Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة 03 .الأفكار الاقتصادية في الحضارات القديمة
المحاضرة 03 .الأفكار الاقتصادية في الحضارات القديمة
تمهيد:
يعتقد كثير من علماء التاريخ واالجتماع أنه قبل عشرات ،بل مئات آالف السنين قام أسالفنا
باستخدام الحجر في عمل مقصود لالستعانة به لرفع الكفاءة في إنتاج الغداء والحاجات األخرى بما في
ذلك الحاجات الدفاعية ،وأن تطور األدوات واألساليب والمعارف اإلنتاجية سار ببطء شديد يحسب
بعشرات اآلالف وربما بمئات اآلالف من السنين .وهذا النظام االجتماعي و االقتصادي و السياسي قد دام
فترة طويلة جدا من حياة اإلنسان العاقل على األرض ،قبل أن يتحول إلى نظام اقتصادي تغلب فيه الملكية
1
الخاصة لعناصر اإلنتاج بما فيها العنصر البشري.
نتناول في هذا الفصل تطور األفكار االقتصادية على مر العصور بدءا بالفكر االقتصادي في
العصور القديمة (عند البدائيين (النظام البدائي المشاعي) ،ومرورا بالفكر االقتصادي في العصر
العبودي).
و يطلق عليه بعصر المشاعية البدائية وقد امتد إلى ما يقارب 19ألف سنة 2.فمنذ القدم تكونت سلسلة
من العالقات االجتماعية بين البشر والتي تجسدت في العمل الجماعي الذي كان يسعى وراءه لتلبية
ضروريات حياته اليومية ،والتي بدأت تتطور عبر الزمن.
يعد النظام البدائي أول نظام اجتماعي اقتصادي في التاريخ ،حيث كان اإلنسان أول من استخدم
3
وسائل إنتاج بسيطة وبدائية ،كما أن مهارات العمل وخبرة األفراد وامتالكهم للمعرفة كانت قليلة جدا.
-1مراحل النظام البدائي:
انقسم النظام البدائي إلى ثالثة مراحل هي:
-1-1مرحلة الوحشية :تبعا لفنون اإلنتاج المستخدمة تنقسم هذه المرحلة إلى ثالثة أطوار.
-1عبد العزيز بن علي السديس،تطور النظم االقتصادية ،تحول أوربا من نظام اإلقطاع على النظام الرأسمالي باستخدام نظرية كوفالينف ،
ص،07بحث منشور على الموقع االكتروني، (https : //fac .ksu.edu.sa/sites/defaut/files):تم االطالع عليه بتاريخ()2020/10/09
على الساعة .15:00
-2خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص 55
-3حركاتي فاتح ،مطبوعة بيداغوجية بعنوان دروس في مقياس تاريخ الوقائع االقتصادية المعاصرة ،جامعة باتنة ،01كلية العلوم
االقتصادية،التجارية و علوم التسيير،2019-2018،ص ،07منشور على الموقع االلكتروني(https://economie.univ-
،batna.dz/images/cours/histoire.pdf) :تم الطالع عليه بتاريخ( .)2020/08/20
الطور األول :اعتمد على الجمع و التقاط الثمار والنباتات الطبيعية الغابية أي انه في ذلك الطور لم
يفرق بين اإلنسان والحيوان الوحشي إال في التصرفات اإلنسانية .أما األدوات المستخدمة فكانت العصا
والحجارة.
الطور الثاني :تميز باحتراف الصيد للسمك واستخدام النار المتولدة عن االحتكاك.
الطور الثالث :اتسم بالتوسع النسبي في الصيد والرقي في صنع القوس والسهم في الصيد ،وخاصة
4
بعداكتشاف النار( )ومعرفة أهميتها.
-1-2المرحلة البربرية :لقد تطور الفن اإلنتاجي في هذه المرحلة نسبيا حيث لجأ اإلنسان إلى
تربية الماشية وزراعة النباتات ثم تطور بعد ذلك لتربية الحيوانات المنزلية وري الزراعة
ثم استخدام اآلجور والحجارة في البناء ،واتسمت نهاية تلك المرحلة باستخدام المحراث
والتوسع في الزراعة.
-1-3مرحلة التمهيد الحضاري :تعتبر هذه المرحلة الحد الفاصل بين النظام البدائي والنظام
المدنيأي نظام الرقي كنظام أولي من نظم المدينة.
عناصر النظام البدائي :و تتمثل في النقاط التالية -2
-2-1القوى المنتجة و تشمل:
أ -أدوات اإلنتاج :تتمثل أدوات اإلنتاج في الحصا والحجارة وتميزت بالبساطة والبدائية وظلت لمدة
طويلة حتى سميت تلك الفترة الزمنية بالعصر الحجري ومع التطور اكتشف اإلنسان المعادن
واستطاع تشكيلها في صنع األدوات المعدنية ،مما انعكست نتيجته في الزراعة وذلك باستخدام
المحراث ،وبحرث مساحات واسعة توصل اإلنسان إلى طريقة ري تلك المساحات.
فنون اإلنتاج :كان لتقدم أدوات اإلنتاج تأثيره على مبدأ تقسيم العمال حيث كان في بادئ ب-
األمر قائما على أساس الجنس ،الرجل في شؤون الصيد والحرب ،والمرأة في شؤون البيت واألسرة،
وبظهور مبدأ تقسيم العمل ،زادت إنتاجية العمل ثم ظهر التقسيم االجتماعي األول للعمل حيث تخصصت
بعض القبائل في الزراعة ،و أخرى في تربية الماشية ،ثم بمرور الزمن وازدهار صناعة المعادن
تخصصت بعض القبائل األخرى في صناعة أدوات اإلنتاج كالمحراث وغيرها.
-2-2اإلطار التنظيمي (العالقات االجتماعية ،القانونية والسياسية)
سجل اكتشاف النار نصرا هائال لإلنسان ضد الطبيعة ،فقد كان في البداية يحفظ النار المشتعلة عفوا في الطبيعة ثم تعلم بعد آالف السنين أن
ينتج ها بنفسه مقلدا الطبيعة نفسها( .أنظر :إبراهيم كبة ،ص .)115
-4خبابة عبد هللا ،نفس المرجع ،ص .35
()
ثم بتطور أ -التنظيم االجتماعي :بتزايد التكاثر السكاني انتظم اإلنسان البدائي في تنظيم العشيرة
الزمن حلت األسرة محل نظام العشائر وخاصة بعد معرفة االنتماء األبوي.
العمل :مع قسوة الطبيعة وبساطة أدوات اإلنتاج اضطر اإلنسان إلى العمل الجماعي والجهد ب-
المشترك ،وذلك للتغلب على مصاعب الحياة.
ت -التوزيع :نظرا لقلة اإلنتاج وبساطة أدوات اإلنتاج كان توزيع الناتج على أساس مبدأ التساوي بين
()5
أفراد العشيرة ثم األسرة.
ث -الملكية :كانت هي األخرى قائمة على أساس الجنس كفنون اإلنتاج إذ كان الرجل يملك أدوات
الصيد و المرأة تملك األدوات المنزلية.
أما في ما يخص أدوات اإلنتاج التي تستخدم استخداما جميعا فكانت ملكا جماعيا عدا األدوات
الحربية التي كانت تملك ملكية شخصية ،إال أنه في أواخر ذلك النظام بدأت الملكية الخاصة في الظهور
تدريجيا وذلك بحلول الزواج الفردي محل زواج الجماعة مع اإليثار وباعتبار األسرة الزوجية هي الوحدة
6
اإلنتاجية واالقتصادية.
منذ ظهور نظام العشيرة األبوية بدأت المشاعية البدائية بالتفكك واالنحالل ،والسبب الرئيسي لذلك
هو أن عالقات اإلنتاج السائدة فيها (ملكية مشتركة ،توزيع متساوي) أخذت تعيق تطور قوى اإلنتاج
الجديدة الخاصة بعد اكتشاف الحديد وصنع األدوات الحديدية .إن ارتفاع إنتاجية العمل أصبحت تسمح
باإلنتاج في الزراعة والرعي والمهن ضمن نطاق اجتماعي أضيق من المشاعية أي ضمن نطاق األسرة
التي أصبحت الوحدة االقتصادية الجديدة للمجتمع ،وهكذا انفسح المجال للعمل الخاص (على نطاق
األسرة) للحلول تدريجيا محل العمل المشاعي المشترك .وهكذا نرى أن ظهور الملكية الخاصة كان مرتبط
مباشرة بالتقسيم االجتماعي للعمل وتطور التبادل.
بدأت الملكية الخاصة أوال بالماشية حيث بدأ زعماء العشائر يتملكونها ثم امتدت الملكية الخاصة إلى
جميع أدوات اإلنتاج وقد كانت األرض آخر ما دخل في نطاق التملك الخاص.
أدت الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج إلى تفكك العشيرة ،أوال إلى أسر كبيرة ،ثم إلى وحدات عائلية
صغيرة قائمة على أساس التملك الخاص والملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج أدت إلى تغير كامل في بنيان
تنظيم العشيرة هي أضيق نطاقا من حجم القبيلة ،وهذا االصطالح هو ترجمة لكلمة gensبالالتيتية ويترجمها بعضهم بكلمة بطن (انظر:
إبراهيم كبة ،ص .)118
-5خبابة عبد هللا ،مرجع سابق ،ص ص (.)36 ،35
يمتد تاريخ ال عبودية عبر العديد من الثقافات والجنسيات واألديان من العصور القديمة وحتى يومنا
هذا .غير أن المواقف االجتماعية واالقتصادية والقانونية للعبيد تختلف اختالفا كبيرا في نظام الرق
المختلف في أوقات وأماكن مختلفة.
وبمجرد أن بدأ الناس يتجمعون في البلدات والمدن فإن فائض الغداء الذي جرى توفيره في الريف
أتاح نشأة مجموعة واسعة من الحرف اليدوية في المدينة في مزرعة كبيرة أو في ورشة عمل أو أصبح
هناك فائدة حقيقية من وجود مصدر موثوق للعمالة الرخيصة ،ال تكلف أكثر من الحد األدنى من الغذاء
والسكن وهذه هي شروط الرق .وكل الحضارات القديمة استخدمت العبيد ،وهو ما يثبت أن الحصول
عليهم كان أمرا سهال.
كانت الحروب هي المصدر الرئيسي لإلمدادات بالعبيد ،وكانت الحروب متكررة ووحشية في
الحضارات المبكرة .عندما تسقط بلدة ما في يد جيش معادي فمن الطبيعي أن يأخذ هذا الجيش العبيد من
أولئك السكان الذين يمكن أن يكونوا عماال مفيدين ،أو النساء الذين يستغلون للترفيه والجنس ،ويتم بعدها
8
قتل البقية.
تاريخ االستعباد التاريخ المعروف للبشرية يشير إلى الرق كظاهرة عريقة في القدم ،تاريخها هو
ذاته تاريخ االستغالل وظلم اإلنسان ألخيه اإلنسان ،وقد نشأت ظاهرة االستعباد منذ عشرات اآلالف من
السنين وتحديدا في فترة التحول من الصيد إلى الزراعة المنظمة كوسيلة الكتساب الرزق .يقول المؤرخ
10
الكبير "ول ديوارنت" في موسوعته الشهيرة " قصة الحضارة ".
-2تعريف الرق :يمكن تعريف الرق على انه تقييد شخص بشخص أخر ،أو أسرة أخرى عن
طريق اإلكراه ،وهو مصطلح يتعلق بالعبيد كسلع يتم شراؤها وبيعها.
بالنسبة للكثيرين منا ،نسمع كلمة "الرقيق" فتثير في أذهاننا على الفور تجارة الرقيق عبر المحيط
األطلسي ،عندما تم بيع األفارقة إلى "العالم الجديد" ابتداء من أوائل القرن .17ومع ذلك يجب أن نتذكر
أن العبودية تبدأ أو تنته هنا ،وأنه ليس كل العبيد على مدى اإلنسانية تناسب هذا التعريف ،فهناك أشكال
11
مختلفة أخرى للعبودية.
أنه نظام يقوم على الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج خاصة أهم عنصرين إنتاجيين األرض
وجميع ما عليها من موارد طبيعية ،وكذلك ملكية عنصر العمل (العبيد) ،أما رأس المال فلم تبرز له أهمية
تذ كر في العملية اإلنتاجية قبل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر.
نتيجة لملكية عناصر اإلنتاج ملكية خاصة فإن توزيع الناتج تحكمه ملكية عناصر اإلنتاج
ويكون أفراد المجتمع متفاوتون في نصيبهم من الناتج اإلجمالي مما يقسم المجتمع إلى طبقات أو فئات
عديدة حسب مستوى الدخل والثروة (أغنياء ،فقراء ،متوسطي الدخل ...الخ).
يمر المجتمع العبودي نفسه في ثالثة مراحل ال تختلف نوعيا عن بعضها بل تختلف كميا فقط ومن
حيث الدرجة وهي باختصار كاألتي:
المرحلة األبوية :للمجتمع الطبقي األولي وهي مرحلة انتقالية بين المجتمع البدائي والمجتمع
ال عبودي المتطور تتميز بظهور تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة و تطور التمايز االجتماعي ،إال أن
العالقات العبودية (تملك واستثمار العبيد) لم تصبح هي السائدة بعد .وقد بقيت في مصر وبابل والصين
13
والهند القديمة في هذه المرحلة .كما كانت هذه المرحلة هي السائدة لدى اليونان و روما.
تميزت هذه المرحلة باسترقاق المدين كأحد مصادر العبودية بحيث تقضي التشريعات بإجبار المدين
بأن يعمل لدى الدائن من الزمن سدادا لدينه وقد يكون الدين كبيرا ال ينتهي طوال حياة المدين وأسرته.
وكذلك (*)
مرحلة العبودية المتقدمة (المتطورة) :وأبرز أمثلتها ما عرف في المدن اليونانية
العبودية في اإلمبراطورية الرومانية .وفي هذه المرحلة وصل استغالل العبيد إلى درجة أن معظم اإلنتاج
الزراعي والصناعي والمنجمي يقوم به عبيد ال نصيب لهم مما ينتجون .كما أن وضعهم القانوني قد تدهور
إلى درجة أنه كان ينظر إلى العبد كأداة إنتاج ناطقة تميزا له عن الثور والمحراث.
توزيع الناتج:تم تقسيمه إلى المنتوج الضروري و هي كمية من المنتوج مثل الحبوب موجهة لسد الحاجيات األساسية للعبيد من أجل القيام بعملية
تجديد قوة العمل و اال ستمرار في االنتاج ،و المنتوج الفائض الذي يمثل القسم االعظم من المنتوج و يستخدم من قبل السادة لغشباع الحاجات
االستهالكية و بناء القصور و المسارح و غيرها(أنظر إلى ملخص دروس تاريخ الوقائع االقتصادية ،سنة أولى نظام جديد ،تلخيص يوسف قاطن،
منشور على الموقع االلكتروني ،http://www.espace-etudiant.net/forum/viewtopic.php) :تم االطالع عليه
بتاريخ( )2020/04/11على الساعة .15:30
-12عبد العزيز بن علي السديس ،مرجع سابق ،ص ص (.)10،9
-13ابراهيم كبة ،مرجع سابق ،ص 142
مرحلة العبودية المتأخرة :هي مرحلة تحول نظام الرق إلى نظام اإلقطاع خالل القرون
الثالثة األخيرة من عمر اإلمبراطورية الرومانية ،وقد كان تدهور النظام مصاحبا لتدهور عام في
اإلمبراطورية الرومانية عسكريا واقتصاديا مما أدى إلى سقوط روما بيد القبائل الجرمانية الشمالية
14
وأنصارهم عام 476م.
وأهم ما ميز هذه المرحلة هو ازدياد استغالل العبيد إلى حد عرقلة أي نمو جديد في قوى اإلنتاج
بعدما تناقص عددهم ،وهذا هو السبب الرئيسي للجوء مالكي اإلقطاعيات الكبيرة إلى إقامة نظام الكولون
(إيجاد قطع صغيرة من األرض للمنتجين مقابل حصص عينية من المنتوج) لتفادي السقوط الكامل للنظام،
إال أن التناقض بين عالقات اإلنتاج العبودية وهذا القطاع الكولوني الجديد استمر في االحتدام مؤديا إلى
مرحلة عصيبة من األزمات السياسية واالقتصادية خاصة االنخفاض في اإلنتاجية واإلنتاج وحجم التجارة
وتفجر الثورات والحروب األهلية مما أدى أخيرا إلى سقوط النظام العبودي مفسحا المجال لنمو النظام
اإلقطاعي الجديد.
مع سيادة نمط اإلنتاج العبودي أصبح المجتمع ينقسم إلى قسمين رئيسيين:
العبيد واألحرار ،فاألحرار يتمتعون بجميع الحقوق المدنية والسياسية والعبيد الذين كانوا محرومين
من جميع الحقوق اإلنسانية وكانوا من الناحية القانونية مادة أو موضوعا ليمتلك ،أي كانوا جزءا مما
يسمى بنظام األموال وليس نظام األشخاص.
واألحرار أنفسهم كانوا عرضة للتمايز الطبقي الشديد فقد كانت قلة منهم من كبار مالكي األرض
والعبيد ،وهي الطبقة التي تحتل القمة في النظام االجتماعي ،و كثرتهم من صغار المنتجين والزراعيين
والحرفيين الذين تتفاوت مراتبهم في السلم االجتماعي حسب مستوى ملكيتهم للقوة اإلنتاجية الرئيسية
15
حينذاك أي قوة عمل العبيد.
* دخلت اليونان في هذه المرحلة منذ القرن الخامس ق.م و روما بين القرن الثاني ق.م حتى القرن الثاني ميالدي (أنظر :ابراهيم كبة ،دراسات في
تطور الفكر االقتصادي ،ص .)142