Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫إبراىيم قمواز‬.‫ أ‬/ ‫د محمد غربي‬.

‫أ‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

2016/10/15 :‫تاريخ نشر المقال‬ 2016/09/15:‫تاريخ قبول نشر المقال‬ 2016/08/20 :‫تاريخ استقبال المقال‬

‫النظريت البنائيت الوظيفيت‬


‫حنو رؤيت جديدة لتفسري الظاهرة االجتماعيت‬

‫ الشمف‬- ‫ د محمد غربي جامعة حسيبة بن بوعمي‬.‫أ‬


‫ إبراهيم قمواز جامعة حسيبة بن بوعمي – الشمف‬.‫أ‬
:‫ممخص‬
‫ تتجاوز القصور‬،‫تمثل النظرية البنائية الوظيفية رؤية سوسيولوجية تنتمي الى الفكر الوضعي‬
‫ وتستند الى مفيومي البنية والوظيفة في تفكيكيا لبنية‬،‫واإلخفاق الذي لحق بالنظريتين البنائية والوظيفية‬
.‫المجتمع والوظائف التي يقوم بيا‬
‫حاول الكثير من رواد ىذه النظرية المساىمة في تأصيل المبادئ واألسس التي تستند إلييا؛ وتتمحور أبرز‬
‫تمك المبادئ حول قاعدة جامعة ترى أنو ال بناء اجتماعي من دون وظائف وال وظائف من دون أبنية‬
‫ وفي ظل‬.‫ ما أكسب ىذا االتجاه قوة تفسيرية ىو تعدد مرجعياتو التي أثرت الحقل السوسيولوجي‬.‫اجتماعية‬
‫ثورة االنتقادات عمى أفكار ىذه النظرية؛ استمرت جيود أنصارىا لتطوير دائم لألساليب النظرية ليذا‬
‫ من خالل تكييف ومواءمة أسس النظرية مع التحوالت المنيجية والموضوعية‬،‫ لتقديم رؤية متجددة‬،‫االتجاه‬
‫التي يشيدىا الحقل السوسيولوجي في ظل تحول المجتمعات‬
‫ النسق االجتماعي‬، ‫ والوظيفة‬،‫ البناء‬:‫الكممات المفتاحية‬
Functional theory Constructivism: Towards a new vision to
interpret the social phenomenon
Abstract :
The constructual functional theory: toward a new vision to explain the social
phenomenon. The constructual functional theory represent a sociological vision
belong to the postural thought. Wich pass the incapability and failure that the
structural and functional théories have known and based on the concept of
structure and function in dismantling the construct of the society and the function
that he do A lot of believers of that theory try to consolidating the principles The
basis on which they are based. The basic of these principles is concentrated in a
global base think that no Social structure without a functions and no functions
without Social structure. What acquisate this theory a powerful explanation is The
multiplicity of its terms of reference that interact the sociological field
Under the criticisms on that theory their believers continue to develop the
methods of the theory to give a new vision that adaptate with the sociological
field.
Keywords: Structure, Function, Social System

181
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ييتم عمم االجتماع بدراسة المجتمع وظواىره‪ ،‬مثمما ىو الحال عند دوركايم ‪ ،Durkheim‬كما ييتم بالفرد‬
‫وأفعالو مثمما ىو األمر عند ماكس فيبر‪ ، Weber‬ما يعني أن ىذا العمم ييتم بالمجتمع وظواىر والفرد‬
‫وأفعالو وىو ما نجده في فكر انطونيو جيدنز‪ ،‬إذ تسعى النظريات في ىذا الحقل عامة لوصف المجتمع‬
‫ورصد تفاعالتو‪ ،‬أحداثو وظواىره‪ ،‬وأفعال وسموكات أفراده واتصالتيم‪ ،‬بغية تغييره وا صالحو‪ ،‬أو من أجل‬
‫الحفاظ عميو والتحكم فيو بكل مكوناتو وأجزاءه‪ ،‬ويرتكز التنظير السوسيولوجي عمى تحميل العالقات‬
‫والتفاعالت بين تمك المكونات ووظائف األجزاء والنتائج المترتبة عمى ذلك بشكل أساسي لفيم الظاىرة‬
‫االجتماعية‪ ،‬واذا كانت النظرية العممية ىي التي تبرز ىوية أي عمم فإن النظرية البنائية الوظيفية ىي أحد‬
‫أىم أسس التنظير التي صنعت ىوية الحقل االجتماعي لعقود‪.‬‬

‫إن تراجع االىتمام بتفسيرات ىذه النظرية في العالم الغربي مرده تطور المجتمعات الغربية وانتقاليا إلى‬
‫مجتمع ما بعد الصناعي‪ ،‬وعدم حاجتيا إلى المسممات التفسيرية ليذه النظرية‪ ،‬عمى عكس العالم العربي‬
‫الذي تعيش مجتمعاتو مرحمة تحول في نظميا االجتماعية‪ ،‬وتفكك أنساقيا المختمفة؛ فيي تحتاج إلى‬
‫إضاءات وتبصرات جديدة ليذ ه النظرية ‪.‬‬

‫من ىنا يكون السؤال البحثي ليذه الدراسة ىو‪ :‬ماىي مفاىيم و أسس النظرية البنائية الوظيفية؟ وىل ىناك‬
‫إمكانية لتكييف ومواءمة أسس النظرية مع التحوالت المنيجية والموضوعية التي يشيدىا الحقل‬
‫السوسيولوجي في ظل تحول المجتمعات‪ ،‬مع مراعاة خصوصية الحالة العربية؟‬

‫‪182‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫أوال ‪-‬النظرية البنائية الوظيفية في سياق النظرية االجتماعية‪:‬‬

‫برزت محاوالت الدراسة العممية لممجتمع منذ نشأة الفكر اإلغريقي‪ ،‬خاصة مع أفكار أفالطون وأرسطو‪ ،‬ثم‬
‫مع مفكري النيضة العربية الفارابي وابن خمدون‪ ،‬وبعدىما حاول عمى نفس الدرب مفكري النيضة األوروبية‬
‫الحديثة ‪ ،‬ميكيافيممي ومونتيسكيو ‪ ، Montesquieu‬وبالرغم من أن ىذه الدراسات وأخرى حاولت فيم‬
‫الظاىرة المجتمعية من خالل تفكيك منظومات المجتمع وتفسير ترابطاتو‪ ،‬اعتمادا عمى أسس عممية‬
‫ومنيجية‪ ،‬إال أنيا ظمت حبيسة تبصرات فكرية‪ ،‬تنسب الى الحقل الفمسفي أكثر منو الى حقل عممي منيجي‬
‫تجريبي‪.‬‬ ‫أو‬ ‫نظري‬
‫واألعمال الوحيدة التي شذت عن تمك القاعدة بل و أسست لحقل عممي قائم بذاتو كانت أعمال عالم‬
‫االجتماع ابن خمدون عبد الرحمان من خالل عممو العممي المحكم (المقدمة) والذي أسس لعمم اجتماع‬
‫العمران البشري‪ ،‬ويعني لديو االجتماع اإلنساني وظاىرتو )‪ ، (1‬ويقابمو في الفكر الغربي ولكن بعد ستة قرون‬
‫محاولة عالم االجتماع الفرنسي ايميل دوركيايم ‪ 1985‬تأسيس عمم جديد من خالل عممو (قواعد المنيج‬
‫‪ Auguste Conte‬قد وضع ألول مرة اصطالح عمم‬ ‫في عمم االجتماع)‪ ،‬وقبمو كان أوغست كونت‬
‫)‪(2‬‬
‫‪. 1930‬‬ ‫االجتماع‬
‫في ىذه الفترة؛ أدى سيطرت الدراسات االمبريقية إلى قتل الجوانب المنيجية في تحميل الظواىر المجتمعية‬
‫خاصة‪ ،‬ومنو ظيرت لوازم الحاجة إلطار تصوري ونظرية عامة وتطعيم الحقل السوسيولوجي بروافد‬
‫‪Talcott‬‬ ‫تصورية نظرية ومفاىيمية من ميادين أخرى‪ ،‬استعارة ومحاكاة‪ ،‬وىو ما صاغو بارسونز‬
‫)‪(3‬‬
‫والبيولوجيا ‪.‬‬ ‫واالنثروبولوجيا‬ ‫الميكانيك‬ ‫من‬ ‫نسقية‬ ‫نمذجة‬ ‫من‬ ‫وباريتو‬ ‫‪Parsons‬‬
‫ففي إطار النظرية البايولوجية التي جاء بيا جارلس دارون في كتابة (أصل األنواع) تناول دراسة األجزاء‬
‫التي يتكون منيا الكائن العضوي والترابط بينيا ودرس وظائفيا لمكائن العضوي ككل‪.‬كما استعار سبنسر‬
‫‪ Herbert Spencer‬من البيولوجيا تفرقتي ا بين البنية والوظيفة من خالل تطبيق قوانينيا وقوانين التطور‪،‬‬
‫واقترح صيغة التكامل عبر التمايز أو التغاير؛ مشبيا المجتمع بالكائن الحي‪ ،‬أي أنو عبارة عن أنساق تنمو‬
‫وتتطور )‪ . (4‬أما باريتو فقد استخدم مفيوم المنفعة بدال من مفيوم الوظيفة‪ ،‬وقد استوحى ىو اآلخر فيومو‬
‫وشروحاتو االجتماعية من الميكانيك لتقديم نموذج يحاكي النسق الميكانيكي المتوازن‪ ،‬وقدم نموذجا لنسق‬
‫متساند األجزاء وركز عمى خاصية االعتماد المتبادل في أداءات تمك األجزاء ألدوارىا وبذلك تميدت بيئة‬
‫منيجية وموضوعية مواتية لوضع نظرية عامة في عمم االجتماع؛ تمثمت في البنيوية الوظيفية‪.‬‬
‫ظيرت النظرية البنيوية الوظيفية في أعقاب ظيور كل من البنيوية االجتماعية عمي أيدي كل من كالودس‬
‫ليفي ستراوس وكولدون ويزير‪ ،‬وعندما نشر العالمان كتابي (أبنية القرابة) و( الطوطميو) عمى التوالي‪،‬‬
‫والوظيفية عمى أيدي كل من م اكس فيبر واميل دوركايم ووليم كراىام سمنر في مؤلفاتيم الدين واالقتصاد‬
‫الشعوب‪.‬‬ ‫وطرق‬ ‫المجتمع‪،‬‬ ‫في‬ ‫العمل‬ ‫تقسيم‬
‫حاولت البنيوية الوظيفية في ثورتيا عمى المنيج التجريبي ربط الدراسات االمبريقية بإطار نظري وتصوري‬
‫من خالل الجمع بين األفكار النظرية لسبنسر ودوركايم والنظرة االمبريقية لكونت )‪.(5‬‬

‫‪183‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫النظرية البنائية الوظيفية ىي اتجاه قديم وحديث في نفس الوقت؛ ذلك أنيا تتأصل في فمسفات وأفكار‬
‫وبحوث المفكرين األوائل بداية من أفالطون وابن خمدون‪ ،‬كما نجد بروزىا الحديث في أعمال تالكوت‬
‫)‪(6‬‬
‫وغيره ‪ ،‬ما يعني أنيا ال تعود إلى إسيامات وجيود منفردة لمفكر بحد ذاتو‪ ،‬وانما تستند إلى إرث‬ ‫بارسونز‬
‫فكري وتاريخي واجتماعي‪ ،‬قديم وحديث‪ ،‬وأسسيا نتيجة توليفة من أفكار مشارب فكرية واجتماعية مختمفة‪،‬‬
‫من العصر القديم إلى العصور الوسطى وصوال إلى العصر الحديث‪ ،‬ومن الفكر اليوناني والروماني إلى‬
‫الفكر اإلسالمي والفكر المسيحي‪ ،‬لكنيا برزت في النياية كثمرة لمفكر الوضعي ما سمح ليا أن تستمد قوة‬
‫مشارب مكنتيا من تسيد مسرح الفكر الغربي لعقود‪ ،‬قبل أن تباغتيا سيام النقد من مختمف التيارات الفكرية‬
‫الجديدة‪ ،‬فتراجع ت ىيمنة ىذه النظرية بداية سبعينيات القرن الماضي بسبب اكتساح موضوع النظرية‬
‫نظريات أخرى كعمم االجتماع الديناميكي‪ ،‬وعمم اجتماع التنظيمات‪ ،‬والفردوية المنيجية‪،‬‬ ‫االجتماعية‬
‫والبنيوية التكوينية وخاصة المدرسة النقدية‪ ،‬وقد حاججت كل ىذه النظريات في استنفاء جدوى شروحات‬
‫بديمة‪.‬‬ ‫برؤى‬ ‫التفسيرية‬ ‫مقوالتيا‬ ‫لتزيح‬ ‫الوظيفية‪،‬‬ ‫البنيوية‬
‫الوظيفي‪:‬‬ ‫البنيوي‬ ‫الفكر‬ ‫لنشأة‬ ‫خمفيات‬ ‫ثالث‬ ‫رصد‬ ‫السياق‬ ‫ىذا‬ ‫في‬ ‫يمكن‬
‫الخمفية السياسية و األيديولوجية ‪ :‬فقد كان رىان البنائيين الوظيفيين ىو الوصول إلى نظرية عامة تزيح‬
‫عمم االجتماع الماركسي‪ ،‬وتضرب الطوق والعزلة الفكرية والسياسية عمى السياق التاريخي المادي الذي نشأ‬
‫وتطور في ظمو )‪.(7‬‬
‫الخمفية العممية‪ :‬رىان عممي يمثل استجابة لحاجة عدد من الباحثين في عممي االجتماع واالنثروبولوجيا‬
‫نحو تطوير أدوات وأساليب نظرية ومنيجية‪ ،‬تتواءم ودراسة الصور المختمفة لمترابطات االجتماعية‪ ،‬والتفاعل‬
‫بين السمات والجماعات والنظم داخل النسق االجتماعي الكبير الذي يك تنف األنساق الفرعية ‪.‬‬
‫الخمفية النقدية ‪ :‬رفع التحدي التقدي؛ الذي تمثل في رد الفعل عمى المعوقات واالنتقادات والنقائص‬
‫والمشكالت التي وجيت لكل من النظرية البنيوية والنظرية الوظيفية‪.‬إن النظرية البنيوية الوظيفية جاءت‬
‫والوظيفية‪.‬‬ ‫البنيوية‬ ‫من‬ ‫كل‬ ‫بيا‬ ‫بدأت‬ ‫التي‬ ‫األعمال‬ ‫لتكمل‬
‫ىذا ما مكنيا من أن تربح رىانا مزدوجا؛ فمن ناحية استجابت لحاجة عممي االجتماع واالنثروبولوجيا بمدىم‬
‫بأدوات ومناىج متطورة تمكنيم من دراسة الترابطات االجتماعية داخل النسق االجتماعي الكمي‪ ،‬ومن ناحية‬
‫ثانية فقد استطاعت أن توفر األدوات التحميمية الالزمة لمتيارات السياسية واأليديولوجية لصد فرضيات‬
‫وأطروحات عمم االجتماع الماركسي وسياقو التاريخي المادي‪ .‬وفي المقابل استطاعت أن تتجاوز النقائص‬
‫والتناقضات التي سقطت فييا كل من البنيوية والوظيفية‪ .‬وتكمن قوة االتجاه البنيوي الوظيفي في تعدد‬
‫مرجعياتو التي أثرت الحقل السوسيولوجي باألدوات المنيجية والمواضيع والقضايا‪ ،‬وقوة وغ ازرة المفاىيم التي‬
‫أكسبت االتجاه حجية ودالالت عممية لمتحميل والتفسير‪ ،‬من المرجعيات العممية الى األونثروبولوجيا‬
‫والبيولوجيا‪.‬‬ ‫النفس‬ ‫وعمم‬ ‫والسوسيولوجيا‬
‫لقد ىيمنت البنيوية الوظيفية عمى حقل التنظير في عمم االجتماع لفترة طويمة‪ ،‬كانت فيو الخط األول‬
‫لمكتابات التي تصدت لموضوع النظرية االجتماعية‪ ،‬وبالرغم من ظيور الكثير من النظري ات والمقاربات التي‬
‫أخذت أفضمية استميمت كتابات وأفكار الكثير من الباحثين في الحقل االجتماعي إال أن ذلك التراجع لم يزح‬

‫‪184‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫تماما مكانة الرؤية البنيوية الوظيفية؛ وتجديد االىتمام بفرضياتيا التفسيرية‪ ،‬حتى وان كانت تعرضت‬
‫لموجات من النقد والطعن في استمرار صالحية أسس يا‪ ،‬وجاء النقد حتى من داخل التيار البنيوي الوظيفي‪،‬‬
‫لممجتمع‪.‬‬ ‫التنظيرية‬ ‫وأسسيا‬ ‫مفاىيميا‬ ‫ماىيتيا‬ ‫لفيم‬ ‫الضرورة‬ ‫تتأتى‬ ‫ىنا‬ ‫ومن‬
‫والمسممات‪:‬‬ ‫ومفاهيمها‬ ‫الوظيفية‬ ‫لمبنائية‬ ‫التصوري‬ ‫ثانيا ‪-‬اإلطار‬
‫أ ‪-‬ماهية البنائية الوظيفية ‪ :‬تمثل النظرية البنائية لوظيفية رؤية سوسيولوجية تنتمي الى الفكر الوضعي كما‬
‫تقدم سمفا‪ ،‬فالنزعة الوضعية منذ بداية القرن التاسع عشر معارضة لمميتفيزيقيا التقميدية‪ ،‬وتؤيد العمم والمنطق‬
‫التجريبي‪ ،‬وىذا كان يقتضي إلزامية الوصول الى القوانين التي تخضع ليا الوقائع والظواىر االجتماعية‪.‬‬
‫لذلك لجأ البنائيين الوظيفيين الى تطعيم أفكارىم من العمم الطبيعي؛ خاصة عمم األحياء وأىميتو في دراسة‬
‫المجتمع‪ ،‬فعمم األحياء يدرس تراكيب ووظائف الكائن الحي ‪ ،‬وبذلك تجاوزوا القصور واإلخفاق الذي لحق‬
‫والوظيفية‪.‬‬ ‫البنائية‬ ‫بالنظريتين‬
‫تستند البنائية الوظيفية الى مفيومي البناء ‪ Structure‬والوظيفة ‪ Function‬في تفكيكيا لبنية المجتمع‬
‫والوظائف التي يقوم بيا‪ ،‬وفي تحميميا لمظواىر االجتماعية وترابط الوظائف الم تولدة عن ذلك؛ حيث يشير‬
‫المفيوم األول الى الجزء أو العنصر الذي يتكون منو أي نظام أو وحدة أو بناء اجتماعي‪.‬أما الوظيفية‬
‫فيشير بيا الى الدور واإلسيام الذي يقدمو كل جزء ضمن البناء الكمي )‪ .(8‬بما أن الظاىرة االجتماعية حسب‬
‫رواد ىذه النظرية ىي نتاج األجزاء البنيوية التي تظير في وسطيا‪ ،‬وليا وظيفة اجتماعية مرتبطة بدورىا‬
‫بوظائف الظواىر األخرى الناتجة عن بقية األجزاء المكونة لمبناء االجتماعي‪ ،‬فإنو يستحيل فصل الوظائف‬
‫عن البنى أو العكس‪ .‬فالمجتمع بناء ووظيفة وأن ىناك تكامال بين الجانب البنيوي لممجتمع والجانب‬
‫البناء )‪.(9‬‬ ‫تكمل‬ ‫والوظيفة‬ ‫الوظيفة‬ ‫يكمل‬ ‫البناء‬ ‫أن‬ ‫إذ‬ ‫الوظيفي‬
‫لقد بنت البنائية الوظيفية حجج مقنعة‪ ،‬أزاحت مسممات كل من البنائية والوظيفية لصالح مبادئ منطقية‬
‫جديدة‪ ،‬فالبنيوية ترى بأن ماىو موجود ىو البناء و األجزاء التركيبية لمبناء‪ ،‬بينما ترى الوظيفية بأن ماىو‬
‫موجود ىو الوظائف التي تفيد المجتمع وليس البناء‪ .‬لكن أنصار التيار البنيوي الوظيفي يركزون عمى‬
‫تحميل العالقات القائمة بين العناصر واألجزاء المكونة لمبناء االجتماعي و يستخدمون مفيومي البنية‬
‫والوظيفة؛ بحيث تتكامل األجزاء مع الكل‪ ،‬من منطمق أن الكل مركب من أجزاء‪ ،‬وكل جزء يؤدي وظيفة‬
‫منوطة بو‪ ،‬وىذه الوظائف في اتساق وتكامل ما يحقق توازن النظام االجتماعي واستقرار وبقاءه )‪ .(10‬فيناك‬
‫إقرار بتكون كل وحدة أو نظام من مجموعة من األجزاء والعناصر وحتمية ترابطيا الوظيفي وتكامميا بحيث‬
‫يخدم ك ل جزء من خالل وظيفتو بقية األجزاء‪ ،‬وفي نفس الوقت يخدم الوحدة أو النظام الكمي الذي يتأثر كما‬
‫تتأثر أي من األجزاء األخرى بأي خمل يحدث عمى مستوى دور أي من األجزاء المتبقية في النظام )‪.(11‬‬
‫رئيسية لالتجاه البنيوي الوظيفي ‪:‬‬ ‫ثالث محاور كبرى‬ ‫ليفي أن ىناك‬ ‫ماريون‬ ‫ويرى‬
‫االجتماعي‬ ‫البناء‬ ‫في‬ ‫ويبحث‬ ‫االجتماعية‬ ‫الظاىرة‬ ‫أنماط‬ ‫‪-‬محور‬
‫‪-‬محور البيئة وظروف تفاعل األنماط ويبحث في الوظائف االجتماعية وتأثيراتيا عمى النسق الكمي‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫‪-‬وثالثا محور يجمع بين االتجاىين ا لسابقين حيث يبحث في الوظائف التي تمكننا من رصد أنماط الظاىرة‬
‫)‪.(12‬‬ ‫تفاعالتيا‬ ‫وتبيان‬ ‫االجتماعية‬
‫حاولت البنائية الوظيفية البحث في الظواىر االجتماعية لممجتمع بغض النظر عن بنى وانتماءات تمك‬
‫المجتمعات‪ ،‬فيي وضعت األسس المفاىيمية الالزمة لرصد األنساق وتفاعالتيا في أي مجتمع من‬
‫المجتمعات‪ ،‬انطالقا من الظروف الخاصة لمفرد‪ ،‬في إطار مفيومي البنية والوظيفة‪ ،‬في أي نظام اجتماعي‬
‫يؤول الى االتساق واالتزان المنطقي‪ ،‬بحكم الترابط والتكامل المتساند‪ ،‬وىي أسس رأى أنصار ىذا التيار أنيا‬
‫الداخمية‪.‬‬ ‫االجتماعية‬ ‫البنى‬ ‫انساق‬ ‫اختمفت‬ ‫ميما‬ ‫مجتمع‬ ‫ألي‬ ‫الزمة‬
‫وأخذ ىذا االتجاه عمى عاتقو ميمة تبسيط الواقع االجتماعي بكل تعقيداتو‪ ،‬وتفسير الظواىر االجتماعية بكل‬
‫تفاعالتيا وتحميل البن ى االجتماعية الى بنى ووظائف وانساق رئيسية وانساق فرعية‪ ،‬وشبكة من المفاىيم‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ب ‪-‬الشبكة المفاهيمية لمبائية الوظيفية ‪ :‬تقدم البنيوية الوظيفية مجموعة من المفاى يم الرئيسية التي تشرح‬
‫وتفسر مقوالتيا الرئيسية في تحميل الظاىرة االجتماعية‪ ،‬وتغير المجتمعات وتحوليا‪ ،‬أو استقرار المجتمعات‬
‫واستمرارىا‪.‬‬ ‫بقاءىا‬ ‫عمى‬ ‫والمحافظة‬ ‫االجتماعية‬ ‫األنظمة‬ ‫وتعديل‬ ‫إصالح‬ ‫خالل‬ ‫من‬
‫ال ينظر اإلتجاه البنائي الوظيفي لممجتمع بصفة عمومية شاممة‪ ،‬وانما يعطونو خاصية‬ ‫‪- 1‬المجتمع‪:‬‬
‫متعالية تسمو بو عن بقية المكونات‪ ،‬و يتصوروا أن المجتمع نسق من األفعال المحددة المنظمة‪ ،‬ويتألف‬
‫وظيفيا‬ ‫والمتساندة‬ ‫بنائيا‬ ‫المترابطة‬ ‫األبعاد‬ ‫أو‬ ‫المتغيرات‬ ‫من‬ ‫مجموعة‬ ‫من‬ ‫النسق‬ ‫ىذا‬
‫‪- 2‬التوازن اإلجتماعي ‪ :‬ينظر البنائيين إلى ىذا العنصر كيدف رئيسي يساعد المجتمع عمى أداء وظائفو‬
‫وبقائو واستم ارره‪ ،‬ويتحقق باالنسجام بين مكونات البناء والتكامل بين الوظائف األساسية‪ ،‬يحيطيا جميعا‬
‫برباط من القيم واألفكار التي يرسميا المجتمع ألفراده وجماعاتو‪ .‬وىي ذات طابع إلزامي كقواعد ضبط‬
‫وتنظيم )‪.(13‬‬
‫وفي ظل الصراعات التي تعرفيا المجتمعات العربية قان ىذه النقطة بالغة الحساسية في معرفة استعصاءات‬
‫التوازن االجتماعي‪ ،‬وم حفزات التفكك‪ ،‬وىناك ضرورة لمنظر في خمفياتيا؛ انطالقا من فحوى التساؤل حول‬
‫العناصر والجماعات المنوط بيا وضع تمك القواعد والمحددة ألرضية المنطمقات المشتركة من قيم وأفكار‬
‫أخرى‪.‬‬ ‫حسابات‬ ‫أو‬ ‫المجتمع‬ ‫مصالح‬ ‫مع‬ ‫توافقيا‬ ‫ومدى‬
‫‪- 3‬البناء اإلجتماعي ‪ :‬ويشير إلى مجموع العالقات االجتماعية المترابطة والمتساندة بين األفراد و يتميز‬
‫بخصائص أىميا التحديد‪ :‬أي إمكانية تحديد العناصر الداخمة والمكونة لمنسق‪ .‬ويعرفو رادكميف براون عمى‬
‫االجتماعية )‪.(14‬‬ ‫الوحدات‬ ‫مجموع‬ ‫بين‬ ‫الوظيفية‬ ‫العالقات‬ ‫من‬ ‫شبكة‬ ‫انو‬
‫‪- 4‬النسق االجتماعي ‪ :‬يتكون المجتمع من أجزاء ليا أدوار ووظائف بشكل منظم وليس عشوائي‪ ،‬يجب أن‬
‫تقوم بأدوارىا في إطار الكل المتسق‪ ،‬وكل جزء يجب أن يقوم بدوره حتى ال يحدث الخمل الوظيفي الكمي‬
‫كما أن لممجتمع حاجيات ي جب إشباعيا وتمبيتيا‪ ،‬وكل نسق فرعي يعمل عمى إشباع وتمبية ىذه االحتياجات‬
‫حتى يتحقق التفاعل المؤدي إلى التوازن واالستقرار )‪ . (15‬ىذا ال يعني أن كل أجزاء النسق نافعة بالضرورة‬
‫بل ىناك أنساق ضارة‪ ،‬ومعطمة لتوازن النسق‪ ،‬ويمكن رصدىا من خالل معرفة نتائج العمميات االجتماعية‬

‫‪186‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫وحصر األسباب المؤدية إلى التوازن واالتساق ومن ثمة يمكن العمل عمى تحيين فرص التوازن االجتماعي‬
‫األجزاء‪.‬‬ ‫بين‬ ‫الداخمي‬ ‫والتكامل‬ ‫التفاعل‬ ‫محفزات‬ ‫ومضاعفة‬
‫يرى بارسونز أن النسق االجتماعي يقصد بو مجموعة من الفواعل سواء كانوا أفرادا أو جماعات‪ ،‬أو‬
‫مجمعات خاصيتيم األساسية أنيم يشتركون في مميزات المكانة والوظيفة التي يؤدونيا عمى أساس الدور‬
‫المنوط بوضعيتيم وفق معايير وقيم مشتركة‪ ،‬فتتكون شبكة من العالقات التفاعمية االجتماعية في إطار‬
‫المكانة والدور المنوط بكل فاعل من الفواعل االجتماعية )‪ ، (16‬ويجب أن يقيم إطار التفاعل توازنا وتكامال‬
‫بين توجيات وسموك الفاعمين وأىدافيم‪ ،‬بما يؤدي الى تناسق واتزان النسق االجتماعي‪ ،‬وبما يخدم الغايات‬
‫والمقاصد القصوى لجميع الفاعمين االجتماعيين‪ ،‬ويتكون النسق االجتماعي عند بارسونز من أربع انساق‬
‫فرعية‪.‬‬ ‫انساق‬ ‫منيا‬ ‫نسق‬ ‫كل‬ ‫يتضمن‬ ‫اج تماعية‬
‫‪- 5‬النظام االجتماعي ‪ :‬باعتبار أن المجتمع كنظام اجتماعي من أجزاء متكاممة فان أي خمل يط أر عمى أي‬
‫جزء يؤدي إلى اختالل النظام بكاممو وىذا يعني أيضا أن العممية عكسية؛ بحيث تتأثر األجزاء بأي خمل‬
‫العام‪.‬‬ ‫النظام‬ ‫مستوى‬ ‫عمى‬ ‫يط أر‬
‫والنظام االجتماعي عند دوركايم ىو مجموعة القواعد والضوابط االجتماعية التي تضبط سموك الفواعل‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫المؤسسة‬ ‫ومقاصد‬ ‫أىداف‬ ‫لتحقيق‬
‫‪- 6‬منظومة القيم والمعايير المشتركة ‪ :‬سواء كانت رسمية تعاىدية وتعاقدية أو مقررة كقواعد ضبط إلزامية‬
‫أو غير رسمية من خالل مجموعة األفكار والقيم والمعتقدات االجتماعية السائدة والتي تشكل االتجاه‬
‫االجتماعي العام في المجتمع وتحقق اإلجماع المشترك بحيث يكون ىناك إتفاق حول ىذه القيم الجمعية‬
‫‪ ، Collective Values‬وىذا ما يقود إلى تشكيل الوعي العام‪ ،‬ومن ثمة يسيل تحديد االيدولوجيا‬
‫االجتماعية ‪ social Ideology‬الميمة لتقوية التماسك والتضامن االجتماعي‪Social Solidarity‬‬
‫المجتمعية )‪.(17‬‬ ‫المقاصد‬ ‫لبموغ‬ ‫الالزمين‬
‫‪- 7‬الوظيفة االجتماعية ‪ :‬يعد مفيوم الوظيفة االجتماعية مفيوم مركز ي في األطروحة التنظيرية لالتجاه‬
‫البنائي الوظيفي‪ ،‬بالرغم من غياب اإلجماع حول المفيوم وأبعاده وتنازع الشروحات التفسيرية التي تعود‬
‫مدلوالتيا الى المنبع التي تنيل منو رؤاىا سواء كان راجع الى حقل البيولوجيا أو الرياضيات أو‬
‫االجتماع‪.‬‬ ‫حقل‬ ‫أو‬ ‫االنتروبولوجيا‬
‫يشير مفيوم الوظيفة الى مجمل النشاطات التي يقوم بيا الفرد أو الجماعية أو أي بنية جزئية في المجتمع‬
‫االجتماعي‪.‬يعرفيا‬ ‫النظام‬ ‫ضمن‬ ‫ودوره‬ ‫بمكانتو‬ ‫والمرتبطة‬
‫ميرتون‬ ‫روبرت‬ ‫‪Robert‬يميز‬ ‫‪Merton‬‬ ‫الوظائف )‪:(18‬‬ ‫من‬ ‫نوعين‬ ‫بين‬
‫‪-‬الوظائف الكامنة ) ‪ : (the latente function‬وىي الوظائف الغير مقصودة والغير معروفة في النسق‬
‫بالنسبة لعناصره المشاركة‬
‫‪-‬الوظائف الظاىرة )‪ : (The Manifest function‬وتشير الى النتائج المقصودة والمعروفة لدى العناصر‬
‫المشاركة في النسق‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫‪- 8‬الترابط ‪ :‬أي جميع عناصر النسق اإلجتماعي مترابطة بعضيا ببعض‪ ،‬إذ كل جزء لو صمة باألجزاء‬
‫عمييا‬ ‫ويعتمد‬ ‫األخرى‬
‫‪- 8‬التباين ‪ :‬بمعنى أن النسق اإلجتماعي ىو نسق متوازن أو يتجو باستمرار نحو التوازن‬
‫تنطمق ىذه النظرية من الحتمية الوظيفية لمبناءات االجتماعية‪ ،‬فوجود‬ ‫ج ‪-‬مسممات البنيوية الوظيفية‪:‬‬
‫البنى االجتماعية ليس وجودا اعتباطيا؛ وانما ألداءات وظيفية حتمية‪ ،‬ضمن النسق االجتماعي الكمي‪ ،‬وىذا‬
‫المجتمعي‪.‬‬ ‫البنائي‬ ‫والتوازن‬ ‫التناسق‬ ‫ليتحقق‬ ‫االجتماعية‪،‬‬ ‫البنى‬ ‫كل‬ ‫عمى‬ ‫ينطبق‬ ‫األمر‬
‫ينظر البنائيون الوظيفيون الى المجتمع كوحدة أساسية متكاممة‪ ،‬تترابط أجزاؤىا وظيفيا‪ ،‬وفق نسيج من‬
‫)‪.(19‬‬ ‫المجتمع‬ ‫داخل‬ ‫الصراعات‬ ‫يمنع‬ ‫الذي‬ ‫والتوازن‬ ‫االتساق‬
‫تعد الصراعات واإلخفاقات عمى مستوى النسق االجتماعي حسب البنيوية الوظيفية مجرد معوقات مؤقتة‬
‫لكنيا ال تؤدي الى الحي مولة دون تحقيق النسق االجتماعي ألىدافو النيائية وغاياتو القصوى‪.‬‬
‫استمرار النظام االجتماعي قضية مركزية وضرورة الزمة وممحة‪ ،‬عمى الرغم من اإلقرار بالتغيرات والتبدالت‬
‫ومكوناتو‪.‬‬ ‫أجزاءه‬ ‫عمى‬ ‫تط أر‬ ‫التي‬
‫يحتاج أي نظام لالستقرار والبقاء الى ضمانات‪ ،‬تضمن استم ارره وتكامل أجزاءه‪ ،‬وتضامن أعضاءه‪ ،‬من‬
‫خالل القيم والمفاىيم االجتماعية المشتركة لتحقيق اإلجماع القيمي حول المشروع االجتماعي ‪Collective‬‬
‫‪ ، Values‬ومن خالل قوة القوانين ال تي تحقق المصالح المشتركة وتتكفل بشرعية النظام القائم‪.‬‬
‫وظيفي‪:‬‬ ‫بنائي‬ ‫منظور‬ ‫من‬ ‫المجتمعية‬ ‫ثالثا ‪-‬التحوالت‬
‫انطمقت معظم الكتابات الوظيفية التقميدية والمعاصرة من المشكالت االجتماعية والتصدعات التي طرأت‬
‫ع مى المجتمعات في ظل الظروف التي عايشيا كل باحث في مجتمعو‪ ،‬و بالرغم من االنتقاد الرئيسي لمفكر‬
‫البنائي الوظيفي المتمحور أساسا حول اىتمام أنصاره بالنظام والبنية والوظائف بشكل جامد ال يراعي‬
‫التغيرات والتحوالت المجتمعية‪ ،‬إال أن البنائيين الوظيفيين كانوا يرون أن الرىان األكبر بالنسبة ليم لمعالجة‬
‫تمك المشكالت يتمثل في بناء عمم اجتماع قائم عمى أسس عممية ومنيجية‪ ،‬ومن ىنا تولدت الرغبة في‬
‫صياغة نظرية سوسيولوجية عامة تتناول األجزاء المتفاعمة لمنسق االجتماعي ويظير ذلك خاصة عند ابن‬
‫خمدون في دعوتو لتطوير عمم العمران )‪ ،(20‬ومحاولة دوركايم لتأصيل عمم اجتماع جديد بعيدا عن أفكار من‬
‫شامل )‪.(22‬‬ ‫تصوري‬ ‫إطار‬ ‫لوضع‬ ‫سعيو‬ ‫في‬ ‫بارسونز‬ ‫تالكوت‬ ‫و‬ ‫)‪(21‬‬
‫سبقوه‬
‫الوظيفي‪:‬‬ ‫البنائي‬ ‫والسياق‬ ‫الخمدوني‬ ‫أ ‪-‬المنهج‬
‫كتب ابن خمدون أفكاره في ظل الوضع الغير مستقر لمعالم اإلسالمي‪ ،‬وفي ظل تجميات االنحالل والتفكك‬
‫وانييار أسس وروابط االجتماعي اإلنساني‪ ،‬وتفسخ منظوماتو‪ ،‬وكانت أوجو الخراب والصراع وانييار العمران‬
‫سمات متجمية في المنيج الخمدوني في تفسيره لمظواىر المجتمعية‪ ،‬انطالقا من التجارب التاريخية التي‬
‫استحضرىا أو الوقائع االجتماعية التي عايشيا في معظم البالد اإلسالمية‪ .‬ورأى أن أحد أىم مبررات انييار‬
‫العمران البشري تعود الى انفصال العمم خصوصا العقمي وانقطاعو‪ ،‬وقد استوعب ىذه الضرورات لذلك نجد‬
‫في أفكاره تحصيل كبير لمفم سفة اإلغريقية وثوابتيا االجتماعية في المنيج الذي وضعو‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫تظير البنائية الوظيفية في المنيج الخمدوني من خالل تأكيده عمى ضرورات االجتماع البشري‪ ،‬وترقية‬
‫جيود األفراد والتعاون بين الجماعات ‪ ،‬والتكامل في منيج ابن خمدون يوضحو من خالل حاجة توافر‬
‫الضرورات البشري ة الى أكثر من عممية‪ ،‬ويقدم في ذلك الكثير من األمثمة االجتماعية لشرح الوظيفة‬
‫)‪.(23‬‬ ‫التكاممية‬
‫إن العمران ال يقوم إال من خالل أداء كل فرد لمنشاطات والوظائف المنوطة بو‪ ،‬وىي تتقاطع وتتكامل‬
‫بطبيعة الحال مع وظائف ونشاطات األفراد اآلخرين‪ ،‬وأن تحقق الضرورات واألساسيات التي يمزميا القيام‬
‫االجتماعي؛ ضرورتيا مجموعة من العمميات التي تتطمب تعاون وتضامن بين األفراد‪ ،‬ويضرب مثال حاجة‬
‫اإلنسان الى الغذاء الذي يتطمب تداخل مجموعة من العمميات وتعدد الفاعل لتعدد الوظائف من الزراعة الى‬
‫الطحين الى الطبخ‪ .‬ولالستدالل عمى مفيوم الوظيفة االجتماعية في النسق االجتماعي يستخدم مفيوم‬
‫الصنائع لإلشارة الى الوظائف و العمميات الثقافية في المجتمع وىي ضرورية والزمة لتطور العمران ومقترنة‬
‫بحالتو أيضا تأث ار وتأثي ار)‪.(24‬‬

‫فالعمران البشري حسب المنيج الخمدوني ال يتحقق اتزانو واتساقو العام؛ وبالتالي بقاءه واستم ارره إال من‬
‫خالل التزام كل فاعل بأدائو لوظائفو‪ ،‬لكي تتكامل العمميات االجتماعية‪ ،‬فميس بمقدور الفرد تحقيق ذلك‬
‫منفردا‪ ،‬ف قيام النظام االجتماعي في مضمونو يسير وفق سمسمة متداخمة ومتكاممة من العمميات‪.‬تتوالى فييا‬
‫الدورة االجتماعية فتحل البداوة محل الحضارة وتتواتر ىذه الدورة في بناءات اجتماعية متجددة )‪.(25‬‬
‫ركز ابن خمدون في منيجو عمى الوازع الذي يحد من نزعة الغريزة الحيوانية لدى األفراد‪ ،‬وىو يشير بذلك‬
‫الى ضرورة وجود قيم ومعايير مشتركة لمنسق االجتماعي‪ ،‬لكي يتولد االلتزام واالنضباط‪ ،‬واالستجابة‪،‬‬
‫وتتحقق المشروعية الالزمة الستمرار النظام االجتماعي )‪.(26‬‬

‫فاالجتماع البشري يحتاج الى وازع يحد من النزعة البشرية الميالة الى العدوان والظمم حتى يتسنى‬
‫لألفراد العيش وفق منظومة ومعايير حاكمة وفي إطار قيم مشتركة‪ .‬الن ىناك عممية تأثير متبادلة ذات‬
‫فعالية منطقية يتأثر بموجبيا سموك الفرد االجتماعي بما يسود من إجماع مجتمعي ويتأثر المجتمع بدوره‬
‫)‪(27‬‬
‫‪.‬‬ ‫بحالة األنساق الشخصية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫وفي ظل التزام كل فرد بوظائفو وتكامل العمميات المجتمعية يتحقق استقرار النظام االجتماعي‪ ،‬وتتولد‬
‫حتمية البقاء لدى أنساقو الفرعية‪ ،‬ويخمص ابن خمدون في منيجو إلى أن مزيد من االتصال البيئي البيني‬
‫والخارجي وأداءات الوازع الرادع لمعدوانية والطغيان البشري يمكن المجتمع من بناء أنساق متكاممة تؤدي‬
‫وظائفيا المترابطة وتصل باألفراد والجماعات إلى المقاصد والغايات المجتمعية‪ .‬ويتحقق النموذج المجتمعي‬
‫في المنيج الخمدوني باالنتقال من الحيوان الى اإلنسان ومن العدوانية الى القانون والتمدن‪ ،‬ومن العصبية‬
‫الى الممك ومن البداوة الى الحضارة )‪.(28‬‬

‫‪189‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫‪:Durkheim‬‬ ‫دوركايم‬ ‫إميل‬ ‫عند‬ ‫االجتماعية‬ ‫ب ‪-‬الظاهرة‬


‫اىتم دوركايم بالكثير من الظواىر االجتماعية وركز عمى النظام االجتماعي‪ ،‬حيث فكك أسباب وخمفيات‬
‫الصراع والالاستقرار‪ ،‬ومحفزات التفكك داخل بناه‪ ،‬مثمما بحث في السبل المؤدية الى استق ارره واتزانو‪ ،‬وبذلك‬
‫فقط أعطى في دراساتو أىمية محورية لترابطات أجزاء ومكونات النظام االجتماعي‪ ،‬وتفاعل األداءات‬
‫المتساندة بين مختمف األنساق ‪ ،‬فرصد الواقع االجتماعي عبر وضع إطار تصوري يتشكل من مجموعة‬
‫النظم واألنس اق واألجزاء المتساندة وظيفيا والمترابطة منطقيا‪ .‬واستخمص من ذلك أن الظواىر االجتماعية‬
‫مميزة عن بقية الظواىر ومن ثمة يتطمب دراستيا منيج مختمف وأدوات عممية مغايرة )‪.(29‬‬
‫يرى دوركايم أن الوظائف ذات مقاصد اجتماعية إلشباع حاجات األفراد في المجتمع وكل جزء ضمن انساق‬
‫النظام منوط بو أداء الدور الوظيفي لتحقيق االتزان االجتماعي واستقرار النظام‪ .‬لذلك فإن المفيوم الوظيفي‬
‫)‪(30‬‬
‫وحدوث المشكالت واالضطراب االجتماعي يبدأ عندما يكون ىناك خمل‬ ‫عند دوركايم نسبي وليس حتمي‬
‫في تمبية الحاجات وتحقيق اإلشباع الوظيفي‪ ،‬وعندم ا تعجز المؤسسات عن أداء وظائفيا يكون إلزاميا‬
‫إلغاؤىا وتبديميا بأخرى قادرة عمى تحقيق اإلشباع الوظيفي‪ ،‬وأداء احتياجات عناصر النسق‪.‬‬
‫لبارسونز‪:‬‬ ‫االجتماعي‬ ‫النسق‬ ‫منظور‬ ‫من‬ ‫االجتماعية‬ ‫ج ‪-‬الظاهرة‬
‫يعتبر تالك وت بارسونز من أكثر الباحثين الذين طوروا الصياغات النظرية والمفاىيمية لمحقل السوسيولوجي‪،‬‬
‫خصوصا البنائية الوظيفية‪ ،‬من خالل نقمو لمكثير من المفاىيم من مختمف التخصصات إلى عمم االجتماع‪،‬‬
‫ما مكنو في األخير من االنطالق من أصغر وحدة في التحميل السوسيولوجي ونعني بيا نظرية الفعل‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫أساس النظرية االجتماعية عند بارسونز ىو دراسة الفعل االجتماعي من خالل التركيز عمى األسباب التي‬
‫تؤدي الى اندماج الفرد ومساىمتو في اتزان واستقرار المجتمع‪ ،‬أو العكس من ذلك )‪.(31‬‬
‫واالفتراض الرئيسي لبارسونز أن المجتمع يميل الى تحقيق التوازن والمحافظة عمى حالة االتزان مع إق ارره‬
‫بعدم جمود المجتمع وانما يسير وفق منطق تطوري‪ ،‬ويقدم في ذلك مفيوم التحول المتحرك‪.‬‬

‫وضع بارسونز إطا اًر م رجعياً لنظرية الفعل االجتماعي‪ ،‬واستخدم ىذا اإلطار المرجعي في وصف الصور‬
‫األساسية التي يتشكل فييا الفعل االجتماعي في شكل أنساق‪ :‬النسق الثقافي‪ ،‬النسق االجتماعي‪ ،‬نسق‬
‫الشخصية والنسق السموكي‪ ،‬ثم حاول أن يفسر ىذه األنساق وعالقتيا ببعضيا‪ ،‬أومن خالل العالقات التي‬
‫ت قوم بين العناصر التي يتألف منيا كل نسق )‪ .(32‬مؤكداً عمى ضرورة وأىمية تحقيق التوازن بين صور‬
‫اإلطار المرجعي‪ ،‬أو بين العناصر التي يتألف منيا‪ ،‬وكل اختالل في أحد ىذه العناصر سيؤدي إلى خمل‬
‫في المجتمع ككل والذي سيفقد بالضرورة توازنو‪ ،‬وىو ما يعني انييار المجتمع )‪.(33‬‬

‫‪190‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫‪-‬تعريف الفعل اإلجتماعي‪ :‬يمكن القول أن كل ممارسة اجتماعية تقتضي وجود فاعل وىدف واطار مرجعي‬
‫يضم شروط الفعل ووسائمو وكذلك يدمج العالقة بين عناصر البنية االجتماعية ككل فيو فعل إجتماعي‪،‬‬
‫وينصرف بذلك المفيوم إلى كل أنواع السموك اإلنساني التي تحركيا المعاني الثقافية والقيم والمعايير في‬
‫بيئة الفاعل ‪ ،‬وىي معاني يدركيا ويستند عمييا في تحريك وتوجيو سموكاتو‪ ،‬وأي فعل اجتماعي البد أن‬
‫يتكون من فاعل سواء كان فرد‪ ،‬أو جماعة أو كيان‪ .‬ومن موقف يمثل المحيط الذي يقوم فيو الفاعل بفعمو‪،‬‬
‫بينما المكون الثالث يعني بو الرموز ويشير الى الوسائل التي يرتبط من خالليا الفاعل بالعناصر المختمفة‬
‫لتحقيق أىدافو‪ ،‬وجممة القواعد والقيم والمعايير التي تتحكم في توجيو الفاعل داخل‬ ‫داخل الموقف‬
‫الموقف )‪.(34‬‬
‫‪-‬األنساق الفرعية لنسق الفعل اإلجتماعي ‪:‬من منظور بارسونز فإن أي فعل يضم أربعة أنساق فرعية‪ ،‬وكل‬
‫نسق مرتبط بوظيفة من الوظائف األربعة لمفعل‪ ،‬وىذه األنساق الفرعية ووظائفيا قدميا كما يمي )‪:(35‬‬
‫‪- 1‬النسق العضوي(البيولوجي) ‪:sous système biologique‬وظيفتو تحقيق التكيف) ‪( Adaptation‬‬
‫من خالل تنظيم العالقات مع العالم الفيزيقي‪ ،‬فيتكيف معو أو يتحكم فيو أو يعيد تشكيمو‪.‬‬
‫‪- 2‬نسق الشخصية ‪ : sous système psychologique‬وظيفتو تحقيق اليدف ‪( Goal attainment‬‬
‫االشباع‪.‬‬ ‫درجة‬ ‫إلى‬ ‫لموصول‬ ‫بوا سطتو‬ ‫أىدافو‬ ‫العام‬ ‫النسق‬ ‫يحقق‬ ‫أداة‬ ‫فيو‬ ‫)‪،‬‬
‫‪- 3‬النسق اإلجتماعي ‪ : sous système social‬وظيفتو تحقيق التكامل ) ‪ ،( Integration‬من خالل‬
‫الدور الذي يقوم بو في المجتمع ومن خالل المحافظة عمى االنسجام وتماسك الوحدة المجتمعية‪.‬‬
‫‪( Pattern‬‬ ‫‪- 4‬النسق الثقافي ‪ : sous système culturel‬وظيفتو المحافظة عمى النمط‬
‫) ‪ ، Maintenance‬ألن الثقافة ىي التي تزود الفاعمين بالتدعيم والدافعية ألداء أدوارىم‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
‫اآلخرين‪.‬‬ ‫بقيم‬ ‫اإللتزام‬
‫إن ىذا التكامل يعبر عن تكامل النسق اإلجتماعي ككل‪ ،‬فإذا تحقق عمى مستوى التفاعل بين الفاعمين فإن‬
‫كميا‪.‬‬ ‫تكامال‬ ‫النياية‬ ‫في‬ ‫يحقق‬ ‫سوف‬ ‫النسق‬ ‫أن‬ ‫يعني‬ ‫ذلك‬
‫‪-‬األنساق الفرعية لمنسق اإلجتماعي ‪:‬ميز بارسونز من خالل نموذجو لموظائف األربعة لتحميل أنساق‬
‫ىي )‪:(36‬‬ ‫فرعية‬ ‫أنساق‬ ‫أربع‬ ‫بين‬ ‫الفرعية‬ ‫المجتمع‬
‫‪- 1‬النسق االقتصادي ‪:‬يشمل األنشطة الخاصة باإلنتاج والتوزيع‪ ،‬يحقق وظيفة التكيف أي يمكن المجتمع‬
‫الوجود‬ ‫في‬ ‫يستمر‬ ‫لكي‬ ‫عمييا‬ ‫ويسيطر‬ ‫البيئة‬ ‫مع‬ ‫التكيف‬ ‫من‬
‫‪- 2‬النسق السياسي ‪ :‬لو وظيفة تحقيق اليدف‪ ،‬أي يرسم لممجتمع أىدافو ويعمل عمى تعبئة الموارد الممكنة‬
‫األىداف‬ ‫ىذه‬ ‫لتحقيق‬
‫‪- 3‬الروابط المجتمعية ‪ :‬تحقق وظيفة التكامل‪ ،‬أي أنيا تفرض التنسيق الالزم الستمرار المجتمع‬
‫‪- 4‬التنشئة اإلجتماعية‪ :‬تقوم بوظيفة المحافظة عمى نمط المجتمع‪ ،‬فمن خالل التنشئة يتم نقل ثقافة‬
‫المجتمع إلى األفراد الذين يستوعبونيا‪ ،‬وتصبح عامال ىاما في خمق الدافعية لمسموك الممتزم‪ ،‬وىذه األنساق‬
‫األربعة ترتبط بعالقات اعتماد متبادل فكل نسق فرعي من أنساق المجتمع ييدف إلى تحقيق وظيفة تعد‬
‫مستمزما أساسيا لمنسق ككل‪ ،‬فإذا غابت ينيار النسق )‪.(37‬‬

‫‪191‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫تابع" شيستر برنارد " "‪ "Chester Barnard‬فكرة التكامل واالعتماد المتبادل بين األنساق الفرعية والنسق‬
‫العام في نظرية بارسونز واقترح ضرورة وجود ما أسماه بالنسق التعاوني‪، Cooperative – system‬‬
‫فكل نظام أو نسق يكون عنص ًار تابع ًا لألنساق الكبرى التي يعتبر جزًء منيا من خالل التعاون بين األفراد‪،‬‬
‫كما أن كل نسق من ىذه األنساق الفرعية يتضمن بدوره نسقاً تعاونياً داخمياً‪.‬‬

‫‪-‬متغيرات النمط في أنساق الفعل ‪ :‬تشير متغيرات النمط بالنسبة لنسق الفعل‪ ،‬الى البدائل التي تتجمى في‬
‫المعايير‪ ،‬وعمى أساسيا يختار الفرد سموكات معينة‪ ،‬أي أنيا أنماط توقعات الدور التي تفرض دائما مشكمة‬
‫اختيار الفاعل‪.‬ويقدم بارسونز خمسة أزواج من ىذه البدائل‪ ،‬يرى أنيا تحوي كافة األفعال البشرية ويستحيل‬
‫وىي‪:‬‬ ‫إطارىا‬ ‫خارج‬ ‫فعل‬ ‫أي‬ ‫تفسير‬ ‫إيجاد‬
‫التخصص في مقابل االنتشار‪ ،‬الوجدانية في مقابل الحياد الوجداني‪ ،‬المصمحة الذاتية في مقابل المصمحة‬
‫الجماعية‪ ،‬العمومية في مقابل الخصوصية‪،‬األداء في مقابل النوعية‪ .‬حيث استخدم ىذه المتغيرات لمربط بين‬
‫الفعل اإلجتماعي والنسق اإلجتماعي‪ ،‬فالقيم والمعايير واألنماط الثقافية في النسق اإلجتماعي ىي التي تقدم‬
‫المعضالت )‪.(38‬‬ ‫ليذه‬ ‫الحمول‬
‫الوظيفي‪:‬‬ ‫البنائي‬ ‫المنظور‬ ‫في‬ ‫االجتماعي‬ ‫الصراع‬ ‫د ‪-‬مكانة‬
‫يرى أوغست كونت أن المجتمع وحدة سم تيا األساسية ىي االستقرار واالتزان‪ ،‬أما حالة الصراع واالضطراب‬
‫فيي ال تؤثر عمى المجتمع‪ ،‬مادامت أجزاءه في تكامل وتساند وظيفي يعالج الخمل وظيفيا‪ ،‬واآللية الرئيسية‬
‫لتحقيق التوازن االجتماعي بالنسبة لبارسونز ىي النسق الثقافي من خمل القيم والمعايير واألفكار والمعتقدات‬
‫التي تؤسس لمفيم المشترك‪ ،‬والوعي الجمعي‪ ،‬والتشارك في االتجاىات العامة‪ .‬وىي تقترب بذلك من فكرة‬
‫الرموز والمعايير عند بيار بورديو‪ .‬كما يشترك في ىذا السياق ابن خمدون مع دوركايم في نظرتيم لوظيفة‬
‫الدين في حياة البشر عمى أن لو وظيفة العمل عمى توحيد الناس‪ ،‬وخمق روح التضامن االجتماعي من‬
‫خالل القيم المشتركة‪ ،‬والوعي الجمعي بالتساند االجتماعي لصناعة المستقبل المستقر‪.‬‬

‫بينما طور نيل سممزر ‪ Neil Smelser‬مفيوماً جديداً لموظيفية‪ ،‬يركز عمى االنتشار كأحد مفاتيح التوازن‬
‫االجتماعي وىو أشبو بالترياق المضاد لمتصدعات واالضطراب ات المجتمعية‪ ،‬وبذلك عالج موضوع التغيير‬
‫والتحول المجتمعي بطريقة مختمفة ‪ ،‬بحيث أن الوظائف التي يقوم بيا نظام معين يأتي عمييا وقت تنتشر‬
‫بين نظم أخرى متباينة‪ ،‬فيحل شكال من التوازن االجتماعي محل شكل آخر أكثر تعقيداً‪ ،‬والى أن يتم ىذا‬
‫الحمول من المتوقع أن يشيد ال نظام مرحمة من التوتر واالضطراب )‪.(39‬‬

‫‪192‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫الوظيفي‪:‬‬ ‫البنائي‬ ‫المنظور‬ ‫نقد‬ ‫رابعا ‪-‬في‬


‫الوظيفية‪:‬‬ ‫البنائية‬ ‫النظرية‬ ‫إلى‬ ‫وجهت‬ ‫التي‬ ‫االنتقادات‬ ‫أ ‪-‬أهم‬
‫تعرضت البنائية الوظيفية الى ثورة انتقادات كبرى‪ ،‬إذ أخذ عمى ىذا االتجاه أنو أحادي النظرة‪ ،‬بمعنى أنو‬
‫ال يرى ويبحث في النسق اإلجتماعي إال أبعاد التوازن والوظائف وتحقيق األىداف‪ ،‬فال ييتم بتحميل أبعاد‬
‫أخرى لمظاىرة االجتماعية‪ ،‬مثل أبعاد التغير واالضطراب واألمراض والمشكالت اإلجتماعية‪ .‬كما انصب‬
‫التركيز عمى الجوانب الثابتة من النسق اإلجتماعي‪ ،‬واألبعاد الثقافية لمنسق كانت أكثر استخداما في التفسير‬
‫من غيرىا من مكونات النسق‪ ،‬وىناك إىمال غير مقبول لعنصر أساسي في فيم تغير وتطور المجتمعات‬
‫االجتماعي‪.‬‬ ‫الصراع‬ ‫موضوع‬ ‫في‬ ‫والمتمثل‬
‫وبذلك فيي تركز عمى الثبات االجتماعي أكثر من اىتماميا بقضايا التغير االجتماعي )‪ ،(40‬كما أخذ عمييا‬
‫تطرفيا الشديد في التركيز عمى محاكاة نماذج العموم الطبيعية‪ ،‬واالىتمام المفرط بالجوانب الثابتة عمى‬
‫حساب الجوانب الحركية المتغيرة‪ ،‬حيث اعتبرىا داىرندورف ‪ Dahrendorf‬من قبيل اليوتوبيا‪ ،‬بينما رأى"‬
‫بوبوف" عالم االجتماع السوفيتي أنيا تصور المجتمع عمى أنو نظام أبدي ال يعرف التطور واالنتقال إلى‬
‫وضع جديد‪ .‬بينما رأى رايت ميمز" في كتابو (التصورات السوسيولوجي ) أن بارسونز قدم مبررات أخالقية‬
‫الستمرار القوى المتحكمة في السمطة؛ من خالل التركيز عمى االستقرار وتحقيق التوازن ومراقبة سموك‬
‫األفراد؛ بفرض قيم ومعايير فوقية تحارب مسبقا أي محاولة لمتغيير‪ ،‬أو أي شكل من أشكال التمرد‪ ،‬كما أخذ‬
‫عميو استخدامو لمفاىيم مركبة ولغ ة غامضة زادت من تعقيد الظاىرة االجتماعية أكثر مما فسرتيا )‪.(41‬‬
‫ب ‪-‬البنائية الوظيفية الجديدة في مواجهة الثورة النقدية ‪ :‬في ظل الثورة النقدية التي تعرض ليا التيار‬
‫البنيوي الوظيفي خصوصا مع رحيل بارسونز‪ ،‬حيث ظير في سياق ذلك تيار جديد‪ ،‬حاول أنصاره التأسيس‬
‫لمنظور بنيوي وظيفي جديد‪ ،‬من خالل ثورة نقدية بناءة من داخل التيار البنائي الوظيفي‪ ،‬لتجديد قدرة التيار‬
‫عمى تفسير التغيير والصراع في المجتمع وتحميل الظاىرة االجتماعية‪ ،‬ويمكن إدارج ثالث باحثين كانت‬
‫‪HJeffrey‬‬ ‫‪ ،Robert Merton‬جفري ألكسندر‬ ‫جيودىم تصب في ىذا السياق‪ :‬روبرت ميرتون‬
‫‪.Alexander‬‬
‫حيث يرى ميرتون أن تفسير مختمف الفتراضات النسق الوظيفي خاصة عند بارسونز‪ ،‬إذا ليس بالضرورة أن‬
‫االختالل‬ ‫تكون كل بنية أو عقيدة تتصف بوظائف ايجابية‪ ،‬وبذلك رك ز عمى مفيوم( العوق الوظيفي) أو‬
‫الوظيفي‪ ،‬وىو عجز النسق عن أداء وظائفيا )‪ ، (42‬فالتنظيمات االجتماعية مثمما ليا أدوار ايجابية في‬
‫المجتمع فإن ليا تأثير سمبي في المجتمع مثال الفقر فيو عوق اقتصادي بسبب عدم قيام األسرة بأدوارىا‪.‬‬

‫وىنا صنف ميرتون الوظائف إ لى قسمين ‪:‬الوظائف الظاىرة وىي التي تركز عمى تحقيق التنظيمات‬
‫االجتماعية‪ ،‬والوظائف غير ظاىرة ‪ :‬مستترة ىي التي ال تركز عمى تحقيق التنظيمات االجتماعية‪،‬‬
‫فالوظائف المستترة ىي التي تسبب االختالل الوظيفة (العوق الوظيفي) )‪.(43‬‬

‫‪193‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫وفي دفاعو عن الخيار البنائي الوظيفي لتف سير الظاىرة االجتماعية؛ اعتبر جيفري أن التطور االجتماعي‬
‫قابل لكل االحتماالت نتيجة لعوامل عدة متغيرة‪ ،‬والوظيفية الجديدة تقدم وصفا عاما لمعالقات المتبادلة‬
‫وتستخدم فكرة التوازن بصفتيا نقطة مرجعية وليس بوصفيا شيء موجود في الواقع‪ .‬فالتوازن ىو دائما توازن‬
‫متحرك )‪.(44‬‬

‫جاءت الوظيفية الجديدة لتعدل الكثير من المفاىيم والمسممات التي بنيت عمييا الوظيفية البنائية‪ ،‬وفي ظل‬
‫ثورة االنتقاد؛ تمكنت الوظيفية الجديدة من بمورة أسس مفاىيمية وتفسيرية جديدة في سياق التحوالت المنيجية‬
‫والموضوعية‪ ،‬خاصة مع نياية الحرب الباردة‪ ،‬وبروز متغير العولمة وانتصار النيج الميبرالي‪ ،‬ومن أبرز‬
‫المسممات التي قدمتيا نجد التوازن المتحرك ومفيوم تعدد األبعاد في الوظيفية الجديدة‪ ،‬وطورت مفيوم‬
‫البدائل الوظيفية ‪ Functional Alternatives‬وأعادت صياغة مفيوم الوظيفة المعوقة ‪dysfunction‬‬
‫والوظيفة الميسرة‪ .‬وبذلك أنشد ىذا التيار أكبر قدر من الحيادية والموضوعية إلعادة تفعيل الدور المنيجي‬
‫والنظري لمتيار البنيوي الوظيفي لتفسير الظاىرة االجتماعية )‪.(45‬‬

‫لقد ساىمت أعمال روبرت ميرتون‪ ،‬وماريون ليفي‪ ،‬وجيفري ألكسندر وآخرون في أن يردوا عمى ادعاءات‬
‫نظرية الصراع‪ ،‬خاصة في مسألة مواجي ة المشكالت المجتمعية ونفي اإلطار النظري الذي قدمو بارسونز‬
‫وبذلك أقامت الحجة عمى أنصار نظرية الصراع الستعماليم نفس اإلطار المشابو الذي استخدمو بارسونز‪،‬‬
‫والمتمثل في التحيز إلى النموذج الموضوع لتحقيق األىداف المحددة سمفا وبذلك وضعوا معالم التيار البنيوي‬
‫الوظي في الجديد عمى مسرح النظرية االجتماعية من جديد‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫ما يمكن استنتاجو من فحص تطور النظرية البنائية الوظيفية ورصد اتجاىاتيا ومسمماتيا المفاىيم التي‬
‫قدمتيا لتفسير الظاىرة االجتماعية أنيا كانت محكومة بظروف وخمفيات موضوعية تنطبق عمى حالة‬
‫المجتمعات الغربية عمى وجو التحديد‪ ،‬ومن ثمة كان التركيز عمى مفاىيم محورية اعتبرت مفاتيح ترميم‬
‫التصدعات واالضطرابات االجتماعية وقدمت تمك المنظورات في اإلطار البنيوي الوظيفي مفاىيم ومناىج‬
‫كترياقات لمحد من التفكك المجتمعي‪ ،‬وقد كانت معالم المساىمة البنيوية الوظيفية في ترتيب مناىج وأسس‬
‫النظرية االجتماعية في اتجاه بمورة نظرية عامة شاممة تركز عمى النظام واالستقرار وتوازن المجتمعات‪.‬‬
‫فابن خمدون ركز عمى الصنائع والممك وال دورة االجتماعية والوازع المدني كمفاىيم بنائية لمواجية ظاىرة‬
‫التفسخ واالنحالل وتصدع المجتمعات العربية واإلسالمية التي عايشيا‪ ،‬كما أننا نجد أن عمم االجتماع‬
‫الفرنسي الذي تأسس من قبل كونت ودوركايم؛ جاء في ظل الفساد والتفكك المجتمعي وتناسل الصراعات ما‬
‫بعد الثورة‪ ،‬لذلك كان التركيز عمى النظام والتوازن والتكامل‪ ،‬والقيم الجمعية المشتركة إلعادة المجتمعات الى‬
‫توازنيا‪ ،‬الن أصل التطور المجتمعي االستقرار والتوازن وليس االضطرابات والصراع حسب المفاىيم البنيوية‬
‫الوظيفية‪.‬‬
‫وال يختمف التركيز العممي والتنظيري لممدرسة االنجموساكسونية عند البريطانيين وعند االمريكيين بعد‬
‫الحربين العالميتين‪ ،‬حيث كان التركيز عمى إعادة بناء المجتمعات بعد خراب الحروب‪ ،‬وفي سبيل تقديم‬
‫إطار تصوري بنائي وظيفي شامل لمواجية ىيمنة المنظور التاريخي الماركسي‪.‬‬

‫ومن ىنا يتضح أن المنظور البنائي الوظيفي كان ذا خمفيات سياسية وأيديولوجية وعممية مكنت المجتمعات‬
‫الغربية من فيم ظواىرىا المجتمعية ومن ثمة المساىمة في بناء أنظمة إجتماعية ونماذج نظمية حققت‬
‫التطور واالستقرار المط موبين والتحول االيجابي في السياق المنشود‪ .‬ىذا يعني أن بناء المجتمعات في‬
‫مرحمة ما بعد التحوالت ال يتطمب قيم ومعايير وقواعد تأسيسية وضمير جمعي مبني عمى وعي مشترك‬
‫وتوجيات مجتمعية متساندة فقط؛ وانما يحتاج قبل ذلك إلي نظام مجتمعي مبتدع‪ ،‬والى نسق تصوري‬
‫ومنيجي يض ع االفتراضات األولية لمبناء‪ ،‬ومعالجتيا منيجيا‪ ،‬ووضعيا أخي ار في سياق التحول المجتمع‪.‬‬
‫ففي العالم الغربي الذي تحوت مجتمعاتو الى مابعد صناعية فان األنساق انفصمت عن بعضيا ولم يعد مثال‬
‫النسق االقتصادي في حاجة عمى التنشئة االجتماعية عمى عكس العالم العربي حيث تتمتع المجتمعات‬
‫بقاعدة زراعية عريضة وتتكون من وحدات تقميدية تغمب عمييا القبيمة والطائفة ومن ثمة تغدوا المسممات‬
‫البنائية الوظيفية ذات مغزى لفيم الظاىرة االجتماعية العربية المتحولة بغية المساىمة في وضع نظرية وبناء‬
‫العربية‪.‬‬ ‫المجتمعات‬ ‫لمستقبالت‬ ‫نموذج‬
‫لكن ما يالحظ أن عمم االجتماع العربي يعاني تبعية قاتمة لممنظومة المعرفية الغربية التي تجاوزت األسس‬
‫التي ينبغي لعمم االجتماع العربي أن يركز عمييا‪ ،‬ومن ثمة تغدوا ىذه التبعية أكبر معوقات واستعصاءات‬
‫إن جاز النظرية العربية الخاصة فاإلنتاج السوسيولوجي العربي مثمو مثل المجتمعات العربية عامة مستيمكة‬
‫لالنتاجات الغربية ال منتجة وحتى استيالكيا ال يتم وفق طرق مقبولة وممكنة‪ ،‬فيي في الغالب لدييا قابمية‬

‫‪195‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫تمرير األطروحات التفسيرية الجديدة من دون ىضم حقيقي لفرضياتيا‪ ،‬ومفاىيميا؛ التي تؤدي بدورىا الى‬
‫حمقات مفرغة متجددة‪ ،‬نتيجة عسر مواكبة األطروحات االجتماعية الوافدة‪ ،‬وفي ظل التغيرات المنيجية‬
‫المتسارعة والتحوالت االجتماعية السريعة‪ .‬ىذا ما جعل فريدريك معتوق يشبو الكتابة السوسيولوجية في‬
‫العالم العربي بكيس الفحم الذي يموث كل من يقترب منو كما وصفيا الباحث المصري سعد الدين إبراىيم‬
‫جدا‪.‬‬ ‫بالكئيبة‬
‫لقد أصبح لمشباب العربي يمتمك توجيات ثقافية فرعية مختمفة عن النسق الثقافي والقيم العامة التي يقررىا‬
‫المجتمع‪ ،‬أو النظام االجتماعي السائد‪ ،‬أو التنشئة االجتماعية والسياسية‪ ،‬فيناك رفض ومقاومة لما ىو‬
‫تقميدي‪ ،‬ولما يراد لو أن يكون قيم جمعية‪ ،‬ويتخذ ىذا الرفض أشكال فعل اجتماعي إما بناء أو ىدام‪ ،‬بالنظر‬
‫المجتمع‪.‬‬ ‫بذلك‬ ‫الخاص‬ ‫النسق‬ ‫ضمن‬ ‫السائد‬ ‫النمط‬ ‫ومتغيرات‬ ‫مجتمع‪،‬‬ ‫كل‬ ‫بنية‬ ‫الى‬
‫عمى أن السياق العام ليذه التحوالت يؤسس لثورة عمى القيم والمعايير المركزية التي لم تؤدي الى تكامل‬
‫األنساق‪ ،‬والتي لم تؤدي مؤسساتيا الى إشباع حاجات األفراد‪.‬ومن ثمة فإن شكل الفعل االجتماعي يؤدي‬
‫تأثي ار في اتجاه تغيير وتعديل تمك األنماط السائدة‪ ،‬واستبدال المؤسسات الفاشمة في المجتمع بنماذج‬
‫جديدة‪.‬‬ ‫اجتماعية‬
‫تمثل ىذه الوضعية بالنسبة لممجتمعات العربية مرحمة انتقالية حرجة‪ ،‬نتيجة انييار أسس النظم التي كانت‬
‫ترتكز عمييا المجتمعات العربية‪ ،‬وفي ظل مراوحة حركة التحوالت تيارات جزرية لم تستقر عمى نموذج‬
‫يضيء المستقبالت العربية؛ ما يجعل ىذه المجتمعات في حاجة إلى إضاءات نظرية ومفاىيمية ومنيجية‬
‫تتواءم وسمة ىذه التحوالت‪ ،‬من أجل نموذج اجتماعي إرشادي‪ ،‬ينقل المجتمعات العربية من حالة التركيب‬
‫الميجن لمنمط التقميدي والزراعي؛ وحالة المركزية النظمية لمقيم والمعايير محل السخط والثورة في سبيل والدة‬
‫مجتمع عربي جديد يمر حتما عبر إضاءات عمم اجتماع عربي مواكب ومتطمع ليذه الحاجات المستعجمة‬
‫ومن ثمة تبدوا جيود إعادة قراءة أسس ومسممات البنائية الوظيفية الجديدة ذات مغزى يتواءم وحالة التحوالت‬
‫في المجتمعات العربية من أجل نظرية إجتماعية عربية‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪-‬عبد الباسط‪ ،‬عبد المعطً (‪.) 1981‬اتجاهات نظرٌة فً علم االجتماع‪ .‬مجلس الثقافة والفنون واآلداب الكوٌت‪ .‬سلسلة عالم‬
‫المعرفة(‪54.)44‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ -‬علً‪ ،‬الوردي‪ .)1994(،‬منطق ابن خلدون‪ ،‬فً ضوء حضارته وشخصٌته‪ .‬ط‪ ،2‬بٌروت‪ .‬دار كوفان للنشر‪. 235- 234.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪ -‬احمد‪ ،‬القصٌر(‪ .)1978‬منهجٌة علم االجتماع بٌن الماركسٌة والوظٌفٌة البنٌوٌة‪ .‬القاهرة‪.‬ط‪.97- 96 . 2‬‬
‫)‪(4‬‬
‫‪-‬مجموعة من الكتاب (‪.)1997‬نظرٌة الثقافة‪.‬ترجمة علً سٌد الصاوي‪ .‬الكوٌت‪.‬المجلس الوطنً للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪.‬سلسلة عالم المعرفة(‪ .)223‬ص ص ‪.187- 186‬‬
‫)‪(5‬‬
‫‪-‬أحمد‪ ،‬القصٌر‪ .‬مرجع سبق ذكره‪.96.‬‬
‫)‪(6‬‬
‫‪-Parsons, T. (1949) The Structure of Social Action, The Free Press, New York.‬‬
‫‪-Parsons, T. (1951) The Social System, The Free Press, New York.‬‬
‫‪-Parsons, T. and Shils, E. (1951) Toward a General Theory of Action, Harvard University‬‬
‫‪Press, Cambridge, MA.‬‬
‫)‪(7‬‬
‫‪ -‬اٌان‪ ،‬كرٌب (‪ .) 1999‬النظرٌة االجتماعٌة من بارسونز الى هابرماس‪ .‬ترجمة محمد حسٌن غلوم‪ .‬مجلس الثقافة والفنون‬
‫واآلداب الكوٌت‪ .‬سلسلة عالم المعرفة ( ‪.)244‬ص‪.61‬‬
‫)‪(8‬‬
‫‪ -‬علً‪ ،‬الحوات (‪ .)1998‬النظرٌة االجتماعٌة‪ ،‬اتجاهات أساسٌة‪.‬منشورات فالٌتا‪ .‬مالطا‪.‬ص‪. 96‬‬
‫)‪(9‬‬
‫‪ -‬نظرٌة الثقافة‪.‬علً‪ ،‬سٌد الصاوي‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪. 256‬‬
‫)‪(10‬‬
‫‪Toshiki Sato,( 2011) ‘Functionalism: Its axiomatics’, Sociopedia.isa, Tokyo.2-4.‬‬
‫)‪(11‬‬
‫‪– ibid. p p1-2.‬‬
‫)‪(12‬‬
‫‪-‬عبد الباسط عبد المعطً وعادل مختار الهواري(‪ )1986‬النظرٌة فً علم االجتماع المعاصر‪ .‬دار المعرفة الجامعٌة‬
‫االسكندرٌة‪ .‬ص ص‪.111- 98‬‬
‫)‪(13‬‬
‫‪-‬علً‪ ،‬غربً(‪.)2117‬علم االجتماع والثنائٌات النظرٌة(التقلٌدٌة ‪-‬المحدثة)‪،‬جامعة منتوري‪،‬قسنطٌنة‪.،‬ص‪85‬‬
‫)‪(14‬‬
‫‪-‬عبد المعطً‪ ،‬عبد الباسط‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.114‬‬
‫)‪(15‬‬
‫‪-‬أحمد‪ ،‬القصٌر‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪. 116‬‬
‫)‪(16‬‬
‫‪-‬أحمد‪ ،‬أبوزٌد(‪.) 1965‬البناء االجتماعً‪ ،‬مدخل لدراسة المجتمع‪ ،‬المفهومات‪.‬الدار القومٌة ‪ .‬القاهرة ‪ .‬ص ص‪.12- 11‬‬
‫)‪(17‬‬
‫‪-‬علً‪ ،‬الحوات‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.111‬‬
‫)‪(18‬‬
‫– ‪ARCHIBONG, ESTHER & ANTIA, CHRISTIANA , )2114(STRUCTURAL‬‬
‫‪FUNCTIONALISM: ITS RELEVANCE TO MEDICAL PROFESSION,International Journal‬‬
‫‪of Education and Research Vol. 2 No. )5(. 352.‬‬
‫)‪(19‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪HERMANN‬‬ ‫‪STRASSER(1977),FUNCTIONALISM‬‬ ‫‪AND‬‬ ‫‪SOCIAL‬‬
‫‪CHANGE,RESEARCH MEMORANDUL N.116, VIENNA,p23.‬‬
‫)‪(20‬‬
‫‪-‬أٌان كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪ . 8‬وأٌضا‪ :‬علً الوردي‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ص‪.228- 227‬‬
‫)‪(21‬‬
‫‪-‬إمٌل دوركاٌم(‪ )1988‬قواعد المنهج فً علم االجتماع‪.‬ترجمة محمود قاسم‪ ، ،‬درا المعرفة الجامعٌة‪ .‬االسكندرٌة‪ .‬ص‪.18‬‬
‫)‪(22‬‬
‫‪-‬أحمد‪ ،‬القصٌر‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪. 111‬‬
‫)‪(23‬‬
‫‪ -‬عبد المعطً‪ ،‬عبد الباسط‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ص‪. 58- 56‬‬
‫)‪(24‬‬
‫‪-‬علً‪ ،‬الوردي‪.‬مرجع سبق ذكره‪.79- 78.‬‬
‫)‪(25‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان‪،‬ابن خلدون(ب‪.‬ت‪.‬ن) المقدمة‪ .‬دار الفكر‪ .‬بٌروت ‪ .‬ص‪.41‬‬
‫)‪(25‬‬
‫‪-‬علً‪ ،‬الوردي‪.‬مرجع سبق ذكره‪.79- 78.‬‬
‫)‪(26‬‬
‫‪-‬عبد الرحمان‪ ،‬ابن خلدون ‪ .‬مرجع سبق ذكره‪.43- 41.‬‬
‫)‪(27‬‬
‫‪-‬علً‪ ،‬الوردي‪ .‬مرجع سبق ذكره‪. 76.‬‬
‫)‪(28‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه‪.96- 86.‬‬

‫‪197‬‬
‫أ‪.‬د محمد غربي ‪ /‬أ‪.‬إبراىيم قمواز‬ ‫النظرٌة البنائٌة الوظٌفٌة‬

‫)‪(29‬‬
‫‪-‬إمٌل دوركاٌم‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ص‪. 75- 71‬‬
‫)‪(30‬‬
‫‪ -‬إكرام‪ ،‬عدننً(‪.)2111‬النظرٌة الوظٌفٌة ومفهوم النسق االجتماعً‪.‬الوسط البحرٌنٌة(‪.)3151‬‬
‫)‪(31‬‬
‫‪- HERMANN STRASSER. Op cit. p18.‬‬
‫)‪(32‬‬
‫‪ -‬أحمد القصٌر‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ص‪.114- 112‬‬
‫)‪(33‬‬
‫‪-‬أٌان كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.63‬‬
‫)‪(34‬‬
‫‪- HERMANN STRASSER. Op cit. p18.‬‬
‫)‪(35‬‬
‫‪- ARCHIBONG, ESTHER & ANTIA, CHRISTIANA.op cit. p351.‬‬
‫)‪(36‬‬
‫‪-‬أٌان‪ ،‬كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.68‬‬
‫)‪(37‬‬
‫‪- HERMANN STRASSER. Op cit. p23.‬‬
‫)‪(38‬‬
‫‪-‬أٌان‪ ،‬كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص ص‪.72- 71‬‬
‫)‪(39‬‬
‫‪- HERMANN STRASSER. Op cit. p11.‬‬
‫)‪(40‬‬
‫‪–ibid. p p3-4.‬‬
‫)‪(41‬‬
‫‪-‬أٌان‪ ،‬كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.82‬‬
‫)‪(42‬‬
‫‪- Robert Merton ( 1957).Social theory and social structure, the free press new York‬‬
‫‪,pp 85-92.‬‬
‫)‪(43‬‬
‫‪- ARCHIBONG, ESTHER & ANTIA, CHRISTIANA. Op cit. p352.‬‬
‫)‪(44‬‬
‫‪-‬أٌان كرٌب‪ .‬مرجع سبق ذكره‪ .‬ص‪.84‬‬
‫)‪(45‬‬
‫‪-‬المرجع نفسه‪ .‬ص‪.119‬‬

‫‪198‬‬

You might also like