Professional Documents
Culture Documents
Abstract
Abstract
1
حممد أمني بن جياليل.أ
جامعة بومرداس
:ملخص
افرتضت أن النشاط الدويل، هو نظرية سياسية للحقل.هيغل يف العالقات الدولية؛ منظور جديل للظواهر الدولية
السري حنو توليف وتركيب، أبكثر دقة. ال ينفي النظرية الوضعية، لكن يف نفس الوقت،ال بد أن خيضع للنظرية املعيارية
وذلك من منطلق واحد هو توليد االعرتاف من رحم،يطرح البديل االبستيمولوجي واملنهجي يف دراسة السلم واحلرب
. يف دميومة لالرتقاء حنو رؤية شاملة للعالقات الدولية يف العامل املعاصر، والعكس ابلعكس،الصراع
. االعرتاف، الصراع، الرتكيب، اجلدل، العالقات الدولية، النظرية السياسية، هيغل:الكلمات املفتاحية
Abstract:
Hegel in international relations; dialectical perspective of international
phenomena. Is a political theory of the field, it assumed that the international activity
must be subject to the Normative theory, but at the same time, it does not negate The
Positivism theory. More precisely, to move towards the synthesis and installation of
alternative poses Epistimological and methodical in the study of peace and war, And so
out of one is generating recognition from the womb of the conflict, and vice-versa, In
continuity to rise toward a comprehensive vision of international relations in the
contemporary world.
Keywords : Hegel, political theory, international relations, Dialectic, synthesis, conflict,
recognition.
: الربيد االلكرتوين. ابحث وأكادميي يف الفلسفة السياسية املعاصرة،بومرداس- أستاذ العلوم السياسية والعالقات الدولية جبامعة أحممد بوقرة-1
amine.bendjilali@yahoo.fr
1
مدخل تيليولوجي:2
انزاحت وجهة هيغل حنو ضبط عالقة نسقية مع علم العالقات الدولية بعد إشتغاله على الفكر السياسي وفلسفاته
النظرية ،وهذا بدايته ومآله طبيعة النظرية اهليغيلية القائمة على منهج اجلدل الذي المس كل أقاليم التفكري العلمي
والفلسفي .إ ّن تركيز أطروحة هيغل يف السياسة والدولة والقانون برز يف إجتاهني عالئقيني؛ السياسة الداخلية (عالقة
املتأمل جيد نفسه ضمن متاهة إبستيمية يف
الدولة ابجملتمع املدين) والسياسة اخلارجية (عالقة دولة بدولة أخرى) .لكن ّ
دراسته للنظرية السياسية عند هيغل أل ّّنا حتمل بُعد «بني-ختصصي»ُ ،متع ّذرة عن املوضعة والتصنيف ،فاقدة للهوية واحملل
يف خارطة املعرفة السياسية.
وعلى هذا األساس نسعى للكشف عن الوجه اآلخر املتواري هليغل من مخسة مناطق أساسية متثل بؤر التماس
اإلشكالية واإللتماس املعريف بني هيغل والعالقات الدوليةّ :أوالا ،إرحتال هيغل من الفكر السياسي إىل النظرية السياسية
للعالقات الدولية .ويربز ذلك جليّا يف حبث هيغل عن تصور جديد للقانون الدويل؛ منتقدا آراء كانط الواردة يف رسالته:
ٍ
األولية 3اليت قام هبا بعض رجال القانون يف أواخر القرن الثامن عشر «من أجل سالم دائ ٍم» ،كما ّ
وجه نقده للمحاوالت ّ
وأوائل القرن التاسع عشر من أجل تكوين قانون دويل عام ينظّم العالقات بني الدول املستقلة4؛ اثنيا ،املفارقة البارزة بني
الواقعية ( )Realismوالطوابوية ( )Utopianismيف التفكري السياسي عند هيغل املتصل ابلعالقات الدولية
وقضاايها5؛ اثلثا ،السؤال النظري عن اإلضافة املنهجية اليت ق ّدمها «الدايليكتيك» ( )Dialecticللدارس يف
العالقات الدولية ،وماذا عن «فلسفة احلق» يف حتليل هذا احلقل؟؛ رابعا ،إستنتاج أهم الروابط النقدية بني الفكرة
-2التيليولوجيا ( ) Teleologieمصطلح إبتكره "وولف" ،قصد به علم الغائيات ،وظف يف هذا السياق لتحديد غاية البحث ووجهتها ضمن نسق عالئقي
طالع :أندريه الالند ،موسوعة الالند الفلسفية ،اجمللد الثالث ،ترةمة خليل أدمد خليل ،منشورات عويدات ،بريوت ،ط ،2001 ،2ص1430.
3
وحّت قيام هيئة األمم املتحدة سنة 1945غداة احلرب العاملية الثانية وهذا ما
حّت قيام عصبة األمم سنة ،1919بل ّ
-هذه احملاوالت ابءت ابإلخفاق ّ
قائم فعالا .أنظر :عبد الردمن بدوي ،فلسفة القانون والسياسة
يتوافق مع رؤية هيغل ،حني إعترب أ ّن القانون الدويل هو إطار ملا جيب أن يكون ،وليس ملا هو ٌ
عند هيغل ،دار الشروق ،بريوت ،ط ،1996 ،1ص.220
-4املرجع نفسه ،ص.220
5
-Tony Burns, «Realism and Utopianism in Hegel’s Political Thought: National Sovereignty,
International Relations and the Idea of a ‘World State’», Working Paper Series, Centre for the Study
of Social and Global Justice, School of Politics & International Relations, University of Nottingham,
P 17. See Link:
www.nottingham.ac.uk/cssgj/documents/working-papers/wp006.pdf
2
اهليغيلية حول «ّناية التاريخ» من جهة (يرتبط هذا املفهوم إرتباطا وثيقا بفرانسيس فوكوايما الذي نشر كتابه «ّناية
التاريخ والرجل األخري« عام ،)1991والدولة العاملية من جهة أخرى؛ خامسا ،نقد املفهوم املطلق للحرب؛ ابعتبارها
شرا مطلق ا»؛ وأيض ا مشكلة اآلخر و«الصراع من أجل اإلعرتاف» ()The Struggle For Recognition
« ّ
فيما يتعلّق بتاريخ العامل.
يتطلب تناول هذه املناطق احلساسة يف التفكري السياسي للعالقات الدولية عند هيغل أن نبحث عن اخليط الناظم
ويرسم هيغل كمفكر له ابع طويل يف إثراء وتطوير علم العالقات
الذي يوحد احلدود بني هاته االستفهامات الفكريةّ ،
الدولية على املستوى األنطولوجي ،االبستيمولوجي واملنهجي .قبل ذلك جيب أن نقرأ هيغل يف سياقه «األكسيموري»
(من كلمة أكسيمور ،oxymoreواملقصود هبا التناقض الظاهري) املتولد من بيئته الشخصية ،ويف مناجزته لتوازانت
وإختالالت الظرف الدويل خالل عصر التنوير يف أملانيا وأورواب عامة.
إ ّن حياة هيغل وعصره مها «نسيج من التناقضات» ) ،)Contradictionفقد كان التنوير املوغل يف اإلميان
ُ
ابلعقل على وشك األفول ،يف اآلن نفسه ،الرومانسية الغارقة يف العاطفة واخليال ابدئةا يف البزوغ .لقد عاش هيغل يف
وسط جمتمع إقطاعي تسوده رجعية النبالء الذين يعتصرون الطبقة الوسطى إعتصارا ،لكنّه أيض ا مييل مع رايح الثورة
هتب عاتيةا مناديةا بتحرير اإلنسان وإنطالقه.7
الفرنسية اليت ُّ
-6هيغل ،أصول فلسفة احلق ،اجمللد األول ،ترةمة إمام عبد الفتاح إمام ،مكتبة مدبويل ،القاهرة ،1996 ،ص.4
-7هيغل ،حماضرات يف فلسفة التاريخ :العقل يف التاريخ ،اجمللد األول ،ترةمة وتقدمي ومراجعة إمام عبد الفتاح إمام ،التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت،
ط ،2007 ،3ص.9
3
إذن؛ كان الطابع العام ل لعصر الذي نشأ فيه هيغل ،هو فكرة التناقض اليت ميكن أن جند هلا أصول فلسفية عند
اإلغريق مع هرييقليطس يف العود األبدي املحتضن للثبات والتغري ،أو مع أفالطون يف جدله الصاعد والنازل ... ،إخل.
ُ
8
هذا ما حرر لنا ما يعرف عند هيغل «ابألوفبوغونية» املتأسسة على احلوار بني السلب ( )Negationواإلجياب ،يف
شكل جتاذب أو تنافر ،نفي وإثبات .األمر الذي سنالحظه يتكرر يف قانون اجلدل املاركسي املتمحور حول فكرة «نفي
النفي ،ووحدة األضداد وصراعها».
ّأما عن السياق الدويل الذي احتك به هيغل خالل ّناية القرن الثامن عشر فقد تب ّدى يف إنتظام الدول األوروبية
داخل مبدأ توازن القوى ألجل الصاحل العام .وغالبا ما كانت املصلحة الذاتية ،حافز للدول على إنشاء حتالفات لكبح
القوى املنافسة .لكن واقع السعي وراء مبدأ توازن القوى ّروج لفكرة «الصاحل العام» اليت كانت أكرب من «املصلحة
الذاتية للدولة» ،وابلتايل العمل وفق اإلمتثال آللية نظام واحدُ ،حتّركه مؤسسات وممارسات متكاملة هي :القانون الدويل
(والذي ُع َّد تدوينا قانونيا ملمارسات عرفية راسخة)؛ واإلعرتاف بشرعية السلطة السيادية الداخلية؛ وقبول مبدأ عدم
حرب حمدودةٍ 9كوسيلة لتعديل اإلختالل يف
التدخل؛ واحلضور الديبلوماسي الدائم واحلوار املتواصل؛ وأخريا اللجوء إىل ٍ
التوازن .إذن مل يكن هناك نظام يقي من احلرب ،لكنّها كانت حرابا حمدودةا هدفها تقليص ّقوة الدولة املقصودة ال تدمريها
كلي ا.10
مثلت هذه اإلشرتاطات اجلدلية والتوازانت الدولية النابعة من صميم الواقع ،حتدي قوي هليغل ملناظرة العقل املفكر
يف السياسات الدولية والداخلية على ح ّد سواء ،ومن هنا نبتت النظرية السياسية عند هيغل واليت كانت منبثقة عن
8
تعرب
-تعين هذه الكلمة يف أصلها الفعل ) :(Aufhebenيُلغي وحيتفظ ويرفع .ما يبحث عنه هيغل يف مسار التاريخ هو «ألفغوهوابن»؛ كلمة أملانية تقنية ّ
عن إرتفاع شيء ما إىل املستوى التايل ،أن ترتفع فوق املعضلة احلالية وتن تقل إىل املرحلة التالية من التطور حيث تسمو فوق الصعوبة احلالية وحتلها من خالل
فرضية جديدة ذاك هو اإلختبار ،التوليفة هي إختبار «ألفغوهوابن» .العبارة العصية ( )Das Aufhebenوتصريفاهتا يف النص اهليغيلي اإلشتقاق من
«نسخ» ،مّت تعلق األمر مبصدر ( )Die Aufhebungواإلنتساخ ،مّت تعلق ابلفعل املنعكس على الذات ( ،]...[ )Das Sichaufhebenالنسخ
ُ
يتضمن دالالت النفي واإللغاء ،اإلحتفاظ واإلبقاء على شيء مما يُنفى ]...[ ،التضاد بني زوال شيء يف املنسوخ وبقاء شيء منه .أنظر :هيغل ،فينومينولوجيا
الروح ،ترةمة وتقدمي انجي العونلي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،املنظمة العربية للرتةمة ،بريوت ،ط ،2006 ،1ص.106-105
-9احلرب احملدودة ()Limited War؛ يعود هذا املفهوم إىل املنظرين العسكريني "كالوزفيتز" يف القرن التاسع عشر وخليفته يف القرن العشرين "ليدل
هارت" على العالقة احلامسة بني الغاايت السياسية والوسائل العسكرية« .ينبغي أن تكون األهداف السياسية ،والدوافع األصلية للحرب ،معيارا لتحديد كل من
هدف القوة العسكرية وحجم اجلهد لتحقيقها» .يف منتصف احلرب العاملية الثانية جاء مفهوم احلرب الشاملة كبديل بعد تطور األسلحة النووية .أنظر:
-Khurshid Khan, «Limited War Under the Nuclear Umbrella and its Implications for South Asia»,
P.3, See Link:
http://www.stimson.org/images/uploads/research-pdfs/khurshidkhan.pdf.
-10دافيد ابوتشر ،النظرايت السياسية يف العالقات الدولية :من ثيوسيديدس حىت الوقت احلاضر ،ترةمة رائد القاقون ،املنظمة العربية للرتةمة ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،بريوت ،ط ،2013 ،1ص.592-591
4
متفصل املعرفة الفلسفية ابملعرفة السياسية ،حيث برزت يف احملصلة ضمن قالب جديل ).)modèle dialectique
إن النموذج اجلديل يستمد أصله من فلسفة التاريخ عند هيغل ،اليت ميكن أن متنحنا مسوغا أنطولوجيا اترخييا للبحث يف
عالقة هيغل بعلم العالقات الدولية.
-2األركيولوجيا التارخيية للعالقات الدولية عند هيغل :بناء منطق اترخيي )(Historical Reason
لقد اقرتح دافيد ابوتشر وجود ثالث تقاليد نظرية (الواقعية التجريبية ،النظام األخالقي العاملي واملنطق التارخيي)،
ترتبط فيما بينها جدلي ا وتوفر معايري خمتلفة لسلوك الدولة .11واملنطق التارخيي هو اآلخر يتضمن جدل رسم معامله هيغل
يف رؤية العامل ( )weltanschauungحنو تغريه .يف تقديري أن مفهوم «العامل» عند هيغل يوازي كينونة العالقات
ظل «إنوجادها» متيّزت بطابع العالقات الثقافية واحلضارية والتارخيية اليت تستوجب التفاعل يف
الدولية ،أل ّن الشعوب يف ّ
إطار احلرب أو السلم ،وعليه هذا العامل له «اتريخ» ينشد التحقق الفعلي للروح اهليجيلي ،وُمتيّزه «جيو-سياسة»؛ املناطق
اليت ح ّددها هيغل حسب أولياهتا الزمنية واملنطقية (الشرق ،اليوانن ،اجلرمان ،الرومان) .إذن اتريخ العامل هو التحقق
الفعلي للروح داخليا وخارجيا على ح ٍّد سواء .كما يبدو أن الروح الكلي هو الوعي الذايت الذي يبدو يف ضرورته متصالا
يف املوضوعي الذي ُجيّزء الكل املطلق للروح ،وعليه فتاريخ العامل ضروري من منطلق أنه «حمكمة التاريخ» (إختبار حقيقة
الكلي يف اجلزئي) ،وهذه تُوافق اإلعتبار املنهجي الذي يسري ُوفقه الباحث يف العالقات الدولية؛ «التاريخ خمرب علم
العالقات الدولية» .إرتكزت اهلندسة اهليغيلية للعامل الكالسيكي على مبدأ التطور التارخيي املستند بدوره على العقل أو ما
يعرف عنده ب«العقل يف التاريخ» ،حيث شكلت هذه املقاربة الواردة يف «حماضرات يف فلسفة التاريخ» ،تشكيل جديد
للتناول االبستيمولوجي ملواضيع الفكر السياسي والنظرية السياسية عند هيغل جعلت الباحث يتعاطى مع الظواهر
والشخصيات الفكرية السياسية ،مبنهجية حتليلية نقدية ،ال اترخيية فقط تركز على كرونولوجيا األحداث ،دون الربط
السبيب والتحليل املنطقي واحلجاج الفلسفي.
فإذا كان التاريخ يف نظر هيغل هو تطور الروح يف الزمان ،كما أ ّن الطبيعة هي تطور الفكرة يف املكان .فإ ّن نتيجة
12
سوغ ضرورة تواجد كينونة للعالقات الدولية ،واحدة يف
ذلك تتعدد الثقافات واحلضارات واألمم .وابلتايل هذه الفكرة تُ ّ
جوهرها ،متعددة يف تعيّنها .من هنا تنبجس للعيان عند هيغل مناذج وبراديغمات متقابلة تسعى إىل اقتفاء الصورة
احلقيقية لعامل العالقات الدولية ،بعيدا متاما عن الرؤية الكومسوبوليتانية اليت تراعي األخالق العاملية ،ألن كل منوذج يعرب عن
-14اجملال ،يعين موقع ومساحة يف لغة اجلغرايف ،أهداف إقليمية يف لغة اجليوبوليتيكي ،وبذلك يصبح حيوايا .أنظر :ظاهر عبد الزهرة الربيعي« ،الوزن
اجليوبوليتيكي للمساحة يف إسرائيل :دراسة تطبيقية» ،جملة آداب البصرة ،العدد ،56 :كلية الرتبية ،جامعة البصرة ،2011 ،ص.264
-15عبد هللا بوقرن« ،اآلخر يف جدلية التاريخ عند هيغل» ،أطروحة دكتوراه العلوم يف الفلسفة ،كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية ،قسم الفلسفة ،جامعة
قسنطينة ،السنة اجلامعية ،2007 – 2006 :ص.20-19
-16بلخرية حممد« ،براديغمات العالقات الدولية املعاصرة :املركزية الغربية منوذج ا» ،أكادمييا للدراسات االجتماعية واإلنسانية ،قسم العلوم االقتصادية
والقانونية ،جامعة الشلف ،العدد العاشر ،جوان ،2013ص.82
-17جند هذا الوصف الفينومينولوجي عند هيغل يف حماضراته عن فلسفة التاريخ ،ملا أشار إىل العامل الفلكي األملاين يوهانس كبلرJohannes Keppler
( )1630 – 1571املتأثر مببادئ كوبرنيكوس وكذلك لتيكو براهي ،Tycho Braheمن ابرز القوانني اليت توصل إليها هو العالقة الرايضية بني الزمن
الالّزم لدوران كوكب ما حول الشمس دورةا كاملةا .أنظر :هيغل ،حماضرات يف فلسفة التاريخ :العقل يف التاريخ ،املصدر السابق ،ص.ص.139-138
7
18
ؤرخ للعالقة بني الشعب اجلرماين والشعب القمة اليت يبلغها تطور التاريخ البشري ،لكنّه ليس ّنايته .هو منوذج يُ ّ
اليهودي ،األول له رسالته السياسية احملتمية بقوة العقل ،والثاين يبحث عن مصريه يف العامل احملتذية ابالميان واالعتقاد
مبقولة «شعب هللا املختار».
حلل التناقض املوجود بني احلداثة العقالنية واإلميان وذلك من
من مث ،تعترب فلسفة التاريخ عند هيغل املرحلة املثالية ّ
خالل إحالل مفهوم املطلق لفهم سياق الدولة احلديثة .يف هذا الصدد يرى هابرماس أ ّن الوعي اهليغلي بقضااي احلداثة
أصبح اليوم حاضرا بوضوح ،حيث أ ّن هذا الوعي رسم املبادئ التوجيهية املتواجدة حاليا يف مناقشات ما بعد احلداثة.
بكل بساطة أل ّن احلداثة عند هابرماس «مشروع مل يكتمل بعد».19
هذا ّ
ترتيبا على ما تقدم تتبلور رؤية هيغل للعالقات الدولية مبنظور اترخيي جديل ،خيتزل فيه حركة الطبيعة واجملتمع ،اليت
تعود يف األصل اىل حركة الفكر ذاته ،ونشاطه حنو التقدم والنشوء واالرتقاء .االرتقاء من أدىن الطبقات التارخيية وهي
الشرق إىل أعالها وهو اجلرمان ،من هنا األركيولوجيا التارخيية .نصبو من العنصر الالحق إىل نسج روابط نقدية بني
الفكرة عند هيغل وعامل السياسة والعالقات الدولية حتديدا ،هذا يف إعتبار أن أبرز املشكالت السياسية والدولية اليت
عاجلها هيغل يف نظريته السياسية هي حمك جدل وحمل مقاربة.
ينبين متفصل ) )articulationالفلسفي ابلسياسي عند هيغل يف جانبه «الب ْني – تفاعلي» للدولة ،عند
اإلنطالق من الفكرة اليت تشكل نواة نظرية صلبة من فلسفته للتاريخ وهي «الوعي الذايت» ( Conscience de
،)soiلنصل إىل مرحلة َمتثلها ) )représenterللواقع أبشكاله الفردية واجلماعية .فنرى كيف تتمفصل اآلاثر
الفلسفية اهليغيلية يف ممارسة العلم داخل الوحدة السياقية واملنهجية للعالقات الدولية.
قبل ذلك؛ ال يسعنا أن نفهم كلّيا نظرية هيغل يف العالقات الدولية من دون اإلحاطة مبشروعه الفلسفي األمشل.
فقد كان مهتما ابلتغلب على ةميع «الثنائيات» ( )dualismsاليت تعوق إحراز املعرفة األصلية ،وسعى هيغل إىل أن
قوض منهجيا اإلبستيمولوجيا التقليدية (رونيه ديكارت وإميانويل كانط) ،وأخضع املقدمات املنطقية التجريبية والعاملية
يُ ّ
-20دافيد ابوتشر ،النظرايت السياسية يف العالقات الدولية :من ثيوسيديدس حّت الوقت احلاضر ،املرجع السابق ،ص.637-636
21
-Essai Philosophique, «sur la paix perpétuelle Immanuel Kant avec préface de ch.L emonnier»,
G.Fischbacher Libraire éditeur, Paris, 1880, P27.
-22مارتن غريفيثس وتريي أوكاالهان ،املفاهيم األساسية يف العالقات الدولية ،مركز اخلليج لألحباث ،ديب ،2008 ،ص.250
23
- Tim Dunne, Milja Kurki , and Steve Smith, International Relations Theories:Discipline and
Diversity Oxford University Press, United Kingdom, Third Edition, 2013, P41.
9
العاملية يف اجملتمع ،والتنكر للمجتمعات التقليدية ألّنا مل توفر مصدر بديل للهوية .24اثنيا؛ ترت ّد أصول النظرية النقدية
ملدرسة فرانكفورت إىل النظرايت احلديثة للوعي والدايلكتيك فرتة التنوير .25فالبعد األخالقي لنظرية الفعل التواصلي عند
يورغن هابرماس مستوحى من /متجذر يف نظرية هيجل عن الوعي الذايت واإلعرتاف أو تشكيل اهلوية ،والنضال من أجل
وحدة الوعي الذايت ،واإلعرتاف الداخلي وأثره يف األحداث اخلارجية ،وعالقة اجملتمع احمللي ابلعامل .وبعبارة أخرى ،يشري
هابرماس مقتفي ا هبيغل إىل أن النضال من أجل اإلحرتام والشرف والكرامة ميكن أن يؤثر على تفاعلنا مع اآلخرين.26
فعالا؛ لقد كان هيغل أصل معريف يندرج يف فصل ثقايف هو ثقافة النظر والتحليل ،اليت تعد ثقافة أكادميية نسقية
متنح الباحث يف احلقل أدوات منهجية وتكتيكات معرفية واسرتاتيجيات حتليلية .فالنظرية املعيارية (théorie
) normatifاليت كان هيغل من مؤسسيها استوعبت النطاق النظري للعالقات الدولية؛ إذ ،أ ّن املثالية متثل بداية
للتنظري املعياري ،والنظرية النقدية ترمز إىل العودة حنو املعيارية والقيم يف حتليل العالقات الدولية .وكل ذلك رغم هيمنة
الرباديغم الواقعي يف احلقل ،الشيء الذي فرض سياق جديل بني االجتاهات الوضعية واملعيارية ،التفسريية والتكوينية ،وما
انتهى عن ذلك هو تشكل إجتاه توليفي وتركييب يف حقل العالقات الدولية.
تتصل مناقشة ُوجهات نظر هيغل حول العالقات الدولية على وجه اخلصوص ابملناقشة اليت جرت مؤخرا بني
«اجملتمعيني» و«العامليني» داخل حقل النظرية السياسية .27ومنذ أن برز هيغل إبعتباره فيلسوف ا ومنظرا سياسي ا يف نظرية
العالقات الدولية خالل تفسريه ألسباب احلرب ،ونتيجة للجدل احلاصل حول هذه الظاهرة ،بدأت تظهر «معامل احلل
الوسط يف احلقل للتوفيق والتوليف بني احلجج البنائية واحلساابت العقالنية املاديةMiddle Ground ،
.28»Between Constructivist Accounts And The Rational-Material Accounts
إ ّن اإلعتبارات اهليغلية حول العنف هامة ،أل ّن هلا عالقة ابألسباب اإلجتماعية والثقافية والعقالنية للحرب ،وابملوازاة وعن
24
- ibid, P.68
25
- ibid, P.172
26
- ibid , P.176
27
-Tony Burns, Realism and Utopianism in Hegel’s Political Thought: National Sovereignty,
International Relations and the Idea of a ‘World State’, Op. cit., P.3
28
- Joseph Mackay and Jamie Levin, «The case for Hegel in International Relation Theory: Making
War and Making States», Departement of Political Science, University of Toronto, p1. See link:
www.cpsa-acsp.ca/papers-2010/MacKay-Levin.pdf.
10
كثب ،أضافت البنائية مؤخرا هذه العوامل يف حتليلها للعالقات الدولية دون حتييد األسباب املادية .أيضا الدولة عند
هيغل يف «حتققها هي الفكرة األخالقية »29 «his actuality of the ethical Idea ،إستمر هذا التعريف
لدى مدارس العالقات الدولية لكنه شهد إضطراابا .مثالا؛ الوطنية ( ،(patriotismاعتربت سبب ونتيجة للحرب على
ح ٍّد سواء ،هذه األخرية اليت تؤدي بدورها إىل نزاعات بني الدول ،وحالة حب الوطن هي أحد اآلاثر اجلانبية هلا .على
خطى هيغل ،يشري ألكسندر ويندت ( Alexander Wendtماينز ،أملانيا الغربية -1958؟ على يديه أتسست
النظرية البنائية االجتماعية يف العالقات الدولية ،له كتاب «النظرية االجتماعية للسياسة الدوليةSocial Theory ،
)»of International Politicsعام 1999إىل أن التفاعالت بني الدول ،وبني الوكاالت واهلياكل ،تساعد
على متايز وتباين طبيعة النظام الدويل.30
إ ّن حجج املدرسة البنائية عام 1992هي أ ّن الدول كانت حتدد هويتها :من هي؟ وما هي مصلحتها؟ فيما
يتعلق ابلدول األخرى داخل النظام الدويل ،وتنص على وضع توقعات وهوايت بناءا على التفاعالت .هذه األخرية ميكن
أن تتغري مع مرور الوقت «من حرب هوبز إىل سالم كانط ،والعكس ابلعكسfrom a hobbesian war to ،
،31»kantian peace and vice-versaحسب ويندت هذا يتوقف على طبيعة التفاعل بني الدول :صراع أو
تعاون ( .)conflict or cooperationإذن؛ فقد إرتبطت األسباب الفكرية للحرب عند هيغل ابلنقاش املتعلق
ينم عن حضور احلجج املعيارية ))normative argument
ابلعالقات الدولية يف املدرسة البنائية ،هذا التقاطعُّ ،
والتفسري العلمي االجتماعي ( )social scientific explanationللصراع جنبا إىل جنب ،مما جيعل التأكيد
اهليغلي أب ّن دماية إستقرار اهلوايت الوطنية ميكن أن يكون مبثابة تفسري للعنف املنظم يف غياب تفسري ألساس املصلحة
الذاتية .32بوقفة حتليلية للتقاطعات املوجودة بني هيغل والنظرية البنائية؛ نالحظ أ ّن نسقية هيغل حاضرة داخل الصرح
البنائي ،أل ّن اجلدل اهليغيلي يف ح ّد ذاته بنائي ،يهدف اىل تركيب قضية جديدة تستأنف وتستكمل الرهاانت النظرية
والواقعية للظاهرة حمل الدراسة يف العالقات الدولية.
29
- Georg W.F Hegel, Hegel’s Philosophy of Right, Trans. T .M .Knox. Oxford University Press,
London, 1942, P.228
30
- Joseph Mackay and Jamie Levin, «The case for Hegel in International Relation Theory: Making
War and Making States», Op. cit.,, p14-15.
31
- ibid.
32
- ibid.
11
يف إعادة تقييم هيغل ميكن أن نُدقق يف بعض اإلشكاليات املركزية لعلم العالقات الدولية .من هنا فإنّنا سنؤكد
على أسباب احلرب يف الوقت الذي ال يزال اجلدل بني النظرايت البنائية ) (Constructivismوالنظرايت العقالنية
) 33(rationalismيهيمن على الدراسات األمنية 34؛
البنائية؛ إتصال convergence النقاش الرباديغمي 35:Paradigmatic Debateالعقالنية
البنائية؛ تنافر Estrengement العقالنية
= تصور بديل Aleternative View؛
يقدم هيغل أساسه إلعتبار احلرب من خالل السياسة الداخلية واهلوية الوطنية .واحلرب بدورها مرتبطة حسب
هيغل بتكوين الدولة ( ،)State Formationأي الرتابط السبيب بني صناعة الدولة وصناعة احلرب .وهذا كذلك عند
هيغل ميكن أن يساعد على شرح أمهية القومية ( )Nationalismواحلرب القومية ( )Nationalistic Warجنبا
إىل جنب مع أسباب اإلمربايلية من وجهة نظ ٍر عقالنية.36
إ ّن مقاربة هيغل لقضااي العالقات الدولية يف «فلسفة احلق» ُمتاثل مقاربته لفهم العالقات البينية لألفراد .ويعترب
عرب عن احلكم ،هذا الشخص يسعى إىل اإلعرتاف «ابآلخرين» ،ويف حالة الفرد «الفرد» يف كل حالة بوصفه الكيان املُ ّ
أطروحة الدولة هي دول أخرى .أبلغ صاحب أطروحة «الصراع من أجل اإلعرتاف» يف «فينومينولوجيا الروح» ،أنّه البد
حل هذا الصراع ،فحسب هيغل ال يتم أبدا ُّ
من إعادة معرفة األسباب األصلية للصراع الدويل ،ويف نفس الوقت ،لن ّ
يوجد على املستوى العاملي حالة املعاملة ابملثل .إذا كان النضال من أجل اإلعرتاف ،بني األسياد والعبيد ،له نتائج على
املستوى األدىن يف إنشاء نوع من الدولة ،يعيش ضمنها املواطنون أحرارا ومتساوين ،يف إطار واحد هو القانون السامي،
فإن هذا -مع إصرار هيغل -مل ولن حيدث دوليا .37هذا التدابر والتقابل بني إمكانية اإلعرتاف واحتمال الصراع ،يضع
هيغل يف خانة املنظرين لظواهر التعاون والصراع الدوليني ،إذ حياول هيغل أن خيرج إبمكاانت حتليلية جتعل الباحث ابرعا
يف تفكيك مثل هذه التناقضات النظرية اليت يف جوهرها حتمل توافقات واقعية.
-33البنائية والعقالنية؛ مصدر تسمية البنائية هو أن املعىن هو مبىن إجتماعي” that meaning is “socially constructed.مثال السيادة هي
مؤسسة إجتماعية .أما العقالنية فهي منظور جاء لفهم الواقع الدويل على صورته احلقيقية ،تبنت هذا املنظور كل من الواقعية والليبريالية .أنظر:
-Ian hurd, «Constructivism», Chapitre 17:
http://faculty.wcas.northwestern.edu/~ihu355/Home_files/17-Smit-Snidal-c17.pdf, P300
34
- Joseph Mackay and Jamie Levin, Op. cit., P14-15.
-35اعتمدان يف إجناز هذا املخطط البسيط على األفكار الواردة يف املرجع التايل:
- Andrew Bradley Phillips, «Constructivism», in Griffiths, M. (ed.), International Relations Theory
for the 21st Century: An Introduction, London: Routledge, 2007, p .61
36
- Joseph Mackay and Jamie Levin, Op. cit., P.01.
37
- Tony Burns, Op. cit., P12.
12
القوة الغامشة
لقد أُخذ على فلسفة هيغل أ ّّنا ّبررت إخضاع مصاحل الفرد ملصاحل الدولة ،واليت تستند سلطتها إىل ّ
كليا ،واليت تُقيم عالقاهتا مع الدول األخرى ضمن خو ٍاء أخالقي وتنظّمها عرب مبدأ «اجلربوت هو احلق»)is Right
،)Mightلكن تشديد هيغل كان على اجلربوت «الروحي» أو املعنوي ال املادي للدولة .فهو يرى أ ّن للحرب بعض
مروج ا شريرا عدمي اإلحساس ملذهب «اجلربوت
قر بشرورها الواضحة يف آن واحد ،وبدالا من أن يكون ّ
الفوائد اإلجيابية ويُ ّ
متحسرا على أن مثل تلك القيود الرمسية مل تعد كما ينبغي أن
ّ هو احلق» ،ومزدرايا ل«القانون الدويل» ،أخذ هيغل يبدو
تكون عليه .وتتطلع عوضا من ذلك إىل األعراف واألشكال املختلفة من اإلعرتاف املستندة إىل األسرة ،واجلماعة،
38
فوفقا هليغل ،يكمن سبب احلرب الرئيس يف طبيعة الدولة
واجملتمع املدين ،والدول يف عالقاهتا املتبادلة كتأثريات مقيّدة ُ .
الفريدة املمثلة يف ُحكم ذايت حيمي اهلوية اجملتمعية لسكاّنا .فالشعب وليد وسط معني ،وهو ميلك اترخيا ،لغةا مشرتكةا،
عادات ،أهواء وقواعد سياسية وإجتماعية حم ّددةٌ ،وال ميكن هلويته أن تشمل البشرية ةمعاء .فبالنسبة هليغل ،تندلع
احلروب نتيجة نزاع بني طريقتني متضاربتني للحياة .وحّت عندما تتعاون الدول ،تبقى أهدافها ومصاحلها نُصب عينيها.
فيمكن توقيع املعاهدات وإقامة التحالفات ،لكنّها تدوم بدوام املنفعة اليت جتلبها على رفاه األطراف املتعاقدة.39
إذن؛ ينبين تصور هيغل لثنائية السلم واحلرب على طبيعة الرؤية اإلدراكية للدولة ،فالرؤية القائمة على إدراك مبدأ
التعاون تشكل منطق السلم يف العالقات الدولية ،أما الرؤية املرتكزة على إدراك مفهوم الصراع فهي منطق احلرب يف
العالقات الدولية .وأصل التعاون والصراع عند هيغل فلسفة احلياة لكل شعب ،أي طريقة العيش معا ،إذا حدث توافق
يف طريقة احلياة أو تضارب ...وهذا راجع كلّه إىل أهداف ومصاحل كل طرف .لفهم هذه الفكرة الب ّد من الرجوع إىل
السياق التارخيي الذي ُولدت فيه الفكرة اهليغيلية حول الدولة.
سوغات الطرح
وسع أ ّن هناك أبعاد نظرية ومنهجية على العالقات الدولية إحدى ُم ّ
نستنتج من هذا التحليل املُ ّ
كمنجز هيجيلي يف
املؤسسة للحقل ،بينما ال أحد خيتلف يف أ ّن العمل النظري ُ
الداعي إلدراج هيغل يف املناقشات ّ
العالقات الدولية ال يُصنّف ضمن املكانة التحتية .40من هنا ميكن التعويل على النظرية اهليغيلية ّ
ألّنا ترتقي إىل أتسيس
براديغم معياري ينافس ويناجز الرباديغم الوضعي يف حقل العالقات الدولية .رغم أ ّن هيغل يف نظريته السياسية ينطلق
أفالطوني ا (مثالي ا) وينتهي أرسطي ا (واقعي ا) يف تفسريه لنشأة الدولة احلديثة.
-5الدولة اهليغيلية ( :)L' Etat hégélienحقيقة الدولة والقانون الدويل؛ احلرب صريورة وضرورة
- 41علي عبود احملمداوي ،الفلسفة السياسية :كشف ملا هو كائن ،وخوض يف ما ينبغي للعيش معاً ،منشورات ضفاف-االختالف ،اجلزائر-بريوت ،ط،1.
،2015ص.171
-42املرجع نفسه.
43
-Tony Burns, Op. cit., P .17
--44عبد الردمن بدوي ،املرجع السابق ،ص.215-214
-45املرجع نفسه ،ص.215-214
14
أمام هذا التحليل ،نستدعي حتليلنا اخلاص يف إعتبار فردنة الدولة تتويج للنواة النظرية اليت اعتمدها هيغل داخل
نسقه الفلسفي الشامل وهي «جدل الفكرة»؛ القضية األوىل ،الفرد؛ القضية الثانية ،الدولة؛ الرتكيب ،فردنة الدولة .حييلنا
هذا الرتكيب إىل معىن أساسي مرتبط بنزع القداسة عن اهليئات السياسية اليت تدير شؤون الدولة ،فالدولة تفتقد
شخصيتها املعنوية حينما تتحول إىل فرد هلا سلوك سياسي معني ،خصوص ا وأ ّن اجلهاز املفاهيمي عند هيغل يفرق بني
احلق والقانون ،فاحلق هو نسيج من العادات واألخالق واألعراف والدين حتقق الفعل ،والقانون خيط رفيع من هذا
النسيج .فالقانون هو الذي يضمن التحقق الفعلي هلذه األنسجة ،سواء ابلنسبة للسيادة الداخلية أو السيادة اخلارجية.
وال ميكن أن نضع الدولة واحلرب يف صورة متناقضة ،أل ّن احلرب هي وقود العملية البنائية للدولة يف نظر هيغل .ويف هذه
االملاحة أيضا نشري إىل أنّه ميكن أن يتكرر منوذج الفردنة يف املدرسة السلوكية ،عندما إختزلت هذه األخرية سلوك الدولة
يف سلوك الفرد وبرز عندها ما يسمى «السلوك السياسي» كوحدة حتليلية.
إ ّن هيغل يف نظرية العالقات الدولية ،على الرغم من أمهيته املركزية يف النظرية السياسية ،كثريا ما ينفتح على قانون
العالقات الدولية .46ينطلق هيغل يف أتسيسه للقانون الدويل على فكرة بسيطة ،كما أشران سابق ا ،وهي «ف ْردنةُ الدولة»،
ألنّه يعترب أ ّن الفرد يتماثل ويتشاكل مع الدولة يف مسألة احلرية واإلستقاللية.
يقول هيغل« :إ ّن للدولة فردية ،وهذه الفردية توجد جوهرايا بوصفها فردا ،ويف احلاكم بوصفها فردا واقعي ا
مباشراthe state has individuality, and individuality is in essence an individual, ،
( »and in the sovereign an actual immediate individualالبند .47)321والفردية ،بوصفها
وجودا – من أجل ذاته مستبعدا للغري ،تتجلّى يف عالقتها مع الدول األخرى ،اليت كل واحد منها مستقلة ابلنسبة إىل
سائر الدول .ومعىن هذا أ ّن اإلستقالل هو جوهر أيّة دولة ،وأنّه من الوهم أن حتاول دولة إدماج دولة أخرى يف داخلها
الوّدي ،أل ّن هذا اإلندماج سيؤدي إىل فقدان الدولتني روحهما وكياّنما احلقيقي اجلوهري .ومن
سواءا ابلغزو أو ابلتفاهم ُ
هنا فإ ّن التاريخ شهد حماوالت إلدماج دولة يف أخرى ،بيد ّأّنا أخفقت إخفاق ا ذريع ا ولو مبرور فرتة طويلة من الزمن.
وهذا هو ما يفسر إحنالل اإلمرباطورايت :املصرية القدمية ،اليواننية اليت خلفها اإلسكندر املقدوين ،إمرباطورية شارلكان
(كارل اخلامس) ،إمرباطورية انبوليون ... ،اإلمرباطورية الروسية اليت تفككت يف عامي (.48)1991 – 1990
إذن يشري هيغل إىل سبب عدم واقعية القانون الدويل العام حينما يقول« :إ ّن القانون الدويل العام ينتج عن
العالقات بني دول مستقلة ،وما هو يف ذاته وبذاته يتّخذ شكل ما جيب أن يكون ،أل ّن وجوده الواقعي يقوم على إرادات
46
- Joseph Mackay and Jamie Levin, Op. cit., P.01
47
- Georg W.F Hegel, Hegel’s Philosophy of Right, Op. cit , P.309
احلديث عن تنازع اإلرادات ،يقودان إىل تدقيق مفهوم احلرب الباردة اليت اعتربت يف التحديد القاموسي
واالصطالحي «صراع أيديولوجي» ،بيد أنّه يوجد إلتباس وغموض يف فهم هذا املصطلح ،خاصة يف حقل العالقات
الدولية .يف تقديري أ ّن هذا الصراع ليس بني القوى الكربى اليت متثّل قُطيب الصراع وهي الوالايت املتحدة األمريكية
كل وحدة سياسية يف مواجهة صنّاع القرار داخل ّ
واإلحتاد السوفيايت ،بل هو صراع بني ُمدركات وقيم ومعتقدات وإرادات ُ
الوحدة السياسية اجملاهبة .إذن الصراع األيديولوجي أطرافه أفراد وليس دول .فالسلوك السياسي للدولة ما هو يف احلقيقة
إالّ متثّل أنطولوجي ( )Representation Ontologicalإلرادات األفراد املتنازعة حول مصاحل حيوية معينة.
ُ
لقد كان للفلسفة اهليغيلية حضور يف احدى كتاابت املنظرين املعاصرين خالل فرتة ما بعد ّناية احلرب الباردة ،حيث
وظفت يف تفسري الدميقراطية كآخر نظام سياسي للحكم ،وهبا يُسدل الستار على التاريخ.
49
-Georg W.F Hegel, Op. cit., P.316
50
- Alexendre Kojève, Introduction à La lecteur de hegel, Bibliothèque nationale, Galimard, Paris,
p.07
سرو ،هيغل واهليغيلية ،ترةمة أدونيس العكره ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بريوت ،ط ،1993 ،1ص .69-68
-رينيه ّ
51
16
املتنوعة واملتعددة مبا فيها الفاشية والشيوعية ،لكن الدميقراطية الليربالية وحدها تلتقي مع حاجات اإلنسان األساسية
كاإلعرتاف واحلرية السياسية واملساواة .إ ّن هيغل هو من إفرتض أ ّن ّناية التاريخ ستحل عندما ينجز البشر نوع احلضارة
الذي يرضي رغباهتم األساسية .ابلنسبة إىل هيغل ،نقطة النهاية هذه هي الدولة الدستورية .ويف نصه ،يشري هيغل إىل أن
انبليون كان الرائد يف هذا اجملال بداية القرن التاسع عشر .ويصرح فوكوايما قائالا« :إنّنا حباجة إىل اعتماد مثالية هيغل
الفلسفية من جديد والتخلي عن فلسفة ماركس املادية وأتباعها ،اليت تقول إ ّن اإلشرتاكية ضرورية لتخطّي الالّمساواة يف
اجملتمعات الرأمسالية» .52وعليه ،جيد فوكوايما يف نظرايت هيغل ُّ
تفهما عميقا لطبيعة اإلنسان ،ال توحي به أفكار فالسفة
كتوماس هوبز وجون لوك.
يف هذا االجتاه ،ينطلق فوكوايما من شبكة مفاهيمية أفالطونية ،فيعرض ل»تيموس» ،والذي ترجم إىل الروحانية،
الشجاعة والرغبة .أما »امليغالوثيميا« فهي تيموس الرجال العظماء حمركي التاريخ كقيصر وستالني .وأخريا؛ »إيزوثيميا
التفوق ،بناءا على ذلك يعد التاريخ صراع بني هذين الشغفني.
«وهي املطالبة املتواضعة ابإلعرتاف بواسطة املساواة ال ّ
ومن ينهي هذا الصراع هو عبقرية الدميقراطية الليربالية الرأمسالية .إ ّن جدلية السيد والعبد هي حمرك أول للتاريخ الذي ال
ميكن أن يشهد اإلستقرار ما دام البشر منقسمني إىل سادة وعبيد .فلن يقبل هؤالء إطالقا بصفة التبعية املنسوبة إليهم،
فتحل املساواة السياسية يف
وهنا تظهر عبقرية الدميقراطية يف قدرهتا على املصاحلة بني أنواع الرغبة اليت ذكرها أفالطون؛ ُّ
وح ّجة هؤالء الذين يناضلون من أجل السيطرة هي فكرة إجياد الثروة التابعة للفكر
التفوق والسيطرةُ .
اجملتمع بدالا من ّ
الرأمسايل وةمعها .ويعتمد فوكوايما أيض ا على تفسري فلسفة هيغل الذي ق ّدمه كوجييف ،عن أ ّن دولة الرفاه قد حلّت
مشكالت الرأمسالية اليت طرحها ماركس .وقد جنحت الرأمسالية يف إزالة تناقضاهتا الداخلية .ابإلضافة إىل ذلك ،هي ال
تؤمن اإلزدهار املادي فقطّ ،إمنا أيض ا األفكار والقيم املتجانسة وتُضعف إصطدام األيديولوجيات بني الدول ،لذا فهي
ّ
تُقلّل من خطر احلرب والتهديد هبا .إ ّن هيغل نفسه مل يعتقد أ ّن ّناية احلرب بني الدول قد تكون ُحمتملة على الصعيد
جتانس القيم بني القوى العظمى عملية السالم يف
ُ عزز
الدويل .إتفق كوجييف وفوكوايما على أنّه فيما تستمر احلروب ،يُ ّ
الدول الكربى ،وهي األهم على املدى البعيد.53
يف كتابه «ّناية التاريخ والرجل األخري» ( ،)1992يدرس فوكوايما الدميقراطية الليربالية دراسة نقدية يف بلدان
أمريكا الالتينية عام ،1980كمظهر من مظاهر النهاية بعد مسار أطول ،واليت نشأت من رحم الثورات الفرنسية
واألمريكية .يشري فوكوايما أ ّن إ نتشار وتطوير الدميقراطيات الليربالية يف ةميع أحناء العامل ميكن فهمه وفق مفهوم هيغل
خامتة:
يقتضي األمر إعادة التفكري يف هيغل واالنفتاح على فكره ،لقد أضاف هيغل املنهج اجلديل يف حتليل ظواهر
العالقات الدولية ،خاصة السلم واحلرب؛ فهم العالقات الدولية مبنظور جديل يفرتض أ ّن احلرب ظاهرة طبيعية والسلم
ظاهرة إنسانية ،واالنسان والطبيعة كالمها ينتميان إىل حركة اجلدل ،فاالنسان دائما يف صراع مع الطبيعة ،لكن هيغل
يبحث عن قانون يف اجلدل هو قانون التغري األبدي والنشوء واالرتقاء ،هدفه إبقاء الصراع لكن يف اآلن ذاته ،إخراجه من
دميومته .إ ّن الدولة يف نظر هيغل ترتكز على العقالنية بيد أ ّّنا متناقضة يف مواجهتها للحرب ويف دخوهلا ضمن اعتبارات
القانون الدويل الذي هو يف األصل غري واقعي يشهد اخرتاقات وجتاوزات ،لذلك ال بد من طرح بديل إنساين يتجاوز
صنمية القانون ،هذا البديل هو االعرتاف الذي يستمد أصوله من السوسيولوجيا احلديثة .إن براديغم االعرتاف يف
العالقات الدولية ذو أمهية نظرية كبرية ألنه خيفف من حدة الصراع الدويل ،يف الوقت الذي جنده مفارقا ملقولة النهاية اليت
حتضى مبكانة هامة يف فلسفة التاريخ البشري اليت جاء هبا هيغل ونقلها تيار ما بعد اهليغيلية ()Post-hégélienne
متمثالا يف كوجيف من خالل اكتمال النسق وفيما بعد طورها فوكوايما إىل ّناية التاريخ ،وقد استمر هذا الرباديغم مع
النظرية االجتماعية النقدية يف العالقات الدولية ،والذي اجته حنو التنظري لظاهرة التعاون الدويل.
إ ّن الدميقراطيات املعاصرة املبنية على دولة احلق والقانون يف العالقات الدولية متتد أبصوهلا إىل اهليغيلية .إذ ال ميكن
دراستها بشكل حقيقي إالّ ابلرجوع إىل النظرايت املعيارية ،وعليه فقد أسهم هيغل يف تطوير االجتاه الرتكييب أو التكويين
54
-Bryan Wilcox, «Problematizing Fukuyama: Heidegger's 'Enframing' as an Alternative to Hegel's
'Recognition' in Studies of Global Democratization», Conference Papers - New England Political
Science Association, 2012, p1-9.
18
( )Constitutive Trendيف العالقات الدولية والتوليف بني النظرايت العقالنية والنظرايت البنائية لطرح رؤية
شاملة يف تفسري الظواهر الدولية.
19
املصادر واملراجع
-ابوتشر ،دافيد ،النظرايت السياسية يف العالقات الدولية :من ثيوسيديدس حىت الوقت احلاضر ،ترةمة رائد
القاقون ،املنظمة العربية للرتةمة ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،ط2013 ،1
-خبضرة ،مونيس ،اتريخ الوعي :مقارابت فلسفية حول جدلية إرتقاء الوعي ابلواقع ،منشورات اإلختالف-الدار
العربية للعلوم ،اجلزائر-بريوت ،ط2009 ،1.
-بدوي ،عبد الردمن ،فلسفة القانون والسياسة عند هيغل ،دار الشروق ،بريوت ،ط1996 ،1
-غريفيثس ،مارتن وتريي أوكاالهان ،املفاهيم األساسية يف العالقات الدولية ،مركز اخلليج لألحباث ،ديب2008 ،
-بوقرن ،عبد هللا« ،اآلخر يف جدلية التاريخ عند هيغل» ،أطروحة دكتوراه العلوم يف الفلسفة ،كلية العلوم
االجتماعية واإلنسانية ،قسم الفلسفة ،جامعة قسنطينة ،السنة اجلامعية2007 – 2006 :
-الربيعي ،ظاهر عبد الزهرة« ،الوزن اجليوبوليتيكي للمساحة يف إسرائيل :دراسة تطبيقية» ،جملة آداب البصرة،
العدد ،56 :كلية الرتبية ،جامعة البصرة2011 ،
ّ -
سرو ،رينيه ،هيغل واهليغيلية ،ترةمة أدونيس العكره ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بريوت ،ط1993 ،1
-الالند ،أندريه ،موسوعة الالند الفلسفية ،اجمللد الثالث ،ترةمة خليل أدمد خليل ،منشورات عويدات ،بريوت،
ط2001 ،2
-حممد ،بلخرية« ،براديغمات العالقات الدولية املعاصرة :املركزية الغربية منوذج ا» ،أكادمييا للدراسات االجتماعية
واإلنسانية ،قسم العلوم االقتصادية والقانونية ،جامعة الشلف ،العدد العاشر ،جوان 2013
-احملمداوي ،علي عبود ،الفلسفة السياسية :كشف ملا هو كائن ،وخوض يف ما ينبغي للعيش معاً ،منشورات
ضفاف-االختالف ،اجلزائر-بريوت ،ط2015 ،1.
يش ،أصول فلسفة احلق ،اجمللد األول ،ترةمة إمام عبد الفتاح إمام ،مكتبة مدبويل ،القاهرة، -هيغل ،غ ْ
يور ْغ فله ْم فر ْيدر ْ
1996
،فينومينولوجيا الروح ،ترةمة وتقدمي انجي العونلي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،املنظمة -
العربية للرتةمة ،بريوت ،ط2006 ،1
،حماضرات يف فلسفة التاريخ :العقل يف التاريخ ،اجمللد األول ،ترةمة وتقدمي ومراجعة إمام -
عبد الفتاح إمام ،التنوير للطباعة والنشر والتوزيع ،بريوت ،ط2007 ،3
20
- Burns, Tony, «Realism and Utopianism in Hegel’s Political Thought: National
Sovereignty, International Relations and the Idea of a ‘World State’», Working
Paper Series, Centre for the Study of Social and Global Justice, School of Politics
& International Relations, University of Nottingham, P 17. See Link :
www.nottingham.ac.uk/cssgj/documents/working-papers/wp006.pdf
- Dunne, Tim, Milja Kurki , and Steve Smith, International Relations
Theories:Discipline and Diversity Oxford University Press, United Kingdom,
Third Edition,2013
- Essai Philosophique, «sur la paix perpétuelle Immanuel Kant avec préface de
ch.L emonnier», G.Fischbacher Libraire éditeur, Paris, 1880
- Khan, Khurshid, «Limited War Under the Nuclear Umbrella and its Implications
for South Asia», See Link: www.stimson.org/images/uploads/research-
pdfs/khurshidkhan.pdf
- Kojève, Alexendre, Introduction à La lecteur de hegel, Bibliothèque nationale,
Galimard, Paris
- Mackay, Joseph and Jamie Levin, «The case for Hegel in International Relation
Theory: Making War and Making States», Departement of Political Science,
University of Toronto, p1. See link:www.cpsa-acsp.ca/papers-2010/MacKay-
Levin.pdf
- Wilcox, Bryan, «Problematizing Fukuyama: Heidegger's 'Enframing' as an
Alternative to Hegel's 'Recognition' in Studies of Global Democratization»,
Conference Papers - New England Political Science Association, 2012
- Yinda, André-MarieYinda, »Penser les relation internationales Africaines des
problèmes aux philosophèmes politiques aujourd’hui», Polis, R.C.S.P. / C.P.S.R.
Vol. 8, Numéro Spécial, 2001
21