‫‪ -4‬االتجاه البنيوي الوظيفي‬

‫ظهر االتجاه البنيوي الوظيفي استجابة لحاجة عدد من الباحثين في علمي‬

‫االجتم اع واالنثروبولوجي ا نح و تط وير ادوات واس اليب نظري ة ومنهجي ة‬

‫تت وائم ودراس ة الص ور املختلف ة للترابط ات االجتماعي ة والتفاع ل بين‬

‫السمات والجماعات والنظم داخل النسق االجتماعي الكبير الذي يكتنف‬

‫االنساق الفرعية ‪ ،‬فمن ابرز رواد هذا االتجاه ‪:‬‬

‫اوكست كونت ( ‪)1857 _1798‬‬

‫ع الم اجتم اع وفيلس وف اجتم اعي فرنسي‪ ،‬أعطى لعلم االجتم اع االس م‬

‫ال ذي يع رف ب ه اآلن‪ ،‬أك د ض رورة بن اء النظري ات العلمي ة املبني ة على‬

‫املالحظ ة‪ ،‬إال أن كتابات ه كانت على ج انب عظيم من التأم ل الفلس في‪،‬‬

‫ويعد هو نفسه األب الشرعي واملؤسس للفلسفة الوضعية‪.‬‬

‫ينس ب كث ير من املؤرخين الى اوكس ت كونت ان ه اول من اق ام علم‬

‫االجتم اع الح ديث وق د اعلن ه ذا الع الم في الق رن التاس ع عش ر ض رورة‬

‫قي ام ه ذا العلم من جدي د بع د ان ظلت ابح اث ابن خل دون مهمل ة لف ترة‬

‫طويلة ‪ ،‬وكان اوكست كونت اول من اعاد احياء الدعوة لقيام العلم وقد‬

‫عالج مسائل على درجة كبيرة من االهمية‪.‬‬

‫موضوع علم االجتماع‬

‫قسم كونت موضوعات علم االجتماع الى قسمين رئيسيين هما ‪:‬‬

‫‪ -1‬االس تاتيكا االجتماعي ة ‪ :‬وهي دراس ة املجتمع ات االنس انية في حال ة‬

‫اس تقرارها وباعتباره ا ثابت ة في ف ترة معين ة من تاريخه ا وي درس‬

‫ك ذلك املجتم ع االنس اني في تفاص يله وجزيئات ه ‪ ،‬الن املجتم ع عن ده‬

‫يتض من ع دة نظم سياس ية وقض ائية وخلقي ة وديني ة واالس تاتيكا‬

‫ت درس ه ذه النظم من حيث مكوناته ا ووظائفه ا وذل ك للكش ف عن‬

‫القوانين التي تحكم الترابط او التضامن بينها ‪.‬‬

‫‪ -2‬والثاني هو الديناميكا االجتماعية وموضوعه دراسة قوانين الحكرة‬

‫االجتماعي ة والس ير اآللي للمجتمع ات وي درس االجتم اع االنس اني في‬

‫جملت ه ايض ا من ناحي ة تط وره وانتقال ه من ح ال الى ح ال وعن د‬

‫دراسته لل ديناميكيا االجتماعي ة اهتدى اوكس ت كونت الى نظري تين‬

‫اساسيتين هما نظريته عن قانون االطوار الثالثة والثانية نظريته في‬

‫تقدم االنسانية ‪.‬‬

 ‫قانون االطوار الثالثة‬

‫يتلخص ه ذا الق انون في ان التفك ير االنس اني انتق ل في ادراك ه لف روع‬

‫االنس انية من الط ور ال ديني الاله وتي الى ال دور امليت افيزيقي الى ال دور‬

‫العلمي او الوض عي ‪ ،‬ففي الحال ة االول كان العق ل االنس اني يفس ر‬

‫الظواهر تفسيرا دينيا عن طريق نسب الحوادث الى قوى خارجة عن هذه‬

‫الظ واهر نفس ها كاآلله ة واالرواح والش ياطين وغيره ا‪ .‬وفي الحال ة الثاني ة‬

‫كان يفس ر الظ واهر بنس بتها الى مع اني مج ردة او عل ل ال ين وي اثباته ا‬

‫فالنمو في النبات مثال يرجعه الى روح النبات ‪ ،‬اما الفهم العلمي او الطور‬

‫الثالث فهو تفسير الظ واهر بنسبتها الى ق وانين تحكمها واسباب مباشرة‬

‫تؤثر فيها مثل العوامل الطبيعية والطقس والقوانين الكيمائية وغيرها ‪،‬‬

‫وهذه املراحل يمكن توضحيها بالشكل االتي ‪:‬‬

‫‪ -1‬املرحل ة الالهوتي ة الديني ة ‪ :‬تتم يز ه ذه املرحل ة باهمي ة واث ر ال دين‬

‫الواضح في الحياة االجتماعية وسيطرة الدين على تفسيرات العلوم‬

‫الطبيعية واالجتماعية والروحية وخالل هذه املرحلة التي يعيشها‬

‫املجتم ع االنس اني تتغلب على افكار الن اس العواط ف واالنفع االت‬

‫التي تجعلهم خائفين من قوة سماوية هائلة كما ان هذه املرحلة وما‬
‫يج ول فيه ا من قيم وافكار ومث ل تجع ل االنس ان يحس بض عفه‬

‫وص غره وع دم قدرت ه على الت أثير والتب ديل ولكن بع د مرحل ة من‬

‫الزمن تحولت الى مرحلة ارقى وهي املرحلة امليتافيزيقة ‪.‬‬

‫‪ -2‬املرحلة امليتافيزيقية ‪ :‬املرحلة الفلسفية او مرحلة ماوراء الطبيعة‬

‫تتم يز ه ذه املرحل ة ب التفكير املوزون واالمث ال الحي ة والحكم‬

‫والبالغ ة الفكري ة واملاثر والبط والت واملق االت الرنان ة وانش غل‬

‫املفك رون خالل ه ذه املرحل ة بدراس ة الكون واالج رام الس ماوية‬

‫ومواهب االنسان وقدراته الخالقة وافكاره القيمية واملثالية ‪.‬‬

‫‪ -3‬املرحل ة العلمي ة الواقعي ة ‪ :‬وهي املرحل ة الثالث ة ال تي م رت به ا‬

‫املجتمع ات وتتم يز بالتفس يرات العلمي ة ال تي تبحث عن اس باب‬

‫الظ واهر واثاره ا والرب ط بين السبب والنتيج ة او العل ة واملعل ول‬

‫فاملطر ظاهرة طبيعية ال تفسر بالدين وال باملثل والقيم والبطوالت‬

‫ًا‬
‫والخوارق بل تفسر علمي اذ ان الحرارة تسبب التبخر والتصاعر‬

‫وه ذا ي ؤدي الى التكاثف وتكوين الغي وم والتكاثف يسبب تس اقط‬

‫املطر‪.‬‬
‫وذهب الى ان هذا القانون هو قانون عام للتطور االجتماعي وليس خاصا‬

‫بتطور التفكير فحسب فاساس كل معرفة هو التفكير وبالتالي فان قانونه‬

‫ينسحب الى كافة مجاالت املعرفة االنسانية ‪.‬‬

‫نظريته في تقدم االنسانية‬

‫ي رى كونت أن التق دم االجتم اعي الب د وأن يكون خاض عا لق وانين ولع ل‬

‫ه ذه الفك رة كانت غائب ة عن أذه ان املفك رين الس ابقين ال ذين درس وا‬

‫الحركات االجتماعية بوصفها ذبذبات أو اضطرابات وهو يرى أن انتقال‬

‫اإلنسانية من مرحلة إلى أخرى يكون عادة مصحوبا بتقدم أو تحسن يبدو‬

‫في مظهرين‪:‬‬

‫التقدم املادي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التقدم في الطبيعة اإلنسانية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫والتقدم املادي يكون أوضح وأسرع حركة وأسهل تحقيقا ‪ ،‬أما التقدم في‬

‫الطبيعة اإلنسانية فيكون واضحا في الطبيعة البيولوجية والعقلية ‪ ،‬وهو‬

‫يرى أن الجانب العقلي من التقدم جانب أساسي وظاهر فالتاريخ يحكمه‬

‫ويوجهه نمو األفكار ‪ .‬ويرى كذلك أن اإلنسان يبدو غالبا مشغوال بإشباع‬
‫حاجات مادية ولذلك فإن التقدم يكون واضحا وظاهرا بالفعل في مجال‬

‫السيطرة على ق وى الطبيع ة لكن كونت يصر على أن النم و العقلي ي ؤدي‬

‫إلى النم و املادي ‪ .‬ولق د دعم كونت نظريت ه املتفائل ة بقبول ه النظري ة ال تي‬

‫تقول أن السمات التي يكتسبها الفرد خالل حياته يمكن أن تنتقل بالوراثة‬

‫البيولوجية إلى األبناء ‪ .‬وتمثل الديناميكا االجتماعية ما يعرف اآلن في علم‬

‫االجتماع باسم التغير االجتماعي‪.‬‬