Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 43

‫صور من حياة الصحابة‬

‫للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا‪.‬‬

‫تقديم األستاذة‪-:‬‬
‫ان‪.‬‬
‫حفصة عمر العمر ي‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫ْ‬
‫صاري‬
‫مالك األن ِ‬
‫أنس بن ِ‬

‫َ‬ ‫ا‬ ‫ّ َّ ُ‬
‫" اللهم ارزقه مال وولدا ‪ ,‬وبارك له "‬
‫( من ُدعاء ُ‬
‫الرسول ﷺ له )‬
‫َ‬
‫أنس بن مالك األنصاري‪-:‬‬
‫ُ‬ ‫َ َّ ُ ُ ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كان أنس بن مالك يف ع ُمر الورد حي لقنته أمه "الغميصاء"‬
‫ُ‬
‫حمد بن‬‫نب اإلسالم ُم َّ‬ ‫ب ِّ‬ ‫الشهادتي ‪ ,‬وأترعت ُفؤاد ُه الغ َّ‬
‫ض ب ُح ِّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫يَ َ‬ ‫وأزك َّ‬‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الصالة وأزك السالم ‪.‬‬ ‫عبدهللا عليه أفضل الصالة‬
‫ُ‬
‫فشغف أنس به ُح ًّبا عىل ال َّسماع‪.‬‬
‫الغالمُ‬‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ول غرو ‪ ,‬فاألذن تعشق قبل العي أحيانا ‪ ,‬وكم تمب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الصغي أن يمض إىل ن ِّ‬ ‫َّ‬
‫بيه يف مكة ‪ ,‬أو ي َفد الرسول األعظم ﷺ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ؤياه ‪ ,‬وي هنأ بلقياه‪.‬‬ ‫عليهم يف "ي ْيب" ليسعد بر‬
‫ََّ‬
‫حب َسى يف " ي ْيب "‬ ‫يل وقت‬ ‫لم يمض عىل ذلك طو ُ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الن َّ‬ ‫َّ َّ‬ ‫وظة المغ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وسالمه عليه‬ ‫ب صلوات هللا‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫وط‬ ‫ب‬ ‫المحظ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ ِّ‬
‫الصديق يف طريقهما إليها فغمرت البهجة كل بيت‬ ‫وصاحبه‬
‫ومألت كل قلب ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫والق ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتعلقت ُ‬ ‫َّ‬
‫لوب بالطريق الميمون الذي يحم ُل خطا‬ ‫العيون‬
‫النب ﷺ وصاحبه إىل "ي ْيب" ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ي‬
‫ان ُيشيعون مع ر‬ ‫ُ‬
‫إَساقة كل صباح ‪:‬‬ ‫وأخذ الفتي‬
‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫محمدا قد جاء‪...‬‬ ‫أن‬
‫الساعي من األولد الصغار ‪ ,‬لكنه ل‬ ‫فكان يسىع إليه أنس مع َّ‬
‫يعود كئيبا محزونا ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يرى شيئا ف‬
‫الرواء ‪ ,‬هتف رجال‬ ‫شذي األنداء ‪ ,‬نضي ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫وف ذات صباح‬ ‫ي‬
‫َّ‬
‫حمدا وصاحب ُه غدوا قريبي من المدينة‪.‬‬ ‫إن ُم َّ‬ ‫يف" ي ْيب "‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ ُ َّ‬
‫يحمل إليهم‬ ‫جال يتجهون نحو الطريق المي ُمون الذي‬ ‫فطفق الر‬
‫نب الهدى والخي ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ي‬
‫َّ ُُ‬
‫ومضوا يتسابقون إليه جماعات جماعات ‪ ,‬تتخللهم أَساب من‬
‫صغار الفتيان ُتزغر ُد عىل ُو ُجوههم فرحة تغ ُم ُر قلوب ُ‬
‫هم الصغية‬
‫وت َي ُع أفئد ُت ُهم الف َّ‬
‫تية ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪,‬‬
‫أنس ب ُن مالك األنص ُّ‬
‫اري ‪.‬‬ ‫الصبية ُ‬ ‫وكان ف طليعة ه ُؤلء ِّ‬
‫ي‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫أقبل َّ‬
‫الصديق ‪,‬‬ ‫وسالمه عليه مع صاحبه‬ ‫سول صلوات هللا‬
‫الزاخرة من ِّ‬‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الرجال والولدان‪.‬‬ ‫ومضيا بي أظهر الجموع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ َّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫والصبايا الصغيات فقد علون ُسطوح‬ ‫المخدرات ‪,‬‬ ‫أ َّما النسوة‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫المنازل ‪ ,‬وجعلن يياءين الرسول صلوات هللا وسالمه عليه‬
‫ُْ‬
‫ويقلن ‪ُّ :‬أيهم هو ؟! ‪ُّ ....‬أيهم هو ؟!‪.‬‬
‫فكان ذلك اليوم يوما مش ُهودا ‪...‬‬
‫حب ن َّيف عىل المائة من ُع ُمره‪.‬‬ ‫ُ ُ ُ ََّ‬ ‫َظ َّل ُ‬
‫أنس بن مالك يذكره‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫ول الكريم ﷺ يستق ُّر بالمدينة ‪ ,‬ح َب جاءته "‬ ‫ما كاد َّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫الغميصاء بنت ملحان" أم أنس ‪ ,‬وكان معها غالمها الصغي ‪,‬‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اه تنوسان عىل جبينه ‪.‬‬ ‫وهو يسىع بي يديها ‪ ,‬وذؤابت‬
‫والس ُ‬ ‫الة َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الم و قالت ‪:‬‬ ‫ثم حيت الن يب عليه الص‬
‫َّ‬ ‫يا رسول هللا َلم يبق ُ‬
‫رجل ول امرأة من األنصار إَّل وقد أتحفك‬
‫َ ُ ُ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫بتحفة ‪ ,‬و إ ين ل أجد ما أتحفك به غي اب يب هذا ‪...‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فخذ ُه ‪ ,‬فليخدمك ما شئت ‪...‬‬
‫ر َّ‬
‫الشيفة ‪,‬‬
‫ْ ُ‬
‫ش ‪ ,‬ومسح راسه بيده‬ ‫ب ﷺ ْللف َب الصغي وب َّ‬ ‫الن َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫فهش‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫ومسح ذؤابت ُه بأنامله الند َّية ‪ ,‬وض َّم ُه إىل أهله‪.‬‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫س بن مالك أو "أنيس" ‪-‬كما كانوا ينادونه تدليال‪ -‬يف‬ ‫كان أن‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫اَسة من ُع ُ‬ ‫الع ر‬
‫وسالمه‬ ‫ب صلوات هللا‬ ‫ي‬ ‫دمة‬ ‫خ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫يوم‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫م‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وظ َّل يع ُ‬ ‫َ‬
‫الكريم ﷺ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫أن‬ ‫إىل‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫اي‬ ‫ع‬‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫يش‬
‫الرفيق األعىل ‪.‬‬ ‫ب َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫فكانت ُمدة ُصحبته له ع رش سنوات كامالت ‪ ,‬نهل فيها من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫هديه ما زك به نفسه ‪ ,‬ووع من حديثه ما مأل به صدره ‪,‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعرف من أحواله وأخباره وأَساره وشمائله مالم يعرفه أحد‬
‫سو ُاه ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق أنس بن مالك من كريم معاملة الن يب صلوات هللا‬ ‫وقد ل ي‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وسالم ُه عليه مالم يظفر به ولد من والد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫وذاق من نبيل شمائله ‪ ,‬وجليل خصائله ما تغب ُط ُه عليه الدنيا ‪.‬‬
‫َّ‬
‫الصور الوضاءة من هذه‬ ‫ف ْلن َ ُيك ألنس الحديث عن بعض ُّ‬
‫ب َّ‬ ‫َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫السمح الكريم ﷺ ‪,‬‬ ‫ي‬ ‫رحاب‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ي‬‫ر‬‫الك‬ ‫املة‬ ‫ع‬ ‫الم‬
‫َ‬
‫ف ُهو أدرى ‪ ,‬وعىل وصفها أقوى ‪...‬‬
‫بن مالك ‪:‬‬ ‫ُ ُ‬
‫قال أنس‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫كان ر ُس ُ‬
‫وسالمه عليه من أحسن الناس‬ ‫ول هللا صلوات هللا‬
‫ُ ُ‬
‫خلقا ‪ ,‬و أرحبهم صدرا ‪ ,‬وأوفرهم حنانا ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقد أرسل يب يوما لحاجة فخرجت ‪ ,‬وقصدت صبيانا يلع ُبون يف‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫السوق أللعب معهم ولم أذهب إىل ما أمر ين به ‪ ,‬فلما صت‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ون ‪...‬‬
‫ي‬ ‫ث‬ ‫ب‬ ‫ذ‬ ‫أخ‬ ‫ي‬‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ان‬ ‫س‬ ‫إن‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ول هللا ﷺ يبتس ُم وي ُ‬
‫قول ‪:‬‬ ‫ت فإذا ر ُس ُ‬ ‫ْ ُّ‬
‫فالتف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫( يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ )‪.‬‬
‫ت ‪ :‬نعم‪...‬‬ ‫ْ ُ ُْ ُ‬
‫فارتبكت وقل‬
‫ِّ‬
‫إن ذاهب اآلن يا ر ُسول هللا‪...‬‬ ‫ي‬
‫ُ ُ‬ ‫عش سني ‪ ,‬فما قال ل ر‬ ‫ُ‬
‫خدمت ُه ر‬
‫شء صنعته ‪ :‬لم‬
‫ي‬ ‫وهللا لقد‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫لشء تركت ُه ‪ :‬لم تركت ُه؟!‪.‬‬
‫ي‬
‫صنعت ُه‪ ...‬ول ر‬

‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُس ُ‬ ‫وكان َّ‬


‫وسالمه عليه إذا نادى أنسا صغره‬ ‫ول صلوات هللا‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ا ُ‬ ‫ا‬
‫س ‪ ,‬وأخرى يا ُبب‪َّ.‬‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫يه‬ ‫اد‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ار‬ ‫فت‬ ‫‪,‬‬ ‫يًل‬ ‫ل‬ ‫وتد‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫تح ُّ‬
‫ب‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وكان ُيغدق عليه من نصائحه ومواعظه ما مأل قلب ُه وملك ل َّب ُه ‪.‬‬
‫ُ ُ ُ‬
‫له ‪:‬‬ ‫من ذلك قوله‬
‫ٌّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫( يا ُب َّ‬
‫ش وليس يف قلبك غش ألحد‬ ‫َّ ي‬‫م‬ ‫وت‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫إن‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫ُ ََّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ب إن ذلك من سن َ يب ‪ ,‬ومن أحيا سن يب فقد أحب يب‬ ‫فافعل ‪..‬يا ب َّ‬
‫ي‬
‫ْ‬ ‫َّ ‪ُ ..‬‬
‫َّ‬
‫مىع يف الجنة يا ب يب إذا دخلت عىل أهلك‬ ‫ي‬ ‫‪..‬ومن أح َّب يب كان‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ُ‬
‫فسلم يكن بركة عليك وعىل أهل بيتك) ‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫الر ُسول عليه الصالة والسالم نيفا‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫بن مالك بعد وفاة َّ‬ ‫عاش أنس‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وثماني عاما ‪ ,‬مأل خًللها ُّ‬
‫الصدور علما من علم ال َّر ُسول األعظم‬
‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫العقول فقها من فقه الن ُب َّوة‪.‬‬ ‫ﷺ ‪ ,‬وأترع فيها‬
‫َّ‬
‫الصحابة والتابعي من هدي‬ ‫الق ُلوب بما ب َّث ُه بي َّ‬ ‫ُ‬
‫وأحيا فيها‬
‫َ‬ ‫النب ﷺ ‪ ,‬وما أذاع ُه ف الناس من رَسيف أقوال َّ‬
‫الر ُسول األعظم‬ ‫ي‬
‫ِّ‬
‫ي‬
‫ﷺ وجليل أفعاله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقد غدا أنس عىل ُطول هذا ُ‬
‫الع ُمر المديد مرجعا لل ُمسلمي ‪,‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُ َّ َ َ‬ ‫ُ‬
‫يفزعون إليه كلما أشكل عليهم أمر ‪ ,‬ويعولون عليه كلما استغلق‬
‫ْ‬
‫عىل أفهامهم ُحكم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫الدين جعلوا يتكل ُمون يف ث ُبوت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ارين‬ ‫م‬ ‫أن بعض ُ‬
‫الم‬ ‫من ذلك ‪,‬‬
‫وه يف ذلك ‪ ,‬فقال‪:‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫الن ِّ‬
‫ب ﷺ يوم القيامة ‪ ,‬فسأل‬ ‫حوض ي‬
‫ُ‬ ‫ََّ‬ ‫ُ ُ ُ ُّ‬
‫ما كنت أظن أن أعيش حب أرى أمثالكم يتمارون يف َالحوض ‪,‬‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ق ما تص يىل واحدة من ُهن إَّل سألت هللا أن‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ز‬ ‫ائ‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫لقد ترك‬
‫والس ُ‬
‫الة َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫الن ِّ‬‫َّ‬
‫الم‪.‬‬ ‫ب عليه الص‬ ‫يسقيها من حوض ي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫يش مع ذكرى ر ُسول هللا صلوات‬ ‫بن مالك يع ُ‬ ‫ولقد ظ َّل أنس‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وسالم ُه عليه ما امتدت به الحياة‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫هللا‬
‫َّ َّ‬
‫خ الدمعة عىل يوم فراقه ‪,‬‬ ‫البهجة بيوم لقائه ‪ ,‬س ي‬ ‫َ‬
‫فكان شديد‬
‫َ َّ‬
‫اليديد لكالمه ‪..‬‬ ‫كثي‬
‫ْ ُ‬ ‫ب ما أح َّ‬ ‫حريصا عىل ُمتابعته ف أفعاله وأقواله ‪ُ ,‬يح ُّ‬
‫ب ‪ ,‬ويكره‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما كره ‪ ,‬وكان أك ْي ما يذكره من أيامه يومان ‪:‬‬
‫ُ‬
‫مرة ‪ ,‬ويوم ُمفارقته ل ُه آخر م َّرة‪.‬‬ ‫معه َّأول َّ‬ ‫ُ‬
‫يوم لقائه‬
‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫األول سعد به وانت ر‬ ‫ذكر اليوم َّ‬ ‫َ‬
‫ان‬ ‫ي‬ ‫الث‬ ‫اليوم‬ ‫له‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫وإذا‬ ‫‪,‬‬ ‫ش‬ ‫فإذا‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫انتحب وبَك ‪ ,‬وأبَك من حول ُه من الناس ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكثيا ما كان يقول لقد رأيت الن يب عليه الصالة والسالم يوم‬ ‫‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دخل علينا ‪ ,‬ورأيت ُه يوم قبض منا ‪ ,‬فلم أر يومي ُيشبهانهما‪.‬‬
‫شء ‪...‬‬ ‫كل ر‬‫فق يوم ُد ُخوله المدينة َأضاء فيها ُّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أظ َلم فيها ُّ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ض إىل جوار ربه‬ ‫وف اليوم الذي أوشك فيه أن يم ي‬ ‫ي‬
‫شء ‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ِّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫وكان آخر نظرة نظرتها إليه يوم اإلثني حي كشفت الستارة عن‬
‫يومئذ‬ ‫الن ُ‬
‫اس‬
‫َّ‬
‫وكان‬ ‫‪,‬‬ ‫ف‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫ت وجه ُه َك َّأن ُه ورق ُة ُ‬
‫م‬
‫ُ‬
‫أي‬
‫ر‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫ر‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫أن بكر ينظرون إليه ‪ ,‬وقد كادوا أن يضطربوا ‪ ,‬فأشار‬ ‫وقوفا خلف‬
‫ُ ْ ي ُُ‬ ‫َ‬
‫إليهم أبو بكر أن اثبتوا‪.‬‬
‫والس ُ‬
‫الم يف آخر ذلك اليوم و فما‬ ‫الة َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُث َّم ُت ُو ِّف َّ‬
‫الر ُس ُ‬
‫ول عليه الص‬
‫ُ‬ ‫ي َ‬ ‫َ‬
‫نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجهه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬حي واريناه‬
‫ُ‬
‫تراب ُه‪.‬‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ولقد دعا ر ُس ُ‬
‫وسالمه عليه ألنس بن مالك‬ ‫ول هللا صلوات هللا‬
‫ْ‬
‫أك ْي من م َّرة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫له ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وكان من دعائه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫( الل ُه َّم ارزق ُه ماَّل وولدا ‪ ,‬وبارك ل ُه )‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫هللا ُسبحان ُه ُدعاء نب ِّ‬ ‫وقد استجاب ُ‬
‫والسالم ‪,‬‬
‫ََّ َّ ُ َ‬ ‫الة‬ ‫الص‬ ‫عليه‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ُ ِّ َّ ا‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫فكان أنس أك ْي األنصار ماَّل ‪ ,‬وأوفرهم ذرية ‪ ,‬حب إنه رأى من‬
‫ُ‬
‫أولده وحفدته ما يزيد عىل المائة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ا‬ ‫ََّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫حب عاش قرنا كامًل ‪ ,‬وفوقه ثالث‬ ‫هللا له يف ع ُمره‬ ‫وقد بارك‬
‫سنوات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ان هللا عليه شديد َّ‬ ‫ُ‬
‫ب ﷺ له‬ ‫ي‬ ‫فاعة‬ ‫ش‬ ‫ل‬ ‫اء‬ ‫ج‬‫الر‬ ‫وكان أنس رضو‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يوم القيامة ‪ ,‬فكثيا ما كان يقو ُل ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫إن ألر ُجو أن أل َق ر ُسول هللا ﷺ يف يوم القيامة فأقول له ‪:‬‬ ‫ي‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫يا ُ‬
‫رسول هللا هذا خويدمك أنيس‪.‬‬
‫أنس ب ُن مالك مرض الموت قال ألهله ‪:‬‬ ‫ولما مرض ُ‬ ‫َّ‬

‫ول هللا ‪.‬‬ ‫َل ِّق ُنون ‪ :‬ل إله َّإَّل هللا ‪ُ ,‬مح َّمد ر ُس ُ‬
‫ي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ َّ ُ ُ‬
‫ثم ظل يقولها حب مات ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقد أوَص ب ُعص َّية صغية كانت لر ُسول هللا ﷺ بأن تدفن معه‪,‬‬
‫ف ُوضعت بي جنبه وقميصه‪.‬‬
‫هنيئا ألنس بن مالك األنصار َّي عىل ما أسبغ ُه ُ‬
‫هللا عليه من خي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الر ُسول األعظم ﷺ ع رش سنوات كامًلت ‪...‬‬ ‫فقد عاش ف َكنف َّ‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫وكان ثالث اثني يف رواية حديثه هما أبو هريرة ‪ ,‬وعبد هللا بن‬
‫ُعمر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ ُ َّ ُ ُ‬
‫وجزاه هللا هو وأمه الغميصاء عن اإلسالم والمسلمي خي‬
‫الجزاء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

You might also like