Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 22

‫مجلة الدراسات القانونية المقارنة‬

‫‪EISSN:2600-6154‬‬ ‫المجلد ‪ /07‬العـــدد‪ ،)2021( 01‬ص‪.‬ص‪1114-1143 .‬‬ ‫‪ISSN:2478-0022‬‬

‫جوى ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر العقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬


‫‪-‬دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‪-‬‬
‫‪The essence of the contract‬‬
‫‪A study in the light of French doctrine and jurisprudence‬‬
‫الدكتـ ـ ـ ــور عم ـ ـ ــر عم ـ ـ ـ ــور‬
‫‪Dr :Amor Omar‬‬
‫أستـاذ محاضر قسم "ب"‪ ،‬بكلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف بالجزائر‬
‫‪Lecturer class "B", faculty of law and political sciences,‬‬
‫‪University hassiba ben bouali, Chlef.‬‬
‫‪Amordz02@gmail.com‬‬

‫تاريخ النشر‪2021/00/22:‬‬ ‫تاريخ القبول‪2021/00/00:‬‬ ‫تاريخ إرسال المقال‪2021/00/20:‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫يعترب االلتزاـ اجلوىري العمود الفقري الذي على أساسو تكيف العبلقة العقدية‪ ،‬فالقاضي إذا ما طرح عليو أي نزاع‬
‫يتعلق باتفاؽ األطراؼ‪ ،‬وجب عليو ربديد االلتزامات اليت يولدىا ىذا االتفاؽ‪ ،‬ومن خبلؿ ىذه االلتزامات ديكنو الوقوؼ‬
‫على ربديد الباعث الدافع للتعاقد ومن مث تكييف العبلقة العقدية تكييفا صحيحا‪ ،‬وتبعا لذلك ربديد القواعد اليت تضبط‬
‫النزاع‪.‬‬
‫ويكوف عمل القاضي يف غاية البساطة إذا كاف موضوع النزاع أحد العقود ادلسماة‪ ،‬ذلك أف ادلشرع أفرد ذلا‬
‫نصوصا خاصة‪ ،‬وبُت أحكامها‪ ،‬وحدد االلتزامات اليت تقع على عاتق كل متعاقد‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك فإف القاضي جيد نفسو أحيانا أماـ عقود غَت مألوفة فرضها الواقع االقتصادي‪ ،‬وىي غَت‬
‫منتظمة بنصوص خاصة‪ ،‬ما يتوجب عليو يف ىذه احلالة فحصها فحصا دقيقا‪ ،‬ومن مث ربديد االلتزامات ادلتولدة عنها‬
‫وترتيبها ترتيبا ىرميا‪ ،‬حىت يسهل عليو فصل االلتزامات اجلوىرية عن االلتزامات الثانوية‪ ،‬ليتوصل يف النهاية إىل تكييف‬
‫العبلقة العقدية تكييفا صحيحا‪ ،‬وخيضعا للقواعد اليت تتواءـ معها‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬اإللتزاـ اجلوىري؛ جوىر العقد؛ اإللتزاـ األساسي؛ اإللتزاـ الرئيسي‪.‬‬

‫‪1143‬‬
‫‪Email :amordz02@gmail.com‬‬ ‫المؤلف المرسل‪ :‬عمر عمر‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪The essential commitment is the backbone on which the contractual relationship‬‬
‫‪is adapted. If a dispute arises in relation to the agreement of the parties, the judge‬‬
‫‪must define the obligations that this agreement generates, and by these obligations he‬‬
‫‪can stand on the determination of the reason behind the contract, then properly adapt‬‬
‫‪the contractual relationship. And accordingly, determine the rules that control the‬‬
‫‪conflict.‬‬
‫‪The judge's work is very simple if the subject of the dispute is one of the named‬‬
‫‪contracts, because the legislator has assigned them specific texts, explained their‬‬
‫‪provisions and defined the obligations incumbent on each contracting party.‬‬
‫‪On the contrary, the judge sometimes finds himself faced with unknown contracts‬‬
‫‪imposed by economic reality, which are not organized by special texts, which in this‬‬
‫‪case he must carefully examine, then determine the obligations arising from them and‬‬
‫‪organize them. in a hierarchical order. so that it is easy for him to separate the‬‬
‫‪essential obligations from the secondary obligations, to finally lead to the correct‬‬
‫‪adaptation of the contractual relationship, subject to the rules which are compatible‬‬
‫‪therein.‬‬
‫‪Keywords :‬‬
‫‪Essential obligation, Essence of the contract, Principal obligation, Fundamental‬‬
‫‪obligation.‬‬
‫مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدمة‪:‬‬
‫العقد آلية قانونية سبكن األفراد من إفراغ إرادهتم والتعبَت عنها على النحو الذي يتماشى ومصاحلهم‪ ،‬وىو يعترب‬
‫أىم مصدر لبللتزاـ‪ ،‬لذا أولتو معظم التشريعات بق واعد خاصة‪ ،‬تنظم أحكامو وأثاره‪ ،‬وجعلت منو الشريعة العامة اليت‬
‫جيب الرجوع إليها إذا نشأ أي نزاع بُت ادلتعاقدين‪ ،‬ألنو يعترب كالقانوف بالنسبة إليهم‪ ،‬وما على القاضي إذا طرح عليو‬
‫النزاع إال فحص االتفاؽ الذي يربطهم‪ ،‬ومن مث تكييفو من أجل ربديد التزامات كل طرؼ‪.‬‬
‫وعم لية التكييف زبتلف باختبلؼ العبلقة العقدية اليت تربط األطراؼ فيما بينهم‪ ،‬وىي تكوف أحيانا أمرا يف‬
‫غاية البساطة إذا تعلق األمر بأحد العقود ادلسماة اليت نظمها ادلشرع وأفردىا بأحكاـ خاصة‪ ،‬فما على القاضي يف ىذه‬
‫احلالة إال تطبيق القواعد القانونية ادلوضوعة سلفا‪.‬‬
‫غَت أف األمر ليس هبذه البساطة دائما‪ ،‬فالتطور االقتصادي يؤدي باستمرار إىل ظهور اتفاقات جديدة‪ ،‬تتضمن‬
‫يف كثرب األحياف التزامات غَت مألوفة‪ ،‬ما يصعب األمر على القاضي إذا طرح عليو النزاع‪ ،‬فهو جيد نفسو من جهة رلربا‬
‫على الفصل فيو‪ ،‬و جيد نفسو من جهة أخرى أماـ التزامات مل ينظمها ادلشرع‪ ،‬ومها يكن األمر فإنو ملزـ بتكييف‬
‫العبلقة العقدية من أجل الوصوؿ إىل األحكاـ والقواعد اليت ينضبط هبا النزاع‪ ،‬وال مناص لو يف ىذه احلالة إال الرجوع‬
‫إىل إرادة األطراؼ وفحصها فحصا دقيقا للوقوؼ على نيتهما ادلشًتكة‪ ،‬سواء من خبلؿ األلفاظ ادلستعملة‪ ،‬أو من خبلؿ‬
‫الظروؼ وادلبلبسات اليت ربيط بالعقد‪ ،‬وتبعا لذلك حيدد االلتزامات اليت يرتبها العقد‪.1‬‬

‫‪1144‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫والوقوؼ على االلتزامات اليت يولدىا العقد ليس كافيا وحده لتحديد طبيعة ىذا األخَت‪ ،‬إمنا جيب ترتيب ىذه‬
‫االلتزامات ترتيبا ىرميا‪ ،‬ومن مث ربديد ما يعترب التزاما جوىريا‪ ،‬وما يعترب التزاما ثانويا‪ ،‬ألف االلتزاـ اجلوىري وحده ىو‬
‫الذي تتكيف بو العبلقة العقدية‪ ،2‬ألنو يعترب الغاية اليت كاف يرمي إليها كبل ادلتعاقدين‪ ،‬وىو الباعث الدافع للتعاقد‪.‬‬
‫غَت أف سبييز االلتزاـ اجلوىري عن االلتزاـ الثانوي ليس باألمر اذلُت‪ ،‬بل ىو عمل مضن يبذؿ يف سبيلو القاضي‬
‫قصار جهده مستعينا بكل اآلليات اليت يتيحها القانوف‪ ،‬بغية ربقيق العدالة العقدية‪ ،‬ودقة ىذا ادلوضوع ذبعلنا نتساءؿ‬
‫عن كيفية الوقوؼ على جوىر العقد‪ ،‬وعن األسس والقواعد اليت ينضبط هبا؟‪ .‬واإلجابة على ىذا السؤاؿ تكوف من‬
‫خبلؿ نقطتُت أساسيتُت‪ ،‬تت علق األوؿ بتحديد ماىية االلتزاـ اجلوىري ( احملور األوؿ) واألخرى بتحديد أساس ىذا‬
‫االلتزاـ ( احملور الثاين)‪.‬‬
‫المح ـ ـ ـور األول‪ :‬ماىي ـ ـة االلت ـ ـزام الجـ ـ ـوىري‬
‫يعترب االلتزاـ اجلوىري من ادلسائل العقدية الدقيقة اليت مل تأخذ نصيبها من النقاش يف نطاؽ قانوف‬
‫العقود‪ ،‬فالدراسات اليت تناولت ىذه اجلزئية تكاد تكوف نادرة‪ ،‬ومل يتم تعريفو تعريفا دقيقا وواضحا ال من قبل الفقو وال‬
‫القضاء‪ ،‬لذا فإننا سنحاوؿ الوقوؼ على أىم التعريفات اليت سيقت دبناسبة تعريف االلتزاـ اجلوىري (أوال) وربديد‬
‫ادلعايَت اليت ديكن من خبلذلا الوقوؼ على مفهوـ لبللتزاـ اجلوىري (ثانيا) ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬المقصـ ــود بااللت ــزام الجـ ــوىري‬
‫يعترب مصطلح االلتزاـ اجلوىري من بُت ادلصطلحات األكثر إثارة واألقل ضبطا يف احلقل القانوين‪ ،‬فالفقو‬
‫والقضاء مل يتوصبل بعد إىل وضع تعريف جامع مانع لو‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فإف ىذه التعريفات ماضية يف‬
‫التوسع يوما بعد يوـ‪ ،‬فأحيانا يتم حصر ىذا ادلصطلح يف تعريف يف غاية البساطة‪ ،‬ويف أحايُت أخرى يتم التوسع يف‬
‫مفهومو إىل حد جيعلو يستوعب مفاىيم خارجة عنو‪.‬‬
‫ويعترب األستاذ ‪ Pothier‬من بُت الفقهاء األوائل الذين حاولوا تعريف االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬فهو يرى فيو " ذلك‬
‫وزبخلُّفو قد يبطل العقد‪ ،‬أو قد يدخلو يف نطاؽ‬
‫االلتزاـ الذي ال يتصور وجود العقد بدونو‪ ،‬وىو الذي يعرب عن طبيعتو‪ ،‬خ‬
‫عقد آخر"‪.3‬‬
‫أما األستاذاف ‪ Prudhomme et Picard‬فيعرفا ف االلتزاـ اجلوىري بأنو " االلتزاـ الذي يكوف وجوده الزما‬
‫لنشأة العقد" وتوضيحا لذلك فهما يػخخرياف بأف االلتزاـ اجلوىري ليس لو إال وظيفة واحدة‪ ،‬وىي حفظ التوازف‬
‫العقدي‪ ،‬حبيث يكوف ىو السبب يف دفع كل متعاقد إىل إبراـ العقد‪ ،‬وال خيفى أف ىذا التعريف خيلط بُت االلتزاـ اجلوىري‬
‫وسبب العقد‪ ،‬بل وذىبا إىل أبعد من ذلك حبيث اعتربا أف االلتزاـ اجلوىري ال يعدو أف يكوف مفهوما متشعبا عن مفهوـ‬
‫السبب‪ ،‬أي أنو ال يشكل مفهوما مستقبل بذاتو‪.4‬‬
‫أما األستاذة ‪ Nélia Cardoso-Roulot‬فهي ترى بأف االلتزاـ لكي يكوف جوىريا ال بد من أف يتصف‬
‫بثبلثة أوصاؼ؛ أف يكوف موضوعيا‪ ،‬رلردا ومتعددا‪ ،‬وىو يتحدد تبعا لطبيعة العقد بل ىو يشكل الطابع ادلوضوعي‬

‫‪1145‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫لو‪ ،‬فهو مستقل عن إرادة ادلتعاقدين‪ ،‬بل وحىت عن الظروؼ احمليطة بالعقد‪ ،‬وخلصت يف النهاية إىل أف االلتزاـ اجلوىري‬
‫ىو ذلك "االلتزاـ الضروري لوجود العقد وتعريفو‪ ،‬حبيث ال يتصور قياـ العقد أو تكييفو أو تصنيفو بدونو"‪.5‬‬
‫وأعطى األستاذ ‪ Jestaz‬تعريفا آخر ذلذا االلتزاـ‪ ،6‬فهو يرى بأف االلتزامات األساسية تتبع طبيعة‬
‫األشياء‪،‬حبيث يتضمن كل عقد حبسب منفعتو االقتصادية احملضة‪ ،‬التزاما ديثل لبنتو األساسية‪.7‬‬
‫أما األستاذ ‪ Flour‬وفريقو فقد عرفوا االلتزاـ اجلوىري بأنو " ذلك االلتزاـ الذي يتحكم يف العقد‪ ،‬والذي‬
‫يشكل خصوصيتو اليت يتوخاىا ادلتعاقداف صراحة"‪ ،‬وىذا التعريف يضفي على االلتزاـ اجلوىري صفتُت أساسيتُت‪ ،‬فمن‬
‫جهة ىو الذي يكوف عليو مدار تكييف العقد ألنو " يتحكم فيو" ومن جهة أخرى ىو الباعث على التعاقد ألنو " ىو‬
‫الذي توخاه ادلتعاقداف"‪.8‬‬
‫واألستاذ ‪ Laroumet‬يرى بأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يعترب جزء من جوىر العقد يف حد‬
‫ذاتو‪،‬ويػُبخػ نُت روح ىذا العقد ومعناه‪ ،‬وزبلفو يؤدي إىل زبلف وصف العقد من أساسو" وىذا التعريف يقًتب من التعريف‬
‫الذي أورده األستاذاف ‪ ، Prudhomme et Picard‬حبيث خيلط بُت فكرة السبب ومفهوـ االلتزاـ اجلوىري‪.‬‬
‫ويرى األستاذ ‪ Tancelin‬بأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يسمو على كل االلتزامات األخرى‪ ،‬وىو‬
‫الذي حيافظ على جوىر العقد "‪ 9‬ويستخلص ضمنيا من ىذا التعريف أف العقد ليس لو إال التزاـ جوىري وحيد‪ ،‬أو يف‬
‫صبيع األحواؿ ال يتحمل كل طرؼ يف العقد إال التزاما جوىريا واحدا‪.‬‬
‫وأخَتا فإف األستاذ ‪ Fréchette‬يرى بأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يضفي على العقد معناه‪،‬وبدونو‬
‫ال يكوف للرابطة العقدية أي منفعة بالنسبة لؤلطراؼ"‪.10‬‬
‫ثانيا‪ :‬معايي ـ ــر تحديـ ــد االلت ــزام الجـ ــوىري‬
‫يف دراستو القيمة عن االلتزاـ اجلوىري بعنواف "االلتزاـ واجلزاء‪ :‬زلاولة للبحث عن تعريف االلتزاـ اجلوىري" قاـ‬
‫األستاذ ‪ Jestaz‬بالتمييز بُت نوعُت من االلتزامات اجلوىرية‪ ،‬االلتزاـ اجلوىري بطبيعتو وااللتزاـ اجلوىري الذي ربدده إرادة‬
‫الطرفُت‪ ،‬وىذا يعٍت وجوب النظر إىل ىذا االلتزاـ دبعيارين سلتلفُت‪ ،‬أحدمها موضوعي خارج عن إرادة األطراؼ‪ ،‬واآلخر‬
‫ذايت خيضع ذلا‪ ،11‬لذا وجب ربديد ادلقصود هبذين ادلعيارين‪ ،‬وما إذا كانا يضمناف لبللتزاـ اجلوىري بعض االستقبللية (‪)I‬‬
‫ومن خبلؿ ذلك نقوـ بتمييزه عن ادلفاىيم ادلشاهبة ذلا (‪)II‬‬
‫‪ -I‬االلـ ــتزام الجوى ــري بين الذاتي ــة والموض ــوعية‬
‫لتحديد أو تعيُت االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬ىناؾ معياراف ديكن استخدامها‪ :‬أحدمها موضوعي واآلخر شخصي‪ .‬األوؿ‬
‫يتعلق بتحديد االلتزاـ اجلوىري بطبيعتو‪ ،‬يف حُت أف الثاين يتعلق بتحديد ىذا االلتزاـ بناء على إرادة أطراؼ العقد‪ ،‬ومن‬
‫أجل الوقوؼ على حقيقة كبل ادلعيارين‪ ،‬سنقوـ يف البداية بعرض مضموهنما (‪ )1‬ومن مث ربليلهما دلعرفة ما إذا كانا‬
‫يشكبلف ثنائيا متكامبل‪ ،‬أـ أف أحدمها لو األولوية على اآلخر(‪.)2‬‬

‫‪1146‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫‪ -1‬عـ ـ ــرض الفك ـ ـ ـ ــرة‬
‫أ‪ -‬االلتزام الجوىري بطبيعتو‬
‫أحيانا يكوف سهبل من الناحية الشكلية سبييز االلتزاـ اجلوىري عن باقي االلتزامات اليت يتضمنها‬
‫العقد‪ ،‬وباألخص االلتزامات الثانوية‪ ،‬ففي بعض احلاالت فإف العقد يأخذ تسميتو من ىذا االلتزاـ اجلوىري كما ىو احلاؿ‬
‫يف عقد الصيانة‪.12‬‬
‫ومن الناحية العملية فإف األمر خيتلف نوعا ما‪ ،‬فقد درج القضاء عند زلاولتو وضع تفرقة نظرية بُت االلتزاـ‬
‫اجل وىري وااللتزاـ الثانوي‪ ،‬على إعداد قائمة لبللتزامات اجلوىرية تتماشى وطبيعة كل عقد‪ ،‬ففي عقد البيع مثبل االلتزاـ‬
‫اجلوىري للبائع ىو تسليم الشيء‪ ،‬أي وضعو ربت تصرؼ ادلشًتي‪ ،‬ويف ذلك يقوؿ األستاذ ‪: BATTIFFOL‬‬
‫" التسليم ىو جوىر عقد البيع‪ ،‬بغض النظر عن الطريق ة اليت يتم تنفيذه هبا‪ ،‬فإننا ال ديكنا أف نتصور مشًت يتنازؿ هنائيا‬
‫عن استخداـ الشيء ‪ ...‬فالتسليم ىو الفعل احملدد لعملية البيع اليت سيظهر هبا العقد "‪.‬‬
‫ولتوضيح ىذا النقطة‪ ،‬استدؿ األستاذ "‪ " DELEBECQUE‬بقرار صادر عاـ ‪ 1977‬عن زلكمة‬
‫"‪ 13" Aix-en-Provence‬وذلك خبصوص قضية تتلخص وقائعها يف أف ميكانيكي بلجيكي كاف يقوـ باقتناء‬
‫السيارات احملظورة يف ىذا البلد ويوجهها باألجزاء الضرورية إىل مقاوؿ يف فرنسا‪ ،‬ليقوـ بتصليحها وتسويقها‪ ،‬واستمر‬
‫تنفيذ العقد دلدة طويلة‪ ،‬وحصل وأف قاـ ىذا ادليكانيكي بإرساؿ سيارة غَت قابلة للتصليح بسبب العطب الكبَت الذي‬
‫حلق هبا‪،‬فرفض ادلتعاقد معو الفرنسي استبلمها‪ ،‬فخػ ُرفع النزاع أماـ القضاء وبعد تعيُت خبَت‪ ،‬خلص إىل أف عملية اإلصبلح‬
‫مكلفة‪ ،‬ومن شأهنا أف ترفع قيمة السيارة عن ادلعتاد ما جيعل عملية بيعها أمرا يف غاية الصعوبة‪ ،‬فرفضت احملكمة الدعوى‬
‫وأيدت الدفوعات اليت تقدـ هبا ادلقاوؿ الفرنسي وقضت بأنو "ال ديكن لوـ ادلقاوؿ الفرنسي على الرجوع يف االتفاؽ‬
‫التجاري الذي يربطو بادليكانيكي‪ ،‬ورفضو دفع شبن السيارة ادلرسلة إليو‪ ،‬ما دامت ىذه األخَتة يستحيل إعادة إصبلحها"‬
‫وتعليقا على ىذا احلكم يرى األستاذ ‪ DELEBECQUE‬أف " عجز السيارة عن السَت يعٍت أهنا أصبحت بدوف‬
‫فائدة‪ ،‬وبذلك يكوف البائع قد أخل بالتزامو اجلوىري‪ ،‬إذ يقع على عاتقو التزاـ جوىري بتسليم سيارة صاحلة للسَت‪ ،‬وىذا‬
‫االلتزاـ ال ديكن إعفاؤه منو"‪.‬‬
‫وتوالت بعدىا األحكاـ اليت تعترب أف االلتزاـ بالتسليم ىو االلتزاـ اجلوىري يف عقد البيع‪ ،‬وإذا كانت ادلادة‬
‫‪ 1603‬من القانوف ادلدين الفرنسي تضع على عاتق البائع التزامُت أساسيُت‪ ،‬أحدمها يتعلق بتسليم الشيء ادلبيع واآلخر‬
‫التزاـ بضماف ىذا الشيء‪ ،‬فإف ىذا األخَت ليس إال التزاما مصاحبا للتسليم‪ ،‬ويبقى االلتزاـ بالتسليم وحده ىو االلتزاـ‬
‫اجلوىري يف العقد‪ ،‬لذا ال يستطيع األطراؼ استبعاده وال االتفاؽ على سلالفتو‪ ،‬فهو التزاـ قانوين زلض‪.‬‬
‫ويكتسي عقد اإلجيار بعض الغموض بشأف ربديد التزامو اجلوىري‪ ،‬ىذا الغموض ناتج عن اجتهاد زلكمة‬
‫النقض الفرنسية‪ ،‬واليت تقرر بأف ادلؤجر غَت ملزـ بتمكُت ادلستأجر االنتفاع بالعُت ادلؤجرة انتفاعا ىادئا‪ ،‬وىذا ما قررتو يف‬
‫أحد قراراهتا الصادرة سنة ‪ 1945‬حيث جاء فيو " التزاـ ادلؤجر بتمكُت ادلستأجر من االنتفاع بالعُت ادلؤجرة بصفة‬
‫ىادئة‪ ،‬طيلة مدة العقد ال يعترب جوىر عقد اإلجيار "‪ ،‬وتعليقا على ىذا القرار يرى بعض الفقهاء أف احملكمة بقوذلا أف‬

‫‪1147‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫" االلتزاـ بتمكُت ادلستأجر من االنتفاع ليس جوىر العقد " فهي ال تقصد ىنا إال االلتزاـ بصفة عامة ادلنصوص عليو‬
‫بادلادة ‪ 1709‬من القانوف ادلدين الفرنسي وليس األداء ادلتعلق باالنتفاع ادلنصوص عليو بادلادة ‪ 1719‬فقرة ‪ 3‬من‬
‫القانوف ادلدين الفرنسي‪.‬‬
‫واخلبلصة أف التزاـ ادلؤجر بضماف سبتع ادلستأجر بالعُت ادلؤجرة ىو االلتزاـ اجلوىري لعقد اإلجيار‪ .‬وىذه‬
‫اخلبلصة صاحلة لكل العقود الواردة على حق االنتفاع‪ ،‬لذلك صلد مثبل أف العقد الذي يتعلق باستئجار نظاـ إنذار مت‬
‫ربديد التزامو اجلوىري على ىذا النحو " وضع ربت تص رؼ العميل نظاما صاحلا للعمل وقادرا على توفَت اخلدمات اليت‬
‫يوفها مثل ىذا النظاـ"‪.‬‬
‫ويزداد األمر صعوبة عندما يتعلق األمر باستئجار عربات القطار اليت تنقل البضائع‪ ،‬أين يصعب ربديد االلتزاـ‬
‫اجلوىري‪ ،‬ألنو جيب األخذ بعُت االعتبار طبيعة ىذه البضائع‪ ،‬فإذا كانت البضائع ادلنقولة ال تتأثر بالتغَتات احلرارية وإمنا‬
‫تتطلب فقط درجة حرارة عادية ‪ ،‬فإف االلتزاـ اجلوىري للمؤجر ىو توفَت عربة قادرة على عزؿ البضائع عن العوامل‬
‫اخلارجية ونقلها بأماف‪.‬‬
‫أما إذا كانت ىذه البضائع شلا يتطلب نقلو على البارد‪ ،‬فإف االلتزاـ اجلوىري للمؤجر ىو ليس فقط توفَت عربة‬
‫قادرة على العزؿ فقط‪ ،‬وإمنا ال بد أف تكوف مزودة بنظاـ تربيد زيادة على ذلك‪.‬‬
‫ويف عقود ادلبلحة البحرية‪ ،‬فإف االلتزاـ اجلوىري للناقل البحري يتجسد يف أف يضع صاحب القارب ربت‬
‫تصرؼ ادلستأجر قاربا يف حالة جيدة وصاحلا لئلحبار‪ ،‬أي أف تتوفر فيو رلموعة من الشروط ادلتعلقة بعملية اإلحبار‬
‫وبعملية تنظيم الرحلة‪ ،‬والشروط ادلتعلقة هبيكل القارب وقدرة استيعابو ومدى هتيئتو الستقباؿ البضائع‪.14‬‬
‫وال ديكن إهناء احلديث عن ىذا النوع من االلتزامات دوف احلديث عن االلتزاـ حبسن النية عند التعاقد الذي‬
‫يفرضو القضاء الفرنسي دبن اسبة كل العقود‪ ،‬بل وحىت يف شبو العقود‪ ،‬لكن يثور التساؤؿ ىنا عما إذا كاف ىذا االلتزاـ‬
‫ناذبا عن طبيعة العقد يف حد ذاتو أـ انو ناتج عن إرادة األطراؼ؟‬
‫لئلجابة على ىذا السؤاؿ ‪ ،‬ديكن القوؿ أف األطراؼ وبقبوذلم التعاقد يكونوف قد جعلوا ضمنيا من االلتزاـ‬
‫حبسن النية كالتزاـ جوىري‪ ،‬فمبدأ حسن النية متأصل يف مفهوـ العقد بشكل عاـ‪.‬‬
‫وباإلضافة إىل ىذه األمثلة ‪ ،‬ىناؾ بعض االلتزامات الثانوية تكوف ضرورية للعقد ولكنها غَت كافية لتقرير‬
‫إبطالو‪ ،‬كما ىو احلاؿ بالنسبة للبنود ادلتعلقة بادلسؤولية‪.‬‬
‫ومفهوـ االلتزاـ الثانوي مفهوـ نسيب نوعا ما‪ ،‬خيتلف باختبلؼ العقد‪ ،‬فما يعد ثانويا يف عقد ما‪ ،‬قد يعترب‬
‫التزاما جوىريا يف عقد آخر‪ ،‬فمثبل االلتزاـ باحلراسة يعترب التزاما ثانويا يف عقد ركن السيارات‪ ،‬يف حُت يعترب التزاما جوىريا‬
‫يف عقد احلراسة‪ ،‬ويف نفس السياؽ فاف االلتزاـ بالصيانة يعترب التزاما ملحقا يف عقد ركن السيارات يف حُت يعترب التزاما‬
‫جوىريا يف عقد التصليح‪.‬‬
‫وىناؾ التزامات تبعية بطبيعتها كما ىو احلاؿ بالنسبة لبللتزاـ بضماف العيوب اخلفية والظاىرة (ادلادة ‪1642‬‬
‫من القانوف ادلدين الفرنسي )‪ ،‬فااللتزاـ بضماف العيوب الظاىرة اليت وجدت يف عقد اإلجيار ربت اسم االلتزاـ بتسليم‬

‫‪1148‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫ادلساكن يف حالة جيدة‪ ،‬منطقيا ال ديكن اعتباره التزاما جوىريا وينطبق احلكم نفسو على االلتزاـ بالصيانة خبلؿ عقد‬
‫اإلجيار الذي أشارت إليو زلكمة النقض إىل أنو " إذا كاف ادلؤجر ملتزما كأصل عاـ بصيانة العُت ادلؤجرة ‪ ...‬فبل ديكن‬
‫منعو من التحلل من ىذا االلتزاـ"‪.15‬‬
‫وقد ظهرت مؤخرا التزامات ثانوية أخرى‪ ،‬ديكن أف نذكر منها االلتزاـ بالنصيحة‬
‫(ادلصريف‪،‬ادلوثق‪،‬ادلهندس‪،‬طبيب‪ ،‬ادلؤمن ‪ )...‬وااللتزاـ بالتعاوف يف رلاؿ اإلعبلـ اآليل‪ ،‬االلتزاـ بالسبلمة‪ ،‬االلتزاـ‬
‫بالتحذير‪،‬االلتزاـ بالنجاعة بالنسبة لوكاالت السياحة واألسفار‪ ،‬وااللتزاـ باحليطة ( بالنسبة دلدارس تعليم‬
‫السياقة‪،‬ادلخيمات الصيفية ‪ ،) ...‬وكل ىذه االلتزامات وعلى الرغم من أهنا نشأت كالتزامات ثانوية‪ ،‬إال أنو ديكن‬
‫حبسب الظروؼ وحبسب طبيعة العقد‪ ،‬أف تتحوؿ إىل التزامات جوىرية‪.‬‬
‫وااللتزاـ الثانوي ما مل يكن متعلقا بوجود االلتزاـ اجلوىري يف حد ذاتو‪ ،‬فإف عدـ الوفاء بو ليس من شأنو أف‬
‫يؤثر يف صحة العقد‪ ،‬وىذا معناه أف االلتزاـ الثانوي إذا مل يكن مندرلا مع االلتزاـ األصلي فإف أثره يبقى زلدودا‪.16‬‬
‫ب‪ -‬االلتـ ـ ــزام األسـ ــاسي ب ــإرادة الطـ ــرفين‬
‫ربتل نظرية سلطاف اإلرادة مكانة أ ساسية يف قانوف العقود‪ ،‬فهي تعتمد على مبدأ الرضائية الذي يتجلى من‬
‫خبلؿ ادلظهر اخلارجي لئلرادة األطراؼ‪ ،‬غَت أف ذلك يطرح صعوبة من الناحية العملية بشأف اإلرادة اليت جيب أف يعتد‬
‫هبا‪ ،‬ىل ىي اإلرادة الباطنة (احلقيقية ) أـ اإلرادة الظاىرة ؟‬
‫ىذه ادلسألة وإف كانت قد أسالت الكثَت من احلرب يف وقت مضى‪ ،‬فإهنا أصبحت بدوف معٌت يف الوقت‬
‫احلاضر‪ ،‬فالقانوف الفرنسي بقي وفيا دلبدأ اإلرادة الباطنة‪ ،‬واتفاؽ األطراؼ ال يكوف لو أي قيمة قانونية إال إذا كاف يعرب‬
‫حقيقة عن إرادة من أبرمو‪ ،‬وىذا التعبَت قد يكوف صرحيا‪ ،‬كما قد يكوف ضمنيا‪ ،‬وتبعا لذلك فلهما إما أف حيددا االلتزاـ‬
‫اجلوىري صراحة ‪ ،‬كما ديكن أف يستخلص ذلك ضمنيا‪.‬‬
‫واإلرادة الظاىرة ىي اإلرادة ادلعرب عنها‪ ،‬فهي جيب أف تتوافق مع اإلرادة احلقيقية‪ ،‬واألطراؼ ليسو حباجة إىل‬
‫تكييف ىذا االلتزاـ أو ذاؾ على أساس أنو التزاـ جوىري‪ ،‬فكل بند يتضمن اإلبقاء على ادلعٌت احلقيقي للعقد يعترب‬
‫التزاما جوىريا‪ ،‬واألصل أف ربديد االلتزاـ اجلوىري يكوف باتفاؽ األطراؼ‪ ،‬ومع ذلك ليس ىناؾ ما دينع من أف يتم‬
‫ربديده بإرادة طرؼ واحد فقط شريطة إعبلـ الطرؼ اآلخر‪.‬‬
‫ومن الناحية العملية فإف األطراؼ يقوموف بتحديد االلتزاـ اجلوىري عن طريق بند يف العقد‪ ،‬وىذا األخَت‬
‫يستعمل إما لتسليط الضوء على االلتزاـ اجلوىري مثل اقًتاح ملحق للسعر‪ ،‬أو لتعزيز التزاـ موجود أصبل يف العقد‪.‬‬
‫وىكذا ديكن أف نستخلص أنو كلما وضع األطراؼ بندا يف العقد هبدؼ التأكيد على التزاـ معُت (حىت ولو‬
‫كاف ثانويا) يف العقد كلما اعترب ىذا االلتزاـ جوىريا‪ ،‬وتأكيدا لذلك صدر قرار عن زلكمة النقض الفرنسية يف ‪02‬‬
‫ديسمرب ‪ 1998‬حيث اعترب القضاة أف االلتزاـ بالرعاية الذي خصو ادلتعاقداف بشرط صريح يف العقد يعترب التزاما‬
‫جوىريا‪.17‬‬

‫‪1149‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫كما ديكن لؤلطراؼ أيضا أف يقوموا بتحديد االلتزاـ اجلوىري عن طريق إرادهتم الضمنية ويف ىذه احلالة يتم‬
‫استخبلص االلتزاـ اجلوىري من خبلؿ ما أراده األطراؼ عند إبرامهم للعقد‪ ،‬فالقاضي ىنا يبحث عن النية ادلشًتكة‬
‫للمتعاقدين من خبلؿ الظروؼ وادلبلبسات احمليطة بالعقد‪.18‬‬
‫بقيت مسألة أخَتة تتعلق بكيفية التمييز بُت االلتزاـ اجلوى ري بطبيعتو‪ ،‬وبُت االلتزاـ اجلوىري النابع عن إرادة‬
‫األطراؼ‪ ،‬فادلسألة يف غاية الدقة‪ ،‬وعلى العموـ ديكن القوؿ أننا نكوف أماـ التزاـ جوىري بطبيعتو إذا مل يكن أطراؼ‬
‫العقد حباجة إىل ربديده‪ ،‬أي أف رلرد إبرامهم للعقد يوحي بأف ادلقصود ىو ربقيق ىذا االلتزاـ بعينو‪.‬‬
‫زلددا ضمنيًا أو صرحيًا ‪ ،‬فإف القاضي يركز على اإلرادة الفعلية لؤلطراؼ يف ربديد‬
‫وسواء أكاف ىذا االلتزاـ ً‬
‫االلتزاـ‪.19‬‬
‫‪ -22‬التقيي ـ ـ ـ ــم‬
‫إف االلتزاـ اجلوىري الذي حددتو إرادة األطراؼ يثَت الكثَت من األسئلة‪ ،‬فإذا كاف ديكن لؤلطراؼ أف حيددوا‬
‫بأنفسهم االلتزاـ اجلوى ري‪ ،‬فهل يسمح ذلم بالقياـ بذلك على ىواىم؟ أـ أهنم ملزموف باحلفاظ على احلد األدىن للعقد؟‬
‫وىل ديكن تغيَت االلتزاـ اجلوىري أثناء سرياف العقد؟‪.‬‬
‫يصعب اإلجابة على ىذه األسئلة بدقة‪ ،‬فإعماؿ مبدأ سلطاف اإلرادة جيعل ألطراؼ العقد احلرية ادلطلقة يف‬
‫تضمُت العقد ما شاؤوا من التزامات‪ ،‬وتبعا لذلك فلهم كامل احلرية يف ربديد االلتزاـ اجلوىري يف العقد‪ ،‬كما ذلم أف‬
‫يغَتوه مىت رأوا يف ذلك مصلحة ذلم‪.‬‬
‫ولكن من الناحية العملية فإف األمر سلتلف نوعا ما‪ ،‬فإرادة األطراؼ تضعف كلما تعلق األمر بعقد متفق على‬
‫التزامو اجلوىري ( نقل ادللكية بالنسبة لعقد البيع مثبل) ‪ ،‬ألنو يف ىذه احلالة ال ديكن ادلساس هبذا االلتزاـ اجلوىري أو‬
‫تغيَته‪ ،‬وإال تغَتت طبيعة العقد وتغَت تكييفو تبعا لذلك‪.‬‬
‫ويكوف لبللتزاـ اجلوىري صبغة ذاتية إذا مت ربديده من قبل األطراؼ‪ ،‬غَت أف ىذه الصبغة تتبلشى بسرعة إذا‬
‫علمنا أف األطراؼ ملزم وف باحلافظ على جوىر العقد ككل‪ ،‬وجوىر العقد يعٍت النظر إىل االلتزاـ اجلوىري بصفة‬
‫موضوعية‪ ،‬فبالرغم من أف طريقة ربديد االلتزاـ اجلوىري كانت ذاتية يف البداية‪ ،‬إال أف ىذه الذاتية سرعاف ما ربولت إىل‬
‫طريقة موضوعية فرضها جوىر العقد‪.20‬‬
‫وخبلصة القوؿ أف االلتزاـ اجلوى ري وإف كاف يصطبغ بصبغة ذاتية‪ ،‬إال أف لو صبغة موضوعية أيضا جيب‬
‫أخذىا بعُت االعتبار‪ ،‬وىذا ما يفسر تردد الفقهاء يف إجياد أساس ذلذا ادلفهوـ‪.‬‬
‫‪ -II‬تمييـ ــز االلت ــزام الجوى ــري عن غي ــره مـن االلت ـزامات‬
‫مثل أي التزاـ آخر‪ ،‬قد يكوف االلتزاـ اجلوىري التزاما ب تحقيق نتيجة أو التزاما بوسيلة‪ ،‬غَت أنو يقًتب أكثر من‬
‫االلتزاـ بتحقيق نتيجة‪ ،‬وىذا التشابو ال يقتصر فقط على األثر ادلًتتب عن عدـ الوفاء بو‪ ،‬حيث يكوف ذلك سببا لفسخ‬
‫العقد وادلطالبة بالتعويض‪.‬‬

‫‪1150‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫ودبا أف لؤلطراؼ احلرية الكاملة يف أف حيولوا االلتزاـ الثانوي إىل التزاـ جوىري‪ ،‬فإف ذلم أيضا أف حيولوا االلتزاـ‬
‫بوسيلة إىل التزاـ بتحقيق نتيجة‪ ،‬ذلك أف االلتزاـ بتحقيق نتيجة ليس موجودا يف كل العقود‪.‬‬
‫وااللتزاـ اجلوىري مثلو مثل االلتزاـ بتحقيق نتيجة ديكن أف خيتلط دبفاىيم أخرى كالعناصر اجلوىرية للعق ػػد‬
‫(‪ )01‬وااللت ػ ػزاـ الرئيسي أو األس ػػاسي ( ‪ )02‬وااللتػ ػزاـ ادلمي ػػز( ‪.)03‬‬
‫‪ -21‬تميي ــزه ع ــن العناص ــر األساسي ــة للعقـ ــد‬
‫يعترب األستاذ كريستياف الفابر‪ -Christian Lavabre-‬أوؿ من عاجل ىذه ادلسألة حيث الحظ أف رجاؿ‬
‫القانوف يعطوف العناصر األساسية للعقد نفس ادلعٌت الذي يعطونو لبللتزاـ اجلوىري‪ ،‬أي أهنما يعرباف عن حقيقة‬
‫واحدة‪ ،‬وىو يرى أف ىذا الطرح ال بد من أخذه بتحفظ‪ ،‬ذلك أف االلتزاـ اجلوىري ىو " األداء الذي يضفي على العقد‬
‫خصوصيتو‪ ،‬ودييزه عن باقي العقود‪ ،‬فهو يشكل مركز ثقل الوظيفة االجتماعية واالقتصادية للعملية العقدية" يف حُت أف‬
‫العناصر األساسية للعقد فهي تشكل صبيع مكونات األداءات اليت تعطي للعقد خصوصيتو وتضمن يف نفس الوقت‬
‫فعالية العبلقة العقدية‪.21‬‬
‫فالعناصر العقدية موجودة منذ ادلرحلة السابقة على التعاقد‪ ،‬أين يقوـ األطراؼ بالتفاوض وبكل حرية لبلتفاؽ‬
‫على ربديد النقاط األساسية للعقد‪ ،‬وسيتم احلفاظ على ىذه العناصر كما اتفق عليها طيلة ادلرحلة ادلقبلة للعقد‪ ،‬ويف‬
‫ىذه ادلرحلة ال ديكن احلديث عن االلتزاـ اجلوىري وإمنا فقط على العناصر األساسية للعقد‪ ،‬وىذه األخَت تظهر جليا‬
‫عند تبادؿ اإلجياب والقبوؿ‪ ،‬وديكن فهم ذلك بسهولة ألف اإلجياب ال يكوف ذا قيمة إذا مل يتضمن ما يشَت إىل ىذه‬
‫العناصر‪ ،‬ويف حالة ما خبل منها‪ ،‬فإنو يتحوؿ إىل مفاوضات‪ ،‬واليت ال يعطي ذلا القانوف أي قيمة قانونية‪.22‬‬
‫واالتفاؽ على العناصر األساسية يكفي وحده إلبراز طبيعة العقد‪ ،‬حىت يف حالة وجود خبلؼ حوؿ‬
‫االلتزامات الثانوية‪ ،‬وىذا مقرر دبوجب ادلادة ‪ 1583‬من القانوف ادلدين الفرنسي خبصوص البيع" فالبيع يعترب تاما دبجر‬
‫االتفاؽ على الشيء ادلبيع وعلى الثمن " وهبذا اخلصوص صلد أف زلكمة االستئناؼ بفرساي أيضا قررت ىذا ادلبدأ يف‬
‫أحد القضايا ادلطروحة أمامها حيث قضت دبايلي " ال وجود ألي عقد بات وهنائي إذا مل يتم االتفاؽ على صبيع العناصر‬
‫األساسية للعقد خوخمتن طيلة مراحل التفاوض تقدًن اقًتاحات مقابلة أو احًتازات غَت صاحلة إلنشاء العقد‪ ،‬وذلك حىت‬
‫إهناء العبلقة التعاقدية" وقد استندت احملكمة يف ذلك على أف العناصر اجلوىرية ىي اليت ربدد االلتزاـ اجلوىري للعقد‬
‫وىذا األخَت وحده من يؤثر يف عملية التكييف"‪.‬‬
‫إف التمييز بُت االلتزاـ اجلوىري والعنصر اجلوىري للعقد أمر يف غاية الصعوبة‪ ،‬لكن ما ذبب اإلشارة إليو أف‬
‫االلتزاـ اجلوىري يتضمن دائما إحساس ادلتعاقد بأنو مقيد‪ ،‬ىذا اإلحساس متأصل يف االلتزاـ يف حد ذاتو‪ ،‬وىناؾ دائما‬
‫جزاء مرت بط بعدـ احًتامو‪ ،‬وال وجود ذلذا اإلحساس بالنسبة للعناصر اجلوىرية للعقد‪ ،‬وبعبارة بسيطة إذا كاف تشكيل‬
‫العقد يتطلب وجود عناصر جوىرية‪ ،‬فإف ىذه األخَتة قوامها وجود التزاـ جوىري‪.23‬‬

‫‪1151‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫وقد حدد ادلشرع الفرنسي العناصر اليت يعتربىا ضرورية يف عقود معينة‪ ،‬فمثبل عبء استعادة بعض السلع‬
‫العينية‪ ،‬يشكل عنصرا جوىريا يف عقد اإليداع‪ ،‬والطابع التبعي للكفالة يعترب عنصرا جوىريا يف العقد الذي حيمل ىذا‬
‫االسم‪ ،‬وأخَتا فإف زلرري اتفاقية روما ادلؤرخة يف ‪19‬جواف ‪ 1980‬يعتربوف أف األداء ادلميز للعقد ىو عنصر جوىري‪.24‬‬
‫وقد ساىم القضاء الفرنسي أيضا يف ربديد ادلقصود بالعناصر األساسية للعقد‪ ،‬ولكن ليس بنفس الصيغة اليت‬
‫اعتمدىا ادلشرع‪ ،‬فاحملاكم رباوؿ دائما ضبط التكييفات اليت تتوافق مع العناصر األساسية للعقد‪ ،‬ما يسمح ذلا بتكييف‬
‫الوقائع والتصرفات زلل النزاع بعيدا عن إرادة األطراؼ‪.‬‬
‫وأخَتا ضلن نرى أف االلتزاـ اجلوىري والعناصر اجلوىرية للعقد مها عنصراف حيوياف يف العقد‪ ،‬بدوهنما ال ديكن‬
‫للمرء أف يتحدث عن العقد‪.‬‬
‫‪ -22‬االلتـ ــزام الجـ ــوىري وااللت ــزام األساس ــي أو الرئيس ــي‬
‫ظهر مفهوـ االلتزاـ األساسي من طرؼ زلكمة النقض الفرنسية دبناسبة القرار الصادر بتاريخ ‪ 02‬ديسمرب‬
‫‪ 1997‬حيث جاء فيو " أف شركة ‪ BRINK'S‬قد أخلت بالتزاـ أساسي عندما مل تقم بتحذير مالكي ادلتجر بأهنا ال‬
‫تقوـ بادلراقبة على الوجو ادلنصوص عليو يف العقد " ويف تعليقها على ىذا القرار فإف السيدة ‪ BRITON‬ميزت بُت‬
‫االلتزامات اجلوىرية وااللتزامات األساسية‪ ،‬وحسبها فإف واجب ربذير مالكي ادلتجر ال يشكل االلتزاـ اجلوىري لعقد‬
‫احلراسة عن بعد إمنا يعترب التزاما أساسيا‪.‬‬
‫غَت أف ىذا التحليل ال يبدو مبلئما‪ ،‬ألنو من الناحية العملية ال توجد حاجة للتمييز بُت االلتزامُت‪ ،‬وكاف‬
‫األسهل واألكثر منطقية اعتبار ىذا االلتزاـ يف ىاتو احلالة التزاما ثانويا يكمل االلتزاـ اجلوىري ويذوب فيو‪ ،‬وخيضع يف‬
‫النهاية لنفس نظامو القانوين‪.‬‬
‫فمن غَت احلكمة القياـ بالتمييز بُت االلتزامُت يف الوقت الذي ال تقوـ فيو النصوص القانونية دبثل ىذا‬
‫التمييز‪،‬لذا صلد أف االذباه احلديث حملكمة النقض الفرنسية يقضي بأف االلتزاـ األساسي ىو تسمية أخرى لبللتزاـ‬
‫اجلوىري‪ ،‬وىذا ما نادى بو األستاذ مازو عندما علق على نفس القرار‪ " :‬الغرفة ادلدنية األوىل تستعمل مصطلح أساسي‬
‫للداللة على االلتزاـ الذي مل يتم الوفاء بو وإلغاء البند ادلتنازع عليو‪ ،‬وبالرغم من تغَت ادلصطلح إال أف لو معٌت واحد‬
‫‪25‬‬
‫بالنسبة لبلجتهاد القضائي‪".‬‬
‫وىنا جيب التنويو إىل أف االلتزاـ األساسي ىو التسمية اليت تطلقها بعض التشريعات ادلقارنة على االلتزاـ‬
‫اجلوىري‪ ،‬كما ىو احلاؿ بالنسبة للتشريع األدلاين والبلجيكي وااليطايل‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعبلقة بُت االلتزاـ األساسي وااللتزاـ اجلوىري جيب اإلشارة إىل أف االلتزاـ ديكن أف يكوف أساسيا‬
‫دوف أف يكوف جوىريا‪ ،‬أي ديكن اللتزاـ رئيسي أف يسهم يف تكييف العقد دوف أف يكوف جوىرا لو‪ ،‬وىذا ما دييزه عن‬
‫االلتزاـ الثانوي‪ ،‬فهو يقع يف مرتبة أعلى منو حىت وإف كاف يقًتب منو أحيانا‪ ،‬خاصة دلا تكوف االلتزامات األساسية زلبل‬
‫للشروط ادلتعلقة بتعديل ادلسؤولية‪.26‬‬

‫‪1152‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫وتبعا لذلك ديكن القوؿ أف العقد منظم على النحو التايل‪ :‬االلتزامات اجلوىرية مث االلتزامات األساسية مث‬
‫االلتزامات الثانوية‪ ،‬وىذا االستنتاج نابع من تفسَت ادلادة ‪ 1603‬من القانوف ادلدين الفرنسي واليت تنص على أف البائع‬
‫يقع على عاتقو التزاماف رئيسياف‪ ،‬يف حُت يرى الفقو أف االلتزاـ بالتسليم ىو االلتزاـ اجلوىري للبيع‪.‬‬
‫ويبدو لنا أف التمييز بُت االلتزاـ اجلوىري وااللتزاـ الرئيسي ىو يف الواقع أمر غامض أو على األقل ليس ذا أمهية‬
‫صحيحا على‬
‫ً‬ ‫كبَتة من الناحية العملية‪ ،‬ألف االلتزاـ ال ديكن أف يكوف جوىريا إال إذا كاف أساسيا‪ ،‬لكن العكس ليس‬
‫األقل يف عقود اإلجيار والبيع‪.‬‬
‫معقدا‪ ،‬يؤدي إىل إنشاء فئة وسطى بُت‬
‫عبلوة على ذلك‪ ،‬فإف ىذا التمييز جيعل ربديد االلتزاـ اجلوىري أمرا ً‬
‫التقسيم التقليدي لبللتزاـ ( االلتزاـ جوىري وااللتزاـ الثانوي)‪ ،‬ىذه الفئة ليست ال جوىرية وال ثانوية‪ ،‬وىذا ما حذا‬
‫ببعض الفقهاء إىل القوؿ بأف االلتزاـ األساسي ما ىو يف النهاية إال التزاـ جوىري ويف ىذا الصدد تقوؿ األستاذة "‬
‫‪ " glavanis‬االلتزاـ يقسم كاأليت‪ :‬التزاـ جوىري أو رئيسي و التزاـ ملحق أو ثانوي"‬
‫ولكن ىناؾ أستاذ آخر يرى بأف الفرؽ بُت االلتزاـ اجلوىري وااللتزاـ األساسي يكمن يف نطاؽ كل‬
‫منهما‪ ،‬فنطاؽ االلتزامات األساسية أو سع من نطاؽ االلتزامات اجلوىرية‪ ،‬غَت أنو مل يقدـ شرحا لذلك‪ ،‬ومل يستدؿ على‬
‫ذلك بأي أمثلة واكتفى فقط ببسط سلتلف االلتزامات اجلوىرية اليت تتضمنها العقود‪.27‬‬
‫يف النهاية‪ ،‬ليست ىناؾ حاجة للتمييز بُت ىاذين ادلفهومُت‪ ،‬ويكفي القوؿ ببساطة إف االلتزامات اجلوىرية‬
‫ادلشار إليها يف ادلادة ‪ 1603‬من القانوف ادلدين الفرنسي ادلتعلقة بالبيع والفقرة ‪ 1‬من‪ 1720‬من نفس القانوف فيما يتعلق‬
‫باإلجيار ىي رلرد التزامات زلددة متأصلة يف طبيعة ىذه العقود‪.‬‬
‫‪ -23‬االلتـ ـزام الجوىـ ــري و االلتـ ـزام المميـ ــز‪:‬‬
‫تعترب مسألة ربديد القانوف الواجب التطبيق على العقد من ادلسائل اليت أخذت حيزا كبَتا يف نطاؽ القانوف‬
‫الدويل اخلاص‪ ،‬وقد اعتمد الفقهاء يف ذلك على القاعدة التالية‪ " :‬إذا تضمن العقد عدة التزامات‪ ،‬أو نص على عدة‬
‫أماكن للتنفيذ‪ ،‬فإنو يكوف خاضعا لقانوف ادلكاف الذي ينفذ فيو التزامو األساسي ادلميز لطبيعتو القانونية اخلالصة"‬
‫يف عاـ ‪ ، 1938‬قاـ العميد باتيفوؿ بتنظيم نظرية االلتزاـ ادلميز يف القانوف الدويل اخلاص‪ ،‬واستند على ىذا‬
‫ادلفهوـ نفسو‪ ،‬يف نظريتو اخل اصة بالتوطُت‪ ،‬وبالنسبة لو فإف قاعدة التنازع يف رلاؿ العقود الدولية تتجلى يف قانوف‬
‫اإلرادة‪ ،‬ومن ىذا ادلنطلق فإف أطراؼ العقد ال يقوموف بتحديد القانوف الواجب التطبيق على العقد‪ ،‬وإمنا يقوموف بتحديد‬
‫موقع ادلعاملة بالضبط‪ ،‬وىذا التحديد يتم انطبلقا من الوظيفة االقتصادية للعقد‪ ،‬وىو يعٌت بالكشف عن العنصر األكثر‬
‫أمهية يف العقد‪ ،‬ويف حالة غياب أي عنصر واضح‪ ،‬يتم االعتماد على االلتزاـ اجلوىري أو الرئيسي لتحديد موطن‬
‫العقد‪ ،‬وعندىا يكوف العقد خاضعا لقانوف مكاف تنفيذ االلتزاـ الرئيسي أو اجلوىري‪ ،‬فهذا القانوف ىو الذي يعترب أف لو‬
‫أكرب صلة بالعقد‪.28‬‬
‫ال يعطي األستاذ باتيفوؿ تعريفا لبللتزاـ ادلميز‪ ،‬لكنو حيدده بناء على التمييز بُت أنواع العقود ادلختلفة‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل ادلثاؿ‪ ،‬فيما يتعلق بعقد البيع‪ ،‬يرى أف األداء ادلميز ىو "الذي يٌستخحق من أجلو ادلبلغ الذي يدفعو أحد‬

‫‪1153‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫الطرفُت"‪،‬ويف عقد النقل يرى بأف القانوف الواجب التطبيق ىو قانوف ادلكاف الذي يتم فيو التسليم والذي ىو غاية النقل‬
‫يف حد ذاتو‪.‬‬
‫بعدىا قاـ السيد بوؿ الغارد‪ -Paul Lagarde -‬بإعطاء تعريف حقيقي لبللتزاـ ادلميز حيث عرفو بأنو‬
‫"األداء الذي دينح العقد خاصيتو اليت سبيزه عن بقية العقود‪ ،‬والذي يشكل مركز الثقل والوظيفة االجتماعية‪-‬االقتصادية‬
‫لبللتزاـ التعاقدي"‪.‬‬
‫وحيقق مبدأ األداءات ادلميزة العديد من الفوائد يف رلاؿ االلتزامات التعاقدية‪ ،‬فحسب األستاذ شنيتزر والذي‬
‫يقًتح ربديد موطن العقد حبسب وظيفتو يف احلياة االقتصادية‪ ،‬وقاعدة األداءات ادلميزة " ‪ ...‬ىي سليمة وسهلة ادلتابعة‬
‫وسبنح النتائج األكثر عمليا "‪.‬‬
‫ويف الواقع فإف ىذا ادلبدأ يشتمل على حل عضوي‪ ،‬فبدال من البدء بالعناصر اخلارجية أو العرضية للعقد‪ ،‬فإنو‬
‫ينطلق من الوظيفة االقتصادية لو لتحديد القانوف الواجب التطبيق‪.‬‬
‫وىذه الفائدة العملية لؤلداء ادلميز أدت إىل اعتماد ىذا ادلفهوـ يف العديد من التطبيقات يف القوانُت الداخلية‬
‫( الفرنسي والسويسري) وحىت يف قوانُت اجملتمع الدويل (اتفاقية الىاي يف ‪ 15‬جواف ‪ 1955‬ادلتعلقة بالقانوف الواجب‬
‫التطبيق على البيع الدويل للمنقوالت‪ ،‬واتفاقية الىاي يف ‪ 14‬مارس ‪ 1978‬ادلتعلقة بالقانوف الواجب التطبيق على عقود‬
‫الوساطة والنيابة)‪.‬‬
‫ويف ىذا السياؽ صلد اتفاقية روما يف ‪ 19‬جواف ‪ 1980‬ادلتعلقة بالقانوف الواجب التطبيق على االلتزامات‬
‫التعاقدية‪ ،‬تنص يف الفقرة الثانية من ادلادة الرابعة على أنو يف حالة انتفاء اخليار فإف القانوف الواجب التطبيق على‬
‫االلتزامات ىو قانوف البلد الذي يكوف ادلتعاقد ملزما فيو بتقدًن األداء ادلميز أثناء إبراـ العقدػ باعتباره البلد األكثر ارتباطا‬
‫هبذا األخَت‪ ،‬ويتحدد ىذا ادلكاف بالنسبة للشخص الطبيعي دبحل إقامتو‪ ،‬أما إذا تعلق األمر بشركة أو صبعية أو أي‬
‫‪29‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك فإف ىذه االتفاقية ال تبُت‬ ‫شخص معنوي آخر فإف ىذا ادلكاف يتحدد دبقر إدارتو ادلركزية"‬
‫ادلقصود هبذه باألداءات ادلميزة‪.‬‬
‫إف مفهوـ األداء ادلميز يعترب عنصرا مهما يف أنظمة تنازع القوانُت‪ ،‬اليت سبتاز دبرونة قواعد إسنادىا‪ ،‬فمثبل يف‬
‫القوانُت األ صللوسكسونية وباألخص يف النظاـ اإلصلليزي فإف قاعدة " قانوف العقد ادلبلئم" تقضي بأف القانوف الواجب‬
‫التطبيق ‪ ،‬ىو القانوف األكثر ارتباطا بالعقد‪ ،‬ويفسر الفقهاء ذلك بأف ادلقصود ىنا بالقانوف ىو قانوف مكاف االلتزاـ‬
‫الرئيسي للعقد‪.‬‬
‫أيضا ‪ ،‬تعتمد صبلحية العقد على القانوف الداخلي للدولة اليت يكوف للعقد "معظم‬ ‫ويف الواليات ادلتحدة ً‬
‫الصلة" هبا‪ ،‬و قد يكوف ىذا الق انوف ىو القانوف الذي يتم اختياره من قبل األطراؼ‪ ،‬ويف حالة عدـ اختيارىم‪ ،‬يتم‬
‫االعتماد على معايَت أخرى لتحديد القانوف الواجب التطبيق‪ ،‬من بينها مكاف تنفيذ االلتزاـ اجلوىري للعقد‪.‬‬

‫‪1154‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫ويعًتي مفهوـ األداء اجلوىري يف رلاؿ تنازع القوانُت قصورا كبَتا‪ ،‬فمثبل يف عقود القرض وادلقايضة‪ ،‬يكوف‬
‫ربديد مفهومها يف غاية الصعوبة‪ ،‬فجل األداءات اليت تتضمنها ىذه العقود ىي أداءات جوىرية‪ ،‬ولتحديد القانوف‬
‫الواجب التطبيق يف ىذه احلالة يتم اللجوء إىل عناصر إسناد أخرى‪.‬‬
‫ومفهوـ األداء ادلميز ديتد أيضا إىل ميداف تنازع االختصاص القضائي‪ ،‬حيث تقضي القاعدة العامة بأف‬
‫احملكمة ادلختصة ىي زلكمة موطن ادلدعى عليو‪ ،‬ولكن يف اجملاؿ التعاقدي فإف زلكمة مكاف تنفيذ العقد ىي‬
‫ادلختصة‪،‬ويف ىذه احلالة فإف العنصر احملدد لبلختصاص يكمن يف األداء ادلميز‪ ،‬وىذا ىو ادلنطق الذي أُعتمد دبناسبة‬
‫تفسَت ادلادة ‪ 1-5‬من اتفاقية بروكسل‪ 1‬يف ‪ 27‬ديسمرب ‪ 1968‬ادلتعلقة باالختصاص القضائي وتنفيذ القرارات ادلدنية‬
‫والتجارية‪ ،‬ىذا النص يتضمن أنو بغض النظر عن زلل إقامة ادلدعى عليو‪ ،‬فإف احملكمة ادلختصة ىي زلكمة مكاف تنفيذ‬
‫االلتزاـ أو زلكمة ادلكاف الذي جيب أف ينفذ فيو ىذا االلتزاـ‪ ،‬وذىب جانب من الفقو إىل أف ادلقصود بااللتزاـ ىنا ىو‬
‫االلتزاـ اجلوىري ‪،‬حىت وإف كانت احملكمة األوربية مل تنظر اليو هبذا الوصف‪.30‬‬
‫أما البلئحة رقم ‪ 2001/44‬ادلؤرخة يف ‪ 22‬ديسمرب ‪ 2000‬بشأف االختصاص القضائي واالعًتاؼ‬
‫باألحكاـ يف ادلسائل ادلدنية والتجارية وتنفيذىا‪ ،‬فهي تنص وبطريق أكثر وضوحا من اتفاقية بروكسل‪ I‬بأف احملكمة‬
‫ادلختصة يف اجملاؿ التعاقدي ىي زلكمة مكاف تنفيذ االلتزاـ الذي يقوـ عليو الطلب‪ ،‬أو ادلكاف الذي جيب أف ينفذ فيو‬
‫ىذا االلتزاـ‪ ،‬وىذا البياف من شأنو أف يكوف زلبل لتفسَتين سلتلفُت؛ فإما أف يعترب االلتزاـ الذي يقوـ عليو الطلب دبثابة‬
‫التزاـ جوىري‪ ،‬وإما أف يقضي على مفهوـ االلتزاـ اجلوىري من أساسو يف رلاؿ تنازع االختصاص‪ ،‬ألف أي التزاـ ثانوي‬
‫ديكن أف يكوف زلل طلب أماـ القضاء‪.31‬‬
‫المحور الثاني‪ -‬أسـ ــاس االلتـ ــزام الجوىـ ـ ــري‬
‫مفهوما أصليًا بادلعٌت احلقيقي‬
‫ً‬ ‫يرى األستاذ ‪" : Delebecque‬إف مفهوـ االلتزاـ اجلوىري للعقد ليس‬
‫للمصطلح؛ وىو ليس تصورا جديدا يف اجملاؿ التعاقدي‪ ،‬خك ًونخوُ الفقهاء لئلجابة على مشاكل معينة‪ ،‬وإمنا ىو امتداد‬
‫لتقنيات سابقة مت تنقيحها لتذليل عدد معُت من الصعوبات"‪.32‬‬
‫ومن بُت ىذه التقنيات ادلوجودة مسبقاً سبب العقد وزلل العقد‪ ،‬الذي تستخدمو زلكمة النقض الفرنسية‬
‫لتحديد مفهوـ االلتزاـ اجلوىري‪.‬‬
‫احملل والسبب عنصراف مًتابطاف بشكل وثيق يف العقد ‪ ،‬ومها قريباف جدا من بعضهما البعض لدرجة أف بعض‬
‫مفهوما واحدا‪ ،‬على عكس القانوف الفرنسي الذي حافظ على ىذا‬‫ً‬ ‫القوانُت األجنبية كالقانوف األدلاين‪ ،‬جعلت منهما‬
‫التمييز مع إعطاء ركن السبب بعض األولوية بصفتو مفهوما حيويا‪ ،‬وىذا ما جيعلنا نتساءؿ عن أيهما أصلع كأساس‬
‫لبللتزاـ اجلوىري السبب أـ احملل ؟‬

‫‪1155‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫‪ -I‬مح ـ ــل العقـ ــد كأسـ ــاس لاللت ــزام الجوىـ ــري‬
‫نظم القانوف الفرنسي نظرية زلل العقد بشكل صارـ وجامد‪ ،‬على عكس نظرية السبب اليت سبتاز دبرونة‬
‫كبَتة‪،‬والقانوف ادلدين الفرنسي ( قبل التعديل ) يفرؽ بُت زلل العقد ادلنظم دبوجب ادلادة ‪ 1129‬وزلل االلتزاـ ادلنظم‬
‫دبوجب ادلادة ‪ ،1110‬وصلد الفقو يذىب أبعد من ذلك حبيث يضيف نوعا آخر للمحل وىو زلل األداء‪.33‬‬
‫فمحل العقد ىو رلموعة االلتزامات اليت ينشأ عنها العقد‪ ،‬وزلل االلتزاـ ىو ما يتعُت على ادلدين الوفاء بو (منح‬
‫شي‪،‬القياـ بعمل أو عدـ القياـ بعمل) أو األداءات اليت زبتلف وفقاً لئلرادة طبقا للمواد ‪ 1101‬و ‪ 1126‬من‬
‫القانوف ادلدين‪ ،‬أما زلل األداء فهو الشيء موضوع األداء‪ ،‬ديكن أف يكوف ملموسا أو غَت ملموس ؛ ماديا أو غَت مادي‪.‬‬
‫يرى العديد من ادلؤلفُت ادلعاصرين أف زلل العقد ىو اذلدؼ القانوين لؤلطراؼ‪ ،‬والعملية اليت يسعوف إىل‬
‫ربقيقها‪ ،‬أي زلل االلتزاـ اجلوىري للعقد وادلميز لو‪.34‬‬
‫وشلا ال شك فيو أف ىذا ادلفهوـ حملل العقد مرتبط ارتباطاً وثيقاً دبفهوـ االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬وىذا يعٍت ضمناً أف‬
‫زلل العقد ال يعترب فقط احملتوى األساسي للعقد وإمنا انعكاساً أيضاً دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري (‪ ،)2‬لكن وفق النظرية‬
‫التقليدية فإف "زلل العقد" ينظر إليو على أساس أنو "مضموف العقد" (‪)1‬‬
‫‪ -1‬المحـ ــل كمضمـ ـ ــون للعق ــد‬
‫يعترب زلل العقد ىو مضموف العقد يف الفقو الكبلسيكي‪ ،‬فمحل العقد ىو صبيع العناصر ادلتعلقة بإنشاء العقد‬
‫وتنفيذه واليت تساىم صبيعها‪ ،‬كل من جانبو ‪ ،‬يف تنفيذ العمل ادلتوخى من قبل الطرفُت‪ ،‬ىذه احلقيقة مت تسليط الضوء‬
‫عليها منذ القرف الثامن عشر من قبل ‪ Pothier‬الذي قسم زلتوى العقد إىل "ثبلثة أشياء سلتلفة"‪ ،‬يأيت يف مقدمتها‬
‫" اجلوىرية " "‪ " essentialia‬وىذا يعٍت العناصر اليت ىي جوىر العقد ‪ ،‬وحسبو فإف ىذه ىي األشياء "اليت بدوهنا ال‬
‫ديكن للعقد البقاء أو االستمرار" وزبلف أحد ىذه األشياء أو عدـ وجوده من شأنو أف يعدـ العقد أو يغَت من طبيعتو‪.‬‬
‫سعرا (شراء)‪ .‬ذلذا‬
‫ويضرب على ذلك مثاال بعقد البيع‪ ،‬فإف جوىر ىذا العقد وجود شيء ما للبيع وأف ىناؾ ً‬
‫موجودا‪ ،‬فلن يكوف ىناؾ عقد‪ ،‬وال ديكن أف يكوف ىناؾ عقد بيع بدوف‬
‫ً‬ ‫السبب إذا باع شخص ما شيئًا يعلم أنو مل يعد‬
‫شيء مت بيعو‪ ،‬و إذا مت نقل شيء إىل طرؼ ثالث دوف شبن ‪ ،‬فاحلديث يكوف عن اذلبة أو التربع‪ ،‬ال عن البيع‪ ،‬فعدـ‬
‫وجود واحد من تلك األشياء اليت ىي جوىر العقد حيوؿ دوف وجود عقد البيع من أساسو‪.‬‬
‫مث تليها األشياء الطبيعية "‪ "naturalia‬أي العناصر اليت تُستخ خمد من طبيعة العقد دوف أف تكوف جوىرا لو‪،‬ىذه‬
‫األشياء ىي جزء من العقد ولو مل يقم األطراؼ بتبياهنا‪ ،‬بل حىت ولو كانت مبهمة بالنسبة ذلم ‪ ،‬وىي زبتلف عن‬
‫"‪ " essentialia‬يف أف "العقد ديكن أف يقوـ بدوهنا‪ ،‬وأهنا ديكن استبعادىا من العقد وفقا إلرادة الطرفُت‪ ".‬ىذه‬
‫العناصر تشكل نطاؽ تطبيق الشروط ادلعدلة للمسؤولية‪.‬‬
‫أخَتاً‪ ،‬ىناؾ األشياء العرضية "‪ "accidentally‬ىذه العناصر‪ ،‬ليست ال ناذبة عن جوىر العقد وال ىي من‬
‫ض ًمن يف العقد دبوجب بنود خاصة‪.35‬‬
‫طبيعتو‪ ،‬وىي تٌ خ‬

‫‪1156‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫وفائدة ىذا التمييز يكمن أف بعض ىذه العناصر تعترب متأصلة يف العقد وال ديكن فصلها‪ ،‬يف حُت أف البعض‬
‫اآلخر ديكن فصلو بسهولة وال سيما عن طريق إعماؿ إرادة الطرفُت‪ ،‬ومن جهة أخرى فإف االلتزاـ اجلوىري ديكن حصره‬
‫يف الفئة األوىل فقط‪ ،‬وىذا يعٍت أف مفهوـ االلتزاـ اجلوىري ديكن تفسَته من خبلؿ نظرية زلل العقد‪ ،‬وذلذا السبب غالباً‬
‫ما يفهم زلل العقد على أنو احملتوى األساسي أو اجلوىري للعقد‪.‬‬
‫‪ -02‬االلت ـ ــزام الج ــوىري انعك ــاس لنظ ـرية محــل العقد‬
‫صاحب ىذه الفكرة ىو األستاذ‪ -Delebecque -‬حيث يفسر االلتزاـ اجلوىري من خبلؿ مفهوـ زلل‬
‫العقد‪ ،‬ويف ىذه احلالة ال يعترب زلل العقد رلرد مضموف بسيط للعقد‪ ،‬ولكنو يعترب احملتوى اجلوىري واألساسي‬
‫للعقد‪ ،‬ويكوف بذلك قد أورد تعريفا جديدا حملل العقد مفاده " زلل العقد يعٍت األداء الذي تتدخل إرادة األطراؼ من‬
‫أجلو‪ ،‬والذي تدور حولو ادلنفعة االقتصادية للعقد ‪ ،‬فعندما يربـ العقد يصبح ىذا األداء زلبل اللتزاـ ما‪ ،‬ويكوف ىذا‬
‫األداء ىو العنصر الذي إذ ا فقد ال ديكن لؤلطراؼ أف يفكروا يف إبراـ العقد أصبل‪ ،‬وكانت كل االلتزامات األخرى متولدة‬
‫عنو‪ ،‬بشكل ديكن معو أف ديتص كامل ادلنفعة االقتصادية للعقد فإنو يعترب زلبل للعقد بأمت معٌت الكلمة‪.36‬‬
‫ىذا التعريف من شأنو تسليط الضوء أكثر على زلل العقد‪ ،‬فهو يساعد على خلق ذبديد للنظرية اليت كانت‬
‫حىت وقت قريب تعتربه رلرد مضموف للعقد‪ ،‬ووفقا ذلذا التصور اجلديد نبلحظ أف موضوع العقد يتكوف فقط من‬
‫"‪ ،"essentialia‬وىي‪ ،‬زبتلف بذلك عن الًتكيبة الثبلثية اليت أنشأىا ‪ –Pothier-‬فيما يتعلق دبضموف العقد‪،‬وحسب‬
‫منطق االستاذ ‪ Delebecque‬يتساوى زلل العقد مع االلتزاـ اجلوىري‪.‬‬
‫ويف قرار صادر يف ‪ 2‬ديسمرب ‪ ،1997‬أيدت زلكمة النقض الفرنسية ىذا الطرح نوعا ما عندما ربدثت عن‬
‫جوىر العقد‪ ،‬ىذا األخَت حييل دبا ال يدع رلاال للشك على مفهوـ احملل أحسن من إحالتو على مفهوـ السبب‪.‬‬
‫وواضح أف زلل العقد ديكن أف يكوف انعكاسا دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري خاصة إذا أخذنا بعُت االعتبار أف‬
‫احملل يشَت إىل اجلوانب الكمية للعقد وأف ىذه اجلوانب تكتسي أمهية كبَتة عندما نريد تقييم االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬ولكن ىل‬
‫ديكن أف يعترب زلل العقد كأساس ثابت دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري؟‬
‫واإلجابة على ىذا التس اؤؿ تكوف بالنفي‪ ،‬فمفهوـ زلل العقد غامض جدا‪ ،‬حبيث ال ديكن معو ربديد مىت‬
‫ديكن إلغاء العقد بسبب عدـ الوفاء بااللتزاـ اجلوىري‪ ،‬ىذا باإلضافة إىل أف اإلنزاؿ الكبَت لبللتزامات اجلديدة يف اجملاؿ‬
‫العقدي‪ ،‬من شأنو أف يوسع من نطاؽ مفهوـ زلل العقد‪ ،‬ما جيعل من االعتماد على مفهوـ ىذا األخَت كأساس دقيق‬
‫لبللتزاـ اجلوىري زلل نظر‪.‬‬
‫ف على باؿ األستاذ ‪ - Delebecque-‬والذي الحظ بأف مفهوـ زلل العقد قد مت مد‬ ‫وىذا الطرح مل خيخ خ‬
‫‪.‬‬
‫نطاقو إىل أبعد احلدود من قبل القضاء‪ ،‬حبيث أضاؼ التزامات ثانوية كااللتزاـ بالسبلمة إىل ادلضموف اإلجباري للعقد‬
‫ونتيجة ذلذا القصور الذي يعًتي مفهوـ زلل العقد كأساس لبللتزاـ اجلوىري يرى األستاذ‬
‫‪ - Delebecque-‬أف عيوب زلل العقد تكشف بأف السبب ىو الوحيد القادر على ذبميع كل األفكار اليت يتضمنها‬
‫مصطلح االلتزاـ اجلوىري‪.‬‬

‫‪1157‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬

‫‪ –II‬سبـ ــب العقـ ــد كأسـ ــاس لاللتـ ــزام الجوىـ ــري‬
‫نظرية سبب العقد جد معقدة‪ ،‬فمضموهنا تأثر بعاملُت اثنُت‪ ،‬التطور ادلستمر للقواعد ادلنظمة للعقود من‬
‫جهة‪،‬وبادلمارسة العملية من جهة أخرى‪ ،‬فسبب العقد لو مفهوـ تارخيي وآخر وظيفي ‪.‬‬
‫وتاريخ سبب العقد يرجع إىل احلقبة اليت سبقت إعداد القانوف ادلدين الفرنسي‪ ،‬فهذا ادلفهوـ كاف معروفا يف‬
‫ظل القانوف الروماين والقانوف الكنسي‪ ،‬وبعد صدور القانوف ادلدين الفرنسي‪ ،‬مر مفهوـ السبب بثبلث مراحل أساسية‪:37‬‬
‫ادلرحلة األوىل واستمرت خبلؿ القرف العشرين‪ ،‬وكاف ينظر إىل سبب العقد بصفة رلردة وجيعل من الًتاضي‬
‫ادلصدر الوحيد للعقد‪ ،‬وكاف السبب ىنا يقابل زلل العقد ‪ ،‬وكاف األستاذ دوما متصدر ىذا الرأي‪.38‬‬
‫أما ادلرحلة الثانية فهي تبدأ أواخر القرف العشرين‪ ،‬حيث ظهر ما يعرؼ خبصوـ السببية وتزعم ىذا الفريق الفقيو‬
‫ببلنيوؿ‪ ،‬وكاف يرى بأف نظرية السبب تارخييا ومنطقيا خاطئة وعددية اجلدوى‪ ،‬فهي تدور يف حلق مفرغة‪.‬‬
‫لتأيت بعدىا ادلرحلة األخَتة‪ ،‬حيث أعيد لنظرية السبب اعتبارىا‪ ،‬حبيث أصبح السبب ال ينظر اليو بصفة‬
‫رلردة ‪ ،‬وإمنا أصبح يعترب وسيلة للحد من بعض التعسفات يف اجملاؿ التعاقدي‪ ،‬بل أكثر من ذلك أصبح السبب ىو‬
‫الضامن للحرية العقدية‪.39‬‬
‫يف ىذا اإلطار سنقوـ بعرض سلتلف التحليبلت اليت قيلت خبصوص السبب ( ‪ )1‬ومن مث تقييم ما إذا كانت‬
‫نظرية السبب تصلح لتكوف أساسا اللتزاـ اجلوىري ( ‪)2‬‬
‫‪ -1‬عـ ــرض نظ ـ ـرية السبـ ــب‬
‫ىناؾ العديد من التحليبلت اليت قيلت بشأف السبب ولكن تركيبا بسيطا ذلذه التحليبلت من شأنو أف خيتصر‬
‫ادلسألة يف اذباىُت رئيسيُت‪:‬‬
‫أ‪ -‬التحليل األحادي‪ :‬ويتزعم ىذا االذباه العميد كابيتاف‪ ،‬وىو ينظر إىل السبب من زاويتُت‪:‬‬
‫‪ -‬السبب ىو عنصر مبلزـ للعقد وىو ذو طبيعة موضوعية‪ ،‬فهو ديثل حتما النظَت ادلقابل لبللتزاـ‪ ،‬ففي العقد ادللزـ‬
‫جلانبُت (أين يكوف كل طرؼ يف العقد دائنا ومدينا يف نفس الوقت)‪ ،‬سبب التزاـ كل متعاقد متضمن يف الوفاء بااللتزاـ‬
‫ملزما بدفع الثمن ‪ ،‬فذلك ألنو يتوقع من البائع تسليم الشيء لو‪ ،‬والعكس‬
‫ادلقابل‪ ،‬ففي عقد البيع مثبل إذا كاف ادلشًتي ً‬
‫من ذلك ‪ ،‬إذا تعهد البائع بتسليم الشيء‪ ،‬فذلك ألف يتوقع من ادلشًتي أف يدفع الثمن‪ ،‬فباختصار‪ ،‬يكمن سبب التزاـ‬
‫كل طرؼ يف وجود أداء والتزاـ من جانب الطرؼ اآلخر‪ ،‬فهناؾ ترابط بُت االلتزامات يضمن توازف العقد‪ ،‬ويف حالة‬
‫فقداف أي من االلتزامات فإف التوازف خيتل وينقضي العقد بذلك‪.‬‬
‫وعلى ىذا فإف السبب يفًتض أنو ال وجود دلتعاقد يلتزـ بدوف مقابل‪ ،‬وىذا التحليل حيتل مكانة أساسية يف بعض قرارات‬
‫‪.‬‬
‫زلكمة النقض‪.‬‬

‫‪1158‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫‪ -‬أف يتضمن السبب بعض الدوافع اليت ديكن تكييفها على أهنا زلددات ذات صبغة ذاتية‪ ،‬مشًتكة بُت أطراؼ‬
‫العقد‪ ،‬والدافع احملدد ىو الذي ال ديكن ازباذ القرار بدونو‪ ،‬وحسب كابيتاف فاف الدافع ال يعترب زلددا إال إذا كاف مشًتكا‬
‫بُت األطراؼ‪ ،‬وال يعٍت ذلك أف يعربا عنو يف آف واحد‪ ،‬بل يكفي أف يُعلم أحدىم الطرؼ اآلخر هبذا الدافع‪.‬‬
‫وال خيفى أف التحليل األحادي قاصر‪ ،‬ألنو ال يأخذ بعُت االعتبار صبيع ادلفاىيم الدقيقة دلفهوـ السبب لذا مت العزوؼ‬
‫عنو‪.40‬‬
‫ب‪ -‬التحلي ـ ـ ـل الثنـ ــائي‬
‫ويستند ىذا التحليل على سلتلف الوظائف اليت يلعبها السبب‪ ،‬وتبعا لذلك فإف مضمونو خيتلف باختبلؼ‬
‫الوظيفة اليت يؤديها‪ ،‬والتأكد من وجوده يتم بطريقة موضوعية رلردة‪ ،‬ويؤدي غيابو كليا إىل بطبلف العقد‪.‬‬
‫ويف السنوات األخَت مت التوسع يف مفهوـ السبب إىل احلد الذي جعلو يذوب يف الغاية االقتصادية‬
‫للعقد‪ ،‬وأصبح غياب ىذه الغاية ىو الذي يؤدي إىل بطبلف العقد‪ ،‬على أف غياهبا ليس معناه عدـ وجود مقابل مادي‬
‫لبللتزاـ‪،‬وإمنا فقط تغيب ادلصلحة اليت يتوخاىا األطراؼ من تنفيذ العقد‪.‬‬
‫ىاتو الغاية االقتصادية مت استعماذلا من قبل زل كمة النقض دبناسبة قرار يتعلق بإلغاء عقد إجيار أشرطة فيديو‬
‫سلصصة لبلستغبلؿ التجاري بسبب " غياب ادلقابل احلقيقي" والذي ثبت من خبلؿ استحالة ربقيقو يف قرية ريفية‬
‫صغَتة‪ ،‬نظرا لقلة العمبلء‪.‬‬
‫وواضح أف زلكمة النقض حددت السبب بالوظيفة االقتصادية للعقد‪ ،‬اليت كاف يتوخاىا األطراؼ‪ ،‬وغياب‬
‫ىذه الوظيفة يعٍت غياب السبب‪ ،‬ألننا أماـ استحالة تنفيذ العقد بالطريقة اليت أرادىا ادلتعاقداف‪ ،‬ومعٌت ذلك أف استحالة‬
‫السبب ادلوضوعي للعقد ( ادلنفعة االقتصادية للعقد) يؤدي بالضرورة إىل استحالة سببو الذايت ( نية األطراؼ)‬
‫وىذا احلل فتح الباب ع لى مصراعيو أماـ تصور أحادي جديد للسبب ذو صبغة ذاتية‪ ،‬وحسب ىذا التصور‬
‫فإف السبب ىو اذلدؼ ادلشًتؾ الذي يرمي اليو ادلتعاقداف معا عند إبرامهما للعقد‪ ،‬أو ىو السبب الذي يبتغيو أحد‬
‫األطراؼ بشرط أف يتبعو الطرؼ اآلخر يف ذلك‪ ،‬وغياب السبب يعٍت عدـ سبكن أطراؼ العقد من ربقيق غايتهما‬
‫التعاقدية‪ ،‬ونتيجة ذلذا التصور اجلديد ‪ ،‬فإف التفرقة التقليدية بُت السبب ادلوضوعي والسبب الذايت‪ ،‬ادلعتمدة من قبل‬
‫أغلب الفقهاء ادلعاصرين تصبح زلل نظر‪.‬‬
‫ففي العقد ادللزـ جلانبُت‪ ،‬ال ينحصر مفهوـ الغاية االقتصادي للعقد يف تزامن ربط االلتزامات ادلتبادلة‪ ،‬ولكن‬
‫ديتد ليشمل إدراج العقد داخل رلموعة توفر بعض ادلزايا اخلارجية ألطراؼ العقد عن طريق تنفيذه‪.41‬‬
‫والغاية االقتصادية للعقد بوصفها نابعة من شخصنة السبب ليست زلل إصباع بُت الفقهاء‪ ،‬فأغلب الفقهاء‬
‫يقفوف موقف الضد حياذلا‪ ،‬فهم يؤاخذوف عليها أهنا تشكل عامبل حيفز ادلتعاقد على عدـ أخذ احليطة البلزمة‪ ،‬ىذا‬
‫باإلضافة إىل أهنا تعطل اإلرادة اليت مت التعبَت عنها بصفة صرحية‪ ،‬بل وأكثر من ذلك قيل عنها أهنا هتدد استقرار‬
‫ادلعامبلت العقدية ‪ ،‬غَت أف ىذه االنتقادات زلل نظر ذلك أف ادلنفعة االقتصادية للعقد ديكن االعتماد عليها يف العديد‬
‫من احلاالت للحفاظ على العقد بدؿ إلغائو‪.‬‬

‫‪1159‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫ومفهوـ السبب ديكن أيضا من معرفة مدى مشروعية نوايا ادلتعاقدين‪ ،‬وتسمى السبب الذايت أو سبب العقد‪،‬‬
‫ورقابة ادلشروعية تتعلق بالباعث الدافع إىل التعاقد‪ ،‬وليس ضروريا أف يكوف ىذا الباعث مشًتكا بُت ادلتعاقدين‪ " :‬فيكفي‬
‫أف يستعمل أحد األطراؼ العقد ألغراض غَت مشروعة أو منافية لآلداب العامة لكي تستدعي ادلصلحة العامة إلغاءه‪.‬‬
‫وىذاف التصوراف للسبب ( عدـ الوجود‪ ،‬عدـ ادلشروعية) مًتابطُت إىل حد كبَت‪ ،‬ذلك أف غياب السبب يف‬
‫حد ذاتو يعترب أحيانا سببا غَت مشروع‪ ،‬والسبب غَت ادلشروع ىو ما خيالف النظاـ العاـ واآلداب‪.‬‬
‫‪ -2‬تحديـ ـ ـ ــد االلتــزام الجوىري حسب نظ ــرية السب ــب‬
‫بفضل التفسَتات اليت قدمناىا سابقا ‪ ،‬ديكننا التمييز بُت سبب العقد وسبب االلتزاـ فسبب العقد يعمل على‬
‫التحقق من مشروعية العقد‪ ،42‬يف حُت يعمل سبب االلتزاـ على التحقق من وجود السبب وحقيقتو‪.43‬‬
‫يف زلاولتنا لشرح االلتزاـ اجلوىري بواسطة السبب‪ ،‬سنركز فقط على سبب االلتزاـ‪ ،‬ألف ىذا األخَت ينطوي‬
‫على بعض ادلفاىيم ادلتقابلة‪ ،‬وىذا جيعلنا نتساءؿ ىل ىذا السبب ديكن أف يفسر تطبيقات االلتزاـ اجلوىري بطريقة‬
‫مثلى؟ لئلجابة على ىذا السؤاؿ‪ ،‬سنبدأ من ادلراحل ادلختلفة لوجود العقد‪:‬‬
‫ففي مرحلة تكوين العقد‪ ،‬إذا كاف جيب التحقق من وجود ومشروعية السبب عند تكوين العقد‪ ،‬وإذا كانت‬
‫األداءات ادلتولدة عن ىذا العقد مًتابطة فيما بينها حبيث يشكل كل منها سببا لآلخر‪ ،‬فإنو ديكن القوؿ أف سبب العقد‬
‫يتوافق مع مفهوـ االلتزاـ اجلوىري‪.44‬‬
‫وانطبلؽ من ىذا فإف االلتزاـ اجلوىري حىت يصبح ىو نفسو السبب‪ ،‬ال بد أف يقوـ ادلتعاقد بتنفيذ أدائو‬
‫اجلوىري‪ ،‬وفقا دلا كاف ينتظره الطرؼ اآلخر‪ ،‬وغٍت عن البياف أف االلتزاـ دبجرد نشوئو يصبح من الواجب ادلضي بو قدما‬
‫إىل غاية ربقيق الغاية ادلرجوة منو‪ ،‬وإذا مل حيقق ىذه الغاية فإنو يفقد قيمتو القانونية‪.45‬‬
‫أما يف مرحلة تكوين العقد فإف آلية الفسخ بسبب عدـ تنفيذ العقد‪ ،‬ىي اليت تبُت ما إذا كاف السبب يعرب عن‬
‫االلتزاـ اجلوىري أـ ال‪ ،‬وبفضل ىذه اآللية فإف عدـ تنفيذ أحد األطراؼ اللتزامو يلغي سبب التزاـ الطرؼ اآلخر‪ ،‬ويرى‬
‫بعض الفقهاء أف ىذا الفسخ وإف كاف مربرا إال أنو ال يتقرر إال إذا كاف عدـ تنفيذ االلتزاـ قد بلغ حدا من اجلسامة أدت‬
‫لزواؿ السبب ادلقابل سباما‪.46‬‬
‫ويبدو أف السبب من الناحية العملية ىو األساس يف ربديد االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬فالقضاء غالبا ما يلجأ إليو‬
‫ويستنجد بو كلما تعلق األمر بعدـ تنفيذ االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬سواء كاف عدـ التنفيذ كليا أـ جزئيا‪ ،‬بل ويستنجد بو حىت يف‬
‫ربديد نطاؽ ادلسؤولية العقدية‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫االلتزاـ اجلوىري يعترب الركيزة األساسية يف عملية تكييف العقد‪ ،‬إال أف الوقوؼ على حقيقتو أمر يف غاية‬
‫الصعوبة‪ ،‬فبل الفقو وال القضاء توصبل إىل وضع تعريف جامع مانع لو‪ ،‬فهو يعرؼ تارة بأنو االلتزاـ الذي ال يتصور وجود‬
‫العقد بدونو‪ ،‬وتارة أخرى يعرؼ بأنو االلتزاـ الذي يكوف وجوده الزما لنشأة العقد‪ ،‬أو ىو االلتزاـ البلزـ لتصنيف العقد‬

‫‪1160‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
‫وتكييفو‪ ،‬غَت أف أقرب تصور اللتزاـ اجلوىري ىو ما أورده االستاذ فلور‪ ،‬بأنو ذلك االلتزاـ الذي يتحكم يف العقد والذي‬
‫يشكل خصوصيتو اليت يتوخاىا ادلتعاقداف صراحة‪.‬‬
‫ويتجاذب ربديد مفهوـ االلتزاـ اجلوىري معياراف يكمل كل منهما اآلخر‪ ،‬أحدمها موضوعي‪ ،‬ال يلقي أي‬
‫أمهية إلرادة األطراؼ‪ ،‬ويرى بأف كل عقد لو التزاـ جوىري بطبيعتو‪ ،‬أي ال حيتاج إىل إضفاء اجلوىرية عليو‪ ،‬كما ىو احلاؿ‬
‫مثبل يف عقد البيع الذي يتضمن التزاما جوىريا تقتضيو عملية البيع يف حد ذاهتا‪ ،‬ومقتضاىا تسليم الشيئ ادلبيع‪ ،‬وكذلك‬
‫االمر مثبل يف عقد االجيار الذي يتضمن التزاما جوىريا‪ ،‬يقتضي تسليم العُت ادلؤجرة‪ ،‬وىلم جرا ‪. ...‬‬
‫وادلعيار اآلخر ذايت يرى أف ادلعيار ادلوضوعي وإف كاف صائبا من الناحية ادلنطقية‪ ،‬إال أنو قاصر من الناحية‬
‫العملية‪ ،‬ذلك أف ىناؾ العديد من االلتزامات اليت تعترب يف األصل التزامات ثانوية‪ ،‬إال أف إرادة األطراؼ تضفي عليها‬
‫صفة اجلوىرية‪ ،‬أي أف ىذه االلتزام ات كانت ىي الباعث الدافع على التعاقد‪ ،‬ومن مث تتحوؿ من التزامات ثانوية إىل‬
‫التزامات جوىرية‪ ،‬وتعد االلتزامات الناشئة حديثا ( االلتزاـ بالتعاوف‪ ،‬االلتزاـ بالتحذير‪ ،‬االلتزاـ بالنجاعة ‪ ) ...‬رلاال‬
‫خصبا لذلك‪.‬‬
‫وااللتزاـ اجلوىري خيتلف عن العديد من ادلصطلحات اليت تشاهبو‪ ،‬فهو خيتلف عن العناصر االساسية للعقد‬
‫واليت تتعلق أساسا دبوضوع العقد واليت تكوف زلل تفاوض قبل ابراـ العقد‪ ،‬ودبجرد ابرامو ينشأ التزاـ جوىري يقع على‬
‫عاتق كبل ادلتعاقدين أو على أحدمها‪ ،‬ويضفي على العقد طبيعتو‪.‬‬
‫وخيتلط مفهوـ االلتزاـ اجلوىري مع مفهوـ االلتزاـ األساسي‪ ،‬ويصعب أحيانا التفرقة بينهما‪ ،‬إال أف االلتزاـ‬
‫األساسي رلالو أوسع من االلتزاـ اجلوىري‪ ،‬فهذا األخَت يقتصر دوره فقط على تكييف العقد تكييفا صحيحا‪ ،‬أما االلتزاـ‬
‫األساسي فإنو يبُت األداءات اليت جيب على األطراؼ التقيد هبا‪ ،‬وتقوـ مسؤوليتهم يف حالة سلالفتها‪.‬‬
‫ويستند االلتزاـ اجلوىري على ركٍت السبب واحملل كأساس قانوين‪ ،‬فهو يستند على ركن احملل لكوف ىذا األخَت‬
‫ال يعترب فقط رلرد مضموف بسيط للعقد‪ ،‬ولكنو يعترب احملتوى اجلوىري واألساسي للعقد‪ ،‬ومن مث فإف زلل العقد يعٍت‬
‫األداء الذي تتدخل إرادة األطراؼ من أجلو‪ ،‬والذي تدور حولو ادلنفعة االقتصادية للعقد‪.‬‬
‫كما أنو جيعل من السبب كأساس قانوين لو ذلك أف االلتزامات اليت يولدىا العقد واليت تكوف مًتابطة فيما‬
‫بينها إىل احلد الذي جيعل كل التزاـ سببا لبللتزاـ ادلقابل تعترب أساسا التزامات جوىرية‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫ّأوال‪ :‬باللغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العربي ـ ـ ــة‪:‬‬
‫الكتـ ـ ـ ــب‪:‬‬
‫‪ -01‬بلحاج العريب‪ ،‬النظرية العامة لبللتزاـ يف القانوف ادلدين اجلزائري‪ ،‬ديواف ادلطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪.2007،‬‬
‫‪ -02‬جورج سيويف‪ ،‬النظرية العامة للموجبات والعقود‪ ،‬مكتبة احلليب احلقوقية‪ ،‬بَتوت‪ ،‬لبناف‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1994 ،‬‬

‫‪1161‬‬
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
،‫ الرباط‬،‫دار القلم‬،‫ تكييف العقود يف القانوف ادلدين على ضوء التشريع والقضاء ادلغريب‬،‫ زلمد اإلدريسي‬-03
..2011 ،‫الطبعة األوىل‬،‫ادلغرب‬
.1998،‫ الطبعة الثانية اجلديدة‬،‫ بَتوت لبناف‬،‫ منشورات احلليب احلقوقية‬،‫ نظرية العقد‬،‫ عبد الرزاؽ أضبد السنهوري‬-04
:‫المقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاالت‬
‫ العدد‬،‫ رللة قانوف العمل والتشغيل‬،‫ سلطة القاضي يف تكييف العقود ورقابة احملكمة العليا عليو‬،‫ جيبليل بن عيسى‬-01
.2018 ‫ جانفي‬،‫اخلامس‬
6 ‫ العدد‬،‫ رللة جامعة تكريت للعلوـ القانونية والسياسية‬،‫ تكييف العقود يف القانوف ادلدين‬،‫ عامر عاشور عبد اهلل‬-02
:‫ الرسائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل الجامعية‬:‫ثانيا‬
‫ جامعة أبو‬،‫ مذكرة زبرج لنيل شهادة ادلاجستَت يف القانوف اخلاص‬، ) ‫ مبدأ تأويل العقد ( دراسة مقارنة‬،‫ دايل بشَت‬-01
.2008 ‫ سنة‬،‫ جامعة تلمساف‬،‫بكر بلقايد‬
:‫باللغـ ـ ـ ـ ـ ــة األجنبي ـ ـ ــة‬
I- ouvrages :
01- -F. Terré , PH. Simler et Y. Lequette , droit civil, les obligations ; DALLOZ,
paris, 5e édition.
02- H., L., J. Mazeaud, F .Chabas, leçons de droit civil , tome II/premier volume,
obligation, DELTA , Liban, 2000
03- J. Flour, J-l. Aubert, E. Savaux, Les obligation, 2e ed, vol.3 « Le rapport
d’obligation », Liban, Delta, 2001 .
04- J. Ghestin, G.Loiseau, Y. Serinet, La formation du contrat, tome 2 : L’objet et la
cause- Les nullités, L.G.D.J , 4e édition, 2013.
05- J.M .Mousseron, , Technique contractuelle, Editions juridiques Lefebvre, Paris,
1988.
06 - PH. Malaurie , L. Aynes et P. Gautier, Les contrats spéciaux, DEFERNOIS ,
paris, 4e édition, 2009.
07- R. Sefton-Green, la notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-
anglaise, LG.D.J, paris, 2000.
II- Articles :
01-Ch. Deslauriers-Goulet, l’obligation essentielle dans le contrat, les cahiers de
droit.vol.55.n°4, 2014. -Christelle Pouliquen, Le rôle de la volonté en matière de
qualification des contrats , Revue juridique de l’Ouest , 2004 .
02- M. Devinât, Les définitions dans les codes civils, Les Cahiers de droit, volume
46, numéro 1-2 , 2005.
03- Pierre-Gabriel JOBIN, Comment résoudre le casse-tête d’un groupe de contrats,
R.J.T, 2012,
04- Ph. jestaz, l’obligation et la sanction a la recherche d’une obligation fondamental,
dans Mélanges offerts à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995.
05- 1- P. Fréchette, La qualification des contrats : aspects pratiques, Les cahier de
droit, vol 51.
1162
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬
06 -S. Ghozlan, La notion d’obligationessentielle dans le cadre ducontrôle des clauses
abusives : Étude des systèmes juridiquesfrançais et québécois, RJTUM, quebeque,
canada 2015.
07- X.Thunis, une notion fuyante : l’obligation essentielle du contrat, dans Mélanges
offerts a Marcel Fontaine, Bruxelles, Larcier.
III- Thèses :
01 - F. Terré , L'influence de la volonté individuelle sur les qualifications, L.G.D.J,
Paris, 2014,p. 404.
02 -N. Cardoso-Roulot, les obligations essentielles en droit privé des contrats, thèse
de doctorat publiée, L’Harmattan, paris, 2008.
03 - Xavier HENRY, La technique de qualification contractuelles, Thèse pour
l'obtention du grade de DOCTEUR EN DROIT (Doctorat d'état - Droit privé),
UNIVERSITE DE NANCY II,1992.
IV- Sites web :
-Convention de Rome du 19 juin 1980 sur la loi applicable aux obligations
contractuelles consulter sur site internet : https://fr.wikipedia.org/wiki.

‫الهوامش‬

.163.‫ص‬،6 ‫ العدد‬،‫ رللة جامعة تكريت للعلوـ القانونية والسياسية‬،‫ تكييف العقود يف القانوف ادلدين‬،‫ عامر عاشور عبد اهلل‬-1
.420.‫ ص‬،2018 ‫ جانفي‬،‫ العدد اخلامس‬،‫ رللة قانوف العمل والتشغيل‬،‫ سلطة القاضي يف تكييف العقود ورقابة احملكمة العليا عليو‬،‫ جيبليل بن عيسى‬-2
3
- Ch. Deslauriers-Goulet, l’obligation essentielle dans le contrat, les cahiers de droit.vol.55.n°4,
2014, p.927.
4
- Ch. Deslauriers-Goulet, op.cit.928.
5
-N. Cardoso-Roulot, les obligations essentielles en droit privé des contrats, thèse de doctorat
publiée, L’Harmattan, paris, 2008, pp.34-36.

‫ بدؿ االلتزاـ اجلوىري‬obligation fondamentale ‫يستعمل عبارة االلتزاـ األساسي‬


Jestaz ‫ على عكس سابقيو فإف األستاذ‬- 6
.obligations essentielle
7 - Ph. jestaz, l’obligation et la sanction a la recherche d’une obligation fondamental, dans
Mélanges offerts à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995, p. 279.
8
- J. Flour, J-l. Aubert, E. Savaux, Les obligation, 2e ed, vol.3 « Le rapport d’obligation », Liban,
Delta, 2001, p.147.
9
- Ch. Deslauriers-Goulet, op.cit, p.929.
10
- 1- P. Fréchette, La qualification des contrats, aspects pratiques, Les cahier de droit, vol 51, p.p
375-377.
11
- Philippe jestaz, op.cit , p. 273
12
- Christelle Pouliquen, Le rôle de la volonté en matière de qualification des contrats , Revue
juridique de l’Ouest , 2004, p 418 et s.
13
- Ph. Delebecque, Les clauses allégeant l’obligation dans les contrats, op.cit, p 154.
14
- Ph. jestaz , op.Cit, p 180.
15
- Ph. jestaz , op.Cit, p 182.
16
- Ph. Delebecque, Les clauses allégeant l’obligation dans les contrats, op.cit, p 158.
17
- Philippe Delebecque, Les clauses allégeant l’obligation dans les contrats, op.cit, p 162.

1163
‫جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي‬ ‫عمر عمور‬

18
- X. Thunis, une notion fuyante , l’obligation essentielle du contrat, dans Mélanges offerts a
Marcel Fontaine, Bruxelles, Larcier, 203, p.p.9-10.
60-59 ‫ص‬. ‫ ص‬،2008 ،‫ تلمساف‬،‫ جامعة أبو بكر بلقايد‬،‫ مذكرة ماجستَت‬،‫ دراسة مقارنة‬،‫ مبدأ تأويل العقد‬،‫ دايل بشَت‬- 19
20
- Ch. Deslauriers-Goulet,op.cit, p.934 et suites.
21
- N. Cardoso-Roulot, op.cit, p.p.105-106
22
-P.Mousseron, J. Raynard et J.Seube, op.cit, p 170.
23
- Xavier THUNIS, op.cit, p.7.
.1980 ‫ جواف‬19 ‫ اال تفاقية الدولية اخلاصة بالقانوف الواجب التطبيق على االلتزامات التعاقدية ادلوقعة بروما يف‬- 24

25
-cité par P. Mousseron, J.Raynard et J. Seube, op.cit, p 172.
26
- R. Sefton-Green, la notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-anglaise, LG.D.J,
paris, 2000, p.p.12-103.
27
- Ph. jestaz, op.cit., p.273.
28
-P.Mousseron, J. Raynard et J.Seube, op.cit, p 180.
29
- Convention de Rome du 19 juin 1980 sur la loi applicable aux obligations contractuelles
consulter sur site internet : https://fr.wikipedia.org/wiki.
28- P. Fréchette, op.cit, p. 14.
29- - M. Devinât, Les définitions dans les codes civils, Les Cahiers de droit, volume 46, numéro 1-2
, 2005 p 400.
32
. Ph. Delebecque, Les clauses allégeant les obligations dans les contrats, op.cit, p158.
.‫ وما بعدىا‬152 ‫ ص‬،1994 ‫ سنة‬،‫ الطبعة الثانية‬،‫ بَتوت لبناف‬،‫ اجلزء األوؿ‬،‫ مكتبة احلليب احلقوقية‬،‫ النظرية العامة للموجبات والعقود‬،‫ جورج سيويف‬-33
34
- H., L., J. Mazeaud, F .Chabas, leçons de droit civil , tome II/premier volume, obligation,
DELTA , Liban, 2000, n°231, p.232. ; J. Ghestin, G.Loiseau, Y. Serinet, La formation du contrat,
tome 2 : L’objet et la cause- Les nullités, L.G.D.J , 4e édition, 2013, p 45 et s.
32.- Philippe Delebecque, Les clauses allégeant les obligation dans le contrats, op.cit, 159.
36
Philippe Delebecque, Les clauses allégeant les obligations dans le contrat, op.cit, p 162
.‫ وما بعدىا‬463.‫ ص‬،1998 ،‫ الطبعة الثالثة اجلديدة‬،‫ بَتوت لبناف‬،‫ منشورات احلليب احلقوقية‬،‫ نظرية العقد‬،‫ عبد الرزاؽ أضبد السنهوري‬- 37
38
.‫ وما بعدها‬871. ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ جورج سيوفي‬-
39
J.Ghestin, G. Loiseau, Y. Serinet, op.cit, p 682.
40
- F.TERRE , PH.SIMLER , Y.LEQETTE , op.it, p.249.
41
- J.Ghestin , G. Loiseau et Y-M Serinet op.cit, p 684.
.156.‫ ص‬،‫ الطبعة اخلامسة‬،‫ اجلزائر‬،‫ ديواف ادلطبوعات اجلامعية‬،‫ اجلزء األوؿ‬،‫ النظرية العامة لبللتزاـ يف القانوف ادلدين اجلزائري‬،‫ بلحاج العريب‬-42
43
- J. Ghestin , G. Loiseau, Y-M Serinet op.cit, p 687
‫ ألف ىذا يعٍت أف‬،‫ واليت يرى فيها أف التزاـ كل طرؼ ىو سبب اللتزاـ الطرؼ األخر‬،‫ ولكن جيب إعماؿ السبب ىنا بعيدا عن نظرة األستاذ كابيتاف‬- 44
.‫ وإمنا ىو التنفيذ ادلقابل لبللتزاـ‬،‫السبب ليس االلتزاـ اجلوىري للعقد‬
45
- J. Flour, J-L Aubert et E.Savaux, Les obligation , op.cit p 194
46
- Pierre-Gabriel JOBIN, Comment résoudre le casse-tête d’un groupe de contrats, R.J.T, 2012,
n°9, p.19 et s.

1164

You might also like