Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 57

‫مقدمة ‪:‬‬

‫هذا كتابنا يف الرد على كتاب العرش للذهيب‬


‫نبني فيه أن هلل تعاىل العلو املطلق وليس علو جهة وإشارة فاهلل تعاىل هو األعلى قبل خلق السموات والعرش ومل يستفد‬
‫علوًا بعد خلقه هلما بل هو فوق كل شيء قهرًا وغلبة وقوة ‪.‬‬
‫وهذا ال يعين أننا نقول أن اهلل تعاىل يف كل مكان بل هلل املكانة العالية ال املكان العايل وإال لكان الساجد هلل أبعد اخللق‬
‫عن اهلل ولكان الذين يف رؤوس اجلبال خري ممن هم يف السهول والوديان فمن أراد العناد فليبق قول الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم على ظاهره ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو الساجد فأكثروا الدعاء ) بال تأويل مث ليقل أن اهلل حتت‬
‫األرض وهذا ال يقوله من يف رأسه مسحة عقل ولكن تراهم يسارعون للتأويل هنا وملنعه هناك كما فعلوا يف قوله تعاىل‬
‫يف سورة األنعام ( وهو اهلل يف السموات ويف األرض ) فأولوا نصف اآلية اآلخر ومتسكوا بالظاهر يف نصفها األول‬
‫وهذا حتكم يف الدليل ال يفعله إال من يف قلبه مرض ‪.‬‬
‫وقد اكتفيت يف الرد على كتاب العرش ببيان املقصود من أدلة القرآن وأدلة السنة لسببني أوهلما أن يف ببياهنما يتضح‬
‫كل مشكل يف أي قول آخر وألننا مأمورون حني التنازع يف شيء أن نرجع هلل ورسوله ( فإن تنازعتم يف شيء فردوه‬
‫إىل اهلل والرسول إن كنتم تؤمنون باهلل واليوم اآلخر ذلك خري وأحسن تأويًال )‬
‫وثانيهما هو االبتعاد عن تطويل الكتاب وألن يف بيان أدلة الكتاب والسنة ما يكفي من الرد على كل قول خمالف أو ما‬
‫ُفهم بشكل خمالف‬
‫هذا وقد ميزنا بني كالمنا وكالم املؤلف باللون األمحر حىت يسهل الوصول للرد بشكل أسرع وكذلك يف حال كانت‬
‫األدلة متشاهبة جعلنا حتتها رٌد واحد يرجع للكل‬
‫كما أننا استدللنا من اخلصوم على أنفسهم فكثريًا ما كان الذهيب يضعف أدلته اليت جاء هبا خاصة يف كتابه العلو وهذا‬
‫ما جعلنا نكتفي بالرد على كتابه العرش عن الرد على كتابه العلو ملا بينهما من تشابه وألن الرد هنا يفي بالغرض يف‬
‫الرد ليس فقط على كتاب العلو بل على كل قول فيه شبه من قول الذهيب أو غريه‪.‬‬
‫هذا ونسأل اهلل تعاىل أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا مبا علمنا وييسر لنا العلماء الربانيني ويدرأ عنا علماء السوء أشباه‬
‫اليهود والنصارى يف إمياهنم ومعتقداهتم ‪.‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‬

‫كتبه عبد اهلل إياد‬


‫غفر اهلل له ولوالديه وجلميع املسلمني‬
‫فصل يف بيان أدلة القرآن‬

‫الدليل على أن اهلل تعاىل فوق العرش‪ ،‬فوق املخلوقات‪ ،‬مباين هلا‪ ،‬ليس بداخل يف شيء منها‪ ،‬على أن علمه يف كل‬
‫مكان‪ :‬الكتاب والسنة وإمجاع الصحابة والتابعني واألئمة املهديني‪.‬‬

‫أما الكتاب‪:‬‬

‫فقوله تعاىل‪{ :‬الرمحن على العرش استوى}‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬مث استوى على العرش} يف ستة مواضع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قال البخاري يف صحيحه‪ :‬قال جماهد‪" :‬استوى‪ :‬عال على العرش"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬مسعت بشر بن عمر قال‪ :‬مسعت غري واحد من املفسرين يقول‪{" :‬الرمحن على العرش‬
‫استوى} أي ارتفع"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وقال حممد بن جرير الطربي يف قوله {مث استوى على العرش الرمحن}‪" :‬أي عال وارتفع"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وقال أبو عبيدة‪" :‬أي صعد"‪.‬‬

‫ذكره البغوي يف تفسريه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وقال الفراء‪{ :‬مث استوى} أي صعد‪ ،‬قاله ابن عباس وهو كقولك‪ :‬الرجل كان قاعًد ا مث استوى قائما"‪.‬‬

‫رواه عنه البيهقي يف الصفات له‪.‬‬


‫‪6‬‬
‫وروى الدارقطين عن إسحاق الكاذي قال‪ :‬مسعت أبا العباس ثعلبا يقول يف {استوى على العرش}‪" :‬عال‪ ،‬واستوى‬
‫الوجه‪ :‬اتصل‪ ،‬واستوى القمر‪ :‬امتأل‪ ،‬واستوى زيد وعمرو‪ :‬تشاهبا‪ ،‬واستوى إىل السماء‪ :‬أقبل‪ .‬هذا الذي نعرف من‬
‫كالم العرب"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وقال داود بن علي‪ :‬كنا عند ابن األعرايب فأتاه رجل فقال‪" :‬ما معىن قوله‪{ :‬على العرش استوى}"؟ قال‪" :‬هو على‬
‫عرشه كما أخرب‪ .‬فقال‪ :‬با أبا عبد اهلل إمنا معناه استوىل‪ .‬فقال‪" :‬اسكت ال يقال استوىل على الشيء حىت يكون له‬
‫مضاد فإذا غلب أحدمها قيل‪ :‬استوىل"‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وقال حممد بن أمحد بن النضر‪ :‬مسعت ابن األعرايب صاحب اللغة يقول‪ :‬أرادين ابن أيب دؤاد أن أطلب له يف بعض لغات‬
‫العرب ومعانيها {الرمحن على العرش استوى} مبعىن استوىل‪ ،‬فقلت‪" :‬واهلل ما يكون هذا وال أصبته"‪.‬‬

‫الرد‪:‬‬

‫يقول ابن عاشور يف تفسريه لالستواء ما يلي ‪:‬‬


‫فاالستواء يعرب عن شأن عظيم من شؤون عظمة اخلالق تعاىل ‪ ،‬اختري التعبري به على طريق االستعارة والتمثيل ‪ :‬ألن‬
‫معناه أقرب معاين املواد العربية إىل املعىن املعرب عنه من شؤونه تعاىل ‪ ،‬فإن اهلل ملا أراد تعليم معانٍن من عامل الغيب مل‬
‫يكن يتأتى ذلك يف اللغة إال بأمثلة معلومة من عامل الشهادة ‪ ،‬فلم يكن بد من التعبري عن املعاين املغيبة بعبارات تقرهبا‬
‫مما يعرب به عن عامل الشهادة ‪ ،‬ولذلك يكثر يف القرآن ذكر االستعارات التمثيلية والتخييلية يف مثل هذا ‪.‬وقد كان‬
‫السلف يتلقون أمثاهلا بال حبثٍث وال سؤال ألهنم علموا املقصود اإلمجايل منها فاقتنعوا باملعىن جممًال ‪ ،‬ويسمون أمثاهلا‬
‫باملتشاهبات ‪ ،‬مث ملا ظهر عصر ابتداء البحث كانوا إذا سئلوا عن هذه اآلية يقولون ‪ :‬استوى اهلل على العرش وال نعرف‬
‫لذلك كيفًا ‪ ،‬وقد بينت أن مثل هذا من القسم الثاين من املتشابه عند قوله تعاىل ‪ { :‬وأخر متشاهبات } يف سورة آل‬
‫عمران ( ‪ ، ) 7‬فكانوا يأبون تأويلها ‪ .‬وقد حكى عياض يف املدارك } عن سفيان بن عيينة أنه قال ‪ :‬سأل رجل مالكًا‬
‫فقال ‪ :‬الرمحان على العرش استوى ‪.‬كيف استوى يا أبا عبد اهلل؛ فسكت مالٌك مليًا حىت عاله الرحضاء مث سري‬
‫عنه ‪ ،‬فقال ‪« :‬االستواء معلوم والكيف غري معقول والسؤال عن هذا بدعة واإلميان به واجب وإين ألظنك ضاًال»‬
‫واشتهر هذا عن مالك يف روايات كثرية ‪ ،‬ويف بعضها أنه قال ملن سأله ‪« :‬وأظنك رجل سوء أخرجوه عين» وأنه‬
‫قال ‪« :‬والسؤال عنه بدعة» ‪ .‬وعن سفيان الثوري أنه سئل عنها ‪« :‬فقال ‪ :‬فعل اهلل فعال يف العرش مساه استواء» ‪ .‬قد‬
‫تأوله املتأخرون من األشاعرة تأويالت ‪ ،‬أحسنها ‪ :‬ما جنح إليه إمام احلرمني أن املراد باالستواء االستيالء بقرينة تعديته‬
‫حبرف على ‪ ،‬وأنشدوا على وجه االستيناس لذلك قول األخطل ‪:‬قد استوى بشٌر على العراق ‪ ...‬بغري سيف ودم‬
‫مهراقوأراه بعيدًا ‪ ،‬ألن العرش ما هو إال من خملوقاته فال وجه لإلخبار باستيالئه عليه ‪ ،‬مع احتمال أن يكون األخطل‬
‫قد انتزعه من هذه اآلية ‪ ،‬وقد قال أهل اللغة ‪ :‬إن معانيه ختتلف باختالف تعديته بعلى أو بإىل ‪ ،‬قال البخاري ‪ ،‬عن‬
‫جماهد ‪ :‬استوى عال على العرش ‪ ،‬وعن أيب العالية ‪ :‬استوى إىل السماء ارتفع فسوى خلقهن ‪.‬وأحسب أن استعارته‬
‫ختتلف بقرينة احلرف الذي يعدى به فعله ‪ ،‬فإن عدي حبرف ( على ) كما يف هذه اآلية ونظائرها فهو مستعار من معىن‬
‫االعتالء ‪ ،‬مستعمل يف اعتالء جمازي يدل على معىن التمكن ‪ ،‬فيحتمل أنه أريد منه التمثيل ‪ ،‬وهو متثيل شأنن تصرفه‬
‫تعاىل بتدبري العوامل ‪ ،‬ولذلك جنده هبذا الرتكيب يف اآليات السبع واقعًا عقب ذكر خلق السماوات واألرض ‪ ،‬فاملعىن‬
‫حينئذ ‪ :‬خلقها مث هو يدبر أمورها تدبري امللك أمور مملكته مستويًا على عرشه ‪.‬‬

‫ويقول القرطيب يف تفسريه‬


‫والذي ذهب إليه الشيخ أبو احلسن وغريه أنه مستو على عرشه بغري حد وال كيف كما يكون استواء املخلوقني ‪ ،‬وقال‬
‫ابن عباس يريد خلق ما كان وما هو كائن إىل يوم القيامة وبعد القيامة ‪.‬‬
‫ويقول أيضًا يف موضع آخر‬
‫قلت ‪ :‬فعلو اهلل تعاىل وارتفاعه عبارة عن علو جمده وصفاته وملكوته ‪ .‬أي ليس فوقه فيما جيب له من معاين اجلالل‬
‫أحد ‪ ،‬وال معه من يكون العلو مشرتكا بينه وبينه ; لكنه العلي باإلطالق سبحانه‬
‫وقد يؤول العرش يف اآلية مبعىن امللك ‪ ،‬أي ما استوى امللك إال له جل وعز ‪ .‬وهو قول حسن وفيه نظر ‪ ،‬وقد بيناه يف‬
‫مجلة األقوال يف كتابنا " األسىن يف شرح أمساء اهلل احلسىن وصفاته"‬

‫‪9‬‬
‫وقال أبو العالية الرياحي‪{" :‬استوى إىل السماء} أي ارتفع"‪.‬‬

‫نقله البخاري عنه يف صحيحه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ورواه حممد بن جرير الطربي يف تفسريه عن الربيع بن أنس عنه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال البغوي فيه‪ :‬قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف‪ :‬ارتفع إىل السماء‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وقال اخلليل بن أمحد يف {مث استوى إىل السماء}‪" :‬ارتفع إىل السماء"‪ .‬رواه أبو عمر بن عبد الرب يف شرح املوطأ له‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫يقول ابن عاشور‬


‫واالستواء أصله االستقامة وعدم االعوجاج يقال صراط مستو ‪ ،‬واستوى فالن وفالن واستوى الشيء مطاوع سواء ‪،‬‬
‫ويطلق جمازًا على القصد إىل الشيء بعزم وسرعة كأنه يسري إليه مستويًا ال يلوي على شيء فيعدى بإىل فتكون ( إىل )‬
‫قرينة اجملاز وهو متثيل ‪ ،‬فمعىن استواء اهلل تعاىل إىل السماء تعلق إرادته التنجيزي بإجيادها تعلقًا يشبه االستواء يف التهىيء‬
‫للعمل العظيم املتقن ‪.‬‬

‫ويقول الطربي يف تفسريه‬


‫والعجب ممن أنكر املعىن املفهوم من كالم العرب يف تأويل قول اهلل‪ " :‬مث استوى إىل السماء "‪ ،‬الذي هو مبعىن العلو‬
‫واالرتفاع‪ ،‬هرًبا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه ‪-‬إذا تأوله مبعناه املفهم كذلك‪ -‬أن يكون إمنا عال وارتفع بعد أن كان‬
‫حتتها ‪ -‬إىل أن تأوله باجملهول من تأويله املستنكر‪ .‬مث مل ينج مما هرب منه! فيقال له‪ :‬زعمت أن تأويل قوله " استوى "‬
‫أقبل‪ ,‬أفكان مدبًر ا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل‪ ،‬ولكنه إقبال تدبري‪ ,‬قيل له‪ :‬فكذلك‬
‫فقل‪ :‬عال عليها علو ملك وسلطان‪ ،‬ال علو انتقال وزوال‪.‬‬

‫وقال تعاىل‪{ :‬إليه يصعد الكلم الطيب}‪.‬‬

‫الرد‪:‬‬

‫يقول ابن عاشور‬


‫كان املشركون يتقربون إىل أصنامهم بالثناء والتمجيد كما قال أبو سفيان يوم أحد ‪ :‬اعل هبل ‪ ،‬وكانوا يتحنثون‬
‫بأعمال من طواف وحج وإغاثة ملهوف وكان ذلك كله مشوبًا باإلشراك ألهنم ينوون هبا التقرب إىل اآلهلة فلذلك‬
‫نصبوا أصنامًا يف الكعبة وجعلوا هبل وهو كبريهم على سطح الكعبة ‪ ،‬وجعلوا إسافًا ونائلة فوق الصفا واملروة ‪،‬‬
‫لتكون مناسكهم هلل خملوطة بعبادة اآلهلة حتقيقًا ملعىن اإلشراك يف مجيع أعماهلم ‪.‬فلما قدم اجملرور من قوله ‪ :‬إليه يصعد‬
‫الكلم الطيب } أفيد أن كل ما يقدم من الكلم الطيب إىل غري اهلل ال طائل حتته ‪.‬وأما قوله ‪ { :‬والعمل الصاحل يرفعه }‬
‫ف { العمل } مقابل { الكلم } ‪ ،‬أي األفعال اليت ليست من الكالم ‪ ،‬وضمري الرفع عائد إىل معاد الضمري اجملرور يف‬
‫قوله ‪ { :‬إليه } وهو اسم اجلاللة من قوله { فلله العزة مجيعًا } ‪ .‬والضمري املنصوب من { يرفعه } عائد إىل { العمل‬
‫الصاحل } أي اهلل يرفع العمل الصاحل ‪.‬والصعود ‪ :‬اإلذهاب يف مكان عال ‪ .‬والرفع ‪ :‬نقل الشيء من مكان إىل مكان‬
‫أعلى منه ‪ ،‬فالصعود مستعار للبلوغ إىل عظيم القدر وهو كناية عن القبول لديه ‪ .‬والرفع ‪ :‬حقيقته نقل اجلسم من‬
‫مقره إىل أعلى منه وهو هنا كناية للقبول عند عظيم ‪ ،‬ألن العظيم تتخيله التصورات رفيع املكان ‪ .‬فيكون كٌل من‬
‫( يصعد ) و ( يرفع ) تبعتني قرينيت مكنية بأن شبه جانب القبول عند اهلل تعاىل مبكان مرتفع ال يصله إال ما يصعد إليه‬
‫{إين متوفيك ورافعك إيل}‪.‬‬

‫الرد‪:‬‬

‫يقول ابن كثري يف تفسريه‬


‫وقوله تعاىل "ومطهرك من الذين كفروا" أي برفعي إياك إىل السماء "وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إىل يوم‬
‫القيامة"‪ .‬وهكذا وقع فإن املسيح عليه السالم ملا رفعه اهلل إىل السماء تفرفت أصحابه شيعا بعده فمنهم من آمن مبا بعثه‬
‫اهلل به على أنه عبداهلل ورسوله وابن أمته ومنهم من غال فيه فجعله ابن اهلل وآخرون قالوا هو اهلل وآخرون قالوا هو‬
‫ثالث ثالثة‪ .‬وقد حكى اهلل مقالتهم يف القرآن ورد على كل فريق‬

‫ويقول القرطيب يف تفسريه‬


‫قال مجاعة من أهل املعاين منهم الضحاك والفراء يف قوله تعاىل ‪ " :‬إين متوفيك ورافعك إيل " على التقدمي والتأخري ;‬
‫ألن الواو ال توجب الرتبة ‪.‬واملعىن ‪ :‬إىن رافعك إيل ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تنزل من السماء‬

‫{بل رفعه اهلل إليه}‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول ابن عاشور يف تفسريه‬


‫أي فلم يظفروا به ‪ .‬والرفع ‪ :‬إبعاده عن هذا العامل إىل عامل السماوات ‪ ،‬و ( إىل ) إفادة االنتهاء اجملازي مبعىن التشريف‬
‫‪ ،‬أي رفعه اهلل رفع قرب وزلفى ‪.‬‬

‫ويقول ابن كثري يف تفسريه‬


‫عن ابن عباس قال‪ :‬ملا أراد اهلل أن يرفع عيسى إىل السماء خرج على أصحابه ويف البيت اثنا عشر رجال من احلواريني‬
‫يعين فخرج عليهم من عني يف البيت ورأسه يقطر ماء فقال‪ :‬إن منكم من يكفر يب اثين عشر مرة بعد أن آمن يب قال‪:‬‬
‫مث قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاين ويكون معي يف درجيت فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له‪ :‬اجلس‪ .‬مث‬
‫أعاد عليهم فقام ذلك الشاب فقال‪ :‬اجلس‪ .‬مث أعاد عليهم فقام الشاب فقال‪ :‬أنا فقال‪ :‬هو أنت ذاك فألقى عليه شبه‬
‫عيسى ورفع عيسى من روزنه يف البيت إىل السماء قال‪ :‬وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه مث صلبوه فكفر‬
‫به بعضهم اثنيت عشرة مرة بعد أن آمن به وافرتقوا ثالث فرق فقالت فرقة كان اهلل فينا ما شاء مث صعد إىل السماء‬
‫وهؤالء اليعقوبية وقالت فرقة‪ :‬كان فينا ابن اهلل ما شاء مث رفعه اهلل إليه وهؤالء النسطورية وقالت فرقة‪ :‬كان فينا‬
‫عبداهلل ورسوله ما شاء اهلل مث رفعه اهلل إليه وهؤالء املسلمون فتظاهرت الكافرتان على املسلمة فقتلوها فلم يزل اإلسالم‬
‫طامسا حىت بعث اهلل حممدا صلى اهلل عليه وسلم وهذا إسناد صحيح إىل ابن عباس ورواه النسائي‬

‫ويقول القرطيب يف تفسريه‬


‫بل رفعه اهلل إليه ابتداء كالم مستأنف ؛ أي إىل السماء ‪ ،‬واهلل تعاىل متعال عن املكان‬

‫{خيافون رهبم من فوقهم}‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول القرطيب يف تفسريه‬


‫ومعىن خيافون رهبم من فوقهم أي عقاب رهبم وعذابه ‪ ،‬ألن العذاب املهلك إمنا ينزل من السماء ‪ .‬وقيل ‪ :‬املعىن خيافون‬
‫قدرة رهبم اليت هي فوق قدرهتم ; ففي الكالم حذف ‪ .‬وقيل ‪ :‬معىن خيافون رهبم من فوقهم يعين املالئكة ‪ ،‬خيافون‬
‫رهبم وهي من فوق ما يف األرض من دابة ومع ذلك خيافون ; فألن خياف من دوهنم أوىل‬

‫ويقول الطربي يف تفسريه‬


‫يقول تعاىل ذكره‪ :‬خياف هؤالء املالئكة اليت يف السموات ‪ ،‬وما يف األرض من دابة‪ ،‬رهبم من فوقهم‪ ،‬أن يعذهبم إن‬
‫عصوا أمره‬

‫ويقول ابن عاشور يف تفسريه‬


‫والفوقية يف قوله ‪ { :‬من فوقهم } فوقية تصرف وملك وشرف كقوله تعاىل ‪ { :‬وهو القاهر فوق عباده } [ سورة‬
‫األنعام ‪ ] 18 :‬وقوله { وإنا فوقهم قاهرون } [ سورة األعراف ‪.] 127 :‬‬

‫{يدبر األمر من السماء إىل األرض مث يعرج إليه}‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول ابن كثري يف تفسريه‬


‫وقوله تعاىل "يدبر األمر من السماء إىل األرض مث يعرج إليه" أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إىل أقصى ختوم‬
‫األرض السابعة كما قال تعاىل "اهلل الذي خلق سبع مساوات ومن األرض مثلهن يتنزل األمر بينهن" اآلية وترفع األعمال‬
‫إىل ديواهنا فوق مساء الدنيا ومسافة ما بينها وبني األرض مسرية مخسمائة سنة ومسك السماء مخسمائة سنة‪ :‬وقال جماهد‬
‫وقتادة والضحاك النزول من امللك يف مسرية مخسمائة عام وصعوده يف مسرية مخسمائة عام ولكنه يقطعها يف طرفة‬
‫عني‪ .‬وهلذا قال تعاىل "يف يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون"‪.‬‬

‫ويقول القرطيب يف تفسريه‬


‫الكناية يف يعرج كناية عن امللك ‪ ،‬ومل جير له ذكر ألنه مفهوم من املعىن ‪ ،‬وقد جاء صرحيا يف [ ص‪ ] 82 :‬سأل سائل‬
‫قوله ‪ :‬تعرج املالئكة والروح إليه ‪ .‬والضمري يف إليه يعود على السماء على لغة من يذكرها ‪ ،‬أو على مكان امللك الذي‬
‫يرجع إليه ‪ ،‬أو على اسم اهلل تعاىل ; واملراد إىل املوضع الذي أقره فيه ‪ ،‬وإذا رجعت إىل اهلل فقد رجعت إىل السماء ‪،‬‬
‫أي إىل سدرة املنتهى ; فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من األرض ومنها ينزل ما يهبط به إليها ; ثبت معىن ذلك يف‬
‫صحيح مسلم ‪ .‬واهلاء يف مقداره راجعة إىل التدبري ; واملعىن ‪ :‬كان مقدار ذلك التدبري ألف سنة من سين الدنيا ; أي‬
‫يقضي أمر كل شيء أللف سنة يف يوم واحد ‪ ،‬مث يلقيه إىل مالئكته ‪ ،‬فإذا مضت قضى أللف سنة أخرى ‪ ،‬مث كذلك‬
‫أبدا ; قاله جماهد ‪ .‬وقيل ‪ :‬اهلاء للعروج ‪.‬وقيل ‪ :‬املعىن أنه يدبر أمر الدنيا إىل أن تقوم الساعة ‪ ،‬مث يعرج إليه ذلك األمر‬
‫فيحكم فيه يف يوم كان مقداره ألف سنة ‪ .‬وقيل ‪ :‬املعىن يدبر أمر الشمس يف طلوعها وغروهبا ورجوعها إىل موضعها‬
‫من الطلوع ‪ ،‬يف يوم كان مقداره يف املسافة ألف سنة ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬املعىن كان مقداره لو ساره غري امللك ألف‬
‫سنة ; ألن النزول مخسمائة والصعود مخسمائة ‪ .‬وروي ذلك عن مجاعة من املفسرين ‪ ،‬وهو اختيار‬
‫الطربي………‪.‬‬
‫وقوله ‪ ( :‬إليه ) يعين إىل املكان الذي أمرهم اهلل تعاىل أن يعرجوا إليه ‪ .‬وهذا كقول إبراهيم عليه الصالة والسالم ‪ :‬إين‬
‫ذاهب إىل ريب سيهدين أراد أرض الشام ‪ .‬وقال تعاىل ‪ :‬ومن خيرج من بيته مهاجرا إىل اهلل أي إىل املدينة ‪.‬‬

‫ويقول الطربي يف تفسريه‬


‫‪.‬حدثنا ابن وكيع‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو معاوية‪ ،‬عن جويرب‪ ،‬عن الضحاك ( مث يعرج إليه يف يوٍم كان مقداره ألف سنٍة مما‬
‫تعدون ) قال‪ :‬تعرج املالئكة إىل السماء‪ ،‬مث تنـزل يف يوم من أيامكم هذه‪ ،‬وهو مسرية ألف سنة‪.‬‬

‫ويقول ابن عاشور يف تفسريه‬


‫والعروج ‪ :‬الصعود ‪ .‬وضمري { يعرج } عائد على { األمر } ‪ ،‬وتعديته حبرف االنتهاء مفيدة أن تلك األمور املدبرة‬
‫تصعد إىل اهلل تعاىل؛ فالعروج هنا مستعار للمصري إىل تصرف اخلالق دون شائبة تأثري من غريه ولو يف الصورة كما يف‬
‫أحوال الدنيا من تأثري األسباب ‪ .‬وملا كان اجلالل يشبه بالرفعة يف مستعمل الكالم شبه املصري إىل ذي اجلالل بانتقال‬
‫الذوات إىل املكان املرتفع وهو املعرب عنه يف اللغة بالعروج ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ { :‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل‬
‫الصاحل يرفعه } [ فاطر ‪ ، ] 10 :‬أي ‪ :‬يرفعه إليه ‪.‬و { مث } للرتاخي الرتيب ألن مرجع األشياء إىل تصرفه بعد‬
‫صدورها من لدنه أعظم وأعجب‬
‫{أأمنتم من يف السماء أن خيسف بكم األرض} اآلية‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول القرطيب يف تفسريه‬


‫وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن اإلله الذي تنفذ قدرته يف السماء ال من يعظمونه يف األرض ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو‬
‫إشارة إىل املالئكة ‪ .‬وقيل ‪ :‬إىل جربيل وهو امللك املوكل بالعذاب ‪.‬قلت ‪ :‬وحيتمل أن يكون املعىن ‪ :‬أأمنتم خالق من‬
‫يف السماء أن خيسف بكم األرض كما خسفها بقارون ‪.‬‬

‫ويقول ابن عاشور يف تفسريه‬


‫قوله ‪ { :‬من يف السماء } يف املوضعني من قبيل املتشابه الذي يعطي ظاهره معىن احللول يف مكان وذلك ال يليق باهلل ‪،‬‬
‫وجييء فيه ما يف أمثاله من طريقيت التفويض للسلف والتأويل للخلف رمحهم اهلل أمجعني ‪.‬وقد أولوه مبعىن ‪ :‬من يف‬
‫السماء عذابه أو قدرته أو سلطانه على حنو تأويل قوله تعاىل ‪ { :‬وجاء ربك } [ الفجر ‪ ] 22 :‬وأمثاله ‪ ،‬وخص‬
‫ذلك بالسماء ألن إثباته هلل تعاىل ينفيه عن أصنامهم ‪.‬ولكن هذا املوصول غري مكني يف باب املتشابه ألنه جممل قابل‬
‫للتأويل مبا حيتمله { من } أن يكون ما صدقه خملوقات ذات إدراك مقرها السماء وهي املالئكة فيصح أن تصدق‬
‫{ من } على طوائف من املالئكة املوكلني باألمر التكويين يف السماء واألرض قال تعاىل ‪ { :‬يتنزل األمر بينهن }‬
‫[ الطالق ‪ ، ] 12 :‬ويصح أن يراد باسم املوصل ملك واحد معني وظيفته فعل هذا اخلسف ‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬إن جربيل‬
‫هو امللك املوكل بالعذاب ‪.‬وإسناد فعل { خيسف } إىل «املالئكة» أو إىل واحد منهم حقيقة ألنه فاعل اخلسف قال‬
‫تعاىل حكاية عن املالئكة { قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية ‪ . . .‬إنا منجوك وأهلك ‪ . . .‬إنا منزلون على أهل هذه‬
‫القرية رجزًا من السماء } [ العنكبوت ‪. ] 34 31 :‬‬

‫{ذي املعارج * تعرج املالئكة والروح إليه}‪.‬‬

‫مت الرد عليه سابقًا‬

‫{وقال فرعون ياهامان ابن يل صرًح ا لعلي أبلغ األسباب * أسباب السماوات فأطلع إىل إله موسى وإين ألظنه كاذًبا}‪.‬‬

‫يعين‪ :‬أظن موسى كاذبا أن إهله يف السماء‪ ،‬ولو مل يكن موسى عليه السالم يدعوه إىل إله يف السماء ملا قال هذا؛ إذ لو‬
‫كان موسى قال له‪ :‬إن اإلله الذي أدعوك إليه ليس يف السماء‪ ،‬لكان هذا القول من فروعون عبًثا‪ ،‬ولكان بناؤه القصر‬
‫جنوًنا‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬
‫ال يوجد يف القرآن أن موسى دعا فرعون لعبادة إهله الذي يف السماء بل كان يكلمه عن ربوبية اهلل وأما فعل فرعون‬
‫فهو فعل من علم أن العامل أرض ومساء وأنه كان يظن أنه إله األرض وان مل ير غري نفسه إهلا فبقيت السماء فأراد‬
‫التشغيب على قومه ولكي يستهزئ مبوسى‬

‫ويقول ابن عاشور يف تفسريه‬


‫رجا أن يصل هبذا الصرح إىل السماء حيث مقر إله موسى ‪ .‬وهذا من فساد تفكريه إذ حسب أن السماء يوصل إليها‬
‫مبثل هذا الصرح ما طال بناؤه ‪ ،‬وأن اهلل مستقر يف مكان من السماء‬
‫فصل يف بيان أدلة السنة النبوية‬

‫وأما األحاديث املتواترة املتوافرة عن رسول اهلل ﷺ فأكثر من أن تستوعب‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قوله املتواترة قول ال دليل وال برهان عليه وهذا ما سنراه يف ردودنا عليه بعد قليل‬

‫‪13‬‬
‫حديث معاوية بن احلكم السلمي قال‪" :‬كانت يل غنم بني أحد واجلوانية‪ ،‬فيها جارية يل‪ ،‬فأطلعتها ذات يوم‪ ،‬فإذا‬
‫الذئب قد ذهب منها بشاة فصككتها‪ ،‬فأتيت النيب ﷺ فذكرت ذلك له‪ ،‬فعظم ذلك علي‪ ،‬فقلت‪" :‬يا رسول‬
‫اهلل أفال أعتقها؟ "‪ ،‬قال‪« :‬ادعها» فدعوهتا‪ ،‬فقال هلا‪« :‬أين اهلل؟» قالت‪" :‬يف السماء"‪ .‬قال‪« :‬من أنا؟»‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫"رسول اهلل"‪ .‬قال‪« :‬أعتقها فإهنا مؤمنة»‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح؛ رواه مسلم وأبو داود والنسائي ومالك يف املوطأ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ويف السنن عن حممد بن الشريد أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة‪ ،‬فقال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أمي أوصت بكذا‪،‬‬
‫وهذه جارية سوداء نوبية‪ ،‬أجتزئ عين‪ ،‬قال‪« :‬إيتين هبا» فقال هلا‪« :‬أين اهلل؟» قالت‪" :‬يف السماء"‪ ،‬قال‪« :‬من أنا؟»‬
‫قالت‪" :‬أنت رسول اهلل"‪ ،‬قال‪« :‬أعتقها فإهنا مؤمنة»‪.‬‬

‫وهذه اجلارية غري جارية معاوية بن احلكم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وعن أيب رزين العقيلي قال‪" :‬قلت يا رسول اهلل‪ :‬أين كان ربنا قبل أن خيلق السماء واألرض؟ " قال‪« :‬كان يف عما ما‬
‫فوقه هواء وما حتته هواء‪ ،‬مث خلق العرش مث استوى عليه»‪ .‬ويف لفظ آخر‪« :‬مث كان على العرش فارتفع على عرشه»‪.‬‬

‫وهذا حديث حسن رواه الرتمذي وغريه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وعن أيب هريرة‪ ،‬أن رجاًل أتى النيب ﷺ جبارية سوداء‪ ،‬أعجمية فقال‪" :‬يا رسول اهلل إن علي عتق رقبة مؤمنة‬
‫فقال هلا‪« :‬أين اهلل؟» فأشارت بالسبابة إىل السماء‪ ،‬فقال هلا‪« :‬من أنا؟» فأشارت بإصبعها إليه‪ ،‬وإىل السماء‪ ،‬أي أنت‬
‫رسول اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬أعتقها»‪.‬‬

‫هذا حديث حسن‪ ،‬رواه القاضي أبو أمحد العسال يف كتاب املعرفة له عن حممد بن عمرو عن أيب سلمة عن أيب هريرة‪.‬‬
‫ورواه أمحد والربيت يف مسنديهما‪ ،‬من حديث املسعودي‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال اإلمام النووي يف شرحه على مسلم ما نصه‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أين اهلل؟ قالـت يف السماء‪ ،‬قال‪ :‬من أنا‬
‫قالت‪ :‬أنت رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أعتقها فإهنا مؤمنة هذا احلديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان‪:‬ـ‬
‫أحدمها‪ :‬اإلميان به من غري خوض يف معناه مع اعتقاد أن اهلل تعاىل ليس كمثله شئ وتنـزيهه عن مسات املخلوقات‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬تأويله مبا يليق به‪ ،‬فمن قال هبذا قال‪ :‬كان املراد امتحاهنا هل هي موحدة تـقر بأن اخلالق املدبر الفعال هو اهلل‬
‫وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى املصلي استقبل الكعبة‪ ،‬وليس ذلك ألنه منحصر يف‬
‫السماء كما أنه ليس منحصرا يف جهة الكعبة بل ذلك ألن السماء قبلة الداعني كما أن الكعبة قبلة املصلني‪.‬اهـ‬
‫وقال احلافظ أيب العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم القرطيب يف كتابه املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم ما نصه‪:‬‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم للجارية أين اهلل هذا السؤال من النيب صلى اهلل عليه وسلم أراد أن يظهر منها ما يدل على‬
‫أهنا ليست ممن يعبد األصنام وال احلجارة اليت يف األرض‪ ،‬فأجابت بذلك وكأهنا قالت إن اهلل ليس من جنس ما يكون‬
‫يف األرض‪ .‬وأين ظرف يسأل به عن املكان كما أن مىت ظرف يسأل به عن الزمان وهو مبٌين ملا تضمنه من حرف‬
‫االستفهام وحرك اللتقاء الساكنني وخص بالفتح ختفيفا وهو خرب املبتدأ الواقع بعده وهو ال يصح إطالقه على اهلل تعاىل‬
‫باحلقيقة إذ اهلل تعاىل منـزه عن املكان كما هو منـزه عن الزمان بل هو خالق الزمان واملكان ومل يـزل موجودا وال زمان‬
‫وال مكان وهو اآلن على ما عليه كان‪ .‬ولو كان قابال للمكان لكان خمتصا به وحيتاج إىل خمصص ولكان فيه إما‬
‫متحركا وإما ساكنا ومها أمران حادثان وما يتصف باحلوادث حادث على ما يبسط القول فيه يف علم الكالم وملا‬
‫صدق قوله تعاىل‪{ :‬ليس كمثله شئ} إذ كانت متاثله الكائنات يف أحكامها واملمكنات يف إمكاهنا وإذا ثبت ذلك ثبت‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم إمنا أطلقه على اهلل بالتوسع واجملاز‪ .‬وقال أيضا‪ :‬وقيل يف تأويل هذا احلديث‪ :‬إن النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم سأهلا بأين عن الرتبة املعنوية اليت هي راجعة إىل جالله تعاىل وعظمته اليت هبا باين كل من نسبت إليه‬
‫اإلهلية وهذا كما يقال‪ :‬أين الثريا من الثرا ؟! والبصر من العمى؟! أي بعد ما بينهما واختصت الثريا والبصر بالشرف‬
‫والرفعة على هذا يكون قوهلا يف السماء أي يف غاية العلو والرفعة‬

‫وقال الرازي أيضا يف كتابه أساس التقديس‪ :‬إن لفظ أين كما جيعل سؤاال عن املكان فقد جيعل سؤاال عن املنـزلة‬
‫والدرجة يقال أين فالن من فالن فلعل السؤال كان عن املنـزلة وأشار هبا إىل السماء أي هو رفيع القدر جدا‪.‬اهـ‬
‫وصفوة القول أن املتشاهبات ال تؤخذ بظواهرها‪ ،‬وللعلماء فيها مسلكان فالسلف منهم يؤولوهنا تأويال إمجاليا باإلميان‬
‫هبا واعتقاد أن هلا معىن يليق جبالل اهلل وعظمته ومل يعينوا ذلك املعىن بل فوضوه إىل اهلل تعاىل وتبارك‪ .‬واخللف يؤولوهنا‬
‫تفصيال بتعيني معانيها مبا تفهمه لغة العرب ويصرفوهنا عن ظاهرها أيضا كالسلف‪ ،‬ومذهب السلف أسلم وأعلم‬
‫وأحكم وال يصار إىل مذهب اخللف إال عند اخلوف من تزلزل العقيدة وخشية التشبيه مث إن حديث اجلارية قد حكم‬
‫غري واحد بضعفه قال احلافظ البيهقي يف كتابه األمساء والصفات بعد أن ذكر احلديث بلفظ‪ :‬أين اهلل؟ وهـذا صحيح قد‬
‫أخرجه مسلم مقطعا من حديث األوزاعي وحجاج الصواف عن حيىي ابن أيب كثري دون قصة اجلارية وأظنه إمنا تركها‬
‫من احلديث الختالف الرواة يف لفظه وقد ذكرت يف كتاب الظهار مـن السنن خمالفة من خالف معاوية بن احلكم يف‬
‫لفظ احلديث‪.‬اهـ‬
‫بعد أن ذكر روايات الـحديـث إىل اضطرابه بقوله‪ :‬ويف اللفظ خمالفة كثرية‪ .‬وكذلك أشار اإلمام البزار إىل اضطراب‬
‫الـحديث أيضا يف مسنده فقال بعد أن روى احلديث‪ :‬وهذا قد روي حنوه بألفاظ خمتلفة‪.‬وقد قال احملدث عبد اهلل بن‬
‫صديق الغماري يف تعليقه على كتاب التمهيد البن عبد الرب عن لفظ‪ :‬أين اهلل ما نصه‪ :‬رواه مسلم وأبو داود والنسائي‬
‫وقد تصرف الرواة يف ألفاظه فروي هبذا اللفظ كما هنا وبلفظ‪ :‬من ربك؟ قالت‪ :‬اهلل ريب‪ ،‬وبلفظ‪ :‬أتشهدين أن ال إله‬
‫إال اهلل؟ قالت نعم‪ ،‬وقد استوعب تلك األلفاظ بأسانيدها احلافظ البيهقي يف السنن الكربى بـحيـث جيزم الواقف عليها‬
‫أن اللفظ املذكور هنا مروي باملعىن حسب فهم الراوي‪.‬اهـ‬

‫وأليب القاسم السهيلي على هذا احلديث كالم نفيس ومن كالمه فيما نقله الشيخ حممد الشنقيطي يف كتابه استحالة‬
‫املعية بالذات ما نصه‪ :‬السؤال بأين ينقسم إىل ثالثة أقسام اثنان جائزان وواحد ال جيوز‪:‬ـ‬
‫األول‪ :‬على جهة االختبار للمسؤول ليعرف مكانه من العلم واإلميان كسؤاله عليه الصالة والسالم لألمة‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬السؤال عن مستقر ملكوت اهلل تعاىل وموضع سلطانه كعرشه وكرسيه ومالئكته‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬السؤال بأين عن ذات الرب سبحانه وتعاىل وهذا سؤال فاسد ال جيوز وال جياب عنه سائله‪ ،‬وإمنا سبيل‬
‫املسؤول عنه أن يبني له فساد سؤاله كما قال سيدنا علي كرم اهلل تعاىل وجهه ورضي عنه حني سئل‪ :‬أين اهلل؟ فقال‪:‬‬
‫الذي أين األين ال يقال فيه أيـن‪ .‬فبني للسائل فساد سؤاله بأن األينية خملوقة والذي خلقها ال حمالة قد كان قبل أن‬
‫خيلقها وال أينية له وصفات نفسه ال تتغري فهو بعد أن خلق األينية على ما كان قبل أن خيلقها‪ ،‬وإمنا مثل هذا السائل‬
‫كمن سأل عن لون العلم أو طعم الظن أو الشك فيقال له من عرف حقيقة العلم أو الظن مث سأل هذا السؤال فهو‬
‫متناقض ألن اللون والطعم من صفات األجسام وقد سألت عن غري جسم فسؤالك فاسد حمال لتناقضه‪.‬اهـ‬

‫ويف كتاب استحالة املعية بالذات وما يضاهيها من متشابه الصفات للشيخ احملدث حممد الشنقيطي ما نصه‪ :‬وقال‬
‫املازري‪ :‬وقيل وقع السؤال هلا بأين ألجل أنه صلى اهلل عليه وسلم أراد السؤال عما تعتقده من جاللة البارئ وعظمته‬
‫جل وعال‪ ،‬فأشارت إىل السمـاء إخبارًا عن جاللته سبحانه وتعاىل يف نفسها‪ ،‬ألهنا قبلة الداعني كما أن الكعبة قبلة‬
‫املصلني‪.‬اهـ‬
‫وقال القاضي أبو بكر بن العريب يف شرح سنن الرتمذي‪ :‬أين اهلل؟ واملراد بالسؤال هبا عنه تعاىل املكانة فإن املكان‬
‫يستحيل عليه‪.‬اهـ‬

‫وقال احلافظ ابن اجلوزي يف دفع شبه التشبيه بعد رواية حديث معاوية بن احلكم‪ :‬قلت قد ثبت عند العلماء أن اهلل‬
‫تعاىل ال حيويه السماء واألرض وال تضمه األقطار وإمنا عرف بإشارهتا تعظيم اخلالق عندها‪.‬اهـ‬

‫وقال الباجي‪ :‬لعلها تريد وصفه بالعلو وبذلك يوصف كل من شأنه العلو فيقال فالن يف السماء مبعىن علو حاله ورفعته‬
‫وشرفه‪.‬اهـ‬

‫وقال البيضاوي‪ :‬مل يرد به السؤال عن مكانه فإنه منزه عنه والرسول أعلى من أن يسأل ذلك‪.‬اهـ‬
‫قال الفخر الرازي‪ :‬وأما عدم صحة االحتجاج حبديث اجلارية يف إثبات املكان له تعاىل فللرباهني القائمة يف تنـزه اهلل‬
‫سبحانه عن املكان واملكانيات والزمان والزمانيات‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪{ :‬قل ملن ما يف السموات واألرض قل هلل} [األنعام‪:‬‬
‫‪ ] 12‬وهذا مشعر بأن املكان وكل ما فيه ملك هلل تعاىل‪ ،‬وقال تعاىل‪{ :‬وله ما سكن يف الليل والنهار} [األنعام‪]13:‬‬
‫وذلك يدل على أن الزمان وكل ما فيه ملك هلل تعاىل فهاتان اآليتان تدالن على أن املكان واملكانيات والزمان‬
‫والزمانيات كلها ملك هلل تعاىل وذلك يدل على تنـزيه اهلل سبحانه عن املكان والزمان‪.‬اهـ‬

‫وقال اإلمام أيب عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر األنصاري اخلزرجي األندلسي القرطيب املفسر يف كتاب التذكار يف‬
‫أفضل األذكار‪ :‬ألن كل من يف السموات واألرض وما فيهما خلق اهلل تعاىل وملك له وإذا كان كذلك يستحيل على‬
‫اهلل أن يكون يف السماء أو يف األرض إذ لو كان يف شىء لكان حمصورا أو حمدودا ولو كان كذلك لكان حمدثا وهذا‬
‫مذهب أهل احلق والتحقيق وعلى هذه القاعدة قوله تعاىل‪{ :‬ءأمنتم من يف السماء} وقوله عليه السالم للجارية‪ :‬أين‬
‫اهلل؟ قالت يف السماء‪ ،‬ومل ينكر عليها وما كان مثله ليس على ظاهره بل هو مؤول تأويالت صحيحة قد أبداها كثري‬
‫من أهل العلم يف كتبهم‪.‬اهـ‬

‫ومن الردود على حديث اجلارية هو أن أصحاب السنن مل يبوبوا هذا احلديث يف كتاب اإلميان بل جعلوه يف كتاب‬
‫الصالة والعتق وغريها من أبواب لعلمهم أن احلديث ال يدخل يف باب اإلميان باهلل فال يشرتط ملن أراد الدخول يف‬
‫اإلسالم أن تنطقه الشهادتني مث تسأله أين اهلل‬

‫وأما حديث أيب رزين العقيلي قال‪" :‬قلت يا رسول اهلل‪ :‬أين كان ربنا قبل أن خيلق السماء واألرض؟ " قال‪« :‬كان يف‬
‫عما ما فوقه هواء وما حتته هواء‪ ،‬مث خلق العرش مث استوى عليه»‪ .‬ويف لفظ آخر‪« :‬مث كان على العرش فارتفع على‬
‫عرشه»‪.‬‬
‫فهو حديث ضعيف ألن يف رواته وكيع بن حدس‬
‫قال ابن قتيبة يف تأويل خمتلف احلديث ‪" :‬قال أبو حممد ‪ :‬وحنن نقول إن حديث أيب رزين هذا خمتلٌف فيه ‪ ،‬وقد جاء‬
‫من غري هذا الوجه بألفاظ تستشنع أيًض ا ‪ ،‬والنقلة له أعراب ‪ ،‬ووكيع بن حدس الذي روي عنه حديث محاد بن سلمة‬
‫أيًض ا ال يعرف" ا‪.‬هـ ‪.‬‬
‫قال ابن القطان ‪ :‬جمهول احلال ‪.‬‬
‫و قال ابن الذهيب ‪ :‬ال يعرف ‪.‬‬
‫ولعل قول الذهيب يف وكيع يرجح أن الذهيب مل يؤلف هذا الكتاب فميف وهو احملدث يستدل حبديث ضعيف‬

‫‪17‬‬
‫وعن أيب هريرة أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل‪ ،‬ومالئكة بالنهار‪ ،‬وجيتمعون يف صالة‬
‫العصر‪ ،‬والفجر‪ ،‬مث يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسأهلم اهلل ‪ -‬وهو أعلم هبم ‪ -‬كيف تركتم عبادي؟ فيقولون‪ :‬أتيناهم‬
‫وهم يصلون‪ ،‬وتركناهم وهم يصلون»‪.‬‬

‫متفق على صحته‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن على معىن الصعود والعروج‬

‫‪18‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ارمحوا من يف األرض يرمحكم من يف السماء»‪.‬‬

‫رواه الرتمذي وصححه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن على معىن " يف السماء "‬

‫‪19‬‬
‫وعن جبري بن مطعم‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال لألعرايب يف حديث االستسقاء‪« :‬وحيك أتدري ما اهلل؟ إن شأنه‬
‫أعظم من أن يستشفع به على أحد‪ ،‬إنه لفوق عرشه على مسواته»‪.‬‬
‫رواه أبو داود‪ ،‬وغريه‪ ،‬يف الرد على اجلهمية‪ ،‬بإسناد حسن عنده من حديث حممد بن إسحاق بن يسار‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن‬

‫‪20‬‬
‫وعن ابن عباس عن النيب ﷺ أنه أتاه رجل‪ ،‬فقال‪ :‬على أمه رقبة‪ ،‬وقد ماتت‪ ،‬وأتاه جبارية أعجمية فقال هلا‪:‬‬
‫«من أنا؟» قالت‪ :‬رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬فأين اهلل؟» فأشارت إىل السماء‪ ،‬فقال‪« :‬أعتقها فإهنا مؤمنة»‪.‬‬

‫أخرجه العسال بإسناد صحيح عن أيب سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وقال حيىي بن عبد الرمحن بن حاطب‪ :‬جاء حاطب إىل رسول اهلل ﷺ جبارية له‪ ،‬فقال‪" :‬يا رسول اهلل إن علي‬
‫رقبة فهل جتزيء هذه عين؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من أنا؟» قالت‪ :‬أنت رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬أين ربك؟»‬
‫فأشارت إىل السماء‪ .‬قال‪« :‬أعتقها فإهنا مؤمنة»‪.‬‬

‫تفرد به أسامة بن زيد عن حيىي بن عبد الرمحن‪ .‬أخرجه أبو أمحد احلافظ بإسناد صحيح عنه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة السنة‬

‫‪22‬‬
‫وقال مسحج اجلين‪" :‬قلت يا رسول اهلل‪ :‬أين كان ربنا قبل أن خيلق السموات واألرض؟ قال‪" :‬على حوت من نور"‪.‬‬

‫هذا احلديث يف الغيالنيات‪ ،‬وسنذكره فيما بعد‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫أورده ابن حجر يف اإلصابة وعزاه للشريازي يف األلقاب وللطرباين يف الكبري وقال‪" :‬وعبد اهلل بن احلسني من شيوخ‬
‫الطرباين‪ ،‬وقد ذكره ابن حبان يف كتاب الضعفاء فقال‪ :‬يقلب األخبار ويسرقها‪ ،‬ال جيوز االحتجاج به إذا انفرد"‪.‬‬
‫إذن احلديث ضعيف بسبب الراوي عبد اهلل بن احلسنب‬

‫وهذه سبعة أحاديث تدل على جواز السؤال بأين اهلل‪ ،‬وجواز اإلخبار بأنه يف السماء سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫مت نقض هذا اإلدعاء‬

‫‪23‬‬
‫وعن جابر أن رسول اهلل ﷺ قال يف خطبته يوم عرفات‪« :‬أال هل بلغت؟» فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فجعل يرفع أصبعه إىل‬
‫السماء وينكبها إليهم ويقول‪« :‬اللهم اشهد»‪.‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫جاء يف شرح الزرقاين على املواهب اللدنية باملنح احملمدية عند شرح فجعل يرفع أصبعه إىل السماء " قال القرطيب‪ :‬هذه‬
‫اإلشارة إما إىل السماء؛ ألهنا قبلة لدعاء‪ ،‬وإما لعلو اهلل تعاىل املعنوي؛ ألن اهلل تعاىل ال حيويه مكان وال خيتص جبهة‪،‬‬
‫وقد بني ذلك قوله‪{ :‬وهو معكم أين ما كنتم} [احلديد‪" ]4 :‬‬

‫‪24‬‬
‫وعن العباس بن عبد املطلب قال‪ :‬كنا بالبطحاء فمرت سحابة‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪" :‬هل تدرون بعد ما بني‬
‫السماء واألرض؟ " قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪« :‬إما واحدة وإما اثنتان أو ثالث وسبعون سنة" مث عد سبع مسوات‪ ،‬مث قال‪" :‬فوق‬
‫السابعة حبر بني أسفله‪ ،‬وأعاله كما بني السماء إىل مساء‪ ،‬مث فوق ذلك مثانية أوعال بني أظالفهم‪ ،‬وركبهم كما بني‬
‫مساء‪ ،‬إىل مساء مث على ظهورهم العرش‪ ،‬مث اهلل فوق ذلك‪ ،‬وهو يعلم ما أنتم عليه"‪.‬‬

‫رواه أبو داود بإسناد حسن وفوق احلسن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وروى الرتمذي حنوه من حديث أيب هريرة وفيه‪" :‬بعد ما بني مساء إىل مساء مخسمائة عام"‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫روي هذا احلديث من طريق مساك بن حرب ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرية ‪ ،‬عن عباس بن عبد املطلب ‪ .‬وبعضهم أضاف‬
‫األحنف بن قيس بعد ابن عمرية ‪.‬‬
‫رواه اإلمام أمحد يف " املسند " (‪ ،)3/292‬وأبوداود (‪ ،)4723‬والرتمذي (‪ ،)3320‬وغريهم كثري‪.‬‬
‫وهذا إسناد ضعيف بسبب عبد اهلل بن عمرية ‪ ،‬ذكره ابن أيب حامت يف " اجلرح والتعديل " (‪ ، )5/124‬والبخاري يف "‬
‫التاريخ الكبري " (‪ ،)5/159‬ومل ينقال فيه جرحا وال تعديال ‪ .‬بل قال البخاري ‪ :‬ال نعلم له مساعا من األحنف ‪ .‬وقال‬
‫إبراهيم احلريب‪ :‬ال أعرف عبد اهلل بن عمرية ‪ .‬كما يف " إكمال هتذيب الكمال " (‪ ،)8/102‬لذلك قال الذهيب يف "‬
‫املغين " (‪ " :)1/350‬ال يعرف "‪ .‬وقال ابن حجر ‪ :‬جمهول ‪ " .‬تعجيل املنفعة " (‪.)2/274‬‬
‫ولذلك قال ابن اجلوزي عن هذا احلديث ‪ " :‬ال يصح " "العلل املتناهية " (‪ ،)1/9‬وقال البوصريي ‪ :‬ضعيف منقطع ‪،‬‬
‫كما يف " إحتاف اخلرية املهرة " (‪ .)6/165‬وقال الشيخ أمحد شاكر يف " حتقيق املسند "‪ :‬ضعيف جدا ‪ .‬وكذا قال‬
‫احملققون يف طبعة مؤسسة الرسالة ‪ ،‬وضعفه األلباين يف " ضعيف الرتمذي "‪.‬‬

‫وال منافاة بينهما؛ ألن تقدير ذلك خبمسمائة عام هو على سري العادة مثال‪ ،‬ونيف وسبعون سنة‪ ،‬على سري الربيد‪ ،‬ألنه‬
‫يصح أن يقال‪ :‬بيننا وبني مصر عشرون يوًم ا‪ ،‬باعتبار سري العادة‪ ،‬وثالثة أيام باعتبار سري الربيد‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫بعد معرفة ضعف احلديثني سقط كل زعم على التوفيق بينهما عند التعارض ألن التوفيق يكون بني األحاديث‬
‫الصحيحة ال الضعيفة‬

‫‪26‬‬
‫وعن زينب بنت جحش أهنا كانت تقول للنيب ﷺ‪« :‬زوجنيك الرمحن من فوق عرشه»‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫هذا احلديث بلفظ من فوق عرشه من مرسل الشعيب‬

‫ويف لفظ للبخاري كانت تقول‪« :‬إن اهلل أنكحين من فوق سبع مسوات»‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫يقول ابن حجر يف فتح الباري " قال الكرماين قوله يف السماء ظاهره غري مراد إذ اهلل منزه عن احللول يف املكان لكن ما‬
‫كانت جهة العلو أشرف من غريها أضافها إليه إشارة إىل علو الذات والصفات وبنحو هذا أجاب غريه عن األلفاظ‬
‫الواردة من الفوقية وحنوها قال الراغب فوق يستعمل يف املكان والزمان واجلسم والعدد واملنزلة والقهر فاألول باعتبار‬
‫العلو ويقابله حتت حنو قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من حتت أرجلكم والثاين باعتبار‬
‫الصعود واالحندار حنو إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم والثالث يف العدد حنو فان كن نساء فوق اثنتني والرابع‬
‫يف الكرب والصغر كقوله بعوضة فما فوقها واخلامس يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية حنو ورفعنا بعضهم فوق بعض‬
‫درجات أو األخروية حنو والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والسادس حنو قوله وهو القاهر فوق عباده خيافون رهبم من‬
‫فوقهم انتهى ملخصا "‬

‫‪27‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬أال تأمنوين‪ ،‬وأنا أمني من يف السماء‪ ،‬يأتيين خرب السماء‬
‫صباًح ا ومساًء»‪.‬‬

‫متفق عليه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول أبو العباس أمحد بن عمر بن إبراهيم القرطيب يف كتابه املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم‬
‫وقوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪( :-‬أنا أمني من يف السماء)؛ ال حجة فيه ملن يرى‪ :‬أن اهلل خمتص جبهة فوق؛ ملا تقدم من‬
‫استحالة اجلسمية‪ ،‬وأيًض ا‪ :‬فيحتمل أن يراد مبن يف السماء املالئكة‪ ،‬فإنه أمني عندهم‪ ،‬معروف باألمانة‪ .‬والسماء مبعىن‬
‫العلو والرفعة املعنوية‪ .‬وهكذا القول يف قوله تعاىل‪{ :‬أأمنتم من يف السماء}‬

‫‪28‬‬
‫وعن أيب هريرة أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إىل فراشها‪ ،‬فتأىب عليه إال‬
‫كان الذي يف السماء ساخًطا عليها حىت يرضى عنها»‪.‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن والسنة على من ادعى أن اهلل يف السماء فلريجع إليه‬

‫‪29‬‬
‫وعن أيب هريرة عن النيب ﷺ قال‪« :‬إن امليت حتضره املالئكة‪ ،‬فإذا كان الرجل الصاح قالوا‪ :‬اخرجي أيتها‬
‫النفس الطيبة كنت يف اجلسد الطيب‪ ،‬أبشري بروٍح ورحيان ورٍب غري غضبان‪ ،‬فال يزال يقال هلا ذلك‪ ،‬حىت خترج‪ ،‬مث‬
‫يعرج هبا إىل السماء فيستفتح‪ ،‬فيقال‪ :‬من؟ فيقال‪ :‬فالن‪ ،‬فيقال‪ :‬مرحًبا بالنفس الطيبة‪ ،‬فال يزال يقال هلا ذلك‪ ،‬حىت‬
‫ينتهي هبا إىل السماء اليت فيها اهلل تعاىل" وذكر احلديث‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم‪ ،‬رواه أمحد يف مسنده واحلاكم يف مستدركه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال علي بن سلطان حممد القاري يف مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح‬
‫( إىل السماء اليت فيها اهلل ) أي ‪ :‬أمره وحكمه أي ‪ :‬ظهور ملكه وهو العرش ‪ ،‬وقال الطيبـي ‪ :‬أي ‪ :‬رمحته مبعىن اجلنة‬
‫‪ ،‬وتبعه ابن حجر ‪ ،‬وزاد الطيبـي فقال ‪ :‬وحنوه قوله تعاىل ‪ :‬وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رمحة اهلل فيطابق يف‬
‫حديث اآليتني‬

‫‪30‬‬
‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬كان ملك املوت يأيت الناس عياًنا‪ ،‬فأتى موسى عليه السالم‪ ،‬فلطمه‬
‫موسى فذهب بعينه‪ ،‬فعرج إىل ربه‪ ،‬فقال‪ :‬بعثتين إىل موسى‪ ،‬فلطمين فذهب بعيين‪ ،‬ولوال كرامته عليك‪ ،‬لشققت عليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬ارجع إىل عبدي‪ ،‬فقل له‪ :‬فليضع يده على ثور فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها‪ ،‬فأتاه فبلغه ما أمره به ربه‬
‫فقال‪ :‬ما بعد ذلك‪ ،‬قال‪ :‬املوت‪ .‬قال‪ :‬اآلن‪ ،‬فأتاه بشيء من اجلنة فشمه مشة قبض فيها روحه‪ ،‬ورد اهلل على ملك‬
‫املوت بصره»‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن يف معىن الصعود والعروج والرفع‬


‫‪31‬‬
‫وروي عن عبد اهلل بن بكر السهمي‪ :‬حدثنا يزيد بن عوانة عن حممد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫"كنا جلوًس ا ذات يوم بفناء رسول اهلل ﷺ إذ مرت امرأة من بنات رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال أبو سفيان‪" :‬ما‬
‫مثل حممد يف بين هاشم إال كمثل الرحيانة يف وسط الزبل"‪ ،‬فسمعت‪ ،‬فأبلغته رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فخرج فصعد على‬
‫منربه وقال‪" :‬ما بال أقوال تبلغين عن أقوام‪ ،‬إن اهلل خلق مسوات سبع فاختار العليا‪ ،‬فسكنها‪ ،‬وأسكن مساواته من شاء‬
‫من خلقه‪ ،‬مث اختار خلقه‪ ،‬فاختار بين آدم فاختار العرب‪ ،‬فاختار مضر‪ ،‬فاختار قريًش ا‪ ،‬فاختار بين هاشم‪ ،‬فاختارين‪،‬‬
‫فلم أزل خياًر ا من خيار‪ ،‬فمن أحب قريًش ا فبحيب أحبهم‪ ،‬ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم"‪.‬‬

‫تفرد به حممد بن ذكوان‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ورواه عنه محاد بن واقد وغريه‪ ،‬أخرجه أبو أمحد العسال يف املعرفة له‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث ضعيف وال حيتج بضعيف يف العقائد‬

‫‪32‬‬
‫وعن سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنه أن النيب ﷺ قال لسعد ‪ -‬يعين ابن معاذ ‪« :-‬لقد حكمت فيهم ‪ -‬يعين‬
‫بين قريظة ‪ -‬حبكم امللك من فوق سبع مسوات»‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وقد رواه األموي يف املغازي عن ابن إسحاق عن معبد ابن كعب بن مالك‪ :‬أن سعد بن معاذ ملا حكم يف بين قريظة‪،‬‬
‫قال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد حكمت فيهم حبكم امللك من فوق سبع أرقعة»‪.‬‬

‫وحديث سعد بن أيب وقاص أصح‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬بينا أهل اجلنة يف نعيمهم إذ سطع هلم نور‪،‬‬
‫فرفعوا رؤوسهم‪ ،‬فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم‪ ،‬فقال‪ :‬السالم عليكم يا أهل اجلنة وقال‪ ،‬وذلك قوله تعاىل‬
‫{سالٌم قواًل من رٍب رحيٍم }»‪.‬‬

‫رواه ابن ماجه يف سننه يف باب ما أنكرت اجلهمية عن ابن أيب الشوارب عن أيب عاصم العبادي عن الفضل الرقاشي‬
‫عن ابن املنكدر عن جابر‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن يف معىن فوقية اهلل‬

‫‪35‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من تصدق بعدل مترة من كسب طيب ‪ -‬وال يصعد‬
‫إىل اهلل إال الطيب ‪ -‬فإنه يقبلها بيمينه‪ ،‬ويربيها لصاحبه حىت تكون مثل اجلبال»‪.‬‬

‫متفق على صحته‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وعن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن اهلل ال ينام‪ ،‬وال ينبغي له أن ينام‪ ،‬خيفض‬
‫القسط ويرفعه‪ ،‬يرفع إليه عمل الليل قبل النهار‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل‪ ،‬حجابه النار والنور لو كشفه‪ ،‬ألحرقت‬
‫سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره»‪.‬‬

‫متفق عليه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما قال عبد خملًص ا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬إال صعدت ال يردها‬
‫حجاب‪ ،‬فإذا وصلت إىل اهلل نظر إىل قائلها‪ ،‬وحق على اهلل ال ينظر إىل موحد إال رمحه»‪.‬‬

‫رواه ابن قدامة يف صفة العلو‪ ،‬من حديث يزيد بن كيسان عن أيب حازم عن أيب هريرة‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫مت الرد يف أدلة القرآن يف معىن الصعود إليه والعروج‬

‫‪38‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ قال عن يوم اجلمعة‪« :‬هو اليوم الذي استوى فيه ربكم على‬
‫العرش»‪.‬‬

‫رواه الشافعي يف مسنده‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد يف أدلة القرآن يف معىن االستواء‬


‫وقال ابن األثري يف كتابه الشايف يف شرح مسند الشافعي عند شرحه هلذا احلديث‬
‫" وأما االستواء على العرش فاملسلمون فيه خمتلفون‪ ،‬والذي ذهب إليه أهل السنة واجلماعة فيه مذهبان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أهنم أجروا هذه اللفظة على ظاهرها جمرى غريها من آيات الصفات وأحاديثها‪ ،‬فال يؤلوهنا‪ ،‬وقالوا‪ :‬االستواء‬
‫صفة من مجلة صفات اهلل ‪-‬عز وجل ‪ -‬ال يعلم ما هو وينفى عنه التشبيه واالستقرار الذي هو من صفات اإلسالم‪،‬‬
‫تعاىل اهلل عما يقول الظاملون علًو ا كبريا‪ ،‬هذا مذهب كثري من صاحلي السلف وأكثر احملدثني رمحة اهلل عليهم‪ ،‬أمروا‬
‫اآليات واألحاديث على ظاهرها هرًبا من الوقوع فيما ال يعلمون عاقبته وال يتحققون معيته وسلوًك ا يف طريق السالمة‬
‫من الزيغ والزلل‪ ،‬وهذا وإن كان طريًق ا صاحلة وحمجة ساملة فإن راكبها يدرع من التضرر جلباًبا‪ ،‬ويستمطر من التقليد‬
‫سحاًبا قانًعا بالوقوف عند أصحاب اليمني‪ ،‬راضًيا بالتأخر عن مقامات السابقني‪ ،‬ولعمري قد قال فضًال وحاز من‬
‫التوفيق حًظا‪.‬‬
‫وأما املذهب الثاين‪ :‬وهو الذي صار إليه احملققون من أهل اإلميان الفائزون بالرضوان فإهنم اعتربوا اآليات واألخبار‬
‫الواردة فما جاز إطالق ظاهره على اهلل عز وجل وما دلت عليه أوضاع اللغة العربية أجروه بظاهره وال حيتاجون فيه‬
‫إىل تأويل الستمراره يف منهج الصحة والصدق وما مل جيز إطالق ظاهره على اهلل عز وجل لقيام الدليل على استحالة‬
‫إطالق ظاهره عليه أولوه تأوياًل تقتضيه اللغة العربية وقد اطردت العادة مبثله فراًر ا من إطالق ظاهره عليه ما ال جيوز‬
‫إطالقه على اهلل عز وجل فقالوا يف االستواء‪ :‬أنه مبعىن االستيالء والقدرة عليه وقد أطلق أهل اللغة االستواء هبذا املعىن‬
‫يف غري اآلية‪ ،‬وإمنا خص االستيالء بالعرش ألن العرش أعظم املوجودات وهو حميط بالكرسي الذي وسع السموات‬
‫واألرض‪ ،‬وإذا أضاف االستيالء إىل أعظم موجوداته كان ما دونه أوىل باالستيالء‪ .‬هذا ما قاله الراسخون يف العلم‬
‫الذين أخرب اهلل عز وجل عنهم أهنم هم الذين يعلمون تأويل كتابه فقال‪{ :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياٌت‬
‫حمكماٌت هن أم الكتاب وأخر متشاهباٌت فأما الذين يف قلوهبم زيٌغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما‬
‫يعلم تأويله إال اهلل والراسخون يف العلم}‬
‫وأما ما ذهب إليه طوائف املشبهة واجملسمة يف أمثال هذه اآليات واألخبار من التشبيه والتجسيم حىت قالوا‪ :‬إن‬
‫االستواء على العرش هو القعود عليه واالستقرار كما تستقر األجسام بعضها على بعض فاهلل سبحانه وتعاىل منزه عن‬
‫هذه األقوال املفرتاه واآلراء الفاسدة اليت تفضي بقائلها إىل سواء اجلحيم‪ ،‬نسأل اهلل العصمة والتوفيق يف القول والعمل‪،‬‬
‫وأن يهدينا سواء السبيل‬

‫‪39‬‬
‫عن أيب كعب موىل علي بن عبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنه عن مواله؟ عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«ما من عبد يقول‪ :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له امللك وله احلمد‪ ،‬حيىي ومييت‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬إال‬
‫خرقت السموات حىت تفضي إىل اهلل عز وجل»‪.‬‬

‫أخرجه أبو أمحد العسال عن ابن صاعد عن بكر بن أخت الواقدي عن إمساعيل بن قيس عن أيب كعب‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ )32‬وقال‪" :‬ليس إسناده بقوي من قبل إمساعيل بن قيس بن عد بن زيد بن ثابت فإنه‬
‫ضعيف‬

‫‪40‬‬
‫وبإسناد صح عن زائدة بن أيب الرقاد وهو رواه عن زياد النمريي عن أنس رضي اهلل عنه عن النيب ﷺ يف حديث‬
‫الشفاعة قال‪« :‬فأدخل على ريب عزل وجل‪ ،‬وهو على عرشه»‪ .‬وذكر احلديث‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أخرجه الذهيب يف العلو (ص‪ )32‬وقال‪ " :‬زائدة ضعيف "‬

‫‪41‬‬
‫أخرجه البخاري يف الصحيح من حديث قتادة عن أنس عن النيب ﷺ قال‪« :‬فأستأذن على ريب يف داره فيؤذن‬
‫يل»‪.‬‬

‫متفق عليه‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫قال اخلطايب فيما نقله عنه احلافظ يف الفتح‪ " :‬معناه يف داره الذي اختذها ألوليائه وهي اجلنة وهي دار السالم وأضيفت‬
‫إليه إضافة تشريف مثل بيت اهلل وحرم اهلل"‪ .‬فتح الباري البن حجر (‪.)429 /13‬‬

‫وقال البيهقي‪" :‬قال أبو سليمان‪ :‬معىن قوله‪« :‬فأستأذن على ريب يف داره فيؤذن يل عليه» أي‪ :‬يف داره اليت دورها‬
‫ألوليائه وهي اجلنة‪ ،‬كقوله عز وجل‪ ﴿ :‬هلم دار السالم عند رهبم ﴾ [األنعام‪ ،]127 :‬وكقوله تعاىل‪ ﴿ :‬واهلل يدعو‬
‫إىل دار السالم ﴾ [يونس‪ ،]25 :‬وكما يقال‪ :‬بيت اهلل‪ ،‬وحرم اهلل‪ ،‬يريدون البيت الذي جعله اهلل مثابة للناس واحلرم‬
‫الذي جعله أمنا"‪ .‬األمساء والصفات للبيهقي (‪.)359 /2‬‬

‫وقال ابن بطال‪" :‬وحيتمل أن يكون قوله‪( :‬يف داره) راجًع ا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم تأويله‪ :‬فأستأذن على ريب وأنا‬
‫يف داره‪ ،‬فالظرف واملكان هاهنا للنيب صلى اهلل عليه وسلم"‪ .‬شرح صحيح البخاري البن بطال (‪.)465 /10‬‬
‫وقال املال علي اهلروي القاري‪(" :‬فأستأذن على ريب يف داره) أي‪ :‬يف دخوهلا (فيؤذن يل عليه) أي‪ :‬بالدخول عليه"‪.‬‬
‫مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح للقاري (‪.)3542 /8‬‬

‫‪42‬‬
‫وأخرجه العسال من حديث ثابت البناين بإسناد صحيح وفيه‪« :‬فآيت باب اجلنة فيفتح يل‪ ،‬فآيت ريب ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪-‬‬
‫وهو على كرسيه أو سريره‪ ،‬فأخر له ساجدا»‪ .‬احلديث‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫إسناد هذا احلديث ضعيف لضعف علي بن زيد ‪-‬وهو ابن جدعان‪.-‬‬
‫وشواهده يف الصحيحني ال يوجد لفظ كرسيه أو سريره بل جاء اللفظ " فأنطلق فآيت حتت العرش‪ ،‬فأقع ساجًد ا لريب‬
‫عز وجل"‬

‫‪43‬‬
‫وعن ابن عباس حدثين رجال من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪ :‬أهنم بينما هم جلوس ليلة مع رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫إذ رمي بنجم فاستنار‪ ،‬فقال‪« :‬ما كنتم تقولون إذ رمي مثله؟» قالوا‪ :‬كنا نقول‪ :‬ولد الليلة عظيم‪ ،‬أو مات عظيم‪.‬‬
‫فقال‪« :‬إهنا مل ترم ملوت أحد وال حلياته ولكن ربنا إذا قضى أمًر ا سبحت محلة العرش‪ ،‬حىت يسبحوا أهل السماء الذين‬
‫يلوهنم‪ ،‬حىت يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا‪ ،‬فيقول الذين يلون محلة العرش‪ :‬ماذا قال ربكم؟ فيستخرب أهل السموات‬
‫بعضهم بعًض ا‪ ،‬حىت يبلغ اخلرب أهل الدنيا‪ ،‬فيخطف اجلن السمع فيلقونه إىل أوليائهم‪ ،‬فما جاءوا به على وجهه‪ ،‬فهو‬
‫احلق‪ ،‬ولكنهم يفرقون ويزيدون»‪.‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وعن أيب هريرة أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا أحب اهلل عبًد ا نادى جربيل فقال‪ :‬إين أحب عبدي فأحبوه‪ ،‬فينوه‬
‫هبا جربيل يف محلة العرش فيسمع أهل السماء لفظ محلة العرش‪ ،‬فيحبه أهل السماء السابعة‪ ،‬مث مساٍء مساٍء ‪ ،‬حىت ينزل إىل‬
‫السماء الدنيا‪ ،‬مث يهبط إىل األرض‪ ،‬فيحبه أهل األرض»‪.‬‬

‫وهذا صحيح كالذي قبله‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ليس فيهما دليل صريح على مرام املؤلف ومن مل تكن أدلة عقيدته صحيحة صرحية فليست هي بأدلة‬

‫‪45‬‬
‫وعن أنس‪ ،‬وغريه‪ ،‬يف حديث اإلسراء برسول اهلل ﷺ إىل ربه عز وجل‪ ،‬فذكر احلديث‪ ،‬وقال فيه‪« :‬فانطلق يب‬
‫جربيل حىت أتى يب السماء الدنيا فاستفتح‪ ،‬فقيل من هذا؟ قال‪ :‬جربيل‪ .‬قيل‪ :‬ومن معك؟ قال‪ :‬حممد‪ .‬قيل‪ :‬مرحًبا به‪،‬‬
‫ونعم اجمليء جاء‪ ،‬ففتح فإذا فيها آدم مث صعد حىت أتى السماء الثانية» إىل أن قال‪« :‬مث صعد حىت أتى السماء السابعة‬
‫فإذا إبراهيم‪ ،‬مث رفعت إىل سدرة املنتهى»‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ولفظ البخاري‪« :‬مث دنا فتدىل حىت كان منه قاب قوسني أو أدىن" كما يف القرآن‪ .‬قال‪« :‬ففرض علي الصالة مخسني‪،‬‬
‫فرجعت‪ ،‬فمررت على موسى‪ ،‬فقال‪ :‬إن أمتك ال تطيق ذلك‪ ،‬ورجعت إىل ريب‪ ،‬فوضع عين عشًر ا»‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ويف لفظ آخر للبخاري «فالتفت إىل جربيل كأنه يستشريه يف ذلك‪ ،‬فأشار نعم إن شئت‪ ،‬فعال به جربيل حىت أتى به‬
‫اجلبار تبارك وتعاىل وهو يف مكانه» وذكر احلديث بطوله‪.‬‬

‫متفق على صحته‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وثبت عن ابن عباس يف قوله {ولقد رآه نزلًة أخرى‪ .‬عند سدرة املنتهى}‪ .‬قال‪" :‬دنا ربه فتدىل فكان قاب قوسني أو‬
‫أدىن"‪.‬‬

‫أخرجه البيهقي يف كتاب األمساء والصفات‪.‬‬

‫وأكثر الصحابة على أنه ﷺ رأى ربه‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫قال ابن عباس‪" :‬أتعجبون أن تكون اخللة إلبراهيم والكالم ملوسى والرؤية حملمد ﷺ"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ألنه رآه يف عامل البقاء‪ ،‬حني خرج من عامل الفناء وارتقى فوق السموات السبع‪.‬‬

‫فهذا احلديث أيًض ا دال على أنه سبحانه وتعاىل فوق السموات‪ ،‬وفوق مجيع املخلوقات‪ ،‬لوال ذلك لكان معراج النيب‬
‫ﷺ إىل فوق السماء السابعة إىل سدرة املنتهى‪ ،‬ودنو اجلبار منه‪ ،‬وتدليه سبحانه وتعاىل بال كيف‪ ،‬حىت كان من‬
‫النيب ﷺ قاب قوسني أو أدىن‪ ،‬وأنه رآه تلك الليلة‪ ،‬وأن جربيل عال به‪ ،‬حىت أتى به إىل اهلل تعاىل‪ .‬وهذه‬
‫املقتضيات كلها اليت أفادتنا أنه فوق السماء‪ ،‬باطلة ال تفيد شيًئا‪ ،‬على زعم من قال‪ :‬إنه يف كل مكان بذاته‪ ،‬الذين يلزم‬
‫من دعواهم أنه يف الكنف والبطون واألرحام وغري ذلك مما طبع اهلل بين آدم على خالفه؛ بل إمنا فطرهم على أنه فوق‬
‫العرش‪ ،‬فوق السماء السابعة‪ ،‬وأرسل رسله بتقرير ذلك؛ ومل يرسلهم بأنه ليس على العرش‪ ،‬وال بأنه داخل العامل وال‬
‫خارجه‪ .‬وسنوضح هذا فيما بعد إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وجنيب عن املعارضات والشبه اليت توردها اجلهمية‪ ،‬ألنا اآلن يف‬
‫معرض نقل النصوص‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫فهذه الرواية تفرد هبا شريك بن عبد اهلل بن أيب منر الراوي عن أنس‪ ،‬وخالف فيها من هو أقوى منه‪ ،‬وأصل احلديث‬
‫صحيح‪ ،‬وهو حديث طويل ساقه البخاري يف آخر كتابه يف كتاب التوحيد يف باب قوله‪ ﴿ :‬وكلم اهلل موسى‬
‫تكليًم ا ﴾ [النساء‪ ]164 :‬رقم (‪ ،)7517‬وأراد أن يستدل به على أن اهلل كلم يف ليلة املعراج حممدا صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وموضع الشاهد من هذا احلديث قوله‪(( :‬فأوحى اهلل فيما أوحى إليه‪ :‬مخسني صالة على أمتك كل يوم‬
‫وليلة‪ ..،‬فقال‪ :‬يا رب إن أميت ضعفاء أجسادهم وقلوهبم وأمساعهم وأبصارهم وأبداهنم فخفف عنا‪ ،‬فقال اجلبار‪ :‬يا‬
‫حممد‪ ،‬قال‪ :‬لبيك وسعديك‪ ،‬قال‪ :‬إنه ال يبدل القول لدي‪ ،‬كما فرضته عليك يف أم الكتاب‪ ،‬قال‪ :‬فكل حسنة بعشر‬
‫أمثاهلا‪ ،‬فهي مخسون يف أم الكتاب‪ ،‬وهي مخس عليك))‪.‬‬
‫فهذا هو موضع الشاهد من هذا احلديث للباب الذي ذكره البخاري فيه‪ ،‬وقد ساقه البخاري بطوله كما مسعه‪ ،‬ويف‬
‫بعض ألفاظه أوهام وقعت للتابعي الراوي عن أنس‪ ،‬وهو شريك بن عبد اهلل‪ ،‬وقد استحسن العلماء من اإلمام مسلم‬
‫أنه عندما ذكر هذا احلديث يف صحيحه اقتصر على ذكر إسناده ومل يذكر منت احلديث كامال‪ ،‬ونص على أن شريكا‬
‫مل يضبط هذا احلديث الطويل‪.‬‬
‫قال اإلمام مسلم (‪ :)162‬حدثنا هارون بن سعيد األيلي‪ ،‬حدثنا ابن وهب‪ ،‬قال‪ :‬أخربين سليمان وهو ابن بالل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثين شريك بن عبد اهلل بن أيب منر‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أنس بن مالك حيدثنا عن ليلة أسري برسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من مسجد الكعبة‪ ،‬أنه جاءه ثالثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم يف املسجد احلرام‪ ،‬وساق احلديث بقصته حنو‬
‫حديث ثابت البناين‪ ،‬وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص‪.‬‬
‫قال النووي رمحه اهلل‪" :‬وقد جاء يف رواية شريك يف هذا احلديث يف الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء"‪ .‬شرح النووي‬
‫على مسلم (‪.)209 /2‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل‪" :‬وأما ما وقع يف حديث شريك أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه فهذا مما عد من أغالط‬
‫شريك الثمانية وسوء حفظه حلديث اإلسراء"‪ .‬زاد املعاد يف هدي خري العباد البن القيم (‪.)97 /1‬‬
‫وقال احلافظ الذهيب رمحه اهلل عن شريك‪" :‬غريه أوثق منه وأثبت‪ ،‬وهو راوي حديث املعراج‪ ،‬وانفرد فيه بألفاظ غريبة؛‬
‫منها‪ :‬ودنا اجلبار فتدىل حىت كان منه قاب قوسني أو أدىن"‪ .‬تاريخ اإلسالم للذهيب (‪.)892 /3‬‬
‫وقال الذهيب أيضا‪" :‬ويف حديث اإلسراء من طريقه ألفاظ مل يتابع عليها‪ ،‬وذلك يف صحيح البخاري"‪ .‬سري أعالم‬
‫النبالء للذهيب (‪.)160 /6‬‬
‫وقد أورد احلافظ املفسر ابن كثري هذا احلديث بطوله مث قال‪" :‬هكذا ساقه البخاري يف كتاب التوحيد‪ ،‬ورواه يف صفة‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم عن إمساعيل بن أيب أويس عن أخيه أيب بكر عبد احلميد‪ ،‬عن سليمان بن بالل‪ .‬ورواه مسلم‬
‫عن هارون بن سعيد عن ابن وهب عن سليمان قال‪ :‬فزاد ونقص‪ ،‬وقدم وأخر ‪ .‬وهو كما قاله مسلم رمحه اهلل؛ فإن‬
‫شريك بن عبد اهلل بن أيب منر اضطرب يف هذا احلديث‪ ،‬وساء حفظه ومل يضبطه"‪ .‬تفسري ابن كثري (‪.)7 /5‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر‪" :‬قال عبد احلق يف اجلمع بني الصحيحني‪ :‬زاد فيه ‪ -‬يعين شريكا ‪ -‬زيادة جمهولة‪ ،‬وأتى فيه‬
‫بألفاظ غري معروفة‪ ،‬وقد روى اإلسراء مجاعة من احلفاظ فلم يأت أحد منهم مبا أتى به شريك‪ ،‬وشريك ليس باحلافظ‪،‬‬
‫وسبق إىل ذلك أبو حممد بن حزم"‪ .‬فتح الباري البن حجر (‪.)484 /13‬‬
‫وقال ابن رجب‪" :‬رواه شريك بن عبد اهلل بن أيب منر‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بسياق مطول جدا‪.‬‬
‫وقد خرج حديثه البخاري يف آخر كتابه‪ ،‬وفيه ألفاظ استنكرت على شريك‪ ،‬وتفرد هبا‪ .‬وقد رواه ثابت عن أنس عن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أيضا بدون سياق شريك"‪ .‬فتح الباري البن رجب (‪.)311 /2‬‬
‫وقال السيوطي رمحه اهلل‪" :‬قال احلفاظ‪ :‬خلط شريك يف روايته هذا احلديث يف اإلسراء‪ ،‬وذكر ألفاًظا منكرة‪ ،‬وقدم‬
‫وأخر‪ ،‬ووضع األنبياء يف غري مواضعهم‪ ،‬وقد خالفه الثقات واحلفاظ عن أنس"‪ .‬التوشيح شرح اجلامع الصحيح‬
‫للسيوطي (‪.)4335 /9‬‬
‫وقد ضعف األلباين هذه اجلملة‪" :‬ودنا اجلبار تبارك وتعاىل فتدىل‪ ،‬حىت كان منه قاب قوسني أو أدىن‪ ،‬فأوحى إليه ما‬
‫شاء" لتفرد شريك هبا‪ ،‬قال األلباين رمحه اهلل‪" :‬هذه اجلملة من مجلة ما أنكر على شريك هذا مما تفرد به عن مجاير‬
‫الثقات الذين رووا حديث املعراج‪ .‬ومل ينسبوا الدنو والتديل هلل تبارك وتعاىل‪ ،‬بل روت عائشة وابن مسعود رضي اهلل‬
‫عنهما ما يدل على أن قوله تعاىل‪ ﴿ :‬مث دنا فتدىل * فكان قاب قوسني أو أدىن ﴾ [النجم‪ ]9 ،8 :‬إمنا املراد به جربيل‬
‫عليه الصالة والسالم‪ ،‬روى مسلم (‪ )111 /1‬عن مسروق قال‪ :‬قلت‪ :‬لعائشة‪ :‬فأين قوله ﴿ مث دنا فتدىل * فكان‬
‫قاب قوسني أو أدىن * فأوحى إىل عبده ما أوحى ﴾ [النجم‪]10 - 8 :‬؟ قالت‪ :‬إمنا ذاك جربيل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم"‪ .‬خمتصر العلو للعلي العظيم (ص‪ ،)118 ،117 :‬وانظر األمساء والصفات للبيهقي (ص‪.)441-438‬‬

‫ولو أردنا تفسري احلديث فليس فيه دليل صريح على اجلهة احلسية هلل بل هو تشريف للنيب برفعه لريى ملكوت اهلل‬
‫ومعىن دىن فتدىل هو دنو جربيل من نيب اهلل حممد وهذا ما يقتضيه سياق اآليات يف سورة النجم‬
‫يقول القرطيب يف تفسريه لآلية يف قوله تعاىل ‪ :‬مث دنا فتدىل أي دنا جربيل بعد استوائه باألفق األعلى من األرض فتدىل‬
‫فنزل على النيب صلى اهلل عليه وسلم بالوحي ‪ .‬املعىن أنه ملا رأى النيب صلى اهلل عليه وسلم من عظمته ما رأى ‪ ،‬وهاله‬
‫ذلك رده اهلل إىل صورة آدمي حني قرب من النيب صلى اهلل عليه وسلم بالوحي ‪ ،‬وذلك قوله تعاىل ‪ :‬فأوحى إىل عبده‬
‫يعين أوحى اهلل إىل جربيل وكان جربيل قاب قوسني أو أدىن ؛ قاله ابن عباس واحلسن وقتادة والربيع وغريهم ‪ .‬وعن‬
‫ابن عباس أيضا يف قوله تعاىل ‪ :‬مث دنا فتدىل أن معناه أن اهلل تبارك وتعاىل دنا من حممد صلى اهلل عليه وسلم فتدىل ‪.‬‬
‫وروى حنوه أنس بن مالك عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬واملعىن ‪ :‬دنا منه أمره وحكمه ‪.‬‬
‫ويقول القسطالين يف إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري " (ودنا اجلبار رب العزة) دنو قرب ومكانة ال دنو مكان‬
‫وال قرب زمان إظهاًر ا لعظيم منزلته وحظوته عند ربه تعاىل وأليب ذر ودنا للجبار (فتدىل) طلب زيادة القرب‪ ،‬وحكى‬
‫مكي واملاوردي عن ابن عباس هو الرب دنا من حممد فتدىل إليه أي أمره وحكمه (حىت كان منه قاب قوسني) قدر‬
‫قوسني ما بني مقبض القوس والسية بكسر السني املهملة والتحتية اخلفيفة وهي ما عطف من طرفيها ولكل قوس قابان‬
‫وقاب قوسني بالنسبة له ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عبارة عن هناية القرب ولطف احملل وإيضاح املعرفة وبالنسبة إىل اهلل‬
‫إجابة ورفع درجة‬
‫ويقول حيىي بن هبرية بن حممد الشيباين يف كتابه اإلفصاح عن معاين الصحاح " وقوله‪( :‬مث عال به) فال أظنه يعين إال‬
‫أن اهلل تعاىل عال به‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ودنا اجلبار فتدىل) بالفاء فإهنا تقتضي العطف بال مهلة يف كالم العرب‪ .‬وهذا يدلك على أنه جل جالله رب‬
‫العزة يف دنوه إىل رسوله غري مشابه لتديل األجسام‪ ،‬وأما دنو اهلل سبحانه إىل عبده فهو معروف يف لغة العرب‪،‬‬
‫وكذلك التديل فهو من األعلى إىل األدىن يف التقريب غري خاف معناه‪ ،‬وال حيمل شيء من ذلك على صفة اخلالق ال‬
‫حقيقة وال جماًز ا‪.‬‬
‫ويقول أمحد بن إمساعيل الكوراين يف الكوثر اجلاري إىل رياض أحاديث البخاري " ولقد أحسن القاضي عياض رمحه‬
‫اهلل يف قوله‪ :‬القرب والدنو إىل اهلل‪ ،‬أو من اهلل ليس دنو مكان‪ ،‬بل بالنظر إىل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إشارة‬
‫إىل شرف حمله‪ ،‬وعظم منزلته عند اهلل ومن اهلل تعاىل تأنيس رسوله وإكرامه‪ .‬وهذا كما تقدم من قوله‪" :‬من تقرب إىل‬
‫شًربا"‪.‬‬
‫ويقول أبو سليمان محد بن حممد اخلطايب يف كتابه أعالم احلديث بعد سرده للحديث كامًال " إمنا سردنا هذه القصة‬
‫بطوهلا‪ ،‬ومل خنتصر موضع احلاجة منها لبشاعة ماوقع فيها من الكالم الذي ال يليق بصفة اهلل تعاىل‪ ،‬وال ينبغي ملسلم أن‬
‫يعتقده على ظاهره‪ ,‬وهو قوله‪" :‬ودنا اجلبار رب العزة فتدىل حىت كان قاب قوسني أو أدىن"‪ ،‬وذلك أن هذا يوجب‬
‫حتديد املسافة بني أحد املذكورين وبني اآلخر‪ ،‬ومتييز مكان كل واحد منهما‪ ،‬هذا إىل ما يف التديل من التشبيه والتمثيل‬
‫له بالشيء الذي يعلو من فوق إىل أسفل‪ ,‬فمن مل يبلغه من هذا احلديث إال الفصل مقطوعا عن غريه ومل يعتربه بأول‬
‫القصة‪ /‬وآخرها اشتبه عليه وجه احلديث ومعناه‪ ,‬وكان قصاراه إما رد احلديث على وجهه‪ ،‬وإما محله على أسوأ‬
‫مايكون من التأويل الذيهو عني التشبيه‪ ,‬وكالمها خطتان مرغوٌب عنهما‪ ,‬وليس يف هذا الكتاب حديٌث أشنع ظاهًر ا‬
‫وأبشع مذاًقا من هذا احلديث‪ ,‬فألجل ذلك سردته من أوله إىل آخره ليعترب الناظر أوله بآخره‪ ,‬فال يشكل عليه بإذن اهلل‬
‫معناه‪ ,‬وذلك أنه قد ذكر يف أول احلديث وآخره أنه رؤيا أريها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬أال تراه يقول يف أول‬
‫احلديث‪ :‬جاءه ثالثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائٌم يف املسجد احلرام وبعض الرؤيا مثل يضرب ليتأول على الوجه‬
‫الذي جيب أن يصرف إليه معىن التعبرييف مثله‪ ,‬وبعضها كاملشاهدة والعيان‪ ,‬مث إن القصة بطوهلا إمنا هي حكاية حيكيها‬
‫أنس بن مالك وخيرب عنها من تلقاء نفسه مل يعزها إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وال رواها عنه وال أضافها إىل‬
‫قوله‪ ,‬فحاصل األمر يف التديل وإطالق اللفظ على الوجه الذي تضمنه اخلرب أنه راي إما أنس بن مالك‪ ,‬وإما راويه‬
‫شريك بن عبداهلل بن أي منر‪ ,‬فإنه كثري التفرد مبناكري األلفاظ يف مثل هذه األحاديث إذا رواها من حيث ال يتابعه عليه‬
‫سائر الرواة‪ ,‬وأيهما صح هذا القول عنه وأضيف إليه فقد خالفه فيه عامة السلف املتقدمني والعلماء وأهل التفسري‬
‫والتأويل منهم ومن املتأخرين ……‪...…..‬ويف هذا احلديث لفظٌة أخرى تفرد هبا شريك أيًض ا مل يذكرها غريه‪.‬‬
‫وهي قوله‪" :‬فقال وهو مكانه" واملكان ال يضاف إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ,‬إمنا هو مكان النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ومقامه األول الذي أقيم فيه‪.‬‬
‫ويقول عبد العزيز بن باز يف تعليقه على " ودنا اجلباررب العزة فتدىل ……‪ "..‬الصواب أنه جربائيل {علمه شديد‬
‫القوى‪ }. . .‬مث دنا فتدىل‪ ،‬كل هذا يف جربائيل‪ .‬قالت عائشة‪ :‬سألت النيب عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬هو جربائيل‪.‬‬
‫ويقول ابن حجر يف كتابه فتح الباري " وسبق إىل ذلك أبو حممد بن حزٌم فيما حكاه احلافظ أبو الفضل بن طاهٍر يف‬
‫جزٍء مجعه مساه االنتصار أليامى األمصار فنقل فيه عن احلميدي عن بن حزٍم قال مل جند للبخاري ومسلٍم يف كتابيهما‬
‫شيًئا ال حيتمل خمرًج ا إال حديثني مث غلبه يف خترجيه الوهم مع إتقاهنما وصحة معرفتهما فذكر هذا احلديث وقال فيه‬
‫ألفاٌظ معجمٌة واآلفة من شريٍك من ذلك قوله قبل أن يوحى إليه وأنه حينئٍذ فرض عليه الصالة قال وهذا ال خالف‬
‫بني أحٍد من أهل العلم إمنا كان قبل اهلجرة بسنٍة وبعد أن أوحي إليه بنحو اثنيت عشرة سنٍة مث قوله إن اجلبار دنا فتدىل‬
‫حىت كان منه قاب قوسني أو أدىن وعائشة رضي اهلل عنها تقول إن الذي دىن فتدىل جربيل انتهى‬

‫قد يقول قائل أليس احلديث يف الصحيحني فكيف مل ينتبه له الشيخان فنقول له مبا أن يف السنة حمكم ومتشابه فنرد‬
‫املتشابه للمحكم فهذا احلديث من املتشابه الذي يرد إىل ما خرجه البخاري نفسه يف باب {فكان قاب قوسني أو‬
‫أدىن} [النجم‪« ]9 :‬حيث الوتر من القوس»‬
‫حدثنا طلق بن غناٍم ‪ ،‬حدثنا زائدة‪ ،‬عن الشيباين‪ ،‬قال‪ :‬سألت زًر ا عن قوله تعاىل‪{ :‬فكان قاب قوسني أو أدىن فأوحى‬
‫إىل عبده ما أوحى} [النجم‪ ،]10 :‬قال‪ :‬أخربنا عبد اهلل‪« :‬أن حممًد ا صلى اهلل عليه وسلم رأى جربيل له ست مائة‬
‫جناٍح » وحبديث آخر حمكم هو أيضا يف صحيح البخاري يف باب قوله‪{ :‬فأوحى إىل عبده ما أوحى} [النجم‪]10 :‬‬
‫عن عبد اهلل‪{ ،‬فكان قاب قوسني أو أدىن فأوحى إىل عبده ما أوحى} [النجم‪ ،]10 :‬قال‪ :‬حدثنا ابن مسعوٍد ‪« ،‬أنه‬
‫رأى جربيل له ست مائة جناٍح »‬
‫وهكذا يكون ال حجة ملن متسك بالظاهر وإال لوقع يف تناقض ظاهر‬

‫‪50‬‬
‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ملا ألقي إبراهيم يف النار‪ ،‬قال‪ :‬اللهم إنك واحد يف السماء‪ ،‬وأنا واحد‬
‫يف األرض أعبدك»‪.‬‬

‫هذا حديث حسن‪ ،‬من حديث أيب جعفر الرازي عن عاصم عن أيب صاحل عن أيب هريرة‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث ضعيف ألن فيه أبو هاشٍم الرفاعي جاء يف اجلرح والتعديل عنه أن عثمان بن أيب شيبة العبسي قال يسرق‬
‫حديث غريه فريويه‬
‫وقال حممد بن إمساعيل البخاري رأيتهم جمتمعني على ضعفه‬
‫وقال حممد بن عبد اهلل بن منري كان أضعفنا طلبا‪ ،‬وأكثرنا غرائب‬
‫وقال مسلمة بن القاسم األندلسي ال بأس به‬
‫وقال مصنفوا حترير تقريب التهذيب ضعيف‬

‫‪51‬‬
‫وعن أيب احلجاج الثمايل قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا وضع امليت يف قربه‪ ،‬يقول له القرب‪ :‬ابن آدم ما غرك يب‬
‫إذ متر يب‪ ،‬أما علمت أين بيت الوحدة والوحشة؟ فإن كان مصلًح ا أجاب عنه جميب القرب‪ ،‬أرأيت إن كان يأمر‬
‫باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬فيقول القرب‪ :‬إًذا أعود عليه خضرا‪ ،‬ويعود جسده نوًر ا‪ ،‬ويصعد بروحه إىل رب العاملني»‪.‬‬

‫رواه بقية عن أيب بكر بن أيب مرمي عن اهليثم بن مالك عن عبد الرمحن بن عائذ عن أيب احلجاج‪ .‬وهو حديث شامي‬
‫تفرد به بقية فيما أعلم‪ ،‬ويصلح لالعتبار واالستشهاد‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫قال اهليثمي‪ :‬وفيه "أبو بكر بن أيب مرمي" وفيه ضعف الختالطه‪ .‬وقال البوصريي يف خمتصر إحتاف املهرة (‪،3/169‬‬
‫برقم‪" : ) 2391‬رواه أبو يعلى بسند ضعيف لتدليس بقية بن الوليد"‪.‬واحلق إعالل احلديث بأيب بكر وتدليس بقية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وعن أيب الدرداء رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬من اشتكى منكم فليقل‪ :‬ربنا اهلل الذي يف السماء‬
‫تقدس امسك‪ ،‬أمرك يف السماء واألرض‪ ،‬كما رمحتك يف السماء‪ ،‬اغفر لنا حوبنا وخطايانا‪ ،‬أنت رب الطيبني‪ ،‬أنزل‬
‫رمحة من رمحتك‪ ،‬وشفاء من شفائك على هذا الوجع‪ ،‬فيربأ"‪.‬‬

‫رواه أبو داود وغريه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )27‬وقال‪" :‬وزيادة لني احلديث"‪.‬ورد الذهيب تصحيح احلاكم له بقوله‪" :‬زيادة‪ ،‬قال‬
‫البخاري وغريه منكر احلديث"‪ ،‬وذكر يف ترمجته يف امليزان (‪ )2/98‬أنه انفرد هبذا احلديث فاإلسناد ضعيف‪.‬‬
‫كما حكم عليه احلافظ ابن اجلوزي بالضعف ‪ .‬ولو صح لكان معناه الذي هو رفيع القدر جًد ا ‪ ..‬ولفظ اإلمام أمحد يف‬
‫(مسنده) ‪ ":‬ربنا اهلل الذي يف السماوات تقدس امسك…‪"..‬‬

‫‪53‬‬
‫وأخربنا بإسناد صحيح ثابت عن حبيب بن أيب ثابت‪ :‬أن حسان بن ثابت أنشد للنيب ﷺ‪:‬‬

‫شهدت بإذن اهلل أن حممًد ا ** رسول الذي فوق السموات من عل‬

‫وأن أبا حيىي وحيىي كالمها ** له عمل من ربه متقبل‬

‫وأن أخا األحقاف إذ قام فيهم ** يقوم بذات اهلل فيهم ويعدل‬

‫فقال النيب ﷺ‪« :‬وأنا»‪.‬‬


‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )40‬وقال‪" :‬هذا مرسل"‪.‬وأورده ابن القيم يف اجتماع اجليوش اإلسالمية (ص‬
‫‪. )307‬وابن أيب العز يف شرح الطحاوية بتحقيق األلباين (ص‪ ، )316-315‬وقال األلباين‪ " :‬ضعيف‪ ،‬رواه ابن سعد‬
‫يف الطبقات بسند ضعيف ومنقطع "‪.‬وأورده اهليثمي يف اجملمع (‪ ، )1/24‬وقال‪ " :‬رواه أبو يعلى‪ ،‬وهو مرسل‬

‫‪54‬‬
‫وقد أنشد شعر أمية بن أيب الصلت عند النيب ﷺ فقال‪« :‬آمن شعره وكفر قلبه»‪ .‬وهو‪:‬‬

‫جمدوا اهلل فهو للمجد أهل ** ربنا يف السماء أمسى كبريا‬

‫بالبناء األعلى الذي سبق اخللق ** وسوى فوق السماء سريرا‬

‫شرجعا ما يناله بصر العني ** ترى دونه املالئك صورا‬

‫قوله‪" :‬شرجًعا"‪ :‬أي طوياًل ‪ .‬و"صوًر ا"‪ :‬مجع أصور‪ ،‬وهو املائل العنق‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )43-42‬قال‪" :‬إسناده منقطع" وذكر املناوي يف الفيض (‪ )1/59‬إسناد األنباري وقال‪:‬‬
‫"فيه أبو بكر اهلذيل وهو مرتوك احلديث كما يف التقريب البن حجر‪ ،‬مث ذكر إخراج اخلطيب وابن عساكر وقال‪:‬‬
‫"بإسناد ضعيف وعزا احلديث ابن حجر يف اإلصابة (‪ )4/376‬إىل الفاكهي بإسناد فيه الكليب‪ ،‬وهو متهم بالكذب‪،‬‬
‫ورمي بالرفض"‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وعن عمران بن حصني قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ أليب‪« :‬كم تعبد اليوم إًهلا؟» قال‪ " :‬ستة يف األرض‪ ،‬وواحد يف‬
‫السماء" قال‪« :‬فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك» قل‪" :‬الذي يف السماء" قال‪« :‬أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتني‬
‫ينفعانك»‪ .‬فلما أسلم قال‪" :‬يا رسول اهلل‪ ،‬علمين الكلمتني اللتني وعدتين" قال‪« :‬قل اللهم أهلمين رشدي وأعذين من‬
‫شر نفسي»‬

‫رواه الرتمذي وحسنه من حديث احلسن عن عمران بن حصني‪.‬‬


‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف األربعني (ص‪ ،56‬برقم‪ ، )31‬ويف العلو (ص‪ ، )24‬وقال‪" :‬شبيب ضعيف" وقال البخاري يف العلل‬
‫الكبري" مل يعرفه إال من حديث أيب معاوية وروى مرسال" وقال البزار يف البحر الزخار "اختلفوا يف إسناده‪ ،‬وهذا‬
‫أصوب" وقال الرتمذي‪« :‬هذا حديث غريب وقد روي هذا احلديث عن عمران بن حصني من غري هذا الوجه»‪ .‬وقال‬
‫عنه الشيخ األلباين‪ :‬ضعيف‬

‫‪56‬‬
‫ورواه خالد بن طليق عن أبيه‪ ،‬أمت من هذا فيما أخربنا عبد اخلالق بن عبد السالم ببعلبك‪ :‬أنا عبد اهلل بن أمحد الفقيه‬
‫سنة إحدى عشر وستمائة‪ :‬أنا حممد بن عبد الباقي‪ :‬أنا أبو الفضل بن خريون‪ :‬أخربنا ابن شاذان‪ :‬أنا أبو سهل القطان‪:‬‬
‫أخربنا عبد الكرمي الديرعاقويل‪ :‬ثنا رجاء بن حممد البصري‪ :‬ثنا عمران بن خالد بن طليق‪ :‬حدثين أيب عن أبيه عن جده‬
‫قال‪" :‬اختلفت قريش إىل حصني‪ ،‬والد عمران فقالوا‪ :‬إن هذا الرجل يذكر آهلتنا‪ ،‬فنحب أن تكلمه‪ ،‬وتعظه‪ ،‬فمشوا‬
‫معه إىل قريب من باب النيب ﷺ‪ ،‬فجلسوا‪ ،‬ودخل حصني‪ ،‬فلما رآه النيب ﷺ قال‪« :‬أوسعوا للشيخ»‬
‫فقال‪" :‬ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آهلتنا‪ ،‬وتذكرهم؟ وقد كان أبوك جفنة وخبًز ا " فقال‪« :‬إن أيب وأباك يف‬
‫النار‪ ،‬يا حصني‪ ،‬كم تعبد إًهلا يف اليوم؟» قال‪ " :‬ستة يف األرض‪ ،‬وإله يف السماء" قال‪« :‬فإذا أصابك الضيق مبن‬
‫تدعو؟» قال‪" :‬الذي يف السماء" وذكر باقي احلديث وإسالمه‪.‬‬

‫أخرجه إمام األئمة ابن خزمية يف التوحيد له هبذا اإلسناد‪ ،‬وطليق هو ابن حممد بن عمران بن حصني‪.‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو ص‪ ،23-23‬وقال‪" :‬عمران ضعيف"‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ يف حديث الشفاعة‪« :‬فآيت باب اجلنة‪ ،‬فأقرع الباب‪ ،‬فيقال‪ :‬من أنت؟‬
‫فأقول‪ :‬حممد‪ ،‬فإذا ريب على كرسيه‪ ،‬فيتجلى يل فأخر ساجًد ا»‪.‬‬

‫وهذا حديث صحيح‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ضعيف ألن يف سنده علي بن زيد‬


‫‪58‬‬
‫وعن ابن مسعود قال‪ :‬كنت مع رسول اهلل ﷺ جالًس ا فتبسم‪ ،‬مث قال‪« :‬عجًبا للمؤمن‪ ،‬وجزعه من السقم‪ ،‬ولو‬
‫كان يعلم ما له يف السقم أحب أن يكون سقيًم ا حىت يلقى ربه‪ ،‬وعجبت من ملكني‪ ،‬نزال يلتمسان عبًد ا يف مصاله‪،‬‬
‫كان يصلي فيه فلم جيداه‪ ،‬فعرجا إىل اهلل فقاال‪ :‬يا رب‪ ،‬عبدك فالن‪ ،‬كنا نكتب له من العمل فوجدناه قد حبسته يف‬
‫حبالك‪ ،‬فقال اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل‪ ،‬يف يومه وليلته‪ ،‬وال تنقصوا منه شيًئا‪ ،‬فعلي أجر ما حبسته‪ ،‬وله‬
‫أجر ما كان يعمل»‪.‬‬

‫أخرجه أبو بكر بن أيب الدنيا يف كتاب املرض والكفارات عن حممد بن يوسف عن ابن وهب عن حممد بن أيب محيد‬
‫عن عون ابن عبد اهلل عن أبيه عن ابن مسعود‪ .‬وحممد بن أيب محيد ضعيف‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫رواه الطرباين يف األوسط والبزار باختصاٍر وفيه حممد بن أيب محيٍد وهو ضعيٌف جًد ا‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وعن سلمان الفارسي رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن ربكم كرمي يستحيي من عبده إذا رفع إليه‬
‫يديه يدعوه أن يردمها صفًر ا ليس فيهما شيء»‪.‬‬

‫وهذا حديث صحيح‪ ،‬رواه مجاعة من الصحابة‪ ،‬علي بن أيب طالب وعبد اهلل بن عمر وسلمان الفارسي وأنس بن‬
‫مالك وغريهم‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ليس يف رفع اليدين للسماء حجة على أن اهلل يف السماء وإال ملا صح دعاء املصلي وهو ساجد ألنه يتجه لألرض ولكننا‬
‫نقول إن اهلل له العلو املطلق قبل وبعد خلق السموات واألرض فهو قبل اخللق له العلو ومل يستفد بعد خلقه للعرش أو‬
‫السموات صفة العلو‬

‫‪60‬‬
‫وعن أيب هريرة قال‪ :‬أخربنا رسول اهلل ﷺ‪« :‬أن أهل اجلنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعماهلم‪ ،‬فيؤذن هلم يف‬
‫مقدار يوم اجلمعة‪ ،‬فيزورون اهلل‪ ،‬فيربز هلم عرشه‪ ،‬ويتبدى هلم يف روضة من رياض اجلنة‪ ،‬فيوضع هلم منابر من ذهب‪،‬‬
‫وجيلس أدناهم‪ ،‬وما فيهم دين على كثبان املسك ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم جملًس ا»‪ .‬فذكره إىل أن‬
‫قال فيه‪« :‬فننصرف إىل منازلنا‪ ،‬فتتلقانا أزواجنا ويقلن‪ :‬مرحبًا وأهاًل لقد جئت وإن بك من اجلمال أفضل مما فارقتنا‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬إنا جالسنا اليوم ربنا اجلبار‪ ،‬وحيق لنا أن ننقلب مبثل ما انقلبنا»‪.‬‬

‫رواه الرتمذي وابن ماجه وغريمها‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال الرتمذي حديث غريب والرتمذي يقصد بالغريب الضعيف‬

‫‪61‬‬
‫وعن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن هلل مالئكة سيارة يتبعون جمالس الذكر‪ ،‬فإذا وجدوا‬
‫جملس ذكر جلسوا معهم‪ ،‬فإذا تفرقوا صعدوا إىل رهبم»‪.‬‬

‫رواه سهيل ابن أيب صاحل عن أبيه عن أيب هريرة‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ليس يف احلديث صعدوا إىل رهبم بل نص احلديث يف صحيح مسلم " فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إىل السماء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فيسأهلم اهلل عز وجل‪ ،‬وهو أعلم هبم " ويف صخيح البخاري " فيحفوهنم بأجنحتهم إىل السماء الدنيا ‪ ،‬قال ‪ :‬فيسأهلم‬
‫رهبم ‪ ،‬وهو أعلم منهم" ومها أصحا كتب احلديث‬

‫‪62‬‬
‫وعن قتادة بن النعمان قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ملا فرغ اهلل من خلقه استوى على عرشه»‪.‬‬

‫رواه اخلالل يف السنة بإسناد صحيح على شرط الصحيحني‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫وكأن الذهيب مولع ببرت األحاديث عن سياقها ليثبت حجته وهذا ليس من صفات العلماء‬
‫فمن تابع بقية هذا احلديث أيقن أنه ليس حبديث صحيح وإليك احلديث بأكمله " إن اهلل ملا فرغ من خلقه استوى على‬
‫عرشه واستلقى ووضع إحدى رجليه على األخرى"‬
‫قال ابن أيب عاصم يف السنة (‪ )568‬وابن اجلوزقاين يف األباطيل (‪ 52‬و‪ )53‬هذا حديث موضوع باطل كفر ال أصل‬
‫له عند العلماء‪.‬اهـ‬
‫وهو يف جممع الزوائد (‪ )8/100‬للهيثمي وختريج الظالل والضعيفة (‪ )755‬كالمها لأللباين وقال‪ :‬منكر‪ ،‬والباز‬
‫األشهب ص‪ 82-81‬البن اجلوزي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يقول اهلل تعاىل أنا أغىن الشركاء عن الشرك‪ ،‬ال يصعد إيل من الرياء‬
‫شيء»‪.‬‬

‫حمفوظ من حديث قيس بن الربيع عن أيب حصني عن أيب صاحل عن أيب هريرة‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يف إسناده قيس بن الربيع‪ ،‬وهو رديء احلفظ وكذا أبو قالبة‪ ،‬قال احلافظ يف التقريب (ص‪" : )804‬قيس بن الربيع‬
‫األسدي‪ ،‬أبو حممد الكويف‪ ،‬صدوق خيطئ‪ ،‬تغري حفظه ملا سكن بغداد وهذا مما حدث به فيها"‪.‬وأورده الذهيب يف العلو‬
‫(ص‪ )52‬وقال‪" :‬حديث قيس بن الربيع وهو رديء احلفظ"‪ ،‬وأورده يف األربعني يف صفات رب العاملني (ص‪،48‬‬
‫برقم‪. )22‬واحلديث أصله يف صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الزهد‪ )4/2289( ،‬دون قوله‪ " :‬ال يصعد إيل من الرياء شيء "‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وعنه قال مسعت النيب ﷺ يقول‪" :‬رب ميني ال تصعد إىل اهلل يف هذه البقعة"‪ ،‬فرأيت فيها النجاسة‪.‬‬

‫رواه الثوري عن عاصم بن عبيد اهلل بن حفص عن عبيد بن أيب عبيد عن أيب هريرة‪ .‬وهو غريب‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ )52‬وقال‪" :‬هذا حديث منكر"‪.‬وقال احلافظ ابن حجر كما يف خمتصر إحتاف املهرة (‬
‫‪" : )5515 ،7/115‬رواه أبو يعلى املوصلي بسند ضعيف لضعف عاصم بن عبيد اهلل"‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫وخرج عبد أسود لبعض أهل خيرب يف غنم له حىت جاء رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬من هذا؟ قالوا‪ :‬رسول اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الذي يف السماء؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪ :‬أنت رسول اهلل؟ قال‪« :‬نعم» قال‪ :‬الذي يف السماء؟ قال‪« :‬نعم» فأمره رسول اهلل‬
‫ﷺ بالشهادة‪ ،‬فتشهد فقاتل حىت استشهد"‪.‬‬

‫أخرجه األموي يف املغازي عن حممد بن إسحاق‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث إسناده ضعيف إلعضاله‪ ،‬فإن حممد بن إسحاق مل يذكر واسطته يف هذه القصة‬

‫‪66‬‬
‫وعن عدي بن عمرية الكندي قال‪" :‬كان بأرضنا حرب من اليهود يقال له ابن الشهالء‪ ،‬فالتقيت أنا وهو‪ ،‬فقال‪ :‬إين‬
‫أجد يف كتاب اهلل أن أصحاب الفردوس قوم يعبدون رهبم على وجوههم‪ ،‬ال واهلل‪ ،‬ما أعلم هذه الصفة إال فينا معشر‬
‫اليهود‪ ،‬وأجد نبيها خيرج من اليمن‪ ،‬ال نراه خيرج إال منا‪ ،‬قال عدي‪ :‬فواهلل ما لبثت حىت بلغنا أن رجال من بين هاشم‬
‫قد تنبأ فذكرت حديث ابن الشهالء فخرجت إليه ﷺ فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن‬
‫إهلهم يف السماء"‪.‬‬

‫رواه األموي يف املغازي من حديث حممد بن إسحاق‪ :‬حدثين يزيد بن سنان عن سعيد بن األجريد عن العرس بن قيس‬
‫الكندي عن عدي بن عمرية‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال الذهيب حديٌث غريٌب‬

‫‪67‬‬
‫وعن علي رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ﷺ حدثين عن ربه عز وجل قال‪« :‬وعزيت وجاليل‪ ،‬وارتفاعي فوق‬
‫عرشي‪ ،‬ما من أهل قرية وال بيت وال رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصييت‪ ،‬فتحولوا عنها إىل ما أحببت من‬
‫طاعيت‪ ،‬إال حتولت هلم عما يكرهون من عذايب إىل ما حيبون من رمحيت»‪.‬‬
‫أخرجه ابن أيب شيبة يف كتاب العرش عن احلسن بن علي‪ :‬حدثنا اهليثم بن األشعث السلمي‪ :‬حدثنا أبو حنيفة اليمامي‬
‫عن عمر بن عبد امللك قال‪" :‬خطبنا علي" فذكره‪ .‬ورواه أبو أمحد العسال يف كتاب املعرفة له عن أمحد بن حسن‬
‫الطائي عن احللواين به‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال الذهيب يف العلو‪" :‬إسناده ضعيف"‪.‬وعلة ضعفه جهالة ابن األشعث وأيب حنيفة اليمامي‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وروى مالك بن دينار عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬أخربين جربائيل عن اهلل عز وجل أنه يقول‪ :‬وعزيت‬
‫وجاليل واستوائي على عرشي وارتفاع مكاين إين ألستحيي من عبدي وأميت يشيبان يف اإلسالم أن أعذهبما»‪.‬‬

‫رواه احلافظ أبو نعيم يف كتبه عن أيب بكر بن السندي‪ :‬حدثنا جعفر بن حممد بن الصياح‪ :‬حدثنا حيىي بن خذام‪ :‬حدثنا‬
‫حممد ابن عبد اهلل بن زياد األنصاري عن مالك بن دينار‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو وقال‪" :‬أخرجه أبو نعيم احلافظ يف "احللية"‪ ،‬وعداده يف املوضوعات‪ ،‬وهذا األنصاري ليس‬
‫بثقة"‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وعن أنس أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إذا مجع اهلل اخلالئق حاسبهم‪ ،‬فميز بني أهل اجلنة والنار‪ ،‬وهو يف جنته على‬
‫عرشه»‪.‬‬

‫هذا حديث حمفوظ عن نوح بن قيس عن يزيد الرقاشي‪ ،‬رواه يزيد بن هارون وغريه عنه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث ضعيف ألن يف سنده يزيد الرقاشي وقد جاء يف اجلرح والتعديل قال حممد بن سعد البغدادي‪« :‬كان ضعيًف ا‬
‫قدرًيا»‪ ،‬وقال حممد بن إمساعيل البخاري‪« :‬تكلم فيه شعبة‪ ،».‬وقال شعبة بن احلجاج‪« :‬إلن يفعل الرجل بزنا خري له‬
‫من أن يروي عن أبان ويزيد الرقاشي» وقال عمرو بن علي الفالس‪« :‬كان حيىي بن سعيد ال حيدث عنه‪ ،‬وكان عبد‬
‫الرمحن بن مهدي حيدث عنه»‪ ،‬قال أبو طالب‪« :‬مسعت أمحد بن حنبل يقول‪ :‬ال يكتب حديث يزيد الرقاشي‪ .‬قلت‬
‫له‪ :‬فلم ترك حديثه‪ ،‬هلوى كان فيه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن كان منكر احلديث‪ .‬وقال‪ :‬شعبة حيمل عليه‪ ،‬وكان قاًص ا‪ ،».‬قال‬
‫حيىي بن معني‪« :‬ضعيف‪ ،‬هو خري من أبان بن أيب عياش‪ ،‬رجل صاحل وليس حديثه بشيٍء »‪ ،‬وقال أبو حامت الرازي‪:‬‬
‫«كان واعظا بكاء‪ ،‬كثري الرواية عن أنس مبا فيه نظر‪ ،‬صاحب عبادة‪ ،‬ويف حديثه ضعف»‪ ،‬وضعفه أيًض ا احلاكم‬
‫النيسابوري والدارقطين والنسائي وأبو بكر الربقاين‬

‫‪70‬‬
‫وعن ابن عباس أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬مررت ليلة أسري يب برائحة طيبة‪ ،‬فقلت جلربيل ما هذه الرائحة‬
‫الطيبة؟ فقال‪ :‬ماشطة بنت فرعون‪ ،‬كانت متشطها فوقع املشط من يدها‪ ،‬فقالت‪ :‬باسم اهلل‪ ،‬فقالت ابنة فرعون‪ :‬أيب‪،‬‬
‫قالت‪ :‬ريب ورب أبيك‪ ،‬قالت‪ :‬أقول له إًذ ا‪ ،‬قالت‪ :‬قويل له‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أولك رب غريي‪ ،‬قالت‪ :‬ريب وربك اهلل الذي‬
‫يف السماء‪ .‬فأمحي هلا بنقرة من حناس‪ ،‬فألقى ولدها واحًد ا واحًد ا‪ ،‬فكان آخرهم صيب‪ ،‬فقال‪ :‬يا أماه اصربي فإنك على‬
‫احلق»‪.‬‬

‫هذا حديث حسن من حديث عطاء بن السائب عن سعيد بن جبري‪ .‬رواه أبو يعلى املوصلي يف مسنده عن هدبة عن‬
‫محاد بن سلمة عنه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫رواه هدبة بن خالد ( وهو ثقة )عند أيب يعلى وغريه وموسى بن إمساعيل( وهو متكلم فيه ) عند الدارمي عن محاد‬
‫بقول املاشطة (( ريب وربك الذي يف السماء)) وأبو نصر التمار ( وامسه عبد الغفار بن عبد اهلل بن الزبري ومل أر فيه‬
‫جرحًا وال تعديًال )عند ابن اجلوزي رواه بلفظ (( ريب وربك اهلل الذي يف السماء)) ويف السند إىل أيب نصر التمار من‬
‫مل أعرفه كعبد الصمد بن على بن املأمون‬
‫وخالفهم يزيد بن هارون فرواه بلفظ عند ابن حبان((ريب وربك اهلل )) ولكن السند إليه فيه كالم فشيخ ابن حبان‬
‫جعفر بن أمحد بن صليح ترمجه ابن ماكوال يف اإلكمال ( ‪ )578‬و السمعاين يف األنساب (‪ )857‬واحلافظ ابن حجر‬
‫يف تبصري املنتبه ( ‪ )203‬و ( ‪ )301‬ومل يذكروا فيه جرحًا وال تعديًال‬
‫ووافق يزيد أبو عمر الضرير ( وهو ثقة ) عند أمحد يف املسند والطرباين يف األحاديث الطوال‬
‫وعفان بن مسلم ( هو أثبت الناس يف محاد ) عند احلاكم يف املستدرك والبيهقي يف شعب اإلميان ودالئل النبوة واإلسناد‬
‫إىل عفان صحيح‬
‫ومن هذا نعرف أن اللفظ الدال على صفة العلو ال يثبت عن محاد‬
‫احلديث ضعيف ألن محاد بن سلمة مسع من عطاء بن السائب قبل اإلختالط وبعده‬
‫قال احلسن بن علي احللواين عن علي بن املديين قال قال وهيب قدم علينا عطاء بن السائب فقلت كم محلت عن عبيدة‬
‫يعين السلماين قال أربعني حديثا قال علي وليس عنده عن عبيدة حرف واحد فقلت عالم حيمل ذلك قال على‬
‫االختالط قال علي وكان أبو عوانة محل عنه قبل أن خيتلط مث محل عنه بعد فكان ال يعقل ذا من ذا وكان محاد بن‬
‫سلمة انتهى ))‬
‫قال احلافظ ابن حجر (( فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب ومحاد)) وأيب عوانة عنه يف مجلة ما يدخل يف‬
‫االختالط‬

‫‪71‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬فينزل اهلل كل ليلة إىل مساء الدنيا حني يبقى ثلث الليل‬
‫األخري‪ ،‬فيقول‪ :‬أال عبد من عبادي يدعوين‪ ،‬فأستجيب له‪ ،‬أال ظامل لنفسه يدعوين فأفكه‪ ،‬فيكون كذلك إىل مطلع‬
‫الصبح ويعلو على كرسيه»‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث ضعيف فقد أورده الذهيب يف العلو (ص‪ )٥٣‬وقال‪" :‬إسحاق ضعيف مل يدرك جد أبيه" وذكره اهليثمي يف‬
‫جممع الزوائد (‪ )١٠/١٥٤‬وقال‪" :‬رواه الطرباين يف الكبري واألوسط‪ ،‬وحيي ابن إسحاق مل يسمع عبادة ومل يرو عنه غري‬
‫موسى بن عقبة‪ ،‬وبقية رجال الكبري رجال الصحيح" اهـ‪ .‬وأورده ابن حجر يف فتح الباري (‪ )١٣/٤٦٨‬وقال‪" :‬ومن‬
‫حديث عبادة بن عاصم ويف آخره "مث يعلو ربنا على كرسيه" وهو من رواية إسحاق بن حيي عن عبادة ومل يسمع منه"‬
‫اهـ‪.‬‬

‫وبالنسبة لنزول اهلل فهو نزول معنوي ألن كلمة نزل يف لغة العرب حتمل أكثر من معىن فيجب محلها على أليق املعاين‬
‫يف حق اهلل وإن أردنا محلها على النزول احلقيقي فيكون نزول رمحة وإجابة يف ثلث الليل األخري ترغيبًا للعباد يف الطلب‬
‫من اهلل وإال لو محلناها على نزول ذات اهلل لكان أبدًا يف السماء الدنيا ألنه ال متر ساعة إال وعلى وجه األرض ثلث من‬
‫الليل األخري‬

‫‪72‬‬
‫ويف صحيح مسلم‪« :‬ال أسأل عن عبادي غريي»‪ ،‬تفرد به موسى ابن عقبة عن إسحاق بن حيىي عن عبادة‪.‬‬

‫واحلجة فيه قوله «يعلو على كرسيه»‪ .‬وأما قوله «ينزل اهلل إىل مساء الدنيا» فقد رواه نيف وعشرون من الصحابة عن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد أفردت لذلك جزًءا‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫يقول ابن حجر يف فتح الباري " قوله ‪ ( :‬ينزل ربنا إىل السماء الدنيا ) استدل به من أثبت اجلهة ‪ ،‬وقال ‪ :‬هي جهة‬
‫العلو ‪ ،‬وأنكر ذلك [ ص‪ ] 37 :‬اجلمهور ألن القول بذلك يفضي إىل التحيز ‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك ‪ .‬وقد اختلف يف‬
‫معىن النزول على أقوال ‪ :‬فمنهم من محله على ظاهره وحقيقته ‪ ،‬وهم املشبهة ‪ ،‬تعاىل اهلل عن قوهلم ‪ .‬ومنهم من أنكر‬
‫صحة األحاديث الواردة يف ذلك مجلة ‪ ،‬وهم اخلوارج ‪ ،‬واملعتزلة ‪ ،‬وهو مكابرة ‪ ،‬والعجب أهنم أولوا ما يف القرآن من‬
‫حنو ذلك ‪ ،‬وأنكروا ما يف احلديث ‪ ،‬إما جهال ‪ ،‬وإما عنادا ‪ ،‬ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمنا به على طريق‬
‫اإلمجال منزها اهلل تعاىل عن الكيفية والتشبيه ‪ ،‬وهم مجهور السلف ‪ ،‬ونقله البيهقي وغريه عن األئمة األربعة ‪،‬‬
‫والسفيانني ‪ ،‬واحلمادين ‪ ،‬واألوزاعي ‪ ،‬والليث ‪ ،‬وغريهم ‪ ،‬ومنهم من أوله على وجه يليق ‪ ،‬مستعمل يف كالم‬
‫العرب ‪ ،‬ومنهم من أفرط يف التأويل ‪ ،‬حىت كاد أن خيرج إىل نوع من التحريف ‪ ،‬ومنهم من فصل بني ما يكون تأويله‬
‫قريبا مستعمال يف كالم العرب ‪ ،‬وبني ما يكون بعيدا مهجورا ‪ ،‬فأول يف بعض ‪ ،‬وفوض يف بعض ‪ ،‬وهو منقول عن‬
‫مالك ‪ ،‬وجزم به من املتأخرين ابن دقيق العيد ‪ ،‬قال البيهقي ‪ :‬وأسلمها اإلميان بال كيف ‪ ،‬والسكوت عن املراد إال أن‬
‫يرد ذلك عن الصادق ‪ ،‬فيصار إليه ‪ .‬من الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل املعني غري واجب ‪ ،‬فحينئذ التفويض‬
‫أسلم ‪ .‬وسيأيت مزيد بسط يف ذلك يف كتاب التوحيد ‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل ‪ .‬وقال ابن العريب ‪ :‬حكي عن املبتدعة رد‬
‫هذه األحاديث ‪ ،‬وعن السلف إمرارها ‪ ،‬وعن قوم تأويلها ‪ ،‬وبه أقول ‪ .‬فأما قوله ‪ :‬ينزل فهو راجع إىل أفعاله ال إىل‬
‫ذاته ‪ ،‬بل ذلك عبارة عن ملكه الذي ينزل بأمره وهنيه ‪ ،‬والنزول كما يكون يف األجسام يكون يف املعاين ‪ ،‬فإن محلته‬
‫يف احلديث على احلسي فتلك صفة امللك املبعوث بذلك ‪ ،‬وإن محلته على املعنوي ‪ ،‬مبعىن أنه مل يفعل مث فعل ‪ ،‬فيسمى‬
‫ذلك نزوال عن مرتبة إىل مرتبة ‪ ،‬فهي عربية صحيحة ‪ .‬انتهى ‪ .‬واحلاصل أنه تأوله بوجهني ‪ :‬إما بأن املعىن ينزل أمره‬
‫أو امللك بأمره ‪ ،‬وإما بأنه استعارة مبعىن التلطف بالداعني واإلجابة هلم وحنوه ‪ .‬وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض‬
‫املشايخ ضبطه بضم أوله على حذف املفعول أي ينزل ملكا ‪ ،‬ويقويه ما رواه النسائي من طريق األغر ‪ ،‬عن أيب هريرة‬
‫وأيب سعيد بلفظ ‪ :‬إن اهلل ميهل ‪ ،‬حىت ميضي شطر الليل ‪ ،‬مث يأمر مناديا يقول ‪ :‬هل من داع فيستجاب له ‪ .‬احلديث ‪.‬‬
‫ويف حديث عثمان بن أيب العاص ‪ :‬ينادي مناد ‪ :‬هل من داع يستجاب له ‪ .‬احلديث ‪ .‬قال القرطيب ‪ :‬وهبذا يرتفع‬
‫اإلشكال ‪ ،‬وال يعكر عليه ما يف رواية رفاعة اجلهين ‪ :‬ينزل اهلل إىل السماء الدنيا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ال أسأل عن عبادي‬
‫غريي ‪ .‬ألنه ليس يف ذلك ما يدفع التأويل املذكور ‪ .‬وقال البيضاوي ‪ :‬وملا ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن اجلسمية‬
‫والتحيز امتنع عليه النزول على معىن االنتقال من موضع إىل موضع أخفض منه ‪ ،‬فاملراد نور رمحته ‪ ،‬أي ينتقل من‬
‫مقتضى صفة اجلالل اليت تقتضي الغضب واالنتقام إىل مقتضى صفة اإلكرام اليت تقتضي الرأفة والرمحة ‪" .‬‬

‫‪73‬‬
‫وروى شعبة عن احلكم عن جماهد عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن العبد ليشرف على حاجة من‬
‫حاجات الدنيا‪ ،‬فيذكره اهلل فوق سبع مسوات‪ ،‬فيقول‪ :‬مالئكيت‪ ،‬إن عبدي قد أشرف على حاجة من حوائج الدنيا‪،‬‬
‫فإن فتحتها له فتحت بابا من أبواب النار‪ ،‬ولكن أزوها عنه‪ ،‬فيصبح العبد عاًض ا على أنامله يقول من دهاين؟ ما هي إال‬
‫رمحة رمحه اهلل هبا»‪.‬‬
‫تفرد به علي بن معبد أحد شيوخ النسائي عن صاحل بن بيان وليس بعمدة عن شعبة‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أخرجه ابن اجلوزي يف العلل املتناهية (‪. )٢/٣١٧‬وأورده الذهيب يف العلو (ص‪ )٤٤‬وقال‪" :‬صاحل تالف وال حيتمل شعبة‬
‫هذا"‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫وروى شهر بن حوشب عن يزيد قال‪ :‬مسعت رسول اهللﷺ يقول‪« :‬يهبط الرب تبارك وتعاىل من السماء‬
‫السابعة إىل املقام الذي هو قائمه‪ ،‬مث خيرج عنق من النار فيظل اخلالئق كلهم‪ ،‬فيقول أمرت بكل جبار عنيد‪ ،‬ومن زعم‬
‫أنه عزيز كرمي‪ ،‬ومن دعى مع اهلل إهلا آخر»‪.‬‬

‫أخرجه أبو أمحد العسال من حديث أبان وهو ضعيف عن شهر‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ابن عبد الرب ضعف أبان‬

‫‪75‬‬
‫وعن ابن املنكدر عن جابر عن رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن امللك يرفع العمل للعبد يرى أن يف يديه منه سروًر ا‪ ،‬حىت‬
‫ينتهي إىل امليقات الذي وصف اهلل فيضع العمل فيه‪ ،‬فيناديه اجلبار من فوقه‪ :‬ارم مبا معك يف سجني فيقول ما رفعت‬
‫إليك إال حًق ا‪ ،‬فيقول‪ :‬صدقت ارم مبا معك يف سجني»‪.‬‬

‫أخرجه أبو أمحد العسال‪ ،‬من حديث أيب العسال‪ ،‬من حديث أيب اخلطاب النجم بن إبراهيم عن ابن املنكدر‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪، )٥٤ ،٥٣‬وقال‪":‬حديث منكر ال يثبت مثله‪ ،‬وجنم ال أعرفه"‬

‫‪76‬‬
‫وعن ابن مسعود عن النيب ﷺ قال‪« :‬جيمع اهلل األولني واآلخرين مليقات يوم معلوم أربعني سنة‪ ،‬شاخصة‬
‫أبصارهم إىل السماء‪ ،‬ينظرون إىل فصل القضاء‪ ،‬فينزل اهلل من العرش إىل الكرسي يف ظلل من الغمام»‪.‬‬

‫هذا حديث حسن تفرد به أبو عبيدة بن عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬فرواه مسروق عن ابن مسعود‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أبو عبيدة ال يصح مساعه من أبيه وأورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )٥٤‬وقال‪" :‬فيه انقطاع حمتمل"‬

‫‪77‬‬
‫وعن أيب هريرة عن النيب ﷺ‪« :‬إن اهلل ملا قضى اخللق كتب عنده فوق عرشه‪ ،‬إن رمحيت سبقت غضيب» متفق‬
‫عليه‪.‬‬

‫أخرجه البخاري يف صحيحه يف كتاب الرد على اجلهمية‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال ابن حجر يف كتابه فتح الباري " حديث أيب هريرة ان اهلل تعاىل ملا قضى اخللق كتب عنده فوق عرشه ان رمحيت‬
‫غلبت غضيب وقد تقدم يف باب وحيذركم اهلل نفسه ويأيت بعض الكالم عليه يف باب قوله تعاىل يف لوح حمفوظ قال‬
‫اخلطايب املراد بالكتاب أحد شيئني اما القضاء الذي قضاه كقوله تعاىل كتب اهلل ألغلنب انا ورسلي أي قضى ذلك قال‬
‫ويكون معىن قوله فوق العرش أي عنده علم ذلك فهو ال ينساه وال يبدله كقوله تعاىل يف كتاب ال يضل ريب وال ينسى‬
‫واما اللوح احملفوظ الذي فيه ذكر أصناف اخللق وبيان أمورهم وآجاهلم وأرزاقهم وأحواهلم ويكون معىن فهو عنده‬
‫فوق العرش أي ذكره وعلمه وكل ذلك جائز يف التخريج على أن العرش خلق خملوق حتمله املالئكة فال يستحيل ان‬
‫مياسوا العرش إذا محلوه وإن كان حامل العرش وحامل محلته هو اهلل وليس قولنا ان اهلل على العرش أي مماس له أو‬
‫متمكن فيه أو متحيز يف جهة من جهاته بل هو خرب جاء به التوقيف فقلنا له به ونفينا عنه التكييف إذ ليس كمثله شئ‬
‫وباهلل التوفيق وقوله فوق عرشه صفة الكتاب وقيل إن فوق هنا مبعىن دون كما جاء يف قوله تعاىل بعوضة فما فوقها‬
‫وهو بعيد وقال ابن أيب مجرة يؤخذ من كون الكتاب املذكور فوق العرش ان احلكمة اقتضت ان يكون العرش حامال‬
‫ملا شاء اهلل من أثر حكمة اهلل وقدرته وغامض غيبه ليستأثر هو بذلك من طريق العلم واإلحاطة فيكون من أكرب األدلة‬
‫على انفراده بعلم الغيب قال وقد يكون ذلك تفسريا لقوله الرمحن على العرش استوى أي ما شاءه من قدرته وهو‬
‫كتابه الذي وضعه فوق العرش "‬
‫‪78‬‬
‫ورواه أبو أمحد العسال من حديث النعمان بن بشري موقوفا عليه قال‪" :‬إن اهلل كتب كتاًبا قبل أن خيلق السموات‬
‫واألرض فهو معه على العرش فأنزل منه آيتني فختم هبما سورة البقرة‪ ،‬وإن الشيطان ال يدخل بيًتا قرءتا فيه"‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث منكر هبذه الصيغة بل هو هكذا عن محاد بن سلمة ثنا أشعث بن عبد الرمحن اجلرمي عن أيب قالبة عن أيب‬
‫األشعث الصنعاين عن النعمان بن بشري مرفوعا "إن اهلل كتب كتابا قبل أن خيلق السموات واألرض بألفي عام‪ ،‬فأنزل‬
‫منه آيتني ختم هبما سورة البقرة‪ ،‬وال تقرآن يف دار ثالث ليال فيقرهبا الشيطان"‪.‬‬
‫قال البزار‪ :‬ال نعلم أسند أبو األشعث الصنعاين عن النعمان بن بشري إال هذا احلديث"‬
‫وقال الطرباين‪ :‬ال يروى هذا احلديث عن النعمان إال هبذا اإلسناد‪ ،‬تفرد به محاد بن سلمة"‬
‫وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب"‬
‫وقال احلاكم‪ :‬صحيح اإلسناد"‬
‫وقال يف املوضع الثاين‪ :‬صحيح على شرط مسلم"‬

‫‪79‬‬
‫وأخرج البخاري يف باب قوله {إليه يصعد الكلم الطيب} عن ابن عباس قال‪ :‬بلغ أبا ذر مبعث النيب ﷺ فقال‬
‫ألخيه‪" :‬اعلم يل علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه اخلرب من السماء"‪.‬‬

‫هكذا أخرجه يف كتاب الرد على اجلهمية من صحيحه‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫ليس يف احلديث حجة على أن اهلل يف السماء أي أننا حتته ونشري إليه حسًا بل فيه أن الوحي ينزل عليه من السماء من‬
‫جربيل وليس يأتيه من األرض‬

‫‪80‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬بلغين حديث يف القصاص مبصر فقلت لراويه‪ :‬بلغين عنك يف القصاص‪ ،‬قال‪ :‬نعم مسعت‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إن اهلل يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرال هبًم ا‪ ،‬مث جيمعكم ‪ ،‬مث ينادي وهو قائم على‬
‫عرشه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب‪ ،‬أنا امللك أنا الديان»‪.‬‬
‫هذا حديث حمفوظ عن جابر بن عبد اهلل‪ ،‬رواه عنه عبد اهلل بن حممد بن عقيل وحممد بن املنكدر وأبو اجلارود العبدي‪،‬‬
‫وله طرق يصدق بعضها بعًض ا‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أخرجه اخلطيب البغدادي يف الرحلة يف طلب احلديث (‪ ، )33‬وقال احلافظ يف الفتح (‪ )1/174‬عن سند اخلطيب‪:‬‬
‫"ويف إسناده ضعف"‪ ،‬ألن فيه عمر بن الصبح وهو كذاب‪ ،‬متهم بالوضع‪ .‬انظر امليزان (‪. )3/206‬وأخرجه ابن قدامة‬
‫يف إثبات صفة العلو (ص‪ ،73 ،72‬برقم‪. )42‬ويف إسناده إسحاق بن بشر وهو وضاع كما يف امليزان (‬
‫‪. )1/186‬وأورده أبو يعلى احلنبلي يف إبطال التأويالت (ق‪/152‬ب ‪/153 -‬أ) ‪.‬وأورده الذهيب يف العلو (ص‪)56‬‬
‫وقال‪" :‬حديث املبتدأ إلسحاق بن بشر وهو كذاب ‪-‬كما قدمنا‪ "-‬مث ذكره وقال‪" :‬فهذا شبه موضوع"‬

‫‪81‬‬
‫وأخرج البخاري تعليًق ا منه قوله‪« :‬ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا امللك أنا الديان» يف كتاب‬
‫الرد على اجلهمية من صحيحه يف إذا تكلم اهلل بالوحي‪ ،‬وقد مجع ألفاظ أحاديث الصوت‪ .‬وقد ورد يف ذلك بضعة‬
‫عشر حديًثا مرفوعة من سوى أقوال الصحابة والتابعني‪ ،‬وقد تتبعتها ومجعتها يف جزء‪ ،‬أصحها ما أورده البخاري بعد‬
‫هذا احلديث فقال‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫حدثين عمر بن حفص‪ :‬ثنا أيب‪ :‬ثنا األعمش حدثناأبو صاحل عن أيب سعيد اخلدري قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«يقول اهلل‪ :‬يا آدم‪ .‬فيقول‪ :‬لبيك وسعديك‪ ،‬فينادي بصوت إن اهلل يأمرك أن خترج من ذريتك بعثا إىل النار»‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وما رواه أمحد بن حنبل ملا سأله ابنه عبد اهلل عن قوم يقولون‪ :‬إن اهلل مل يتكلم بصوت‪ ،‬فقال‪" :‬بلى تكلم بصوت"‪.‬‬

‫حدثنا احملاريب عن األعمش عن أيب الضحى عن مسروق عن عبد اهلل قال‪" :‬إذا تكلم اهلل بالوحي مسع صوته أهل‬
‫السموات"‪.‬‬

‫وقال أمحد‪" :‬هذه اجلهمية تنكره‪ ،‬وهؤالء كفار يريدون أن ميوهوا على الناس"‪.‬‬

‫رواه عبد اهلل بن أمحد يف كتاب السنة الذي أجازه يل غري واحد‪ ،‬منهم ابن أيب اخلري عن أيب زرعة الكفتواين‪ :‬أنبأنا أبو‬
‫عبد اهلل اخلالل‪ :‬أنبأنا أبو املظفر بن شبيب‪ :‬أنبأنا أبو عمر السلمي‪ :‬أنبأنا أمحد بن حممد اللنباين عنه‪.‬‬
‫وهذا احلديث على شرط الصحيحني‪.‬‬

‫رجعنا إىل ما وضع الكتاب له‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول ابن حجر يف فتح الباري مبينا املقصود بالصوت ‪:‬‬


‫" قوله فيناديهم بصوٍت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب محله بعض األئمة على جماز احلذف أي يأمر من ينادي‬
‫واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن يف قوله يسمعه من بعد إشارًة إىل أنه ليس من املخلوقات ألنه مل يعهد مثل هذا‬
‫فيهم وبأن املالئكة إذا مسعوه صعقوا كما سيأيت يف الكالم على احلديث الذي بعده وإذا مسع بعضهم بعًض ا مل يصعقوا‬
‫قال فعلى هذا فصفاته صفٌة من صفات ذاته ال تشبه صوت غريه إذ ليس يوجد شيٌء من صفاته من صفات املخلوقني‬
‫هكذا قرره املصنف يف كتاب خلق أفعال العباد وقال غريه معىن يناديهم يقول وقوله بصوٍت أي خملوٍق غري قائٍم بذاته‬
‫واحلكمة يف كونه خارًقا لعادة األصوات املخلوقة املعتادة اليت يظهر التفاوت يف مساعها بني البعيد والقريب هي أن يعلم‬
‫أن املسموع كالم اهلل كما أن موسى ملا كلمه اهلل كان يسمعه من مجيع اجلهات وقال البيهقي الكالم ما ينطق به‬
‫املتكلم وهو مستقٌر يف نفسه كما جاء يف حديث عمر يعين يف قصة السقيفة وقد تقدم سياقه يف كتاب احلدود وفيه‬
‫وكنت زورت يف نفسي مقالًة ويف رواية هيأت يف نفسي كالًم ا قال فسماه كالًم ا قبل التكلم به قال فإن كان املتكلم‬
‫ذا خمارج مسع كالمه ذا حروٍف وأصواٍت وإن كان غري ذي خمارج فهو خبالف ذلك والباري عز وجل ليس بذي‬
‫خمارج فال يكون كالمه حبروٍف وأصواٍت فإذا فهمه السامع تاله حبروٍف وأصواٍت مث ذكر حديث جابٍر عن عبد اهلل‬
‫بن أنيٍس وقال اختلف احلفاظ يف االحتجاج بروايات بن عقيٍل لسوء حفظه ومل يثبت لفظ الصوت يف حديٍث صحيٍح‬
‫عن النيب صلى اهلل عليه وسلم غري حديثه فإن كان ثابًتا فإنه يرجع إىل غريه كما يف حديث بن مسعوٍد يعين الذي قبله‬
‫ويف حديث أيب هريرة يعين الذي بعده أن املالئكة يسمعون عند حصول الوحي صوًتا فيحتمل أن يكون الصوت‬
‫للسماء أو للملك اآليت بالوحي أو ألجنحة املالئكة وإذا احتمل ذلك مل يكن نًص ا يف املسألة وأشار يف موضٍع آخر أن‬
‫الراوي أراد فينادي نداًء فعرب عنه بقوله بصوٍت انتهى وهذا حاصل كالم من ينفي الصوت من األئمة ويلزم منه أن اهلل‬
‫مل يسمع أحًد ا من مالئكته ورسله كالمه بل أهلمهم إياه وحاصل االحتجاج للنفي الرجوع إىل القياس على أصوات‬
‫املخلوقني ألهنا اليت عهد أهنا ذات خمارج وال خيفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غري خمارج كما أن الرؤية قد تكون‬
‫من غري اتصال أشعٍة كما سبق سلمنا لكن متنع القياس املذكور وصفات اخلالق ال تقاس على صفة املخلوق وإذا ثبت‬
‫ذكر الصوت هبذه األحاديث الصحيحة وجب اإلميان به مث إما التفويض وإما التأويل وباهلل التوفيق "‬

‫ويقول القسطالين " مساع امللك وغريه من اهلل تعاىل ليس حبرف أو صوت بل خيلق اهلل تعاىل للسامع علًم ا ضرورًيا‬
‫فكما أن كالمه تعاىل ليس من جنس كالم البشر فسماعه الذي خيلقه لعبده ليس من جنس مساع األصوات" ويقول‬
‫أيضًا يف شرح حديث (فإذا فزع عن قلوهبم وسكن الصوت) بالنون بعد الكاف اخلفيفة الصوت املخلوق ال مساع أهل‬
‫السماوات واألدلة ناطقة بتنزيه الباري جل وعال عن الصوت املستلزم للحدوث‬

‫ويقول حممد بن احلسن بن فورك يف مشكل احلديث وبيانه " اعلم أن كالم اهلل تعاىل ليس حبرف وال صوت عندنا وإمنا‬
‫العبارات عنه تارة تكون بالصوت والعبارات هي الدالة عليه وأمارات له تظهر للخلق ويسمعون عنها كالم اهلل‬
‫فيفهمون املراد فيكون ما مسع موسى عليه السالم من األصوات مما مسع يسمى كالم اهلل عز وجل ويكون ذلك يف‬
‫نفسه غري الكالم‬
‫وحيتمل أن يكون معناه أن يسمى العبارة كالم اهلل كما يسمى الداللة على الشيء بإمسه وكما يسمى الواقع عن القدرة‬
‫قدرة والكائن عن الرمحة رمحة فيكون معىن قوله مبا شبهت كالم اهلل‬
‫أي مبا شبهت العبارة عنه والداللة عليه مما مسعت عندها ومساعها كالم اهلل عز وجل إلستحالة أن يكون لكالم اهلل عز‬
‫وجل شبيه‬
‫وحيتمل قوله بأشد من الصواعق أن يكون أراد به ما وجد عند مساعه من التعظيم واإلجالل واهليبة كما يستعظم‬
‫الصواعق والكائن عنها وإذا أقامت الداللة على أنه ال جيوز أن يكون كالم اهلل عز وجل خملوقا وال أن يكون أصواتا‬
‫تتجدد شيئا فشيًئا وجب أن حيمل التأويل فيه على ما قلنا‬
‫وقا أيضا " مث توهم أن ما روى عبد اهلل بن مسعود عن النيب صلى اهلل عليه وسلم حجته يف ذلك وهو قوله‬
‫إذا تكلم اهلل بالوحي مسع أهل السماء للسماء صلصة كجر السلسلة على الصفاء‬
‫قال فيصعقون فال يزالون كذلك حىت يأتيهم جربئيل عليه السالم فإذا أتاهم جربيل فزع عن قلوهبم فيقولون‬
‫يا جربيل ماذا قال ربك‬
‫قال فيقول احلق فينادون احلق احلق‬
‫ويف حديث عكرمة عن أيب هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫إذا قضى اهلل يف السماء أمرا ضربت املالئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأهنا سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوهبم‬
‫قالوا ماذا قال ربكم قالوا احلق وهو العلي الكبري‬
‫ويف بعض األخبار فيفزعون يرون أنه من أمر الساعة قال فيسمعها مسرتقو السمع وهم هكذا واحد فوق اآلخر وأشار‬
‫سفيان بأصبعيه ورمبا أدرك الشهاب املستمع فيحرقه ورمبا ال يدركه حىت يرمي إليه به إىل الذي أسفل منه ويرميه اآلخر‬
‫على من هو أسفل منه فيلقيه على فم الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال يوم كذا وكذا‬
‫كذا وكذا فوجدناه حًق ا فيصدق بالكلمة اليت مسعت من السماء‬
‫وأعلم أن هذا اخلرب مما تقدم تأويله ومما بينا أنه إمنا أثبت الصلصلة للسماء وبني يف خرب آخر أن صوت املالئكة‬
‫بأجنحتها خضعانا لقوله كأهنا سلسلة على صفوان ومل يتضمن هذا اخلرب شيئا مما ترجم به الباب من قوله إن كالم اهلل‬
‫متواصل ال سكت بينه وال صمت وإمنا ذلك توهم منه برأيه الفاسد ولو استعمل ما قدم يف أول كتابه من وعده أنه ال‬
‫يتعدى لفظ اخلرب وما نطق به الكتاب وال يزيد فيه من عند نفسه إلسرتاح من هذا الغلط وأراح مقلديه فيه‬
‫وقد بينا فيما قبل أن معىن ذلك راجع إىل العبارات والدالالت اليت هي الطريق إىل الكالم وهبا يفهم مراده منه ال أنه‬
‫تعاىل قوله إذا تكلم اهلل بالوحي أنه يتجدد له كالم ولكنه يتجدد إمساع وإفهام خبلق عبارات ونصب دالالت هبا يفهم‬
‫الكالم مث يقال على طريق السعة واجملاز هلذه العبارات كالم من حيث أهنا دالالت عليه وقد مضى شرح فيما قبل مبا‬
‫يغين عن رده ها هنا "‬

‫ويقول أبو العباس القرطيب عن احلديثني يف صحيح البخاري " هذا احلديث والذي قبله غري صحيحني‪ ،‬فكالمها معلق‬
‫مقطوع‪ ،‬واألول موقوٌف ‪ ،‬فال يعتمد عليهما يف كونه تعاىل متكلًم ا بصوٍت ‪ ،‬فقد قامت األدلة القاطعة على تنزيه كالمه‬
‫تعاىل عن احلروف‪ ،‬والصوت‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وقال اإلمام الكبري أبو حنيفة رضي اهلل عنه يف كتابه الفقه األكرب‪:‬‬
‫" ومسع موسى كالم اهلل تعاىل‪ {:‬وكلم اهلل موسى تكليمًا} وقد كان اهلل تعاىل متكلمًا‪ ،‬ومل يكن كلم موسى‪ ،‬وقد‬
‫كان اهلل تعاىل خالقًا يف األزل ومل خيلق اخللق { ليس كمثله شىٌء وهو السميع البصري} فلما كلم اهلل موسى‪ ،‬كلمه‬
‫بكالمه الذي هو له صفٌة يف األزل‪ ،‬وصفاته كلها خبالف صفات املخلوقني‪ ،‬يعلم ال كعلمنا‪ ،‬يقدر ال كقدرتنا‪ ،‬يرى ال‬
‫كرؤيتنا‪ ،‬يتكلم ال ككالمنا‪ ،‬ويسمع ال كسمعنا‪ .‬حنن نتكلم باآلالت واحلروف‪ ،‬واهلل تعاىل يتكلم بال حروٍف وال آلٍة‪.‬‬
‫واحلروف خملوقٌة‪ ،‬وكالم اهلل تعاىل غري خملوٍق ‪ ،‬وهو شىٌء ال كاألشياء ‪ ،‬ومعىن الشىء إثباته بال جسٍم وال جوهٍر وال‬
‫عرٍض ‪ ،‬وال حد له‪ ،‬وال ضد له‪ ،‬وال ند له‪ ،‬وال مثل له "‬

‫وجاء يف كتاب "بيان عقيدة أهل السنة واجلماعة" للطحاوي وهو أي الطحاوي من السلف ألنه ولد يف أوائل القرن‬
‫الثالث حيث قال يف هذه العقيدة‬
‫"ومن وصف اهلل مبعىًن من معاين البشر فقد كفر" يعين أن أي صفٍة من صفات املخلوقني من اعتقدها يف اهلل فهو كافر‬
‫ألنه ال يصح عقًال وشرًع ا أن يتصف اهلل تعاىل بصفات اخللق من بعضها دون بعض بل هو منزه عن كل ما هو من‬
‫صفات اخللق والفرق بني صفات اخللق وصفات اهلل أن صفات اخللق حادثة حتدث مث تنقطع حتدث مث تنقطع وهذه‬
‫صفة املخلوق اليت يستدل هبا على أن العامل خملوق حيتاج إىل خالق منزه عن صفات اخللق‪".‬‬

‫مث األشعري واملاتريدي كالمها على ما كان عليه أبو حنيفة وصاحباه وغريهم من السلف من أن اهلل منزه عن أن‬
‫يتصف بشىء من صفات اخللق اليت من مجلتها الصوت واحلرف‪ ،‬وإمنا يسمى القرءان كالم اهلل ألمرين أحدمها القرءان‬
‫مبعىن الكلمات اليت هي حروف عبارة عن كالم اهلل الذي ليس حرًفا وال صوًتا كما أن املسلم إذا قال "اهلل" هذا اللفظ‬
‫يدل على الذات املقدس الذي ال يشبه شيًئا‪ ،‬وحروف هذا االسم خملوقة تدل على ذات متكلم بكالم ليس صوًتا‬
‫وحرًفا‪ .‬أما ما يستدل به الصوتيون فهو تشبيه كائًنا من كان وأكثر هؤالء متأخرو احلنابلة الذين بلغوا يف التشبيه إىل‬
‫اعتقاد أن قارىء القرءان بلفظ بعني كالم اهلل وأن احلروف اليت خترج من أفواههم أزلية قدمية فهؤالء خرجوا عن دائرة‬
‫العقل‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫فعن جابر بن سليم قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إن رجال ممن كان قبلكم لبس بردين فتبخرت‪ ،‬فنظر اهلل‬
‫إليه من فوق عرشه فمقته‪ ،‬فأمر األرض فأخذته فهو يتجلجل فيها»‪.‬‬

‫رواه سهل بن بكار شيخ البخاري عن عبد السالم بن عجالن عن عبيدة اهلجيمي قال‪ :‬قال أبو جري جابر بن سليم‬
‫فذكره‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده الذهيب يف العلو (ص‪ )36‬وقال‪( :‬إسناده لني)‬

‫‪85‬‬
‫وعن متيم الداري قال‪ :‬سألنا رسول اهلل ﷺ عن معانقة الرجل للرجل إذا لقيه؟ فقال‪" :‬إن أول من عانق إبراهيم‪،‬‬
‫وذلك أنه خرج يرتاد ملاشيته يف جبل من جبال بيت املقدس‪ ،‬فسمع صوتا يقدس اهلل‪ ،‬فذهل عما كان يطلب‪ ،‬وقصد‬
‫الصوت فإذا هو برجل أهلب طوله مثانية عشر ذراًع ا يقدس اهلل؛ فقال له إبراهيم‪ :‬يا شيخ من ربك؟ قال‪ :‬الذي يف‬
‫السماء" وذكر احلديث‪.‬‬

‫تفرد به عثمان بن عطاء اخلراساين عن أبيه عن أيب سفيان األهلاين عن متيم‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫وأورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )56‬وقال قبله‪" :‬حديث باطل طويل‪.".‬وعلته كما أشار املصنف هنا هو عثمان بن‬
‫عطاء اخلراساين‪ ،‬فقد ضعفه مجاعة من العلماء‪ ،‬قال النسائي وابن الربقى‪" :‬ليس بثقة"‪ ،‬وقال احلاكم أبو عبد اهلل‪:‬‬
‫"يروي عن أبيه أحاديث موضوعة"‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وعن أيب وائل عن ابن مسعود قال‪ :‬قال رجل‪ :‬يا رسول اهلل ما املقام احملمود؟ قال‪« :‬يوم ينزل اهلل على عرشه»‪.‬‬

‫رواه ابن حيان يف كتاب العظمة له‪.‬‬


‫الرد ‪:‬‬

‫أخرجه احلاكم يف املستدرك (‪ )2/364‬وقال‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه"‪ ،‬وخالفه الذهيب فقال‪" :‬ال‬
‫واهلل فعثمان ضعفه الدارقطين والباقون ثقات"‪.‬وأورده الذهيب يف العلو (ص‪ )54‬وعزاه أليب الشيخ يف كتاب العظمة‬
‫وقال‪" :‬وعثمان ضعيف"‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫وعن عوانة بن احلكم قال‪" :‬ملا استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء‪ ،‬فأقاموا ببابه أياًم ا ال يؤذن هلم‪ ،‬فبينا هم‬
‫كذلك مر هبم عدي بن أرطأة‪ ،‬فدخل على عمر فقال‪ :‬الشعراء ببابك يا أمري املؤمنني وسهامهم مسمومة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وحيك مايل وللشعراء‪ .‬فقال‪ :‬إن رسول اهلل ﷺ قد امتدح فأعطاه‪ ،‬امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه‬
‫حلة‪ .‬قال‪ :‬أو تروي من شعره شيًئا‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فأنشده عدي بن أرطأة قوله يف النيب ﷺ‪:‬‬

‫رأيتك يا خري الربية كلها ** نشرت كتابا جاء باحلق معلما‬

‫شرعت لنا دين اهلدى بعد جورنا ** عن احلق ملا أصبح احلق مظلًم ا‬

‫تعاىل علًو ا فوق عرش إهلنا ** وكان مكان اهلل أعلى وأعظما‬

‫رواه اهليثم بن عدي عن عوانة بن احلكم‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫اهليثم بن عدي الطائي‪ ،‬أبو عبد الرمحن املنبجي‪ ،‬مث الكويف‪ ،‬قال البخاري‪" :‬ليس بثقة كان يكذب"‪ ،‬وقال أبو داود‪:‬‬
‫"كذاب"‪ ،‬وضعفه غريمها‪.‬‬
‫وأورده الذهيب يف العلو (ص‪ ، )42‬وعزاه البن قدامة‪ ،‬وقال يف أوله‪( :‬قال اهليثم بن عدي وهو إخباري‪ ،‬ضعيف) ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وعن سهل بن سعد قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬دون اهلل سبعون ألف حجاب من نور وظلمة‪ ،‬ما تسمع من‬
‫نفس شيًئا من حس تلك احلجب إال زهقت نفسه»‪.‬‬

‫تفرد به موسى بن عبيدة عن أيب حازم عن سهل‪ .‬رواه البيهقي يف كتاب الصفات‪.‬‬
‫الرد ‪:‬‬

‫أخرجه البيهقي يف األمساء والصفات (‪ ،293-2/292‬ح‪ ، )854‬وقال‪" :‬تفرد به موسى بن عبيدة الربذي‪ ،‬وهو عند‬
‫أهل العلم باحلديث ضعيف" ورواه ابن اجلوزي يف املوضوعات (‪ )1/116‬وقال‪" :‬هذا حديث ال أصل له‪ ،‬فأما موسى‬
‫بن عبيدة‪ ،‬فقال أمحد بن حنبل‪ :‬الحيل عندي الرواية عنه‪ ،‬وقال حيىي‪ :‬ليس بشيء‪ ،‬وأما عمر بن احلكم فقال البخاري‪:‬‬
‫هو ذاهب احلديث"‪.‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد (‪" : )1/79‬رواه أبو يعلى والطرباين يف الكبري عن عبد اهلل بن عمرو‬
‫وسهل أيًض ا‪ ،‬وفيه موسى بن عبيدة الحيتج به"‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وعن عمران بن حصني قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬اقبلوا البشرى يا بين متيم» قالوا‪ :‬قد بشرتنا فاقض لنا هذا‬
‫األمر كيف كان؟ فقال‪« :‬كان اهلل على العرش وكان قبل كل شيء‪ ،‬وكتب يف اللوح كل شيء يكون»‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح‪ ،‬أخرجه البخاري بغري هذا اللفظ‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫لفظ البخاري "كان اهلل ومل يكن شيء قبله‪ ،‬وكان عرشه على املاء‪ ،‬مث خلق السموات واألرض‪ ،‬وكتب يف الذكر كل‬
‫شيء"‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب وكان عرشه املاء‪( ،‬ح‪)7418‬‬

‫‪90‬‬
‫أخربنا أمحد بن عبد احلميد املقدسي‪ :‬أنبأنا أبو حممد بن قدامة سنة سبع عشرة وستمائة‪ :‬أخربتنا شهدة‪ :‬أنبأنا أبو عبد‬
‫اهلل النعايل‪ :‬أنبأنا أبو احلسني بن بشران‪ :‬أنبأنا ابن البخرتي‪ :‬حدثنا الدقيقي‪ :‬حدثنا أبو علي احلنفي‪ :‬حدثنا فرقد بن‬
‫احلجاج‪ :‬مسعت عقبة بن أيب احلسناء قال‪ :‬مسعت أبا هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن اهلل إذا مجع األولني‬
‫واألخرين يوم القيامة جاء الرب إىل املؤمنني فوقف عليهم على كور» ‪-‬فقالوا لعقبة‪ :‬ما الكور؟ قال‪ :‬املكان املرتفع‪-‬‬
‫فيقول‪« :‬هل تعرفون ربكم؟ قالوا‪ :‬إن عرفنا نفسه عرفناه‪ ،‬فيتجلى هلم ضاحًك ا يف وجوههم‪ ،‬فيخرون له سجًد ا»‪.‬‬

‫أخرجه ابن خزمية يف التوحيد له عن عمرو بن علي عن احلنفي وفيه «فتوقف على كوم»‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫احلديث ضعيف لوجود جمهولني األول فرقد بن احلجاج‪ ،‬قال أبو حامت‪( :‬جمهول) ‪،‬وعقبة بن أيب احلسناء‪ ،‬جمهول‪ ،‬قاله‬
‫الكتاين‪ ،‬وكذا قال ابن املديين‪" :‬عقبة جمهول"‬
‫وما رواه ابن خزمية يف كتابه التوحيد أيضًا ضعيف اإلسناد لوجود عقبة ابن أيب احلسناء وهو جمهول‬

‫‪91‬‬
‫وعن عبد اهلل بن رواحة أنه مشى ليلة إىل أمة له فناهلا‪ ،‬فرأته امرأته فالمته‪ ،‬فجحدها‪ ،‬فقالت‪ :‬له إن كنت صادًقا فاقرأ‬
‫القرآن فإن اجلنب ال يقرأ القرآن فقال‪:‬‬

‫شهدت بأن وعد اهلل حق ** وأن النار مثوى الكافرينا‬

‫وأن العرش فوق املاء طاف ** فوق العرش رب العاملينا‬

‫فقالت امرأته‪ :‬صدق اهلل وكذبت عيين‪ ،‬وكانت ال حتفظ القرآن‪ ،‬فأخرب النيب ﷺ بذلك فضحك وقال‪" :‬غفر‬
‫لك كذبك بتمجيدك ربك"‪.‬‬

‫روي من وجوه صحاح مرسلة عن عبد اهلل بن رواحة‪ ،‬أخرجه أبو عمر بن عبد الرب يف كتاب االستيعاب له‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫احلديث مرسل وال حيتج يف العقيدة إال بصحيح‬


‫وهذا احلديث مما نبهنا عليه شيخنا نعيم عرقسوسي يف مسجد اإلميان يف دمشق وبني ضعفه وانه ال حجة فيه وانه ال‬
‫يفعله صحايب‬

‫‪92‬‬
‫قرأت على عبد احلافظ بن بدران بنابلس‪ :‬أنبأنا موسى بن عبد القادر اجليلي‪ :‬أنبأنا سعيد بن أمحد البنا‪ :‬أنبأنا أبوالقاسم‬
‫علي بن أمحد البسرى‪ :‬أنبأنا املخلص‪ :‬حدثنا البغوي‪ :‬حدثنا عبد اجلبار بن عاصم‪ :‬حدثنا مبشر بن إمساعيل احلليب‪:‬‬
‫حدثنا متام بن جنيح عن احلسن عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما من حافظني يرفعان إىل اهلل ما حفظا‪،‬‬
‫يرى يف أول الصحيفة خًريا‪ ،‬ويف آخرها خًري ا‪ ،‬إال قال اهلل ملالئكته أشهدكم أين قد غفرت لعبدي ما بني طريف‬
‫الصحيفة»‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫أخرجه الذهيب يف العلو وقال‪" :‬تفرد به متام أحد الضعفاء"‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وعن ابن مسعود عن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ارحم من يف األرض يرمحك من يف السماء»‪.‬‬

‫هذا حديث حسن اإلسناد رواه جرير بن عبد اهلل وعبد اهلل بن عمرو وابن مسعود رضي اهلل عنهم‪ ،‬وحديث عبد اهلل‬
‫بن عمرو أصح الثالثة وقد تقدم‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫مت الرد على معىن " يف السماء " يف أدلة القرآن والسنة ومعىن احلديث هنا كما يقول عبد الرؤوف املناوي يف فتح‬
‫القدير "(يرمحكم من يف السماء) أي من رمحته عامة ألهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل األرض أو املراد أهل‬
‫السماء كما يشري إليه رواية أهل السماء"‬
‫ويقول حممد بن إمساعيل الصنعاين يف التحبيري " قوله‪" :‬يرمحكم من يف السماء" أقول‪ :‬هو جمزوم جواب األمر‪ ،‬هو من‬
‫باب‪{ :‬فلما زاغوا أزاغ اهلل قلوهبم} أي‪ :‬من جزء الفعل جبنسه‪ ،‬ومن يف السماء يعم املالئكة ومحلة العرش؛ وإهنم‬
‫يرمحون من رحم من أهل األرض فيدعون له‪ ،‬ويدلس له رواية‪" :‬ارمحوا من يف األرض يرمحكم أهل السماء"‪.‬‬
‫وحيتمل أن يراد الرب تعاىل‪ ,‬أي‪ :‬من يف السماء أمره‪ ،‬من باب قوله تعاىل‪{ :‬وهو الذي يف السماء إلٌه ويف األرض إلٌه}‬
‫ويقول أبو احلسن السندي يف فتح الودود " "من يف السماء" أي من كربياؤه وعظمته يف السماء وهو اهلل تعاىل‪ ،‬واملراد‬
‫سكان السماء من املالئكة الكرام ورمحتهم باالستغفار هلم‪ ،‬الدعاء واهلل تعاىل أعلم‪".‬‬

‫‪94‬‬
‫أخربنا إمساعيل بن عبد الرمحن بن عمرو‪ :‬أنبأنا احلسني بن هبة اهلل البلدي‪ :‬أنبأنا علي بن عساكر‪ :‬أنبأنا احلسن بن أيب‬
‫احلديد سنة مثانني وأربعمائة‪ :‬أنبأنا املسدد بن علي األملوكي‪ :‬أنبأنا إمساعيل بن القاسم احلليب حبمص‪ :‬حدثنا يعقوب بن‬
‫إسحاق بعسقالن‪ :‬حدثنا جعفر بن هارون الفراء‪ :‬حدثنا حممد بن كثري عن األوزاعي عن حيىي عن أيب سلمة عن أيب‬
‫هريرة قال‪ :‬ملا خطب علي فاطمة رضي اهلل عنها من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬دخل عليها فقال‪« :‬أي بنية إن ابن عمك‬
‫قد خطبك فما تقولني؟» فبكت مث قالت‪ :‬يا أباه كأنك إمنا ادخرتين لفقري قريش‪ ،‬فقال‪« :‬والذي بعثين باحلق ما‬
‫تكلمت يف هذا حىت أذن اهلل فيه من السماء» فقالت‪ :‬رضيت مبا رضي اهلل يل منه"‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬
‫أخرجه الذهيب يف العلو (ص‪ )28 ،27‬وقال‪" :‬هذا حديث منكر‪ ،‬لعل حممد بن كثري افرتاه فإنه متهم‪ ،‬فإن األوزاعي‬
‫ما نطق به قط‪ ،‬ومل أرو هذا إال للتزييف والكشف‪ ،‬والفراء ليس بثقة"‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫قرأت على عمر بن عبد املنعم عن أيب اليمن الكندي‪ :‬أنبأنا أبو الفتح البيضاوي‪ :‬أنبأنا ابن النقور‪ :‬أنبأنا أبو القاسم بن‬
‫اجلراح‪ :‬حدثنا البغوي‪ :‬حدثنا أبو كامل اجلحدري‪ :‬حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أن رسول اهلل‬
‫ﷺ كان إذا أمطرت السماء حسر عن منكبيه حىت يصيبه املطر ويقول‪« :‬إنه حديث عهد بربه»‪.‬‬

‫هذا حديث صحيح‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫يقول عبد الرحيم بن احلسني العراقي يف طرح التثريب " أنه قريب العهد بتكوين اهلل تعاىل وهذا كما «حسر النيب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن جلده حىت ينزل عليه املطر وقال إنه حديث عهٍد بربه» أي بتكوين ربه‪".‬‬
‫ويقول حممد بن إمساعيل الصنعاين يف سبل السالم " وقوله‪ " :‬حديث عهٍد بربه " أي بإجياد ربه إياه‪ :‬يعين أن املطر‬
‫رمحٌة‪ ،‬وهي قريبة العهد خبلق اهلل هلا فيتربك هبا‪ ،‬وهو دليٌل على استحباب ذلك‪".‬‬

‫‪96‬‬
‫وعن عثمان بن عمري‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إذا كان يوم اجلمعة نزل اهلل عز وجل من عليني على‬
‫كرسيه‪ ،‬مث حف الكرسي مبنابر من نور‪ ،‬مث جاء النبيون حىت جيلسوا عليها‪ ،‬مث حفها بكراسي من ذهب‪ ،‬مث جاء‬
‫الصديقون والشهداء حىت جيلسوا عليها‪ ،‬مث جييء أهل اجلنة حىت جيلسوا على الكثيب‪ ،‬فيتجلى هلم رهبم عز وجل حىت‬
‫ينظروا إىل وجهه وهو يقول‪ :‬أنا الذي صدقتكم وعدي فسلوين‪ ،‬فيسألونه حىت تنتهي رغبتهم‪ ،‬فيفتح هلم عند ذلك ما‬
‫ال عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬إىل مقدار منصرف الناس يوم اجلمعة‪ ،‬مث يصعد على كرسيه‪،‬‬
‫فيصعد معه الصديقون والشهداء»‪ .‬وذكر احلديث‪.‬‬

‫هذا حديث حمفوظ له شواهد يف السنن‪ ،‬أخرجه عبد اهلل بن أمحد بن حنبل يف كتاب الرد على اجلهمية له عن عبد‬
‫األعلى بن محاد‪ :‬حدثنا عمر بن يونس عن جهضم بن عبد اهلل القيسي‪ :‬حدثنا أبو طيبة عن عثمان بن عمري‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ورواه ليث بن أيب سليم عن عثمان بن عمري وفيه «مث يرتفع تبارك وتعاىل على كرسيه ويرتفع معه النبيون»‪.‬‬
‫أخرجه احلافظ أبو أمحد العسال عن موسى بن إسحاق عن عثمان بن أيب شيبة عن جرير عن ليث به‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫إسناده ضعيف‪ ،‬ألن فيه ليث بن أيب سليم‪ ،‬وهو صدوق اختلط ومل يتميز حديثه فرتك‪ ،‬وفيه عثمان بن أيب محيد‪ ،‬وهو‬
‫ضعيف‬

‫‪98‬‬
‫وروى العباس بن عبد العظيم العنربي عن أيب أمحد الزبريي عن إسرائيل عن أيب إسحاق عن عبد اهلل بن خليفة عن عمر‬
‫قال‪ :‬أتت النيب ﷺ امرأة فقالت‪ :‬ادع اهلل أن يدخلين اجلنة‪ .‬فعظم الرب‪ ،‬فقال‪" :‬إن كرسيه فوق السموات‪ ،‬وإنه‬
‫يقعد عليه فما يفضل منه إال أربع أصابع"‪.‬‬

‫هذا حديث حمفوظ من حديث أيب إسحاق السبيعي إمام الكوفيني يف وقته‪ ،‬مسع من غري واحد من الصحابة‪ ،‬وأخرجا‬
‫حديثه يف الصحيحني‪ ،‬وتويف سنة سبع وعشرين ومائة‪ .‬تفرد هبذا احلديث عن عبد اهلل بن خليفة من قدماء التابعني‪ ،‬ال‬
‫نعلم حاله جبرح وال تعديل‪ ،‬لكن هذا احلديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقًر ا له كغريه من أحاديث الصفات‪،‬‬
‫وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أمحد الزبريي وحيىي بن أيب بكري ووكيع عن إسرائيل‪.‬‬

‫الرد ‪:‬‬

‫أورده ابن اجلوزي يف العلل املتناهية وقال بعد سياقه للحديث‪" :‬هذا حديث ال يصح عن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وإسناده مضطرب جًد ا‪ ،‬وعبد اهلل بن خليفة ليس من الصحابة‪ ،‬فتارة يرويه ابن خليفة عن عمر‪ ،‬عن رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وتارة يقفه على عمر‪ ،‬وتارة يوقف على ابن خليفة"‬

‫‪99‬‬
‫وأخرجه أبو عبد الرمحن عبد اهلل بن أمحد بن حنبل يف كتاب السنة والرد على اجلهمية له عن أبيه عن عبد الرمحن بن‬
‫مهدي عن سفيان الثوري عن أيب إسحاق السبيعي عن عبد اهلل بن خليفة عن عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬ولفظه‪" :‬إذا جلس‬
‫الرب على الكرسي‪ ،‬مسع له أطيط كأطيط الرحل اجلديد"‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ورواه أيضا عن أبيه‪ :‬حدثنا وكيع حبديث إسرائيل عن أيب إسحاق عن عبد اهلل بن خليفة عن عمر "إذا جلس الرب‬
‫على الكرسي" فاقشعر رجل مساه أيب عند وكيع‪ ،‬فغضب وكيع‪ ،‬وقال‪ :‬أدركنا األعمش وسفيان حيدثون هبذه‬
‫األحاديث وال ينكروهنا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا احلديث صحيح عند مجاعة من احملدثني‪ ،‬أخرجه احلافظ ضياء الدين املقدسي يف صحيحه‪ ،‬وهو من شرط‬
‫ابن حبان‪ ،‬فال أدري أخرجه أم ال‪ ،‬فإن عنده أن العدل احلافظ إذا حدث عن رجل مل يعرف جبرح فإن ذلك إسناد‬
‫صحيح‪.‬‬

‫فإذا كان هؤالء األئمة‪ :‬أبو إسحاق السبيعي والثوري واألعمش وإسرائيل وعبد الرمحن بن مهدي وأبو أمحد الزبريي‬
‫ووكيع وأمحد بن حنبل‪ ،‬وغريهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سرج اهلدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا‬
‫احلديث بالقبول وحدثوا به ومل ينكروه ومل يطعنوا يف إسناده‪ ،‬فمن حنن حىت ننكره ونتحذلق عليهم؟ بل نؤمن به ونكل‬
‫علمه إىل اهلل عز وجل‪.‬‬

‫قال اإلمام أمحد‪" :‬ال نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنعت وإن نبت عن األمساع"‪.‬‬

‫فانظر إىل وكيع بن اجلراح الذي خلف سفيان الثوري يف علمه وفضله‪ ،‬وكان يشبه به يف مسته وهديه‪ ،‬كيف أنكر على‬
‫ذلك الرجل‪ ،‬وغضب ملا رآه قد تلون هلذا احلديث‬

‫الرد ‪:‬‬

‫قال الذهيب يف العلو‪" :‬األطيط الواقع بذات العرش من جنس األطيط احلاصل يف الرحل‪ ،‬فذاك صفة للرحل والعرش‪،‬‬
‫ومعاذ اهلل أن نعده صفة هلل عز وجل"‪.‬‬
‫وقال الشيخ األلباين يف الصحيحة‪ :‬واعلم أنه ال يصح يف صفة الكرسي أن له أطيًطا كأطيط الرحل اجلديد‪ ،‬وأنه حيمله‬
‫أربعة أمالك‪ ،‬لكل ملك أربعة وجوه‪ ،‬وأقدامهم يف الصخرة اليت حتت األرض السابعة ‪ ...‬إخل فهذا كله ال يصح مرفوًعا‬
‫عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ,‬وبعضه أشد ضعفا من بعض ‪ ...‬اهـ‬

‫هذه هناية أدلة السنة اليت جاءت يف كتاب العرش واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

You might also like