Professional Documents
Culture Documents
جوهر العقد
جوهر العقد
ملخص:
يعترب االلتزاـ اجلوىري العمود الفقري الذي على أساسو تكيف العبلقة العقدية ،فالقاضي إذا ما طرح عليو أي نزاع
يتعلق باتفاؽ األطراؼ ،وجب عليو ربديد االلتزامات اليت يولدىا ىذا االتفاؽ ،ومن خبلؿ ىذه االلتزامات ديكنو الوقوؼ
على ربديد الباعث الدافع للتعاقد ومن مث تكييف العبلقة العقدية تكييفا صحيحا ،وتبعا لذلك ربديد القواعد اليت تضبط
النزاع.
ويكوف عمل القاضي يف غاية البساطة إذا كاف موضوع النزاع أحد العقود ادلسماة ،ذلك أف ادلشرع أفرد ذلا
نصوصا خاصة ،وبُت أحكامها ،وحدد االلتزامات اليت تقع على عاتق كل متعاقد.
وعلى العكس من ذلك فإف القاضي جيد نفسو أحيانا أماـ عقود غَت مألوفة فرضها الواقع االقتصادي ،وىي غَت
منتظمة بنصوص خاصة ،ما يتوجب عليو يف ىذه احلالة فحصها فحصا دقيقا ،ومن مث ربديد االلتزامات ادلتولدة عنها
وترتيبها ترتيبا ىرميا ،حىت يسهل عليو فصل االلتزامات اجلوىرية عن االلتزامات الثانوية ،ليتوصل يف النهاية إىل تكييف
العبلقة العقدية تكييفا صحيحا ،وخيضعا للقواعد اليت تتواءـ معها.
كلمات مفتاحية :اإللتزاـ اجلوىري؛ جوىر العقد؛ اإللتزاـ األساسي؛ اإللتزاـ الرئيسي.
1143
Email :amordz02@gmail.com المؤلف المرسل :عمر عمر
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
Abstract:
The essential commitment is the backbone on which the contractual relationship
is adapted. If a dispute arises in relation to the agreement of the parties, the judge
must define the obligations that this agreement generates, and by these obligations he
can stand on the determination of the reason behind the contract, then properly adapt
the contractual relationship. And accordingly, determine the rules that control the
conflict.
The judge's work is very simple if the subject of the dispute is one of the named
contracts, because the legislator has assigned them specific texts, explained their
provisions and defined the obligations incumbent on each contracting party.
On the contrary, the judge sometimes finds himself faced with unknown contracts
imposed by economic reality, which are not organized by special texts, which in this
case he must carefully examine, then determine the obligations arising from them and
organize them. in a hierarchical order. so that it is easy for him to separate the
essential obligations from the secondary obligations, to finally lead to the correct
adaptation of the contractual relationship, subject to the rules which are compatible
therein.
Keywords :
Essential obligation, Essence of the contract, Principal obligation, Fundamental
obligation.
مقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدمة:
العقد آلية قانونية سبكن األفراد من إفراغ إرادهتم والتعبَت عنها على النحو الذي يتماشى ومصاحلهم ،وىو يعترب
أىم مصدر لبللتزاـ ،لذا أولتو معظم التشريعات بق واعد خاصة ،تنظم أحكامو وأثاره ،وجعلت منو الشريعة العامة اليت
جيب الرجوع إليها إذا نشأ أي نزاع بُت ادلتعاقدين ،ألنو يعترب كالقانوف بالنسبة إليهم ،وما على القاضي إذا طرح عليو
النزاع إال فحص االتفاؽ الذي يربطهم ،ومن مث تكييفو من أجل ربديد التزامات كل طرؼ.
وعم لية التكييف زبتلف باختبلؼ العبلقة العقدية اليت تربط األطراؼ فيما بينهم ،وىي تكوف أحيانا أمرا يف
غاية البساطة إذا تعلق األمر بأحد العقود ادلسماة اليت نظمها ادلشرع وأفردىا بأحكاـ خاصة ،فما على القاضي يف ىذه
احلالة إال تطبيق القواعد القانونية ادلوضوعة سلفا.
غَت أف األمر ليس هبذه البساطة دائما ،فالتطور االقتصادي يؤدي باستمرار إىل ظهور اتفاقات جديدة ،تتضمن
يف كثرب األحياف التزامات غَت مألوفة ،ما يصعب األمر على القاضي إذا طرح عليو النزاع ،فهو جيد نفسو من جهة رلربا
على الفصل فيو ،و جيد نفسو من جهة أخرى أماـ التزامات مل ينظمها ادلشرع ،ومها يكن األمر فإنو ملزـ بتكييف
العبلقة العقدية من أجل الوصوؿ إىل األحكاـ والقواعد اليت ينضبط هبا النزاع ،وال مناص لو يف ىذه احلالة إال الرجوع
إىل إرادة األطراؼ وفحصها فحصا دقيقا للوقوؼ على نيتهما ادلشًتكة ،سواء من خبلؿ األلفاظ ادلستعملة ،أو من خبلؿ
الظروؼ وادلبلبسات اليت ربيط بالعقد ،وتبعا لذلك حيدد االلتزامات اليت يرتبها العقد.1
1144
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
والوقوؼ على االلتزامات اليت يولدىا العقد ليس كافيا وحده لتحديد طبيعة ىذا األخَت ،إمنا جيب ترتيب ىذه
االلتزامات ترتيبا ىرميا ،ومن مث ربديد ما يعترب التزاما جوىريا ،وما يعترب التزاما ثانويا ،ألف االلتزاـ اجلوىري وحده ىو
الذي تتكيف بو العبلقة العقدية ،2ألنو يعترب الغاية اليت كاف يرمي إليها كبل ادلتعاقدين ،وىو الباعث الدافع للتعاقد.
غَت أف سبييز االلتزاـ اجلوىري عن االلتزاـ الثانوي ليس باألمر اذلُت ،بل ىو عمل مضن يبذؿ يف سبيلو القاضي
قصار جهده مستعينا بكل اآلليات اليت يتيحها القانوف ،بغية ربقيق العدالة العقدية ،ودقة ىذا ادلوضوع ذبعلنا نتساءؿ
عن كيفية الوقوؼ على جوىر العقد ،وعن األسس والقواعد اليت ينضبط هبا؟ .واإلجابة على ىذا السؤاؿ تكوف من
خبلؿ نقطتُت أساسيتُت ،تت علق األوؿ بتحديد ماىية االلتزاـ اجلوىري ( احملور األوؿ) واألخرى بتحديد أساس ىذا
االلتزاـ ( احملور الثاين).
المح ـ ـ ـور األول :ماىي ـ ـة االلت ـ ـزام الجـ ـ ـوىري
يعترب االلتزاـ اجلوىري من ادلسائل العقدية الدقيقة اليت مل تأخذ نصيبها من النقاش يف نطاؽ قانوف
العقود ،فالدراسات اليت تناولت ىذه اجلزئية تكاد تكوف نادرة ،ومل يتم تعريفو تعريفا دقيقا وواضحا ال من قبل الفقو وال
القضاء ،لذا فإننا سنحاوؿ الوقوؼ على أىم التعريفات اليت سيقت دبناسبة تعريف االلتزاـ اجلوىري (أوال) وربديد
ادلعايَت اليت ديكن من خبلذلا الوقوؼ على مفهوـ لبللتزاـ اجلوىري (ثانيا) .
أوال :المقصـ ــود بااللت ــزام الجـ ــوىري
يعترب مصطلح االلتزاـ اجلوىري من بُت ادلصطلحات األكثر إثارة واألقل ضبطا يف احلقل القانوين ،فالفقو
والقضاء مل يتوصبل بعد إىل وضع تعريف جامع مانع لو ،بل على العكس من ذلك ،فإف ىذه التعريفات ماضية يف
التوسع يوما بعد يوـ ،فأحيانا يتم حصر ىذا ادلصطلح يف تعريف يف غاية البساطة ،ويف أحايُت أخرى يتم التوسع يف
مفهومو إىل حد جيعلو يستوعب مفاىيم خارجة عنو.
ويعترب األستاذ Pothierمن بُت الفقهاء األوائل الذين حاولوا تعريف االلتزاـ اجلوىري ،فهو يرى فيو " ذلك
وزبخلُّفو قد يبطل العقد ،أو قد يدخلو يف نطاؽ
االلتزاـ الذي ال يتصور وجود العقد بدونو ،وىو الذي يعرب عن طبيعتو ،خ
عقد آخر".3
أما األستاذاف Prudhomme et Picardفيعرفا ف االلتزاـ اجلوىري بأنو " االلتزاـ الذي يكوف وجوده الزما
لنشأة العقد" وتوضيحا لذلك فهما يػخخرياف بأف االلتزاـ اجلوىري ليس لو إال وظيفة واحدة ،وىي حفظ التوازف
العقدي ،حبيث يكوف ىو السبب يف دفع كل متعاقد إىل إبراـ العقد ،وال خيفى أف ىذا التعريف خيلط بُت االلتزاـ اجلوىري
وسبب العقد ،بل وذىبا إىل أبعد من ذلك حبيث اعتربا أف االلتزاـ اجلوىري ال يعدو أف يكوف مفهوما متشعبا عن مفهوـ
السبب ،أي أنو ال يشكل مفهوما مستقبل بذاتو.4
أما األستاذة Nélia Cardoso-Roulotفهي ترى بأف االلتزاـ لكي يكوف جوىريا ال بد من أف يتصف
بثبلثة أوصاؼ؛ أف يكوف موضوعيا ،رلردا ومتعددا ،وىو يتحدد تبعا لطبيعة العقد بل ىو يشكل الطابع ادلوضوعي
1145
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
لو ،فهو مستقل عن إرادة ادلتعاقدين ،بل وحىت عن الظروؼ احمليطة بالعقد ،وخلصت يف النهاية إىل أف االلتزاـ اجلوىري
ىو ذلك "االلتزاـ الضروري لوجود العقد وتعريفو ،حبيث ال يتصور قياـ العقد أو تكييفو أو تصنيفو بدونو".5
وأعطى األستاذ Jestazتعريفا آخر ذلذا االلتزاـ ،6فهو يرى بأف االلتزامات األساسية تتبع طبيعة
األشياء،حبيث يتضمن كل عقد حبسب منفعتو االقتصادية احملضة ،التزاما ديثل لبنتو األساسية.7
أما األستاذ Flourوفريقو فقد عرفوا االلتزاـ اجلوىري بأنو " ذلك االلتزاـ الذي يتحكم يف العقد ،والذي
يشكل خصوصيتو اليت يتوخاىا ادلتعاقداف صراحة" ،وىذا التعريف يضفي على االلتزاـ اجلوىري صفتُت أساسيتُت ،فمن
جهة ىو الذي يكوف عليو مدار تكييف العقد ألنو " يتحكم فيو" ومن جهة أخرى ىو الباعث على التعاقد ألنو " ىو
الذي توخاه ادلتعاقداف".8
واألستاذ Laroumetيرى بأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يعترب جزء من جوىر العقد يف حد
ذاتو،ويػُبخػ نُت روح ىذا العقد ومعناه ،وزبلفو يؤدي إىل زبلف وصف العقد من أساسو" وىذا التعريف يقًتب من التعريف
الذي أورده األستاذاف ، Prudhomme et Picardحبيث خيلط بُت فكرة السبب ومفهوـ االلتزاـ اجلوىري.
ويرى األستاذ Tancelinبأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يسمو على كل االلتزامات األخرى ،وىو
الذي حيافظ على جوىر العقد " 9ويستخلص ضمنيا من ىذا التعريف أف العقد ليس لو إال التزاـ جوىري وحيد ،أو يف
صبيع األحواؿ ال يتحمل كل طرؼ يف العقد إال التزاما جوىريا واحدا.
وأخَتا فإف األستاذ Fréchetteيرى بأف االلتزاـ اجلوىري " ىو االلتزاـ الذي يضفي على العقد معناه،وبدونو
ال يكوف للرابطة العقدية أي منفعة بالنسبة لؤلطراؼ".10
ثانيا :معايي ـ ــر تحديـ ــد االلت ــزام الجـ ــوىري
يف دراستو القيمة عن االلتزاـ اجلوىري بعنواف "االلتزاـ واجلزاء :زلاولة للبحث عن تعريف االلتزاـ اجلوىري" قاـ
األستاذ Jestazبالتمييز بُت نوعُت من االلتزامات اجلوىرية ،االلتزاـ اجلوىري بطبيعتو وااللتزاـ اجلوىري الذي ربدده إرادة
الطرفُت ،وىذا يعٍت وجوب النظر إىل ىذا االلتزاـ دبعيارين سلتلفُت ،أحدمها موضوعي خارج عن إرادة األطراؼ ،واآلخر
ذايت خيضع ذلا ،11لذا وجب ربديد ادلقصود هبذين ادلعيارين ،وما إذا كانا يضمناف لبللتزاـ اجلوىري بعض االستقبللية ()I
ومن خبلؿ ذلك نقوـ بتمييزه عن ادلفاىيم ادلشاهبة ذلا ()II
-Iااللـ ــتزام الجوى ــري بين الذاتي ــة والموض ــوعية
لتحديد أو تعيُت االلتزاـ اجلوىري ،ىناؾ معياراف ديكن استخدامها :أحدمها موضوعي واآلخر شخصي .األوؿ
يتعلق بتحديد االلتزاـ اجلوىري بطبيعتو ،يف حُت أف الثاين يتعلق بتحديد ىذا االلتزاـ بناء على إرادة أطراؼ العقد ،ومن
أجل الوقوؼ على حقيقة كبل ادلعيارين ،سنقوـ يف البداية بعرض مضموهنما ( )1ومن مث ربليلهما دلعرفة ما إذا كانا
يشكبلف ثنائيا متكامبل ،أـ أف أحدمها لو األولوية على اآلخر(.)2
1146
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
-1عـ ـ ــرض الفك ـ ـ ـ ــرة
أ -االلتزام الجوىري بطبيعتو
أحيانا يكوف سهبل من الناحية الشكلية سبييز االلتزاـ اجلوىري عن باقي االلتزامات اليت يتضمنها
العقد ،وباألخص االلتزامات الثانوية ،ففي بعض احلاالت فإف العقد يأخذ تسميتو من ىذا االلتزاـ اجلوىري كما ىو احلاؿ
يف عقد الصيانة.12
ومن الناحية العملية فإف األمر خيتلف نوعا ما ،فقد درج القضاء عند زلاولتو وضع تفرقة نظرية بُت االلتزاـ
اجل وىري وااللتزاـ الثانوي ،على إعداد قائمة لبللتزامات اجلوىرية تتماشى وطبيعة كل عقد ،ففي عقد البيع مثبل االلتزاـ
اجلوىري للبائع ىو تسليم الشيء ،أي وضعو ربت تصرؼ ادلشًتي ،ويف ذلك يقوؿ األستاذ : BATTIFFOL
" التسليم ىو جوىر عقد البيع ،بغض النظر عن الطريق ة اليت يتم تنفيذه هبا ،فإننا ال ديكنا أف نتصور مشًت يتنازؿ هنائيا
عن استخداـ الشيء ...فالتسليم ىو الفعل احملدد لعملية البيع اليت سيظهر هبا العقد ".
ولتوضيح ىذا النقطة ،استدؿ األستاذ " " DELEBECQUEبقرار صادر عاـ 1977عن زلكمة
" 13" Aix-en-Provenceوذلك خبصوص قضية تتلخص وقائعها يف أف ميكانيكي بلجيكي كاف يقوـ باقتناء
السيارات احملظورة يف ىذا البلد ويوجهها باألجزاء الضرورية إىل مقاوؿ يف فرنسا ،ليقوـ بتصليحها وتسويقها ،واستمر
تنفيذ العقد دلدة طويلة ،وحصل وأف قاـ ىذا ادليكانيكي بإرساؿ سيارة غَت قابلة للتصليح بسبب العطب الكبَت الذي
حلق هبا،فرفض ادلتعاقد معو الفرنسي استبلمها ،فخػ ُرفع النزاع أماـ القضاء وبعد تعيُت خبَت ،خلص إىل أف عملية اإلصبلح
مكلفة ،ومن شأهنا أف ترفع قيمة السيارة عن ادلعتاد ما جيعل عملية بيعها أمرا يف غاية الصعوبة ،فرفضت احملكمة الدعوى
وأيدت الدفوعات اليت تقدـ هبا ادلقاوؿ الفرنسي وقضت بأنو "ال ديكن لوـ ادلقاوؿ الفرنسي على الرجوع يف االتفاؽ
التجاري الذي يربطو بادليكانيكي ،ورفضو دفع شبن السيارة ادلرسلة إليو ،ما دامت ىذه األخَتة يستحيل إعادة إصبلحها"
وتعليقا على ىذا احلكم يرى األستاذ DELEBECQUEأف " عجز السيارة عن السَت يعٍت أهنا أصبحت بدوف
فائدة ،وبذلك يكوف البائع قد أخل بالتزامو اجلوىري ،إذ يقع على عاتقو التزاـ جوىري بتسليم سيارة صاحلة للسَت ،وىذا
االلتزاـ ال ديكن إعفاؤه منو".
وتوالت بعدىا األحكاـ اليت تعترب أف االلتزاـ بالتسليم ىو االلتزاـ اجلوىري يف عقد البيع ،وإذا كانت ادلادة
1603من القانوف ادلدين الفرنسي تضع على عاتق البائع التزامُت أساسيُت ،أحدمها يتعلق بتسليم الشيء ادلبيع واآلخر
التزاـ بضماف ىذا الشيء ،فإف ىذا األخَت ليس إال التزاما مصاحبا للتسليم ،ويبقى االلتزاـ بالتسليم وحده ىو االلتزاـ
اجلوىري يف العقد ،لذا ال يستطيع األطراؼ استبعاده وال االتفاؽ على سلالفتو ،فهو التزاـ قانوين زلض.
ويكتسي عقد اإلجيار بعض الغموض بشأف ربديد التزامو اجلوىري ،ىذا الغموض ناتج عن اجتهاد زلكمة
النقض الفرنسية ،واليت تقرر بأف ادلؤجر غَت ملزـ بتمكُت ادلستأجر االنتفاع بالعُت ادلؤجرة انتفاعا ىادئا ،وىذا ما قررتو يف
أحد قراراهتا الصادرة سنة 1945حيث جاء فيو " التزاـ ادلؤجر بتمكُت ادلستأجر من االنتفاع بالعُت ادلؤجرة بصفة
ىادئة ،طيلة مدة العقد ال يعترب جوىر عقد اإلجيار " ،وتعليقا على ىذا القرار يرى بعض الفقهاء أف احملكمة بقوذلا أف
1147
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
" االلتزاـ بتمكُت ادلستأجر من االنتفاع ليس جوىر العقد " فهي ال تقصد ىنا إال االلتزاـ بصفة عامة ادلنصوص عليو
بادلادة 1709من القانوف ادلدين الفرنسي وليس األداء ادلتعلق باالنتفاع ادلنصوص عليو بادلادة 1719فقرة 3من
القانوف ادلدين الفرنسي.
واخلبلصة أف التزاـ ادلؤجر بضماف سبتع ادلستأجر بالعُت ادلؤجرة ىو االلتزاـ اجلوىري لعقد اإلجيار .وىذه
اخلبلصة صاحلة لكل العقود الواردة على حق االنتفاع ،لذلك صلد مثبل أف العقد الذي يتعلق باستئجار نظاـ إنذار مت
ربديد التزامو اجلوىري على ىذا النحو " وضع ربت تص رؼ العميل نظاما صاحلا للعمل وقادرا على توفَت اخلدمات اليت
يوفها مثل ىذا النظاـ".
ويزداد األمر صعوبة عندما يتعلق األمر باستئجار عربات القطار اليت تنقل البضائع ،أين يصعب ربديد االلتزاـ
اجلوىري ،ألنو جيب األخذ بعُت االعتبار طبيعة ىذه البضائع ،فإذا كانت البضائع ادلنقولة ال تتأثر بالتغَتات احلرارية وإمنا
تتطلب فقط درجة حرارة عادية ،فإف االلتزاـ اجلوىري للمؤجر ىو توفَت عربة قادرة على عزؿ البضائع عن العوامل
اخلارجية ونقلها بأماف.
أما إذا كانت ىذه البضائع شلا يتطلب نقلو على البارد ،فإف االلتزاـ اجلوىري للمؤجر ىو ليس فقط توفَت عربة
قادرة على العزؿ فقط ،وإمنا ال بد أف تكوف مزودة بنظاـ تربيد زيادة على ذلك.
ويف عقود ادلبلحة البحرية ،فإف االلتزاـ اجلوىري للناقل البحري يتجسد يف أف يضع صاحب القارب ربت
تصرؼ ادلستأجر قاربا يف حالة جيدة وصاحلا لئلحبار ،أي أف تتوفر فيو رلموعة من الشروط ادلتعلقة بعملية اإلحبار
وبعملية تنظيم الرحلة ،والشروط ادلتعلقة هبيكل القارب وقدرة استيعابو ومدى هتيئتو الستقباؿ البضائع.14
وال ديكن إهناء احلديث عن ىذا النوع من االلتزامات دوف احلديث عن االلتزاـ حبسن النية عند التعاقد الذي
يفرضو القضاء الفرنسي دبن اسبة كل العقود ،بل وحىت يف شبو العقود ،لكن يثور التساؤؿ ىنا عما إذا كاف ىذا االلتزاـ
ناذبا عن طبيعة العقد يف حد ذاتو أـ انو ناتج عن إرادة األطراؼ؟
لئلجابة على ىذا السؤاؿ ،ديكن القوؿ أف األطراؼ وبقبوذلم التعاقد يكونوف قد جعلوا ضمنيا من االلتزاـ
حبسن النية كالتزاـ جوىري ،فمبدأ حسن النية متأصل يف مفهوـ العقد بشكل عاـ.
وباإلضافة إىل ىذه األمثلة ،ىناؾ بعض االلتزامات الثانوية تكوف ضرورية للعقد ولكنها غَت كافية لتقرير
إبطالو ،كما ىو احلاؿ بالنسبة للبنود ادلتعلقة بادلسؤولية.
ومفهوـ االلتزاـ الثانوي مفهوـ نسيب نوعا ما ،خيتلف باختبلؼ العقد ،فما يعد ثانويا يف عقد ما ،قد يعترب
التزاما جوىريا يف عقد آخر ،فمثبل االلتزاـ باحلراسة يعترب التزاما ثانويا يف عقد ركن السيارات ،يف حُت يعترب التزاما جوىريا
يف عقد احلراسة ،ويف نفس السياؽ فاف االلتزاـ بالصيانة يعترب التزاما ملحقا يف عقد ركن السيارات يف حُت يعترب التزاما
جوىريا يف عقد التصليح.
وىناؾ التزامات تبعية بطبيعتها كما ىو احلاؿ بالنسبة لبللتزاـ بضماف العيوب اخلفية والظاىرة (ادلادة 1642
من القانوف ادلدين الفرنسي ) ،فااللتزاـ بضماف العيوب الظاىرة اليت وجدت يف عقد اإلجيار ربت اسم االلتزاـ بتسليم
1148
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
ادلساكن يف حالة جيدة ،منطقيا ال ديكن اعتباره التزاما جوىريا وينطبق احلكم نفسو على االلتزاـ بالصيانة خبلؿ عقد
اإلجيار الذي أشارت إليو زلكمة النقض إىل أنو " إذا كاف ادلؤجر ملتزما كأصل عاـ بصيانة العُت ادلؤجرة ...فبل ديكن
منعو من التحلل من ىذا االلتزاـ".15
وقد ظهرت مؤخرا التزامات ثانوية أخرى ،ديكن أف نذكر منها االلتزاـ بالنصيحة
(ادلصريف،ادلوثق،ادلهندس،طبيب ،ادلؤمن )...وااللتزاـ بالتعاوف يف رلاؿ اإلعبلـ اآليل ،االلتزاـ بالسبلمة ،االلتزاـ
بالتحذير،االلتزاـ بالنجاعة بالنسبة لوكاالت السياحة واألسفار ،وااللتزاـ باحليطة ( بالنسبة دلدارس تعليم
السياقة،ادلخيمات الصيفية ،) ...وكل ىذه االلتزامات وعلى الرغم من أهنا نشأت كالتزامات ثانوية ،إال أنو ديكن
حبسب الظروؼ وحبسب طبيعة العقد ،أف تتحوؿ إىل التزامات جوىرية.
وااللتزاـ الثانوي ما مل يكن متعلقا بوجود االلتزاـ اجلوىري يف حد ذاتو ،فإف عدـ الوفاء بو ليس من شأنو أف
يؤثر يف صحة العقد ،وىذا معناه أف االلتزاـ الثانوي إذا مل يكن مندرلا مع االلتزاـ األصلي فإف أثره يبقى زلدودا.16
ب -االلتـ ـ ــزام األسـ ــاسي ب ــإرادة الطـ ــرفين
ربتل نظرية سلطاف اإلرادة مكانة أ ساسية يف قانوف العقود ،فهي تعتمد على مبدأ الرضائية الذي يتجلى من
خبلؿ ادلظهر اخلارجي لئلرادة األطراؼ ،غَت أف ذلك يطرح صعوبة من الناحية العملية بشأف اإلرادة اليت جيب أف يعتد
هبا ،ىل ىي اإلرادة الباطنة (احلقيقية ) أـ اإلرادة الظاىرة ؟
ىذه ادلسألة وإف كانت قد أسالت الكثَت من احلرب يف وقت مضى ،فإهنا أصبحت بدوف معٌت يف الوقت
احلاضر ،فالقانوف الفرنسي بقي وفيا دلبدأ اإلرادة الباطنة ،واتفاؽ األطراؼ ال يكوف لو أي قيمة قانونية إال إذا كاف يعرب
حقيقة عن إرادة من أبرمو ،وىذا التعبَت قد يكوف صرحيا ،كما قد يكوف ضمنيا ،وتبعا لذلك فلهما إما أف حيددا االلتزاـ
اجلوىري صراحة ،كما ديكن أف يستخلص ذلك ضمنيا.
واإلرادة الظاىرة ىي اإلرادة ادلعرب عنها ،فهي جيب أف تتوافق مع اإلرادة احلقيقية ،واألطراؼ ليسو حباجة إىل
تكييف ىذا االلتزاـ أو ذاؾ على أساس أنو التزاـ جوىري ،فكل بند يتضمن اإلبقاء على ادلعٌت احلقيقي للعقد يعترب
التزاما جوىريا ،واألصل أف ربديد االلتزاـ اجلوىري يكوف باتفاؽ األطراؼ ،ومع ذلك ليس ىناؾ ما دينع من أف يتم
ربديده بإرادة طرؼ واحد فقط شريطة إعبلـ الطرؼ اآلخر.
ومن الناحية العملية فإف األطراؼ يقوموف بتحديد االلتزاـ اجلوىري عن طريق بند يف العقد ،وىذا األخَت
يستعمل إما لتسليط الضوء على االلتزاـ اجلوىري مثل اقًتاح ملحق للسعر ،أو لتعزيز التزاـ موجود أصبل يف العقد.
وىكذا ديكن أف نستخلص أنو كلما وضع األطراؼ بندا يف العقد هبدؼ التأكيد على التزاـ معُت (حىت ولو
كاف ثانويا) يف العقد كلما اعترب ىذا االلتزاـ جوىريا ،وتأكيدا لذلك صدر قرار عن زلكمة النقض الفرنسية يف 02
ديسمرب 1998حيث اعترب القضاة أف االلتزاـ بالرعاية الذي خصو ادلتعاقداف بشرط صريح يف العقد يعترب التزاما
جوىريا.17
1149
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
كما ديكن لؤلطراؼ أيضا أف يقوموا بتحديد االلتزاـ اجلوىري عن طريق إرادهتم الضمنية ويف ىذه احلالة يتم
استخبلص االلتزاـ اجلوىري من خبلؿ ما أراده األطراؼ عند إبرامهم للعقد ،فالقاضي ىنا يبحث عن النية ادلشًتكة
للمتعاقدين من خبلؿ الظروؼ وادلبلبسات احمليطة بالعقد.18
بقيت مسألة أخَتة تتعلق بكيفية التمييز بُت االلتزاـ اجلوى ري بطبيعتو ،وبُت االلتزاـ اجلوىري النابع عن إرادة
األطراؼ ،فادلسألة يف غاية الدقة ،وعلى العموـ ديكن القوؿ أننا نكوف أماـ التزاـ جوىري بطبيعتو إذا مل يكن أطراؼ
العقد حباجة إىل ربديده ،أي أف رلرد إبرامهم للعقد يوحي بأف ادلقصود ىو ربقيق ىذا االلتزاـ بعينو.
زلددا ضمنيًا أو صرحيًا ،فإف القاضي يركز على اإلرادة الفعلية لؤلطراؼ يف ربديد
وسواء أكاف ىذا االلتزاـ ً
االلتزاـ.19
-22التقيي ـ ـ ـ ــم
إف االلتزاـ اجلوىري الذي حددتو إرادة األطراؼ يثَت الكثَت من األسئلة ،فإذا كاف ديكن لؤلطراؼ أف حيددوا
بأنفسهم االلتزاـ اجلوى ري ،فهل يسمح ذلم بالقياـ بذلك على ىواىم؟ أـ أهنم ملزموف باحلفاظ على احلد األدىن للعقد؟
وىل ديكن تغيَت االلتزاـ اجلوىري أثناء سرياف العقد؟.
يصعب اإلجابة على ىذه األسئلة بدقة ،فإعماؿ مبدأ سلطاف اإلرادة جيعل ألطراؼ العقد احلرية ادلطلقة يف
تضمُت العقد ما شاؤوا من التزامات ،وتبعا لذلك فلهم كامل احلرية يف ربديد االلتزاـ اجلوىري يف العقد ،كما ذلم أف
يغَتوه مىت رأوا يف ذلك مصلحة ذلم.
ولكن من الناحية العملية فإف األمر سلتلف نوعا ما ،فإرادة األطراؼ تضعف كلما تعلق األمر بعقد متفق على
التزامو اجلوىري ( نقل ادللكية بالنسبة لعقد البيع مثبل) ،ألنو يف ىذه احلالة ال ديكن ادلساس هبذا االلتزاـ اجلوىري أو
تغيَته ،وإال تغَتت طبيعة العقد وتغَت تكييفو تبعا لذلك.
ويكوف لبللتزاـ اجلوىري صبغة ذاتية إذا مت ربديده من قبل األطراؼ ،غَت أف ىذه الصبغة تتبلشى بسرعة إذا
علمنا أف األطراؼ ملزم وف باحلافظ على جوىر العقد ككل ،وجوىر العقد يعٍت النظر إىل االلتزاـ اجلوىري بصفة
موضوعية ،فبالرغم من أف طريقة ربديد االلتزاـ اجلوىري كانت ذاتية يف البداية ،إال أف ىذه الذاتية سرعاف ما ربولت إىل
طريقة موضوعية فرضها جوىر العقد.20
وخبلصة القوؿ أف االلتزاـ اجلوى ري وإف كاف يصطبغ بصبغة ذاتية ،إال أف لو صبغة موضوعية أيضا جيب
أخذىا بعُت االعتبار ،وىذا ما يفسر تردد الفقهاء يف إجياد أساس ذلذا ادلفهوـ.
-IIتمييـ ــز االلت ــزام الجوى ــري عن غي ــره مـن االلت ـزامات
مثل أي التزاـ آخر ،قد يكوف االلتزاـ اجلوىري التزاما ب تحقيق نتيجة أو التزاما بوسيلة ،غَت أنو يقًتب أكثر من
االلتزاـ بتحقيق نتيجة ،وىذا التشابو ال يقتصر فقط على األثر ادلًتتب عن عدـ الوفاء بو ،حيث يكوف ذلك سببا لفسخ
العقد وادلطالبة بالتعويض.
1150
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
ودبا أف لؤلطراؼ احلرية الكاملة يف أف حيولوا االلتزاـ الثانوي إىل التزاـ جوىري ،فإف ذلم أيضا أف حيولوا االلتزاـ
بوسيلة إىل التزاـ بتحقيق نتيجة ،ذلك أف االلتزاـ بتحقيق نتيجة ليس موجودا يف كل العقود.
وااللتزاـ اجلوىري مثلو مثل االلتزاـ بتحقيق نتيجة ديكن أف خيتلط دبفاىيم أخرى كالعناصر اجلوىرية للعق ػػد
( )01وااللت ػ ػزاـ الرئيسي أو األس ػػاسي ( )02وااللتػ ػزاـ ادلمي ػػز( .)03
-21تميي ــزه ع ــن العناص ــر األساسي ــة للعقـ ــد
يعترب األستاذ كريستياف الفابر -Christian Lavabre-أوؿ من عاجل ىذه ادلسألة حيث الحظ أف رجاؿ
القانوف يعطوف العناصر األساسية للعقد نفس ادلعٌت الذي يعطونو لبللتزاـ اجلوىري ،أي أهنما يعرباف عن حقيقة
واحدة ،وىو يرى أف ىذا الطرح ال بد من أخذه بتحفظ ،ذلك أف االلتزاـ اجلوىري ىو " األداء الذي يضفي على العقد
خصوصيتو ،ودييزه عن باقي العقود ،فهو يشكل مركز ثقل الوظيفة االجتماعية واالقتصادية للعملية العقدية" يف حُت أف
العناصر األساسية للعقد فهي تشكل صبيع مكونات األداءات اليت تعطي للعقد خصوصيتو وتضمن يف نفس الوقت
فعالية العبلقة العقدية.21
فالعناصر العقدية موجودة منذ ادلرحلة السابقة على التعاقد ،أين يقوـ األطراؼ بالتفاوض وبكل حرية لبلتفاؽ
على ربديد النقاط األساسية للعقد ،وسيتم احلفاظ على ىذه العناصر كما اتفق عليها طيلة ادلرحلة ادلقبلة للعقد ،ويف
ىذه ادلرحلة ال ديكن احلديث عن االلتزاـ اجلوىري وإمنا فقط على العناصر األساسية للعقد ،وىذه األخَت تظهر جليا
عند تبادؿ اإلجياب والقبوؿ ،وديكن فهم ذلك بسهولة ألف اإلجياب ال يكوف ذا قيمة إذا مل يتضمن ما يشَت إىل ىذه
العناصر ،ويف حالة ما خبل منها ،فإنو يتحوؿ إىل مفاوضات ،واليت ال يعطي ذلا القانوف أي قيمة قانونية.22
واالتفاؽ على العناصر األساسية يكفي وحده إلبراز طبيعة العقد ،حىت يف حالة وجود خبلؼ حوؿ
االلتزامات الثانوية ،وىذا مقرر دبوجب ادلادة 1583من القانوف ادلدين الفرنسي خبصوص البيع" فالبيع يعترب تاما دبجر
االتفاؽ على الشيء ادلبيع وعلى الثمن " وهبذا اخلصوص صلد أف زلكمة االستئناؼ بفرساي أيضا قررت ىذا ادلبدأ يف
أحد القضايا ادلطروحة أمامها حيث قضت دبايلي " ال وجود ألي عقد بات وهنائي إذا مل يتم االتفاؽ على صبيع العناصر
األساسية للعقد خوخمتن طيلة مراحل التفاوض تقدًن اقًتاحات مقابلة أو احًتازات غَت صاحلة إلنشاء العقد ،وذلك حىت
إهناء العبلقة التعاقدية" وقد استندت احملكمة يف ذلك على أف العناصر اجلوىرية ىي اليت ربدد االلتزاـ اجلوىري للعقد
وىذا األخَت وحده من يؤثر يف عملية التكييف".
إف التمييز بُت االلتزاـ اجلوىري والعنصر اجلوىري للعقد أمر يف غاية الصعوبة ،لكن ما ذبب اإلشارة إليو أف
االلتزاـ اجلوىري يتضمن دائما إحساس ادلتعاقد بأنو مقيد ،ىذا اإلحساس متأصل يف االلتزاـ يف حد ذاتو ،وىناؾ دائما
جزاء مرت بط بعدـ احًتامو ،وال وجود ذلذا اإلحساس بالنسبة للعناصر اجلوىرية للعقد ،وبعبارة بسيطة إذا كاف تشكيل
العقد يتطلب وجود عناصر جوىرية ،فإف ىذه األخَتة قوامها وجود التزاـ جوىري.23
1151
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
وقد حدد ادلشرع الفرنسي العناصر اليت يعتربىا ضرورية يف عقود معينة ،فمثبل عبء استعادة بعض السلع
العينية ،يشكل عنصرا جوىريا يف عقد اإليداع ،والطابع التبعي للكفالة يعترب عنصرا جوىريا يف العقد الذي حيمل ىذا
االسم ،وأخَتا فإف زلرري اتفاقية روما ادلؤرخة يف 19جواف 1980يعتربوف أف األداء ادلميز للعقد ىو عنصر جوىري.24
وقد ساىم القضاء الفرنسي أيضا يف ربديد ادلقصود بالعناصر األساسية للعقد ،ولكن ليس بنفس الصيغة اليت
اعتمدىا ادلشرع ،فاحملاكم رباوؿ دائما ضبط التكييفات اليت تتوافق مع العناصر األساسية للعقد ،ما يسمح ذلا بتكييف
الوقائع والتصرفات زلل النزاع بعيدا عن إرادة األطراؼ.
وأخَتا ضلن نرى أف االلتزاـ اجلوىري والعناصر اجلوىرية للعقد مها عنصراف حيوياف يف العقد ،بدوهنما ال ديكن
للمرء أف يتحدث عن العقد.
-22االلتـ ــزام الجـ ــوىري وااللت ــزام األساس ــي أو الرئيس ــي
ظهر مفهوـ االلتزاـ األساسي من طرؼ زلكمة النقض الفرنسية دبناسبة القرار الصادر بتاريخ 02ديسمرب
1997حيث جاء فيو " أف شركة BRINK'Sقد أخلت بالتزاـ أساسي عندما مل تقم بتحذير مالكي ادلتجر بأهنا ال
تقوـ بادلراقبة على الوجو ادلنصوص عليو يف العقد " ويف تعليقها على ىذا القرار فإف السيدة BRITONميزت بُت
االلتزامات اجلوىرية وااللتزامات األساسية ،وحسبها فإف واجب ربذير مالكي ادلتجر ال يشكل االلتزاـ اجلوىري لعقد
احلراسة عن بعد إمنا يعترب التزاما أساسيا.
غَت أف ىذا التحليل ال يبدو مبلئما ،ألنو من الناحية العملية ال توجد حاجة للتمييز بُت االلتزامُت ،وكاف
األسهل واألكثر منطقية اعتبار ىذا االلتزاـ يف ىاتو احلالة التزاما ثانويا يكمل االلتزاـ اجلوىري ويذوب فيو ،وخيضع يف
النهاية لنفس نظامو القانوين.
فمن غَت احلكمة القياـ بالتمييز بُت االلتزامُت يف الوقت الذي ال تقوـ فيو النصوص القانونية دبثل ىذا
التمييز،لذا صلد أف االذباه احلديث حملكمة النقض الفرنسية يقضي بأف االلتزاـ األساسي ىو تسمية أخرى لبللتزاـ
اجلوىري ،وىذا ما نادى بو األستاذ مازو عندما علق على نفس القرار " :الغرفة ادلدنية األوىل تستعمل مصطلح أساسي
للداللة على االلتزاـ الذي مل يتم الوفاء بو وإلغاء البند ادلتنازع عليو ،وبالرغم من تغَت ادلصطلح إال أف لو معٌت واحد
25
بالنسبة لبلجتهاد القضائي".
وىنا جيب التنويو إىل أف االلتزاـ األساسي ىو التسمية اليت تطلقها بعض التشريعات ادلقارنة على االلتزاـ
اجلوىري ،كما ىو احلاؿ بالنسبة للتشريع األدلاين والبلجيكي وااليطايل.
أما بالنسبة للعبلقة بُت االلتزاـ األساسي وااللتزاـ اجلوىري جيب اإلشارة إىل أف االلتزاـ ديكن أف يكوف أساسيا
دوف أف يكوف جوىريا ،أي ديكن اللتزاـ رئيسي أف يسهم يف تكييف العقد دوف أف يكوف جوىرا لو ،وىذا ما دييزه عن
االلتزاـ الثانوي ،فهو يقع يف مرتبة أعلى منو حىت وإف كاف يقًتب منو أحيانا ،خاصة دلا تكوف االلتزامات األساسية زلبل
للشروط ادلتعلقة بتعديل ادلسؤولية.26
1152
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
وتبعا لذلك ديكن القوؿ أف العقد منظم على النحو التايل :االلتزامات اجلوىرية مث االلتزامات األساسية مث
االلتزامات الثانوية ،وىذا االستنتاج نابع من تفسَت ادلادة 1603من القانوف ادلدين الفرنسي واليت تنص على أف البائع
يقع على عاتقو التزاماف رئيسياف ،يف حُت يرى الفقو أف االلتزاـ بالتسليم ىو االلتزاـ اجلوىري للبيع.
ويبدو لنا أف التمييز بُت االلتزاـ اجلوىري وااللتزاـ الرئيسي ىو يف الواقع أمر غامض أو على األقل ليس ذا أمهية
صحيحا على
ً كبَتة من الناحية العملية ،ألف االلتزاـ ال ديكن أف يكوف جوىريا إال إذا كاف أساسيا ،لكن العكس ليس
األقل يف عقود اإلجيار والبيع.
معقدا ،يؤدي إىل إنشاء فئة وسطى بُت
عبلوة على ذلك ،فإف ىذا التمييز جيعل ربديد االلتزاـ اجلوىري أمرا ً
التقسيم التقليدي لبللتزاـ ( االلتزاـ جوىري وااللتزاـ الثانوي) ،ىذه الفئة ليست ال جوىرية وال ثانوية ،وىذا ما حذا
ببعض الفقهاء إىل القوؿ بأف االلتزاـ األساسي ما ىو يف النهاية إال التزاـ جوىري ويف ىذا الصدد تقوؿ األستاذة "
" glavanisااللتزاـ يقسم كاأليت :التزاـ جوىري أو رئيسي و التزاـ ملحق أو ثانوي"
ولكن ىناؾ أستاذ آخر يرى بأف الفرؽ بُت االلتزاـ اجلوىري وااللتزاـ األساسي يكمن يف نطاؽ كل
منهما ،فنطاؽ االلتزامات األساسية أو سع من نطاؽ االلتزامات اجلوىرية ،غَت أنو مل يقدـ شرحا لذلك ،ومل يستدؿ على
ذلك بأي أمثلة واكتفى فقط ببسط سلتلف االلتزامات اجلوىرية اليت تتضمنها العقود.27
يف النهاية ،ليست ىناؾ حاجة للتمييز بُت ىاذين ادلفهومُت ،ويكفي القوؿ ببساطة إف االلتزامات اجلوىرية
ادلشار إليها يف ادلادة 1603من القانوف ادلدين الفرنسي ادلتعلقة بالبيع والفقرة 1من 1720من نفس القانوف فيما يتعلق
باإلجيار ىي رلرد التزامات زلددة متأصلة يف طبيعة ىذه العقود.
-23االلتـ ـزام الجوىـ ــري و االلتـ ـزام المميـ ــز:
تعترب مسألة ربديد القانوف الواجب التطبيق على العقد من ادلسائل اليت أخذت حيزا كبَتا يف نطاؽ القانوف
الدويل اخلاص ،وقد اعتمد الفقهاء يف ذلك على القاعدة التالية " :إذا تضمن العقد عدة التزامات ،أو نص على عدة
أماكن للتنفيذ ،فإنو يكوف خاضعا لقانوف ادلكاف الذي ينفذ فيو التزامو األساسي ادلميز لطبيعتو القانونية اخلالصة"
يف عاـ ، 1938قاـ العميد باتيفوؿ بتنظيم نظرية االلتزاـ ادلميز يف القانوف الدويل اخلاص ،واستند على ىذا
ادلفهوـ نفسو ،يف نظريتو اخل اصة بالتوطُت ،وبالنسبة لو فإف قاعدة التنازع يف رلاؿ العقود الدولية تتجلى يف قانوف
اإلرادة ،ومن ىذا ادلنطلق فإف أطراؼ العقد ال يقوموف بتحديد القانوف الواجب التطبيق على العقد ،وإمنا يقوموف بتحديد
موقع ادلعاملة بالضبط ،وىذا التحديد يتم انطبلقا من الوظيفة االقتصادية للعقد ،وىو يعٌت بالكشف عن العنصر األكثر
أمهية يف العقد ،ويف حالة غياب أي عنصر واضح ،يتم االعتماد على االلتزاـ اجلوىري أو الرئيسي لتحديد موطن
العقد ،وعندىا يكوف العقد خاضعا لقانوف مكاف تنفيذ االلتزاـ الرئيسي أو اجلوىري ،فهذا القانوف ىو الذي يعترب أف لو
أكرب صلة بالعقد.28
ال يعطي األستاذ باتيفوؿ تعريفا لبللتزاـ ادلميز ،لكنو حيدده بناء على التمييز بُت أنواع العقود ادلختلفة ،فعلى
سبيل ادلثاؿ ،فيما يتعلق بعقد البيع ،يرى أف األداء ادلميز ىو "الذي يٌستخحق من أجلو ادلبلغ الذي يدفعو أحد
1153
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
الطرفُت"،ويف عقد النقل يرى بأف القانوف الواجب التطبيق ىو قانوف ادلكاف الذي يتم فيو التسليم والذي ىو غاية النقل
يف حد ذاتو.
بعدىا قاـ السيد بوؿ الغارد -Paul Lagarde -بإعطاء تعريف حقيقي لبللتزاـ ادلميز حيث عرفو بأنو
"األداء الذي دينح العقد خاصيتو اليت سبيزه عن بقية العقود ،والذي يشكل مركز الثقل والوظيفة االجتماعية-االقتصادية
لبللتزاـ التعاقدي".
وحيقق مبدأ األداءات ادلميزة العديد من الفوائد يف رلاؿ االلتزامات التعاقدية ،فحسب األستاذ شنيتزر والذي
يقًتح ربديد موطن العقد حبسب وظيفتو يف احلياة االقتصادية ،وقاعدة األداءات ادلميزة " ...ىي سليمة وسهلة ادلتابعة
وسبنح النتائج األكثر عمليا ".
ويف الواقع فإف ىذا ادلبدأ يشتمل على حل عضوي ،فبدال من البدء بالعناصر اخلارجية أو العرضية للعقد ،فإنو
ينطلق من الوظيفة االقتصادية لو لتحديد القانوف الواجب التطبيق.
وىذه الفائدة العملية لؤلداء ادلميز أدت إىل اعتماد ىذا ادلفهوـ يف العديد من التطبيقات يف القوانُت الداخلية
( الفرنسي والسويسري) وحىت يف قوانُت اجملتمع الدويل (اتفاقية الىاي يف 15جواف 1955ادلتعلقة بالقانوف الواجب
التطبيق على البيع الدويل للمنقوالت ،واتفاقية الىاي يف 14مارس 1978ادلتعلقة بالقانوف الواجب التطبيق على عقود
الوساطة والنيابة).
ويف ىذا السياؽ صلد اتفاقية روما يف 19جواف 1980ادلتعلقة بالقانوف الواجب التطبيق على االلتزامات
التعاقدية ،تنص يف الفقرة الثانية من ادلادة الرابعة على أنو يف حالة انتفاء اخليار فإف القانوف الواجب التطبيق على
االلتزامات ىو قانوف البلد الذي يكوف ادلتعاقد ملزما فيو بتقدًن األداء ادلميز أثناء إبراـ العقدػ باعتباره البلد األكثر ارتباطا
هبذا األخَت ،ويتحدد ىذا ادلكاف بالنسبة للشخص الطبيعي دبحل إقامتو ،أما إذا تعلق األمر بشركة أو صبعية أو أي
29
وعلى الرغم من ذلك فإف ىذه االتفاقية ال تبُت شخص معنوي آخر فإف ىذا ادلكاف يتحدد دبقر إدارتو ادلركزية"
ادلقصود هبذه باألداءات ادلميزة.
إف مفهوـ األداء ادلميز يعترب عنصرا مهما يف أنظمة تنازع القوانُت ،اليت سبتاز دبرونة قواعد إسنادىا ،فمثبل يف
القوانُت األ صللوسكسونية وباألخص يف النظاـ اإلصلليزي فإف قاعدة " قانوف العقد ادلبلئم" تقضي بأف القانوف الواجب
التطبيق ،ىو القانوف األكثر ارتباطا بالعقد ،ويفسر الفقهاء ذلك بأف ادلقصود ىنا بالقانوف ىو قانوف مكاف االلتزاـ
الرئيسي للعقد.
أيضا ،تعتمد صبلحية العقد على القانوف الداخلي للدولة اليت يكوف للعقد "معظم ويف الواليات ادلتحدة ً
الصلة" هبا ،و قد يكوف ىذا الق انوف ىو القانوف الذي يتم اختياره من قبل األطراؼ ،ويف حالة عدـ اختيارىم ،يتم
االعتماد على معايَت أخرى لتحديد القانوف الواجب التطبيق ،من بينها مكاف تنفيذ االلتزاـ اجلوىري للعقد.
1154
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
ويعًتي مفهوـ األداء اجلوىري يف رلاؿ تنازع القوانُت قصورا كبَتا ،فمثبل يف عقود القرض وادلقايضة ،يكوف
ربديد مفهومها يف غاية الصعوبة ،فجل األداءات اليت تتضمنها ىذه العقود ىي أداءات جوىرية ،ولتحديد القانوف
الواجب التطبيق يف ىذه احلالة يتم اللجوء إىل عناصر إسناد أخرى.
ومفهوـ األداء ادلميز ديتد أيضا إىل ميداف تنازع االختصاص القضائي ،حيث تقضي القاعدة العامة بأف
احملكمة ادلختصة ىي زلكمة موطن ادلدعى عليو ،ولكن يف اجملاؿ التعاقدي فإف زلكمة مكاف تنفيذ العقد ىي
ادلختصة،ويف ىذه احلالة فإف العنصر احملدد لبلختصاص يكمن يف األداء ادلميز ،وىذا ىو ادلنطق الذي أُعتمد دبناسبة
تفسَت ادلادة 1-5من اتفاقية بروكسل 1يف 27ديسمرب 1968ادلتعلقة باالختصاص القضائي وتنفيذ القرارات ادلدنية
والتجارية ،ىذا النص يتضمن أنو بغض النظر عن زلل إقامة ادلدعى عليو ،فإف احملكمة ادلختصة ىي زلكمة مكاف تنفيذ
االلتزاـ أو زلكمة ادلكاف الذي جيب أف ينفذ فيو ىذا االلتزاـ ،وذىب جانب من الفقو إىل أف ادلقصود بااللتزاـ ىنا ىو
االلتزاـ اجلوىري ،حىت وإف كانت احملكمة األوربية مل تنظر اليو هبذا الوصف.30
أما البلئحة رقم 2001/44ادلؤرخة يف 22ديسمرب 2000بشأف االختصاص القضائي واالعًتاؼ
باألحكاـ يف ادلسائل ادلدنية والتجارية وتنفيذىا ،فهي تنص وبطريق أكثر وضوحا من اتفاقية بروكسل Iبأف احملكمة
ادلختصة يف اجملاؿ التعاقدي ىي زلكمة مكاف تنفيذ االلتزاـ الذي يقوـ عليو الطلب ،أو ادلكاف الذي جيب أف ينفذ فيو
ىذا االلتزاـ ،وىذا البياف من شأنو أف يكوف زلبل لتفسَتين سلتلفُت؛ فإما أف يعترب االلتزاـ الذي يقوـ عليو الطلب دبثابة
التزاـ جوىري ،وإما أف يقضي على مفهوـ االلتزاـ اجلوىري من أساسو يف رلاؿ تنازع االختصاص ،ألف أي التزاـ ثانوي
ديكن أف يكوف زلل طلب أماـ القضاء.31
المحور الثاني -أسـ ــاس االلتـ ــزام الجوىـ ـ ــري
مفهوما أصليًا بادلعٌت احلقيقي
ً يرى األستاذ " : Delebecqueإف مفهوـ االلتزاـ اجلوىري للعقد ليس
للمصطلح؛ وىو ليس تصورا جديدا يف اجملاؿ التعاقدي ،خك ًونخوُ الفقهاء لئلجابة على مشاكل معينة ،وإمنا ىو امتداد
لتقنيات سابقة مت تنقيحها لتذليل عدد معُت من الصعوبات".32
ومن بُت ىذه التقنيات ادلوجودة مسبقاً سبب العقد وزلل العقد ،الذي تستخدمو زلكمة النقض الفرنسية
لتحديد مفهوـ االلتزاـ اجلوىري.
احملل والسبب عنصراف مًتابطاف بشكل وثيق يف العقد ،ومها قريباف جدا من بعضهما البعض لدرجة أف بعض
مفهوما واحدا ،على عكس القانوف الفرنسي الذي حافظ على ىذاً القوانُت األجنبية كالقانوف األدلاين ،جعلت منهما
التمييز مع إعطاء ركن السبب بعض األولوية بصفتو مفهوما حيويا ،وىذا ما جيعلنا نتساءؿ عن أيهما أصلع كأساس
لبللتزاـ اجلوىري السبب أـ احملل ؟
1155
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
-Iمح ـ ــل العقـ ــد كأسـ ــاس لاللت ــزام الجوىـ ــري
نظم القانوف الفرنسي نظرية زلل العقد بشكل صارـ وجامد ،على عكس نظرية السبب اليت سبتاز دبرونة
كبَتة،والقانوف ادلدين الفرنسي ( قبل التعديل ) يفرؽ بُت زلل العقد ادلنظم دبوجب ادلادة 1129وزلل االلتزاـ ادلنظم
دبوجب ادلادة ،1110وصلد الفقو يذىب أبعد من ذلك حبيث يضيف نوعا آخر للمحل وىو زلل األداء.33
فمحل العقد ىو رلموعة االلتزامات اليت ينشأ عنها العقد ،وزلل االلتزاـ ىو ما يتعُت على ادلدين الوفاء بو (منح
شي،القياـ بعمل أو عدـ القياـ بعمل) أو األداءات اليت زبتلف وفقاً لئلرادة طبقا للمواد 1101و 1126من
القانوف ادلدين ،أما زلل األداء فهو الشيء موضوع األداء ،ديكن أف يكوف ملموسا أو غَت ملموس ؛ ماديا أو غَت مادي.
يرى العديد من ادلؤلفُت ادلعاصرين أف زلل العقد ىو اذلدؼ القانوين لؤلطراؼ ،والعملية اليت يسعوف إىل
ربقيقها ،أي زلل االلتزاـ اجلوىري للعقد وادلميز لو.34
وشلا ال شك فيو أف ىذا ادلفهوـ حملل العقد مرتبط ارتباطاً وثيقاً دبفهوـ االلتزاـ اجلوىري ،وىذا يعٍت ضمناً أف
زلل العقد ال يعترب فقط احملتوى األساسي للعقد وإمنا انعكاساً أيضاً دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري ( ،)2لكن وفق النظرية
التقليدية فإف "زلل العقد" ينظر إليو على أساس أنو "مضموف العقد" ()1
-1المحـ ــل كمضمـ ـ ــون للعق ــد
يعترب زلل العقد ىو مضموف العقد يف الفقو الكبلسيكي ،فمحل العقد ىو صبيع العناصر ادلتعلقة بإنشاء العقد
وتنفيذه واليت تساىم صبيعها ،كل من جانبو ،يف تنفيذ العمل ادلتوخى من قبل الطرفُت ،ىذه احلقيقة مت تسليط الضوء
عليها منذ القرف الثامن عشر من قبل Pothierالذي قسم زلتوى العقد إىل "ثبلثة أشياء سلتلفة" ،يأيت يف مقدمتها
" اجلوىرية " " " essentialiaوىذا يعٍت العناصر اليت ىي جوىر العقد ،وحسبو فإف ىذه ىي األشياء "اليت بدوهنا ال
ديكن للعقد البقاء أو االستمرار" وزبلف أحد ىذه األشياء أو عدـ وجوده من شأنو أف يعدـ العقد أو يغَت من طبيعتو.
سعرا (شراء) .ذلذا
ويضرب على ذلك مثاال بعقد البيع ،فإف جوىر ىذا العقد وجود شيء ما للبيع وأف ىناؾ ً
موجودا ،فلن يكوف ىناؾ عقد ،وال ديكن أف يكوف ىناؾ عقد بيع بدوف
ً السبب إذا باع شخص ما شيئًا يعلم أنو مل يعد
شيء مت بيعو ،و إذا مت نقل شيء إىل طرؼ ثالث دوف شبن ،فاحلديث يكوف عن اذلبة أو التربع ،ال عن البيع ،فعدـ
وجود واحد من تلك األشياء اليت ىي جوىر العقد حيوؿ دوف وجود عقد البيع من أساسو.
مث تليها األشياء الطبيعية " "naturaliaأي العناصر اليت تُستخ خمد من طبيعة العقد دوف أف تكوف جوىرا لو،ىذه
األشياء ىي جزء من العقد ولو مل يقم األطراؼ بتبياهنا ،بل حىت ولو كانت مبهمة بالنسبة ذلم ،وىي زبتلف عن
" " essentialiaيف أف "العقد ديكن أف يقوـ بدوهنا ،وأهنا ديكن استبعادىا من العقد وفقا إلرادة الطرفُت ".ىذه
العناصر تشكل نطاؽ تطبيق الشروط ادلعدلة للمسؤولية.
أخَتاً ،ىناؾ األشياء العرضية " "accidentallyىذه العناصر ،ليست ال ناذبة عن جوىر العقد وال ىي من
ض ًمن يف العقد دبوجب بنود خاصة.35
طبيعتو ،وىي تٌ خ
1156
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
وفائدة ىذا التمييز يكمن أف بعض ىذه العناصر تعترب متأصلة يف العقد وال ديكن فصلها ،يف حُت أف البعض
اآلخر ديكن فصلو بسهولة وال سيما عن طريق إعماؿ إرادة الطرفُت ،ومن جهة أخرى فإف االلتزاـ اجلوىري ديكن حصره
يف الفئة األوىل فقط ،وىذا يعٍت أف مفهوـ االلتزاـ اجلوىري ديكن تفسَته من خبلؿ نظرية زلل العقد ،وذلذا السبب غالباً
ما يفهم زلل العقد على أنو احملتوى األساسي أو اجلوىري للعقد.
-02االلت ـ ــزام الج ــوىري انعك ــاس لنظ ـرية محــل العقد
صاحب ىذه الفكرة ىو األستاذ -Delebecque -حيث يفسر االلتزاـ اجلوىري من خبلؿ مفهوـ زلل
العقد ،ويف ىذه احلالة ال يعترب زلل العقد رلرد مضموف بسيط للعقد ،ولكنو يعترب احملتوى اجلوىري واألساسي
للعقد ،ويكوف بذلك قد أورد تعريفا جديدا حملل العقد مفاده " زلل العقد يعٍت األداء الذي تتدخل إرادة األطراؼ من
أجلو ،والذي تدور حولو ادلنفعة االقتصادية للعقد ،فعندما يربـ العقد يصبح ىذا األداء زلبل اللتزاـ ما ،ويكوف ىذا
األداء ىو العنصر الذي إذ ا فقد ال ديكن لؤلطراؼ أف يفكروا يف إبراـ العقد أصبل ،وكانت كل االلتزامات األخرى متولدة
عنو ،بشكل ديكن معو أف ديتص كامل ادلنفعة االقتصادية للعقد فإنو يعترب زلبل للعقد بأمت معٌت الكلمة.36
ىذا التعريف من شأنو تسليط الضوء أكثر على زلل العقد ،فهو يساعد على خلق ذبديد للنظرية اليت كانت
حىت وقت قريب تعتربه رلرد مضموف للعقد ،ووفقا ذلذا التصور اجلديد نبلحظ أف موضوع العقد يتكوف فقط من
" ،"essentialiaوىي ،زبتلف بذلك عن الًتكيبة الثبلثية اليت أنشأىا –Pothier-فيما يتعلق دبضموف العقد،وحسب
منطق االستاذ Delebecqueيتساوى زلل العقد مع االلتزاـ اجلوىري.
ويف قرار صادر يف 2ديسمرب ،1997أيدت زلكمة النقض الفرنسية ىذا الطرح نوعا ما عندما ربدثت عن
جوىر العقد ،ىذا األخَت حييل دبا ال يدع رلاال للشك على مفهوـ احملل أحسن من إحالتو على مفهوـ السبب.
وواضح أف زلل العقد ديكن أف يكوف انعكاسا دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري خاصة إذا أخذنا بعُت االعتبار أف
احملل يشَت إىل اجلوانب الكمية للعقد وأف ىذه اجلوانب تكتسي أمهية كبَتة عندما نريد تقييم االلتزاـ اجلوىري ،ولكن ىل
ديكن أف يعترب زلل العقد كأساس ثابت دلفهوـ االلتزاـ اجلوىري؟
واإلجابة على ىذا التس اؤؿ تكوف بالنفي ،فمفهوـ زلل العقد غامض جدا ،حبيث ال ديكن معو ربديد مىت
ديكن إلغاء العقد بسبب عدـ الوفاء بااللتزاـ اجلوىري ،ىذا باإلضافة إىل أف اإلنزاؿ الكبَت لبللتزامات اجلديدة يف اجملاؿ
العقدي ،من شأنو أف يوسع من نطاؽ مفهوـ زلل العقد ،ما جيعل من االعتماد على مفهوـ ىذا األخَت كأساس دقيق
لبللتزاـ اجلوىري زلل نظر.
ف على باؿ األستاذ - Delebecque-والذي الحظ بأف مفهوـ زلل العقد قد مت مد وىذا الطرح مل خيخ خ
.
نطاقو إىل أبعد احلدود من قبل القضاء ،حبيث أضاؼ التزامات ثانوية كااللتزاـ بالسبلمة إىل ادلضموف اإلجباري للعقد
ونتيجة ذلذا القصور الذي يعًتي مفهوـ زلل العقد كأساس لبللتزاـ اجلوىري يرى األستاذ
- Delebecque-أف عيوب زلل العقد تكشف بأف السبب ىو الوحيد القادر على ذبميع كل األفكار اليت يتضمنها
مصطلح االلتزاـ اجلوىري.
1157
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
–IIسبـ ــب العقـ ــد كأسـ ــاس لاللتـ ــزام الجوىـ ــري
نظرية سبب العقد جد معقدة ،فمضموهنا تأثر بعاملُت اثنُت ،التطور ادلستمر للقواعد ادلنظمة للعقود من
جهة،وبادلمارسة العملية من جهة أخرى ،فسبب العقد لو مفهوـ تارخيي وآخر وظيفي .
وتاريخ سبب العقد يرجع إىل احلقبة اليت سبقت إعداد القانوف ادلدين الفرنسي ،فهذا ادلفهوـ كاف معروفا يف
ظل القانوف الروماين والقانوف الكنسي ،وبعد صدور القانوف ادلدين الفرنسي ،مر مفهوـ السبب بثبلث مراحل أساسية:37
ادلرحلة األوىل واستمرت خبلؿ القرف العشرين ،وكاف ينظر إىل سبب العقد بصفة رلردة وجيعل من الًتاضي
ادلصدر الوحيد للعقد ،وكاف السبب ىنا يقابل زلل العقد ،وكاف األستاذ دوما متصدر ىذا الرأي.38
أما ادلرحلة الثانية فهي تبدأ أواخر القرف العشرين ،حيث ظهر ما يعرؼ خبصوـ السببية وتزعم ىذا الفريق الفقيو
ببلنيوؿ ،وكاف يرى بأف نظرية السبب تارخييا ومنطقيا خاطئة وعددية اجلدوى ،فهي تدور يف حلق مفرغة.
لتأيت بعدىا ادلرحلة األخَتة ،حيث أعيد لنظرية السبب اعتبارىا ،حبيث أصبح السبب ال ينظر اليو بصفة
رلردة ،وإمنا أصبح يعترب وسيلة للحد من بعض التعسفات يف اجملاؿ التعاقدي ،بل أكثر من ذلك أصبح السبب ىو
الضامن للحرية العقدية.39
يف ىذا اإلطار سنقوـ بعرض سلتلف التحليبلت اليت قيلت خبصوص السبب ( )1ومن مث تقييم ما إذا كانت
نظرية السبب تصلح لتكوف أساسا اللتزاـ اجلوىري ( )2
-1عـ ــرض نظ ـ ـرية السبـ ــب
ىناؾ العديد من التحليبلت اليت قيلت بشأف السبب ولكن تركيبا بسيطا ذلذه التحليبلت من شأنو أف خيتصر
ادلسألة يف اذباىُت رئيسيُت:
أ -التحليل األحادي :ويتزعم ىذا االذباه العميد كابيتاف ،وىو ينظر إىل السبب من زاويتُت:
-السبب ىو عنصر مبلزـ للعقد وىو ذو طبيعة موضوعية ،فهو ديثل حتما النظَت ادلقابل لبللتزاـ ،ففي العقد ادللزـ
جلانبُت (أين يكوف كل طرؼ يف العقد دائنا ومدينا يف نفس الوقت) ،سبب التزاـ كل متعاقد متضمن يف الوفاء بااللتزاـ
ملزما بدفع الثمن ،فذلك ألنو يتوقع من البائع تسليم الشيء لو ،والعكس
ادلقابل ،ففي عقد البيع مثبل إذا كاف ادلشًتي ً
من ذلك ،إذا تعهد البائع بتسليم الشيء ،فذلك ألف يتوقع من ادلشًتي أف يدفع الثمن ،فباختصار ،يكمن سبب التزاـ
كل طرؼ يف وجود أداء والتزاـ من جانب الطرؼ اآلخر ،فهناؾ ترابط بُت االلتزامات يضمن توازف العقد ،ويف حالة
فقداف أي من االلتزامات فإف التوازف خيتل وينقضي العقد بذلك.
وعلى ىذا فإف السبب يفًتض أنو ال وجود دلتعاقد يلتزـ بدوف مقابل ،وىذا التحليل حيتل مكانة أساسية يف بعض قرارات
.
زلكمة النقض.
1158
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
-أف يتضمن السبب بعض الدوافع اليت ديكن تكييفها على أهنا زلددات ذات صبغة ذاتية ،مشًتكة بُت أطراؼ
العقد ،والدافع احملدد ىو الذي ال ديكن ازباذ القرار بدونو ،وحسب كابيتاف فاف الدافع ال يعترب زلددا إال إذا كاف مشًتكا
بُت األطراؼ ،وال يعٍت ذلك أف يعربا عنو يف آف واحد ،بل يكفي أف يُعلم أحدىم الطرؼ اآلخر هبذا الدافع.
وال خيفى أف التحليل األحادي قاصر ،ألنو ال يأخذ بعُت االعتبار صبيع ادلفاىيم الدقيقة دلفهوـ السبب لذا مت العزوؼ
عنو.40
ب -التحلي ـ ـ ـل الثنـ ــائي
ويستند ىذا التحليل على سلتلف الوظائف اليت يلعبها السبب ،وتبعا لذلك فإف مضمونو خيتلف باختبلؼ
الوظيفة اليت يؤديها ،والتأكد من وجوده يتم بطريقة موضوعية رلردة ،ويؤدي غيابو كليا إىل بطبلف العقد.
ويف السنوات األخَت مت التوسع يف مفهوـ السبب إىل احلد الذي جعلو يذوب يف الغاية االقتصادية
للعقد ،وأصبح غياب ىذه الغاية ىو الذي يؤدي إىل بطبلف العقد ،على أف غياهبا ليس معناه عدـ وجود مقابل مادي
لبللتزاـ،وإمنا فقط تغيب ادلصلحة اليت يتوخاىا األطراؼ من تنفيذ العقد.
ىاتو الغاية االقتصادية مت استعماذلا من قبل زل كمة النقض دبناسبة قرار يتعلق بإلغاء عقد إجيار أشرطة فيديو
سلصصة لبلستغبلؿ التجاري بسبب " غياب ادلقابل احلقيقي" والذي ثبت من خبلؿ استحالة ربقيقو يف قرية ريفية
صغَتة ،نظرا لقلة العمبلء.
وواضح أف زلكمة النقض حددت السبب بالوظيفة االقتصادية للعقد ،اليت كاف يتوخاىا األطراؼ ،وغياب
ىذه الوظيفة يعٍت غياب السبب ،ألننا أماـ استحالة تنفيذ العقد بالطريقة اليت أرادىا ادلتعاقداف ،ومعٌت ذلك أف استحالة
السبب ادلوضوعي للعقد ( ادلنفعة االقتصادية للعقد) يؤدي بالضرورة إىل استحالة سببو الذايت ( نية األطراؼ)
وىذا احلل فتح الباب ع لى مصراعيو أماـ تصور أحادي جديد للسبب ذو صبغة ذاتية ،وحسب ىذا التصور
فإف السبب ىو اذلدؼ ادلشًتؾ الذي يرمي اليو ادلتعاقداف معا عند إبرامهما للعقد ،أو ىو السبب الذي يبتغيو أحد
األطراؼ بشرط أف يتبعو الطرؼ اآلخر يف ذلك ،وغياب السبب يعٍت عدـ سبكن أطراؼ العقد من ربقيق غايتهما
التعاقدية ،ونتيجة ذلذا التصور اجلديد ،فإف التفرقة التقليدية بُت السبب ادلوضوعي والسبب الذايت ،ادلعتمدة من قبل
أغلب الفقهاء ادلعاصرين تصبح زلل نظر.
ففي العقد ادللزـ جلانبُت ،ال ينحصر مفهوـ الغاية االقتصادي للعقد يف تزامن ربط االلتزامات ادلتبادلة ،ولكن
ديتد ليشمل إدراج العقد داخل رلموعة توفر بعض ادلزايا اخلارجية ألطراؼ العقد عن طريق تنفيذه.41
والغاية االقتصادية للعقد بوصفها نابعة من شخصنة السبب ليست زلل إصباع بُت الفقهاء ،فأغلب الفقهاء
يقفوف موقف الضد حياذلا ،فهم يؤاخذوف عليها أهنا تشكل عامبل حيفز ادلتعاقد على عدـ أخذ احليطة البلزمة ،ىذا
باإلضافة إىل أهنا تعطل اإلرادة اليت مت التعبَت عنها بصفة صرحية ،بل وأكثر من ذلك قيل عنها أهنا هتدد استقرار
ادلعامبلت العقدية ،غَت أف ىذه االنتقادات زلل نظر ذلك أف ادلنفعة االقتصادية للعقد ديكن االعتماد عليها يف العديد
من احلاالت للحفاظ على العقد بدؿ إلغائو.
1159
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
ومفهوـ السبب ديكن أيضا من معرفة مدى مشروعية نوايا ادلتعاقدين ،وتسمى السبب الذايت أو سبب العقد،
ورقابة ادلشروعية تتعلق بالباعث الدافع إىل التعاقد ،وليس ضروريا أف يكوف ىذا الباعث مشًتكا بُت ادلتعاقدين " :فيكفي
أف يستعمل أحد األطراؼ العقد ألغراض غَت مشروعة أو منافية لآلداب العامة لكي تستدعي ادلصلحة العامة إلغاءه.
وىذاف التصوراف للسبب ( عدـ الوجود ،عدـ ادلشروعية) مًتابطُت إىل حد كبَت ،ذلك أف غياب السبب يف
حد ذاتو يعترب أحيانا سببا غَت مشروع ،والسبب غَت ادلشروع ىو ما خيالف النظاـ العاـ واآلداب.
-2تحديـ ـ ـ ــد االلتــزام الجوىري حسب نظ ــرية السب ــب
بفضل التفسَتات اليت قدمناىا سابقا ،ديكننا التمييز بُت سبب العقد وسبب االلتزاـ فسبب العقد يعمل على
التحقق من مشروعية العقد ،42يف حُت يعمل سبب االلتزاـ على التحقق من وجود السبب وحقيقتو.43
يف زلاولتنا لشرح االلتزاـ اجلوىري بواسطة السبب ،سنركز فقط على سبب االلتزاـ ،ألف ىذا األخَت ينطوي
على بعض ادلفاىيم ادلتقابلة ،وىذا جيعلنا نتساءؿ ىل ىذا السبب ديكن أف يفسر تطبيقات االلتزاـ اجلوىري بطريقة
مثلى؟ لئلجابة على ىذا السؤاؿ ،سنبدأ من ادلراحل ادلختلفة لوجود العقد:
ففي مرحلة تكوين العقد ،إذا كاف جيب التحقق من وجود ومشروعية السبب عند تكوين العقد ،وإذا كانت
األداءات ادلتولدة عن ىذا العقد مًتابطة فيما بينها حبيث يشكل كل منها سببا لآلخر ،فإنو ديكن القوؿ أف سبب العقد
يتوافق مع مفهوـ االلتزاـ اجلوىري.44
وانطبلؽ من ىذا فإف االلتزاـ اجلوىري حىت يصبح ىو نفسو السبب ،ال بد أف يقوـ ادلتعاقد بتنفيذ أدائو
اجلوىري ،وفقا دلا كاف ينتظره الطرؼ اآلخر ،وغٍت عن البياف أف االلتزاـ دبجرد نشوئو يصبح من الواجب ادلضي بو قدما
إىل غاية ربقيق الغاية ادلرجوة منو ،وإذا مل حيقق ىذه الغاية فإنو يفقد قيمتو القانونية.45
أما يف مرحلة تكوين العقد فإف آلية الفسخ بسبب عدـ تنفيذ العقد ،ىي اليت تبُت ما إذا كاف السبب يعرب عن
االلتزاـ اجلوىري أـ ال ،وبفضل ىذه اآللية فإف عدـ تنفيذ أحد األطراؼ اللتزامو يلغي سبب التزاـ الطرؼ اآلخر ،ويرى
بعض الفقهاء أف ىذا الفسخ وإف كاف مربرا إال أنو ال يتقرر إال إذا كاف عدـ تنفيذ االلتزاـ قد بلغ حدا من اجلسامة أدت
لزواؿ السبب ادلقابل سباما.46
ويبدو أف السبب من الناحية العملية ىو األساس يف ربديد االلتزاـ اجلوىري ،فالقضاء غالبا ما يلجأ إليو
ويستنجد بو كلما تعلق األمر بعدـ تنفيذ االلتزاـ اجلوىري ،سواء كاف عدـ التنفيذ كليا أـ جزئيا ،بل ويستنجد بو حىت يف
ربديد نطاؽ ادلسؤولية العقدية.
الخاتمة
االلتزاـ اجلوىري يعترب الركيزة األساسية يف عملية تكييف العقد ،إال أف الوقوؼ على حقيقتو أمر يف غاية
الصعوبة ،فبل الفقو وال القضاء توصبل إىل وضع تعريف جامع مانع لو ،فهو يعرؼ تارة بأنو االلتزاـ الذي ال يتصور وجود
العقد بدونو ،وتارة أخرى يعرؼ بأنو االلتزاـ الذي يكوف وجوده الزما لنشأة العقد ،أو ىو االلتزاـ البلزـ لتصنيف العقد
1160
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
وتكييفو ،غَت أف أقرب تصور اللتزاـ اجلوىري ىو ما أورده االستاذ فلور ،بأنو ذلك االلتزاـ الذي يتحكم يف العقد والذي
يشكل خصوصيتو اليت يتوخاىا ادلتعاقداف صراحة.
ويتجاذب ربديد مفهوـ االلتزاـ اجلوىري معياراف يكمل كل منهما اآلخر ،أحدمها موضوعي ،ال يلقي أي
أمهية إلرادة األطراؼ ،ويرى بأف كل عقد لو التزاـ جوىري بطبيعتو ،أي ال حيتاج إىل إضفاء اجلوىرية عليو ،كما ىو احلاؿ
مثبل يف عقد البيع الذي يتضمن التزاما جوىريا تقتضيو عملية البيع يف حد ذاهتا ،ومقتضاىا تسليم الشيئ ادلبيع ،وكذلك
االمر مثبل يف عقد االجيار الذي يتضمن التزاما جوىريا ،يقتضي تسليم العُت ادلؤجرة ،وىلم جرا . ...
وادلعيار اآلخر ذايت يرى أف ادلعيار ادلوضوعي وإف كاف صائبا من الناحية ادلنطقية ،إال أنو قاصر من الناحية
العملية ،ذلك أف ىناؾ العديد من االلتزامات اليت تعترب يف األصل التزامات ثانوية ،إال أف إرادة األطراؼ تضفي عليها
صفة اجلوىرية ،أي أف ىذه االلتزام ات كانت ىي الباعث الدافع على التعاقد ،ومن مث تتحوؿ من التزامات ثانوية إىل
التزامات جوىرية ،وتعد االلتزامات الناشئة حديثا ( االلتزاـ بالتعاوف ،االلتزاـ بالتحذير ،االلتزاـ بالنجاعة ) ...رلاال
خصبا لذلك.
وااللتزاـ اجلوىري خيتلف عن العديد من ادلصطلحات اليت تشاهبو ،فهو خيتلف عن العناصر االساسية للعقد
واليت تتعلق أساسا دبوضوع العقد واليت تكوف زلل تفاوض قبل ابراـ العقد ،ودبجرد ابرامو ينشأ التزاـ جوىري يقع على
عاتق كبل ادلتعاقدين أو على أحدمها ،ويضفي على العقد طبيعتو.
وخيتلط مفهوـ االلتزاـ اجلوىري مع مفهوـ االلتزاـ األساسي ،ويصعب أحيانا التفرقة بينهما ،إال أف االلتزاـ
األساسي رلالو أوسع من االلتزاـ اجلوىري ،فهذا األخَت يقتصر دوره فقط على تكييف العقد تكييفا صحيحا ،أما االلتزاـ
األساسي فإنو يبُت األداءات اليت جيب على األطراؼ التقيد هبا ،وتقوـ مسؤوليتهم يف حالة سلالفتها.
ويستند االلتزاـ اجلوىري على ركٍت السبب واحملل كأساس قانوين ،فهو يستند على ركن احملل لكوف ىذا األخَت
ال يعترب فقط رلرد مضموف بسيط للعقد ،ولكنو يعترب احملتوى اجلوىري واألساسي للعقد ،ومن مث فإف زلل العقد يعٍت
األداء الذي تتدخل إرادة األطراؼ من أجلو ،والذي تدور حولو ادلنفعة االقتصادية للعقد.
كما أنو جيعل من السبب كأساس قانوين لو ذلك أف االلتزامات اليت يولدىا العقد واليت تكوف مًتابطة فيما
بينها إىل احلد الذي جيعل كل التزاـ سببا لبللتزاـ ادلقابل تعترب أساسا التزامات جوىرية.
قائمة المراجع:
ّأوال :باللغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة العربي ـ ـ ــة:
الكتـ ـ ـ ــب:
-01بلحاج العريب ،النظرية العامة لبللتزاـ يف القانوف ادلدين اجلزائري ،ديواف ادلطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،الطبعة
الرابعة.2007،
-02جورج سيويف ،النظرية العامة للموجبات والعقود ،مكتبة احلليب احلقوقية ،بَتوت ،لبناف ،الطبعة الثانية.1994 ،
1161
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
، الرباط،دار القلم، تكييف العقود يف القانوف ادلدين على ضوء التشريع والقضاء ادلغريب، زلمد اإلدريسي-03
..2011 ،الطبعة األوىل،ادلغرب
.1998، الطبعة الثانية اجلديدة، بَتوت لبناف، منشورات احلليب احلقوقية، نظرية العقد، عبد الرزاؽ أضبد السنهوري-04
:المقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـاالت
العدد، رللة قانوف العمل والتشغيل، سلطة القاضي يف تكييف العقود ورقابة احملكمة العليا عليو، جيبليل بن عيسى-01
.2018 جانفي،اخلامس
6 العدد، رللة جامعة تكريت للعلوـ القانونية والسياسية، تكييف العقود يف القانوف ادلدين، عامر عاشور عبد اهلل-02
: الرسائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل الجامعية:ثانيا
جامعة أبو، مذكرة زبرج لنيل شهادة ادلاجستَت يف القانوف اخلاص، ) مبدأ تأويل العقد ( دراسة مقارنة، دايل بشَت-01
.2008 سنة، جامعة تلمساف،بكر بلقايد
:باللغـ ـ ـ ـ ـ ــة األجنبي ـ ـ ــة
I- ouvrages :
01- -F. Terré , PH. Simler et Y. Lequette , droit civil, les obligations ; DALLOZ,
paris, 5e édition.
02- H., L., J. Mazeaud, F .Chabas, leçons de droit civil , tome II/premier volume,
obligation, DELTA , Liban, 2000
03- J. Flour, J-l. Aubert, E. Savaux, Les obligation, 2e ed, vol.3 « Le rapport
d’obligation », Liban, Delta, 2001 .
04- J. Ghestin, G.Loiseau, Y. Serinet, La formation du contrat, tome 2 : L’objet et la
cause- Les nullités, L.G.D.J , 4e édition, 2013.
05- J.M .Mousseron, , Technique contractuelle, Editions juridiques Lefebvre, Paris,
1988.
06 - PH. Malaurie , L. Aynes et P. Gautier, Les contrats spéciaux, DEFERNOIS ,
paris, 4e édition, 2009.
07- R. Sefton-Green, la notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-
anglaise, LG.D.J, paris, 2000.
II- Articles :
01-Ch. Deslauriers-Goulet, l’obligation essentielle dans le contrat, les cahiers de
droit.vol.55.n°4, 2014. -Christelle Pouliquen, Le rôle de la volonté en matière de
qualification des contrats , Revue juridique de l’Ouest , 2004 .
02- M. Devinât, Les définitions dans les codes civils, Les Cahiers de droit, volume
46, numéro 1-2 , 2005.
03- Pierre-Gabriel JOBIN, Comment résoudre le casse-tête d’un groupe de contrats,
R.J.T, 2012,
04- Ph. jestaz, l’obligation et la sanction a la recherche d’une obligation fondamental,
dans Mélanges offerts à Paul Raynaud, Dalloz-Sirey, 1995.
05- 1- P. Fréchette, La qualification des contrats : aspects pratiques, Les cahier de
droit, vol 51.
1162
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
06 -S. Ghozlan, La notion d’obligationessentielle dans le cadre ducontrôle des clauses
abusives : Étude des systèmes juridiquesfrançais et québécois, RJTUM, quebeque,
canada 2015.
07- X.Thunis, une notion fuyante : l’obligation essentielle du contrat, dans Mélanges
offerts a Marcel Fontaine, Bruxelles, Larcier.
III- Thèses :
01 - F. Terré , L'influence de la volonté individuelle sur les qualifications, L.G.D.J,
Paris, 2014,p. 404.
02 -N. Cardoso-Roulot, les obligations essentielles en droit privé des contrats, thèse
de doctorat publiée, L’Harmattan, paris, 2008.
03 - Xavier HENRY, La technique de qualification contractuelles, Thèse pour
l'obtention du grade de DOCTEUR EN DROIT (Doctorat d'état - Droit privé),
UNIVERSITE DE NANCY II,1992.
IV- Sites web :
-Convention de Rome du 19 juin 1980 sur la loi applicable aux obligations
contractuelles consulter sur site internet : https://fr.wikipedia.org/wiki.
الهوامش
.163.ص،6 العدد، رللة جامعة تكريت للعلوـ القانونية والسياسية، تكييف العقود يف القانوف ادلدين، عامر عاشور عبد اهلل-1
.420. ص،2018 جانفي، العدد اخلامس، رللة قانوف العمل والتشغيل، سلطة القاضي يف تكييف العقود ورقابة احملكمة العليا عليو، جيبليل بن عيسى-2
3
- Ch. Deslauriers-Goulet, l’obligation essentielle dans le contrat, les cahiers de droit.vol.55.n°4,
2014, p.927.
4
- Ch. Deslauriers-Goulet, op.cit.928.
5
-N. Cardoso-Roulot, les obligations essentielles en droit privé des contrats, thèse de doctorat
publiée, L’Harmattan, paris, 2008, pp.34-36.
1163
جوىر العقد دراسـ ـ ــة عل ــى ضـ ــوء الفق ـ ــو والقض ـ ــاء الفرنسي عمر عمور
18
- X. Thunis, une notion fuyante , l’obligation essentielle du contrat, dans Mélanges offerts a
Marcel Fontaine, Bruxelles, Larcier, 203, p.p.9-10.
60-59 ص. ص،2008 ، تلمساف، جامعة أبو بكر بلقايد، مذكرة ماجستَت، دراسة مقارنة، مبدأ تأويل العقد، دايل بشَت- 19
20
- Ch. Deslauriers-Goulet,op.cit, p.934 et suites.
21
- N. Cardoso-Roulot, op.cit, p.p.105-106
22
-P.Mousseron, J. Raynard et J.Seube, op.cit, p 170.
23
- Xavier THUNIS, op.cit, p.7.
.1980 جواف19 اال تفاقية الدولية اخلاصة بالقانوف الواجب التطبيق على االلتزامات التعاقدية ادلوقعة بروما يف- 24
25
-cité par P. Mousseron, J.Raynard et J. Seube, op.cit, p 172.
26
- R. Sefton-Green, la notion d’obligation fondamentale : comparaison franco-anglaise, LG.D.J,
paris, 2000, p.p.12-103.
27
- Ph. jestaz, op.cit., p.273.
28
-P.Mousseron, J. Raynard et J.Seube, op.cit, p 180.
29
- Convention de Rome du 19 juin 1980 sur la loi applicable aux obligations contractuelles
consulter sur site internet : https://fr.wikipedia.org/wiki.
28- P. Fréchette, op.cit, p. 14.
29- - M. Devinât, Les définitions dans les codes civils, Les Cahiers de droit, volume 46, numéro 1-2
, 2005 p 400.
32
. Ph. Delebecque, Les clauses allégeant les obligations dans les contrats, op.cit, p158.
. وما بعدىا152 ص،1994 سنة، الطبعة الثانية، بَتوت لبناف، اجلزء األوؿ، مكتبة احلليب احلقوقية، النظرية العامة للموجبات والعقود، جورج سيويف-33
34
- H., L., J. Mazeaud, F .Chabas, leçons de droit civil , tome II/premier volume, obligation,
DELTA , Liban, 2000, n°231, p.232. ; J. Ghestin, G.Loiseau, Y. Serinet, La formation du contrat,
tome 2 : L’objet et la cause- Les nullités, L.G.D.J , 4e édition, 2013, p 45 et s.
32.- Philippe Delebecque, Les clauses allégeant les obligation dans le contrats, op.cit, 159.
36
Philippe Delebecque, Les clauses allégeant les obligations dans le contrat, op.cit, p 162
. وما بعدىا463. ص،1998 ، الطبعة الثالثة اجلديدة، بَتوت لبناف، منشورات احلليب احلقوقية، نظرية العقد، عبد الرزاؽ أضبد السنهوري- 37
38
. وما بعدها871. ص، مرجع سابق، جورج سيوفي-
39
J.Ghestin, G. Loiseau, Y. Serinet, op.cit, p 682.
40
- F.TERRE , PH.SIMLER , Y.LEQETTE , op.it, p.249.
41
- J.Ghestin , G. Loiseau et Y-M Serinet op.cit, p 684.
.156. ص، الطبعة اخلامسة، اجلزائر، ديواف ادلطبوعات اجلامعية، اجلزء األوؿ، النظرية العامة لبللتزاـ يف القانوف ادلدين اجلزائري، بلحاج العريب-42
43
- J. Ghestin , G. Loiseau, Y-M Serinet op.cit, p 687
ألف ىذا يعٍت أف، واليت يرى فيها أف التزاـ كل طرؼ ىو سبب اللتزاـ الطرؼ األخر، ولكن جيب إعماؿ السبب ىنا بعيدا عن نظرة األستاذ كابيتاف- 44
. وإمنا ىو التنفيذ ادلقابل لبللتزاـ،السبب ليس االلتزاـ اجلوىري للعقد
45
- J. Flour, J-L Aubert et E.Savaux, Les obligation , op.cit p 194
46
- Pierre-Gabriel JOBIN, Comment résoudre le casse-tête d’un groupe de contrats, R.J.T, 2012,
n°9, p.19 et s.
1164