أحكام مسائل العبادات التي تكثر حاجة المسلمين إليها في الغرب

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 229

‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪2‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫صفحة اإلقرار‬

‫أقرت جامعة املدينة العاملية حبث الطالب فوزي منصور الشاوش من اآلتية أمساؤهم‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

APPROVAL PAGE

The dissertation of ABDALLAH NOUAMANE has been


: approved by the following

supervisor

Internal Examiner

External Examiner

Chairman

4
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫إعالن‬

‫أقر ب(أن ه(ذا البحث ه(و من عملي الخ(اص‪ ،‬قمُت بجمع(ه ودراس(ته‪ ،‬وق(د ع(زوت النق(ل‬
‫واالقتباس إلى مصادره‪.‬‬

‫اسم الطالب‪ :‬فوزى منصور حسن الشاوش‬

‫التوقيع‪:‬‬

‫‪2012\11\13‬‬ ‫التاريخ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

DECLARATION

I hereby declare that this dissertation is the result


of my own investigation, except where otherwise
stated.

Student’s name: fawzi el shawsh

Signature:

Date:2012\11\13

6
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫جامعة المدينة العالمية‬


‫إقرار بحقوق الطبع وإثبات مشروعية استخدام األبحاث العلمية غير‬
‫المنشورة‬
‫حقوق الطبع ‪ © 2012‬محفوظة‬
‫عبد اهلل نعمان‬
‫جهود اآللوسي رحمه اهلل في رد شبهات الشيعة من خالل تفسيره‬
‫روح المعاني‪.‬‬

‫ال جيوز إعادة إنتاج أو استخدام هذا البحث غري املنشور يف أي شكل أو صورة من دون إذن‬
‫مكتوب من الباحث إال يف احلاالت اآلتية ‪:‬‬
‫‪ .1‬ميكن االقتباس من هذا البحث بشرط العزو إليه ‪.‬‬
‫‪ .2‬حيق جلامعة املدينة العاملية مباليزيا اإلفادة من هذا البحث بشىت الوسائل وذلك ألغراض تعليمية ‪,‬‬
‫وليس ألغراض جتارية أو تسويقية‪.‬‬
‫‪ .3‬حيق ملكتبة جامعة املدينة العاملية مباليزيا استخراج نسخ من هذا البحث غري املنشور إذا طلبتها‬
‫مكتبات اجلامعات‪ ,‬ومراكز لبحوث األخرى ‪.‬‬
‫أكد هذا اإلقرار ‪ :‬عبد اهلل نعمان‬

‫‪.............‬‬ ‫‪..........‬‬
‫‪...13/11/2012................‬‬

‫‪7‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ملخص البحث‬
‫يعيش ماليني املسلمني اليوم يف ديار الغرب سواء للعمل أو للدراسة‪ ،‬أو حىت بسبب تعرض‬
‫بعضهم لالضطهاد السياسي واالجتماعي يف أوطاهنم حيث اختار الكثري منهم تلك الديار لتكون مكان‬
‫استقرار هنائي؛ فولد هبا أجيال كثرية ال تعرف بالًدا غري تلك اليت تربوا على ثراها‪ ،‬وتعلموا يف‬
‫مدارسها‪ ،‬وخترجوا من جامعاهتا‪ ،‬ومل تكتحل عيوهنم برؤية مسقط رأس اآلباء واألجداد‪ ،‬فنشأوا يف‬
‫تلك البيئة املختلفة عنهم يف الكثري من القيم‪ ،‬واملبادئ‪ ،‬واألفكار‪ ،‬وكان من الطبيعي أن تشغلهم الكثري‬
‫من القضايا األساسية السيما املتعلقة حبفظ الدين‪ ،‬وتطبيق الشعائر التعبدية‪.‬‬
‫ومن هنا جاء هذا البحث الذي يتناول أهم مسائل العبادات اليت حيتاج إىل معرفتها مسلمو‬
‫الغرب‪ ،‬وقد تطرق يف فصله األول إىل مسائل الطهارة حيث ناقش حكم الغسل ملن دخل اإلسالم‪،‬‬
‫واستعمال آنية أهل الكتاب ومالبسهم‪ ،‬واملسائل املتعلقة بالكلب‪ ،‬وحكم طهارة اخلمر‪ ،‬ودخوهلا يف‬
‫األدوية‪ ،‬والغذاء‪.‬‬
‫أما الفصل الثاين‪ ،‬فقد ناقش اضطراب بعض مواقيت الصالة يف فصل الصيف‪ ،‬ومجع الصلاتني يف‬
‫احلضر للحاجة‪ ،‬وبعض املسائل املتعلقة بصالة اجلمعة‪ ،‬كأداء اخلطبة بغري العربية‪ ،‬وأداء الصالة قبل‬
‫الزوال‪ ،‬أو تأخريها لقبيل دخول صالة العصر‪ ،‬وكذلك تعدد الصالة يف املسجد الواحد‪ ،‬وإقامة الصالة‬
‫يف القاعات العامة والكنائس‪ ،‬باإلضافة إلمامة املرأة للرجال يف الصالة‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث‪ ،‬فقد تناول بعض مسائل اجلنائز‪ ،‬كدفن امليت يف صندوق خشيب‪ ،‬وكالدفن يف‬
‫مقابر أهل الكتاب‪ ،‬واتباع جنائزهم‪ ،‬وتعزيتهم‪.‬‬
‫أما الفصل الرابع‪ ،‬فناقش بعض مسائل الزكاة والصيام ‪ ،‬وهي إعطاء الزكاة والصدقة للكتايب‪،‬‬
‫والصيام يف البالد ذات خطوط العرض العالية‪.‬‬
‫واخلالصة اليت توصل إليها الباحث يف هناية حبثه أن الوجود اإلسالمي بديار الغرب أصبح واقًعا‬
‫ال مفر من التعامل معه‪ ،‬واإلقرار به؛ وهلذا فمسلمو الغرب حباجة ملحة ملن يهتم باإلشكاليات الفقهية‬
‫اليت يواجهوهنا صباح مساء ‪ -‬السيما ما كان منها يف باب العبادات‪ -‬ويسعى للبحث عن إجابات‬
‫تراعي خصوصية واقعهم‪ ،‬وتتفهم ظروف جمتمعاهتم‪ .‬وحيسب الباحث أن ما مت طرحه يف البحث هو‬
‫حماولة يف هذا االجتاه لإلجابة عن بعض تلك املسائل‪ ،‬وبيان الراجح فيها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

ABSTRACT

Millions of Muslims today live in the west for various reasons, whether for work, study or
because of their exposure to political and social prosecution at their home countries, many of
.them have chose to call their station in the west a permanent home

Therefore, many generations of Muslims have been born without recognizing any land as home
to them other than the one in which they were brought up, went to its schools and graduated
from its universities. They have never laid sight on their original countries from where their
parents and ancestors came. Consequently, they were raised in an environment which is very
different to their values, principles and thoughts, thus making it quite natural for them to be
occupied by so many fundamental issue in life, in particular those which are concerned with
.preserving religion and the upholding of religious practices

Based upon the above, this research examines the most important issues of Ebadats (i.e.
worshiping) that Muslims in the west need to be knowledgeable of. In the first chapter it
looks into the issues of Taharah (.i.e. Purity) including the rule of Gusil (i.e. bath) for those
who have recently converted into Islam, handling of dogs, alcohol and its use in medicine and
.food, the use of cutlers, pots and clothes of Jews and Christians

Chapter two of this research looks into the confusion in prayer-time in summer and the
joining of two prayers as needed. Other related subjects in this chapter includes issues
connected to Friday prayer such as delivering the Friday speech in other than the Arabic
language, performing the prayer prior to the afternoon (i.e. time of Zawal) or delaying it to just
prior to Isar prayer. Also, the performance of more than one Friday prayer in the same mosque,
performing the prayer in public halls and churches and the leading of women in prayer in the
.presence of men

The third chapter deals with the issues of funerals including the burial of the dead in wooden
caskets, the burial in Jewish and Christian symmetries and participating in Jewish and
.Christian funerals and paying condolences to them

Finally, chapter four leads the discussion in the areas of Zakat and fasting specifically,
handing out of Zakat and Sadakat (i.e. charity) to Jews and Christians, the fasting of Muslims
.in countries with high altitude lines

This research concludes that Islamic existence in the west has become a non-avoidable fact that
needs to be dealt with and acknowledged. Therefore, Muslims in the west urgently need to be
given attention to their religious fiqh issues dilemmas which they face day and night and seek
to find answers that take into consideration their specific realties and present an understanding
to the conditions in their communities. The researcher attempts through this research to provide
.answers to some of the issues in question and to examine the most likely of these answers

9
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫شكر وتقدير‬

‫الشكر واحلمد أواًل هلل سبحانه وتعاىل الذي أمدين بعونه‪ ،‬وأعانين بفضله ومنه‪ ،‬وأسبغ علّي من‬
‫نعمه وآالئه ما يعجز لساين عن شكره حىت ولو بقيت أبد الدهر له ساجًد ا‪ ،‬وأحييت ليلي له قائًم ا‪،‬‬
‫وأظمأت هناري له صائًم ا‪ ،‬أليس هو القائل [ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ] ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫مث الشكر موصول جلامعة املدينة العاملية اليت أتاحت يل فرصة طلب العلم الشرعي‪ ،‬وقبلتين طالًبا‬
‫يف مرحلة املاجستري رغم أن شهادة البكالوريس مل تكن يف التخصص الشرعي‪ ،‬وقد كان ذلك مبثابة حتد‬
‫كبري‪ ،‬واختبار شديد‪ ،‬ولكن أمحد اهلل أن سهل يل الطريق‪ ،‬و ذلل يل املصاعب‪ ،‬فجزاهم اهلل كل خري‬
‫على ما يقومون به من تسهيل طلب العلم‪ ،‬وختفيف االعباء عن طالب العلم يف أحناء األرض‪ ،‬وأصقاع‬
‫املعمورة‪.‬‬

‫وإن نسيت‪ ،‬فال ميكن أن أنسى فضيلة الدكتور رمضان حممد عبد املعطي الذي قبل اإلشراف‬
‫على هذه الرسالة‪ ،‬وعاش معي هذه الرحلة املاتعة منذ البداية وإىل حني هناية البحث‪ ،‬ناصًح ا‪ ،‬وموجًه ا‪،‬‬
‫ومعلًم ا‪ ،‬وقد استفدُت منه الكثري‪ ،‬فجزاه اهلل عين خري اجلزاء‪ ،‬ونفع به اإلسالم واملسلمني‪.‬‬

‫وأختم بشكر كل من أسدى إّيل نصًح ا‪ ،‬أو قدم معلومة‪ ،‬أو صحح خطًأ‪ ،‬أو دعا يل بالتوفيق‬
‫والسداد‪ ،‬راجًيا من اهلل أن جيازيهم خري اجلزاء‪ ،‬و يبارك يف أوقاهتم‪ ،‬وحيسن خامتتهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬

‫‪10‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫اإلهداء‬
‫إىل والدي الكرميني ‪ -‬متعهما اهلل بالصحة والعافية‪ ،‬وأعانين على برمها‪ ،‬ورد مجيلهما‪ -‬اللذين‬
‫حتمال الكثري ألجلي‪ ،‬وذاقا مرارة حرمان رؤييت لسنني طوال بعد أن ضاقت علّي البالد مبا رحبت حىت‬
‫لكأن األرض مل أولد هبا يوًم ا‪ ،‬ومل أعرف هبا رفقاء؛ فسحتُ مهاجًر ا يف أرض اهلل الواسعة‪ ،‬وأمسى‬
‫األحبـة خلف البحار يعانون األمرين؛ جور الطغاة‪ ،‬ولوعة الفراق‪ ،‬يتجرعون الغصص واالآلم‪ ،‬ويطلقون‬
‫الزفرات واآلهات‪ ،‬ومينون أنفسهم بفرج من رب رحيم‪ ،‬ولقاء يوم قريب‪.‬‬

‫إىل زوجيت اليت ساندتين‪ ،‬ووقفت جبانيب طيلة أيام البحث ولياليه‪.‬‬

‫إىل أهلي وأحبايب يف مدينيت احلبيبة مصراتة( ) الذين سطروا بدمائهم الزكية أنصع صفحات‬
‫‪1‬‬

‫البطولة‪ ،‬وخطوا بنجيعهم الطاهر أروع سطور اجملد‪ ،‬وأثبتوا للعامل أمجع أن األمة الزالت قادرة على‬
‫إجناب الرجال‪ ،‬وصنع األجماد والبطوالت‪ ،‬وتلقني الطغاة واملعتدين دورس العزة‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والفداء‪.‬‬

‫إىل إخواين وأخوايت الذين ابتلوا باإلقامة يف ديار الغرب‪.‬‬

‫أهدي إليهم مجيًعا هذا البحث‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) تعترب مصراتة ثالث مدن ليبيا بعد العاصمة طرابلس يف الغرب‪ ،‬وبنغازي يف الشرق‪ ،‬ويتجاوز عدد سكاهنا نصف املليون نسمة‪ .‬وهي تتميز مبوقعها‬
‫اجلغرايف املهم على البحر املتوسط‪ ،‬وبثقلها االقتصادي الكبري السيما وأن أهلها حيرتفون التجارة‪ .‬وأثناء معركة حترير ليبيا من رجس الطاغية القذايف‪ ،‬أظهر‬
‫أهل مصراتة بسالة‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬وإستماتة أذهلت اجلميع حىت أصبحت مدينتهم تعرف بـ ــ"ذات الرجال" بدال من إمسها القدمي "ذات الرمال"‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫فهرس المحتويات‬
‫صفحة اإلقرار ‪3.......................................................................................................‬‬
‫ملخص البحث ‪7.....................................................................................................‬‬
‫‪9................................................................................................... ABSTRACT‬‬
‫شكر وتقدير ‪10.....................................................................................................‬‬
‫اإلهداء ‪11...........................................................................................................‬‬
‫فهرس المحتويات ‪12................................................................................................‬‬
‫مقدمة ‪18............................................................................................................‬‬
‫خطة البحث ‪27......................................................................................................‬‬
‫التمهيدي‪ ..‬وفيه مبحثان ‪31....................................................................................... :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حاجة المسلمين في ديار الغرب إلى الفقه والفقهاء ‪32................................................‬‬
‫خالصة المبحث‪37............................................................................................ :‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬أثر الدار في اختالف األحكام الفقهية ‪38..............................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح ‪42..........................................................................................‬‬
‫خالصة المبحث‪45............................................................................................ :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الطهارة‪ ..‬وفيه أربعة مباحث ‪46................................................................... .. :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حكم الغسل لمن دخل اإلسالم‪ ،‬وفيه مطلب واحد‪47..........................................:‬‬
‫توطئة‪48................................................................................................ ..‬‬
‫املطلب األول‪..‬أقوال أهل العلم يف هذه املسألة ‪48.............................................................‬‬
‫القول األول‪48..................................................................................... :‬‬
‫القول الثاني‪49...................................................................................... :‬‬
‫المناقشة والترجيح‪50............................................................................... :‬‬
‫خالصة المبحث‪50................................................................................. .‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم نجاسة أهل الكتاب‪ ،‬واستعمال آنيتهم‪ ،‬ومالبسهم‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪51...................:‬‬
‫توطئة‪52................................................................................................ ..‬‬
‫املطلب األول‪ ..‬جناستهم‪ :‬حسية أم معنوية؟ ‪52...............................................................‬‬
‫أدلة الجمهور‪52.................................................................................... :‬‬
‫أدلة الظاهرية‪54..................................................................................... :‬‬

‫‪12‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫المناقشة والترجيح‪56............................................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪ ..‬آنية أهل الكتاب ‪56.........................................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪57............................................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪ ..‬مالبس أهل الكتاب ‪57.....................................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪58............................................................................... :‬‬
‫خالصة المبحث‪59................................................................................. .‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬حكم طهارة سؤر الكلب‪..‬وفيه ثمانية مطالب‪60...............................................:‬‬
‫توطئة‪61................................................................................................ ..‬‬
‫املطلب األول‪ ..‬سؤر الكلب بني النجاسة والطهارة ‪61.........................................................‬‬
‫تعريف السؤر لغة‪61................................................................................ :‬‬
‫تعريف السؤر اصطالًح ا‪61.......................................................................... :‬‬
‫أدلة الجمهور‪63.................................................................................... :‬‬
‫أدلة المالكية‪64..................................................................................... :‬‬
‫مناقشة الجمهور ألدلة المالكية‪66................................................................... :‬‬
‫المناقشة والترجيح‪69............................................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪ ..‬هل يغسل اإلناء ثالًثا أم سبًعا أم ال حد لذلك؟ ‪70..............................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ ..‬هل يلزم إدخال الرتاب لغسل اإلناء‪72...................................................... :‬‬
‫املطلب الرابع‪..‬هل تقوم املطهرات احلديثة مقام الرتاب أم ال؟‪73................................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪..‬حكم الوضوء مبا ولغ فيه الكلب‪ ،‬أو إذا مل جيد ماء غريه‪74....................................‬‬
‫املطلب السادس‪ ..‬هل تقاس جناسة اخلنزير على جناسة الكلب ؟ ‪75.............................................‬‬
‫املطلب السابع‪ ..‬حكم بول الكلب وروثه‪76................................................................ .‬‬
‫املطلب الثامن‪ ..‬طهارة الثوب واملكان اللذين مسهما لعاب الكلب ‪77..........................................‬‬
‫خالصة المبحث‪77................................................................................. :‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حكم طهارة الخمر‪..‬وفيه ثالثة مطالب‪79...................................................... :‬‬
‫توطئة‪81................................................................................................ ..‬‬
‫املطلب األول‪ ..‬تعريف اخلمر وحكم شرهبا‪81.............................................................. :‬‬
‫تعريف الخمر لغة‪81................................................................................ :‬‬
‫تعريف الخمر شرًعا‪81.............................................................................. :‬‬
‫املطلب الثاين‪..‬هل اخلمر جنسة؟ ‪82...........................................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪89............................................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪..‬حكم املواد احملتوية على كحول‪..‬وفيه مسألتان‪90............................................:‬‬
‫المسألة األولى‪:‬حكم العطور الكحولية ‪90.............................................................‬‬

‫‪13‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪90‬‬ ‫ما هو الكحول؟‪.............................‬‬
‫استخدامات الكحول‪91 ........................:‬‬
‫حجم الكحول فيها وحكمها‪91 ................:‬‬
‫مناقشة أدلة املانعني‪94 .............................:‬‬
‫مناقشة أدلة اجمليزين‪95.............................:‬‬
‫‪95‬‬ ‫املناقشة والرتجيح‪..................................:‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬األدوية واألطعمة‪98.................................................................. :‬‬
‫‪99‬‬ ‫فائدة‪.............................................:‬‬
‫خالصة المبحث‪100................................................................................ :‬‬
‫الفصل الثاني الصالة ‪ ..‬وفيه ثالثة مباحث ‪102.................................................................. - :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اضطراب بعض مواقيت الصالة في فصل الصيف‪..‬وفيه ثالثة مطالب‪103.......................:‬‬
‫توطئة‪104.............................................................................................. ..‬‬
‫املطلب األول‪..‬مواقيت الصالة ‪104..........................................................................‬‬
‫وقت الظهر‪105.................................................................................... :‬‬
‫وقت العصر‪105.................................................................................... :‬‬
‫وقت المغرب‪106.................................................................................. :‬‬
‫وقت العشاء‪106................................................................................... :‬‬
‫وقت الفجر‪107.................................................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪..‬بيان حقيقة االضطراب‪107.................................................................. .‬‬
‫املطلب الثالث‪ ..‬أقوال أهل العلم يف هذه الواقعة ‪112..........................................................‬‬
‫الرأي األول ‪ :‬التقدير ‪112...........................................................................‬‬
‫التقدير ألقرب بلد يغيب فيه الشفق………………………………‪113…………..‬‬
‫‪114‬‬ ‫التقدير ألقرب مدينة يغيب فيها الشفق‪………..‬‬
‫تقدمي صالة العشاء قبل وقتها…………… ‪115‬‬
‫التقدير حبسب آخر فرتة يتمايز فيها الشفقان……………………………………‪117.‬‬
‫التقدير النسيب احمللي…………………‪118 ..‬‬
‫التقدير بالنظر لتقويم أم القرى ‪...............................................................‬‬
‫‪118‬‬
‫إضافة ساعة ونصف على الغروب‪ ،‬وطرح نفس الزمن من الشروق‪118 :‬‬
‫الرأي الثاني ‪:‬صالة العشاء بعد طلوع الفجر‪118..................................................... :‬‬
‫الرأي الثالث ‪:‬الجمع بين صالتي المغرب والعشاء‪119...............................................:‬‬
‫الرأي الرابع ‪:‬اعتماد المشاهدة العينية لتحديد وقتي العشاء والفجر ‪119..............................:‬‬

‫‪14‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫المناقشة والترجيح‪121............................................................................. :‬‬
‫خالصة المبحث‪124................................................................................ .‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جمع الصالتين في الحضر للحاجة‪..‬وفيه مطلب واحد‪125.....................................:‬‬
‫توطئة‪126.............................................................................................. ..‬‬
‫املطلب األول‪..‬حكم مجع الصالتني يف احلضر للحاجة ‪126....................................................‬‬
‫مناقشة المسالك الثمانية‪129........................................................................ :‬‬
‫املسلك األول‪129 .……………………:‬‬
‫املسلك الثاين ‪130 .……………………:‬‬
‫املسلك الثالث ‪131 ……………………:‬‬
‫املسلك الرابع ‪133 ..……………………:‬‬
‫املسلك اخلامس ‪135 ……………………:‬‬
‫‪136‬‬ ‫املسلك السادس ‪..…………………:‬‬
‫‪136‬‬ ‫املسلك السابع ‪……………………:‬‬
‫‪137‬‬ ‫املسلك الثامن ‪……………………:‬‬
‫المناقشة والترجيح‪137............................................................................. :‬‬
‫خالصة المبحث‪139................................................................................ .‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬صالة الجمعة‪..‬وفيه ستة مطالب‪140.......................................................... :‬‬
‫توطئة‪141.............................................................................................. ..‬‬
‫املطلب األول‪..‬اشرتاط احلاكم املسلم النعقادها ‪141..........................................................‬‬
‫أدلة الحنفية ‪142................................................................................... :‬‬
‫مناقشة الجمهور ألدلة الحنفية ‪143................................................................. :‬‬
‫المناقشة والترجيح‪144............................................................................. :‬‬
‫املطلب الثاين‪..‬أداء اخلطبة بغري العربية ‪144...................................................................‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪145..................................................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪..‬أداء الصالة قبل الزوال‪ ،‬أو تأخريها إىل قبيل دخول صالة العصر ‪..‬وفيه مسألتان‪146............:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬صالة الجمعة قبل الزوال ‪146........................................................‬‬
‫‪146‬‬ ‫أدلة اجلمهور‪....………………………:‬‬
‫أدلة احلنابلة‪146 .………………………:‬‬
‫مناقشة اجلمهور ألدلة احلنابلة‪148 .…………:‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪149 ..…………………:‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬صالة اجلمعة قبيل صالة العصر ‪150............................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪151............................................................................. :‬‬
‫املطلب الرابع‪..‬تعدد الصالة يف املسجد الواحد ‪152...........................................................‬‬

‫‪15‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫فتوى جممع فقهاء الشريعة بأمريكا………‪152 ..‬‬
‫‪153‬‬ ‫فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالسعودية‬
‫فتوى دار اإلفتاء املصرية………………… ‪153‬‬
‫فتوى الشيخ حممد بن صاحل العثيمني……………… ‪153‬‬
‫فتوى الدكتور صالح الصاوي األمني العام جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا ‪154‬‬
‫فتوى مركز الفتوى مبوقع الشبكة اإلسالمية بقطر (بإشراف الشيخ عبداهلل الفقيه املوريتاين) ‪155‬‬
‫المناقشة والترجيح‪155............................................................................. :‬‬
‫املطلب اخلامس‪ ..‬أداء الصالة يف القاعات العامة والكنائس‪..‬وفيه مسألتان‪156.................................:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬صالة الجمعة في القاعات العامة ‪156.................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪158............................................................................. :‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬صالة الجمعة في الكنائس ‪160........................................................‬‬
‫أدلة احلنابلة‪161 ………………………:‬‬
‫المناقشة والترجيح‪162............................................................................. :‬‬
‫املطلب السادس‪ ..‬إمامة املرأة للرجال ‪163...................................................................‬‬
‫خالصة املبحث‪165...................................................................................... .‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الجنائز ‪ ..‬وفيه ثالثة مطالب ‪167................................................................. - :‬‬
‫توطئة‪168.............................................................................................. ..‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬دفن امليت يف تابوت ‪168....................................................................‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪169..................................................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬الدفن يف مقابر أهل الكتاب ‪170...............................................................‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪172..................................................................................... :‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬اتباع جنائز أهل الكتاب وتعزيتهم‪..‬وفيه مسألتان‪174.........................................:‬‬
‫المسألة األولى‪..‬اتباع جنائزهم ‪174...................................................................‬‬
‫أدلة املالكية واحلنابلة‪175 ..………………:‬‬
‫أدلة احلنفية والشافعية‪175 ..………………:‬‬
‫المناقشة والترجيح‪177............................................................................. :‬‬
‫المسألة الثانية‪..‬تعزيتهم ‪177..........................................................................‬‬
‫المناقشة والترجيح‪180............................................................................. :‬‬
‫خالصة المبحث ‪181.................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الزكاة والصيام‪ ..‬وفيه مبحثان ‪183................................................................ - :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬إعطاء الزكاة‪ ،‬والصدقة ألهل الكتاب‪..‬وفيه مطلبان‪184........................................:‬‬

‫‪16‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫توطئة‪184.............................................................................................. ..‬‬
‫املطلب األول‪..‬حكم إعطائهم الزكاة ‪185....................................................................‬‬
‫املناقشة والرتجيح‪187..................................................................................... :‬‬
‫املطلب الثاين‪..‬حكم إعطائهم الصدقة ‪189...................................................................‬‬
‫خالصة املبحث‪192...................................................................................... .‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الصيام في البالد ذات الخطوط العالية‪..‬وفيه مطلب واحد‪193..................................:‬‬
‫توطئة‪194.............................................................................................. ..‬‬
‫أقوال أهل العلم يف هذه املسألة‪194........................................................................ :‬‬
‫خالصة املبحث‪197...................................................................................... :‬‬
‫الخاتمة والتوصيات ‪199.............................................................................................‬‬
‫الفهارس ‪204........................................................................................................‬‬
‫فهرس اآليات القرآنية ‪205...........................................................................................‬‬
‫فهرس األحاديث النبوية ‪212.........................................................................................‬‬
‫فهرس األثار ‪216....................................................................................................‬‬
‫فهرس األعالم المترجم لهم ‪218.....................................................................................‬‬
‫فهرس املصادر واملراجع ‪222..........................................................................................‬‬

‫‪17‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مقدمة‬
‫إنَّ احلمد اهلل‪ ،‬حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن‬
‫سيدنا حممدًا عبده ورسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تسليمًا كثريًا‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬والتابعني‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد أخرب النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن هذا الدين سوف يبلغ أطراف الأرض‪ ،‬وأصقاع‬
‫املعمورة‪ ،‬ويصل إىل ما وصل إليه الليل والنهار حىت ال يرتك بيت طوٍب أو شعٍر إال دخله‪ ،‬فقال‬
‫‪":‬ليبلغَّن هذا األمُر ‪ ،‬ما بلغ الليل والنهار‪ ،‬وال يرتك اهلل بيَت مدٍر وال وبٍر (‪ )1‬إال دخله بعز عزيٍز ‪ ،‬أو بذل‬
‫ذليٍل ‪ ،‬عزًا يعز اهلل به اإلسالم‪ ،‬وذًال يذل به الكفر"(‪.)2‬‬
‫ولعل من مظاهر حتقق هذه النبوءة يف زماننا‪ ،‬انتشار هذا الدين يف كثري من بقاع األرض حىت‬
‫وصل إىل األمريكيتني‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬وإسرتاليا‪ ،‬واعتناق الكثري من سكاهنا اإلسالم بعد أن وجدوا فيه املالذ‬
‫اآلمن من جحيم احلياة املادية اليت يعيشوهنا‪ ،‬واملعيشة الضنك اليت ابتلوا هبا‪ .‬وصاحب ذلك تزايد أعداد‬
‫املسلمني املقيمني يف تلك البلدان بشكل كبٍري حىت ُقدرت أعدادهم يف أوروبا وحدها ما بني ‪ 15‬إىل ‪23‬‬
‫مليون نسمٍة مع وجود توقعاٍت بأن يصل عدد معتنقي اإلسالم يف أوربا إىل ‪ % 20‬من إمجايل‬
‫سكاهنا(‪.)3‬‬

‫ِن‬ ‫‪1‬‬
‫ِإ‬
‫(?)جاء يف لسان العرب‪":‬الَو َبُر صوف اِإل بل واَألرانب وحنوها‪...‬ويف احلديث َأَح ُّب ّيل من َأهل الَو َبِر واَملَد ِر َأي‪َ :‬أهل البوادي واُملْد والُقرى ‪...‬واَملَد ُر‬
‫مجع َم َد َر ة وهي الِبْنَيُة"‪.‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار صادر)‪ ،‬مادة ‪":‬وبر"‪.5/271 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه اإلمام أمحد‪ ،،‬رقم احلديث ‪ .16894‬والبيهقي‪ ،‬كتاب السري‪ ،‬باب إظهار دين النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على األديان‪ ،‬رقم احلديث‬
‫‪ ،18619‬واحلاكم يف املستدرك‪ ،‬وقال‪:‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخني‪ ،‬ولم خيرجاه‪ .‬وذكره اهليثمي يف جممع الزوائد وقال‪:‬رواه أمحد‪ ،‬والطرباين‪،‬‬
‫ورجال أمحد رجال الصحيح‪ .‬انظر‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬أمحد‪ ،‬المسند‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد شاكر‪ ،‬ومحزة الزين‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار احلديث‪1416 ،‬هـ ‪1995 -‬م)‪13/ ،‬‬
‫‪ .211‬البيهقي‪ ،‬أبوبكر أمحد بن احلسني‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبدالقادر عطا‪ ،‬ط‪( ،3‬لبنان‪:‬دار الكتب العملية‪1424 ،‬هـ ‪2003 -‬م)‪9/30 ،‬‬
‫‪ .5‬اهليثمي‪ ،‬نور الدين علي بن أيب بكر‪ ،‬بغية الرائد فى تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداهلل الدرويش‪( ،‬لبنان‪:‬دار الفكر‪1414 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1994‬م)‪ . 8-6/7 ،‬احلاكم النيسابوري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل‪ ،‬المستدرك على الصحيحين‪( ،‬لبنان‪ :‬دار املعرفة)‪.430 /4 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)نشرت صحيفة تليجراف الربيطانية مقاًال بعنوان" ‪Muslim Europe: the demographic time bomb transforming our‬‬
‫‪ "continent‬أي مسلمو أوروبا ‪ :‬القنبلة الزمنية الدميوغرافية لتحويل قارتنا‪ ،‬حيث حذرت من الثكاتر العددي للمسلمني قائلة‪ :‬أن مخس سكان أوربا‬
‫سوف يكونوا مسلمني حبلول عام ‪2050‬م‪ .‬وأضافت‪ :‬أن عدد املسلمني قد تضاعف مرتني يف خالل الثالثني سنة املاضية‪ ،‬وسوف يتضاعف مرة أخرى يف‬

‫‪18‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫كثري‬
‫وغين عن البيان القول أن التزايد العددي للمسلمني يف ديار الغرب‪ ،‬قد أفرز واقعًا خمتلفًا يف ٍ‬
‫من أحواله عن باقي ديار اإلسالم‪ ،‬وأدى إىل بروز العديد من القضايا الشائكة واملسائل الفقهية اليت قَّل‬
‫أن يكون هلا نظري يف ديار املسلمني‪ ،‬واليت مل يقابلها يف اجلهة األخرى اجتهادات فقهية معاصرة ترتقي‬
‫إىل حجم معاناهتم‪ ،‬وتضع اليد على موضع الداء‪ ،‬وتصف العالج الناجع‪ ،‬والدواء الشايف‪.‬‬
‫وخالل إقاميت احلالية يف بريطانيا ألكثر من عقٍد من الزمن‪ ،‬ومعايشيت اليومية لواقع املسلمني يف‬
‫هذه الديار‪ ،‬رأيت بأم عيين مسيس احلاجة ملن يبحث عن بيان ما يواجهونه من مسائل عقدية‪ ،‬ونوازل‬
‫فقهية‪ ،‬وإشكاالت اجتماعية‪ ،‬وهلذا بادرُت عندما سنحت يل الفرصة ‪ -‬متمثلة يف تقدمي رسالة‬
‫الستكمال متطلبات احلصول على درجة املاجستري من جامعة املدينة العاملية يف ختصص الفقه‪ -‬إىل‬
‫الرتكيز على املسائل املتعلقة بأحكام العبادات اليت حيتاج إىل معرفتها كل مقيٍم ومغرتٍب هبذه الديار‪ ،‬وقد‬
‫أمسيُت البحث بـ"أحكام مسائل العبادات اليت تكثر حاجة املسلمني إليها يف ديار الغرب"‪‬سائًال اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل أن جيعله خالصًا لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن ينفع به كل من قرأه واطلع عليه‪ ،‬إنه ويل ذلك‬
‫والقادر عليه‪.‬‬
‫أسباب إختيار الموضوع‬
‫من املتفق عليه بني الباحثني أن أمهية أي حبث تقاس مبعرفة موضوعه‪ ،‬وتكمن أمهية البحث‬
‫األساسية يف أنه يعرض جملموعة من املسائل املهمة واملتعلقة بأحكام العبادات اليت يواجهها املسلمون يف‬
‫ديار الغرب‪ ،‬ويفردها بالبحث والنقاش من خالل استعراض أقوال أهل العلم وبسط أدلتهم‪ ،‬والرتجيح‬
‫بينها حسب الدليل األقوى مع بيان رأي الباحث وجهة نظره يف هذه املسائل‪.‬‬
‫ويرجع اختياري هلذا املوضوع لعدة أسباب وهي‪:‬‬

‫‪ .2015‬ومما جيدر التنويه إليه هنا أن أعداد املسلمني يف ديار الغرب هي أكرب بكثري من العدد املتداول يف وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫انظر‪ :‬صحيفة تليجراف الربيطانية " ‪ Telegraph- 08‬أغسطس ‪ 2009‬م‪.‬‬
‫‪ ‬السبب الذي جعلين أفضل استخدام تعبري (املسلمني يف ديار الغرب) بدًال من مصطلحي (األقليات) أو (اجلاليات) هو قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل‬
‫املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسالمي املنعقد يف دورته السادسة عشرة باإلمارات بتاريخ ‪ 30‬صفر ‪ 5 -‬ربيع األول ‪1426‬هـ‪ -‬املوافق ‪ 14 - 9‬إبريل‬
‫‪2005‬م حيث نص على أنه "ينبغي استبعاد تسمية الوجود خارج العامل اإلسالمي بـ (األقليات) أو (اجلاليات) ألن تلك التسميات مصطلحات قانونية ال‬
‫تعرب عن حقيقة الوجود اإلسالمي الذي يتصف بالشمولية‪ ،‬واألصالة‪ ،‬واالستقرار‪ ،‬والتعايش مع اجملتمعات األخرى‪ .‬وأن التسميات املناسبة هي مثل‬
‫(املسلمون يف الغرب)‪ ،‬أو (املسلمون خارج العامل اإلسالمي)"‪.‬انظر‪:‬موقع جممع الفقه اإلسالمي على شبكة اإلنرتنت‪:‬‬
‫‪. http://www.fiqhacademy.org.sa‬‬

‫‪19‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫األمهية الكربى اليت أوالها ديننا احلنيف للعبادات‪ ،‬واحلض على التفقه فيها‪ ،‬وتعلم أحكامها‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫ومعرفة أوقاهتا‪ ،‬وأدائها على الصورة اليت أرادها الشارع احلكيم‪.‬‬


‫‪ .2‬أن طبيعة املسائل الفقهية اليت تتناوهلا هذه الرسالة تواجه املقيم يف هذه الديار باستمرار‪،‬‬
‫وتتكرر حبسب كل قضية‪ ،‬وهو األمر الذي يؤدي أحيانًا إىل حصول اخلالفات والنزاعات بني بعض أبناء‬
‫املسلمني‪ ،‬وذلك كحكم تعدد اجلمعة يف املسجد الواحد‪ ،‬وكاجلمع بني صاليت املغرب والعشاء يف فصل‬
‫الصيف أثناء اضطراب عالمات الصالة الشرعية‪.‬‬
‫‪ .3‬تسهيل احلصول على إجابات حمددة للمسائل اليت يناقشها البحث السيما وأهنا يف جمملها‬
‫تتطلب فهمًا دقيقًا‪ ،‬وفقهًا خاصًا قد يكونان غري متوفرين ملعظم القاطنني هبذه الديار‪.‬‬
‫‪ .4‬قلة من تتبع املسائل الفقهية يف باب العبادات ملسلمي الغرب وألف فيها‪ ،‬حيث احلاجة ماسة‬
‫وكبرية لكل جهد يصب يف هذا اإلجتاه‪ ،‬ويسهم يف جالء وتوضيح ما يواجههم من قضايا فقهية‪،‬‬
‫وإشكاليات شرعية‪.‬‬
‫‪ .5‬حث أهل العلم والفقه على اإلهتمام أكثر باملسائل الفقهية للمسلمني يف ديار الغرب‪،‬‬
‫والسعي عن قرب ملعرفة أبرز القضايا امللحة اليت تتطلب جوابًا شافيًا‪ ،‬وبيانًا مفصًال‪.‬‬
‫‪ .6‬طلب األجر من اهلل سبحانه وتعاىل يف نشر العلم الشرعي‪ ،‬وإفادة عموم املسلمني اذا سهل‬
‫اهلل طبع الرسالة بعد ذلك لعلها تكون من باب العلم الذي ينفع صاحبها بعد موته‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‬
‫تعد املؤلفات املختصة ببحث مسائل املسلمني الفقهية يف ديار الغرب قليلة إذا أخذنا بعني‬
‫الاعتبار ماليني املسلمني القاطنني يف بيئات خمتلفة عنهم متامًا يف الدين‪ ،‬والعادات‪ ،‬واألعراف‪ ،‬وبالنظر‬
‫إىل ما يالقونه من مصاعب مجة‪ ،‬وما يقع عندهم من نوازل متعددة‪ .‬وهذه أهم الكتب اليت اطلعُت‬
‫عليها‪ ،‬وناقشَت اجلانب الفقهي يف باب العبادات‪ ،‬وقد رتبتها على حسب قدم الطبعات‪:‬‬
‫‪ ‬األقليات االسالمية وما يتعلق بها من أحكام في العبادات واإلمارة والجهاد‪ -‬حممد بن‬
‫درويش حممد سالمه‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪1419 ،‬هـ‪1420 -‬م‪ .‬وهذه الرسالة حوت املقدمة‬
‫والفهارس‪ ،‬وقد قسم الباحث رسالته إىل متهيد‪ ،‬وثالثة أبواب‪ ،‬حيث تناول يف الفصل األول األحكام‬
‫املتعلقة بوجود املسلمني بني غري املسلمني كالانتقال إليهم‪ ،‬واإلقامة بينهم‪ ،‬والتجنس جبنسيتهم‪ ،‬وما شابه‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أما الباب الثاين فقد ذكر بعضًا من أحكام العبادات‪ ،‬كاجلمع بني الصلوات للحاجة‪ ،‬وحكم‬
‫صالة اجلمعة‪ ،‬ودفن امليت يف التابوت ‪ ،‬وحكم نقل الزكاة إليهم‪.‬‬
‫أما الباب الثالث فجعله يف أحكام اإلمارة واجلهاد‪ ،‬وحبث فيه حكم تعيينهم أمريًا يرجعون إليه يف‬
‫أمورهم‪ ،‬وحكم مشاركتهم يف اإلنتخابات‪ ،‬والربملانات‪ ،‬والتحالف مع حزب غري مسلم ضد آخر‪،‬‬
‫وحكم اجلهاد بالنسبة هلم‪.‬‬
‫وقد حاول الكاتب أن يركز على أهم القضايا الفقهية يف أبواب العبادات‪ ،‬ويستعرض أقوال أهل‬
‫العلم حوهلا‪ ،‬إال أنه أغفل مسائل كثرية‪ ،‬كتعدد اجلمعة يف املسجد الواحد‪ ،‬واضطراب بعض أوقات‬
‫الصالة يف الصيف‪ ،‬وكحكم العطور الكحولية‪ ،‬وغري ذلك من املسائل اليت مت التطرق إليها يف هذا‬
‫البحث‪.‬‬
‫فقه األقليات المسلمة – خالد عبدالقادر‪ -‬الطبعة األوىل ‪1419‬هـ ‪1998 -‬م وهي رسالة‬ ‫‪‬‬

‫ماجستري نوقشت بكلية االوزاعي بلبنان‪ ،‬ويعترب هذا الكتاب – يف رأيي‪ -‬من أفضل الكتب وأمشلها اليت‬
‫حتدثت عن األحكام الفقهية ملسلمي الغرب بشكل عام‪ ،‬ورغم حماولة الكاتب اإلحاطة بكل املسائل‬
‫الفقهية اليت تواجه مسلمي الغرب‪ ،‬إال أنه قد فاته الكثري منها كحال سابقه‪ ،‬وُيعتذر له بأن تأليف كتابه‬
‫قد مت – كما أشار بنفسه يف املقدمة– من خالل اإللتقاء بالكثري من الشباب املسلم املثقف الذي يقيم يف‬
‫تلك البالد غري املسلمة من غربية وشرقية‪ ،‬وليس من رأى كمن مسع‪.‬‬
‫المسائل الفقهية المتعلقة بالمغتربين في صالة الجمعة والعيدين والجنائز‪ -‬د‪ .‬عبد الكرمي‬ ‫‪‬‬

‫بن يوسف اخلضر أستاذ الفقه املشارك جبامعة امللك سعود ‪ -‬كلية الرتبية – الرياض ‪ -‬جامعة أم القرى ‪:‬‬
‫جملة البحوث‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪1422 ،22‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫ومن عنوان البحث يتضح أنه ناقش املسائل اليت هلا عالقة بصلوات اجلمعة‪ ،‬والعيدين‪ ،‬واجلنائز‪،‬‬
‫وقد مجع فيه ثالث مسائل خاصة بصالة اجلمعة‪ ،‬ومسألة واحدة متعلقة بصالة العيدين‪ ،‬وثالث مسائل‬
‫نافع يف بابه‪ ،‬وإن كان يؤخذ عليه إغفاله ملسائل أخرى عديدة‬ ‫يف باب اجلنائز‪ .‬والبحث مع اختصاره‪ٌ ،‬‬
‫هلا عالقة مبوضوع البحث‪ ،‬لكن قد يعتذر له بأنه بعيد عن واقع املسلمني يف ديار الغرب‪ ،‬أو أن هذا‬
‫الذي نقل إليه من مسائل َكثَُر السؤال عنها‪.‬‬
‫في فقه األقليات المسلمة – الدكتور يوسف القرضاوي – دار الشروق – الطبعة األوىل‬ ‫‪‬‬

‫‪1422‬هـ ‪2001-‬م‪ ،‬وقد مت التعريف بالكتاب على أنه يركز على" فقه األقليات واملشكالت اليت ختتص‬

‫‪21‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫هبا األقليات املسلمة لظروفها اخلاصة هبا‪ ،‬ويقدم حلوًال هلذه املشكالت احملتلفة الدينية‪ ،‬والاجتماعية‪،‬‬
‫والاقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والسياسية يف ضوء أحكام الشريعة اإلسالمية وقواعدها‪ ،‬ويقوم بوضع تأصيل‬
‫شرعي لفقه األقليات"‪،‬مث ذكر بعض النماذج التطبيقية لبعض ملسائل الفقهية املثارة عند مسلمي الغرب‬
‫من خالل ضرب بعض األمثلة يف العقائد‪ ،‬والعبادات‪ ،‬واملعامالت‪ ،‬وفقه األسرة‪.‬‬
‫والذي يظهر من تتبع مواضيع الكتاب أن مؤلفه مل يهدف إىل بيان األحكام الفقهية وتعقبها‪،‬‬
‫وإمنا ركز على حماولة التأصيل الشرعي ملا أمساه "فقه األقليات" من خالل رد الفروع إىل أصوهلا‬
‫واجلزئيات إىل كلياهتا ‪-‬كما ذكر ‪ ،-‬و أما عن سوقه لبعض األمثلة الفقهية‪ ،‬فهو من باب ضرب املثال‬
‫ملا يريد تقعيده‪ ،‬وهلذا فإنه اقتصر على مخس مسائل فقط يف باب العبادات‪.‬‬
‫صناعة الفتوى وفقه األقليات ‪ -‬الشيخ عبداهلل بن الشيخ احملفوظ بّيه ‪ -‬الطبعة األوىل ‪-‬دار‬ ‫‪‬‬

‫املنهاج ‪1428 -‬هـ‪2007 -‬م‪ ،‬وقد قسم الكاتب كتابه إىل قسمني‪ :‬األول أمساه صناعة الفتوى حيث‬
‫تكلم عن الفتوى وأصوهلا‪ ،‬واملفىت به يف املذاهب األربعة وما يتعلق بذلك من تفاصيل‪ .‬أما القسم الثاين‪،‬‬
‫فتناول فيه فقه األقليات ومعاملها‪ ،‬والقواعد األصولية اليت حيتاجها الباحث‪ ،‬مث ضرب أمثلة متنوعة يف‬
‫أبواب الفقه العامة دون حتديد بباب معني‪.‬‬
‫والذي يقال يف هذا الكتاب هو نفس ما قيل يف سابقه – يف فقه األقليات المسلمة – متامًا حيث‬
‫أن مؤلفه ساق كتابه من ناحية تأصيلية صرفة‪ ،‬وليس لاستقراء املسائل الفقهية وحبثها‪.‬‬
‫الخالصة في فقه األقليات‪ -‬مجعه وأعده علي بن نايف الشحود – شعبان ‪1428‬هـ ‪-‬‬ ‫‪‬‬

‫‪2008‬م‪ ،‬وهو عبارة عن جمموعة من الكتب‪ ،‬واملقاالت‪ ،‬والفتاوى املختلفة املخاطب هبا املسلمني يف‬
‫ديار الغرب حيث قسمها حتت سبعة أبواب وهي ‪:‬عام‪ ،‬يف فقه االغرتاب‪ ،‬صناعة الفتوى وفقه األقليات‪،‬‬
‫فقه العبادات‪ ،‬فقه الدعوة‪ ،‬أحكام الوظائف‪ ،‬األطعمة‪ ،‬األسرة‪ .‬وهذا التلخيص فكرته قيمة‪ ،‬وفيه فوائد‬
‫نفيسة جلمعه العديد من املقاالت والفتاوى املتعلقة باملسلمني يف الغرب‪ ،‬لكنه من وجهة نظر أكادميية‬
‫صرفة ال يعد تأليفًا شخصيًا؛ لاعتماد الكاتب على نتاج اآلخرين‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فقد أعاد نشر‬
‫كتاب (صناعة الفتوى وفقه األقليات) للشيخ عبداهلل بن الشيخ احملفوظ بّيه كامًال حتت نفس عنوان‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫وهناك بعض المؤلفات التي ناقشت أحكامًا فقهية تمس المسلمين في ديار الغرب‪ ،‬لكن في‬
‫غير أبواب العبادات وال داعي لذكرها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مما سبق طرحه يتبني أن هذا البحث يأيت تكملة ملا سبق‪ ،‬ومواصلة للتأليف العلمي من أجل نشر‬
‫العلم الشرعي‪ ،‬واملسامهة يف إثراء األحكام الفقهية اخلاصة بأبواب العبادات للمسلمني يف ديار الغرب‪.‬‬
‫والذي يظهر يل أن هذا البحث سوف يتميز – إن شاء اهلل ‪ -‬عن غريه من البحوث‪ ،‬وذلك ألمور‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫األول‪:‬‬
‫أنه أفرد بعض مسائل العبادات للمسلمني يف ديار الغرب بتأليف مستقل‪ ،‬وهو األمر الذي مل أر‬
‫أحدًا من الكتاب والباحثني ‪ -‬فيما اطلعُت عليه ‪ -‬فعله باسثتناء كتاب حممد بن درويش حممد سالمة‬
‫الذي دمج املوضوع مع أحكام اإلمارة واجلهاد‪ ،‬و أغفل ذكر الكثري من مسائل العبادات‪ ،‬كما مت‬
‫اإلشارة إىل ذلك آنفًا‪.‬‬
‫الثاين‪:‬‬
‫مع كامل التقدير لكل اجلهود اليت بذلت لبيان القضايا الفقهية للمسلمني يف ديار الغرب‪ ،‬إال أنه‬
‫من الواضح أهنا قد فاهتا الكثري من املسائل اليت يعاين منها املسلمون السيما تلك اليت تندرج حتت أبواب‬
‫العبادات‪ ،‬وبالتايل أصبح من الضروري حماولة سد هذا النقص‪ ،‬وهذا الذي نرجو أن يقوم به حبثنا إن‬
‫شاء الواحد املنان‪.‬‬
‫الثالث‪:‬‬
‫أن ميزة هذا البحث األساسية أنه يناقش املسائل الفقهية يف واقعها األصلي‪ ،‬ويقدم فهمًا صحيحًا‬
‫للوقائع اليت يتناوهلا البحث‪ ،‬وهو أمر له قيمته الكبرية‪ ،‬وأمهيته املؤثرة‪ ،‬وذلك أن تصور الباحث للحادثة‬
‫بالشكل الصحيح يسهل عليه كثريًا البحث عن احلكم الشرعي املالئم هلا من خالل منهج االستدالل‬
‫والنظر‪ ،‬ويف ذلك يقول اإلمام ابن القيم( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪": -‬وال يتمكن املفيت‪ ،‬وال احلاكم من الفتوى‬
‫‪1‬‬

‫واحلكم باحلق إال بنوعني من الفهم‪:‬‬


‫أحدمها‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه‪ ،‬واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن واألمارات والعالمات‪،‬‬
‫حىت حييط به علمًا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬ابن القيم‪ ،‬أبو عبداهلل مشس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب‪ .‬ولد سنة ‪691‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 751‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الصفدي‪ ،‬صالح الدين خليل ابن‬
‫ايبك‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬حتقيق‪:‬أمحد األرناؤوط‪ ،‬وتركي مصطفى‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار إحياء الرتاث العريب‪1420 ،‬هـ‪2000-‬م)‪. 196-2/195 ،‬‬
‫وانظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬عماد الدين أيب الفداء إمساعيل ابن عمر‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداهلل بن عبداحملسن الرتكي‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪:‬دار هجر‪1417،‬هـ‪-‬‬
‫‪1997‬م)‪.524-523/ 18 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫والنوع الثاين‪ :‬فهم الواجب يف الواقع‪ ،‬وهو فهم حكم اهلل الذي حكم به يف كتابه‪ ،‬أو على‬
‫لسان رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف هذا الواقع‪ ،‬مث يطبق أحدمها على اآلخر‪ .‬فمن بذل جهده‪،‬‬
‫واستفرغ وسعه يف ذلك مل يعدم أجرين‪ ،‬أو أجرًا‪ .‬فالعامل من يتوصل مبعرفة الواقع والتفقه فيه إىل معرفة‬
‫حكم اهلل ورسوله‪...‬ومن تأمل الشريعة‪ ،‬وقضايا الصحابة وجدها طافحة هبذا‪ ،‬ومن سلك غري هذا‬
‫أضاع على الناس حقوقهم‪ ،‬ونسبه إىل الشريعة اليت بعث اهلل هبا رسوله"( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫منهج الدراسة‬
‫قبل ذكر املنهجية املتبعة إلجناز هذا البحث‪ ،‬البد من اإلشارة إىل أمور ثالثة‪:‬‬
‫األول‪:‬‬
‫أن هذه الرسالة متجهة بالدرجة األوىل إىل استقراء املسائل املتعلقة مبوضوع البحث للمسلمني‬
‫املقيمني يف بريطانيا على وجه اخلصوص‪ ،‬مع استصحاب الباحث أن ظروف باقي املسلمني بالدول‬
‫األوربية األخرى تكاد تكون هي نفسها‪ ،‬ويف بعض احلاالت قد تكون أسوا منها‪.‬‬
‫ويضاف إىل ذلك أن الباحث حاول قدر جهده الرتكيز على املسائل اليت ترتبط أكثر بواقع‬
‫املسلمني يف ديار الغرب‪ ،‬وحماولة استيعاب أكرب عدد منها‪ ،‬وقد حيدث الحقًا أن يتم إضافة أي مسألة‬
‫– أو مسائل – طاملا تندرج حتت عنوان البحث‪ ،‬ومتس حياة املسلمني يف هذه الديار‪.‬‬
‫الثاين‪:‬‬
‫أن منهج اختيار المسائل الفقهية يضبطه أمران‪:‬‬
‫أحدمها‪:‬‬
‫أن بعض املسائل املختارة يف هذا البحث نادرة الوقوع يف بالد اإلسالم‪ ،‬أو قد ال تتكرر كثريًا‪،‬‬
‫وال تأخذ شكل الظاهرة‪ ،‬بينما هي يف املقابل كثرية احلدوث يف ديار الغرب لاعتبارات خمتلفة‪ ،‬وذلك‬
‫كتعدد صالة اجلمعة يف املسجد الواحد‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ُ ،‬تصلى اجلمعة يف املسجد اجملاور لبييت مرتني‬
‫‪ -‬وأحيانًا تؤدى ثالث مرات السيما يف أيام العطل‪ ،‬أو يف أيام شهر رمضان – واألمر نفسه يتكرر منذ‬
‫سنوات يف بعض املساجد الأخرى‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)ابن القيم‪ ،‬أبو عبداهلل مشس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب‪ ،‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬حتقيق‪ :‬مشهور بن حسن آل سلمان‪( ،‬السعودية‪:‬‬
‫دار ابن اجلوزي‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م )‪.166-2/165 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫واآلخر‪:‬‬
‫أن بعض القضايا الفقهية اآلخرى ليست حمصورة بديار الغرب‪ ،‬بل هي تشمل عموم األمة‬
‫الإسالمية يف كل مكان‪ ،‬لكن أسلوب معاجلتها قد يصبح أشد تعقيدًا‪ ،‬وأصعب تعامًال يف ديار الغرب؛‬
‫حيث تتفاوت وجهات نظر املسلمني حبسب املساجد اليت يتبعوهنا‪ ،‬أو املذاهب الفقهية اليت يقلدوهنا‪ ،‬أو‬
‫البلدان اليت جاءوا منها‪ ،‬وهذا كله يقود إىل حدوث ‪ -‬وقد حدث فعًال ‪ -‬خالفات وانشقاقات بني‬
‫مسلمي هذه الديار‪ ،‬وانفصام أواصر الوحدة واحملبة بينهم‪.‬‬
‫الثالث‪:‬‬
‫أن إغفال ذكر مسائل احلج يف هذه الرسالة يرجع لكون مسائله ال متثل أي إشكالية ملسلمي‬
‫الغرب؛ فشعائر احلج ومسائله الفقهية تؤدى بالكامل بعيًد ا عن ديار الغرب بآالف الكيلومرتات‪.‬‬
‫وأما عن تفاصيل المنهجية المتبعة إلنجاز هذا البحث‪ ،‬فيمكن تلخيصها في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬قمُت جبمع املسائل املتعلقة بأبواب العبادات‪ ،‬وذلك من خالل املتابعة الشخصية‪ ،‬أو بسؤال‬
‫ومراسلة بعض اإلخوة املقيمني يف هذه الديار‪.‬‬
‫‪ .2‬رتبُت مجيع املسائل على األبواب الفقهية‪ ،‬ودجمُت مبحثي الصيام مع الزكاة يف فصل واحد‬
‫نظًر ا لقصرمها‪.‬‬
‫‪ .3‬قمُت بعمل توطئة يف بداية كل مبحث ألجل بيان الدافع ‪ -‬أو الدوافع ‪ -‬ملناقشة املسألة حمل‬
‫البحث‪ ،‬وبيان عالقتها مبسلمي الغرب‪.‬‬
‫‪ .4‬ذكرُت أقوال أهل العلم املعتربين يف املسألة املطروحة للبحث مع بيان أدلتهم‪ ،‬والرتجيح‬
‫وحرصت ‪ -‬كلما كان ذلك ممكًنا ‪ -‬على الرجوع إىل أمهات الكتب الفقهية من أجل توثيق‬ ‫ُ‬ ‫بينها‪،‬‬
‫نسبة األقوال إىل أصحاهبا‪.‬‬
‫‪ .5‬فضلُت الرجوع إىل فتاوى وقرارات هيئات اإلفتاء‪ ،‬واجملامع الفقهية املعاصرة‪ ،‬كلما كان‬
‫ذلك ممكًنا؛ وذلك ملا تتسم به تلك القرارات والفتاوى الصادرة عنها من ثقل لكوهنا متثل إجتهاًدا مجاعًيا‬
‫للفقهاء املنضوين حتتها‪ ،‬ولطبيعة مباحث الرسالة اليت اقتضت مين ذلك‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ .6‬إن كان يف املسألة إمجاع أثبته من خالل الرجوع إىل الكتب اليت ينقل أصحاهبا اإلمجاع‪،‬‬
‫وذلك ككتاب اإلمجاع البن املنذر( )‪ ،‬ومراتب اإلمجاع البن حزم( )‪ ،‬واإلقناع يف مسائل اإلمجاع البن‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫القطان( )‪ ،‬واجملموع للنووي( )‪ ،‬واملغين البن قدامة(‪.)5‬‬


‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ .7‬ترمجُت لألعالم الذين جاء ذكرهم يف الرسالة‪ ،‬ومل استثن إال الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم‬
‫‪ -‬لشهرهتم‪ ،‬واملعاصرين من أهل العلم إن ذكر واحٌد منهم‪.‬‬
‫‪ .8‬خرجُت األحاديث وعزوهتا إىل مصادرها األصلية‪ ،‬مع بيان درجتها‪ ،‬واقتصرت على العزو‬
‫فقط إىل البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬أو أحدمها يف حال ورود احلديث يف الصحيحني‪ ،‬أو أحدمها‪ ،‬وذلك جملاوزة‬
‫احلديث القنطرة على وجه العموم‪.‬‬
‫‪ .9‬فسرُت غريب األلفاظ – إن وجدت‪ -‬وذلك بالرجوع إىل مصادر اللغة‪.‬‬
‫‪ .10‬رقمُت اآليات‪ ،‬وبينت سورها مبا يوافق رواية حفص عن عاصم‪.‬‬
‫وضعُت ملخصًا للرسالة لبيان ما تضمنته من نتائج‪.‬‬ ‫‪.11‬‬

‫وضعت يف آخر الرسالة مجلة من الفهارس املعروفة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫‪.12‬‬

‫‪ ‬فهرس اآليات القرآنية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن املنذر‪ ،‬أبو بكر حممد بن إبراهيم بن املنذر النيسابوري‪ .‬ولد سنة ‪ 242‬ه‪ ،‬وتويف سنة ‪ 319‬هـ‪.‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مشس الدين حممد بن أمحد بن‬
‫عثمان‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط و حممد العرقسوسي‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1402،‬هـ‪1982-‬م)‪ .14/490 ،‬الزركلي‪ ،‬خري‬
‫الدين بن حممود بن حممد‪ ،‬األعالم‪ ،‬ط‪( ،15‬لبنان‪:‬دار العلم للماليني‪ 2002 ،‬م)‪. 5/294 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد‪ .‬ولد سنة ‪ 384‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 456‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس مشس الدين أمحد بن حممد بن‬
‫أيب بكر‪ ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪( ،‬لبنان‪:‬دار صادر)‪ .3/325 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/535 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.4/254‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن القطان‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد بن عبد امللك بن حيىي بن إبراهيم احلمريي املغريب‪ .‬ولد سنة ‪ 562‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 628‬هـ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .22/306 ،‬ابن العماد‪ ،‬شهاب الدين أيب الفالح عبداحلي بن أمحد‪ ،‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالقادر‬
‫وحممد األرناؤوط‪ ،‬ط‪( ،1‬سوريا‪-‬لبنان‪ :‬دار ابن كثري‪1406 ،‬هـ‪1986-‬م)‪.7/625 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬النووي‪ ،‬أبو زكريا حمي الدين حيىي بن شرف بن مري بن حسن‪ .‬ولد سنة ‪631‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 676‬هـ‪.‬انظر‪ :‬السبكي‪ ،‬تاج الدين أيب نصر‬
‫عبدالوهاب بن علي‪ ،‬طبقات الشافعية الكبرى‪ ،‬حتقيق‪:‬حممود حممد الطناجي وعبدالفتاح حممد احللو‪( ،‬دار إحياء الكتب العربية‪1383 ،‬هـ‪1964-‬م)‪،‬‬
‫‪ .8/395‬ابن كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬مرجع سابق‪.17/539 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬موفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن حممد‪ .‬ولد سنة ‪ 541‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 620‬هـ‪.‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .22/165 ،‬ابن العماد‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .7/155 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.4/67 ،‬‬

‫‪26‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فهرس األحاديث النبوية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فهرس اآلثار‬ ‫‪‬‬

‫فهرس األعالم املرتجم هلم‬ ‫‪‬‬

‫فهرس املصادر‪ ،‬واملراجع‬ ‫‪‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫خطة البحث‬
‫قسمُت البحث إىل مقدمة‪ ،‬ومتهيدي‪ ،‬وأربعة فصول‪ ،‬وخامتة‪ .‬وتشتمل املقدمة على‪:‬‬
‫التعريف بالبحث‪ ،‬وأسباب اختيار املوضوع‪ ،‬والدراسات السابقة‪ ،‬ومنهج الدراسة‪.‬‬
‫التمهيدي ‪ :‬وفيه مبحثان‬
‫املبحث األول‪ :‬حاجة املسلمني يف ديار الغرب إىل الفقه والفقهاء‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أثر الدار يف اختالف األحكام الفقهية‬
‫الفصل األول ‪ :‬الطهارة‪ ..‬وفيه أربعة مباحث‬
‫املبحث األول‪ :‬حكم الغسل ملن دخل اإلسالم‪..‬وفيه مطلب واحد‬
‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول‪..‬أقوال أهل العلم يف هذه املسألة‬


‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬حكم جناسة أهل الكتاب( )‪ ،‬واستعمال آنيتهم‪ ،‬ومالبسهم‪...‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول‪ ..‬جناستهم‪ :‬حسية أم معنوية؟‬


‫املطلب الثاين‪ ..‬آنية أهل الكتاب‬
‫‪1‬‬
‫(?) من املعروف أن ديار الغرب تدين بالنصرانية‪ ،‬وهو الغالب عليها رغم إرتداد الكثريين عنها‪ ،‬ووجود ديانات أخرى‪ ،‬وقد رأيت استخدام اصطالح‬
‫أهل الكتاب لإلشارة ملن يدين بالنصرانية‪ ،‬واليهودية رغم قلة تواجدهم مقارنة بالنصارى‪ .‬وال يعين هذا أن أصحاب الديانات األخرى ‪ -‬كالبودية مثال‪-‬‬
‫ختتلف أحكامهم يف املسائل املطروحة يف هذا البحث عن أحكام أهل أهل الكتاب إال إذا مت التنصيص على خالف ذلك‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املطلب الثالث‪ ..‬مالبس أهل الكتاب‬


‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪:‬حكم طهارة سؤر الكلب‪..‬وفيه مثانية مطالب‪:‬‬
‫توطئة‪..‬‬
‫املطلب األول‪..‬سؤر الكلب بني النجاسة والطهارة‬
‫املطلب الثاين‪..‬هل يغسل اإلناء ثالًثا‪ ،‬أم سبًعا‪ ،‬أم ال حد لذلك؟‬
‫املطلب الثالث‪ ..‬هل يلزم ادخال الرتاب لغسل اإلناء؟‬
‫املطلب الرابع‪..‬هل تقوم املطهرات احلديثة كاألشنان (األمحاض)‪ ،‬والصابون مقام الرتاب أم ال؟‬
‫املطلب اخلامس‪..‬حكم الوضوء مبا ولغ فيه الكلب‪ ،‬أو إذا مل جيد ماء غريه‬
‫املطلب السادس‪..‬هل تقاس جناسة اخلنزير على جناسة الكلب ؟‬
‫املطلب السابع‪ ..‬حكم بول الكلب وروثه‪.‬‬
‫املطلب الثامن‪ ..‬طهارة الثوب واملكان اللذين مسهما لعاب الكلب‬
‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬حكم طهارة اخلمر‪ ..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول‪ ..‬تعريف اخلمر وحكم شرهبا‬


‫املطلب الثاين‪..‬هل اخلمر جنسة؟‬
‫املطلب الثالث‪..‬حكم املواد احملتوية على كحول‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬حكم العطور الكحولية‬
‫املسألة الثانية‪ :‬حكم األدوية واألطعمة‬
‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬الصالة وفيه ثالثة مباحث‬

‫‪28‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املبحث األول‪ :‬اضطراب بعض مواقيت الصالة يف فصل الصيف‪ ..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬
‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مواقيت الصالة‬

‫املطلب الثاين‪ ..‬بيان حقيقة االضطراب‬


‫املطلب الثالث‪ :‬أقوال أهل العلم يف هذه الواقعة‬
‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مجع الصالتني يف احلضر للحاجة‪..‬وفيه مطلب واحد‪:‬‬
‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬حكم مجع الصالتني يف احلضر للحاجة‬


‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬صالة اجلمعة‪ ...‬وفيه ستة مطالب‪:‬‬
‫توطئة‪..‬‬

‫املطلب األول‪ :‬اشرتاط احلاكم املسلم إلنعقادها‬


‫املطلب الثاين‪ :‬أداء اخلطبة بغري العربية‬
‫املطلب الثالث‪ :‬أداء الصالة قبل الزوال‪ ،‬أو تأخريها لقبيل دخول صالة العصر‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تعدد الصالة يف املسجد الواحد‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬أداء الصالة يف القاعات العامة والكنائس‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أداء الصالة يف القاعات العامة‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أداء الصالة يف الكنائس‪.‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬إمامة املرأة للرجال‬
‫خالصة املبحث‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬الجنائز‪..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‬
‫املطلب األول ‪ :‬دفن امليت يف صندوق خشيب‬
‫املطلب الثاين ‪ :‬الدفن يف مقابر أهل الكتاب‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬اتباع جنائز أهل الكتاب‪ ،‬وتعزيتهم‪.‬‬
‫خالصة املبحث‬
‫الفصل الرابع‪ :‬الزكاة والصيام‪..‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬إعطاء الزكاة والصدقة ألهل الكتاب‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬الصيام يف البالد ذات خطوط العرض العالية‬
‫خالصة املبحث‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫أهم النتائج والتوصيات اليت توصلت إليها الدراسة‪.‬‬

‫التمهيدي‪ ..‬وفيه مبحثان ‪- :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حاجة المسلمين في ديار الغرب إلى الفقه والفقهاء‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أثر الدار في اختالف األحكام الشرعية‬ ‫‪‬‬

‫‪30‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث األول‪ :‬حاجة المسلمين في ديار الغرب إلى الفقه والفقهاء‬


‫ال خيفى على أحد أن شرعنا احلنيف حث على طلب العلم‪ ،‬والتفقه يف الدين‪ ،‬بل جعله واجبًا‬
‫شرعيًا‪ ،‬وأمرًا مطلوبًا حىت يعرف العباد ما افرتضه اهلل عليهم من أوامر وطاعات‪ ،‬وجيتنبوا ما هناهم اهلل‬
‫عنه من نواٍه ومعاص‪.‬‬
‫واآليات القرآنية‪ ،‬واألحاديث النبوية طافحة يف بيان شرف العلم‪ ،‬ومنزلة أهله‪ ،‬وعلو مكانتهم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فمن القرآن الكرمي‪ ،‬قوله تعاىل‪[:‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ]‬
‫قال احلافظ ابن حجر( )‪ -‬رمحه اهلل ‪ ":-‬قيل يف تفسريها( ) ‪ :‬يرفع اهلل املؤمن العامل على املؤمن‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫غري العامل‪ ،‬ورفعة الدرجات تدل على الفضل؛ إذ املراد به كثرة الثواب وهبا ترتفع الدرجات‪ ،‬ورفعتها‬
‫تشمل املعنوية يف الدنيا بعلو املنزلة وحسن الصيت‪ ،‬واحلسية يف اآلخرة بعلو املنزلة يف اجلنة"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويقول اهلل سبحانه وتعاىل‪ [ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ]( ) ويقول عز من قائل‪[:‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬


‫‪5‬‬

‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ]( ) ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫يقول ابن القيم ‪ ":‬واستشهد اهلل عز وجل بأهل العلم على أجل مشهود به وهو التوحيد‪،‬‬
‫وقرن شهادته وشهادة مالئكته‪ ،‬ويف ضمن ذلك تعديلهم؛ فإن اهلل سبحانه وتعاىل ال يستشهد‬
‫مبجروح"( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬اآلية‪.11:‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل أمحد بن علي بن حممد بن حممد‪ .‬ولد سنة ‪773‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪852‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪. 9/395 ،‬‬
‫الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/178 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قال عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف تفسري هذه اآلية‪ ":‬أّيها الناس‪ ،‬افهموا هذه اآلية‪ ،‬وِلَتَر ّغبكم يف العلم‪ ،‬فإن اهلل سبحانه يقول‪ :‬يرفع اهلل‬
‫املؤمن العامل فوق الذي ال يعلم درجات"‪.‬انظر‪ :‬ابن اجلوزي‪ ،‬أبوالفرج عبد الرمحن بن علي‪ ،‬زاد المسير في علم التفسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬حممد زهري الشاويش‪،‬‬
‫وشعيب وعبدالقادر األرناؤوط‪ ،‬ط‪( ،3‬لبنان‪-‬سوريا‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ 1404 ،‬هـ ‪1984 -‬م )‪.8/194 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن حجر‪ ،‬أمحد بن علي بن حممد بن حممد‪ ،‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالعزيز بن باز‪( ،‬لبنان‪ :‬دار املعرفة)‪.1/141 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة فاطر‪ ،‬اآلية‪. 28 :‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن القيم‪ ،‬أبو عبداهلل مشس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب‪ ،‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان ‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1424 ،‬هـ‪2004 -‬م )‪.2/347 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وقال جل يف عاله ‪ [:‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ]( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫يقول القرطيب( ) – رمحه اهلل ‪ -‬عند هذه اآلية‪ ":‬هذه اآلية أصل يف وجوب طلب العلم؛ ألن‬ ‫‪2‬‬

‫املعىن‪ :‬وما كان املؤمنون لينفروا كافة والنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مقيم ال ينفر‪ ،‬فيرتكوه وحده‬
‫بعدما علموا أن النفري ال يسع مجيعهم[ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ] وتبقى بقيتها مع النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا؛ فإذا رجع النافرون إليهم أخربوهم مبا مسعوا وعلموه‪ .‬وىف هذا إجياب‬
‫التفقه يف الكتاب والسنة‪ ،‬وأنه على الكفاية دون األعيان"( ) ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأما من السنة املطهرة‪ ،‬فعن معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬مسعُت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬يقول ‪ ":‬من يرد اهلل به خريًا يفقهه يف الدين "( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫قال ابن حجر يف شرحه هلذا احلديث‪ ":‬ومفهوم احلديث أن من مل يتفقه يف الدين ‪ -‬أي يتعلم‬
‫فقيها وال‬
‫قواعد اإلسالم وما يتصل هبا من الفروع‪ -‬فقد ُحِرمَ اخلري‪...‬من مل يعرف أمور دينه ال يكون ً‬
‫طالب فقه‪ ،‬فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به اخلري‪ ،‬ويف ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس‪،‬‬
‫ولفضل التفقه يف الدين على سائر العلوم"( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -‬وأيًض ا عن أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪":-‬‬
‫طريقا إىل اجلنة"( )‪.‬‬
‫علما‪ ،‬سهل اهلل له ً‬
‫‪6‬‬
‫طريقا يلتمس فيه ً‬
‫ومن سلك ً‬
‫‪ -‬وأيًض ا عن أيب هريرة‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪ ":‬إذا‬
‫مات اإلنسان انقطع عنه عمله إال من ثالثة ‪ :‬إال من صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صاحل يدعو‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.122 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)هو‪ :‬القرطيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر األنصاري‪ .‬تويف مبصر سنة ‪671‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/584 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ . 5/322 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .5/322 ،‬كحالة‪ ،‬عمر رضا‪ ،‬معجم المؤلفين‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م)‪.3/52 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)القرطيب‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر األنصاري‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل بن‬
‫عبداحملسن الرتكي‪ ،‬وحممد رضوان عرقسوسي‪ ،‬وماهر حبوش‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1427 ،‬هـ ‪2006 -‬م)‪.429-10/428 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إمساعيل بن إبراهيم بن املغرية‪ ،‬الجامع الصحيح المسند من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬املكتبة السلفية‪1400 ،‬هـ‪1980 -‬م) ‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من يرد اهلل به خًريا يفقهه يف الدين‪ ،1/42 ،‬رقم‬
‫احلديث‪.71‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/165 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)مسلم‪ ،‬أبو احلسني بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪( ،‬مصر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية)‪ ،‬كتاب الذكر‬
‫والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪ ،4/2074 ،‬رقم احلديث ‪.2699‬‬

‫‪32‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫له"( )‪ ،‬قال النووي يف شرحه للحديث السابق"وفيه‪...‬بيان فضيلة العلم‪ ،‬واحلث على االستكثار منه‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والرتغيب يف توريثه بالتعليم‪ ،‬والتصنيف‪ ،‬واإليضاح‪ ،‬وأنه ينبغي أن خيتار من العلوم األنفع فاألنفع"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والريب أن حاجة الناس إىل معرفة أحكام الدين‪ ،‬وفهم مقاصد الشرع أشد من حاجتهم‬
‫لألكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والتنفس‪ ،‬وذلك ‪-‬كما يقول ابن القيم ‪ "-‬ألن غاية ما يقدر يف عدم التنفس‪،‬‬
‫والطعام‪ ،‬والشراب‪ ،‬موت البدن وتعطل الروح عنه‪ ،‬وأما ما يقدر عند عدم الشريعة؛ ففساد الروح‬
‫والقلب مجلة‪ ،‬وهالك األبدان‪ ،‬وشتان بني هذا وهالك البدن باملوت‪ ،‬فليس الناس قط إىل شيء أحوج‬
‫منهم إىل معرفة ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬والقيام به‪ ،‬والدعوة إليه‪ ،‬والصرب عليه‪،‬‬
‫وجهاد من خرج عنه حىت يرجع إليه"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وتصبح هذه احلاجة أكثر إحلاحًا‪ ،‬وأشد أمهية عندما تتعلق حبال ماليني املسلمني الذين يعيشون‬
‫بعيدًا عن ديار اإلسالم حيث يعانون األمرين للحفاظ على هويتهم اإلسالمية رغم التحديات الكبرية‪،‬‬
‫واملصاعب اخلطرية اليت يواجهوهنا‪ ،‬وهي يف اجلملة ترتكز حول خطر فقدان اهلوية اإلسالمية‪ ،‬واالندماج‬
‫الكامل يف احلياة الغربية‪ ،‬والتفكك األسري‪ ،‬واالعتداءات العنصرية اليت ازدادت بشكل ملحوظ السيما‬
‫بعد أحداث احلادي عشر من سبتمرب ‪2001‬م‪ ،‬واخلوف من اإلسالم كدين‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫بــ(الإسالموفوبيا) "‪ ،"Islamophobie‬وقضايا حماربة احلجاب والنقاب( )‪ ،‬واالحنالل األخالقي‪ ،‬وتعليم‬
‫‪4‬‬

‫الناشئة ما خيالف دين اإلسالم وعقيدته‪ ،‬والقوانني االستثنائية اليت صدرت حتت ما يعرف بـ"مكافحة‬
‫اإلرهاب"‪ ،‬والتأثري السليب لوسائل اإلعالم‪ ،‬وحتيزها ضد قضايا اإلسالم واملسلمني‪ ،‬باإلضافة إىل املسائل‬
‫الفقهية املتعلقة باملأكل‪ ،‬واملشرب‪ ،‬وامللبس‪ ،‬واملسكن‪.‬‬
‫والبد من اإلشارة هنا إىل مسألة غاية يف األمهية قد تغيب عن الكثريين عند احلديث عن أحوال‬
‫املسلمني يف ديار الغرب أال وهي أن الوجود اإلسالمي يف أوربا ليس وجودًا عارضًا‪ ،‬وال شيئًا طارئًا؛‬

‫‪1‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الوصية‪ ،‬باب ما يلحق اإلنسان من الثواب بعد وفاته‪ ،3/1255 ،‬رقم احلديث‪.1631‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬أبو زكريا حمي الدين حيىي بن شرف بن مري بن حسن‪ ،‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬ط‪( ،2‬السعودية‪ :‬مؤسسة قرطبة‪1414 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1994‬م)‪. 11/123 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن القيم‪ ،‬أبو عبداهلل مشس الدين حممد بن أيب بكر بن أيوب‪ ،‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ ،‬حتقيق‪:‬علي بن حسن احلليب‪،‬‬
‫ط‪( ،1‬السعودية ‪ :‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع‪1416 ،‬هـ‪1996 -‬م )‪.319-2/318 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) طالبت نائبة رئيس الربملان األورويب‪ ،‬سيلفانا كوش موهرين بضرورة تعميم قانون حظر النقاب يف األماكن العامة بكافة الدول األوروبية‪ ،‬معتربة أن‬
‫انتهاكا حلقوق املرأة‪ ،‬وهو مبثابة سجن متنقل يروج ملبادئ ال تتوافق مع القيم األوروبية!!!‪ .‬انظر‪ :‬جريدة الشرق األوسط‪ 20 ،‬مجـادى الأولـى‬
‫ً‬ ‫النقاب يعد‬
‫‪ 1431‬هـ ‪ 4 -‬مايو ‪ 2010‬م‪ ،‬العدد ‪.11480‬‬

‫‪33‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وإمنا تعود جذوره إىل ماض قدمي‪ ،‬وعهد طويل‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإّن بداية استيطان املسلمني يف‬
‫بريطانيا ترجع إىل ما قبل أكثر من ثالمثائة سنة‪ ،‬وذلك عندما وصلت أول جمموعة من البحارة من‬
‫مسلمي اهلند للعمل يف املوانئ البحرية الربيطانية( )‪ ،‬وبدأت بعدها أعداد املسلمني يف التوافد‪ ،‬ومن مث‬
‫‪1‬‬

‫التكاثر واالزدياد حىت أهنم أصبحوا جزءًا من نسيج اجملتمع الربيطاين‪ ،‬ويكفي للتدليل على ذلك أنه وفقًا‬
‫لإلحصاء الذي مت يف ‪1422‬هـ ‪2001 -‬م ُقّد ر عدد املسلمني يف بريطانيا حبواىل ‪ 1.6‬مليون مسلم( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫نصفهم من مواليد بريطانيا( ) ‪ .‬ومن هنا بدأ نشأ ما يعرف بـ"فقه األقليات"( )‪ ،‬حيث جتاوز الوجود‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫اإلسالمي يف أوروبا – بعيدًا عن صواب ذلك من خطئه – الرؤية الفقهية املعروفة بتحرمي اإلقامة بني‬
‫ظهراين غري املسلمني إال ملصلحة راجحة‪ ،‬وأصبح يعامل يف جممله تلك الديار على أهنا موطنه األول‬
‫السيما ملن ولد هبا‪ ،‬وترعرع فيها‪ ،‬وأصبح ال يعرف بلدًا أخرى سواها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬املسلمون يف بريطانيا عرب القرون‪ ،‬موقع وزارة اخلارجية الربيطانية على شبكة اإلنرتنت‪http://www.fco.gov.uk :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)نشرت صحيفة التاميز الربيطانية تقريرًا بعنوان " ‪ "Muslim population rising 10 times faster than rest of society‬أي أن النمو‬
‫السكاين للمسلمني أسرع عشر مرات عن باقي مكونات اجملمتع الربيطاين‪ ،‬سواء كانوا نصارى‪ ،‬أو يهودًا‪ ،‬أو غريهم من العرقيات والطوائف‪ .‬وذكرت‬
‫الصحيفة أن أعداد املسلمني قد ارتفعت خالل أربع سنوات من نصف مليون إىل مليونني وأربعمائة ألف نسمة‪.‬لكن تبقى تلك األعداد املعلن عنها غري‬
‫دقيقة يف حصر أعداد املسلمني بالكامل‪ ،‬خصوصًا وأن هناك من هو مستوطن‪ ،‬ويعيش لسنوات طوال بشكل غري قانوين‪ .‬انظر‪ The Times - 30 :‬يناير‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) نشر مكتب اإلحصاء الوطين الربيطاين " ‪ "Office for National Statistics‬بتاريخ ‪ 8‬سبتمرب ‪2009‬م تقريرًا عن أكثر أمساء املواليد الذكور‬
‫اليت اختارها الناس يف عام ‪ 2008‬م حيث جاء اسم حممد – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف املرتبة الثالثة على مستوى مدينة لندن اليت يزيد عدد سكاهنا عن‬
‫مثانية ماليني نسمة‪.‬انظر‪.http://www.statistics.gov.uk :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ينبغي لمن يريد استخدام مصطلح (فقه األقليات) أن حيدد مقصوده‪ ،‬ويبني مراده منه‪ ،‬ولعل أفضل من قرأت له تفصيًال يف هذا الباب‪ ،‬الدكتور صالح‬
‫الصاوي األمني العام جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا حيث قال‪":‬وعلى هذا فإن تعبري فقه األقليات ‪ -‬وهو من االصطالحات احلادثة ‪ -‬تعبري جممل ‪:‬‬
‫صَد به االجتهاد يف استنباط األحكام الشرعية لنوازل األقليات اإلسالمية من خالل القواعد الشرعية املقررة يف باب االجتهاد‪ ،‬وتفعيل األصول‬
‫‪ -‬فإن ُق ِ‬
‫االجتهادية اليت تتعلق باألحوال االستثنائية كقاعدة املصاحل‪ ،‬واملآالت‪ ،‬والضرورات وحنوه‪ ،‬واعتبار خصوصية هذه األقليات من حيث االغرتاب وااللتزام‬
‫القانوين بأنظمة اجملتمعات اليت يعيشون فيها‪ ،‬والتطلع إىل تبليغ الدعوة ألهلها‪ ،‬فإن ذلك حق ُيعان عليه من دعا إليه‪ ،‬ويستنفر من تأهل لذلك من أهل العلم‬
‫للقيام به‪.‬‬
‫صَد به تتبع الزالت‪ ،‬وتلمس شواذ األقوال‪ ،‬والتلفيق بني آراء اجملتهدين‪ ،‬بدعوى التجديد وحتقيق املصاحل فإن هذا مسلك وخيم العواقب‪ ،‬يفضي‬ ‫‪ -‬أما إن ُق ِ‬
‫يف هناية املطاف إىل فصل هذه األقليات عن جذور أمتها يف الشرق‪ ،‬وتأسيس فقه حمدث لنوازهلا‪ ،‬وأصول بدعية لالجتهاد فيها‪ ،‬وينبغي التحذير منه وبيان‬
‫سوء مغبته‪ ،‬وبذل النصيحة الالزمة ألصحابه"‪ .‬الصاوي‪ ،‬صالح ‪ ،‬الدورة التدريبية األوىل جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا حول نوازل األسرة املسلمة يف اجملتمع‬
‫األمريكي‪ 26 – 28( ،‬صفر‪ 1425 -‬هـ املوافق ‪ 18 –16‬أبريل ‪ 2004‬م)‪ ،‬موقع اجملمع على شبكة اإلنرتنت‪:‬‬
‫‪.http://www.amjaonline.com‬‬

‫‪34‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وال ريب أن تلك األعداد اهلائلة( ) من املسلمني ‪ -‬اليت استوطنت ديار الغرب بشكل مل يسبق‬
‫‪1‬‬

‫إليه مثيل‪ ،‬وتوزعت على مساحات جغرافية مرتامية األطراف‪ ،‬وغدا حضورها الفتًا داخل اجملتمع الغريب‬
‫‪ -‬هلي بأمس احلاجة أكثر من أي وقت مضى إىل أهل العلم والدعاة ليعلموهم أمور دينهم‪ ،‬ويبصروهم‬
‫باملخاطر اليت يواجهوهنا صباح مساء‪ ،‬واليت لعل من أخطرها الدعوات الصادرة من هنا وهناك بضرورة‬
‫اندماج املسلم الكامل يف اجملتمع الغريب‪ ،‬وانسالخه من تعاليم دينه‪ ،‬وعدم متيزه عنه خبلفيته اإلسالمية‪.‬‬
‫ورغم وجود مئات املساجد‪ ،‬واملراكز اإلسالمية( ) إال أهنا تبقى عاجزة عن القيام بالدور املطلوب‬
‫‪2‬‬

‫منها‪ ،‬والواجبات املنوطة هبا‪ ،‬وذلك راجع إلسباب كثرية لعل من أمهها الكثافة العددية الضخمة‬
‫للمسلمني املستوطنني لتلك البلدان‪ ،‬وختلف الكثري من تلك املساجد‪ ،‬واملراكز اإلسالمية عن أداء‬
‫الواجبات امللقاة عليها‪ ،‬واكتفاءها مبمارسة وأداء شعائراإلسالم الريئسية كالصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬وما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬والتأثري اخلطري للبيئة الغربية على أبناء املسلمني وبناهتم‪ ،‬باإلضافة إىل شح الدعاة‪ ،‬وأهل العلم‪.‬‬
‫ومن نافلة القول أن واقع املسلمني املقيمني يف بيئة ال حتتكم إىل شريعة الواحد املنان‪ ،‬وهتيمن‬
‫عليها قوانني أرضية‪ ،‬وتشريعات بشرية تتعارض يف كثري منها مع دين اإلسالم‪ ،‬يتطلب من املفتني وأهل‬
‫العلم أن يكونوا على معرفة دقيقة بأحوال املسئول عنهم حىت تكون فتاويهم مناسبة لواقعهم‪ ،‬وأذكر أنين‬
‫ملا حججُت يف عام ‪1429‬هـ ‪ ،‬والتقيُت بعض أهل العلم‪ ،‬دار نقاش موسع حول حال املسلمني يف ديار‬
‫الغرب‪ ،‬فذكرُت هلم أن احلاجة ماسة للعلماء والدعاة ممن يعيش معهم‪ ،‬ويعرف ظروفهم وأحواهلم‪،‬‬
‫وضربت هلم مثًال بقيادة املرأة للسيارة حيث قلت ‪ :‬أنكم تفتون باحلرمة العتبارات تروهنا‪ ،‬لكن لو قرر‬
‫أحدكم اجملئ إىل ديار الغرب‪ ،‬واالستقرار فيها لتغريت فتواه على األقل إىل اإلباحة – ولن أقول‬
‫الوجوب‪ -‬نظرًا لالختالف الكامل يف تصور املسألة‪ ،‬حيث تعاين املرأة املسلمة – السيما إذا كانت‬
‫منقبة – عند استخدامها للمواصالت العامة من السخرية‪ ،‬واالستهزاء‪ ،‬ورمبا لإليذاء كما حصل يف‬

‫‪1‬‬
‫(?)توقعت دراسة حبثية ُقدمت من خالل ندوة "املسلمون يف املستقبل" اليت عقدت بـ(أبوظيب) بتاريخ ‪ 15‬رجب ‪1432‬هـ املوافق ‪ 16‬مايو ‪2011‬م أن‬
‫يتزايد أعداد املسلمني يف األمريكتني بنسبة ‪ %4.1‬سنويًا‪ ،‬وأن يصبح ‪ %8‬من سكان أوروبا مسلمني حبلول عام ‪2030‬م‪ .‬وتوصلت الدراسة إىل أن عدد‬
‫املسلمني يف العامل يبلغ ‪ 1.6‬مليار نسمة‪ ،‬وتوقعت أن ينمو عددهم إىل ‪ 2.2‬مليار‪ ،‬وأثبتت أن أكرب أعداد للمسلمني موجودة يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫تليها كندا‪ .‬انظر‪ :‬صحيفة الشرق األوسط‪ 15 ،‬رجـب ‪ 1432‬هـ ‪ 16‬يونيو ‪ 2011‬م‪ -‬العدد ‪.11888‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)على سبيل املثال يوفر موقع سالمة " ‪ "Salaam.co.uk‬معلومات حول ‪ 1456‬مسجدًا ومركزًا إسالميًا يف بريطانيا‪ ،‬وهذا بالطبع ال يعين أنه حيصر‬
‫كل املساجد؛ الن بعضها ُش يد حديثًا‪ ،‬أو أن املعلومات حوهلا غري متوفرة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫بعض احلاالت‪ ،‬هذا خبالف أن غالب أوالد العائالت املسلمة يف مرحلة الدراسة‪ ،‬وحيتاجون ملن يوصلهم‬
‫إىل مدارسهم‪ ،‬وجتد املرأة نفسها مضطرة يف كثري من األحيان لتعلم قيادة السيارة حىت تقوم بتوصيل‬
‫أوالدها؛ النشغال الزوج بعمل‪ ،‬أو لغري ذلك من األسباب‪.‬وليس املراد هنا حبث قيادة املرأة للسيارة‬
‫شرعيًا‪ ،‬وال دعوة نساء املسلمني يف ديار الغرب إىل قيادة السيارة‪ ،‬لكن املقصود هو بيان تأثري اختالف‬
‫الفتوى باختالف الزمان واملكان‪،‬كما أشار إىل ذلك أهل العلم( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫خالصة القول أن املسلمني يف ديار الغرب – السيما األجيال اليت ولدت ونشأت فيها ‪ -‬حباجة‬
‫شديدة للعلم والعلماء‪ ،‬وللتفقه يف الدين‪ ،‬لتوضيح ما يشكل عليهم من مسائل‪ ،‬ولبيان احلكم الشرعي‬
‫فيما جيد عندهم من قضايا ونوازل‪ ،‬حىت ال جترفهم أمواج احلياة العاتية‪ ،‬وتستهويهم فنت الدنيا الزائلة‪،‬‬
‫وتنقطع صلتهم بأمتهم اإلسالمية‪ ،‬ودينهم احلنيف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)انظر مثاًل ‪ :‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب العاملني‪ ،‬مرجع سابق‪. 4/337 ،‬‬

‫‪36‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث الثاني‪:‬أثر الدار في اختالف األحكام الفقهية‬


‫ينبغي التذكري هنا أن هذا املبحث ليس لنقاش أحكام الدار‪ ،‬وال للتعمق يف معرفة آراء الفقهاء‬
‫وأهل العلم حول أنواع الدور وضوابطها‪ ،‬وإمنا اهلدف هو البحث عن تأثري الدار يف وجود احلكم‬
‫الفقهي‪ ،‬و بعبارة أخرى‪ :‬هل املسلم مطالب جبميع التكاليف الشرعية بغض النظر عن نوعية الدار اليت‬
‫يقيم فيها‪ ،‬أم أن للدار تأثريًا حبيث تسقط بعض األحكام إذا حتول من دار اإلسالم إىل دار غري املسلمني‬
‫بنوعيها احلرب والعهد؟‪.‬‬
‫الذي عليه إمجاع أهل العلم قاطبة أن املسلم املقيم بدار اإلسالم مطالب جبميع الواجبات‪ ،‬مؤاخذ‬
‫باقرتافه احملرمات‪ ،‬ما مل مينع من ذلك مانع من موانع التكليف املعروفة كاجلنون‪ ،‬أو اإلكراه‪ ،‬أو اجلهل‪.‬‬
‫أما من كان خارج دار اإلسالم‪ ،‬ومقيمًا بدار الكفر‪ ،‬أو احلرب‪ ،‬فقد اختلف العلماء يف حقه على‬
‫قولني‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫وهو مذهب اجلمهور من املالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬بأنه ال تأثري للدار على تغيري األحكام‬
‫الفقهية‪ ،‬فما كان حرامًا يف دار اإلسالم فهو حراٌم يف دار الكفر أو احلرب‪ ،‬وما كان حالًال يف دار‬
‫اإلسالم فهو حالٌل يف دار الكفر أو احلرب‪ .‬وكذلك احلال يف سائر األحكام التكليفية األخرى من‬
‫وجوب‪ ،‬وإباحة‪ ،‬وكراهة‪.‬‬
‫وقد سئل اإلمام مالك( )– رمحه اهلل ‪ -‬عن جتار من املسلمني دخلوا أرض احلرب بأمان‪ ،‬فسرق‬ ‫‪1‬‬

‫بعضهم من بعض‪ ،‬مث شهدوا على السارق بالسرقة حني خرجوا إىل دار اإلسالم‪ ،‬أيقام احلد على‬
‫السارق أم ال؟ فكان جوابه ‪ :‬أن "اجليش إذا كانوا يف أرض احلرب‪ :‬إنه يقام على السارق احلد‪ ،‬فكذلك‬
‫هؤالء الذين دخلوا بأمان‪ ،‬وألن مالًك ا ال يلتفت إىل اختالف الدارين"(‪.)2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬األصبحي‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر‪ .‬ولد سنة ‪ 93‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪179‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/48 ،‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.4/135 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)األصبحي‪ ،‬مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر‪ ،‬المدونة الكبرى‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ ‪ 1994 -‬م)‪. 4/546 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وقال احلافظ ابن عبد الرب( ) – رمحه اهلل ‪":-‬ال فرق بني الدارين ال يف الكتاب‪ ،‬وال يف السنة‪ ،‬وال‬
‫‪1‬‬

‫يف القياس‪ ،‬وإمنا املراعاة يف ذلك الدينان‪ ،‬فباختالفهما يقع احلكم وباجتماعهما‪ ،‬ال بالدار"(‪.)2‬‬
‫وقال اإلمام الشافعي( ) – رمحه اهلل ‪ ":-‬وال فرق بني دار احلرب‪ ،‬ودار اإلسالم فيما أوجب اهلل‬ ‫‪3‬‬

‫على خلقه من احلدود؛ ألن اهلل عز وجل يقول [ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ]( )‪ ،‬وقال‪[:‬ﭛ‬


‫‪4‬‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ]( )‪ ،‬وسن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على الزاين الثيب الرجم‪ ،‬وحد اهلل‬ ‫‪5‬‬

‫القاذف مثانني جلدة‪،‬مل يستثن من كان يف بالد اإلسالم‪ ،‬وال بالد الكفر‪ ،‬ومل يضع عن أهله شيئًا من‬
‫فرائضه‪ ،‬ومل يبح هلم شيئًا مما حرم عليهم ببالد الكفر‪ .‬وال هو إال ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة‪،‬‬
‫وهو مما يعقله املسلمون‪ ،‬وجيتمعون عليه أن احلالل يف دار اإلسالم حالل يف بالد الكفر‪ ،‬واحلرام يف بالد‬
‫اإلسالم حرام يف بالد الكفر "(‪.)6‬‬
‫وجاء يف كشاف القناع عن منت اإلقناع عند احلديث عن توارث أهل امللل‪( ":‬ويرث ذمي‬
‫مستأمًنا وعكسه)‪ ،‬أي يرث املستأمَن الذمي(بشرطه) وهو احتاد امللة‪ ،‬فاختالف الدارين ليس مبانع؛ ألن‬
‫العمومات من النصوص تقتضي توريثهم‪ ،‬ومل يرد بتخصيصهم نص‪ ،‬وال إمجاع‪ ،‬وال يصح فيهم قياس‪،‬‬
‫فيجب العمل بعمومها"(‪.)7‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫ذهب احلنفية إىل أن اختالف الدارين مؤثر يف األحكام الفقهية‪ ،‬لكن ليس ذلك على اإلطالق‪،‬‬
‫ويعللون اختيارهم بالقول " أن كل حكم ال يفتقر إىل قضاء القاضي‪ ،‬فدار اإلسالم ودار احلرب يف حق‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬ابن عبد الرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد النمري‪ .‬تويف سنة ‪463‬هـ ‪.‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .18/153 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .269-5/266‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/207 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق ‪.20/414 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)هو‪ :‬الشافعي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد‪ .‬ولد سنة ‪150‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪204‬هـ‪ .‬ابن خلكان‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .4/163 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪.10/5 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.38:‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.2:‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)الشافعي‪ ،‬حممد بن إدريس‪ ،‬األم‪ ،‬حتقيق‪:‬رفعت فوزي عبداملطلب‪ ،‬ط‪ ( ،1‬مصر‪:‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪1422 ،‬هـ‪2001 -‬م)‪.9/237 ،‬‬
‫وانظر كذلك‪:‬اجلديع ‪ ،‬عبداهلل بن يوسف‪ ،‬تقسيم المعمورة في الفقه االسالمي وأثره في الواقع‪( ،‬إيرلندا ‪ :‬اجمللس األوريب لإلفتاء والبحوث‪1428 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2007‬م )‪ ،‬صـ ‪.89‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)البهويت‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس‪ ،‬كشاف القناع عن متن اإلقناع‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد أمني الضناوي‪ ،‬ط‪( ،1‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪1417 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1997‬م)‪.3/650 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ذلك احلكم على السواء‪ ،‬وكل حكم يفتقر إىل قضاء القاضي‪ ،‬ال يثبت هذا احلكم يف حق من كان من‬
‫املسلمني يف دار احلرب ملباشرة سبب ذلك احلكم يف دار احلرب‪ .‬نظري األول‪ :‬جواز البيع والشراء‪،‬‬
‫وصحة االستيالد( )‪ ،‬ونفاذ العتق‪ ،‬ووجوب الصوم‪ ،‬والصالة‪ ،‬فإن هذه األحكام كلها من أحكام‬ ‫‪1‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬وجتري على من كان يف دار احلرب من املسلمني‪ .‬ونظري الثاين‪ :‬الزنا؛ فإن املسلم إذا زىن يف‬
‫()‬
‫دار احلرب‪ ،‬مث صار يف دار اإلسالم‪ ،‬ال يقام عليه احلد "‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد رتب احلنفية على اختالف الدارين مجلة من األحكام‪ ،‬ذكر بعضها اإلمام الكاساين( ) –‬
‫‪3‬‬

‫رمحه اهلل ‪ -‬يف كتابه بدائع الصنائع( )‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬


‫‪4‬‬

‫‪ .1‬سقوط احلدود بأرض احلرب‪.‬‬


‫‪ .2‬العاقلة ال تتحمل دية القتل اخلطأ‪ ،‬أو العمد‪.‬‬
‫‪ .3‬ال قصاص على من قتل مسلمًا بدار احلرب‪.‬‬
‫‪ .4‬التفريق بني الزوجني الختالف الدار( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ .5‬ال قضاء للصالة على من أسلم بدار احلرب‪ ،‬مث هاجر إىل دار اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .6‬سقوط املداينة بدار احلرب‪.‬‬
‫‪ .7‬إذن السلطان إلقامة اجلمعة ( )‪:‬‬
‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)االستيالد عرفه احلنفية بأنه‪ :‬تصيري اجلارية أم ولد‪ ،‬فيقال‪ :‬فالن استولد جاريته إن صريها أم ولده‪ .‬انظر‪ :‬الكاساين‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود‪،‬‬
‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‪ ،‬ط ‪( ،2‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م)‪ .4/123 ،‬ابن عابدين‪ ،‬حممد أمني‪ ،‬رد المحتار على الدر‬
‫المختار شرح تنوير االبصار‪( ،‬السعودية‪ :‬دار عامل الكتب للطباعة والنشر واإلعالم‪1423 ،‬هـ‪2003-‬م)‪.5/452 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الشيخ نظام ومجاعة من علماء اهلند‪ ،‬الفتاوى الهندية في مذهب اإلمام األعظم أبي حنيفة النعمان‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداللطيف حسن عبدالرمحن‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1421،‬هـ‪2000-‬م)‪.5/242 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)هو‪ :‬الكاساين‪ ،‬عالء الدين أبو بكر بن مسعود بن أمحد‪ .‬تويف سنة ‪ 587‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬أبو الوفاء القرشي‪ ،‬حمي الدين أيب حممد عبدالقادر بن حممد بن نصر‬
‫اهلل‪ ،‬الجواهر المضية في طبقات الحنفية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالفتاح حممد احللو‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪ :‬هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪1413 ،‬هـ‪1993-‬م)‪،‬‬
‫‪ .28-4/25‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/70 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.132-7/131 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)وقد أفاض ابن القيم يف بيان أن اختالف الدارين ال يوقع الفرقة‪ ،‬وإمنا التأثري الختالف الدين‪ .‬انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬أبو عبداهلل مشس الدين حممد بن أيب بكر‬
‫بن أيوب‪ ،‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬حتقيق‪ :‬يوسف بن أمحد البكري‪ ،‬وشاكر بن توفيق العاروري‪ ،‬ط‪( ،1‬الدمام‪ :‬رمادي للنشر‪1418 ،‬هـ‪1997-‬م)‪،‬‬
‫‪.738-2/722‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)سيأيت تفصيل القول يف هذه املسألة عند احلديث عن اشرتاط اإلمام لصالة اجلمعة يف املبحث الثالث بالفصل الثاين صـ‪.135‬‬

‫‪39‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وقد خالف احلنفية اجلمهوَر يف هذه املسألة‪ ،‬فقالوا‪ :‬باشرتاط إذن اإلمام لصحة صالة اجلمعة‪،‬‬
‫وعدم جواز إقامتها دونه‪ ،‬أو دون حضرة نائبه ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ .8‬جواز الربا يف ديار احلرب‪ :‬وهذه املسألة تعد من أشهر األمثلة اليت توردها كتب احلنفية‬
‫على تأثري الدار‪ ،‬ومن أبرز ما استدلوا به على اجلواز‪ ،‬مرسل مكحول( )" – رمحه اهلل ‪ -‬ال ربا بني املسلم‬
‫‪2‬‬

‫واحلريب يف دار احلرب "( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وقد رد اجلمهور استدالل احلنفية مبرسل مكحول بإنه ضعيف ال حجة فيه‪ ،‬وأن حرمة الربا‬
‫ثابتة ال تتغري بتغري الدار‪ ،‬وال بتبدل األحوال؛ وذلك لعموم األدلة العامة القاضية بتحرمي الربا دون تقييده‬
‫بأي قيد‪ ،‬ولكون املسلم خماطًبا بفروع الشريعة حيثما ذهب‪ ،‬وأينما حل( )‪ .‬ومن يتأمل أدلة الطرفني‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫يظهر له جلًيا رجحان قول اجلمهور؛ وذلك لنصاعة حجتهم‪ ،‬وقوة أدلتهم‪ ،‬وسالمتها من املعارضة‪،‬‬
‫وضعف ما استدل به احلنفية ‪.‬‬
‫والذي يعرف ديار الغرب عن كثب‪ ،‬ويعيش فيها فرتة من الزمن‪ ،‬يدرك أن الربا مستشر بشكل‬
‫مذهٍل يف مجيع مناحي احلياة حىت أنه يدخل يف جل األمور وصغريها‪ ،‬وهو ما جعل كثريًا من املسلمني‬
‫يتعاملون به سواء بسبب تتبع بعض الفتاوى الشاذة واألقوال الضعيفة‪ ،‬أو بتغليبهم األهواء‪ ،‬وحظوظ‬
‫األنفس‪.‬‬
‫والعجيب أن من يستدل بفتوى أيب حنيفة( ) يغفل عن الشروط الثالثة اليت بىن عليها أبوحنيفة‬
‫‪5‬‬

‫مذهبه جلواز الربا يف ديار احلرب وهي ‪ :‬أن يكون العقد يف أرضهم‪ ،‬وأن تكون دارهم "دار حرب"‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/261 ،‬السرخسي‪ ،‬مشس الدين‪ ،‬المبسوط‪( ،‬لبنان‪:‬دار املعرفة)‪.2/25 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)هو‪ :‬مكحول بن أىب مسلم شهراب بن شاذل‪ .‬تويف سنة ‪112‬هـ‪ ،‬وقيل غري هذا‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .5/155 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .2/66‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.7/284 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)قال الزيلعي ‪":‬غريب‪ ،‬وأسند البيهقي يف املعرفة يف كتاب السري عن الشافعي‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو يوسف‪ :‬إمنا قال أبو حنيفة هذا ألن بعض املشيخة حدثنا‬
‫عن مكحول عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪" :‬ال ربا بني أهل احلرب" ‪ ،‬أظنه قال‪" :‬وأهل اإلسالم" ‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬وهذا ليس بثابت‪ ،‬وال‬
‫حجة فيه"‪ .‬انظر‪ :‬الزيلعي‪ ،‬مجال الدين أبو حممد عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ ،‬نصب الراية ألحاديث الهداية مع حاشيته بغية األلمعي في تخريج الزيلعي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬حممد عوامة‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان ‪ :‬مؤسسة الريان للطباعة والنشر‪-‬السعودية‪ :‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية‪1418 ،‬هـ‪1997-‬م)‪.4/44 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬أبو زكريا حيىي بن شرف‪ ،‬المجموع شرح المهذب‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد جنيب املطيعي‪( ،‬السعودية‪ :‬مكتبة اإلرشاد ‪1400 ،‬هـ ‪1997‬م)‪،‬‬
‫‪ .9/488‬وانظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬أبو حممد عبداهلل بن أمحد بن حممد‪ ،‬المغني‪( ،‬السعودية ‪ :‬مكتبة السعودية احلديثة‪1400 ،‬هـ‪1980 -‬م)‪.46-4/45 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫وطى التيمي الكويف‪ ،‬ولد سنة ‪80‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 150‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .405 /5 ،‬الذهيب‪،‬‬
‫(?)هو‪ :‬أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن ُز َ‬
‫مرجع سابق‪ .6/390 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.8/36 ،‬‬

‫‪40‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وأن يكون املسلم هو اآلخذ للربا ال املعطي( )‪ .‬واحلال اليوم أن املسلم هو الذي يدفع الربا‪ ،‬وليس هو‬
‫‪1‬‬

‫الذي يأخذه‪ ،‬وهذا خالف ما اشرتطه أبوحنيفة رمحه اهلل( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫المناقشة والترجيح‬
‫ظهر يل أن القول بتأثري الدار متحقق والبد‪ ،‬وأنه ليس قول احلنفية وحدهم‪ ،‬بل هو مشرتك بني‬
‫عامة أهل العلم‪ ،‬ويظهر ذلك جليًا من خالل عرض بعض األمثلة‪:‬‬
‫وجوب الهجرة إلى دار اإلسالم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫اهلجرة هي‪ :‬اخلروج من دار احلرب إىل دار اإلسالم( )‪.‬وهي واجبة على من خاف على نفسه‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫ومل يستطع إظهار دينه( )‪ ،‬وأداء ما افرتاضه اهلل عليه من فرائض وواجبات‪ .‬فمن كان مقيًم ا بدار غري‬ ‫‪4‬‬

‫املسلمني‪ ،‬وال ميكنه اظهار دينه‪ ،‬ويقدر على اهلجرة ‪ ،‬فهذا تتعني عليه اهلجرة لقوله تعاىل‪[:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ]( )‪ ،‬وهذا الوعيد‬
‫‪5‬‬

‫الشديد على ترك اهلجرة يدل على وجوهبا‪ ،‬وألن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه‪ ،‬واهلجرة‬
‫من ضرورة الواجب وتتمته‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫حكم من ُيعثر عليه ميتًا دون أن ُيْع رف أمسلم هو أم ال ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يقول ابن قدامة املقدسي‪":‬وإن وجد ميت‪ ،‬فلم يعلم أمسلم هو أم كافر‪ ،‬نظر إىل العالمات من‬
‫صلي عليه‪ .‬وإن‬
‫سل ُو ّ‬
‫اخلتان‪ ،‬والثياب‪ ،‬واخلضاب‪ ،‬فإن مل يكن عليه عالمة‪ ،‬وكان يف دار اإلسالم‪ ،‬غُ ّ‬
‫‪1‬‬
‫(?) السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.14/56 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)لعل من أفضل ما اطلعت عليه يف نقض استدالل البعض بقول أيب حنيفة‪ ،‬ما خطه الدكتور صالح الصاوي يف كتابه "وقفات هادئة مع فتوى إباحة‬
‫القروض الربوية لتمويل شراء املساكن يف اجملتمعات الغربية "‪ ،‬وكذلك الفتوى الصادرة عن موقع الشيخ حممد املنجد ‪ -‬اإلسالم سؤال وجواب ‪-‬حيث‬
‫أفاضت يف ذكر أدلة األحناف والرد عليها‪ ،‬وبيان خطأ هذا القول‪ ،‬ومعارضته لألدلة العامة والصرحية بتحرمي الربا يف كل مكان‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن العريب‪ ،‬أبوبكر حممد بن عبداهلل‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬ط‪( ،3‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪2003 ،‬هـ ‪1424 -‬م)‪.1/611،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ينبغي االنتباه إىل أن مسألة إظهار شعائر الدين يف بلدان الغرب يف واقعنا املعاصر حتتاج إىل تأمل دقيق‪ ،‬واطالع عميق على واقع املسلمني فيها؛ وذلك‬
‫بسبب ما تنص عليه دساتري تلك الدول بشكل عام من حرية املعتقد لكل من يقطن فيها‪ ،‬وهلذا فقد جتد املسلم يف بعض تلك الدول ميارس شعائر دينه‬
‫بشكل أفضل بكثري من حال بعض بالد اإلسالم اليت حُي ارب فيها اهلل ورسوله‪ُ ،‬و حيقق فيها مع من يصلي الفجر مجاعة‪ ،‬وُيضيق فيها على من تلتزم بلبس‬
‫احلجاب الشرعي‪ ،‬وُيدعى فيها صراحة إىل االختالط‪ ،‬وإتيان الفواحش‪ ،‬واقرتاف املوبقات‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فرغم إقاميت لسنوات طويلة يف هذه البالد –‬
‫بريطانيا – فلم حيدث على االطالق أن تعرضت إّيل أي جهة حكومية باالعرتاض‪ ،‬أو املنع‪ ،‬أو التضييق أثناء ممارسة شعائر اإلسالم من صالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من النشاطات املختلفة اليت ختص املسلمني‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.97 :‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.8/457 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫كان يف دار الكفر‪ ،‬مل يغسل ومل يصل عليه‪ ،‬نص عليه أمحد( )؛ ألن األصل أن من كان يف دار‪ ،‬فهو من‬
‫‪1‬‬

‫أهلها‪ ،‬يثبت له حكمهم ما مل يقم على خالفه دليل( )"‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫ويتضح جلًيا مدى تأثري نوعية الدار يف حتديد انتماء امليت إما إىل أهل اإلسالم أو غريهم‪ ،‬فإن‬
‫وجد يف ديار مسلمني أخذ حكم الدار‪ ،‬وعومل معاملة املسلمني‪ ،‬والعكس بالعكس‪.‬‬
‫سفر المرأة لغير الفرض بدون محرم‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫مجاهري أهل العلم ال جييزون للمرأة أن تسافر إال مع زوج أو حمرم‪ ،‬لكن لو كانت يف غري ديار‬
‫اإلسالم جاز هلا اهلجرة بدون حمرم‪ .‬وقد نقل النووي اتفاق العلماء" على أن عليها أن هتاجر منها إىل‬
‫دار اإلسالم‪ ،‬وإن مل يكن معها حمرم"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫واألمثلة سالفة الذكر – وغريها كثري مما أعرضُت عنه خشية اإلطالة‪ -‬تبني أن أهل العلم يف‬
‫اجلملة يثبتون اختالف األحكام تبًعا الختالف الدار‪ ،‬وإن كان احلنفية هم األبرز يف تبين هذا القول‪،‬‬
‫واألكثر حتمًس ا له ودفاًعا عنه‪ .‬وال ريب أن هناك فرقا كبًريا وبوًنا شاسًعا بني بالد هتيمن عليها شريعة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وينعم فيها املسلمون بالعيش اآلمن يف ظالل وحّي الكتاب والسنة‪ ،‬وبني بالد ينعدم فيها‬
‫سلطان اإلسالم‪ ،‬وتغيب عنها أحكام الشريعة‪ ،‬وحتكم بقوانني أرضية مصادمة يف كثٍري منها لشريعة رب‬
‫األرض والسماء‪.‬‬
‫ومما جيب التنبيه عليه‪ ،‬أن إثبات تأثري االختالف بني الدارين‪ ،‬ال يعين إسقاط التكاليف‬
‫الشرعية‪ ،‬وال الفرائض الدينية؛ وإمنا هو إعمال لألصول الشرعية‪ ،‬والقواعد الفقهية اليت تراعي حال‬
‫املكلف الذي يعيش بعيًد ا عن ديار اإلسالم‪ ،‬وما يرتتب على بقائه يف بيئة غري إسالمية من قضايا خمتلفة‪،‬‬
‫وإشكاليات متنوعة‪ ،‬وكل ذلك يتطلب فقًه ا واجتهاًدا دون التفريط يف أصول الشريعة وحمكماهتا‪ ،‬ودون‬
‫أن يهمل ظروف املكلف وأحواله‪ ،‬وال ما قد يصيبه من ضرر أو مفسدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬أبو عبداهلل أمحد بن حممد الشيباين‪ .‬ولد سنة ‪164‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 241‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .400 /2 ،‬الذهيب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .11/177 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.3/185 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.537 /2 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪. 9/148 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وال ريب أن الشريعة – كما يقول ابن القيم ‪" -‬مبناها على حتصيل املصاحل حبسب اإلمكان‪،‬‬
‫وأن ال يفّو ت منها شيء‪ ،‬فإن أمكن حتصيلها كلها ُح ّص لت‪ ،‬وإن تزامحت ومل ميكن حتصيل بعضها إال‬
‫بتفويت البعض‪ُ ،‬قّد م أكملها وأمهها وأشدها طلبًا للشارع"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد متهد يف حمكمات األدلة وقواطع الشريعة‪ ،‬أن تطبيق األوامر الشرعية منوط بالقدرة‪ ،‬لقوله‬
‫تعاىل‪ [ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ]( )‪ ،‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":‬فإذا هنيتكم عن شئ فاجتنبوه‪ ،‬وإذا أمرتكم بشئ‬ ‫‪2‬‬

‫فأتوا منه ما استطعتم"( )‪ .‬واالستطاعة يف غري ديار اإلسالم ليست قطًعا هي نفسها اليت يف ديار اإلسالم‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫بل إهنا تتفاوت تفاوًتا كبًريا حبسب حالة كل مكلف‪ ،‬والبيئة اليت يعيش فيها‪.‬‬

‫والشك أن الوجود اإلسالمي يف أوروبا اليوم هو حالة غري مسبوقة يف تارخينا اإلسالمي‪ ،‬ونازلة مل‬
‫خيطر على بال فقهائنا املتقدمني حدوثها‪ ،‬أو حىت تصورها‪ ،‬فهذا ابن قدامة‪ -‬على سبيل املثال ‪-‬‬
‫ينصح التجار املسلمني وحنوهم ممن يدخلون بأمان غري ديار اإلسالم بعدم "التزوج؛ ألنه ال يأمن أن‬
‫تأيت امرأته بولد‪ ،‬فيستويل عليه الكفار‪ ،‬ورمبا نشأ بينهم فيصري على دينهم"( )‪ .‬وما قاله ابن قدامة –‬
‫‪4‬‬

‫رمحه اهلل – يشري إىل حالة أفراد من التجار وحنوهم يذهبون إىل غري ديار اإلسالم للتجارة ال‬
‫لإلقامة فيها‪ ،‬ويبدو أن هذه أقصى صورة متصورة يف واقعهم وقتئذ‪..‬فكيف لو رأى اليوم ماليني‬
‫املسلمني املقيمني يف ديار الغرب؟‪.‬‬
‫واحلق أين ال أعلم تارخيًيا أن ماليني املسلمني من قبل قد استوطنوا تلك الديار مبثل هذه األعداد‬
‫املهولة اليت نراها يف واقعنا املعاصر حبيث أصبحوا يشكلون ثقاًل كبًريا يصعب جتاوزه‪ ،‬وقضية رأي‬
‫عام يف تلك الدول اليت يقيمون هبا بسبب التخوف الكبري من تغيريهم للرتكيبة السكانية‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬فيتعني أخذ هذا الواقع الطارئ بعني االعتبار عند احلديث عن األحكام‬
‫املتعلقة هبم‪ ،‬والنظر يف مآالت األمور ومقاصدها‪ ،‬مع التشديد على أن األصل هو أن أحكام الكتاب‬
‫والسنة متعلقة باملكلف أينما وجد إال إذا وجد الدليل الذي ينقل عن هذا األصل‪ ،‬بينما يعترب رأي‬
‫‪1‬‬
‫(?) ابن القيم‪ ،‬مفتاح دار السعادة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/356 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)سورة التغابن‪ ،‬جزء من اآلية ‪.16 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اإلعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب يكره من كثرة السؤال وتكلف ما ال يعنيه‪ ، 4/361 ،‬رقم احلديث ‪ .7288‬صحيح مسلم‪،‬‬
‫كتاب الفضائل‪ ،‬باب توقريه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وترك إكثار سؤاله عما ال ضرورة إليه أو ال يتعلق به تكليف‪ ،‬وما ال يقع‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،4/1830 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪.1337‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪. 8/455 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫اجلمهور أقوى دليًال‪ ،‬وأسلم حجة‪ ،‬توسع احلنفية يف استثناء بعض األحكام مما قد جير إىل مفاسد كثرية‬
‫السيما إذا استصحبنا الوجود اإلسالمي املتنامي يف ديار الغرب – هذا على القول أهنم يعيشون يف ديار‬
‫حرب وليست كفر – وال خيفى عظم املفاسد الناجتة عن القول بعدم إيفاء الدين‪ ،‬وجواز الربا وغري‬
‫ذلك من املسائل اليت رتبها احلنفية على اختالف الدار مما قد يؤدي إىل إسقاط قيمة احلكم الشرعي‪،‬‬
‫وضياع حقوق الناس‪ ،‬وتشجيع الدمهاء والعوام على اقرتاف تلك احملرمات‪.‬‬
‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫مجاهري أهل العلم – خالًفا للحنفية – يرون أنه ال تأثري للدار على تغري األحكام الشرعية‪ ،‬فما‬
‫كان حالاًل يف دار اإلسالم‪ ،‬فهو حالل يف غريها من الدور‪ ،‬والعكس بالعكس‪ ،‬لكنهم من الناحية‬
‫العملية يثبتون تأثًريا واضحًا لنوعية الدار كما ظهر يف بعض األمثلة اليت مر ذكرها يف هذا املبحث‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفصل األول‪ :‬الطهارة‪ ..‬وفيه أربعة مباحث ‪- :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬حكم الغسل لمن دخل اإلسالم‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم نجاسة أهل الكتاب‪ ،‬واستعمال آنيتهم‪ ،‬ومالبسهم‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثالث‪ .:‬حكم طهارة الخمر‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حكم طهارة سؤر الكلب‬ ‫‪‬‬

‫المبحث األول‪ :‬حكم الغسل لمن دخل اإلسالم‪ ،‬وفيه مطلب واحد‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪..‬أقوال أهل العلم يف هذه املسألة‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪46‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫يتزايد دخول أعداد كبرية من غري املسلمني اإلسالم( )‪ ،‬وحيتاج هؤالء ملعرفة بعض أحكام‬
‫‪1‬‬

‫العبادات حال إسالمهم‪ ،‬ومن بينها‪ :‬هل يتوجب عليهم الغسل؟ أم أنه مستحب؟‪.‬‬
‫المطلب األول‪..‬أقوال أهل العلم في هذه المسألة‬
‫اختلف أهل العلم يف حكم غسل الكتايب إذا أسلم على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫الوجوب‪ ،‬وهو قول املالكّية( )‪ ،‬واحلنابلة( )‪ ،‬فإذا أسلم الكتايب‪ ،‬وجب عليه الغسل‪ ،‬سواء كان‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫اغتسل قبل إسالمه أو مل يغتسل‪ ،‬وسواء لزمه غسل حال شركه‪ ،‬أم مل يلزمه‪ .‬وأهم ما استدلوا به ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ما رواه أبو هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ : -‬أّن مثامة بن أُثال – أو أثالة ‪ -‬أسلم‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ": -‬اذهبوا به إىل حائط بين فالن‪ ،‬فمروه أن يغتسل"( )‪ .‬واحلديث أصله‬
‫‪4‬‬

‫يف الصحيحني‪ ،‬وليس فيهما أنه – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أمره باالغتسال‪ ،‬وهذا لفظ اإلمام‬
‫أمحد‪ ،‬ورواه البخاري بلفظ"بعث النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬خيال قبل جند‪ ،‬فجاءت برجل‬
‫من بين حنيفة يقال له مثامة بن أثال‪ ،‬فربطوه بسارية من سواري املسجد‪ ،‬فخرج إليه النيب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ :‬أطلقوا مثامة‪ ،‬فانطلق إىل خنل قريب من املسجد فاغتسل‪ ،‬مث دخل‬
‫حممدا رسول اهلل"‪ .‬وراه مسلم بلفظ مشابه‪.‬‬
‫املسجد فقال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن ً‬

‫‪1‬‬
‫(?) أظهرت دراسة أن عدد الربيطانيني الذين يعتنقون اإلسالم قد تضاعف كثًريا خالل العقد املاضي حبيث قد يصل العدد إىل ‪ 100‬ألف شخص‪ ،‬أي‬
‫مبعدل مخسة آالف شحص كل عام‪ .‬وأضافت أنه طبًق ا إلحصاء عام ‪2001‬م‪ ،‬فإن ‪ 60.699‬شخًص ا حتولوا إىل اإلسالم يف العاصمة لندن‪ .‬ووفًق ا‬
‫للمعلومات املتوفرة من مساجد لندن‪ ،‬فإن ‪ 1400‬شخص اعتنقوا اإلسالم خالل عام‪ .‬انظر‪ :‬صحيفة اإلندبندنت ''‪ "Independent‬الربيطانية ‪ 4 -‬يناير‬
‫‪ 2011‬م‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)احلطاب‪ ،‬حممد بن حممد املغريب‪ ،‬مواهب الجليل لشرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1416 ،‬هـ‪1995-‬م)‪ .1/453 ،‬القرطيب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .10/152 ،‬ابن عبدالرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبداهلل بن حممد‪ ،‬الكافي في فقه أهل المدينة‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1413 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1992‬م)‪ ،‬صـ‪ .13‬وللمالكية روايتان لسبب وجوب الغسل‪:‬فالرواية األوىل ‪ -‬وهي موافقه ملذهب احلنفية والشافعية ‪ -‬أن الغسل جيب إذا وجد سبب‬
‫يقتضي وجوبه‪ ،‬كاجلماع‪ ،‬واحليض‪ ،‬وإال ال‪ .‬وأما الرواية الثانية‪ :‬فهو جيب الغسل‪ ،‬وإن مل يتقدمه سبب؛ ألنه تعبد‪ .‬انظر‪ :‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/453 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن مفلح احلنبلي‪ ،‬برهان الدين إبراهيم بن حممد‪ ،‬المبدع شرح المقنع‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حسن الشافعي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ 1418 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪ 1997‬م)‪ .156-1/155 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/207 ،‬الُّد َجْيِلُّي ‪،‬سراج الدين احلسني بن يوسف بن حممد بن أيب الَّس ِر ِّي ‪ ،‬الوجيز في الفقه على‬
‫مذهب اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬حتقيق‪ :‬مركز البحث العلمي وإحياء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬مكتبة الرشد‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م)‪ ،‬صـ ‪.56‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه اإلمام أمحد‪ ،‬مسند أيب هريرة‪ ،8/134،‬حديث رقم ‪ .8024‬وانظر‪:‬صحيح البخاري ‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االغتسال إذا أسلم وربط األسري‬
‫أيضا يف املسجد‪ ،166-1/165 ،‬رقم احلديث ‪. 462‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب ربط األسري‪ ،‬وحبسه‪ ،‬وجواز املن عليه‪،3/1386 ،‬‬
‫رقم احلديث ‪.1764‬‬

‫‪47‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫واحتجوا بأن قيس بن عاصم‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أسلم‪ ،‬فأمره النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أن‬ ‫‪‬‬

‫يغتسل مباء وسدر( )‪ ،‬واألمر يقتضي الوجوب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫واستدلوا كذلك مبا روي أن سعد بن معاذ‪ ،‬وأسيد بن حضري ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬حني أرادا‬ ‫‪‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬سأال مصعب بن عمري‪ ،‬وأسعد بن زرارة ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪" :-‬كيف تصنعون إذا‬
‫دخلتم يف هذا األمر" ؟ قاال ‪":‬نغتسل‪ ،‬ونشهد شهادة احلق"‪ ،‬وهذا يدل على أن الغسل كان‬
‫مستفيضا بينهم( )‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪2‬‬

‫سلم غالبًا من جنابة أو جناسة‪ ،‬وهو ال يغتسل‪ ،‬فأقيمت املظّنة مقام‬ ‫وقالوا‪ :‬إن الكتايب ال يَ ْ‬ ‫‪‬‬

‫احلقيقة‪ ،‬كما أقيم الّنوم مقام احلدث‪ ،‬والتقاء اخلتانني مقام اإلنزال‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن اخلرب إذا صح‪ ،‬كان حجة من غري اعتبار شرط آخر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القول الثاني‪:‬‬
‫االستحباب‪ ،‬وهو قول احلنفية‪ ،‬والشافعية( ) حيث ذهبوا إىل استحباب الغسل ملن أراد أن يسلم‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫وهو غري جنب‪.‬واحتجوا بالتايل‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)رواه الرتمذي‪ ،‬أبواب الصالة‪ ،‬باب يف االغتسال عندما يسلم الرجل‪ ،503-2/502 ،‬رقم احلديث ‪ ،605‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن ال نعرفه إال من‬
‫هذا الوجه‪ ،‬والعمل عليه عند أهل العلم يستحبون للرجل إذا أسلم‪ ،‬أن يغتسل‪ ،‬ويغسل ثيابه‪ .‬ورواه أبوداود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب الرجل يسلم فيؤمر‬
‫بالغسل‪ ،1/324 ،‬رقم احلديث ‪ .355‬انظر‪:‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى‪ ،‬الجامع الصحيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬ط‪ ( ،2‬طبع مصطفى‬
‫احلليب‪1397،‬هـ‪1977-‬م)‪ .‬ورواه النسائي‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب ذكر ما يوجب الغسل وما ال يوجبه‪ ،‬صـ ‪ ،38‬رقم احلديث ‪ . 188‬انظر‪ :‬النسائي‪ ،‬أبو‬
‫عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن علي بن سنان بن حبر اخلراساين‪ ،‬سنن النسائي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار املعارف)‪ .‬ورواه‬
‫ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب غسل الكافر إذا اسلم ‪ ،4/45،‬رقم احلديث ‪.1240‬واحلديث حسنه البغوي يف سننه‪ .‬انظر‪ :‬البغوي‪ ،‬احلسن‬
‫بن مسعود‪ ،‬شرح السنة‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪ -‬دمشق ‪:‬املكتب اإلسالمي‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م)‪ .2/171 ،‬وصحح إسناده‪ :‬الشيخ شعيب األرنؤوط يف تعليقه‬
‫على صحيح ابن حبان‪ .‬انظر‪ :‬ابن بلبان الفارسي‪ ،‬األمري عالء الدين علي‪ ،‬اإلحسان في تقريب صحيح ابن حبان‪( ،‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1408 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1988‬م)‪.2/171 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ ،‬شرح العمدة في الفقه‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬مكتبة العبيكان‪1413 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1993‬م)‪ .1/349 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.208-1/207 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬كمال الدين حممد بن عبدالواحد‪ ،‬شرح فتح القدير على الهداية شرح بداية المبتدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالرزاق غالب املهدي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1424 ،‬هـ‪2003-‬م )‪ .1/69،‬الشرنباليل‪ ،‬حسن بن عمار بن علي‪ ،‬مراقي الفالح بإمداد الفتاح شرح نور اإليضاح ونجاة‬
‫األرواح‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1424 ،‬هـ‪2004-‬م)‪ ،‬صـ‪.46‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/90 ،‬الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .33‬املاوردي‪ ،‬أبو‬
‫احلسن على بن حممد‪ ،‬الحاوي الكبير‪ ،‬حتقيق‪:‬علي حممد معوض وعادل أمحد عبداملوجود‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1414 ،‬هـ‪1994-‬م)‪،‬‬
‫‪ .1/217‬الشربيين‪ ،‬مشس الدين حممد بن احلطيب‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد خليل عيتاين‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار املعرفة‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪1997-‬م)‪ .1/436 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.175-2/173 ،‬‬

‫‪48‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قالوا‪ :‬لقد أسلم جم غفري‪ ،‬ودخل اإلسالم أعداد هائلة من الناس‪ ،‬ومل يأمر النيب – صلى اهلل‬ ‫‪‬‬

‫أحدا ممن أسلم بالغسل غري مثامة بن أثال‪ ،‬وقيس بن عاصم‪ ،‬فلو كان الغسل‬
‫عليه وسلم ‪ً -‬‬
‫واجبا‪ ،‬ألمر به كل من أسلم‪ ،‬والشتهر هذا‪ ،‬وملا خفي على أحد‪.‬‬
‫ً‬
‫وقالوا‪ :‬لو كان الغسل واجًبا‪ ،‬ألمر النيب – صلى اهلل عليه وسلم – معاًذا ملا أرسله إىل اليمن‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫ليدعو الناس إىل اإلسالم‪ ،‬أن يعلمهم الغسل ألنه أول واجبات اإلسالم‪ ،‬فلما مل يأمره بذلك‪ ،‬دل‬
‫هذا على عدم وجوبه‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫احتج املالكية واحلنابلة خبربين صحيحني عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أمر فيهما بعض‬
‫من اعتنق اإلسالم حديًثا بالغسل‪ ،‬ودعوى عدم األمر ملن عداهم ال يصلح متمسكًا – كما يقول‬
‫الشوكاين‪ -‬ألن غاية ما فيه عدم العلم‪ ،‬وهو ليس علمًا بالعدم‪.‬‬
‫وأيًض ا فكوهنم مل يؤمروا بالغسل بعد الإسالم‪ ،‬فألنه كان مستقًر ا عندهم هذا األمر‪ ،‬كما أهنم مل‬
‫معلوما هلم‪ .‬ويضاف إىل هذا أن الكتايب ال يسلم غالبًا من جنابة أو جناسة‪،‬‬
‫يؤمروا بالوضوء لكونه ً‬
‫فأقيمت املظّنة مقام احلقيقة‪.‬‬
‫لكن الذي يشكل على رأي املالكية واحلنابلة‪ ،‬وبعض احملققني كابن القيم‪ ،‬والشوكاين( ) القائلني‬
‫‪1‬‬

‫بوجوب الغسل‪ ،‬ما استدل به الطرف املقابل‪ -‬أعين احلنفية والشافعية‪ -‬بإرساله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫معاًذا إىل اليمن‪ ،‬وعدم أمره بتعليم الناس الغسل السيما وهو يقدم على قوم غري مسلمني‪ ،‬فكان ذلك‬
‫قرينة قوية على عدم وجوب الغسل‪ ،‬وقد تقرر أن تأخري البيان عن وقت احلاجة ال جيوز( )‪ ،‬فدل ذلك‬
‫‪2‬‬

‫على أن الغسل مستحب‪ ،‬وليس بواجب‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬


‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫يستحب ملن أراد أن يدخل اإلسالم أن يغتسل‪ ،‬ما مل يكن جنًبا‪ ،‬فإنه يتوجب عليه الغسل‪ ،‬كما‬
‫هو مذهب احلنفية والشافعية‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن القيم‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد‪ ،‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط‪ ،‬وعبدالقادر األرناؤوط‪ ،‬ط‪،27‬‬
‫(لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الكويت‪:‬مكتبة املنار اإلسالمية‪1415 ،‬هـ ‪1994-‬م)‪ .3/627 ،‬الشوكاين‪ ،‬حممد بن علي بن حممد‪ ،‬نيل األوطار من أسرار‬
‫منتقى األخبار‪ ،‬حتقيق‪ :‬طارق بن عوض اهلل‪ ،‬ط‪ ( ،1‬السعودية‪ :‬دار ابن القيم للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ :‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع ‪1426 -‬هـ‪2005-‬م)‪،‬‬
‫‪.2/20‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)اآلمدي‪ ،‬علي بن حممد‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬دار الصميعي للنشر والتوزيع‪1424 ،‬هـ ‪2003-‬م)‪.1/252 ،‬‬

‫‪49‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حكم نجاسة أهل الكتاب‪ ،‬واستعمال آنيتهم‪ ،‬ومالبسهم‪ ،‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫توطئة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪ ..‬جناستهم‪ :‬حسية أم معنوية؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪ ..‬آنية أهل الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثالث‪ ..‬مالبس أهل الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪50‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫يعايش املسلمون أهل الكتاب وغريهم يف أماكن العمل‪ ،‬واألسواق‪ ،‬واملطاعم‪ ،‬فيرتتب على هذه‬
‫املعايشة واإلحتكاك اليومي أن يغشى املسلمون مطاعمهم‪ ،‬ويأكلوا يف صحوهنم‪ ،‬ويشربوا يف أكواهبم‪،‬‬
‫ويشرتوا مالبسهم‪.‬‬
‫وعلى سبيل املثال‪ ،‬فأوالد املسلمني يف املدارس الغربية يستخدمون الصحون‪ ،‬واملالعق‪،‬‬
‫واألكواب اليت توفرها هلم املطاعم املدرسية لتناول وجبة الغداء‪ .‬واحلال نفسه يتكرر يف مطاعم‬
‫اجلامعات‪ ،‬واملعاهد‪ ،‬وأماكن العمل‪.‬‬
‫وهناك أيًض ا بعض األسواق اليت تعرف بـ"أسواق األحد" حيث تفتح أبواهبا يف هناية عطلة‬
‫اإلسبوع غالًبا‪ ،‬وتلقى شعبية كبرية‪ ،‬ورواًج ا واسًعا نظًر ا لتخصصها يف بيع األشياء املستعملة من‬
‫مالبس‪ ،‬وصحون‪ ،‬وآواين وغريها‪ ،‬حيث يقبل عليها الكثريون – مبا فيهم املسلمون ‪ -‬لرخص مثنها‪،‬‬
‫وجودة أغراضها يف بعض األحيان‪.‬‬
‫المطلب األول‪ ..‬نجاستهم‪ :‬حسية أم معنوية؟‬
‫ذهب مجاهري أهل العلم‪ ،‬وعلى رأسهم علماء املذاهب األربعة( )‪ ،‬إىل القول بطهارة أهل‬
‫‪1‬‬

‫الكتاب‪ ،‬بل حكاه بعضهم إمجاًعا( )‪ ،‬وإن كان يف إطالق اإلمجاع نظر؛ ملخالفة الظاهرية الذين قالوا‬
‫‪2‬‬

‫بنجاستهم عيًنا‪ ،‬وُنسب هذا القول كذلك للحسن( ) حيث قال‪":‬من صافحهم‪ ،‬فليتوضأ"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫أدلة الجمهور‪:‬‬
‫واستدل اجلمهور على طهارهتم بأدلة كثرية منها‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع سابق ‪ .1/112 ،‬الدردير‪ ،‬أبو الربكات أمحد بن حممد بن حممد‪ ،‬الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام‬
‫مالك وبهامشه حاشية الصاوي‪ ،‬حتقيق‪:‬مصطفى كمال وصفي‪( ،‬مصر‪:‬دار املعارف‪1406 ،‬هـ ‪ 1986 -‬م)‪ .44-1/43 ،‬وانظر‪ :‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ . 1/141 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .580-2/579 ،‬وانظر‪ :‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/129 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.45 /1 ،‬‬
‫وانظر‪ :‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.1/179 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)"إن إمجاع املسلمني على طهارة األدمي‪ ،‬ودمعه‪ ،‬ولعابه‪،‬وعرقه‪ ،‬ولبنه‪ ،‬وبزاقه‪ ،‬وخماطه‪ ،‬والنخاعة‪ ،‬وسؤره‪ ،‬سواء كان مسلًم ا‪ ،‬أم كافًر ا‪ ،‬وسواء أكان‬
‫حمدًثا‪ ،‬أم جنبًا‪ ،‬أم حائًض ا‪ ،‬أم نفساء"‪.‬انظر‪ :‬أبو جيب‪ ،‬سعدي‪ ،‬موسوعة اإلجماع في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪( ،3‬دمشق‪:‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪1999‬م)‪.1/159 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬البصري‪ ،‬أبو سعيد احلسن بن أيب احلسن يسار‪ .‬ولد سنة ‪ 21‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 110‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .69 /2 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .563 /4 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.226 /2 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن كثري‪ ،‬أبو الفداء إمساعيل بن عمر‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق‪:‬جمموعة حمققني‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪:‬مؤسسة قرطبة ومكتبة أوالد الشيخ للرتاث‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2000-‬م)‪.7/174 ،‬‬

‫‪51‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬ما ثبت عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه توضأ من مزادة مشركة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ووجه الداللة ‪:‬أنه لو كانت املزادة – وهي الرواية من املاء – جنسة ملا توضأ النيب‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬منها‪.‬‬
‫‪ -‬وعن عبد اهلل بن مغفل ‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪:‬أصبتُ ِجرابًا( ) من شحم يوم خيرب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫أحدا من هذا شيئًا‪ ،‬قال‪ :‬فالتفت‪ ،‬فإذا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫فالتزمته‪ ،‬فقلتُ‪ :‬ال أعطي اليوم ً‬
‫متبسما( )‪.‬‬
‫ً‬ ‫وسلم ‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫وحمل الشاهد من احلديث‪ :‬إقرار النيب‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬الصحايب عبداهلل بن مغفل على‬
‫تناوله جراب الشحم املصنوع من قبل اليهود‪ ،‬ولو كان جنًس ا ملا أقره على ذلك‪ ،‬وتأخري البيان عن وقت‬
‫احلاجة ال جيوز‪ ،‬كما هو متقرر يف أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -‬إباحة اهلل سبحانه وتعاىل طعام أهل الكتاب ونسائهم بقوله [ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ] ( )‪ .‬واآلية صرحية يف حل طعام أهل الكتاب‪ ،‬وال شك أهنم يباشرون الطعام‬ ‫‪4‬‬

‫بأيديهم‪ ،‬ورمبا أصابه بعض عرقهم‪ ،‬ولو كانوا أجناًس ا للزم منه جناسة أكلهم وتقذره‪ ،‬وهو عني ما يقال‬
‫عن نسائهم حيث يصعب جًد ا على أزواجهن من املسلمني االحرتاز عن ريقهن وعرقهن‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على طهارهتم‪ ،‬وطهارة نسائهم‪ ،‬وآنيتهم( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -‬لو كان أهل الكتاب أجناًس ا بأعياهنم – كما زعم الظاهرية ‪ -‬الستفاض هذا األمر بني‬
‫الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬السيما وأهنم قد اختلطوا هبم وبغريهم سواء يف املدينة وغريها‪ .‬فلما‬
‫ُعِدَم النقل‪ ،‬دل على أن الصحابةمل يكونوا يروهنم جنسني‪.‬‬
‫‪ -‬إذا سلمنا بأهنم جنسو العني‪ ،‬فما السبيل إىل طهارهتم؟ فسيقولون‪ :‬اعتناق اإلسالم‪.‬فأين قيل ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب التيمم‪ ،‬باب الصعيد الطيب وضوء املسلم يكفيه من املاء‪ ،1/128 ،‬رقم احلديث ‪ . 344‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب املساجد‬
‫ومواضع الصالة‪ ،‬باب قضاء الصالة الفائتة‪ ،‬واستحباب تعجيل قضائها‪ ،1/474 ،‬رقم احلديث ‪.682‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)اجلراب‪ :‬هو الوعاء‪ ،‬وقيل هو‪ :‬املزود‪ .‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬جرب"‪.1/261 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب أخذ الطعام من أرض العدو‪ ،3/1393 ،‬رقم احلديث ‪.1772‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية‪. 5 :‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)احملمد‪ ،‬خلف حممد‪ ،‬دراسات فقهية أصولية تطبيقية في أربعين حديًثا من أحاديث األحكام‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪1429 ،‬ه‪2008-‬م)‪ ،‬صـ‬
‫‪.38‬‬

‫‪52‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أن جمرد الدخول يف اإلسالم يزيل النجاسة احلسية؟ وما دليل ذلك؟( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أدلة الظاهرية‪:‬‬
‫وأما الظاهرية فقد استدلوا بقوله تعاىل[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ] ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قال ابن حزم‪ ":‬ولعاب الكفار من الرجال‪ ،‬والنساء الكتابيني‪ ،‬وغريهم جنس كله‪ ،‬وكذلك‬
‫العرق منهم والدمع‪ ،‬وكل ما كان منهم‪...‬برهان ذلك قول اهلل تعاىل[ ﭢ ﭣ ﭤ] وبيقني جيب أن بعض‬
‫النجس جنس؛ لأن الكل ليس هو شيئا غري أبعاضه‪ .‬فإن قيل‪ :‬إن معناه جنس الدين‪ ،‬قيل‪ :‬هبكم أن ذلك‬
‫كذلك‪ .‬أجيب من ذلك أن املشركني طاهرون‪ ،‬حاشا هلل من هذا‪ ،‬وما فهم قط من قول اهلل تعاىل [ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ] مع قول نبيه صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إن املؤمن ال ينجس)( )أن املشركني طاهرون"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫والذي عليه السواد األعظم من أهل العلم‪ ،‬وأئمة الفتوى واالجتهاد أن النجاسة يف هذه اآلية هي‬
‫جناسة معنوية‪ ،‬وليست حسية‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن العريب( )‪ -‬رمحه اهلل ‪": -‬اعلموا ‪ -‬وفقكم اهلل ‪ -‬أن النجاسة ليست بعني حسية‪ ،‬وإمنا‬ ‫‪5‬‬

‫هي حكم شرعي‪ ،‬أمر اهلل بإبعادها‪ ،‬كما أمر بإبعاد البدن عن الصالة عند احلدث‪ ،‬وكالمها أمر شرعي‬
‫ليس بعني حسية"( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -‬وقال ابن كثري‪ ":‬وأما جناسة بدنه‪ ،‬فاجلمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات؛ ألن اهلل‬
‫تعاىل أحل طعام أهل الكتاب"( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)عبدالقادر‪ ،‬خالد‪ ،‬فقه األقليات المسلمة‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪ :‬دار اإلميان‪1419 ،‬هـ‪1998-‬م)‪ ،‬صـ ‪.204‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)سورة التوبة‪ ،‬جزء من اآلية‪. 28 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الغسل‪ ،‬باب اجلنب خيرج وميشي يف السوق وغريه‪ ،1/110 ،‬رقم احلديث ‪ . 285‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احليض‪ ،‬باب‬
‫الدليل على أن املسلم ال ينجس‪ ،1/282 ،‬رقم احلديث ‪.371‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن حزم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد‪ ،‬المحلى‪ ،‬ط‪ ( ،1‬مصر‪:‬مطبعة النهضة‪1347 ،‬هـ)‪.130-1/129 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن العريب‪ ،‬أبو بكر حممد بن عبد اهلل بن محد بن عبد اهلل األندلسي األشبيلي‪.‬ولد سنة ‪ 468‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 543‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .4/296 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .20/197 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/230 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪.2/913 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪.7/174 ،‬‬

‫‪53‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وقال الشوكاين‪ ":‬ومن أجوبة اجلمهور عن اآلية‪ ،‬ومفهوم حديث الباب[ حديث أيب ثعلبة‬
‫اخلشين] بأن ذلك تنفري عن الكفار وإهانة هلم‪ ،‬وهذا وإن كان جماًز ا‪ ،‬فقرينته ما ثبت يف الصحيحني من‬
‫(أنه صلى الَّله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة)‪ ،‬وربط مثامة بن أثال وهو مشرك بسارية من سواري‬
‫املسجد( )‪ ،‬وأكل من الشاة اليت أهدهتا له يهودية من خيرب( )‪ ،‬وأكل من اجلنب اجمللوب من بالد النصارى‪،‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫كما أخرجه أمحد وأبو داود( ) من حديث ابن عمر‪ ،‬وأكل من خبز الشعري‪َ ،‬‬
‫واإلهالة ملا دعاه إىل ذلك‬ ‫‪3‬‬

‫يهودي( )‪ ،‬وما سلف من مباشرة الكتابيات‪ ،‬واإلمجاع على جواز مباشرة املسبية قبل إسالمها‪ ،‬وحتليل‬ ‫‪4‬‬

‫طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية املائدة( )‪ ،‬وهي آخر ما نزل‪ ،‬وإطعامه صلى الَّله عليه وسلم وأصحابه‬ ‫‪5‬‬

‫للوفد من الكفار من دون غسل لآلنية‪ ،‬وال أمر به‪ ،‬ومل ينقل توقي رطوبات الكفار عن السلف الصاحل‪،‬‬
‫ولو توقوها لشاع"( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الراجح هو قول مجاهري أهل العلم بطهارة أهل الكتاب؛ لقوة أدلتهم‪ ،‬ورجحاهنا‪ ،‬وضعف قول‬
‫الظاهرية‪ ،‬ومن قال بقوهلم‪ ،‬وعدم سالمتها من املناقشة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ ..‬آنية أهل الكتاب‬
‫تقدم أن قول مجاهري أهل العلم – وهو الراجح دلياًل ‪ -‬طهارة أهل الكتاب خالًف للظاهرية‪،‬‬
‫وينبين على هذا طهارة آنيتهم‪ ،‬إال إذا تيقنا من وجود النجاسة فيها كاستعماهلا يف أكل اخلنزير‪ ،‬أو‬

‫‪1‬‬
‫أيضا يف املسجد‪ ،166-1/165 ،‬رقم احلديث ‪.462‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب االغتسال إذا أسلم وربط األسري ً‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر يف سم النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،4/51 ،‬رقم احلديث ‪.5777‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشري األزدي السجستاين‪ .‬ولد سنة ‪ 202‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪275‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .2/404‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .13/203 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/122 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)رواه اإلمام أمحد‪ ،‬مسند أنس بن مالك‪ ،‬حديث رقم ‪ .11/292 ،13794‬ولفظ احلديث عن أنس"أن يهوديًا دعا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وإهالة َسِنخَة‪ ،‬فأجابه"‪ .‬واِال هالة ‪ :‬الَّد َس م‪ ،‬وقيل هي‪ :‬الشحم َأو الزيت ‪.‬والَّس نَخ ة ‪ :‬املتَغْيّر ة الريح لُطول ا ْكث‪.‬انظر‪ :‬ابن قتيبة‪ ،‬عبد اهلل‬
‫‪ -‬إىل خبز‪ ،‬شعري‪َ ،‬‬
‫ُمل‬
‫بن مسلم املروزي‪ ،‬غريب الحديث‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداهلل اجلبوري‪ ،‬ط‪ ( ،1‬العراق‪ :‬مطبعة العاين‪ 1397 ،‬هـ ‪1977 -‬م)‪ .500-2/499 ،‬ابن االثري‪ ،‬جمد‬
‫الدين أبو السعادات املبارك بن حممد اجلزري‪ ،‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬حتقيق‪ :‬طاهر أمحد الزاوي‪ ،‬وحممود حممد الطناحي‪ ،‬ط‪( ،1‬املكتبة‬
‫اإلسالمية‪1383 ،‬هـ‪1963 -‬م)‪. 1/84 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)وهي قوله تعاىل ‪[ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ]‪.‬‬
‫[سورة املائدة‪.]5:‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.141-1/140 ،‬‬

‫‪54‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫شرب اخلمر‪ .‬وقد ذهب مجهور الفقهاء من السلف واخللف إىل طهارة آنية أهل الكتاب وثياهبم( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫والعمدة يف هذا الباب‪ ،‬حديث أيب ثعلبة اُخلشين – رضي اهلل عنه‪ -‬قال ‪ :‬قلُت ‪ :‬يا نيب اهلل‪ ،‬إنا بأرض‬
‫قوم من أهل الكتاب‪ ،‬أفنأكل يف آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي‪ ،‬وبكليب الذي ليس مبعلم‪ ،‬وبكليب‬
‫ذكرت من أهل الكتاب‪ ،‬فإن وجدمت غريها فال تأكلوا فيها‪ ،‬وإن مل‬
‫َ‬ ‫املعلم فما يصلح يل؟ قال‪ :‬أما ما‬
‫جتدوا فاغسلوها وكلوا فيها‪.) ("...‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد ذكر النووي ‪ -‬وغريه من أهل العلم( ) ‪ -‬أن هذا احلديث خمالف ملا استقر عليه العمل عند‬
‫‪3‬‬

‫الفقهاء؛ إذ أهنم يرون جواز استعمال أواىن أهل الكتاب إذا غسلت‪ ،‬وال كراهة فيها بعد الغسل‪ ،‬سواء‬
‫وجد غريها أم ال‪ ،‬ومفهوم هذا احلديث أن استعمال آنيتهم مكروه إن وجد غريها‪ ،‬وال يكفي غسلها‬
‫في نفي الكراهة‪ ،‬وإمنا يغسلها ويستعملها اذا مل جيد غريها‪.‬‬
‫وقد أجاب النووي عن هذا اإلشكال بالقول‪ :‬أن املراد النهي عن األكل في آنيتهم التي كانوا‬
‫يطبخون فيها حلم اخلنزير‪ ،‬ويشربون اخلمر‪ ،‬والنهي عن األكل فيها بعد الغسل إمنا هو لالستقذار‪،‬‬
‫وكوهنا معتادة للنجاسة‪.‬‬
‫ومراد الفقهاء هو مطلق آنية الكفار غري المستعملة في النجاسات‪ ،‬فهذه يكره استعماهلا قبل‬
‫غسلها‪ ،‬فإن غسلت غدت طاهرة‪ ،‬وال كراهة فيها وال استقذار‪ .‬والفقهاء مل يريدوا نفي الكراهة عن‬
‫آنية أهل الكتاب املستعملة ىف اخلنزير وغريه من النجاسات( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫قال اإلمام بدر الدين العيين احلنفي( ) –رمحه اهلل ‪ ": -‬التحقيق يف هذا‪ :‬أن يف حديث أيب ثعلبة‬
‫‪5‬‬

‫هذا ترجيح الظاهر على األصل؛ ألن األصل يف آنية أهل الكتاب واجملوس الطهارة‪ ،‬ومع هذا فقد أمر‬
‫بغسلها عند عدم وجود غريها‪ ،‬والصحيح أن احلكم لألصل حىت تتحقق النجاسة‪ ،‬مث حيتاج إىل اجلواب‬
‫عن احلديث‪ ،‬فأجيب جبوابني‪ :‬أحدمها‪ :‬أن األمر بالغسل لالحتياط واالستحباب‪ .‬والثاين‪ :‬أن املراد‬
‫باحلديث حالة حتقق جناستها"( )‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ساعي‪ ،‬حممد نعيم هاين‪ ،‬موسوعة مسائل الجمهور في الفقه اإلسالمي‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪ :‬دار السالم‪1428 ،‬هـ‪2007-‬م)‪. 1/47 ،‬‬
‫‪)?(2‬صــحيح البخــاري‪ ،‬كتــاب الــذبائح والصــيد‪ ،‬بــاب مــا أصــاب املعــراض بعرضــه‪ ،3/452 ،‬رقم احلديث ‪ .5478‬صــحيح مســلم‪ ،‬كتــاب الصــيد والــذبائح‪،‬‬
‫باب الصيد بالكالب املعلمة‪ ،3/1532 ،‬رقم احلديث ‪.1930‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ . 9/606 ،‬ابن دقيق العيد‪ ،‬تقي الدين أبو الفتح حممد بن علي بن وهب بن مطيع القشريي‪ ،‬إحكام‬
‫األحكام شرح عمدة األحكام‪ ،‬حتقيق‪:‬أمحد حممد شاكر‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬مكتبة السنة‪1414 ،‬هـ ‪1994-‬م )‪ ،‬صـ ‪.670-669‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪. 119-13/118 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬بدر الدين العيين‪ ،‬أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد‪ .‬ولد سنة ‪762‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 855‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الشوكاين‪ ،‬البدر الطالع مبحاسن من‬
‫بعد القرن السابع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .849‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.7/163 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫ينبغي أن يفهم حديث أيب ثعلبة من خالل تقرير أن األصل هو طهارة أهل الكتاب‪ ،‬وأن‬
‫جناستهم حسية وليست معنوية‪ ،‬كما مضى تقريره‪ ،‬وعليه فآنيتهم تأخذ نفس احلكم‪ ،‬ويوجه بعدها أمره‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بغسل آنيتهم لكوهنم يستعلموهنا يف طبخ اخلنزير‪ ،‬وشرب اخلمر‪ ،‬فإذا حتققنا‬
‫جناستها‪ ،‬مل جيز استعماهلا مامل تغسل‪ ،‬وإال تبقى على األصل وهو الطهارة( )‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وقد صرح‬
‫‪1‬‬

‫اإلمام القرايف( ) –رمحه اهلل ‪-‬بأن مجيع ما يصنعه أهل الكتاب‪ ،‬واملسلمون الذين ال يصلون‪ ،‬وال‬ ‫‪2‬‬

‫يستنجون‪ ،‬وال يتحرزون من النجاسات من األطعمة وغريها‪ ،‬حممول على الطهارة‪ ،‬وإن كان الغالب‬
‫عليه النجاسة( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫المطلب الثالث‪ ..‬مالبس أهل الكتاب‬


‫ذهب احلنفية( ) إىل جواز الصالة يف ثياب أهل الذمة إال اإلزار والسراويل‪ ،‬فإنه تكره الصالة‬ ‫‪4‬‬

‫فيهما‪ ،‬وذلك لقرهبما من موضع احلدث‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن األصل يف الثياب هو الطهارة‪ ،‬فال تثبت النجاسة‬
‫بالشك؛ وألن التوارث جار فيما بني املسلمني بالصالة يف الثياب املغنومة من الكفرة قبل الغسل‪.‬‬
‫أما املالكية( )‪ ،‬فقد ورد عن اإلمام مالك هنيه عن الصالة يف ثياب أهل الذمة اليت يلبسوهنا حىت‬ ‫‪5‬‬

‫تغسل‪ ،‬أما الثياب اليت نسجوا‪ ،‬فال بأس هبا عنده‪ .‬وقد تقرر عند املالكية أنه‪ :‬ال يصلى بلباس كافر‪،‬‬
‫خبالف نسجه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬أبوحممد حممود بن موسى‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1421 ،‬هـ‪2001 -‬م)‪،‬‬
‫‪.21/143‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .24/27 ،‬ابن جنيم‪ ،‬زين الدين‪ ،‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق وبهامشه منحة الخالق على البحر الرائق البن‬
‫عابدين‪ ،‬حتقيق‪ :‬زكريا عمريات‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م)‪ .8/374 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .320-1/319‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/63 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/82 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)هو‪ :‬القرايف‪ ،‬أبو العباس أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن‪ .‬ولد سنة ‪626‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 684‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/146 ،‬الزركلي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.94 /1 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/174 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/81 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/97 ،‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/359 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/140،‬اآليب األزهري‪،‬صاحل عبد السميع‪ ،‬جواهر اإلكليل شرح مختصرخليل‪( ،‬لبنان‪ :‬املكتبة الثقافية)‪ .1/10 ،‬احلطاب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ . 1/173 ،‬الدسوقي‪ ،‬حممد عرفه‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪( ،‬دار إحياء الكتب العربية)‪.1/61 ،‬‬

‫‪56‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أما الشافعية( )‪ ،‬فجوزوا الصالة يف ثياب أهل الكتاب إذا مل يتحقق جناستها‪ ،‬لكن غريها أوىل‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويكره استعمال ملبوسهم وما يلي إسافهم‪ ،‬أي مما يلي اجللد أشد‪.‬‬
‫واختار احلنابلة(‪ )2‬مذهًبا قريًبا ملذهب احلنفية ‪ ،‬فقالوا‪ :‬الثياب على نوعني‪ :‬األول ‪ :‬الثياب اليت مل‬
‫يستعملوه منها‪ ،‬أو عال منها كالعمامة‪ ،‬والطيلسان‪ ،‬والثوب الفوقاين‪ ،‬فهي طاهرة ال بأس بلبسها‪.‬‬
‫إىل أن يعيد؛ يعين من صلى‬‫والثاين‪ :‬ما القى عوراهتم‪ ،‬كالسراويل‪ ،‬والثوب السفالين‪ ،‬فقال أمحد‪ :‬أحب ّ‬
‫فيه‪ ،‬فيحتمل وجهني‪ :‬أحدمها‪ :‬وجوب اإلعادة‪ ،‬ألهنم ال يتعبدون برتك النجاسة‪ ،‬وال يتحرزون منها‪،‬‬
‫فالظاهر جناسة ما ويل خمرجها‪ .‬والثاين‪ :‬ال جيب؛ ألن األصل الطهارة‪ ،‬فال تزول بالشك‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر يل – واهلل أعلم – من تتبع أقوال أهل العلم‪ ،‬أن ثياب أهل الكتاب على ثالثة‬
‫أضرب‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما كانت من نسجهم‪ ،‬ومل يلبسوها‪ ،‬وسواء نسجوها يف بالدهم وجلبت منها‪ ،‬أو‬
‫نسجت يف بالد املسلمني‪ ،‬فهي طاهرة جيوز الصالة فيها من غري غسل‪ ،‬ما مل حتقق فيها جناسة‪ .‬وحكى‬
‫خالفا( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن املنذر هذا القول عن مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ ،‬ومل حيك عن أحد فيه ً‬
‫قال ابن قدامة‪ ":‬وال نعلم خالًفا بني أهل العلم يف إباحة الصالة يف الثوب الذي نسجه الكفار؛ فإّن النيب‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إمنا كان لباسهم من نسج الكفار"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫الثاين‪ :‬ما كانت مستعملة‪ ،‬لكنها بعيدة عن عوارهتم كاملالبس الفوقانية‪ ،‬واملعاطف وحنوها‪،‬‬
‫فهذه يستصحب فيها حكم األصل‪ ،‬وهو الطهارة‪ ،‬إال إذا تيقنا جناستها‪ ،‬وجيوز فيها الصالة‪ ،‬ولو قبل‬
‫غسلها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وهي ما كانت تالقي عوراهتم‪ ،‬فهذه يغلب عليها النجاسة‪ ،‬ألهنم ال يتنزهون منها‪ ،‬لكن‬
‫هنا تنازع أمران‪ :‬األصل‪ ،‬وهو الطهارة ‪ ،‬مث الغالب‪ ،‬وهو النجاسة‪ ،‬وهي إحدى القواعد الفقهية اليت‬
‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب ‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/170 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/63 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/83 ،‬قال املرداوي معلًق ا على كالم صاحب كتاب (املقنع) "وثياب الكفار وآوانيهم طاهرة‪ ،‬مباحة االستعمال‪ ،‬ما مل تعلم‬
‫جناستها" قال‪:‬هذا املذهب مطلًق ا ‪ ،‬وعليه اجلمهور‪ .‬أي مجهور احلنابلة‪ .‬انظر‪ :‬املرداوي‪ ،‬أبو احلسن علي بن سليمان‪ ،‬اإلنصاف في معرفة الراجح من‬
‫الخالف على مذهب اإلمام المبجل أحمد بن حنبل‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حامد الفقي‪ ،‬ط‪1374 (،1‬هـ‪1955 -‬م)‪.85-1/84 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن رجب‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن أمحد السالمي‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح اليخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة حمققني‪ ،‬ط‪( ،1‬املدينة املنورة‪:‬مكتبة الغرباء‬
‫األثرية‪1417،‬هـ‪1996-‬م)‪ .374-2/272 ،‬ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع واالختالف‪ ،‬مرجع سابق‪ .174-2/173 ،‬وانظر‪:‬الغامدي‪ ،‬ناصر‬
‫بن حممد بن مشري‪ ،‬لباس الرجل ‪ :‬أحكامه وضوابطه في الفقه اإلسالمي‪1422( ،‬هـ‪2002-‬م)‪.1120-2/1117 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)املغين‪ ،‬مرجع سابق‪.84-1/83 ،‬‬

‫‪57‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ساقها أهل العلم يف كتبهم‪ ،‬وقد ذكر القرايف قاعدة جامعة لضبط قاعدة (تعارض األصل مع الغالب)‪،‬‬
‫فقال‪":‬واتفقوا على تغليب األصل على الغالب يف الدعاوى‪ ،‬فإن األصل‪ :‬براءة الذمة‪ ،‬والغالب‪:‬‬
‫املعامالت‪ ،‬السيما إذا كان املدعي من أهل الدين والورع‪ ،‬واتفقوا على تغليب الغالب على األصل يف‬
‫البينة‪ ،‬فإن الغالب صدقها‪ ،‬واألصل براءة الذمة‪.‬وقد استثين من ذلك أمور ال حيكم فيها إال مبزيد ترجيح‬
‫يضم إليه‪...‬وثالثها‪ :‬اشتباه األواين واألثواب‪ ،‬جيتهد فيها على اخلالف"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولعل أوىل املذاهب باالختيار يف حكم هذا النوع‪ ،‬هو مذهب املالكية؛ فإهنم يقولون‪:‬إن تلك‬
‫األمور األصل فيها الطهارة‪ ،‬والغالب فيها النجاسة‪ ،‬وكل ما غلبت عليه النجاسة ال يصلى به‪ ،‬والشأن‬
‫يف الكتايب وما عطف عليه عدم توقي النجاسة( )‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫‪ ‬الراجح هو طهارة أهل الكتاب حسًيا ال معنوًيا‪ ،‬خالًفا للظاهرية‪.‬‬
‫‪ ‬األصل هو طهارة آنية أهل الكتاب إال إذا حتققنا جناستها‪ ،‬فالبد من غسلها قبل استعماهلا‪.‬‬
‫‪ ‬مالبس أهل الكتاب جائزة االستعمال إذا كانت مما نسجوه‪ ،‬ومل يستعملوه‪ ،‬أو كانت مما َبُعَد‬
‫عن موضع احلدث‪ ،‬ومل يظهر عليه أي جناسة‪ .‬أما املالبس اليت تالقي عوارهتم‪ ،‬فالراجح عدم‬
‫جواز استعماهلا إال بعد الغسل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)القرايف‪ ،‬شهاب الدين أمحد ابن إدريس‪ ،‬الذخيرة‪ ،‬حتقيق‪:‬جمموعة حمققني‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الغرب اإلسالمي‪1994 ،‬م)‪ .1/158 ،‬وانظر‪ :‬ابن رجب‪،‬‬
‫أبو الفرج عبد الرمحن بن أمحد السالمي‪ ،‬تقرير القواعد وتحرير الفوائد‪ ،‬حتقيق‪ :‬مشهور بن حسن آل سليمان‪( ،‬دار ابن عفان)‪.182-3/162 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الدسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/61 ،‬‬

‫‪58‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث الثالث‪ :‬حكم طهارة سؤر الكلب‪..‬وفيه ثمانية مطالب‪:‬‬


‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪ ..‬سؤر الكلب بني النجاسة والطهارة‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪ ..‬هل يغسل اإلناء ثالًثا أم سبًعا أم ال حد لذلك؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثالث‪ ..‬هل يلزم ادخال الرتاب لغسل اإلناء؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الرابع‪ ..‬هل تقوم املطهرات احلديثة كاألشنان (األمحاض) والصابون مقام الرتاب أم ال؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب اخلامس‪ ..‬حكم الوضوء مبا ولغ فيه الكلب ‪ ،‬أو إذا مل جيد ماء غريه‬ ‫‪‬‬

‫املطلب السادس‪ ..‬هل تقاس جناسة اخلنزير على جناسة الكلب ؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب السابع‪ ..‬حكم بول الكلب وروثه‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثامن‪ ..‬طهارة الثوب واملكان اللذين مسهما لعاب الكلب‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪59‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫من املشاهد يف حياة اجملتمعات الغربية ولع الناس الشديد برتبية الكالب‪ ،‬واصطحاهبم هلا يف‬
‫سياراهتم‪ ،‬وأثناء تنزههم حىت أن الربيطانيني ‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬يطلق عليهم لقب "أمة من حميب‬
‫الكالب"( )‪ .‬وهذه الكالب تعامل معاملة خاصة( ) يغبطها عليها ماليني البشر من الفقراء واحملتاجني‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الذين ال تتوافر هلم أبسط مقومات احلياة من مأكل‪ ،‬ومشرب‪ ،‬وملبس‪ ،‬ومسكن‪.‬‬
‫واملسلم املقيم يف ديار الغرب‪ ،‬أو الزائر هلا‪ ،‬البد وأن حيتك بالكالب سواء كان ذلك يف‬
‫الشوارع‪ ،‬أو األسواق‪ ،‬أو احلدائق واملرافق العامة‪ .‬ونظًر ا لشغف الناس هبا‪ ،‬ورغبتهم يف محلها معهم‪،‬‬
‫فإن املرء سوف يصيبه غالًبا شيئ من لعاهبا‪ ،‬أو أبواهلا‪ ،‬أو عذرهتا‪ ،‬ومن هنا جاء هذا املبحث ليبني بعض‬
‫األحكام الفقهية املتعلقة بالكلب فيما خيص باب الطهارة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ ..‬سؤر الكلب بين النجاسة والطهارة‬
‫تعريف السؤر لغة‪:‬‬
‫جاء يف لسان العرب‪":‬الُّس ْؤ ُر بقية الشيء‪ ،‬ومجعه أسآر‪ ،‬وسؤر الفأرة وغريها‪...‬وأسأر منه شيئًا‪:‬‬
‫سؤرا‪ ،‬وذلك إذا أبقى بقية"( )‪.‬وعلى هذا يكون معىن السؤر‬
‫‪3‬‬
‫أبقى‪...‬يقال‪ :‬أسأر فالن من طعامه وشرابه ً‬
‫يف اللغة‪ :‬البقية والفضلة‪.‬‬
‫تعريف السؤر اصطالحًا‪:‬‬
‫فهو بقية املاء اليت يبقيها الشارب يف اإلناء أو يف احلوض‪ ،‬مث استعري لبقية الطعام وغريه( )‪.‬وبالتايل‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬صحيفة الشرق األوسط‪ 14 ،‬رمضـان ‪ 1430‬هـ ‪ 4 -‬سبتمرب ‪ 2009‬م‪ ،‬العدد ‪.11238‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)حتظى تلك الكالب بالعديد من املزايا‪ ،‬كالرعاية الصحية والنفسية عالية املستوى يف فنادق خاصة من صنف مخسة النجوم‪ ،‬واإلستمتاع مبشاهدة قناة‬
‫تلفزيونية ناطقة بامسهم لغرض الرتفيه عن الكالب اليت تبقى حبيسة البيوت‪ ،‬وكاخرتاع ماكينة لغسل الكالب وجتفيفها‪ ،‬وأخريًا‪ -‬وليس آخرًا‪ -‬إصدار جملة‬
‫متخصصة هلم توزع باآلالف!‪ .‬ويضاف إىل هذا‪ ،‬املبالغ الطائلة اليت تتحصل عليها الكالب احملظوظة من مالكيها الذين يوصون هلا يف كثري من األحيان‬
‫بثرواهتم الطائلة كاملة مانعني أبناءهم وبناهتم من أن ينالوا منها شيئًا!‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن منظور‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬مادة ‪":‬سأر"‪. 340-4/339 ،‬وانظر‪ :‬الفريوزآبادي‪ ،‬حممد بن يعقوب‪ ،‬القاموس المحيط‪( ،‬مصر‪ :‬دار احلديث‪،‬‬
‫‪1429‬هـ‪2008-‬م)‪ ،‬مادة ‪":‬سار" ‪ ،‬صـ‪ . 735‬الزبيدي‪ ،‬السيد حممد مرتضى احلسيين‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حتقيق‪:‬جمموعة حمققني‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫(الكويت‪ :‬وزارة اإلعالم‪1392 ،‬هـ‪1972-‬م)‪ ،‬مادة ‪":‬سأر"‪.484-11/483،‬الفيومي‪ ،‬أمحد بن حممد بن علي‪ ،‬المصباح المنير‪( ،‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان‪،‬‬
‫‪ 1987‬م)‪ ،‬مادة ‪":‬سار"‪. 1/114،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)انظر‪ :‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/381 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/71 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/317 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/46 ،‬‬

‫‪60‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يلتقي املعىن اللغوي للسؤر مع املعىن االصطالحي‪.‬‬


‫وأما حكم سؤر الكلب فقهيًا‪ ،‬فقد ذهب احلنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬والثوري( )‪ ،‬والليث( )‪،‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأبو ثور( ) إىل أن سؤرالكلب جنس( )‪.‬وذهب األوزاعي( )‪ ،‬والزهري( )( )‪ ،‬وداود( )‪ ،‬واملالكية( ) إىل أن‬
‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7 6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫سؤره طاهر‪ ،‬غري أن املالكية اعتربوا األمر بإراقة املاء وغسل اإلناء أمًر ا تعبدًيا( ) غري معلل‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬الثوري‪ ،‬سفيان بن سعيد بن مسروق‪ .‬ولد سنة ‪ 97‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪161‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/386 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .7/229‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/104 ،‬كحالة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/771 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬الليث بن سعد بن عبد الرمحن موىل خالد بن ثابت بن ظاعن‪ .‬ولد سنة ‪ 94‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪175‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪/4 ،‬‬
‫‪.127‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/136 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.5/248 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبو ثور‪ ،‬إبراهيم بن خالد الكليب البغدادي‪ .‬ولد سنة ‪170‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪240‬هـ‪ ،‬وقيل سنة ‪246‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.26 /1 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪.12/72 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)املرغيناين‪ ،‬برهان الدين علي بن أيب بكر الراشداين‪ ،‬الهداية شرح بداية المبتدي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ 1410 ،‬هـ ‪ 1990 -‬م )‪/1،‬‬
‫‪.24‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪. 48 /1 ،‬الطحاوي‪ ،‬أبوجعفر أمحد حممد بن سالمة‪ ،‬مختصر اختالف العلماء‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداهلل نذير أمحد‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار‬
‫البشائر اإلسالمية‪1416 ،‬هـ‪1995-‬م)‪ .118-1/117 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/304 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ .129-1/128 ،‬ابن املنذر‪ ،‬أبوبكر‬
‫حممد بن ابراهيم‪ ،‬األوسط في السنن واإلجماع واالختالف‪ ،‬حتقيق‪:‬صغري أمحد بن حممد حنيف‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار طيبة‪1405 ،‬هـ‪1995-‬م)‪،‬‬
‫‪.307-1/306‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/46 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬األوزاعي‪ ،‬عبدالرمحن بن عمرو بن حيمد‪ .‬ولد سنة ‪88‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 157‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .127 /3 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .7/107 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/320 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) هو‪ :‬الزهري‪ ،‬أبو بكر حممد بن مسلم بن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن شهاب بن عبد اهلل بن احلارث بن زهرة‪ .‬ولد سنة ‪ 51‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪124‬هـ‪ ،‬وقيل‬
‫غري هذا‪ .‬نظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .177 /4 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .5/326 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪. 97 /7 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)الطحاوي‪ ،‬خمتصر اختالف العلماء‪ ،‬مرجع سابق‪.118-1/117 ،‬ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع واالختالف‪ ،‬مرجع سابق‪.307-1/306،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبوبكر حممد بن داود بن علي بن خلف األصبهاين‪ .‬ولد سنة ‪ 255‬هـ ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 297‬هـ‪ .‬انظر‪:‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .13/109 ،‬ابن‬
‫خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .259 /4 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.120 /6 ،‬‬
‫‪9‬‬
‫أيضا يف سؤر الكلب‪ ،‬وما ولغ فيه‬
‫(?)قال احلافظ ابن عبدالرب مبينًا اضطراب الروايات حول قول اإلمام مالك فيما خيص سؤر الكلب ‪ ":‬واختلف الفقهاء ً‬
‫أيضا‬
‫استحبابا ً‬
‫ً‬ ‫سبعا تعبدًا‪،‬‬
‫من املاء والطعام‪ ،‬فجملة ما ذهب إليه مالك‪ ،‬واستقر عليه مذهبه عند أصحابه‪ ،‬أن سؤر الكلب طاهر‪ ،‬ويغسل اإلناء من ولوغه ً‬
‫ال إجيابًا‪ ،‬وكذلك يستحب ملن وجد ماء مل يلغ فيه الكلب مع ماء قد ولغ فيه كلب‪ ،‬أن يرتك الذي ولغ فيه الكلب‪ ،‬وغريه أحب إليه منه‪ ،‬وجاءت عنه‬
‫روايات يف ظاهرها اضطراب‪ ،‬والذي حتصل عليه مذهبه ما أخربتك"‪ .‬انظر‪ :‬ابن عبد الرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ ،‬التمهيد لما في الموطأ‬
‫من المعاني واألسانيد‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد عبدالقادر عطا‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1419 ،‬هـ‪1999 -‬م)‪ .367-7/366 ،‬وانظر‪ :‬ابن عبدالرب‪،‬‬
‫الكايف يف فقه املدينة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪. 17‬وانظر كذلك‪ :‬اآليب األزهري‪ ،‬مرجع سابق‪ . 16-1/15 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/254 ،‬‬
‫‪10‬‬
‫(?)جاء يف مواهب اخلليل‪ ":‬الغسل املذكور [الوارد يف األحاديث الصحيحة] تعبد‪ ،‬وهذا هو املشهور من املذهب لطهارة الكلب"‪.‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .1/256‬وانظر كذلك‪ :‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬أبو حممد عبد الوهاب علي‪ ،‬المعونة على مذهب أهل المدينة‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حسن حممد حسن إمساعيل‬

‫‪61‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫والقول بنجاسة الكلب بعينه هو قول الشافعية( )‪ ،‬واحلنابلة ( )‪ ،‬وذهب أبوحنيفة( ) إىل جناسة‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫سؤره فقط‪ ،‬وقد اختلفت كلمة احلنفية أنفسهم يف جناسة عني الكلب‪ ،‬لكن الذي يظهر من تتبع أقواهلم‬
‫أن الصحيح عندهم أنه طاهر العني( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أدلة الجمهور‪:‬‬
‫استدل اجلمهور مبا رواه مسلم( ) من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ِ":-‬إَذا َو َلَغ ( ) اْلَكْلُب يِف ِإَناِء َأَح ِدُك ْم ‪َ ،‬فْلِرُي ْقُه َّمُث ِلَيْغِس ْلُه َس ْبَع ِم َر ارٍ"‪.‬ويف لفظ آخر له‬
‫‪6‬‬

‫"َطُه وُر ِإَناِء َأَح ِدُك ْم ِإَذا َو َلَغ ِفيِه اْلَكْلُب َأْن َيْغِس َلُه َس ْبَع َم َّر اٍت ُأواَل ُه َّن ِبالُّتَر اِب "( )‪.‬ويف لفظ ثالث أيضًا له‬
‫‪7‬‬

‫‪10‬‬‫( )‬
‫"ِإَذا َو َلَغ اْلَكْلُب يِف اِإْل َناِء َفاْغ ِس ُلوُه َس ْبَع َم َّر اٍت ‪َ ،‬و َعِّف ُر وُه( ) الَّثاِم َنَة يِف الُّتَر اِب "( )‪.‬ورواه البخاري‬
‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬

‫بلفظ"ِإَذا َش ِر َب اْلَكْلُب يِف ِإَناِء َأَح ِدُك ْم ‪َ ،‬فْلَيْغِس ْلُه َس ْبًعا" ‪ .‬ويف رواية الرتمذي "ُأوَالُه َّن َأْو ُأْخ َر اُه َّن‬
‫( )‬
‫‪12‬‬ ‫( )‬ ‫‪11‬‬

‫الشافعي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان ‪:‬دار الكتب العلمية‪ 1418 ،‬هـ‪1998-‬م)‪ .1/66 ،‬وانظر كذلك‪ :‬القاضي عبدالوهاب‪ ،‬أبو حممد بن علي بن نصر‪ ،‬اإلشراف على‬
‫نكث مسائل الخالف‪ ،‬حتقيق‪:‬احلبيب بن طاهر‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪:‬دار ابن حزم‪1420 ،‬هـ‪1999-‬م)‪.1/178 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/304 ،‬وانظر كذلك‪ :‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.129-1/128 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.47-1/46 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)الطحاوي‪ ،‬حمتصر اختالف العلماء‪ ،‬مرجع سابق‪ .118-1/117 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/48 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .203-1/202 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/67 ،‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/357 ،‬وانظر ‪:‬ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪. 1/97 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)أبو احلسني‪ ،‬مسلم بن احلجاج بن مسلم القشريى النيسابوري‪ .‬ولد سنة ‪ 204‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 261‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.5/194 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .12/557 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.7/221 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)َو َلَغ الكلب يف اإلناء َيَلُغ ُو ُلوًغا‪ ،‬أي‪ :‬شرب فيه بأطراف لسانه‪.‬انظر‪:‬الفريوزآبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬ولغ"‪،‬صـ‪ .1780‬وانظر‬
‫كذلك ‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬ولغ"‪.8/460 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب حكم ولوغ الكلب‪ ،1/234 ،‬رقم احلديث ‪.279‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)التعفري‪:‬هو التمريغ يف الرتاب‪ .‬جاء يف لسان العرب‪":‬الَعفُر والَعفُر ‪ :‬ظاهر الرتاب‪.‬وعفروه يف الرتاب‪ :‬مرغه فيه ودسه"‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫مادة‪":‬عفر"‪.583/ 4 ،‬‬
‫‪9‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب حكم ولوغ الكلب‪ ،1/235 ،‬رقم احلديث‪.280 :‬‬
‫‪10‬‬
‫(?)هو‪ :‬البخاري‪ ،‬أبوعبداهلل حممد بن إمساعيل بن إبراهيم بن املغرية‪ .‬ولد سنة ‪ 194‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 256‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.4/188 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .12/391 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/252 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/34 ،‬‬
‫‪11‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب املاء الذي يغسل به شعر اإلنسان‪ ،1/77 ،‬رقم احلديث ‪.172‬‬

‫‪62‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ِبالُّتَر اِب "( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫ووجه الداللة من هذه الروايات الصحيحة أن قوله صلى اهلل عليه وسلم " َطُه وُر ِإَناِء َأَح ِدُك ْم "‬
‫فيه "دليل على تنجس اإلناء بولوغه‪ ،‬وأن األمر بالغسل للتنجيس ال للتعبد‪ ،‬فإن اجلمادات ال يلحقها‬
‫حكم العبادات‪ ،‬والزيادة يف العدد‪ ،‬والتعفري بالرتاب دليل على غلظ النجاسة"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واستدلوا بقوله صلى اهلل عليه وسلم " َفْلِرُي ْقُه" بأنه لو كان سؤره طاهراً مل جتز إراقته؛ ألننا هنينا‬
‫عن إضاعة املال‪ ،‬ولم يوجب علينا غسله( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وقالوا‪ :‬إن هذه األحاديث فيها داللة ظاهرة على جناسة سؤر الكلب املأذون يف اقتنائه وغريه‬
‫لعموم اللفظ "لأن الطهارة تكون عن حدث أو جنس‪ ،‬وليس هنا حدث‪ ،‬فتعني النجس"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أدلة المالكية‪:‬‬
‫استدل املالكية بأدلة من أبرزها‪:‬‬
‫()‬
‫‪ -‬قوله تعاىل‪[ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ] حيث مل يأمر اهلل سبحانه وتعاىل بغسل فم الكلب‪ ،‬ولو كان جنسًا‬ ‫‪5‬‬

‫ملا جاز أكل ما يصيده‪ .‬قال اإلمام مالك يف الكلب‪ :‬يؤكل صيده‪ ،‬فكيف يكره لعابه؟( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫ِك‬
‫‪ -‬واستدلوا أيضًا مبا رواه البخاري عن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال ‪َ":‬ك اَنْت اْل اَل ُب‬
‫َتُبوُل َو ُتْق ِبُل َو ُتْد ِبُر يِف اْلَمْس ِج ِد يِف َز َم اِن َرُس وِل الَّلِه ‪َ -‬ص َّلى الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم ‪َ -‬فَلْم َيُك وُنوا َيُر ُّشوَن‬
‫()‬‫‪7‬‬

‫َش ْيًئا ِم ْن َذِلَك "( )‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫‪12‬‬
‫(?)هو‪ :‬الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى بن سورة بن موسى الضحاك السلمي‪ .‬ولد سنة ‪ 210‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 279‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .4/278 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .13/270 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/322 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬الرتمذي‪ ،‬أبواب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء يف سؤر الكلب‪ ،1/151 ،‬رقم احلديث‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/48 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/47 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/237 ،‬وانظر‪ :‬ابن دقيق العيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.78-77‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة املائدة ‪ ،‬جزء من اآلية‪.4 :‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/116 ،‬وانظر‪ :‬ابن رشد اجلد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد القرطيب‪ ،‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في‬
‫مسائل المستخرجة‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حجي‪ ،‬ط‪(، 2‬لبنان‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ 1408 ،‬هـ ‪ 1988 -‬م )‪.1/188 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫شيئا من ذلك‪ ،‬أي ينضحونه باملاء"‪ .‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫(?)جاء يف لسان العرب ‪":‬رشه باملاء يرشه رشا نضحه‪ .‬ويف احلديث‪ :‬فلم يكونوا يرشون ً‬
‫مادة‪":‬رشش"‪.304-6/303 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب املاء الذي يغسل به شعر اإلنسان‪ ،1/77،‬رقم احلديث ‪.174‬‬

‫‪63‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ووجه الداللة من هذا احلديث أنه مل يأت أمر من النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بصب املاء على‬
‫ما أتت عليه الكالب كما حدث مع بول األعرايب يف املسجد‪ ،‬وال هي ُمِنعَت من دخول املسجد لو‬
‫كانت جنسة‪ ،‬فدل ذلك على طهارهتا ‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا – أيضًا ‪ -‬مبا رواه أبو هريرة‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬سئل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬عن احلياض اليت تكون فيما بني مكة واملدينة‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن الكالب والسباع ترد عليها‪.‬‬
‫فقال‪َ ":‬هَلا َم ا َأَخ َذ ْت ىِف ُبُطوَهِنا‪َ ،‬و َلَنا َم ا َبِق َى َش َر اٌب َو َطُه وٌر "( )‪ .‬قال القرطيب‪ ":‬وهذا نص يف طهارة‬
‫‪1‬‬

‫الكالب‪ ،‬وطهارة ما تلغ فيه( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -‬واستدلوا ‪ -‬أيض ‪ -‬مبا رواه ابن عمر‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬خرج رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ًا‬
‫‪ -‬رضي‬ ‫عمر‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫له‬ ‫يف بعض أسفاره فسار ليالً‪ ،‬فمروا على رجل جالس عند مقراة( )‬
‫‪3‬‬
‫عليه وسلم ‪-‬‬
‫اهلل عنه ‪ :-‬أولغت السباع الليلة يف مقراتك؟ فقال له النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ":-‬ا اِح اْل ْق اِة‬
‫َي َص َب َم َر‬
‫ا َط ورٌ"( )‪.‬‬ ‫ِق‬
‫‪ ،‬اَل ْخُتْرِبُه‪َ ،‬ه َذ ا ُمَتَك ِّلٌف – ويف رواية تكلف‪َ -‬هَلا َم ا َمَحَلْت يِف ُبُطوَهِنا‪َ ،‬و َلَنا َم ا َب َي َش َر ٌب َو ُه‬
‫‪4‬‬

‫قالوا‪ :‬وقد دل حديث ابن عمر‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬على طهارة السباع‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬إن األمر بغسل اإلناء هو شأن تعبدي؛ وذلك لأن الغسل قد دخله العدد‪ ،‬وألنه ُجعل‬
‫للرتاب فيه مدخل؛ لقول عليه الصالة السالم‪َ" :‬و َعفُر وه الثاِم َنَة ِبالرتاب"‪ .‬ولو كان للنجاسة ملا كان‬
‫للعدد وال للرتاب فيه مدخل كالبول‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬وقد جعل صلى اهلل عليه وسلم اهلر وما ولغ فيه طاهراً‪ ،‬واهلر سبع ال خالف يف ذلك؛‬
‫ألنه يفرتس ويأكل امليتة؛ فكذلك الكلب وما كان مثله من السباع؛ ألنه إذا جاء نص يف أحدمها كان‬
‫نصا يف اآلخر‪ ،‬وهذا من أقوى أنواع القياس( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ً‬

‫‪1‬‬
‫(?) الدارقطين‪ ،‬علي ابن عمر‪ ،‬سنن الدارقطني‪ ،‬حتقيق‪:‬شعيب األرنؤوط وآخرون‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ 1424 ،‬هـ‪2004 -‬م)‪،1/36 ،‬‬
‫حديث رقم ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪. 15/431 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)املقراة‪ :‬هي احلوض العظيم جيتمع فيه املاء‪ ،‬وقيل‪ :‬املقراة‪ ،‬واملقري‪ :‬ما اجتمع فيه املاء من حوض وغريه‪ .‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬قرا"‪،‬‬
‫‪.15/178‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الدارقطين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،1/26 ،‬حديث رقم ‪.34‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.432-15/431 ،‬‬

‫‪64‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وحكموا بشذوذ لفظة " فلريقه" يف حديث األعمش( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬؛ ألن أصحابه الثقات‬
‫‪1‬‬

‫احلفاظ مثل شعبة( )‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وغريه مل يذكروها( )‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫مناقشة الجمهور ألدلة المالكية‪:‬‬


‫ناقش اجلمهور أدلة املالكية فقالوا‪:‬‬
‫‪ -‬فأما احتجاجكم بقوله تعاىل [ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ]( )‪ ،‬فال حجة لكم فيه؛ ألن اهلل تعاىل أمر بأكله‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫والنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أمر بغسله‪ ،‬فيعمل بأمرمها‪ ،‬وإن سلمنا أنه ال جيب غسله؛ فألنه يشق‪،‬‬
‫فعفي عنه( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقالوا‪" :‬إن إباحة األكل مما أمسكن ال تنايف وجوب تطهري ما تنجس من الصيد‪ ،‬وعدم األمر‬
‫لالكتفاء مبا يف أدلة تطهري النجس من العموم‪ ،‬ولو سلم فغايته الرتخيص يف الصيد خبصوصه"( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -‬وأجابوا عن حديث بول الكالب يف املسجد بأن ذلك كان يف ابتداء احلال على أصل‬
‫اإلباحة‪ ،‬مث ورد األمر بتكرمي املساجد وتطهريها‪ ،‬وجعل األبواب عليها( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫وأما جمرد اإلقبال واإلدبار‪ ،‬فال يدالن على الطهارة؛ وذلك الحتمال أن يكون ترك الغسل لعدم‬
‫تعيني موضع النجاسة‪ ،‬أو لطهارة األرض باجلفاف‪ ،‬أو ألهنا إهنا كانت تبول خارج املسجد يف مواطنها‪،‬‬
‫مث تقبل وتدبر يف املسجد( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬األعمش‪ ،‬أبو حممد سليمان بن مهران األسدي الكاهلي امللقب‪ .‬ولد سنة ‪ 61‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 148‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪/2 ،‬‬
‫‪ .400‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/226 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.135 /3 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬شعبة بن احلجاج بن الورد العتكي الأزدي الواسطي‪ .‬ولد سنة ‪ 80‬هـ‪ ،‬وقيل سنة ‪ 82‬هـ ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 160‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .469 /2‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/202 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.164 /3 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/369 ،‬وانظر‪ :‬ابن ججر‪ ،‬مرجع سابق‪.1/275 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة املائدة ‪ ،‬جزء من اآلية‪.4 :‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/48 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.1/173 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/334 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.1/173 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وأما عن حديث أيب هريرة‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فقد قال اإلمام الطحاوي( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪": -‬‬
‫‪1‬‬

‫أن هذا احلديث ليس من األحاديث اليت حيتج مبثلها؛ ألنه إمنا دار على عبد الرمحن بن زيد بن أسلم( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وحديثه عند أهل العلم باحلديث يف النهاية من الضعف"( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫وقال ابن اجلوزي( )‪ -‬رمحه اهلل ‪ ":-‬عبد الرمحن بن زيد ضعيف بإمجاعهم "( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأما حديث ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ،-‬فقد قال ابن اجلوزي عنه‪":‬وهذا ال يصح"( )‪ ،‬وعلى‬
‫‪6‬‬

‫فرض صحة هذا احلديث‪ ،‬فغاية ما يستفاد منه طهارة سؤر السباع وسائر احليوان غري الكلب واخلنزير‪،‬‬
‫فأما الكلب فلوجود النص الصريح بغسل ما يلغ فيه سبعًا‪ ،‬وأما اخلنزير فلقوله تعاىل [ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫(‪)7‬‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ]‬
‫‪ -‬وأما عن القول‪ :‬بأن الغسل للتعبد وليس للنجاسة‪ ،‬فأجاب اجلمهور عن ذلك بأن داللة ظاهر‬
‫احلديث على خالف ما ذكرمتوه‪ ،‬وعلى فرض أنه حيتمل النجاسة أو التعبد فإن حديثي مسلم" َطُه وُر‬
‫َّر اٍت ُأواَل َّن ِبالُّت اِب " واآلخر" ِإَذا َل اْلَكْل يِف ِإَناِء‬ ‫ِس‬ ‫ِف ِه‬ ‫ِإ ِء ِد ِإ‬
‫َو َغ ُب‬ ‫َر‬ ‫ُه‬ ‫َنا َأَح ُك ْم َذا َو َلَغ ي اْلَكْلُب َأْن َيْغ َلُه َس ْبَع َم‬
‫َأَح ِدُك ْم َفْلِرُي ْقُه َّمُث ِلَيْغِس ْلُه َس ْبَع ِم َر ار " قد رجحا النجاسة‪ ،‬وبينا املراد‪ ،‬ولو كان سؤره ً‬
‫طاهرا ملا أمرنا‬
‫بإراقته( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن سلمة بن عبدامللك الأزدي‪ .‬ولد سنة ‪239‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 321‬هـ‪ .‬انظر ‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .71 /1 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪.15/27 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬عبد الرمحن بن زيد بن أسلم املديني‪ .‬تويف سنة ‪182‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬أبو عبداهلل إمساعيل بن إبراهيم‪ ،‬التاريخ الكبير‪( ،‬لبنان‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية)‪.5/284 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.2/365 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)الطحاوي‪ ،‬أبو جعفر أمحد بن حممد بن سالمة بن عبد امللك األزدي‪ ،‬شرح مشكل اآلثار‪ ،‬حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪ 1994 -‬م)‪. 7/67 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن الفرج‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن علي ابن عبيداهلل‪ .‬ولد سنة ‪ 509‬هـ أو ‪510‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 597‬هـ‪.‬انظر ‪ :‬ابن خلكان‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .140 /3 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .21/365 ،‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪.8/7 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن اجلوزي‪ ،‬أبوالفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن علي ابن عبيداهلل‪ ،‬التحقيق في أحاديث الخالف‪ ،‬حتقيق‪:‬عبداملعطي أمني قلعجي‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪:‬‬
‫دار الوعي العريب‪ ،‬دمشق‪ :‬دار ابن عبدالرب‪1419 ،‬هـ‪1998-‬م)‪.1/56 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)ابن اجلوزي‪ ،‬التحقيق يف أحاديث اخلالف‪ ،‬مرجع سابق‪.1/56 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) سورة األنعام ‪ ،‬اآلية‪.145 :‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.58-3/57 ،‬‬

‫‪66‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وقالوا ‪ :‬إن األصل وجوب الغسل من النجاسة؛ ولو كان تعبداً ملا أمرنا بإراقة املاء‪ ،‬وملا‬
‫اختص الغسل مبوضع الولوغ‪ ،‬مث إن احلكم مىت دار بني كونه تعبًد ا‪ ،‬أو معقول املعىن‪ ،‬كان محله على‬
‫معقول املعىن أوىل؛ لنذرة التعبد بالنسبة إىل األحكام املعقولة املعىن( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬وأما عن احتجاجكم بأن الغسل قد دخله العدد‪ ،‬وهلذا ينتفي معه القول بعلية النجاسة‪،‬‬
‫فنسوق لكم ما أجاب به اإلمام ابن رشد احلفيد ( ) املالكي حيث قال‪ ":‬وما اعرتضوا به من أنه لو كان‬
‫‪2‬‬

‫ذلك لنجاسة اإلناء ملا اشرتط فيه العدد‪ ،‬فغري نكري أن يكون الشرع خيص جناسة دون جناسة حبكم دون‬
‫تغليظا هلا"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ً‬ ‫حكم‬
‫‪ -‬وأما عن قياسكم الكلب على اهلرة جبامع أن اهلر سبع والكلب كذلك‪ ،‬أو أهنما من الطوافني‪،‬‬
‫وأن طهارة اهلرة تقتضي طهارة سؤر الكلب‪ ،‬فهذا قياس فاسد االعتبار يف مقابلة النص؛ فإن سلمنا أهنما‬
‫يشرتكان يف كوهنما من السباع‪ ،‬وأهنما من الطوافني‪ ،‬فال نسلم لكم باشرتاكهما يف الطهارة‪ ،‬وذلك أن‬
‫الشارع احلكيم أثبت طهارة اهلرة لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ِ":‬إهَّن ا ليست بنجسٍ؛ ِإهَّن ا من الَّطَّو افني‬
‫عليكم والَّطَّو افات"( )‪ ،‬وأَم َر يف الوقت نفسه بغسل اإلناء الذي يشرب منه الكلب سبًعا‪ ،‬ولو كان سؤره‬ ‫‪4‬‬

‫طاهرًا لعد األمر النبوي نوعًا من اللغو‪ ،‬وأحكام الشرع منزهة عن العبث واللغو‪ ،‬فتقرر أن للكلب‬
‫حكمًا زائدًا عن اهلرة أال وهو جناسة سؤره‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .48-1/47 ،‬ابن دقيق العيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.77‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أيب القاسم أمحد ابن حممد بن أمحد‪.‬ولد ‪ 520‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 595‬هـ‪ .‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪.21/307 ،‬‬
‫الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.318 /5 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن رشد احلفيد‪ ،‬حممد بن أمحد‪ ،‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد صبحي حسن حالق‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪1415 ،‬هـ)‪،‬‬
‫‪.1/85‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)رواه أبوداود‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب سؤر اهلرة‪ ،‬ص‪ ،185-184‬رقم احلديث ‪. 76‬والنسائي‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب سؤر اهلرة‪ ،‬صـ‪ ،19‬رقم احلديث‬
‫‪ .68‬وابن ماجة‪ ،‬كتاب الطهارة وسننها‪ ،‬باب الوضوء بسؤر اهلرة والرخصة فيه‪ ،1/228 ،‬رقم احلديث ‪ .367‬والرتمذي‪ ،‬أبواب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء‬
‫يف سؤر اهلرة‪ ،154-1/153 ،‬رقم احلديث ‪ .92‬قال اإلمام ابن امللقن‪ ":‬هذا احلديث صحيح مشهور‪ ،‬رواه األئمة األعالم‪ ،‬حفاظ اإلسالم"‪ .‬وقال الشيخ‬
‫األلباين يف حتقيقه ملشكاة املصابيح عند تعليقه على هذا احلديث‪ ":‬إسناده حسن‪..‬وله طرق وشواهد يرتقي هبا إىل درجة الصحيح"‪.‬انظر‪ :‬ابن امللقن‪ ،‬سرج‬
‫الدين عمر بن علي بن أمحد‪ ،‬البدر المنير في تخريج األحاديث واآلثار الواقعة في الشرح الكبير‪ ،‬حتقيق‪ :‬جمموعة حمققني‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار اهلجرة‬
‫للنشر والتوزيع‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م)‪ .1/552 ،‬التربيزي‪ ،‬حممد بن عبداهلل اخلطيب‪ ،‬مشكاة المصابيح‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد ناصر الدين االلباين‪ ،‬ط‪ ( ،2‬لبنان‪:‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪1399 ،‬هـ‪1979-‬م)‪ ،1/150،‬حديث رقم ‪ 482‬و ‪ .483‬السجستاين‪ ،‬أبو داود سليمان بن األشعث‪ ،‬السنن‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد عوامة‪ ،‬ط‬
‫‪( ،2‬السعودية‪ :‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية‪ ،‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪1425 ،‬هـ‪2004 -‬م)‪ .‬ابن ماجة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين‪ ،‬سنن ابن ماجة‬
‫بشرح السندي‪ ،‬حتقيق‪:‬خليل مأمون شيحا‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار املعرفة‪1416 ،‬هـ‪1996 -‬م)‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قال الشافعي‪ ":‬ويف قول رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف اهلر (إنه ليس بنجس) دليل‬
‫على أن يف احليوان من البهائم ما هو جنس وهو حي‪ ،‬وما ينجس ولوغه‪ .‬قال‪ :‬وال أعلمه إال الكلب‬
‫املنصوص عليه دون غريه"( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأجيب عن تضعيفهم للفظة "فلريقه"بسبب تفرد أحد رواة احلديث‪ ،‬وهو علي بن ُمسْه ر( ) ‪ :‬بأن‬
‫‪2‬‬

‫هذا الرواي ثقة احتج به صاحبا الصحيحني‪ ،‬ووثقه مجع كثٌري من أئمة اجلرح والتعديل( )‪ ،‬فال يضر‬
‫‪3‬‬

‫تفُّر ده السيما وأن احلكم بنجاسة اإلناء يستلزم اإلراقة والبد( )‪ .‬وقد أخرج الدارقطين( ) يف سننه احلديث‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫بلفظ "ِإَذا َو َلَغ اْلَكْلُب يِف ِإَناِء َأَح ِدُك ْم فلُيهرقُه‪َ ،‬و لَيغسلُه َس ْبَع َم َّر اٍت "( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫زبدة القول يف هذا املطلب أّن قول مجهور الفقهاء من احلنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬بنجاسة‬
‫سؤر الكلب ‪-‬خالفًا للمالكية‪ -‬هو القول األظهر‪ ،‬وذلك لقوة أدلة اجلمهور‪ ،‬وسالمتها من املعارضة( )‪،‬‬
‫‪7‬‬

‫وهو اختيار ابن رشد احلفيد( ) من املالكية‪.‬‬‫‪8‬‬

‫وأما من ذهبوا إىل القول بنجاسة الكلب بعينه‪ -‬وهم الشافعية واحلنابلة كما مضى ذكره ‪ -‬فإمنا‬
‫فعلوا ذلك من باب القياس على اللعاب؛ وهو إن كان قياًس ا معقول املعىن‪ ،‬إال أنه قياس مع الفارق؛‬

‫‪1‬‬
‫(?)العراقي‪ ،‬زين الدين أبو الفضل عبدالرحيم‪ ،‬طرح التثريب شرح التقريب‪( ،‬لبنان‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب)‪.2/123 ،‬وانظر‪ :‬ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا‬
‫يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪.7/368 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬علي بن مسهر الكويف‪ .‬ولد سنة ‪120‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪189‬هـ‪ .‬انظر‪:‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/484 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.2/413 ،‬‬
‫العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.122-2/121 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.122-2/121 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)العتيـيب‪ ،‬إحسان بن حممد بن عايش‪ ،‬الفوائد الِعذاب فيما جاء في الكالب‪ ،‬ط‪( ،1‬األردن‪ :‬دار النفائس‪1421 ،‬هـ‪2001 -‬م)‪ ،‬صـ‪.97‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬الدارقطين‪ ،‬أبو احلسن علي بن عمر بن أمحد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد اهلل البغدادي‪ .‬ولد سنة ‪306‬هـ‪ ،‬وتويف سنة‬
‫‪385‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/297 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .16/449 ،‬الرزكلي‪ ،‬مرجع سابق‪.4/314 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)الدارقطين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،1/101 ،‬وقال عنه‪ :‬إسناد حسن‪ ،‬ورواته كلهم ثقات‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ومن هنا يظهر أن ما قاله ابن املنذر "وال أعلم مع من أثبت جناسة لعاب الكلب حجة" أنه قول بدون حجة‪ .‬انظر‪ :‬ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن‬
‫واإلمجاع واالختالف‪ ،‬مرجع سابق‪.1/308 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/85 ،‬‬

‫‪68‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وذلك – كما قال النووي – ألن األمر بالغسل سبًعا من الولوغ إمنا كان لينفرهم عن مواكلة الكلب‪،‬‬
‫وهذا مفقود يف غري الولوغ( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وميكن أن يقال أيًض ا أن ما استدل به املالكية ومعهم األحناف على طهارة الكلب على وجه‬
‫العموم ‪ -‬من غري سؤره ‪ -‬يضعف هذا القياس‪ ،‬وجيعله فاسًد ا ‪ ،‬كما أن النصوص النبوية مل تذكر إال‬
‫الولوغ‪ ،‬واألصل يف األعيان الطهارة‪ ،‬فال جيوز تنجيس شيء وال حترميه إال بدليل‪ ،‬كما قال تعاىل‪[ :‬ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ]( ) ‪ ،‬وقال تعاىل‪[ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫‪2‬‬

‫ﮡ ﮢ ﮣ]( )‪.‬وقد رخص النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف اقتناء كلب الصيد‪ ،‬واملاشية‪ ،‬واحلرث‪ ،‬وال بد‬ ‫‪3‬‬

‫ملن اقتناه أن يصيبه رطوبة شعوره‪ ،‬كما تصيبه رطوبة البغل‪ ،‬واحلمار‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فالقول بنجاسة‬
‫شعورها واحلال هذه من احلرج املرفوع عن األمة( ) ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫قال أبو العباس ابن تيمية( ) – رمحه اهلل ‪" -‬وأما الكلب فقد تنازع العلماء فيه على ثالثة أقوال‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أحدها ‪ :‬أنه طاهر حىت ريقه ‪ ،‬وهذا هو مذهب مالك ‪.‬‬


‫والثاين ‪ :‬جنس حىت شعره ‪ ،‬وهذا هو مذهب الشافعي‪ ،‬وإحدى الروايتني عن أمحد ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬شعره طاهر‪ ،‬وريقه جنس‪ ،‬وهذا هو مذهب أيب حنيفة وأمحد يف إحدى الروايتني عنه‪.‬‬
‫وهذا أصح األقوال‪ ،‬فإذا أصاب الثوب‪ ،‬أو البدن رطوبة شعره‪ ،‬مل ينجس بذلك"( )‪ .‬وعلى هذا فالراجح‬
‫‪6‬‬

‫هو قول مجهور احلنفية واملالكية بطهارة شعر الكلب‪.‬‬


‫المطلب الثاني‪ ..‬هل يغسل اإلناء ثالًثا أم سبًعا أم ال حد لذلك؟‬

‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/604 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.119 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.115 :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ ،‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪( ،‬السعودية‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة املصحف‬
‫الشريف‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م)‪ 617 /21 ،‬و ‪.619‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ .‬ولد حبران سنة ‪661‬هـ‪ ،‬وتويف ‪ 728‬هـ‪ .‬انظر‪:‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .22/288‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪. 21-7/11 ،‬البخاري ‪ ،‬صفي الدين احلنفي‪ ،‬القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين بن تيمية الحنبلي‪،‬‬
‫(دمنهورت‪ :‬دار لينة للنشر والتوزيع)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.21/530 ،‬‬

‫‪69‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعني ومن بعدهم إىل غسل اإلناء الذي ولغ فيه الكلب‬
‫سبع مرات( )‪ .‬واختار أبوحنيفة عدم اعتبار العدد شرطًا يف طهارة اإلناء؛ ألن املعترب عنده يف النجاسات‬ ‫‪1‬‬

‫إزالة العني‪ .‬واحتج احلنفية بأن أبا هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الذي روى السبع‪ ،‬روي عنه غسل اإلناء‬
‫وموقوفا( )‪.‬واحتجوا كذلك بأن"العذرة أشد يف النجاسة‬
‫ً‬ ‫مرة من ولوغ الكلب ثالثا فعال وقوالً‪ ،‬مرفوعاً‬
‫‪2‬‬

‫من سؤر الكلب‪ ،‬ومل يقيد بالسبع‪ ،‬فيكون الولوغ كذلك من باب األوىل"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأجيب عن استدالل احلنفية بفعل أيب هريرة‪ -‬رضي اهلل عنه ‪" -‬بأن العمل مبا رواه عن النيب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬ال مبا رآه‪ ،‬وأفىت به‪ ،‬وبأنه معارض مبا روي عنه أيضًا‪ :‬أنه أفىت بالغسل سبعًا‪،‬‬
‫وهي أرجح سندًا‪ ،‬وترجح أيضًا بأهنا توافق الرواية املرفوعة"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقالوا ‪" :‬العربة مبا روي‪ ،‬إذ ال حجة يف املوقوف مع صحة املرفوع‪ ،‬وال يقدح ذلك فيه؛‬
‫الحتمال أن يكون نسي ما روى فأفىت خبالفه‪ ،‬وال يثبت النسخ مبجرد االحتمال"( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وأجابوا عما ذكره احلنفية من أن جناسة الكلب ال تزيد على العذرة بقوهلم "بأنه ال يلزم من‬
‫كوهنا أشد منه يف االستقذار أن ال يكون أشد منها يف تغليظ احلكم‪ ،‬وبأنه قياس يف مقابلة النص‪ ،‬وهو‬
‫فاسد االعتبار"( )‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫والذي يظهر ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن اإلناء يغسل سبًعا إحداهن بالرتاب لصحة األحاديث اآلمرة‬
‫بذلك‪ ،‬وقد تقرر يف أصول الفقه أن(األمر يقتضي الوجوب ما مل تصرفه قرينة)‪ ،‬وال قرينة صارفة هاهنا‪.‬‬
‫وأما ماعدا ذلك من األقوال فال يلتفت هلا؛ لضعفها ومعارضتها لألحاديث الصحيحة‪ ،‬وقد قال ابن عبد‬
‫الرب ردًا على من قال بغسل اإلناء مخسًا‪ ،‬أو ثالثًا‪ ،‬أو بدون حد‪ ":‬قد ثبت عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يف هذا ما يرد هؤالء‪ ،‬فال وجه لالشتغال به"( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/365 ،‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/238 ،‬وانظر‪ :‬ابن رشد‬
‫احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/84 ،‬العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/124 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.3/60 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/277 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الصنعاين‪ ،‬حممد بن إمساعيل األمري الكحالين‪ ،‬سبل السالم الموصلة إلى بلوغ المرام‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد صبحي حالق‪ ،‬ط‪( ،2‬السعودية‪ :‬دار ابن اجلوزي‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2001 -‬م)‪.1/118 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/124 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/333 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪.7/366 ،‬‬

‫‪70‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وإذا ولغ كلبان أو أكثر‪ ،‬أو ولغ كلب واحد مرات‪ ،‬فالصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مراٍت ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المطلب الثالث‪ ..‬هل يلزم إدخال التراب لغسل اإلناء‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء يف إدخال الترتيب( ) يف غسل اإلناء‪ ،‬فذهب الشافعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبو ثور‪ ،‬وأكثر‬
‫‪2‬‬

‫الظاهرية( ) إىل اشرتاط الترتيب استدالاًل برواية مسلم"ُأواَل ُه َّن ِبالُّتَر اِب "‪ ،‬وأما احلنفية ( ) فعندهم إن‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫كانت النجاسة غري مرئية‪ ،‬فإهنم يوجبون غسلها ثالث مرات من غري فرق بني جناسة الكلب وغريه‪،‬‬
‫لكن من غري ترتيب‪.‬‬
‫ومل ير املالكية الترتيب؛ وذلك الختالف روايات الترتيب يف احلديث‪ ،‬حيث وردت بلفظ‪:‬‬
‫إحداهن يف رواية‪ ،‬ويف أخرى بلفظ ‪ :‬أوالهن‪ ،‬ويف ثالثة بلفظ ‪ :‬أخراهن‪ ،‬ويف رابعة‪ :‬السابعة بالرتاب‪،‬‬
‫ويف خامسة وعفروه الثامنة بالرتاب‪ .‬مث إن مالًك ا مل يقل‪ :‬بالتعفري؛ ألنه ليس يف روايته ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وأجيب عن مسألة الترتيب‪ :‬إن "يف رواية ابن سريين( ) زيادة‪" :‬الرتاب" وقال هبا الشافعي‬
‫‪6‬‬

‫وأصحاب احلديث‪ ،‬وليست يف رواية مالك هذه الزيادة‪ :‬فلم يقل هبا‪ ،‬والزيادة من الثقة مقبولة‪ ،‬وقال هبا‬
‫غريه"( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫وأما عن اضطراب رواية الترتيب " فأجيب بأن املقصود حصول الترتيب يف مرة من املرات‪،‬‬
‫وبأن إحداهن مبهمة وأوالهن معينة‪ ،‬وكذلك أخراهن والسابعة والثامنة‪ ،‬ومقتضى محل املطلق على‬
‫املقيد أن حتمل املبهمة على إحدى املرات املعينة‪ ،‬ورواية أوالهن أرجح من حيث األكثرية واألحفظية‬
‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/238 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/259 ،‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/182 ،‬القاضي عبدالوهاب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.1/178 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ترتيبا إذا تلوث بالرتاب‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع‬
‫(?)أترب الشيء ‪ :‬وضع عليه الرتاب‪ ،‬فترتب أي تلطخ بالرتاب‪ ،‬وترتب‪ :‬لزق به الرتاب‪...‬وترتب فالن ً‬
‫سابق‪ ،‬مادة‪":‬ترب"‪.1/228 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬حمي الدين أبو زكريا‪ ،‬منهاج الطالبين وعمدة المفتين‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حممد طاهر شعبان‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار املنهاج للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫‪1426‬هـ‪2005-‬م)‪ ،‬صـ‪ .80‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/169 ،‬العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/128 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق ‪ .3/60‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/87 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/259 ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/276 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن سريين‪ ،‬حممد األنصاري األنسي‪ .‬ولد سنة ‪33‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 110‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/181 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .4/622‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/154 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن دقيق العيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.78‬‬

‫‪71‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ومن حيث املعىن أيضا؛ ألن ترتيب اآلخرة يقتضي االحتياج إىل غسله أخرى لتنظيفه"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال النووي‪ ":‬وأما رواية (َو َعِّف ُر وُه الَّثاِم َنَة يِف الُّتَر اِب ) فمذهبنا ومذهب اجلماهري‪ :‬أن املراد‪:‬‬
‫اغسلوه سبًعا واحدة منهن بالرتاب مع املاء‪ ،‬فكأن الرتاب قائم مقام غسلة؛ فسميت ثامنة هلذا"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والذي يرتجح هو قول اجلمهور بوجوب الترتيب ملوافقته الدليل الصحيح‪ ،‬وأنه مىت غسل اإلناء‬
‫الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات إحداهن بالرتاب‪ ،‬فقد حصل املقصود‪ ،‬وإن كان األظهر أن تكون‬
‫غسلة الرتاب هي األوىل‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪..‬هل تقوم المطهرات الحديثة مقام التراب أم ال؟‬
‫مر معنا اشرتاط الشافعية‪ ،‬واحلنابلة للرتاب لتنظيف اإلناء الذي ولغ فيه الكلب‪ ،‬لكن هل من‬
‫املمكن االستعاضة عن الرتاب باملطهرات احلديثة كاألشنان (األمحاض) والصابون أم ال؟قال‬
‫الشافعية‪":‬وال يقوم الصابون‪ ،‬والأشنان‪ ،‬وحنومها مقام الرتاب على األظهر كالتيمم"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أما احلنابلة‪ ،‬فقد ذكر عنهم ابن قدامة روايتني؛ إحدامها‪ :‬أن ذلك ال جيزئ‪ ،‬ألنه طهارة أمر فيها‬
‫بالرتاب‪ ،‬فلم يقم غريه مقامه كالتيمم؛ وألن األمر به تعبد غري معقول‪ ،‬فال جيوز القياس‪.‬واألخرى‪:‬‬
‫جيزئه؛ ألن تلك األشياء أبلغ يف اإلزالة‪ .‬مث ذكر قواًل وسًطا بني القولني ملخصه‪ :‬جواز استعمال‬
‫الصابون‪ ،‬واألشنان‪ ،‬وغريمها إذا عدم الرتاب‪ ،‬أو خشي حصول ضرر للمحل املغسول به إذا استخدم‬
‫الرتاب( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وهذا القول األخري هو األرجح؛ جلعله الرتاب املأمور به شرًعا هو األصل يف التطهري‪ ،‬وال ُيلجأ‬
‫الستعمال الصابون واألشنان وغريمها إال إذا عدم الرتاب‪ ،‬أو ترتب على ذلك ضرر باحملل املغسول فيه‪.‬‬
‫والقول بأن ذكر الرتاب إمنا هو لغرض كمال التنظيف‪ ،‬هو قول ضعيف ‪-‬كما قال اإلمام ابن دقيق‬
‫‪1‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪ .179 /1 ،‬وانظر ‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/276 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/238 ،‬وانظر‪ :‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.312-1/311 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬حمي الدين أبو زكريا‪ ،‬روضة الطالبين‪ ،‬حتقيق‪:‬عادل أمحد عبداملوجود‪ ،‬وعلي حممد معوض‪( ،‬السعودية ‪ :‬دار عامل املكتبات‪1423 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2003‬م)‪ .1/142 ،‬وانظر‪ :‬العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/133 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.54-1/53 ،‬‬

‫‪72‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫العيد( )‪ -‬وذلك"ألن النص إذا ورد بشيء معني‪ ،‬واحتمل معىن خيتص بذلك الشيء‪ ،‬مل جيز إلغاء النص‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وإطراح خصوص املعني فيه‪ .‬واألمر بالرتاب ‪ -‬وإن كان حمتملًا ملا ذكروه وهو زيادة التنظيف ‪ -‬فال‬
‫جنزم بتعيني ذلك املعىن‪ ،‬فإنه يزامحه معىن آخر‪ ،‬وهو اجلمع بني مطهرين‪ -‬أعين‪ :‬املاء‪ ،‬والرتاب‪ .-‬وهذا‬
‫املعىن مفقود يف الصابون‪ ،‬واألشنان"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫المطلب الخامس‪..‬حكم الوضوء بما ولغ فيه الكلب‪ ،‬أو إذا لم يجد ماء غيره‬
‫تقدم بيان مذاهب أهل العلم يف حكم جناسة سؤر الكلب‪ ،‬فمن حكم منهم بنجاسته – وهم‬
‫اجلمهور‪ -‬منع من التطهر باملاء الذي ولغ فيه‪ ،‬ومن رأى منهم سؤره طاهًر ا – وهو مذهب مالك‬
‫ومجاعة ‪ -‬فأجاز الوضوء به( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال الزهري‪ ":‬إذا ولغ يف إناء ليس له وضوء غريه يتوضأ به"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وجاء يف املدونة‪":‬قال مالك‪ :‬يف اإلناء يكون فيه املاء يلغ فيه الكلب يتوضأ به رجل؟ قال‪ :‬إن‬
‫توضأ به صلى أجزأه‪ .‬قال‪ :‬ال أرى عليه إعادة‪ ،‬وإن علم يف الوقت‪ ،‬وال غريه"( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقال أبو العباس ابن تيمية‪":‬وأما التوضؤ مباء الولوغ‪ ،‬فال جيوز عند مجاهري العلما‪ ،‬بل يعدل عنه‬
‫إىل التيمم "( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وقد تقرر سابًق ا أن مجاهري أهل العلم ‪ -‬خالًفا للمالكية ‪ -‬قالوا بنجاسة سؤر الكلب‪ ،‬وهلذا‬
‫منعوا من التوضؤ باملاء الذي ولغ فيه لنجاسته‪ ،‬ومن مل جيد ماًء غري ماء الولوغ‪ ،‬فإنه يعدل عنه إىل‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن دقيق العيد‪ ،،‬حممد بن علي بن وهب بن مطيع القشريي‪ .‬ولد سنة ‪ 625‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 702‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.11 /8 ،‬‬
‫الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.283 /6 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن دقيق العيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.81‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)اخلطايب‪ ،‬أبوسليمان محد بن حممد‪ ،‬معالم السنن‪ ،‬ط‪( ،1‬سوريا‪ :‬مطبعة حممد راغب الطباخ‪1351 ،‬هـ‪1932-‬م)‪ .1/40 ،‬وانظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح‬
‫الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/327 ،‬وانظر‪ :‬ابن بطال‪ ،‬أبو احلسن علي بن خلف بن عبد امللك‪ ،‬شرح صحيح البخارى‪ ،‬حتقيق‪:‬ياسر بن إبراهيم‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫(السعودية‪:‬مكتبة الرشد‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م)‪.1/266 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/76،‬ابن بطال‪ ،‬مرجع سابق‪.1/264 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪.116-1/115 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.21/80 ،‬‬

‫‪73‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫التيمم؛ ألن الوضوء ال جيوز مباء جنس‪ ،‬وهذا القول هو األظهر‪ ،‬وإذا كان الفقهاء قد اختلفوا يف جواز‬
‫الوضوء باملاء املستعمل الذي أصله طاهر‪ ،‬فمن باب أوىل منع الوضوء باملاء النجس‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ ..‬هل تقاس نجاسة الخنزير على نجاسة الكلب ؟‬
‫(‪)2‬‬
‫ذهب مجهور الفقهاء من احلنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة( )إىل جناسة عني اخلنزير‪.‬واختار املالكية‬
‫‪1‬‬

‫طهارته ( )طاملا الزال حًيا؛ وذلك ألن األصل يف كل حي الطهارة‪ ،‬والنجاسة أمر عارض‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫واألرجح أن التسبيع ال جيب من جناسة اخلنزير؛ ألن األصل عدم الوجوب حىت يرد الشرع ‪،‬‬
‫وهذا مذهب كثري العلماء( )‪ ،‬واختاره النووي وقال عنه‪":‬وهذا هو املختار"( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأما عن تطهري جناسة اخلنزير‪ ،‬فقد ذهب الشافعية‪ ،‬واحلنابلة( ) إىل غسلها سبعًا إحداهن بالرتاب‬
‫‪6‬‬

‫قياًس ا على تطهري جناسة الكلب‪ .‬وعند احلنفية( )يغسل اإلناء ثالًثا كما احلال مع اإلناء الذي ولغ فيه‬
‫‪7‬‬

‫الكلب‪ .‬وأما املالكية فمع قوهلم بطهارة الكلب واخلنزير‪ ،‬فإهنم يرون الغسل خاًص ا بالكلب دون غريه‪،‬‬
‫ولو كان خنزيًر ا( )‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫المطلب السابع‪ ..‬حكم بول الكلب وروثه‪.‬‬


‫نقل غري واحد من أهل العلم االتفاق على جناسة بول الكلب( )‪ ،‬لكن وقع اخلالف يف كيفية‬
‫‪9‬‬

‫الطهارة من بول الكلب وعذرته‪ ،‬هل يأخذ حكم سؤره من ناحية التطهري؟‬
‫‪1‬‬
‫(?)السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/48 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/586 ،‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ . 1/310 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.47-1/46 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الدردير‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/43 ،‬وانظر‪ :‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪.1/181 ،‬اآليب األزهري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/10 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) وهو املشهور من املذهب‪ .‬انظر‪ :‬الغرياين‪ ،‬الصادق بن عبدالرمحن‪ ،‬مدونة الفقه المالكي وأدلته‪ ،‬ط‪(،3‬ليبيا ‪ :‬تشاركية املقري‪ ،‬وبن محودة‪ ،‬ومكتبة‬
‫الشعب‪2005 ،‬م )‪.1/50،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/126 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/604 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/604 ،‬وقد خالف النووي مشهور مذهبه القاضي بوجوب التسبيع مع الرتاب‪.‬انظر‪ :‬املاوردي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .1/316 ،‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.3/238 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/316 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.1/169 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/87 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)قال احلطاب"وهو الظاهر من املذهب‪.‬قال ابن رشد‪ :‬وهو الصحيح"انظر‪ :‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/258 ،‬‬
‫‪9‬‬
‫(?)قال البيهقي‪ ":‬أمجع املسلمون على جناسة بول الكلب "‪.‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/586 ،‬وانظر‪ :‬بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة‬
‫القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.3/60 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يرى احلنفية أن النجاسات على نوعني‪:‬‬


‫مرئية‪ :‬وطهارهتا بزوال عينها‪ ،‬وال عربة بالعدد؛ ألن العربة بالعني‪ ،‬فإن زالت العني زالت النجاسة‪،‬‬
‫وإن بقيت بقيت‪.‬‬
‫وغري مرئية‪ :‬وهذه تغسل ثالًثا‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإن بول الكلب وروثه يغسالن حىت يزول عني‬
‫النجاسة‪.‬‬
‫أما املالكية‪ ،‬فقد تقدم القول أهنم ال يرون إحلاق الكلب باخلنزير؛ ألنه تعبد على املشهور عندهم‪.‬‬
‫وأما الشافعية واحلنابلة فقد تقدم أهنم اختاروا القول بنجاسة عني الكلب‪ ،‬وشعره‪ ،‬وبوله‪،‬‬
‫وعذرته‪ ،‬وال يفرقون بني ولوغ الكلب بلسانه‪ ،‬أو إذا أدخل رجله إىل اإلناء حيث يوجبون الغسل سبًعا‬
‫مع الترتيب( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقد احتجوا بأن البول أعظم من الريق( )؛ بل هو أخبث وأقذر‪ ،‬وإذا كان لعاب الكلب يغسل‬
‫‪2‬‬

‫سبًعا‪ ،‬فمن باب أوىل بوله‪ ،‬وروثه ‪ ،‬وقد مال النووي إىل القول بأنه يكتفى بغسله ‪ -‬يف غري الولوغ ‪-‬‬
‫مرة كسائر النجاسات‪ ،‬وقال‪":‬وهذا الوجه متجه وقوي من حيث الدليل؛ لأن الأمر بالغسل سبعًا من‬
‫الولوغ إمنا كان لينفرهم عن مواكلة الكلب‪ ،‬وهذا مفقود يف غري الولوغ "( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ولكن يشكل على مذهب اجلمهور – أي الشافعية واحلنابلة ‪ -‬أن األصل يف سائر النجاسات من‬
‫حيض‪ ،‬وبول اآلدمي‪ ،‬وغائطه وغريها أهنا تغسل حىت تذهب عينها‪ ،‬وهم قاسوا تطهري جناسة بول‬
‫وروث الكلب على تطهري لعابه‪ ،‬واليوجد دليل واضح على تعدية احلكم إىل بول الكلب وروثه‪ .‬وكون‬
‫الريق والبول والروث جنسة ال يعين متاثلها‪ ،‬وقد فرق الشرع بني بول الغالم‪ ،‬واجلارية حيث اختلفت‬
‫طريقة التطهري لكل واحد منهما‪ ،‬وهلذا فاألوىل أن يقال‪ :‬إنه إذا فارقت جناسة غريها يف طريقة التطهري‪،‬‬
‫قصر احلكم عليها حىت يوجد الدليل الصريح الذي ينقل احلكم إىل غريها( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫المطلب الثامن‪ ..‬طهارة الثوب والمكان اللذين مسهما لعاب الكلب‬

‫‪1‬‬
‫(?)البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.1/169 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.21/618 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/604 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الدبيان‪ ،‬أبوعمر دبيان بن حممد‪ ،‬أحكام الطهارة‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬مكتبة الرشد‪1424 ،‬هـ‪2004-‬م)‪.13/672 ،‬‬

‫‪75‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وحمل النزاع‪ :‬هل حكم الولوغ خاص باإلناء فال يتعداه إىل غريه‪ ،‬أم أن ذلك خرج خمرج‬
‫الغالب؟‬
‫ذهب إىل األول املالكية؛ ألن اخلرب ورد يف املاء‪ ،‬والعبادة اليت ال يعقل معناها ال جيوز القياس‬
‫عليها( )‪ .‬وذهب إىل الثاين الشافعية( )وقالوا‪ :‬إن"مفهوم الشرط يف قوله[صلى اهلل عليه وسلم] (ِإَذا َو َلَغ )‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫يقتضي قصر احلكم على ذلك‪ ،‬لكن إذا قلنا أن األمر بالغسل للتنجيس‪ ،‬يتعدى احلكم إىل ما إذا حلس‪،‬‬
‫أو لعق مثال‪ ،‬ويكون ذكر الولوغ للغالب"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أما احلنابلة‪ ،‬فقد ذكر عنهم ابن تيمية روايتني أحدمها ‪ :‬أن التسبيع‪ ،‬والرتاب جيبا يف مجيع‬
‫جناسات الكلب من الريق‪ ،‬والعرق‪ ،‬والبول وغريها‪ ،‬وكذلك يف مجيع موارد جناسته اليت ال تتضرر‬
‫بالرتاب يف املشهور‪ .‬وأما األخرى‪ :‬فإن الرتاب ال جيب إال يف اإلناء خاصة( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫والذي يظهر – واهلل أعلم – أن التسبيع خاص بالولوغ‪ ،‬وال يتعداه إىل غريه؛ لأن الأمر بالغسل‬
‫سبعًا من الولوغ – كما قال النووي‪ -‬إمنا كان لينفرهم عن مؤاكلة الكلب‪ ،‬وهذا مفقود يف غري‬
‫الولوغ‪ .‬ويكون تطهري الثوب‪ ،‬أو املكان بإزالة عني النجاسة دون اقتصار على عدد معني‪.‬‬
‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫بعد هذا التطواف بني أقوال الفقهاء واألئمة األعالم فيما يتعلق ببعض األحكام املتعلقة بالكلب‬
‫واخلنزير‪ ،‬هذه خالصة ما توصلت إليه من نتائج فيما يتعلق مبسائل هذا املبحث‪:‬‬
‫أن سؤر الكلب جنس‪ ،‬وهو ما ذهب إليه مجاهري العلماء ‪ -‬خالًفا للمالكية‪ ،-‬ويرتتب على‬ ‫‪‬‬

‫القول بنجاسة سؤره‪ ،‬املنع من التوضؤ باملاء الذي ولغ فيه‪.‬‬


‫وجوب غسل اإلناء سبًعا إحداهن بالرتاب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬األظهر هو االقتصار على الرتاب لتنظيف اإلناء الذي ولغ فيه الكلب‪ ،‬وال يلجأ الستعمال‬
‫غريه من املطهرات إال إذا عدم الرتاب‪ ،‬أو ترتب على استعماله ضرر‪.‬‬
‫احلكم بنجاسة سؤر الكلب خمتص بولوغه‪ ،‬فلو أدخل رجله – مثًال ‪ -‬إىل اإلناء فال ينجس‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)القرايف‪ ،‬مصدر سابق‪ .1/182 ،‬مواهب اجلليل‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/254 ،‬القاضي عبدالوهاب‪ ،‬مرجع سابق ‪.1/178،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)العراقي‪ ،‬مصدر سابق‪.1/182 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/275 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬مرجع سابق‪.1/87 ،‬‬

‫‪76‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املاء خالفًا للشافعية واحلنابلة‪.‬‬


‫‪ ‬أن احلكم بنجاسة سؤر الكلب ال خيتص بكلب دون آخر‪ ،‬بل هو عام يشمل كل الكالب‬
‫سواء كانت كالبًا مأذونًا بتملكها‪ ،‬أو منهيًا عن ذلك؛ وذلك ألن لفظ "الكلب" معرف بالالم‬
‫يتستغرق كل أنواعها‪ ،‬ومل أجد دلياًل واحًد ا خيصص هذا العموم ويقيده‪.‬‬
‫أن التسبيع خيتص بالكلب فقط‪ ،‬وال جيب من جناسة اخلنزير‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬أن بول وروث الكلب يعامالن كباقي النجاسات‪ ،‬ويغسالن حىت يتم التطهري دون اإلقتصار‬
‫على عدد معني‪ ،‬وإمنا املراد هو إزالة عني النجاسة‪.‬‬
‫‪ ‬أن األحكام املتعلقة بالولوغ من تسبيع وترتيب ال تتعدى إىل غريها يف حالة حلس الكلب‪،‬‬
‫أو لعقه شيًئا جامًد ا‪ ،‬ويكون التطهري بإزالة عني النجاسة حىت يطهر املكان‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث الرابع‪ :‬حكم طهارة الخمر‪..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬


‫توطئة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪ ..‬تعريف اخلمر وحكمه‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪..‬هل اخلمر جنسة؟‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثالث‪..‬حكم املواد احملتوية على كحول‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬حكم العطور الكحولية‬ ‫‪o‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬حكم األدوية واألطعمة‬ ‫‪o‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪78‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫تتداول اخلمور‪ -‬أو املشروبات الكحولية كما تسمى‪ -‬يف ديار الغرب على نطاق واسع حيث‬
‫تباع يف األسواق‪ ،‬واحملالت التجارية املختلفة‪ ،‬وحمطات الوقود‪ .‬بل واألدهى من ذلك أهنا تدخل يف‬
‫الكثري من األطعمة‪ ،‬واملشروبات‪ ،‬ومواد التنظيف‪ ،‬والعطور‪ ،‬واألدوية‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ونظًر ا لعموم البلوى هبا‪ ،‬واستهالك عموم املسلمني يف ديار الغرب لكثري من املنتجات احملتوية‬
‫على نسب خمتلفة من الكحول(‪ ،)1‬كان من الضروري التطرق إىل هذه املسألة‪ ،‬وبيان احلكم الشرعي‬
‫فيها‪.‬‬
‫المطلب األول‪ ..‬تعريف الخمر وحكم شربها‪:‬‬
‫تعريف الخمر لغة‪:‬‬
‫وهي‪ :‬ما خامر العقل‪ .‬والتخمري‪ :‬التغطية‪ ،‬يقال‪َّ :‬مَخَر وْجَهُه‪ ،‬وِّمَخْر ِإناءك‪ .‬ومسيت اخلمر بذلك؛‬
‫كت فاختمرتْ‪ ،‬واختمارها تغري رحيها( )‪.‬وقيل‪ :‬ألهنا ْخَتُمُر العقل وتسرته‪ ،‬ويؤيد هذا ما ثبت عن‬
‫‪2‬‬
‫ألهنا تُِر ْ‬
‫عمر بن اخلطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬حيث قال‪":‬واخلمر ما خامر العقل"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫تعريف الخمر شرًعا‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء يف تعريف اخلمر‪ ،‬فذهب مجهور أهل العلم من الصحابة‪ ،‬والتابعني‪ ،‬وأئمة الفتوى‬
‫باألمصار مالك‪ ،‬والليث‪ ،‬والشافعي‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وأبي ثور إىل أن اخلمر‪ :‬ما أسكر قليله‪ ،‬أو‬
‫كثريه‪ ،‬سواء اختذت من العنب‪ ،‬أو التمر‪ ،‬أو العسل‪ ،‬أو غري ذلك( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)حترص الشركات الكبرية على إسرتضاء طائفة كبرية من املستهلكني ممن يعرفون بـ"النباتيني" حيث ختصص هلم الكثري من املنتوجات اليت ال حتتوي على‬
‫أي مكونات حيوانية‪ ،‬وتستخدم عادة بعص املصطلحات اليت تشري إىل أن السلعة نباتية مثل‪ ،"Suitable for vegans and vegetarians":‬أو‬
‫عالمة"‪ ، "V‬ومعىن تلك العبارة أهنا مناسبة للنباتيني‪ .‬لكن هذا ال يعين أن هذه السلعة ال حتتوي على الكحول؛ ألن الكحول نبايت‪ ،‬وليس حيوانًيا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ماد‪":‬مخر"‪. 4/255 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب ما جاء يف أن اخلمر ما خامر العقل من الشراب‪ ،4/13 ،‬رقم احلديث ‪ .5588‬صحيح مسلم‪،‬كتاب التفسري‪،‬‬
‫باب يف نزول حترمي اخلمر‪ ،4/2322 ،‬رقم احلديث ‪.3032‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .305-8/304 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪ .13/387 ،‬ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.206-1/205 ،‬‬

‫‪79‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وذهب أبوحنيفة إىل أن اخلمر هي‪ :‬الينء من ماء العنب إذا غال – أي فار – واشتد – أي صار‬
‫مسكًر ا‪ -‬وقذف بالزبد – أي بالرغوة‪ ،-‬وخالفه تلميذاه أبو يوسف( ) ‪ ،‬وحممد بن احلسن( ) فلم يشرتطا‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫قذف الزبد‪ ،‬واعتربا أن اخلمر هي‪ :‬ماء العنب إذا غال واشتد‪ ،‬قذف بالزبد‪ ،‬أو مل يقذف به ( )‪.‬والراجح‬
‫‪3‬‬

‫هو قول اجلمهور؛ لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬كل مسكر مخر‪ ،‬وكل مسكر حرام "( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أما حكم اخلمر فهي حرام وكبرية من الكبائر‪ ،‬وذلك بداللة الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ .‬فأّم ا‬
‫الكتاب‪ ،‬فلقوله تعاىل‪ [ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ] ( )‪ .‬وقوله تعاىل‪ [ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ‬
‫‪5‬‬

‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ] ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وأما السنة‪ ،‬فعن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪": -‬‬
‫كل مسكر حرام"( )‪.‬ويف لفظ‪":‬كل شراب أسكر‪ ،‬فهو حرام"( )‪ .‬واألحاديث قد بلغت التواتر‪ ،‬وهي‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬

‫تقطع حبرمة اخلمر‪ ،‬وأمجعت األمة قاطبة على ذلك‪ ،‬وأّن من استحلها فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪..‬هل الخمر نجسة؟‬

‫ذهب مجاهري أهل العلم‪ ،‬وعلى رأسهم األئمة األربعة‪ ،‬إىل جناسة اخلمر‪ ،‬وهو اختيار طائفة من‬
‫احملققني كابن حزم‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن جبري بن معاوية الأنصاري الكويف‪ .‬ولد سنة ‪ 113‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪182‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .378 /6 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/535 ،‬أبوالوفاء القرشي‪ ،‬مرجع سابق‪ .611 /3 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.193 /8 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)هو‪ :‬حممد بن احلسن بن فرقد الشيباين‪ .‬ولد سنة ‪131‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪187‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪. 184 /4 ،‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪/2 ،‬‬
‫‪ .247‬أبوالوفاء القرشي‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/122 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.80 /6 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.5/112،‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪.61-6/56 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.24/4 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب بيان أن كل مسكر مخر‪ ،‬وأن كل مخر حرام‪ ،3/1587 ،‬رقم احلديث ‪.2003‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة املائدة ‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.219 :‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب بيان أن كل مسكر مخر وأن كل مخر حرام‪ ،3/1585 ،‬رقم احلديث‪.2001‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب نزل حترمي اخلمر وهي من البسر والتمر‪ ،4/12 ،‬رقم احلديث ‪ .5585‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب‬
‫بيان أن كل مسكر مخر وأن كل مخر حرام‪ ،3/1585 ،‬رقم احلديث‪.2001‬‬
‫‪9‬‬
‫(?)ابن حزم‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/92 ،‬ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ ،‬الفتاوى الكبرى‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد عبدالقادر‬
‫عطا‪ ،‬ومصطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1408 ،‬هـ‪1987-‬م)‪ .3/423 ،‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني‪ ،‬مرجع سابق‪.3/183 ،‬‬

‫‪80‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬جاء يف الدر املختار ‪ ":‬وهي‪ -‬أي اخلمر‪ -‬جنسة جناسة مغلظة كالبول‪ ،‬ويكفر مستحلها"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬وقال ابن رشد احلفيد ‪":‬وأكثرهم على جناسة اخلمر‪ ،‬ويف ذلك خالف عن بعض احملدثني"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬وقال النووي ‪":‬اخلمر جنسة عندنا وعند مالك‪ ،‬وأىب حنيفة‪ ،‬وأمحد‪ ،‬وسائر العلماء"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وقال ابن قدامة ‪ ":‬واخلمر جنسة يف قول عامة أهل العلم"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وقد نقل غري واحد من أهل العلم( ) اإلمجاع على جناسة اخلمر‪ ،‬لكن هذا اإلمجاع فيه نظر‬
‫‪5‬‬

‫ملخالفة ربيعة الرأي( ) شيخ مالك‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬واملزين( ) وداود‪ ،‬وبعض املتأخرين من البغداديني‪،‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫والقرويني ممن قالوا بطهارة اخلمر( )‪ .‬ولعل مراد من قال باإلمجاع أنه يقصد إمجاع الطبقة املتأخرة من‬
‫‪8‬‬

‫اجملتهدين( )‪ ،‬وإال فقد خالف يف ذلك بعض املتقدمني كما مر بيانه‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ومن أبرز ما استدل به القائلون بنجاسة الخمر‪:‬‬


‫الدليل األول‪:‬‬
‫قوله تعاىل [ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ] ( )‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ .27-10/26 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .24/3 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/66،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/193 ،‬الدردير‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/46،‬اآليب األزهري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/9 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)الغزايل‪ ،‬أبو حامد حممد بن حممد بن حممد‪ ،‬الوجيز في فقه اإلمام الشافعي‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي معوض‪ ،‬عادل عبد املوجود‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان ‪ :‬دار األرقم بن أيب‬
‫األرقم ‪ 1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م)‪ .1/111 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/581 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.260-2/259 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/318 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.1/173 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/205 ،‬ابن مفلح احلنبلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/209 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع‬
‫شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/581 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) هو‪:‬ربيعة بن أيب عبد الرمحن فروخ التيمي املدين‪.‬تويف سنة ‪ 136‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/89 ،‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.2/288 ،‬‬
‫الصفدي‪ .14/64 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/17 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) هو‪ :‬املزين‪ ،‬أبو إبراهيم إمساعيل بن حيىي بن إمساعيل بن عمرو بن مسلم‪ .‬ولد سنة ‪175‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪264‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .1/217‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .12/492 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/17 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/581 ،‬القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.8/160 ،‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) انظر‪ :‬القيلويب‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن أمحد بن سالمة‪ ،‬و عمرية‪ ،‬شهاب الدين أمحد الربلسي‪ ،‬حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلى على‬
‫منهاج الطالبين‪ ،‬ط‪( ،3‬مصر‪ :‬شركة مكتبة ومطبعة البايب السورياي وأوالده‪1375 ،‬هـ‪1956-‬م)‪.70-1/69 ،‬‬
‫‪10‬‬
‫(?) سورة املائدة ‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬

‫‪81‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬قال املاوردي ( )–رمحه اهلل‪ ":-‬فأما اخلمر فنجس بالاستحالة‪ ،‬وهو إمجاع الصحابة ‪-‬رضي اهلل‬ ‫‪1‬‬

‫عنهم‪...-‬والداللة عليه مع إمجاع الصحابة‪ ،‬والتابعني قوله تعاىل‪[:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ] ( )‪ .‬واألرجاس‪ :‬أجناس إال ما قامت الداللة على طهارهتا‪ ،‬وألنه مائع ورد الشرع بإراقته‪ ،‬فوجب‬ ‫‪2‬‬

‫جنسا كالسمن الذائب إذا وقعت فيه فأرة"( )‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫أن يكون ً‬
‫‪ -‬وقال القرطيب ‪ ":‬فهم اجلمهور من حترمي اخلمر‪ ،‬واستخباث الشرع هلا‪ ،‬وإطالق الرجس‬
‫عليها‪ ،‬واألمر باجتناهبا؛ احلكم بنجاستها"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -‬وقال الرازي( ) ‪ -‬رمحه اهلل‪":-‬وأما اخلمر فاجلواب عنه ‪ :‬أهنا جنسة‪ ،‬فيكون من الرجس‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫فيدخل حتت قوله‪ [:‬ﭙ]‪ ،‬وحتت قوله ‪ [ :‬ﮈ ﮉ ﮊ] ( ) " ( )‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫وقالوا‪ :‬إن قرن امليسر‪ ،‬واالنصاب‪ ،‬والأزالم مع اخلمر اليضر؛ ألن هذه االشياء الثالثة الطاهرة‬
‫خرجت بالإمجاع‪ ،‬فبقيت اخلمر على مقتضى الكالم‪ .‬وقالوا‪ :‬أن قوله تعاىل[ ﭙ]يقتضي جناسة العني يف‬
‫الكل‪ ،‬فما أْخ رجه إمجاع‪ ،‬أو نّص خرج بذلك‪ ،‬وما مل ْخيرجه نّص وال إمجاع‪ ،‬لزم احلكم بنجاسته‪ ،‬ألن‬
‫خروج بعض ما تناوله العام مبخّصص من املخصصات‪ ،‬ال يسقط االحتجاج به يف الباقي‪ ،‬كما هو مقرر‬
‫يف األصول( )‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬املاوردي‪ ،‬أبو احلسن علي بن حممد بن حبيب البصري‪ .‬ولد سنة ‪ 364‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪450‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪/3 ،‬‬
‫‪ .282‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .18/64 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.327 /4 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة املائدة ‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.260-2/259 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.8/160 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)هو‪ :‬الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي‪ .‬ولد سنة ‪ 544‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 606‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪/4 ،‬‬
‫‪ .248‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.313 /6 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) األعراف‪ ،‬جزء من اآلية‪.157 :‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي‪ ،‬مفاتيح الغيب‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد عبداهلل النمر وآخرون‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1401‬هـ‪1981-‬م)‪.13/232 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?)الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني بن حممد املختار‪ ،‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ ،‬ط‪(،1‬السعودية‪:‬دار عامل الفوائد‪1426 ،‬هـ)‪.2/154 ،‬‬

‫‪82‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وأجيب عن هذا االستدالل مبا قاله النووي – وهو ممن يرى جناسة اخلمر‪ -‬بأنه "ال يظهر من‬
‫الآية داللة ظاهرة؛ لأن الرجس عند أهل اللغة‪ :‬القذر‪ ،‬وال يلزم من ذلك النجاسة‪ ،‬وكذا الأمر‬
‫بالإجتناب‪ ،‬ال يلزم منه النجاسة"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫واستدلوا كذلك حبديث أيب ثعلبة اُخلشين – رضي اهلل عنه‪ -‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا نيب اهلل‪ ،‬إنا بأرض‬
‫قوم من أهل الكتاب‪ ،‬أفنأكل يف آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكليب الذي ليس مبعلم‪ ،‬وبكليب‬
‫ذكرت من أهل الكتاب‪ ،‬فإن وجدمت غريها فال تأكلوا فيها‪ ،‬وإن مل‬
‫َ‬ ‫املعلم فما يصلح يل؟ قال‪ ":‬أما ما‬
‫جتدوا فاغسلوها وكلوا فيها‪.) ("...‬‬
‫‪2‬‬

‫ويف رواية‪:‬إنا جناور أهل الكتاب‪ ،‬وهم يطبخون يف قدورهم اخلنزير‪ ،‬ويشربون يف آنيتهم اخلمر‪،‬‬
‫فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":-‬إن وجدمت غريها فكلوا فيها واشربوا‪ ،‬وإن لم جتدوا غريها‬
‫فارحضوها باملاء‪ ،‬وكلوا واشربوا"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫معلوما من حال املشركني أهنم‬


‫ووجه الداللة من هذا احلديث أن "األصل يف هذا أنه إذا كان ً‬
‫يطبخون يف قدورهم اخلنزير‪ ،‬ويشربون يف آنيتهم اخلمر‪ ،‬فإنه ال جيوز استعماهلا إال بعد الغسل‬
‫والتنظيف"( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫وأجيب عن هذا االستدالل بأنه ال يلزم من غسل األواين جناسة اخلمر‪ ،‬ولكن األمر بالغسل إمنا‬
‫هو للخشية من مباشرة اخلنزير واخلمر احملرم تناوهلما‪.‬ولو كان الغسل ألجل النجاسة‪ ،‬مل جيعله مشروًطا‬
‫بعدم الوجدان لغريها؛ إذ اإلناء املتنجس ال فرق بينه وبني ما مل يتنجس بعد إزالة النجاسة‪ ،‬فليس ذلك‬
‫إال لالستقذار( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/581 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الذبائح والصيد‪ ،‬باب ما أصاب املعراض بعرضه‪ ،3/452 ،‬رقم احلديث ‪ .5478‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيد والذبائح‪،‬‬
‫باب الصيد بالكالب املعلمة‪ ،3/1532 ،‬رقم احلديث ‪.1930‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)سنن أيب داود‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬اآلكل يف آنية أهل الكتاب‪ ،312-4/311 ،‬رقم احلديث ‪.3839‬والرحض‪ :‬هو الغسل‪ .‬انظر‪:‬ابن منظور‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬مادة‪":‬رحض"‪.7/153 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪.4/257 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.1/257 ،‬‬

‫‪83‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قالوا‪ :‬إن مما يدل على جناسة اخلمر مفهوم املخالفة يف قوله تعاىل [ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ]( )‪ ،‬فَو ْصُف اهلل‬
‫‪1‬‬

‫شراب أهل اجلنة بأنه طهور يفهم منه أن مخر الدنيا ليست كذلك‪ ،‬ومما يؤيد هذا أن‬‫َ‬ ‫‪-‬سبحانه وتعاىل‪-‬‬
‫كل األوصاف اليت مُِدحت هبا مخر اآلخرة منفية عن مخر الدنيا( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وأجيب عن هذ االستدالل بأنه ال يوجد نص يفيد بأن الشراب الطهور يف اآلية هو مخر اآلخرة‪،‬‬
‫وقد أورد أهل التفسري يف تفسري الشراب الطهور أقوااًل خمتلفة‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو عرق يفيض من أعراضهم مثل‬
‫ريح املسك‪ .‬وقالوا هو‪ :‬من عني ماء على باب اجلنة‪ ،‬تنبع من ساق شجرة‪ ،‬من شرب منها نزع اهلل ما‬
‫كان يف قلبه من غل وغش وحسد‪ ،‬وما كان يف جوفه من أذى وقذر‪ .‬وقالوا‪ :‬إذا انتهى أهل اجلنة إىل‬
‫باب اجلنة‪ ،‬وجدوا هنالك عينني‪ ،‬فكأمنا أهلموا ذلك فشربوا من إحدامها‪ ،‬فأذهب اهلل ما يف بطوهنم من‬
‫أذى‪ ،‬مث اغتسلوا من األخرى‪ ،‬فجرت عليهم نضرة النعيم( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وعلى فرض التسليم بأن املراد يف اآلية هو مخر اآلخرة‪ ،‬فإن ذلك ال يعين أن مخر الدنيا جنس‪،‬‬
‫وغاية ما يف األمر أن مخر الدنيا ليست بطهور‪ ،‬والطهور غري الطاهر‪ ،‬وما كان غري طهور ال يعين أنه‬
‫جنس‪ ،‬بل قد يكون طاهًر ا( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫قياسا على الكلب وما ولغ فيه( )‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن احلكم بنجاستها هو من باب التغليظ والزجر عنها ً‬
‫وأجيب عن هذا الدليل بأن جناسة الكلب ليست من باب الزجر والتغليظ‪ ،‬ولو كان األمر‬
‫كذلك حلكمنا بنجاسة الكثري من احملرمات مما هي ليست جنسة باإلتفاق كالتماثيل‪ ،‬واألصنام( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫أما من ذهب إلى طهارة الخمر‪ ،‬فقد استدل باآلتي‪:‬‬


‫الدليل األول‪:‬‬
‫قالوا ‪:‬إّن الفقهاء متفقون على أن األصل يف األشياء الطهارة( ) ما مل يقم دليل على النجاسة‪ ،‬وأن‬
‫‪7‬‬

‫التحرمي ال يالزم النجاسة‪ ،‬لكن النجاسة يالزمها التحرمي‪ ،‬فكل جنس حمرم وال عكس‪ .‬وعلى هذا فتحرمي‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة اإلنسان‪ ،‬جزء من اآلية‪.21 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الشنقيطي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/152 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ 21/485 ،‬و انظر ‪ :‬ابن كثري‪ ،‬مرجع سابق‪.14/216 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الدبيان‪ ،‬مرجع سابق‪.13/407 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) نقله النووي عن الغزايل واستحسنه‪ .‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/581 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الدبيان‪ ،‬مرجع سابق‪.13/407 ،‬‬

‫‪84‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫اخلمر ال يستلزم منه النجاسة‪ ،‬بل البد من دليل آخر عليه‪ ،‬وإال بقينا على األصل املتفق عليه من‬
‫الطهارة‪ ،‬فمن ادعى خالفه‪ ،‬فالدليل عليه( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫واحتجوا مبا رواه أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ ":‬كنت ساقي القوم‪ ،‬يوم ُح رمت اخلمر‬
‫يف بيت أيب طلحة‪ ،‬وما شراهبم إال الَف ِض يُخ ‪ :‬الُبسُر ‪ ،‬والتمر‪ ،‬فإذا مناٍد ينادي‪.‬فقال‪ :‬اخرج فانظر‪،‬‬
‫فخرجت‪ ،‬فإذا مناٍد ينادي‪ :‬أال إن اخلمر قد حرمت‪ ،‬قال‪ :‬فجرت يف سكك املدينة"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ووجه الداللة من هذا احلديث‪ :‬أنه لو كانت اخلمر جنسة ملا أراق الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪-‬‬
‫اخلمر يف الشوارع وطرق املدينة‪ ،‬ولنهى النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن فعل ذلك كما هنى عن‬
‫التخلي يف الطريق‪ .‬وقالوا‪ :‬لو كانت اخلمر جنسة ألمرهم النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بغسل األواين؛‬
‫فدل ذلك على طهارهتا( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وأجيب عن هذ االستدالل من عدة وجوه‪:‬‬


‫الوجه األول‪:‬‬
‫أن الصحابة فعلوا ذلك؛ ألنه مل يكن حفر وال آبار يريقوهنا فيها‪ ،‬إذ الغالب من أحواهلم أهنم مل‬
‫يكن هلم ُك ُنف( ) يف بيوهتم‪ ،‬ونقلها إىل خارج املدينة فيه كلفة ومشقة‪ ،‬ويلزم منه ُ‬
‫تأخري ما وجب على‬ ‫‪4‬‬

‫هنرا يعم الطريق كلها‪،‬‬


‫الفور‪ .‬مث أن طرق املدينة كانت واسعة‪ ،‬ومل تكن اخلمر من الكثرة حبيث تصري ً‬
‫بل إمنا جرت يف مواضع يسرية ميكن التحرز عنها‪ .‬هذا مع ما حيصل يف ذلك من فائدة شهرة إراقتها يف‬
‫طرق املدينة‪ ،‬ليشيع العمل على مقتضى حترميها من إتالفها‪ ،‬وأنه ال ينتفع هبا‪ ،‬ويتتابع الناس ويتوافقوا‬
‫على ذلك( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪7‬‬
‫(?)قال أبو العباس ابن تيمية ‪ ":‬أن الفقهاء كلهم اتفقوا على أن األصل يف األعيان الطهارة‪ ،‬وأن النجاسات حمصاة مستقصاة‪ ،‬وما خرج عن الضبط‬
‫واحلصر فهو طاهر "‪.‬ابن تيمية‪ ،‬الفتاوى الكربى‪ ،‬مرجع سابق‪.1/373 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)الصنعاين‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/158 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب حترمي اخلمر‪ ،‬وبيان أهنا تكون من عصري العنب‪ ،‬ومن التمر‪ ،‬والبسر‪ ،‬والزبيب‪ ،‬وغريمها مما يسكر‪ ،3/1570 ،‬رقم‬
‫احلديث ‪ .1980‬وسكك املدينة‪ :‬طرقها‪.‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.13/216 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/158 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) كنف مجع كنيف‪ :‬وهو اخلالء‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬كنف"‪.9/310 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.161-8/160 ،‬‬

‫‪85‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الوجه الثاني ‪:‬‬


‫قد يقال‪ :‬إن إراقتها يف األسواق فيه زجر بليغ لريى الناس اخلمر اليت تعلقت هبا نفوسهم تراق‬
‫فيبادروا إىل االمتثال‪ ،‬فمن كان عنده شيء منها عرف أنه ال ينتفع به بأي وجه من وجوه االنتفاع‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن اخلمر ملا أريقت يف الطرقات ضربتها الرياح‪ ،‬وخالطها الرتاب‪ ،‬فزالت منها املادة‬
‫املسكرة‪ ،‬فتكون متخللة بنفسها‪ ،‬وقد ذكر العلماء أن اخلمر إذا ختللت بنفسها أهنا طاهرة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الوجه الرابع‪:‬‬
‫وقد يقال إهنا قليلة حبيث يسهل التحرز منها بالنسبة ملن مير مع الطريق الذي أريقت فيه‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪:‬‬
‫أن التغوط يف األسواق ال يتناسب مع املروءة‪ ،‬وألنه لو ساغ لكل أحد أن يتغوط يف السوق‬
‫ألدى ذلك إىل ضرر على الناس‪ ،‬واستمر الناس عليه إىل األبد( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫واحتجوا كذلك مبا رواه عبد الرمحن بن وعلة الَّس َبِإِّى ( ) ‪ -‬من أهل مصر ‪ -‬أنه سأل عبد اهلل بن‬
‫‪3‬‬

‫عباس ‪-‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عما يُعَْص ُر من العنب؟ فقال ابن عباس‪ :‬إن رجال أهدى لرسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪َ -‬ر اِو َيَة ْمَخٍر ‪.‬فقال له رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ":-‬هل َعِلْم َت َأَّن اهلل قد‬
‫حرمها"‪ .‬قال‪ :‬ال‪َ .‬فَس اَّر إنسانًا‪ .‬فقال له رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ ": -‬مِب َس اَر ْر َتُه ؟"‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أمرته ببيعها‪ .‬فقال‪ِ ":‬إَّن اَّلِذى َح َّر َم ُش ْر َبَه ا‪َ ،‬ح َّر َم َبْيَعَه ا "‪ .‬قال‪ :‬ففتح اْلَم َز اَد حىت ذهب ما فيها( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)قال أبوالعباس ابن تيمية ‪":‬واتفقوا على أن اخلمر إذا انقلبت بفعل اهلل بدون قصد صاحبها‪ ،‬وصارت خاًل أهنا تطهر"‪.‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.21/481 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الخمر والكلونيا‪ ،‬جملة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد الثامن والثالثون‪ ،‬ذو القعدة‪-‬‬
‫صفر ‪1413‬هـ ‪1414 -‬هـ‪. 83-38/82 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬عبد الرمحن بن وعلة الَّس َبِإِّى ‪ ،‬ممن صحب ابن عباس زماًنا‪ .‬انظر‪ :‬أبو حامت‪ ،‬حممد بن أمحد بن حبان الُبسيت‪ ،‬مشاهير علماء األمصار‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1416 ،‬هـ ‪ 1995 -‬م)‪ ،‬صـ‪.148‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب املساقاة‪ ،‬باب حترمي بيع اخلمر‪ ،3/1206 ،‬رقم احلديث ‪ .1579‬واملزادة‪ -‬ويف أكثر النسخ املزاد‪ -‬والرواية مبعىن واحد‪ ،‬ومسيت‬
‫رواية الهنا تروي صاحبها ومن معه‪ ،‬واملزادة ألنه يتزود فيها املاء يف السفر وغريه‪ .‬وقيل‪:‬ألنه يزاد فيها جلد ليتسع‪.‬انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.11/6 ،‬‬

‫‪86‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ووجه االستدالل من هذا احلديث أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مل يأمره بغسل مزادة‬
‫اخلمر‪ ،‬ومل ينهه عن إراقتها‪ ،‬ولو كانت اخلمر جنسة ملا أقره على فعله‪ ،‬وألمره بغسل املزادة‪.‬‬
‫وأجيب عن هذا االستدالل بأن هذه القضية كانت على قرب حترمي اخلمر قبل اشتهار ذلك( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫إن املتأمل يف أدلة الفريقني بتمعن يلحظ أن كل ما استدل به كل طرف هو أدلة غري صرحية ال‬
‫تقطع حجة اخلصم‪ ،‬وال ترفع النزاع يف حمل اخلالف‪ ،‬وكلها – عدا الدليل األول من أدلة القائلني‬
‫بالطهارة‪ -‬مما يدخلها اإلحتمال‪ ،‬وتتفاوت فيها األفهام‪.‬‬
‫والذي يظهر يل ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن القول بنجاسة اخلمر هو األرجح‪ ،‬خروًج ا من اخلالف‪،‬‬
‫ومتابعة للسواد األعظم من أهل الفقه واحلديث السيما وأن األوائل القائلني بطهارة اخلمر يعدون على‬
‫اليد الواحدة رغم وجاهة بعض ما استدلوا به‪.‬‬
‫وال ريب أن األوائل هم األعلم مبراد اهلل‪ ،‬ورسوله – صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬واألقدر على‬
‫معرفة دالالت األلفاظ اللغوية والشرعية‪ ،‬وعلى هذا فقد ظهر يل أن القول بنجاسة اخلمر هو الأحوط‬
‫للدين‪ ،‬واألبرأ للذمة‪ ،‬وكما قال احلافظ ابن حجر‪":‬والتمسك بعموم األمر باجتناهبا‪ ،‬كاٍف يف القول‬
‫بنجاستها"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫المطلب الثالث‪..‬حكم المواد المحتوية على كحول‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬


‫المسألة األولى‪:‬حكم العطور الكحولية‬
‫ما هو الكحول؟‬
‫الكحول "‪ " Alcohol‬هو سائل عدمي اللون‪ ،‬له رائحة خاصة‪ ،‬ينتج من ختمر السكر والنشاء‪،‬‬
‫وهو روح اخلمر( )‪ ،‬وهو حتريف لكلمة "الغول" حيث أخذه الغربيون عن العرب( )‪.‬والغول يف لغة‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.11/5 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.10/39 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)جممع اللغة العربية‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬ط‪( ،4‬مصر‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪1425 ،‬هـ‪2004-‬م)‪. 778 /2 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪(? (The new encyclopaedia Britannica، encyclopaedia Britannica Inc. ،fifteenth edition،15/796.‬‬

‫‪87‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫العرب يعين ‪ :‬الصداع‪ .‬وقيل السكر‪ .‬وألن اخلمر تذهب بالعقل‪ ،‬أو بصحة البدن( )‪ ،‬فقد نفى اهلل ‪-‬‬
‫‪1‬‬

‫سبحانه وتعاىل‪ -‬عن مخر اجلنة هذه الصفة فقال[ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ] ( )‪ .‬ومن أشهر أنواع الكحول‬
‫‪2‬‬

‫نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬ويعرف بـ"الكحول امليثلي"‪ -"Alcohol Methyl‬أو امليثانول ‪ -‬وهو حيضر من نشارة‬
‫اخلشب‪ ،‬وهو مسكر وشديد السمية يف وقت واحد‪ .‬ويستخدم كحافظ ومذيب لبعض املواد‪ ،‬ومنها‬
‫الروائح العطرية‪.‬وقد يؤدي شربه إىل الوفاة؛ نظًر ا لسميته الشديدة‪ ،‬وهو ما حدث يف كثري من‬
‫احلاالت( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫الثاين‪:‬الكحول اإليثيلي"‪ - "Ethyl Alcohol‬أو االيثانول – ويعترب هو روح اخلمر‪ ،‬واملادة‬


‫املسكرة فيها‪ ،‬وهلذا يستخدم يف مجيع أنواع اخلمور‪ ،‬وكل العطور الكحولية‪ ،‬وحيصل عليه عن طريق‬
‫التخمر( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫استخدامات الكحول‪:‬‬
‫يكثر استعمال الكحول يف الكثري من اجملاالت لعل من أبرزها‪:‬‬
‫‪ -‬اجملاالت الطيبة كالتنظيف والتعقيم‪ ،‬وكذلك إلذابة بعض املواد القلوية اليت تذوب يف املاء‪،‬‬
‫باإلضافة اىل عديد األنواع من األدوية املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬الروائح العطرية والكولونيا اليت يستخدم فيها الكحول كمذيب وحافظ‪ ،‬ويشكل الكحول‬
‫اإليثلي ‪ %90‬من معظم أنواع الكولونيا( )‪ ،‬كما أن الكثري من العطور املصنعة يف ديار الغرب حتوي‬
‫‪5‬‬

‫كميات كبرية من كال نوعي الكحول؛ اإليثلي وامليثلي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة "غول"‪ .11/509 ،‬الفريوزآبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة "غول"‪ ،‬صـ ‪.1210‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الصافات‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) البار‪ ،‬حممد علي‪ " ،‬الكحول والمخدرات‪ ،‬والمنبهات في الغذاء والدواء"‪ ،‬جملة اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬السنة احلادية عشرة ‪ -‬العدد الثالث‬
‫عشر‪1421(،‬هـ)‪ ،‬صـ‪.332-331‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) احلمريي‪ ،‬عيسى بن عبداهلل بن حممد‪ ،‬لباب النقول في طهارة العطور الممزوجة بالكحول‪ ،‬ط‪( ،1‬اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬دار القلم للنشر‬
‫والتوزيع‪1995،‬م)‪ ،‬صـ‪.28‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)نسبة إىل ُك وُلون‪ ،‬وهي مدينة يف أملانيا‪ ،‬وامسها باألملانية كولن‪ .‬ومتتد املدينة على طول هنر الراين‪ ،‬وهي أكرب مدينة يف والية مشال الراين‪ .‬وقد صنع‬
‫الِعطر املعروف باسم الكولونيا أول ماُصِنع يف هذه املدينة‪ ،‬ومن مث انتقل منها إىل بلدان أخرى‪ .‬انظر ‪:‬الموسوعة العربية العالمية‪ ،‬نسخة الكرتونية صادرة‬
‫عن شركة أعمال املوسوعة لإلنتاج الثقايف‪ ،‬مادة ‪" :‬كولون"‪ .‬موقع املوسوعة على شبكة اإلنرتنت‪.www.mawsoah.net :‬‬

‫‪88‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬املشروبات الغازية كالبيبسي كوال‪ ،‬والكوكاكوال‪ ،‬حيث تذاب مادة الكوال يف الكحول‬
‫اإليثلي‪ ،‬مث يضاف إليها كميات كبرية من املاء حبيث تكون كمية الكحول مستهلكة فيها( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫حجم الكحول فيها وحكمها‪:‬‬


‫ينبغي اإلشارة هنا إىل أن كثريًا من الناس يعتربون كل السوائل املستخدمة يف تطييب اجلسم ‪ -‬مبا‬
‫يف ذلك ماء الكولونيا‪ ،‬والسوائل الكحولية األخرى ـ عطوًر ا( )‪ .‬ولكن هذا ليس صحيًح ا؛ إذ إن العطور‬
‫‪2‬‬

‫احلقيقية اليت ُتسمى املستخلصات ‪ -‬أو األرواح ‪ -‬حتتوي على قدر كبري من الزيوت العطرية؛ وهي‬
‫بذلك أغلى مثًنا وقيمة من ماء الكولونيا ومياه الزينة األخرى‪.‬‬
‫وتتكون معظم العطور من نسبة ترتاوح بني ‪ 10‬و‪ %20‬من الزيوت العطرية املذابة يف الكحول‪،‬‬
‫بينما ال تتجاوز زيوت الكولونيا نسبة ترتاوح بني ‪ 3‬و ‪ %5‬مذابة يف كمية من الكحول ال تقل عن ‪80‬‬
‫إىل ‪ ،%90‬بينما يغطي املاء النسبة املتبقية‪ .‬أما عطور الزينة األخرى فتحتوي على مايقارب ‪ %2‬من‬
‫الزيوت العطرية مذابة يف نسبة من الكحول ترتاوح بني ‪ 60‬و‪ ، % 80‬بينما يغطي املاء النسبة الباقية( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫أما من الناحية الفقهية‪ ،‬فتعترب العطور الكحولية من املسائل الفقهية املعاصرة اليت جرى حوهلا‬
‫نقاش واسع‪ ،‬وانقسم الناس جتاهها إىل فريقني رئيسني‪ :‬أحدمها يرى حرمة استعماهلا‪ ،‬ومينع التضمخ هبا‬
‫مطلًق ا سواء كان ذلك يف الصالة أو خارجها‪ .‬وأما الفريق اآلخر فهو ينطلق من كون اخلمر طاهرة‪،‬‬
‫وليست بنجسة‪ ،‬وعلى هذا فال يرى أي حرج يف استعماهلا‪ ،‬وإن كان يرى أن األحوط عدم استخدامها‬
‫خروًج ا من اخلالف‪ .‬وخالل حبثي هلذه املسألة‪ ،‬تبني يل( ) أن حكم العطور الكحولية ال خيرج عن قولني‬
‫‪4‬‬

‫اثنني‪:‬‬
‫القول األول(‪:)5‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) البار‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬صـ‪ ، 350‬صـ ‪. 359 -358‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)تتوقف الرتكيبة العطرية إىل حد كبري على االستخدام املقصود من العطر‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬جند أن معظم عطور اجلسم غالية الثمن حيث أهنا تشتمل‬
‫على ضروب من زيوت األزهار النادرة اليت جُت لب من شىت بقاع العامل‪ .‬أما العطور اليت ُتستخدم يف صناعة الصابون‪ ،‬والروائح الصناعية‪ ،‬فتتكون تركيبتها‬
‫من اخلامات زهيدة األسعار‪ .‬وكثري من العطور ليست سوى مزيج من الزيوت النباتية‪ ،‬وزيوت األزهار‪ ،‬مع خامات حيوانية‪ ،‬وبعض املواد املصنعة‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل الكحول واملاء‪ .‬انظر‪ :‬املوسوعة العربية العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪" :‬العطر"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) املوسوعة العربية العاملية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪" :‬العطر"‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)لقد استفدت كثًريا من النقاشات العلمية يف بعض املواقع الشرعية على شبكة اإلنرتنت اليت تضم خنبة كبرية ومتميزة من أهل العلم وطالبه كمنتدى‬
‫أهل احلديث‪ ،‬واجمللس العلمي"األلوكة"‪ ،‬وملتقى املذاهب الفقهية والدراسات العلمية سابًق ا (الشبكة الفقهية حالًيا) ‪ ،‬باإلضافة اىل موقعي‪ :‬الشبكة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬واإلسالم سؤال وجواب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)من الذين اطلعت على أقواهلم‪ :‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالسعودية‪ .‬انظر‪ :‬الدويش‪ ،‬أمحد بن عبدالرزاق‪ ،‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية واإلفتاء‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬دار املؤيد ‪1424 ،‬هـ)‪ .145-22/144 ،‬والشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي‪ .‬انظر‪:‬الشنقيطي‪ ،‬مرجع‬

‫‪89‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫احلرمة( ) وذلك لألسباب التالية‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫* كون الكحول الذي هو أحد مكونات العطور جنًس ا؛ وعليه ال جيوز التضمخ هبا‪ ،‬أو الصالة‬
‫حال التتطيب هبا‪.‬‬
‫* الُّس ْكر؛ وذلك لأّن الكحول املستعمل فيها بلغ حد اإلسكار‪ ،‬وقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪":‬‬
‫كل شراب أسكر فهو حرام"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫* أمر الشارع بوجوب إتالف اخلمر‪ ،‬وعدم االستفادة منها لقوله سبحانه وتعاىل[ﭝ]( )‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫واالجتناب مطلق فيدخل يف معناه اإلستعمال‪ -‬بغض النظر عن جناسة اخلمر من طهارهتا‪ .‬وقد دل ظاهر‬
‫حديث( ) أنس ‪-‬رضي اهلل عنه‪ :-‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬سئل عن اخلمر تتخذ خاًل ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫ال على منع استعمال اخلمر مطلًق ا‪ ،‬ولو كان لصنع اخلل اجملمع على طهارته مع حاجة السائل إليه‪.‬‬
‫* الوعيد الشديد الوارد يف متعاطي اخلمر وحاملها‪ ،‬وذلك حلديث ابن عمر عن أبيه ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنهما‪ -‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ": -‬لعن اهلل اخلمر‪ ،‬ولعن شارهبا‪ ،‬وساقيها‪ ،‬وعاصرها‪،‬‬
‫ومعتصرها‪ ،‬وبائعها‪ ،‬ومبتاعها‪ ،‬وحاملها‪ ،‬واحملمولة إليه‪ ،‬وآكل مثنها "( )‪ .‬وحاملها يدخل فيه من‬
‫‪5‬‬

‫يستعملها ويتتطيب هبا‪.‬‬


‫القول الثاني(‪:)6‬‬
‫سابق‪.2/154 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)ال يلزم أن كل من قال باحلرمة أنه يقول جبميع األدلة‪ ،‬فقد يرى البعض حرمة استعمال العطور بسبب أهنا مخر‪ ،‬والشارع أمر باجتناهبا‪ ،‬مع أنه يقول يف‬
‫الوقت نفسه بطهارهتا‪ ،‬لكن ملا كانت النتيجة واحملصلة هي حرمة استعمال تلك العطور‪ ،‬رأيت وضعها حتت تصنيف واحد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب نزل حترمي اخلمر وهي من البسر والنمر‪ ،4/12 ،‬رقم احلديث ‪ .5585‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب‬
‫بيان أن كل مسكر مخر وأن كل مخر حرام‪ ،3/1585 ،‬رقم احلديث ‪.2001‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية‪.90 :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب حترمي ختليل اخلمر‪ ،3/1573 ،‬رقم احلديث ‪.1983‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)رواه اإلمام أمحد‪ ،‬مسند عبداهلل بن عمر‪ 5/201 ،‬رقم احلديث ‪ .5716‬ورواه أبوداود‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب العنب يعصر للخمر‪،251-4/250 ،‬‬
‫حديث رقم ‪ .3674‬رواه ابن ماجة‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب لعنت اخلمر على عشرة أوجه‪ ،65-4/64 ،‬حديث رقم ‪ 3380‬و ‪ .3381‬واحلديث جود‬
‫إسناده ابن امللقن‪ ،‬وقال أمحد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬انظر‪ :‬ابن امللقن‪ ،‬سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أمحد الشافعي‪ ،‬خالصة البدر المنير في‬
‫تخريج كتاب الشرح الكبير للرافعي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محدي عبد اجمليد إمساعيل السلفي‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ ،‬مكتبة الرشد ‪ 1410،‬هـ)‪ . 2/319 ،‬وانظر‪ :‬ابن‬
‫حنبل‪ ،‬املسند بتحقيق شاكر‪ ،‬مرجع سابق‪. 5/201 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)من الذين اطلعت على أقواهلم‪ :‬الصنعاين‪ .‬انظر‪ :‬الصنعاين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/1589 ،‬وحممد رشيد رضا‪ .‬انظر‪ :‬رضا‪ ،‬حممد رشيد‪" ،‬حكم األعطار‬
‫الفرنجية "‪ ،‬جملة املنار‪ ،‬غرة مجادى اآلخر ‪1319‬هـ‪ .493 /4 ،‬وأمحد شاكر يف تعليقه على احمللى‪ .‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/193،‬وحممد‬
‫بن صاحل العثيمني‪ .‬انظر‪ :‬العثيمني‪ ،‬حممد بن صاحل‪ ،‬مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬دار الثريا للنشر‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪1998-‬م)‪ .11/252 ،‬ودار اإلفتاء املصرية‪ .‬انظر‪ :‬دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬الفتاوى اإلسالمية‪( ،‬مصر‪1402،‬هـ‪1981-‬م)‪.1653-1652 /5 ،‬‬
‫وجلنة الفتوى بوزارة األوقاف الكويتية‪ .‬انظر‪ :‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية بالكويت‪ ،‬مجموعة الفتاوى الشرعية‪ ،‬ط‪( ،1‬الكويت‪1417 ،‬هـ‪-‬‬

‫‪90‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫اجلواز؛ وذلك لطهارة اخلمر‪ ،‬وألن الكحول املستعمل مل يبلغ حد اإلسكار‪ ،‬ولقوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪":‬ما أسكر كثريه‪ ،‬فقليله حرام"( )‪ .‬ومعىن احلديث‪ :‬أنه إذا كان كثريها ال يسكر إن شرب‬
‫‪1‬‬

‫منها‪ ،‬فال أثر لذلك يف التحرمي حيث إن العلة اليت منع الشارع ألجلها اخلمر هي‪ :‬اإلسكار‪ ،‬واحلكم‬
‫يدور مع علته وجوًدا وعدًم ا‪ ،‬وكما قال احلافظ ابن حجر‪ ":‬احلكم يدور مع العلة‪ ،‬والعلة يف حترمي اخلمر‬
‫()‬
‫اإلسكار‪ ،‬فمهما وجد اإلسكار وجد التحرمي‪ ،‬ولو مل يستمر االسم"‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫مناقشة أدلة المانعين‪:‬‬


‫بىن املانعون الستعمال العطور أدلتهم على ثالثة أسباب‪:‬‬
‫السبب األول‪:‬نجاسة الخمر‬
‫تقدم قريًبا أن هذا هو ما رجحه معظم أهل العلم املعتربين‪ ،‬وعليه الفتوى عند أئمة املذاهب‬
‫األربعة‪ ،‬لكن االستدالل بنجاسة اخلمر على حرمة العطور ُيشكل عليه مدى حتقق اطالق وصف اخلمر‬
‫على هذه العطور كما سيأيت بيانه‪ .‬باإلضافة إىل أن أهم مصادر الكحول اليت يصنع منها البرتول‪،‬‬
‫وغازات البنزين‪ ،‬وهي طاهرة وليست جنسة باالتفاق‪.‬‬
‫السبب الثاني‪:‬الُّس ْك ر‬
‫ال خالف يف التسليم بصحة قاعدة "ما أسكر كثريه‪ ،‬فقليله حرام"‪ ،‬لكن اإلشكال ينشأ عند‬
‫إسقاطها على العطور‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل األمور الثالثة‪:‬‬
‫األمر األول‪:‬‬
‫إن وصف املسكر يف زمن اخلطاب الشرعي‪ ،‬كان يتعلق مبا يشرب‪ ،‬أو يتناول ليحكم عليه‬
‫مخرا؛ لتعذر ذلك إال‬
‫حمتو على الكحول ً‬ ‫بذلك باإلسكار‪ ،‬فلم يكن يسمى يف زمن اخلطاب كل ٍ‬
‫بالتحليل املختربي غري المعهود إذ ذاك‪ .‬وبناء عليه فما ال يُتناول‪ ،‬وال يُشرب‪ ،‬وال يُدرك كونه حمتويًا‬
‫مخرا أصلًا‪ ،‬فيجوز بيعه واستعماله( )‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫على املادة املسكرة إال بالتحليل‪ ،‬ال يسمى ً‬
‫األمر الثاين‪:‬‬
‫‪1996‬م)‪.1/184 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)رواه أمحد‪ 5/162 ،‬رقم احلديث ‪ 5648‬واللفظ له‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب ما أسكر قليله فكثريه حرام‪ ،4/69 ،‬رقم احلديث ‪،3392‬‬
‫والدارقطين‪ ،‬كتاب األشربة ‪ ،5/450 ،‬رقم احلديث ‪ ،4630‬وهو صحيح‪ .‬انظر‪:‬األلباين‪ ،‬حممد ناصر الدين‪ ،‬إرواء الغليل تخريج أحاديث منار السبيل‪،‬‬
‫ط‪( ،1‬لبنان‪:‬املكتب اإلسالمي‪1399 ،‬هـ‪1979-‬م)‪ ،8/42 ،‬رقم احلديث ‪.2375‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.10/56 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫إن حقيقة السكر يف نظر الشارع له‪ ،‬ينصرف عادة إىل الشرب‪ ،‬وهذه العطور مل تصنع أصاًل‬
‫للشرب‪ ،‬بل وضعت للتطيب والتعطر هبا‪ ،‬ومن استعملها يف خالف ذلك الغرض الذي صنعت ألجله –‬
‫كالسكر مثاًل ‪ -‬فهو امرؤ منكوس الفطرة‪ ،‬شاذ الطبع بني الناس‪.‬‬
‫األمرالثالث‪:‬‬
‫إن حترمي العطور باعبتارها حمتوية على مسكر‪ ،‬يلزم منه حترمي الكثري من األغراض اليومية اليت‬
‫يستخدمها الناس‪ ،‬كاملنظفات‪ ،‬واألصباغ‪ ،‬والغراء‪ ،‬ووقود احملركات‪ ،‬وغريها كثري‪ ،‬ومل يقل أحد –‬
‫فيما أعلم – حبرمة هذه املستلزمات اليت يتدواهلا الناس على مرأى ومسمع من أهل العلم يف كل مكان‬
‫دومنا أي نكري‪.‬‬
‫السبب الثالث‪ :‬كونها خمًر ا مأموًر ا باجتنابها وإتالفها‬
‫ال خالف يف وجوب اجتناب اخلمر وإتالفها‪ ،‬لكن اخلالف يف إيقاع مسمى اخلمر على هذه‬
‫العطور‪ ،‬فهي مل تعد أصاًل للسكر‪ ،‬ومل تصنع أساًس ا للشرب‪ ،‬وحىت على القول بأهنا قد تسكر‪ ،‬فيقال‬
‫فيها ما يقال عن مواد التنظيف‪ ،‬والبنزين وغريها من املواد اليت يستعملها بعض الفسقة لإلسكار إذا مل‬
‫يتحصلوا على اخلمر‪.‬ويضاف إىل هذا أن من ِحكَِم حترمي اخلمر‪ ،‬واألمر باجتناهبا كوهنا تفضي إىل إثارة‬
‫العدواة‪ ،‬والبغضاء‪ ،‬والصد عن ذكر اهلل‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل‪ [ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ] ( )‪ ،‬وهذه اآلثار تكاد تكون منتفية يف العطور‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مناقشة أدلة المجيزين‪:‬‬


‫تقدم أن جناسة اخلمر تكاد تكون حمل إمجاع املتقدمني من أهل العلم والفتوى‪ ،‬كما نقل ذلك‬
‫ابن عبد الرب وغريه‪ ،‬ومل خيالف يف ذلك إال طائفة قليلة ‪-‬كما أشري إليه يف موضعه ‪ ،-‬حيث تبني أن‬
‫الراجح هو جناسة اخلمر‪ .‬أما السكر‪ ،‬فقد تقدم مناقشته عند ذكر أدلة املانعني‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫لقد أنفقُت أوقاًتا طويلة يف البحث عن هذه املسألة‪ ،‬وغصت يف قراءة العديد من املقاالت‪،‬‬
‫والرسائل‪ ،‬والكتب‪ ،‬وراسلت بعض الشركات العاملية املشهورة( ) ألجل احلصول على معلومات دقيقة‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫(?)استفدت هذه الفائدة من الشيخ‪ :‬عامر بن حممد بن هبجت احملاضر جبامعة طيبة بالسعودية من خالل نقاش معه مبلتقى املذاهب الفقهية والدراسات‬
‫العلمية سابًق ا (الشبكة الفقهية حالًيا) على شبكة اإلنرتنت‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.91 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) على الرغم من أين راسلت حوايل عشر شركات خمتصة يف توفري مجيع املواد الغذائية‪ ،‬وخمتلف أنواع العطور إال أنين مل أتلق أي رد إجيايب يفيد يف إثراء‬
‫مسألة دخول الكحول يف األطعمة والعطور اليت تسوقها‪ ،‬وكان العذر املتكرر أهنم يستلمون يومًيا مئات الرسائل من طالب الدراسات العليا حتمل طلبات‬

‫‪92‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫السيما أن هناك شٌح كبري يف الدراسات العلمية اليت تسهل على الباحث تصور املسألة حمل البحث‬
‫بشكل دقيق‪ ،‬وجتيب على األسئلة األساسية املتعلقة مبعرفة نوعية الكحول املستعمل‪ ،‬وحتديد نسبته املئوية‬
‫بدقة‪ ،‬وهل يؤدي إىل اإلسكار أم ال‪ ،‬وهل يفقد الكحول خصائصه عند خلطه‪ ،‬ويستحيل إىل شئ آخر‬
‫أم ال؟ وغري ذلك من األسئلة املهمة‪ ،‬واملعلومات اجلوهرية‪.‬‬
‫وقبل الرتجيح‪ ،‬لعل من املهم التذكري بعض املعطيات املهمة‪ ،‬والنتائج النهائية اليت توصلت إليها‪:‬‬
‫‪ -‬اخلمر ما خامر العقل‪ ،‬وهي املعدة أصاًل لغرض الشرب‪ ،‬والُّس كر‪ ،‬فهذه اليت ورد فيها األمر‬
‫الشرعي باالجتناب مطلًق ا‪ ،‬لقوله تعاىل‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ] ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬أن الكحول ميكن أن يكون مصدره البرتول‪ ،‬وغازات البنزين‪ ،‬وهذه أهم مصادره‪ ،‬وأرخص‬
‫الطرق للحصول عليه‪ ،‬وغازات البرتول ليست جنسة‪ ،‬وال تدخل يف باب النجاسة‪.‬‬
‫‪ -‬أن األصل يف هذه العطور أهنا معدة للتطيب اخلارجي‪ ،‬ومل يقصد عند تصنيعها أن تستخدم‬
‫للشرب‪ ،‬أو السكر إطالًقا‪ ،‬وإضافة الكحول إليها ُقِص َد منها أن تكون مذيبة وحافظة هلا‪ ،‬وليس لغرض‬
‫اإلسكار‪.‬‬
‫‪ -‬أن القول بتحرميها بسبب سوء استخدامها من بعض اجلهلة للسكر سوف يفتح الباب‬
‫لتحرمي الكثري من املواد اليت حتوي كحواًل ‪ ،‬وتدخل يف حياة الناس اليومية كالبنزين مثاًل ‪ ،‬وما سوف‬
‫يقال يف حكم استعمال البنزين للسكر هو عني ما سوف يقال يف العطور الكحولية سواء بسواء‪.‬‬
‫‪ -‬أن بعض العطور يدخل يف تركيبها الكحول املثيلي‪ ،‬وهو ليس بنجس‪ ،‬لكنه شديد السمية‬
‫إذا ُش ِر ب‪ ،‬والعطور يف أصل استعماهلا جعلت للتطيب اخلارجي‪ ،‬فتبقى واحلالة هذه على اجلواز إال إذا‬
‫ترتب على استعماهلا ضرر على الصحة‪ ،‬وأكد ذلك أهل االختصاص‪ ،‬فعندها متنع هلذا السبب‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أجاز جممع الفقه اإلسالمي استعمال الكحول كمطهر خارجي للجــروح‪ ،‬وقاتل‬
‫للجراثيم‪ ،‬ويف الكرميات والدهون اخلارجية( )‪ ،‬وال يظهر يل أن هناك فارق مؤثر بني استعمال الكحول‬
‫‪2‬‬

‫كمطهر خارجي‪ ،‬وبني استعماله يف العطور‪.‬‬

‫مشاهبة‪ ،‬وهلذا يستحيل عملًيا اإلجابة عليها كلها‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪.90 :‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة‪ ،‬الدورة السادسة عشرة مكة‪-21( ،‬‬
‫‪26/10/1422‬هـ‪10/1/2002-5 -‬م)‪ ،‬صـ ‪.342-341‬‬

‫‪93‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬إن الكحول يوجد يف غري اخلمر من األشربة‪ ،‬واألدوية‪ ،‬واألعطار القدمية غري اإلفرجنية‪ ،‬وغري‬
‫ذلك‪ ،‬فإذا كان قوهلم‪ :‬إن كل ما فيه مادة الكحول جنس‪ ،‬فعلينا أن نُحِّك م الكيماويني يف معرفة نوع‬
‫النجاسة احملَّر مة شرًعا‪ ،‬ونأخذ بأقواهلم‪ ،‬وإن كان ال يسلم لنا شيء من النجاسة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويبقى على اجلانب اآلخر أمران حيتاجان إىل إثراء النقاش حوهلما‪:‬‬
‫‪ -‬إن نسبة الكحول املستعمل يف زيوت الكولونيا "‪ ،" %90 - 80‬ويف عطور الزينة‬
‫األخرى "‪ " % 80 - 60‬هي نسبة عالية جًد ا‪ ،‬جتعل املسلم يشعر حبرج كبري حيث يشكل الكحول‬
‫غالبية العطر املستعمل‪.‬‬
‫‪ -‬األصل أن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ما أسكر كثريه‪ ،‬فقليله حرام" قاعدة مطردة يف كل‬
‫شراب يؤدي كثريه إىل اإلسكار‪ ،‬لكن التساؤل هنا ‪ :‬هل هذه العطور تشملها هذه القاعدة الشرعية؟( )‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وقد مر معنا لوازم القول باإلجياب على هذا التساؤل‪ ،‬مث هل هذه النسبة العالية للكحول يف العطور‬
‫بأنواعها تؤدي إىل اإلسكار أم ال؟‬
‫والخالصة‪..‬إ ن استخدام العطور الكحولية من املسائل املشتبهة اليت اختلف العلماء املعاصرون‬
‫فيها بني جميز وحاظر‪ ،‬ويصعب القطع فيها حبل أو حرمة‪ ،‬وإن كان يتبدى أن اجلواز هو األرجح‪ ،‬فال‬
‫يصح تنزيل مسمى اخلمر عليها؛ فهي مل تصنع من حيث األصل للسكر‪ ،‬وال للشرب‪ ،‬لكن من تعمد‬
‫شراءها لغرض حمرم ‪ -‬كالسكر مثاًل ‪ -‬فإن حكم ذلك يكون تابًعا حلكم قصده‪ ،‬وكل ما أفضى إىل‬
‫حرام‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬والوسائل هلا أحكام املقاصد‪.‬‬
‫وغين عن البيان أن البعد عن مواطن الشبهة والريبة‪ ،‬واالسترباء للدين‪ ،‬واخلروج من اخلالف‪،‬‬
‫أمور ينصح هبا املكلفني‪ ،‬ويدعون إليها خصوًص ا وأن هناك الكثري من العطور البديلة اليت ال حتوي‬
‫كحواًل إطالًقا‪ ،‬وهي متوفرة يف األسواق‪ ،‬وال تقل جودة عن مثيالهتا من العطور الكحولية‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬األدوية واألطعمة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) رضا‪ ،‬جملة املنار‪ ،‬مرجع سابق‪.4/493 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اختارت اللجنة الدائمة للبحوث واإلفتاء بالسعودية أنه‪":‬إذا بلغت الكلونيا مبا فيها من الكحول درجة اإلسكار بشرب الكثري منها حرم اإلبقاء عليها‪،‬‬
‫قلت أم كثرت‪ ،‬ووجبت إراقتها وإتالفها ألهنا مخر‪...‬وعلى ذلك حيرم شرهبا والتطيب أو التطهري هبا‪ ،‬أما إن مل تبلغ درجة اإلسكار مبا فيها من الكحول‬
‫بشرب الكثري منها فيجوز شراؤها واقتناؤها واستعماهلا تطيبا وتطهريا هبا ؛ ألن األصل اجلواز حىت يثبت ما ينقل عنه"‪ .‬انظر‪ :‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.144-22/143‬‬

‫‪94‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫لقد أفردُت هذه املسألة نظًر ا لاحتواء الكثري من األدوية‪ ،‬واألطعمة على نسب خمتلفة من‬
‫الكحول‪ ،‬وعظم البلوى هبا بني عموم املسلمني‪ .‬وال شك أن هناك ارتباطًا وثيقًا بني هذا املبحث‪،‬‬
‫والذي سبقه‪ ،‬ومعظم ما طرح هناك‪ ،‬يرد على هذا املبحث هنا‪.‬‬

‫وأما عن استخدام اخلمر كدواء يف وقتنا احلايل‪ ،‬فقد بطل يف الطب احلديث –كما يذكر‬
‫الدكتور حممد علي البار‪ ، -‬إال أن هناك بعض اجملاالت اليت الزال الكحول يدخل فيها كما هو احلال‬
‫يف املنظفات‪ ،‬واملعقمات‪ ،‬وإذابة بعض املواد القلوية حيث أن الكحول مادة تتطاير بسرعة عند ارتفاع‬
‫احلرارة‪ ،‬وبالتايل ال ميكن أن يكون هناك كحول يف أقراص الدواء‪ ،‬واحلبوب‪ ،‬وإمنا يتواجد الكحول يف‬
‫األشربة‪ ،‬واللعوقات‪ ،‬والسوائل املستخدمة يف احلقن‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فاألدوية اليت يدخلها الكحول على‬
‫ضربني‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما قصد منه اإلذابة‪ ،‬حيث أن األدوية ال تذوب إال يف الكحول‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬ما قصد منه إعطاء الدواء نكهة خاصة‪ ،‬ومذاًقا مميًز ا تعود عليه أهل أوروبا وأمريكا(‪.)1‬‬
‫ونظًر ا لكون هذه املسائل املتعلقة بالدواء من القضايا الشائكة‪ ،‬والنوازل املعاصرة اليت حتتاج إىل‬
‫إجتهاد مجاعي‪ ،‬فقد وجدت أن جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬وجملس اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬واللجنة الدائمة‬
‫للبحوث واإلفتاء بالسعودية قد أصدروا فتاوى تتعلق باملسألة حمل البحث‪ ،‬وهلذا رأيت إثباهتا ها هنا‪:‬‬
‫فتوى جممع الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫"للمريض المسلم تناول األدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواء خال‬
‫منها‪ ،‬ووصف ذلك الدواء طبيب ثقة أمين في مهنته"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فتوى اجملمع الفقهي اإلسالمي‪:‬‬


‫"يجوز استعمال األدوية المشتملة على الكحول بنسب مستهلكة تقتضيها الصناعة الدوائية‬
‫التي ال بديل عنها‪ ،‬بشرط أن يصفها طبيب عدل‪ ،‬كما يجوز استعمال الكحول مطهًر ا خارجًّيا‬
‫للجــروح‪ ،‬وقاتًال للجراثيم‪ ،‬وفي الكريمات والدهون الخارجية"(‪.)3‬‬
‫فتوى اللجنة الدائمة للبحوث واإلفتاء‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)البار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .364‬وقد ذكر الدكتور البار أن النوع الثاين ال خالف يف حرمته‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬الدورة الثالثة‪( ،‬عمان ‪ 13-8 :‬صفر ‪1407‬هـ ‪ 16-11-‬أكتوبر ‪1986‬م)‪ ،‬القرار رقم ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪. 341‬‬

‫‪95‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫"ال يجوز خلط األدوية بالكحول المسكرة‪ ،‬لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن‬
‫كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء‪ ،‬وال طعمه‪ ،‬وال ريحه‪ ،‬وال السكر بشربه‪،‬‬
‫وإال حرم استعمال ما خلط بها"( )‪.‬‬‫‪1‬‬

‫أما فيما خيص األطعمة‪ ،‬فإنه يرد عليها ما ورد سابًق ا من إشكاالت حول العطور‪ ،‬وإن كان‬
‫األقرب أن ينظر إىل الكحول املستعمل فيها هل يسكر أم ال‪ ،‬فإن كان يسكر‪ ،‬فإنه حيرم تناوهلا لعلة‬
‫اإلسكار‪ ،‬وإال تبقى على احلل‪ ،‬ويف هذا يقول الدكتور صالح الصاوي األمني العام جملمع فقهاء الشريعة‬
‫بأمريكا ‪ ":‬واألطعمة اليت دخل الكحول يف صناعتها‪ ،‬ومل يستحل بالكلية ال حيل تناوهلا‪ ،‬أما إذا استحال‬
‫بالكلية فلم يبق له لون‪ ،‬وال طعم‪ ،‬وال رائحة‪ ،‬وال أثر من إسكار‪ ،‬فإنه كغريه من األطعمة على أصل‬
‫احلل‪ ،‬وتناول اخلل مشروع‪ ،‬ويف احلديث‪ ":‬نعم اإلدام اخلل"( )‪ .‬وإذا كان من بني مراحله تصنيعه‬
‫‪2‬‬

‫التخمر‪ ،‬فإن هذه املرحلة تستحيل بالكلية‪ ،‬واليبقى هلا أثر السكر الذي يكون يف اخلمر‪ ،‬واخلمر ذاهتا إذا‬
‫ختللت بنفسها‪ ،‬فقد اتفق أهل العلم على حلها‪ ،‬أما إذا ختللت بفعل فاعل‪ ،‬فهي موضع نظر بينهم"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فائدة‪:‬‬
‫حتوي بعض املعلبات اليت تباع يف ديار الغرب على مادة تعرف بـ"‪ " Spirit Vinegar‬أي روح‬
‫اخلل‪ ،‬وبعض الناس يتحاشى شراءها لعدم معرفتهم حبقيقة هذا اخلل؛ هل هو خل صناعي‪ ،‬أم أنه خل‬
‫نتج عن ختليل اخلمر كما يبدو من كلمة "‪ ." Spirit‬وكنُت قد راسلُت جممع فقهاء الشريعة بأمريكا‪،‬‬
‫فكان اجلواب الذي وصلين على بريدي اإللكرتوين‪:‬‬

‫"األصل إباحة اخلل كما هو يف بقية األشياء‪ .‬فلو كان هذا النوع من اخلل حيتوي على كحول‬
‫مسكرا إذا تعاطاه اإلنسان‪ ،‬ولو بكميات كبرية‪ ،‬فعندها حيرم‪ .‬وإن كان ال يسكر‪ ،‬ولكنه مصنع‬
‫ً‬ ‫جيعله‬
‫من اخلمر‪ ،‬فيحرم عند اجلمهور – خالًفا لألحناف – وقول اجلمهور أظهر‪ ،‬وهو كذلك أحوط"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪. 22/92 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫أدُم اخلل"‪.‬‬
‫أدُم اخلل‪،‬نعم ُال ُ‬
‫(?)صحيح مسلم‪ ،‬كتاب األشربة‪ ،‬باب فضيلة اخلل والتأدم به‪ ،3/1622 ،‬رقم احلديث ‪ .2052‬ولفظ مسلم‪":‬نعم ُال ُ‬
‫‪3‬‬
‫(?) موقع جممع علماء الشريعة على شبكة اإلنرتنت‪http://www.amjaonline.com :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) موقع جممع علماء الشريعة على شبكة اإلنرتنت‪http://www.amjaonline.com :‬‬

‫‪96‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫مث وجدت فتوى آخرى ألحد أعضاء اللجنة الدائمة لإلفتاء باجملمع‪ ،‬الشيخ وليد بن ادريس‬
‫املنيسي‪ ،‬قال فيها إن "اخلل املذكور حالل إن شاء اهلل‪ ،‬وقد سئل عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عما يوجد يف‬
‫األسواق من خل أهل الكتاب فأباحه‪ .‬فاملسلم منهي عن ختليل اخلمر‪ ،‬لكن إذا خلله غريه واستحال‬
‫اخلمر خلًا‪ ،‬حل استعماله على الصحيح‪ ،‬هذا أمر ‪.‬‬
‫واألمر اآلخر أنه حىت اخلمر نفسها إذا وجد منها نسبة ضئيلة يف طعام‪ ،‬أو شراب‪ ،‬أو دواء‪ ،‬أو‬
‫عطر‪ ،‬حبيث إن هذا الطعام‪ ،‬أو الشراب‪ ،‬أو الدواء‪ ،‬أو العطر‪ ،‬ال يسكر قليله‪ ،‬وال كثريه‪ ،‬فالطعام‪ ،‬أو‬
‫مسكرا‪ ،‬واإلمث على من‬
‫ً‬ ‫مخرا‬
‫الشراب‪ ،‬أو الدواء‪ ،‬أو العطر‪ ،‬حالل معفو عنه؛ ألنه استحال ومل يعد ً‬
‫وضع اخلمر‪ ،‬ال على من تناول الطعام بعد أن استحال فيه هذا اخلمر اليسري‪ ،‬وزال أثره"( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫اخلمر‪ :‬هي ما خامر العقل‪ ،‬وكانت معدة للشرب والسكر‪ ،‬وهي تشمل ما أسكر قليله‪ ،‬أو‬ ‫‪‬‬

‫كثريه‪ ،‬سواء اختذت من العنب‪ ،‬أو التمر‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬


‫اخلمر من كبائر الذنوب‪ ،‬وهي حمرمة بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ذهب غالبية املتقدمني من أهل العلم إىل القول بنجاسة اخلمر‪ ،‬ومل خيالف إال طائفة قليلة جًد ا‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العطور الكحولية حتوي نسًبا خمتلفة من الكحول؛ وذلك لغرض اإلذابة واحلفظ‪ ،‬واألظهر‬ ‫‪‬‬

‫جوازها‪ ،‬وإن كان األحوط اجتناهبا‪.‬‬


‫يدخل الكحول يف صنع أنواع كثرية من األدوية واألطعمة‪ ،‬فأما األدوية فيجوز تعاطيها إذا مل‬ ‫‪‬‬

‫يتيسر دواء بديل عنها‪ ،‬ووصف ذلك الدواء طبيب ثقة أمني يف مهنته‪ .‬وأما األطعمة‪ ،‬فإن كان‬
‫كثريها يسكر‪ ،‬حرم قليلها‪ ،‬وإال تبقى على الرباءة األصلية‪ ،‬وهو اإلباحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) موقع أهل احلديث على شبكة اإلنرتنت‪ ، http://www.ahlalhdeeth.com :‬وقد نشرت بتاريخ ‪2004.09.15 :‬‬

‫‪97‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪98‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفصل الثاني الصالة ‪ ..‬وفيه ثالثة مباحث ‪- :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬اضطراب بعض مواقيت الصالة في فصل الصيف‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جمع الصالتين في الحضر للحاجة‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬صالة الجمعة‬ ‫‪‬‬

‫المبحث األول‪ :‬اضطراب بعض مواقيت الصالة في فصل الصيف‪..‬وفيه ثالثة مطالب‪:‬‬

‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫‪99‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املطلب األول‪..‬مواقيت الصالة‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪..‬بيان حقيقة االضطراب‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثالث‪ ..‬أقوال أهل العلم يف هذه الواقعة‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‬ ‫‪‬‬

‫‪100‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫تعد الصالة من أهم العبادات اليت جيب على املسلم أداؤها يف أوقاهتا اليت حددها الشرع احلكيم‪،‬‬
‫ومعرفة شروطها وواجباهتا وأركاهنا؛حىت تؤدى بالطريقة اليت أمر هبا رسولنا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪":-‬‬
‫صلوا كما رأيتموين أصلي"( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتعترب معرفة أوقات الصلوات وحتديدها بدقة من أهم شروط صحة ووجوب الصالة‪ ،‬لكن قد‬
‫حيدث يف بعض املناطق – كما هو احلال يف بعض مناطق أوربا واملناطق القطبية – أن تضطرب بعض‬
‫األوقات يف بعض الفصول؛ نظًر ا الختفاء العالمات الشرعية لدخوهلا بالكلية‪ ،‬أو أهنا تظهر متأخرة جًد ا‬
‫حبيث تتشارك – أو تكاد – مع وقت آخر‪.‬‬
‫وهذه املسألة ‪ -‬أعين هذا االضطراب يف بعض أوقات الصالة‪ -‬تتكرر سنوًيا ليتجدد معها النقاش‬
‫واجلدال بني أبناء املسلمني‪ ،‬وتتفاوت حوهلا وجهات النظر الفقهية‪ ،‬و هلذا جاء هذا املبحث ألجل‬
‫تسليط الضوء على هذه املسألة‪ ،‬وبيان أقوال أهل العلم فيها‪.‬‬

‫المطلب األول‪..‬مواقيت الصالة‬


‫أمجع املسلمون قاطبة على أن للصلوات اخلمس مواقيت حمددة لقوله تعاىل‪ [ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ]‬
‫( )‪.‬وقد نص القرآن الكرمي على بعضها جمماًل ‪ ،‬وتكفلت السنة النبوية ببياهنا مفصلة‪ ،‬ومن أبرز األحاديث‬ ‫‪2‬‬

‫اليت أوضحت تلك املواقيت‪ ،‬ما راوه مسلم من حديث عبد اهلل بن عمرو ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن نّيب‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ ":‬إَذا َص َّلْيُتْم اْلَف ْج َر َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َيْطُلَع َقْر ُن الَّش ْم ِس ( ) اَأْلَّو ُل ‪َّ ،‬مُث‬
‫‪3‬‬

‫إَذا َص َّلْيُتمُ الُّظْه َر َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن يْح ُضَر اْلَعْص ُر ‪َ ،‬فِإَذا َص َّلْيُتمُ اْلَعْص َر َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َتْص َفَّر الَّش ْم ُس ‪،‬‬
‫َفِإَذا َص َّلْيُتمُ اْلَم ْغِر َب َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َيْس ُقَط الَّش َف ُق ( )‪َ ،‬فِإَذا َص َّلْيُتْم اْلِعَش اَء َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل ِنْص ِف الَّلْيِل "( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫ِلِه‬ ‫ِظ‬
‫ويف رواية أخرى‪َ":‬و ْقُت َالُّظْه ِر ِإَذا َز اَلْت َالَّش ْم ُس ‪َ ،‬و َك اَن ُّل َالَّر ُج ِل َك ُطو َم ا ْمَل ْحَيُضْر َاْلَعْص ُر ‪َ ،‬و َو ْقُت‬
‫َاْل ْص ِر ا َتْص َفَّر َالَّش ‪ْ ،‬قُت اَل ِة َاْل ْغِر ِب ا ِغ َالَّش َف ُق ‪ْ ،‬قُت اَل ِة َاْلِعَش اِء ِإىَل ِنْص ِف‬
‫َو َو َص‬ ‫َم ْمَل َي ْب‬ ‫ْم ُس َو َو َص َم‬ ‫َع َم ْمَل‬

‫‪1‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب األذان للمسافرين‪ ،1/212 ،‬رقم احلديث ‪.613‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.103‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قرن الشمس‪ :‬ناحيتها أو أعالها‪ ،‬وأول شعاعها عند الطلوع‪.‬انظر‪ :‬الزبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬قرن"‪.35/529 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الَّش َف ُق ‪ :‬بقية ضوء الشمس ومحرهُت ا يف َأول الليل ُتَر ى يف املغرب إىل صالة العشاء‪ .‬وقال اخلليل‪ :‬الَّش َف ُق ‪ :‬احلمرة من غروب الشمس إىل وقت العشاء‬
‫األخرية‪ ،‬فإذا ذهب قيل غاَب الَّش َف ق‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬شفق"‪.10/180 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬باب أوقات الصلوات اخلمس‪ ،1/426 ،‬رقم احلديث ‪.612‬‬

‫‪101‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫َالَّلْيِل َاَأْلْو َس ِط ‪َ ،‬و َو ْقُت َص اَل ِة َالُّصْبِح ِم ْن ُطُلوِع َاْلَف ْج ِر َم ا ْمَل َتْطُلْع َالَّش ْم ُس "( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقد استدل أهل العلم ( ) هبذين احلديثني ‪ -‬وغريمها من األحاديث األخرى الواردة يف املواقيت‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫على أن للصلوات اخلمس مواقيت حمددة ‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬


‫وقت الظهر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أمجعوا على أن أول وقته هو زوال الشمس عن كبد السماء لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ":‬و ْقُت‬
‫َالُّظْه ِر ِإَذا َز اَلْت َالَّش ْم ُس ‪َ ،‬و َك اَن ِظ ُّل َالَّر ُج ِل َك ُطوِلِه َم ا ْمَل ْحَيُضْر َاْلَعْص ُر "‪ ،‬وأما آخر وقتها فيمتد إىل أن‬
‫يصري ظل كل شيء مثله سوى يفء الزوال‪ ،‬وهذا قول مجاهري السلف واخللف من فقهاء احلديث وأهل‬
‫احلجاز( )‪ ،‬وذهب أبوحنيفة ‪ -‬يف إحدى الروايتني ‪ -‬إىل أن آخر وقتها هو ظل كل شيء مثليه‪ ،‬لكن‬ ‫‪4‬‬

‫الكاساين صحح رواية حممد ابن احلسن عنه املوافقة لقول مجاهري أهل العلم‪.‬‬
‫وقت العصر‪:‬‬
‫ويبدأ أول وقتها مبصري كل شيء مثله بعد يفء الزوال‪ ،‬وينتهي وقتها بغروب الشمس باالتفاق‬
‫()‬
‫‪6‬‬
‫لغري من يقضيها ( )‪ ،‬وهو الصواب املقطوع به الذي تواترت به السنُن ‪ ،‬واتفق عليه اجلماهري‪ .‬ويكره‬ ‫‪5‬‬

‫تأخري الصالة إىل ما بعد اصفرار الشمس بدون عذر لقوله صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث السابق‪":‬‬
‫َفِإَذا َص َّلْيُتمُ اْلَعْص َر َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َتْص َفَّر الَّش ْم ُس "‪ .‬أما ما بني اصفرار الشمس إىل غروهبا‪ ،‬فهذا يعده‬
‫‪1‬‬
‫(?) املرجع السابق‪،1/427 ،‬رقم احلديث ‪.612‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .436 -429 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪. 237-1/232،‬ابن مفلح‪ ،‬مرجع سابق‪.307-1/295،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .146 -1/141‬املرغيناين‪ ،‬مرجع سابق‪ .42-1/41 ،‬ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع سابق‪ .226 -1/218 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.124-1/122 ،‬‬
‫القدوري‪ ،‬أبواحلسني أمحد بن حممد بن جعفر‪ ،‬الموسوعة الفقهية المقارنة ‪:‬التجريد‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد أمحد سراج‪ ،‬وعلي مجعة حممد‪ ،‬ط‪(،1‬مصر‪:‬دار السالم‪،‬‬
‫‪1425‬هـ‪2004 -‬م)‪ 382 /1 ،‬وما بعدها‪ .‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.21/49،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.25-2/12،‬الشربيين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ . 193-1/188 ،‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ .20-2/12 ،‬ابن جزي‪ ،‬حممد بن أمحد‪ ،‬القوانين الفقهية‪ ،‬حتقيق‪:‬عبدالكرمي الفضيلي‪( ،‬لبنان‪:‬املكتبة‬
‫العصرية‪1426 ،‬هـ‪2005-‬م)‪ ،‬صـ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) نقل هذا اإلمجاع خالئق كثر من أهل العلم‪ :‬انظر مثال‪ :‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/24 ،‬ابن املنذر‪ ،‬أبوبكر حممد بن إبراهيم‪،‬‬
‫اإلجماع‪ ،‬حتقيق‪:‬صغري أمحد بن حممد حنيف‪ ،‬ط‪( ،2‬اإلمارات‪ :‬مكتبة الفرقان – مكتبة مكة الثقافية‪1420 ،‬هـ‪1999-‬م)‪ ،‬صـ‪ .41‬ابن عبد الرب‪ ،‬التمهيد‬
‫ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪.3/487 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ ،‬جامع المسائل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عزيز مشس‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬دار عامل الفوائد‪،‬‬
‫‪1422‬هـ)‪.4/138 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أبوحبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/712 ،‬ابن تيمية‪ ،‬جامع املسائل‪ ،‬مرجع سابق‪.6/340 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) قال النووي‪":‬وقد نقل أبو عيسى الرتمذي عن الشافعي وغريه من العلماء كراهة تأخري العصر‪ ،‬ودليل الكراهة حديث أنس قال‪ :‬مسعت رسول اهلل‬
‫أربعا ال يذكر اهلل فيها إال قليلًا" رواه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يقول‪" :‬تلك صالة املنافقني‪ ،‬جيلس يرقب الشمس حىت إذا كانت بني قرين الشيطان قام فنقرها ً‬
‫مسلم واهلل أعلم"‪ .‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.3/32،‬وانظر‪:‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/144،‬‬

‫‪102‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفقهاء وقت ضرورة هلا ال يلجأ للصالة فيه إال إذا اضطر املرء إليه‪ ،‬واحتاج إىل ذلك‪.‬‬
‫وقت المغرب‪:‬‬
‫أمجعوا على أن وقتها يستهل بغروب الشمس( )‪ ،‬أما آخر وقتها‪ ،‬فقد ذهب مالك‪ ،‬والشافعي‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫إىل أن هلا وقًتا واحًد ا إذا غابت الشمس‪ ،‬وهو عندهم وقت ضيق غري ممتد ينقضي مبقدار وضوء‪ ،‬وسرت‬
‫عورة‪ ،‬وأذان‪ ،‬وإقامة‪ ،‬ومخس ركعات( )‪ .‬وذهبت طائفة من أهل العلم كسفيان الثوري‪ ،‬وإسحاق‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وأمحد‪ ،‬وأصحاب الرأي إىل أن هلا وقتني ميتد ثانيهما إىل مغيب الشفق لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪َ":‬فِإَذا‬
‫َص َّلْيُتمُ اْلَم ْغِر َب َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َيْس ُقَط الَّش َف ُق "‪.‬قال ابن املنذر‪":‬وهذا أصح القولني"( )‪ .‬وهلذا ذهب‬
‫‪3‬‬

‫النووي ومجاعة من أهل العلم إىل ترجيح القول جبواز تأخري أدائها مامل يغب الشفق عماًل مبا دل عليه‬
‫احلديث السابق( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ويقدر دخول وقت املغرب ‪ -‬فلكًيا – باختفاء قرص الشمس كاماًل على زواية قدرها ْ‪50‬‬
‫حتت األفق الغريب( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وقت العشاء‪:‬‬
‫أمجع أهل العلم ‪ -‬إال من شذ عنهم‪ -‬على أن وقتها يدخل بغياب الشفق ( )‪ ،‬وميتد إىل نصف‬
‫‪6‬‬

‫الليل لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ":‬و َو ْقُت َص اَل ِة َاْلِعَش اِء ِإىَل ِنْص ِف َالَّلْيِل َاَأْلْو َس ِط " ويف رواية أخرى ‪":‬‬
‫َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل ِنْص ِف الَّلْيِل "‪ .‬والذي عليه اجلمهور وصاحبا أيب حنيفة أنه ال عربة بالبياض الباقي بعد‬
‫الغروب – كما هو مذهب أيب حنيفة ‪ -‬والذي قد يستمر اىل ثلث الليل الأول‪ ،‬وأن املقصود بالشفق‬
‫هو الشفق األمحر‪ ،‬ويؤيده ما ورد عن ابن عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬أهنم‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن املنذر‪ ،‬اإلمجاع‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صـ‪.41‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) البغدادي‪ ،‬أبو حممد عبد الوهاب‪ ،‬التلقين في الفقه المالكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ثالث سعيد الغاين‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬مكتبة نزارمصطفى الباز)‪.86-85/،‬‬
‫الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ ،‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ ،‬ط‪( ،8‬دمشق‪:‬دار الفكر‪1425 ،‬هـ‪2005-‬م)‪.1/668 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع والقياس‪ ،‬مرجع سابق‪.2/335 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/34،‬وقد نسب هذا القول إىل كوكبة من علماء الشافعية كابن خزمية‪ ،‬واخلطايب‪ ،‬والبيهقي‪،‬‬
‫والغزايل‪ ،‬والبغوي‪ ،‬وغريهم‬
‫‪5‬‬
‫(?) اجليزاين‪ ،‬حممد بن حسني‪ ،‬فقه النوازل‪ ،‬ط‪( ،2‬السعودية ‪ :‬دار ابن اجلوزي‪1427 ،‬هـ‪2006 -‬م)‪.2/160 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) أبوحبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/709 ،‬ابن املنذر‪ ،‬اإلمجاع‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬صـ‪.41‬‬

‫‪103‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قالوا‪":‬الشفق‪ :‬احلمرة"( )‪.‬ويوافق غياب الشفق األمحر ‪ -‬فلكًيا – وقوع الشمس على زواية قدرها ْ‪17‬‬ ‫‪1‬‬

‫حتت األفق الغريب( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وميتد وقت العشاء االختياري إىل نصف الليل أو ثلثه كما جاء مصرًح ا به يف حديث عائشة ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪ ":‬وكانوا يصلون ‪ -‬أي العشاء ‪ -‬فيما بني أن يغيب الشفق إىل ثلث الليل‬
‫األول"( )‪ ،‬وهلذا ال ينبغي تأخري الصالة بعد النصف أو الثلث لغري عذر( )‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وقت الفجر‪:‬‬
‫أمجعوا على أن وقته يبدأ من طلوع الفجر الصادق حيث البياض املنتشر ضوؤه يف األفق‪ ،‬وينتهي‬
‫ِم‬ ‫ِة‬
‫بطلوع الشمس لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪":‬وَو ْقُت َص اَل َالُّصْبِح ْن ُطُلوِع َاْلَف ْج ِر َم ا ْمَل َتْطُلْع‬
‫()‬ ‫‪5‬‬

‫َالَّش ْم ُس "‪.‬وأما الفجر األول – أو ما يعرف بالفجرالكاذب‪ -‬فال يدخل به وقت الصبح باالتفاق‪ .‬فإن‬
‫طلعت الشمس‪ ،‬خرج وقت الأداء‪ ،‬وصارت قضاًء ( )‪.‬ويوافق طلوع الفجر الصادق ‪ -‬فلكًيا – اخنفاض‬
‫‪6‬‬

‫الشمس حتت األفق الشرقي بزاوية قدرها ْ‪.) (18‬‬


‫‪7‬‬

‫المطلب الثاني‪..‬بيان حقيقة االضطراب‪.‬‬


‫من املالحظ عند احلديث عن العالمات الشرعية لدخول الصلوات اخلمس‪ ،‬أن هناك ارتباًطا‬
‫وثيًق ا بني حركة الشمس وحدوث تلك األوقات؛ فوقت الظهر ‪ -‬كما بينا سابًق ا‪ -‬يدخل عندما تزول‬
‫الشمس عن كبد السماء‪ ،‬ويبدأ وقت العصر عندما يصبح ظل الشيء مثله‪ ،‬ويستهل وقت املغرب‬
‫بغروب الشمس‪ ،‬ويدخل وقت العشاء بغياب الشفق األمحر الذي هو أثر ألشعة الشمس اليت غابت‪،‬‬
‫ويدخل وقت الفجر بطلوع الفجر الصادق الذي هو أثر ألشعة الشمس اليت توشك أن تطلع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الدارقطين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/506 ،‬ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع والقياس‪ ،‬مرجع سابق‪.240- 2/339 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اجليزاين ‪ ،‬مرجع سابق‪.2/160 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب النوم قبل العشاء ملن غلب‪ ،1/195 ،‬رقم احلديث ‪.569‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) قال أبوالعباس ابن تيمية ‪":‬ومن قال‪ :‬إنه ُيؤخر العشاَء حىت ُيصليها بعد نصف الليل‪ ،‬فإنه ال ُيَقُّر على ذلك‪ ،‬بل ُيعاَقب حىت ُيصلي الصالَة يف وقِتها‬
‫ِك‬ ‫ِء‬ ‫ِت‬
‫وق االختيار؛ فإن تأخَري العصر إىل ما بعد االصفراِر وتأخَري العشا إىل ما بعد نصف الليل ال جَي وُز مع القدرة‪ ،‬بل جيوز ذلك ملن مل مُت ْنه الصالُة وقَت‬
‫االختيار‪ ،‬كاحلائض تطهر‪ ،‬واجملنون ُيفيق‪ ،‬والنائم يستيقظ‪ ،‬والكافر ُيسلم‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬واهلل أعلم"انظر‪:‬ابن تيمية‪ ،‬جامع املسائل‪ ،‬مرجع سابق‪.4/138 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أبوحبيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/709 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪125-1/121 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.5/153 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) اجليزاين‪ ،‬مرجع سابق‪.2/160 ،‬‬

‫‪104‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫واألصل أن مواقيت الصالة ثابتة ال تتخلف يف املناطق املعتدلة‪ ،‬كما هو احلال يف مجيع الدول‬
‫العربية‪ ،‬لكن االضطراب يبدأ بالربوز كلما اجتهنا مشااًل أو جنوًبا بعيًد ا عن خط االستواء‪ ،‬وكما يظهر‬
‫يف الشكل رقم (‪ ،)1‬ميكن تقسيم مواقيت الصالة يف مجيع دول العامل حسب خطوط العرض إىل ثالث‬
‫جهات‪:‬‬

‫الشكل رقم (‪ )1‬مواقيت الصالة يف دول العامل حسب خطوط العرض‬

‫الجهة األولى‪:‬‬
‫وتبدأ من خط االستواء إىل غاية خط العرض (ْ ‪ )48.6‬مشااًل وجنوًبا‪ ،‬حيث تتواجد مواقيت‬
‫الصالة يف مجيع األوقات عدا موعدي العشاء والفجر يف بعض أيام السنة‪ ،‬وذلك يف املناطق القريبة من‬
‫خط العرض (ْ ‪ ،)48.6‬حيث يتأخر العشاء كثًريا‪ ،‬ويتقدم الفجر بشكل مبكر جًد ا( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫الجهة الثانية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) ال ختتفي أي من العالمات الشرعية لدخول أوقات الصالة يف هذا اجلهة‪ ،‬وليس هناك من إشكالية سوى تأخر وقت العشاء وتقدم وقت الفجر‪ ،‬لكن‬
‫كال الشفقني يغبيان‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ومتتد من خط العرض (ْ ‪ )48.6‬إىل خط العرض (ْ ‪ )66.6‬مشااًل وجنوًبا‪ ،‬وتعاين هذه اجلهة من‬
‫اختفاء عالميت الفجر والعشاء يف بعض األيام‪.‬‬

‫الجهة الثالثة‪:‬‬
‫وهي املناطق القطبية‪ ،‬وتبدأ من خط العرض (ْ ‪ )66.6‬إىل خط العرض (ْ ‪ )90‬مشااًل وجنوًبا‪،‬‬
‫وحيدث يف هذه املناطق أن يستمر الليل ستة أشهر يف الشمال‪ ،‬وستة أشهر للنهار يف اجلنوب‪ ،‬والعكس‬
‫بالعكس‪ .‬ويرتتب على هذا اختفاء مجيع عالمات الصالة لفرتة طويلة لياًل أو هناًر ا( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وحديثنا يف هذا املبحث سوف يكون منصًبا على اجلهة الثانية‪ ،‬أي الدول اليت تقع بني خطي‬
‫العرض(ْ ‪ )48.6‬إىل (ْ ‪ )66.6‬كربيطانيا وكثري من دول أوربا حيث تبدأ فرتة اضطراب( ) وقيت العشاء‬
‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الذي عليه فتوى اجملامع الفقهية املعاصرة بالنسبة لتحديد مواقيت الصالة يف املناطق القطبية أن تصلى الصلوات اخلمس يف كل أربع وعشرين ساعة‪،‬‬
‫وتقدر أوقات الصلوات حسب أقرب البالد إليهم مما يكون فيها ليل وهنار متمايزان‪ .‬انظر‪ :‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ .136-6/131 ،‬رابطة العامل اإلسالمي؛‬
‫اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي مبكة املكرمة‪ ،‬الدورة الثالثة‪( ،‬مكة املكرمــة‪10/4/1402 :‬هـ ‪ ،)4/2/1982 -‬صـ ‪.96-93‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هناك الكثري من األحباث اليت ناقشت هذا الاضطراب‪ ،‬واقرتحت الكثري من احللول‪ ،‬وقد أفدت منها يف هذا املبحث ‪:‬‬
‫عبدالغفار‪ ،‬صهيب حسن‪" ،‬مسائل تتعلق بمواقيت الصالة والصوم"‪ ،‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬العدد الرابع‬ ‫‪‬‬
‫واخلامس‪ ،‬ربيع الثاين( ‪1425‬هـ‪ -‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ‪.239-223‬‬
‫أبوغدة‪ ،‬عبدالستار‪ " ،‬الحلول الشرعية للمناطق الفاقدة لبعض أوقات الصالة"‪ ،‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬العدد‬ ‫‪‬‬
‫الرابع واخلامس‪ ،‬ربيع الثاين( ‪1425‬هـ‪ -‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ‪.288-243‬‬
‫اجلديع‪ ،‬عبداهلل يوسف‪ " ،‬بيان حكم صالة العشاء في صيف بريطانيا حين يفتقد وقتها "‪ ،‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء‬ ‫‪‬‬
‫والبحوث‪ ،‬العدد الرابع واخلامس‪ ،‬ربيع الثاين( ‪1425‬هـ‪ -‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ‪.317-291‬‬
‫مولوي‪ ،‬فيصل‪ " ،‬مواقيت الفجر والعشاء في المناطق الفاقدة للعالمات الشرعية "‪ ،‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫العدد الرابع واخلامس‪ ،‬ربيع الثاين( ‪1425‬هـ‪ -‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ‪.357-321‬‬
‫اهلواري‪ ،‬حممد‪" ،‬مواقيت الصالة بين علماء الشريعة والفلك"‪ ،‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬العدد الرابع واخلامس‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ربيع الثاين( ‪1425‬هـ‪ -‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ‪.317-291‬‬
‫عودة‪ ،‬حممد شوكت‪ ،‬حساب مواقيت الصالة‪ ،‬أكتوبر ‪http://www.icoproject.org ،2001‬‬ ‫‪‬‬
‫عودة‪ ،‬حممد شوكت‪ ،‬تقدير موعدي صالة الفجر والعشاء عند اختفاء العالمات الفلكية في المنطقة ما بين خطي عرض ‪ ْ48.6‬و‬ ‫‪‬‬
‫‪ ، ْ66.6‬حبث مقدم يف اجتماع جلنة اجملمع الفقهي لرابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬بروكسل‪ 22-21 ،‬مايو ‪.2009‬‬
‫محاد ‪ ،‬عبد اآلخر‪ ،‬وقت صالة العشاء في البالد التي ال يغيب فيها الشفق‪http://www.rahmah.de ،‬‬ ‫‪‬‬
‫عودة‪ ،‬حممد شوكت‪ ،‬إشكاليات فلكية وفقهية حول تحديد مواقيت الصالة‪ ،‬حبث مقدم يف مؤمتر اإلمارات الفلكي الثاين ‪ 30 ،‬مايو‪-‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ 01‬يونيو ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Al-Haddad ،Haitham، The Designated Times for the Isha' and Fajr Prayers in the UK and‬‬
‫‪other similar countries during the summer season، 21 April 2005.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Miftahi، molvi yaqub Ahmed، Salat Times & Qiblah Guide، (UK، Hizbul Ulama).‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Odeh، Mohammad، Prayer Times in High-Latitude Areas between the Areas 48.6 and 66.6‬‬
‫‪Latitude، Islamic Crescents' Observation Project (ICOP)، http://www.icoproject.org.‬‬

‫‪106‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫والفجر بأن يتأخر غياب الشفق األمحر تأخًر ا حرًج ا‪ ،‬مث ينعدم غيابه بالكلية‪ ،‬وتضيع معه عالمة الفجر‪،‬‬
‫وذلك يف الفرتة املمتدة بني ‪ 25‬مايو إىل ‪ 18‬يوليو بالنسبة ملدينة لندن‪ ،‬وخيتلف األمر قلياًل بالنسبة‬
‫للمدن األخرى نظًر ا الختالف موقعها من خطوط العرض‪.‬‬
‫ولفهم هذا الظاهرة بصورة أعمق‪ ،‬قمُت باستخراج تقومي للفرتة املشار إليها أعاله ملدينة لندن‬
‫من خالل موقع مكتب التقومي البحري بربيطانيا على شبكة اإلنرتنت( )‪ ،‬وذلك من خالل اعتماد زاوية‬
‫‪1‬‬

‫اخنفاض الشمس قدرها ْ(‪ ،)17.5‬وكانت النتيجة ‪ -‬كما هي يف الشكل (‪ – )2‬ظهور بداية فرتة‬
‫االضطراب يف اخلامس والعشرين من شهر مايو‪ ،‬بينما يوضح الشكل رقم (‪ )3‬هناية مرحلة االضطراب‬
‫يف اليوم الثامن عشر من يوليو‪ ،‬وتشري النجوم الصغرية يف كال الشكلني إىل انعدام أي وقت معلوم‬
‫للعشاء والفجر‪ .‬ووفقًا هلذا التقومي املعتمد من بعض املساجد واملراكز اإلسالمية ‪-‬كاملنتدى اإلسالمي‬
‫بلندن مثاًل ‪ ،-‬فإن فرتة عدم غياب الشفق األمحر تدوم حوايل مخسة ومخسني يوًم ا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪(? (HM Nautical Almanac Office: http://www.hmnao.com/nao‬‬

‫‪107‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الشكل رقم (‪ :)2‬بداية اضطراب وقيت العشاء والفجر (‪ 25‬مايو)‬

‫الشكل رقم (‪ :)3‬هناية اضطراب وقيت العشاء والفجر (‪ 18‬يوليو)‬

‫المطلب الثالث‪ ..‬أقوال أهل العلم في هذه الواقعة‬

‫‪108‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫تقدم عند احلديث عن مواقيت الصالة‪ ،‬أن وقت العشاء تبدأ عالمته الشرعية عند اجلمهور‬
‫بغياب الشفق األمحر‪ ،‬فإذا انعدم ترتب على ذلك فقدان معرفة آخر وقت املغرب‪ ،‬ووقت العشاء كله‪،‬‬
‫وأول وقت الفجر‪ .‬فأما وقت بدء صالة املغرب‪ ،‬فال توجد إشكالية يف حتديده الرتباطه بغروب‬
‫الشمس‪ ،‬فإذا غربت الشمس‪ ،‬فقد حل وقت املغرب‪ ،‬على خالف بني أهل العلم يف كون وقته ضيًق ا أم‬
‫ممتًد ا‪.‬‬
‫وال إشكالية كبرية ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬يف معرفة بدء وقت صالة الفجر ملن يريد الصالة‪ ،‬فإن املرء إذا‬
‫شك يف بدء وقتها‪ ،‬فإّن له أن يؤخرها حىت يتيقن دخول وقتها ما مل تشرق الشمس‪ ،‬لكن املعضلة‬
‫احلقيقية اليت يواجهها املقيم يف هذه الديار هي كيفية حتديد وقت العشاء نظًر ا الستمرار الشفق األمحر‬
‫وعدم غيابه‪ ،‬مث معرفة مىت ميسك الصائم عن األكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬وسائر املفطرات أثناء شهر رمضان‪.‬‬
‫ونظًر ا لتعلق هذا االضطراب بعباديت الصالة والصوم‪ ،‬فقد تعددت االجتهادات الفقهية بغية إجياد‬
‫حل – أو حلول‪ -‬الختفاء بعض العالمات الشرعية للصالة‪ ،‬وُعرضت الكثري من االقرتاحات املختلفة‬
‫من خالل اجملامع الفقهية‪ ،‬والندوات واملؤمترات العلمية مما ال يتسع املقام لذكره كله ههنا‪ .‬لكن ميكن‬
‫تصنيف تلكم االجتهادات إىل أربعة آراء( ) ‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫الرأي األول ‪ :‬التقدير‬


‫ويلجأ أصحاب هذا الرأي إىل التقدير عند انعدام العالمات الشرعية ألوقات الصالة‪ ،‬وعمدة‬
‫هذا الرأي حديث النواس بن مسعان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الطويل يف ذكر فتنة الدجال( )‪ ،‬وقد سأل‬
‫‪2‬‬

‫الصحابة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن مدة لبثه ىف األرض؟ فقال‪َ ":‬أ وَن ا َك َنٍة‬
‫ْر َبُع َيْو ًم َيْو ٌم َس‬

‫‪1‬‬
‫(?) هناك رأي خامس قال به بعض أئمة األحناف‪ ،‬وملخصه‪ :‬سقوط الصلاة اليت ليس هلا وقت معلوم‪ ،‬كما هو احلال يف صالة العشاء يف صيف بريطانيا ‪،‬‬
‫ألن وجود الوقت سبب للوجوب‪ ،‬فإن عدم السبب عدم املسبب‪ ،‬أي الوجوب‪ .‬وقد أعرضُت عنه ألنه قول مهجور‪ ،‬خمالف لألدلة الصحيحة والصرحية‬
‫بوجوب مخس صلوات يف اليوم والليلة على كل مسلم ومسلمة‪ .‬انظر‪:‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/19 ،‬الشيخ نظام‪ ،‬مرجع سابق‪.1/58 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ذهب بعض الكتاب املعاصرين إىل ادعاء خصوصية حديث الدجال بزمنه فقط‪ ،‬وهذا حتكم ال دليل عليه‪ ،‬وحصر بدون بينة أو برهان‪ ،‬وقد تقرر يف‬
‫أصول الفقه أن الأصل يف الأحكام الشرعية هو العموم‪ ،‬وأن العربة بعموم اللفظ ال خبصوص السبب إال إذا جاء نص يقيد ذلك اللفظ ويستثنيه‪ ،‬وهذا ما‬
‫نفتقده هنا‪ ،‬وهلذا ذهب األكثرون من أهل العلم إىل العمل مبقتضى هذا احلديث يف كثري من مسائل الفقه وفروعه‪ ،‬كتقدير الصالة والصوم وغري ذلك ‪ .‬قال‬
‫ابن عابدين‪ ":‬قال يف إمداد الفتاح‪ :‬قلت‪ :‬وكذلك يقدر جلميع اآلجال كالصوم‪ ،‬والزكاة‪ ،‬واحلج‪ ،‬والعدة‪ ،‬وآجال البيع‪ ،‬والسلم‪ ،‬واإلجارة‪ ،‬وينظر ابتداء‬
‫اليوم فيقدر كل فصل من الفصول األربعة حبسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص‪ ،‬كذا يف كتب األئمة الشافعية‪ ،‬وحنن نقول مبثله‪ ،‬إذ أصل التقدير‬
‫مقول به إمجاعًا يف الصلوات"‪ .‬انظر‪ :‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪.23-2/22 ،‬‬

‫‪109‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫َو َيْو ٌم َك َش ْه ٍر َو َيْو ٌم َك ُج ُم َعٍة َو َس اِئُر َأَّياِمِه َك َأَّياِم ُك ْم "‪ .‬قلنا يا رسول اهلل‪ :‬فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا‬
‫فيه صالة يوم؟ قال‪َ":‬ال اْقُد ُر وا َلُه َقْد َر ُه"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ومعين اقدروا له قدره ‪ :‬أي إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبني الظهر كل يوم‪،‬‬
‫فصلوا الظهر‪ ،‬مث إذا مضى من الوقت قدر ما يكون بني الظهر والعصر‪ ،‬فصلوا العصر‪ ،‬وهكذا باقي‬
‫الصلوات حىت ينقضي ذلك اليوم‪ ،‬وقد أديت فيه صلوات سنة يف وقتها( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ورغم اتفاق أصحاب هذا الرأي على مبدأ التقدير‪ ،‬إال أنهم اختلفوا اختالًفا كبيًر ا في كيفية‬
‫حسابه على أقوال كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫التقدير ألقرب بلد يغيب فيه الشفق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذا هو مذهب الشافعية والقرايف من املالكية( )‪ ،‬ورجحته بعض اجملامع الفقهية املعاصرة‪ ،‬يقول‬
‫‪3‬‬

‫النووي ‪ ":‬أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم‪ ،‬وال يغيب عنهم الشفق‪ ،‬فيصلون العشاء إذا مضى من‬
‫الزمان قدر ما يغيب الشفق يف أقرب البالد إليهم"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫أما املعاصرون‪ ،‬فقد أصدر جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي قراًر ا ينص على حتديد وقيت صاليت‬
‫العشاء والفجر بالقياس النسيب على نظرييهما‪ ،‬يف ليل أقرب مكان تتميز فيه عالمتا وقيت العشاء والفجر‪،‬‬
‫واقرتح المجلس خط (ْ ‪ )45‬باعتباره أقرب األماكن الذي تتيسر فيه العبادة‪ ،‬وتتميز فيه األوقات على‬
‫مدار العام‪ ،‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإذا كان وقت العشاء يبدأ بعد ثلث الليل يف خط عرض (ْ ‪ ،)45‬فإنه‬
‫يبدأ كذلك بالنسبة إىل ليل خط عرض املكان املراد تعيني الوقت فيه‪ ،‬ومثل هذا يقال يف الفجر( )‪.‬وقد‬
‫‪5‬‬

‫رجحت هيئة كبار العلماء بالسعودية هذا الرأي أيًض ا( )‪ ،‬وتبناه كذلك جملس البحث الفقهي األوريب‪،‬‬
‫‪6‬‬

‫وندوة علماء الشريعة والفلك اليت عقدت بلندن يف شهر شعبان ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫وهذا االقرتاح يعمل بصورة جيدة حىت خط العرض (ْ ‪ ،)65‬وقد اقرتح اخلبري الفلكي برابطة‬
‫العامل اإلسالمي أن يكون القياس على خط عرض (ْ ‪)48‬بداًل من (ْ ‪ )45‬حيث يقرتب احلساب من‬
‫‪1‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفنت وأشراط الساعة‪ ،‬باب ذكر الدجال وصفته وما معه‪ ،2255-4/2250 ،‬رقم احلديث ‪.2137‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.89-18/88 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الصاوي‪ ،‬أمحد‪ ،‬بلغة السالك ألقرب المسالك‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1415 ،‬هـ ‪1995-‬م)‪.1/155 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬مرجع سابق‪.293-1/292 ،‬وانظر‪ :‬القليويب وعمرية‪ ،‬مرجع سابق‪.1/114 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة‪ ،‬الدورة التاسعة‪( ،‬مكة املكرمــة‪ :‬من ‪12‬رجب‬
‫‪1406‬هـ ‪19 -‬رجب‪1406‬هـ)‪،‬صـ ‪.204-200‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)اجليزاين‪ ،‬مرجع سابق‪.2/152 ،‬‬

‫‪110‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫منتصف الليل‪.‬‬
‫وانتقدت هذه الطريقة بأهنا جتعل قفزة كبرية يف املواقيت البديلة حيث يكون موعدي الفجر‬
‫والعشاء قبل اختفاء العالمة قريًبا من منتصف الليل‪ ،‬لكن عند البدء باملواقيت البديلة خيتلف موعدا‬
‫صاليت العشاء والفجر عدة ساعات‪.‬‬
‫التقدير ألقرب مدينة يغيب فيها الشفق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذا اختيار املركز الثقايف اإلسالمي واملسجد املركزي ‪ -‬أحد أكرب وأقدم مساجد لندن ‪-‬‬
‫حيث يأخذ بالتقدير حبسب أقرب مدينة تتواجد فيها العالمات الشرعية خالل فرتة االضطراب وهي‬
‫مدينة ( ‪ )Alencon‬الفرنسية اليت تبعد مائة وستة وتسعني كليومًرتا عن باريس‪ ،‬وتقع على خط العرض‬
‫(ْ ‪.)45‬‬
‫ولكن حىت على هذا التوقيت البديل الزال كال الوقتني ‪ -‬العشاء والفجر‪ -‬غري مناسبني؛ فاألول‬
‫يدخل بشكل متأخر جًد ا‪ ،‬بينما يتقدم الثاين بشكل مبكر جًد ا‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬فإذا أخذنا هبذا‬
‫التوقيت يف أول أيام غياب العالمة الشرعية ‪ 25 -‬مايو ‪ -‬فإن وقيت العشاء والفجر سيكونان كما يف‬
‫شكل (‪:)5‬‬
‫العشاء‬ ‫الفجر‬
‫‪11.33‬‬ ‫‪1.14‬‬
‫الشكل رقم (‪ :)5‬وقتا العشاء والفجر ليوم ‪ 25‬مايو ملدينة لندن وفًق ا ملدينة النكون الفرنسية‬

‫ويستمر وقت العشاء يف التأخر كل يوم حىت يصل يف اليوم احلادي والعشرين من شهر يوليو إىل‬
‫أن يصبح كما يف شكل (‪:)6‬‬
‫العشاء‬ ‫الفجر‬
‫‪12.44‬‬ ‫‪1.18‬‬
‫الشكل رقم (‪ :)6‬وقتا العشاء والفجر ليوم ‪ 25‬مايو ملدينة لندن وفًق ا ملدينة النكون الفرنسية‬

‫وال ريب أن املشقة واضحة وجلية إذا مت األخذ هبذا التقومي خصوًص ا أثناء شهر رمضان حيث‬
‫يصعب جًد ا أداء صالة الرتوايح‪ ،‬وال جيد الناس وقًتا كافًيا للسحور‪ ،‬واالمساك‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫تقديم صالة العشاء قبل وقتها‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذا التكييف الفقهي مرتبط بطريقة التقدير السابقة اليت تعتمد على أقرب مدينة تتواجد فيها‬
‫العالمات الشرعية‪ ،‬وقد تبني عدم مالءمة هذا التوقيت البديل؛ نظًر ا لتأخره الكبري‪ ،‬وعدم مناسبته لعموم‬
‫املسلمني‪ ،‬وهذا ما حدا باملركز الثقايف اإلسالمي واملسجد املركزي إىل البحث عن طريقة أفضل من‬
‫سابقاتيهما‪ ،‬فتبىن رأًيا فقهًيا ينص على جواز تقدمي وقت العشاء حبيث ال يتجاوز ثلث الليل بأي حال‪.‬‬
‫وعلى هذا التصور مت إعداد توقيت جديد ألوقات الصالة‪ ،‬وأصبح وقتا الفجر والعشاء كما يف شكل (‬
‫‪:)7‬‬
‫العشاء‬ ‫الفجر‬
‫‪10.52‬‬ ‫‪3.10‬‬
‫الشكل رقم (‪ :)7‬وقتا العشاء والفجر ليوم ‪ 25‬مايو ملدينة لندن حسب توقيت املسجد املركزي‬

‫والبد من مالحظة أن هذين الوقتني مها لصالة اجلماعة يف املسجد‪ ،‬وليسا لبدء الوقت األصلي‪،‬‬
‫وهو األمر الذي يثري حرية واضطراًبا عند عموم املصلني؛ إذ ال خيفى أن ملعرفة بدء األوقات الشرعية‬
‫للصلوات أمهية كربى يف حياة املسلم خصوًص ا يف شهر رمضان حيث ال يعلم مىت ميسك املكلف عن‬
‫األكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬وسائر املفطرات( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأصحاب هذه الطريقة يف التقدير استدلوا( )ببعض األدلة كحديث عائشة رضي اهلل عنها‬
‫‪2‬‬

‫قالت‪ ":‬وكانوا يصلون [أي العشاء] فيما بني أن يغيب الشفق إىل ثلث الليل األول"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال ابن حزم‪":‬فصح يقيًنا أن وقتها [أي العشاء] داخل قبل ثلث الليل األول بيقني"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)أرى أنه من الضروري أن يقوم املركز الثقايف اإلسالمي واملسجد املركزي بإعادة النظر يف هذا التقومي‪ ،‬وحتديد وقت مقدر لبدء كال الصالتني بداًل من‬
‫وضع موعد إقامة الصالتني يف املسجد؛ ألن هناك الكثري من الناس ممن اليقيمون قريًبا من املسجد‪ ،‬ويعتمدون هذا التقومي‪ .‬وهناك من ال يفرق بني وقت‬
‫اجلماعة يف املسجد‪ ،‬وبني وقت الدخول احلقيقي لصاليت العشاء والفجر‪ .‬ويضاف إىل ذلك‪ ،‬فإن شهر رمضان سوف يأيت خالل السنتني املقبلتني أثناء فرتة‬
‫االضطراب‪ ،‬وال خالف على أمهية معرفة وقيت العشاء والفجر ألداء صالة الرتوايح‪ ،‬ولبدء اإلمساك‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)أبوشادي‪ ،‬أنس‪ ،‬مقدمة جدول مواقيت الصالة بالمركز الثقافي اإلسالمي ومسجد لندن المركزي(خمطوط)‪ ،‬ذو القعدة ‪1422‬هـ‪ -‬فرباير‬
‫‪2002‬م‪ ،‬صـ‪.7-4‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب النوم قبل العشاء ملن غلب‪ ،1/195 ،‬رقم احلديث ‪.569‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪.3/193 ،‬‬

‫‪112‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وقالوا إن‪ :‬وقت العشاء يدخل مبغيب الشفق يف البلدان املعتدلة قبل ثلث الليل أو نصفه‪ ،‬أما إن‬
‫كان بعد الثلث أو النصف فهذا ال يعتد به؛ ألنه غري معتاد( )‪ ،‬ويهدر وقت الصالة احملدد شرًعا بأال‬
‫‪1‬‬

‫يتجاوز ثلث الليل‪.‬‬


‫ومن ضمن أدلتهم كذلك أن ليس مثة إمجاع على منع الصالة قبل وقتها؛ فقد أجاز ابن عباس‪،‬‬
‫واحلسن البصري‪ ،‬والشعيب( )( ) الصالة قبل الوقت‪ ،‬ونقل عن أشهب( ) قوله عمن صلى العشاء قبل‬
‫‪4‬‬ ‫‪3 2‬‬

‫مغيب الشفق‪:‬أرجو أن جتزئه( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ويالحظ على هذه الطريقة أهنا مل تتوخ الدقة يف استعمال االسم الذي يعرب عن حقيقتها؛ إذ إن‬
‫القول جبواز أداء صالة العشاء قبل وقتها يشعر السامع بأن العالمة الشرعية لوقت العشاء متواجدة‪ ،‬بينما‬
‫الواقع هو خالف ذلك متاًم ا‪ .‬وهذه الطريقة ال خترج عن كوهنا إحدى طرق التقدير‪ ،‬وال حاجة عندئذ‬
‫للبحث عن أدلة ال عالقة هلا بكيفية التقدير‪ ،‬إال أن يقال‪ :‬إن هذه الطريقة تستخدم أيًض ا قبل اختفاء‬
‫العالمة الشرعية عندما يتأخر وقت العشاء تأخًر ا شديًد ا حىت يكاد يتقارب مع وقت الفجر‪ ،‬لكن عالمته‬
‫الشرعية الزالت باقية‪ .‬وصنيعهم يف التقومي املشار إليه يشري إىل أهنم جيعلون فرتة التأخر والتقدم احلرج يف‬
‫وقيت العشاء والفجر‪ ،‬وفرتة اختفاء كلتا العالمتني بنفس املرتبة‪ .‬ويظهر هذا من خالل اعتمادهم نفس‬
‫كيفية التقدير من األول من شهر مايو‪ ،‬وحىت اليوم األخري من شهر أغسطس‪ ،‬وخالل هذه األربعة أشهر‬
‫ال يتجاوز وقت صالة العشاء احلادية عشرة ودقيقة‪.‬‬
‫وإذا سلمنا بكيفية التقدير خالل فرتة غياب العالمة الشرعية‪ ،‬إال أن القبول بعدم جتاوز ثلث‬
‫الليل رغم حتقق دخول وقت العشاء متأخًر ا حيتاج إىل مزيد حبث؛ فالشارع أقام العالمات الشرعية‬

‫‪1‬‬
‫(?) قال احلافظ ابن حجر‪ ":‬وقال اليعمري‪ :‬األحكام إمنا تناط بالغالب ال بالصورة النادرة" انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/199 ،‬وقال‬
‫ابن عابدين‪":‬القصر الفاحش غري معترب كالطول الفاحش‪ ،‬والعبارات حيث أطلقت حتمل على الشائع الغالب دون اخلفي النادر"‪ .‬انظر‪:‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.2/602 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬الشعيب‪ ،‬عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار‪ .‬اختلف يف سنة مولده‪ ،‬ووفاته على عدة أقوال‪ ،‬فقيل‪ :‬ولد سنة ‪17‬هـ‪ ،‬وقيل‪ :‬ولد سنة ‪19‬هـ‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ولد سنة ‪21‬ه‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬وأما وفاته‪ ،‬فقيل‪ :‬تويف سنة ‪104‬هـ‪ ،‬وقيل ‪105‬هـ‪ ،‬وقيل ‪106‬هـ‪ ،‬وقيل ‪107‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك‪ .‬انظر‪ :‬ابن‬
‫خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/12 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/294 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/251 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/236 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/396 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي اجلعدي‪ .‬ولد سنة ‪140‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪204‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.1/238 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .9/500 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/333 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/32 ،‬‬

‫‪113‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املنضبطة اليت تدل على حدوث األمر املطلوب من املكلف فعله‪ ،‬والريب أن هذا خيتلف من مكان إىل‬
‫مكان‪ ،‬ومن بيئة إىل أخرى‪ ،‬فإذا وجدت العالمة‪ ،‬ترتب على ذلك وجود احلكم‪ .‬والذي عليه أكثر أهل‬
‫العلم ‪ -‬بل ذكره بعضهم إمجاًعا( )‪ -‬أن دخول الوقت شرط لصحة الصالة‪ ،‬وال جتزئ صالة من صالها‬ ‫‪1‬‬

‫قبل دخول وقتها‪.‬‬


‫واملتتبع لألحاديث اليت أوضحت مواقيت الصلوات اخلمس‪ ،‬يلحظ أهنالم تفرق بني كون النهار‬
‫طوياًل أم قصًريا؛ وإمنا جعلت لكل وقت عالمة يعرف هبا بدؤه‪ ،‬وإنتهاؤه‪ ،‬فإذا كانت أوقات الصالة‬
‫متمايزة بالعالمات اليت بينها الشرع احلكيم‪ ،‬وال خيتفي منها شيء‪ ،‬فإهنا جيب أن تؤدى يف أوقاهتا‬
‫الشرعية ما مل يكن هناك عذر كاملرض‪ ،‬أو السفر‪ ،‬أو احلرج‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬التقدير بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان‪:‬‬
‫وهذا ما قرره جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي؛ حيث رأى أن تقدير وقت العشاء واإلمساك يف‬
‫الصوم‪ ،‬وبداية وقت صالة الفجر يتم حبسب آخر فرتة يتمايز فيها الشفقان(‪ .)2‬وعلى هذا فإذا كان آخر‬
‫يوم يتمايز فيه الشفقان هو الرابع والعشرين من شهر مايو بالنسبة ملدينة لندن‪ ،‬فإن مواقيت صاليت‬
‫العشاء والفجر يف هذا اليوم تصبح البديل عند حدوث االضطراب‪ ،‬وغياب عالميت العشاء والفجر‪.‬‬
‫وعليه يصبح وقتا العشاء والفجر يف اليوم اخلامس والعشرين من مايو كما يف الشكل رقم (‪:)8‬‬

‫العشاء‬ ‫الفجر‬
‫‪12.39‬‬ ‫‪1.27‬‬

‫الشكل رقم (‪ :)8‬وقتا العشاء والفجر ليوم ‪ 25‬مايو باعتماد التقدير بآخر فرتة تتواجد فيها العالمة الشرعية‬

‫ويؤخذ على هذه الطريقة‪ ،‬أن فيها مشقة ظاهرة‪ ،‬وحرًج ا شديًد ا على الناس‪ ،‬ومن الصعوبة محل‬
‫الناس على االنتظار إىل هذا الوقت املتأخر‪ ،‬بل واملداومة على الصالة يف كال الوقتني طيلة فرتة‬
‫االضطراب البالغة مخسة ومخسني يوًم ا‪.‬‬
‫التقدير النسبي المحلي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)قال ابن القطان‪":‬ووقت الصالة من فرائضها‪ ،‬وال جيوز الصالة إال به‪ ،‬وال خالف يف هذا بني العلماء‪ ،‬إال شيًئا روي عن أيب موسى األشعري‪ ،‬وبعض‬
‫التابعني‪ .‬وقد انعقد اإلمجاع على خالفه فلم أر لذكره وجًه ا؛ ألنه ال يصح عندي عنهم‪ ،‬وقد صح عن أيب موسى خالفه مبا يوافق اجلماعة‪ ،‬فصار اتفاًقا‬
‫صحيًح ا"‪ .‬انظر‪:‬ابن القطان‪ ،‬علي بن حممد بن عبدامللك الفاسي‪ ،‬اإلقناع في مسائل اإلجماع‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن بن فوزي الصعيدي‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪:‬الفاروق‬
‫احلديثة للطباعة والنشر‪1424 ،‬هـ‪2004-‬م)‪.1/114 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة الثالثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪.96-93‬‬

‫‪114‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أوصى جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي يف دورته التاسعة عشرة بإصدار تقومي هجري موحد‬
‫جلميع املسلمني‪ ،‬والتعاون مع املراصد الفلكية يف سبيل حتقيق هذا الغرض( )‪ ،‬وهلذا عقدت اللجنة اخلاصة‬
‫‪1‬‬

‫مبتابعة تنفيذ هذا القرار اجتماعها الرابع مبكة املكرمة بتاريخ ‪ 10‬رمضان ‪1430‬هـ حيث قررت اعتماد‬
‫ما أمسته بـ‪ ":‬التقدير النسيب احمللي"‪ ،‬والذي تقوم فكرته على "األخذ مبتوسط نسبة الفرتة الزمنية بني‬
‫غروب الشمس‪ ،‬ودخول وقت العشاء إىل الليل بأكمله يف مجيع األيام اليت تظهر فيها عالمة دخول‬
‫وقت العشاء‪ ،‬وتطبيق تلك النسبة يف األيام اليت ال تظهر فيها العالمة"‪.‬‬
‫وانتقدت هذه الطريقة مبثل ما انتقدت به طريقة التقدير بأقرب بلد يغيب فيه الشفق؛ حيث أهنا‬
‫تؤدي إىل قفزة كبرية يف املواقيت البديلة حبيث يكون موعدي الفجر والعشاء قبل اختفاء العالمة قريًبا‬
‫من منتصف الليل‪ ،‬لكن عند البدء باملواقيت البديلة خيتلف موعدي صاليت العشاء والفجر عدة ساعات‪.‬‬
‫التقدير بالنظر لتقويم أم القرى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهذا ما ذهبت إليه الندوة اإلسالمية األوربية اليت عقدت برعاية رابطة العامل اإلسالمي ببلجكيا‬
‫‪1980‬م؛ حيث يتم حتديد وقيت العشاء والفجر حبساب الوقت بني املغرب والعشاء يف مكة املكرمة‪ ،‬مث‬
‫يضاف إىل وقت املغرب‪ ،‬فيكون هو وقت العشاء البديل‪.‬‬
‫وانتقد هذا التقدير بكونه خمالًف ا للظواهر الفلكية؛ حيث قد حيدث يف املناطق اليت يتقارب فيها‬
‫غروب وشروق الشمس أن يصبح موعد الفجر البديل قبل العشاء البديل‪ ،‬وهذا أمر غري مقبول ألبتة‪.‬‬
‫إضافة ساعة ونصف على الغروب‪ ،‬وطرح نفس الزمن من الشروق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وانتقدت هذه الطريقة بأهنا حتدث قفزة كبرية يف موعدي صالة العشاء والفجر قبل اختفاء‬
‫العالمة الشرعية اليت تكون قريبة من منتصف الليل‪ ،‬وانتقدت أيًض ا ملخالفتها للظواهر الفلكية‪.‬‬
‫الرأي الثاني ‪:‬صالة العشاء بعد طلوع الفجر‪:‬‬
‫وهذا الرأي نقله اإلمام احلطاب( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عن القرايف أثناء عرضه لسؤال طرحه الشافعية‬
‫‪2‬‬

‫مفاده‪:‬كيف تصلى العشاء يف بلد ال يغرب فيه الشفق إال بعد طلوع الفجر؟ وهل تؤدى قضاًء أم أداًء؟‬

‫‪1‬‬
‫(?) بيان وقرارت الدورة التاسعة عشرة‪" ،‬مواقيت الصالة يف البلدان الواقعة بني خطي عرض ‪ 48‬و ‪ 66‬مشااًل وجنوًبا"‪ ،‬جملة اجملمع الفقهي اإلسالمي‪،‬‬
‫السنة العشرون‪ ،‬العدد ‪1429 ( ،29‬هـ ‪2008 -‬م) ‪ ،‬صـ ‪. 351‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أبو عبد اهلل‪ ،‬حممد بن حممد بن عبد الرمحن الرعيىن‪ .‬ولد سنة ‪902‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪954‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/333 ،‬خملوف‪ ،‬حممد بن‬
‫حممد‪ ،‬شجرة النور الزكية في طبقات المالكية‪( ،‬مصر‪ :‬املطبعة السلفية‪1349 ،‬هـ)‪ ،‬صـ ‪. 270‬‬

‫‪115‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫()‬
‫ًء‬ ‫أدا‬ ‫وتكون‬ ‫‪،‬‬‫الشفق‬ ‫يغيب‬ ‫حىت‬ ‫العشاء‬ ‫تصلى‬ ‫ال‬ ‫‪:‬‬‫قال‬ ‫أنه‬ ‫‪-‬‬ ‫اهلل‬ ‫رمحه‬ ‫‪-‬‬ ‫فذكر عن إمام احلرمني اجلويين‬
‫‪3‬‬

‫لبقاء وقتها‪ ،‬ويتحرى بصالة الصبح فجر من يليهم من البالد‪ ،‬وال يعترب الفجر الذي هلم( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومن الواضح أن هذا الرأي اعتمد على أن عالمة دخول وقت العشاء يكون بغياب الشفق ‪-‬‬
‫وهو أمر جممع عليه بني أهل العلم كما مضى بيانه ‪ -‬حىت وإن غاب بعد بدء وقت الفجر‪ ،‬فالحرج‬
‫عندهم يف إيقاع صالة العشاء يف وقت الفجر؛ ألن التكاليف الشرعية منوطة بالقدرة واالستطاعة‪،‬‬
‫ودخول أوقات الصالة خارج قدرة املكلف‪ ،‬فمىت رأى املكلف العالمة الشرعية لدخول وقت أي‬
‫صالة‪ ،‬فقد تعلقت هبا ذمته‪ ،‬ووجب عليه إقامتها‪.‬‬
‫الرأي الثالث ‪:‬الجمع بين صالتي المغرب والعشاء‪:‬‬
‫وهذا الرأي اختاره‪ :‬اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬وإدارة اإلفتاء بوزارة األوقاف الكويتية‪ ،‬والندوة‬
‫اإلسالمية األوربية األوىل اليت انعقدت بإشراف رابطة العامل اإلسالمي بربوكسل ‪1400‬هـ‪1980-‬م‪،‬‬
‫واملؤمتر العلمي الذي عقد باملركز الثقايف اإلسالمي بلندن يف ‪ 1404‬هـ‪1984 -‬م‪ ،‬واجمللس األوريب‬
‫لإلفتاء والبحوث يف دورته الثالثة بتاريخ ‪ 24‬ربيع الثاين ‪ 1426‬هـ ‪ 14-‬يوليو ‪ 2008‬م( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وخالصة هذا الرأي أن األصل هو أداء العشاء يف وقتها الشرعي‪ ،‬فإن كان الشفق يغيب قبل‬
‫الفجر بوقت طويل يتسع لصالة العشاء‪ ،‬فإن الواجب هو صالة العشاء يف هذا الوقت إال أن يشق على‬
‫الناس االنتظار‪ ،‬فعندها جيمعون العشاء إىل املغرب مجع تقدمي عماًل بالنصوص الواردة يف رفع احلرج عن‬
‫هذه األمة( )‪ .‬وال خيتلف احلكم إذا كان الشفق ال يغيب أصاًل ‪ ،‬فمن باب التيسري على عموم املسلمني أن‬ ‫‪4‬‬

‫جيمعوا بني صاليت املغرب والعشاء‪.‬‬


‫الرأي الرابع ‪:‬اعتماد المشاهدة العينية لتحديد وقتي العشاء والفجر ‪:‬‬
‫وهذا ليس من اآلراء الرئيسية اليت تطرح عادة عند احلديث عن مسألة فقدان عالميت العشاء‬
‫والفجر‪ ،‬لكن ألمهيته وتزايد تبنيه من بعض املساجد واملراكز اإلسالمية‪ ،‬رأيت إثباته‪ ،‬واإلشارة إىل بعض‬
‫نتائجه‪ .‬وقد تبىن هذا الرأي جمموعة من أهل العلم والفلكيني يف مدينة بالكبرين ‪ -‬تبعد حوايل ثالمثائة‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬اجلويين‪ ،‬أبو املعايل عبد امللك ابن عبد اهلل بن يوسف بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪ .‬ولد سنة ‪419‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 478‬ه‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .3/167 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .18/468 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.4/160 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/18 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪:‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ ،274‬صـ‪ ،279‬صـ‪ ، 410‬صـ‪ .463‬وانظر‪ :‬اجمللس األوريب لإلفتاء‬
‫والبحوث‪ ،‬قرارات وفتاوى‪( ،‬مصر‪:‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪2002 ،‬م)‪ ،‬صـ‪ .24‬وانظر‪ :‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية بالكويت‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.1/194 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سيأيت تفصيل احلديث عن مسألة اجلمع بني الصالتني يف احلضر للحاجة‪ ،‬وذلك يف املبحث الثاين من هذا الفصل‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫كليو مرت مشال لندن ‪ ،-‬وقام هؤالء النفر حتت إشراف ما يعرف بـ"حزب العلماء " باخلروج إىل بعض‬
‫املناطق لرصد الشفقني‪ ،‬وذلك ملدة عام كامل‪ ،‬أي من حمرم ‪1408‬هـ ‪ -‬سبتمرب ‪1987‬م إىل حمرم‬
‫‪1409‬هـ ‪ -‬أغسطس ‪1988‬م‪ ،‬ومن أبرز النتائج اليت توصلوا إليها( )‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫أن هناك فهمًا غري دقيق ملا يعرف بظاهرة استمرار الشفق" ‪ "Twilight Persists‬يف أيام‬ ‫‪‬‬

‫فرتة االضطراب؛ فليس املراد أن الشفق ال حيدث‪ ،‬أو ال يغيب ‪ -‬كما هو التفسري املشهور ‪-‬‬
‫وإمنا املقصود أنه خالل بعض أسابيع الصيف حيدث أن الشمس ال تصل مستوى بعض‬
‫الدرجات احملددة سلفًا ‪ -‬خصوًص ا بني درجيت (ْ ‪ )15‬و(ْ ‪ )18‬لدخول وقت العشاء‪،-‬‬
‫وتكون الظلمة أو العتمة أقل مما هي عليه يف باقي أيام السنة‪ ،‬ومن مث فإن مستوى الظلمة‬
‫الذي يتحد عادة مع الدرجة(ْ ‪ )15‬و(ْ ‪ )18‬ال يكون متواجًد ا خالل تلك األسابيع( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أن أوقات الصالة ال تتمحور حول درجة فلكية حمددة‪ ،‬وإمنا هي ترتواح بني درجة (ْ ‪- )12‬‬ ‫‪‬‬

‫(ْ ‪ .)18‬وبالتايل فإن اعتبار زاوية (ْ ‪ )18‬هي الدرجة الصحيحة لدخول الفجر أو العشاء يف‬
‫البالد ذات خطوط العرض العالية هو أمر غري دقيق‪ .‬نعم ميكن اعتماد الدرجة (ْ ‪)18‬‬
‫كمقياس صحيح يف املناطق القريبة من خط اإلستواء‪ ،‬لكن املناطق البعيدة عنه ال تتقيد‬
‫بدرجة حمددة‪.‬‬
‫عدم صحة ما يفعله بعض أئمة املساجد من صالة العشاء بعد ساعة واحدة من املغرب‪ ،‬سواء‬ ‫‪‬‬

‫طيلة السنة‪ ،‬أو خالل فرتة اضطراب العشاء والفجر‪.‬‬


‫وعلى ضوء النتائج النهائية اليت توصلوا إليها‪ ،‬قاموا بإعداد جدول ملواقيت الصالة يشمل مجيع أو‬
‫غالب املدن الربيطانية‪.‬ويالحظ على هذا التوقيت أنه يف اليوم الذي تبدأ فيه عالمتا العشاء والفجر‬
‫باالختفاء كما هو احلال يف معظم التقاومي األخرى‪ ،‬فإن وقيت كلتا الصالتني ظاهر وبني ‪ ،‬مما يعين أن‬
‫الشفقني األمحر واألبيض يغيبان بصورة طبيعية‪ .‬ويوضح الشكل رقم (‪ )9‬وقيت العشاء والفجر‪:‬‬

‫العشاء‬ ‫الفجر‬

‫‪1‬‬
‫(?) وقد ضمنوا تلك النتائج يف كتاب أصدروه بعنوان‪ .Salat Times & Qiblah Guide :‬أي ‪":‬أوقات الصالة‪ ،‬ودليل القبلة"‪ .‬وهي دراسة تقع يف‬
‫ثالث مائة وست وأربعني صفحة‪ ،‬وقد أرسل إّيل مؤلفها نسًخ ا منها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(?) Miftahi، p 98-99.‬‬

‫‪117‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪10.45‬‬ ‫‪2.45‬‬

‫الشكل رقم (‪ :)9‬وقتا العشاء والفجر ليوم ‪ 25‬مايو ملدينة لندن وفًق ا للتقومي الذي أعده حزب العلماء مبدينة بالكبرين‬

‫وانتقدت هذه الطريقة بأهنا مل تقدم أي رصد حقيقي ميكن اإلعتماد عليه كدليل يصلح العتماد‬
‫أي زواية؛ فلم يتم توثيق أي رصد بشكل صحيح حيث من املفرتض أن تدون معلومات الرصد‪،‬‬
‫كالوقت‪ ،‬واملكان بالتحديد حيت يتم حتليل الرصد ومناقشته‪ ،‬وأقصى ما ذكر أن هناك من قام بالرصد‪،‬‬
‫ووجد الزاوية هي كذا‪ ،‬وهذا ال يصلح أبًد ا؛ فقد يكون الراصد اليفرق بني الفجر الكاذب والصادق‪،‬‬
‫أو قد يكون الرصد مت قرب منطقة مضيئة كما هو احلال يف هذا الرصد الذي قام به حزب العلماء( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫يضاف إىل هذا أن الطقس السائد يف بريطانيا يغلب عليه الغيوم‪ ،‬والسحب‪ ،‬واألمطار حىت يف‬
‫فصل الصيف مما يصعب كثًريا من عملية الرصد لفرتة سنة كاملة‪ .‬وقد أخربين بعض من حاول الرصد‬
‫برفقة بعض أهل العلم أنه بقي مثانية أيام كاملة مل يستطع مشاهدة أي شئ نظًر ا حلالة الطقس‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫البد من اإلقرار أن هذا املبحث ‪ -‬أعين اضطراب وقيت العشاء والفحر ‪ -‬هو أكثر مباحث هذه‬
‫الرسالة استغراًقا للوقت واجلهد‪ ،‬سواء لقراءة األحباث العلمية والنقاشات الفقهية‪ ،‬أو جلمع بعض‬
‫املعلومات امليدانية من خالل سؤال مسئويل املساجد وأئمتها حول تقاومي الصالة املعتمدة عندهم‪،‬‬
‫واألسس اليت بنيت عليها تلك التقاومي‪ ،‬وكيفية تعاملهم مع مرحلة استمرار الشفق حىت وقت الفجر‬
‫أثناء وقت الصيف‪ ،‬وغري ذلك من املعلومات املتعلقة مبادة البحث‪.‬‬
‫واحلق أنين ملا غصت يف ثنايا البحث‪ ،‬وتعمقت يف فهم أبعاد املشكلة‪ ،‬واطلعت على احللول‬
‫املقرتحة‪ ،‬واالنتقادات اليت وجهت إليها‪ ،‬أيقنت أن التعامل مع هذه املسألة ينبغي أن يتم ضمن دائرة‬
‫االجتهاد الكبرية اليت تسع اجلميع‪ ،‬وال جيوز حبال أن تكون سبًبا لتفريق وحدة املسلمني‪ ،‬وتشتيت‬
‫كلمتهم‪ ،‬وذهاب رحيهم؛ وذلك ألن كل اآلراء الفقهية‪ ،‬أو االقرتاحات الفلكية اليت قيلت يف هذا‬
‫الباب‪ ،‬ليس فيها أي نصوص قطعية‪ ،‬يأمث من خيالفها‪ ،‬أو يقاطع من يعرض عنها‪ ،‬وهي ال خترج عن‬

‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬عودة‪ ،‬إشكاليات فلكية وفقهية حول حتديد مواقيت الصالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪.33-32‬‬

‫‪118‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫كوهنا اجتهادات ألصحاهبا األجر أو األجران‪ ،‬وال تثريب على من أخذ بأّيها‪ ،‬وكما قال اإلمام حيىي بن‬
‫سعيد القطان( )‪ -‬رمحه اهلل‪ ":-‬أهل العلم أهل توسعة‪ ،‬وما برح املفتون خيتلفون‪ ،‬فيحلل هذا‪ ،‬وحيرم‬ ‫‪1‬‬

‫هذا‪ ،‬فال يعيب هذا على هذا"( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫فإذا تقرر هذا‪ ،‬ميكن القول أن مرحلة االضطراب اليت تتكرر كل صيف‪ ،‬حباجة إىل حل ‪ -‬أو‬
‫حلول ‪ -‬تراعي جانب التيسري على املسلمني‪ ،‬وتضع عنهم احلرج الذي جاءت الشريعة برفعه كما قال‬
‫اهلل تعايل‪ [ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ] ( )‪ ،‬وعلى هذا فكل رأي‪ ،‬أو اقرتاح يرتتب على تطبيقه‪ ،‬العنت‪ ،‬واملشقة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫والتضيق على الناس‪ ،‬ينبغي طرحه بعيًد ا‪ ،‬والبحث عن بديل آخر له‪.‬‬
‫واآلراء األربعة اليت مت ذكرها أنفًا‪ ،‬ختتلف أنظار الناس حوهلا‪ ،‬وال تسلم من النقد‪ ،‬وال ختلو من‬
‫املالحظة‪ ،‬ويتفاوت البعض يف تبين بعضها‪ ،‬وترتيب األرجح فاملرجوح منها‪ ،‬وإن كنُت أميل إىل تقدمي‬
‫القول الرابع ‪ -‬وهو ما يعرف بـ"تقومي بالكبرين" ‪ -‬ألنه يتميز عن البقية بأن إعداده مت من خالل‬
‫املشاهدة‪ ،‬واملتابعة لظاهرة اضطراب الشفقني ملدة عام كامل( )‪ ،‬وهو ما تفتقده الطرق األخرى‪ ،‬كما أن‬
‫‪4‬‬

‫أوقاته يتوافر فيها جانب التيسري‪ ،‬ورفع احلرج عن الناس( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬أبو سعيد‪ ،‬حيىي بن سعيد بن فروخ القطان‪ .‬ولد سنة ‪ 120‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪198‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .9/175 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .2/468 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.8/147 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)العجلوين‪ ،‬إمساعيل بن حممد‪ ،‬كشف الخفاء ومزيل اإللباس عما اشتهر من األحاديث على ألسنة الناس‪( ،‬مكتبة القدس ‪1351 ،‬هـ)‪. 1/65 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة املائدة‪ ،‬جزء من اآلية ‪.6‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) البد من التنبيه إىل أن اختياري هلذا التقومي هو من باب استصحاب أن الرصد مت وفًق ا للشروط العلمية املتعارف عليها‪ ،‬وكان الراصدون من علماء‬
‫الفلك والشريعة املتمكنني‪ ،‬أما إن كان األمر خالف ذلك‪ ،‬وما ذكره املنتقدون هلم كان صحيًح ا‪ ،‬فعندها يصبح القول بالتقدير هو األوىل‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ولعل قائاًل أن يقول‪:‬لقد جاء ترجيحك خمالًف ا ملا عليه آراء اجملامع الفقهية‪ ،‬فهل السبب جتدد االجتهادات يف املسألة بعد حبثها يف اجملامع‪ ،‬أم أنك رأيت‬
‫نقًد ا واضًح ا ملا اتفقت عليه اجملامع جعلك تبعد اجتهاداهتم‪ ،‬أم أن املسألة مضطربة لدرجة اضطراب األقوال الفقهية احلديثة فيها مبا فيها اجملامع الفقهية؟!!‬
‫واجلواب باختصار أن يقال ‪ :‬أن دور الباحث هو الوصول إىل النتائج اليت يقوده إليها مسار البحث‪ ،‬وال ُيعاب على النتائج النهائية طاملا اتبع املنهج العلمي‬
‫املعروف‪ ،‬ومل يسع إىل تربير أحكاٍم مسبقٍة‪ ،‬أو أراء جاهزٍة‪ .‬وقد كنُت إىل وقت قريب أميل إىل الرأي الفقهي القائل بالتقدير‪ ،‬ومل أّثرب على من عمل بغري‬
‫هذا القول‪ ،‬لكن ملا تفرغت هلذا املبحث‪ ،‬واطلعت على الكثري من الدراسات الفلكية‪ ،‬والبحوث الشرعية‪ ،‬ظهر يل أن "تقومي بالكبرين" هو األنسب‬
‫لألسباب اليت مت ذكرها أعاله‪ ،‬وال يعين هذا التقليل من قيمة اآلراء اآلخرى‪ ،‬أو االستهانة هبا‪.‬‬
‫وتبقى مسألة اضطراب وقيت العشاء والفجر يف فصل الصيف ‪ -‬مهما كانت نوعية احللول املطروحة‪ ،‬واجلهة اليت طرحتها ‪ -‬من قبيل املسائل االجتهادية‬
‫اليت يسوغ فيها اخلالف‪ ،‬وتتعدد فيها وجهات النظر‪ ،‬وال أدل على ذلك من اختالف اجملامع الفقهية نفسها يف التعامل مع هذه القضية‪ ،‬وتنوع األراء الفقهية‬
‫والفلكية كما مر بيانه‪ .‬ومل أجد أحًد ا يدعي أن قوله هو الصواب الذي ال جيوز غريه؛ وإمنا هي حماوالت مشكورة‪ ،‬ومبادرات حممودة الجياد حل مناسب‬
‫ملثل هذه املسألة‪ .‬ولعلي ال أذيع سًر ا إذا قلت أن بعض مساجد لندن الرئيسية يف طريقها إىل تبين تقومي بالكبرين‪ ،‬حيث عقدت عدة اجتماعات ألجل‬

‫‪119‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ويأيت القول بالتقدير يف املرتبة الثانية‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن طرق حساب التقدير كثرية‪ ،‬وقد مر‬
‫بيان بعضها‪ ،‬وهذه الطرق تتفاوت تفاوًتا كبًريا‪ ،‬لكين أرى أن التقدير النسيب احمللي هو األنسب؛ ألنه‬
‫يعتمد على تقدير خط العرض للمدينة املراد معرفة وقتها‪ ،‬بداًل من اللجوء إىل خط عرض آخر‪ ،‬وينتج‬
‫عن هذا أن تكون مواعيد الصالة مناسبة لعموم املسلمني‪ ،‬وال تتأخر كثًريا‪.‬‬
‫أما اجلمع بني الصالتني‪ ،‬فهو يأيت يف الرتتيب الثالث‪ ،‬وسبب تأخريي له هو أنين مل أر من‬
‫املتقدمني من أفىت به‪ ،‬رغم أن املسألة كانت مطروحة عند بعضهم‪ ،‬بل إن املتأمل لفتاويهم يلحظ أهنم‬
‫يفتون بالتقدير علي اجلملة‪ ،‬على خالف بينهم يف كيفية التقدير‪.‬‬
‫ويشكل على هذا الرأي أيًض ا من ناحية تطبيقه يف واقع املسلمني يف بريطانيا أن غالبية هؤالء هم‬
‫من أتباع املذهب احلنفي الذي ال يرى أئمته جواز اجلمع إال يف عرفة‪ ،‬أو مزدلفة أثناء احلج‪ .‬وأيًض ا فإن‬
‫األخذ باجلمع بني الصالتني ‪ -‬عندما حيل شهر رمضان يف فرتة االضطراب ‪ -‬سوف يكون حاًل غري‬
‫مناسب؛ إذ ال وقت للناس لتناول طعام إفطارهم‪ ،‬وأخذ قسط من الراحة بعد صيام ميتد ألكثر من سبعة‬
‫عشر ساعة‪ ،‬وقد حيدث نزاع حول وقت صالة الرتوايح إذا رغب املصلون يف االسرتاحة بعد صالة‬
‫املغرب لتناول طعام اإلفطار‪.‬‬
‫وعلى اجلانب اآلخر‪ ،‬فاجلمع بني وقيت املغرب والعشاء جيعل لعموم الناس وقًتا كافًيا للراحة‪،‬‬
‫والنوم خصوًص ا وأن هناك الكثريين ممن تتطلب أعماهلم‪ ،‬استيقاظهم مبكرين‪ ،‬سواء للدراسة‪ ،‬أو العمل‪،‬‬
‫أو غري ذلك‪.‬‬
‫ويبقى الرأي األخري ‪ -‬صالة العشاء يف وقت الفجر ‪ -‬يف آخر الرتتيب؛ وذلك لكون صالة‬
‫العشاء صالة ليلية‪ ،‬وإقامتها بعد دخول الفجر‪ ،‬هو نقل هلا إىل النهار‪ ،‬وهذا خالف النصوص الشرعية‬
‫الصرحية بكون صالة العشاء متعلقة بالليل‪ .‬وأيضًا‪ ،‬فإّن فعلها يف وقت الفجر‪ ،‬هو أداٌء هلا بعد خروج‬
‫وقتها‪ ،‬وهو أمٌر ممنوٌع شرًعا‪.‬‬
‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫بادر الكثري من أهل العلم والفلك إىل حماولة اقرتاح جمموعة من احللول لفقدان العالمات الشرعية‬
‫لوقيت العشاء والفجر‪ ،‬وتضمنت تلك احملاوالت االجتهادية‪ ،‬الدعوة إىل األخذ بالتقدير بكافة صوره‪،‬‬
‫مناقشة هذا االمر‪ ،‬وإن كان بعضها قد تبىن هذا التوقيت أصاًل ‪.‬‬
‫ويبقى أخًريا التنبيه على أن من يعايش واقع املسلمني يف ديار الغرب‪ ،‬يعلم علم اليقني أن االختالف بني الناس واقع ال حمالة يف التعامل مع املسألة املطروحة‪،‬‬
‫ومن الصعوبة مبكان مجعهم على رأي فقهي واحد نظًر ا لالعتبارات املذهبية‪ ،‬واخلالفات الفقهية اليت ال ختفى على أي متابع‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫واجلمع بني صاليت املغرب والعشاء‪ ،‬وأداء صالة العشاء يف وقت الفجر‪ ،‬وأخًريا استحداث تقومي قائم‬
‫على املشاهدة واملراقبة ألوقات غياب الشفقني األمحر واألبيض‪ .‬ولعل اخليار األخري هو األنسب لكونه‬
‫اعتمد على مراقبة غياب كال الشفقني خالل سنة كاملة‪ ،‬ومن خالل املشاهدة مت وضع تقومي جلميع‬
‫أوقات الصالة( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬جمع الصالتين في الحضر للحاجة‪..‬وفيه مطلب واحد‪:‬‬

‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪..‬حكم مجع الصالتني يف احلضر للحاجة‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) بعد االنتهاء من هذه الرسالة بالكامل‪ ،‬تبنت مساجد لندن الرئيسية – وعلى رأسها املركز الثقايف اإلسالمي واملسجد املركزي‪ -‬تقومي بيالكبرين يف‬
‫اجتماع عقد بتاريخ ‪ 6‬شعبان ‪1432‬هـ‪ 8 -‬يوليو ‪2011‬م‪ .‬وقد كان هذا املبحث أحد األوراق اليت مت تقدميها يف هذا اإلجتماع‪ ،‬والقى استحسان‬
‫اجلميع‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪122‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫متر على املرء املقيم يف ديار الغرب ‪ -‬أو الزائر هلا ‪ -‬أحايني يصعب عليه أداء الصالة يف أوقاهتا‬
‫احملددة‪ ،‬وال جيد أمامه ‪ -‬يف الغالب ‪ -‬مفًر ا من اجلمع بني بعض تلك الصلوات‪ ،‬وإال ضاع عليه وقت‬
‫بعضها‪.‬‬

‫وختتلف األسباب وراء حدوث هذا األمر‪ ،‬لكنها ترجع يف األصل إىل كون الدار ليست دار‬
‫إسالم‪ ،‬وال حتكمها شريعة الرمحن‪ ،‬وهلذا فاملسلم يعاين أشد املعاناة من غياب سلطان اإلسالم‪ ،‬ويتأثر‬
‫بذلك أشد التأثر يف عبادته‪ ،‬وسائر أمور حياته اليومية؛ فعبادة الصالة – مثاًل – قد ال يتمكن املسلم من‬
‫أدائها أحياًنا يف وقتها‪ ،‬كأن يكون طالًبا تتزامن بعض امتحاناته املهمة مع بعض أوقات الصالة‪ ،‬ومينع‬
‫من اخلروج أثناء فرتة االمتحان‪ ،‬أو يكون طبيًبا تستغرق بعض عملياته اجلراحية ساعات طوال‪ ،‬أو قد‬
‫يكون موظًف ا ال جيد من رئيسه أي إعانة على أداء ما افرتضه اهلل عليه من صلوات‪ ،‬وال ُيسمح له إال‬
‫بساعة الغداء اليت ال تكفيه غالًبا إال لصالة الظهر‪ ،‬وقد تفوته صالتا العصر واملغرب السيما يف أوقات‬
‫الشتاء عندما يقصر النهار كثًريا‪ ،‬وتتقارب أوقات الصالة خصوًص ا صلوات الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬واملغرب‪.‬‬
‫وغين عن البيان القول أن األصل هو أداء الصالة يف وقتها الشرعي‪ ،‬واحلرص على عدم تأخريها‪،‬‬
‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬ويبحث عن إجابة شافية‪ :‬كيف يتصرف الطالب‪ ،‬أو املوظف‪ ،‬أو‬
‫الطبيب – ومن كان على شاكلتهم– وهو يعلم علم اليقني أنه إذا مل جيمع بني الصالتني – أي الظهر‬
‫والعصر‪ ،‬أو املغرب والعشاء ‪ -‬فإنه مضيع بعضها ال حمالة‪ ،‬ومؤديها قضاًء بال ريب؟ هل جيوز ألمثال‬
‫هؤالء ممن جيد حرًج ا بيًنا‪ ،‬ومشقة ظاهرة يف أداء الصلوات يف أوقاهتا الشرعية أن جيمعوا بينها؟ هذا ما‬
‫سوف نتعرض إليه يف هذا املبحث بإذن اهلل‪.‬‬
‫المطلب األول‪..‬حكم جمع الصالتين في الحضر للحاجة‬
‫ذهب مجهور أهل العلم إىل جواز اجلمع بني الصالتني يف السفر‪ ،‬واملرض‪ ،‬واملطر‪ ،‬والوحل‪،‬‬
‫واخلوف‪ ،‬على اختالف بينهم يف اعتبارها كلها( )‪ ،‬لكنهم منعوا اجلمع لغري تلك األعذار؛ وذلك ألن‬
‫‪1‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أما اجلمع يف السفر‪ ،‬فاجلمهور على جوازه خالًفا لألحناف الذين ال جييزون اجلمع إال يف عرفة ومزدلفة‪ .‬وأما عذر املطر‪ ،‬فاجلمهور على جوازه ‪ ،‬لكن‬
‫املالكية يقيدون ذلك بصاليت املغرب‪ ،‬والعشاء فقط‪ .‬وأما عذر املرض‪ ،‬فذهب املالكية‪ ،‬واحلنابلة إىل جوازه‪ ،‬ومنعه الشافعية‪ .‬وأجاز املالكية‪ ،‬واحلنابلة اجلمع‬
‫بسبب الوحل ‪ ،‬لكن املالكية اشرتطوا أن يكون مقرتنًا بالظلمة‪ .‬انظر‪ :‬ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/415 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.516-2/514 ،‬‬
‫األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .206-203‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.297-2/394 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.4/264 ،‬‬

‫‪123‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الشرع وّقت مواقيت الصلوات‪ ،‬وجعل لكل صالة زمًنا معيًنا‪ ،‬ومل يرخص يف تأخريها أو تقدميها عن‬
‫وقتها إال ملن استثناهم الشارع( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال الرتمذي‪":‬والعمل على هذا عند أكثر العلم‪ ،‬أن ال جيمع بني الصالتني إال يف السفر أو‬
‫بعرفة"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫واختارت طائفة من الفقهاء وأهل احلديث‪ ،‬القول جبواز اجلمع يف احلضر حلاجة‪ ،‬أو شيء ما مل‬
‫يتخذ عادة‪ ،‬وهو قول ابن سريين‪ ،‬وربيعة‪ ،‬وأشهب‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬والقفال الكبري( )‪ ،‬وابن شُبُْرمة( )‪،‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫ونسب أبو العباس ابن تيمية القول باجلواز لإلمام أمحد‪ ،‬ونقل عنه أصحابه جواز اجلمع يف حضر‬
‫لضرورة ‪ :‬مثل مرض‪ ،‬أو شغل‪ ،‬أو عذر يبيح ترك اجلمعة واجلماعة‪ ،‬كخوفه على نفسه‪ ،‬أو حرمه‪ ،‬أو‬
‫ماله‪ ،‬وكذلك أجاز اجلمع للمستحاضة‪ ،‬والعاجز عن الطهارة والتيمم لكل صالة‪ ،‬والعاجز عن معرفة‬
‫الوقت كاألعمى وحنوه( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وقد انتصر هلذا القول ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم‪ ،‬ومن املعاصرين أمحد شاكر( ) ‪ ،‬وجممع فقهاء‬
‫‪6‬‬

‫الشريعة بأمريكا( )‪ ،‬وابن عثيمني ( )‪.‬‬


‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬

‫واألصل يف هذا الباب‪ ،‬حديث ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬صلى باملدينة سبعًا ومثانيًا الظهر والعصر ‪ ،‬واملغرب والعشاء( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪":‬وقد اتفق املسلمون على أنه ال جيوز تأخري صالة النهار إىل الليل‪ ،‬وال تأخري صالة الليل إىل النهار‪ ،‬ال ملسافر وال ملريض‬
‫وال غريمها‪ .‬لكن جيوز عند احلاجة أن جيمع املسلم بني صاليت النهار وهي الظهر والعصر يف وقت إحدامها‪ ،‬وجيمع بني صاليت الليل وهي املغرب والعشاء يف‬
‫وقت إحدامها‪ ،‬وذلك ملثل املسافر واملريض وعند املطر‪ ،‬وحنو ذلك من األعذار"‪ .‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.3/428 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الرتمذي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/357 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبو بكر‪ ،‬حممد بن علي بن إمساعيل بن الشاشي الشافعي‪ .‬ولد سنة ‪291‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪365‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.4/200 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .16/283 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/274 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬عبد اهلل بن شربمة بن طفيل بن حسان الضيب‪.‬تويف سنة ‪144‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/347 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/205 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/265 ،‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ .24/28 ،‬ابن مفلح املقدسي‪ ،‬مشس الدين حممد‪ ،‬الفروع ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبداهلل‬
‫عبداحملسن الرتكي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان ‪:‬دار الرسالة‪ ،‬السعودية‪ :‬دار املؤيد‪1424 ،‬هـ‪2003-‬م)‪ .3/108 ،‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .337-2/336 ،‬النووي‪،‬‬
‫روضة الطالبني‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/503 ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/24 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)انظر‪ :‬تعليقه على سنن الرتمذي‪.359-1/358 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪( ،‬كندا‪ 13 – 9 ،‬شهر ذو القعدة ‪1430‬هـ ‪ 31 – 28/‬شهر أكتوبر ‪2009‬م)‪ ،‬صـ‪.3‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.78-24/77 ،‬ابن عثيمني‪ ،‬مرجع سابق‪.15/266 ،‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب تأخري الظهر إىل العصر‪ ،1/188 ،‬رقم احلديث ‪ .543‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين‬
‫وقصرها‪ ،‬باب اجلمع بني الصالتني يف احلضر‪ ،1/491 ،‬رقم احلديث ‪.706‬‬

‫‪124‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ويف رواية أخرى ‪ :‬مجع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بني الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب‬
‫والعشاء باملدينة‪ ،‬يف غري خوف‪ ،‬وال مطر‪.‬فقيل البن عباس‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ :-‬مل فعل ذلك؟ قال ‪:‬‬
‫كي ال حيرج أمته‪ .‬ويف رواية ثالثة‪ ":‬أراد أن ال حيرج أمته( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫واملقصود بقوله‪ :‬سبًعا‪ :‬أي صالتا املغرب والعشاء يف وقت واحد‪ ،‬وأما مثانًيا فهما صالتا الظهر‬
‫والعصر كما بينته رواية البخاري يف باب وقت املغرب عن ابن عباس‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬صلى‬
‫مجيعا( )‪.‬‬
‫مجيعا‪ ،‬ومثانيا ً‬
‫النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬سبعا ً‬
‫‪2‬‬

‫وقد اختلفت مسالك العلماء يف فهم مراد حديث ابن عباس‪ ،‬وتعددت اجتهاداهتم‪ ،‬حىت أوصلها‬
‫ابن رجب( ) إىل مثانية مسالك وهي( )‪:‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫املسلك الأول‪:‬‬
‫أنه منسوخ باإلمجاع على خالفه‪.‬‬
‫املسلك الثاين ‪:‬‬
‫معارضته مبا خيالفه من أحاديث املواقيت ‪.‬‬
‫املسلك الثالث ‪:‬‬
‫أن ذلك كان مجًعا صورًيا‪.‬‬
‫املسلك الرابع ‪:‬‬
‫أن ذلك كان مجعًا بني الصالتني ملطر‪.‬‬
‫املسلك اخلامس ‪:‬‬
‫أن ذلك كان يف السفر ال يف احلضر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب اجلمع بني الصالتني يف احلضر‪ ،1/489 ،‬رقم احلديث ‪.705‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الشنقيطي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/456 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن رجب‪ ،‬أبو الفرج عبد الرمحن بن أمحد السالمي‪ .‬ولد سنة ‪736‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪795‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬شهاب الدين أمحد بن علي‪ ،‬الدرر‬
‫الكامنة في أعيان المائة الثامنة‪( ،‬لبنان‪ :‬دار اجلبل‪1414،‬هـ‪1993 -‬م)‪ .2/321 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/295 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.8/578‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.273-4/264 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املسلك السادس ‪:‬‬


‫أن ذلك كان ملرض ‪.‬‬
‫املسلك السابع ‪:‬‬
‫أن ذلك كان لشغل‪.‬‬
‫املسلك الثامن ‪:‬‬
‫محل احلديث على ظاهره‪ ،‬وجواز اجلمع بني الصالتني يف احلضر لغري عذر بالكلية‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫مناقشة المسالك الثمانية‪:‬‬
‫المسلك الأول‪:‬‬
‫أنه منسوخ باإلمجاع على خالفه‪ ،‬واجلواب على هذا من عدة أوجه‪:‬‬
‫‪ -‬الوجه األول‪:‬‬
‫أن احلديث قد جاوز القنطرة‪ ،‬وتبثت صحته‪ ،‬وال يضر اخلرب الصحيح إذا مل يعمل به أحٌد من‬
‫الناس؛ ألننا متعبدون مبا بلغ إلينا من اخلرب( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬الوجه الثاين‪:‬‬
‫أن دعوى اإلمجاع غري صحيحة‪ ،‬فقد عمل هبذا احلديث طائفة من الفقهاء واحملدثني‪ ،‬واستدلوا‬
‫به على جواز اجلمع يف احلضر للحاجة‪.‬‬
‫قال النووي‪ ":‬وأما حديث ابن عباس‪ ،‬فلم جيمعوا على ترك العمل به‪ ،‬بل هلم أقوال"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) القنوجي‪ ،‬حممد صديق خان احلسيين البخاري‪ ،‬حصول المأمول من علم األصول‪( ،‬تركيا‪:‬مطبعة اجلوائب‪ 1296 ،‬هـ)‪،‬صـ‪.59‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.5/304 ،‬‬

‫‪126‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وقال ابن خزمية( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪ " -‬ولو ثبت اخلرب عن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – أنه مجع‬ ‫‪1‬‬

‫يف احلضر يف غري خوف وال مطر‪ ،‬مل حيل ملسلم علم صحة هذا احلديث أن حيظر اجلمع بني الصالتني يف‬
‫احلضر يف غري خوف وال مطر"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬الوجه الثالث‪:‬‬
‫أن النسخ ال يصار إليه إال إذا تعذر اجلمع بني احلديثني‪ ،‬وعرف املتقدم من املتأخر‪ ،‬وقد ورد أن‬
‫مواقيت الصالة فرضت مبكة صبيحة ليلة اإلسراء( )‪ ،‬بينما ماشهده ابن عباس كان باملدينة‪ ،‬وال يصح أن‬
‫‪3‬‬

‫يكون املتقدم ناس ا للمتأخر‪ .‬مث إن اجلمع بني احلديثني ممكن‪ ،‬والقاعدة عند أهل العلم أن إعمال الكالم‬
‫ًخ‬
‫أوىل من إمهاله( )‪ ،‬وأن اجلمع أوىل من الرتجيح باتفاق أهل األصول( ) كما سوف يأيت بيانه يف مناقشة‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫املسلك الثاين‪.‬‬

‫المسلك الثاني ‪:‬‬


‫أن حديث ابن عباس قد عارضته أحاديث املواقيت املعروفة‪ ،‬وقد مر جزٌء من اجلواب عن هذا‬
‫االعرتاض عند مناقشة املسلك األول‪ ،‬ويضاف إىل ذلك أنه ال تعارض بني أحاديث املواقيت‪ ،‬وحديث‬
‫الباب‪ ،‬حيث إن األول هو عام يف كل صالة‪ ،‬والثاين خاص جاء بياًنا ملن كان له عذر‪ ،‬أو حاجة‪ ،‬وال‬
‫تعارض بني العام واخلاص كما هو متقرر يف علم األصول( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫ومن املالحظ أن من سلك هذا املسلك‪ ،‬مل يطرد حكمه عندما أتى إىل مسألة اجلمع بني‬
‫الصالتني سواء كان لسفر‪ ،‬أو لنسك كما هو احلال يف عرفة ومزدلفة‪ ،‬أو ملطر‪ ،‬أو خوف‪ ،‬فأجاز بعًض ا‬
‫‪1‬‬
‫(?)هو‪ :‬ابن خزمية‪ ،‬أبوبكر حممد بن إسحاق‪ .‬ولد سنة ‪223‬هـ‪ ،‬تويف سنة ‪311‬هـ‪.‬انظر‪ :‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/138 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪14/3 ،‬‬
‫‪ .65‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/29 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن خزمية‪ ،‬أبوبكر حممد بن إسحاق‪ ،‬صحيح ابن خزيمة‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد مصطفى األعظمي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬املكتب االسالمي‪1400 ،‬هـ‪1980 -‬م)‪،‬‬
‫‪. 85-2/84‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/4 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الزرقا‪ ،‬أمحد حممد‪ ،‬شرح القواعد الفقهية‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى أمحد الزرقا‪ ،‬ط‪( ،2‬سوريا‪:‬دار القلم‪1409 ،‬هـ‪1989-‬م)‪ ،‬صـ‪ .315‬البورنو‪ ،‬حممد‬
‫صدقي بن أمحد‪ ،‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬ط‪( ،4‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1416 ،‬هـ ‪ 1996 -‬م)‪ ،‬صـ‪. 314‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.9/474 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الغماري‪ ،‬أبو الفيض أمحد ابن الصديق‪ ،‬إزالة الخطر عمن حمع بين الصالتين في الحضر‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪:‬مكتبة القاهرة‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م)‪ ،‬صـ‬
‫‪.76‬‬

‫‪127‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫من تلك الصور‪ ،‬أو كلها على اخلالف املعروف بني الفقهاء‪ ،‬وجعل تلك الصور خاصة مستثناة من‬
‫األصل العام ‪ -‬أي أحاديث املواقيت ‪ -‬وكان األوىل واألجدر أن يفعل الشيء نفسه مع حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬فيستثين ما كان للحاجة‪ ،‬وإال ُعّد ذلك تفريًق ا بني متماثلني‪ ،‬والشريعة ال تفرق بني متماثلني‪،‬‬
‫وال جتمع بني ضدين( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المسلك الثالث ‪:‬‬


‫أن ذلك كان مجًعا صورًيا‪ ،‬واجلواب عن هذا من وجهني ‪:‬‬
‫‪ -‬الوجه األول‪:‬‬
‫أن ابن عباس أوضح علة اجلمع بقوله " أراد أن ال حيرج أمته" ‪ ،‬فلم يعلله مبرض وال غريه‪ ،‬وال‬
‫معىن بعد ذلك للبحث عن علة أخرى‪ ،‬أو عذر من األعذار طاملا أن رواي احلديث نفسه قد بينها( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ولو كان هناك عذر‪ ،‬لعد قوله بنفي احلرج لغًو ا من الكالم الطائل من ورائه‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثاين‪:‬‬
‫أن نفي احلرج يقدح يف محله على اجلمع الصوري؛ ألن القصد إليه ال خيلو عن حرج( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫واملتأمل لأحاديث اجلمع جيدها كلها صرحية يف مجع الوقت‪ ،‬ال يف مجع الفعل‪ ،‬ومجع الفعل أشد مشقة‪،‬‬
‫وأعظم حرًج ا‪ ،‬حيث يعمد إىل الصالة يف آخر وقت األوىل‪ ،‬فإذا سلم دخل وقت الثانية فصالها( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ومعلوم أن اجلمع بني الصالتني من الرخص اليت امنت اهلل تعاىل هبا على عباده‪ ،‬وحمال أن جيعل اهلل‬
‫سبحانه رخصه مظنة للحرج واملشقة؛ وذلك ألن معرفة أوائل األوقات وأواخرها مما يشق معرفته على‬
‫أكثر اخلاصة فضاًل عن العامة( )‪ .‬فتبني أن فعله صلى اهلل عليه وسلم مت على الوجه الذي حيصل به رفع‬ ‫‪5‬‬

‫احلرج له وألمته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) قال ابن القيم"وإذا تأملت أسرار هذه الشريعة الكاملة ‪ :‬وجدهتا يف غاية احلكمة ورعاية املصاحل ‪ ،‬ال تفرق بني متماثلني البتة‪ ،‬وال تسوى بني خمتلفني‪،‬‬
‫وال حترم شيئا ملفسدة‪ ،‬وتبيح ما مفسدته مساوية ملا حرمته أو راجحة عليه‪ ،‬وال تبيح شيئا ملصلحة‪ ،‬وحترم ما مصلحته مساوية ملا أباحته ألبتة‪ ،‬وال يوجد‬
‫فيما جاء به الرسول شيء من ذلك البتة "‪.‬انظر‪:‬ابن القيم‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد‪ ،‬بدائع الفوائد‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي بن حممد العمران‪( ،‬السعودية‪:‬‬
‫دار عامل الفوائد)‪ . 3/1072 ،‬وانظر‪ :‬الغماري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪. 77‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/265 ،‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.5/305 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪2/24 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني‪ ،‬مرجع سابق‪.4/334 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) العظيم آبادي‪ ،‬أبو عبد الرمحن شرف احلق‪ ،‬عون المعبود على شرح سنن أبي داود‪ ،‬حتقيق‪ :‬أبو عبد اهلل النعماين األثري‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار ابن‬
‫حزم‪1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م)‪ . 607-1/606،‬اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/264 ،‬‬

‫‪128‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فإن قيل‪ ":‬إن الشارع قد عرف أمته أوائل األوقات وأواخرها‪ ،‬وبالغ يف التعريف والبيان حىت أنه‬
‫عينها بعالمات حسية ال تكاد تلتبس على العامة فضال عن اخلاصة‪ ،‬والتخفيف يف تأخري إحدى الصالتني‬
‫إىل آخر وقتها‪ ،‬وفعل األوىل يف أول وقتها متحقق بالنسبة إىل فعل كل واحدة منهما يف أول وقتها‪ ،‬كما‬
‫كان ذلك ديدنه صلى اهلل عليه وآله وسلم"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫أجيب‪ ":‬وكيف يعلم ذلك املصلي يف الصالة‪ ،‬وآخر وقت الظهر وأول وقت العصر إمنا يعرف‬
‫على سبيل التحديد بالظل‪ ،‬واملصلي يف الصالة ال ميكنه معرفة الظل‪ ،‬ومل يكن مع النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬آالت حسابية يعرف هبا الوقت‪ ،‬وال موقت يعرف ذلك باآلالت احلسابية‪ ،‬واملغرب إمنا يعرف‬
‫آخر وقتها مبغيب الشفق‪ ،‬فيحتاج أن ينظر إىل جهة الغرب هل غرب الشفق األمحر أو األبيض واملصلي‬
‫يف الصالة منهي عن مثل ذلك‪...‬مث الثانية ال ميكنه على قوهلم أن يشرع فيها حىت يعلم دخول الوقت‪،‬‬
‫وذلك حيتاج إىل عمل وكلفة مما مل ينقل عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه كان يراعيه؛ بل وال‬
‫أصحابه"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد استدل من قال باجلمع الصوري‪ ،‬مبا روي عن ابن عباس أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪ ":‬من مجع بني صالتني من غري عذر فقد أتى باًبا من أبواب الكبائر"‪ .‬لكن أجيب عن هذا‬
‫احلديث‪ :‬بأنه ضعيف لضعف حسني بن قيس( ) املعروف بـ"حنش" عند أهل احلديث‪ ،‬وقد كذبه اإلمام‬
‫‪3‬‬

‫أمحد وقال‪ :‬مرتوك احلديث‪ ،‬وكذلك النسائي( )‪ ،‬والدارقطين( )‪ ،‬وذكره ابن اجلوزي يف املوضوعات( )‪،‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫وقال العقيلي( )‪ :‬ليس هلذا احلديث أصل( )‪.‬‬


‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.269-4/268 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.24/54 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪:‬أُبو علّي الواسطي‪ ،‬احلسني بن قيس الرحيب‪ .‬انظر‪ :‬املزي‪ ،‬أبو احلجاج يوسف بن الزكي عبدالرمحن‪ ،‬تهذيب الكمال في أسماء الرجال‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫بشار عواد معروف‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ 1400 ،‬هـ‪ 1980 -‬م)‪.6/465 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬النسائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن علي بن سنان بن حبر اخلراساين‪ .‬ولد سنة ‪215‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪303‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .1/77 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .14/125 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.4/15 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) الدارقطين‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/68 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) ابن اجلوزي‪ ،‬أبوالفرج عبدالرمحن بن علي‪،‬كتاب الموضوعات من األحاديث المرفوعات‪ ،‬حتقيق‪:‬نورالدين بن شكري جيالر‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬‬
‫مكتبة أضواء السلف‪ 1418 ،‬هـ‪1997 -‬م)‪.2/396 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) هو‪ :‬العقيلي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن عمرو بن موسى بن محاد‪ .‬تويف سنة ‪322‬هـ‪.‬انظر‪ :‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/204 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪15/2 ،‬‬
‫‪ .36‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/319 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) ابن اجلوزي‪ ،‬التحقيق يف أحاديث اخلالف‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/70 ،‬ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/266 ،‬ابن‬

‫‪129‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وعلى فرض صحة هذا احلديث ‪ ،‬فقد حيمل على من مجع بني صالتني ال جيوز حبال اجلمع‬
‫بينهما‪ ،‬وذلك كمن مجع بني الصبح والظهر‪ ،‬أو العصر واملغرب‪ ،‬أو العشاء والفجر( )‪ .‬أما اجلمع بني‬
‫‪1‬‬

‫الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء‪ ،‬فقد تواتر مجعه صلى اهلل عليه وسلم بينهما‪ ،‬وتتابع املسلمون قاطبة‬
‫على فعل ذلك‪ .‬وقد تقدم أن أهل العلم اختلفوا يف أعذار اجلمع بني موسع ومضيق‪ ،‬فمن أخذ حبديث‬
‫ابن عباس على ظاهره جعل احلاجة عذًر ا جييز اجلمع‪ ،‬وال فرق عند هؤالء بني عذر السفر‪ ،‬أو عذر‬
‫احلاجة لثبوت كل ذلك عنه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعليه فإن هذا احلديث – إذا صح – ال يتجه إىل‬
‫هؤالء‪ ،‬ولعل األقرب – واهلل أعلم – أن يتجه ملن جيمع بني الصالتني بدون عذر أصاًل كما هو مذهب‬
‫الشيعة اإلمامية( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫المسلك الرابع ‪:‬‬


‫أن ذلك كان مجعًا بني الصالتني ملطر‪ ،‬واجلواب عن هذا من أربعة أوجه ‪:‬‬
‫‪ -‬الوجه األول‪:‬‬
‫يرد عليه ما ورد على املسلك الثالث يف وجهه األول‪.‬‬
‫‪ -‬الوجه الثاين‪:‬‬
‫صح عن ابن عباس قوله‪ :‬صلى رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – الظهر والعصر مجيًعا‪،‬‬
‫واملغرب والعشاء مجيًعا يف غري خوف وال سفر( )‪ .‬فانتفى أن يكون اجلمع املذكور للخوف‪ ،‬أو السفر‪،‬‬
‫‪3‬‬

‫أو املطر( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬الوجه الثالث‪:‬‬
‫لو كان املطر هو علة اجلمع لصرح الراوي به‪ ،‬وملا عدل إىل التعليل بنفي احلرج‪ .‬وقد روى‬
‫مسلم أن عبد اهلل بن شقيق( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال‪ :‬خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حىت غربت الشمس‬ ‫‪5‬‬

‫اجلوزي‪ ،‬كتاب املوضوعات من األحاديث املرفوعات‪ ،‬مرجع سابق ‪.2/396 ،‬‬


‫‪1‬‬
‫(?) الغماري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.80-79‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) مشهور‪ ،‬حسن حممود سلمان‪ ،‬الجمع بين الصالتين في الحضر بعذر المطر‪ ،‬ط‪( ،1‬األردن‪ :‬دار عمار للنشر والتوزيع‪1406 ،‬هـ‪1986 -‬م)‪ ،‬صـ‬
‫‪.41‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب اجلمع بني الصالتني يف احلضر‪ ،1/489 ،‬رقم احلديث ‪.705‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/24 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبو عبد الرمحن‪ ،‬ويقال أبو حممد البصري من بين عقيل بن كعب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪ .‬تويف سنة ‪108‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬املزي‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .15/89 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/11 ،‬‬

‫‪130‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وبدت النجوم‪ ،‬وجعل الناس يقولون‪ :‬الصالة الصالة‪ ،‬فجاء رجل من بين تيم‪ ،‬فجعل ال يفرت وال‬
‫ينثين( )‪ ،‬الصالة الصالة فقال ‪ :‬ابن عباس أتعلمين بالسنة؟ ال أم لك( )‪ ،‬رأيت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وسلم ‪ -‬مجع بني الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء‪ .‬قال عبد اهلل بن شقيق‪ :‬فحاك يف صدري من ذلك‬
‫شيء‪ ،‬فأتيت أبا هريرة‪ ،‬فسألته‪ ،‬فصدق مقالته( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فابن عباس ملا أخر اخلطبة‪ ،‬احتج جبمع النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬ولو كان سبب اجلمع هو‬
‫املطر‪ ،‬ملا جاز له أن حيتج بفعله صلى اهلل عليه وسلم الختالف السبب‪ ،‬فدل ذلك على أن قوله ‪":‬أراد‬
‫أال حيرج أمته" أنه مرتبط باحلاجة‪.‬‬
‫ولشيخ اإلسالم ابن تيمية كالم رائع ومتني يف بيان ضعف من محل مجع النيب – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – للصالتني على املطر‪ ،‬فقال رمحه اهلل‪ ":‬فهذا ابن عباس مل يكن يف سفر وال يف مطر‪ ،‬وقد استدل‬
‫مبا رواه على ما فعله‪ ،‬فعلم أن اجلمع الذي رواه مل يكن يف مطر‪ ،‬ولكن كان ابن عباس يف أمر مهم من‬
‫أمور املسلمني خيطبهم فيما حيتاجون إىل معرفته‪ ،‬ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته‪ ،‬فكان ذلك‬
‫عنده من احلاجات اليت جيوز فيها اجلمع‪ ،‬فإن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان جيمع باملدينة لغري‬
‫خوف‪ ،‬وال مطر‪ ،‬بل للحاجة تعرض له كما قال‪ (:‬أراد أن ال حيرج أمته ) ومعلوم أن مجع النيب ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬بعرفة ومزدلفة مل يكن خلوف‪ ،‬وال مطر‪ ،‬وال لسفر‪...‬فهكذا مجعه باملدينة الذي رواه‬
‫ابن عباس‪ ،‬وإمنا كان اجلمع لرفع احلرج عن أمته‪ ،‬فإذا احتاجوا إىل اجلمع مجعوا ‪.‬‬
‫قال البيهقي( ) ‪ -‬رمحه اهلل ‪ : -‬ليس يف رواية ابن شقيق عن ابن عباس من هذين الوجهني‬ ‫‪4‬‬

‫الثابتني عنه نفي املطر وال نفي السفر‪ ،‬فهو حممول على أحدمها‪ ،‬أو على ما أوله عمرو بن دينار( ) وليس‬
‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫ان بعد شدته ‪ ،‬ومنه فرت احلر إذا انكسر"‪ .‬ويف لسان العرب‪َ ":‬ثىَن الشيَء‬
‫ول َ‬
‫فتورا من باب قعد انكسرت حدته‪َ ،‬‬
‫(?)جاء يف املصباح املنري ‪":‬فرت عن العمل ً‬
‫َثْنيًا رَّد بعضه على بعض"‪ .‬فالفتور والثين ـ بالتايل ـ معنامها التعب والرجوع وامللل‪.‬نظر‪ :‬الفيومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪":‬فرت"‪ ،‬صـ‪ .175‬ابن منظور‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬مادة‪":‬ثين"‪.14/115 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قال ابن األثري‪":‬هو ذٌّم وَس ٌّب ‪َ :‬أي أنت َلِق يط ال ُتْع َر ف لك أم‪ .‬وقيل‪ :‬قد يقع ً‬
‫مدحا مبعىن الَّتعُّج ب منه وفيه ُبعد"‪.‬انظر‪ :‬ابن االثري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.1/68‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب اجلمع بني الصالتني يف احلضر‪ ،1/491 ،‬رقم احلديث ‪.57‬‬
‫‪4‬‬
‫ردي اخلراساين‪ .‬ولد سنة ‪384‬هـ‪ ،‬تويف سنة ‪458‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع‬
‫روِج ّ‬
‫س َ‬‫اخل ْ‬
‫(?) هو‪:‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد ابن احلسني بن علي بن موسى ُ‬
‫سابق‪ .1/75 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .18/163 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/116 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬عمرو بن دينار اجلمحي األثرم‪ .‬ولد سنة ‪45‬هـ أو ‪ 46‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪126‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/75 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .5/300‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/115 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.5/77 ،‬‬

‫‪131‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يف روايتهما ما مينع ذلك التأويل‪ .‬فيقال ‪ :‬يا سبحان اهلل!! ابن عباس كان خيطب هبم بالبصرة‪ ،‬فلم يكن‬
‫مسافرا‪ ،‬ومل يكن هناك مطر‪ ،‬وهو ذكر مجعًا حيتج به على مثل ما فعله‪ ،‬فلو كان ذلك لسفر‪ ،‬أو مطر‪،‬‬
‫ً‬
‫كان ابن عباس أجل قدرًا من أن حيتج على مجعه جبمع املطر أو السفر‪ .‬وأيضا فقد ثبت يف الصحيحني‬
‫عنه أن هذا اجلمع كان باملدينة‪ ،‬فكيف يقال مل ينف السفر؟"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬الوجه الرابع‪:‬‬
‫أن بعض من علل اجلمع باملطر – وهم املالكية – قصروا جواز اجلمع على املغرب والعشاء دون‬
‫الظهر والعصر( )‪ ،‬مع أن حديث الباب قد نص على مجعه صلى اهلل عليه وسلم بني الظهر والعصر‪ ،‬وهذا‬ ‫‪2‬‬

‫تفريق بني متماثلني ال معىن له‪ .‬فإن قيل‪ :‬إن املشقة الناجتة عن مجع املغرب والعشاء بالنظر إىل كوهنما‬
‫يؤديان يف الليل أعظم من مشقة أداء الظهر والعصر بالنهار‪ ،‬أجيب‪ :‬إن ذلك خالف منطوق احلديث‪،‬‬
‫وفعله صلى اهلل عليه وسلم يدل داللة واضحة على عدم اعتبار هذا التفريق( )‪ .‬والذي يظهر أن ابن عباس‬
‫‪3‬‬

‫كان يرمي إىل بيان جواز اجلمع باملدينة يف اجلملة‪ ،‬ومل يكن يقصد تعيني سبب واحد‪ ،‬فمن قال ‪ :‬إمنا‬
‫أراد مجع املطر فقط‪ ،‬فقد غلط عليه( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫المسلك الخامس ‪:‬‬


‫أن ذلك كان يف السفر ال يف احلضر‪ ،‬ويرُّد على ذلك حتديد ابن عباس ملكان مجعه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم "باملدينة" ‪ ،‬فدل ذلك على أنه مل يكن مسافًر ا‪ ،‬وعلى هذا أكثر رواة احلديث‪ ،‬وهم أكثر‬
‫وأضبط( )‪ .‬ويؤيد هذا ما روه اإلمام أمحد عن ابن عباس ‪ ":‬صلى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.78-24/77 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قال ابن رجب‪ ":‬والعجب من مالك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كيف محل حديث ابن عباس على اجلمع للمطر‪ ،‬ومل يقل به يف الظهر والعصر‪ ،‬واحلديث صريح يف‬
‫مجع الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء؟"‪ .‬انظر‪ :‬ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.4/269 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قال اإلمام الشافعي‪ ":‬أرأيتم إن قال لكم قائل ‪ :‬بل جنمع بني الظهر والعصر يف املطر ‪ ،‬وال جنمع بني املغرب والعشاء يف املطر ‪ .‬هل احلجة عليه ؟ إال‬
‫أن احلديث إذا كانت فيه احلجة مل جَي ز أن يؤخذ ببعضه دون بعض ‪ ،‬فكذلك هي على من قال‪ :‬جيمع بني املغرب والعشاء ‪ ،‬وال جيمع بني الظهر والعصر ‪،‬‬
‫وقلما جند لكم قوال يصح‪ ،‬واهلل املستعان‪ .‬أرأيتم إذا رويتم عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه مجع بني الظهر والعصر واملغرب والعشاء فاحتججتم على‬
‫من خالفكم هبذا احلديث يف اجلمع بني املغرب والعشاء‪ ،‬هل َتعدون أن يكون لكم هبذا حجة ؟ فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة يف ترككم اجلمع‬
‫بني الظهر والعصر‪ ،‬وإن مل تكن لكم هبذا حجة على من خالفكم فال جتمعوا بني ظهر وال عصر‪ ،‬وال مغرب وال عشاء‪ ،‬ال جيوز غري هذا وأنتم خارجون‬
‫من احلديث"‪.‬الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪.8/560 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبداحلليم بن عبدالسالم بن عبداهلل احلراين‪ ،‬مجموعة الرسائل والمسائل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد رشيد رضا‪( ،‬جلنة الرتاث‬
‫العريب)‪.2/37 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.4/270 ،‬‬

‫‪132‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مقيًم ا غري مسافر سبًعا ومثانًيا"( )‪ .‬ويف رواية أخرى عن ابن عباس‪ ":‬مجع رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬
‫‪1‬‬

‫وسلم – بني الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء يف السفر واحلضر"( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫المسلك السادس ‪:‬‬


‫أن ذلك كان ملرض‪ ،‬ولو صح هذا العذر ملا جاز لباقي املسلمني أن يصلوا معه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وجيمعوا بني الصالتني؛ ألنه إذا جاز اجلمع للمريض‪ ،‬فيقتصر يف ذلك على من كان مريًض ا‬
‫سقيًم ا‪ ،‬وال يتعداه ملن كان صحيًح ا معاىف‪ .‬وال ريب أن من صلى خلف النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫فيهم الكثري من األصحاء‪ ،‬بل رمبا كان أغلبهم كذلك‪ ،‬فدل ذلك على ضعف القول باملرض( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫المسلك السابع ‪:‬‬


‫أن ذلك كان لشغل‪ ،‬ويؤيد ذلك ما رواه مسلم من حديث عبد اهلل بن شقيق أن ابن عباس‬
‫خطب من بعد العصر حىت غربت الشمس‪ ،‬وبدت النجوم‪ ،‬وجعل الناس يقولون‪ :‬الصالة الصالة‪ ،‬فجاء‬
‫رجل من بين تيم‪ ،‬فجعل ال يفرت وال ينثين‪ ،‬الصالة الصالة‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أتعلمين بالسنة؟ ال أم لك‪،‬‬
‫رأيت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مجع بني الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء( )‪ .‬وقد وافق أبو‬
‫‪4‬‬

‫هريرة ابن عباس على رفعه احلديث للنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ .-‬والظاهر من هذا احلديث أن ابن‬
‫عباس رأى تعليم الناس اخلري حاجة جتيز اجلمع بني الصالتني‪ ،‬وهلذا احتج بفعله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫لبيان اجلواز‪ .‬ومما يقوي أن ابن عباس مجع لشغل طرأ له‪ ،‬ما رواه النسائي عن جابر بن زيد( ) أن ابن‬
‫‪5‬‬

‫عباس صلى بالبصرة األوىل والعصر‪ ،‬ليس بينهما شيء‪ ،‬واملغرب والعشاء ليس بينهما شيء‪ ،‬فعل ذلك‬
‫من شغل‪ ،‬وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول اهلل – صلى اله عليه وسلم – باملدينة األوىل والعصر مثان‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه اإلمام أمحد‪ ،‬مسند عبداهلل بن عباس‪ ،452 /2 ،‬رقم احلديث ‪ ،1929‬وقال أمحد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬انظر ‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬املسند بتحقيق‬
‫شاكر‪ ،‬مرجع سابق‪ .452 /2 ،‬وقال شعيب األرنؤوط يف حتقيقه للمسند‪ :‬صحيح لغريه‪.‬انظر‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬أمحد‪ ،‬مسند اإلمام أحمد ابن حنبل‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫شعيب األرنؤوط‪ ،‬وعادل مرشد‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1416 ،‬هـ‪1995 -‬م)‪.3/405 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه اإلمام أمحد‪ ،‬مسند ابن عباس‪ ،432 /3 ،‬رقم احلديث ‪ ،3397‬وقال أمحد شاكر‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬انظر‪ :‬ابن حنبل‪ ،‬املسند بتحقيق شاكر‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.432 /3 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/29 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مضى قريًبا خترجيه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبو الشعثاء‪ ،‬جابر بن زيد األزدي اليحمدي‪ .‬ولد سنة ‪ 21‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 93‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/481 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .1/365 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/104 ،‬‬

‫‪133‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫سجدات؛ ليس بينهما شيء( )‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫المسلك الثامن ‪:‬‬


‫جواز اجلمع بني الصالتني يف احلضر لغري عذر بالكلية‪ ،‬وقد نسب ابن رجب هذا القول البن‬
‫عباس‪ ،‬وابن سريين‪ ،‬وأشهب‪ ،‬لكن خالفه النووي‪ ،‬وابن حجر‪ ،‬واخلطايب( ) ( ) وغريهم حيث عدوا‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫هؤالء األئمة ممن يرى اجلمع يف احلضر للحاجة‪ ،‬وليس لغري عذر مطلًق ا‪ ،‬ولعل مراد ابن رجب بقوله‬
‫"لغري عذر بالكلية" أي من غري األعذار اليت قال هبا مجاهري أهل العلم كاملطر‪ ،‬واخلوف‪ ،‬وهذا ما أملح‬
‫إليه أبو العباس القرطيب( ) – وهو غري أيب عبداهلل القرطيب املفسر املشهور ‪ -‬عندما قال ‪ ":‬وذهب كافة‬ ‫‪4‬‬

‫العلماء إىل منع اجلمع بني الصالتني يف احلضر لغري عذر‪ ،‬إال شذوًذا‪ .‬منهم من السلف‪ :‬ابن سريين‪ ،‬ومن‬
‫أصحابنا‪ :‬أشهب‪ ،‬فأجاز ذلك للحاجة ما مل ُتتخذ عادة‪، ...‬وحجتهم يف ذلك حديث ابن عباس"( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫لقد تتابع أهل العلم على حماولة تفسري سبب مجعه صلى اهلل عليه وسلم باملدينة من غري خوف‬
‫والسفر‪ ،‬غري أن غالبية تلك املسالك يف التفسري مل تسلم من النقد‪ ،‬ومل ختل من الضعف‪ ،‬وَيِر ُد عليها من‬
‫االعرتاضات ما جيعلها بعيدة أن تكون هي التفسري الصحيح الذي يتفق مع النص النبوي‪ ،‬وال يتعارض‬
‫معه‪ .‬والذي يتأمل حديث ابن عباس‪ ،‬يرى أنه حيمل سبب تفسري مجعه صلى اهلل عليه وسلم بقوله ‪":‬‬
‫أراد أن ال حيرج أمته"‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فأرجح املسالك لفهم احلديث‪ ،‬هو املسلك السابع( )‪ ،‬وهو أنه مجع‬
‫‪6‬‬

‫بني الصالتني لشغل طرأ له‪ ،‬وهذا ما اختاره طائفة من أهل العلم املتقدمني كما تقدم ذكره‪ ،‬ورحجه من‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه النسائي‪ ،‬كتاب املواقيت‪ ،‬باب الوقت الذي جيمع فيه املقيم‪ ،‬صـ‪ ،100‬رقم احلديث‪ ، 590‬وصححه األلباين يف خترجيه ألحاديث النسائي صـ‬
‫‪ ،100‬وذكره بلفظ مقارب يف إرواء الغليل‪ ،‬وقال‪ :‬وهذا إسناد جيد‪ ،‬وهو على شرط مسلم‪ .‬األلباين‪ ،‬إرواء الغليل‪ ،‬مرجع سابق‪.3/35 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬اخلطايب‪ ،‬أبو سليمان‪ ،‬محد بن حممد بن إبراهيم بن خطاب البسيت‪ .‬ولد سنة ‪ 319‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 388‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪2/ ،‬‬
‫‪ .214‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .17/23 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/273 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/35 ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/24 ،‬اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/265 ،‬واملقصود‬
‫باألوىل‪ :‬صالة الظهر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)هو‪ :‬أبو العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم األنصاري القرطيب‪ .‬ولد سنة ‪ 578‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 656‬هـ‪ .‬انظر‪:‬الصفدي‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/173 ،‬ابن‬
‫العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .7/473 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/186 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أبو العباس القرطيب‪ ،‬أمحد بن عمران بن إبراهيم‪ ،‬المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم‪ ،‬ط‪( ، 1‬لبنان – سوريا‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬دار الكلم الطيب‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪1996 -‬م)‪ .2/344 ،‬مث وجدت اإلمام البغوي يذكر ما قاله ابن رجب ‪":‬هذا احلديث [أي حديث ابن عباس] يدل على جواز اجلمع بال عذر‬
‫‪ ،‬ألنه جعل العلة أن ال حترج أمته‪ ،‬وقد قال به قليل من أهل احلديث‪ ،‬وحكي عن ابن سريين أنه كان ال يرى بأسا باجلمع بني الصالتني إذا كانت حاجة أو‬
‫شيء‪ ،‬ما مل يتخذه عادة"‪.‬انظر‪ :‬البغوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/199 ،‬ويالحظ تفريقه بني من يقول بعدم العذر مطلًق ا‪ ،‬وبني من جييزه للحاجة‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املعاصرين‪ ،‬جممع فقهاء الشريعة بأمريكا حيث قرر أنه "يرخص يف اجلمع بني الظهر والعصر‪ ،‬أو بني‬
‫املغرب والعشاء‪ ،‬يف أوقات احلرج كالدراسة‪ ،‬أو االمتحان وحنوه ملن احتاج إىل ذلك"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والذي يظهر يل‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن هذا أقرب تفسري ينسجم مع سياق احلديث‪ ،‬ويتوافق مع‬
‫منهج التيسري والتخفيف على هذه األمة برفع احلرج عنها لقوله تعاىل‪ [ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ] ( ) ‪ ،‬فحيثما وجد احلرج( ) ‪ ،‬جاز اجلمع‪ ،‬وأما عن‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫احلاجة املبيحة للجمع‪ ،‬فيمكن إدراكها باملقارنة حباجة املسافر يف سفره‪ ،‬واملريض يف مرضه‪ ،‬وكذلك‬
‫كل عذر يبيح ترك اجلمعة واجلماعة‪ ،‬فيجمع للمطر‪ ،‬والوحل‪ ،‬والربد الشديد والسيما يف الليلة املظلمة‪،‬‬
‫وجتمع احلامل‪ ،‬واملرضع‪ ،‬واملستحاضة إذا احتجن إىل اجلمع‪ .‬لكن ينبغي التذكري بأمرين مهمني ‪:‬‬
‫األول‪:‬‬
‫أن األصل هو أداء الصلوات يف أوقاهتا املعروفة‪ ،‬لقوله تعاىل‪ [:‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ] ( ) ‪ ،‬وأنه ال جيوز للمسلم أن يتهاون يف صالته‪ ،‬وجيمع بني الصالتني لغري‬ ‫‪4‬‬

‫عذر‪.‬‬
‫والثاني‪:‬‬
‫أن أال يتخذ اجلمع يف احلضر عادة‪ ،‬وإمنا يلجأ إليه إذا وجدت احلاجة‪ ،‬وترتب على ذلك احلرج‪.‬‬
‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫جواز اجلمع يف احلضر للحاجة على أال يتخذ عادة‪ ،‬ويرتتب على عدم اجلمع حرج أو مشقة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(?) قال الشيخ أمحد شاكر يف تعليقه على سنن الرتمذي‪ ":‬وهذا هو الصحيح الذي يؤخذ من احلديث‪ ،‬وأما التأول باملرض‪ ،‬أو العذر‪ ،‬أو غريه فإنه تكلف‬
‫ال دليل عليه‪ .‬وفي الأخذ هبذا رفع كثري من احلرج عن أناس قد تضطرهم أعماهلم‪ ،‬أو ظروف قاهرة إىل اجلمع بني الصالتني‪ ،‬ويتأمثون من ذلك ويتحرجون‪،‬‬
‫ففي هذا ترفيه هلم وإعانة على الطاعة‪ ،‬مامل يتخذ عادة كما قال ابن سريين"‪ .‬انظر‪ :‬الرتمذي‪ ،‬مرجع سابق‪.359-1/358 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.3‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية‪. 6:‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) اَحلَرُج لغة‪ :‬هو الضيق واإلمث‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة‪":‬حرج"‪.233 /2 ،‬‬
‫واصطالًح ا‪ :‬ما فيه مشقة زائدة فوق املعتاد‪ .‬ورفع احلرج – وقد يطلق عليه نفي احلرج‪ ،‬أو دفع احلرج ‪ -‬يعين‪ :‬إزالة ما يف التكليف الشاق من املشقة‪،‬‬
‫وذلك برفع التكليف من أصله‪ ،‬أو التخفيف فيه‪ ،‬أو التخيري فيه‪ ،‬أو بأن جيعل له خمرج‪ .‬واحلرج واملشقة مرتادفان‪ ،‬ورفع احلرج ال يكون إال بعد الشدة‪.‬انظر‪:‬‬
‫ابن محيد‪ ،‬صاحل بن عبداهلل‪ ،‬رفع الحرج في الشريعة اإلسالمية‪ :‬ضوابطه وتطبيقاته‪( ،‬السعودية‪ :‬جامعة أم القرى)‪1401 ،‬هـ‪1402-‬هـ‪ ،‬صـ‪.229‬‬
‫وانظر كذلك‪ :‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية‪ ،‬الموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬ط‪( ،2‬الكويت‪ :‬ذات السالسل‪1412 ،‬هـ‪1992 -‬م)‪.22/283 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.103:‬‬

‫‪135‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المبحث الثالث‪ :‬صالة الجمعة‪..‬وفيه ستة مطالب‪:‬‬


‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪..‬اشرتاط احلاكم املسلم النعقادها‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪..‬أداء اخلطبة بغري العربية‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثالث‪..‬أداء الصالة قبل الزوال أو تأخريها لقبيل دخول صالة العصر‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الرابع‪..‬تعدد الصالة يف املسجد الواحد‬ ‫‪‬‬

‫املطلب اخلامس‪ ..‬أداء الصالة يف القاعات العامة والكنائس‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب السادس‪ ..‬إمامة املرأة للرجال‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪136‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪137‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫صالة اجلمعة من العبادات اليت ال تصح من منفرد‪ ،‬ويشرتط اجلماعة ألدائها يف مسجد جامع‪ ،‬أو‬
‫مصلى إذا تعذر وجود املسجد‪ ،‬وهذا احلل األخري هو الذي يلجأ إليه الكثري من مسلمي الغرب؛ ألنه‬
‫األسهل من الناحية العملية حيث ال حيتاج إال لتأجري صالة‪ ،‬أو رمبا كنيسة كل مجعة‪.‬‬
‫ونظًر ا للكثافة العددية الكبرية ملسلمي الغرب‪ ،‬وقلة املساجد يف بعض النواحي‪ ،‬أو ضيقها‪ ،‬تلجأ‬
‫بعض املساجد – كما هو احلال يف بعض مناطق بريطانيا خصوصا لندن‪ -‬إىل تكرار صالة اجلمعة فيها‬
‫مرتني‪ ،‬وأحيانًا ثالث مرات‪ ،‬وقد ال تكفي تلك اجلمع اإلضافية يف بعش األحيان الستعياب أعداد‬
‫املصلني الذين ينتظرون يف صفوف طويلة أمام مدخل املسجد‪.‬‬
‫ومن املسائل األخرى املتعلقة بصالة اجلمعة اليت حيتاج مسلمو الغرب إىل معرفة أحكامها‪ ،‬القول‬
‫باشرتاط السلطان املسلم لصحة اجلمعة‪ ،‬وأداء اخلطبة بغري العربية‪ ،‬وصالة اجلمعة قبل الزوال‪ ،‬وإمامة‬
‫املرأة للرجال‪.‬‬
‫المطلب األول‪..‬اشتراط الحاكم المسلم النعقادها‬
‫مر احلديث يف التمهيدي أن احلنفية قالوا‪ :‬باشرتاط إذن اإلمام لصحة صالة اجلمعة‪ ،‬وعدم جواز‬
‫إقامتها دونه‪ ،‬أو دون حضرة نائبه ( )‪.‬وخالفهم اجلمهور( )‪ ،‬فلم يشرتطوا هذا الشرط‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتتضح مثرة اخلالف بني مذهيب احلنفية واجلمهور جلية إذا أسقطنا كال القولني على واقع‬
‫اجملتمعات غري اإلسالمية كديار الغرب – مثاًل ‪ -‬حيث يقيم أعداد غفرية من املسلمني‪ ،‬وال حيكمها إمام‬
‫مسلم‪ ،‬فاجلمهور ال يرون لغياب السلطان أي تأثري على سقوط اجلمعة إذا توفرت الشروط األخرى اليت‬
‫أوضحوها يف كتبهم‪ ،‬لكن الزم قول احلنفية أن اجلمعة غري واجبة يف ديار الغرب اليوم خللوها من‬
‫اإلمام املسلم‪ ،‬وأنه ليس مطلوبًا من ماليني املسلمني أداؤها والسعي إليها‪ ،‬وهذا أيًض ا ما ذهب إليه بعض‬
‫املعاصرين منهم لعلة أن "الدول األوربية ليست دار إسالم‪ ،‬وإمنا هي دار أمان‪ ،‬ولكن عدم وجوهبا‬

‫‪1‬‬
‫(?) الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/261 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق ‪ .2/25 ،‬بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .6/276‬الشيخ نظام‪ ،‬مرجع سابق‪.161-1/160 ،‬ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع سابق‪ .54- 2/53 ،‬الطحطاوي‪ ،‬أمحد بن حممد بن إمساعيل‪ ،‬حاشية‬
‫الطحطاوي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1418 ،‬هـ‪1997 -‬م)‪ ،‬صـ‪ .507‬املرغيناين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/89 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/320 ،‬ابن عبدالرب‪ ،‬الكايف يف فقه املدينة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪. 70‬‬
‫احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ .453-2/452 ،‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬املعونة على مذهب عامل املدينة‪ ،‬مرجع سابق‪.1/164 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.4/446 ،‬‬
‫النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.450-4/449 ،‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/398 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/330 ،‬‬

‫‪138‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫اليستلزم بطالهنا‪ ،‬بل ينبغي احملافظة عليها واالهتمام هبا"( )‪ .‬وقد ذهب بعض احلنفية إىل جواز إقامة‬
‫‪1‬‬

‫اجلمعة واألعياد دون إذن السلطان يف حالتني‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬إذا غلب على املسلمني والٌة غري مسلمٌني ‪ ،‬فيصري القاضي قاضيًا برتاضي املسلمني‪ ،‬لكن‬
‫مسلما‪.‬‬
‫يجب على املسلمني أن يلتمسوا واليًا ً‬
‫والثانية‪ :‬إذا مل يتوصل الناس إىل إذن السلطان ملوته أو فتنة جاز ‪ -‬للضرورة ‪ -‬أن جيتمعوا‪،‬‬
‫ويقدموا من يصلي هبم ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أدلة الحنفية ‪:‬‬


‫احتج احلنفية بأن األمر استقر منذ زمن النيب ‪ -‬صلي اهلل عليه وسلم ‪ -‬والصحابة والتابعني هلم‬
‫بإحسان على أال تؤدى اجلمعة إال بإذن السلطان أو نائبه‪ .‬فإن ُصليت اجلمعة بدون إذنه‪ ،‬فقد جير ذلك‬
‫إىل وقوع الفتنة بني املسلمني‪ .‬وقالوا‪ :‬ألن إقامة اجلمعة فرض يلزم الكافة ال يقيمه إال واحد‪ ،‬فوجب أن‬
‫ال يقيمه إال السلطان كاحلدود‪.‬‬
‫واستدلوا مبا أخرجه ابن ماجة( ) من حديث جابر بن عبداهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬خطبنا‬ ‫‪3‬‬

‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪َ " :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس ُتوُبوا ِإىَل الَّلِه َقْبَل َأْن ُمَتوُتوا‪َ ،‬و َباِدُر وا‬
‫ِباَألْع َم اِل الَّص اَحِلِة َقْب َأْن ُتْشَغُلوا‪َ ،‬و ِص ُلوا اَّلِذي َبْيَنُك ْم َو َبَنْي َر ِّبُك ْم ِبَك ْث ِة ِذْك ِر ُك ْم َلُه‪َ ،‬ك ْث ِة الَّص َد َقِة يِف‬
‫َو َر‬ ‫َر‬ ‫َل‬
‫الِّسِّر َو اْلَعَالِنَيِة ُتْر َز ُقوا‪َ ،‬و ُتْنَص وا‪َ ،‬و ْجُتَب وا‪َ .‬و اْع َلُم وا َأَّن الَّلَه َقِد اْفَت َض َعَلْيُك اُجْلُم َعَة يِف َم َق اِم ي َه َذ ا‪ ،‬يِف‬
‫ُم‬ ‫َر‬ ‫ُر‬ ‫ُر‬
‫ِإ‬ ‫ِد‬ ‫ِة‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫َيْو ي َه َذ ا‪ ،‬يِف َش ْه ِر ي َه َذ ا‪ْ ،‬ن َعا ي َه َذ ا ىَل َيْو اْل َياَم ‪َ ،‬فَمْن َتَر َك َه ا َحَيا ‪َ ،‬أْو َبْع ي َو َلُه َم اٌم‬
‫يِت‬ ‫يِف‬
‫َعاِد ٌل َأْو َج اِئٌر ‪ ،‬اْس ِتْخ َف اًفا َهِبا‪َ ،‬أْو ُجُح وًدا َهِبا‪َ ،‬فَال َمَجَع الَّلُه َلُه ْمَشَلُه‪َ ،‬و َال َباَر َك َلُه يِف َأْم ِرِه‪َ ،‬أَال َو َال َص َالَة‬
‫َلُه‪َ ،‬و َال َزَك اَة َلُه‪َ ،‬و َال َح َّج َلُه‪َ ،‬و َال َص ْو َم َلُه‪َ ،‬و َال ِبَّر َلُه َح ىَّت َيُتوَب ‪َ ،‬فَمْن َتاَب َتاَب الَّلُه َعَلْيِه‪َ .‬أَال َال َتُؤ َّم َّن‬
‫إْم َر َأٌة َرُج ًال‪َ ،‬و َال َيُؤ َّم َأْع َر اٌيِب ُمَه اِج ًر ا‪َ ،‬و َال َيُؤ َّم َفاِج ٌر ُمْؤ ِم ًنا ِإَّال َأْن َيْق َه َر ُه ِبُس ْلَطاٍن َخَياُف َس ْيَف ُه َو َسْو َطُه"‬
‫( )‪.‬‬‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬وذلك على موقعه على شبكة اإلنرتنت‪" http://www.bouti.com":‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/276 ،‬الطحطاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .507‬الشيخ نظام‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.1/161‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬ابن ماجة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد الربعي القزويين‪ .‬ولد سنة ‪ 209‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 273‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪.4/279 ،‬‬
‫الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .13/277 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.7/144 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) رواه ابن ماجة‪،‬كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها‪ ،‬باب يف فرض اجلمعة‪ ،7-2/6 ،‬حديث رقم ‪ .1081‬ورواه البيهقي يف سننه الكربى‪ ،‬كتاب‬
‫اجلمعة‪ ،‬باب التشديد على من ختلف على اجلمعة‪ ،3/244 ،‬حديث رقم ‪ .5570‬ورواه البيهقي كذلك يف شعب اإلميان‪ ،4/423 ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫‪ .2754‬واحلديث ضعيف؛ لضعف أحد رواته – وهو عبد اهلل بن حممد العدوى – وهو منكر احلديث كما قال البخاري‪ ،‬وأبوحامت‪.‬وقال الدارقطين‪:‬‬
‫مرتوك‪ .‬وقال ابن عبد الرب ‪ :‬أسانيده واهية‪ .‬وقال ابن رجب‪ :‬وقد روي أوله من طرق متعددة‪ ،‬كلها واهية‪ .‬واحلديث ضعفه من املعاصرين األلباين يف إرواء‬
‫الغليل‪ .‬انظر‪ :‬البيهقي‪ ،‬أبوبكر أمحد بن احلسني‪ ،‬الجامع لشعب اإليمان‪ ،‬حتقيق‪ :‬خمتار أمحد الندوي وعبد العلي عبد احلميد حامد‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار‬

‫‪139‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مناقشة الجمهور ألدلة الحنفية ‪:‬‬


‫‪ -‬ناقش اجلمهور دليل احلنفية األول بالقول‪ :‬بأن الفعل إذا خرج للبيان اعترب فيه صفة الفعل ال‬
‫صفات الفاعل‪ ،‬ومّثلوا على ذلك بصفة النبوة ‪ ،‬فالنيب – صلى اهلل عليه وسلم – كان يقيم اجلمعة‬
‫بوصفه إماًم ا‪ ،‬ولو كان شرط النبوة متعيًنا ملا جاز ملن بعده من والة املسلمني إقامة اجلمع واألعياد‪.‬‬
‫‪ -‬أما كون الناس تعارفوا على إقامة الصالة بإذن السلطان‪ ،‬فهذا ال يعين بطالهنا إذا أقيمت بغري‬
‫إذنه‪ .‬ومما يثبت هذا أن علًيا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬صلى اجلمعة وعثمان حمصور‪ ،‬وقد صّو ب عثمان فعل‬
‫علّي ‪ ،‬وهو مل يكن وقتها أمًريا‪ ،‬فدل ذلك على عدم اشرتاط إذن السلطان‪ .‬وأوردوا آثاًر ا أخرى عن‬
‫بعض الصحابة تفيد أن إذن السلطان ليس شرًطا إلقامة اجلمعة‪ ،‬فمن ذلك أن أهل املدينة أخرجوا سعيد‬
‫أمريا عليهم‪ ،‬وقدموا أبا موسى األشعري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪،-‬‬
‫بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وكان ً‬
‫فصلى هبم اجلمعة‪ ،‬وفعل أهل الكوفة الشيء نفسه مع أمريهم الوليد بن عقبة‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وقدموا‬
‫إمجاعا منهم على جوازها بغري سلطان( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ابن مسعود‪ ،‬فصلى هبم اجلمعة‪ ،‬فكان ذلك ً‬
‫‪ -‬وأما زعم حصول الفتنة‪ ،‬فهي جمرد دعوى ال تصلح أن تكون سبًبا ملنع إقامة اجلمع؛ ألن‬
‫الفتنة حتدث يف األمور العظيمة اليت قد ينازع فيها السلطان بعًض ا من سلطاته‪ ،‬واجلمعة ليست كذلك( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬وأما عن حديث جابر‪ ،‬فهو حديث ضعيف ‪ -‬كما مر بيانه ‪ ،-‬ال يصلح لالحتجاج به‪.‬‬
‫وقد رد احلنفية استدالل اجلمهور حبادثة إمامة علّي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الصالة بأهنا واقعة حال‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬كيف عرفتم أن عليًا فعل ذلك دون إذن عثمان‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬؟ فإن قلتم‪ :‬إنه مل يتوصل إىل‬
‫إذن السلطان‪ ،‬فرأى أن يصلي بالناس‪ .‬قلنا‪ :‬وهذا ما نقول به‪ .‬فإذا تعذر احلصول على إذن اإلمام‪،‬‬
‫فللناس أن جيتمعوا‪ ،‬ويقدموا من يصلي هبم( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬

‫الرشد‪1423 ،‬هـ ‪ 2003 -‬م)‪ .4/423 ،‬ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.196-6/195 ،‬األلباين‪ ،‬مرجع سابق‪3/50 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ . 2/334 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/330 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/446 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .450-4/449 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/446 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.6/276 ،‬‬

‫‪140‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يظهر مما سبق أن احلنفية مل يستدلوا بأدلة صرحية تقوي اشرتاطهم إلذن السلطان‪ ،‬أو نائبه إلقامة‬
‫اجلمعة‪ ،‬واألصل براءة الذمة‪ .‬وألن صالة اجلمعة عبادة على البدن ال فرق بينها وبني باقي العبادات من‬
‫صوم‪ ،‬وصالة‪ ،‬وحج‪ ،‬فظهر أهنا ال حتتاج إىل إذن السلطان السيما يف هذه األزمان اليت شهدت استقرار‬
‫ماليني املسلمني ببلدان ال حتكمها شريعة الرمحن‪ ،‬وال تدين بدين اإلسالم‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪..‬أداء الخطبة بغير العربية‬
‫ال خالف بني أهل العلم أن األصل يف اخلطبة أن تكون باللغة العربية‪ ،‬لكن النزاع بينهم يف‬
‫اشرتاط ذلك لصحة اخلطبة‪ ،‬وهلذا اختلفت أقواهلم ‪:‬‬
‫‪ -‬فقال احلنفية ( ) ‪ :‬جتوز اخلطبة بغري العربية‪ ،‬ولو بالفارسية من قادر على العربية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬واشرتط املالكية( ) اللغة العربية‪ ،‬ولو كان املصلون عجًم ا‪ ،‬فإن كان املصلون ال يفقهون‬ ‫‪2‬‬

‫العربية‪ ،‬يلقى عليهم الكالم أوًال بالعربية‪ ،‬مث ترتجم إىل لغتهم‪ .‬وقالوا‪ :‬فإن مل يكن يف املصلني من حيسن‬
‫اخلطبة بالعربية‪ ،‬مل تلزمهم مجعة‪.‬‬
‫‪ -‬واشرتط الشافعية( ) اللغة العربية لصحة اخلطبة‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪":‬صلوا كما‬ ‫‪3‬‬

‫رأيتموين أصلي"( ) ومواظبته على ذلك‪ ،‬وكذلك ألن اخلطبة ذكر مفروض كالتشهد وتكبرية اإلحرام‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫فوجب تعلمه‪ .‬فإن مل يكن يف القوم من حيسن العربية‪ ،‬جاز أن خيطب بلسانه ريثما يتعلم‪ .‬فإن مضى‬
‫زمن التعلم‪ ،‬ومل يتعلموا بعد‪ ،‬عصوا بذلك‪ ،‬وال تنعقد هلم اجلمعة‪ ،‬ويصلون الظهر بدياًل عنها‪.‬‬
‫‪ -‬والراجح عند احلنابلة( ) أن اخلطبة ال تصح بغري بالعربية مع القدرة‪ ،‬وتصح بالعجز عنها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الطحطاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.509‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪.3/19 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النفرواي‪ ،‬أمحد بن غنيم بن سامل بن مهنا‪ ،‬الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الوارث حممد علي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ 1418 ،‬هـ ‪ 1997 -‬م )‪ .1/404 ،‬الغرياين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/553 ،‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬املعونة على مذهب عامل املدينة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .1/164‬الدسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/378 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/391 ،‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬مرجع سابق‪.1/531 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رمحة الناس والبهائم ‪ 4/93 ،‬رقم احلديث ‪.6008‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ . 2/387 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.513-1/512 ،‬‬

‫‪141‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫املتأمل للِح َك م اليت من أجلها شرع الشارع صالة اجلمعة‪ ،‬جيد أن من بينها التذكري‪ ،‬والوعظ‪،‬‬
‫واإلرشاد‪ ،‬وتعليم الناس أمور دينهم‪ ،‬وهذه املقاصد الشرعية ال يتأتى حتقيقها لو مل تلق اخلطبة بلغة‬
‫احلضور؛ ألن املستمعني لن يستفيدوا شيًئا من خطبة ال يفهمون منها حرًفا‪ ،‬وال يعون منها مجلة‪.‬‬
‫وغين عن البيان‪ ،‬فإّن اللغة العربية يف ديار الغرب تعترب غريبة عن أهلها‪ ،‬وال يفهمها إال النذر‬
‫اليسري من الناس‪ ،‬ولو أخذنا بريطانيا ‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬لوجدنا أن اللغة االجنليزية هي اللغة الرئيسية‬
‫اليت يتواصل هبا الناس‪ ،‬ويتحدثون هبا‪ ،‬ولو اشرتطنا على أئمة اجلمعات أن خيطبوا بالعربية‪ ،‬حلكمنا على‬
‫الغالبية املطلقة من املصلني بأهنم لن يفقهوا منها شيًئا‪ ،‬وهلذا فالذي يظهر يل – واهلل أعلم – أن إلقاء‬
‫اخلطبة بالعربية ليس شرًطا لصحة صالة اجلمعة؛ ألين مل أجد دلياًل صحيًح ا ينص على اشرتاط هذا‬
‫األمر‪ ،‬ويف ذلك حتقيق ملقاصد اخلطبة بني أقوام ال يفهمون العربية( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والقول بعدم اشرتاط اللغة العربية لصحة خطبة اجلمعة هو ما اختارته اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية واإلفتاء بالسعودية‪ ،‬وجملس اجملمع الفقهي برابطة العامل اإلسالمي الذي اعترب " أن الرأي األعدل‬
‫الذي خنتاره‪ ،‬هو أن اللغة العربية يف أداء خطبة اجلمعة والعيدين يف غري البالد الناطقة بالعربية ليست‬
‫شرًطا لصحتها‪ ،‬ولكن األحسن أداء مقدمات اخلطبة وما تتضمنه من آيات قرآنية باللغة العربية لتعويد‬
‫غري العرب على مساع العربية والقرآن‪ ،‬مما يسِّه ل عليهم تعلمها وقراءة القرآن باللغة اليت نزل هبا‪ ،‬مث يتابع‬
‫اخلطيب ما يعظهم وينورهم به بلغتهم اليت يفهموهنا"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)من املمكن أن يلجأ اخلطيب إىل استفتاح اخلطبة باللغة العربية‪ ،‬ويذكر بعض اآليات واألحاديث اليت تتناسب مع املوضوع‪ ،‬مث يكمل اخلطبة باللغة اليت‬
‫يفهمها احلاضرون‪ ،‬أو إذا استطاع أن يدمج بني العربية ولغة احلاضرين‪ ،‬وما يذكره باللغة العربية يرتمجه يف احلال‪ ،‬وال يؤخر الرتمجة إىل ما بعد صالة اجلمعة؛‬
‫ألن كثًريا من الناس سوف يغادرون مباشرة بعد انتهاء الصالة‪ ،‬ولن يستفيدوا شيًئا من خطبة اجلمعة‪ ،‬باإلضافة إىل امللل الذي سوف يشعر به املصلون وهم‬
‫يستمعون إىل كالم غري مفهوم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة‪ ،‬الدورة الخامسة‪/16-8( ،‬ربيع اآلخر‪140/‬‬
‫‪2‬هـ‪ -‬أبريل ‪1982‬م)‪ ،‬صـ ‪ .99‬وانظر‪ :‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪.254-8/253 ،‬‬

‫‪142‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫المطلب الثالث‪..‬أداء الصالة قبل الزوال‪ ،‬أو تأخيرها إلى قبيل دخول صالة العصر ‪..‬وفيه‬
‫مسألتان‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬صالة الجمعة قبل الزوال‬
‫اختار مجاهري أهل العلم( ) أن وقت اجلمعة هو نفسه وقت الظهر‪ ،‬أي بعد زوال الشمس‪ ،‬وال‬ ‫‪1‬‬

‫يصح أداؤها قبل ذلك‪ .‬وذهب احلنابلة( ) يف املشهور عندهم إىل أن أول وقتها هو وقت صالة العيد‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وتلزم بالزوال‪ .‬ويف رواية أخرى عن اإلمام أمحد ‪ -‬واختارها بعض أصحابه‪ :‬أن وقتها يبدأ من الساعة‬
‫السادسة قبل الزوال‪.‬‬
‫أدلة الجمهور‪:‬‬
‫ومن أبرز ما استدل به اجلمهور لقوهلم‪:‬‬
‫‪ -‬عن سلمة بن األكوع ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪" :‬كنا ّجُنمُع مع النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫إذا زالت الشمس‪ ،‬مث نرجع نتتبع الفيء"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – كان يصلي اجلمعة‬
‫حني متيل الشمس"( )‪ .‬ويف هذين احلديثني إشعار بأن الرسول – صلى اهلل عليه وسلم – كان يواظب‬ ‫‪4‬‬

‫على صالة اجلمعة إذا زالت الشمس( )‪.‬‬


‫‪5‬‬

‫‪ -‬أن اجلمعة بدل عن الظهر‪ ،‬فوجب أن يكون وقتها وقت الظهر‪ ،‬والبدل الجيب قبل مبدله‪،‬‬
‫وألن الصالة اليت تليها هي العصر‪ ،‬فكان وقتها الزوال كالظهر( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -‬أن هذا هو املنقول عن السلف واخللف أهنم كانوا يصلون اجلمعة بعد الزوال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ . 268 / 1 ،‬ابن جنيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/256 ،‬الدردير‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/499 ،‬ابن عبدالرب‪ ،‬الكايف يف فقه املدينة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬صـ‪ .70‬البغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/129 ،‬الغزايل‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/191 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/418،‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .1/508‬ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪.5/42 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الشويكي‪ ،‬أمحد بن حممد بن أمحد‪ ،‬التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬ناصر بن عبداهلل امليمان‪( ،‬السعودية‪:‬املكتبة املكية)‪،‬‬
‫‪.1/355‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/375 ،‬ابن مفلح احلنبلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/150 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب صالة اجلمعة حني تزول الشمس‪ 2/589 ،‬رقم احلديث ‪ .860‬والفيء‪ :‬فاء الظل يفيء فيئا‪ :‬رجع من جانب‬
‫املغرب إىل جانب املشرق‪ .‬انظر‪ :‬الفيومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪":‬فاء"‪ ،‬صـ‪. 185‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب وقت اجلمعة إذا زالت الشمس‪ ،1/287 ،‬رقم احلديث ‪ .904‬وتبويب البخاري يدل على ضعف قول‬
‫املخالف عنده كما أشار إىل ذلك احلافظ ابن حجر‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/387 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/387 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪.330-2/329 ،‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/334 ،‬‬

‫‪143‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أدلة الحنابلة‪:‬‬
‫‪ -‬عن أيب جعفر الباقر( ) ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬أنه سأل جابر بن عبداهلل‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬مىت كان‬ ‫‪1‬‬

‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – يصلي اجلمعة؟ قال‪ " :‬كان يصلي‪ ،‬مث نذهب إىل َمِجالنا َفُنِر ُحيَه ا‬
‫حني تزول الشمس"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وَعْن َس ْه ٍل بن سعد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪":‬ما كنا َنِق يُل( ) وال َنَتَغَّدى إال بعد اجلمعة يف‬
‫‪3‬‬

‫عهد رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم) ( ) ‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫ووجه االستدالل ‪ :‬أن الغداء والقائلة حملهما قبل الزوال‪ ،‬والنيب – صلى اهلل عليه وسلم – كان‬
‫خيطب خطبتني‪ ،‬ويصلي بالناس بسوريت اجلمعة و"املنافقون"‪ ،‬فإذا انصرفوا من الصالة‪ ،‬خرج وقت‬
‫الغداء والقيلولة‪ ،‬ففعلومها بعد اجلمعة( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -‬وعن سلمة بن األكوع‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ ":‬كنا نصلي مع رسول اهلل – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – اجلمعة‪ ،‬فنرجع وما جند للحيطان فيًئا نستظل به"( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫واحلديث يدل على أن صالهتم كانت قبل الزوال‪ ،‬ولو كانت بعده لكان للحيطان ظل يستظل‬
‫به( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هو‪ :‬الباقر‪ ،‬أبو جعفر حممد بن علي زين العابدين بن احلسني اهلامشي القرشي‪ .‬ولد سنة ‪ 56‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪ 114‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪4/ ،‬‬
‫‪ .201‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/270 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب صالة اجلمعة حني تزول الشمس‪ ،2/588 ،‬رقم احلديث ‪.858‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) القيلولة يف لغة العرب تعين‪ :‬النوم نصف النهار‪ ،‬جاء يف املصباح املنري‪ :‬قال يقيل قيًال وقيلولة‪ :‬نام نصف النهار‪ ،‬والقائلة وقت القيلولة‪ .‬انظر‪ :‬الفيومي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪":‬قيل"‪ ،‬صـ ‪. 199‬وليس هناك اتفاق بني الفقهاء على حتديد وقتها‪ :‬هل هو قبل الزوال‪ ،‬أم بعده؟‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب قوله تعاىل(فإذا قضيت الصالة فانتشروا يف األرض وابتغوا من فضل اهلل)‪ 1/297 ،‬رقم احلديث ‪ .939‬صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب صالة اجلمعة حني تزول الشمس‪ ،2/588 ،‬رقم احلديث ‪.859‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪. 360-4/359 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) صحيح البخاري ‪،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب قوله تعاىل‪(:‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)‪ 1/297،‬رقم احلديث ‪ .939‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫اجلمعة‪ ،‬باب صالة اجلمعة حني تزول الشمس ‪ ،2/588 ،‬رقم احلديث ‪.859‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪. 4/360 ،‬‬

‫‪144‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وعن عبد اهلل بن سيدان( ) قال‪":‬شهدت اجلمعة مع أيب بكر‪ ،‬فكانت خطبته‪ ،‬وصالته قبل‬ ‫‪1‬‬

‫نصف النهار ‪ ،‬وشهدهتا مع عمر‪ ،‬فكانت خطبته وصالته إىل أن أقول‪ :‬انتصف النهار مث شهدهتا مع‬
‫عثمان ‪ ،‬فكانت خطبته وصالته إىل أن أقول‪ :‬زال النهار‪ ،‬فما رأيتُ أحدًا عاب ذلك‪ ،‬وال‬
‫أنكره"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مناقشة الجمهور ألدلة الحنابلة‪:‬‬


‫‪ -‬أجاب اجلمهور عن احتجاج احلنابلة حبديث جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وما بعده بأهنا حممولة‬
‫على التبكري‪ ،‬وشدة املبالغة يف تعجيلها بعد الزوال؛ ألن تلك اآلثار ليست نًص ا يف الصالة قبل الزوال‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إنه ال جيوز قياس صالة اجلمعة على صالة العيد؛ ألن صالة العيد ال تصلى بعد الزوال‪ ،‬بينما‬
‫صالة اجلمعة تؤدى باالتفاق بعد الزوال‪ ،‬وأيًض ا فإن يوم العيد حيرم صومه‪ ،‬وال حيرم صيام يوم اجلمعة‪،‬‬
‫فافرتقت الصورتان‪ ،‬واختلفت الصالتان( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وأما حديث سهل بن سعد‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فليس فيه دليل على أداء صالة اجلمعة قبل‬
‫الزوال من وجهني( )‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫األول‪ :‬ألن الصحابة كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة‪ ،‬ويؤخروهنما يف هذا اليوم؛ ألهنم ندبوا‬
‫إىل التبكري إلى صالة اجلمعة‪ ،‬فخشوا إن اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها أن يفوهتم التبكري‪ ،‬أو الصالة‪،‬‬
‫فإذا انصرفوا من صالة اجلمعة‪ ،‬استدركوا ما فاهتم من الغداء والقائلة‪ .‬وهذا خالف ما جرت به عادهتم‬
‫يف صالة الظهر يف احلر حيث كانوا يقيلون‪ ،‬مث يصلون ملشروعية اإلبراد‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن العادة يف القائلة أن تكون قبل الزوال‪ ،‬لكن الصحابة كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة‬
‫عن القائلة ‪ ،‬ويؤخرون القائلة حىت تكون بعد صالة اجلمعة‪ ،‬فدل ذلك على أن صالة اجلمعة تقام بعد‬
‫الزوال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)عبد اهلل بن سيدان املطرودي السلمي‪ .‬انظر‪ :‬العجلي‪ ،‬أبو احلسن أمحد بن عبد اهلل بن صاحل‪ ،‬معرفة الثقات بترتيب الهيثمي والسبكي مع زيادات‬
‫الحافظ ابن حجر‪ ، ،‬حتقيق‪ :‬عبدالعيم عبدالعظيم البستوي‪.2/33 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن مهام الصنعاين‪ ،‬أبوبكر عبدالرزاق‪ ،‬المصنف‪ ،‬حتقيق‪:‬حبيب الرمحن األعظمي‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪ :‬املكتب اإلسالمي‪1403 ،‬هـ‪1983 -‬م)‪ ،‬كتاب‬
‫اجلمعة‪ ،‬باب من جتب عليه اجلمعة‪ ،3/175 ،‬حديث رقم ‪ .5210‬ورواه الدارقطين‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب صالة اجلمعة قبل نصف النهار‪،2/330 ،‬‬
‫حديث رقم ‪.1623‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن عبدالرب‪ ،‬التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/489 ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/387 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/382 ،‬الباجي‪ ،‬سليمان بن خلف بن سعد‪ ،‬المنتقى شرح موطأ مالك‪ ،‬حتقيق ‪ :‬حممد عبد القادر أمحد عطا‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(لبنان ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1420 ،‬هـ ‪ 1999 -‬م )‪ .1/235 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .381-4/380 ،‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ 2/388 ،‬و ‪.428‬‬

‫‪145‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وأما حديث سلمة بن األكوع‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فهو مل ينف الظل مجلة؛ ألنه صرح بأنه قد‬
‫صار فيًئا يسريًا‪ ،‬وإمنا نفى ما يستظل به‪ ،‬وهذا يدل على شدة التبكري‪ ،‬وقصر اخلطبة‪ ،‬وتعجيل الصالة يف‬
‫أول الزوال دون تأخري( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬وأما حديث عبد اهلل بن سيدان ‪ ،‬فهو ضعيف؛ لضعف روايه‪ ،‬فال حجة فيه( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫قال النووي " وأما األثر عن أيب بكر وعمر وعثمان‪ ،‬فضعيف باتفاقهم؛ ألن ابن سيدان ضعيف‬
‫عندهم‪ ،‬ولو صح لكان متأواًل ملخالفة األحاديث الصحيحة عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪.) ("-‬‬
‫‪3‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫اتفق أهل العلم على أن ما بعد الزوال يعد وقًتا للجمعة( )‪ ،‬وأن هذا هو األغلب األعم يف صالته‬
‫‪4‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬لكن اخلالف انعقد فيما لو ُص ليت اجلمعة قبل الزوال؛ فذهب اجلمهور إىل اشرتاط‬
‫الزوال لصحة اجلمعة‪ ،‬وخالفهم احلنابلة فأجازوا الصالة قبله‪ ،‬وقد احتج كل فريق بأدلة صحيحة‪ ،‬لكن‬
‫احلق أن ما استدل به احلنابلة له وجاهته وقوته رغم حماوالت اجلمهور تأويل األحاديث الصحيحة‪،‬‬
‫وصرفها عن ظاهرها‪.‬‬
‫والصواب ‪ -‬كما قال ابن رجب ‪ -‬أن يقال ‪ ":‬كل ما استدل به من قال ‪ :‬متنع إقامة اجلمعة‬
‫قبل الزوال ليس نصًا صرحيًا يف قوله‪ ،‬وإمنا يدل على جواز إقامة اجلمعة بعد الزوال أو على استحبابه‪ ،‬أما‬
‫منع إقامتها قبله فال‪ ،‬فالقائل بإقامتها قبل الزوال يقول جبميع األدلة‪ ،‬وجيمع بينها كلها‪ ،‬وال يرد منها‬
‫شيئًا"( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪ .213-6/212 ،‬ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪.5/45 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قال احلافظ‪":‬رجاله ثقات إال عبد اهلل بن سيدان ‪ -‬وهو بكسر املهملة بعدها حتتانية ساكنة‪ -‬فإنه تابعي كبري إال أنه غري معروف العدالة‪ .‬قال بن‬
‫عدي‪ :‬شبه اجملهول‪ .‬وقال البخاري‪ :‬ال يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه‪ ،‬فروى بن أيب شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أيب بكر‬
‫وعمر حني زالت الشمس‪ .‬إسناده قوي"‪ .‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/387 ،‬وتعقب الشيخ األلباين تضعيف احلافظ ألثر عبداهلل بن سيدان‬
‫حبجة خمالفته ألثر سويد بن غفلة‪ ،‬بأن أثر سويد ليس فيه ذكٌر لصالة اجلمعة ال تصرحيًا وال تلميحًا‪ ،‬وإمنا هو متعلق بصالة الظهر‪ ،‬فال يصح للمعارضة‬
‫املدعاة‪ .‬وحكم األلباين على احلديث بأنه حسن‪ .‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬تمام المنة في التعليق على فقه السنة‪( ،‬دار الرأية للنشر والتوزيع)‪ ،‬صـ ‪ .331-330‬لكنه‬
‫ضّعف احلديث يف إرواء الغليل‪ .‬انظر ‪ :‬األلباين‪ ،‬إرواء الغليل‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/61 ،‬ويفهم من كالم ابن رجب أن احلديث حيتج به عنده‪ ،‬فقال‪":‬ورواه‬
‫اإلمام أمحد ‪ -‬يف رواية ابنه عبد اهلل ‪ ،-‬عن وكيع‪ ،‬عن جعفر‪ ،‬واستدل به‪ ،‬وهذا إسناٌد جيٌد ‪...‬وأمحد أعرف الرجال من كل من تكلم يف هذا احلديث‪ ،‬وقد‬
‫استدل به‪ ،‬واعتمد عليه"‪ .‬انظر ‪ :‬ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.174-8/173 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪،‬مرجع سابق‪.4/381 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/296،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪.8/172 ،‬‬

‫‪146‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وهلذا فالذي يظهر ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن األصل هو أداء صالة اجلمعة بعد الزوال‪ ،‬سًريا على السنة‬
‫النبوية املطهرة‪ ،‬وخروًج ا من أسباب اخلالف( )‪ ،‬وبعًد ا عن مواطن النزاع‪ ،‬وحفًظا لوحدة املسلمني‬
‫‪1‬‬

‫وكلمتهم من التفرق والتشرذم‪ ،‬فإن وجدت احلاجة لتعجيلها قبل الزوال‪ ،‬وترتب على صالهتا بعد‬
‫الزوال احلرج واملشقة‪ ،‬ومل يتيسر للناس وقٌت أخر جيتمعون فيه غري قبل الزوال ‪ -‬كما هو واقع بعض‬
‫املسلمني املقيمني يف ديار الغرب‪ -‬فعندها ُتصلى اجلمعة قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة‪ ،‬وهو ما‬
‫ذهب إليه من املعاصرين جممع فقهاء الشريعة بأمريكا( )‪ .‬لكن إن زال العذر‪ ،‬وانتفى احلرج‪ ،‬واختفت‬
‫‪2‬‬

‫احلاجة‪ ،‬فاألصل أن تصلى بعد الزوال‪ ،‬خروًج ا من اخلالف‪ ،‬واقتداًء بغالب فعله صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬صالة الجمعة قبيل صالة العصر‬
‫حيدث أن تؤدى صالة اجلمعة يف بعض املساجد قبيل العصر‪ ،‬السيما يف فصل الشتاء عندما‬
‫تتقارب أوقات الصلوات‪ ،‬ورمبا تنتهي الصالة مع دخول وقت العصر‪ ،‬فما حكم صالة هؤالء؟‬
‫وقبل سرب غور إجابة هذا السؤال‪ ،‬ينبغي اإلشارة إىل أن مجهور العلماء من احلنفية ‪ ،‬والشافعية‪،‬‬
‫واحلنابلة( )‪ ،‬ذهبوا إىل أن آخر وقت اجلمعة هو آخر وقت الظهر‪ ،‬بينما املشهور عند املالكية‪ ،‬أن آخر‬ ‫‪3‬‬

‫وقتها هو الغروب( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ومىت خرج وقت الظهر‪ ،‬ومل تصل اجلمعة‪ ،‬فقد فات وقتها‪ ،‬ويصلي الظهر باإلمجاع( )‪ .‬لكن أهل‬
‫‪5‬‬

‫العلم اختلفوا فيمن بدأ صالة اجلمعة‪ ،‬وقد دخل عليه وقت العصر ‪:‬‬
‫‪ -‬فقال أبو حنيفة ‪ :‬إن خرج وقت الظهر‪ ،‬وقد بقي من اجلمعة سجدة أو قعدة‪ ،‬فسدت‬
‫اجلمعة‪ ،‬وليس له أن يبين الظهر عليها الختالف الصالتني‪ ،‬كالظهر والعصر؛ وألن الوقت من شرائطها‪،‬‬
‫فإذا فات قبل الفراغ منها‪ ،‬كان مبنزلة فواته قبل الشروع‪ ،‬وذلك ألن شرائط العبادة مستدامة من أوهلا‬
‫إىل آخرها( )‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)قال ابن قدامة‪ ":‬فاألوىل أن ال تصلى إال بعد الزوال ليخرج من اخلالف‪ ،‬ويفعلها يف الوقت الذي كان النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يفعلها يف أكثر‬
‫أوقاته"‪ .‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/358 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)جاء يف املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا ما نصه"إذا دعت الضرورة‪ ،‬أو اقتضت احلاجة تقدمي صالة اجلمعة أو خطبتها قبل الزوال جاز ذلك‬
‫عمال مبذهب اإلمام أمحد رمحه اهلل" انظر‪:‬قرارات املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.4‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الشيخ نظام‪ ،‬مصدر سابق‪.1/161 ،‬الغزايل‪ ،‬حممد بن حممد‪ ،‬الوسيط في المذهب‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪:‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‪1417 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1997‬م)‪ . 2/263 ،‬ابن مفلح احلنبلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/152 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) انظر‪ :‬األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/239 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/517 ،‬ابن جزي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.103‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن القطان‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/162 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،1/418،‬ابن رجب‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪. 8/905‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الشيخ نظام‪ ،‬مصدر سابق‪.1/161 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ . 257-1/256 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/33 ،‬‬

‫‪147‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وقال املالكية‪ :‬إن من أدرك من اجلمعة ركعة‪ ،‬مث غربت الشمس‪ ،‬يصلى الركعة األخرى بعد‬
‫املغيب‪ ،‬وتعد مجعة له‪ ،‬وإذا أخر اإلمام الصالة حىت دخل وقت العصر‪ ،‬فليصل اجلمعة هبم ما مل تغب‬
‫الشمس‪ ،‬وإن كان ال يدرك بعض العصر إال بعد الغروب( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬وقال الشافعي‪" :‬فإن دخل أول وقت العصر قبل أن يسلم منها‪ ،‬فعليه أن يتم اجلمعة ظهًر ا‬
‫أربًعا‪ ،‬فإن مل يفعل حىت خرج منها‪ ،‬فعليه أن يستأنفها ظهًر ا أربًعا"( )‪ .‬فإن أدرك املسبوق مع اإلمام‬
‫‪2‬‬

‫ركعة‪ ،‬وقد خرج وقت اجلمعة قبل قيامه‪ ،‬أمتها ظهًر ا على األصح؛ ألن االعتناء بالوقت أعظم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫يتمها مجعة؛ ألنه تابع للقوم‪ ،‬وقد صحت صالهتم( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وقال احلنابلة‪:‬إن خرج وقت الظهر‪ ،‬وقد صلوا ركعة أمتوها مجعة؛ ألن الوقت إذا فات مل‬
‫ميكن استدراكه‪ ،‬فسقط اعتباره يف االستدامة للعذر‪ ،‬وكاجلماعة يف حق املسبوق‪ .‬فإن مل يتموا ركعة‪،‬‬
‫ظهرا ؛ ألهنما صالتا وقت‪ ،‬فجاز بناء إحدامها‬
‫وقد دخل وقت العصر‪ ،‬فعل وجهني‪ ،‬األول‪ :‬يتموهنا ً‬
‫ظهرا؛ ألهنما صالتان خمتلفان‪ ،‬فلم تنب‬
‫على األخرى كصالة السفر مع احلضر‪ ،‬والثاين‪ :‬يستأنفوهنا ً‬
‫إحدامها على األخرى( )‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫من خالل استعراض أقوال أهل العلم‪ ،‬يبدو جلًيا اتفاق اإلمامني‪ :‬أيب حنيفة والشافعي على أن‬
‫من دخل عليه وقت العصر‪ ،‬وقد صلى من اجلمعة ركعة‪ ،‬فإنه ال مجعة له‪ ،‬وخالفهما املالكية واحلنابلة‪،‬‬
‫فاعتربوه مدرًك ا للجمعة‪ ،‬مع أن املالكية جوزوا إقامة اجلمعة يف وقت العصر( ) خالًفا للجمهور‪-‬كما‬
‫‪5‬‬

‫مضى بيانه‪ .‬وأسعد الناس بالدليل‪ ،‬هم املالكية واحلنابلة؛ لعموم حديث أيب هريرة ‪-‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫الصحيحني أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪":‬من أدرك من الصالة ركعة‪ ،‬فقد أدرك‬
‫الصالة"( )‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪ . 2/239 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ . 2/520 ،‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬مرجع سابق ‪/1،‬‬
‫‪.319-318‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الشافعي‪ ،‬مصدر سابق‪. 2/388 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪ .419-1/418،‬الغزايل‪ ،‬الوسيط يف املذهب‪ ،‬مرجع سابق‪.2/263 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن مفلح احلنبلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .152-2/151 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/506 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/318 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫وقتا للجمعة‪ ،‬وما‬
‫(?) قال الكاساين‪":‬وقال مالك ‪ :‬جتوز إقامة اجلمعة يف وقت العصر وهو فاسد؛ ألهنا أقيمت مقام الظهر بالنص‪ ،‬فيصري وقت الظهر ً‬
‫أقيمت مقام غري الظهر من الصلوات‪ ،‬فلم تكن مشروعة يف غري وقته"‪.‬انظر‪ :‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/269 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة‪ ،‬باب من أدرك من الصالة ركعة‪ 1/198،‬رقم احلديث ‪ .580‬وأخرجه مسلم‪ ،‬كتاب املساجد ومواضع‬
‫الصالة‪ ،‬من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك تلك الصالة‪ ،1/423،‬حديث رقم ‪.161‬‬

‫‪148‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قال الزهري ‪":‬فنرى أن صالة اجلمعة من ذلك‪ ،‬فإن أدرك منها ركعة‪ ،‬فليصل إليها أخرى"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال الرتمذي‪":‬والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬وغريهم‪ ،‬قالوا‪ :‬من أدرك ركعة من اجلمعة‪ ،‬صَّلى إليها ُأخرى‪ ،‬ومن أدركهم جلوسًا صلى أربعًا"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فمن أدرك ركعة من اجلمعة قبل أن يدخل وقت العصر‪ ،‬فهو مدرك هلا‪ ،‬كاملسبوق يف الصالة‬
‫بركعة؛ ألن إدراك الصالة بركعة يعترب يف موضعني‪ :‬الفعل‪ ،‬والوقت( )‪ ،‬فالفعل أن يدرك مع اإلمام‬
‫‪3‬‬

‫ركعة‪ ،‬فله أن يتمها بعد سالم اإلمام بدون أن تبطل صالته‪ ،‬والوقت بأن يدرك ركعة‪ ،‬وقد خرج‬
‫الوقت‪ ،‬فاألصل أن ال تبطل‪ ،‬وحديث أيب هريرة نص صريح يف هذه املسألة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪..‬تعدد الصالة في المسجد الواحد‬
‫وهذه من النوازل املعاصرة اليت مل ُيعرف هلا مثيل يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬ومل تشتهر عن الصحابة ‪-‬‬
‫رضوان اهلل عليهم ‪ -‬رغم كثرة الفتوحات‪ ،‬واتساع العمران‪ ،‬ومظنة وجود احلاجة لتعدد الصلوات‪.‬‬
‫وأما عن احلكم الشرعي هلذه النازلة‪ ،‬فقد حبثُت كثًريا عن أقوال ألهل العلم املتقدمني‪ ،‬وطفُت‬
‫قارًئا لكتبهم‪ ،‬ومتصفًح ا ملؤلفاهتم‪ ،‬فلم أعثر على أي نص يفيدين يف حبث هذه املسألة‪ ،‬فيممُت وجهي‬
‫صوب أهل العلم املعاصرين سائاًل وباحًثا‪ ،‬وأعطيت األولية لفتاوى اجملالس الفقهية‪ ،‬واجملامع العلمية‪ -‬إن‬
‫وجدت ‪ -‬ملا فيها من قوة االجتهاد اجلماعي‪.‬‬
‫فتوى جممع فقهاء الشريعة بأمريكا‬ ‫‪‬‬

‫"األصل هو وحدة الجمعة‪ ،‬وأن تكون في المسجد الجامع‪ ،‬فإن ضاق بأهله جاز تعددها‬
‫وال حرج‪ ،‬بالقدر الذي تندفع به الحاجة‪ ،‬وتتحقق به المصلحة"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ويف فتوى أخرى"يرخص في تعدد الجمعة في المسجد الواحد إذا كان المكان ضيقًا ال‬
‫يستوعب جميع المصلين‪ ،‬أو لم يتيسر للمصلين الحصول على موافقة من جهات العمل ألداء هذه‬
‫الصالة في وقت واحد فيصليها كل قسم منهم في وقت‪ ،‬وليس من األعذار المسوغة لتعدد‬
‫الجمعة مجرد الرغبة في توفير جمعة للناطقين بالعربية وأخرى للناطقين بغيرها‪ ،‬ألن في الترجمة ما‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن خزمية‪ ،‬مرجع سابق‪.893-2/892 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الرتمذي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/403 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن نصر البغدادي‪ ،‬اإلشراف على نكت مسائل اخلالف‪ ،‬مرجع سابق‪.1/319 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)أحباث املؤمتر الثاين جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ( ،‬الدمنارك ‪ 7-4 ،‬مجادى األوىل ‪1425‬هـ ‪ 25-22 /‬يونيو ‪2004‬م)‪ ،‬صـ ‪ .145‬ونص السؤال‬
‫الذي وجه إليهم‪ :‬ما هي الشروط اليت جتيز تعدد صالة اجلمعة أو العيدين يف املسجد الواحد؟‬

‫‪149‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يغنى عن هذا التعدد الذي رخص فيه على خالف األصل"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالسعودية‬ ‫‪‬‬

‫"إنشاء جمعتين في مسجد واحد غير جائزة شرًعا‪ ،‬وال نعلم له أصاًل في دين اهلل‪ ،‬واألصل‬
‫أن تقام جمعة واحدة في البلد الواحد‪ ،‬وال تتعدد الجمع إال لعذر شرعي؛ كبعد مسافة على بعض‬
‫من تجب عليهم‪ ،‬أو يضيق المسجد األول الذي تقام فيه عن استيعاب جميع المصلين‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك مما يصلح مسوًغا إلقامة جمعة ثانية‪ ،‬فعند ذلك يقام جمعة أخرى في مكان يتحقق بإقامتها‬
‫فيه الغرض من تعددها‪ ،‬فعلى اإلخوة السائلين أن يلتمسوا مكاًنا آخر وسط من يأتون للمسجد‬
‫المطلوب وإعادة صالة الجمعة فيه‪ ،‬ويقيموا فيه جمعة أخرى‪ ،‬حتى ولو لم يكن مسجًد ا‬
‫كالمساكن الخاصة‪ ،‬وكالحدائق والميادين العامة التي تسمح الجهات المسؤولة عنها بإقامة‬
‫الجمعة فيها"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫فتوى دار اإلفتاء املصرية‬ ‫‪‬‬

‫"وإذا كان من واجبات المسلمين اتباع السنة‪ ،‬فإنه إذا لم يتيسر لهم صالة العيد فى‬
‫الصحراء‪ ،‬كان عليهم صالتها فى مساجدهم‪،‬كما نص على ذلك فقهاء الشافعي؛ ألن المسجد‬
‫أشرف مكان للصالة لكن ال تجوز صالة العيد على دفعتين فى مسجد واحد‪ ،‬وإنما تجوز فى‬
‫مسجدين أو فى عدة مساجد في وقت واحد كالشأن فى صالة الجمعة يجوز أداؤها فى أكثر من‬
‫مسجد‪ ،‬وال تتكرر فى مسجد واحد" ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فتوى الشيخ حممد بن صاحل العثيمني‬ ‫‪‬‬

‫"ما يفعله الناس من إعادة الجمعة في مسجد واحد بحجة أن النظام في المدرسة ال يمّك ن‬
‫المتأخرين من أداء الجمعة مع األولين‪ ،‬فهذا على مذهب ابن حزم ومن وافقه ال بأس به‪ ،‬حيث‬
‫يرى أن من فاتته الجمعة‪ ،‬ووجد من يصلي معه ولو واحدًا فإنه يصلي معه جمعة‪ ،‬أما إن لم يجد‬
‫أحدًا‪ ،‬فإنه يصلي ظهرًا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.4‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الدويش ‪ ،‬مرجع سابق‪.8/263 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬الفتاوى اإلسالمية‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪1418:‬هـ‪1997-‬م)‪.8/2748 ،‬‬

‫‪150‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وأما على مذاهب الفقهاء‪ ،‬فإنه ال يصح هذا العمل؛ ألنه يفضي إلى تعدد الجمعة بدون حاجة‪،‬‬
‫وليس من الحاجة أن الطائفة الثانية يمنعها نظام الدراسة من أدائها مع األولين‪ ،‬وإال لكان كل من‬
‫فاتته الجمعة لشغل جاز أن يقيمها مع جماعته‪ ،‬فيفوت بذلك مقصود الشارع بالجمعة من اجتماع‬
‫الناس في مكان واحد‪ ،‬على عبادة واحدة‪ ،‬خلف إمام واحد"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫فتوى الدكتور صالح الصاوي األمني العام جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‬ ‫‪‬‬

‫"األصل في الجمعة عدم التعدد في المحلة الواحدة فضال عن المسجد الواحد؛ إذ‬
‫المقصود بالجمعة اجتماع المؤمنين كلهم‪ ،‬وموعظتهم‪ ،‬وأكمل وجوه ذلك أن يكون في مكان‬
‫واحد لتجتمع كلمتهم‪ ،‬وتحصل األلفة بينهم‪ ،‬ولهذا كان األصل أن ال تتعدد الجمع إال لعذر‬
‫شرعي كبعد مسافة على بعض من تجب عليهم‪ ،‬أو لضيق المسجد األول الذي تقام فيه عن‬
‫استيعاب جميع المصلين‪ ،‬أو نحو ذلك مما يصلح مسوغًا إلقامة الجمعة‪.‬‬
‫ولما كانت الحاجة في الغرب ماسة إلى مثل هذا التعدد في كثير من األماكن‪ ،‬وكان‬
‫مقررا في الجملة عند علماء المذاهب المتبوعة جميعًا أمكن القول‪ :‬بأن هذا‬
‫اعتبار الحاجات أمرًا ً‬
‫التعدد عندما تدعو الضرورة إليه مما تتسع له أصول المذاهب جميعًا‪ ،‬ولكن تطبيق ذلك قد يغشاه‬
‫كثير من الخلل‪ ،‬فقد يكون التعدد لمجرد الترفه والتنعم‪ ،‬أو العتبارات قطرية أو حزبية‪ ،‬وليس‬
‫لتلبية ضرورة وال حاجة معتبرة‪ ،‬وال يسعنا في هذا المقام إال التذكير الدائم بأن األصل هو عدم‬
‫التعدد ال سيما في المسجد الواحد إال عند وجود المسوغ الشرعي لذلك من ضرورة أو حاجة‬
‫ماسة‪ ،‬ثم ننصح بالمبادرة إلى الجمعة األولى ألنه هي التي اتفقت المذاهب جميعًا على اعتبارها‬
‫" (‪. ) 2‬‬
‫ويف فتوى أخرى له قال‪ ":‬تكرار صالة الجمعة في المسجد الواحد‪ ،‬فاألصل هو المنع إال‬
‫لوطأِة ضرورة أو لمسيس حاجة‪ ،‬وكل ذلك واقع في المهجر بغير نكير من أهل الفتوى بها؛ إذ إنه‬
‫(‪) 3‬‬
‫ال بديل إال ترك الُج َم ع‪ ،‬وهو الذي لم يجرؤ على القول به أحد "‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) العثيمني‪ ،‬مرجع سابق‪.50-16/49 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) موقع‪ :‬فقهاء الشريعة على شبكة اإلنرتنت‪http://www.amjaonline.com :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) موقع الدكتور صالح الصاوي على شبكة اإلنرتنت‪http://el-wasat.com/assawy :‬‬

‫‪151‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فتوى مركز الفتوى مبوقع الشبكة اإلسالمية بقطر (بإشراف الشيخ عبداهلل الفقيه‬ ‫‪‬‬

‫املوريتاين)‬
‫"فاألصل أن تقام في البلد جمعة واحدة‪ ،‬كما كان في عهد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬فقد كانت هناك عدة مساجد في المدينة يصلون فيها الصلوات الخمس‪ .‬فإذا ما كان يوم‬
‫الجمعة اجتمعوا للصالة في مسجد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ولكن لو كبرت البلد‪ ،‬وعسر‬
‫الحضور إلى مكان واحد‪ ،‬أو لم يوجد مكان واحد يسعهم‪ ،‬فيجوز حينئذ أن تقام جمعة أخرى في‬
‫مكان آخر‪ ،‬أو مكانين حسب الحاجة‪.‬‬
‫وأما إقامتها في مكان واحد مرتين لضيق المكان الذي تقام فيه الجمعة‪ ،‬وعدم وجود مكان آخر‬
‫إلقامتها‪ ،‬فلم نقف على كالم العلماء في هذه الصورة وال وقوعها منهم عماًل ‪ ،‬والذي يظهر لنا أنه‬
‫ال فرق بين إقامتها في مكان آخر أو في نفس المكان‪ ،‬ما دامت الحاجة للتعدد قائمة‪.‬واهلل‬
‫أعلم"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫مر احلديث أن هذه النازلة ‪ -‬أعين أداء صالة اجلمعة يف املسجد الواحد أكثر من مرة ‪ -‬مل تكن‬
‫معروفة عند األوائل‪ ،‬أما املعاصرون‪ ،‬فقد اختلفت آرؤاهم بني مانع للتعدد استصحاًبا حلكم األصل‪،‬‬
‫وبني جميز للتعدد تنزياًل له منزلة احلاجة‪ ،‬والذي يتبدى يل أن تصور الواقعة حمل البحث له دوره املؤثر‬
‫للوصول إىل احلكم الشرعي؛ وذلك ألنه ال خالف بني أهل العلم كافة من حيث األصل على منع تعدد‬
‫صالة اجلمعة يف املسجد الواحد‪ ،‬فيبقى جمال البحث يف هذه املسألة حمصوًر ا يف إعمال النظر يف كون‬
‫التعدد حاجة معتربة ألصحاهبا يرتتب على عدم اعتبارها‪ ،‬احلرج واملشقة‪.‬‬
‫ولفهم هذه القضية بعمق‪ ،‬البد من استصحاب أن هناك تدفًق ا غري مسبوق من أبناء املسلمني‬
‫لإلقامة والعمل يف ديار الغرب‪ ،‬وأن هناك ازديادًا كبًريا ملعدل النمو السكاين للمسلمني املستوطنني لبالد‬
‫الغرب بشكل ملحوظ‪ ،‬وهو ما شكل عبًئا كبًريا على بعض املساجد اليت كانت قدراهتا االستيعابية‪،‬‬
‫ومواردها املادية أقل بكثري من أن تستوعب مجيع من يلج إليها‪ ،‬ويرتدد عليها‪ ،‬رغم بعض احملاوالت‬
‫الدؤبة لتوسيع تلك املساجد‪ ،‬أو شراء مباين أخرى لتخفيف الزحام‪ .‬ومن هنا نشأت فكرة إقامة اجلمعة‬
‫‪1‬‬
‫(?) موقع الشبكة اإلسالمية على شبكة اإلنرتنت‪http://www.islamweb.net :‬‬

‫‪152‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مرتني ‪ -‬أو ثالًثا ‪ -‬يف املسجد الواحد‪ ،‬حيث يفد العشرات‪ ،‬بل املئات من املصلني ممن ال جيدون مكاًنا‬
‫يف اجلمعة األوىل‪ ،‬نظًر ا لضيق املكان‪ ،‬وحاجة هؤالء ألداء فرض اجلمعة؛ فيضطرون للوقوف خارج‬
‫املساجد‪ ،‬وهم ينتظرون انتهاء الصالة األوىل ليقيموا صالة ثانية‪ ،‬ورمبا ثالثة‪.‬‬
‫وأمام هذا الواقع مل يكن أمام املساجد إال أحد أمرين‪ :‬إما فتح الباب لتعدد اجلمعة‪ ،‬وإما‬
‫االكتفاء بصالة واحدة فقط‪ .‬وحتت احلاجة امللحة مل يكن هناك بد من تبين اخليار الثاين؛ إذ أن األخذ‬
‫باخليار األول سوف يؤدي إىل تفويت فرصة أداء صالة اجلمعة على كثري من املصلني ممن ال جيدون‬
‫مكاًنا بدياًل ‪ ،‬باإلضافة إىل أن حماولة إجياد حل آخر غري تعدد اجلمع‪ ،‬سوف يستغرق وقًتا طوياًل ‪ ،‬وحيتاج‬
‫إىل إمكانيات مادية كبرية‪ ،‬وجهود حثيثة من أهل العلم والدعاة ألجل إفهام املصلني أن األصل هو أن‬
‫تقام صالة واحدة فقط‪ ،‬وأن عالج شدة الزحام والضيق يكمن يف أداء صالة اجلمعة يف القاعات‪ ،‬أو‬
‫احلدائق العامة إن كان ذلك متيسًر ا‪ ،‬أو غريها من األماكن اليت تتسع جلموع املصلني‪ .‬فإن تعذر هذا‬
‫اخليار‪ ،‬أو مل يكن كافًيا الستيعاب اجلميع‪ ،‬فعنئذ ال مفر من التعدد؛ ألن بديله هو ترك اُجلمع ‪ -‬كما‬
‫قال الدكتور الصاوي‪ -‬وهو الذي مل جيرؤ على الفتوى به أحد؛ وألنه ال فرق بني إقامة اجلمعة يف مكان‬
‫آخر‪ ،‬أو يف نفس املكان‪ ،‬ما دامت احلاجة للتعدد قائمة‪ ،‬كما هي فتوى مركز الفتوى بالشبكة اإلسالمية‬
‫بقطر‪.‬‬
‫ومما جيب التذكري به أخًريا أن يعلم الناس أن التعدد أمر طارئ‪ ،‬أجلأت إليه احلاجة‪ ،‬واقتضته‬
‫الضرورة‪ ،‬وليس حاًل دائًم ا‪ ،‬أو أمًر ا مستدًميا‪ ،‬فما جاز للحاجة‪ ،‬اقتصر عليه‪ ،‬وهلذا ال ينبغي للمصلني أن‬
‫يرتاخوا عن القدوم للصالة األوىل‪ ،‬ويتكاسلوا عنها‪ ،‬ويفضلوا عليها اجلمعة الثانية دون عذر شرعي‬
‫معترب؛ فالصالة الثانية هي حمل نزاع كبري بني أهل العلم‪ ،‬وال جيوز للمرء أن يضع صالته موضع الشك‬
‫والريبة السيما إذا مل يكن صاحب عذر‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ ..‬أداء الصالة في القاعات العامة والكنائس‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬صالة الجمعة في القاعات العامة‬
‫ذهب مجاهري العلماء من احلنفية ‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة( ) إىل عدم اشرتاط املسجد لصالة اجلمعة‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وخالف املالكية( )‪ ،‬فاشرتطوه؛ فال تصح الصالة عندهم إال به‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد استدل املالكية بأن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واألئمة من بعده أقاموا اجلمعة يف أبنية‬
‫‪1‬‬
‫(?)بدر الدين العيين‪ ،‬أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى‪ ،‬البناية في شرح الهداية‪ ،‬ط‪( ،2‬لبنان‪ :‬دار الفكر‪1411 ،‬هـ‪1990-‬م)‪.53-3/52 ،‬‬
‫العراقي‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/190 ،‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/378 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/332 ،‬الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬مرجع سابق‪.4/303 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) املازري‪ ،‬مرجع سابق‪.3/970 ،‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/335،‬ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/385 ،‬‬

‫‪153‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫خمصوصة‪ ،‬فيجب أال يتعدى مسلكهم يف ذلك‪ .‬وصاغوا هذا االستدالل بشكل أصويل‪ ،‬فقالوا‪":‬مىت‬
‫مباحا‬
‫واجبا فواجب‪ ،‬وإن ً‬ ‫كان فعله عليه السالم بيانًا جململ‪ ،‬كان حكمه حكم ذلك اجململ‪ ،‬إن ً‬
‫فمباح‪...‬وآية اجلمعة جمملة مل تدل على خصوص صالة‪ ،‬فيحتمل الصبح‪ ،‬والظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والسر‪،‬‬
‫واجبا إال ما دل الدليل على‬
‫واجلهر‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فبني عليه السالم مجيع ذلك ‪ ،‬فجميع بيانه يكون ً‬
‫خالفه‪ ،‬فبهذه القاعدة يستدل على وجوب املسجد‪ ،‬واخلطبة‪ ،‬وسائر الفروض"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وأجيب عن استدالل املالكية بآية اجلمعة‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ]( )‪ ،‬بأن يقال‪ :‬أن اهلل تعاىل أمر بالسعي إىل الذكر‪ ،‬واخلطبة قد تكون هي املرادة هبذا‬ ‫‪2‬‬

‫الذكر‪ ،‬أو أهنا ختتص بجزء من الذكر‪ ،‬فيصبح املسجد أمرًا خارجًا عن املأمور به يف اآلية‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫السعي إىل الذكر يشمل املسجد‪ ،‬للزم أن تكون مجيع أفعاله صلى اهلل عليه وسلم يف اجلمعة شروطًا‪،‬‬
‫وهذا مما ال يقول به املالكية أنفسهم‪ ،‬وحىت على افرتاض دخول املسجد يف األمر‪ ،‬فإنه خارج باألدلة‬
‫اليت ساقها اجلمهور‪ ،‬واحتجوا هبا على عدم اشرتاط املسجد( )‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬استدلوا حبديث كعب بن مالك‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه كان إذا مسع النداء يوم اجلمعة ترحم‬
‫ِم ِت ِم‬ ‫ِب‬
‫ألسعد بن ُز رارة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ، -‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ألنه أول من َّمَجَع َنا يِف َهْز الَّنِبي ‪ْ ،‬ن‬
‫َح َّر ِة َبيِن َبَياَض َة‪ ،‬يِف َنِق يٍع ُيَق اُل َلُه ‪َ :‬نِق يُع اَخْلِض َم اِت ( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ووجه الداللة ‪ :‬أن اجلمعة صليت يف غري البنيان‪ ،‬ولو كان املسجد شرًطا‪ ،‬ملا صالها الصحابة يف‬

‫‪1‬‬
‫(?) القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪.2/336 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة اجلمعة‪ ،‬اآلية‪. 9:‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أفدت هذا الرد من الدكتور بدر بن إبراهيم بن سليمان املهوس (أبو حازم الكاتب ) أستاذ أصول الفقه املساعد جبامعة القصيم‪ ،‬وذلك خالل نقاش‬
‫علمي يف الشبكة الفقهية على شبكة اإلنرتنت‪./http://www.feqhweb.com/vb :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)أبوداود‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب اجلمعة يف القرى‪ ،2/93 ،‬حديث رقم‪.1069‬ابن ماجة‪،‬كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها‪ ،‬باب فرض اجلمعة‪-2/6 ،‬‬
‫‪،7‬حديث رقم ‪. 1082‬الدارقطين‪،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ذكر العدد يف اجلمعة‪ ،310-2/309 ،‬حديث رقم‪ .1585‬البيهقي‪،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب العدد‬
‫الذين إذا كانوا يف قرية وجبت عليهم اجلمعة‪ ،252-3/251 ،‬حديث رقم‪ .5605‬قال البيهقي‪ :‬هذا حديث حسن اإلسناد صحيح‪ ،‬وحسنه األلباين يف‬
‫اإلرواء‪.‬انظر ‪ :‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬مرجع سابق‪.3/252 ،‬األلباين‪ ،‬إرواء الغليل‪ ،‬مرجع سابق‪. 67-3/66 ،‬‬
‫واهلزم‪ :‬ما اطمأن من األرض‪ ،‬وهو موضع باملدينة يقال له‪:‬هزم النبيت من حرة بين بياضة‪.‬والنقيع‪ :‬اسم موضع قرب املدينة‪ ،‬وبطن من األرض يستنقع فيه‬
‫املاء مدة‪ ،‬فإذا نضب املاء أنبت الكأل‪ .‬واخلضمات‪ :‬مجع خضمة‪ ،‬وهو النبات الأخضر الناعم‪ ،‬أو األرض الناعمة النبات‪ .‬واهلزم األرض املطمئنة‪ ،‬وهو وادي‬
‫من أودية احلجاز يسلكه العرب إىل املدينة‪ .‬وحرة بين بياضة ‪ :‬قرية على ميل من املدينة‪.‬انظر‪:‬احلموي‪ ،‬شهاب الدين بن عبداهلل‪ ،‬معجم البلدان‪( ،‬لبنان‪:‬دار‬
‫صابر‪1397،‬هـ‪1977 -‬م)‪. 5/405 ،‬اخلطايب‪ ،‬مرجع سابق‪.1/244،‬البغوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/221 ،‬الفريوزآبادي‪ ،‬جمد الدين أيب الطاهر حممد بن‬
‫يعقوب‪ ،‬المغانم المطابة في معالم طابة‪ ،‬حتقيق‪:‬محد اجلاسر‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪:‬دار اليمامة للبحث والرتمجة والنشر‪1389 ،‬هـ‪ 1969-‬م)‪ ،‬صـ‪.415‬‬

‫‪154‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ذلك املكان‪.‬‬
‫مجعوا حيث‬
‫‪ -‬واحتجوا برسالة عمر بن اخلطاب‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إىل أهل البحرين وفيها‪ّ ":‬‬
‫كنتم"( )‪.‬حيث عم املساجد وغريها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫جمعون‪،‬‬
‫‪ -‬واحتجوا بأن ابن عمر‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪-‬كان يرى أهل املياه بني مكة واملدينة يُ ّ‬
‫فال يعيب عليهم( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬وقالوا‪ :‬أن البنيان موضع لصالة العيد‪ ،‬فجازت فيه اجلمعة كاجلامع‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬أن األصل عدم اشرتاط املسجد‪ ،‬و ال نَّص يف اشرتاطه‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫لقد تقرر أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – كان يداوم على أداء صالة اجلمعة يف مسجده‪،‬‬
‫وهذا أمر ال نزاع فيه‪ ،‬وال خالف حوله‪ ،‬لكن اإلشكال يف اشرتاط هذا‪ ،‬وجعل الصالة متوقفة عليه‬
‫كما هو مذهب املالكية‪.‬‬
‫واحلق أن ما استدل به املالكية ال يعضد حجتهم‪ ،‬وال يقوي رأيهم‪ ،‬فقد تقرر يف أصول الفقه أن‬
‫الفعل اجملرد ال يدل على الوجوب أو الشرطية‪ ،‬والشرطية أمر زائد عن الوجوب‪ ،‬وكونه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم صلى اجلمعة يف املسجد‪ ،‬فهذا ال يدل لوحده على الوجوب أو الشرطية إال بدليل مستقل‪ ،‬أو إذا‬
‫احتفت به قرائن آخرى‪ .‬نعم ال خالف على أن األصل هو اجتماع املسلمني ألداء الصالة باملسجد‬
‫ملداومة النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصحبه الكرام على فعل ذلك‪ ،‬لكن أن يكون ذلك شرطًا ال‬
‫تصح اجلمعة إال به‪ ،‬فهذا ما مل أر عليه دلياًل بينًا‪ ،‬أو حجة نرية‪ .‬ولعل هذا ما جعل ابن رشد احلفيد ‪-‬‬
‫وهو من علماء املالكية ‪ -‬مييل إىل تضعيف هذا القول حيث فقال‪":‬ومل ير مالك املصر‪ ،‬وال السلطان‬
‫شرًطا يف ذلك؛ لكونه غري مناسب ألحوال الصالة‪ ،‬ورأى املسجد شرًطا لكونه أقرب مناسبة‪ ،‬حىت لقد‬
‫اختلف املتأخرون من أصحابه‪ :‬هل من شرط املسجد السقف أم ال ؟ وهل من شرطه أن تكون اجلمعة‬
‫‪1‬‬
‫(?)أخرجه ابن املنذر يف األوسط‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ذكر ذكر اإلمام يكون يف سفر من األسفار فيحضر اجلمعة‪ ،4/32 ،‬أثر رقم ‪ .1750‬وأخرجه‬
‫كذلك ابن أيب شيبة‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب من كان يرى اجلمعة يف القرى وغريها‪ ،2/492 ،‬أثر رقم ‪ . 5113‬انظر‪ :‬ابن أيب شيبة‪ ،‬أبوبكر عبداهلل بن حممد‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬المصنف‪ ،‬حتقيق‪ :‬أسامة بن إبراهيم بن حممد‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬الفاروق احلديثة للطباعة والنشر‪ 1429 ،‬هـ ‪2008-‬م)‪ .‬وقد صحح هذا األثر‬
‫ابن خزمية‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/380 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رواه عبدالرزاق يف مصنفه‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب القرى الصغار ‪ ،170/،3‬أثر رقم ‪ .5185‬انظر‪ :‬ابن مهام الصنعاين‪ ،‬أبو بكر عبدالرزاق‪ ،‬المصنف‪،‬‬
‫حتقيق‪:‬حبيب الرمحن األعظمي‪ ،‬ط‪( ،1‬اهلند‪:‬اجمللس العلمي‪1392،‬هـ‪1972 -‬م)‪ .‬ورواه ابن املنذر يف األوسط‪ ،‬كتاب اجلمعة‪ ،‬باب ذكر اختالف أهل‬
‫العلم يف القرى اليت جيب على أهلها اجلمعة‪ ،،‬أثر رقم ‪ .4/26 ،1747‬وقال ابن حجر ‪":‬إسناد صحيح"‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.2/380‬‬

‫‪155‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫راتبة فيه أم ال ؟ وهذا كله لعله تعمق يف هذا الباب‪ ،‬ودين اهلل يسر‪ ،‬ولقائل أن يقول‪ :‬إن هذه لو كانت‬
‫شروًطا يف صحة الصالة ملا جاز أن يسكت عنها صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال أن يرتك بياهنا لقوله تعاىل‪[ :‬‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ]( ) ‪ ،‬ولقوله تعاىل‪ [:‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ]( )"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ومن املرجحات أيًض ا لقول اجلمهور‪ ،‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ ":‬و ُج ِعَلْت يِل اَأْلْر ُض َمْس ِج ًد ا‬
‫َو َطُه وًر ا"( ) وقوله‪َ ":‬و َأْيَنَم ا َأْد َر َك ْتَك الَّصَالُة َفَص ِّل َفُه َو َمْس ِج ٌد "( ) ‪ ،‬فدل هذان احلديثان بعمومهما على‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحة صالة املكلف حيثما أدركته الصالة‪ ،‬واجلمعة داخلة ‪ -‬والشك ‪ -‬يف منطوق احلديث‪ ،‬فإذا‬
‫توفرت شروطها – وليس من شروطها صالهتا يف مسجد – فإهنا تصلى يف املدن والقرى دون تقييد‬
‫بكوهنا تؤدى يف املسجد‪.‬‬
‫ويضاف إىل هذا أن احلاجة يف ديار الغرب كبرية وملحة لصالة اجلمعة يف كثري من األحيان يف‬
‫بعض القاعات العامة؛ لندرة املساجد‪ ،‬وعدم توفرها يف كل املناطق كما هو احلال يف أماكن العمل يف‬
‫املستشفيات‪ ،‬واجلامعات‪ ،‬واملطارات وغريها‪ .‬وقد حيدث أحياًنا أن تفرض ظروف العمل أو الدراسة‬
‫على املسلمني الصالة حيث يعملون أو يتعلمون؛ إما لبعد املسجد عنهم قلياًل ‪ ،‬أو ألن صاحب العمل قد‬
‫ال يسمح خبروج تلك األعداد الكبرية من املسلمني إىل املسجد ال سيما يف غري ساعة الغداء‪ ،‬وعندها‬
‫يصبح اخليار املناسب هو أداء اجلمعة يف مكان عملهم‪ ،‬أو يف صالة قريبة منهم‪.‬‬
‫وخالصة هذه المسألة‪ ،‬أن الراجح هو ما ذهب إليه اجلمهور من صحة صالة اجلمعة لو أديت‬
‫خارج املسجد خالًفا للمالكية الذين يشرتطون املسجد لصحة صالة اجلمعة‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬صالة الجمعة في الكنائس‬
‫ذهب مجاهري أهل العلم إىل كراهة الصالة يف الكنيسة؛ الحتوائها على الصور والتماثيل‪ ،‬وهذا‬
‫رأي عمر‪ ،‬وابن عباس ‪-‬رضي اهلل عنهم ‪ ،-‬واحلنفية‪ ،‬واملالكية‪ ،‬والشافعية( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة النحل‪ ،‬جزء من اآلية‪.44:‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة النحل‪ ،‬جزء من اآلية‪.64:‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪.1/385 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) البخاري ‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب قول النيب صلى اهلل عليه وسلم"جعلت يل األرض مسجدًا وطهورًا"‪ ،1/158 ،‬حديث رقم ‪.438‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب بدء اخللق‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل[ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ]‪ ،2/384 ،‬حديث رقم ‪ .3425‬مسلم‪،‬كتاب املساجد ومواضع‬
‫الصالة‪ ،1/370 ،‬حديث رقم ‪.520‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/43 ،‬األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/182 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/311،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ .3/165 ،‬ابن‬
‫املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع والقياس‪ ،‬مرجع سابق‪.2/193 ،‬‬

‫‪156‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫واختار احلنابلة( ) القول بعدم كراهة الصالة يف الكنيسة إال إذا كانت حتوي صوًر ا أو متاثيل‪ ،‬فإنه‬ ‫‪1‬‬

‫يكره‪ .‬وقد رخص مجاعة من الصحابة والتابعني الصالة يف الكنيسة‪ ،‬منهم ( )‪ :‬أبوموسى األشعري‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫واحلسن‪ ،‬والشعيب‪ ،‬وعمر بن عبدالعزيز( )‪ ،‬والنخعي( )‪ ،‬وسعيد بن عبدالعزيز( )‪.‬‬


‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬

‫وميكن القول أََّن املذاهب األربعة متفقة على كراهة الصالة يف الكنيسة إذا كان هبا صور أو‬
‫متاثيل‪ ،‬ويؤيد هذا ما رواه البخاري يف صحيحه‪ :‬باب الصالة يف اْلِبيَعِة( ) أََّن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫‪6‬‬

‫قال‪ِ ":‬إَّنا اَل َنْد ُخ ُل َك َناِئَس ُك ْم ِم ْن َأْج ِل الَّتَم اِثيِل اَّليِت ِفيَه ا الُّصَو ُر "‪ .‬وكان ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪-‬‬
‫يصلي يف البيعة إال ِبيَعًة فيها متاثيل‪ ،‬فان كان فيها متاثيل‪ ،‬خرج فصلى يف املطر ( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫ويؤيده أيًض ا ما أخرجه البخاري ومسلم عن أيب طلحة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أََّن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪ ":‬اَل َتْد ُخ ُل اْلَم اَل ِئَك ُة َبْيًتا ِفيِه َك ْلٌب ‪َ ،‬و اَل ُصوَر ة متاثيل"( )‪ ،‬وقد ُذكر للنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫‪8‬‬

‫وسلم ‪ -‬كنيسة باحلبشة‪ ،‬وما فيها من احلسن والتصاوير‪ ،‬فقال ‪":‬إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصاحل‬
‫فمات‪ ،‬بنوا على قربه مسجدًا‪ ،‬وصوروا فيه تلك الصور‪ ،‬أولئك شرار اخللق عند اهلل يوم القيامة"( )‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/496 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .76-2/75 ،‬ابن تيمية‪ ،‬شرح العمدة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/502 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ابن املنذر‪ ،‬األوسط يف السنن واإلمجاع والقياس‪ ،‬مرجع سابق‪.2/194 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ . 75-2/75 ،‬النووي اجملموع شرح املهذب‪،‬‬
‫‪.3/165‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن احلكم بن أيب العاص األموي‪ .‬ولد سنة ‪ 61‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪101‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك ‪.‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .5/114 ، ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/5 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.5/50 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو‪ :‬النخعي‪ ،‬أبوعمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن االسود‪ .‬ولد سنة ‪46‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪96‬هـ‪ ،‬وقيل غري ذلك ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .1/25‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/520 ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/387 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/80 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي‪ .‬ولد سنة ‪90‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪167‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .8/32 ، ،‬ابن العماد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪ .2/299‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/97 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) قال ابن حجر‪ " :‬قوله ‪َ ( :‬باب الَّصاَل ة يِف اْلِبيَعة ) بكسر املوحده بعدها مثناة حتتانية ‪:‬معبد للنصارى‪ .‬قال صاحب احملكم‪ :‬البيعة صومعة الراهب‪.‬‬
‫وقيل كنيسة النصارى‪ ،‬والثاين هو املعتمد"‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.1/531 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب الصالة يف البيعة‪ .1/157،‬البغوي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/413 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب بدء اخللق‪ ،‬باب إذا قال أحدكم‪ :‬آمني واملالئكة يف السماء آمني‪ ،‬فوافقت إحدامها األخرى‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه‪2/ ،‬‬
‫‪ ، 427‬حديث رقم ‪ .3225‬مسلم‪ ،‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب حترمي تصوير صورة احليوان وحترمي اختاذ ما فيه صورة غري ممتهنة بالفرش وحنوه‪ ،‬وأن‬
‫املالئكة عليهم السالم ال يدخلون بيتا فيه صورة وال كلب‪ 3/1665 ،‬حديث رقم ‪.2106‬‬
‫‪9‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب هل تنبش قبور مشركي اجلاهلية‪ ،‬وُيتخذ مكاهنا مساجد‪ ،1/155،‬حديث رقم ‪ .427‬مسلم‪ ،‬كتاب املساجد‬
‫ومواضع الصالة‪ ،‬باب النهى عن بناء املساجد على القبور واختاذ الصور فيها والنهى عن اختاذ القبور مساجد‪ 376-1/375 ،‬حديث رقم ‪.528‬‬

‫‪157‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أدلة الحنابلة‪:‬‬
‫وقد استدل احلنابلة جلواز الصالة يف الكنيسة إن مل يكن هبا صوٌر أو متاثيل‪ ،‬بعموم قوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪َ ":‬و َأْيَنَم ا َأْد َر َك ْتَك الَّصَالُة َفَص ِّل َفُه َو َمْس ِج ٌد "( )‪ ،‬وبقوله صلى اهلل عليه وسلم يف احلديث‬
‫‪1‬‬

‫اآلخر ‪َ ":‬و ُج ِعَلْت يِل اَأْلْر ُض َمْس ِج ًد ا َو َطُه وًر ا"( )‪ ،‬والبيع والكنائس داخلة يف مسمى األرض‪ ،‬فدل ذلك‬
‫‪2‬‬

‫على جواز الصالة فيها ‪.‬‬


‫واستدلوا له أيًض ا مبا قاله عمر‪ -‬رضي اهلل عنه‪ ": -‬إنا ال ندخل كنائسكم من أجل التماثيل اليت‬
‫فيها‪ ،‬والصور"( ) ‪ ،‬فجعل عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬علة عدم دخول الكنيسة والصالة فيها لكوهنا تزخر‬ ‫‪3‬‬

‫بالتماثيل والصور‪ ،‬فإذا انتفت العلة‪ ،‬جاز الدخول إليها‪ ،‬والصالة فيها‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬وألن الكفار لو استولوا على مساجد اهلل‪ ،‬وحولوها معابد هلم‪ ،‬مل تكره الصالة فيها‬
‫لذلك( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر يل – واهلل تعاىل أعلم – أن القول جبواز الصالة يف الكنيسة إذا مل يكن هبا متاثيل‪ ،‬أو‬
‫صور هو األرجح دلياًل ‪ ،‬واألقوى حجة لعدم وجود خمصص لعموم األدلة القاضية بالصالة يف كل بقاع‬
‫األرض إال ما استثناه الشرع‪ ،‬ولآلثار الواردة عن الصحابة‪ ،‬وقد نقل القرطيب اإلمجاع على أن من صلى‬
‫يف كنيسة‪ ،‬أو بيعة على موضع طاهر‪ ،‬فإن صالته ماضية جائزة( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫والصالة يف الكنائس مل يرد فيه شيء بعينه من ناحية صحة الصالة فيها أو بطالهنا‪ ،‬لكن جاء‬
‫التأكيد النبوي على أن املالئكة ال تدخل بيًتا فيه صورة‪ ،‬والكنائس حتتوي غالًبا على الصور‪ ،‬والصلبان‪،‬‬
‫والتماثيل‪ ،‬فإن كان احلال كذلك‪ ،‬فتكره الصالة فيها إال إذا تعذر وجود مكان بديل‪ ،‬واضطر املسلم‬
‫للصالة فيها‪ ،‬فيحرص على سرت تلك الصور‪ ،‬والصلبان‪ ،‬وتغطيتها قدر املستطاع حىت االنتهاء من‬
‫‪1‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪،‬كتاب بدء اخللق‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل"ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب"‪ ،2/384 ،‬حديث رقم‪ .3425‬مسلم‪ ،‬كتاب‬
‫املساجد ومواضع الصالة‪ ،1/370 ،‬حديث رقم ‪.520‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب قول النيب صلى اهلل عليه وسلم جعلت يل األرض مسجدًا وطهورًا‪ ،1/158،‬حديث رقم‪.438‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) مضى خترجيه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬شرح العمدة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/502 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.10/372 ،‬‬

‫‪158‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الصالة‪ .‬وهذا هو اختيار جممع الفقه اإلسالمي الذي نص يف قراره الصادر عن جملس جممع الفقه‬
‫اإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي يف دورة مؤمتره الثالث املنعقدة بعمان من ‪ 13-8‬صفر‪ 1407‬هـ‬
‫املوافق ‪ 16-11‬أكتوبر ‪1986‬م على أن "استئجار الكنائس للصالة ال مانع منه شرًعا عند احلاجة‪،‬‬
‫وجتتنب الصالة إىل التماثيل‪ ،‬والصور‪ ،‬وتسرت حبائل إذا كانت باجتاه القبلة"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولعل ما يستأنس به على جواز الصالة يف حالة االضطرار‪ ،‬ما ذكره البخاري يف صحيحه‪ :‬باب‬
‫(من صلى وقدامه تنور‪ ،‬أو نار‪ ،‬أو شيء مما يعبد‪ ،‬فأراد به اهلل)‪ ،‬مث ساق حديث أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫َل الَّنا ‪َ ،‬أ ا ُأ ِّلي "( )‪ .‬وعلق ابن‬ ‫‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪": -‬‬
‫ُعِر َضْت َع َّي ُر َو َن َص‬
‫‪2‬‬

‫حجر على ترمجة الباب‪ ،‬بأن مراد البخاري قد حيمل على التفرقة بني من بقى ذلك بينه وبني قبلته‪ ،‬وهو‬
‫قادر على إزالته أو احنرافه عنه‪ ،‬وبني من هو عاجز عن ذلك‪ ،‬فيكره يف حق األول‪ ،‬وال يكره يف حق‬
‫الثاين للعجز؛ وألن الكراهة يف حال االختيار ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وينبغي أن يسعى املسلمون إىل البحث عن أماكن بعيدة عن مواطن الشبه‪ ،‬وخالية من‬
‫احملظورات‪ ،‬ويتجنبوا الصالة يف البيع والكنائس إال إذا تعذر عليهم تدبري مكان غريها‪.‬‬
‫المطلب السادس‪ ..‬إمامة المرأة للرجال‬
‫مل يثبت عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وال عن صحبه الكرام‪ ،‬وال عن تابعيهم بإحسان‬
‫دليل جييز للمرأة أن تكون إماًم ا للرجال( )‪ ،‬رغم كثرة نساء الصحابة وغريهن املتفقهات يف الدين‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫واملتبحرات يف علوم الشريعة‪ ،‬وهلذا ذهب مجاهري أهل العلم إىل منع إمامة املرأة بالرجل‪ ،‬أو الرجال‬

‫‪1‬‬
‫(?)السالوس‪ ،‬علي أمحد‪ ،‬موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة واالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ط‪( ،7‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪1426 ،‬هـ‪2005-‬م)‪ ،‬صـ‪.766‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب من صلى وقدامه تنور‪ ،‬أو نار‪ ،‬أو شيء مما يعبد فأراد به اهلل‪. 1/156 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪ 1/528 ،‬و ‪.532‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) لعل املرة األوىل يف تارخينا املعاصر اليت تؤم فيها إمراة الرجال يف صالة اجلمعة‪ ،‬حدثت يف الثامن من شهر صفر ‪1426‬هـ املوافق ‪ 18‬مارس ‪2005‬م‬
‫عندما قامت إمراة تدعى أمينة ودود بإمامة صالة خمتلطة للرجال والنساء داخل إحدى الكنائس األجنليكانية بالواليات املتحدة بعدما رفضت املساجد‬
‫اإلسالمية السماح هلا باإلمامة‪ .‬مث عادت يف ‪ 18‬أكتوبر ‪ 2008‬م وقامت بإمامة ‪ 15‬رجلًا وامرأة يف مصلى مبدينة اكسفورد الربيطانية‪ .‬مث تكرر األمر نفسه‬
‫مع إمراة أخرى تدعى راحيل رضا حيث أمت مجوع املصلني من الرجال والنساء مبدينة اكسفورد الربيطانية ‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 2010‬م‪.‬وتفاصيل‬
‫هذه احلوداث نشرهتا خمتلف وسائل اإلعالم املختلفة بالصوت والصورة‪ ،‬انظر‪ :‬موقع قناة اجلزيرة على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬السبت ‪ 1/7/1431‬هـ ‪ -‬املوافق‬
‫‪ 12/6/2010‬م‪.‬وانظر‪ :‬صحيفة القدس العريب‪ 20-19 ،‬شوال ‪ 1429‬هـ‪ 19-18 -‬أكتوبر ‪ 2008‬م‪ ،‬العدد ‪.6027‬‬

‫‪159‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫مطلًق ا‪ ،‬سواء يف الفرض‪ ،‬أو النفل( )‪ ،‬بل حكى بعضهم اإلمجاع( ) على ذلك‪ ،‬ومل خيالف يف ذلك إال أبو‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ثور‪ ،‬واملزين‪ ،‬وابن جرير الطربي( )‪ ،‬فأجازوا صالة املرأة بالرجال‪ ،‬ونقل عن بعضهم جواز ذلك يف‬ ‫‪3‬‬

‫صالة الرتاويح إذا مل يكن هناك قارئ غريها‪ ،‬وتقف خلف الرجال( ) ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫والذي دلت عليه نصوص الوحيني‪ ،‬واستقر عليه عمل األمة اإلسالمية قرًنا بعد قرن‪ ،‬وجياًل‬
‫بعد جيل‪ ،‬أن النساء ال مدخل هلن باإلمامة‪ ،‬وال جيوز هلن حبال إمامة الرجال‪ ،‬ومن أمت الرجال‪،‬‬
‫فصالهتا وصالة من صلى خلفها باطلة بإمجاع الفقهاء‪ ،‬بل ذهب بعض أهل العلم إىل منع إمامتها للنساء‬
‫مطلًق ا كما هو مشهور مذهب املالكية( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وقد استدل الفقهاء على منع إمامة املرأة مطلًق ا للرجال بكثري من األدلة‪ ،‬منها قوله سبحانه تعاىل‬
‫يف كتابه الكرمي ‪[ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ]( )‪ ،‬فأشار سبحانه وتعاىل إىل أن الرجل‬
‫‪6‬‬

‫أفضل من املرأة؛ وهلذا كانت النبوة‪ ،‬وامللك األعظم‪ ،‬ووالية القضاء خمتصة بالرجال( )؛ لقوله صلى اهلل‬
‫‪7‬‬

‫عليه وسلم‪" :‬لن ُيفِلح قوٌم َو َّلوا أمرهم امرأة"( )‪ ،‬وتدخل الصالة يف هذا أيًض ا؛ فهي نوع من الوالية‬
‫‪8‬‬

‫الدينية اليت ال ينبغي لغري الرجل أن يقوم هبا‪ ،‬ولو توالهتا املرأة لكان هلا نوع قوامة على الرجال‪ ،‬وهذا‬
‫ممنوع بنص اآلية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪:‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪.2/321 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.181-1/180،‬املازري‪ ،‬أبو عبداهلل حممد بن عبداهلل بن عمر التميمي‪ ،‬شرح‬
‫التلقين‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد خمتار السالمي‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪1997 ،‬م) ‪ .2/670 ،‬الدردير‪ ،‬مرجع سابق‪ . 1/433،‬ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.1/354 ،‬األزهري‪ ،‬مرجع سابق‪.78-1/77 ،‬الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/320 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.152-4/151 ،‬‬
‫املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/263 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .199-2/198 ،‬ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪.23/249 ،‬ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.3/125 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قال ابن حزم ‪":‬واتفقوا أن املرأة ال تُؤ ُّم الرجاَل وهم يعلمون أهنا امرأة‪ .‬فإن فعلوا‪ ،‬فصالهُت م فاسدٌة بإمجاع"‪.‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن‬
‫سعيد ‪ ،‬مراتب اإلجماع في العبادات‪ ،‬والمعامالت‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬حتقيق‪:‬جلنة إحياء الرتاث العريب‪ ،‬ط‪( ،3‬لبنان‪ :‬دار األفاق اجلديدة‪1402 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1982‬م)‪ ،‬صـ‪ .33‬وانظر‪ :‬ابن القطان‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/144 ،‬وانظر‪ :‬ابن هبرية‪ ،‬أبو املظفر حيىي بن حممد الشيباين‪ ،‬اختالف األئمة العلماء‪ ،‬حتقيق‪ :‬السيد‬
‫يوسف أمحد‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1423،‬هـ‪2002-‬م)‪.1/133 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬الطربي‪،‬أبو جعفر حممد بن جرير بن يزيد بن خالد‪ .‬ولد سنة ‪224‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪310‬هـ‪.‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/191 ،‬الذهيب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .14/267 ،‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.6/69 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)املازري‪ ،‬مرجع سابق‪.2/670 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) بداية اجملتهد‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/354،‬ابن نصر البغدادي‪ ،‬مرجع سابق‪. 121-1/120 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) سورة النساء ‪ ،‬اآلية‪.34:‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪ .4/20،‬الشنقيطي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/186 ،‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) صحيح البخاري ‪،‬كتاب املغازي‪ ،‬باب كتاب النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إىل كسرى وقيصر‪ ،3/181 ،‬رقم الحديث ‪.4425‬‬

‫‪160‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫واستدلوا ‪ -‬كذلك ‪ -‬مبا أخرجه اإلمام مسلم يف صحيحه من حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ ":‬خ ْيُر ُصُفوِف الِّر َج اِل َأَّو َهُلا( )‪َ ،‬و َش ُّر َه ا آِخ ُر َه ا‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫َو َخ ْيُر ُصُفوِف الِّنَس اِء آِخ ُر َه ا‪َ ،‬و َش ُّر َه ا َأَّو َهُلا "( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫واستدلوا ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬مبا أخرجه اإلمام البخاري يف صحيحه من حديث أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫قال‪َ ":‬ص َّلْيُت َأَنا َو َيِتيٌم يِف َبْيِتَنا َخ ْلَف الَّنِّيِب ‪َ -‬ص َّلى الَّلُه َعَلْيِه َو َس َّلَم‪َ -‬و ُأِّم ي أُّم ُس َلْيٍم َخ ْلَفَنا "( )‪ .‬وقد دل‬
‫‪3‬‬

‫هذان احلديثان على أن الرجال خماطبون بالتقدم إىل الصفوف األمامية‪ ،‬وأن النساء يتأخرن‪ ،‬ويصلني‬
‫خلف الرجال واألطفال‪ ،‬واإلمامة تقتضي أن يكون اإلمام متقدًم ا على اجلميع‪ ،‬فكيف يستقيم بعد ذلك‬
‫أن تكون املرأة إماًم ا للرجال؟ أو خطيًبا هبم يف صالة اجلمعة؟‬
‫ومن نافلة القول التذكري باتفاق الفقهاء على أن الذكورة شرط لصحة اجلمعة وانعقادها؛ فاإلمام‬
‫البد أن يكون ذكًر ا‪ ،‬والعدد الذي تنعقد به اجلمعة متعلق بالذكور دون اإلناث ‪ -‬على خالف مشهور‬
‫بينهم يف العدد املشرتط لصحة الصالة –؛ ألن اجلمعة غري واجبة على النساء‪.‬قال ابن املنذر‪":‬وأمجعوا أن‬
‫على ال مجعة على النساء‪ ،‬وأمجعوا على أهنن إن حضرن اإلمام فصلني معه‪ ،‬أن ذلك جيزئ عنهن"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫واخلالصة‪ ،‬أن العمل طيلة أربعة عشر قرًنا جرى على منع النساء من تويل اإلمامة واخلطابة‪ ،‬ولو‬
‫كان ذلك جائًز ا لنقل إلينا‪ ،‬ولبادرت إليه أمهات املومنني‪ ،‬ونساء الصحابة ‪ -‬عليهن رضوان اهلل مجيًعا‪.-‬‬
‫وهبذا يتقرر أن ما أقدمت عليه بعض من نقص منسوب اإلميان يف قلبها‪ ،‬وانساقت خلف هواها‪ ،‬ومل‬
‫حتكم شرع رهبا‪ ،‬غري عابئة مبخالفة السواد األعظم من املسلمني وعلمائهم‪ ،‬وضاربة بعرض احلائط ما‬
‫توارثته األجيال‪ ،‬وتناقله األحفاد مبنع تصدر املرأة إلمامة الرجال‪ ،‬وإلقائها خطبة اجلمعة وهم يرمقوهنا‬
‫بأبصارهم‪ ،‬هو فتح باٍب كبٍري من أبواب الشر والفساد للمروق من الدين‪ ،‬ومتييع قواعده‪ ،‬وحتريف‬
‫أحكامه‪ ،‬وتشكيك املسلمني يف شرائعه ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)قال علي القاري‪":‬قال ابن امللك‪ :‬املراد باخلري؛ كثرة الثواب؛ فإن الصف األول أعلم حبال اإلمام‪ ،‬فتكون متابعته أكثر‪ ،‬وثوابه أوفر‪ ،‬وخري صفوف‬
‫النساء آخرها؛ لبعدهن من الرجال‪ ،‬وشرها أوهلا؛ لقرهبن من الرجال‪ .‬وقال ابن امللك‪ :‬ألن مرتبة النساء متأخرة عن مرتبة الذكور‪ ،‬فيكون آخر الصفوف‬
‫أليق مبرتبتهن"‪.‬انظر‪:‬القاري‪ ،‬علي‪ ،‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬حتقيق‪ :‬مجال العيتاين‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪1422 ،‬هـ ‪2001 -‬‬
‫م)‪. 3/157 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تسوية الصفوف وإقامتها‪ ،‬وفضل األول فاألول منها‪ ،‬واالزدحام على الصف األول‪ ،‬واملسابقة إليها‪ ،‬وتقدمي أوىل‬
‫الفضل وتقريبهم من اإلمام‪ ،1/326 ،‬رقم الحديث ‪.132‬‬
‫‪3‬‬
‫صفا‪ ، 1/239،‬رقم الحديث ‪.727‬‬
‫(?) صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اآلذان‪ ،‬باب املرأة وحدها تكون ً‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن املنذر‪ ،‬اإلمجاع‪ ،‬مصدر سابق صـ‪.44‬وانظر‪ :‬ابن القطان‪ ،‬مرجع سابق‪.1/159 ،‬‬

‫‪161‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫احلاكم املسلم ليس شرًطا النعقاد صالة اجلمعة‪ ،‬وخوف الفتنة اليت علل هبا احلنفية هبا اشرتاطهم‬ ‫‪‬‬

‫للسلطان‪ ،‬يرده واقع املسلمني يف ديار الغرب اليوم‪ ،‬حيث تنتشر آالف املساجد واملصليات اليت‬
‫تقام فيها اجلمعة‪ ،‬رغم غياب سلطان اإلسالم عنها‪ ،‬ومل تقع الفتنة اليت قال هبا احلنفية إال فيما‬
‫ندر‪ ،‬والنادر ال حكم له‪.‬‬
‫اللغة العربية ليست شرًطا لصحة خطبة اجلمعة؛ فليس كل الناس حيسنون فهم العربية‪ ،‬وال‬ ‫‪‬‬

‫يدركون معانيها‪ ،‬وإذا خطب اخلطيب اجلمعة باللغة العربية‪ ،‬واملصلون ال يفهموهنا‪ ،‬فإن مقاصد‬
‫الشرع من صالة اجلمعة سوف تتأثر سلًبا‪ ،‬ولن تتحقق على الوجه الذي أراده‪.‬‬
‫األصل أن تصلى اجلمعة بعد الزوال لغالب فعله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وجيوز صالهتا قبل الزوال‬ ‫‪‬‬

‫إن احتيج إىل ذلك‪ ،‬وكان يف ذلك رفٌع للحرج‪ ،‬وتيسٌري على الناس ممن يشق عليهم حضور‬
‫اجلمعة بعد الزوال‪.‬‬
‫ال جيوز تأخري صالة اجلمعة حىت يدخل وقت العصر‪ ،‬وعلى مجوع املصلني املبادرة إىل أدائها يف‬ ‫‪‬‬

‫وقتها الشرعي‪ ،‬فإن خرج وقت اجلمعة‪ ،‬فإهنا تصلى ظهًر ا‪ .‬فإذا شرع الناس يف الصالة‪ ،‬مث‬
‫استهل وقت العصر‪ ،‬ومل يتموا اجلمعة بعد؛ فإن أدركوا ركعة‪ ،‬فقد أدركوا اجلمعة‪ ،‬وإال صلوها‬
‫ظهًر ا‪.‬‬
‫واحد إال إذا ضاق املكان على أهله‪ ،‬واشتد الزحام‪،‬‬
‫مسجد ٍ‬‫ٍ‬ ‫األصل أن ال تقام أكثر من مجعة يف‬ ‫‪‬‬

‫وتعذر إجياد بديل كالقاعات‪ ،‬واحلدائق العامة للصالة فيها‪ ،‬فعندها المفر من القول جبواز تعدد‬
‫اُجلَم ع؛ ألن البديل هو ترك اُجلَم ع‪ ،‬وال أحد قائل بذلك‪.‬‬
‫ال يشرتط لصحة صالة اجلمعة أن تؤدى باملسجد‪ ،‬وإن كان األفضل واألكمل فعلها فيه‪.‬وجيوز‬ ‫‪‬‬

‫صالهتا يف الكنيسة إذا خلت من الصور‪ ،‬والتماثيل‪ ،‬وإال كرهت الصالة فيها؛ فإن اضطر لذلك‪،‬‬
‫فينبغي سرت الصور‪ ،‬والتماثيل‪ ،‬والصلبان‪.‬‬
‫ال جيوز للمرأة إمامة الرجال يف الصالة‪ ،‬أو خلطبة اجلمعة‪ ،‬فإن ّأمت الرجال‪ ،‬فصالهتا وصالة من‬ ‫‪‬‬

‫صلى خلفها باطلة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الجنائز ‪ ..‬وفيه ثالثة مطالب ‪- :‬‬


‫المطلب األول‪ :‬دفن الميت في تابوت‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الدفن في مقابر أهل الكتاب‬ ‫‪‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬اتباع جنائز أهل الكتاب وتعزيتهم‪ ..‬وفيه مسألتان‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬اتباع جنائزهم‬ ‫‪o‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬تعزيتهم‬ ‫‪o‬‬

‫‪163‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫تعترب مسألة دفن موتى املسلمني يف ديار الغرب من القضايا الشائكة اليت تواجه املقيمني هناك‬
‫بالنظر لندرة املقابر اخلاصة باملسلمني( )‪ ،‬واضطرارهم لدفن موتاهم يف جزء مفصول ضمن مقابر أهل‬
‫‪1‬‬

‫الكتاب‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من إشكاالت شرعية متعددة‪.‬‬


‫ومن أبرز تلك اإلشكاالت‪ ،‬دفن امليت يف صندوق حمكم اإلغالق( )‪ ،‬ويربرون هذا الفعل بكون‬
‫‪2‬‬

‫األرض غري ممتماسكة لكثرة املياه والطني‪.‬‬


‫ومن املسائل األخرى اليت يكثر حدوثها‪ ،‬حضور بعض املسلمني جنائز أهل الكتاب‪ ،‬وتشييع‬
‫موتاهم‪ ،‬ويرجع بروز هذه الظاهرة إىل جمموعة من األسباب؛ لعل من أمهها روابط املصاهرة‪ ،‬وزمالة‬
‫العمل‪ ،‬أو الدراسة‪ ،‬أو التجارة‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من جمامالت‪ ،‬باإلضافة إىل اندماج البعض يف‬
‫اجملتمع الغريب‪ ،‬وبعدهم عن تعاليم دينهم‪ ،‬وشرع رهبم‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬دفن الميت في تابوت‬
‫اتفق الفقهاء على كراهة دفن امليت يف التابوت إال أن تكون هناك حاجة تدعو إىل ذلك‪ ،‬وهذه‬
‫بعض أقواهلم‪:‬‬
‫‪ -‬قال احلنفية ‪ ":‬ويكون التابوت من رأس املال إذا كانت األرض رخوة أو ندية‪ ،‬مع كون‬
‫التابوت يف غريها مكروهًا يف قول العلماء قاطبة"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬وقال املالكية‪ ":‬التابوت مكروه عند أهل العلم‪ ،‬وليس هو من عادة العرب‪ ،‬بل هو من عادة‬
‫()‬
‫األعاجم وأهل الكتاب"‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)حسبما أعلمين سكرتري مقربة "رياض السالم" بلندن‪ ،‬فاروق إمساعيل‪ ،‬عرب مراسلة بالربيد اإللكرتوين‪ ،‬فإن عدد املقابر اخلاصة باملسلمني على مستوى‬
‫بريطانيا ال يتجاوز الإثنني‪ ،‬بينما الباقي عبارة عن أجزاء خاصة ضمن مقابر أهل الكتاب‪ ،‬وهي ليست بالضرورة أن تكون يف جهة القبلة‪ .‬وتعد مقربة رياض‬
‫السالم ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬أكرب مقربة للمسلمني‪ ،‬حيث متتد على مساحة تزيد على العشرين فداًنا‪ ،‬وتسع ألكثر من عشرة آالف قرب‪ ،‬وحجم الطلب‬
‫عليها كبري جًد ا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ذكر األخ فاروق إمساعيل ‪ -‬سكرتري مقربة رياض السالم ‪ -‬أنه ال يوجد قانون جيرب املقابر على دفن امليت يف تابوت ‪.‬والواقع يشهد هلذا األمر؛ فمقربة‬
‫دار السالم‪ -‬على سبيل املثال‪ -‬ال يدفن فيها امليت يف تابوت‪ ،‬واحلال نفسه يف بعض األماكن األخرى‪ .‬لكن قد تكون الرتبة يغلب عليها املاء والوحل يف‬
‫كثري من املناطق‪ ،‬وكلما ازداد عمق القرب‪ ،‬كلما أصبح املاء هو الغالب‪ ،‬حىت أنه يتعذر دفن امليت يف ذلك القرب إال يف تابوت‪ ،‬وهلذا السبب تشرتط معظم‬
‫املقابر أن يكون امليت موضوًعا يف تابوت‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)حاشية ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪. 3/139 ،‬السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/62 ،‬الطحطاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ . 612‬وانظر‪:‬شيخي زاده‪ ،‬عبدالرمحن‬
‫بن حممد الكليبويل‪ ،‬مجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر‪ ،‬ط‪(، 1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية ‪1419 ،‬هـ ‪ 1998 -‬م )‪. 1/275 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الصاوي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/366 ،‬وانظر‪:‬ابن رشد اجلد‪ ،‬مرجع سابق‪ .276-2/275 ،‬الدسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/419 ،‬‬

‫‪164‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬وقال الشافعية‪":‬يكره أن يدفن امليت يف تابوت إال إذا كانت رخوة أو ندية‪...‬وهذا الذى‬
‫إمجاعا"( )‪.‬‬
‫ذكرناه من كراهة التابوت‪ ،‬مذهبنا ومذهب العلماء كافة‪ ،‬وأظنه ً‬
‫‪1‬‬

‫‪ -‬وقال احلنابلة‪ ":‬وال يستحب الدفن يف تابوت؛ ألنه مل ينقل عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫وال أصحابه‪ ،‬وفيه تشُّبه بأهل الدنيا‪ ،‬واألرض أنشف لفضالته" ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫املتأمل ألقوال الفقهاء ‪ -‬رمحهم اهلل ‪ -‬السالفة الذكر جيد أهنم قد نصوا على أسباب كراهية‬
‫التابوت‪ ،‬وبينوا علة منع الدفن فيه‪ ،‬وأوضحوا بعض االستثناءات من حكم الكراهة‪ .‬فأما أسباب كراهة‬
‫الدفن يف التابوت فهي‪:‬‬
‫‪ -‬ألنه مل ينقل عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وال عن أحٍد من أصحابه فعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ألنه ليس من عادة العرب‪ ،‬بل هو من عادة األعاجم‪ ،‬وأهل الكتاب ‪.‬‬
‫‪ -‬ألن األرض أنشف لفضالت امليت من استخدام التابوت‪.‬‬
‫وأما احلاالت اليت استثناها أهل العلم من حكم الكراهة‪ ،‬ونصوا فيها على جواز دفن امليت يف‬
‫تابوت‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت األرض رخوة أو ندية‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان امليت امراة ال حمرم هلا؛ ألجل أال ُمتس من األجانب عند الدفن أو غريه‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تعرض جسد امليت إىل هترية حبريق‪ ،‬أو لذع حبيث ال يضبطه إال التابوت‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان الدفن يف أرض ذات سباع‪ ،‬حبيث ال يصونه من نبشها إال التابوت( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقد ذهب اجملمع الفقهي اإلسالمي إىل أن دفن املسلمني يف صندوق خشيب يكره إذا مل يقصد به‬
‫التشبه مامل تدع إليه حاجة فحينئذ ال بأس به‪ ،‬أما إن قصد به التشبه فيحرم( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫وخنلص من هذا إىل القول بكراهة دفن امليت يف التابوت إال إذا دعت احلاجة إليه‪ ،‬ككون الرتبة‬

‫‪1‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ .5/252 ،‬وانظر‪:‬الشافعي‪ ،‬مصدر سابق‪.2/624 ،‬املاوردي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/23،‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/539،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)املغين‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/503،‬وانظر‪ :‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/546 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/606 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) احلاالت الثالثة األخرية ذكرها الشربيين يف مغين احملتاج‪ .‬انظر‪ :‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/539 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) اجليزاين‪ ،‬مرجع سابق‪.189-2/188 ،‬‬

‫‪165‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫يغلب عليها املاء‪ ،‬وقد تقرر أن الكراهة تزول باحلاجة كما نص على ذلك بعض أهل العلم( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وينبغي أن حيرص املسلمون على الدفن يف مقابر مستقلة إذا كان ذلك متيسًر ا‪ ،‬حىت خيرجوا من‬
‫مثل هذه اإلشكاالت‪ ،‬ويتجنبوا الوقوع يف احلرج الشرعي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الدفن في مقابر أهل الكتاب‬
‫مل خيتلف أهل العلم قاطبة يف منع دفن املسلم يف مقابر غري املسلمني‪ ،‬وهذا ما استقر عليه عمل‬
‫املسلمني من لدن عهد النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وإىل يومنا هذا‪ ،‬حيث ُتْف َص ُل مقابر املسلمني عن‬
‫مقابر غريهم‪ ،‬ويدفن املسلم بعيًد ا عن موتى امللل األخرى‪ .‬ويؤيد هذا ما رواه بشري ابن اخلصاصية ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪" :‬بينما كنت ُأَم اِش ى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬مَّر بقبور املشركين‪،‬‬
‫فقال‪َ " :‬لَقْد َس َبَق َهُؤ اَل ِء َخ ْيًر ا َك ِثًريا " ثالًثا‪َّ ،‬مُث َم ّر بقبور املسلمني‪َ ،‬فَق اَل ‪َ " :‬لَقْد َأْد َر َك َهُؤ اَل ِء َخ ْيًر ا‬
‫‪3‬‬
‫كَِثًريا" ( ) ‪.‬قال ابن حزم‪":‬فصح هبذا تفريق قبور املسلمني‪ ،‬عن قبور املشركني"( )‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقد تتابع أهل العلم يف القدمي واحلديث على منع دفن املسلم يف مقابر غري املسلمني‪ ،‬حىت ال‬
‫يتأذى مبجاورهتم‪ ،‬ويؤذي أقاربه وأصحابه من خلفه؛ وذلك ألن مقابر املسلمني فيها الرمحة‪ ،‬ومقابر‬
‫غريهم فيها العذاب‪ ،‬وهلذا ينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر املسلمني(‪.)4‬‬
‫يقول اإلمام عليش(‪ - )5‬رمحه اهلل ‪"-‬ودفن من أسلم مبقربة الكفار‪ ،‬فيتدارك بإخراجه منها‪ ،‬ودفنه‬
‫يف مقربة املؤمنني (إن مل خيف) ‪ -‬بضم املثناة ‪ -‬عليه (التغري) يقيًنا أو ظًنا‪ ،‬فإن خيف تغريه‪ ،‬فال خيرج‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪ .21/610 ،‬وانظر‪ :‬كايف‪ ،‬أمحد‪ ،‬الحاجة الشرعية حدودها وقواعدها‪ ،‬ط‪( ،1‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪1424‬هـ ‪ 2004 -‬م)‪ ،‬صـ‪.130‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)رواه اإلمام أمحد‪ ،15/321 ،‬حديث رقم ‪ .20666‬وأبو داود‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب املشي ىف النعل بني القبور‪ ،67 /4 ،‬حديث رقم ‪ .3230‬وابن‬
‫ماجة‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب ما جاء في خلع النعلني في املقابر‪ ،2/250 ،‬حديث رقم ‪ .1568‬والنسائي‪ ،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب كراهية املشي بني القبور في‬
‫النعال السبتية‪ ،‬صـ‪ ،327-326‬حديث رقم‪ .2048‬ونقل ابن عبداهلادي عن الإمام أمحد أنه قال‪":‬إسناده جيد"‪ .‬انظر‪ :‬ابن عبد اهلادي‪ ،‬حممد بن أمحد‪،‬‬
‫المحرر في الحديث‪ ،‬حتقيق‪:‬عادل اهلدبا؛ حممد علوش‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬دار العطاء للتوزيع‪1422 ،‬هـ‪2001-‬م)‪ ،‬صـ ‪ .204‬وقال النووي ‪":‬رواه‬
‫أبوداوود والنسائي بإسناد حسن"‪.‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.5/288،‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل‪.‬انظر‪ :‬األلباين‪ ،‬إرواء الغليل‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.3/211 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن حزم‪ ،‬احمللى‪ ،‬مرجع سابق‪.5/143 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬جامع املسائل‪ ،‬مرجع سابق‪.4/223 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو‪ :‬عليش‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن حممد‪ .‬ولد سنة ‪1217‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪1299‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/19 ،‬خملوف‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬صـ ‪ .385‬كحالة‪ ،‬مرجع سابق‪.3/104 ،‬‬

‫‪166‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ويصلى على قربه"(‪.)1‬‬


‫ويقول النووي ‪ ":‬اتفق أصحابنا ‪ -‬رمحهم اهلل ‪ -‬علي أنه ال يدفن مسلم يف مقربة كفار‪ ،‬وال‬
‫كافر يف مقربة مسلمني"(‪.)2‬‬
‫ويقول اإلمام البهويت(‪- )3‬رمحه اهلل ‪ ": -‬وال جيوز أن يدفن املسلم يف مقربة الكفار‪ ،‬وال‬
‫بالعكس"(‪.)4‬‬
‫وقد سئل أبو العباس ابن تيمية عن مكان دفن امرأة نصرانية توفيت وىف بطنها جنني عمره سبعة‬
‫أشهر وزوجها مسلم‪ ،‬فأجاب‪ " :‬ال تدفن ىف مقابر املسلمني وال مقابر النصارى؛ ألنه اجتمع مسلم‬
‫وكافر‪ ،‬فال يدفن الكافر مع املسلمني‪ ،‬وال املسلم مع الكافرين‪ ،‬بل تدفن منفردة‪ ،‬وجيعل ظهرها إىل‬
‫القبلة؛ ألن وجه الطفل إىل ظهرها‪ ،‬فإذا دفنت كذلك كان وجه الصىب املسلم مستقبل القبلة‪ ،‬والطفل‬
‫مسلما بإسالم أبيه‪ ،‬وإن كانت أمه كافرة باتفاق العلماء (‪.")5‬اهـ‪.‬‬
‫يكون ً‬
‫أما يف وقتنا املعاصر‪ ،‬فقد ذهب جممع الفقه اإلسالمي إىل أن دفن املسلم يف مقربة غري املسلمني‬
‫يف البالد غري اإلسالمية أنه جائز للضرورة(‪.)6‬‬
‫وأوجبت دار اإلفتاء املصرية على املسلمني أن يخصصوا مقربة لدفن موتاهم‪ ،‬مؤكدة على عدم جواز‬
‫دفن املسلم ىف مقربة غري املسلمني‪ ،‬وال العكس(‪.)7‬‬
‫واختارت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالسعودية أنه "إذا مل يوجد مقربة للمسلمني‪،‬‬
‫فإن املسلم إذا مات ال يدفن يف مقابر الكفار‪ ،‬ولكن يلتمس له موضع يف الصحراء يدفن فيه‪ ،‬ويسوى‬

‫‪1‬‬
‫(?)عليش‪ ،‬حممد بن أمحد ‪ ،‬منح الجليل شرح مختصر خليل‪( ،‬لبنان‪ :‬دار الفكر‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م)‪.1/501 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق ‪.5/248،‬وانظر‪ :‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني وعمدة املفتني‪ ،‬مرجع سابق‪ .661 / 1 ،‬القيلويب وعمرية‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.1/349 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)هو‪ :‬البهويت‪ ،‬منصور بن يونس بن صالح الدين بن إدريس‪ .‬ولد سنة ‪1000‬هـ‪ ،‬وتويف سنة ‪1051‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.7/307 ،‬‬
‫كحالة‪ ،‬مرجع سابق‪.3/920 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/597 ،‬وانظر‪ :‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/563 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن تيمية‪ ،‬جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪. 296-295/ 24 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)السالوس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.762‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬مرجع سابق‪. 7/2430 ،‬‬

‫‪167‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫باألرض حىت ال يتعرض للنبش‪ ،‬وإن تيسر نقله إىل بالد هبا مقربة للمسلمني بدون كلفة شديدة‪،‬‬
‫فهو أوىل"(‪.)1‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫البد عند مناقشة هذه املسألة من استصحاب واقع املسئول عنهم‪ ،‬ومعرفة حالهم؛ فاحلكم على‬
‫الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬وال ريب أن األصل هو عدم جواز دفن املسلم يف مقربة غري املسلمني؛ ألن هذا‬
‫مما جرى العمل عليه منذ عهد النبوة وإىل يومنا هذا‪ ،‬وال يعلم خالف يف ذلك‪ ،‬فهو مبثابة إمجاع‪.‬‬
‫لكن اإلشكالية اليت تواجه من يقيم يف ديار الغرب‪ ،‬ويعايش واقًعا خمتلًف ا يف كثري من صوره‬
‫وأشكاله عما هو عليه احلال يف ديار اإلسالم‪ ،‬أن املقابر اخلاصة باملسلمني تعترب قليلة جًد ا‪ ،‬بل نادرة‪،‬‬
‫ويكفي أن نعرف ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬أن مسلمي بريطانيا الذين يتجاوز عددهم املليونني ‪ -‬على أقل‬
‫تقدير ‪ -‬ال ميلكون إال مقربتني خاصتني هبما‪ ،‬وهاتان املقربتان غري كافيتني حىت لسكان لندن حيث تقع‬
‫كلتامها‪ ،‬فأين سوف يدفن البقية موتاهم؟ فإن قيل‪ :‬ينقلون إىل بالد اإلسالم ويدفنون هناك‪ ،‬فاجلواب‬
‫عن هذا‪ :‬أن أهل العلم(‪ )2‬اختلفوا يف جواز نقل امليت من بلد إىل بلد‪ ،‬وقد خلص احلافظ ابن حجر‬
‫األقوال املتقدمة فقال‪ ":‬واختلف يف جواز نقل امليت من بلد إىل بلد‪ ،‬فقيل يكره ملا فيه من تأخري دفنه‬
‫وتعريضه هلتك حرمته‪ ،‬وقيل‪ :‬يستحب‪ ،‬واألوىل تنزيل ذلك على حالتني‪ :‬فاملنع؛ حيث مل يكن هناك‬
‫غرض راجح‪،‬كالدفن يف البقاع الفاضلة‪.‬وختتلف الكراهة يف ذلك‪ ،‬فقد تبلغ التحرمي‪.‬‬
‫واالستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل‬
‫امليت إىل األرض الفاضلة كمكة وغريها"(‪.)3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪.455-8/454 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ذهب احلنفية إىل جواز ذلك مطلًق ا‪ ،‬ومنهم من كره ذلك إذا زادت املسافة عن ميلني‪ .‬وذهب املالكية إىل الجواز شريطة أن يكون ذلك ملصلحة‪ ،‬وأال‬
‫ينفجر حال نقله‪ ،‬أو تنتهك حرمته‪ .‬وأما الشافعية فلهم قولان‪ :‬احلرمة‪ ،‬والكراهة‪ .‬واختار احلنابلة القول بالكراهة إذا مل تكن هناك حاجة‪ ،‬وقد أطلق اإلمام‬
‫أمحد القول باجلواز دون تقييد باحلاجة‪ .‬انظر‪ :‬بدر الدين العيين‪ ،‬البناية يف شرح اهلداية‪ ،‬مرجع سابق‪.3/304 ،‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.9/614‬الدسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/421 ،‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/480 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.5/272 ،‬الشربيين‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .1/543،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/582 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/510،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.3/207 ،‬‬

‫‪168‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وبعيًد ا عن اخلالف الفقهي يف هذه املسألة‪ ،‬وحىت على القول جبواز نقل امليت سواء للحاجة‪ ،‬أو‬
‫مطلًق ا‪ ،‬فليس األمر متيسًر ا وال سهاًل من الناحية العملية؛ فالنقل يتطلب وقًتا‪ ،‬وجهًد ا‪ ،‬ومااًل ‪ ،‬بإالضافة‬
‫إىل مسألة غاية يف األمهية تغيب عن أذهان الكثريين؛ إذ يغفلون عن أن بعض الدول ‪ -‬كربيطانيا مثاًل ‪-‬‬
‫تشرتط على أهل املتوىف احلصول على شهادة إلثبات عمل ما يعرف بـ"‪ )1("Embalming‬للميت‪،‬‬
‫وترفض شركات الطريان نقل امليت ما مل تكن تلك الشهادة حاضرة‪ .‬والغرض من هذه الطريقة‪ ،‬احلفاظ‬
‫على اجلثة من التحلل‪ ،‬وإعطاء مظهر جيد للميت قبل دفنه ملن أراد من أقاربه الكشف عنه‪.‬‬
‫وتتلخص الطريقة بتفريغ الدم‪ ،‬والغازات بالكامل من جسد املتوىف‪ ،‬واستبداهلا بسوائل كميائية‬
‫حافظة حتتوي على نسبة معينة من الكحول‪ ،‬وبعض هذه السوائل سام كمادة الفورمالديهايد "‬
‫‪ ،"formaldehyde‬مث يوضع امليت يف صندوق خاص‪ ،‬وحيكم إغالقه ليتم نقله إىل حيث يريد ذووه(‪.)2‬‬
‫والريب أن هذه الطريقة فيها انتهاك حلرمة امليت‪ ،‬وتعٍد على جسده‪ ،‬وتدنيس لبدنه‪ ،‬وهلذا جيب‬
‫على كل من يريد إرسال ميته ليدفن يف ديار اإلسالم‪ ،‬أن يضع هذا األمر نصب عينيه‪ ،‬ويكون متقيًظا؛‬
‫إذ قد ال خُي رب بإجراء الـ"‪ ،"Embalming‬وال ُيعلم به أصاًل السيما أن امليت سوف حيفظ بعيًد ا عند‬
‫اجلهات املعنية ‪ -‬سواء كان يف املستشفى أو املشرحة ‪ -‬إىل حني استكمال اإلجراءات الرمسية‪،‬‬
‫واستخراج التصاريح الالزمة اليت قد تستغرق أياًم ا‪ ،‬وقد تطول ألسباب متعلقة بتحديد سبب الوفاة؛‬
‫كأن يكون هناك اشتباه ما بوجود قصد جنائي‪.‬‬
‫وأما ما خيص فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية بالسعودية املشار إليها أنًف ا‪ ،‬فهي حًق ا مما‬
‫يعجب منها؛ إذ إن السؤال يقول‪":‬ما حكم املسلم الذي يتوىف يف فرنسا‪ ،‬وتعذر نقله إىل بالده العربية‪،‬‬
‫وليس يف البلد الذي هو متوىف فيه مقربة خمصصة للمسلمني‪ ،‬فهل يدفن يف مقربة النصارى‪ ،‬أم ماذا ؟"‪،‬‬
‫فمن الواضح أن السائل يصف واقًعا تقلصُت فيه معظم اخليارات‪ ،‬وَقُصرت عنه أكثر احللول‪ ،‬ومل يبق‬
‫من خيار إال دفنه يف مقربة أهل الكتاب‪ ،‬لكن اجلواب مل يراع أحوال الضرورة اليت يعيشها مسلمو‬
‫الغرب‪ ،‬واختالف أحواهلم عن باقي ديار اإلسالم‪ ،‬ومل يتنبه إىل أن هناك يف فرنسا وحدها ما يربو عن‬
‫مخسة ماليني مسلم حسب اإلحصاءات الرمسية الفرنسية‪ ،‬وال تتوافر هلم مقابر خاصة هبم كما أبان‬
‫‪1‬‬
‫(?) ذكر قاموس املورد ثالثة معاٍن للكلمة وهي‪ :‬حينط ‪ُ -‬يعّطر وُيضّم خ ‪ -‬يصون من الفساد أو النسيان‪ .‬وهذه املعاين تشري جمتمعة إىل حفظ اجلثة من‬
‫التحلل‪ ،‬وإعطاء مظهر حسن للميت‪.‬انظر‪:‬البعلبكي‪ ،‬منري‪ ،‬المورد‪ ،‬ط‪( ،34‬لبنان‪:‬دار العلم للماليني‪2000 ،‬م)‪ ،‬مادة‪ ،"Embalm":‬صـ‪.309‬‬
‫‪2‬‬
‫‪)?) Muslim Burial Council Of Leicestershire (MBCOL), guidelines on death and burial of a Muslim, p59.‬‬

‫‪169‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫السائل‪ ،‬فأي صحراء اليت سوف يدفنون فيها موتاهم؟ وهل تتناسب هذه الفتوى مع أحوال مسلمي‬
‫فرنسا‪ ،‬ومن شاهبهم يف احلال؟ مث هل تسمح القوانني الفرنسية بالدفن مبثل هذه الطريقة؟‬
‫وخنلص من هذا كله إىل أنه المفر من القول جبواز الدفن يف مقابر أهل الكتاب للضرورة اليت‬
‫حيتمها الواقع‪ ،‬وتقتضيها أحوال الناس يف ديار الغرب‪ .‬فإن متلك املسلمون مقابر خاصة هبم‪ ،‬وكانت‬
‫كافية لقرب موتاهم‪ ،‬فإن احلكم وقتها يعود إىل أصله‪ ،‬وهو عدم جواز الدفن إال يف مقابر املسلمني‪،‬‬
‫والقاعدة عند أهل العلم أنه ما جاز لعذر بطل لزواله(‪.)1‬‬
‫وينبغي التنبه إىل أنه إذا وجدت مقربة خاصة باملسلمني‪ ،‬فال جيوز أن يقرب يف غريها إال إذا‬
‫امتألت‪ ،‬أو تعذر نقل امليت إليها ألي سبب من األسباب‪.‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬اتباع جنائز أهل الكتاب وتعزيتهم‪..‬وفيه مسألتان‪:‬‬
‫المسألة األولى‪..‬اتباع جنائزهم‬
‫ذهب املالكية‪ ،‬واحلنابلة (‪ )2‬إىل عدم جواز اتباع جنازة أهل الكتاب مطلًق ا‪ ،‬وخالف احلنفية ‪،‬‬
‫والشافعية(‪ ،)3‬ورواية عن اإلمام أمحد(‪ ،)4‬وأبو ثور(‪ ،)5‬فأجازوا للمسلم تغسيل قريبه الكتايب‪ ،‬واتباعه‪،‬‬
‫ودفنه‪.‬‬
‫أدلة المالكية والحنابلة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبدالرمحن‪ ،‬األشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية‪ ،‬ط‪(،1‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1403 ،‬هـ‪1983-‬م)‪ ،‬صـ‬
‫‪. 85‬البورنو‪ ،‬حممد صدقي بن أمحد‪ ،‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية‪ ،‬ط‪(، 4‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1416،‬هـ‪1996-‬م)‪ ،‬صـ‪. 242‬الزرقا‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬صـ‪.189‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) األصبحي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/261 ،‬احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.3/78 ،‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪.1/596 ،‬املردواي‪ ،‬مرجع سابق‪. 483/ 2،‬ابن تيمية‪،‬‬
‫جمموع الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق‪. 24/265،‬النفرواي‪ ،‬مرجع سابق‪. 450-1/449 ،‬الفتوحي‪ ،‬حممد بن أمحد‪ ،‬منتهى اإلرادات في جمع المقنع مع‬
‫التنقيح والزيادات مع حاشية المنتهى‪ ،‬حتقيق‪:‬عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي‪ ،‬ط ‪( ،1‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ 1419 ،‬هـ ‪1999 -‬م)‪. 392 /1 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/55 ،‬الشيخ نظام‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/176،‬ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع سابق‪.137-1/136،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫‪.1/303‬الشربيين‪ ،‬مرجع سابق‪.1/534 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.5/242 ،‬النووي‪ ،‬روضة الطالبني‪ ،‬مرجع سابق ‪. /1630،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أورد ابن القيم يف كتابه (أحكام أهل الذمة)جمموعة من اآلثار عن اإلمام أمحد يفهم منها أنه يقول بقول احلنفية‪ ،‬والشافعية‪.‬انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬مشس الدين‬
‫أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر‪ ،‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬حتقيق ‪ :‬يوسف أمحد البكري‪ ،‬شاكر توفيق العاروري‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية ‪ :‬رمادى للنشر‪1418 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1997‬م)‪. 437-2/432 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) ابن املنذر‪ ،‬مرجع سابق‪.5/341 ،‬‬

‫‪170‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬قوله تعاىل‪[ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ] ( )‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫ووجه الداللة من هذه اآلية أن اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬هنى رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫على أن يصلي على أحد من املنافقني‪ ،‬ويقوم على قربه عند دفنه للدعاء له بالتثبيت؛ وذلك لعلة كفرهم‬
‫باهلل تعاىل ورسوله‪ ،‬ويلزم من هذا النهي عدم تشييع جنائزهم(‪.)2‬‬
‫‪ -‬قوله تعاىل‪[ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ] ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وحمل الشاهد من اآلية أن تتبع جنائزهم‪ ،‬وحضور دفنهم توٍل هلم‪ ،‬وهلذا مُنع املسلم من اتباع‬
‫جنازة الكتايب‪ ،‬وإدخاله يف قربه ملا فيه من التعظيم له‪ ،‬والتطهري‪.‬‬
‫أحد من اخللفاء الراشدين أنه شيع‬
‫‪ -‬وقالوا‪ :‬مل ينقل عن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وال عن ٍ‬
‫أحد من أهل الذمة‪.‬‬
‫جنازة ٍ‬
‫أدلة الحنفية والشافعية‪:‬‬
‫وأهم ما استدلوا به‪:‬‬
‫‪ -‬قوله اهلل تعاىل‪[ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ] ( )‪،‬‬
‫‪4‬‬

‫ووجه االستدالل ‪ :‬أن املراد يف هذه اآلية هو الوالد املشرك بدليل قوله تعاىل‪ [ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ] ‪ ،‬ومن‬
‫اإلحسان والرب يف حقه‪ ،‬القيام بغسله‪ ،‬ودفنه بعد موته‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا مبا رواه علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬ملا تويف أبو طالب أتيت النيب ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقلت ‪ :‬إن عمك الشيخ الضال قد مات‪ ،‬فمن يواريه ؟ فقال ‪ " :‬اذهب فواره‪ ،‬مث ال‬
‫حتدث شيًئا حىت تأتيين " فقال ‪ :‬إنه مات مشرًك ا ؟! فقال ‪ ":‬اذهب فواره " قال ‪ :‬فواريته مث أتيته‪ ،‬قال‬
‫‪ " :‬اذهب فاغتسل مث ال حتدث شيًئا حىت تأتيين " قال ‪ :‬فاغتسلت مث أتيته‪ ،‬قال ‪ :‬فدعا يل بدعوات ما‬
‫يسرين أن يل هبا محر النعم وسودها"(‪.)5‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.84:‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) رضا‪ ،‬حممد رشيد‪ ،‬تفسير المنار‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪:‬دار املنار‪1366 ،‬هـ ‪1947-‬م)‪. 10/663 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.13:‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية‪.8:‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)رواه أمحد‪ ،‬مسند علي بن أيب طالب‪ ،1/495 ،‬حديث رقم‪ .759‬وأبو داود‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب الرجل ميوت له القرابة املشرك‪ ،4/60،‬حديث رقم‬
‫‪ .3214‬والنسائي‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب مواراة املشرك‪ ،‬صـ ‪ ،320‬حديث رقم‪ .2006‬والبيهقي‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب املسلم يغسل ذا قرابته من املشركني‬
‫ويتبع جنازته ويدفنه وال يصلي عليه‪ ،3/558 ،‬حديث رقم ‪ .6666‬وابن أيب شيبة‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب يف املسلم ُيغسل املشرك يغتسل أم ال‪،3/393 ،‬‬
‫حديث رقم ‪ .11259‬واحلديث ضعفه البيهقي‪ ،‬لكن ابن حجر علق على تضعيف البيهقي بأنه مل يتبني له ‪-‬أي ابن حجر ‪ -‬وجه ضعفه‪ ،‬وضعفه كذلك‬

‫‪171‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ -‬واستدلوا ببعض اآلثار(‪ )1‬الواردة عن بعض الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم‪ ،-‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬سئل ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن الرجل يتبع أمه النصرانية متوت‪ ،‬فقال‪":‬يتبعها وميشي‬
‫أمامها"‪.‬‬
‫‪ -‬وسئل ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن رجل مسلم مل يتبع أباه النصراين ملا مات‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يقوم عليه‪ ،‬ويتبعه‪ ،‬ويدفنه‪.‬‬
‫‪-‬وماتت أم احلارث بن أيب ربيعة (‪ - )2‬وكانت نصرانية ‪ ،-‬فشيعها أصحاب رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬
‫‪ -‬وماتت أم أيب وائل(‪ - )3‬وكانت نصرانية ‪ ،-‬فسأل عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬فقال‪ ":‬اركب‬
‫دابة‪ ،‬وسر أمامها"‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫ال خالف بني أهل العلم على حرمة الصالة على من مات غري مسلٍم ‪ ،‬أو االستغفار والدعاء له‪،‬‬
‫لكن اخلالف انعقد حول تشييع املسلم جنازة قريبه إذا كان غري مسلٍم ‪ ،‬والذي يظهر يل ‪ -‬واهلل أعلم ‪-‬‬
‫أن يف املسألة تفصياًل ‪:‬‬
‫فإن كان امليت حمارًبا هلل ورسوله‪ ،‬ويناصب املؤمنني العداء‪ ،‬فهذا ال يشيع املسلم جنازته البتة‪،‬‬
‫حىت وإن كان من أقرب املقربني إليه‪ .‬ولنا يف رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أسوة حسنة عندما‬
‫(‪)4‬‬
‫أمر الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬بعد انتصارهم يف غزوة أحد‪ -‬برمي كفار قريش يف بئر القليب‬
‫النووي‪ .‬وممن صحح احلديث‪ ،‬الرافعي حيث قال‪ :‬إنه حديث ثابت مشهور‪ ،‬وحسن إسناده ابن امللقن ‪ ،‬ونقل تصحيح ابن السكن له‪ ،‬وصححه من‬
‫املعاصرين أمحد شاكر‪ ،‬واأللباين‪ .‬انظر‪:‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪ ،‬مرجع سابق‪. 456-1/454 ،‬ابن امللقن‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/260 ،‬ابن حجر‪ ،‬أبو الفضل‬
‫أمحد بن علي بن حممد‪ ،‬التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسن عباس قطب‪ ،‬ط‪( ،1‬السعودية‪ :‬مؤسسة قرطبة ‪ -‬دار املشكاة‬
‫للبحث العلمي‪1416،‬هـ ‪1995 -‬م)‪ .2/233 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ . 242 /5 ،‬ابن حنبل‪ ،‬املسند بتحقيق شاكر‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ .1/495 ،‬األلباين‪ ،‬إرواء الغليل‪ ،‬مرجع سابق‪.3/170 ،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬املزي‪ ،‬مرجع سابق‪ .243- 5/242 ،‬ابن املنذر‪ ،‬مرجع سابق‪.342-341 /5 ،‬ابن أيب شيبة‪ ،‬مرجع سابق‪ .508-4/506 ،‬ابن القيم‪،‬‬
‫أحكام أهل الذمة‪ ،‬مرجع سابق‪.437-2/432 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو‪ :‬احلارث بن عبد الَّله بن َأيب ربيعة امللقب بـ"الُقَباع"‪.‬تويف حنو سنة ‪ 80‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬املزي‪ ،‬مرجع سابق‪ .5/239 ،‬الذهيب‪ ،‬مرجع سابق‪.4/181 ،‬‬
‫الزركلي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/156 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو‪ :‬أبو وائل‪ ،‬شقيق بن سلمة األسدي‪ .‬تويف سنة ‪ 80‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬ابن خلكان‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/476 ،‬املزي‪ ،‬مرجع سابق‪ .12/548 ،‬الذهيب‪،‬‬
‫مرجع سابق‪.5/87 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)انظر‪:‬صحيح البخاري‪،‬كتاب املغازي‪ ،‬باب قتل أيب جهل‪ ،3/86 ،‬حدبث رقم ‪ .3976‬وصحيح مسلم‪،‬كتاب اجلنة وصفة نعيمها وأهلها‪ ،‬باب‬
‫عرض مقعد امليت من اجلنة أو النار عليه وإثبات عذاب القرب والتعوذ منه‪ ،4/2203 ،‬رقم احلديث ‪ .2874‬والقليب هي‪ :‬البئر املطوية باحلجارة‪ .‬انظر‪:‬‬
‫النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم‪ ،‬مرجع سابق‪.17/300 ،‬‬

‫‪172‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫رغم أواصر القرابة ووشائج الرحم اليت كانت تربط بني هؤالء املشركني وبني كثري من املسلمني‪ ،‬ومل‬
‫ينقل أن أحًد ا من الصحابة يومئذ غسلهم‪ ،‬أو دفنهم‪.‬‬
‫أما إن مل يكن حمارًبا‪ ،‬وكان قريًبا للمسلم؛ كأبيه‪ ،‬أو أخيه‪ ،‬أو زوجه‪ ،‬فهذا يتنزل عليه حديث‬
‫علي ابن أيب طالب ‪-‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬واآلثار الواردة عن الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم‪ ،-‬فيغسله‪،‬‬
‫ويسري أمامه يف اجلنازة‪ ،‬ويدفنه‪ .‬وينبغي أن يقرتن ذلك بنية تأليف قلوب الناس على اإلسالم‪ ،‬وبيان‬
‫حماسنه‪ ،‬وترغيبهم فيه‪ .‬وينبغي أيًض ا مراعاة اختالف الدار‪ ،‬وضعف شوكة املسلمني‪ ،‬واملفاسد املرتتبة‬
‫على إمهال جنازة القريب كالزوجة النصرانية ‪ -‬مثاًل ‪ -‬اليت متوت عن أوالد وبنات قد ال يستوعبون ما‬
‫ذهب إليه املالكية‪ ،‬واحلنابلة مبنع أبيهم املسلم من غسل أمهم‪ ،‬والسري يف جنازهتا‪ ،‬ودفنها‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪..‬تعزيتهم‬
‫اختلف الفقهاء يف حكم تعزية املسلم بوليه الكتايب‪ ،‬أو تعزية الكتايب يف وليه الكتايب‪ ،‬فذهب‬
‫احلنفية (‪ ،)1‬والشافعية(‪ )2‬إىل جواز الكل‪ .‬وأجاز مالك (‪)3‬الثاين‪ ،‬ومنع األول‪ ،‬وخالفه ابن رشد(‪ )4‬اجلد‪،‬‬
‫فأجاز االثنني‪ .‬وجاءت روايتان عن اإلمام أمحد؛ إحدامها باملنع‪ ،‬واألخرى باجلواز(‪.)5‬‬
‫وقد استدل اإلمام أمحد ملنع التعزية ‪ -‬يف إحدى الروايتني‪ -‬بقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬ال‬
‫تبدأوا اليهود وال النصارى بالسالم "( )‪ ،‬والتعزية يف معناه‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وأجيب عن هذا مبا رواه أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬كان غالم يهودي خيدم النيب ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فمرض‪ ،‬فأتاه النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يعوده‪ ،‬فقعد عند رأسه فقال له‪ :‬أسلم‪ ،‬فنظر‬

‫‪1‬‬
‫(?) الشيخ نظام‪ ،‬مرجع سابق‪.1/183 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الرملي‪ ،‬مشس الدين حممد بن أيب العباس‪ ،‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪( ،‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪1414 ،‬هـ ‪1993-‬م)‪.14 /3 ،‬الغزايل‪،‬‬
‫الوجيز يف فقه اإلمام الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/212 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪. 5/275 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪.43-2/41 ،‬ابن رشد اجلد‪ ،‬مرجع سابق‪.212-2/211 ،‬الدسوقي‪ ،‬مرجع سابق‪.1/419 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن رشد اجلد‪ ،‬مرجع سابق‪.212-2/211 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .545/ 2 ،‬قال املرداوي‪ ":‬واعلم أن الصحيح من املذهب حترمي تعزيتهم‪...‬ولنا رواية بالكراهة‪...‬ورواية‬
‫باإلباحة"‪.‬انظر‪:‬املرداوي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/566 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)صحيح مسلم‪،‬كتاب السالم‪ ،‬باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسالم وكيف يرد عليهم‪ ،4/1707 ،‬حديث رقم ‪.2167‬‬

‫‪173‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫إىل أبيه وهو عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬أطع أبا القاسم صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأسلم‪ .‬فخرج النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وهو يقول‪ ":‬احلمد هلل الذي أنقذه من النار"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ويستفاد من عيادته صلى اهلل عليه وسلم للغالم اليهودي أن يف عيادة املريض معىن زائًد ا عن جمرد‬
‫التعزية؛ فهو‪ -‬عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم‪ -‬قد أتى الغالم يف بيته؛ ألن األصل أن املريض يزار يف‬
‫بيته‪ ،‬أو مكان متريضه‪ ،‬وقد يكون البيت بعيًد ا بعض الشيء‪ ،‬فقطع مسافة معينة للوصول إليه‪ ،‬بينما‬
‫التعزية ال تقتضي القدوم إليهم يف دورهم‪ ،‬وإمنا قد حتصل التعزية بلقائهم يف الشارع‪ ،‬أو السوق‪ ،‬أو‬
‫بواحدة من وسائل االتصال احلديثة كما يف زماننا‪ ،‬كاهلاتف‪ ،‬والربيد اإللكرتوين‪ ،‬والرسائل النصية‪ ،‬وما‬
‫شاهبها‪ .‬أما اإلمام مالك‪ ،‬فقد استدل ملنعه تعزية املسلم بوليه الكتايب بقوله تعاىل‪ [:‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ]( )‪ .‬وقال‪:‬فلم يكن هلم أن يرثوهم وقد أسلموا حىت يهاجروا‪ ،‬ومنعهم اهلل املرياث وقد‬ ‫‪2‬‬

‫أسلموا حىت يهاجروا‪.‬‬


‫وقد أجاب ابن رشد اجلد املالكي عما استدل به اإلمام مالك بكالم سديد رصني‪ ،‬فقال‪":‬ما‬
‫ذهب إليه مالك يف هذه الرواية من أن املسلم ال يعزى بأبيه الكافر‪ ،‬ليس ببني؛ ألن التعزية بامليت جتمع‬
‫ثالثة أشياء‪ :‬أحدها هتوين املصيبة على املعزى وتسليته منها‪...‬والثاين‪ :‬الدعاء له بأن يعوضه اهلل من‬
‫مصابه جزيل الثواب‪ ،‬وحيسن له العقىب واملئاب‪ .‬والثالث‪ :‬الدعاء للميت والرتحم عليه‪ ،‬واالستغفار له‪،‬‬
‫فليس حتظري الدعاء للميت الكافر‪ ،‬والرتحم عليه‪ ،‬واالستغفار له؛ لقوله عز وجل‪ [:‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ]( ) بالذي مينع من تعزية ابنه املسلم مبصابه به‪ ،‬إذ ال مصيبة على الرجل أعظم من أن‬ ‫‪3‬‬

‫ميوت أبوه الذي كان حين عليه‪ ،‬وينفعه يف دنياه كافرًا‪ ،‬فال جيتمع به يف أخراه‪ ،‬فتهون عليه مصيبته‪،‬‬
‫ويسليه منها‪ ،‬ويعزيه فيها مبن مات لألنبياء األبرار ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬من القرابة‪ ،‬واآلباء والكفار؛‬
‫وحيضه على الرضى بقدر اهلل‪ ،‬ويدعو له يف جزيل الثواب إىل اهلل؛ إذ ال مينع أن يؤجر املسلم مبوت أبيه‬

‫‪1‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪،‬كتاب اجلنائز‪ ،‬باب إذا أسلم الصيب فمات هل يصلى عليه‪ ،‬وهل يعرض على الصيب اإلسالم‪ ،1/416 ،‬حديث رقم ‪. 1356‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة األنفال‪ ،‬اآلية‪.72:‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬جزء من اآلية‪.113:‬‬

‫‪174‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الكافر‪...‬وقد روي عن مالك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أن للرجل أن يعزي جاره الكافر مبوت أبيه‬
‫الكافر‪...‬فاملسلم بالتعزية أوىل‪ ،‬وهو بذلك أحق وأحرى‪...‬واآلية اليت احتج هبا مالك ملا ذهب إليه من‬
‫ترك التعزية بالكافر‪ ،‬منسوخة‪...‬ولو استدل على ما ذهب إليه من أن املسلم ال يعزى بالكافر‪ ،‬بقوله‬
‫تعاىل‪[ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ] ( )‪ ،‬وبقوله عز وجل[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ] ( )‪ ،‬لكان أظهر‪ ،‬وإن‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫مل يكن ذلك دليًال قاطعًا‪ ،‬للمعاين اليت ذكرناها"(‪.)3‬‬


‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫صفوة القول أن يقال‪ :‬إنه إذا جازت عيادة النصراين‪ ،‬أو اليهودي غري احملارب‪ ،‬فمن باب أوىل‬
‫جواز تعزيته‪ ،‬وقد قال اهلل سبحانه وتعاىل‪[ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ] ( ) ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫قال ابن جرير الطربي‪":‬وأوىل األقوال يف ذلك بالصواب قول من قال‪ُ :‬عيِن بذلك‪ :‬ال ينهاكم‬
‫اهلل عن الذين مل يقاتلوكم يف الدين‪ ،‬من مجيع أصناف امللل واألديان أن تُّربوهم وتصلوهم‪ ،‬وتقسطوا‬
‫(‪)5‬‬
‫إليهم‪ ،‬إن اهلل عّز وجّل عّم بقوله‪[ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ]‬
‫مجيع من كان ذلك صفته‪ ،‬فلم خيصْص به بعًض ا دون بعض‪ ،‬وال معىن لقول من قال‪ :‬ذلك منسوخ؛ ألن‬
‫بّر املؤمن من أهل احلرب ممن بينه وبينه قرابة نسب‪ ،‬أو ممن ال قرابة بينه وبينه وال نسب غري حمّر م وال‬
‫منهّي عنه إذا مل يكن يف ذلك داللة له‪ ،‬أو ألهل احلرب على عورة ألهل اإلسالم‪ ،‬أو تقوية هلم‬
‫بُك راع( )‪ ،‬أو سالح"( )‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬

‫وعلى هذا فالذي يظهر أن العيادة‪ ،‬والتعزية داخلتان يف الرب املأمور به شرًعا السيما إن ترتب‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬جزء من اآلية‪.71:‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة اجملادلة‪ ،‬اآلية‪.22:‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)ابن رشد اجلد‪ ،‬مرجع سابق‪.213-2/211 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة املمتحنة ‪ ،‬جزء من اآلية‪.8:‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة املمتحنة ‪ ،‬جزء من اآلية‪.8:‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الكراع‪ :‬اسم جيمع اخليل أو السالح‪ ،‬وقيل‪ :‬هو اسم جيمع اخليل والسالح‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة "كرع"‪.8/307 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?)ابن جرير الطربي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير بن يزيد بن كثري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬حتقيق ‪ :‬عبداهلل بن عبداحملسن الرتكي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(مصر‪ :‬دار هجر‪ 1422 ،‬هـ ‪ 2001 -‬م)‪.22/574 ،‬‬

‫‪175‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫على ذلك تأليف قلوهبم‪ ،‬وترغيبهم يف دين اإلسالم‪ ،‬وتبيان عظمة األخالق اليت جاء هبا هذا الدين‪،‬‬
‫وحث أتباعه على الدعوة إليها‪ ،‬والتمسك هبا(‪.)1‬‬
‫وغين عن البيان‪ ،‬فإن جواز التعزية اليعين الدعاء هلم بالرمحة واملغفرة؛ وإمنا يقتصر على إحدى‬
‫صيغ التعزية اليت ذكرها أهل العلم أو ما يشاهبه؛ فيقال يف تعزية املسلم بغري املسلم‪:‬بلغين مصابك بأبيك‪،‬‬
‫أحلقه اهلل بأكابر أهل دينه‪ ،‬وخيار ذوي ملته‪ .‬أو‪ :‬أعظم اهلل أجرك‪ ،‬وأحسن عزاك‪ .‬وأما إن عزى كتايب‬
‫مبسلم‪ ،‬فيقال‪ :‬أحسن اهلل عزاك‪ ،‬وغفر مليتك‪ .‬ويقال يف تعزية الكتايب للكتايب‪:‬ال يصيبك إال خري‪،‬‬
‫أو‪:‬أكثر اهلل مالك وولدك‪ ،‬أو غري ذلك من الصيغ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫خالصة المبحث‬
‫األصل أن امليت ال يدفن يف التابوت إال إذا وجدت احلاجة اليت تنقل عن هذا األصل؛ كأن‬ ‫‪‬‬

‫أن تكون األرض رخوة أو ندية‪ ،‬أو كان امليت إمراة ال حمرم هلا‪ ،‬أو إذا تعرض جسد امليت‬
‫إىل هترية حبريق‪ ،‬أو لذع حبيث ال يضبطه إال التابوت‪ ،‬أو كانت األرض ذات سباع حبيث ال‬
‫يصونه من نبشها إال التابوت‪.‬‬
‫ال جيوز دفن املسلم يف مقربة أهل الكتاب‪ ،‬وال العكس‪ .‬فإن مل جيد املسلمون مكاًنا لدفن‬ ‫‪‬‬

‫موتاهم إال مقابر أهل الكتاب‪ ،‬جاز ذلك للضرورة‪ .‬لكن إن وجدت مقربة خاصة‬
‫باملسلمني‪ ،‬فال جيوز حبال أن يقرب يف غريها‪.‬‬
‫ال جيوز للمسلم تشييع جنازة من يناصب العداء لإلسالم واملسلمني‪ ،‬ولو كان من أقرب‬ ‫‪‬‬

‫املقربني إليه ‪ .‬أما من مل يكن حمارًبا لإلسالم واملسلمني‪ ،‬وكان قريًبا للمسلم‪ ،‬فيغسله‪ ،‬ويسري‬
‫أمامه يف اجلنازة‪ ،‬ويدفنه‪.‬‬
‫جتوز تعزية املسلم بوليه الكتايب‪ ،‬أو تعزية الكتايب يف وليه الكتايب غري احملارب السيما إذا كان‬ ‫‪‬‬

‫يف ذلك مصلحة شرعية معتربة‪ ،‬أو لدفع مفسدة غري متومهة‪ .‬والتعزية ال تعين االستغفار‪ ،‬أو‬
‫الدعاء‪ ،‬أو طلب الرمحة هلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?)جاء يف فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء حول حكم تعزية الكافر القريب ما نصه‪":‬إذا كان القصد من التعزية أن يرغبهم يف اإلسالم فإنه‬
‫جيوز ذلك‪ ،‬وهذا من مقاصد الشريعة‪ ،‬وهكذا إذا كان يف دفع أذاهم عنه‪ ،‬أو عن املسلمني؛ ألن املصاحل العامة اإلسالمية تغتفر فيها املضار اجلزئية"‪.‬‬
‫انظر‪:‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪.9/132 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬مرجع سابق‪ .440-2/438 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.5/275 ،‬‬

‫‪176‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪177‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفصل الرابع‪ :‬الزكاة و الصيام‪ ..‬وفيه مبحثان ‪- :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬إعطاء الزكاة والصدقة ألهل الكتاب‬ ‫‪‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الصيام في البالد ذات الخطوط العالية‬ ‫‪‬‬

‫المبحث األول‪ :‬إعطاء الزكاة‪ ،‬والصدقة ألهل الكتاب‪..‬وفيه مطلبان‪:‬‬

‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪..‬حكم إعطائهم الزكاة‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاين‪..‬حكم إعطائهم الصدقة‬ ‫‪‬‬

‫‪178‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫توطئة‪..‬‬
‫يعيش ماليني املسلمني بني ظهراين أهل الكتاب‪ ،‬وتنشأ عالقات مصاهرة معهم‪ ،‬أو قد يكون‬
‫بعض من أسلم حديًثا له أقارب مل يسلموا بعد‪ ،‬وهو بأمس احلاجة ملن يقف معه حىت يقوى اإلميان يف‬
‫قلبه‪ ،‬وحىت يرغب أقاربه يف اإلسالم‪ .‬وقد جتد بعض الشخصيات املؤثرة يف جمتمعاهتا اليت تتخذ مواقف‬
‫مميزة للدفاع عن املسلمني وحقوقهم‪ ،‬وتبىن الكثري من مطالبهم‪ .‬فهل جيوز إعطاء هؤالء ‪ -‬وأمثاهلم ‪-‬‬
‫من الزكاة والصدقات؟‬
‫المطلب األول‪..‬حكم إعطائهم الزكاة‬
‫أمجع أهل العلم على أن زكاة األموال ال تعطى لكتايب( )‪ ،‬لكنهم اختلفوا يف إعطائه من سهم‬
‫‪1‬‬

‫املؤلفة قلوهبم‪ ،‬وتنازعوا يف حتديد املراد بـ"املؤلفة قلوهبم"‪ ،‬وهل هم مسلمون أم غري ذلك‪ ،‬مث اختلفوا‬
‫كذلك يف بقاء سهم املؤلفة قلوهبم الذي ذكره اهلل سبحانه وتعاىل عند بيان أصناف الزكاة يف قوله‪[:‬ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ] ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫أما من هم املؤلفة قلوهبم‪ ،‬فيقول القرطيب مبيًنا الاختالف يف تعريفهم‪ ،‬وحتديد أصنافهم‪":‬وهم‬
‫قوم كانوا يف صدر اإلسالم ممن يظهر اإلسالم‪ ،‬يتألفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬املؤلفة من أسلم من يهودي‪ ،‬أو نصراين‪ ،‬وإن كان غنًيا‪ .‬وقال بعض املتأخرين‪ :‬اختلف يف‬
‫‪1‬‬
‫(?)ابن القطان‪ ،‬مرجع سابق‪. 1/224 ،‬ابن املنذر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪. 56‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/653 ،‬أبو عمر‪ ،‬يوسف بن عبد اهلل بن عبد الرب‪،‬‬
‫االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي واآلثار‪ ،‬وشرح ذلك كله باإليجاز واالختصار‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبداملعطي أمني قلعجي‪ ،‬ط‪ ( ،1‬لبنان‪ :‬دار قتيبة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ -‬سوريا‪ :‬دار الوعي‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م)‪.9/223 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.60:‬‬

‫‪179‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫صفتهم‪ ،‬فقيل‪ :‬هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على اإلسالم‪ ،‬وكانوا ال يسلمون بالقهر والسيف‪،‬‬
‫ولكن يسلمون بالعطاء واإلحسان‪ .‬وقيل‪ :‬هم قوم أسلموا يف الظاهر‪ ،‬ومل تستيقن قلوهبم‪ ،‬فيعطون‬
‫ليتمكن اإلسالم يف صدورهم‪ .‬وقيل‪ :‬هم قوم من عظماء املشركني أسلموا وهلم أتباع يعطون ليتألفوا‬
‫أتباعهم على اإلسالم‪ .‬قال‪ :‬وهذه األقوال متقاربة‪ ،‬والقصد جبميعها اإلعطاء ملن ال يتمكن إسالمه‬
‫حقيقة إال بالعطاء‪ ،‬فكأنه ضرب من اجلهاد‪.‬‬
‫واملشركون ثالثة أصناف‪ :‬صنف يرجع بإقامة الربهان‪ .‬وصنف بالقهر‪ .‬وصنف باإلحسان‪.‬‬
‫واإلمام الناظر للمسلمني يستعمل مع كل صنف ما يراه سببًا لنجاته وختليصه من الكفر"( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫والذي يظهر من تتبع كالم الفقهاء أن املؤلفة قلوهبم على ضربني‪:‬‬


‫األول‪ :‬هم أناس مسلمون‪ ،‬ضعاف اإلميان‪ ،‬فيعطون من الزكاة ما يتألف به قلوهبم‪ ،‬وقد يكون‬
‫من هؤالء الشريف يف قومه الذي يُتوقع بإعطائه إسالم نظرائه‪ ،‬أو املقيم يف ثغور املسلمني التي حيرسها‬
‫من شر األعداء‪ ،‬أو من جييب الصدقات من قوم يتعذر إرسال ساع إليهم‪ ،‬وإن مل مينعوها‪.‬‬
‫وأما الضرب الثاين‪ :‬فهم قوم غري مسلمني‪ ،‬منهم من يُرجى خريه‪ ،‬ومنهم من خُي اف شره(‪ .)2‬وقد‬
‫صح(‪ )3‬عن رسول اهلل ‪ -‬صّلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه تألف أقوامًا من الكفار‪ ،‬وممن مل يرسخ اإلميان يف‬
‫قلوهبم‪ ،‬وبني الداعي وراء هذا بقوله‪َ ":‬فِإيِّن ُأْع ِط ي ِر َج ااًل َح ِديِثي َعْه ٍد ِبُك ْف ٍر َأَتَأَّلُفُه ْم "(‪.)4‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.10/262 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.6/181 ،‬الزحيلي‪ ،‬مرجع سابق‪. 1955-3/1954 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فرض اخلمس‪ ،‬باب ما كان النىب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يعطى املؤلفة قلوهبم وغريهم من اخلمس وحنوه‪،2/403 ،‬‬
‫حديث رقم ‪ .3146‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر اخلوارج وصفاهتم‪ ،2/741 ،‬حديث رقم ‪.1064‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب املغازي‪ ،‬باب غزوة الطائف يف شوال سنة مثان‪ ،3/158 ،‬حديث رقم ‪ .4331‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب إعطاء‬
‫املؤلفة قلوهبم على اإلسالم وتصرب من قوى إميانه‪ ،734-2/733 ،‬حديث رقم ‪.1059‬‬

‫‪180‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وأما هل الزال سهم املؤلفة قلوهبم باق ا‪ ،‬أم أنه قد انقطع؟ فإىل األول ذهب املالكية يف رواية‪،‬‬
‫ًي‬
‫والشافعية يف رواية‪ ،‬واحلنابلة( )يف رواية‪ ،‬واختار احلنفية( )‪ ،‬واإلمام مالك( )‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة يف‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫روايتني ثانيتني‪ ،‬انقطاع هذا السهم‪.‬‬

‫ورتب احلنفية على القول بسقوط سهم املؤلفة قلوهبم أن غري املسلمني ‪ -‬ومن باب أوىل من‬
‫أسلم حديًثا‪ -‬ال يعطون من الزكاة‪ ،‬وهذا هو املشهور من مذهب املالكية‪ ،‬وهلذا قال اإلمام مالك‪ :‬ال‬
‫حاجة إىل املؤلفة اآلن؛ لقوة اإلسالم‪ ،‬لكن املالكية يسثتنون من ذلك من كان حديث عهد بإسالم‪،‬‬
‫فحكمه عندهم باق اتفاًقا( )‪ .‬أما الشافعية فال يرون أصاًل جواز إعطاء غري املسلمني من نصيب املؤلفة‬ ‫‪4‬‬

‫قلوهبم‪ ،‬وحيملون فعله صلى اهلل عليه وسلم بإعطاء بعض من مل يسلم على أنه أعطاهم من مال الفئ‪،‬‬
‫ومن ماله صلى اهلل عليه وسلم خاصة‪ ،‬وليس من مال الصدقة(‪ .)5‬أما احلنابلة‪ ،‬فريون جواز إعطاء‬
‫املسلم‪ ،‬وغريه من الزكاة‪.‬‬
‫وقد قال من رجح انقطاع سهم املؤلفة قلوهبم‪ :‬أن اإلسالم يومئذ يف ضعف‪ ،‬وأهله قلة‪ ،‬وخمالفيه‬
‫كثرة‪ ،‬فكانوا يعطون تأليًف ا لقلوهبم‪ ،‬وهلذا مسوا "املؤلفة قلوهبم"‪ ،‬أما اليوم فقد أعز اهلل اإلسالم‪ ،‬واشتدت‬
‫شوكته‪ ،‬وقوي أمره‪ ،‬فلم تعد هناك حاجة لتأليف هؤالء‪ ،‬وعلى ذلك انعقد إمجاع الصحابة ‪ -‬رضوان‬
‫اهلل عليهم ‪ -‬حيث ورد أن اخلليفتني الراشدين أبا بكر وعمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬مل يعطيا املؤلفة‬
‫قلوهبم شيئًا من الصدقات‪ ،‬وكان ذلك مبحضر من الصحابة الذين مل ينقل عن أحد منهم أنه خالف‪،‬‬
‫فكان ذلك إمجاًعا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/231 ،‬القرايف‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/146 ،‬اخلرشي‪ ،‬عبداهلل حممد‪ ،‬شرح مختصر خليل‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬املطبعة العامرة‬
‫الشرفية‪1316 ،‬هـ)‪ .2/121 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪ .6/181 ،‬احلصين‪ ،‬تقي الدين أبوبكر حممد بن احلسيني‪ ،‬كفاية األخبار في‬
‫حل غاية اإلختصار‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد حممد عويضة‪( ،‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ 1422 ،‬هـ‪ 2001 -‬م)‪ ،‬صـ‪ .280‬البهويت‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/102 ،‬املرداوي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ .3/228 ،‬ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.429-6/427 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) السرخسي‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/9 ،‬الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/45 ،‬ابن اهلمام احلنفي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/265 ،‬ابن عابدين‪ ،‬مرجع سابق‪.3/287 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .10/265 ،‬ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪.2/119 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)الدردير‪ ،‬مرجع سابق‪ .1/660 ،‬والذي اعتمده العالمة خليل يف خمتصره‪ :‬أن سهم املؤلفة قلوهبم‪ ،‬سواء كانوا مسلمني أم ال‪ ،‬باق مل ينسخ‪ .‬انظر‪:‬‬
‫احلطاب‪ ،‬مرجع سابق‪3/231 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/183 ،‬النووي‪ ،‬اجملموع شرح املهذب‪ ،‬مرجع سابق‪.6/181 ،‬‬

‫‪181‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أما الذين روأ بقاء سهم املؤلفة قلوهبم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬أعطى املؤلفة‬
‫من املسلمني وغريهم فيعطون عند احلاجة‪ ،‬أما ترك أيب بكر وعمر إعطاءهم‪ ،‬فهذا حممول على عدم‬
‫احلاجة إىل إعطائهم‪ ،‬ال لسقوط سهمهم‪ .‬ويؤيد هذا أن آية أصناف الزكاة هي من آخر ما نزل‪ ،‬ومع‬
‫وجود احلاجة على مر الزمان‪ ،‬واختالف أحوال النفوس يف القوة والضعف ال خيفى فساده‪.‬‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫يرجع سبب اختالف الفقهاء يف بقاء سهم املؤلفة قلوهبم من عدمه إىل مسألة أصولية وهي‪ :‬هل‬
‫ذلك خاص بالنيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أو أنه عام له ولسائر األمة؟( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫األظهر‪ -‬كما يقول ابن رشد احلفيد وغريه ‪ -‬أنه عام؛ وذلك أن ما ُخ وطب به النيب ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو خطاب لإلمة ككل إال ما دل الدليل على خصوصيته به‪ ،‬كما يف زواجه بأكثر من‬
‫أربعة نسوة‪ ،‬وغري ذلك من املسائل املشهورة عند أهل العلم‪.‬‬
‫وأما إدعاء اإلمجاع إستناًدا على فعل اخللفتني الراشدين أيب بكر وعمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪،-‬‬
‫فتلك دعوى عريضة؛ وذلك أن املؤلفة قلوهبم ُمنعوا من الزكاة؛ ألن اإلسالم أصبح عزيًز ا‪ ،‬ومل تعد هناك‬
‫حاجة لتأليفهم‪ ،‬وهلذا قال هلم عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ملا جاءوا يشكون إليه منعهم من الزكاة‪ّ ":‬‬
‫إن‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يعطيكم ليؤلفكم على اإلسالم‪ ،‬فأما اليوم فقد أعز اهلل دينه‪،‬‬
‫فإن ثبتم على اإلسالم وإال فليس بيننا وبينكم إال السيف"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويتضح من ذلك أن ما فعله الفاروق ليس نسًخ ا حلكم إعطاء املؤلفة قلوهبم فضًال عن أن يكون‬
‫إمجاًعا على ذلك‪ ،‬وإمنا كانه أراد أن يقول هلم إن التأليف ليس وضًعا ثابًتا دائًم ا‪ ،‬وأنه يتغري حبسب حال‬
‫أهل اإلسالم من حيث الضعف والقوة‪ ،‬ويرجع حتديد ذلك إىل ويل أمر املسلمني لتقدير ما فيه مصلحة‬
‫املسلمني( )‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وقد داوم صلى اهلل عليه وسلم على إعطاء املؤلفة قلوهبم حىت انتقل إىل الرفيق اإلعلى‪ ،‬ومل ينسخ‬
‫ذلك يف حياته‪ ،‬وال جيوز أن ينسخ هذا األمر بعد وفاته؛ ألن النسخ ال يكون إال بنص‪ ،‬وال نص بعد‬

‫‪1‬‬
‫(?) ابن رشد احلفيد‪ ،‬مرجع سابق‪. 2/120 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)الكاساين‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/45 ،‬الزحيلي‪ ،‬مرجع سابق‪.3/2001 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬فقه الزكاة‪ ،‬ط‪( ،3‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪1393 ،‬هـ ‪1973 -‬م)‪.602 -2/601 ،‬‬

‫‪182‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫موته صلى اهلل عليه و سلم‪ ،‬وانقراض زمن الوحي‪ ،‬فكيف يُرتك الكتاب والسنة مبجرد اآلراء والتحكم‪،‬‬
‫أو بقول صحايب‪ ،‬أو غريه( )‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وتبقى آية الزكاة بأصنافها الثمانية حمكمة ال ناسخ هلا من كتاب‪ ،‬أو سنة‪" ،‬فإذا كان قوم هذه‬
‫ضرر على اإلسالم‪ ،‬ملا‬
‫حاهلم‪ ،‬ال رغبة هلم يف اإلسالم إال للنيل‪ ،‬وكان يف ردهتم وحماربتهم إن ارتدوا ٌ‬
‫عندهم من العز واألنفة‪ ،‬فرأى اإلمام أن يرضخ هلم من الصدقة‪ ،‬فعل ذلك خلالل ثالث‪ :‬إحداهن األخذ‬
‫بالكتاب والسنة‪ .‬والثانية البقيا على املسلمني‪ .‬والثالثة أنه ليس بيائس منهم إن متادى هبم اإلسالم أن‬
‫يفقهوه‪ ،‬وحتسن فيه رغبتهم"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫والذي يظهر أن املؤلفة قلوهبم ممن يرجى إسالمهم‪ ،‬أو ممن خيش شرهم إن كانوا غري مسلمني‪،‬‬
‫أو ممن مل يثبت إمياهنم إن كانوا مسلمني‪ ،‬أنه جيوز إعطاؤهم من الزكاة الواجبة على الراجح من أقوال‬
‫أهل العلم‪ ،‬وذلك أن كل ما فعله النيب – صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬حلكمة‪ ،‬وحاجة‪ ،‬وسبب‪ ،‬فوجب أن‬
‫السبب واحلاجة إذا ارتفعتا أن يرتفع احلكم‪ ،‬وإذا عادتا أن يعود لذلك( )‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإمام املسلمني‪-‬‬
‫‪3‬‬

‫أو من ينوب عنه ‪ -‬هو من يقدر املصلحة؛ فإن كان أحد حيتاج إىل تألفه‪ ،‬وخياف أن تلحق املسلمني‬
‫منه آفة‪ ،‬أو يرجى أن حيسن إسالمه‪ ،‬دفع إليه( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫قال القاضي ابن العريب‪ :‬الذي عندي أنه إن قوي اإلسالم زالوا‪ ،‬وإن احتيج إليهم أعطوا‬
‫سهمهم كما كان رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – يعطيهم( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ومن املهم التنبيه إىل أن الذين يطمع يف إسالمهم ال يعطون من الزكاة إال أن تبدو قرائن تدل‬
‫على ميلهم لإلسالم‪ ،‬ورغبتهم فيه( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/666 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن سالم‪ ،‬أبوعبيد القاسم‪ ،‬األموال‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد خليل هراس‪( ،‬قطر‪:‬إدارة إحياء الرتاث اإلسالمي)‪ ،‬صـ‪.637‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن العريب‪ ،‬أبوبكر‪ ،‬عارضة األحوذي بشرح صحيح الترمذي‪( ،‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية)‪.3/172 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.10/266 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) ابن العريب‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬مرجع سابق‪.2/530 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)اخلرشي‪ ،‬مرجع سابق‪ .2/121 ،‬وانظر كذلك‪ :‬الدويش‪ ،‬مرجع سابق‪ .28-10/27 ،‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية بالكويت‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.5/104 ،‬‬

‫‪183‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فينبغي على املساجد واملراكز اإلسالمية بديار الغرب‪ -‬إذا رأت يف ذلك‬
‫مصلحة معتربة لإلسالم واملسلمني – أن تبادر بإعطاء الزكاة لبعض من يرجى إسالمهم‪ ،‬أو بعض من‬
‫ُيكف شرهم إذا أعطوا‪ ،‬أو بعض من يتبىن قضايا املسلمني‪ ،‬ويدافع عنهم‪ ،‬وحيتاج إىل دعم مادي‬
‫ملواصلة نشاطه‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪..‬حكم إعطائهم الصدقة‬
‫اتفق عامة الفقهاء على جواز إعطاء غري املسلم من الصدقة غري الواجبة‪ ،‬وقد نزل الكتاب‬
‫بالرخصة فيها‪ ،‬وجرت به السنة( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫قال احلنفية‪":‬واألصح أنه ال جيوز صرف صدقة ما إليهم إال التطوع‪ .‬وأما احلريب‪ ،‬فال جيوز‬
‫صرف صدقة ما إليه"( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال القرطيب املالكي‪ ":‬قال علماؤنا‪ :‬هذه الصدقة اليت أُبيحت هلم هي صدقة التطوع‪ .‬وأما‬
‫املفروضة فال جيزئ دفعها لكافر"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫وقال الشافعي‪":‬وال بأس أن يُتصدق على املشرك من النافلة‪ ،‬وليس له يف الفريضة من الصدقة‬
‫حق‪ ،‬وقد محد اهلل تعاىل قومًا‪ ،‬فقال‪[:‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ] ( ) "( )‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫وقال احلنابلة‪ ":‬وكل من ُحِرم صدقة الفرض من األغنياء‪ ،‬وقرابة املتصدق‪ ،‬والكافر وغريهم‪،‬‬
‫جيوز دفع صدقة التطوع إليهم‪ ،‬وهلم أخذها " ( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على جواز الصدقة على لغري املسلم‪ ،‬فمن ذلك قوله تعاىل‪[:‬ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ] ( )‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)ابن سالم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪.642‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)السمرقندي‪ ،‬عالء الدين‪ ،‬تحفة الفقهاء‪ ،‬حتقيق‪:‬حممد زكي عبدالرب‪( ،‬قطر‪ :‬إدارة إحياء الرتاث اإلسالمي)‪.1/469 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ 4/368 ،‬بتصرف يسري‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة اإلنسان‪ ،‬اآلية‪.8:‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) الشافعي‪ ،‬مرجع سابق‪.2/157 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?)ابن قدامة‪ ،‬مرجع سابق‪.2/659 ،‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.272:‬‬

‫‪184‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ":-‬كانوا يكرهون أن يرضخوا( ) ألنساهبم من املشركني‬
‫‪1‬‬

‫فسألوا‪ ،‬فرخص هلم‪ ،‬فنزلت هذه اآلية"( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫‪ -‬وقوله تعاىل‪[ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ] ( )‪ .‬أي ال‬


‫‪3‬‬

‫ينهاكم اهلل عن اإلحسان إىل الكفرة الذين ال يقاتلونكم يف الدين‪ ،‬كالنساء والضعفة منهم( )‪ ،‬ويدخل يف‬
‫‪4‬‬

‫اإلحسان إليهم‪ ،‬الصدقة عليهم‪.‬‬


‫‪ -‬وقوله تعاىل‪[ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ] ( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫واألسري‪ :‬قيل‪ :‬أنه املشرك‪ ،‬وقيل‪ :‬أنه املسجون من أهل القبلة‪ ،‬ورجح ابن جرير الطربي أنه‬
‫يشمل كال املعنيني‪ ،‬وقال‪:‬قد عّم اخلرب عنهم أهنم يطعموهنم‪ ،‬فاخلرب على عمومه حىت خيصه ما جيب‬
‫التسليم له( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫قال القرطيب بعد أن ذكر بعض اآليات اليت تقدم ذكرها‪":‬فظواهر هذه اآليات تقتضي جواز‬
‫صرف الصدقات إليهم مجلة‪ ،‬إال أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬خص منها الزكاة املفروضة‪ ،‬لقوله‬
‫عليه السالم ملعاذ‪(:‬خذ الصدقة من أغنيائهم‪ ،‬وردها على فقرائهم)( )‪ ،‬واتفق العلماء على ذلك على ما‬
‫‪7‬‬

‫تقدم‪ ،‬فيدفع إليهم من صدقة التطوع إذا احتاجوا"( )‪.‬‬


‫‪8‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)الَّرْض ُخ ‪ :‬العطاء‪ ،‬وَر َضَخ له من ماله َيْر َضُخ َر ْض خًا‪َ :‬أعطاه‪ .‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬مادة ‪":‬رضخ"‪.3/19 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪.2/476 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.8:‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬مرجع سابق‪.13/517 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة اإلنسان‪ ،‬اآلية‪.8:‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الطربي‪ ،‬مرجع سابق‪.23/545 ،‬‬
‫ِة‬ ‫‪7‬‬
‫ِه ِإ‬ ‫ِإ ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِك ِب‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِإ‬
‫(?)احلديث أصله يف الصحيحني‪ ،‬وقد رواه مسلم بلفظ" َّنَك َتْأ ى َقْو ًم ا ْن َأْه ِل اْل َتا ‪َ ،‬فاْدُعُهْم ىَل َش َه اَد َأْن َال َلَه َّال الَّلُه َو َأىِّن َرُس وُل الَّل ‪َ ،‬ف ْن ُه ْم‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِل ِل‬ ‫ٍم ٍة ِإ‬ ‫َأَطاُعوا ِلَذ ِلَك ‪َ ،‬فَأْع ِل َأَّن الَّلَه اْف َض َعَلْيِه ْمَخ َص َل اٍت ىِف‬
‫ُك ِّل َيْو َو َلْيَل ‪َ ،‬ف ْن ُه ْم َأَطاُعوا َذ َك ‪َ ،‬فَأْع ْمُهْم َأَّن الَّلَه اْفَتَر َض َعَلْيِه ْم َص َدَقًة ُتْؤ َخ ُذ ْن‬ ‫ْم َس َو‬ ‫َتَر‬ ‫ْمُهْم‬
‫ِح‬ ‫ِه‬‫َّل‬ ‫ِإ‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِهِل‬ ‫ِئ‬ ‫ِإ‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫َأْغ ِنَياِئِه ْم َفُتَر ُّد ىِف ُفَق َر اِئ ْم ‪َ ،‬ف ْن ُه ْم َأَطاُعوا َذ َك َف َّياَك َو َك َر ا َم َأْم َو ا ْم ‪َ ،‬و اَّت َدْع َو َة اْلَم ْظُلو ‪َ ،‬ف َّنُه َلْيَس َبْيَنَه ا َو َبَنْي ال َج اٌب "‪ .‬انظر‪ :‬صحيح البخاري‪،‬‬
‫ِإ‬ ‫ِه‬
‫كتاب الزكاة‪ ،‬باب أخذ الصدقة من األغنياء وترد يف الفقراء حيث كانوا‪ ،464-2/463 ،‬حديث رقم ‪ .1496‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب‬
‫الدعاء إىل الشهادتني وشرائع اإلسالم‪ ،1/50 ،‬حديث رقم ‪.29‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪.4/369 ،‬‬

‫‪185‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أّم ا من السنة‪ ،‬فلحديث أمساء بنت أيب بكر ‪ -‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قالت ‪َ :‬قِدَم ْت عليّ ُأِّم ي وهي‬
‫مُشركة في عهد رسول الَّله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فاْس َتْف َتيت رسول الَّله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ،-‬قلُت ‪:‬إَّن ُأِّم ي َقِدَم ْت وهي راغبٌَة( )‪َ ،‬أَفَأِص ُل ُأِّم ي ؟ قال‪ ":‬نعم ‪ِ ،‬ص ِلي ُأّم ِك "( )‪.‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ويف احلديث جواز صلة األبوين املشركني ذي القرابة( )‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫قال اخلطايب‪ ":‬فيه أن الرحم الكافرة توصل من املال وحنوه كما توصل املسلمة‪ ،‬ويستنبط منه‬
‫مسلما"( )‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وجوب نفقة األب الكافر واألم الكافرة‪ ،‬وإن كان الولد ً‬
‫المناقشة والترجيح‪:‬‬
‫الذي يظهر ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬جواز إعطاء غري املسلم من صدقة التطوع تأليًف ا لقلبه‪ ،‬وترغيًبا له يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويتأكد هذا األمر أكثر إذا كانت تربطة صلة قرابة باملسلم‪ ،‬وليس مبحارب لإلسالم وأهله‪،‬‬
‫فإن كان حمارًبا مل جيز إعطاؤه لقوله تعاىل‪[:‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ] ( )‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫خالصة المبحث‪.‬‬
‫‪ ‬املؤلفة قلوهبم إما أناس مسلمون ضعاف اإلميان‪ ،‬وإما قوم غري مسلمني‪ ،‬منهم من يُرجى‬
‫خريه‪ ،‬ومنهم من خُي اف شره‪.‬‬
‫سهم املؤلفة قلوهبم مل ينقطع‪ ،‬واألمر يرجع إىل إمام املسلمني ‪ -‬أو من ينوب عنه ‪ -‬يف‬ ‫‪‬‬

‫تقدير املصلحة يف تأليف من يكون يف تأليفه‪ ،‬حتقيق مصلحة‪ ،‬أو دفع مفسدة‪ .‬وال يعطى‬
‫ملن كان ال يرجى إسالمه إال إذا ظهرت أمارات تدل على ميله لإلسالم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) راغبة‪ :‬أي أهنا قدمت طالبة يف بر إبنتها هلا‪ ،‬خائفة من ردها إياها خائبة‪ ،‬هكذا فسره اجلمهور‪ .‬انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪234 /5 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اهلبة وفضلها والتحريض عليها‪ ،‬باب اهلدية للمشركني‪ ،2/242 ،‬حديث رقم ‪.2620‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)أبو العباس القرطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ .3/48 ،‬وانظر‪ :‬اليحصيب‪ ،‬أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض‪ ،‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حيىي‬
‫إمساعيل‪ ،‬ط‪( ،1‬مصر‪ :‬دار الوفاء‪ 1419 ،‬هـ‪1998 -‬م)‪.3/523 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)ابن حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.5/234 ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية‪.9:‬‬

‫‪186‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫جيوز إعطاء الصدقة غري الواجبة لغري املسلم السيما إذا كان ذا قرابة مع املسلم‪ ،‬أو إن‬ ‫‪‬‬

‫يرجى من وراء ذلك ترطيب قلبه‪ ،‬وترغيبه يف اإلسالم‪.‬‬


‫‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الصيام في البالد ذات الخطوط العالية‪..‬وفيه مطلب واحد‪:‬‬

‫توطئة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول‪..‬أقوال أهل العلم يف هذه املسألة‬ ‫‪‬‬

‫خالصة املبحث‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪187‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫توطئة‪..‬‬
‫تقدم عند احلديث يف الفصل الثاين عن اضطراب وقيت العشاء والفجر يف فصل الصيف بيان أن‬
‫أوقات الصالة يف العامل تنقسم حسب خطوط العرض إىل ثالثة مناطق‪:‬‬
‫المنطقة األولى‪:‬‬
‫وتبدأ من خط االستواء إىل غاية خط العرض (ْ ‪ )48.6‬مشااًل وجنوًبا‪ ،‬حيث تتواجد مواقيت‬
‫الصالة يف مجيع األوقات عدا موعدي العشاء والفجر يف بعض أيام السنة‪ ،‬وذلك يف املناطق القريبة من‬
‫خط العرض (ْ ‪ ،)48.6‬حيث يتأخر العشاء كثًريا‪ ،‬ويتقدم الفجر بشكل كبري‪.‬‬
‫المنطقة الثانية‪:‬‬
‫ومتتد من خط العرض (ْ ‪ )48.6‬إىل خط العرض (ْ ‪ )66.6‬مشااًل وجنوًبا‪ ،‬وتعاين هذه اجلهة من‬
‫اختفاء عالميت الفجر والعشاء يف بعض األيام‪ ،‬ويطول النهار كثًريا كلما اجتهنا مشااًل وجنوبًا بعيًد ا عن‬
‫خط االستواء حىت يصل إىل قرابة ثالثة وعشرين ساعة كما هو احلال يف املدن القريبة من املنطقة‬
‫القطبية‪.‬‬
‫المنطقة الثالثة‪:‬‬
‫وتبدأ من خط العرض (ْ ‪ )66.6‬إىل خط العرض (ْ ‪ )90‬مشااًل وجنوًبا‪ ،‬وحيدث يف هذه املناطق‬
‫أن يستمر الليل ستة أشهر يف الشمال‪ ،‬وستة أشهر للنهار يف اجلنوب‪ ،‬والعكس بالعكس‪ .‬ويرتتب على‬
‫هذا اختفاء مجيع عالمات الصالة لفرتة طويلة لياًل أو هناًر ا‪ .‬هذا التفاوت الكبري‪ ،‬واالختالف الشديد بني‬
‫املناطق الثالثة يقود إىل السؤال عن حكم الصيام يف البالد اليت تقع ضمنها خصوًص ا عندما ينعدم الليل‪،‬‬
‫ويستمر النهار لوقت طويل‪.‬‬
‫أقوال أهل العلم في هذه المسألة‪:‬‬
‫بالنظر إىل التقسيم السابق ميكن احلديث عن حكم الصيام يف تلك اجلهات على النحو التايل‪:‬‬
‫املنطقة األوىل‪:‬‬

‫ال يظهر أن هناك أي إشكالية يف الصيام يف هذه املنطقة؛ فالليل والنهار يتمايزان‪ ،‬وكال الشفقني‬
‫يغيبان‪ ،‬والواجب عندئذ االمساك من طلوع الفجر إىل غروب الشمس لقوله تعاىل‪ [:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬

‫‪188‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ]( )‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫ولقوله صلى اهلل عليه وسلم يف بيان مىت يبدأ اإلمساك‪ِ ":‬إَّن ِباَل اًل ُيَؤ ِّذُن ِبَلْيٍل َفُك ُلوا َو اْش َر ُبوا َح ىَّت َتْسَم ُعوا‬
‫َأَذاَن اْبِن ُأِّم َم ْك ُتوٍم ‪َ ،‬فِإَّنُه اَل ُيَؤ ِّذُن َح ىَّت َيْطُلَع اْلَف ْج ُر "( )‪ .‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم يف حتديد وقت‬
‫‪2‬‬

‫اإلفطار‪ِ":‬إَذا َأْقَبَل الَّلْيُل ِم ْن َه ا ُه َنا‪َ ،‬و َأْد َبَر الَّنَه اُر ِم ْن َه ا ُه َنا‪َ ،‬و َغَر َبْت الَّش ْم ُس ‪َ ،‬فَقْد َأْفَطَر الَّص اِئُم"( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫املنطقة الثانية‪:‬‬
‫حيصل يف هذه املنطقة أن ختتفي عالمتا العشاء والفجر يف بعض أيام الصيف ‪ -‬كما مر بيانه‬
‫تفصياًل يف الفصل الثالث ‪ ،-‬ويصعب وقتها حتديد مىت يبدأ اإلمساك للصيام إلستمرار الشفق األمحر إىل‬
‫وقت الفجر‪ .‬أما باقي أيام السنة ‪ -‬وهي حوايل عشرة أشهر ‪ -‬فيختفي هذا االضطراب يف وقيت العشاء‬
‫والفجر‪ ،‬لكن يتأخر وقت العشاء كثًريا‪ ،‬ويتقدم وقت الفجر ملدة شهرين تقريًبا‪.‬‬
‫وحكم الصيام يف هذه املنطقة أن يقال ‪ :‬أن األيام اليت ال ختتفي فيها العالمات الشرعية للصلوات‬
‫اخلمس‪ ،‬أو اليت يطول فيها النهار كثًريا‪ ،‬ويقصر فيها الليل جدًا‪ ،‬لكن هناك غروب للشمس وبزوغ‬
‫للفجر‪ ،‬فاألصل هو وجوب الصيام إال إذا وجدت املشقة‪ ،‬وخاف املكلف اهلالك على نفسه فعاًل ‪ ،‬أو‬
‫حلقته مشقة بالغة ال حُت تمل عادة‪ ،‬فإنه يفطر ويقضي ما أفطره يف أيام مناسبة‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل‪[ :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ] ( )‪ ،‬وقال تعاىل‪[ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫‪4‬‬

‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ] ( )‪.‬وهذا رأي اجملمع الفقهي اإلسالمي‪،‬‬


‫‪5‬‬

‫وهيئة كبار العلماء بالسعودية‪ ،‬وجلنة اإلفتاء بالكويت‪ ،‬وجممع فقهاء الشريعة بأمريكا( )‪ .‬واختارت جلنة‬
‫‪6‬‬

‫اإلفتاء املصرية القول بالتقدير ‪ -‬حبسب توقييت مكة املكرمة واملدينة املشرفة ‪ -‬يف البالد اليت يطول هنارها‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.187:‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب األذان قبل الفجر‪ ،1/210 ،‬حديث رقم‪. 623‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب بيان أن الدخول يف الصوم‬
‫حيصل بطلوع الفجر‪ ،‬وأن له األكل وغريه حىت يطلع الفجر‪ ،2/768 ،‬رقم احلديث ‪.1092‬‬
‫‪3‬‬
‫(?)صحيح البخاري‪،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب مىت حيل فطر الصائم‪ ،2/46 ،‬حدبث رقم ‪ .1954‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب بيان وقت انقضاء الصوم‬
‫وخروج النهار‪ ،2/772 ،‬رقم احلديث ‪ .1100‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ِ ":‬إَذا َأْقَبَل الَّلْيُل ِم ْن َه ا ُه َنا" يعين‪ :‬إذا أقبل الليل من جهة املشرق‪ .‬انظر‪ :‬ابن‬
‫حجر‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬مرجع سابق‪.4/196 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.286:‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة احلج‪ ،‬اآلية‪.78:‬‬

‫‪189‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫جًد ا‪ ،‬على أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على األرض‪ ،‬دون نظر أو اعتداد‬
‫مبقدار ساعات الليل أو النهار‪ ،‬ودون توقف ىف الفطر على غروب الشمس‪ ،‬أو اختفاء ضوئها بدخول‬
‫الليل فعال( )‪ .‬وعلى هذا فلو كان أهل مكة‪ ،‬أو املدينة يصومون أربعة عشرة ساعة يف اليوم‪ ،‬لكان على‬ ‫‪1‬‬

‫أهل تلك البالد أن يصوموا نفس الساعات بغض النظر عن غياب الشمس‪ ،‬أو قدوم الليل‪.‬‬
‫واملسألة اجتهادية ال نص فيها‪ ،‬وكل من القولني جائز ( )‪ ،‬لكن األرجح هو ما ذهبت إليه أكثر‬
‫‪2‬‬

‫اجملامع الفقهية املعاصرة من وجوب الصيام من طلوع الفجر الصادق إىل غروب الشمس‪ ،‬وهو ما دلت‬
‫عليه نصوص الكتاب والسنة كما يف قوله تعاىل‪ [:‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫وا َأ ا ا ِن ُأِّم ْك وٍم ‪،‬‬ ‫‪":‬‬
‫] ‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ِإَّن ِباَل اًل ُيَؤ ِّذُن ِبَلْيٍل َفُك ُلوا َو اْش َر ُبوا َح ىَّت َتْسَم ُع َذ َن ْب َم ُت‬
‫()‬ ‫‪3‬‬

‫َفِإَّنُه اَل ُيَؤ ِّذُن َح ىَّت َيْطُلَع اْلَف ْج ُر "( )‪ .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ِ":‬إَذا َأْقَبَل الَّلْيُل ِم ْن َه ا ُه َنا‪َ ،‬و َأْد َبَر الَّنَه ُرا‬
‫‪4‬‬

‫ِم ْن َه ا ُه َنا‪َ ،‬و َغَر َبْت الَّش ْم ُس ‪َ ،‬فَقْد َأْفَطَر الَّص اِئُم"( )‪ .‬وهذا األمر منتٍف إذا ما ُأِخ ذ بالتقدير حبسب توقييت‬
‫‪5‬‬

‫مكة واملدينة‪.‬‬
‫أما األوقات اليت تنعدم فيها عالمتا العشاء والفجر‪ ،‬فقد مضى ذكر األراء الفقهية والفلكية‬
‫مفصلة يف الفصل الثالث‪ ،‬وما قيل هناك عن الصالة‪ ،‬يقال هنا عن الصيام‪ ،‬سواء بسواء‪ .‬وينبغي‬
‫االحتياط يف حتديد وقت الفجر البديل؛ حىت ال ينتهك الناس حرمة الشهر الكرمي‪ ،‬ويفسدون صيامهم‪.‬‬
‫املنطقة الثالثة‪:‬‬
‫ويف هذه املنطقة اليتمايز الليل والنهار‪ ،‬وتضيع فيها مجيع العالمات الشرعية ملعرفة أوقات‬
‫الصلوات‪ ،‬وهلذا كان البد من تقدير أوقات الصيام والصالة‪ ،‬والذي يظهر من تتبع آراء اجملامع الفقهية‬
‫‪6‬‬
‫(?)انظر‪ :‬رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة التاسعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪ .204-200‬وانظر‪:‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية‬
‫بالكويت‪ ،‬مرجع سابق‪.232-1/231 ،‬وانظر‪ :‬أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .5‬اجليزاين‪ ،‬مرجع سابق‪-2/152 ،‬‬
‫‪.153‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬مرجع سابق‪.2810-8/2809 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)رضا‪ ،‬مرجع سابق‪.2/163 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.187:‬‬
‫‪4‬‬
‫(?)مضى خترجيه‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?)مضى خترجيه‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أهنم يفتون من يقيم يف هذه اجلهة بالتقدير بأقرب البالد اليت يتواجد فيه الليل والنهار‪ ،‬ويعملون مبواقيتها‪،‬‬
‫وهذا اختيار اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬وهيئة كبار العلماء بالسعودية‪ ،‬وجلنة اإلفتاء بالكويت‪ ،‬وجممع‬
‫فقهاء الشريعة بأمريكا( )‪ .‬وقد اقرتحوا أن يقدر أهل تلك البلدان مجيع أوقات الصلوات بالقياس على‬ ‫‪1‬‬

‫خط العرض (ْ ‪ ،)45‬وأن يتحروا عن دخول شهر رمضان‪ ،‬وعن مدة الصيام فيه بالنظر إىل أقرب البالد‬
‫إليهم اليت شهد أهلها دخول الشهر لديهم‪ ،‬وعرفوا وقت اإلمساك‪ ،‬واإلفطار فيه‪.‬‬
‫خالصة المبحث‪:‬‬
‫‪ ‬من كان مقيًم ا مبكان يطول فيه النهار طوياًل ‪ ،‬ويقصر فيه الليل جًد ا‪ ،‬لكن حيدث غروب‬
‫الشمس وبزوغ الفجر‪ ،‬فهذا يشمله قوله تعاىل‪ [:‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ] ( )على‬
‫‪2‬‬

‫رأي العديد من اجملامع الفقهية املعاصرة إال من شق عليه الصيام‪ ،‬وخشي على نفسه األذى‬
‫وحصول الضرر‪ .‬وهذا هو الراجح خالًفا لفتوى دار اإلفتاء املصرية اليت نصت على أن يقدر‬
‫الناس عدد ساعات الصيام يف مكة واملدينة‪ ،‬مث يصوموا مثلها‪ ،‬فإذا ما أمتوا الصيام‪ ،‬أفطروا ولو‬
‫كانت الشمس مل تغرب بعد‪.‬‬
‫‪ ‬إذا وافق شهر الصيام األوقات اليت تنعدم فيها عالمتا الفجر والعشاء‪ ،‬فاألرجح أن يعمل فيها‬
‫بتقومي بالكبرين كما مضى تقريره يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫من كان مقيًم ا يف املناطق القطبية اليت يتواصل فيها النهار شهوًر ا طويلة‪ ،‬وكذلك احلال مع الليل‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫فهذا يقدر صيامه حسب أقرب بلد تتواجد فيه أوقات الصلوات‪ ،‬ويتعاقب فيه الليل والنهار‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?)انظر‪ :‬رابطة العامل اإلسالمي؛ اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة التاسعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ ‪ .204-200‬وانظر‪:‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية‬
‫بالكويت‪ ،‬مرجع سابق‪.232-1/231 ،‬وانظر‪ :‬أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صـ‪ .5‬وانظر‪ :‬هيئة كبار العلماء‪"،‬كيفية‬
‫اإلمساك واإلفطار في رمضان وضبط أوقات الصالة في بعض البلدان"‪ ،‬جملة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد اخلامس والعشرون‪ ( ،‬رجب ‪ -‬شوال‬
‫‪1409‬هـ)‪ ،‬صـ‪.34‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.185:‬‬

‫‪191‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الخاتمة والتوصيات‬

‫‪192‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫أمحد اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأشكره أن يسر يل مبنه وكرمه إكمال هذا البحث الذي أرجو أن‬
‫يكون خالًص ا لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن يساهم يف توضيح أهم مسائل العبادات اليت حيتاجها مسلمو الغرب‪،‬‬
‫ويعينهم على إدراك أحكامها‪.‬‬
‫وأختم بالقول أنه لوال أنه من شروط التحصل على درجة املاجستري كتابة حبث‪ ،‬ما خططت‬
‫حرًفا‪ ،‬وال كتبت سطًر ا‪ ،‬وال جترأت على الرتجيح بني األئمة الكبار‪ ،‬واجلهابدة األعالم؛ فما أنا إال‬
‫متطفل على كتبهم‪ ،‬مستفيد منهم‪ ،‬ومتتبع ألقواهلم‪.‬وهذا البحث هو جهد مقل‪ ،‬وبضاعة مزجاة‪ ،‬قد‬
‫بذل فيه من اجلهد والوقت ما اهلل به عليم‪ ،‬وإين ألرجو من كل مطلع عليه أن يسامح نسجه‪ ،‬وجيد‬
‫العذر لصاحبه‪ ،‬ويسد اخللل‪ ،‬ويصحح اخلطأ برفق ولني‪ ،‬وقد قيل‪ :‬من صنف‪ ،‬فقد استهدف‪ .‬وهلل در‬
‫القائل‪:‬‬
‫مؤماًل كشف ما ال قيُت من عوج‬ ‫أسيُر خلف ركاِب الُنُج ِب ذا عرج‬
‫فكم لرب الورى في ذاك من فرج‬ ‫فإن لحقُت بهم من بعد ما سبقوا‬
‫فما على عـرج في ذاك من حـرج‬ ‫و إن بقيُت بظهر األرض منقطًعا‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهذه أهم النتائج التي توصل إليها البحث‪:‬‬

‫ينبغي عند احلديث عن مسلمي الغرب‪ ،‬استعمال مصطلح "املسلمون يف الغرب" وما شاهبه‬ ‫‪‬‬

‫بداًل من وصفهم بـ"األقليات" أو "اجلاليات"‪ ،‬لقصور أمثال هذه املصطلحات القانونية عن التعبري عن‬
‫حقيقة الوجود اإلسالمي الذي يتصف بالشمولية‪ ،‬والتعايش مع اجملتمعات األخرى‪.‬‬
‫أن الوجود اإلسالمي يف ديار الغرب أصبح واقًعا مفروًض ا ال جيدي معه هتميشه‪ ،‬أو حماولة‬ ‫‪‬‬

‫تقزميه‪ ،‬أو تنفري الناس منه حبجة أن اإلقامة يف ديار الكفر غري جائزة شرًعا رغم اإلتفاق على هذا احلكم‬
‫الشرعي من حيث األصل؛ فكل متابع ومطلع على أحوال مسلمي الغرب‪ ،‬يدرك متام اإلدراك‪ ،‬ويعي‬
‫متام الوعي‪ ،‬أن أجيااًل من أبناء املسلمني قد ولدت وترعرت يف ديار الغرب‪ ،‬وال تعرف غري هذه البلدان‬
‫موطًنا ومستقًر ا‪ ،‬بل لعل كثًريا من هؤالء مل تطأ قط أرجلهم أرض دولة واحدة من ديار اإلسالم‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫األحكام الشرعية ال تتغري بتغري الدار‪ ،‬فما كان حالاًل يف دار اإلسالم‪ ،‬فهو حالل يف دار‬ ‫‪‬‬

‫الكفر أو احلرب‪ ،‬وما كان حراًم ا يف دار اإلسالم‪ ،‬فهو حرام يف دار الكفر أو احلرب‪ .‬لكن ينبغي مراعاة‬
‫حال من كان يقيم بعيًد ا عن سلطان اإلسالم‪ ،‬ويعيش يف جمتمع ال حتكمه شريعة الرمحن‪.‬‬
‫أن سؤر جنس الكلب جنس‪ ،‬وأن ذلك خمتص بولوغه فقط‪ ،‬ويغسل اإلناء الذي ولغ فيه‬ ‫‪‬‬

‫سبًعا إحداهن بالرتاب‪ ،‬وال جيب ذلك من جناسة اخلنزير‪ .‬أما بوله‪ ،‬وروثه‪ ،‬فال يشملهما التسبيع‪،‬‬
‫والترتيب‪ ،‬وإمنا يغسالن حىت تزال عني النجاسة‪ .‬وال جيوز الوضوء باملاء الذي ولغ فيه الكلب‪ ،‬وينبغي‬
‫اإلقتصار على الرتاب للتنظيف إال إذا عدم الرتاب‪ ،‬أو ترتب على استعماله ضرر‪.‬‬
‫اخلمر هي ما خامر العقل‪ ،‬وهي جنسة‪ ،‬وما أسكر كثريها‪ ،‬فقليلها حرام‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يدخل الكحول يف صناعة العطور ألجل اإلذابة واحلفظ‪ ،‬واألظهر جواز استعماله يف‬ ‫‪‬‬

‫العطور‪ ،‬وإن كان األوىل استعمال غريها خروًج ا من اخلالف‪.‬‬


‫جيوز تعاطي األدوية اليت حتوي كحواًل إذا مل يتوفر بديل عنها‪ .‬أما األطعمة املختلطة‬ ‫‪‬‬

‫بالكحول‪ ،‬فاألصل جوازها إال إذا أسكر كثريها‪ ،‬فتحرم‪.‬‬


‫أهل الكتاب طاهرون طهارة حسية‪ ،‬وكذلك آنيتهم إال إذا تيقنا جناستها‪ ،‬فيجب غسلها‬ ‫‪‬‬

‫قبل استعماهلا‪.‬أما مالبسهم‪ ،‬فال حرج يف ارتدائها إذا كانت مما نسجوه‪ ،‬ومل يستعملوه‪ ،‬أو كانت بعيدة‬
‫عن موضع احلدث‪ ،‬وليس عليه أي جناسة‪ .‬أما املالبس اليت تغطي عوارهتم مباشرة‪ ،‬فال تلبس إال بعد‬
‫الغسل‪.‬‬
‫يستحب الغسل ملن دخل إىل اإلسالم‪ ،‬إال إذا كان جنًبا‪ ،‬فيجب عليه الغسل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ال جيوز شرًع ا القول بإسقاط فريضة صالة العشاء عند اضطراب وقتها يف وقت الصيف‪ ،‬واستمرار‬
‫الشفق األمحر حىت طلوع الفجر‪ ،‬وإمنا يلجأ إىل استحداث طرق أخرى‪ ،‬كالتقدير لتحديد وقتها ووقت‬
‫الفجر الذي يتداخل معها‪ ،‬واألوىل أن يعتمد على تقومي "بالكبرين" الذي ٌأعَّد بناًء على مشاهدة عينية‪،‬‬
‫ورصد مستمر طيلة عام كامل‪ .‬وإال فيصار إىل التقدير النسيب احمللي‪.‬‬
‫‪ ‬كل الطرق املقرتحة لتقدير وقيت العشاء والفجر أثناء غياب العالمة الشرعية‪ ،‬تبقى حلواًل‬
‫اجتهادية يسوغ فيها اخلالف‪ ،‬وال جيوز حبال أن تكون سبًبا لتمزيق وحدة املسلمني‪ ،‬وتشتيت كلمتهم‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫ويراعى يف اختيار املناسب من تلك االجتهادات ما كان فيه جانب اليسر‪ ،‬ورفع احلرج‪.‬‬
‫‪ ‬جيوز للمقيم يف احلضر أن جيمع بني الصالتني إذا اضطر إىل ذلك‪ ،‬وخشي فوات وقت‬
‫الصالة األخرى‪ ،‬شريطة أال يتخذ ذلك عادة‪ ،‬وعليه أن جيتهد يف إيقاع كل صالة يف وقتها‪.‬‬

‫‪ ‬ليس من شروط صحة صالة اجلمعة وجود احلاكم املسلم‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬واملسجد‪ .‬وجيوز‬
‫أن ُتصلى اجلمعة قبل الزوال إن وجدت احلاجة‪ ،‬وحصل احلرج واملشقة‪ ،‬وإال فاألصل أن تؤدى اجلمعة‬
‫بعد الزوال‪.‬‬
‫‪ ‬جيب املبادرة إىل أداء صالة اجلمعة يف وقتها‪ ،‬وال جيوز تأخريها حىت يبدأ وقت العصر‪،‬‬
‫ومن أدرك ركعة من اجلمعة وقد دخل عليه وقت العصر‪ ،‬فقد أدرك اجلمعة‪ ،‬وإال صالها ظهًر ا‪.‬‬
‫جيوز تعدد اُجلَم ع يف املسجد الواحد إذا وجدت احلاجة‪ ،‬وتعذر وجود مكان آخر‬ ‫‪‬‬

‫كاحلدائق العامة‪ ،‬والصاالت‪ ،‬وحنوها‪ .‬وجيوز صالهتا يف الكنيسة للحاجة إذا مل يكن هبا صور‪ ،‬أو متاثيل‪،‬‬
‫فإن كان هبا صور‪ ،‬أو متاثيل‪ ،‬أو صلبان‪ ،‬فإهنا تغطى بقماش‪ ،‬أو حنوه‪.‬‬
‫‪ ‬ال يصح للمرأة إمامة للرجال مطلًق ا‪ ،‬وال أن ختطب هبم اجلمعة‪ ،‬وصالهتا وصالة من صلى‬
‫خلفها‪ ،‬باطلة‪.‬‬
‫‪ ‬يكره دفن امليت يف تابوت إال إذا احتيج إىل ذلك‪ ،‬وال جيوز دفن املسلم يف مقربة أهل‬
‫الكتاب إال للضرورة‪ .‬وحيذر عند نقل امليت إىل ديار اإلسالم أن يتعرض إىل اإلعتداء على بدنه من‬
‫خالل استبدال دمه ببعض املواد املطهرات اليت يدخل فيها الكحول‪.‬‬
‫‪ ‬جيوز للمسلم تشييع جنازة قريبه غري املسلم‪ ،‬وتغسيله‪ ،‬والسري يف جنازته‪ ،‬وتعزيته فيه إذا مل‬
‫يكن حماًر با هلل‪ ،‬ورسوله‪ ،‬وللمسلمني‪ ،‬وإال مل جيز ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬املقيمون يف بالد يطول هنارها طوياًل ‪ ،‬ويقصر ليلها‪ ،‬وعندهم غروب للشمس‪ ،‬وبزوغ‬
‫للفجر‪ ،‬يلزمهم الصوم كباقي املسلمني إال من شق عليه الصيام‪ ،‬وأصابه اإلعياء الكبري ‪ ،‬أو املرض‬
‫الشديد‪ ،‬فله أن يفطر‪ ،‬وعليه القضاء‪ .‬أما من مل يكن عنده ليل وهنار يتمايزان ‪ -‬كما هو حال املناطق‬
‫القطبية ‪ ،-‬فيبتدي صيامه حسب أقرب بلد يتمايز فيه الليل من النهار‪.‬‬
‫‪ ‬إذا وافق شهر الصيام األوقات اليت تنعدم فيها عالمتا الفجر والعشاء‪ ،‬فاألرجح أن يعمل‬
‫فيها بتقومي بالكبرين‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫‪ ‬سهم املؤلفة قلوهبم مل ينقطع‪ ،‬ويعطى ملن كان يرجى إسالمه‪ ،‬أو خيش شره‪ ،‬أو من مل‬
‫يثبت إميانه‪ ،‬واألمر يرجع فيه إىل املساجد واملراكز اإلسالمية بديار الغرب ألجل تقدير من يف إعطائه‬
‫حتقيق مصلحة‪ ،‬أو دفع مفسدة‪.‬‬
‫‪ ‬جيوز إعطاء الصدقة غري الواجبة إىل غري املسلم خصوًص ا من كان قريًبا للمسلم‪ ،‬أو إذا كان‬
‫ذلك سبًبا يف ترغيبه يف اإلسالم‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أما التوصيات‪ ،‬فتتلخص يف أن حاجة املسلمني يف ديار الغرب إىل التفقه يف الدين‪ ،‬ومعرفة‬
‫أحكام الدين‪ ،‬كبرية‪ ،‬وأعداد املسلمني هناك غدت غفرية‪ ،‬وهلذا ينبغي على الدعاة وأهل العلم‪ ،‬أن‬
‫يولوهم اهتماًم ا أكرب‪ ،‬ويكثروا من االحتكاك هبم‪ ،‬ويصنفوا هلم الكتب والرسائل اليت جتيب على‬
‫أسئلتهم السيما فيما خيص أبواب فقه املعامالت اليت الزال التأليف فيها ضعيًف ا جًد ا‪ ،‬وال يكاد يذكر‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫الفهارس‬

‫فهرس اآليات القرآنية‬ ‫‪‬‬


‫فهرس األحاديث النبوية‬ ‫‪‬‬
‫فهرس األثار‬ ‫‪‬‬
‫فهرس األعالم المترجم لهم‬ ‫‪‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬ ‫‪‬‬

‫فهرس اآليات القرآنية‬


‫الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬ ‫السورة‬ ‫اآلية‬
‫‪189‬‬ ‫‪185‬‬ ‫[ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ البقرة‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ]‬
‫‪188 ،186‬‬ ‫‪187‬‬ ‫[ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ البقرة‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ]‬

‫‪197‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪77‬‬ ‫‪219‬‬ ‫[ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ البقرة‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ]‬
‫‪182‬‬ ‫‪272‬‬ ‫[ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ البقرة‬
‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ]‬
‫‪189‬‬ ‫‪286‬‬ ‫البقرة‬ ‫[ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ]‬
‫‪28‬‬ ‫آل عمران ‪18‬‬ ‫[ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ]‬
‫‪157‬‬ ‫‪34‬‬ ‫النساء‬ ‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ]‬
‫‪38‬‬ ‫‪97‬‬ ‫[ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ النساء‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ]‬
‫‪132 ،98‬‬ ‫‪103‬‬ ‫[ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ النساء‬
‫ﮨ ﮩ]‬
‫‪60 ،62‬‬ ‫‪4‬‬ ‫املائدة‬ ‫[ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ]‬
‫‪49‬‬ ‫‪5‬‬ ‫[ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ] املائدة‬
‫‪132 ، 116‬‬ ‫‪6‬‬ ‫املائدة‬ ‫[ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ]‬
‫‪35‬‬ ‫‪38‬‬ ‫املائدة‬ ‫[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ]‬
‫‪،87 ،79 ،77‬‬ ‫‪90‬‬ ‫املائدة‬ ‫[ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ]‬
‫‪90‬‬

‫‪89‬‬ ‫‪91‬‬ ‫[ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ املائدة‬


‫]‬
‫‪65‬‬ ‫‪119‬‬ ‫األنعام‬ ‫[ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ]‬
‫‪63‬‬ ‫‪145‬‬ ‫[ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ األنعام‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ]‬

‫‪198‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪79‬‬ ‫‪157‬‬ ‫األعراف‬ ‫[ ﮈ ﮉ ﮊ]‬
‫‪171‬‬ ‫‪72‬‬ ‫األنفال‬ ‫[ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ]‬
‫‪50‬‬ ‫‪28‬‬ ‫التوبة‬ ‫[ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ]‬
‫‪177‬‬ ‫‪60‬‬ ‫[ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ التوبة‬
‫ﯘﯙ]‬
‫‪172‬‬ ‫‪71‬‬ ‫التوبة‬ ‫[ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ]‬
‫‪168‬‬ ‫‪84‬‬ ‫التوبة‬ ‫[ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ]‬
‫‪172‬‬ ‫‪113‬‬ ‫التوبة‬ ‫[ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ]‬
‫‪65‬‬ ‫‪115‬‬ ‫[ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ التوبة‬
‫ﮢ ﮣ]‬
‫‪29‬‬ ‫‪122‬‬ ‫[ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ التوبة‬
‫ﯼﯽ]‬
‫‪6‬‬ ‫‪18‬‬ ‫النحل‬ ‫[ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ]‬
‫‪153‬‬ ‫‪44‬‬ ‫النحل‬ ‫[ﭨﭩﭪﭫﭬ]‬
‫‪153‬‬ ‫‪64‬‬ ‫النحل‬ ‫[ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ]‬
‫‪187‬‬ ‫‪78‬‬ ‫[ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ احلج‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ]‬
‫‪35‬‬ ‫‪2‬‬ ‫النور‬ ‫[ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ]‬
‫‪168‬‬ ‫[ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ العنكبوت ‪8‬‬
‫ﭳ ﭴ]‬
‫‪28‬‬ ‫‪28‬‬ ‫فاطر‬ ‫[ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ]‬
‫‪85‬‬ ‫‪47‬‬ ‫الصافات‬ ‫[ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ]‬

‫‪199‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪28‬‬ ‫‪11‬‬ ‫اجملادلة‬ ‫[ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ]‬
‫‪172‬‬ ‫‪22‬‬ ‫اجملادلة‬ ‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ]‬
‫‪172، 182‬‬ ‫‪8‬‬ ‫املمتحنة‬ ‫[ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ]‬
‫‪184‬‬ ‫‪9‬‬ ‫[ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ املمتحنة‬
‫ﮢﮣﮤﮥ]‬
‫‪168‬‬ ‫‪13‬‬ ‫املمتحنة‬ ‫[ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ]‬
‫‪151‬‬ ‫‪9‬‬ ‫اجلمعة‬ ‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ]‬
‫‪40‬‬ ‫‪16‬‬ ‫التغابن‬ ‫[ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ]‬
‫‪182‬‬ ‫‪8‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫[ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ]‬
‫‪81‬‬ ‫‪21‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫[ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ]‬
‫‪151‬‬ ‫‪9‬‬ ‫اجلمعة‬ ‫[ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ]‬
‫‪188‬‬ ‫‪8‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫[ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ]‬
‫‪68‬‬ ‫‪21‬‬ ‫اإلنسان‬ ‫[ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ]‬

‫‪200‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فهرس األحاديث النبوية‬


‫الصفحة‬ ‫رأس احلديث‬
‫‪188 ،187‬‬ ‫ِإَذا َأْقَبَل الَّلْيُل ِم ْن َه ا ُه َنا‬
‫ِإ ِء ِد‬ ‫ِإ‬
‫‪59‬‬
‫َذا َش ِر َب اْلَكْلُب يِف َنا َأَح ُك ْم‬
‫‪100 ،98‬‬ ‫إَذا َص َّلْيُتْم اْلَف ْج َر َفِإَّنُه َو ْقٌت إىَل َأْن َيْطُلَع َقْر ُن الَّش ْم ِس األول‬
‫‪30‬‬ ‫إذا مات اإلنسان انقطع عنه عمله إال من ثالثة‬
‫‪63 ، 59‬‬ ‫ِإَذا َل اْلَكْل يِف اِإْل َناِء‬
‫َو َغ ُب‬
‫ِء ِد‬
‫‪63 ،61 ،59‬‬ ‫ِإَذا َو َلَغ اْلَكْلُب يِف ِإَنا َأَح ُك ْم َفْلِرُي ْقُه‬
‫ِء ِد‬
‫‪65‬‬ ‫ِإَذا َو َلَغ اْلَكْلُب يِف ِإَنا َأَح ُك ْم فلُيهرقُه‬
‫‪44‬‬ ‫اذهبوا به إىل حائط بين فالن‬
‫‪106‬‬ ‫َأْر َبُعوَن َيْو ًم ا َيْو ٌم َك َنٍة َو َيْو ٌم َك َش ْه ٍر‬
‫َس‬
‫‪49‬‬ ‫أصبتُ ِجرابًا من شحم يوم خيرب‬
‫‪44‬‬ ‫أطلقوا مثامة‬
‫‪80 ،52‬‬ ‫ذكرت من أهل الكتاب‬
‫َ‬ ‫أما ما‬
‫‪170‬‬ ‫أمر برمي كفار قريش يف بئر القليب‬
‫‪50‬‬ ‫إن املؤمن ال ينجس‬
‫‪178‬‬ ‫أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – تألف أقواًم ا‬
‫‪122‬‬ ‫أن النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬صلى باملدينة سبعًا ومثانيًا‬
‫‪140‬‬ ‫أن النيب – صلى اهلل عليه وسلم – كان يصلي اجلمعة حني متيل‬
‫الشمس‬

‫‪154‬‬ ‫إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصاحل فمات‬

‫‪201‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪188 ،187‬‬ ‫ِإَّن ِباَل اًل ُيَؤ ِّذُن ِبَلْيٍل َفُك ُلوا َو اْش َر ُبوا‬
‫‪180‬‬ ‫إنّ رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يعطيكم ليؤلفكم‬
‫على اإلسالم‬
‫‪45‬‬ ‫أن قيس بن عاصم أسلم‪ ،‬فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم أن‬
‫يغتسل مباء وسدر‬
‫‪51 ،49‬‬ ‫أنه توضأ من مزادة مشركة‬
‫‪64‬‬ ‫ِإهَّن ا ليست بنجسٍ‬
‫‪163‬‬ ‫بينما كنت ُأَم اِش ى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪130 ،122‬‬ ‫مجع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بني الظهر والعصر‬
‫‪183‬‬ ‫خذ الصدقة من أغنيائهم‪ ،‬وردها على فقرائهم‬
‫‪158‬‬ ‫َخ ْيُر ُصُفوِف الِّر َج اِل َأَّو َهُلا‬
‫‪130 ،128‬‬ ‫رأيت رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم مجع بني الظهر والعصر‬
‫‪87‬‬ ‫سئل عن اخلمر تتخذ خاًل ‪ ،‬فقال‪ :‬ال‬
‫‪138 ،98‬‬ ‫صلوا كما رأيتموين أصلي‬

‫‪127‬‬ ‫صلى رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – الظهر والعصر مجيًعا‬
‫صلى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مقي ا غري مسافر سبًعا ‪129‬‬
‫ًم‬
‫ومثانًيا‬
‫‪158‬‬ ‫َبْيِتَنا‬ ‫َص َّلْيُت َأَنا َو َيِتيٌم يِف‬
‫ِف ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ ِء ِد‬
‫‪63 ،60 ،59‬‬
‫َذا َو َلَغ ي اْلَكْلُب‬ ‫َطُه وُر َنا َأَح ُك ْم‬
‫‪156‬‬ ‫ُعِر َضْت َعَلَّي الَّناُر ‪َ ،‬و َأَنا ُأَص ِّلي‬
‫‪40‬‬ ‫فإذا هنيتكم عن شئ فاجتنبوه‬

‫‪202‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫ِد ِث ٍد ِب‬ ‫ِإ ِط‬
‫‪178‬‬
‫َف يِّن ُأْع ي ِر َج ااًل َح ي ي َعْه ُك ْف ٍر َأَتَأَّلُفُه ْم‬
‫‪183‬‬ ‫َقِدَم ْت عليّ ُأِّم ي وهي مُشركة‬
‫‪171‬‬ ‫كان غالم يهودي خيدم النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪141‬‬ ‫كان يصلي‪ ،‬مث نذهب إىل َمِجالنا َفُنِر ُحيَه ا حني تزول الشمس‬
‫‪60‬‬ ‫وُل ْق ِب ُتْد ِب يِف اْل ِج ِد‬ ‫ِك‬
‫َك اَنْت اْل اَل ُب َتُب َو ُت ُل َو ُر َمْس‬
‫‪87 ،77‬‬ ‫كل شراب أسكر‪ ،‬فهو حرام‬
‫‪77‬‬ ‫كل مسكر حرام‬
‫‪140‬‬ ‫كنا ّجُنمُع مع النيب – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا زالت الشمس‬

‫‪141‬‬ ‫كنا نصلي مع رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – اجلمعة‬
‫‪171‬‬ ‫ال تبدأوا اليهود وال النصارى بالسالم‬
‫‪154‬‬ ‫اَل َتْد ُخ ُل اْلَم اَل ِئَك ُة َبْيًتا ِفيِه َك ْلٌب ‪َ ،‬و اَل ُصوَر ة متاثيل‬
‫‪87‬‬ ‫لعن اهلل اخلمر‬
‫‪168‬‬ ‫ملا تويف أبو طالب أتيت النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪157‬‬ ‫لن ُيفِلح قوٌم َو َّلوا أمرهم امرأة‬
‫‪61‬‬ ‫َهَلا َم ا َأَخ َذ ْت ىِف ُبُطوَهِنا‬
‫‪14‬‬ ‫ليبلغَّن هذا األمُر ‪ ،‬ما بلغ الليل والنهار‬
‫‪91 ،89 ، 88‬‬ ‫ما أسكر كثريه‪ ،‬فقليله حرام‬
‫‪141‬‬ ‫ما كنا َنِق يُل وال َنَتَغَّدى إال بعد اجلمعة يف عهد رسول اهلل –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪145‬‬ ‫من أدرك من الصالة ركعة‪ ،‬فقد أدرك الصالة‬
‫‪126‬‬ ‫من مجع بني صالتني من غري عذر‬

‫‪203‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪29‬‬ ‫من يرد اهلل به خريًا يفقهه يف الدين‬
‫‪94‬‬ ‫نعم اإلدام اخلل‬
‫‪84‬‬ ‫هل َعِلْم َت َأَّن اهلل قد حرمها‬
‫‪155 ،153‬‬ ‫َو َأْيَنَم ا َأْد َر َك ْتَك الَّصَالُة َفَص ِّل َفُه َو َمْس ِج ٌد‬
‫‪153،155‬‬ ‫َو ُج ِعَلْت يِل اَأْلْر ُض َمْس ِج ًد ا َو َطُه وًر ا‬
‫‪101 ،100 ،99 ،98‬‬ ‫ُّظ ِر ِإ‬
‫َو ْقُت َال ْه َذا َز اَلْت َالَّش ْم ُس‬
‫‪29‬‬ ‫علما‬
‫طريقا يلتمس فيه ً‬
‫ومن سلك ً‬
‫‪136‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا الَّناُس ُتوُبوا ِإىَل الَّلِه َقْبَل َأْن ُمَتوُتوا‬
‫‪61‬‬ ‫ِة‬ ‫ِح‬
‫َيا َص ا َب اْلَم ْق َر ا ‪ ،‬اَل ْخُتْرِبُه‬

‫‪204‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فهرس األثار‬

‫الصفحة‬ ‫رأس اآلثر‬


‫‪130‬‬ ‫أن ابن عباس صلى بالبصرة األوىل والعصر‪ ،‬ليس‬
‫بينهما شيء‬
‫‪152‬‬ ‫أن ابن عمر كان يرى أهل املياه بني مكة واملدينة‬
‫جمعون‬
‫يُ ّ‬
‫‪137‬‬ ‫أن أهل الكوفة أخرجوا أمريهم الوليد بن عقبة‬
‫وقدموا‬
‫‪137‬‬ ‫أمريا‬
‫أن أهل املدينة أخرجوا سعيد بن العاص وكان ً‬
‫عليهم‬
‫‪137‬‬ ‫أن علًيا صلى اجلمعة وعثمان حمصور‬
‫‪151‬‬ ‫أن كعب بن مالك كان إذا مسع النداء يوم اجلمعة‬
‫‪155 ،154‬‬ ‫ِإَّنا اَل َنْد ُخ ُل َك َناِئَس ُك ْم ِم ْن َأْج ِل الَّتَم اِثيِل اَّليِت ِفيَه ا‬
‫الُّصَو ُر‬
‫‪116‬‬ ‫أهل العلم أهل توسعة‬
‫‪151‬‬ ‫مجعوا حيث كنتم‬
‫ّ‬
‫سئل ابن عباس عن رجل مسلم مل يتبع أباه النصراين ‪169‬‬

‫‪169‬‬ ‫سئل ابن عمر عن الرجل يتبع أمه النصرانية متوت‬


‫‪94‬‬ ‫سئل ابن عمر عن خل أهل الكتاب‬
‫‪101‬‬ ‫الشفق‪ :‬احلمرة‬
‫‪141‬‬ ‫شهدت اجلمعة مع أيب بكر‬
‫‪154‬‬ ‫كان ابن عباس يصلي يف البيعة إال ِبيَعًة فيها متاثيل‬

‫‪205‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪182‬‬ ‫كانوا يكرهون أن يرضخوا ألنساهبم من املشركني‬
‫‪82‬‬ ‫كنت ساقي القوم‪ ،‬يوم ُح رمت اخلمر‬
‫‪45‬‬ ‫كيف تصنعون إذا دخلتم يف هذا األمر‬
‫‪37‬‬ ‫ال ربا بني املسلم واحلريب يف دار احلرب‬
‫‪169‬‬ ‫ماتت أم أيب وائل وكانت نصرانية‬
‫‪169‬‬ ‫ماتت أم احلارث بن أيب ربيعة وكانت نصرانية‬
‫‪48‬‬ ‫من صافحهم‪ ،‬فليتوضأ‬
‫‪76‬‬ ‫واخلمر ما خامر العقل‬
‫‪109 ،101‬‬ ‫وكانوا يصلون فيما بني أن يغيب الشفق إىل ثلث‬
‫الليل األول‬

‫‪206‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فهرس األعالم المترجم لهم‬


‫الصفحة‬ ‫إسم العلم‬

‫‪126 ،63‬‬ ‫ابن اجلوزي‬


‫‪50،181‬‬ ‫ابن العريب‬
‫‪121 ،78 ،46 ،39 ،30، 28 ،19‬‬ ‫ابن القيم‬
‫‪158 ،121 ،100 ،54 ،22‬‬ ‫ابن املنذر‬
‫‪164 ،128 ،121 ،78 ، 73 ،70 ،66‬‬ ‫ابن تيمية‬
‫‪183 ،172 ،157‬‬ ‫ابن جرير الطربي‬
‫‪165 ،156 ،131 ،88 ،84 ،29 ،28‬‬ ‫ابن حجر‬
‫‪163 ،147 ،109 ،78 ،50 ،22‬‬ ‫ابن حزم‬
‫‪124‬‬ ‫ابن خزمية‬
‫‪69‬‬ ‫ابن دقيق العيد‬
‫‪143 ،131 ،122‬‬ ‫ابن رجب‬

‫‪171 ،170‬‬ ‫ابن رشد اجلد‬


‫‪179 ،152 ،78 ،65 ،63‬‬ ‫ابن رشد احلفيد‬
‫‪131 ،121 ،68‬‬ ‫ابن سريين‬
‫‪121‬‬ ‫ابن شُبُْرمة‬
‫‪90 ،67 ،34‬‬ ‫ابن عبد الرب‬
‫‪78 ،69 ،54 ،40 ،38 ،22‬‬ ‫ابن قدامة‬
‫‪51‬‬ ‫ابن كثري‬
‫‪136‬‬ ‫ابن ماجة‬

‫‪207‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪131‬‬ ‫أبو العباس القرطيب‬
‫‪167 ،157 ،67 ،58‬‬ ‫أبو ثور‬
‫‪141‬‬ ‫أبو جعفر الباقر‬
‫‪51‬‬ ‫أبو داود‬
‫‪،177 ،155 ،131 ، 79 ،61 ، 29‬‬ ‫أبو عبداهلل القرطيب‬
‫‪183 ،182‬‬
‫‪169‬‬ ‫أبو وائل‬
‫‪77‬‬ ‫أبو يوسف‬
‫‪78 ،58‬‬ ‫أبوبكر حممد بن داود‬
‫‪99 ،77 ،66 ،59 ،37‬‬ ‫أبوحنيفة‬
‫‪،78 ،76 ،،67 ،66 ،54 ،51 ،44 ،38‬‬ ‫أمحد ابن حنبل‬
‫‪،167 ،140 ،129 ،126 ،121 ،100‬‬
‫‪171 ،170‬‬
‫‪100‬‬ ‫إسحاق ابن راهويه‬
‫‪131 ،121 ،110‬‬ ‫أشهب‬

‫‪61‬‬ ‫األعمش‬
‫‪76 ،58 ،17‬‬ ‫األوزاعي‬
‫‪،156 ،154 ،122 ،60 ،59 ،44 ،22‬‬ ‫البخاري‬
‫‪158‬‬
‫‪53‬‬ ‫بدر الدين العيين‬
‫‪164‬‬ ‫البهويت‬
‫‪128‬‬ ‫البيهقي‬

‫‪208‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪145 ،121 ،59‬‬ ‫الرتمذي‬
‫‪113‬‬ ‫اجلويين‬
‫‪169‬‬ ‫احلارث بن أيب ربيعة‬
‫‪154 ،110‬‬ ‫احلسن البصري‬
‫‪126‬‬ ‫حسني بن قيس‬
‫‪112‬‬ ‫احلطاب‬

‫‪183 ،131‬‬ ‫اخلطايب‬

‫‪126 ،65‬‬ ‫الدارقطين‬


‫‪79‬‬ ‫الرازي‬

‫‪78‬‬ ‫ربيعة الرأي‬


‫‪177 ،145 ،70 ،58‬‬ ‫الزهري‬
‫‪154‬‬ ‫سعيد بن عبدالعزيز‬
‫‪100‬‬ ‫سفيان الثوري‬
‫‪،76 ، 68 ،67 ،66 ،64 ،54 ،35‬‬ ‫الشافعي‬
‫‪182 ،165 ،147 ،145 ،100‬‬
‫‪61‬‬ ‫شعبة‬
‫‪154 ،110‬‬ ‫الشعيب‬
‫‪62‬‬ ‫الطحاوي‬
‫‪62‬‬ ‫عبد الرمحن بن زيد بن أسلم‬
‫‪83‬‬ ‫عبد الرمحن بن وعلة الَّس َبِإِّى‬
‫‪143 ،141‬‬ ‫عبد اهلل بن سيدان‬

‫‪209‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪130 ،128 ،127‬‬ ‫عبد اهلل بن شقيق‬
‫‪126‬‬ ‫العقيلي‬
‫‪64‬‬ ‫علي بن ُمسْه ر‬
‫‪163‬‬ ‫عليش‬
‫‪154‬‬ ‫عمر بن عبدالعزيز‬
‫‪128‬‬ ‫عمرو بن دينار‬
‫‪112 ،107 ،55 ،53‬‬ ‫القرايف‬
‫‪121‬‬ ‫القفال الكبري‬
‫‪99 ،36‬‬ ‫الكاساين‬
‫‪78 ،76 ،58‬‬ ‫الليث ابن سعد‬
‫‪،68 ،66 ،63 ،58 ،56 ،55 ،54 ، 34‬‬ ‫مالك بن أنس‬
‫‪،172 ،171 ،153 ،101 ،78 ،76 ،70‬‬
‫‪179 ،173‬‬
‫‪79‬‬ ‫املاوردي‬
‫‪100 ،77‬‬ ‫حممد بن احلسن‬
‫‪158 ،78‬‬ ‫املزين‬
‫‪،130 ،127 ،99 ،63،67 ،59 ، 44 ، 22‬‬ ‫مسلم‬
‫‪158‬‬
‫‪37‬‬ ‫مكحول‬
‫‪154‬‬ ‫النخعي‬
‫‪130 ،126‬‬ ‫النسائي‬
‫‪،78 ،73 ،71،72 ،68 ،65 ،52 ،39 ،30‬‬ ‫النووي‬
‫‪164 ،143 ،131 ،123 ،107 ،100 ،80‬‬

‫‪210‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪116 ،22‬‬ ‫حيىي بن سعيد القطان‬

‫‪211‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬

‫فهرس المصادر والمراجع‬


‫أواًل ‪ :‬المراجع العربية‪:‬‬
‫‪ .1‬القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪ .2‬اآليب األزهري‪ ،‬صاحل عبد السميع‪ .‬جواهر اإلكليل شرح خمتصر خليل‪ .‬لبنان‪ :‬املكتبة الثقافية‪.‬‬

‫‪ .3‬األث ــري‪ ،‬جمد ال ــدين أب ــو الس ــعادات املب ــارك بن حمم ــد اجلزري‪1383 .‬هـ‪1963 -‬م‪ .‬النهاي ــة يف غ ــريب احلديث‬
‫واألثر‪ .‬املكتبة اإلسالمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .4‬األصــبحي‪ ،‬مالــك بن أنس بن مالــك بن أيب عــامر‪1415 .‬هـ ‪1994 -‬م‪ .‬املدونــة الكــربى‪ .‬لبنــان‪:‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .5‬األلب ــاين‪ ،‬حمم ــد ناص ــر ال ــدين‪1399 .‬هـ‪1979-‬م‪ .‬إرواء الغلي ــل ختريج أح ــاديث من ــار الس ــبيل‪ .‬لبن ــان‪:‬املكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .6‬األلباين‪ ،‬ناصر الدين‪1408 .‬هـ‪1988-‬م‪ .‬متام املنة يف التعليق على فقــه السـنة‪ .‬دار الرأيـة للنشـر والتوزيـع‪ ،‬ط‬
‫‪.2‬‬

‫‪ .7‬اآلمـدي‪ ،‬علي بن حممـد‪1424 .،‬هـ ‪2003-‬م‪ .‬اإلحكـام يف أصـول األحكـام‪ .‬السـعودية‪:‬دار الصـميعي للنشـر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .8‬البــاجي‪ ،‬ســليمان بن خلــف بن ســعد‪1420 .‬هـ ‪1999 -‬م‪ .‬املنتقى شــرح موطــأ مالــك‪ .‬لبنــان ‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .9‬البخاري‪ ،‬أبو عبد اهلل إمساعيل بن إبراهيم‪ ،‬التاريخ الكبري‪( ،‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .10‬البخ ــاري‪ ،‬أب ــو عب ــد اهلل حمم ــد بن إمساعيل بن إب ــراهيم بن املغ ــرية‪1400 .‬هـ‪1980 -‬م‪ .‬اجلامع الص ــحيح‬
‫املسند من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسننه وأيامه‪ .‬مصر‪ :‬املكتبة السلفية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .11‬البخاري‪ ،‬صفي الدين احلنفي‪ .‬القـول اجللي يف ترمجة الشـيخ تقي الـدين بن تيميـة احلنبلي‪.‬دمنهـور ت‪ :‬دار‬
‫لينة للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪ .12‬ب ــدر ال ــدين العي ــين‪ ،‬أب ــو حمم ــد حمم ــود بن أمحد بن موس ــى‪1411 .‬هـ‪1990-‬م‪ .‬البناي ــة يف ش ــرح اهلداي ــة‪.‬‬
‫لبنان‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪212‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .13‬بطـ ــال‪ ،‬أبـ ــو احلسـ ــن علي بن خلـ ــف بن عبـ ــد امللـ ــك‪1423 .‬هـ ‪2003 -‬م‪ .‬شـ ــرح صـ ــحيح البخـ ــارى‪.‬‬
‫السعودية‪:‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫البعلبكي‪ ،‬منري‪2000 .‬م‪ .‬املورد‪ .‬لبنان‪:‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪.34‬‬ ‫‪.14‬‬

‫البغدادي‪ ،‬أبو حممد عبد الوهاب‪ .‬التلقني يف الفقه املالكي‪ .‬السعودية‪:‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.15‬‬

‫البغوي‪ ،‬احلسن بن مسعود‪1403 .‬هـ‪1983 -‬م‪ .‬شرح السنة‪ .‬لبنان‪ -‬دمشق ‪:‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪.16‬‬

‫‪ .17‬بلب ــان الفارس ــي‪ ،‬األم ــري عالء ال ــدين علي‪1408 .‬هـ‪1988-‬م‪ .‬اإلحس ــان يف تق ــريب ص ــحيح ابن حب ــان‪.‬‬
‫لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬

‫‪ .18‬البهويت‪ ،‬منصور بن يونس بن إدريس‪1417 .‬هـ‪1997-‬م‪ .‬كشاف القناع عن منت اإلقناع‪ .‬لبنان‪ :‬عــامل‬
‫الكتب‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .19‬البورنـ ـ ـ ــو‪ ،‬حممـ ـ ـ ــد صـ ـ ـ ــدقي بن أمحد‪1416 .‬هـ‪1996-‬م‪ .‬الوجـ ـ ـ ــيز يف إيضـ ـ ـ ــاح قواعـ ـ ـ ــد الفقـ ـ ـ ــه الكليـ ـ ـ ــة‪.‬‬
‫لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.4‬‬

‫‪ .20‬البورن ـ ـ ــو‪ ،‬حمم ـ ـ ــد ص ـ ـ ــدقي بن أمحد‪1416.‬هـ ‪ 1996 -‬م‪ .‬الوج ـ ـ ــيز يف إيض ـ ـ ــاح قواع ـ ـ ــد الفق ـ ـ ــه الكلي ـ ـ ــة‪.‬‬
‫لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.4‬‬

‫‪ .21‬البيهقي‪ ،‬أبو بكر أمحد بن احلسـني‪1423 .‬هـ ‪2003 -‬م‪ .‬اجلامع لشـعب اإلميان‪ .‬السـعودية‪ :‬دار الرشـد‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬

‫الــبيهقي‪ ،‬أبــو بكــر أمحد بن احلســني‪1424 .‬هـ ‪2003 -‬م‪ .‬الســنن الكــربى‪.‬لبنــان‪:‬دار الكتب العمليــة‪ ،‬ط‬ ‫‪.22‬‬
‫‪.3‬‬

‫‪ .23‬التــربيزي‪ ،‬حممــد بن عبــد اهلل اخلطيب‪1399 .‬هـ‪1979-‬م‪ .‬مشــكاة املصــابيح‪ .‬لبنــان‪ :‬املكتب اإلســالمي‪،‬‬
‫ط‪.2‬‬

‫الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى حممد بن عيسى‪1397 .‬هـ‪1977-‬م‪ .‬اجلامع الصحيح‪ .‬طبع مصطفى احلليب‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪.24‬‬

‫‪ .25‬تيميــة‪ ،‬أبــو العبــاس أمحد بن عبــد احلليم بن عبــد الســالم بن عبــد اهلل احلراين‪1425 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬جممــوع‬
‫فتاوى ابن تيمية‪ .‬السعودية‪ :‬جممع امللك فهد لطباعة احملصف الشريف‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .26‬تيميــة‪ ،‬أبــو العبــاس أمحد بن عبــد احلليم بن عبــد الســالم بن عبــد اهلل احلراين‪1413 .‬هـ‪1993 -‬م‪ .‬شــرح‬
‫العمدة يف الفقه‪ .‬السعودية‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .27‬تيمية‪ ،‬أبو العباس أمحد بن عبد احلليم بن عبد السالم بن عبد اهلل احلراين‪ .‬جمموعة الرسائل واملســائل‪ .‬جلنــة‬
‫الرتاث العريب‪.‬‬

‫‪ .28‬تيمي ــة‪ ،‬أب ــو العب ــاس أمحد بن عب ــد احلليم بن عب ــد الس ــالم بن عبداهلل احلراين‪1408.‬هـ‪1987-‬م‪ .‬الفت ــاوى‬
‫الكربى‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .29‬تيمي ـ ــة‪ ،‬أب ـ ــو العب ـ ــاس أمحد بن عب ـ ــداحلليم بن عبدالس ـ ــالم بن عبداهلل احلراين‪1422 .‬هـ‪2002-‬م‪ .‬ج ـ ــامع‬
‫املسائل‪ .‬السعودية‪:‬دار عامل الفوائد‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .30‬اجلديع‪ ،‬عبــد اهلل بن يوســف‪1428 .‬هـ‪2007 -‬م‪ .‬تقســيم املعمــورة يف الفقــه اإلســالمي وأثــره يف الواقــع‪.‬‬
‫إيرلندا ‪ :‬اجمللس األوريب لإلفتاء والبحوث‪.‬‬

‫‪ .31‬جرير الطربي‪ ،‬أبو جعفر حممد بن جرير بن يزيد بن كثري‪1422 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬جـامع البيـان عن تأويـل‬
‫آي القرآن‪ .‬مصر‪ :‬دار هجر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫جزي‪ ،‬حممد بن أمحد‪1426 ،‬هـ‪2005-‬م‪ .‬القوانني الفقهية‪ .‬لبنان‪:‬املكتبة العصرية‪.‬‬ ‫‪.32‬‬

‫‪ .33‬اجلوزي‪ ،‬أبــو الفــرج عبــد الــرمحن بن علي بن حممــد بن علي ابن عبيــد اهلل‪1419 .‬هـ‪1998-‬م‪ .‬التحقيــق‬
‫يف أحاديث اخلالف‪ .‬مصر‪ :‬دار الوعي العريب‪ ،‬دمشق‪ :‬دار ابن عبد الرب‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .34‬اجلوزي‪ ،‬أب ــو الف ــرج عب ــد ال ــرمحن بن علي‪ 1404 .‬هـ ‪1984 -‬م‪ .‬زاد املس ــري يف علم التفس ــري‪ .‬لبن ــان‪-‬‬
‫سوريا‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .35‬اجلوزي‪ ،‬أبـ ــو الفـ ــرج عبـ ــد الـ ــرمحن بن علي‪ 1418 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬كتـ ــاب املوضـ ــوعات من األحـ ــاديث‬
‫املرفوعات‪.‬السعودية‪ :‬مكتبة أضواء السلف‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .36‬جيب‪ ،‬س ــعدي‪1420 .‬هـ‪1999-‬م‪ .‬موس ــوعة اإلمجاع يف الفق ــه اإلس ــالمي‪ .‬دمش ــق‪:‬دار الفك ــر للنش ــر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫اجليزاين‪ ،‬حممد بن حسني‪1427 .‬هـ‪2006 -‬م‪ .‬فقه النوازل‪.‬السعودية ‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪.37‬‬

‫‪ .38‬حـ ــامت‪ ،‬حممـ ــد بن أمحد بن حبـ ــان الُبسـ ــيت‪1416 .‬هـ ‪1995 -‬م‪ .‬مشـ ــاهري علمـ ــاء األمصـ ــار‪ .‬لبنـ ــان‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪214‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .39‬حاشـ ــيتا قليـ ــويب وعمـ ــرية على شـ ــرح احمللى على منهـ ــاج الطـ ــالبني‪ .‬مصـ ــر‪ :‬شـ ــركة مكتبـ ــة ومطبعـ ــة البـ ــايب‬
‫السورياي وأوالده‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫احلاكم النيسابوري‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عبد اهلل‪ .‬املستدرك على الصحيحني‪ .‬لبنان‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬ ‫‪.40‬‬

‫‪ .41‬حج ــر‪ ،‬أب ــو الفض ــل أمحد بن علي بن حمم ــد‪1416 .‬هـ ‪1995 -‬م‪ .‬التلخيص احلب ــري يف ختريج أح ــاديث‬
‫الرافعي الكبري‪ .‬السعودية‪ :‬مؤسسة قرطبة ‪ -‬دار املشكاة للبحث العلمي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫حجر‪ ،‬أمحد بن علي بن حممد بن حممد‪ .‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ .‬لبنان‪ :‬دار املعرفة‪.‬‬ ‫‪.42‬‬

‫‪ .43‬حجــر‪ ،‬شــهاب الــدين أمحد بن علي‪1414 .‬هـ‪1993 -‬م‪ .‬الــدرر الكامنــة يف أعيــان املائــة الثامنــة‪ .‬لبنــان‪:‬‬
‫دار اجلبل‪.‬‬

‫حزم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد‪1374 .‬هـ‪1955 -‬م‪ .‬احمللى‪ .‬مصر‪:‬مطبعة النهضة‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.44‬‬

‫‪ .45‬حزم‪ ،‬أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد‪1402 .‬هـ‪1982 -‬م‪ .‬مراتب اإلمجاع يف العبادات‪ ،‬واملعامالت‪،‬‬
‫واملعتقدات‪ .‬لبنان‪ :‬دار األفاق اجلديدة‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .46‬احلصـ ــين‪ ،‬تقي الـ ــدين أبـ ــو بكـ ــر حممـ ــد بن احلسـ ــيين‪1422 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬كفايـ ــة األخب ــار يف ح ــل غاي ــة‬
‫اإلختصار‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .47‬احلطــاب‪ ،‬حممــد بن حممــد املغــريب‪1416 .‬هـ‪1995-‬م‪ .‬مــواهب اجلليــل لشــرح خمتصــر خليــل‪ .‬لبنــان‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫احلموي‪ ،‬شهاب الدين بن عبد اهلل‪1397 .‬هـ‪1977 -‬م‪ .‬معجم البلدان‪ .‬لبنان‪:‬دار صابر‪.‬‬ ‫‪.48‬‬

‫‪ .49‬محيــد‪ ،‬صــاحل بن عبداهلل‪1401 .‬هـ‪1402-‬هـ ـ ‪ .‬رفــع احلرج يف الشــريعة اإلســالمية‪ :‬ضــوابطه وتطبيقاتــه‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬جامعة أم القرى (خمطوط)‪.‬‬

‫‪ .50‬احلمــريي‪ ،‬عيســى بن عبــد اهلل بن حممــد‪1416.‬هـ ‪1995 -‬م‪ .‬لبــاب النقــول يف طهــارة العطــور املمزوجــة‬
‫بالكحول‪ .‬اإلمارات العربية املتحدة‪ :‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫حنبل‪ ،‬أمحد‪1416 .‬هـ ‪1995 -‬م‪ .‬املسند‪ .‬مصر‪ :‬دار احلديث‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.51‬‬

‫حنبل‪ ،‬أمحد‪1416 .‬هـ‪1995 -‬م‪ .‬مسند اإلمام أمحد ابن حنبل‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬ ‫‪.52‬‬

‫اخلرشي‪ ،‬عبد اهلل حممد‪1316.‬هـ‪ .‬شرح خمتصر خليل‪ .‬مصر‪ :‬املطبعة العامرة الشرفية‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.53‬‬

‫‪215‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .54‬خزمية‪ ،‬أبــو بكــر حممــد بن إســحاق‪1400 .‬هـ‪1980 -‬م‪ .‬صــحيح ابن خزمية‪ .‬لبنــان‪ :‬املكتب اإلســالمي‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬

‫‪ .55‬اخلط ــايب‪ ،‬أب ــو س ــليمان محد بن حمم ــد‪1351 .‬هـ‪1932-‬م‪ .‬مع ــامل الس ــنن‪ .‬س ــوريا‪ :‬مطبع ــة حمم ــد راغب‬
‫الطباخ‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .56‬خلكان‪ ،‬أبو العباس مشس الدين أمحد بن حممد بن أيب بكر‪ .‬وفيات األعيان وأنبــاء أبنــاء الزمــان‪ .‬لبنــان‪:‬دار‬
‫صادر‪.‬‬

‫الدار قطين‪ ،‬علي ابن عمر‪ ،‬سنن الدار قطين‪ 1424 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.57‬‬

‫الدبيان‪ ،‬أبو عمر دبيان بن حممد‪1424 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬أحكام الطهارة‪ .‬السعودية‪:‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.58‬‬

‫‪ .59‬الُّد َج ْيِلُّي ‪،‬سراج الدين احلسني بن يوسف بن حممد بن أيب الَّس ِر ِّي ‪1425 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬الوجيز يف الفقــه‬
‫على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬السعودية‪ :‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .60‬الدردير‪ ،‬أبو الربكات أمحد بن حممد بن حممد‪1406 .‬هـ‪1986 -‬م‪ .‬الشرح الصغري على أقرب املســالك‬
‫إىل مذهب اإلمام مالك وهبامشه حاشية الصاوي‪ .‬مصر‪:‬دار املعارف‪.‬‬

‫الدسوقي‪ ،‬حممد عرفه‪ ،‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري‪ .‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬ ‫‪.61‬‬

‫‪ .62‬دقي ــق العي ــد‪ ،‬تقي ال ــدين أب ــو الفتح حمم ــد بن علي بن وهب بن مطي ــع القش ــريي‪1414 ،‬هـ ‪1994-‬م‪.‬‬
‫إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ .‬مصر‪ :‬مكتبة السنة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .63‬ال ــذهيب‪ ،‬مشس ال ــدين حمم ــد بن أمحد بن عثم ــان‪1402 .‬هـ‪1982-‬م‪ .‬س ــري أعالم النبالء‪ .‬لبن ــان‪:‬مؤسس ــة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪ .2‬الرازي‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني الــتيمي‪1401 .‬هـ‪1981-‬م‪ .‬مفــاتيح‬
‫الغيب‪ .‬لبنان‪:‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .64‬رجب‪ ،‬أبـ ــو الف ـ ــرج عبـ ــد الـ ــرمحن بن أمحد السـ ــالمي‪1417 .‬هـ‪1996-‬م‪ .‬فتح البـ ــاري شـ ــرح صـ ــحيح‬
‫اليخاري‪ .‬املدينة املنورة‪:‬مكتبة الغرباء األثرية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .65‬رجب‪ ،‬أب ــو الف ــرج عب ــد ال ــرمحن بن أمحد الس ــالمي‪ 1419 .‬هـ‪ .‬تقري ــر القواع ــد وحتري ــر الفوائ ــد‪ .‬دار ابن‬
‫عفان‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .66‬رشد اجلد‪ ،‬أبو الوليد حممد بن أمحد القرطيب‪1408 .‬هـ ‪1988 -‬م‪ .‬البيان والتحصيل والشرح والتوجيـه‬
‫والتعليل يف مسائل املستخرجة‪ .‬لبنان‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪216‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫رشد‪ ،‬حممد بن أمحد‪1415 .‬ه‪ .‬بداية اجملتهد وهناية املقتصد‪ .‬مصر‪ :‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.67‬‬

‫رضا‪ ،‬حممد رشيد‪1366 .‬هـ‪1947-‬م‪ .‬تفسري املنار‪ .‬مصر‪:‬دار املنار‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪.68‬‬

‫‪ .69‬الرملي‪ ،‬مشس الدين حممد بن أيب العبـاس‪1414 .‬هـ‪1993-‬م‪ .‬هنايـة احملتـاج إىل شـرح املنهــاج‪ .‬لبنـان‪:‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .70‬الزبي ـ ــدي‪ ،‬الس ـ ــيد حمم ـ ــد مرتض ـ ــى احلس ـ ــيين‪1392 .‬هـ‪1972-‬م‪ .‬ت ـ ــاج الع ـ ــروس من ج ـ ــواهر الق ـ ــاموس‪.‬‬
‫الكويت‪ :‬وزارة اإلعالم‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫الزحيلي‪ ،‬وهبة‪1425 .‬هـ‪2005-‬م‪ .‬الفقه اإلسالمي وأدلته‪ .‬دمشق‪:‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.8‬‬ ‫‪.71‬‬

‫الزرقا‪ ،‬أمحد حممد‪1409 .‬هـ‪1989-‬م‪ .‬شرح القواعد الفقهية‪ .‬سوريا‪:‬دار القلم‪ ،‬ط‪.2‬‬ ‫‪.72‬‬

‫الزركلي‪ ،‬خري الدين بن حممود بن حممد‪ 2002 .‬م‪ .‬األعالم‪ .‬لبنان‪:‬دار العلم للماليني‪ ،‬ط‪.15‬‬ ‫‪.73‬‬

‫‪ .74‬الزيلعي‪ ،‬مجال الدين أبو حممد عبد اهلل بن يوسف بن حممد‪1418 .‬هـ‪1997-‬م‪ .‬نصب الرايــة ألحــاديث‬
‫اهلداية مع حاشيته بغية األملعي يف ختريج الزيلعي‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الريان للطباعة والنشر‪ -‬الســعودية‪ :‬دار القبلــة‬
‫للثقافة اإلسالمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .75‬ساعي‪ ،‬حممـد نعيم هـاين‪1428 .‬هـ‪2007-‬م‪ .‬موسـوعة مسـائل اجلمهـور يف الفقـه اإلسـالمي‪ .‬مصـر‪ :‬دار‬
‫السالم‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .76‬الس ـ ـ ـ ـ ـ ــالوس‪ ،‬علي أمحد‪1426 .‬هـ‪2005-‬م‪ .‬موس ـ ـ ـ ـ ـ ــوعة القض ـ ـ ـ ـ ـ ــايا الفقهي ـ ـ ـ ـ ـ ــة املعاص ـ ـ ـ ـ ـ ــرة واالقتص ـ ـ ـ ـ ـ ــاد‬
‫اإلسالمي‪.‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪.7‬‬

‫‪ .77‬السبكي‪ ،‬تاج الدين أيب نصـر عبـد الوهـاب بن علي‪1383 ،‬هـ‪1964-‬م‪ .‬طبقـات الشـافعية الكـربى‪ .‬دار‬
‫إحياء الكتب العربية‪.‬‬

‫‪ .78‬السجســتاين‪ ،‬أبــو داود ســليمان بن األشــعث‪1425 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬الســنن‪ .‬الســعودية‪ :‬دار القبلــة للثقافــة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫سالم‪ ،‬أبوعبيد القاسم‪ .‬األموال‪ .‬قطر‪:‬إدارة إحياء الرتاث اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪.79‬‬

‫السمرقندي‪ ،‬عالء الدين‪ .‬حتفة الفقهاء‪ .‬قطر‪ :‬إدارة إحياء الرتاث اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪.80‬‬

‫‪217‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .81‬السـ ــيوطي‪ ،‬جالل الـ ــدين عبـ ــد الـ ــرمحن‪1403 .‬هـ‪1983-‬م‪ .‬األشـ ــباه والنظـ ــائر يف قواعـ ــد وفـ ــروع فقـ ــه‬
‫الشافعية‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .82‬ش ــادي‪ ،‬أنس‪ .‬ذو القع ــدة ‪1422‬هـ‪ -‬ف ــرباير ‪2002‬م‪ .‬مقدم ــة ج ــدول م ــواقيت الص ــالة ب ــاملركز الثق ــايف‬
‫اإلسالمي ومسجد لندن املركزي(خمطوط)‪.‬‬

‫الشافعي‪ ،‬حممد بن إدريس‪1422 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬األم‪ .‬مصر‪:‬دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.83‬‬

‫‪ .84‬الشـ ــربيين‪ ،‬مشس الـ ــدين حممـ ــد بن احلطيب‪1418 .‬هـ‪1997-‬م‪ .‬مغـ ــين احملتـ ــاج إىل معرفـ ــة معـ ــاين ألفـ ــاظ‬
‫املنهاج‪ .‬لبنان‪ :‬دار املعرفة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .85‬الشـ ــرنباليل‪ ،‬حسـ ــن بن عمـ ــار بن علي‪1424 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬مـ ــراقي الفالح بإمـ ــداد الفتـ ــاح شـ ــرح نـ ــور‬
‫اإليضاح وجناة األرواح‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .86‬الشنقيطي‪ ،‬حممد األمني بن حممـد املختـار‪1426 .‬هـ‪2005-‬م‪ .‬أضـواء البيـان يف إيضـاح القـرآن بـالقرآن‪.‬‬
‫السعودية‪:‬دار عامل الفوائد‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .87‬الش ــوكاين‪ ،‬حمم ــد بن علي بن حمم ــد بن عب ــد اهلل‪1427 .‬هـ‪2006 -‬م‪ .‬الب ــدر الط ــالع مبحاس ــن من بع ــد‬
‫القرن السابع‪ .‬لبنان‪ ،‬سوريا‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .88‬الش ــوكاين‪ ،‬حمم ــد بن علي بن حمم ــد‪ ،‬ني ــل األوط ــار من أس ــرار منتقى األخب ــار‪ .‬الس ــعودية‪ :‬دار ابن القيم‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ :‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع ‪1426 -‬هـ‪2005-‬م‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫الشويكي‪ ،‬أمحد بن حممد بن أمحد‪ .‬التوضيح يف اجلمع بني املقنع والتنقيح‪ .‬السعودية‪:‬املكتبة املكية‪.‬‬ ‫‪.89‬‬

‫‪ .90‬ش ــيبة‪ ،‬أب ــو بك ــر عب ــد اهلل بن حمم ــد بن إب ــراهيم‪ 1429 .‬هـ‪2008-‬م‪ .‬املص ــنف‪ .‬مص ــر‪ :‬الف ــاروق احلديث ــة‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .91‬الشـيخ نظـام ومجاعـة من علمـاء اهلنـد‪1421 .‬هـ‪2000-‬م‪ .‬الفتـاوى اهلنديـة يف مـذهب اإلمـام األعظم أيب‬
‫حنيفة النعمان‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .92‬شـيخي زاده‪ ،‬عبـد الـرمحن بن حممـد الكليبـويل‪1419 .‬هـ‪1998 -‬م‪ .‬جممـع األهنر يف شـرح ملتقى األحبر‪.‬‬
‫لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫الصاوي‪ ،‬أمحد‪1415 .‬هـ ‪1995-‬م‪ .‬بلغة السالك ألقرب املسالك‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.93‬‬

‫‪218‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .94‬الصــفدي‪ ،‬صــالح الــدين خليــل ابن ايبــك‪1420 .‬هـ‪2000-‬م‪ .‬الــوايف بالوفيــات‪ .‬لبنــان‪:‬دار إحيــاء الــرتاث‬
‫العريب‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .95‬الصنعاين‪ ،‬حممد بن إمساعيل األمري الكحالين‪1421 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬سبل السالم املوصلة إىل بلوغ املرام‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .96‬الطح ــاوي‪ ،‬أب ــو جعفـ ــر أمحد بن حمم ــد بن س ــالمة بن عب ــد املل ــك األزدي‪1415 ،‬هـ‪1994 -‬م‪ .‬ش ــرح‬
‫مشكل اآلثار‪ .‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .97‬الطحــاوي‪ ،‬أبــو جعفــر أمحد حممــد بن ســالمة‪1416 .‬هـ‪1995-‬م‪ .‬خمتصــر اختالف العلمــاء‪ .‬لبنــان‪ :‬دار‬
‫البشائر اإلسالمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .98‬الطحطــاوي‪ ،‬أمحد بن حممــد بن إمساعيل‪1418 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬حاشــية الطحطــاوي‪ .‬لبنــان‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .99‬عابــدين‪ ،‬حممــد أمني‪1423 .‬هـ‪2003-‬م‪ .‬رد احملتــار على الــدر املختــار شــرح تنــوير األبصــار‪ .‬الســعودية‪:‬‬
‫دار عامل الكتب للطباعة والنشر واإلعالم‪.‬‬

‫‪ .100‬العبــاس القرطــيب‪ ،‬أمحد بن عمــران بن إبــراهيم‪1417.‬هـ‪1996 -‬م‪ .‬املفهم ملا أشــكل من تلخيص مســلم‪.‬‬
‫لبنان ‪ -‬سوريا‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬دار الكلم الطيب‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .101‬عبـ ــد الـ ــرب ‪ ،‬يوسـ ــف بن عبـ ــد اهلل بن‪1414 .‬هـ‪1993 -‬م‪ .‬االسـ ــتذكار اجلامع ملذاهب فقهـ ــاء األمصـ ــار‬
‫وعلماء األقطار فيما تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلثار‪ ،‬وشرح ذلك كلــه باإلجياز واالختصــار‪ .‬لبنــان‪ :‬دار‬
‫قتيبة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ -‬سوريا‪ :‬دار الوعي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .102‬عبد الرب‪ ،‬أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد‪ 1413 .‬هـ‪1992-‬م‪ .‬الكـايف يف فقـه أهـل املدينـة‪ .‬لبنـان‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .103‬عبــد الــرب‪ ،‬أبــو عمــر يوســف بن عبــد اهلل بن حممــد‪ 1419 .‬هـ‪1999 -‬م‪ .‬التمهيــد ملا يف املوطــأ من املعــاين‬
‫واألسانيد‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .104‬عبد القادر‪ ،‬خالد‪1419 .‬هـ‪1998-‬م‪ .‬فقه األقليات املسلمة‪ .‬لبنان‪ :‬دار اإلميان‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .105‬العتي ـ ــيب‪ ،‬إحسـ ــان بن حممـ ــد بن عـ ــايش‪1421 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬الفوائـ ــد الِع ذاب فيمـ ــا جـ ــاء يف الكالب‪.‬‬
‫األردن‪ :‬دار النفائس‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪219‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .106‬الع ــثيمني‪ ،‬حمم ــد بن ص ــاحل‪1419 .‬هـ‪1998-‬م‪ .‬جمم ــوع فت ــاوى ورس ــائل فض ــيلة الش ــيخ حمم ــد بن ص ــاحل‬
‫العثيمني‪ .‬السعودية‪:‬دار الثريا للنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .107‬العجل ــوين‪ ،‬إمساعيل بن حمم ــد‪1351 .‬هـ‪.‬كش ــف اخلف ــاء ومزي ــل اإللب ــاس عم ــا اش ــتهر من األح ــاديث على‬
‫ألسنة الناس‪ .‬مكتبة القدس‪.‬‬

‫‪ .108‬العجلي‪ ،‬أب ــو احلس ــن أمحد بن عب ــد اهلل بن ص ــاحل‪ .‬معرف ــة الثق ــات ب ــرتتيب اهليثمي والس ــبكي م ــع زي ــادات‬
‫احلافظ ابن حجر‪.‬‬

‫‪ .109‬العــراقي‪ ،‬زين الــدين أبــو الفضــل عبــد الــرحيم‪ .‬طــرح التــثريب شــرح التقــريب‪. ،‬لبنــان‪ :‬دار إحيــاء الــرتاث‬
‫العريب‪.‬‬

‫‪ .110‬العريب‪ ،‬أبو بكر‪ .‬عارضة األحوذي بشرح صحيح الرتمذي‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪.‬‬

‫‪ .111‬العريب‪ ،‬أبوبكر حممد بن عبداهلل‪2003 .‬هـ ‪1424 -‬م‪ .‬أحكام القرآن‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .112‬العظيم آب ــادي‪ ،‬أب ــو عب ــد ال ــرمحن ش ــرف احلق‪1426.‬هـ‪2005 -‬م‪ .‬ع ــون املعب ــود على ش ــرح س ــنن أيب‬
‫داود‪ .‬لبنان‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .113‬عليش‪ ،‬حممد بن أمحد‪1409 .‬هـ‪1989 -‬م‪ .‬منح اجلليل شرح خمتصر خليل‪ .‬لبنان‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .114‬العماد‪ ،‬شهاب الدين أيب الفالح عبد احلي بن أمحد‪1406 .‬هـ‪1986-‬م‪ .‬شـذرات الـذهب يف أخبـار من‬
‫ذهب‪.‬سوريا‪-‬لبنان‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .115‬العي ــين‪ ،‬ب ــدر ال ــدين أب ــو حمم ــد حمم ــود‪1421 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬عم ــدة الق ــاري ش ــرح ص ــحيح البخ ــاري‪.‬‬
‫لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .116‬الغام ــدي‪ ،‬ناص ــر بن حمم ــد بن مش ــري‪1422 .‬هـ‪2002-‬م‪ .‬لب ــاس الرج ــل‪ :‬أحكام ــه وض ــوابطه يف الفق ــه‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫‪ .117‬الغريـ ــاين‪ ،‬الصـ ــادق بن عبـ ــد الـ ــرمحن‪1426 .‬هـ‪2005-‬م‪ .‬مدونـ ــة الفقـ ــه املالكي وأدلتـ ــه‪.‬ليبيـ ــا‪:‬تشـ ــاركية‬
‫املقري‪ ،‬وبن محودة‪ ،‬ومكتبة الشعب‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .118‬الغ ــزايل‪ ،‬أب ــو حام ــد حمم ــد بن حمم ــد بن حمم ــد‪ 1418 .‬هـ ‪1997 -‬م‪ .‬الوج ــيز يف فق ــه اإلم ــام الش ــافعي‪.‬‬
‫لبنان‪ :‬دار األرقم بن أيب األرقم‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪220‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .119‬الغ ــزايل‪ ،‬حمم ــد بن حمم ــد‪1417 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬الوس ــيط يف املذهب‪ .‬مص ــر‪:‬دار الس ــالم للطباع ــة والنش ــر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪. 1‬‬

‫‪ .120‬الغمــاري‪ ،‬أبــو الفيض أمحد ابن الصــديق‪1430 .‬هـ ‪2009 -‬م‪ .‬إزالــة اخلطــر عمن محع بني الصــالتني يف‬
‫احلضر‪ .‬مصر‪:‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .121‬الفت ــوحي‪ ،‬حمم ــد بن أمحد‪ 1419 .‬هـ‪1999 -‬م‪ .‬منتهى اإلرادات يف مجع املقن ــع م ــع التنقيح والزي ــادات‬
‫مع حاشية املنتهى‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .122‬الف ــريوز آب ــادي‪ ،‬جمد ال ــدين أيب الط ــاهر حمم ــد بن يعق ــوب‪1389 .‬هـ‪1969-‬م‪ .‬املغ ــامن املطاب ــة يف مع ــامل‬
‫طابة‪ .‬السعودية‪:‬دار اليمامة للبحث والرتمجة والنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .123‬الفريوز آبادي‪ ،‬حممد بن يعقوب‪1429 .‬هـ‪2008-‬م‪ .‬القاموس احمليط‪.‬مصر‪ :‬دار احلديث‪.‬‬

‫‪ .124‬الفيومي‪ ،‬أمحد بن حممد بن علي‪ 1987 .‬م‪ .‬املصباح املنري‪ .‬لبنان‪ :‬مكتبة لبنان‪.‬‬

‫‪ .125‬القــاري‪ ،‬علي‪1422 .‬هـ‪2001 -‬م‪ .‬مرقــاة املفــاتيح شــرح مشــكاة املصــابيح‪ .‬لبنــان‪ :‬دار الكتب العلميــة‪،‬‬
‫ط‪.1‬‬

‫‪ .126‬القاضـ ــي عب ــدالوهاب‪ ،‬أب ــو حممـ ــد بن علي بن نصـ ــر‪1420 .‬هـ‪1999-‬م‪ .‬اإلش ــراف على نكث مس ــائل‬
‫اخلالف‪ .‬لبنان‪:‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .127‬قتيبة‪ ،‬عبد اهلل بن مسلم املروزي‪ 1397 .‬هـ ‪1977 -‬م‪ .‬غريب احلديث‪ .‬العراق‪ :‬مطبعة العاين‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .128‬القدوري‪ ،‬أبواحلسني أمحد بن حممد بن جعفر‪1425 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬املوسـوعة الفقهيـة املقارنـة‪:‬التجريـد‪.‬‬
‫مصر‪:‬دار السالم‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .129‬القرآن الكرمي‪.‬‬

‫‪ .130‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪1393 .‬هـ ‪1973 -‬م‪ .‬فقه الزكاة‪ .‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫‪ .131‬القرط ــيب‪ ،‬أب ــو عب ــد اهلل حمم ــد بن أمحد بن أيب بك ــر األنص ــاري‪1427 .‬هـ ‪2006 -‬م ‪ .‬اجلامع ألحك ــام‬
‫القرآن‪ ،‬واملبني ملا تضمنه من السنة وآي الفرقان‪ .‬لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .132‬القط ـ ـ ــان‪ ،‬علي بن حممـ ـ ــد بن عب ـ ـ ــد املل ـ ـ ــك الفاس ـ ـ ــي‪1424 .‬هـ‪2004-‬م اإلقن ـ ـ ــاع يف مس ـ ـ ــائل اإلمجاع‪.‬‬
‫مصر‪:‬الفاروق احلديثة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪221‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .133‬القن ـ ـ ــوجي‪ ،‬حمم ـ ـ ــد ص ـ ـ ــديق خ ـ ـ ــان احلس ـ ـ ــيين البخ ـ ـ ــاري‪ 1296 .‬هـ‪ .‬حص ـ ـ ــول املأمول من علم األص ـ ـ ــول‪.‬‬
‫تركيا‪:‬مطبعة اجلوائب‪.‬‬

‫‪ .134‬القيلـ ــويب‪ ،‬شـ ــهاب الـ ــدين أمحد بن أمحد بن سـ ــالمة؛ عمـ ــرية‪ ،‬شـ ــهاب الـ ــدين أمحد الربلسـ ــي‪1375 .‬هـ‪-‬‬
‫‪1956‬م‪.‬‬

‫‪ .135‬القيم‪ ،‬أبــو عبــد اهلل مشس الــدين حممــد بن أيب بكــر بن أيــوب‪1416 .‬هـ‪1996 -‬م‪ .‬مفتــاح دار الســعادة‪،‬‬
‫ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ .‬السعودية ‪ :‬دار ابن عفان للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .136‬القيم‪ ،‬أب ــو عبداهلل مشس ال ــدين حمم ــد بن أيب بك ــر بن أي ــوب‪1418 .‬هـ‪1997-‬م‪ .‬أحك ــام أه ــل الذم ــة‪.‬‬
‫الدمام‪ :‬رمادي للنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .137‬القيم‪ ،‬أبـ ــو عبداهلل مشس الـ ــدين حممـ ــد بن أيب بكـ ــر بن أيـ ــوب‪1423 .‬هـ ‪2002 -‬م‪ .‬إعالم املوقعني عن‬
‫رب العاملني‪ .‬السعودية‪ :‬دار ابن اجلوزي‪.‬‬

‫‪ .138‬القيم‪ ،‬أبــو عبداهلل مشس الــدين حممــد بن أيب بكــر بن أيــوب‪1424 .‬هـ‪2004 -‬م‪ .‬مــدارج الســالكني بني‬
‫منازل إياك نعبد وإياك نستعني‪ .‬لبنان ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .139‬القيم‪ ،‬مشس الـدين أبـو عبـد اهلل حممـد بن أيب بكـر‪1418 .‬هـ‪1997 -‬م‪ .‬أحكـام أهـل الذمـة‪ .‬السـعودية ‪:‬‬
‫رمادى للنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .140‬القيم‪ ،‬حمم ـ ــد بن أيب بك ـ ــر بن أي ـ ــوب بن س ـ ــعد‪1415 .‬هـ‪1994-‬م‪ .‬زاد املع ـ ــاد يف ه ـ ــدي خ ـ ــري العب ـ ــاد‪.‬‬
‫لبنان‪:‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الكويت‪:‬مكتبة املنار اإلسالمية‪ ،‬ط‪.27‬‬

‫‪ .141‬القيم‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد‪ .‬بدائع الفوائد‪ .‬السعودية‪ :‬دار عامل الفوائد‪.‬‬

‫‪ .142‬الكاس ــاين‪ ،‬عالء ال ــدين أب ــو بك ــر بن مس ــعود‪1406 .‬هـ ‪1986 -‬م‪ .‬ب ــدائع الص ــنائع يف ت ــرتيب الش ــرائع‪.‬‬
‫لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .143‬كــايف‪ ،‬أمحد‪1424 .‬هـ ‪2004 -‬م‪ .‬احلاجــة الشــرعية حــدودها وقواعــدها‪ .‬لبنــان‪ :‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬ط‬
‫‪.1‬‬

‫‪ .144‬كث ــري‪ ،‬أب ــو الف ــداء إمساعيل بن عم ــر‪1421 .‬هـ‪2000-‬م‪ .‬تفس ــري الق ــرآن العظيم‪ .‬مص ــر‪:‬مؤسس ــة قرطب ــة‬
‫ومكتبة أوالد الشيخ للرتاث‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪222‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .145‬كثري‪ ،‬عماد الدين أيب الفداء إمساعيل ابن عمر‪1417 .‬هـ‪1997-‬م‪ .‬البداية والنهاية‪ .‬مصر‪:‬دار هجر‪ ،‬ط‬
‫‪.1‬‬

‫‪ .146‬كحالة‪ ،‬عمر رضا‪1414 .‬هـ ‪1993 -‬م‪ .‬معجم املؤلفني‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .147‬ماجة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن يزيد القزويين‪1416 .‬هـ‪1996 -‬م‪ .‬سنن ابن ماجة بشــرح الســندي‪ .‬لبنــان‪:‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .148‬املازري‪ ،‬أب ـ ــو عبداهلل حمم ـ ــد بن عبداهلل بن عم ـ ــر التميمي‪1997.‬م‪ .‬ش ـ ــرح التلقني‪ .‬لبن ـ ــان‪ :‬دار الغ ـ ــرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .149‬املاوردي‪ ،‬أبـو احلسـن على بن حممـد‪1414 .‬هـ‪1994-‬م‪ .‬احلاوي الكبـري‪ .‬لبنـان‪ :‬دار الكتب العلميـة‪ ،‬ط‬
‫‪1‬‬

‫‪ .150‬جممع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط‪1425 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬مصر‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬ط‪.4‬‬

‫‪ .151‬احملمــد‪ ،‬خلــف حممــد‪1429.‬هـ‪2008-‬م‪ .‬دراســات فقهيــة أصــولية تطبيقيــة يف أربعني حــديًثا من أحــاديث‬
‫األحكام‪ .‬لبنان‪:‬مؤسسة الريان‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .152‬خملوف‪ ،‬حممد بن حممد‪1349 .‬هـ ‪.‬شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية‪ .‬مصر‪ :‬املطبعة السلفية‪.‬‬

‫‪ .153‬املرداوي‪ ،‬أب ــو احلس ــن علي بن س ــليمان‪1374 .‬هـ‪1955 -‬م‪ .‬اإلنص ــاف يف معرف ــة ال ــراجح من اخلالف‬
‫على مذهب اإلمام املبجل أمحد بن حنبل‪ .‬ط‪.1‬‬

‫‪ .154‬املرغيناين‪ ،‬برهان الـدين علي بن أيب بكـر الراشـداين‪ 1410 .‬هـ ‪1990 -‬م‪ .‬اهلدايـة شـرح بدايـة املبتـدي‪.‬‬
‫لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .155‬املزي‪ ،‬أبـ ـ ــو احلجـ ـ ــاج يوسـ ـ ــف بن الـ ـ ــزكي عبـ ـ ــدالرمحن‪ 1400 .‬هـ‪1980 -‬م‪ .‬هتذيب الكمـ ـ ــال يف أمساء‬
‫الرجال‪ .‬لبنان‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .156‬مسلم‪ ،‬أبو احلسني بن احلجاج القشريي النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم‪ .‬مصر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬

‫‪ .157‬مشهور‪ ،‬حسن حممود سلمان‪1406 .‬هـ‪1986 -‬م‪ .‬اجلمع بني الصالتني يف احلضر بعذر املطر‪ .‬األردن‪:‬‬
‫دار عمار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪223‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .158‬مفلح احلنبلي‪ ،‬بره ــان ال ــدين إب ــراهيم بن حمم ــد‪ 1418 .‬هـ ‪ 1997 -‬م‪ .‬املب ــدع ش ــرح املقن ــع‪ .‬لبن ــان‪:‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .159‬مفلح املقدس ــي‪ ،‬مشس ال ــدين حمم ــد‪1424 .‬هـ‪2003-‬م‪ .‬الف ــروع‪ .‬لبن ــان ‪:‬دار الرس ــالة‪ ،‬الس ــعودية‪ :‬دار‬
‫املؤيد‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .160‬امللقن‪ ،‬س ــراج ال ــدين أب ــو حفص عم ــر بن علي بن أمحد الش ــافعي‪ 1410 .‬هـ ‪ .‬خالص ــة الب ــدر املن ــري يف‬
‫ختريج كتاب الشرح الكبري للرافعي‪ .‬السعودية‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .161‬امللقن‪ ،‬سـرج الـدين عمـر بن علي بن أمحد‪1425 .‬هـ‪2004-‬م‪ .‬البـدر املنـري يف ختريج األحـاديث واآلثـار‬
‫الواقعة يف الشرح الكبري‪ .‬السعودية‪ :‬دار اهلجرة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .162‬املن ـ ـ ــذر‪ ،‬أب ـ ـ ــوبكر حمم ـ ـ ــد بن اب ـ ـ ــراهيم‪1405 .‬هـ‪1995-‬م‪ .‬األوس ـ ـ ــط يف الس ـ ـ ــنن واإلمجاع واالختالف‪.‬‬
‫السعودية‪ :‬دار طيبة‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .163‬املنذر‪ ،‬أبوبكر حممد بن إبـراهيم‪1420 .‬هـ‪1999-‬م‪ .‬اإلمجاع‪ .‬اإلمـارات‪ :‬مكتبـة الفرقـان – مكتبـة مكـة‬
‫الثقافية‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .164‬منظور‪ ،‬أبو الفضل مجال الدين حممد بن مكرم‪ .‬لسان العرب‪ .‬لبنان‪ :‬دار صادر‪ ،‬ط‪1‬‬

‫‪ .165‬جنيم‪ ،‬زين ال ــدين‪1418 .‬هـ ‪1997 -‬م‪ .‬البح ــر الرائ ــق ش ــرح ك ــنز ال ــدقائق وهبامش ــه منح ــة اخلالق على‬
‫البحر الرائق البن عابدين‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .166‬النســائي‪ ،‬أبــو عبــد الــرمحن أمحد بن شــعيب بن علي بن ســنان بن حبر اخلراســاين‪ .‬ســنن النســائي‪.‬الســعودية‪:‬‬
‫دار املعارف‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .167‬نصر البغدادي‪ ،‬أبو حممد عبد الوهاب علي‪ 1418 .‬هـ‪1998-‬م‪ .‬املعونة على مذهب أهل املدينة‪ .‬لبنان‬
‫‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .168‬النف ــرواي‪ ،‬أمحد بن غ ــنيم بن س ــامل بن مهن ــا‪1418 .‬هـ ‪1997 -‬م الفواك ــه ال ــدواين على رس ــالة أيب زي ــد‬
‫القريواين‪ .‬لبنان‪:‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .169‬النووي‪ ،‬أبو زكريـا حمي الـدين حيىي بن شـرف بن مـري بن حسـن‪1414 .‬هـ ‪1994 -‬م‪ .‬صـحيح مسـلم‬
‫بشرح النووي‪ .‬السعودية‪ :‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪224‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .170‬النـ ــووي‪ ،‬أبـ ــو زكريـ ــا حيىي بن شـ ــرف‪1400 .‬هـ ‪1997‬م‪ .‬اجملمـ ــوع شـ ــرح املهـ ــذب‪ .‬الس ــعودية‪ :‬مكتب ــة‬
‫اإلرشاد‪.‬‬

‫‪ .171‬النووي‪ ،‬حمي الدين أبو زكريا‪1423 .‬هـ‪2003-‬م‪ .‬روضة الطالبني‪ .‬السعودية ‪ :‬دار عامل املكتبات‪.‬‬

‫‪ .172‬الن ــووي‪ ،‬حمي ال ــدين أب ــو زكري ــا‪1426 .‬هـ‪2005-‬م‪ .‬منه ــاج الط ــالبني وعم ــدة املف ــتني‪ .‬الس ــعودية‪ :‬دار‬
‫املنهاج للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .173‬هبرية‪ ،‬أبو املظفر حيىي بن حممد الشيباين‪1423 .‬هـ‪2002-‬م‪ .‬اختالف األئمــة العلمــاء‪ .‬لبنــان‪:‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .174‬مهام الصنعاين‪ ،‬أبو بكر عبدالرزاق‪1392 .‬هـ‪1972 -‬م‪ .‬اهلند‪:‬اجمللس العلمي‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .175‬مهام الصنعاين‪ ،‬أبوبكر عبدالرزاق‪1403 .‬هـ‪1983 -‬م‪ .‬لبنان‪ :‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .176‬اهلمام‪ ،‬كمال الدين حممد بن عبدالواحد‪1424 .‬هـ‪2003-‬م‪ .‬شرح فتح القدير على اهلداية شــرح بدايــة‬
‫املبتدي‪ .‬لبنان‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫‪ .177‬اهليثمي‪ ،‬ن ــور ال ــدين علي بن أيب بك ــر‪1414 .‬هـ‪1994-‬م‪ .‬بغي ــة الرائ ــد ىف حتقي ــق جمم ــع الزوائ ــد ومنب ــع‬
‫الفوائد‪ .‬لبنان‪:‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ .178‬الوفـ ــاء القرشـ ــي‪ ،‬حمي الـ ــدين أيب حممـ ــد عبـ ــدالقادر بن حممـ ــد بن نصـ ــر اهلل‪1413 .‬هـ‪1993-‬م‪ .‬اجلواهر‬
‫املضية يف طبقات احلنفية‪ .‬مصر‪ :‬هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫‪ .179‬اليحصـ ـ ــيب‪ ،‬أبـ ـ ــو الفضـ ـ ــل عيـ ـ ــاض بن موسـ ـ ــى بن عيـ ـ ــاض‪ 1419 .‬هـ‪1998 -‬م‪ .‬إكمـ ـ ــال املعلم بفوائـ ـ ــد‬
‫مسلم‪.‬مصر‪ :‬دار الوفاء‪ ،‬ط‪.1‬‬

‫ثانًيا‪ :‬قرارات وفتاوى اللجان والمجامع الفقهية‪:‬‬


‫‪ .1‬أحباث املؤمتر الثاين جملمع فقهاء الشريعة‪ ( ،‬الدمنارك‪ 7-4 ،‬مجادى األوىل ‪1425‬هـ‪ 25-22 -‬يونيو‬
‫‪2004‬م)‪.‬‬
‫‪ .2‬أحباث املؤمتر السادس جملمع فقهاء الشريعة‪( ،‬كندا‪ 13 – 9 ،‬ذو القعدة ‪1430‬هـ‪ 31 – 28 -‬أكتوبر ‪20‬‬
‫‪09‬م)‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلدارة العامة لإلفتاء والبحوث الشرعية بالكويت‪ ،‬جمموعة الفتاوى الشرعية‪ ،‬ط‪( ،1‬الكويت‪1417 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1996‬م)‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .4‬دار اإلفتاء املصرية‪ ،‬الفتاوى اإلسالمية‪ ،‬ط‪( ،2‬مصر‪1418 ،‬هـ‪1997-‬م)‪.‬‬
‫‪ .5‬رابطة العامل اإلسالمي؛و اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي مبكة املكرمة‪ ،‬الدورة‬
‫الثالثة‪( ،‬مكة املكرمــة‪10 :‬ربيع الثاين ‪1402‬هـ ‪ 4-‬فرباير ‪.)1982‬‬
‫‪ .6‬رابطة العامل اإلسالمي؛و اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة الخامسة (مكة‬
‫املكرمة‪16-8 ،‬ربيع اآلخر‪1402‬هـ‪ -‬أبريل ‪1982‬م)‪.‬‬
‫‪ .7‬رابطة العامل اإلسالمي؛و اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة التاسعة (مكة‬
‫املكرمــة‪ :‬من ‪12‬رجب ‪1406‬هـ ‪19 -‬رجب ‪1406‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .8‬رابطة العامل اإلسالمي؛و اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪،‬‬
‫(مكة املكرمة‪26-21 ،‬شوال‪1422‬هـ‪10-5 -‬يناير ‪2002‬م)‪.‬‬
‫‪ .9‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬مجع وترتيب‪ :‬أمحد بن عبدالرزاق الدويش‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫(السعودية‪:‬دار املؤيد‪1424 ،‬هـ‪2004-‬م)‪.‬‬
‫اجمللس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬قرارات وفتاوى‪( ،‬مصر‪:‬دار التوزيع والنشر اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪2002‬م)‪.‬‬
‫جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬الدورة الثالثة‪( ،‬عمان‪ 13-8 ،‬صفر‪1407‬هـ ‪ 16-11-‬أكتوبر‬ ‫‪.11‬‬
‫‪1986‬م)‪.‬‬
‫جممع الفقه اإلسالمي‪ ،‬الدورة السادسة عشرة‪( ،‬ديب‪ 30 ،‬صفر‪ 5 -‬ربيع األول ‪1426‬هـ‪- 9 -‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪ 14‬أبريل ‪2005‬م)‪.‬‬

‫ثالًثا‪ :‬الصحف والمجالت والدوريات‪:‬‬


‫‪ .1‬اجمللة العلمية للمجلس األوريب لإلفتاء والبحوث‪ ،‬العدد الرابع واخلامس(ربيع الثاين‪1425‬هـ‪ -‬يونيو‬
‫‪2004‬م)‪.‬‬
‫‪ .2‬جملة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد اخلامس والعشرون‪ ( ،‬رجب‪ -‬شوال ‪1409‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .3‬جملة البحوث جبامعة أم القرى‪ ،‬اجمللد ‪ ،13‬العدد ‪ (،22‬ربيع أول ‪1422‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .4‬جملة اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬السنة العشرون‪ ،‬العدد ‪1429 ( ،29‬هـ ‪2008 -‬م)‪.‬‬
‫‪ .5‬جملة اجملمع الفقهي اإلسالمي‪ ،‬السنة احلادية عشرة ‪ -‬العدد الثالث عشر‪1421(،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .6‬جملة البحوث اإلسالمية‪ ،‬العدد الثامن والثالثون‪( ،‬ذو القعدة‪ -‬صفر ‪1413‬هـ ‪1414 -‬هـ)‪.‬‬
‫‪ .7‬جملة املنار‪( ،‬غرة مجادى اآلخر ‪1319‬هـ)‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫‪ .8‬صحيفة الشرق األوسط (‪)http://www.aawsat.com‬‬
‫‪ .9‬صحيفة القدس العريب (‪)http://www.alquds.co.uk‬‬
‫‪Telegraph newspaper‬‬ ‫‪.10‬‬
‫‪The Times newspaper‬‬ ‫‪.11‬‬
‫‪Independent newspaper‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪Dailymail newspaper‬‬ ‫‪.13‬‬

‫رابًعا‪ :‬المراجع اإللكترونية‪:‬‬


‫‪ .1‬املوسوعة العربية العاملية ‪ -‬شركة أعمال املوسوعة لإلنتاج الثقايف‪ .‬موقع املوسوعة على شبكة اإلنرتنت‪:‬‬
‫‪http://www.mawsoah.net‬‬
‫‪ .2‬اجلامع للحديث النبوي‪ -‬شركة رواية‪ .‬موقع الربنامج على اإلنرتنت‪:‬‬
‫‪/http://sonnaonline.com‬‬
‫‪ .3‬موسوعة احلديث النبوي الشريف ‪ -‬اإلصدار الثاين‪ -‬إعداد موقع روح اإلسالم‪:‬‬
‫‪http://www.islamspirit.com‬‬
‫‪ .4‬املكتبة الشاملة‬
‫‪http://shamela.ws‬‬
‫‪ .5‬وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية‪1412 .‬هـ‪1992 -‬م‪ .‬املوسوعة الفقهية الكويتية‪ .‬الكويت‪ :‬ذات‬
‫السالسل‪ ،‬ط‪. 2‬‬

‫خامًس ا‪ :‬مواقع على شبكة اإلنترنت‬


‫موقع أهل احلديث‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪http://www.ahlalhdeeth.com‬‬
‫‪ .2‬موقع اجمللس العلمي‪ -‬األلوكة‪:‬‬
‫‪http://majles.alukah.net/index.php‬‬
‫‪ .3‬موقع ملتقى املذاهب الفقهية والدراسات العلمية سابًق ا (الشبكة الفقهية حالًيا)‬
‫‪/http://www.feqhweb.com/vb‬‬
‫موقع الشبكة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪227‬‬
‫أحكام مسائل العبادات‬
http://www.islamweb.net
:‫ موقع جممع علماء الشريعة‬.5
http://www.amjaonline.com
:‫ موقع الدكتور حممد سعيد رمضان البوطي‬.6
/http://www.bouti.com
.‫موقع اإلسالم سؤال وجواب‬ .7
http://www.islam-qa.co
:‫ موقع جممع الفقه اإلسالمي‬.8
/http://www.fiqhacademy.org.sa
:‫موقع املسلم‬ .9
http://www.almoslim.com/node/84005
:‫ موقع وزارة اخلارجية الربيطانية‬.10
http://www.fco.gov.uk
:‫ موقع الدكتور صالح الصاوي‬.11
http://el-wasat.com/assawy/?p=4309
:‫ موقع سالم‬.12
www.salaam.co.uk
:‫ موقع رسالة اإلسالم‬.13
http://main.islammessage.com
:‫ موقع املسلم‬.14
/http://www.almoslim.com
:‫ موقع اجلزيرة نت‬.15
http://www.aljazeera.net
‫ موقع الشيخ َعـْبـد الـَّلـه بن حممد ُز َقـْيـل‬.16
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/index.htm
‫ موقع الشيخ املعز حممد علي بن بوزيد بن علي فركوس‬.17
http://www.ferkous.com/rep/index.php

228
‫أحكام مسائل العبادات‬
‫ موقع رابطة العامل االسالمي‬.18
http://www.themwl.org/Home.aspx?l=AR
‫ موقع الشيخ عبدالعزيز بن باز‬.19
/http://www.binbaz.org.sa
:‫ موقع املشروع اإلسالمي لرصد األهلة‬.20
http://www.icoproject.org
:‫ موقع الدكتور عبد اآلخر محاد الغنيم‬.21
http://www.rahmah.de
:‫ موقع دليل املبتعث الفقهي‬.22
/http://www.fikhguide.com
) Office for National Statistics(‫ مكتب اإلحصاء الوطين الربيطاين‬.23
http://www.statistics.gov.uk
)HM Nautical Almanac Office( ‫ مكتب التقومي البحري‬.24
http://www.hmnao.com/nao

:‫ المراجع األجنبية‬:‫خامًس ا‬
1. The new encyclopaedia Britannica, encyclopaedia Britannica Inc.
,fifteenth edition.
2. Al-Haddad, Haitham, The Designated Times for the Isha' and Fajr
Prayers in the UK and other similar countries during the summer
season, 21 April 2005.
3. Miftahi, Molvi Yaqub Ahmed, Salat Times & Qiblah Guide, (UK,
Hizbul Ulama).
4. Odeh, Mohammad, Prayer Times in High-Latitude Areas between the
Areas 48.6 and 66.6 Latitude, Islamic Crescents' Observation
Project (ICOP).
5. Muslim Burial Council Of Leicestershire (MBCOL), guidelines on
death and burial of a Muslim.

229

You might also like