنت قد ربحت السرور لما أحبه‪ ،‬وأصبت أجري على الحسرة بما حرمته‪.‬‬
‫وال يخلو صاحبك الذي ال تشعر منه بنفس القدر أو المستوى من المحبة الذي‬
‫تتجه به إليه من أحد حالين‪ :‬إما أنه ال يحب مصاحبتك أصًال‪ ،‬وإما أنه يحب‬
‫صحبتك ومؤاخاتك ولكن حبك له أكثر‪.‬‬
‫أما الحالة األخيرة فيسيرة‪ ،‬ولتحتسب فيها األجر والثواب‪ ،‬واعذر فيها‬
‫صاحبك‪ ،‬وهي نعمة وفضل من اهلل عليك‪ ،‬وكفاك في ذلك ما سبق في الحديث‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪ ،12‬هامش (‪.)3‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)68‬‬
‫الصحيح‪(( :‬ما تحاب رجالن في اهلل تعالى إال كان أفضلهما أشُد هما حًبا لصاحبه))‬
‫(‪.)2‬‬
‫وأما إن كان صاحبك ال يحب مصاحبتك أصًال‪ ،‬وال يرعاك إال تكلًف ا أو على‬
‫كره‪ ،‬فاترك صحبته وال تفرض عليه أخوة خاصة‪ ،‬ومن الخير أن تبقى العالقة معبر‬
‫في إطار محبة اإلسالم العامة وكفى‪.‬‬
‫يروى عن الشافعي رحمه اهلل(‪:)1‬‬
‫فَد ْع ه وال ُتكِثْر عليه الَّتأُّس َفا‬ ‫إذا المرُء ال يرَعاك إال تكلًفا‬
‫وفي القلب صبر للحبيب ولو‬ ‫فِفي الناِس أبداٌل وفي الترك‬
‫جفا‬ ‫راحٌة‬
‫وال كُل مْن صافيته لَك قد َص َفا‬ ‫فما كل من تْهواه يهواك قلُبه‬
‫فال خيَر في وّد يجيء تكلَفا‬ ‫إذا لم يكن صفُو الوداد طبيعة‬
‫ويلَقاه ِم ن بعِد المودِة بالَج َفا‬ ‫وال خير في ِخ ّل يُخ ون خليله‬
‫وُيظهُر سًرا كان باألمس في‬ ‫وينكُر عيًش ا قد ّتَقادم عهُد ه‬
‫َخ َفا‬ ‫سالٌم على الدنَيا إذا لم يكن‬
‫صديق صدوق صادُق الوعِد‬ ‫بها‬
‫منَص َفا‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) انظر ص‪.12‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ضمن ديوان‪L‬ه المجم‪L‬وع مم‪L‬ا نس‪L‬ب إلي‪L‬ه من أش‪L‬عار ص‪ ،94‬تحقي‪L‬ق ال‪L‬دكتور محم‪L‬د عب‪L‬د‬ ‫‪1‬‬

‫المنعم خفاجى‪.‬‬
‫(‪)69‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)70‬‬

‫المفسدة الخامسة‬
‫النجوى‬

‫قال تعالى‪ِ :‬إَّنَم ا الَّنْج َو ى ِم َن الَّش ْيَطاِن ِلَيْحُز َن اَّلِذ يَن آَم ُنوا‪[ ‬المجادلة‪.]10 :‬‬
‫ووردت السنة بالنهي عن التناجي فيما رواه الشيخان وأحمد عن عبد اهلل بن‬
‫مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( :‬إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان‬
‫دون صاحبهما؛ فإن ذلك يحزنه))(‪ ،)1‬وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬إذا كنتم ثالثة فال يتناجى اثنان دون الثالث إال بإذنه؛ فإن ذلك‬
‫يحزنه))(‪.)2‬‬
‫والحكمة من استئذانه ـ واهلل أعلم ـ أن ُيعلم طيب قلبه ورضاه بذلك التناجي‪،‬‬
‫ومن ثم فال ينبغي أن يجبر على اإلذن بسيف الحياء دون أن ُيعطى فرصة إلبداء‬
‫رأيه‪ ،‬ودون أن ُيعطي المستأِذ ن لنفسه فرصة لالطمئنان إلى رضاه وطيب نفسه‬
‫بذلك‪ ،‬كأن يأخذ أحد الثالثة بيد صاحبه متنحًيا به عن الثالث‪ ،‬أو يشرع في‬
‫مناجاته ثم يقول للثالث‪( :‬بعد إذنك)!‬
‫(?) رواه البخاري في االستئذان رقم (‪ ،)6290‬ومس‪LL‬لم في الس‪LL‬الم رقم (‪ )2184‬واللف‪LL‬ظ‬ ‫‪1‬‬

‫له‪ ،‬وأب‪L‬و داود في األدب بنح‪L‬وه رقم (‪ ،)4851‬وأحم‪L‬د في المس‪L‬ند (‪ ،)1/431‬والترم‪L‬ذي‬


‫في األدب رقم (‪ ،)2825‬وابن ماج ‪LL‬ه في األدب رقم (‪ ،)3775‬وال ‪LL‬دارمي في االس ‪LL‬تئذان‬
‫رقم (‪.)2657‬‬
‫(?) رواه البخاري في االستئذان رقم (‪ ،62889‬ومسلم في الس‪LL‬الم رقم ‪ ،)02183‬وأب‪LL‬و‬ ‫‪2‬‬

‫داود في األدب رقم (‪ ،)4852‬وابن ماج ‪LL‬ه في األدب رقم (‪ ،)3776‬ومال ‪LL‬ك في الموط ‪LL‬أ‬
‫في الكالم (‪ ،)989 ،2/988‬وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ ،)2/9‬والبغ ‪LL‬وي في ش ‪LL‬رح الس ‪LL‬نة (‬
‫‪ )13/90‬ـ واللفظ المذكور له ـ‪.‬‬
‫(‪)71‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وإنما ينبغي أن يكون االستئذان قبل الشروع في التناجي وقبل أن ينصرف‬
‫بصاحبه دون الثالث‪ ...‬حتى ال يقع المحظور ويتحقق للشيطان مراده فيحزن‬
‫الثالث‪ ،‬أو تدور بنفسه الظنون السيئة‪ ،‬ومع ذلك ننصح الثالث ـ وإن ظلم بمثل هذه‬
‫المناجاة ـ إذا أحس بمثل ذلك الحزن أو دارت بنفسه بعض الظنون بسبب تلك‬
‫المناجاة أن يستعيذ باهلل وال يمكن الشيطان من نفسه‪ ،‬وليتوكل على اهلل فإنه ال‬
‫يضره شيء بإذن اهلل(‪.)3‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) وهذا المعنى األخير مستفاد من كالم ابن كثير رحمه اهلل في التفسير (‪.)4/324‬‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)72‬‬

‫المفسدة السادسة‬
‫اع الّن ْ‬
‫صح أو‬ ‫الصدْر عَن سََم ِ‬
‫َّ‬ ‫االعتداد بالرأي وضيق‬
‫االقتراحات‬
‫َ‬

‫فإن هذا يشعر أخاك بحاجز كبير بينك وبينه‪ ,‬ويؤدي إلى انقباضه عنك في‬
‫شيئا من الكبر‪ ...‬فتتولد كراهيته لك في نفسه حتى ال‬
‫الحديث‪ ,‬وربما عد فيك ً‬
‫يطيق صحبتك بعد ذلك‪ ...‬فاحذر من انتقاص أعمال أخيك‪ ,‬ومن تجاهل آرائه‬
‫واقتراحاته‪ ,‬وقابل ذلك بالتشجيع واألدب وسعة الصدر ال سيما إن لم يكن أخوك‬
‫رطا في ذلك‪.‬‬
‫مُفْ ً‬
‫وهاهو رسول الله ‪ ‬يراجعه أصحابه ونساؤه في أشياء ويقترحون عليه أمورًا‬
‫فيقبل منهم ويتحول إلى ما أرادوا أو يجيبهم في سعة صدر عن اعتراضاتهم أو‬
‫نقدهم أو استفساراتهم‪...‬‬
‫فهاهو ‪ ‬مع نبوته وفضله يقترح الصحابة أن يبنوا له عريًش ا في بدر يكون فيه‬
‫فيقبل ذلك منهم(‪ ،)1‬ويشيرون عليه بالخروج في أحد فيخرج ولم يكن ذلك ما‬
‫يميل إليه(‪ ،)2‬وهاهي أم سلمة في الحديبية تشير عليه ‪ ‬أن يبدأ هو بحلق رأسه‬

‫(?) ال ‪LL‬ذي اق ‪LL‬ترح بن‪LL‬اء الع‪LL‬ريش هو س ‪LL‬عد بن مع‪LL‬اذ رض ‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬وقص‪LL‬ته تل‪LL‬ك رواها ابن‬ ‫‪1‬‬

‫إس‪LL L‬حاق في المغ ‪LL‬ازي (‪2/620‬ـ ‪ 621‬ـ س‪LL L‬يرة ابن هش‪LL L‬ام)‪ ،‬وال‪LL L‬بيهقي في دالئ‪LL L‬ل النب ‪LL‬وة (‬
‫‪ ،)3/44‬وذكرها ابن كث ‪LL‬ير في البداية والنهاية (‪ ،)3/267‬وابن عب ‪LL‬د ال ‪LL‬بر في ال ‪LL‬درر في‬
‫اختصار المغازي والسير ص‪ ،70‬وانظر‪ :‬السيرة النبوية الص‪L‬حيحة لل‪L‬دكتور أك‪L‬رم العم‪L‬ري (‬
‫‪.)2/362‬‬
‫(?) قص‪LL‬ة مش‪LL‬اورة الن‪LL‬بي ‪ ‬ومراجع‪LL‬ة أصحابه ل‪LL‬ه في الخ‪LL‬روج من المدين‪LL‬ة يوم أح‪LL‬د رواها‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري تعليًق ا باختصار في كت‪L‬اب االعتص‪L‬ام ب‪L‬اب (‪( )28‬وأم‪L‬رهم ش‪L‬ورى بينهم) في ترجم‪L‬ة‬
‫(‪)73‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ونحر هديه حتى يخف أصحابه لذلك اقتداًء به فيعمل بقولها(‪ ،)1‬وهاهي عائشة‬
‫رضي اهلل عنها تراجعه في بعض كالمه فيبين لها دون ضجر‪ ،‬وذلك لما قال‪(( :‬من‬
‫نوقش الحساب ُعِّذ ب)) ‪ ،‬فقالت‪ :‬أوليس اهلل تعالى يقول‪َ :‬فَس ْو َف ُيَح اَسُب‬
‫(‪)2‬‬

‫ِح َس ابًا َيِس يرًا‪[ ‬االنشقاق‪ ،]8:‬فيقول لها ‪(( :‬إنما ذلك العرض‪ ،‬من نوقش الحساب‬
‫ُعِّذ ب))‪ ،‬ولما قال‪(( :‬يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرًال)) قالت‪ :‬ينظر‬
‫بعضهم إلى بعض! قال‪ِ :‬لُك ِّل اْم ِر ٍئ ِم ْنُه ْم َيْو َم ِئٍذ َش ْأٌن ُيْغِنيِه ‪[ ‬عبس‪.)3())]37:‬‬
‫ولما صالح رسول اهلل ‪ ‬المشركين في الحديبية على أن من أسلم منهم رده ‪‬‬
‫إليهم‪ ،‬ومن ارتد لم يردوه إليه‪ ،‬قال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬يا رسول اهلل أو لسنا‬
‫بالمسلمين؟! فال يضيق ‪ ‬بهذا السؤال التقريري ذي اإلجابة البدهية المعلومة‪ ،‬بل‬

‫الباب‪ ،‬قال الحاف‪L‬ظ ابن حج‪L‬ر رحم‪L‬ه اهلل‪" :‬والق‪L‬در ال‪L‬ذي ذك‪L‬ره هن‪L‬ا مختص‪L‬ر من قص‪L‬ة طويل‪L‬ة‬
‫لم تق ‪LL‬ع موصولة في موض ‪LL‬ع آخ ‪LL‬ر من الج ‪LL‬امع الص ‪LL‬حيح‪ ،‬وق ‪LL‬د وصلها الط ‪LL‬براني وصححها‬
‫الح‪LL‬اكم‪ ،"...‬ثم ذكرها الحاف‪LL‬ظ وق‪LL‬ال‪" :‬وهذا مس‪LL‬ند حس‪LL‬ن" الفتح (‪ ،)13/353‬والقص‪LL‬ة‬
‫رواها ابن إسحاق مطولة (‪ 64 ،3/63‬ـ سيرة ابن هش‪LL‬ام)‪ ،‬ورواها ال‪LL‬بيهقي في دالئ‪LL‬ل النب‪L‬وة‬
‫(‪ ،)205 ،3/204‬ورواه أيًض ا اإلمام أحمد في المسند (‪.)3/351‬‬
‫(?) رواها البخاري في الشروط رقم ‪ )2732 ،02731‬ضمن قصة الحديبية الطويلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL L‬اري في العلم رقم (‪ ،)103‬والتفس‪LL L‬ير رقم (‪ ،)4939‬وفي الرق‪LL L‬اق رقم (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)6537 ،6536‬ومس‪LL‬لم في الجن‪LL‬ة وصفة نعيمها وأهلها رقم (‪ ،)2876‬والترم‪LL‬ذي في‬


‫صفة القيام ‪LL‬ة رقم (‪ ،)2426‬وفي التفس ‪LL‬ير رقم (‪ ،)3337‬وأب ‪LL‬و داود في الجن ‪LL‬ائز رقم (‬
‫‪ ،)3093‬وفيه زيادة في أوله ضعفها األلباني وتمامه مثل البخاري ومسلم‪ ،‬ورواه أحم‪LL‬د في‬
‫المسند (‪ )108 ،91 ،6/47‬وفي مواضع أخرى بروايات‪.‬‬
‫(?) رواه البخ ‪LL L‬اري في الرق ‪LL L‬اق رقم (‪ ،65279‬ورواه مس ‪LL L‬لم في الجن ‪LL L‬ة رقم (‪،)2859‬‬ ‫‪3‬‬

‫والترمذي في التفسير رقم (‪ ،)3332‬وأحمد في المسند (‪ )6/53‬واآلية مذكورة في رواية‬


‫الترمذي فقط ولم يسم عائشة في حديثه بل فيه "فقالت امرأة‪ "...‬الحديث‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)74‬‬
‫يجيبه في هدوء‪(( :‬بلى)) فيقول عمر رضي اهلل عنه‪ :‬أو ليسوا بالمشركين؟!‬
‫فيسترسل معه رسول اهلل ‪ ‬ويجيبه‪(( :‬بلى))‪ ،‬فيقول عمر رضي اهلل عنه‪ :‬فِلَم نعط‬
‫الدنية في ديننا؟ فيبين له رسول اهلل ‪ ‬أنه أمر اهلل وأن اهلل لن يضيعه(‪...)1‬‬
‫فإذا كان هذا شأنه ‪ ‬مع الناس مع مكانته ونبوته وفضله فكيف بما ينبغي‬
‫للصاحب مع صاحبه من التواضع وتحمل المراجعة واالقتراحات وغير ذلك‪...‬‬
‫بل تأمل حلمه العظيم ‪ ‬وتحمله لمثل تلك التصرفات واالستفسارات الغاضبة‬
‫فيما رواه البخاري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬لما توفي عبد اهلل بن أبّي جاء‬
‫ابنه عبد اهلل إلى رسول اهلل ‪ ،‬فقام رسول اهلل ‪ ‬ليصلي عليه‪ ،‬فقام عمر فأخذ بثوب‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فقال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟!"‬
‫فقال رسول اهلل ‪(( :‬إنما خيرني اهلل فقال‪ :‬اْس َتْغِف ْر َلُه ْم َأْو ال َتْس َتْغِف ْر َلُه ْم ِإْن‬
‫َتْس َتْغِف ْر َلُه ْم َس ْبِعيَن َم َّرًة َفَلْن َيْغِف َر الَّلُه َلُه ْم ‪[ ‬التوبة‪ ]80 :‬وسأزيده على السبعين))‪،‬‬
‫ٍد ِم‬
‫قال‪ :‬إنه منافق‪ .‬فلما صلى عليه رسول اهلل ‪ ‬نزلت اآلية‪َ :‬و ال ُتَص ِّل َعَلى َأَح ْنُه ْم‬
‫َماَت َأَبدًا َو ال َتُقْم َعَلى َقْبِر ِه‪[ ‬التوبة‪.)2(]84 :‬‬
‫وفي رواية ألحمد عن ابن عباس‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‬
‫يقول‪ :‬لما توفي عبد اهلل بن أبي بن سلول دعي رسول اهلل ‪ ‬للصالة عليه فقام إليه‪،‬‬
‫فلما وقف عليه يريي الصالة تحولت حتى قمت في صدره فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫أعلى عدو اهلل عبد اهلل بن أبّي القائل يوم كذا وكذا وكذا ـ يعدد أيامه ـ قال‪:‬‬
‫ورسول اهلل ‪ ‬يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال‪(( :‬أِّخر عني يا عمر‪ ،‬إني خيرت‬

‫(?) ورد في قصة الحديبية رواها البخاري في الشروط رقم (‪.)2732 ،2731‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL‬اري في الجن ‪LL‬ائز رقم ‪ ،)01269‬والتفس ‪LL‬ير رقم (‪ ،)4672 ،4670‬وفي‬ ‫‪2‬‬

‫اللباس رقم (‪ ،)5796‬ورواه مسلم في فضائل الصحابة رقم (‪ ،)2400‬وأحمد في المسند‬


‫(‪.)2/18‬‬
‫(‪)75‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فاخترت‪ ،‬قد قيل لي‪ :‬اْس َتْغِف ْر َلُه ْم َأْو ال َتْس َتْغِف ْر َلُه ْم ِإْن َتْس َتْغِف ْر َلُه ْم َس ْبِعيَن َم َّرًة‬
‫َفَلْن َيْغِف َر الَّلُه َلُه ْم ‪[ ‬التوبة‪ ،]80 :‬لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له‬
‫لزدت)) قال‪ :‬ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫فعجب لي ومن جرأتي على رسول اهلل ‪ ‬واهلل ورسوله أعلم(‪ ...)1‬الحديث‪.‬‬
‫ولما أتاه أعرابي فجذبه من ردائه وقال‪ :‬يا محمد أعطني من مال اهلل فإنه ليس‬
‫مال أبيك وال مال أمك لم يزل ‪ ‬يعطيه حتى رضي(‪.)2‬‬
‫فهذا رسول اهلل ‪ ‬يتحمل ممن هو دونه كل هذا فكيف بالصديق مع صديقه‪،‬‬
‫والقرين من قرينه‪ ،‬فحالهما أدعى للتحمل والتواضع دون كبر أو اعتداد‪.‬‬
‫أيضا أن يجعل أحد األخوين أخاه دائمًا في موضع المتلقي‬
‫ومن سوء األدب ً‬
‫اآلخذ أو المأمور المسخر أو التابع المستسلم‪ ,‬فيكثر توجيه األوامر إليه‬
‫واالعتراضات‪ ,‬وربما استعمله لخدمته وقضاء حوائجه مع أنفته أن يصنع به صاحبه‬
‫مثل ذلك‪ .‬ومن سوء الخلق أن تسخر من رأي أخيك وتصرفه أو تتهكم به‪...‬‬
‫ِذ‬
‫فلنتأدب إًذا بما أدبنا اهلل تعالى به إذ يقول‪َ :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا ال َيْس َخ ْر َقْو ٌم‬
‫ِم ْن َقْو ٍم َعَس ى َأْن َيُك وُنوا َخ ْيرًا ِم ْنُه ْم ‪[ ‬الحجرات‪ ،]11 :‬وبما أدبنا به رسولنا ‪ ‬إذ‬
‫يقول‪(( :‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم))(‪ ،)3‬وقال ‪(( :‬ال يدخل‬

‫(?) المسند (‪.)1/16‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL L‬اري في ف‪LL L‬رض الخمس رقم (‪ ،)3149‬وفي اللب‪LL L‬اس رقم (‪ ،)5809‬وفي‬ ‫‪2‬‬

‫األدب رقم (‪ ،)6088‬ورواه مسلم في الزكاة رقم (‪.)1057‬‬


‫(?) جزء من حديث رواه مسلم في ال‪LL‬بر والص‪L‬لة رقم (‪ ،)2564‬وأب‪LL‬و داود في األدب رقم‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ ،)4882‬والترمذي في البر والصلة رقم (‪ ،)1927‬وابن ماجه في الزهد رقم (‪ )4213‬ـ‬
‫وليس عنده إال الجمل‪L‬ة الم‪L‬ذكورة فق‪L‬ط ـ كلهم من ح‪LL‬ديث أبي هريرة رض‪L‬ي اهلل عن‪L‬ه‪ ،‬ورواه‬
‫اإلمام أحمد في المسند (‪ )3/491‬من حديث واثلة بن األسقع رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)76‬‬
‫الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) (‪.)4‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) ج‪LL L‬زء من ح‪LL L‬ديث رواه مس‪LL L‬لم في اإليم‪LL L‬ان رقم (‪ ،)91‬وأب‪LL L‬و داود في اللب‪LL L‬اس رقم (‬ ‫‪4‬‬

‫‪ )4091‬بنح ‪LL‬وه‪ ،‬والترم ‪LL‬ذي في ال ‪LL‬بر والص ‪LL‬لة رقم (‪ ،)1999‬وابن ماج ‪LL‬ه في الزهد رقم (‬
‫‪ ،)4173‬وأحم‪LL L‬د في المس‪LL L‬ند (‪ )1/399‬كلهم من ح‪LL L‬ديث ابن مس‪LL L‬عود رض‪LL L‬ي اهلل عن‪LL L‬ه‪،‬‬
‫وروى نح‪LL‬وه اإلم‪LL‬ام أحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )2/164‬من ح‪LL‬ديث عب‪LL‬د اهلل بن عم‪LL‬رو رض‪LL‬ي اهلل‬
‫عنهما‪.‬‬
‫(‪)77‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)78‬‬

‫المفسدة السابعة‬
‫كثرُة المَخ الفة له في األقوال واألفعال والرغبات‪ ،‬والكبر‬
‫والفظاظة‬

‫من زيادة األلفة أن يكون بين الصاحبين وصف مشترك أو عادات وطباع‬
‫متشابهة‪ ،‬فالطيور على أشكالها تقع‪ ,‬وقد قال رسولنا ‪(( :‬األرواح جنود مجندة‬
‫فما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها اختلف))(‪.)1‬‬
‫وقال مالك بن دينار‪ :‬ال يتفق اثنان في عشرة إال وفي أحدهما وصف من اآلخر‬
‫يناسبه‪.‬‬
‫قدرا في سفر أو طريق فصار هو الصفي والخليل‬
‫ولذلك كم من شخص عرفته ً‬
‫وعرفته بواسطة صديق قديم فصار هذا الجديد أقرب إليك من القديم لما وجدت‬

‫(?) رواه مس‪LL‬لم في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)2638‬وأب‪LL‬و داود في األدب رقم (‪،)4834‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأحم‪LL L‬د في المس‪LL L‬ند (‪ ،)527 ،2/295‬البغ‪LL L‬وي في ش‪LL L‬رح الس‪LL L‬نة رقم (‪ )3471‬من‬
‫ح‪LL‬ديث أبي هريرة رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬ورواه البخ‪LL‬اري ـ تعليًق ا ـ في أح‪LL‬اديث األنبي‪LL‬اء رقم (‬
‫‪ )3336‬من حديث عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬وقال الحافظ ابن حج‪LL‬ر رحم‪LL‬ه اهلل في الفتح‬
‫(‪" :)6/426‬وصله المصنف في األدب المفرد عن عب‪L‬د اهلل بن صالح عن‪L‬ه" اهـ‪ .‬أي عن‬
‫الليث‪ ،‬وقد رواه البخاري كما ذكر الحاف‪L‬ظ في األدب المف‪L‬رد رقم (‪ ،)900‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح األدب المفرد رقم (‪.)691‬‬
‫ورواه الحاكم في مس‪LL‬تدركه (‪ ،)4/420‬والس‪LL‬لمي في آداب الص‪LL‬حبة ص‪ 40 ،39‬من‬
‫ح ‪LL‬ديث س ‪LL‬لمان الفارس ‪LL‬ي رض‪LL L‬ي اهلل عن ‪LL‬ه‪ ،‬ورواه الط ‪LL‬براني في الكب‪LL L‬ير كم ‪LL‬ا في مجم ‪LL‬ع‬
‫الزوائ ‪LL L‬د (‪ )8/87‬من ح ‪LL L‬ديث عب ‪LL L‬د اهلل بن مس ‪LL L‬عود وق ‪LL L‬ال الهيثمي‪" :‬ورجال ‪LL L‬ه رج ‪LL L‬ال‬
‫الصحيح" اهـ‪.‬‬
‫(‪)79‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فكرا‪ ...‬على حد قول القائل‪:‬‬
‫فهما أو ً‬
‫روحا ونفسًا أو ً‬
‫فيه من التقارب معك ً‬

‫كان أحظى ِم َن الصديق‬ ‫كم صديق عرفته بَص ِد يٍق‬


‫العتيق‬ ‫ورفيُق صحبته في طريق‬
‫صار بعد الَّطِر يِق خير‬
‫(‪)1‬‬
‫َر ِفيِق‬

‫ومن أسباب زيادة األلفة وصيانتها عن الفساد والوحشة وحفظها من الزوال‬


‫موافقة الصاحب في أحواله‪ ،‬والسهولة واللين معه‪ ،‬فان كثرة المخالفة تزيل األلفة‪,‬‬
‫وقد قال ‪ ‬مبيًنا سمت أهل اإليمان‪(( :‬المؤمنون هينون لينون‪ ،‬كالجمل األنف إذا‬
‫قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ))(‪ ،)2‬وقال أيًض ا‪(( :‬أال أنبئكم بمن يحرم‬
‫على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على قريب هين سهل))(‪ ،)3‬وفي رواية‪(( :‬من‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪.130‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أورده السيوطي في الجامع الصغير وع‪LL‬زاه البن المب‪LL‬ارك عن مكح‪LL‬ول مرس‪ًL‬ال‪ ،‬وال‪LL‬بيهقي‬ ‫‪2‬‬

‫عن ابن عم‪LL‬ر رض‪LL‬ي اهلل عنهم‪LL‬ا‪ ،‬وذك‪LL‬ر األلب‪LL‬اني في السلس‪LL‬لة الص‪LL‬حيحة رقم (‪ )936‬وق‪LL‬ال‪:‬‬
‫رواه العقيلي في الض‪LL‬عفاء ‪ ،214‬ثم ذك‪LL‬ر ل‪LL‬ه ش‪LL‬اهًد ا وق‪LL‬ال‪ :‬فالح‪LL‬ديث ب‪LL‬ه حس‪LL‬ن‪ .‬اهـ‪ .‬انظ‪LL‬ر‪:‬‬
‫فيض الق ‪LL‬دير (‪ )6/258‬رقم (‪ ،)9163‬صحيح الج ‪LL‬امع الص ‪LL‬غير رقم (‪ ،)6669‬سلس ‪LL‬لة‬
‫األحاديث الصحيحة (‪.)647 ،2/646‬‬
‫قوله‪" :‬األنف" في رواية "األلف" بالالم ومعنى األن‪LL‬ف أي ال‪LL‬ذي عق‪L‬ره الخط‪L‬ام‪ ،‬وإن ك‪L‬ان من‬
‫خش‪LL‬اش أو ُب رة أو ِخ زام‪LL‬ة في أنف‪LL‬ه فمعن‪LL‬اه أن‪LL‬ه ليس يمتن‪LL‬ع على قائ‪LL‬ده في ش‪LL‬يء للوج‪LL‬ع‪ ،‬فهو‬
‫ذلول منقاد‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪.)1/151‬‬
‫(?) رواه الترم‪LL‬ذي في صفة القيام‪LL‬ة رقم (‪ ،24889‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )1/415‬ولفظ‪LL‬ه‬ ‫‪3‬‬

‫"ك ‪LL‬ل هين لين س ‪LL‬هل ق ‪LL‬ريب من الن ‪LL‬اس"‪ ،‬والبغ ‪LL‬وي في ش ‪LL‬رح الس ‪LL‬نة (‪ )13/85‬بنح ‪LL‬و رواية‬
‫أحم‪L‬د‪ ،‬وصححه األلب‪L‬اني في صحيح الج‪L‬امع الص‪L‬غير رقم (‪ ،)2609‬وفي الص‪L‬حيحة رقم (‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)80‬‬
‫كان سهًال هيًنا ليًنا حرمه اهلل على النار))(‪...)1‬‬
‫ذا حياء وعفاٍف وكَر م‬ ‫وإذا صحبَت فاصحْب َص اِح ًبا‬
‫(‪)2‬‬ ‫قوله للشيء ال إن قلت ال‬
‫وإذا قلت نعم قال َنَع م‬

‫وهذا بال شك فيما ال يخالف الشرع بل في اإلطار الذي ال يمنع الشرع من‬
‫الموافقة فيه‪ ،‬كما في األمور التي ترجع إلى المزاج وما يهواه الصاحب مما ال‬
‫تقييد فيه من قبل الشارع‪.‬‬
‫فمن الحياء واإليثار ومما تكسب به قلب الصديق وحبه أن توافقه في ذلك‬
‫وإن لم يناسب مزاجك أو هواك درًءا للجدال‪ ،‬وتقريًبا لألرواح والقلوب‪ ،‬وحفًظا‬
‫لها من التغير بسبب أمور ال تمس الدين في شيء‪ ،‬فإن كثرة المخالفة توحش‬
‫القلب وتشعر بعدم التناسب وتزيل االنسجام‪.‬‬
‫فكن ليًنا سهًال مع أخيك طيًعا له‪ ،‬ذا رقة في التعامل معه‪ ،‬بعيًد ا عن الغلظة‬
‫والفظاظة عسى أن يشملك هذا الوعد العظيم بالتحريم على النار الذي بشر به‬
‫المصطفى ‪ ‬أولئك الهينين اللينين‪.‬‬
‫وقد كان ‪ ‬قدوة في اللين والسهولة والبعد عن الكبر والفظاظة حتى إن األمة‬
‫كانت تأخذ بيده فتنطلق به لحاجتها إلى حيث شاءت من المدينة(‪ ،)3‬بل ما أعجب‬
‫ما ذكره أنس رضي اهلل عنه ـ خادمه ـ إذ يقول‪ :‬خدمت رسول اهلل ‪ ‬عشر سنين فما‬

‫‪ )38‬وذك‪LL‬ر ل‪LL‬ه ش‪LL‬واهد كث‪LL‬يرة‪ ،‬وك‪LL‬ذا صححه ش‪LL‬عيب األرن‪LL‬اؤوط في تخ‪LL‬ريج ش‪LL‬رح الس‪LL‬نة (‬
‫‪ ،)13/86‬وراجع في شواهد مجمع الزوائد (‪.)4/75‬‬
‫(?) صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)6484‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) العزلة للخطابي ص‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخاري في األدب رقم (‪.)6072‬‬ ‫‪3‬‬


‫(‪)81‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫قال لي‪ :‬أفٍ قط‪ ,‬وال قال لشيء فعلته‪ :‬لمَ فعلته؟ وال لشيء لم أفعله‪ِ :‬لَم َلْم‬
‫تفعله(‪ !)1‬هذا مع الخادم فكيف مع الصاحب؟!‬
‫ْ‬
‫ٍة ِم ِه ِل‬
‫ولهذا جمع اهلل حوله القلوب‪ ,‬قال تعالى‪َ :‬فِبَم ا َر ْح َم َن الَّل ْنَت َلُه ْم َو َلْو‬
‫ُك ْنَت َفّظًا َغِليَظ اْلَق ْلِب الْنَف ُّضوا ِم ْن َحْو ِلَك ‪[ ‬آل عمران‪.]159 :‬‬
‫وتأمل ما ذكره ابن كثير رحمه اهلل في حكمة إرسال اهلل الرسل من أهل القرى‬
‫ِح‬ ‫ِم ِل‬
‫ال من البوادي إذ يقول في قوله تعالى‪َ :‬و َما َأْرَس ْلَنا ْن َقْب َك ِإال ِر َج اًال ُنو ي ِإَلْيِه ْم‬
‫ِم ْن َأْه ِل اْلُقَر ى‪[ ‬يوسف‪( :]109 :‬وقوله‪ِ :‬م ْن َأْه ِل اْلُقَر ى‪ ‬المراد بالقرى المدن‪،‬‬
‫ال أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباًعا وأخالًقا‪ ،‬وهذا هو‬
‫المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباًعا وألطف من أهل بواديهم وأهل الريف‬
‫والسواد أقرب حاًال من الذين يسكنون في البوادي؛ ولهذا قال تعالى‪ :‬اَألْع َر اُب‬
‫َأَش ُّد ُكْف رًا َو ِنَف اقًا‪[ ‬التوبة‪ ]97 :‬اآلية‪ ،‬وقال قتادة في قوله‪ِ  :‬م ْن َأْه ِل اْلُقَر ى‪:‬‬
‫ألنهم أعلم وأحلم من أهل العمود)(‪.)2‬‬
‫وتأمل ما وصف اهلل به أولياءه وأحباءه وما بينهم من التراحم والتواضع وذلة‬
‫بعضهم على بعض فيقول جل وعال‪ُ :‬مَح َّم ٌد َرُس وُل الَّلِه َو اَّلِذ يَن َمَعُه َأِش َّداُء َعَلى‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫اْلُك َّف اِر ُرَحَم اُء َبْيَنُه ْم ‪[ ‬الفتح‪ ،]29 :‬ويقول‪َ :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َمْن َيْر َتَّد ْنُك ْم َعْن‬
‫ِد يِنِه َفَس ْو َف َيْأِتي الَّلُه ِبَق ْو ٍم ُيِح ُّبُه ْم َو ُيِح ُّبوَنُه َأِذ َّلٍة َعَلى اْلُم ْؤ ِم ِنيَن َأِع َّز ٍة َعَلى اْلَك اِفِر يَن ‪‬‬
‫[المائدة‪]54 :‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL‬اري في األدب رقم (‪ ،)6038‬ومس ‪LL‬لم في الفض ‪LL‬ائل رقم (‪ ،)2309‬وأب ‪LL‬و‬ ‫‪1‬‬

‫داود في األدب رقم (‪ ،)4774‬والترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)2015‬وفي الش‪LL‬مائل‬


‫رقم (‪ )296‬مختصر الشمائل‪ ،‬والدارمي في المقدمة رقم (‪.)62‬‬
‫(?) تفسير ابن كثير (‪ ،)2/478‬وأهل العمود هم أهل البادية‪ ،‬والعمود هو الخش‪LL‬بة القائم‪LL‬ة‬ ‫‪2‬‬

‫في وسط الخباء‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب ص‪.3097‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)82‬‬
‫فخذ أيها الصاحب بهذا األدب وكن لينًا سهالً متواضعًا ألوفًا‪ ،‬وإياك والكبر‬
‫والفظاظة‪ ,‬قال ‪(( :‬المؤمن يألف ويؤلف‪ ،‬وال خير فيمن ال يألف وال يؤلف‪ ,‬وخير‬
‫الناس أنفعهم للناس))(‪ ...)3‬أما الغليظ الصعب ذو الكبر والجفاء فيخسر جميع‬
‫إخوانه أو لن يكون له إخوان أو أصحاب من األصل‪ ،‬ومصيره أن يعيش وحيًد ا‬
‫منبوًذا‪.‬‬
‫قدرا من أخيه بسبب انتمائه لقبيلة معينة‬
‫ومن صور الكبر شعور األخ بأنه أرفع ً‬
‫ماديا إلى غير ذلك من صور العصبية الجاهلية التي‬
‫أو لدولة غنية أو لدولة متقدمة ً‬
‫لم يسلم منها أناس من الطيبين‪ ،‬وربما كان لذلك أثره في إفساد األخوة التي ينبغي‬
‫أن يكون عمودها اإليمان وال يصح تلويثها بأي نعرات أرضية ال تساوي عند اهلل‬
‫جناح بعوضة‪.‬‬
‫فحذار أخ اإلسالم من االغترار بنسبك أو ببلدتك أو مبالك‪ ،‬ودع عنك عبية‬
‫اجلاهلية سواء كانت خليجية أو شامية أو مصرية أو غري ذلك‪ ،‬وليكن شعارك‪:‬‬
‫إذا افْتَخ ُروا بقْيٍس أْو تميٍم‬ ‫أبي اإلسالُم ال أَب لي سَو اه‬

‫وقد يهيأ لبعض أولئك المغرورين أنهم محبوبون إذا رأوا بعض الناس‬
‫يحترمونهم‪ ،‬وما ذلك إال وهم وخدعة خدعهم بها الشيطان‪ ،‬فإن هذا االحترام قد‬
‫يكون لخوف أو لمصلحة ال يلبث أن يزول بزوال السبب فهو احترام المكره‪،‬‬
‫(?) ق ‪LL‬ال األلب ‪LL‬اني‪" :‬ق ‪LL‬ال في الج ‪LL‬امع‪ :‬رواه ال ‪LL‬دارقطني في األف ‪LL‬راد‪ ،‬والض ‪LL‬ياء المقدس ‪LL‬ي في‬ ‫‪3‬‬

‫المخت‪LL‬ارة عن ج ‪LL‬ابر‪ ،‬ثم رم‪LL‬ز ل ‪LL‬ه الس ‪LL‬يوطي في‪LL‬ه بالص‪LL‬حة‪ ،‬ولم يتكلم علي‪LL‬ه الش ‪LL‬ارح بش ‪LL‬يء"‪.‬‬
‫السلسلة الصحيحة ح رقم (‪ )426‬ص‪.712‬‬
‫وأخرج‪LL‬ه أحم‪LL‬د بنح‪LL‬وه في المس‪LL‬ند (‪ )2/400‬من ح‪LL‬ديث أبي هريرة بلف‪LL‬ظ "الم‪LL‬ؤمن ُمؤل‪LL‬ف‬
‫وال خ ‪LL‬ير فيمن ال يألف وال يؤل ‪LL‬ف"‪ ،‬وأخرج ‪LL‬ه من ح ‪LL‬ديث س ‪LL‬هل بن س ‪LL‬عد الس ‪LL‬اعدي بلف ‪LL‬ظ‬
‫"المؤمن مألفة وال خير فيمن ال يألف وال يؤلف" المسند (‪.)5/335‬‬
‫(‪)83‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وشتان بين هذا االحترام واحترام الطواعية الناشئ عن حب وتقدير‪.‬‬
‫وما أجمل تلك الكلمة التي تحركت بها شفتا أم ولد هارون الرشيد وهي ترى‬
‫من شرفة القصر ازدحام الناس حول ابن المبارك رحمه اهلل فتقول‪ :‬هذا هو الملك‬
‫ال ملك هارون(‪ )1‬الذي ال يجمع الناس إال بشرطة وأعوان(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) ليس المقصود نقد هارون الرشيد رحمه اهلل أو الحط من قدره‪ ،‬ولكن قصدت المفهوم‬ ‫‪1‬‬

‫ال‪LL‬ذي ح‪LL‬واه كالم ام‪LL‬رأة هارون‪ ،‬وهو الف‪LL‬رق بين من يح‪LL‬ترم لملكه ومن يح‪LL‬ترم لمكانت‪LL‬ه في‬
‫القلوب عن حب وطواعية‪.‬‬
‫(?) تاريخ بغداد (‪ ،)157 ،10/156‬سير أعالم النبالء (‪.)8/384‬‬ ‫‪2‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)84‬‬

‫المفسدة الثامنة‬
‫الُّنْص ُح في الَم أل‬

‫فإذا كان من صدق المحبة ومن أدب الصحبة ومن حقوق األخوة أن تنصح‬
‫أخاك إذا وجدته على منكر أو معصية أو خطأ وأن ترشده للصواب وما ينجيه من‬
‫غضب اهلل وعقابه‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني أن تنصحه في العلن دون ضرورة تلجئ‬
‫لذلك‪ ،‬إذ ال يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس‪ ،‬فجميع الناس‬
‫يكرهون أن ُتبرز عيوبهم أمام اآلخرين‪ ،‬بل النصيحة في العلن أو ذكر خطأ صاحبك‬
‫في المأل من أسرع ما يزيل المحبة ويزرع العداوة لما يشعر به من الفضيحة‬
‫والتوبيخ‪ ،‬وقد يولد في نفسه العناد والرغبة في االنتقام‪ ...‬وإلى هذا أشار اإلمام‬
‫الشافعي رحمه اهلل بقوله(‪:)1‬‬
‫وجنبني النصيحة في الجماعة‬ ‫تعمدني بنصحك في انفرادي‬
‫من التوبيخ ال أرضى سماعه‬ ‫فإن النصح بين الناس نوع‬
‫فال َتْج َز ْع إذا لم ُتْع َط َطاَعة‬ ‫فإن خالفتِني وعصيت قولي‬

‫ولكن إذا أِخ ذ الرجل جانًبا ونصح على انفراد لكان ذلك أدعى للقبول‪ ،‬وأدعى‬
‫لفهم المسألة‪ ،‬وألحبك ألنك قدمت إليه معونة وأسديت إليه خدمة بأن نصحته‬
‫وصححت خطأه(‪.)2‬‬

‫(?) ديوان الشافعي ص‪.90‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ولكن إذا رأى اإلم‪LL‬ام أو علم الن‪LL‬اس خًط ا صدر من بعض األف‪LL‬راد في المأل وخش‪LL‬ي أن‬ ‫‪2‬‬

‫يؤثر على الناس فإن من السنة أن يص‪L‬حح ذل‪LL‬ك على المن‪L‬بر دون ذك‪L‬ر اس‪LL‬م المخطئ‪ ،‬تعليًم ا‬
‫للناس ووقاية لهم من الخطأ حتى لو شعر المخطئ أن هذا التصحيح أو التقويم الذي ق‪L‬ام ب‪L‬ه‬
‫(‪)85‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وبعض الناس يريد أن تكون النتائج لحظية فيحب في الناس أن يغيروا ما بهم‬
‫بمجرد أن ُيْنَص حوا‪ ،‬فإذا لم يجد االستجابة في نفس المجلس أو اللحظة التي نصح‬
‫فيها ظن أن النصيحة لم تأت بنتيجة أو ربما أثقل على المنصوح لدرجة النزاع ظًنا‬
‫منه أن مفهوم النصيحة لم يصله بعد أو لم يقتنع به‪ ...‬وهذا الناصح مخطئ في‬
‫تقديره لألمور؛ ألن الغالب على طبيعة البشر أنهم ال يتراجعون في لحظة وإنما‬
‫يأخذون فترة للتفكير أو ينتظرون فرصة لالنسحاب‪.‬‬
‫وإذا نصحت أخاك فال تعيره بخطئه‪ ،‬فإن التعيير بالذنب ليس من النصيحة بل هو‬
‫خلق رذيل وهو سلوك من ال يخشى على نفسه من سوء الخاتمة‪ ،‬ولذا قد يكون لهذا‬
‫السلوك عاقبة سيئة على صاحبه‪ ،‬وقديًم ا قيل‪ :‬من عّير أخاه بذنب لم يمت حتى يقع‬
‫فيه(‪.)1‬‬

‫اإلم‪LL‬ام ك‪LL‬ان بس‪LL‬بب خطئه‪ ،‬ف‪LL‬إن هذا ال ب‪LL‬أس ب‪LL‬ه‪ ،‬فق‪LL‬د بل‪LL‬غ رس‪LL‬ول اهلل ‪ ‬أن قوًم ا ت‪LL‬نزهوا عن‬
‫ش ‪LL‬يء صنعه فخطب الن ‪LL‬اس وق ‪LL‬ال‪(( :‬م ‪LL‬ا ب ‪LL‬ال أق ‪LL‬وام يت ‪LL‬نزهون عن الش ‪LL‬يء أصنعه ف ‪LL‬إني واهلل‬
‫أعلمكم باهلل وأخش‪LL‬اكم ل‪LL‬ه))‪ ،‬وك‪LL‬ذلك لم‪LL‬ا طلب ق‪LL‬وم بريرة من عائش‪LL‬ة رض‪LL‬ي اهلل عنها حين‬
‫أعتقت بريرة أن تجع‪LL‬ل لهم والءها‪ ،‬غض‪LL‬ب رس‪LL‬ول اهلل ‪ ‬وخ‪LL‬رج فخطب الن‪LL‬اس‪(( :‬م‪LL‬ا ب‪LL‬ال‬
‫أقوام يشترطون شروًطا ليست في كتاب اهلل))‪ ...‬وق‪LL‬ال‪(( :‬ال‪LL‬والء لمن أعت‪L‬ق))‪ .‬انظ‪L‬ر‪ :‬الفتح‬
‫(‪.)385 ،5/384‬‬
‫(?) الزهد لإلمام أحمد ص‪ ،342‬ولفظه‪ :‬كنا نتحدث أنه من ع‪LL‬ير أخ‪LL‬اه ب‪LL‬ذنب ق‪LL‬د ت‪LL‬اب من‪L‬ه‬ ‫‪1‬‬

‫لم يمت حتى يصيب ذلك الذنب‪ ،‬وفي البداية والنهاية (‪ :)9/283‬ك‪L‬انوا يقول‪L‬ون‪ :‬من رمى‬
‫أخاه بذنب‪...‬إلخ‪.‬‬
‫وروي هذا مرفوًع ا عن‪L‬د الترم‪L‬ذي في صفة القيام‪L‬ة رقم (‪ )2505‬وق‪L‬ال أحم‪L‬د‪ :‬من ذنب ق‪L‬د‬
‫ت‪LL‬اب من‪LL‬ه‪ .‬ق‪LL‬ال الترم‪LL‬ذي‪ :‬هذا ح‪LL‬ديث غريب وليس إس‪LL‬ناده بمتص‪LL‬ل‪...‬إلخ‪ ،‬ورم‪LL‬ز الس‪LL‬يوطي‬
‫لحس‪L‬نه في الج‪L‬امع الص‪L‬غير رقم (‪ )8869‬فيض الق‪L‬دير‪ ،‬وتعقب ب‪L‬أن في‪L‬ه محم‪L‬د بن أبي يزيد‬
‫الهمداني قال أبو داود وغيره‪ :‬كذاب‪ .‬ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموض‪LL‬وعات‪ .‬انظ‪LL‬ر‪:‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)86‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫فيض الق‪LL L L‬دير (‪ ،)6/183‬وق‪LL L L‬ال األلب‪LL L L‬اني في ض‪LL L L‬عيف الج‪LL L L‬امع الص‪LL L L‬غير رقم (‪:)5722‬‬
‫"موضوع"‪.‬‬
‫(‪)87‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫المفسدة التاسعة‬
‫َك ثرُة المَع اتَبة وَع دُم الّتَس اُم ِح‬
‫والّنظر إلى الَّسلبَّياِت دون اإليجابيات‬
‫وَع دم االعِتَذ ار أو َع دم الّتجاوز عن الّز الت‬

‫قال الفضيل‪ :‬الفتوة الصفح عن عثرات اإلخوان(‪.)1‬‬


‫وعن علّي رضي اهلل عنه في قوله تعالى‪َ :‬فاْص َف ِح الَّصْف َح اْلَج ِم يَل ‪[ ‬الحجر‪:‬‬
‫‪ ]85‬قال‪ :‬الرضى بغير عتاب(‪.)2‬‬
‫وما أحسن قول الشاعر‪:‬‬
‫خليَلك لم تلَق الذي ال ُتَع اِتُبه‬ ‫إذا كنَت في كل األموِر معاتًبا‬
‫مقاِرُف ذْنٍب مرًة وُمَج اِنُبه‬ ‫فِع ْش واحًدا أو ِص ْل أخاك‬
‫َظِم ْئَت ‪ ،‬وأُّي الناس تصفو‬ ‫فإنه‬
‫َم َش اِربه‬ ‫إذا أْنَت لْم تْش َر ب مراًرا على‬
‫كفى بالمرِء نبًال أن ُتَع َّد‬ ‫الَقذى‬
‫(‪)3‬‬ ‫ومن ذا الذي ترضى سجاياه‬
‫معاِيُبه‬
‫كلها‬

‫فاألخ قد يعاتب أخاه أحياًنا بتلطف وتودد‪ ،‬ولكن يكره له املعاتبة يف الصغرية‬
‫والكبرية‪ ،‬بل ليصفح دون معاتبة وليغض الطرف عن بعض ما يعده من اهلفوات‪ ،‬أو‬
‫يتغاىب ـ إن صح التعبري ـ أو يتعامى عنها على حد قول الطائي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ليس الَغبُّي بسيٍد في قْو ِم ه‬
‫لكن سَّيد قوِم ه المُتَغاِبي‬

‫(?) آداب الصحة للسلمي ص‪ ،46‬تهذيب مدارج السالكين ص‪.435‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الدر المنثور للسيوطي (‪ ،)4/104‬فتح القدير للشوكاني (‪.)3/141‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) روضة العقالء ص‪ ،182‬أدب الدنيا والدين ص‪.179‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)88‬‬

‫وذلك ألن كثرة المعاتبة واإلحراج مما يفضي إلى قطع المودة؛ ألن ذلك يشعر‬
‫أخاك أنك ال تتحمل أدنى شيء منه‪ ،‬أو أنك دائًم ا تسيء به الظن‪ ،‬أو تنظر إليه على‬
‫أنه مقصر في حقك‪ ،‬وتوشك إذا مضيت على هذه الطريقة أن ال تجد من تعاتبه‬
‫أقصد أن ال تجد صديًق ا مصاحًبا‪.‬‬
‫على حد قول القائل‪:‬‬
‫مخاَفَة أن أعيَش بال َص ِد يِق‬ ‫أغِم ْض للصديِق عن‬
‫المَس اِوي‬

‫وقال غريه وقد أجاد‪:‬‬


‫وعن بعِض ما فيه يمت وهو‬ ‫ومن ال يْغ ِم ض عيَنه عن‬
‫َعاِتُب‬ ‫َص ِد يِقه‬
‫يجْد ها وال يْسلُم له الدْهر‬ ‫ومن يتتبع جاهًدا كل عثرة‬
‫صاحُب‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫قد ُيْقَبُل المعروف نزًرا‬ ‫اْقَبل أخاك ببْع ِض ه‬
‫إن ساَء عْص ًرا سّر عصًرا‬ ‫واْقبْل أخاك فإنه‬

‫فاعلم أوًال أنه البد من القناعة في طلب مواصفات الصديق‪ ،‬وأنك لن تجد‬
‫صديًق ا ليس في وده خلل‪ ،‬وأنت كذلك ال تخلو من نقص‪ ،‬فاقبل في أخيك ما قبله‬
‫فيك‪ ،‬وإال دام غمك وطال همك ولن تظفر بمطلوبك‪...‬‬

‫(?) عيون األخبار (‪ ،)1/327‬أدب الدنيا والدين ص‪.181‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪)89‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫قال الفضيل بن عياض رحمه اهلل‪ :‬من طلب أًخ ا بال عيب بقي بال أخ(‪.)1‬‬
‫وقد أجاد من قال‪:‬‬
‫واحفْظ موَّد َته بالغيِب ما‬ ‫عاِش ْر أخاك على ما كان من‬
‫َو َص ال‬ ‫ُخ لٍق‬
‫ذا ِخ َّلة ال يرى في ُو ده َخ َلال‬ ‫فأطوُل الناِس غًم ا من يريُد‬
‫أًخ ا‬

‫(فال يوجد صديق بال عيوب‪ ،‬ولذا قال الشاعر‪:‬‬


‫أن تراُه زَّل َز َّله‬ ‫ال ُيزهدَّنك في أٍخ لك‬
‫ولو حِر صَت الحرَص كله‬ ‫ما من أِخ َلَك ال ُيعاب‬

‫وقد نكره أشياء يف بعض الناس ولكن عندما نفتقدهم وخنالط من هم أسوأ منهم‬
‫ندرك اخلري الذي كان فيهم ومل نعبأ به‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫وجرْبُت أقواًم ا بَكْيُت على‬ ‫بكيُت من عمرٍو فلما تركُته‬
‫عْم رٍو‬

‫وقال آخر(‪:)2‬‬
‫وجَّرْبُت أقواًم ا بكيُت على‬ ‫عتبُت على سْلٍم فلّم ا فقدُته‬
‫ْل (‪)3‬‬
‫َس ٍم )‬

‫فمن حسن الفهم إًذا ومن الفطنة أن توقن أنه ال خيلو صاحب من نقص‪ ،‬فالبشر هم‬
‫البشر‪:‬‬

‫(?) روضة العقالء ص‪.169‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عيون األخبار (‪ ،)2/6‬بهجة المجالس (‪.)2/659‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬فن التعامل مع الناس ص‪.27‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)90‬‬
‫ُيِلُّم بعين أو يكَّد ُر مْش َر َبا‬ ‫هم الَّناس والدنيا والبَّد من‬
‫ـذَب في الدنيا ولسَت‬ ‫َّقَذ ى‬
‫َّذ (‪)1‬‬ ‫ومن قلِة اإلنصاِف أنك تبتغي‬
‫المه با‬
‫المُهــ‬

‫وأنشد بعضهم‪:‬‬
‫َيْنُبو الفتى وهو الَج َو اُد‬ ‫ال يؤيسّنك من صديق نبوة‬
‫الخضرُم‬ ‫فإذا َنَبا فاستْبِقه وتأَّنه‬
‫(‪)2‬‬
‫حتى تفيء به وطبُعك أكرُم‬

‫وقد قالت الحكماء‪ :‬أي عالم ال يهفو‪ ،‬وأي صارم ال ينبو‪ ،‬وأي جواد ال‬
‫يكبو(‪.)3‬‬
‫وقالوا‪ :‬من حاول صديًق ا يأمن زلته ويدوم اغتباطه به كان كضال الطريق الذي‬
‫ال يزداد لنفسه إتعاًبا إال ازداد من غايته بعًد ا(‪.)4‬‬
‫وقال بعض البلغاء‪ :‬ال يزهدّنك في رجل حمدت سيرته‪ ،‬وارتضيت وتيرته‪،‬‬
‫وعرفت فضله‪ ،‬وبطنت عقله عيب تحيط به كثرة فضائله‪ ،‬أو ذنب صغير تستغفر له‬
‫قوة وسائله‪ ،‬فإنك لن تجد ـ ما بقيت ـ مهذًبا ال يكون فيه عيب‪ ،‬وال يقع منه ذنب‪،‬‬
‫فاعتبر نفسك بعد أن ال تراها بعين الرضا‪ ،‬وال تجري فيها على حكم الهوى‪ ،‬فإن‬
‫في اعتبارك واختيارك لها ما يؤيسك مما تطلب‪ ،‬ويعطفك على من يذنب(‪.)5‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪ ،175‬والبيتان البن الرومي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪ ،175‬والبيتان لألزدي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪ ،179‬وبهامشه نبا السيف عن الضريبة‪ :‬كَّل ولم يقطع‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.179‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.174‬‬ ‫‪5‬‬


‫(‪)91‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ومدبرة باختياره‬
‫وما أبلغ قول الكندي‪ :‬نفس اإلنسان التي هي أخص النفوس به َّ‬
‫وإرادته ال تعطيه قيادها في كل ما يريد‪ ،‬وال تجيبه إلى طاعته في كل ما يحب‪،‬‬
‫فكيف بنفس غيره؟! وحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره(‪.)1‬‬
‫ولذا قال الماوردي رحمه اهلل‪ :‬من حق اإلخوان أن تغفر هفوتهم وتستر زلتهم؛‬
‫ألن من رام بريًئا من الهفوات‪ ،‬سليًم ا من الزالت رام أمًر ا ُمعِو ًز ا واقترح وصًف ا‬
‫معجًز ا(‪.)2‬‬
‫وعن عبد اهلل بن المبارك قال‪ :‬إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر‬
‫المساوئ‪ ،‬وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن(‪.)3‬‬
‫(والمقصود أن من غلب خيُر ُه شَّر ه ُو هب نقُصه لفضله‪ ،‬وأنك إن طلبت منزًه ا‬
‫عن كل عيب لم تجد‪ ،‬ومن غلبت محاسنه على مساوئه فهو الغاية)‪.‬‬
‫وُيرِّس خ هذه القاعدة العظيمة ويؤصلها قول المصطفى ‪ ‬فيما رواه مسلم من‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪(( :‬ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي‬
‫منها آخر))(‪( ,)4‬فالحديث و إن كان ً‬
‫وارادا في العالقة بين الزوجين إال أن التوجيه‬
‫الذي يحمله يمكن أن يعمم في كل قضايا التعامل‪ ,‬وأعني بهذا التوجيه عدم تركيز‬
‫النظر إلى السلبيات ونسيان اإليجابيات‪ ,‬فال يسلم أحد من العيوب‪ ،‬فال توجد‬
‫زوجة بال عيوب‪ ,‬وال صديق بال عيوب‪ ،‬وال رئيس وال مرؤوس بال عيوب‪.‬‬
‫يقول سعيد بن المسيب‪ :‬ليس من شريف وال عالم وال ذي فضل إال فيه عيب‪،‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.174‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.179‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سير أعالم النبالء (‪.)8/398‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم في الرضاع رقم (‪ ،)1469‬وأحمد في المسند (‪.)2/329‬‬ ‫‪4‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)92‬‬
‫ولكن من الناس من ال ينبغي أن تذكر عيوبه(‪.)6())5‬‬
‫وهذا يعلمنا أن ال ننفعل لزلة من صديق أو لعيب نكتشفه في صاحب فيعمينا ذلك‬
‫عن إيجابياته الكثيرة ويفقدنا الميزان العادل والحكم المنصف‪ ،‬وبعض الناس قد‬
‫يرفع شخًص ا إلى السماء في لحظة ويخفضه إلى الحضيض في لحظة‪ ،‬وربما جّر ب‬
‫أحدنا أن ينظر لشخص ما مرة على أنه أسوأ شخصية في أصحابه‪ ،‬ومرة على أنه‬
‫أفضل شخصية‪ ،‬ولم يتغير شيء من الشخص‪ ،‬ولكن كانت النظرة األولى في لحظة‬
‫تذكر لإليجابيات وغفلة عن السلبيات‪ ،‬وكانت الثانية في لحظة غيظ من السلبيات‬
‫وعمًى عن اإليجابيات(‪.)3‬‬
‫وإذا ضبط اإلنسان انفعاالته وجاهد نفسه ومحلها على تركيز النظر يف إجيابيات‬
‫األصحاب وأهنا أضعاف أضعاف السلبيات فإنه لن يظلم أًخ ا من إخوانه ولن يبغضه‪،‬‬
‫وإذا ما غلبته الذكرى فتذكر هفو أخيه رد على نفسه فقال‪:‬‬
‫فأفَع اُله الالئي َسَر ْر ن كِثير‬ ‫فإن يكِن الفعُل الذي ساَء‬
‫واحًدا‬

‫وحنن يف واقعنا قد جيد أحدنا نفسه أحياًنا شديد احلنق على أخيه‪ ،‬وينمي يف نفسه‬
‫البغض له‪ ،‬كل ذلك جلانب ما يف شخصية أخيه‪ ،‬بل أحياًنا ملوقف واحد حدث يف‬
‫ظرف من الظروف وكأن أخاه قد أصبح كله هو هذا املوقف أو ذلك اجلانب‪...‬‬
‫ومقتضى األخوة واحملبة وحسن العشرة أن تستحضر حماسن أخيك دائًم ا أمامك فتشفع‬

‫(?) البداية والنهاية (‪.)9/106‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر‪ :‬فن التعامل مع الناس ص‪ 27 ،26‬ـ بتصرف يسير ـ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) هكذا باألصل‪ ،‬ولع‪LL L‬ل الص‪LL L‬واب‪" :‬ولكن ك‪LL L‬انت النظ‪LL L‬رة األولى في لحظ‪LL L‬ة غي‪LL L‬ظ من‬ ‫‪3‬‬

‫الس ‪LL‬لبيات وعمى عن اإليجابي ‪LL‬ات‪ ،‬وك ‪LL‬انت الثاني ‪LL‬ة في لحظ ‪LL‬ة ت ‪LL‬ذكر لإليجابي ‪LL‬ات وغفل ‪LL‬ة عن‬
‫السلبيات" وذلك حتى يستقيم المعنى‪.‬‬
‫(‪)93‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫له إذا ما أخطأ مرة معك أو اطلعت على جانب نقص فيه‪ ،‬على حد قول القائل‪:‬‬
‫جاءت محاسُنه بألِف َش ِفيع‬ ‫وإذا الحبيُب أتى بذنٍب واحٍد‬

‫وال تكن كالمرأة التي إذا رأت من زوجها شيًئا تكرهه قالت‪ :‬ما رأيت منك‬
‫خيًر ا قط‪ ،‬فقد سمى رسول اهلل ‪ ‬ذلك كفًر ا‪ ،‬وبه صار النساء أكثر أهل النار‪ ،‬فإنه‬
‫لما سئل ‪ ‬عن سر كونهن أكثر أهل النار؟ قال‪(( :‬يكثرن اللعن ويكفرن))‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫يكفرن باهلل؟ قال‪(( :‬يكفرن العشير)) أي الزوج‪ ،‬وفسره بما ذكرنا(‪ .)1‬بل مع زيادة‬
‫احملبة وحسن الظن قد ال حتضرك عيوب صاحبك أصًال وال تراها‪ ،‬كما قال القائل‪:‬‬
‫وال بعض ما فيه إذا كنت‬ ‫فلْست براٍء عيب ذي الُو َّد كله‬
‫راِض ًيا‬ ‫وعيُن الرضا عن كَّل عيب‬
‫كما أن عيَن السخط ُتبدي‬ ‫كليلة‬
‫(‪)2‬‬
‫المساويا‬

‫وينبني على هذا الكالم أن تعلم أن من حسن المودة وحقوقها العفو واإلغضاء‬
‫عن التقصير‪ ،‬قال الحسن بن وهب‪ :‬من حقوق المودة أخذ عفو اإلخوان‪،‬‬
‫واإلغضاء عن أي تقصير كان(‪.)3‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL L‬اري في الحيض رقم (‪ ،)304‬وفي الزك‪LL L‬اة رقم (‪ ،)1462‬وفي الص‪LL L‬وم ـ‬ ‫‪1‬‬

‫مختص‪ًL‬ر ا ـ رقم (‪ ،)1951‬وفي الش‪LL‬هادات ـ مختص‪ًL‬ر ا ـ رقم (‪ ،)2658‬ومس‪LL‬لم في اإليم‪LL‬ان‬


‫رقم (‪ )80‬من ح ‪LL‬ديث أبي س ‪LL‬عيد الخ ‪LL‬دري‪ ،‬وورد نح ‪LL‬وه عن ‪LL‬د البخ ‪LL‬اري في اإليم ‪LL‬ان رقم (‬
‫‪ ،)29‬ومس‪LL L‬لم في الكس‪LL L‬وف رقم (‪ ،)907‬والنس‪LL L‬ائي في الكس‪LL L‬وف (‪3/146‬ـ ‪،)148‬‬
‫ومال‪LL‬ك في الموط‪LL‬أ في الكس‪LL‬وف (‪ )187 ،1/186‬كلهم من ح‪LL‬ديث ابن عب‪LL‬اس رض‪LL‬ي اهلل‬
‫عنهما وورد من حديث غيرهما كذلك‪.‬‬
‫(?) عيون األخبار (‪ )3/16‬ونسبه لعبد اهلل بن معاوية بن عبد اهلل بن جعفر‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب ال ‪LL‬دنيا وال ‪LL‬دين ص‪ ،175‬والمقص ‪LL‬ود من ذل ‪LL‬ك الم ‪LL‬داراة‪ ،‬والف ‪LL‬رق بين الم ‪LL‬داراة‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)94‬‬
‫وقال أحدهم‪:‬‬
‫وكل غِض يِض الطرِف عن‬ ‫أِح ُّب من اإلخواِن كّل مواتي‬
‫(‪)1‬‬
‫َع َثراتي‬

‫وحكى األصمعي عن بعض األعراب أنه قال‪ :‬تناس مساوئ اإلخوان يُد م لك‬
‫ودهم(‪.)2‬‬
‫فال تدفعنك هفوة بدرت من أخيك إلى قطعه وتركه‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫((ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها))(‪.)3‬‬

‫والمداهنة بالغرض الباعث على اإلغض‪L‬اء؛ ف‪L‬إن أغض‪L‬يت لس‪L‬المة دين ولم‪L‬ا ت‪L‬رى في اإلغض‪L‬اء‬
‫من إصالح أخيك فأنت مدار‪ ،‬وإن أغضيت لحظ نفسك واجتالب شهواتك وسالمة جاهك‬
‫ف ‪LL‬أنت م ‪LL‬داهن‪ ،‬ف ‪LL‬إن ك ‪LL‬انت زلت ‪LL‬ه في دين ‪LL‬ه فتلط ‪LL‬ف في نص ‪LL‬حه مهم ‪LL‬ا أمكن‪ ،‬وال ت ‪LL‬ترك زج ‪LL‬ره‬
‫ووعظ‪LL‬ه‪ .‬انظ‪LL‬ر‪ :‬مختص‪LL‬ر منهاج القاصدين ص‪ ،99‬وق‪LL‬ال ابن بط‪LL‬ال رحم‪LL‬ه اهلل‪ :‬الم‪LL‬داراة من‬
‫أخالق المؤم‪LL L‬نين وهي خفض الجن‪LL L‬اح للن‪LL L‬اس ولين الكلم‪LL L‬ة وت‪LL L‬رك اإلغالظ لهم في الق‪LL L‬ول‬
‫وذلك من أقوى أس‪LL‬باب األلف‪L‬ة‪ .‬وظن بعض‪L‬هم أن الم‪LL‬داراة هي المداهن‪L‬ة فغل‪L‬ط؛ ألن الم‪LL‬داراة‬
‫من ‪LL‬دوب إليها والمداهن ‪LL‬ة محرم ‪LL‬ة‪ .‬والف ‪LL‬رق أن المداهن ‪LL‬ة من ال ‪LL‬دهان وهو ال ‪LL‬ذي يظهر على‬
‫الشيء ويستر باطنه‪ ،‬وفسرها العلماء بأنها مباشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو في‪LL‬ه من غير‬
‫إنكار علي‪LL‬ه‪ ،‬والم ‪LL‬داراة هي الرف ‪LL‬ق بالجاهل في التعليم والفاس ‪LL‬ق في النهي عن فعل‪LL‬ه‪ ،‬وت ‪LL‬رك‬
‫اإلغالظ علي‪LL‬ه حيث ال يظهر م‪LL‬ا هو في‪LL‬ه‪ ،‬واإلنكار علي‪LL‬ه بلط‪LL‬ف الق‪LL‬ول والفع‪LL‬ل‪ ،‬والس‪LL‬يما إذا‬
‫احتيج إلى تألفه ونحو ذلك‪ .‬الفتح (‪.)1/545‬‬
‫(?) ديوان الش‪LL L‬افعي ص‪ ،59‬وق‪LL L‬ال الم‪LL L‬اوردي‪ُ :‬أنش‪LL L‬دت عن الربي‪LL L‬ع للش‪LL L‬افعي‪ ،‬ف‪LL L‬ذكره‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والمواتي‪ :‬الموافق‪ .‬انظر‪ :‬أدب الدنيا والدين ص‪.179‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.180‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه البخ‪LL L L L‬اري في األدب رقم (‪ ،)5991‬وأب‪LL L L L‬و داود في الزك‪LL L L L‬اة رقم (‪،)1697‬‬ ‫‪3‬‬

‫والترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)1908‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪،)193 ،190 ،2/163‬‬


‫(‪)95‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫فالصفُح َع ْنهم والتجاُو ْز‬ ‫وِص ِل الكراَم إذا رَم ْو ك بجفوٍة‬
‫أْص وُب‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫كان الحلُم رَّد َج َو اِبه‬ ‫من لي بإنساٍن إذا أغضْبُته‬
‫ورضيُت‬

‫فتغافل عن هفوات أخيك طلًبا لدوام األلفة‪ ،‬وهذا من الفطنة ووفور العقل‪...‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬وجدت أكثر أمور الدنيا ال تجوز إال بالتغافل(‪.)1‬‬
‫وقال أكثم بن صيفي‪ :‬من شَّدد نَّف ر‪ ،‬ومن تراَخ تألف‪ ،‬والشرف في التغافل(‪.)2‬‬
‫وقال شبيب بن شيبة‪ :‬األريب العاقل هو الفطن المتغافل(‪.)3‬‬
‫وسبق قول الطائي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫ليس الغبُّي بسيد في قومه‬
‫لكن سَّيد قومه المتغابي‬

‫وقد تغافل أقوام عن أذى األعداء فكيف باألصدقاء!!‬


‫فهذا قول الشافعي رحمه اهلل يقول(‪:)5‬‬

‫وفي بعض رواياته زيادة في أوله‪(( :‬إن الرحم معلقة بالعرش))‪.‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.181‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عيون األخبار (‪ ،)3/9‬أدب الدنيا والدين ص‪.181‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.181‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) عيون األخبار (‪.)1/327‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ديوان الشافعي ص‪ ،56‬وقال الماوردي في أدب الدنيا والدين ص‪ :183‬وأنشدت عن‬ ‫‪5‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)96‬‬
‫أرحُت نفسي من هَّم العداواِت‬ ‫لما عَفْو ُت ولم أحقْد على أحٍد‬
‫ألدفع الشر عني بالتحّياِت‬ ‫إني أحيي عدوي عند رؤيته‬
‫(‪)1‬‬ ‫وأظِهُر الِبشَر لإلنسان أبِغ ُضه‬
‫كأنما قد حشا قلبي محَّباِت‬
‫وفي اعِتزالِهم َقطُع المواداِت!‬ ‫الناس داء وداء الناس قربهم‬
‫(‪)2‬‬

‫وقال القاضي التنوخي‪:‬‬


‫يكاُد يقطُر من ماء البشاَش ات‬ ‫الَق العدو بوجٍه ال قطوَب به‬
‫في جسِم ِح ْقد وثوِب من‬ ‫فأحزم الناس من يلقى أعاديه‬
‫موَّدات‬ ‫الرفق ُيْم ٌن وخيٌر القوِل‬
‫وكثرُة المزح مفتاُح‬ ‫أصدُقه‬
‫(‪)3‬‬
‫العداوات‬

‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وامزْح له إن المزاَح وفاُق‬ ‫وإذا عجزَت عن العدو فداِرِه‬
‫تعطي النضاج وطبُع َها‬ ‫فداِره فالناُر بالماء الذي هو‬
‫(‪)5‬‬ ‫ضدها‬
‫اإلحراُق‬

‫الربيع للشافعي‪ ،‬فذكره‪.‬‬


‫(?) في ديوانه المطبوع‪ :‬كما إْن ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) في منهاج اليقين‪ :‬يع ‪LL‬ني الن ‪LL‬اس الس ‪LL‬يما األع ‪LL‬داء والحس ‪LL‬اد مرض ‪LL‬ى‪ ،‬وعالجهم ق ‪LL‬ربهم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصلتهم بالبشر والطالقة‪ .‬انظر‪ :‬أدب الدنيا والدين ص‪ 183‬الهامشة‪.‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.183‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) وهذا ال ين ‪LL‬اقض ق ‪LL‬ول س ‪LL‬ابقه‪ ،‬فالم ‪LL‬ذموم اإلكث ‪LL‬ار من الم ‪LL‬زاح‪ ،‬أم ‪LL‬ا القلي ‪LL‬ل من ‪LL‬ه فُيص ‪LL‬لُح‬
‫‪4‬‬

‫الحال‪.‬‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.181‬‬ ‫‪5‬‬
‫(‪)97‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫فإذا كانت هذه أقوالهم وتلك أفعالهم مع من يعاديهم‪ ،‬فكيف مع األصحاب‬


‫واألحبة الذين إن أخطأوا لم يعادوا ولم يقصدوا أذية؟!‬
‫فال ينبغي حبال أن يطول اهلجران أو ينقطع التواصل بني اإلخوان ملوقف أو هفوة مما‬
‫ال ختلو منه عشرة بني األصحاب‪...‬‬
‫َو لِكْن هْج رنا مَطُر الرِبيع‬ ‫تواُص ُلنا على األياِم باٍق‬
‫(‪)2‬‬
‫على ِع الِته داني النزوِع‬ ‫يروُع َك صوُبه َلِكْن تراُه‬

‫فينبغي أن يكون العفو دون َمٍن سمة األخ مع أخيه‪ ،‬والناس يبغضون من ال‬
‫ينسى زالتهم أو ال يزال يذِّك ر بها ويمُّن على من عفا عنه‪ ،‬فاإلنسان يكره ذلك‬
‫الذي يظل يذكره بأخطائه السالفة ويعيدها عليه مرة بعد مرة‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪:‬‬
‫‪َ‬و اْلَعاِفيَن َعِن الَّناِس ‪[ ‬آل عمران‪ ]134 :‬يمتدح الذين يعفون عن أخطاء الناس‬
‫وينسونها‪.‬‬
‫ويتأكد العفو والتجاوز إذا أتاك الصديق معتذًر ا فـ((كل بني آدم خطاء وخير‬
‫الخطائين التوابون))(‪.)3‬‬
‫فإياك أن تكسر قلب الصديق إذا أتاك معتذًر ا نادًم ا على خطئه‪ ،‬وعامله مبثل ما حتب‬
‫أن يعاملك به لو كنت مكانه‪.‬‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.175‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه الترم ‪LL‬ذي في صفة القيام ‪LL‬ة رقم (‪ ،)2499‬وابن ماج ‪LL‬ه في الزهد رقم (‪،)4251‬‬ ‫‪3‬‬

‫وال ‪LL‬دارمي في الرق ‪LL‬اق رقم (‪ ،)2727‬وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ ،)3/198‬وفي روايت ‪LL‬ه زيادة‬
‫((ول‪LL‬و أن البن آدم واديين من م‪LL‬ال البتغى لهم‪LL‬ا ثالًث ا وال يمأل ج ‪LL‬وف ابن آدم إال ال‪LL‬تراب))‬
‫كلهم من ح‪LL L‬ديث أنس رض‪LL L‬ي اهلل عن‪LL L‬ه‪ ،‬وق‪LL L‬ال الحاف‪LL L‬ظ ابن حج‪LL L‬ر في بل‪LL L‬وغ الم‪LL L‬رام رقم (‬
‫‪" :)1505‬وسنده قوي" اهـ‪ .‬وحسنه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)4515‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)98‬‬
‫من التقصير عذر أخ ُمِقر‬ ‫إذا اعتذَر الصديٌق إليك يوًم ا‬
‫(‪)1‬‬
‫فإن الصفَح شيمة كَّل حر‬ ‫فُص ْنه عن عتابك واعُف عنه‬

‫قال يونس النحوي‪ :‬ال تعادين أحًد ا وإن ظننت أنه ال يضرك‪ ،‬وال تزهدن في‬
‫صداقة أحد وإن ظننت أنه ال ينفعك‪ ،‬فإنك ال تدري متى تخاف عدوك وترجو‬
‫صديقك‪ ،‬وال يعتذر أحد إليك إال قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب‪ ،‬وليقل عتب‬
‫الناس على لسانك(‪.)2‬‬
‫وما أحلى كالم ذلك األعرابي حين قال‪ :‬الودود من عذر أخاه‪ ،‬وآثره على‬
‫هواه‪.‬‬
‫وقال عبد اهلل بن معاوية بن جعفر بن أيب طالب‪:‬‬
‫لك أن تراه زَّل زَّلة‬ ‫ال يزهدّنك في أٍخ‬
‫َّل (‪)3‬‬ ‫ما من أٍخ لك ال يعيب‬
‫ولو حرصت الحرص ُك ه‬

‫واحذر التدين يف معاملة أخيك إذا أساء معك بأن ترد إساءته بإساءة أو تشغل‬
‫نفسك بالتفكري يف تصرف تدخل به عليه الغم كما أغمك‪ ،‬فهذا أبعد ما يكون عن‬
‫عالقة األخوة‪...‬‬
‫ـَت ‪ ،‬فأين عاطفُة األُخ َّو ة‬ ‫هْبِني أسأُت كَم ا زعمــ‬
‫(‪)4‬‬ ‫أو إن أسأَت كما أسأ‬
‫ُت ‪ ،‬فأين فضلك والُم ُر َّو ة‬

‫(?) عيون األخبار (‪ ،)3/118‬روضة العقالء ص‪.183‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.155‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.84‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) روضة العقالء ص‪.185‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪)99‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وإًذا فإذا بدرت من أخيك إساءة أو خطأ في حقك فإما أن تتجاوز عن ذلك‬
‫وتتغافل إن قدرت عليه مع طيب نفسك وصفائها‪ ،‬وإال فعليك بمعاتبته في ود كما‬
‫قال أبو الدرداء رضي اهلل عنه‪ :‬معاتبة األخ خير من فقده‪ ،‬ومن لك بأخيك كله(‪.)2‬‬
‫وهذا يقودنا إلى الكالم عن فقه المعاتبة‪:‬‬
‫فأحياًنا نقرأ كالًما منقوًال عن بعض الصالحين في استحباب ترك العتاب بين‬
‫األحبة‪ ،‬وأحياًنا يجعلون المعاتبة من حسن الصحبة‪ ،‬فما الضابط في هذه المسألة؟‬
‫وبيان ذلك أنه يحسن ترك العتاب إذا كنت لن تتخذ موقًف ا ُتِس ُّر ه ولن تحكم‬
‫على أخيك حكًم ا تكنه في داخل نفسك‪ ،‬وإال فأنت محسن في الظاهر بترك‬
‫العتاب‪ ،‬مسيء في الباطن بحكمك على أخيك قبل أن تعطي للمعاتبة فرصتها‪،‬‬
‫فربما كان ذلك رافًعا لظلمك له‪.‬‬
‫وإذن فأنت بين أمرين‪ :‬إما أن تترك العتاب ونفسك صافية وال تتخذ موقًف ا‬
‫تضمره في داخل نفسك من أخيك‪ ...‬وهذه درجة رفيعة‪ ...‬وفي مثل ذلك يقول‬
‫ابن السماك لما قال له صاحبه‪ :‬غًد ا نتعاتب‪ ،‬قال‪ :‬بل غًد ا نتغافر(‪.)3‬‬
‫وقال آخر(‪:)4‬‬
‫والدهر يعدل مرة ويميُل‬ ‫أقلل عتابك فالزمان قليل‬
‫إال بكيُت عليه حيَن َيُز ول‬ ‫لم أبك من زمٍن ذممت‬

‫(?) عي‪LL‬ون األخب‪LL‬ار البن قتيب‪LL‬ة (‪ ،)3/34‬حلي‪LL‬ة األولي‪LL‬اء (‪ ،)1/215‬أدب ال‪LL‬دنيا وال‪LL‬دين ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،174‬العقد الفريد (‪ ،)2/78‬بهجة المجالس (‪ ،)2/704‬وذكر عن موسى بن جعفر قوله‪:‬‬


‫من لك بأخيك كله ال تستقص عليه فتبقى بال أخ‪ .‬السابق (‪.)2/705‬‬
‫(?) انظر‪ :‬العوائق لمحمد أحمد الراشد ص‪.129‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ق‪LL‬ال أب‪LL‬و حي‪LL‬ان‪ :‬عتب ابن ثواب‪LL‬ة أب‪LL‬و العب‪LL‬اس على س‪LL‬عيد بن حمي‪LL‬د في ش‪LL‬يء فكتب إلي‪LL‬ه‬ ‫‪4‬‬

‫سعيد‪ :‬أقلل عتابك فالزمان قليل‪...‬إلخ‪ ،‬المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.69 ،68‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)100‬‬
‫إن ُحَّص ُلوا أفناهم الّتحِص يُل‬ ‫صروفه‬
‫فعالم يكثر عتُبنا ويطوُل‬ ‫والمنَتمون إلى اإلخاء جماعة‬
‫ولعل أياَم الحياة قصيرة‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫ونطوي ما جرى مَّنا‬ ‫من اليوم تعارفنا‬
‫وال قلُتْم وال ُقْلَنا‬ ‫فال َك اَن وال صاَر‬
‫من العْتِب فِبالُحْسنى‬ ‫وإن كان والُبَّد‬

‫فجعل المرتبة األولى ترك العتاب مطلًق ا مع صفاء النفس‪ ،‬فإن كانت ال تصفو‬
‫بذلك فالمرتبة الثانية العتاب ولكن بالحسنى‪ ،‬فهذه المرتبة خير من فقد الصديق أو‬
‫الحكم عليه في السر دون معاتبة‪...‬‬
‫وفي ذلك يقول أبو الدرداء‪ :‬معاتبة األخ خير من فقده(‪.)1‬‬
‫ومن ذلك قول بعضهم‪ :‬وفي العتاب حياة بين أقوام‪.‬‬
‫وقول اآلخر‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويبقى الوّد ما بقي العتاب‬ ‫إذا ذهَب العتاب فليس وّد‬

‫ولكن هذا مع الحذر من اإلكثار أو المعاتبة في كل صغيرة وكبيرة‪.‬‬


‫وإذن فالمعاتبة البد منها إذا كنت بصدد اتخاذ موقف أو حكم فصل في‬
‫أخيك‪ ،‬فالعتاب في هذه الحالة يغسل درن ما حصل ويعيد وصل ما انقطع‪.‬‬
‫والبعض لألسف قد يهجر أخاه ويكتم السبب ويظل أخوه متألًم ا وال يدري ما‬

‫(?) انظر الصفحة قبل السابقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) العقد الفريد ‪ ،)02/78‬بهجة المجالس (‪.)2/728‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)101‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫السبب‪ ،‬فأين دور العتاب؟‬
‫لكن احذر من معاتبة صاحبك في وقت غير مناسب‪ ،‬خاصة إذا أصابته نازلة أو‬
‫مصيبة السيما إن كانت بسبب خطئه‪...‬‬
‫وأقبح من ذلك لو عيرته بما أصابه بسبب خطئه‪ ،‬فتذَّك ر أن األيام دول‪ ،‬وقد‬
‫تبتلى بمثل خطئه‪ ،‬فاألفضل في مثل هذه الظروف أن تترك العتاب مؤقًتا ولتتحول‬
‫إلى التجاهل لخطئه والترفق به إلى أن يحين الوقت المناسب للعتاب‪ ،‬فباختيار‬
‫األوقات المناسبة للعتاب تحسن بينكما المعاملة وتتجنبان شر المجادلة‪.‬‬
‫ومما سبق يتبين أن هنالك عدة خطوات ينبغي مراعاتها في تعاملك مع صاحبك‬
‫إذا أخطأ‪ :‬فأول ذلك أن تكون قد تبينت الخطأ بنفسك وتيقنت منه‪ ،‬فإذا ما كان‬
‫ذلك فليكن تصرفك األول العفو والتجاوز عن زلته‪.‬‬
‫فإذا ما تجاوزت عن زلته مرة بعد مرة ومع ذلك لم ينته وإذا بخطاياه تزداد‬
‫فهنا ـ وقبل أن تتعجل الحكم عليه وتقرر اإلعراض عنه ـ اجعل أمرك معه وسًطا بين‬
‫هجره ووصله‪ ،‬وعاتبه قبل الحكم الفصل‪ ،‬فكم يوضح العتاب من حقائق كانت‬
‫محل شك وارتياب(‪.)1‬‬

‫(?) ولن ‪LL‬ا أس ‪LL‬وة في منهج ‪LL‬ه ‪ ‬في معالج ‪LL‬ة خط ‪LL‬أ ح ‪LL‬اطب بن أبي بلتع ‪LL‬ة لم ‪LL‬ا بعث للمش ‪LL‬ركين‬ ‫‪1‬‬

‫يخبرهم بخ‪L‬روج رس‪L‬ول اهلل ‪ ‬إذ ك‪L‬انت الخط‪L‬وة األولى تحقق‪L‬ه ‪ ‬من ذل‪L‬ك الخط‪L‬أ عن طريق‬
‫ال‪LL‬وحي‪ ،‬ثم ك‪LL‬انت الخط‪LL‬وة الثاني‪LL‬ة االستفس‪LL‬ار أو المعاتب‪LL‬ة بقول‪LL‬ه ‪ ‬ل‪LL‬ه‪(( :‬م‪LL‬ا حمل‪LL‬ك على م‪LL‬ا‬
‫صنعت؟!)) فلم‪L‬ا أجاب‪L‬ه بأن‪L‬ه أراد أن تكون ل‪L‬ه يد عن‪L‬د المش‪L‬ركين يحمي بها قرابت‪L‬ه ومال‪L‬ه‪...‬‬
‫ولم يكن ذل ‪LL‬ك عن نف ‪LL‬اق أو خيان ‪LL‬ة‪ ...‬ولكن ‪LL‬ه على أية ح ‪LL‬ال خط ‪LL‬أ‪ ،‬لم يحكم علي ‪LL‬ه ‪ ‬بهذا‬
‫التصرف الواحد بل وزنه بحسناته وسيئاته مًعا معبًر ا عن ذلك بقوله لعم‪LL‬ر حين غض‪L‬ب وأراد‬
‫ضرب عنق حاطب‪(( :‬إنه شهد بدًر ا‪ ،‬وما يدريك لعل اهلل اطلع على أهل ب‪LL‬در فق‪LL‬ال‪ :‬اعمل‪LL‬وا‬
‫م‪L‬ا ش‪LL‬ئتم فق‪L‬د غف‪L‬رت لكم)) وقص‪L‬ة ح‪LL‬اطب رض‪L‬ي اهلل عن‪L‬ه رواها البخ‪L‬اري في الجهاد رقم (‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)102‬‬
‫وإذا فشل العتاب فالتمس النفع بالصدود عنه‪ ،‬فإن وجدت رجوًعا منه إليك‬
‫وميًال فقابل ذلك بالعفو والمسامحة‪ ،‬فإن الصفح والمغفرة أولى للذي يقدر على‬
‫العقاب‪ ،‬وهذه طبيعة األحياء أنهم يخطئون‪ ،‬وال يخلو من الذنوب إال األموات‪.‬‬
‫ويف هذا يقول سعيد بن محيد‪:‬‬
‫فِقْفه بيَن وصل واْج ِتناب‬ ‫إذا كثَر ْت ذنوب ِم ْن خليٍل‬
‫جلَّية ُم شكٍل بعد ارتياب‬ ‫وعاِتْبُه فكْم أبدى عتاٌب‬
‫إذا أخفقت من نفع الِع َتاب‬ ‫ورِّج النفع في اإلعراض عنه‬
‫ِع ناًنا للرجوِع أو اإلياِب‬ ‫وراجعه بعفوك حين يثني‬
‫إذا َقَد َر ت يداك على العقاِب‬ ‫فإن العفو من ذي الحزم أولى‬
‫وتعدم ذنب من تحت‬ ‫فإنك واجد للحي ذنًبا‬
‫(‪)1‬‬
‫التراِب‬

‫ومما يتعلق بفقه المعاتبة ضرورة االبتعاد عن الطقوس التي يقررها البعض في‬
‫عالقاتهم‪ ،‬فبعض الناس مثًال يقول ألخيه‪( :‬المفروض أنك أنت الذي تزورني)‪ ،‬أو‬
‫يشعر أخاه دائًم ا بأنه محتاج أن يعتذر إليه في كل أمر حتى ال يسيء به الظن‪.‬‬
‫وقد كان من مضى من الصالحين يبتعدون عن هذه الطقوس والتعقيدات‪ ،‬بل‬
‫يجتهد كل منهم في رفع الحرج عن أخيه في مثل هذه المواقف‪.‬‬
‫فهذا أحد السلف يقول ألخيه وقد جاء معتذًر ا لتقصيره في زيارته‪ :‬إنا إذا وثقنا‬

‫‪ )3081 ،3007‬في المغازي رقم (‪ ،)4274 ،3983‬وفي التفس‪LL‬ير رقم (‪ ،)4890‬وفي‬


‫استتابة المرتدين رقم (‪ ،)6939‬ومسلم في فضائل الصحابة رقم (‪ ،)2494‬وأب‪LL‬و داود في‬
‫الجهاد رقم (‪ ،)2650‬والترمذي في التفس‪LL‬ير رقم (‪ ،)3305‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪،1/79‬‬
‫‪.)105 ،80‬‬
‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.80‬‬ ‫‪1‬‬
‫(‪)103‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫بمحبة أخينا ال يضرنا أن ال يأتينا(‪.)2‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إلى الفؤاد قريِب‬ ‫َفُرَّب شخٍص بعيٍد‬
‫إليك غيُر حبيِب‬ ‫ورَّب شخٍص قريِب‬
‫ما كان بين القلوِب‬ ‫ما البعُد والقرُب إال‬

‫وروي أن أبا عبيد بن سالم ذهب ألحمد بن حنبل فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬لو‬
‫كنت آتيك على قدر ما تستحق ألتيتك كل يوم‪ ،‬فقال أحمد بن حنبل‪ :‬ال تقل هذا‪،‬‬
‫إن لي إخواًنا ال ألقاهم إال كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم ممن ألقى كل يوم(‪.)2‬‬
‫وهذا واقع مشاهد‪ ،‬فالود ليس بالضرورة مقصوًر ا على من تكثر رؤيته‪ ،‬فقد تتكرر‬
‫رؤية اإلنسان ملن ال حيبه بل يضيق به‪ ،‬على حد قول القائل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫ومن نكد الدنَيا على الحر أن‬
‫عدًو ا له ما ِم ن صداقته بُّد‬
‫يرى‬

‫ولو تفرغ اإلنسان لزيارة األصحاب لما وجد وقًتا ألداء واجبات أخرى كطلب‬
‫العلم وطرق أبواب جديدة للدعوة والقيام على حقوق الوالدين واألسرة‪ ،‬والناس‬
‫يتفاوتون فيما يتحملون من األعباء‪ ،‬فينبغي أن يتسامح مع صاحب األعباء الكثيرة‬

‫(?) في روضة العقالء ص‪ :89‬عن يونس بن عبيد أنه أصيب بمصيبة فقيل له‪ :‬ابن ع‪LL‬وف لم‬ ‫‪2‬‬

‫يأتك؟ فقال‪ :‬إنا إذا وثقنا بمودة أخينا لم يضره أن ال يأتينا‪ ،‬وفي المختار من رسالة الص‪L‬داقة‬
‫والصديق ص‪ :64‬توفي ابن لي‪L‬ونس بن عبي‪L‬د فقي‪L‬ل ل‪LL‬ه‪ :‬إن ابن ع‪LL‬وف لم يأت‪LL‬ك‪ .‬فق‪L‬ال‪ :‬إن‪LL‬ا إذا‬
‫وثقنا أٍخ ال يضرنا أن ال يأتينا‪.‬‬
‫(?) من‪L‬اقب اإلم‪L‬ام أحم‪L‬د البن الج‪L‬وزي ص‪ ،152 ،151‬المنهج األحم‪L‬د (‪ )1/81‬والقص‪L‬ة‬ ‫‪2‬‬

‫فيها فوائد أخرى فراجعها إن شئت‪.‬‬


‫(?) البداية والنهاية (‪ ،)11/275‬والمختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.101‬‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)104‬‬
‫ويعذر في ذلك ما ال يعذر غيره‪.‬‬
‫وكان بعضهم يرى الفضل دائًم ا ألخيه سواء كان هو الزائر أو المزور‪ ،‬ولو‬
‫كان أخوه أصغر منه أو أقل مرتبة‪.‬‬
‫وتأمل ما قاله اإلمام الشافعي يف حق اإلمام أمحد رمحهما اهلل‪ ،‬وقد كان الشافعي‬
‫شيًخ ا ألمحد‪ ،‬أي إن أمحد رمحه اهلل كان يومئذ ُيَعُّد تلميًذ ا للشافعي رمحه اهلل‪ ،‬وأخذ منه‬
‫شيًئا من العلم‪ ،‬ومع ذلك يقول الشافعي ـ وقد سئل‪ :‬يزورك أمحد وتزوره‪ ،‬فأنشد ـ‪:‬‬
‫قلُت ‪ :‬المكارم ال تفارق منزله‬ ‫قالوا‪ :‬يزورك أحمد وتزوره‬
‫فلفضله‪ ،‬فالفضل في الحالين‬ ‫إن زارني فبفضله‪ ،‬أو زرُته‬
‫له‬

‫حًق ا إنهم علماء أبرار‪ ...‬إذا كان هذا قول الشيخ وأدبه تجاه تلميذه‪ ،‬فكيف‬
‫بالتلميذ مع شيخه؟!‬
‫ثم قارن بين هذا الصفاء والتواضع‪ ،‬وتلك السهولة‪ ،‬وبين من يثقل على‬
‫صاحبه‪ ،‬وال يستفيد من حفظ حقوق األخ على أخيه سوى محاسبة أخيه عليها‬
‫ومطالبته بها‪ ،‬وفي كل يوم يعاتبه أو يكلمه في واحد منها‪ ،‬على حد قول القائل(‪:)1‬‬
‫نافالٍت‪ ،‬وحَّقه الدهَر فرضا‬ ‫لي صديق يرى حقوقي عليه‬
‫ثم من بعد طولها سرت‬ ‫لو قطعت الجبال طوًال إليه‬
‫عرضا‬ ‫لرأى ما صنعت غير كبير‬
‫واشتهى أن أزيد في األرض‬
‫أرضا‬

‫(وبعض الناس قد يقابل أحد إخوانه بلوم شديد‪ :‬لماذا ال نراك؟ لماذا ال تسأل‬
‫عنا؟ فإذا اعتذر أخوه تمادى في اللوم والتأنيب‪ ،‬وينسى أن اللوم يمكن أن يوجه‬

‫(?) روضة العقالء ص‪.119‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)105‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫إليه أيًض ا من أخيه)(‪ )1‬ولكن ألدب أخيه سكت على نحو أدب األنصار لما قال لهم‬
‫‪(( :‬ألم آتاكم ضالًال فهداكم اهلل بي‪ ))...‬إلخ‪(( ،‬أجيبوني يا معشر األنصار)) فلم‬
‫يجبه أحد‪ ،‬ولكنه ‪ ‬لما كان أعظم أدًبا وإنصاًفا قال لهم‪(( :‬لو شئتم لقلتم‪ :‬ألم تأتنا‬
‫طريًد ا فآويناك‪ ))...‬إلخ الحديث(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) وانظر في هذا المعنى‪ :‬فن التعامل مع الناس ص‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL‬اري في المغ ‪LL‬ازي رقم (‪ ،)4330‬وفي التم ‪LL‬ني ـ مختص ‪ًL‬ر ا ـ رقم ‪،)07245‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومس‪LL‬لم في الزك‪LL‬اة رقم (‪ ،)1061‬من ح‪LL‬ديث عب‪LL‬د اهلل بن زيد رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ .‬وأحم‪LL‬د في‬
‫المسند (‪ )76 ،3/57‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)106‬‬
‫(‪)107‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة العاشرة‬
‫اإلْص َغ اء للنّم اميَن َو الَح اِس ديَن‬

‫فمن الخطأ أن تبادر لتصديق كل ما يقال في أخيك‪ ،‬أو تسارع إلى اتهامه‬
‫باإلساءة والخطأ اعتماًدا على شائعة أو أمر نقل إليك لم تحسه منه بنفسك بل‬
‫يخالف ما عهدته فيه‪ ،‬فاحذر من ذلك؛ ألن لألحبة حاسدين‪ ،‬وبعض الحاسدين‬
‫عندهم غيرة شديدة‪ ،‬وال يروق لهم أن يروا مثل تلك العالقة القوية أو المحبة‬
‫المتبادلة بين صاحبين‪ ،‬وال يهدأ لهم بال حتى يروا انفصال المتحابين كل منهما عن‬
‫اآلخر‪ ،‬ورحم اهلل أبا الدرداء إذ يقول‪ :‬أطع أخاك ولن له‪ ،‬وال تسمع فيه قول حاسد‬
‫وكاشح ـ أي عدو ـ‪ ،‬غًد ا يأتيك أجله‪ ،‬فيُك ُّف ك فقده‪ ،‬كيف تبكيه بعد الموت وفي‬
‫الحياة تركت وصله(‪.)1‬‬
‫وقال بعض الشعراء متندًم ا خياطب أخاه وحمبه‪:‬‬
‫مقالَة واسٍن يقرِع الِّسن من َندَم‬ ‫أطعَت الوشاَة الكاشحين ومن‬
‫علينا َش ِفيق ناِص ح كالذي َز َعم‬ ‫ُيِط ْع‬
‫سرائره عن بعِض ما كان َقْد‬ ‫أتاني عدٌو كنت أحِس ُب أنه‬
‫كتم‬ ‫فلما تباثْثنا الحديث وَص َّر َح ت‬
‫فعندي لَك الُع ْتبى(‪ )2‬على رغم من‬ ‫تبَّين لي أن المحدث كاذٌب‬
‫(‪)3‬‬
‫زعم‬

‫(?) بنح‪L‬وه في الحلي‪L‬ة (‪ ،)216 ،1/215‬عي‪L‬ون األخب‪L‬ار (‪ ،)3/34‬أدب ال‪LL‬دنيا وال‪LL‬دين ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،174‬وأوله‪ :‬معاتبة األخ خير من فقده‪ ،‬ومن لك بأخيك كله‪ ،‬أطع أخاك‪...‬إلخ‪.‬‬
‫(?) العت ‪LL‬بى‪ :‬رج ‪LL‬وع المعت ‪LL‬وب علي ‪LL‬ه إلى م ‪LL‬ا ُيرض ‪LL‬ي الع ‪LL‬اتب‪ ،‬ق ‪LL‬ال في لس ‪LL‬ان الع ‪LL‬رب‪( :‬ق ‪LL‬ال‬ ‫‪2‬‬

‫الجوهري‪ :‬اصل العتبى رجوع المس‪َL‬تْعِتب على محب‪LL‬ة صاحبه)‪ ،‬وفي اللس‪LL‬ان أيًض ا‪( :‬العت‪LL‬بى‪:‬‬
‫الرضا‪ ،‬وأعتبه‪ :‬أعطاه العتبى ورجع إلى َمَس َّر ته‪ ...‬وتقول‪ :‬قد أعتبني فالن‪ ،‬أي ترك ما كنت‬
‫أجد عليه من اجله‪ ،‬ورجع إلى ما أرضاني عنه‪ ،‬بعد إسخاطه إياي عليه) ص‪.2793‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)108‬‬

‫ومن األمور الهامة أن َتَتنَّبه إلى أنك قد تكون سبًبا في إثارة الوشاة والحاسدين‬
‫بسبب شدة إظهارك لحب صاحبك أمامهم‪ ،‬وقد تظن أن ذلك يسرهم ألنهم ـ في‬
‫اعتقادك ـ يحبونه كما تحبه‪ ،‬ثم تفاجأ أن كالمك غَّير نفوسهم من صاحبك‪ ،‬بل ربما‬
‫مجرد رؤيتهم لك كثيًر ا وأنت تصحبه قد يكون سبًبا لتغير قلوبهم‪ ،‬ويحدث ذلك‬
‫في نفوسهم غيرة وحسًد ا‪ ،‬ثم سعًيا إلفساد ما بينكما‪ ،‬فكن حكيًم ا في التعبير عن‬
‫مشاعرك نحو صديقك في حضور اآلخرين‪.‬‬
‫ومع هذا ليطمئن كل محتابين جمع اهلل بينهما فأحب كل منهما أخاه هلل محبة‬
‫صادقة نابعة من القلب‪ ...‬أن مثل هذه المحبة لن يستطيع الحاقدون اختراقها أو‬
‫هدمها‪ ،‬وليموتوا بغيظهم فلن يستطيعوا زحزحة تلك القلوب التي جمع اهلل بينها‪،‬‬
‫فعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال(‪" :)1‬النعمة تكفر والرحم يقطع وإن اهلل تعالى‬
‫إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ثم تال‪َ :‬لْو َأْنَف ْق َت َما ِفي اَأْلْر ِض َج ِم يعًا َما‬
‫َأَّلْف َت َبْيَن ُقُلوِبِه ْم ‪ ‬اآلية [األنفال‪."]63 :‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.63 ،62‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الزهد البن المب ‪LL‬ارك ـ بنح ‪LL‬وه ـ رقم (‪ )363‬ص‪ ،123‬وزاد نس ‪LL‬بته في ال ‪LL‬در المنث ‪LL‬ور (‬ ‫‪1‬‬

‫‪( )3/199‬لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والحاكم والبيهقي)اهـ‪.‬‬
‫(‪)109‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الحادية عشرة‬


‫إَذ اَع ــُة الِّسـِّر‬

‫فمما يديم الصحبة أن ال تفشي سًر ا ألخيك‪ ،‬فقد أخبر الرسول ‪(( ‬أن الرجل‬
‫إذا حدث أخاه بحديث ثم التفت فهو أمانة))(‪ ،)1‬وتذكر دائًم ا أن أخاك إذا أحبك‬
‫ووثق فيك فإنه ال يخفي عنك أحواله وتصرفاته‪ ،‬وال يتحفظ وهو يحدثك‪ ،‬ولو‬
‫كان يحدث غيرك ما قال له كل ما قال لك‪ ،‬فاعتبر ذلك جيًد ا‪.‬‬
‫وقد وصف بعضهم الصديق الذي يضر قربه فقال‪ :‬هو الذي إذا قرب توصل‬
‫بصداقته إلى معرفة األسرار‪ ،‬وعلم األخبار‪ ،‬ثم تحفظ الزلل والتقط الخلل‪ ،‬وأحصى‬
‫الفلتات‪ ،‬وعد الهفوات‪ ،‬وراعى عثرات األلسن‪ ،‬وبوادر القول والعمل عند الغضب‬
‫والرضا‪ ،‬وفي أوقات االسترسال التي ال يخلو اإلنسان فيها من إغفال‪ ،‬ثم جعل‬
‫ذلك سالًح ا معًد ا يحمله على صديقه وقت العداوة(‪.)2‬‬
‫إذا علمت ذلك فاحذر أن تفشي ما تطلع عليه من أحوال صاحبك‪ ،‬أو أمًر ا مما‬
‫يؤثر كتمانه من قول أو فعل‪ ،‬وليكن ما يبوح لك به أمانة ال تتعداك إال بإذنه‪ ،‬أو إذا‬
‫تأكدت من رضاه بذلك وإال صدمته وآذيته وغّيرت قلبه بل ربما كانت القاضية‬
‫على ما بينك وبينه من صحبة أو أخوة‪ ،‬فكيف إذا طلب منك أن تحفظ سره في‬
‫كذا أو ما حدثك به بخصوص كذا فلم تفعل؟! الشك أن الكارثة تكون أعظم وأن‬
‫(?) رواه أب ‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ ،)4868‬والترم ‪LL‬ذي في ال ‪LL‬بر والص ‪LL‬لة رقم (‪،)1959‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ )394 ،380 ،352 ،3/324‬كلهم من ح ‪LL‬ديث ج ‪LL‬ابر بن عب‪LL‬د اهلل‬
‫رضي اهلل عنهما‪ ،‬وحسنه الشيخ األلب‪LL‬اني في صحيح س‪LL‬نن أبي داود رقم (‪ ،)4075‬صحيح‬
‫الجامع الصغير رقم (‪.)486‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الصداقة والصديق ألحمد الكويتي ص‪.15‬‬ ‫‪2‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)110‬‬
‫الطامة تكون أكبر‪...‬‬
‫ولذلك قال بعضهم‪:‬‬
‫َفِبْعه ولو بكٍف من رماد‬ ‫إذا ما المرُء أخطأه ثالث‬
‫وكتمان السرائر في الفؤاد‬ ‫سالمُة صْد ره‪ ،‬والصدق منه‪،‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫(‪)111‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الثانية عشرة‬


‫إتَباُع الَّظِّن‬

‫فكما يؤذي أخاك أن تذيع سره فإنه يتأذى أيًض ا إذا ما ظننت به أنه يسر أمًر ا ما‬
‫سيًئا خالف ما يظهر منه بل ورتبت على ظنك أموًر ا‪ ،‬فهذا يؤذيه ويؤذيك أيًض ا ألن‬
‫الظنون السيئة تغير قلبك منه‪.‬‬
‫ولهذا كان من أسباب بقاء األلفة وزيادتها بين المسلمين سالمة الصدر وحسن‬
‫الظن‪ ،‬ومن ثم نهانا اهلل ورسوله ‪ ‬عن سوء الظن واتباع الظن‪ ،‬فقال جل وعال‪َ :‬يا‬
‫َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا اْجَتِنُبوا َك ِثيرًا ِم َن الَّظِّن ِإَّن َبْعَض الَّظِّن ِإْثٌم‪[ ‬الحجرات‪ ،]12 :‬وذم‬
‫الكافرين بأنهم قوم يتبعون الظن وما لهم من علم بما يقولون‪ ،‬فقال عز وجل‪َ :‬و َما‬
‫َلُه ْم ِبِه ِم ْن ِع ْلٍم ِإْن َيَّتِبُعوَن ِإال الَّظَّن ‪[ ‬النجم‪ ،]28 :‬وقال ‪(( :‬إياكم والظن فإن‬
‫الظن أكذب الحديث))(‪.)1‬‬
‫ومن حق أخيك عليك أن تظن به الخير دائًم ا‪ ،‬ومن استرجع واقعه في كثير من‬
‫المواقف أدرك أنه بعيد عن وصية عمر رضي اهلل عنه إذ يقول‪ :‬وال تظن بكلمة‬
‫خرجت من أخيك إال خيًر ا وأنت تجد لها في الخير محمًال(‪.)2‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL‬اري في النكاح رقم (‪ ،)5143‬وفي األدب رقم (‪ ،)6066 ،6064‬وفي‬ ‫‪1‬‬

‫الفرائض رقم (‪ ،)6724‬ورواه مسلم في البر والصلة رقم (‪ ،)2563‬والترمذي ـ مختصًر ا ـ‬


‫في البر والصلة رقم (‪ ،)1988‬ومالك في الموطأ في حسن الخلق (‪ ،)2/908‬وأحم‪LL‬د في‬
‫المسند (‪ )2/245‬ـ مختصًر ا ـ و(‪ )2/287‬مطوًال‪ ،‬ورواه في مواضع أخ‪LL‬رى‪ ،‬ورواه البغ‪LL‬وي‬
‫في شرح السنة (‪.)110 ،13/109‬‬
‫(?) رواه أب‪LL‬و ح‪LL‬اتم بن حب‪LL‬ان في روض‪LL‬ة العقالء ص‪ 90 ،89‬بس‪LL‬نده عن س‪LL‬عيد بن المس‪LL‬يب‬ ‫‪2‬‬

‫ق‪L‬ال‪ :‬وض‪L‬ع عم‪L‬ر بن الخط‪L‬اب رض‪L‬ي اهلل عن‪L‬ه ثماني‪L‬ة عش‪L‬رة كلم‪L‬ة كلها حكم‪ ... :‬ثم ذكرها‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)112‬‬
‫وإًذا فليست مهمتك تلمس المقصد السيئ في تصرف أخيك‪ ،‬وإنما مهمتك‬
‫البحث عن أي محمل من الخير يصلح حمل تصرف أخيك عليه‪.‬‬
‫لكن لألسف تجد بعضنا يجتهد في استجماع ما يثبت ظنونه وال ينظر إلى ما‬
‫ينفيها وهذا سبب كثير من البالء وزوال األخوة بيننا‪ ،‬ولو استحضر كل منا حسن‬
‫نية أخيه في كذا وطيب مقصده في كذا وتأول له واجتهد في نفي الظنون السيئة‬
‫عن خاطره لدامت األخوة والمحبة وازدادت‪.‬‬
‫قال ابن المبارك‪ :‬المؤمن يطلُب المعاذير‪ ،‬والمنافق يطلب الزالت‪.‬‬
‫فال شك أن االبتعاد عن سوء الظن بأهل الخير والتغافل عن دواعيه شيمة أهل‬
‫اإليمان والدين‪.‬‬
‫واعلم أن سوء الظن يدعو إلى التجسس المنهي عنه(‪ ،)1‬ويدعو إلى الوقوع في‬
‫قالة السوء في أخيك‪ ،‬وما أبعده عن المودة واإلخاء من إذا غضب غضبة من أخيه‬
‫أو رأى منه أمًر ا محتمًال لوجوه كثيرة ظن به السوء أو قال فيه السوء‪.‬‬
‫وإنما الخُّل الودود والصديق الصدوق من يحفظ قلبه عن ظن السوء بك‪،‬‬
‫ويحفظ لسانه عن قول السوء فيك وإن أغضبته يوًما أو فترت عن مراعاته في بعض‬
‫األوقات‪.‬‬
‫قال جعفر بن محمد البنه‪ :‬يا بني من غضب من إخوانك ثالث مرات فلم يقل‬
‫فيك سوًءا فاتخذه لنفسك خًال(‪.)2‬‬

‫منها‪.‬‬
‫(?) وكأن ‪LL‬ه ل ‪LL‬ذلك ق ‪LL‬ال ‪ ‬ـ في الح ‪LL‬ديث الس ‪LL‬ابق ـ بع ‪LL‬د أن ح ‪LL‬ذر من الظن بقول ‪LL‬ه‪(( :‬إياكم‬ ‫‪1‬‬

‫والظن‪ ،))...‬قال‪(( :‬وال تجسسوا لوا تحسسوا))‪.‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.175‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)113‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وهذا سعد بن أبي وقاص رضي اهلل عنه كان بينه وبين خالد بن الوليد كالم‬
‫فذكر رجل خالًد ا بسوء عند سعد‪ ،‬فقال سعد‪ :‬مه‪ ،‬إن ما بيننا لم يبلغ ديننا‪ .‬فلم‬
‫يسمع السوء‪ ،‬فكيف يجوز أن يقوله؟!‬
‫والبن أبي الدنيا في سياق آخر أنه كان بين خالد بن الوليد وسعد بن أبي‬
‫وقاص كالم‪ ،‬فلما ذكروا سعًد ا بخير أخذ خالد يمدحه‪ ،‬فقيل له في ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إن الذي بيني وبينه وقع لم يبلغ إلى ديننا‪ .‬يعني أن يأثم بعضنا في بعض‪ ،‬فلم يسمع‬
‫السوء في أخيه(‪.)1‬‬
‫(فال يوحشك فترة تجدها من أخيك‪ ،‬وال يدفعك ذلك لقول السوء فيه‪ ،‬وال‬
‫تسيء به الظن لكبوة تكون منه‪ ،‬ولَتْص رْف ذلك وَتْعُز ُه إلى فترات النفوس‬
‫واستراحات الخواطر‪ ،‬فإن اإلنسان قد يتغير عن مراعاة نفسه التي هي أخص‬
‫النفوس به‪ ،‬وال يكون ذلك من عداوة لها وال ملل منها) (‪.)2‬‬
‫وقد قيل في منثور الحكم‪ :‬ال يفسدنك الظن على صديق قد أصلحك اليقين‬
‫له(‪.)3‬‬
‫واعلم أن صاحب النفس الكريمة الفاضلة تدفعه نفسه لوضع أمر أخيه على‬
‫أحسنه وتأُّو ِل أفعاله على خير الوجوه‪(...‬حكي عن ابنة عبد اهلل بن مطيع األسود‬
‫وهي زوجة طلحة بن عبد اهلل بن عوف أنها قالت لزوجها‪ :‬ما رأيت أحًد ا قط أألم‬
‫من أصحابك‪ ،‬قال‪ :‬مه ال تقولي ذاك فيهم‪ ،‬وما رأيت من لؤمهم؟ قالت‪ :‬أمًر ا واهلل‬
‫بّيًنا‪ .‬قال‪ :‬وما هو؟ قالت‪ :‬إذا أيسرت لزموك‪ ،‬وإذا أعسرت جانبوك‪ .‬قال‪ :‬ما زدت‬

‫(?) انظر‪ :‬اإلبداع في مضار االبتداع ص‪.310‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عن أدب الدنيا والدين ـ بتصرف ـ ص‪.175 ،174‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.175‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)114‬‬
‫على أن وصفتهم بمكارم األخالق‪ ،‬قالت‪ :‬وما هذا من مكارم األخالق؟ قال‪ :‬يأتوننا‬
‫في حال القوة منا عليهم‪ ،‬ويفارقوننا في حال الضعف منا عليهم)(‪.)1‬‬
‫وليس من اإلنصاف أن يقول البعض‪( :‬مضى زمن حسن الظن)‪ ،‬وال يعترف‬
‫بشيء اسمه حسن الظن حتى مع أقرب إخوانه ومحبيه‪.‬‬
‫وربما كان مثل ذلك الموقف صدمة مني بها في صديق‪ ،‬فقد يحدث أحياًنا أن‬
‫يظل أحد األحبة يحسن الظن بأخيه رغم تكرر بعض التصرفات التي تحتمل في‬
‫بعض وجوهها وجًه ا سيًئا‪ ،‬ولكنه يجتهد في حملها على الخير‪ ،‬وينقل إليه كالم‬
‫يقلل الثقة في أخيه‪ ،‬ولكنه يظل واثًق ا به‪ ،‬ويقال له‪ :‬إنك مخدوع في صاحبك‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬من خدعنا باهلل انخدعنا له‪ ،‬وصاحبه ال يفتأ بعد كل موقف يقول له‪ :‬أحسن‬
‫بي الظن‪ ،‬فيكون جوابه‪ :‬نعم‪ ،‬ال شك أن ذلك واجبي‪ ،‬وال تتوقع مني أن أظن بك‬
‫سوًءا أبًد ا‪.‬‬
‫فيستغل صاحب التزامه بهذا الخلق الكريم‪ ،‬ويطول الحال على هذا النحو إلى‬
‫أن تقع الصدمة ويرى المحب بنفسه ويستيقن أنه كان مخدوًعا طيلة تلك السنوات‬
‫التي كان يحسن فيها الظن بأخيه ويدافع عنه ويتعامل معه بكل معاني الصفاء‬
‫والبراءة والثقة‪ ،‬ولعنف الصدمة يتخذ مثل ذلك الموقف ـ موقف من يقرر عدم‬
‫إحسان الظن بأحد بعد اليوم ـ وال شك أن صاحبه الذي كان سبًبا ـ وأمثاله ممن‬
‫ُيبلى بهم األحبة المخلصون من فترة ألخرى ـ عليهم وزر إفساد الثقة بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وتضييع خلق إحسان الظن من مجتمعهم‪...‬‬
‫ومع هذا نقول‪ :‬إن كان مثل ذلك النموذج السيئ موجوًدا حقيقة إال أنه رغم‬
‫تكرره ليس الغالب‪ ،‬بل الغالب أن ال يخيب الظن الحسن باألحبة الخيرين‪ ،‬ومن ثم‬

‫(?) روضة العقالء ص‪.128‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)115‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فمن الظلم أن يقرر األخ عدم إحسان الظن بأحد ولو كان خير الناس وأحبهم‬
‫وأقربهم إليه‪ ،‬بل ليصبر األخ على ما يبتلى به على فترات من صدمة في صاحب‪،‬‬
‫أو في صديق خاب ظنه فيه وليحتسب ذلك عند اهلل وليبق على األصل وهو إحسان‬
‫الظن بأهل الخير‪.‬‬
‫أما إذا أبيت ذلك وجعلت القاعدة عندك إساءة الظن يف اجلميع فاعلم أنك مع‬
‫ظلمك وما تتحمله من األوزار ستستجلب كراهية اجلميع لك‪ ،‬وسينزع اهلل حمبتك من‬
‫قلوب إخوانك‪ ،‬فإن صاحب القلب املظلم والصدر اخلبيث الذي ينظر إىل اجلميع بريبة‬
‫أو يتعامل معهم بتحامل وسوء ظن‪ ،‬ثقيل على النفوس وطريقه إىل القلوب مسدود‪،‬‬
‫ويبعد أن جيد من حيبه أو يتودد إليه؛ وهلذا أوصى حكيم ابنه فقال‪ :‬يا بين كن سليم‬
‫الصدر من حب األذى يتودد إليك الناس وحيبوك‪.‬‬
‫وصدق ما يعتاده من توهم‬ ‫إذا ساء فعُل المرء ساءْت‬
‫وأصبَح في ليٍل من الشك‬ ‫ظنونُة‬
‫(‪)1‬‬ ‫وعاَدى محّبيه بقول عَداته‬
‫مظلِم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) العزلة للخطابي ص‪ 48‬ونسبها للمتنبي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)116‬‬
‫(‪)117‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الثالثة عشرة‬


‫التدخل في خصوصياته‬

‫والقاعدة المنجية من ذلك دلنا عليها رسول اهلل ‪ ،‬فلو التزم كل منا أدب‬
‫الشرع وتحرى توجيهاته ‪ ‬في التعامل ما وقعنا فيما يهدم أخوتنا ومحبتنا‪ ،‬فهو ‪‬‬
‫القائل‪(( :‬ال تجسسوا وال تحسسوا وال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد اهلل‬
‫إخوانا))(‪ ،)1‬وهو ‪ ‬القائل‪(( :‬من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه)) (‪.)2‬‬
‫قال األوزاعي‪ :‬التجسس البحث عن الشيء‪ ،‬والتحسس االستماع إلى حديث‬
‫القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم‪ ،‬وقيل في الفرق بينهما غير‬
‫ذلك(‪...)3‬‬
‫والمراد أن تجسسك وبحثك فيما خفي عند أخيك مما ُنهي عنه‪ ،‬ومما يفسد‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪ 111‬وهو تمام حديث ((إياكم والظن))‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه الترمذي في الزهد رقم (‪ ،)2317‬وابن ماجه في الفتن رقم (‪ )3976‬من حديث‬ ‫‪2‬‬

‫أبي هريرة رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬ورواه الترم‪LL‬ذي في الزهد رقم (‪ ،)2318‬ومال‪LL‬ك في الموط‪LL‬أ في‬
‫حس‪LL L‬ن الخل‪LL L‬ق (‪ ،)2/903‬وأحم‪LL L‬د في المس‪LL L‬ند (‪ ،)1/201‬والبغ‪LL L‬وي في ش‪LL L‬رح الس‪LL L‬نة (‬
‫‪ ،)14/321‬وصححه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)5911‬‬
‫(?) ففي الفتح‪ :‬وقيل‪ :‬ب‪L‬الجيم البحث عن ب‪L‬واطن األم‪L‬ور وأك‪L‬ثر م‪L‬ا يق‪L‬ال في الش‪L‬ر‪ ،‬وبالح‪L‬اء‬ ‫‪3‬‬

‫البحث عما يدرك بحاسة العين واألذن ورجح هذا القرط‪LL‬بي‪ ...‬وقي‪L‬ل‪ :‬ب‪LL‬الجيم تتب‪L‬ع الش‪LL‬خص‬
‫ألجل غيره‪ ،‬وبالحاء تتبعه لنفسه‪ ،‬كما نق‪L‬ل في الفتح أيًض ا عن إب‪L‬راهيم الح‪L‬ربي أنهم‪L‬ا بمع‪L‬نى‬
‫واح ‪LL‬د‪ ،‬وعن ابن األنب ‪LL‬اري أن الث ‪LL‬اني تأكي ‪LL‬د لألول كق ‪LL‬ولهم‪ :‬بع‪ًL L‬د ا وس ‪LL‬خًطا‪ .‬ق ‪LL‬ال الحاف ‪LL‬ظ‪:‬‬
‫ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريًق ا إلى إنق‪L‬اذ نفس من الهالك مثًال ك‪L‬أن يخ‪L‬بر‬
‫ثقة بأن فالن خال بشخص ليقتله ظلًم ا‪ ،‬أو بامرأة ليزني بها‪ .‬انظر‪ :‬الفتح (‪.)10/497‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)118‬‬
‫العالقة بينك وبينه‪ ،‬كما أنه متضمن لمنكر آخر وهو سعيك وكُّدك فيما ال يعنيك‪،‬‬
‫و ـ كما قيل ـ (على العاقل أن يكون بصيًر ا بزمانه‪ ،‬مقبًال على شانه‪ ،‬حافًظا للسانه‪،‬‬
‫ومن حسب كالمه من عمله قل كالمه إال فيما يعنيه)(‪.)1‬‬
‫وروى أبو عبيدة عن الحسن قال‪ :‬من عالمة إعراض اهلل تعالى عن العبد أن‬
‫يجعل شغله فيما ال يعنيه(‪.)2‬‬
‫وقال سهل الُتْس َتِر ُّي ‪ :‬من تكلم فيما ال يعنيه حرم الصدق(‪.)3‬‬
‫وقال معروف‪ :‬كالم العبد فيما ال يعنيه خذالن من اهلل عز وجل(‪.)4‬‬
‫ودخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل‪ ،‬فسألوه عن سبب تهلل‬
‫وجهه فقال‪ :‬ما من عمل أوثق عندي من خصلتين‪ :‬كنت ال أتكلم فيما ال يعنيني‪،‬‬
‫وكان قلبي سليًم ا للمسلمين(‪.)5‬‬
‫وقال مورق العجلي‪ :‬أمٌر أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة لم أقدر عليه‪ ،‬ولست‬
‫بتارك طلبه أبًد ا‪ .‬قالوا‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬الكف عما ال يعنيني(‪.)6‬‬

‫(?) وروي مرفوًع ا‪ :‬ك ‪LL‬ان في صحب إب ‪LL‬راهيم‪ ...‬وفي آخ ‪LL‬ره ـ وعلى العاق ‪LL‬ل‪...‬إلخ‪ .‬ق ‪LL‬ال‬ ‫‪1‬‬

‫محقق جامع العلوم والحكم طارق بن موحد ـ‪ ،‬وإسناده ضعيف ج‪ًL‬د ا‪ .‬ج‪LL‬امع العل‪LL‬وم والحكم‬
‫(‪.)1/290‬‬
‫(?) جامع العلوم والحكم بتحقيق طارق بن الموحد (‪.)1/294‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) حلية األولياء (‪.)10/196‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) حلية األولياء (‪ ،)8/361‬سير أعالم النبالء (‪.)9/341‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) س‪LL‬ير أعالم النبالء (‪ )1/243‬وس‪LL‬مى الص‪LL‬حابي وهو أب‪LL‬و دجان‪LL‬ة س‪LL‬ماك بن خرش‪LL‬ة رض‪LL‬ي‬ ‫‪5‬‬

‫اهلل عنه وذكره في جامع العلوم والحكم ص‪ 138‬هكذا دون تسمية الصحابي‪.‬‬
‫(?) الزهد لإلم ‪LL‬ام أحم ‪LL‬د ص‪ ،371‬زوائ ‪LL‬د الزهد البن المب ‪LL‬ارك رقم (‪ )41‬ص‪ ،11‬حلي ‪LL‬ة‬ ‫‪6‬‬

‫األولياء (‪.)2/235‬‬
‫(‪)119‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وقال عمرو بن قيس‪ :‬مر رجل بلقمان والناس عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬ألست عبد بني‬
‫فالن؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فما‬
‫بلغ بك ما أرى؟ قال‪ :‬صدق الحديث وطول السكوت عما ال يعنيني(‪.)1‬‬
‫وقال وهب بن منبه‪ :‬كان في بني إسرائيل رجالن بلغت بهما عبادتهما أن مشيا‬
‫على الماء‪ ،‬فبينما هما يمشيان في البحر إذ هما برجل يمشي على الهواء‪ ،‬فقاال له‪:‬‬
‫يا عبد اهلل بأي شيء أدركت هذه المنزلة؟ قال‪ :‬بيسير من الدنيا(‪ ،)2‬فطمت نفسي‬
‫عن الشهوات‪ ،‬وكففت لساني عما ال يعنيني‪ ،‬ورغبت فيما دعاني إليه ربي‪ ،‬ولزمت‬
‫الصمت‪ ،‬فإن أقسمت على اهلل أبر قسمي‪ ،‬وإن سألته أعطاني(‪.)3‬‬
‫فاحذر أخا اإلسالم مداخل الشيطان للخوض فيما ال يعنيك؛ ولو كان ذلك‬
‫بحجة تربية الشخص وتقويمه؛ حيث يوهمك أن كل صغيرة وكبيرة في‬
‫خصوصيات أخيك مما يعنيك‪ ،‬فتقتحم عليه ما يستثقل تدخلك فيه‪ ،‬ويجد بسببه‬
‫الحرج والضيق حتى يضجر من صحبتك‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) تهذيب األسماء واللغات (‪ ،)2/71‬ونحوه في اإلحياء (‪.)3/122‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) هكذا قال‪ ،‬وهي واهلل أمور عظيمة شاقة على النفوس‪ ،‬وإنما هي يس‪LL‬يرة على من يس‪LL‬رها‬ ‫‪2‬‬

‫اهلل عليه‪.‬‬
‫(?) جامع العلوم والحكم (‪.)1/293‬‬ ‫‪3‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)120‬‬
‫(‪)121‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الرابعة عشرة‬


‫األنانية واالستعالء وعدم االكتراث بمشاكله‬
‫وتجاهل ظروفه وَح اجته‬

‫فالناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعالء مهما كان هذا اإلنسان‪ ،‬حتى لو‬
‫كان داعية أو عالًم ا أو معلًم ا‪ ،‬فالناس ال يحبون هذا الذي ينظر إليهم نظرة استعالء‪،‬‬
‫أو ال يكترث بهم‪ ،‬ولذا كان اإلنسان مأموًر ا بالتواضع والشعور باآلخرين وإن كان‬
‫في مقام التعليم والرئاسة‪.‬‬
‫ومن أجمل وأرق ما نقل عن السلف في ذلك ما رواه هارون بن عبد اهلل رحمه‬
‫اهلل قال‪ :‬جاءني أحمد بن حنبل بالليل‪ ،‬فدَّق علَّي الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬أنا‬
‫أحمد‪ ،‬فبادرت وخرجت إليه فمَّس اني ومَّس يته‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬حاجة أبي عبد اهلل ـ ما حاجتك ـ؟‬
‫قال‪ :‬شغلَت اليوم قلبي‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬بماذا يا أبا عبد اهلل؟‬
‫قال‪ :‬جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء ـ الظل ـ والناس في‬
‫الشمس بأيديهم األقالم والدفاتر ـ ال تفعل مرة أخرى‪ .‬إذا قعدت فاقعد مع الناس(‪.)1‬‬
‫وهنا أيًض ا لفتتان جديرتان بالتأمل‪ :‬األولى‪ :‬أن راوي الحادثة ليس الناصح بل‬

‫(?) تاريخ بغداد (‪ ،)14/22‬مناقب اإلمام أحم‪L‬د البن الج‪L‬وزي ص‪ ،301‬وهارون بن عب‪L‬د‬ ‫‪1‬‬

‫اهلل بن م ‪LL‬روان اإلم ‪LL‬ام الحج ‪LL‬ة الحاف ‪LL‬ظ المج ‪LL‬ود أب ‪LL‬و موس ‪LL‬ى البغ ‪LL‬دادي الت ‪LL‬اجر ال ‪LL‬بزاز الملقب‬
‫بالحم ‪LL‬ال‪ ،‬ول ‪LL‬د س ‪LL‬نة إح ‪LL‬دى وس ‪LL‬بعين ومائ ‪LL‬ة‪ ،‬وقي ‪LL‬ل‪ :‬س ‪LL‬نة اثن ‪LL‬تين‪ ،‬روى عن ‪LL‬ه الجماع ‪LL‬ة س ‪LL‬وى‬
‫البخاري‪ .‬سير أعالم النبالء (‪ ،)116 ،12/115‬تاريخ بغداد (‪.)23 ،14/22‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)122‬‬
‫المنصوح الذي تأثر بالنصيحة‪ ،‬وهذا من سالمة القلب وإيثار الحق‪ ،‬والثانية‪ :‬رقة‬
‫اإلمام أحمد ولطفه في توجيه النصيحة حيث ذهب إلى الرجل بالليل وقال له‪:‬‬
‫(شغلت قلبي)‪ ،‬هكذا بهذه الشفقة‪ ،‬ولم يقل له‪( :‬أسأت إلى الناس)‪...‬‬
‫واعلم أن عدم االكتراث بمشاكل الصاحب وظروفه وحاجته يشعره بالغربة‬
‫وأن إخوانه يعيشون في عالمهم وهو في عالم آخر ال يشعر به أحد‪ ،‬وال بما يعانيه‪،‬‬
‫وإنه ليزداد ألًم ا إذا رأى أن إخوانه أدركوا ظروفه ومع ذلك تجاهلوها ولم يجدهم‬
‫إلى جانبه‪ ،‬ومن ثم تفتر مشاعر الحب تجاههم‪...‬‬
‫وقد يظهر له أنهم أصيبوا باألنانية أو البالدة وأصبحوا ال يهمهم إال أمر‬
‫أنفسهم‪ ...‬وربما ضَّخم من تقصيرهم مع كونهم في الحقيقة ليسوا بذلك السوء‪،‬‬
‫ولكن غفلتهم تفتح باًبا بل أبواًبا للشيطان ليفسد ما بين األحبة من عالقة‪.‬‬
‫وقد توجد صور من نوعية أخرى لعدم االكتراث بظروف أخيك وذلك مثل أن‬
‫تتجاهل برنامجه وطريقة ترتيبه وحفظه لوقته وتقسيمه ألعماله وأوقات راحته‬
‫فتفسد عليه ذلك‪ ،‬أو تفترض أنه ال برنامج له لمجرد أنك كذلك‪ ،‬أو تتصور أنه‬
‫ليس عنده مشاغل ومتطلبات فتفرض عليه أوضاًعا تربكه وتتسبب في تراكم‬
‫حاجاته وأعماله ومشاكله حتى يضيق بك ذرًعا وتصبح غصة في برنامجه حتى يندم‬
‫على معرفتك وتولي محبتك من قلبه‪.‬‬
‫وأًيا كانت صور عدم االكتراث بظروف أخيك‪ ،‬فينبغي الحذر منها‪ .‬وأن تكون‬
‫عوًنا ألخيك حسبما يقتضيه الحال سواء بقولك له‪ :‬ها أنا ذا‪ ،‬أو بغيابك عنه وتركه‬
‫فيما هو فيه إعانة له على إنجاز ما هو بصدده‪ .‬لكن مع الحذر من المبالغة في‬
‫ذلك‪ ،‬فبعض ذوي الحياء يتحرجون جًد ا من طرق أبواب بيوت أصحابهم ذوي‬
‫األعباء الكثيرة‪ ،‬بل ويتحرجون من استيقافهم للسالم عليهم أو الكالم معهم إذا‬
‫(‪)123‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫قابلوهم في الطريق حتى لو كان أصحاب األعباء يبدون رغبة ملحة في رؤيتهم أو‬
‫الوقوف معهم‪ ...‬بل ربما لم تكن أعباء هؤالء بهذه الضخامة‪ ،‬ولكنه حسن الظن‬
‫من ذوي الحياء‪ ...‬وفي هذه الحالة قد يبتلى صاحب العبء بعبء إضافي وهو‬
‫افتقاده لرؤية من يخف عنه العبء برؤيتهم من األحبة الذين جعلهم اهلل شفاء من‬
‫الكرب وبلسًم ا للجروح في الوقت الذي يبتلى فيه برؤية من يزيدون همه‬
‫ويصيرون هم المحيطين به المستهلكين لوقته‪...‬‬
‫فالمقصود إًذا تلبية حاجات أخيك النفسية والمادية‪ ...‬وهذه الحاجات تتنوع‬
‫جًد ا‪ ...‬والفطن الذي خبر صديقه وأحبه لن يعجزه أن يدرك تلك الحاجات فيعين‬
‫أخاه‪ ،‬ويفرج عنه‪ ،‬ويكون ذلك من القرب التي يتقرب بها إلى اهلل وينال بها عظيم‬
‫األجر والثواب كما في الصحيحين أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬من كان في حاجة أخيه‬
‫كان اهلل في حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مسلم كربة فرج اهلل عنه بها كربة من كرب يوم‬
‫القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلًم ا ستره اهلل يوم القيامة))(‪.)1‬‬
‫وكن لهَّم أخيَك فارْج‬ ‫اقِض الحوائَج ما استطْعَت‬
‫يوٌم قضى فيه الَح وائْج‬ ‫َفَلَخ ْيُر أياِم الفتى‬

‫فعلى الصاحب أن يسد على الشيطان األبواب التي ينفذ منها إلفساد ما بينه‬
‫وبين صاحبه‪ ،‬وذلك بالتزام ذلك الهدي أو هذا التوجيه الذي أتانا به نبينا ‪،‬‬
‫وبالتزام حال سلفنا الصالح كذلك‪ ،‬وسيأتي في ثنايا الحديث طرف من أحوالهم‪.‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL‬اري في المظ ‪LL‬الم رقم (‪ ،)2442‬وفي اإلك ‪LL‬راه ـ مختص‪ًLL‬ر ا ـ رقم (‪،)6951‬‬ ‫‪1‬‬

‫ورواه مسلم في ال‪L‬بر والص‪L‬لة رقم ‪ ،)02580‬وفي ال‪L‬ذكر (‪ ،)2699‬واب‪L‬و داود في األدب‬
‫رقم (‪ ،)4893‬والترم‪LL‬ذي في الح‪LL‬دود رقم (‪ ،)1426‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )2/91‬كلهم‬
‫من ح‪LL‬ديث ابن عم‪LL‬ر رض‪LL‬ي اهلل عنهم‪LL‬ا واألح‪LL‬اديث في هذا المع‪LL‬نى كث‪LL‬يرة من رواية غير ابن‬
‫عمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)124‬‬
‫ومما عّلمناه رسول اهلل ‪ ‬أيًض ا ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬قال‪(( :‬أحب الناس إلى اهلل عز وجل أنفعهم‪ ،‬وأحب األعمال إلى اهلل عز وجل‬
‫سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديًنا‪ ،‬أو تطرد عنه‬
‫جوًعا‪ ،‬وألن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد‬
‫(يعني مسجد المدينة) شهًر ا‪ ))...‬الحديث(‪.)1‬‬
‫وقد كان بعض السلف من حرصه على أخيه واهتمامه بحاجاته ومشاكله ال‬
‫يقتصر على تفقد حاجة أخيه بل يتفقد عياله بعد موته أربعين سنة فيقضي حوائجهم‪،‬‬
‫وال يملك أحدنا أمام ذلك العمل إال أن يقول‪ :‬هذا أخ صادق وتلك هي األخوة‬
‫والمحبة‪.‬‬
‫والمقصود أن من حق األخ على أخيه قضاء حاجته وعونه على أموره‪( ،‬وذلك‬
‫درجات‪:‬‬
‫أدناها‪ :‬القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة‪ ،‬لكن مع البشاشة واالستبشار‪.‬‬
‫وأوسطها‪ :‬القيام بالحوائج من غير سؤال‪.‬‬
‫وأعالها‪ :‬تقديم حوائجه على حوائج النفس)(‪.)2‬‬
‫وبصفة عامة ينبغي أن تتميز عالقة الصاحب بصاحبه باالهتمام به وبظروفه‬
‫وبآرائه وكالمه‪ ،‬وبهذا تقوى المحبة وتدوم‪ ،‬فالناس فطروا على حب ذلك اإلنسان‬
‫الذي يهتم بهم‪ ،‬والذي يهتم بما يفكرون فيه‪ ،‬وما يشغل بالهم‪ ،‬وحينما يتحدثون‬

‫(?) عزاه الس‪L‬يوطي في الج‪L‬امع الص‪L‬غير البن أبي ال‪L‬دنيا في "قض‪L‬اء الح‪L‬وائج"‪ ،‬والط‪L‬براني في‬ ‫‪1‬‬

‫معجم‪LL‬ه الكب‪LL‬ير من ح‪LL‬ديث ابن عم‪LL‬ر رض‪LL‬ي اهلل عنهم‪LL‬ا‪ ،‬وحس‪LL‬نه الش‪LL‬يخ األلب‪LL‬اني في صحيح‬
‫الجامع الصغير رقم (‪ ،)176‬وأورده في السلسلة الصحيحة برقم (‪.)906‬‬
‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.96‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)125‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ينصت إلى حديثهم‪ ،‬وينظر إليهم‪ ،‬ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه‪.‬‬
‫نعم (الناس في حاجة إلى من يعرف ما الذي يشغل بالهم وما هي اهتماماتهم‪،‬‬
‫وليسوا بحاجة أن تقول لهم‪ :‬يجب عليكم أن تعرفوا كذا وكذا ـ إلقاء جاًفا مجرًدا‬
‫ـ ثم تنصرف‪ ،‬بل حاول التعرف على ما يدور في أنفسهم ويشغلهم واستمع إلى‬
‫حديثهم بل وشجعهم على أن يحدثوك عن أنفسهم وال يكن همك أن تحدثهم عن‬
‫نفسك‪ ،‬وكما قيل‪ :‬إذا أردت أن تكون متحدًثا لبًق ا فكن مستمًعا لبًق ا‪.‬‬
‫فمن طبع اإلنسان أن يريد أن يتحدث عن قضاياه التي تشغل باله‪ ،‬ويريد من‬
‫يشاركه همومه‪ ،‬ورسول اهلل ‪ ‬يعلمنا بمواقفه ليس فقط االستماع للمتحدث وإنما‬
‫إثارته لكي يبسط الحديث‪ ،‬ومن ذلك قصة الرسول ‪ ‬مع عبد الرحمن بن عوف‬
‫لما قابله ورأى عليه أثر صفة فقال له ‪َ(( :‬م ْه َيم؟))(‪ )1‬قال‪ :‬تزوجت(‪.)2‬‬
‫وكذلك قصة جابر لما سأله وقال له‪(( :‬تزوجت؟)) قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪(( :‬بكًر ا أم‬

‫(?) قول ‪LL‬ه "مهيم" هي كلم ‪LL‬ة يماني ‪LL‬ة بمع ‪LL‬نى م ‪LL‬ا أم ‪LL‬رك‪ ،‬وم ‪LL‬ا ش ‪LL‬أنك؟ ويوض ‪LL‬ح المع ‪LL‬نى رواية‬ ‫‪1‬‬

‫الترمذي فإنه ‪ ‬قال له فيها‪(( :‬ما هذا؟))‪.‬‬


‫(?) رواه البخ ‪LL L‬اري في ال ‪LL L‬بيوع رقم (‪ ،)2048‬وفي من ‪LL L‬اقب األنص ‪LL L‬ار رقم (‪ )3780‬من‬ ‫‪2‬‬

‫ح ‪LL L‬ديث عب‪LL L‬د ال‪LL L‬رحمن بن ع‪LL L‬وف رض‪LL L‬ي اهلل عن‪LL L‬ه‪ ،‬ورواه البخ‪LL L‬اري في ال‪LL L‬بيوع أيًض ا رقم‬
‫‪ ،020499‬وفي من‪LL‬اقب األنص‪LL‬ار رقم ‪ )03781‬وفي تس‪LL‬عة مواض‪LL‬ع أخ‪LL‬رى من الص‪LL‬حيح‪،‬‬
‫ورواه مس‪L‬لم في النكاح رقم (‪ )1427‬مختص‪ًL‬ر ا‪ ،‬ومال‪L‬ك في الموط‪L‬أ في النكاح (‪)2/545‬‬
‫مختصرصا‪ ،‬وأب ‪LL‬و داود في النكاح رقم (‪ )2109‬مختص‪ًL L‬ر ا‪ ،‬والترم ‪LL‬ذي في النكاح رقم (‬
‫‪ )1094‬مختصًر ا‪ ،‬وفي ال‪LL‬بر والص‪L‬لة رقم (‪ )1933‬كرواية البخ‪L‬اري‪ ،‬والنس‪LL‬ائي في النكاح‬
‫(‪ ،)120 ،6/119‬وابن ماج‪LL‬ه في النكاح رقم (‪ )1907‬مختص ‪ًL‬ر ا‪ ،‬وال‪LL‬دارمي في النكاح‬
‫رقم (‪ )2204‬مختص‪ًL L L‬ر ا أيًض ا‪ ،‬وأحم ‪LL L‬د في المس ‪LL L‬ند (‪ )274 ،271 ،3/227‬مط ‪LL L‬وًال‬
‫ومختصًر ا كلهم من حديث أنس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)126‬‬
‫ثيًبا؟)) قال‪ :‬بل ثيًبا‪ ،‬قال‪(( :‬هال بكًر ا تالعبها وتالعبك)) متفق عليه(‪.)1‬‬
‫وتأمل أسلوبه ‪ ‬الرقيق في إثارة جابر رضي اهلل عنه للحديث ((هال بكًر ا‬
‫تالعبها وتالعبك))‪ ،‬فشرح جابر سبب زواجه من الثيب التي تكون أقدر على رعاية‬
‫أخواته من البكر التي ال تكون غالًبا كذلك)(‪.)2‬‬
‫وإذا كان من حق الصحبة االهتمام بالصاحب واالستماع له‪ ،‬فإن صاحبك تكون‬
‫سعادته أعظم إذا ما وجد منك بعد هذا مسارعة إىل خدمته يف أمر ما من أموره‬
‫الشخصية مع استبشارك‪ ،‬ودون سؤال منه كما أنه يشعر بأخوتك وصدق حمبتك إذا ما‬
‫وجدك إىل جواره يف كل شدة وضائقة معنوية أو مادية‪.‬‬
‫ولكن في البالء قليل‬ ‫أخالء الرَخ اِء هُم كثير‬
‫فما لك عند نائبة خليل‬ ‫فال يغررك خلة من تؤاخي‬
‫ولكن ليس يفعُل ما يقوُل‬ ‫وكل أِخ يقول أنا وِفَّي‬
‫(‪)3‬‬ ‫سوي خلُّي له َح َس ب ودين‬
‫فذاك لما يقوُل هو الفُعوُل‬

‫وقال الشافعي رمحه اهلل‪:‬‬


‫قريٌب من عدٍو في القياِس‬ ‫صديٌق ليس ينفُع يوَم بؤٍس‬
‫وال اإلخواُن إال للتآسي‬ ‫وما يبقى الصديُق بكل عصٍر‬
‫أخا ثقة فألهاني التَم اِس ي‬ ‫عبرُت الدهَر ملتمًسا ُبجهدي‬

‫(?) ح‪LL‬ديث ج‪LL‬ابر رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه وزواج‪LL‬ه‪ :‬رواه البخ‪LL‬اري في ال‪LL‬بيوع رقم ‪ ،)02097‬وفي‬ ‫‪1‬‬

‫النكاح رقم (‪ )5080‬وفي مواض ‪LL‬ع أخ ‪LL‬رى‪ ،‬ورواه مس ‪LL‬لم في الرض ‪LL‬اع رقم (‪ ،)715‬وأب ‪LL‬و‬
‫داود في النكاح رقم (‪ ،)2048‬والترم‪L‬ذي في النكاح رقم (‪ ،)1100‬والنس‪LL‬ائي (‪،)6/61‬‬
‫وابن ماجه في النكاح رقم (‪ ،)1860‬وأحمد في المسند (‪ )308 ،302 ،3/294‬وغيرها‬
‫من المواضع والدارمي في النكاح رقم (‪.)2216‬‬
‫(?) فن التعامل مع الناس ص‪40 ،38‬ـ ‪ 42‬بتصرف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ذكره في أدب الدنيا والدين ص‪ 169 ،168‬من شعر حسان بن ثابت رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫(‪)127‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫(‪)1‬‬
‫كأن أنامها ليسوا بناس‬ ‫تنَّك َر ت البالُد ومن عليها‬

‫قيل ألحدهم‪ :‬من صديقك؟ قال‪ :‬الذي إذا صرت إليه في حاجة وجدته أشد‬
‫مسارعة إلى قضائها مني إلى طلبها(‪.)2‬‬
‫وقال أبو حيان‪ :‬وأنشدنا أبو سعيد السريايف قال‪ :‬أنشدنا قدامة بن جعفر الكاتب‬
‫لشاعر‪:‬‬
‫يزيدهم هوُل الجناب تآسًيا‬ ‫وفتيان صدٍق ثابتين صحْبتهم‬
‫وإن يُك شًرا يشربوه‬ ‫فإن يُك خيًرا يحسنوا أمًال به‬
‫(‪)3‬‬
‫تحاسًيا‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫تناُل يدي ظلٌم لهم وعقوُق‬ ‫وتركي مواَس اُة األخالِء بالذي‬
‫بحاِل اتساٍع والصديُق‬ ‫وإني ألستحيي من هللا أن‬
‫(‪)4‬‬ ‫أرى‬
‫مضيُق‬

‫وهذا ابن المبارك رحمه اهلل كان كثير االختالف إلى طرسوس وكان ينزل‬
‫الَّر َّقة‪ ،‬فكان شاب يختلف إليه‪ ،‬ويقوم بحوائجه‪ ،‬ويسمع منه الحديث‪ ،‬فقدم عبد‬
‫اهلل مرة فلم يره‪ ...،‬فلما سأل عنه قيل له‪ :‬إنه محبوس على عشرة آالف درهم‪،‬‬
‫فاستدل على الغريم‪ ،‬ووزن له عشرة آالف‪ ،‬وحّلفه أال يخبر أحًد ا ما عاش‪ ،‬فأخرج‬

‫(?) ديوان الشافعي ص‪.67‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.82‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المختار من الصداقة والصديق ص‪.113‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.131‬‬ ‫‪4‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)128‬‬
‫الرجل‪ ،‬وسرى ابن المبارك‪ ،‬فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة‪ ،‬فقال ابن‬
‫المبارك‪ :‬يا فتى‪ ،‬أين كنت؟ لم أرك‪ .‬قال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن كنت محبوًس ا بدين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكيف خلصت؟ قال‪ :‬جاء رجل‪ ،‬فقضى ديني‪ ،‬ولم أدر‪ .‬قال‪ :‬فاحمد اهلل‪.‬‬
‫ولم يعلم الرجل إال بعد موت عبد اهلل‪.‬‬
‫وجاءه رجل فسأله أن يقضي ديًنا عليه‪ ،‬فكتب عبد اهلل له إلى وكيل له‪ ،‬فلما‬
‫ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل‪ :‬كم الدين الذي سألته قضاءه؟ قال‪ :‬سبعمائة‬
‫درهم‪ ،‬وإذا عبد اهلل قد كتب له أن يعطيه سبعة آالف درهم‪ ،‬فراجعه الوكيل‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إن الغالت قد فنيت‪ ،‬فكتب إليه عبد اهلل‪ :‬إن كانت الغالت قد فنيت فإن‬
‫العمر أيًض ا قد فني‪ ،‬فأجز له ما سبق به قلمي(‪.)1‬‬
‫وكان عامر بن عبد اهلل ـ الذي يعرف بابن عبد قيس ـ إذا فصل غازًيا يتوسم من‬
‫يرافقه‪ ،‬فإذا رأى ُر فقة تعجبه‪ ،‬اشترط عليهم أن يخدمهم‪ ،‬وأن يؤذن‪ ،‬وأن ينفق‬
‫عليهم طاقته(‪.)2‬‬
‫أما إذا شعر صديقك أنك تأنف من إعانته في أمر من أموره‪ ،‬أو تترفع عن مد‬
‫يدك لخدمته ومساعدته في إصالح شيء أو تنظيفه أو إنجاز بعض أعماله فإنه‬
‫ينقبض منك كذلك ويترفع عنك‪ ،‬أما إذا شعر أنك تبتسم له إذا كانت لك حاجة‬
‫عنده وتنقبض منه إذا كانت له حاجة عندك فهذه هي القاضية‪...‬‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫إذا كاَنْت حوائُجهم إلينا‬ ‫أرى قوًم ا وجوههم حساُن‬
‫تغير حسُن أوُج ِهِهم علينا‬ ‫فإن كانْت حوائُجنا إليهم‬
‫ويْغ َض ُب حين نمنُع ما لدينا‬ ‫ومنهم من سيمنُع ما لديه‬

‫(?) انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)387 ،8/386‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سير أعالم النبالء (‪.)17 ،4/15‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)129‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫(‪)1‬‬ ‫فإن يك فعلهم سمًجا وفعلي‬
‫قبيًحا مثله فقد استوينا‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫ليست بنا وحَش ٌة إلى أَح ِد‬ ‫وكان لي مؤنًسا وكنُت له‬
‫(‪)2‬‬
‫كنُت كمحتاٍج يِد األسد‬ ‫حتى إذا احتاَج ْت يدي يَد ُه‬

‫(وقال بعض الشعراء‪:‬‬


‫ولكنما اإلخواُن عند الَّش داِئِد‬ ‫وكُّل أٍخ عند الهويَنى مالِط ُف‬

‫وقال صاحل بن عبد القدوس‪ :‬شر اإلخوان من كانت مودته مع الزمان إذا أقبل‪ ،‬فإذا‬
‫أدبر الزمان أدبر عنك‪ ،‬فأخذ هذا املعىن الشاعر فقال‪:‬‬
‫مع الزماِن إذا ما خاَف أو‬ ‫شُّر األخالء من كاَنْت موَّد ُته‬
‫(‪)3‬‬
‫َر غَبا)‬

‫فأين هذا من حبك ألخيك ما تحب لنفسك فضًال عن إيثارك ألخيك على‬
‫نفسك‪ ،‬قال ‪(( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه))(‪.)4‬‬
‫فكم هو شعور سعيد سار مريح أن تشعر أن أخاك يؤثرك على نفسه أو على‬
‫األقل يحب لك ما يحب لنفسه‪ ،‬وكم هو شعور محبط كريه أن تشعر أن أخاك‬
‫ليس عنده أدنى استعداد لمسألة اإليثار‪ ،‬بل ال تطمع أن يحب لك ما يحب لنفسه‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.137‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.60‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.177‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪.26‬‬ ‫‪4‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)130‬‬

‫دون إيثار لك بشيء‪...‬‬


‫وكمثال عملي بسيط يمكن أن تفرق به بين شعور وشعور‪ :‬إذا أتيت إلى‬
‫المجلس وقد ضاق بالجالسين‪ ،‬أو دعيت إلى طعام وقد ازدحم األصحاب حول‬
‫الطعام ووقفت في حرج شديد ال تدري ماذا تفعل‪ ،‬وَتَلَّف َّت فوقعت عينك على‬
‫أخيك الذي تحبه وترجوه لساعات الحرج‪ ،‬فنظر إليك من طرف خفي وتجاهلك‬
‫وتركك في حيرتك وحرجك دون أن يخفف عنك ذلك بأي نداء أو أي‬
‫فعل‪...‬لعلك قد أدركت يوًما مثل هذا الشعور‪ ...‬ثم قارنه بشعور آخر حين تجد‬
‫أخاك تلقفك على الفور بمجرد رؤيتك وناداك وأفسح لك أو دبر لك مكاًنا إلى‬
‫جانبه ولم يتركك تتعرض لحرج لحظة(‪ ...)1‬بل قارنه بشعور ثالث إذا قام أخوك‬
‫من مكانه وأصر على إجالسك وبحث هو عن مكان آخر‪ ،‬فإنه في هذه الحالة‬
‫سيكون أقل حرًج ا منك في البحث عن مكان‪.‬‬
‫هذا مثال واحد يبين المسيرة ما بين األنانية واإليثار‪ ،‬وال شك أن األمر أعظم‬
‫إذا تعلق ذلك بأموال أو بأمر يطول من الراحة أو العناء ال قضية لحظات في‬
‫مجلس أو وليمة‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنويه به في هذا الشأن أن مجال اإليثار يشمل األمور المعنوية كما‬
‫يشمل األمور المادية‪ ،‬كعمل صالح ينسب لواحد منكما‪ ،‬أو وجاهة في مجلس من‬
‫المجالس‪ ،‬أو صدارة في موقف من المواقف‪ ،‬كما يكون اإليثار أيًض ا في راحة من‬
‫تحمل عبء من األعباء‪ ،‬فذلك كله مجال إليثار أخيك على نفسك أو على األقل‬

‫(?) س‪LL‬بق ق‪LL‬ول عم‪LL‬ر رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ :‬إن مم‪LL‬ا يص‪LL‬في ل‪LL‬ك ود أخي‪LL‬ك ثالًث ا‪ :‬إذا لقيت‪LL‬ه أن تب‪LL‬دأه‬ ‫‪1‬‬

‫بالسالم‪ ،‬وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه‪ ،‬وأن توسع له في المجلس‪.‬‬


‫(‪)131‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫تحب له ما تحب لنفسك‪...‬‬


‫ولكننا أحياًنا ودون أن نشعر قد ال َيكتفي أحدنا بتقديم نفسه على صاحبه بل‬
‫ربما قدم عليه حماره أو دابته!! ولعلك أيها القارئ تنزعج من الكالم‪ ،‬ولكن تأمل‬
‫بالغة بعض السابقين ـ وهو ُيَف ِّطن أخاه لمثل ذلك ـ يتضح لك األمر‪:‬‬
‫فقد حكي أن رجًال لقي صاحًبا له فقال له‪ :‬إني أحبك‪ .‬فقال‪ :‬كذبت؛ لو كنت‬
‫صادًقا ما كان لفرسك برقع وليس لي عباءة(‪.)1‬‬
‫والحقيقة أن البون شاسع بين ما كان سلفنا الصالح ـ خاصة الصحابة رضي اهلل‬
‫عنهم ـ يؤثرون به إخوانهم وبين ما نؤثر به إخواننا إن آثرناهم‪ ...‬وما طمعنا في‬
‫الكثير من اإليثار‪ ...‬بل إننا لنجاهد أنفسنا على مساواة إخواننا بنا‪ ،‬فنحقق على‬
‫األقل قوله ‪(( :‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه)) (‪.)2‬‬
‫قال أبو يعقوب‪ :‬دخلنا على أبي المطيع القرباني نسأله الحديث‪ ،‬فقدم إلينا‬
‫طعاًما فأمسكنا عنه‪ ،‬فقال‪ :‬يا هؤالء‪ ،‬كانت المواساة بين اإلخوان قبلنا بالضياع‬
‫والرباع والبراذين والمماليك والدور والبدور(‪ ،)3‬فصارت اليوم إلى هذا‪ ،‬وهو‬
‫مروءتنا‪ ،‬فإن أمسكتم عن هذا أيًض ا ذهب هذا القدر‪ ،‬وماتت سنة السلف فال‬

‫(?) الص‪LL‬داقة والص‪LL‬ديق ص‪ ،82‬وفي‪LL‬ه‪ :‬قي‪LL‬ل ألبي الع‪LL‬ريب المص‪LL‬ري‪ :‬إذا ك‪LL‬ان الرج‪LL‬ل يحب‬ ‫‪1‬‬

‫صاحبه ويمنعه ماله‪ ،‬أيكون صديًق ا؟ قال‪ :‬يكون صادًقا في حبه‪ ،‬مقصًر ا في حقه‪.‬‬
‫(?) سبق تخريجه ص‪.26‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الضياع جمع ضيعة وهي العقار‪ ،‬والرباع جمع ربع وهو ال‪LL‬دار‪ ،‬وال‪LL‬براذين جم‪LL‬ع ب‪LL‬رذون‬ ‫‪3‬‬

‫وهو الدابة‪ ،‬وذلك بمثابة باإليثار بالسيارة في أيامن‪L‬ا‪ ،‬والممالي‪L‬ك العبي‪L‬د‪ ،‬والب‪L‬دور جم‪L‬ع ب‪L‬درة‬
‫وهي وع‪LL L‬اء من جل‪LL L‬د ب‪LL L‬ه نح‪LL L‬و عش‪LL L‬رة آالف درهم‪ .‬انظ‪LL L‬ر‪ :‬لس‪LL L‬ان الع‪LL L‬رب ص‪،252 ،229‬‬
‫‪.2624 ،1563‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)132‬‬

‫تفعلوا‪ ،‬فأقبلنا عليه وأكلنا(‪.)4‬‬


‫وكان ابن المبارك رحمه اهلل إذا كان وقت الحج‪ ،‬اجتمع إليه إخوانه من أهل‬
‫مرو‪ ،‬فيقولون‪ :‬نصحبك‪ ،‬فيقول‪ :‬هاتوا نفقاتكم‪ ،‬فيأخذ نفقاتهم‪ ،‬فيجعلها في‬
‫صندوق‪ ،‬ويقفل عليها‪ ،‬ثم يكتري لهم‪ ،‬ويخرجهم من مرو إلى بغداد‪ ،‬فال يزال‬
‫ينفق عليهم‪ ،‬ويطعمهم أطيب الطعام‪ ،‬وأطيب الحلوى‪ ،‬ثم يخرجهم من بغداد‬
‫بأحسن زِّي وأكمل مروءة‪ ،‬حتى يصلوا إلى مدينة الرسول ‪ ،‬فيقول لكل واحد‪ :‬ما‬
‫أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من ُطَر فها؟ فيقول‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬ثم يخرجهم‬
‫إلى مكة‪ ،‬فإذا قضوا حجهم‪ ،‬قال لكل واحد منهم‪ :‬ما أمرك عيالك أن تشتري لهم‬
‫من متاع مكة؟ فيقول‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فيشتري لهم‪ ،‬ثم يخرجهم من مكة فال يزال‬
‫ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو‪ ،‬فيجصص بيوتهم وأبوابهم‪ ،‬فإذا كانوا بعد‬
‫ثالثة أيام‪ ،‬عمل لهم وليمة وكساهم‪ ،‬فإذا أكلوا وسروا‪ ،‬دعا بالصندوق‪ ،‬ففتحه‬
‫ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه‪.‬‬
‫وروي أنه قال للفضيل‪ :‬لوالك وأصحابك ما اتجرت(‪.)1‬‬
‫ولألسف فإن أقواًما اليوم بعدما خرجوا لحياة الدرهم والدينار وخاضوا‬
‫معتركها ألغوا من حياتهم‪ ،‬ومن عواطفهم ومشاعرهم شيًئا اسمه (المحبة إلى َح ِّد‬
‫اإليثار) وأن ما مروا به من ذلك في عالقات الصبا كان طوًر ا من أطوار المراهقة‬
‫وعواطف الشباب وهي اليوم ال تعدو أن تكون هراء أو خياالت وأوهاًما وعواطف‬
‫ال معنى لها في واقع الحياة وآتونها المستعر‪ ...‬نعوذ باهلل من تغير القلوب وفساد‬
‫النفوس‪ ...‬ولو احترم هؤالء هذه المشاعر ولو لم يمارسوها لكان األمر أخف‪...‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.83 ،82‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪.)386 ،8/385‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)133‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)134‬‬
‫(‪)135‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الخامسة عشرة‬


‫الّتحفظ والّتكّلف واإلثقال على الَّصاحب‬
‫ومراقبته في قيامه بحقوق األخوة نْح وك‬

‫قال جعفر بن محمد‪ :‬أثقل إخواني علّي من يتكلف لي وأتحفظ منه‪ ،‬وأخفهم‬
‫على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي(‪.)1‬‬
‫فإذا أردت أن تكون خفيًف ا على قلب صاحبك وأن يكون معك منشرًح ا على‬
‫سجيته فاترك االنقباض وارفع عنه الحرج‪ ،‬وال تحاسبه على قيامه بحقوقك وال‬
‫تكلفه التفقد ألحوالك‪ ،‬وتواضع له‪( ،‬ومن تمام هذا األمر أن ترى الفضل إلخوانك‬
‫عليك ال لنفسك عليهم‪ ،‬فتنِز ل نفسك معهم منزلة الخادم)(‪.)2‬‬
‫وهذا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه (لم يكن يكتفي ببر أصحابه فحسب بل‬
‫يبر مواليه ويخدمهم في السفر وهم المكلفون بخدمته)(‪ )3‬فعن ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما أنه قال ألسلم موىل عمر‪ :‬يا أبا خالد‪ ،‬إين أرى أمري املؤمنني يلزمك لزوًم ا ال‬
‫يلزمه أحًد ا من أصحابك‪ ،‬ال خيرج سفًر ا إال وأنت معه‪ ،‬فأخربين عنه‪ .‬قال‪ :‬مل يكن أوىل‬
‫القوم بالظل‪ ،‬وكان ُيرِّح ل رواحلنا‪ ،‬ويرحل رحله وحده‪ ،‬ولقد فزعنا ذات ليلة وقد‬
‫رحل رحالنا‪ ،‬وهو يرحل رحله ويرجتز‪:‬‬
‫والَبسْن له القميص واعَتْم‬ ‫ال يأخذ الليُل عليك بالَهْم‬
‫(‪)4‬‬ ‫وكن شريك نافع وأسلم‬
‫واخُد م األقوام حتى ُتْخ َدم‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.100‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) من أخالق السلف ص‪.112‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سير أعالم النبالء (‪.)4/99‬‬ ‫‪4‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)136‬‬

‫ولتقصد بمحبتك ألخيك التقرب إلى اهلل‪ ،‬واالستئناس بلقائه‪ ،‬ال نيل شيء من‬
‫جاهه أو ماله‪ ،‬أو االنتفاع به في أمورك‪.‬‬
‫ومن التخفيف عن صاحبك والسعي في إشعاره أنه معك كما يكون وحده أن‬
‫تهون عليه في مواقف الحرج‪ ،‬كأن يكون ضعيف الحال في بيته أو ثيابه أو طعامه‬
‫فال تظهر انزعاجك وال تكثر من تلفتاتك وال تشعره أن شيًئا من ذلك قد لفت‬
‫نظرك‪.‬‬
‫وإذا أراد أن يتكلف شيًئا يخفي به ذلك فال تتركه يشق على نفسه بل عِّو ده‬
‫ببساطتك وتواضعك أن يكون معك كما يكون وحده‪ ،‬وبهذا تدوم األلفة‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬من سقطت كلفته دامت ألفته(‪.)1‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬شر اإلخوان من تتكلف له(‪.)2‬‬
‫فمن أسباب زوال األلفة التكلف سواء كان في إكرام الصاحب وضيافته أو في‬
‫غير ذلك‪ ...‬فعن سلمان رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬نهى عن التكلف للضيف(‪.)3‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.135‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) روى اإلمام أحمد في المسند (‪ )5/441‬عن شقيق أو نحوه ـ شك ال‪L‬راوي ـ أن س‪L‬لمان‬ ‫‪3‬‬

‫دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده فقال‪ :‬لوال أن رس‪LL‬ول اهلل ‪ ‬نهان‪LL‬ا ـ أو ل‪LL‬وال نهين‪LL‬ا ـ أن‬
‫يتكل‪LL‬ف أح‪LL‬دنا لص‪LL‬احبه لتكلفن‪LL‬ا ل‪LL‬ك‪ .‬ق‪LL‬ال الهيثمي في مجم‪LL‬ع الزوائ‪LL‬د (‪ :)8/79‬رواه أحم‪LL‬د‬
‫والط‪LL‬براني في الكب‪LL‬ير واألوس‪LL‬ط بأس‪LL‬انيد‪ ،‬وأح‪LL‬د أس‪LL‬انيد الكب‪LL‬ير رجال‪LL‬ه رج‪LL‬ال الص‪LL‬حيح‪ ،‬وعن‬
‫ش‪LL‬قيق بن س‪LL‬لمة ق‪LL‬ال‪ :‬دخلت أن‪LL‬ا وصاحب لي إلى س‪LL‬لمان الفارس‪LL‬ي فق‪LL‬ال س‪LL‬لمان‪ :‬ل‪LL‬وال أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬نهى عن التكلف لتكلفت لكم ثم جاء بخ‪L‬بز وملح‪ ،‬فق‪L‬ال صاحبي‪ :‬ل‪L‬و ك‪L‬ان في‬
‫ملحنا عنقز فبعث سلمان بمطهرته فرهنها ثم جاء بعنقز‪ ،‬فلما أكلن‪L‬ا ق‪L‬ال صاحبي‪ :‬الحم‪L‬د هلل‬
‫(‪)137‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وكان الفضيل بن عياض رحمه اهلل يقول‪ :‬إنما تقاطع الناس بالتكلف‪ ،‬يدعو‬
‫أحدهم أخاه فيتكلف فيقطعه عن الرجوع إليه‪.‬‬
‫كذا قد يستثقل الداعي نفسه أخاه بعد فترة‪.‬‬
‫أما عدم اإلكرام مع القدرة بحجة عدم التبذير فهو ضرب من البخل‪ ،‬وإنما‬
‫السنة أن تكرم صاحبك بما تيسر قليًال كان أو كثيًر ا ما دام في حدود القدرة(‪.)1‬‬
‫ومن يسر الصحابة في ذلك وعدم تكلفهم ما روى عبد اهلل بن عبيد عمير قال‪:‬‬
‫دخل على جابر نفر من أصحاب النبي ‪ ‬فقدم إليهم خبًز ا وخًال فقال‪ :‬كلوا فإني‬
‫سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬نعم اإلدام الخل)) إنه هالك بالرجل أن يدخل عليه‬
‫النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم وهالك بالقوم أن يحتقروا ما قدم‬
‫إليهم(‪.)2‬‬

‫ال‪LL‬ذي قنعن‪LL‬ا بم‪LL‬ا رزقن‪LL‬ا‪ ،‬فق‪LL‬ال س‪LL‬لمان‪ :‬ل‪LL‬و قنعت بم‪LL‬ا رزق‪LL‬ك لم تكن مطهرتي مرهون‪LL‬ة‪ .‬رواه‬
‫الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة‪ "...‬اهـ‪.‬‬
‫والح‪LL‬ديث أورده الش‪LL‬يخ األلب‪LL‬اني حفظ‪LL‬ه اهلل في سلس‪LL‬لة األح‪LL‬اديث الص‪LL‬حيحة رقم (‪)2392‬‬
‫وزاد نسبته للحاكم (‪ )4/123‬وابن عدي (ق‪ )155 ،154‬وأورد له طرًقا أخ‪LL‬رى فراجعها‬
‫في المصدر المذكور‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬روى البخاري في كتاب االعتصام رقم (‪ )7293‬عن أنس قال‪ :‬كنا عند عم‪LL‬ر فق‪LL‬ال‪:‬‬
‫نهينا عن التكلف‪.‬‬
‫(?) ويش‪LL‬هد ل‪LL‬ذلك رواية لح‪LL‬ديث س‪LL‬لمان الس‪LL‬ابق في النهي عن التكل‪LL‬ف وفيها ((ال يتكلفن‬ ‫‪1‬‬

‫أحد لضيفه ما ال يق‪L‬در علي‪L‬ه)) أوردها الش‪LL‬يخ األلب‪L‬اني في الص‪L‬حيحة رقم (‪ )2440‬وك‪L‬ذلك‬
‫في رواية الط‪LL L‬براني‪ ،‬كم‪LL L‬ا في مجم‪LL L‬ع الزوائ‪LL L‬د (‪" )8/179‬نهان‪LL L‬ا رس‪LL L‬ول اهلل ‪ ‬أن نتكل‪LL L‬ف‬
‫للضيف ما ليس عندنا"‪.‬‬
‫(?) رواه أحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ ،)3/371‬والط‪LL‬براني في األوس‪LL‬ط وأب‪LL‬و يعلى ـ كم‪LL‬ا في مجم‪LL‬ع‬ ‫‪2‬‬

‫الزوائ‪LL L‬د (‪ )8/180‬ـ ق‪LL L‬ال الحاف‪LL L‬ظ المن‪LL L‬ذري في ال‪LL L‬ترغيب وال‪LL L‬ترهيب (‪" :)3/374‬وبعض‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)138‬‬
‫ومن التكلف‪ :‬التكلف في الجدية‪ ،‬وإظهار االهتمام‪ ،‬واالنقباض عن أي نوع‬
‫من الترفيه أو المزاح‪ ،‬أو حتى التبسم‪ ...‬وهذا مما يخالف سمت الصحابة ومما‬
‫يوحش العالقة ويجفف الود‪...‬‬
‫روى الترمذي وأبو داود الطيالسي وأحمد بسند صحيح عن جابر بن سمرة‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬جالست النبي ‪ ‬أكثر من مائة مرة فكان أصحابه ‪ ‬يتناشدون‬
‫الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت ‪ ،‬فربما تبسم معهم(‪.)1‬‬
‫وروى البخاري في األدب المفرد بسند صحيح‪ :‬كان أصحابه ‪ ‬يتبادحون‬
‫بالبطيخ‪ ،‬فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال(‪.)2‬‬
‫ومن اإلثقال الذي يذهب باأللفة أن تراقب أخاك وتحاسبه على قيامه تجاهك‬
‫بحقوق األخوة‪ ،‬أو تكلفه ما يشق عليه‪ ،‬فإن العالقة إذا قامت على إحصاء ما صنعُته‬
‫لك وما صنعَته لي ال تدوم‪ ،‬فضًال عن أن ذلك ال يتأتى مع صدق المحبة وسالمة‬
‫الصدر‪ ...‬وقد يكون القليل الذي يضعه أخوك تجاهك جهًد ا عظيًم ا في حقه وفعًال‬

‫أس‪LL‬انيدهم حس‪LL‬ن‪ ،‬ونعم اإلدام الخ‪LL‬ل في الص‪LL‬حيح‪ ،‬ولع‪LL‬ل قول‪LL‬ه‪ :‬إن‪LL‬ه هالك بالرج‪LL‬ل إلى آخ‪LL‬ره‬
‫من كالم جابر مدرج غير مرفوع‪ ،‬واهلل أعلم" اهـ‪.‬‬
‫(?) رواه الترمذي في األدب رقم (‪ )2850‬واللفظ ل‪LL‬ه‪ ،‬والطيالس‪LL‬ي في مس‪LL‬نده رقم (‪ )771‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 105‬بنح ‪LL‬وه‪ ،‬وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ )5/105‬من ح ‪LL‬ديث ج ‪LL‬ابر بن س ‪LL‬مرة رض ‪LL‬ي اهلل عن ‪LL‬ه‪،‬‬
‫وصححه األلب‪LL L‬اني في صحيح س‪LL L‬نن الترم‪LL L‬ذي رقم (‪ ،)2286‬ورواه النس‪LL L‬ائي في الس‪LL L‬ند (‬
‫‪ )81 ،3/80‬عن سماك بن ح‪LL‬رب ق‪LL‬ال‪ :‬قلت لج‪L‬ابر بن س‪LL‬مرة‪ :‬كنت تج‪L‬الس رس‪LL‬ول اهلل ‪‬؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا صلى الفجر جلس في مصالح حتى تطلع الشمس فيتحدث‬
‫أصحابه يذكرون حديث الجاهلية وينشدون الشعر ويضحكون ويتبسم ‪.‬‬
‫(?) رواه البخ‪LL‬اري في األدب المف‪LL‬رد رقم ‪ )0266‬عن بكر بن عب‪LL‬د اهلل‪ ،‬وصححه الش‪LL‬يخ‬ ‫‪2‬‬

‫األلباني في صحيح األدب المفرد رقم (‪ ،)201‬وفي السلسلة الصحيحة رقم (‪.)435‬‬
‫(‪)139‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫كبيًر ا في ميزان حسناته‪ ،‬ويكون الكثير الذي تصنعه نحوه جهًد ا قليًال منك وفعًال‬
‫صغيًر ا في ميزان حسناتك؛ ألن ما يبذله كل واحد يقارن بظروفه وقدرته‪...‬‬
‫ففرق بين ما ينتظر من القوي الصحيح وما ينتظر من الضعيف المريض‪ ،‬وفرق‬
‫بين ما ينتظر من الغني ذي الجاه وما ينتظر من الفقير الخامل‪ ،‬وفرق بين ما ينتظر‬
‫من خفيف المسئوليات واألعمال والمشكالت وما ينتظر ممن أثقلته المسئوليات‬
‫والمشاكل واألعباء‪ ...‬ثم هناك ما يخفى مما في قلب هذا أو ذاك من الود وصدق‬
‫المحبة مما ال يعلمه إال اهلل بعيًد ا عن المظاهر المرئية لنا‪ ...‬فاحذر أن تنشغل بقياس‬
‫أو بحساب ما يقوم به أخوك نحوك‪ ،‬وانشغل بما ينبغي أن تقوم به نحو أخيك‪.‬‬
‫وصى بعض األدباء أًخ ا له فقال‪ :‬كن للود حافًظا وإن لم تجد محافًظا‪ ،‬وللخل‬
‫واصًال وإن لم تجد مواصًال(‪.)1‬‬
‫وسبق قول الشاعر(‪:)2‬‬
‫فالعفُو عنهم والتجاوز أْص َو ُب‬ ‫وصِل الكرام وإن رموَك‬
‫بجْفوة‬

‫وال شك أن الذي يطالب دائًم ا أخاه بحقوق األخوة نحوه ويرى حقوقه واجبة‬
‫على أخيه ويرى حقوق أخيه عليه نافالت أو ليس له حقوق‪ ...‬ال شك أن مثل هذا‬
‫ثقيل ومع ثقله فهو ظالم مطفف‪...‬‬
‫وسبق قول الشاعر(‪:)3‬‬
‫نافالٍت‪ ،‬وحَّقه الدهَر فرضا‬ ‫لي صديٌق يرى حقوقي عليه‬
‫ثم من بعد طولها سرت‬ ‫لو قطعت الجبال طوًال إليه‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.180‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر ص‪.96‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر ص‪.106‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)140‬‬
‫عرضا‬ ‫لرأى ما صنعت غير كبير‬
‫واشتهى أن أزيد في األرض‬
‫أرضا‬

‫وقد يغري طيب نفس الصديق وسالمة قلبه وفرحه بخدمة أخيه‪ ،‬قد يغري ذلك‬
‫صديقه باعتياد أن يكون دائًم ا هو المسعي له والمخدوم والذي تقضى له الحوائج‬
‫ويتعب من أجله صديقه‪ ...‬فكأنما صديقه قد خلق له ليقوم تجاهه بحقوق األخوة‪،‬‬
‫وكأنما خلق هو ليكون مدلًال‪ ،‬أو كأنما خلق صاحبه ليكون محًبا ال محبوًبا وخلق‬
‫هو ليكون محبوًبا ال محًبا‪.‬‬
‫ومثل هذا الحال يصعب دوامه مهما كان أخوك صابًر ا صبر الجمال‪...‬‬
‫وما أحسن قول القائل‪:‬‬
‫ظْهَر البعير فثْق بأنَك عاِقُره‬ ‫إن كنَت تجعُل من حباك بوده‬
‫إال اشمأز‪ ،‬فظن أنك حاِقُره‬ ‫من ذا حَم ْلَت عليه كَّلك كله‬

‫فلألسف يظل البعض يثقل على صديقه حتى ينفر صديقه منه ثم يظل يذم‬
‫أصدقاءه ويقول‪ :‬لم أجد أًخ ا صادًقا‪ ..‬وإنما اآلفة فيه هو‪ ،‬وما أشد فطنة ابن عطاء‬
‫وفقهه‪ ،‬وما أحسن ما قاله حين سمع رجًال يقول‪ :‬أنا في طلب صديق منذ ثالثين‬
‫سنة فال أجده‪ ،‬فقال له ابن عطاء‪ :‬لعلك في طلب صديق تأخذ منه شيًئا‪ ،‬ولو طلبت‬
‫صديًق ا تعطيه شيًئا لوجدت(‪.)1‬‬
‫فاطلب صديًق ا لتفيض عليه وتمنحه كل حقوق األخوة ال لتأخذ منه‪.‬‬
‫وخذ األسوة في الخفة على األصحاب وعدم اإلثقال عليهم منه ‪ ‬ومن إثقاله ‪‬‬

‫(?) الص‪L‬داقة والص‪L‬ديق ص‪ ،82 ،81‬وانظ‪L‬ر‪ :‬الص‪L‬ديق والص‪L‬داقة ألبي حي‪L‬ان التوحي‪L‬دي ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.47‬‬
‫(‪)141‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫على نفسه هرًبا من اإلثقال على أصحابه‪ ،‬فقد قال النووي تعليًق ا على ما رواه مسلم‬
‫أنه ‪ ‬اشترى من يهودي طعاًما ورهنه درًعا من حديد‪( :‬وأما اشتراء النبي ‪ ‬الطعام‬
‫من اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة‪ ...‬قيل‪ :‬ألن الصحابة ال يأخذون رهنه ‪‬‬
‫وال يقبضون منه الثمن‪ ،‬فعدل إلى معاملة اليهودي لئال يضيق على أحد من أصحابه)‬
‫(‪.)1‬‬
‫ومما أرشد إليه ‪ ‬حتى ال تكون ثقيًال على صاحبك وحتى تزداد محبته لك‬
‫((زر غًبا تزدد حًبا))(‪.)2‬‬
‫ولذا قال أحدهم‪:‬‬
‫وإلَّي حيَن أغيُب صًبا‬ ‫إني رأيتَك لي محًبا‬
‫حدَثْت وال استحدثت ذنًبا‬ ‫فُعدت ال لماللة‬
‫زوروا على األَّياِم غًبا‬ ‫إال لقول نبينا‬
‫(?) شرح النووي مع صحيح مسلم ‪.)011/40‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه ال‪LL‬بزار والط‪LL‬براني في األوس‪LL‬ط كم‪LL‬ا في مجم‪LL‬ع الزوائ‪LL‬د (‪ ،)8/175‬وأب‪LL‬و نعيم في‬ ‫‪2‬‬

‫الحلي ‪LL‬ة (‪ ،)3/322‬وابن قتيب ‪LL‬ة في عي ‪LL‬ون األخب ‪LL‬ار (‪ ،)3/30‬وال ‪LL‬بيهقي ـ كم ‪LL‬ا في الج ‪LL‬امع‬
‫الص‪L‬غير ـ كلهم من ح‪LL‬ديث أبي هريرة رض‪LL‬ي اهلل عن‪L‬ه‪ ،‬ورواه ال‪LL‬بزار وال‪LL‬بيهقي من ح‪LL‬ديث أبي‬
‫ذر رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ورواه الط‪LL‬براني في معاجم‪LL‬ه الثالث‪LL‬ة ـ كم‪LL‬ا في المجم‪LL‬ع ـ‪ ،‬والح‪LL‬اكم في مس‪LL‬تدركه (‪)3/347‬‬
‫من حديث حبيب بن مسلمة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد اهلل بن عم‪LL‬رو‪ ،‬ق‪LL‬ال الهيثمي (‪" :)8/175‬وإس‪LL‬ناده‬
‫جي‪LL‬د" اهـ‪ .‬وق‪LL‬ال الحاف‪LL‬ظ المن‪LL‬ذري رحم‪LL‬ه اهلل‪" :‬ولم أق‪LL‬ف ل‪LL‬ه على طريق صحيح كم‪LL‬ا ق‪LL‬ال‬
‫ال‪LL‬بزار‪ ،‬ب‪LL‬ل ل‪LL‬ه أس‪LL‬انيد حس‪LL‬ان عن‪LL‬د الط‪LL‬براني وغيره‪ ،‬وق‪LL‬د ذك‪LL‬رت كث‪LL‬يًر ا منها في غير هذا‬
‫الكتاب واهلل أعلم" اهـ‪ .‬الترغيب والترهيب (‪ ،)3/367‬وصححه العالمة األلب‪LL‬اني حفظ‪LL‬ه اهلل‬
‫في صحيح الج‪L‬امع الص‪L‬غير رقم (‪ ،)3568‬وانظ‪L‬ر‪ :‬فيض الق‪L‬دير (‪ ،)4/62‬وكش‪L‬ف الخف‪L‬اء‬
‫للعجلوني (‪.)1/438‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)142‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫ولقوله من زار غبا‬
‫منكم يزداُد ُحًبا‬

‫وقال لبيد‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا أكثرَت مَّلك من َتُز ور‬ ‫توقْف عن زيارِة كَّل يوِم‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫تكون كالثوب استجده‬ ‫أْقِلْل زيارتك الَّصديق‬
‫(‪)3‬‬
‫أن ال يزال يراك ِع ْنده‬ ‫إن الَّصديق ُيمّلُه‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا كثرت كانت إلى الهجِر‬ ‫عليك بإغباب الزيارة إنها‬
‫مْسلًك ا‬ ‫فإني رأيت الغيث ُيْسأم دائًبا‬
‫(?) روض‪LL L‬ة العقالء ص‪ ،116‬بهج‪LL L‬ة المج‪LL L‬الس (‪ )1/257‬م‪LL L‬ع اختالف يس‪LL L‬ير في ال‪LL L‬بيت‬ ‫‪1‬‬

‫الثاني‪.‬‬
‫المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪ 105‬ولفظ البيت الثالث فيه‪:‬‬
‫لكن لقْو ٍل قْد َم َض ى‬
‫من زار غًبا زاد حًبا‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.178‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) عي ‪LL‬ون األخب ‪LL‬ار (‪ ،)3/33‬روض ‪LL‬ة العقالء ص‪ ،117‬وفي ‪LL‬ه‪ :‬قل ‪LL‬ل زيارت ‪LL‬ك الح ‪LL‬بيب‪...‬‬ ‫‪3‬‬

‫والباقي سواء‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪ 78‬وفيه‪:‬‬
‫أقلل زيارتك الصديق‬
‫إن الَّصديق يُغ ُّم ه‬
‫لو تكن كثوٍب تستجّد ه‬
‫أن ال يزال يراك ِع ْنده‬
‫(‪)143‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وُيسأل باأليدي إذا هو‬
‫(‪)1‬‬
‫أمسكا‬

‫لكن البعض يرى في الواقع أنه ال يستوي في القرب شخص يوده دائًم ا وآخر‬
‫ال يراه وال يزوره إال نادًر ا‪ ،‬فما الضابط في كثرة الزيارة‪ ،‬السيما إذا خاف األخ إذا‬
‫أقل من زيارته ألخيه أن تذهب المودة؟‬
‫والجواب أنه البد من مراعاة ثالثة أمور‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يكون االقتصاد أو عدم اإلكثار من الزيارة مصاحًبا للجهل بأحوال‬
‫الصاحب والغفلة عن ظروفه‪ ،‬بل المراد االقتصاد في الزيارة مع االهتمام بأحوال‬
‫صاحبك وظروفه‪ ،‬وبقدر الحاجة لذلك تكرر الزيارة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أن اإلكثار في الزيارة إذا كان لحاجة أخيك ال لحظ نفسك فإنه سيزيد‬
‫المحبة؛ ألن السعي في قضاء حوائج أخيك أمر محمود حث عليه الشرع ((واهلل‬
‫في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))(‪.)2‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أن اإلقالل من الزيارة ال ينبغي أن يصل إلى الحد الذي يشق على األخ أو‬
‫يسيء بسببه الظن بك‪ .‬وهذا أمر نسبي يتفاوت من شخص آلخر‪ ،‬وال تستوي في‬
‫ذلك نفوس الناس ومشاعرهم‪ ،‬لكن المهم أن تحذر من الزيارات الزائدة عن حاجة‬
‫المزور‪ ،‬فذلك مفتاح المشاكل واألخطاء وربما العداوات‪.‬‬
‫قال بعض الشعراء يدعو للتوسط يف الزيارة بني اإلكثار واهلجران‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫وإني ألستحيي أخي أن أبَّره‬
‫قريًبا وأن أْج ُفوه وهو بعيد‬

‫(?) روضة العقالء ص‪ ،117‬ونحوها مع اختالف يسير في بهجة المجالس (‪.)1/258‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪.124‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.178‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)144‬‬

‫قال الماوردي رحمه اهلل‪ :‬وهكذا يقصد التوسط في زيارته وغشيانه غير مقِّلل‬
‫وال مكثر‪ ،‬فإن تقليل الزيارة داعية الهجران‪ ،‬وكثرتها سبب المالل‪.‬‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫هجراَنه فيلَّج في هْج َر انه‬ ‫أقلل زيارتك الصديق وال‬
‫لصديِقه‪ ،‬فيمل من غَش يانه‬ ‫ُتِط ْل‬
‫بمكانه متثاقًال بمكانه‬ ‫إن الصديَق يلُج في غشياِنه‬
‫رجٌل ُتُنقَص واستِخ َّف‬ ‫حتى يراه بعَد طوِل سرورِه‬
‫(‪)1‬‬
‫بشأنه‬ ‫وإذا توانى عن صياَنِة نفِسِه‬

‫وأخيًر ا فمن اإلثقال على صاحبك شعوره بأنك تفرض رأيك عليه في كل شيء‬
‫وتدخلك المستمر في كل أعماله ومحاولة تقييمها‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.178‬‬ ‫‪1‬‬


‫(‪)145‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة السادسة عشرة‬


‫الّتْفريط في إظهار الَم َح َّبة أْو َم ا َيدل عليَها‬
‫وما يستجلبها أو يزيدها‪ .‬وإهمال الّد فاع عنه في غيبته‬

‫فبعض الناس يفرط في إعالم من يحب بأنه يحبه أو في إظهار ما يدل على هذه‬
‫المحبة من كلمة أو هدية أو ابتسامة أو غير ذلك ويعول على ما في القلب‪ ...‬وهذا‬
‫غير صحيح‪ ،‬فإن الرسول ‪ ‬قد علمنا إظهار المحبة واإلعالم بها‪ ،‬وعلمنا مكافأة‬
‫المحسن وإن كان قد أحسن ابتغاء وجه اهلل‪...‬‬
‫ومن ثم نعلم أنه من التنطع والتعالم المذموم أن يزعم بعضهم أنه يترك مكافأة‬
‫المحسن ولو بالثناء بكلمة؛ ألن معنى المكافأة على طاعة أنه لم يفعلها لوجه اهلل أو‬
‫أننا نعوده بذلك أن يطلب عليها ثواًبا من غير اهلل‪ ،‬أو يزعم أنه يترك التعبير عن‬
‫محبته ألخيه أو يترك إعالمه بأنه يحبه؛ ألن اهلل يعلم ما في القلب فالكالم عما في‬
‫القلب من المحبة ثرثرة يحسن تركها‪.‬‬
‫فما أسخف هذا التنطع وذلك التعالم‪ ،‬وإنما هو التكلف والجهل‪ ،‬وإال فقد قال‬
‫رسول اهلل ‪(( :‬إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه))(‪ ،)1‬وفي لفظ‪(( :‬إذا أحب‬

‫(?) رواه أب‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ ،)5124‬والترم‪L‬ذي في الزهد رقم (‪ ،)2392‬وأحم‪LL‬د‬ ‫‪1‬‬

‫في المسند (‪ ،)4/130‬والبخاري في األدب المفرد رقم ‪ ،)0542‬والحاكم في مس‪LL‬تدركه‬


‫(‪ ،)4/171‬وابن حبان رقم (‪ 569‬ـ اإلحسان)‪ ،‬وصححه الحاكم ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح سنن أبي داود رقم (‪ ،)4273‬وفي صحيح األدب المفرد رقم (‪،)421‬‬
‫ق‪L‬ال البغ‪L‬وي رحم‪L‬ه اهلل في ش‪L‬رح الس‪L‬نة (‪" :)13/67‬ومع‪L‬نى اإلعالم‪ :‬هو الحث على الت‪L‬ودد‬
‫والت‪LL‬آلف‪ ،‬وذل‪LL‬ك أن‪LL‬ه إذا أخ‪LL‬بره اس‪LL‬تمال ب‪LL‬ذلك قلب‪LL‬ه واجتلب ب‪LL‬ه وده‪ ،‬وفي‪LL‬ه أن‪LL‬ه إذا علم أن‪LL‬ه‬
‫محب له قبل نصحه فيم‪L‬ا دل‪L‬ه علي‪L‬ه من رش‪L‬ده ولم يرّد قول‪L‬ه فيم‪L‬ا دع‪L‬اه إلي‪L‬ه من صالح خفي‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)146‬‬
‫أحدكم أخاه في اهلل فليعلمه‪ ،‬فإنه أبقى في األلفة‪ ،‬وأثبت في المودة))(‪ ،)1‬وفي‬
‫آخر‪(( :‬إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله‪ ،‬فليخبره أنه يحبه هلل))(‪ ...)2‬وقال‬
‫‪(( :‬تهادوا تحابوا))(‪.)3‬‬
‫(وأما عن شكر الناس ومكافأة المحسن فرسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬من لم يشكر‬
‫الناس لم يشكر اهلل))(‪ ،)4‬وقال ‪ ‬في غزوة الخندق‪(( :‬اللهم ال عيش إال عيش‬

‫عليه باطنه" اهـ‪.‬‬


‫(?) رواه وكي ‪LL‬ع في الزهد (‪ )2/67/2‬بس ‪LL‬ند صحيح عن علي بن الحس ‪LL‬ين مرفوًع ا‪ ،‬ول ‪LL‬ه‬ ‫‪1‬‬

‫شاهد من حديث مجاهد مرس‪ًL‬ال أيًض ا رواه ابن أبي ال‪L‬دنيا في كت‪L‬اب اإلخ‪LL‬وان كم‪L‬ا في الفتح‬
‫الكب ‪LL‬ير (‪ ،)1/67‬فالح ‪LL‬ديث بمجم ‪LL‬وع الط ‪LL‬رق حس ‪LL‬ن إن ش ‪LL‬اء اهلل تع ‪LL‬الى‪ .‬اهـ‪ .‬باختص ‪LL‬ار من‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة رقم (‪ ،)1999‬وهو في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)280‬‬
‫(?) رواه اإلم‪LL‬ام أحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )5/145‬ولفظ‪LL‬ه أن أب‪LL‬ا س‪LL‬الم الجيش‪LL‬اني أتى إلى أبي‬ ‫‪2‬‬

‫أمي‪LL‬ة في منزل‪LL‬ه فق‪LL‬ال‪ :‬إني س‪LL‬معت أب‪LL‬ا ذر يق‪LL‬ول‪ :‬إن‪LL‬ه س‪LL‬مع رس‪LL‬ول اهلل ‪ ‬يق‪LL‬ول‪(( :‬إذا أحب‬
‫أحدكم صاحبه فليأته في منزل‪L‬ه فليخ‪L‬بره ان‪L‬ه يحب‪L‬ه هلل)) وق‪L‬د جئت‪L‬ك في منزل‪L‬ك‪ .‬ورواه عب‪L‬د‬
‫اهلل بن المب ‪LL L‬ارك في الزهد وعب ‪LL L‬د اهلل بن وهب في الج ‪LL L‬امع وصححه األلب ‪LL L‬اني وش ‪LL L‬عيب‬
‫األرناؤوط‪ .‬سلسلة األحاديث الصحيحة رقم (‪ ،)797‬وتخريج شرح السنة (‪.)13/67‬‬
‫(?) رواه البخ‪L‬اري في األدب المف‪L‬رد رقم (‪ ،)594‬وال‪L‬بيهقي في س‪LL‬ننه (‪ ،)6/169‬وحس‪L‬نه‬ ‫‪3‬‬

‫الحافظ في التلخيص كما ذكر الشيخ األلباني في اإلرواء (‪ ،)6/44‬وحس‪L‬نه‪ ،‬وراج‪LL‬ع طرق‪L‬ه‬
‫وشواهده في المصدر السابق‪.‬‬
‫(?) رواه الترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)1955‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند (‪ )74 ،3/32‬من‬ ‫‪4‬‬

‫ح ‪LL L‬ديث أبي س ‪LL L‬عيد الخ ‪LL L‬دري رض ‪LL L‬ي اهلل عن ‪LL L‬ه‪ ،‬ورواه أب ‪LL L‬و داود في األدب رقم (‪،)4811‬‬
‫والترم ‪LL‬ذي في ال ‪LL‬بر والص ‪LL‬لة رقم (‪ ،)1955‬واإلم ‪LL‬ام أحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪،295 ،2/258‬‬
‫‪ )461 ،388 ،303‬من حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وصححهما األلب‪L‬اني في صحيح‬
‫الجامع رقم (‪ ،)6541‬وصحيح سنن أبي داود رقم (‪.)4026‬‬
‫(‪)147‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫اآلخرة فاغفر لألنصار والمهاجرة))(‪.)1‬‬
‫والدعاء بخير من نوع المدح والثناء بل هو أبلغ الثناء كما قال ‪(( :‬من ُصِنع‬
‫إليه معروف فقال لصاحبه‪ :‬جزاك اهلل خيًر ا فقد أبلغ في الثناء"(‪.)3())2‬‬
‫وكل ذلك‪ :‬من اإلعالم بالمحبة والهدية والشكر والمدح أو الثناء بالدعاء أو‬
‫غيره والتشجيع ـ ينمي المحبة‪( ،‬وهناك فرق بين الشكر والمدح الذي ذمه الشرع‪،‬‬
‫فالشكر على المعروف والثناء على فاعله رجاء أن يتقدم أكثر في فعل الصالحات‬
‫كان من فعل الرسول ‪.‬‬
‫ولكن مدح الناس بما ليس فيهم أو الذي نعرف أنه يؤدي إلى الغرور هو الذي‬
‫نهى عنه الرسول ‪ ‬فقال‪(( :‬إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب))(‪،)4‬‬

‫(?) رواه البخاري في الرقاق رقم (‪ ،)6414‬ومسلم في الجهاد رقم (‪ ،)1804‬والترمذي‬ ‫‪1‬‬

‫في المن ‪LL‬اقب رقم (‪ ،)3856‬وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ )5/332‬كلهم من ح ‪LL‬ديث س ‪LL‬هل بن س ‪LL‬عد‬
‫رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ورواه البخاري في الجهاد رقم (‪ ،)2835 ،2834‬وفي مواضع أخرى‪ ،‬ومسلم في الجهاد‬
‫رقم (‪ ،)1805‬والترم‪LL L‬ذي في المن‪LL L‬اقب رقم (‪ ،)3857‬وأحم‪LL L‬د في المس‪LL L‬ند (‪،3/172‬‬
‫‪ )180‬من حديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(?) رواه الترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)2035‬وصححه األلب‪LL‬اني في صحيح الج‪LL‬امع‬ ‫‪2‬‬

‫الصغير رقم (‪.)6368‬‬


‫(?) فن التعامل مع الناس ص‪.48‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) رواه مسلم في الزهد رقم (‪ ،)3002‬وأبو داود في األدب رقم (‪.)4804‬‬ ‫‪4‬‬

‫والترم ‪LL‬ذي في الزهد رقم (‪ ،)2393‬وابن ماج ‪LL‬ه في األدب رقم (‪ ،)3742‬وأحم ‪LL‬د في‬
‫المسند (‪ )6/5‬كلهم من حديث المقداد بن األسود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ورواه أحمد (‪ )2/94‬من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫ق‪L‬ال اإلم‪L‬ام الن‪L‬ووي رحم‪L‬ه اهلل‪" :‬ذك‪L‬ر مس‪L‬لم في هذا الب‪L‬اب األح‪LL‬اديث ال‪L‬واردة في النهي عن‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)148‬‬
‫وقال ‪(( :‬إياكم والتمادح))(‪.)1‬‬
‫ولقد ورد عن الرسول ‪ ‬المدح والثناء على أفعال بعض أصحابه على سبيل‬
‫التشجيع كما في حديث الرجل من األنصار الذي قال فيه‪(( :‬من سن سنة حسنة‬
‫فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده‪ ))...‬الحديث(‪ ،)2‬وقال ألشج عبد القيس في‬
‫وجهه‪(( :‬إن فيك خصلتين يحبهما اهلل‪ :‬الحلم واألناة))(‪ ،)3‬وقال أيًض ا في مدح‬
‫أصحابه‪(( :‬أرحم أمتي بأمتي أبو بكر‪ ،‬وأشدهم في دين اهلل عمر‪ ،‬وأصدقهم حياء‬
‫عثمان‪ ،‬وأقرؤهم لكتاب اهلل أبّي بن كعب‪ ،‬وأفرضهم زيد بن ثابت‪ ،‬وأعلمهم‬
‫المدح‪ ،‬وقد جاءت أحاديث كثيرة في الصحيحين بالم‪LL‬دح في الوج‪LL‬ه‪ ،‬ق‪LL‬ال العلم‪LL‬اء‪ :‬وطريق‬
‫الجمع بينها أن النهي محم‪L‬ول على المجازف‪L‬ة في الم‪L‬دح والزيادة في األوصاف أو على من‬
‫يخاف عليه فتنة من إعجاب ونح‪L‬وه إذا س‪L‬مع الم‪L‬دح‪ ،‬وأم‪L‬ا من ال يخ‪L‬اف علي‪L‬ه لكم‪L‬ال تق‪L‬واه‬
‫ورس‪LL‬وخ عقل‪LL‬ه ومعرفت‪LL‬ه فال نهي في مدح‪LL‬ه في وجهه إذا لم يكن في‪LL‬ه مجازف‪LL‬ة‪ ،‬ب‪LL‬ل إن ك‪LL‬ان‬
‫يحص ‪LL‬ل ب ‪LL‬ذلك مص ‪LL‬لحة كنش ‪LL‬طه للخ ‪LL‬ير واالزدياد من ‪LL‬ه أو ال ‪LL‬دوام علي ‪LL‬ه أو االقت ‪LL‬داء ب ‪LL‬ه ك ‪LL‬ان‬
‫مستحًبا واهلل أعلم" اهـ‪ .‬شرح صحيح مسلم للنووي (‪.)18/126‬‬
‫(?) رواه ابن ماجه في األدب رقم (‪ ،)3743‬ورواه أحمد في المسند (‪)99 ،93 ،4/92‬‬ ‫‪1‬‬

‫ـ ضمن حديث ـ‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)2674‬‬


‫(?) رواه مسلم في الزكاة رقم (‪ ،)1017‬والنسائي في الزكاة (‪ ،)76 ،5/75‬وأحم‪LL‬د في‬ ‫‪2‬‬

‫المسند (‪ ،)361 ،360 ،359 ،4/357‬والبغوي في شرح السنة رقم (‪.)1661‬‬


‫(?) رواه مس‪LL L‬لم في اإليم‪LL L‬ان رقم (‪ ،)17‬والترم‪LL L‬ذي في ال‪LL L‬بر والص‪LL L‬لة رقم (‪ )2011‬من‬ ‫‪3‬‬

‫حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما وليس في رواية الترمذي قصة قدوم وفد عبد القيس التي‬
‫ذكرها مسلم‪.‬‬
‫وروى مس ‪LL‬لم في اإليم ‪LL‬ان رقم (‪ ،)18‬وأحم ‪LL‬د في المس ‪LL‬ند (‪ )23 ،3/22‬من ح ‪LL‬ديث أبي‬
‫س‪LL‬عيد الخ‪LL‬دري رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬ورواه أب‪LL‬و داود في األدب رقم (‪ )5225‬من ح‪LL‬ديث زارع‬
‫وهو أحد وفد عبد القيس‪ .‬ورواه اإلمام أحمد (‪ )207 ،4/206‬من حديث بعض وفد عبد‬
‫القيس ولم يسمه‪.‬‬
‫(‪)149‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫بالحالل والحرام معاذ بن جبل‪ ،‬ولكل أمة أمين‪ ،‬وأمين هذه األمة أبو عبيدة بن‬
‫الجراح))(‪.)1‬‬
‫فمدح ‪ ‬كًال منهم بالصفة التي تميزه) (‪.)2‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬ولكن هناك فرًقا بيننا وبين الصحابة ينبغي اعتباره‪.‬‬
‫قيل‪ :‬وكذلك هناك فرق بين مدح يصدر من رسول اهلل ‪ ‬ومدح يصدر ممن‬
‫دونه‪.‬‬
‫وفي مختصر منهاج القاصدين فيما على األخ ألخيه من الحقوق‪( :‬الحق الرابع‪:‬‬
‫على اللسان بالنطق‪ ...‬فعليه أن يتودد إليه بلسانه‪ ،‬ويتفقده في أحواله‪ ،‬ويسأل عما‬
‫عرض له‪ ،‬ويظهر شغل قلبه بسببه‪ ،‬ويبدي السرور بما يسر به‪ ...‬ومن ذلك أن يثني‬
‫عليه بما يعرفه من محاسن أحواله عند من يؤثر الثناء عنده‪ ،‬وكذلك الثناء على‬
‫أوالده وأهله وأفعاله حتى في خلقه وعقله وهيئته وخطه وتصنيفه وجميع ما يفرح‬
‫به من غير إفراط وال كذب‪.‬‬
‫وكذلك ينبغي أن تبلغه ثناء من أثنى عليه مع إظهار الفرح به‪ ،‬فإن إخفاء ذلك‬
‫محض الحسد‪ ،‬ومن ذلك أن تشكره على صنيعه في حقك‪ ،‬وأن تذب عنه في‬
‫غيبته إذا ُقِص د بسوء‪ ،‬فحق األخوة التشمير في الحماية والنصرة‪ ،‬وفي الحديث‬

‫(?) رواه اإلمام أحمد (‪ ،)281 ،3/183‬والترم‪L‬ذي في المن‪L‬اقب رقم (‪،)3791 ،3790‬‬ ‫‪1‬‬

‫وابن ماجه في المقدمة رقم (‪ )154‬وزاد في روايته ((وأقض‪LL‬اهم علي بن أبي ط‪LL‬الب))‪ ،‬وأب‪LL‬و‬
‫نعيم في الحلي‪LL L L‬ة (‪ ،)3/122‬وبنح‪LL L L‬وه الطيالس‪LL L L‬ي في مس‪LL L L‬نده (‪ )9/281‬رقم (‪،)2096‬‬
‫والبغوي في ش‪L‬رح الس‪L‬نة (‪ ،)132 ،14/131‬وصححه األلب‪L‬اني في صحيح الج‪L‬امع رقم (‬
‫‪ ،)895‬وسلسلة األحاديث الصحيحة رقم (‪ ،)1224‬وعزاه لمصادر أخرى انظرها فيها‪.‬‬
‫(?) فن التعامل مع الناس ص‪.50 ،49‬‬ ‫‪2‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)150‬‬
‫الصحيح‪(( :‬المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال يسلمه))(‪ ،)1‬ومتى أهمل الذب عن‬
‫عرضه يكون قد أسلمه‪ ،‬ولك في ذلك معياران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن تقدر أن الذي قيل فيه قد قيل فيك وهو حاضر‪ ،‬فتقول ما تحب‬
‫أن يقوله‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تقدر أنه حاضر وراء جدار يتسمع عليك‪ ،‬فما تحرك في قلبك من‬
‫نصرته في حضوره ينبغي أن يتحرك في غيبته‪ ،‬ومن لم يكن مخلًص ا في إخائه فهو‬
‫منافق‪ ...‬ومن الوفاء أن ال يسمع بالغات الناس على صديقه وال يصادق عدو‬
‫صديقه(‪.)3())2‬‬
‫فقوة األخوة وتمامها مراعاة الظاهر والباطن في العالقة‪ ،‬فإذا أحسن األخ إظهار‬
‫المحبة وانضم إلى ذلك قوة المحبة في الباطن والقيام بمقتضياتها في الخفاء فقد‬
‫قام األخ بالحقوق كلها‪.‬‬
‫ومن األمور التي تدل على المحبة أو تستجلبها أن تقابل أخاك بالتبسم‬
‫والبشاشة كما قال ‪(( :‬وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) وقد سبق الحديث(‪.)4‬‬
‫ومن ذلك الفرح بلقائه‪ ،‬والمسارعة إلى تبشيره بما يسره‪ ،‬وتهنئته بما يصيبه من‬
‫خير‪ ،‬وتعزيته والتخفيف عنه فيما يصيبه من مصيبة أو سوء‪...‬‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪.29‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وليس الم ‪LL‬راد أن يع ‪LL‬ادي ع ‪LL‬دو صديقه ولكن ال يجم ‪LL‬ع بين صداقة وصحبة أو أخ ‪LL‬وة‬ ‫‪2‬‬

‫خاصة مع الصديق ومع ع‪L‬دو الص‪L‬ديق‪ ،‬ب‪L‬ل علي‪L‬ه أن يخت‪L‬ار أح‪LL‬دهما لألخ‪L‬وة الخاصة م‪L‬ع بق‪L‬اء‬
‫إخوة اإلسالم العامة والمحبة العامة للجميع ـ ما لم يوجد سبب شرعي للعداوة والكراهية‪.‬‬
‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪98‬ـ ‪.100‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.57‬‬ ‫‪4‬‬


‫(‪)151‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وفي حديث توبة كعب أن طلحة بن عبيد اهلل قام إليه مهروًال من بين الناس‬
‫حين قدم وقد آذن رسول اهلل ‪ ‬الناس بتوبة اهلل عليه‪ ،‬فكان كعب ال ينساها‬
‫لطلحة(‪.)1‬‬
‫ففيه استحباب التهنئة وإظهار الفرح بما يسر الصاحب وأن ذلك يترك أثًر ا طيًبا‬
‫في نفسه‪ ،‬وفي حديث توبة كعب أيًض ا أن رجًال ركض إليه على فرس ليبشره بتوبة‬
‫اهلل عليه‪ ،‬وآخر صرخ بصوته أعلى الجبل يبشره فكان الصوت أسبق إليه‪ ،‬ولما‬
‫(‪)2‬‬
‫وصل إليه ذلك الرجل الذي خرج على فرسه خلع كعب قميصه وكساه إياه‬
‫فرًح ا بالبشرى وسروًر ا بفعله مما يدل على حسن تأثير التبشير بالخير في قلب‬
‫الصاحب‪.‬‬
‫ومما يستجلب المحبة ويصفي الود إفشاء السالم وأن تكون أنت البادئ‬
‫بالسالم‪ ،‬وأن توسع له في المجلس وتؤثر جلوسه إلى جوارك‪ ،‬وأن تناديه بأحب‬
‫أسمائه إليه‪ ،‬قال رسول اهلل ‪(( :‬أوال أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا‬
‫السالم بينكم)) وقد سبق الحديث(‪.)3‬‬
‫وسبق قول عمر رضي اهلل عنه‪ :‬إن مما يصفي لك ود أخيك ثالًثا‪ :‬إذا لقيته أن‬
‫تبدأه بالسالم‪ ،‬وأن تدعوه بأحب أسمائه إليه‪ ،‬وأن توسع له في المجلس‪.‬‬
‫ومما ينمي المحبة ويؤكدها أن تعزز الثقة بينك وبين أخيك؛ فاجعله يثق‬
‫بمكانته عندك ومحبتك له‪ ،‬وأشعره أيًض ا بثقتك فيه وأنك تعلم مدى محبته لك‪...‬‬

‫(?) ورد هذا في ح‪LL‬ديث كعب بن مال‪LL‬ك رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه في غزوة تب‪LL‬وك‪ :‬رواه البخ‪LL‬اري في‬ ‫‪1‬‬

‫المغازي رقم (‪ ،)4418‬ومسلم في التوبة رقم (‪ )2769‬وغيرهما‪.‬‬


‫(?) السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سبق تخريجه ص‪.57‬‬ ‫‪3‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)152‬‬
‫وقد سبق في الحديث األمر باإلعالم بالمحبة وهذا من تعزيز الثقة بينك وبينه‪...‬‬
‫قال اليزيدي‪ :‬رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعًد ا على ِط ْنِف سٍة(‪ )1‬فأوسع لي‬
‫فكرهت التضييق عليه فقال‪ :‬إنه ال يضيق سم الخياط على متحابين وال تسع الدنيا‬
‫متباغضين(‪.)2‬‬
‫فهذا فيه إشعاره بمحبتك له‪ ،‬ومما فيه إشعاره بثقتك في محبته لك وقيامه بحق‬
‫اإلخاء ما روي عن محمد بن سليمان أنه قال البن السماك‪ :‬بلغني عنك شيء‪،‬‬
‫فقال‪ :‬لست أبالي‪ .‬قال‪ :‬وِلَم ؟ قال‪ :‬إن كان حًق ا غفرته‪ ،‬وإن كان باطًال رددته(‪.)3‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬إنا إذا وثقنا بمحبة أخينا ال يضره أال يأتينا(‪ .)4‬ونحوه ما سبق من‬
‫قول اإلمام أحمد ألبي عبيد اهلل بن سالم لما قال له‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬لو كنت آتيك‬
‫على قدر ما تستحق ألتيتك كل يوم‪ .‬فقال أحمد‪ :‬ال تقل هذا؛ إن لي إخواًنا ال‬
‫ألقاهم إال كل سنة مرة أنا أوثق بمودتهم ممن ألقى كل يوم(‪.)5‬‬
‫وكتب أحدهم إلى صديقه‪ :‬أما بعد فإن كان إخوان الثقة كثيًر ا فأنت أولهم‪،‬‬
‫وإن كانوا قليًال فأنت أوثقهم‪ ،‬وإن كانوا واحًد ا فأنت هو(‪ .)6‬فتأمل مثل هذا الكالم‬

‫(?) الطنفسة‪ :‬البساط الذي له خمل رقيق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عيون األخبار البن قتيبة (‪ ،)3/16‬وجرى نحو هذه القصة للزيادي مع العتابي كم‪LL‬ا في‬ ‫‪2‬‬

‫العزل ‪LL‬ة للخط ‪LL‬ابي ص‪ ،59‬وذك ‪LL‬ر أب ‪LL‬و حي ‪LL‬ان في الص ‪LL‬داقة والص ‪LL‬ديق نحوها بين األصمعي‬
‫والخلي‪LL‬ل وفيها ق‪LL‬ول الخلي‪LL‬ل‪ :‬م‪LL‬ه ف‪LL‬إن ال‪LL‬دنيا بأس‪LL‬رها ال تس‪LL‬ع متباغض‪LL‬ين‪ ،‬وإن ش‪LL‬بًر ا في ش‪LL‬بر‬
‫يسع متحابين‪ .‬المختار من الصداقة والصديق ص‪.70‬‬
‫(?) الصداقة والصديق ص‪.66‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.104‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ص‪.105‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.41‬‬ ‫‪6‬‬


‫(‪)153‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫وسابقه ومدى ما فيه من تعبير عن المحبة وتأكيد لها‪...‬‬
‫وكتب ابن أكمل إلى ابن سورين‪ ،‬وكان بينهما ود متوارث‪ :‬إن رأيت أن تردي‬
‫ظمأ أخيك بغرتك‪ ،‬وتبرد غليله بطلعتك‪ ،‬وتؤنس وحشته بأنس قربك‪ ،‬وتجلو‬
‫غشاء ناظره بوجهك‪ ،‬وتزين مجلسه بجمال حضورك‪ ،‬وتجعل غداءك عنده في‬
‫منزلك الذي هو فيه ساكنك‪ ،‬وتهب له السرور بك باقي يومه‪ ،‬مؤثًر ا له على‬
‫شغلك فعلت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫فأجابه‪ :‬كيف أروي ظمأك إلَّي مني‪ ،‬وأنا أشد ظمأ إليك منك إلَّي ‪ ،‬وعلى‬
‫حيلولة ذاك فالتالقي أبرد لغليل النفس‪ ،‬وأجلب لما شرد من األنس‪ ،‬وها أنا قد‬
‫هّياُت كِّلي لطاعتك‪ ،‬وبشرت روحي باالستمتاع بحديثك‪ ...،‬والسالم(‪.)1‬‬
‫وال يجيد تعزيز الثقة إال المتواضعون‪ ...‬أصحاب القلوب الصافية الذين‬
‫يحقرون أنفسهم ويرون الفضل دائًم ا إلخوانهم‪ ...‬وانظر إلى هذين األخوين‬
‫المتواضعين وكل منهما يعزز الثقة بينه وبين صاحبه‪ ،‬فقد روي أنه التقى أخوان في‬
‫اهلل‪ ،‬فقال أحدهما لصاحبه‪ :‬واهلل يا أخي إني ألحبك في اهلل‪ ،‬فقال له اآلخر‪ :‬لو‬
‫علمت مني ما أعلمه من نفسي ألبغضتني في اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل يا أخي لو علمُت‬
‫منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلمه من نفسي(‪.)2‬‬
‫فمثل هذه العبارات ونحوها مما فيه إظهار المحبة والتفنن في التعبير عنها‬
‫باألقوال أو األفعال الظاهرة له أثر في تقوية العالقة بين الصاحبين وذلك كما سبق‪،‬‬
‫باإلضافة إلى قوة المحبة في الباطن وما استقر منها في القلب‪ ،‬والقيام بمقتضياتها‬
‫في الخفاء ومنه الدفاع والذب عنه في غيبته وقد سبق‪ ،‬ومنه أن تدعو له بظهر‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ص‪.112‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.41‬‬ ‫‪2‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)154‬‬
‫الغيب‪.‬‬
‫وقد سبق ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬دعوة المرء‬
‫المسلم ألخيه بظهر الغيب مستجابة‪ ،‬عند رأسه ملك موكل‪ ،‬كلما دعا ألخيه بخير‬
‫قال الملك الموكل به‪ :‬آمين ولك بمثل))‪ ،‬وكان أبو الدرداء رضي اهلل عنه يدعو‬
‫لخلق كثير من إخوانه يسميهم بأسمائهم(‪ ،)1‬وكان أحمد بن حنبل رحمه اهلل يدعو‬
‫في السحر لستة نفر(‪ ،)2‬وقال يحيى بن معاذ‪ :‬بئس الصديق من تحتاج أن تقول له‪:‬‬
‫اذكرني في دعائك‪ ،‬وأن تعيش معه بالمداراة‪ ،‬أو تحتاج أن تعتذر له‪.‬‬
‫وال ينبغي أن ينقطع هذا الدعاء بعد موته‪ ،‬فذلك من تمام المحبة واإلخالص‬
‫فيها والوفاء للصاحب‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.99‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)155‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة السابعة عشرة‬


‫التلِّهي عنه بغيره وقّلة الوَفاء‬

‫فـ(من سوء أخالق الصداقة أنك حين تتعرف على صديق جديد ال تعرف نفسه‬
‫ونفسيته تترك الذي أمضى معك عمًر ا وحيًد ا‪ ،‬حتى يصل تركك له درجة اإلهمال‬
‫فتكون عاقبتكما االنفصال)(‪.)1‬‬
‫والحقيقة التي ينبغي أن يعلمها ذلك الصديق الذي يترك صديقه القديم الذي لم‬
‫ير منه إال خيًر ا إذا عرفت صديًق ا جديًد ا هي ما قاله بعضهم‪ :‬من لم يُقم على مودة‬
‫الصديق القديم لم يقم على مودة الصديق الجديد(‪.)2‬‬
‫ومن أسباب صدمة صديقك فيك أن يكون باذًال وسعه يف قربك وبرك وإيثارك‬
‫على من سواك مث ال جيد منك وفاء وال تقديًر ا‪...‬‬
‫فلم أر فيكم من يدوم على‬ ‫وصلتكم جهدي وزدُت على‬
‫الَع ْهد‬ ‫جْهِد ي‬

‫وكم يكتوي الصاحب هبذا اللؤم وذلك الربود‪ ،‬وكم يتأمل قلبه وهو يرى صاحبه قد‬
‫تعاىل عليه وأمهله بعد أن قدم له كل ما يستطيع وبذل كل جهد يف صلته والتقرب‬
‫إليه‪ ...‬قال بعضهم معًربا عن هذه احلالة املؤملة الكئيبة‪:‬‬
‫وحاد عن وْص لنا وخانا‬ ‫كان لنا صاحٌب فبانا‬
‫فما نراه وما يَر اَنا‬ ‫تاَه عليَنا وتاه مَّنا‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.18‬‬ ‫‪2‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)156‬‬
‫ومما يلحق بالوفاء للصاحب الدعاء له بظهر الغيب وبعد موته ـ كما سبق ـ‬
‫وإكرام من يحبه وتفقد عياله بعد موته‪ ،‬وقد كان ‪ ‬يكرم صواحب خديجة رضي‬
‫اهلل عنها بعد موتها(‪ ،)1‬وجعل من بر الوالدين إكرام صديقهما من بعدهما(‪ ،)2‬وهذا‬
‫كله من الوفاء‪.‬‬
‫وفي مختصر منهاج القاصدين‪( :‬وقد أكرم النبي ‪ ‬عجوًز ا‪ ،‬وقال‪(( :‬إنها كانت‬
‫تغشانا في أيام خديجة‪ ،‬وإن حسن العهد من اإليمان))(‪ ،)3‬ومن الوفاء أن ال يتغير‬

‫(?) ومن ذل‪LL‬ك أن‪LL‬ه ‪ ‬ك‪LL‬ان يذبح الش‪LL‬اة فيهدي لص‪LL‬دائق خديج‪LL‬ة رض‪LL‬ي اهلل عنها م‪LL‬ا يس‪LL‬عهن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ورد هذا عن‪LL‬د البخ‪LL‬اري في فض‪LL‬ائل أصحاب الن‪LL‬بي ‪ ‬رقم (‪ )3818 ،3816‬وفي مواض‪LL‬ع‬
‫أخ ‪LL‬رى‪ ,‬وعن ‪LL‬د مس ‪LL‬لم في فض ‪LL‬ائل الص ‪LL‬حابة رقم (‪ ،)2435‬والترم ‪LL‬ذي في المن ‪LL‬اقب رقم (‬
‫‪.)3875‬‬
‫(?) روى مسلم في البر والصلة رقم (‪ )2552‬من حديث عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما‬ ‫‪2‬‬

‫قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪(( :‬إن أبر البر صلة الولد أهل وِّد أبي‪L‬ه)) ورواه أب‪L‬و داود في‬
‫األدب رقم (‪ ،)5143‬والترمذي في البر والصلة رقم (‪ ،)1903‬وأحمد (‪،97 ،91 ،2/88‬‬
‫‪ ،)111‬والبخاري في األدب المفرد رقم (‪ ،)41‬وفي رواية مسلم وأحمد قصة لطيف‪LL‬ة البن‬
‫عمر مع رجل كان أبوه صديًق ا لعمر رضي اهلل عنه فانظرها‪.‬‬
‫(?) رواه الح ‪LL‬اكم في مس ‪LL‬تدركه (‪ )1/16‬من ح ‪LL‬ديث ابن أبي مليكة عن عائش ‪LL‬ة رض ‪LL‬ي اهلل‬ ‫‪3‬‬

‫عنها ق‪LL‬الت‪ :‬ج‪LL‬اءت عج‪LL‬وز إلى الن‪LL‬بي ‪ ‬وهو عن‪LL‬دي فق‪LL‬ال لها رس‪LL‬ول اهلل ‪(( :‬من أنت؟))‬
‫ق‪L‬الت‪ :‬أن‪L‬ا جثام‪L‬ة المزين‪L‬ة فق‪L‬ال‪(( :‬ب‪L‬ل أنت حس‪L‬انة المزني‪L‬ة‪ ،‬كي‪L‬ف أنتم‪ ،‬كي‪L‬ف ح‪LL‬الكم‪ ،‬كي‪L‬ف‬
‫كنتم بعدنا؟)) قالت‪ :‬بخ‪L‬ير ب‪LL‬أبي أنت وأمي يا رس‪LL‬ول اهلل‪ .‬فلم‪LL‬ا خ‪LL‬رجت قلت‪ :‬يا رس‪LL‬ول اهلل‬
‫تقبل على هذه العجوز هذا اإلقبال؟ فقال‪(( :‬إنها كانت تأتينا زمن خديجة‪ ،‬وإن حسن العهد‬
‫من اإليمان)) وصححه الحاكم على شرط الش‪L‬يخين ووافق‪L‬ه ال‪L‬ذهبي ورم‪L‬ز الس‪L‬يوطي لص‪L‬حته‬
‫في الج ‪LL‬امع الص ‪LL‬غير رقم (‪2264‬ـ فيض الق ‪LL‬دير) وأق ‪LL‬ره المن ‪LL‬اوي‪ ،‬وحس ‪LL‬نه الش ‪LL‬يخ األلب ‪LL‬اني‬
‫حفظه اهلل في صحيح الجامع الصغير رقم (‪.)2056‬‬
‫وأورده في السلس‪LL L‬لة الص‪LL L‬حيحة رقم (‪ )216‬وزاد نس‪LL L‬بته لـ(ابن األع‪LL L‬رابي في معجم‪LL L‬ه (ق‪)57/2‬‬
‫(‪)157‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫على أخيه في التواضع وإن ارتفع شأنه واتسعت واليته وعظم جاهه)(‪.)1‬‬
‫ومما يغم الصاحب أن تشعره أن لديك من هم أهم منه وأحب إليك من أهل أو‬
‫أصدقاء وإخوان‪ ،‬فإن هذا مما ال فائدة فيه‪ ،‬وإنما يوحش قلب الصديق ويشعره‬
‫بنوع من الحقارة والهوان‪ ،‬وربما أدرك الصديق ذلك دون أن تصرح له‪ ،‬ولكن في‬
‫هذه الحالة يكون األمر أخف على نفسه من أن تستهين بمشاعره وتصدمه في‬
‫عواطفه ال سيما إذا كان يعدك أحب الناس إليه‪.‬‬
‫والداعية الناجح والمحب الصادق ينبغي أن يكون له في رسول اهلل ‪ ‬أسوة‬
‫حسنة في قربه ألصحابه وتقريبهم له وإشعاره كل واحد منهم أنه األثير عنده‬
‫القريب إليه‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬إردافه معاًذا على الدابة(‪ ،)2‬ومماشاته ألبي ذر في الليل(‪،)3‬‬
‫وثناؤه على أشج عبد القيس(‪ )4‬وعلى كثير من أصحابه‪...‬إلخ‪ ،‬مع أنه متقرر في‬
‫الواقع عندهم جميًعا وبكالمه ‪ ‬أن أبا بكر أحب الرجال إليه وأقربهم منه(‪ ،)5‬لكن‬

‫وعنه القضاعي في مسنده الشهاب (ق‪ )...)82/1‬وصححه وراجع كالمه إن شئت‪.‬‬


‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.99‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه البخاري في الجهاد رقم (‪ ،)2856‬وفي مواضع أخرى‪ ،‬ومس‪LL‬لم في اإليم‪LL‬ان رقم‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ ،)30‬وأبو داود في الجهاد رقم (‪ )2559‬من حديث معاذ رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(?) روى البخ‪LL‬اري في الرق‪LL‬اق رقم (‪ ،)6443‬ومس‪LL‬لم في الزك‪LL‬اة رقم (‪ ،)94‬وأحم‪LL‬د في‬ ‫‪3‬‬

‫المسند (‪ )5/152‬عن أبي ذر رضي اهلل عنه قال‪ :‬خرجت ليلة من الليالي ف‪LL‬إذا رس‪LL‬ول اهلل ‪‬‬
‫يمش‪LL‬ي وح‪LL‬ده وليس مع‪LL‬ه إنس‪LL‬ان‪ ،‬ق‪LL‬ال‪ :‬فظننت أن‪LL‬ه يكره أن يمش‪LL‬ي مع‪LL‬ه أح‪LL‬د‪ ،‬ق‪LL‬ال‪ :‬فجعلت‬
‫أمش‪LL‬ي في ظلم القم‪LL‬ر ف‪LL‬التفت ف‪LL‬رآني فق‪LL‬ال‪(( :‬من هذا؟)) قلت‪ :‬أب‪LL‬و ذر جعل‪LL‬ني اهلل ف‪LL‬داءك‪.‬‬
‫قال‪(( :‬يا أبا ذر‪ ،‬تعال)) قال‪ :‬فمشيت معه ساعة‪ ...‬الحدث‪.‬‬
‫(?) سبق تخريجه ص‪.148‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) عن أبي عثمان قال‪ :‬حدثني عم‪LL‬رو بن الع‪L‬اص رض‪LL‬ي اهلل عن‪L‬ه أن الن‪L‬بي ‪ ‬بعث‪L‬ه على جيش‬ ‫‪5‬‬

‫ذات السالس‪LL‬ل فأتيت‪LL‬ه فقلت‪ :‬أي الن‪LL‬اس أحب إلي‪LL‬ك؟ ق‪LL‬ال‪(( :‬عائش‪LL‬ة)) فقلت‪ :‬من الرج‪LL‬ال؟‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)158‬‬
‫لم يقل لفرد بعينه‪ :‬فالن أحب إلَّي منك أو أهم‪ ...‬إلخ؛ ألن ذلك ال يتفق وحسن‬
‫خلقه ‪ ‬وأدبه العظيم الجم‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫قال‪(( :‬أبوها))‪ ،‬قلت‪ :‬ثم من؟ قال‪(( :‬ثم عمر بن الخط‪LL‬اب)) فع‪ّL‬د رج‪LL‬اًال‪ .‬رواه البخ‪LL‬اري في‬
‫فض‪LL‬ائل الص‪LL‬حابة رقم (‪ )4358 ،3662‬واللف‪LL‬ظ ل‪LL‬ه‪ ،‬ورواه مس‪LL‬لم في فض‪LL‬ائل الص‪LL‬حابة‬
‫أيًض ا رقم (‪ ،)2384‬والترمذي في المناقب رقم (‪.)3885‬‬
‫(‪)159‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة الثامنة عشرة‬


‫الِح ْر ُص على إظهار الّذ ات أو الوَج اهة أمام بعض المدعوين‬
‫وحب التسلط أو الَهْيَم َنة على المدعو‬
‫واتخاذ الَّصاحب قنطرة لتحقيق ذلك‬

‫فقد يحرص بعضهم على أن يلفت نظر أقرانه إلى أنه صديق للعالم أو الداعية‬
‫المشهور فالن‪ ،‬وأنه يلقاه ويدخل بيته ونحو ذلك‪ ،‬وقد يتعمد في حضوره أن‬
‫يتصرف بعض التصرفات أمام أقرانه التي يظهر من خاللها أنه أقرب إليه منهم‪...‬‬
‫إلى غير ذلك مما يكرهه ذلك العالم أو الداعية لما فيه من إيقاع الغيرة عند بقية‬
‫األقران أو إيقاع الوحشة بينهم وبين ذلك الداعية أو العالم‪ ...‬ومن ثم يلجأ ذلك‬
‫العالم أو الداعية إلى الحرص في عالقته بذلك المتباهي وتحجيم هذه العالقة معه‬
‫دفًعا لبعض المفاسد فيتقلص ما بينهما من الصداقة‪.‬‬
‫وللحرص على إظهار الذات أو الوجاهة أمام بعض المدعوين صورة أخرى؛‬
‫حيث قد يدفع ذلك الحرص الشخص لبعض التصرفات المفسدة لألخوة من أجل‬
‫تحقيق غرضه‪ ،‬كأن يعامل أخاه وصديقه أمام بعض المدعوين بما يدل على أنه فوقه‬
‫في المكانة والمنزلة كأن يمزح معه مزاًح ا يصغره أو يكلمه بلهجة اآلمر‪ ،‬المكِّلف‪،‬‬
‫إلى غير ذلك مما يستظرف أو يتعالى به أمام المدعو‪.‬‬
‫كذلك قد يؤدي الحرص على إظهار النفس أمام المدعو إلى طلب التعظيم من‬
‫اإلخوان أمامه‪ ،‬فيغضب إذا لم يعظمه صاحبه بصورة أو بأخرى أمام اآلخرين‪...‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫أما إذا لم يكن اإلنسان حريًص ا على جاه وال باحًثا عن ظهور فسيكون بعيًد ا‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)160‬‬
‫عن هذه المشاعر والتصرفات التي تعكر صفو األخوة أو الصحبة‪.‬‬
‫كذا قد يؤدي حب التسلط والهيمنة على المدعو أو قل‪ :‬حب امتالك المدعو‬
‫للنفس ال دعوته إلى اهلل ـ إلى الغيرة الشديدة إذا أحس أن أًخ ا له في اهلل تربطه‬
‫كذلك عالقة بنفس المدعو أو معاملة أو تهادي أو مراسلة أو تزاور أو غير ذلك‪،‬‬
‫ثم ال تلبث الغيرة أن تتحول إلى فساد في العالقة بينه وبين أخيه‪ ،‬وربما حلت‬
‫الكراهية محل المحبة‪.‬‬
‫ولو كان الداعي يدعو هلل ال لنفسه وال لشخصه لخفت حدة هذه المشاعر وما‬
‫صارت األمور العادية مشكلة أو كارثة‪.‬‬
‫ومن الحرص على إظهار الذات أو الوجاهة المفسد لألخوة أن ينسب أحد‬
‫الصاحبين ـ أمام اآلخرين ـ الفضل أو النجاح لنفسه في قضية مشتركة بينه وبين‬
‫صاحبه أو بينه وبين أصحابه‪ ،‬مما يغير قلوبهم منه السيما إذا ألقى التبعة في حالة‬
‫حدوث فشل أو خطأ على اآلخرين من إخوانه أو سل نفسه من بينهم فنفى أن‬
‫يكون له أدنى عالقة بحدوث مثل ذلك الخطأ أو الفشل‪...‬‬
‫(فال شك أن مثل هذا الشخص سيكون منبوًذا مبغوًض ا من إخوانه ومن الناس‬
‫جميًعا‪ ،‬فالناس يكرهون من ينسب الفضل إلى نفسه دائًم ا والفشل إلى غيره‪...‬‬
‫ومثل هذا الشخص ال يمكن أن يكون ذا وجاهة حقيقية أو قيادة أو في مكان إدارة‬
‫أو توجيه؛ ألن القائد أو الرئيس بحق من ُيسأل عند الفشل وليس الذي ينسب‬
‫النجاح لنفسه‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف من هو الرئيس في أي مؤسسة دعوية أو‬
‫تجارية أو اقتصادية‪ ...‬إلخ‪ ،‬فاسأل‪ :‬من الذي يكون مسئوًال عند الفشل؟‬
‫والعبد المخلص يسعده أن يأخذ الناس بأفكاره أو ينتفعون بعلمه ولو لم ينسب‬
‫إليه شيء من ذلك‪ ،‬وهو يحب العمل ال الحديث عن ذاته‪.‬‬
‫(‪)161‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ورحم اهلل الشافعي إذ يقول‪ :‬وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم وال ينسب‬
‫إلّي منه شيء(‪.)1‬‬
‫وقال سيد قطب رحمه اهلل في رسالته التي أرسلها ألخته‪( :‬التجار وحدهم هم‬
‫الذين يحرصون على العالمات التجارية لبضائعهم حينما يستغلها اآلخرون‬
‫ويسلبونهم حقهم من الربح‪ ،‬أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم أن‬
‫يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها إلى أنفسهم ال‬
‫إلى أصحابها األولين‪ .‬ولذلك يجب على المرء أن يحرص على أن يدع الناس‬
‫يشعرون أن الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها)(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) حلية األولياء (‪ ،)9/118‬سير أعالم النبالء (‪.)10/29‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مستفاد من فن التعامل مع الناس ص‪ 37 ،36‬م‪L‬ع تص‪L‬رف وزيادة إض‪L‬افة ق‪L‬ول الش‪L‬افعي‬ ‫‪2‬‬

‫رحمه اهلل‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)162‬‬
‫(‪)163‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المفسدة التاسعة عشرة‬


‫إخالُف المواعيد واالتفاقات دون عذٍر ضروري‬

‫فإن هذا يرسخ في نفس أخيك عدم اهتمامك به؛ ألن إخالف الموعد أو‬
‫االتفاق معناه أن من أخلف قد ترك األقل أهمية إلى األكثر أهمية وحسبك بهذا‬
‫كسًر ا لنفس أخيك‪ ،‬وإفساًدا للمحبة والعالقة األخوية‪.‬‬
‫فكيف وقد أمر المسلم بالوفاء بالعهود والوعود ونهي عن إخالفها وعَّد‬
‫رسول اهلل ‪ ‬إخالفها من آيات النفاق فقال‪(( :‬آية المنافق ثالث‪ :‬إذا حدث كذب‪،‬‬
‫وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا اؤتمن خان))(‪...)1‬‬
‫وحًق ا لو التزمنا اآلداب الشرعية والسلوكيات اإلسالمية في كل حياتنا لطابت‬
‫وقويت عالقتنا‪ ،‬ودامت ألفتنا ومحبتنا‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) رواه البخ ‪LL L‬اري في اإليم ‪LL L‬ان رقـم (‪ ،)33‬وفي الش ‪LL L‬هادات رقم (‪ ،)2682‬وفي‬ ‫‪1‬‬

‫الوصايا رقم (‪ ،)2749‬وفي األدب رقم (‪ ،)6095‬ورواه مس‪LL‬لم في اإليم‪LL‬ان رقم (‪،)59‬‬
‫والترمذي في اإليمان رقم (‪ ،)2631‬والنسائي في اإليمان (‪ ،)8/117‬وأحم‪LL‬د في المس‪LL‬ند‬
‫(‪ ،)2/357‬والبغوي في شرح السنة رقم (‪ )1/72( )35‬كلهم من حديث أبي هريرة رضي‬
‫اهلل عنه‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)164‬‬
‫(‪)165‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)166‬‬

‫المفسدة العشرون‬
‫كثرة تحديثك له بما يغّم ه ونْقِلك إليه ما يسوؤه‬

‫فمن أسباب زوال األلفة أن تنقل لصاحبك ما يسوؤه وال ينتفع بمعرفته‪ ،‬وأن‬
‫تكتم عنه ما يستضر بكتمه‪.‬‬
‫قال ابن حزم رحمه اهلل‪ :‬ال تنقل إلى صديقك ما يؤلم لنفسه وال ينتفع بمعرفته‪،‬‬
‫فهذا فعل األراذل‪ ،‬وال تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل أهل الشر‪.‬‬
‫وعن يحيى بن معاذ رحمه اهلل قال‪ :‬ليكن حظ المؤمن منك ثالثة‪ :‬إن لم تنفعه‬
‫فال تضره‪ ،‬وإن لم تفرحه فال تغمه‪ ،‬وإن لم تمدحه فال تذمه‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫(‪)167‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)168‬‬

‫المفسدة الحادية والعشرون‬


‫اإلْفــَر اط في الَم َح ـَّبـِة‬

‫والمراد بذلك توقي الَك لَف بالصاحب وشدة التعلق والولع به‪ ،‬وتحميل النفس‬
‫فوق طاقتها في خدمته والتقرب إليه‪ ،‬وليس المراد االقتصاد في رعاية حق األخوة‬
‫والمحبة‪ ،‬بل يلزم من القيام بحق اإلخاء (بذل المجهود في النصح‪ ،‬والتناهي في‬
‫رعاية ما بينهما من الحق‪ ،‬فليس في ذلك إفراط وإن تناهى‪ ،‬وال مجاوزة حد وإن‬
‫كثر وأوفى)(‪.)1‬‬
‫قال رسول اهلل ‪(( :‬أحبب حبيبك هوًنا ما عسى أن يكون بغيضك يوًما ما‪،‬‬
‫وأبغض بغيضك هوًنا ما عسى أن يكون حبيبك يوًما ما))(‪.)2‬‬
‫وقال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬ال يكن حبك َك َلًف ا‪ ،‬وال بغضك تلًف ا(‪.)3‬‬
‫وقال أبو األسود‪:‬‬
‫فإنك ال َتْد ري متى أنَت ناِز ُع‬ ‫وأحبْب إذا أحببَت حًبا مقارًبا‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رواه الترم‪LL‬ذي في ال‪LL‬بر والص‪LL‬لة رقم (‪ ،)1997‬والس‪LL‬لمي في آداب الص‪LL‬حبة ص‪،114‬‬ ‫‪2‬‬

‫والخطيب في تاريخ ‪LL‬ه (‪ )428 ،11/427‬من ح ‪LL‬ديث أبي هريرة رض ‪LL‬ي اهلل عن ‪LL‬ه مرفوًع ا‪،‬‬
‫وصححه األلب‪LL L‬اني في صحيح الج‪LL L‬امع الص‪LL L‬غير رقم (‪ ،)178‬ورواه البخ‪LL L‬اري في األدب‬
‫المف‪LL‬رد رقم (‪ )1321‬موقوًف ا على علّي رض‪LL‬ي اهلل عن‪LL‬ه‪ ،‬وحس‪LL‬نه لغ‪LL‬يره موقوًف ا األلب‪LL‬اني في‬
‫صحيح األدب المفرد رقم (‪ )992‬وقال‪" :‬وقد صح مرفوًعا" اهـ‪.‬‬
‫(?) رواه البخ‪LL L‬اري في األدب المف‪LL L‬رد رقم (‪ )1322‬وفي‪LL L‬ه‪ :‬فقلُت (القائ‪LL L‬ل أس‪LL L‬لم)‪ :‬كي‪LL L‬ف‬ ‫‪3‬‬

‫ذاك؟ قال‪ :‬إذا أحببت كلفت كلف الص‪LL‬بي‪ ،‬وإذا أبغض‪LL‬ت أحببت لص‪LL‬احبك التل‪LL‬ف‪ ،‬وصحح‬
‫إسناده األلباني في صحيح األدب المفرد رقم (‪.)993‬‬
‫(‪)169‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فإنك ال تدري متى أنَت‬ ‫وأبغض إذا أبغضت غير‬
‫(‪)1‬‬ ‫مجانب‬
‫راجُع‬

‫ولذا قال عدي بن زيد‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫وال ِم ْن محٍب أن يمل فيبعدا‬ ‫ال تأمنن ِم ْن ُم ْبِغ ٍض قرَب‬
‫داِره‬

‫فينبغي للمحب أن يتوقى اإلفراط في المحبة‪( ،‬فإن اإلفراط داٍع إلى التقصير‪،‬‬
‫ولئن تكون الحال بينهما متنامية أولى من أن تكون متناهية)(‪.)3‬‬
‫ولكن احرص على أن تكون أكثر حًبا له من حبه لك لتظفر بالفضل عند اهلل عز‬
‫وجل لقوله ‪ ‬في الحديث الصحيح‪(( :‬ما تواد اثنان في اهلل تعالى إال كان أفضَلهما‬
‫أكثرهما حًبا لصاحبه))(‪.)4‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) روض ‪LL‬ة العقالء ص‪ ،97 ،96‬وأدب ال ‪LL‬دنيا وال ‪LL‬دين ص‪ ،178‬وذك ‪LL‬ره العجل ‪LL‬وني في‬ ‫‪1‬‬

‫كشف الخفاء (‪ )1/54‬عن علي رضي اهلل عنه‪ ،‬واألمير أسامة بن منقذ في لباب اآلداب ص‬
‫‪ 25‬ونسبها لهدبة بن الخشرم العذري‪.‬‬
‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.178‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.177‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر ص‪.12‬‬ ‫‪4‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)170‬‬

‫الخاتمة‬

‫لما كانت مفسدات األخوة كثيرة‪ ،‬والمحبة الصادقة تحتاج إلى تشمير‪ ،‬كثرت‬
‫األقوال في تعريف الصديق(‪ ،)1‬وتعددت عبارات البلغاء واألدباء والحكماء في‬
‫صفته‪ ،‬وحار بعضهم‪ ،‬وتشاءم بعضهم حتى نفى وجوده‪ ...‬وهذا وإن لم يسّلم إال‬
‫أنه دال على عظم األمر‪...‬‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫عند أولي التْح ِقيِق‬ ‫عالَم ة الصديق‬
‫والصدُق فيها مفَتَر ض‬ ‫محبة بال َغ َر ض‬
‫محَّبة في هللا‬ ‫فهي بال اشِتَباه‬

‫وأجمل ما في هذه الكلمات أنها عّر فت أسمى أنواع الصداقة‪ ،‬وذلك أنها‬
‫جعلت الصداقة هي األخوة اإليمانية أو المحبة اإليمانية التي يصون اإلسالم فيها‬
‫الصداقة عن الغرض ويجعلها خالصة هلل‪.‬‬
‫وقال الكندي‪ :‬الصديق إنسان هو أنت إال أنه غيرك(‪.)2‬‬
‫وذكر بعض الشعراء اختالف الناس يف وصف الصديق أو تعريفه فقال‪:‬‬
‫في وده وما مذق‬ ‫قالوا‪ :‬الصديُق من صَدق‬
‫في قوله أنت أنا‬ ‫وقيل‪َ :‬م ن ال َيْطَع َنا‬
‫(?) ق‪LL‬ال أب‪LL‬و حي‪LL‬ان‪ :‬قلت لألندلس‪LL‬ي‪ :‬مم أخ‪LL‬ذ لف‪LL‬ظ الص‪LL‬ديق؟ ق‪LL‬ال‪ :‬أخ‪LL‬ذ من الِّص دق‪ ،‬وهو‬ ‫‪1‬‬

‫خالف الكذب‪ ،‬ومرة قال‪ :‬من الَّص ْد ق؛ ألنه يق‪LL‬ال‪ :‬رمح َص ْد ق أي صلب‪ ،‬وعلى ال‪LL‬وجهين‪،‬‬
‫الص‪L‬ديق يص‪L‬دق إذا ق‪L‬ال ويكون َص دًقا إذا عم‪L‬ل‪ .‬المخت‪L‬ار من رس‪L‬الة الص‪L‬داقة والص‪L‬ديق ص‬
‫‪.61‬‬
‫(?) انظر ص‪.16‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)171‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫معناه في هذا الَو رى‬ ‫وقيل‪ :‬لفٌظ ال ُيرى‬

‫ومثل هذا األخير قول بعضهم‪ :‬الصديق لفظ بال معنى‪.‬‬


‫وقال آخر‪ :‬الصديق اسم على غير جنس‪.‬‬
‫وقيل لبعضهم‪ :‬دلوني على رجل أسكن إليه في الرخاء والشدة‪ ،‬فقالوا‪ :‬تلك‬
‫ضالة ال توجد‪.‬‬
‫وقيل ألعرابي‪ :‬كيف أنسك بالصديق؟ قال‪ :‬وأين الصديق؟ بل أين الشبيه به؟‬
‫بل أين الشبيه بالشبيه بالصديق‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪:‬‬
‫على األيام يوَج ُد في األنام‬ ‫سِم ْع نا بالصديِق وال نراُه‬
‫على وْج ِه المجاِز من الكالم‬ ‫وأحِس ُبه محاًال أوردوه‬

‫ولهذا آثر بعضهم العزلة واالنفراد‪ ...‬وحذر بعضهم من األصدقاء‪ ،‬وذم بعضهم‬
‫االستكثار من األصحاب‪.‬‬
‫قال أحدهم‪:‬‬
‫واحذر صديقك ألف مرة‬ ‫احذر عدوك مرة‬
‫(‪)1‬‬ ‫فلربما انقلب الصديُق‬
‫فكان أعلم بالمضَّرة‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫فال تستكثرن من الصحاب‬ ‫عدوك من صديقك مستفاد‬
‫يكون من الطعام أو‬ ‫فإن الداء أكثر ما تراه‬
‫(‪)2‬‬
‫الشراب‬

‫(?) بهجة المجالس (‪.)5/696‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)172‬‬

‫والذي دفعهم إلى ذلك كما يبدو في ثنايا كالمهم تجارب مروا بها صدموا‬
‫فيها بأصدقائهم‪ ...‬ومع تعدد هذه التجارب جزموا بأن الصديق ال يوجد‪.‬‬
‫وقدًميا قال لبيد‪:‬‬
‫وبقيت في خلف كجلد‬ ‫ذهب الذين يعاش في أكنافهم‬
‫(‪)1‬‬
‫األجرب‬

‫وللبسيت‪:‬‬
‫فال تبال أغابوا عنك أو زاروا‬ ‫لقاء أكثر من زاروك أوزاُر‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫والمنكرون لكل أمر منكر‬ ‫ذهب الرجال المقتدى بفعالهم‬
‫بعًضا ليدفع ُم عور عن معور‬ ‫وبقيت في خلف يزّيُد بعضهم‬

‫وقال علم اهلدى‪:‬‬


‫حسًنا أتوك بمثله أو أحسنا‬ ‫ذهب الذين إذا أتيت إليهم‬
‫كفران نعمة منعم إن أحسنا‬ ‫وبقيت في قوم لئام دأبهم‬

‫وقال أحدهم‪ :‬لوال مخافة الوسواس لجلست في أرض ليس فيها ناس(‪.)2‬‬
‫وقيل ألحدهم‪ :‬لم ال تتخذ األصدقاء؟ قال‪ :‬حتى أتفرغ من األعداء‪ ،‬وأطلب‬

‫(?) العزلة للخطابي ص‪ ،58‬أدب الدنيا والدين ص‪.171‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) العزلة للخطابي ص‪.91‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪ 93‬ونسبه لعلّي رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫(‪)173‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫صديًق ا من الجن فإنه قد أعوزني في اإلنس(‪.)1‬‬
‫وكتب شيخ من أهل الري على باب داره‪ :‬جزى اهلل عنا من ال نعرفه وال يعرفنا‬
‫خيًر ا‪ ،‬وأما أصدقاؤنا الخاصة فال جزاهم اهلل خيًر ا فإنا لم نؤت إال منهم(‪.)2‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬انفرد وال تكثر من اإلخوان‪ ،‬ال يؤذيك إال من تعرفه‪ ،‬وأنشد يقول‪:‬‬
‫وال بيَنه ود به نتعرف‬ ‫جزى هللا عنا الخيَر من ليس‬
‫ِم َن الناِس إال من نود‬ ‫بيَنَنا‬
‫(‪)3‬‬ ‫فما سامَنا ضْيًم ا وال شفنا أذى‬
‫ونألف‬

‫وقد سبق وصف بعضهم للصديق الذي يضر قربه فقال‪ :‬هو الذي إذا قرب‬
‫توصل بصداقته إلى معرفة األسرار‪ ،‬وعلم األخبار‪ ،‬ثم تحفظ الزلل‪ ،‬والتقط الخلل‪،‬‬
‫وأحصى الفلتات‪ ،‬وعد الهفوات‪ ،‬وراعى عثرات األلسن‪ ،‬وبوادر القول والعمل‬
‫عند الغضب والرضا وفي أوقات االسترسال التي ال يخلو اإلنسان فيها من إغفال‪،‬‬
‫ثم جعل ذلك سالًح ا معًد ا يحمله على صديقه وقت العداوة(‪.)4‬‬
‫فهذا أشد ما يصدم الصديق في صديقه‪ ،‬أن يفشي ما يعلمه من أسراره ومن‬
‫خفي أحواله التي اطلع عليها بحكم الصداقة‪.‬‬
‫ولذلك جعل بعضهم إفشاء األسرار من اخلطوط احلمراء اليت ينبغي أن تنتهي عندها‬
‫الصداقة فوًر ا‪ ،‬وقد سبق يف ذلك قول بعضهم‪:‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.101‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) بهجة المجالس (‪.)2/673‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪ ،95‬وذكره في موضع آخر ص‪ 10‬بلفظ‪ :‬إياك وُك ْر َه اإلخ‪LL‬وان؛‬ ‫‪3‬‬

‫فإنه ال يؤذيك إال من تعرف‪...‬إلخ‪ ،‬وفي منهاج العابدين للغزالي ـ بنحوه ـ ص‪.47‬‬
‫(?) انظر ص‪.109‬‬ ‫‪4‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)174‬‬
‫َفبْعه ولو بكَّف ِم ن َر َم اِد‬ ‫إذا ما المرء أخطأه ثالٌث‬
‫وكتماُن السرائِر في الُفؤاد‬ ‫سالَم ُة صدره‪ ،‬والصدق منه‪،‬‬

‫وبعضهم حرّي ه من صديقه وآمله منه تصرفاته املتناقضة املتلونة‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫وأنَت صديق كالذي أنا‬ ‫أرى ِفيَك أخالًقا حساًنا قبيحًة‬
‫واصف‬ ‫قريٌب بعيٌد أبلُه ذو فطانة‬
‫سخي بخيل مستقيم مخالف‬ ‫كذاك لساني شاتم لك مادح‬
‫كما أن قلبي جاهل بك عارف‬ ‫تلونَت حتى لسُت أدري من‬
‫أريُح جنوٍب أنت أم أنت‬ ‫العمى‬
‫عاِص ف‬ ‫ولسُت بذي غَّش ولسُت‬
‫وإني لمن َج ْهٍل بشأنك واقف‬ ‫بناصٍح‬

‫وبعضهم صدمه في أصدقائه الغدر وعدم الوفاء‪.‬‬


‫قال أحدهم‪:‬‬
‫أفاعي رماٍل ما تقصر في‬ ‫أال إن إخواني الذين اتخذتهم‬
‫َلْسعي‬ ‫ظننُت بهم خيًرا فلما بلوُتُهم‬
‫حللُت بواد منهم غير ذي‬
‫زرع‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫فما وجدُت له رسًم ا وال أثرا‬ ‫أما الوفاء فشيء قد سمعُت به‬
‫ألوم على غدٍر أًخ ا َغ َد َر ا‬ ‫فال أطالُب مْخ لوًقا به أبًدا‬
‫فإنه بشر ال يعرُف البشرا‬ ‫ومن توهم في الدنيا أخا ِثَقٍة‬

‫وقال ثالث‪:‬‬
‫(‪)175‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫أميِن الغيِب أو عْيَش الوَح ادي‬ ‫وعْش إما قريُن أٍخ وفًّي‬

‫وكتب بعضهم‪ :‬سلكت القفار‪ ,‬وطفت الديار‪ ،‬وركبت البحار‪ ،‬ورأيت اآلثار‪،‬‬
‫وسافرت البالد‪ ،‬وعاشرت العباد‪ ،‬فلم أجد صديًق ا صادًقا‪ ،‬وال رفيًق ا موافًق ا‪ ،‬فمن‬
‫قرأ هذا الخط‪ ،‬فال يغتر بأحد قط(‪.)1‬‬
‫وال شك أن هذه النتائج التي وصل إليها هؤالء وإن كانت غير متفق عليها إال‬
‫أنها تدل على ما وصل إليه هؤالء من حالة نفسية بسبب أخطاء أصدقائهم‪ ،‬وتؤكد‬
‫خطورة التهاون بحقوق الصداقة وضرورة معرفة مفسدات األخوة واتقائها‪...‬‬
‫ولك أن تتصور مدى تلك الحالة النفسية األليمة إذا علمت أن بعضهم تكونت‬
‫في نفوسهم عقدة من شيء اسمه صاحب أو صديق‪ ،‬وكان أصحابهم سبًبا في‬
‫تحطيمهم‪ ،‬وبعضهم ابتعد عن الناس مؤثًر ا أن يعيش بال صاحب‪ ،‬وأن يعيش بال‬
‫ناس‪ ،‬ووجد في ذلك األنس والراحة‪...‬‬
‫أنشد أبو القاسم الوزير‪:‬‬
‫رأيُت اإلنَس الستوحشُت منه‬ ‫أِنست بوْح دتي حتى لو أني‬
‫أِم يُل إليه إال مْلُت عنه‬ ‫ولم تدِع التجارُب لي صديًقا‬
‫أخاُف عليه إال خْفُت منه‬ ‫وما َظِفَر ْت َيِد ي بصديِق‬
‫صدٍق‬

‫وبقدر ما يكون حسن ظن الصديق بأصدقائه‪ ،‬واجتهاده في القيام بحقوقهم‪،‬‬


‫وإخالصه في محبتهم‪ ،‬وتضحيته من أجلهم بقدر ما تكون صدمته حين يكتشف‬
‫أنهم ال يستحقون ذلك‪ ...‬وال يرى حًال إال االنفراد‪...‬‬

‫(?) الصداقة والصديق ص‪.103‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)176‬‬
‫دخل سفيان على رجل من أهل العلم والصالح قد اعتزل الناس‪ ،‬فقال له سفيان‪:‬‬
‫تعتزل الناس‪ ،‬والناس حمتاجون إليك؟ قال‪ :‬يا سفيان‪ ،‬العزلة الَّد َعة‪ ،‬فسد الزمان‪ ،‬وتغرّي‬
‫اإلخوان‪ ،‬فرأيت االنفراد أسكن للفؤاد‪ ،‬مث أنشد قائًال‪:‬‬
‫ومن التفرد في زماِنك فازدِد‬ ‫ال تجزعَّن لوحدٍة وتفرٍد‬
‫إال التمّلق باللسان وباليِد‬ ‫ذهب اإلخاُء فليس َثَّم أُخ وٌة‬
‫أبصرَت َثَّم نقيع ُس َّم األسوِد‬ ‫فإذا كشفَت ضميَر ها‬
‫بصدورهم‬

‫وعوتب بعضهم لما اعتزل الناس‪ ،‬فقال‪ :‬صحبت الناس أربعين سنة‪ ،‬فما رأيتهم‬
‫غفروا لي ذنًبا‪ ،‬وال ستروا لي عيًبا‪ ،‬وال أقالوا لي عثرة‪ ،‬وال جبروا مني كسرة‪ ،‬وال‬
‫بذلوا لي نصرة‪ ،‬ورأيت الشغل بهم تضييًعا للحياة‪ ،‬وتباعًد ا من اهلل تعالى‪ ،‬وتجرًعا‬
‫للغيظ مع الساعات‪ ،‬وتسليًطا للهوى في الهنات بعد الهنات(‪.)1‬‬
‫وقيل لعروة بن الزبير لما اتخذ داًر ا بعيدة من الخلق‪ ،‬لما تركت الناس؟ فقال‪:‬‬
‫إن ألسنتهم الغية‪ ،‬وأسماعهم صاغية‪ ،‬وقلوبهم الهية‪ ،‬وأديانهم واهية‪ ،‬والفاحشة‬
‫بينهم فاشية‪ ،‬فخفت عليهم من الداهية‪ ،‬فتنحيت عنهم ناحية‪ ،‬وصرت منهم في‬
‫عافية(‪.)2‬‬
‫وبعدما مضى من تلك األقوال التي اختار أصحابها العزلة‪ ،‬وما طفح به كثير‬
‫منها من التعبير عن الصدمة في األصحاب وافتقاد اإلخاء الصادق‪ ...‬هب أنك‬
‫تعرضت لبعض المواقف التي صدمت فيها من بعض أحبابك حتى شعرت أنك ليس‬
‫لك حبيب‪ ...‬فهل من شيء تقاوم به األثر النفسي المؤلم الذي يحل بك؟‬

‫(?) الصداقة والصديق ‪.95‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الص‪LL‬داقة والص‪LL‬ديق ‪ ،96 ،95‬وهو بنح‪LL‬وه في المخت‪LL‬ار من رس‪LL‬الة الص‪LL‬داقة والص‪LL‬ديق‬ ‫‪2‬‬

‫ألبي حيان التوحيدي ص‪.66‬‬


‫(‪)177‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫والجواب أنه ال يعوض األنس باإلخوان والشعور بالقرب منهم إال شيء أعظم‬
‫من ذلك‪ ،‬وال أعظم من ذلك إال األنس باهلل واالستغناء به عن الخلق أجمعين‪،‬‬
‫والتلذذ بمناجاته وبكالمه‪ ،‬والنصب في عبادته وذكره ودعائه‪...‬‬
‫قيل لبعضهم‪ :‬أعندك شيء تستأنس به؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬مصحف‪ ،‬وأنشد يقول‪:‬‬
‫وفيها شفاٌء للذي أنا كاتُم‬ ‫وُك تبي حولي ال تفارُق‬
‫مضَج عي‬

‫وقال بعضهم‪:‬‬
‫معرفُة هللا فذاَك الَّش قي‬ ‫من عرف هللا فلم تغنه‬
‫والعز كل العز للمتقي‬ ‫ما يْص َنُع العبُد بعز الغنى‬
‫(‪)1‬‬
‫في طاعة هللا وماذا َلِقي‬ ‫ما ضَّر ذا الطاعِة ما ناَلُه‬

‫وإلى جانب هذا العالج فهناك الوقاية ومنها أن ال تندفع سريًعا في حبك ألحد‬
‫إلى حد بعيد في وقت قصير‪ ،‬بل ليكن حبك ألخيك متدرًج ا يزيد مع الوقت‬
‫ومرور الزمن‪ ،‬حتى يبقى دائًم ا مجال لزيادة المحبة‪ ،‬وليكن في الطريق فرصة‬
‫لمعرفة حال الصديق على حقيقته‪...‬‬
‫ورحم اهلل الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه حين شهد عنده رجل‬
‫بشهادة فقال له‪ :‬لست أعرفك وال يضرك أن ال أعرفك ائت بمن يعرفك‪ .‬فقال‬
‫رجل من القوم‪ :‬أنا أعرفه‪ ،‬قال‪ :‬بأي شيء تعرفه؟ قال‪ :‬بالعدالة والفضل‪ ،‬فقال‪ :‬فهو‬
‫جارك األدنى الذي تعرفه ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فمعاملك‬
‫بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فرفيقك في السفر‬
‫الذي يستدل به على مكارم األخالق؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬لست تعرفه‪ ،‬ثم قال للرجل‪:‬‬

‫(?) منهاج العابدين ص‪.72 ،71‬‬ ‫‪1‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)178‬‬
‫ائت بمن يعرفك(‪.)1‬‬
‫وال تذّم َّنُه من غير تجريب‬ ‫ال تحمدَّن امرًأ حتى تجّربه‬
‫(‪)2‬‬
‫وذمه بعد حمٍد شُّر تكذيب‬ ‫فحمدك المرء ما لم ُتْبِله خطأ‬

‫(ولذلك خذ بنصيحة الشاعر الذي قال‪:‬‬


‫حتى َتَبَّين ما ِط َباُع ه‬ ‫ال يُع ِج بّنك صاحب‬
‫ــك‪ ،‬وما يجود به اتساُع ه‬ ‫ماذا يضُّن به عليـ‬
‫ــه‪ ،‬وما يضيُق به ِذَر اُع ه‬ ‫أو ما الذي يقوي عليــ‬
‫ِتك بالحوادِث‪ ،‬ما ِد َفاعْه‬ ‫وإذ الزمان رمى صفا‬
‫ُع هوى أخيك‪ ،‬وما اتَض اعه‬ ‫فهناك تعرُف ما ارتفا‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫حتى َتبَّين قدَر نحِو إخائه‬ ‫ال تحمدَّن على اإلخاِء ُم ؤاِخ ًيا‬

‫وبعض األصحاب قد تجد منه روح اإلخاء والمودة واإليثار ما دام في زمن‬
‫الصبا والمراهقة أو في مقتبل الشباب في فترة الدراسة والطلب‪ ،‬فإذا خرج إلى‬
‫مجال الحياة األصعب بما فيه من زوجة وولد وتنافس في الكسب وطلب الرزق‬
‫تغير الحال تماًم ا‪...‬‬
‫ومن ثم فخير لك أن تمنح نفسك فرصة كافية لمعرفة نفسك ومعرفة صاحبك‬
‫على وجه الحقيقة‪ ،‬وليكن حبك له أثناء ذلك متدرًج ا‪ ،‬فذلك خير من أن تصل‬
‫ألعلى درجات المحبة له قبل أن تعرفه جيًد ا‪ ،‬ثم تصدم بعد ذلك حين تكتشف أنه‬

‫(?) رواه البيهقي في سننه كتاب آداب القاضي (‪ ،)126 ،10/125‬وصححه األلب‪LL‬اني في‬ ‫‪1‬‬

‫اإلرواء رقم (‪.)8/26( )2637‬‬


‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.168 ،167‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)179‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫ليس في تلك الصورة المثالية التي رسمتها له‪ ،‬وهذا حال أكثر الخلق‪ ،‬ولذا قال‬
‫المصطفى ‪(( :‬أحبب حبيبك هوًنا ما عسى أن يكون بغيضك يوًما ما‪ ،‬وأبغض‬
‫بغيضك هوًنا ما عسى أن يكون حبيبك يوًما ما))(‪.)1‬‬
‫وحتى لو لم تصدم به ففي التأني في المحبة مصلحة أخرى‪ ،‬وذلك أن المحبة‬
‫إذا وصلت من فورها ألعلى درجاتها لم يكن ثم مجال لزيادتها‪ ،‬فيخشى أن تكون‬
‫معرضة للتناقص والفتور فـ(لكل شيء إذا ما تم نقصان)(‪ ،)2‬وكما قال عمر رضي‬
‫اهلل عنه‪ :‬ليس بعد الكمال والتمام إال النقصان(‪ ،)3‬وألن تكون الحال أو المحبة‬
‫بينكما متنامية خير من أن تكون متناهية‪.‬‬
‫ومن الوقاية أن تعلم الصفات اليت حذر العلماء واحلكماء من مصادقة أصحاهبا‪،‬‬

‫(?) سبق تخريجه قريًبا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مطلع قصيدة البي البقاء الُّر ندي في رثاء األندلس‪ ،‬وأولها‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫لكــــــــــــــــــــــل شيء إذا ما تم نقصــــــــــــــــــــــان‬


‫فال يغر بطيب العيش إنسان‬
‫والقص‪L‬يدة اثن‪L‬ان وأربع‪L‬ون بيًت ا في نفح الطيب (‪ 6/234‬وم‪L‬ا بع‪L‬دها)‪ ،‬والقص‪L‬يدة لم تق‪L‬ل‬
‫في رث‪LL‬اء األن‪LL‬دلس عن‪LL‬د س‪LL‬قوطها النهائي‪ ،‬ولكن‪LL‬ه نظمها قب‪LL‬ل ذل‪LL‬ك حينم‪LL‬ا س‪LL‬قطت القواع‪LL‬د‬
‫األندلسية الكبرى كقرطبة وبلنسية وإشبيلية ومرسية‪ .‬انظر‪ :‬مصرع غرناطة ص‪.115‬‬
‫‪ )?( 3‬روي ذل‪LL‬ك عن عم‪LL‬ر في تفس‪LL‬ير آية المائ‪LL‬دة ‪‬اْلَيْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم ِد يَنُك ْم ‪[ ‬المائ‪LL‬دة‪]3 :‬‬
‫رواه ابن جرير في تفسيره (‪ )9/519‬رقم ‪ )011083‬عن هارون بن عنترة عن أبي‪LL‬ه ق‪LL‬ال‪:‬‬
‫لما نزلت ‪‬اْلَيْو َم َأْك َم ْلُت َلُك ْم ِد يَنُك ْم ‪ ‬وذلك يوم الحج األكبر بكى عمر‪ ،‬فق‪L‬ال ل‪LL‬ه الن‪LL‬بي ‪:‬‬
‫((ما يبكيك؟)) قال‪ :‬أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأم‪L‬ا إذا كم‪LL‬ل فإن‪LL‬ه لم يكم‪LL‬ل ش‪LL‬يء إال‬
‫نقص! فقال‪(( :‬صدقت)) وذك‪LL‬ره الس‪LL‬يوطي في ال‪LL‬در المنث‪LL‬ور (‪ )2/258‬وزاد في نس‪LL‬بته ابن‬
‫أبي شيبة‪.‬‬
‫وذك ‪LL‬ره ابن كث ‪LL‬ير في تفس ‪LL‬يره (‪ )2/13‬وق ‪LL‬ال‪ :‬ويش ‪LL‬هد لهذا المع ‪LL‬نى الح ‪LL‬ديث الث ‪LL‬ابت ((إن‬
‫اإلسالم بدأ غريًبا وسيعود غريًبا فطوبى للغرباء))‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)180‬‬
‫فالبد أن تعلم من حتذر مودته‪ ،‬حىت تتقي الصدمات من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى ألن‬
‫املرء ينسب إىل قرينه‪...‬‬
‫فكُّل قرين بالمقاِر ن يقتدي‬ ‫عن المرِء ال تسأل وسْل عن‬
‫وال تصَح ْب األْر دى فتردى مع‬ ‫قريِنه‬
‫(‪)1‬‬ ‫إذا كنَت في قوم فاصحب‬
‫الَّردي‬
‫خياَر ُهم‬

‫قال بعضهم‪:‬‬
‫إن الصديَق إلى المقارِن‬ ‫واختْر قريَنك واصطِفيه‬
‫ُينسُب‬ ‫تفاُخ ًرا‬

‫ُيعدي كما ُيعدي الصحيَح‬ ‫واحذْر مصاحبة اللئيِم فإنه‬


‫األجرُب‬ ‫ودع الكذوَب فال يكن لك‬
‫إن الكذوَب يِش يُن حًرا‬ ‫صاحًبا‬
‫َيصَح ُب‬

‫وقال بعض الحكماء‪ :‬اعرف أخاك بأخيه قبلك(‪.)2‬‬


‫وقال أعرابي‪ :‬اعتبر الناس بإخوانهم(‪.)3‬‬
‫ومن وصايا لقمان البنه‪ :‬يا بني‪ ،‬ال ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى‬
‫عمله‪ ،‬وال تتهاون بغضب الحكيم فيزهد فيك‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬عدو عاقل خير من صديق جاهل‪.‬‬
‫وقال بعض الشعراء‪:‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي ص‪.135‬‬ ‫‪3‬‬
‫(‪)181‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫فال تقن بكَّل أخي إخاء‬ ‫إذا ما كنَت متخًذ ا خليًال‬
‫بأهل العقل منهم والحياء‬ ‫فإن ُخ َّيرَت بين الناِس فالصْق‬
‫(‪)1‬‬ ‫فإن العقَل ليس له إذا ما‬
‫تفاضلت الفضائُل من ِكفاء‬

‫وال تصاحب من يذم إخوانك ويذكرهم بالسوء عندك‪ ،‬وال من يبالغ في الثناء‬
‫عليك ويرفعك فوق قدرك‪ ،‬وال من يحب الرئاسة ويدعيها‪...‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬إذا ذكر جليسك عندك أحًد ا بسوء فاعلم أنك ثانيه‪.‬‬
‫وقال آخر‪ :‬من رفعك فوق قدرك فاتقِه‪.‬‬
‫وقال ثالث‪ :‬أكرم المجالسة مجالسة من ال يدعي الرئاسة وهو في محلها‪ ،‬وشر‬
‫المجالسة مجالسة من يدعي الرئاسة وليس في محلها‪.‬‬
‫وال تصاحب من ينفر من الفقراء ويبغضهم وحيرص على األثرياء وحيبهم فإنه‬
‫يوشك أن ينقلب عليك يف حال عسرك‪ ،‬ومثله ال يكون صادًقا وال يكون خملًص ا يف‬
‫إخائه‪:‬‬
‫ما دمت في دنياك في ُيْس ِر‬ ‫كم من أِخ لك ليس ُتْنكره‬
‫يلقاك بالترحيب والِبْش ِر‬ ‫متَص نع لك في موَّد ِته‬
‫دهٌر عليك َعَدا مع الدْهر‬ ‫فإذا عدا (والدهر ذو ِغ َيٍر )‬
‫َيْقِلي الُمِقَّل ويعشق الُم ثري‬ ‫فارفْض بإجماٍل مودَة َم ْن‬
‫(‪)2‬‬ ‫وعليَك من حااله واحدة‬
‫في الُعْس ِر إما كنَت والُيْس ِر‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.168‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب ال‪LL‬دنيا وال‪LL‬دين ص‪ ،166‬والتعب‪LL‬ير بع‪LL‬دا ال‪LL‬دهر ليس بمحم‪LL‬ود؛ ألن ع‪LL‬دا هن‪LL‬ا بمع‪LL‬نى‬ ‫‪2‬‬

‫جار وظلم‪ ،‬انظر‪ :‬لسان العرب ص‪ ،2846‬ونسبة ذلك للدهر من س‪LL‬ب ال‪LL‬دهر المنهي عن‪LL‬ه‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)182‬‬
‫وال تصاحب من ال ينصف في غضبه‪ ،‬قال لقمان البنه‪ :‬يا بني‪ ،‬إذا أردت أن‬
‫تؤاخي رجًال فأغضبه قبل ذلك‪ ،‬فإن أنصفك عند غضبه وإال فتجنبه‪.‬‬
‫ومن أقوال الحكماء‪ :‬من لم يقوم االمتحان قبل الثقة‪ ،‬والثقة قبل األنس‪،‬‬
‫أثمرت مودته ندًما(‪.)1‬‬
‫ومن أقوالهم‪ :‬اسُبر تخبر(‪.)2‬‬
‫وقال بعض البلغاء‪ :‬مصارمة قبل اختبار‪ ،‬أفضل من مؤاخاة على اغترار(‪.)3‬‬
‫وقال بعض األدباء‪ :‬ال تثق بالصديق قبل الخبرة‪ ،‬وال تقع بالعدو قبل القدرة(‪.)4‬‬
‫وقالت الحكماء‪ :‬اعرف الرجل من فعله ال من كالمه‪ ،‬واعرف محبته من عينه‬
‫ال من لسانه(‪.)5‬‬
‫وفي مختصر منهاج القاصدين (وفي الجملة‪ ،‬فينبغي أن يكون فيمن تؤثر‬
‫صحبته خمس خصال‪ :‬أن يكون عاقًال ‪ ،‬حسن الخلق‪ ،‬غير فاسق‪ ،‬وال مبتدع‪ ،‬وال‬
‫حريص على الدنيا)(‪.)6‬‬
‫وقد جمع الماوردي رحمه اهلل الخصال المعتبرة في إخاء اإلخوان بعد‬
‫المجانسة التي هي أصل االتفاق في أربع خصال‪:‬‬
‫الخصلة األولى‪ :‬عقل موفور‪ ،‬يهدي إلى مراشد األمور‪.‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص ‪.166‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.167‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أدب الدنيا والدين ص‪.166‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) مختصر منهاج القاصدين ص‪.95‬‬ ‫‪6‬‬


‫(‪)183‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫الخصلة الثانية‪ :‬الدين الواقف بصاحبه على الخيرات‪.‬‬
‫الخصلة الثالثة‪ :‬أن يكون محمود األخالق‪ ،‬مرضي الفعال‪ ،‬مؤثًر ا للخير آمًر ا‬
‫به‪ ،‬كارًه ا للشر ناهًيا عنه‪.‬‬
‫الخصلة الرابعة‪ :‬أن يكون من كل واحد منهما ميل إلى صاحبه ورغبة في‬
‫مؤاخاته(‪.)6‬‬
‫وأخيًر ا فهذه الرسالة التي تضمنت ما ذكر من مفسدات األخوة ال يستفيد بها‬
‫من قرأها ليحاسب إخوانه بمقتضاها فإن نتيجة ذلك العزلة واالنفراد‪ ،‬وإنما يستفيد‬
‫بها من قرأها ليحاسب نفسه بمقتضاها وليحسن التودد إلى إخوانه والقيام بحقوق‬
‫األخوة‪ ،‬واهلل المستعان وعليه التكالن‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(?) انظر‪ :‬أدب الدنيا والدين ص‪.169 ،168‬‬ ‫‪6‬‬


‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)184‬‬
‫(‪)185‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫المراجع‬

‫‪1‬ـ آداب الصحبة ألبي عبد الرحمن السلمي (‪330‬ـ ‪413‬هـ) حققه وعلق عليه‪:‬‬
‫مجدي فتحي السيد‪ ،‬ط‪ .‬دار الصحابة بطنطا‪.‬‬
‫‪2‬ـ اإلبداع في مضار االبتداع للشيخ علي محفوظ‪ ،‬ط‪ .‬دار االعتصام‪.‬‬
‫‪3‬ـ اإلحسان بترتيب صحيح ابن حبان‪ ،‬ترتيب‪ :‬األمير عالء الدين علي بن بلبان‬
‫الفارسي‪ ،‬المتوفى سنة ‪739‬هـ‪ ،‬قدم له وضبط نصه كمال يوسف الحوت‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬ط‪ .‬األولى ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪4‬ـ أدب الدنيا والدين للماوردي‪ ،‬الحلبي‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة‪.‬‬
‫‪5‬ـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للشيخ محمد ناصر الدين األلباني‬
‫حفظه اهلل‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ .‬ثانية ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪6‬ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان البن القيم‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬مكتبة‬
‫عاطف‪.‬‬
‫‪7‬ـ اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث‪.‬‬
‫‪8‬ـ أين نحن من أخالق السلف‪ ،‬تأليف عبد العزيز بن ناصر الجليل‪ ،‬تقديم بهاء‬
‫الدين عقيل‪ ،‬دار طيبة ـ دار المروءة‪ ،‬ط‪ .‬الثانية‪.‬‬
‫‪9‬ـ البداية والنهاية البن كثير‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪10‬ـ بهجة المجالس وأنس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس للحافظ أبي عمر‬
‫يوسف ابن عبد اهلل بن محمد بن عبد البر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد مرسي الخولي‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪.‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)186‬‬
‫‪11‬ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ت‪463‬هـ) ط‪ .‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪12‬ـ التربية الوقائية في اإلسالم لفتحي يكن‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫‪13‬ـ الترغيب والترهيب للحافظ زكي الدين المنذري‪ ،‬ضبط أحاديثه وعلق عليه‪:‬‬
‫مصطفى محمد عمارة‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان ـ دار الحديث‪ ،‬القاهرة ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪14‬ـ تفسير القرآن العظيم البن كثير‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث ـ القاهرة‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1408‬هـ‬
‫ـ ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪15‬ـ تفسير ابن كثير‪ ،‬دار الريان‪.‬‬
‫‪16‬ـ التنافر والتجاذب في العالقات الشخصية (محاضرة مسجلة للشيخ محمد‬
‫صالح المنجد)‪.‬‬
‫‪17‬ـ تهذيب مدارج السالكين ـ المدارج البن القيم‪ ،‬وهذبه عبد المنعم صالح العلي‬
‫الفري‪.‬‬
‫‪18‬ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن البن جرير الطبري‪ ،‬ط‪ .‬دار المعارف بمصر‪،‬‬
‫ط‪ .‬ثانية‪ ،‬حققه وعلق حواشيه الشيخ محمود محمد شاكر‪ ،‬راجعه وخرج‬
‫أحاديثه‪ :‬الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه اهلل‪.‬‬
‫‪19‬ـ جامع العلوم والحكم البن رجب‪ ،‬تحقيق‪ :‬طارق بن عوض‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪20‬ـ جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي (ت‪795‬هـ)‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الحديث ـ القاهرة‪ ،‬ط‪ .‬الخامسة ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪21‬ـ حلية األولياء وطبقات األصفياء للحافظ أبي نعيم األصفهاني (ت‪430‬هـ)‪.‬‬

‫‪22‬ـ حياة الصحابة للعالمة محمد يوسف الكاندهلوي‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان‪ ،‬ط‪ .‬أولى‬
‫(‪)187‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪23‬ـ خلق المسلم للغزالي‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬ط‪ .‬الثانية‪.‬‬
‫‪24‬ـ دراسات في السيرة للدكتور عماد الدين خليل‪ ،‬مؤسسة الرسالة ـ دار النفائس‪،‬‬
‫ط‪ .‬الرابعة‪.‬‬
‫‪25‬ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي‪ ،‬وبهامشه تفسير ابن عباس‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫المعرفة ـ بيروت‪ ،‬بدون سنة طبع‪.‬‬
‫‪26‬ـ دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ألبي بكر أحمد بن عبد الحميد‬
‫البيهقي (‪384‬ـ ‪458‬هـ) تحقيق‪ :‬الدكتور عبد المعطي قلعجي‪ .‬ط‪ .‬دار‬
‫الريان‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪27‬ـ روضة العقالء ونزهة الفضالء لإلمام أبي حاتم محمد بن حبان البستي (ت‬
‫‪354‬هـ)‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬محمد عبد‬
‫الرزاق حمزة‪ ،‬محمد حامد الفقي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪.‬‬
‫‪28‬ـ الزهد البن المبارك‪.‬‬
‫‪29‬ـ سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني‪.‬‬
‫‪30‬ـ سنن ابن ماجه بتحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بدون‬
‫سنة طبع‪.‬‬
‫‪31‬ـ سنن أبي داود‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث ـ القاهرة‪1408 ،‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪32‬ـ سنن الترمذي‪ ،‬بتحقيق وشرح‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬وأتمها محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي وكمال يوسف الحوت‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية بدون سنة طبع‪.‬‬
‫‪33‬ـ سنن الدارمي لإلمام الحافظ عبد اهلل بن عبد الرحمن الدارمي (‪181‬ـ ‪255‬هـ)‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)188‬‬
‫بتحقيق وتخريج وفهرسة‪ :‬فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العليمي‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫الريان‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪34‬ـ السنن الكبرى لإلمام البيهقي‪ ،‬وفي ذيلها الجوهر النقي البن التركماني‪ ،‬ط‪.‬‬
‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪35‬ـ سنن النسائي بشرح السيوط وحاشية السندي‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان للتراث‪.‬‬
‫‪36‬ـ سير أعالم النبالء للحافظ الذهبي‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة بإشراف وتخريج شعيب‬
‫األرناؤوط‪ ،‬ط‪ .‬تاسعة ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪37‬ـ السيرة النبوية البن هشام‪ ،‬بتحقيق وضبط وشرح‪ :‬مصطفى السقا وإبراهيم‬
‫اإلبياري وعبد الحفيظ شلبي‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة علوم القرآن‪.‬‬
‫‪38‬ـ السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم العمري‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪.‬‬
‫‪39‬ـ شرح السنة لإلمام البغوي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط وزهير الشاويش‪،‬‬
‫ط‪.‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫‪40‬ـ شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان‪.‬‬
‫‪41‬ـ صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري البن حجر‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان‪ ،‬ط‪ .‬ثالثة‪.‬‬
‫‪42‬ـ صحيح الجامع الصغير وزيادته للشيخ األلباني‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.‬‬
‫ثانية ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪43‬ـ صحيح سنن ابن ماجه للشيخ األلباني‪ ،‬الناشر مكتب التربية العربي لدول‬
‫الخليج‪ ،‬ط‪ .‬ثانية ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪44‬ـ صحيح سنن أبي داود للشيخ األلباني‪ ، ،‬الناشر مكتب التربية العربي لدول‬
‫الخليج‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫(‪)189‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫‪45‬ـ صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪46‬ـ صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ط‪ .‬دار القلم‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1407‬هـ ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪47‬ـ الصحيح المسند من أسباب النزول‪ ،‬تأليف‪ :‬ابن عبد الرحمن مقبل بن هادي‬
‫الوادعي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪48‬ـ صحيح وضعيف األدب المفرد لإلمام البخاري‪ ،‬بقلم محمد ناصر الدين‬
‫األلباني‪ ،‬ط‪ .‬دار الصديق للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1415‬هـ ـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪49‬ـ الصداقة والصديق ألحمد الكويتي‪ ،‬مكتبة الرشيد ـ الرياض‪ ،‬ط‪ .‬األولى‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن ثالث رسائل‪:‬‬
‫‪1‬ـ زاد الطريق إلى قلب الصديق‪.‬‬
‫‪2‬ـ تهذيب (الشهاب الثاقب في ذم الخليل والصاحب للسيوطي)‪.‬‬
‫همسة في أذن صديقي من الروح إلى الروح‪.‬‬
‫‪50‬ـ ضعيف الجامع الصغير وزيادته للشيخ األلباني‪ ،‬ط‪ .‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.‬ثانية‬
‫‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪51‬ـ طريق الهجرتين وباب السعادتين البن قيم الجوزية‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة النهضة اإلسالمية‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪52‬ـ العزلة لإلمام الخطابي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الزهراء‪.‬‬
‫‪53‬ـ العقد الفريد ألبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه األندلسي‪ ،‬ط‪ .‬دار‬
‫األندلس‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪54‬ـ العوائق لمحمد أحمد الراشد‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة ـ بيروت‪.‬‬
‫‪55‬ـ عيون األخبار البن قتيبة (ت‪276‬هـ) شرح وتعليق د‪ .‬يوسف علي طويل‪،‬‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)190‬‬
‫والدكتور مفيد محمد قميحة‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪56‬ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري البن حجر‪.‬‬
‫‪57‬ـ فردوس األحجار للديلمي‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان‪.‬‬
‫‪58‬ـ فقه السيرة للغزالي بتخريج الشيخ األلباني‪ ،‬ط‪ .‬دار الريان للتراث‪ ،‬ط‪ .‬أولى‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪59‬ـ فن التعامل مع الناس للدكتور عبد اهلل الخاطر‪ ،‬دار المروءة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪60‬ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي‪ ،‬ط‪ .‬دار الحديث ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪61‬ـ كشف الخفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس‬
‫للعجلوني‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ .‬ثالثة ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪62‬ـ لباب اآلداب‪ ،‬تأليف األمير أسامة بن منقذ (‪488‬ـ ‪584‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫محمد شاكر‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب السلفية ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪63‬ـ لسان العرب البن منظور‪ ،‬ط‪ .‬دار المعارف‪.‬‬
‫‪64‬ـ مجلة البحوث اإلسالمية‪ ،‬إصدار دار األمانة العامة لهيئة كبار العلماء‬
‫بالسعودية‪ ،‬دار أولي النهى ‪.63‬‬
‫‪65‬ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين الهيثمي (ت‪807‬هـ) ط‪ .‬دار‬
‫الكتب العلمية ـ بيروت‪.‬‬
‫‪66‬ـ مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪67‬ـ المختار من رسالة الصداقة والصديق ألبي حيان التوحيدي‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫‪68‬ـ مختصر الشمائل المحمدية للترمذي‪ ،‬اختصره وحققه‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫(‪)191‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫األلباني‪ ،‬ط‪ .‬المكتبة اإلسالمية ـ عمان ـ األردن‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪69‬ـ مختصر منهاج القاصدين البن قدامة المقدسي (ت‪689‬هـ)‪ ،‬بتحقيق علي حسن‬
‫علي عبد الحميد‪ ،‬ط‪ .‬دار الفيحاء‪ ،‬دار عمار‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪70‬ـ مختصر منهاج القاصدين للمقدسي‪( ،‬باب في حقوق األخوة)‪ ،‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ .‬الرابعة‪.‬‬
‫‪71‬ـ المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد اهلل محمد بن عبد اهلل الحاكم‬
‫النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية ـ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪72‬ـ مسند أبي داود الطيالسي للحافظ سليمان بن داود عبد الجارود‪( ،‬ت‪204‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ .‬مكتبة المعارف ـ الرياض‪.‬‬
‫‪73‬ـ مسند اإلمام أحمد بن حنبل مع كنز العمال (فهرس األلباني)‪ ،‬ط‪ .‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ .‬الخامسة ‪1405‬هـ ـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪74‬ـ مشكاة المصابيح للتبريزي‪ ،‬بتحقيق األلباني‪.‬‬
‫‪75‬ـ مشكالت الدعوة والداعية لفتحي يكن‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪76‬ـ مصرع غرناطة‪ ،‬شوقي أبو خليل‪ ،‬دار الفكر بدمشق‪ ,‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪77‬ـ مناقب اإلمام أحمد بن حنبل للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد‬
‫بن الجوزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد اهلل بن عبد المحسن التركي‪ ،‬ط‪ .‬دار هجر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ .‬الثانية ‪1409‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪78‬ـ منهاج العابدين ألبي حامد الغزالي‪ ،‬ط‪ .‬مكتبة الجندي‪.‬‬
‫‪79‬ـ المنهج األحمد في تراجم أصحاب اإلمام أحمد‪ ،‬للعليمي (مجير الدين عبد‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)192‬‬
‫الرحمن ابن عبد محمد) حققه‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬ط‪ .‬مطبعة‬
‫المدني‪ ،‬ط‪ .‬أولى ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪80‬ـ الموطأ لإلمام مالك بن أنس رحمه اهلل‪ ،‬بتصحيح وترقيم وتخريج‪ :‬محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الكتب العربية ـ فيصل عيسى البابي الحلبي‪.‬‬
‫‪81‬ـ وإذا قلتم فاعدلوا (للجليل)‪.‬‬
‫‪82‬ـ واقعنا المعاصر لمحمد قطب‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫(‪)193‬‬ ‫مفسدات األخوة‬

‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪5‬‬ ‫إهداء‬
‫‪7‬‬ ‫أتدري أين سكناه‬
‫‪9‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪23‬‬ ‫مفسدات األخوة‬
‫‪25‬‬ ‫املفسدة األوىل‪ :‬الطمع يف الدنيا‬
‫‪29‬‬ ‫املفسدة الثانية‪ :‬التفريط يف الطاعات‬
‫‪39‬‬ ‫املفسدة الثالثة‪ :‬عدم التزام األدب يف احلديث‬
‫‪51‬‬ ‫املفسدة الرابعة‪ :‬برود العاطفة‬
‫‪71‬‬ ‫املفسدة اخلامسة‪ :‬النجوى‬
‫‪73‬‬ ‫املفسدة السادسة‪ :‬االعتداد بالرأي‬
‫‪79‬‬ ‫املفسدة السابعة‪ :‬كثرة املخالفات له يف األقوال واألفعال والرغبات‬
‫‪85‬‬ ‫املفسدة الثامنة‪ :‬النصح يف املأل‬
‫‪87‬‬ ‫املفسدة التاسعة‪ :‬كثرة املعاتبة وعدم التسامح‬
‫‪107‬‬ ‫املفسدة العاشرة‪ :‬اإلصغاء للنمامني واحلاسدين‬
‫‪109‬‬ ‫املفسدة احلادية عشرة‪ :‬إذاعة السر‬
‫‪111‬‬ ‫املفسدة الثانية عشرة‪ :‬اتباع الظن‬
‫‪117‬‬ ‫املفسدة الثالثة عشرة‪ :‬التدخل يف خصوصياته‬
‫‪121‬‬ ‫املفسدة الرابعة عشرة‪ :‬األنانية واالستعالء‬
‫مفسدات األخوة‬ ‫(‪)194‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪135‬‬ ‫املفسدة اخلامسة عشرة‪ :‬التحفظ والتكلف واإلثقال على الصاحب‬
‫‪145‬‬ ‫املفسدة السادسة عشرة‪ :‬التفريط يف إظهار احملبة‬
‫‪155‬‬ ‫املفسدة السابعة عشرة‪ :‬التلهي عنه بغريه وقلة الوفاء‬
‫‪159‬‬ ‫املفسدة الثامنة عشرة‪ :‬احلرص على إظهار الذات‬
‫املفسدة التاسعة عشرة‪ :‬إخالف املواعيد واالتفاقات دون عذر‬
‫‪163‬‬ ‫ضروري‬
‫‪165‬‬ ‫املفسدة العشرون‪ :‬كثرة حتديثك له مبا يغمه‬
‫‪167‬‬ ‫املفسدة احلادية والعشرون‪ :‬اإلفراط يف احملبة‬
‫‪169‬‬ ‫اخلامتة‬
‫‪185‬‬ ‫املراجع‬
‫‪193‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

You might also like