Professional Documents
Culture Documents
صور من حياة الصحابة
صور من حياة الصحابة
تقديم األستاذة-:
ان.
حفصة عمر العمر ي
بسم اهلل الرمحن الرحيم
ْ
صاري
مالك األن ِ
أنس بن ِ
َ ا ّ َّ ُ
" اللهم ارزقه مال وولدا ,وبارك له "
( من ُدعاء ُ
الرسول ﷺ له )
َ
أنس بن مالك األنصاري-:
ُ َ َّ ُ ُ ُّ ُ ُ ُ
كان أنس بن مالك يف ع ُمر الورد حي لقنته أمه "الغميصاء"
ُ
حمد بننب اإلسالم ُم َّ ب ِّ الشهادتي ,وأترعت ُفؤاد ُه الغ َّ
ض ب ُح ِّ َّ
َّ يَ َ وأزك ََّ َّ ُ َ
الصالة وأزك السالم . عبدهللا عليه أفضل الصالة
ُ
فشغف أنس به ُح ًّبا عىل ال َّسماع.
الغالمَُّ ُ َ ُ ُ ُ
ول غرو ,فاألذن تعشق قبل العي أحيانا ,وكم تمب
َ ُ َّ َ َّ الصغي أن يمض إىل ن ِّ َّ
بيه يف مكة ,أو ي َفد الرسول األعظم ﷺ
ُ ُ ُ
ؤياه ,وي هنأ بلقياه. عليهم يف "ي ْيب" ليسعد بر
ََّ
حب َسى يف " ي ْيب " يل وقت لم يمض عىل ذلك طو ُ
ُ ُ ُ الن َّ َّ َّ وظة المغ ُ ُ َ
وسالمه عليه ب صلوات هللا ي ن أ ة وط ب المحظ
ُ ُ ِّ ِّ
الصديق يف طريقهما إليها فغمرت البهجة كل بيت وصاحبه
ومألت كل قلب .
ُ َّ والق ُ ُ وتعلقت ُ َّ
لوب بالطريق الميمون الذي يحم ُل خطا العيون
النب ﷺ وصاحبه إىل "ي ْيب" . ِّ
ي
ان ُيشيعون مع ر ُ
إَساقة كل صباح : وأخذ الفتي
َّ َ َّ
محمدا قد جاء... أن
الساعي من األولد الصغار ,لكنه ل فكان يسىع إليه أنس مع َّ
يعود كئيبا محزونا . ُ
يرى شيئا ف
الرواء ,هتف رجال شذي األنداء ,نضي ُّ ِّ وف ذات صباح ي
َّ
حمدا وصاحب ُه غدوا قريبي من المدينة. إن ُم َّ يف" ي ْيب ":
ُ َّ ِّ ُ َّ
يحمل إليهم جال يتجهون نحو الطريق المي ُمون الذي فطفق الر
نب الهدى والخي . َّ
ي
َّ ُُ
ومضوا يتسابقون إليه جماعات جماعات ,تتخللهم أَساب من
صغار الفتيان ُتزغر ُد عىل ُو ُجوههم فرحة تغ ُم ُر قلوب ُ
هم الصغية
وت َي ُع أفئد ُت ُهم الف َّ
تية .
ُ
,
أنس ب ُن مالك األنص ُّ
اري . الصبية ُ وكان ف طليعة ه ُؤلء ِّ
ي
ِّ ِّ ُ ُ ُ الر ُ
أقبل َّ
الصديق , وسالمه عليه مع صاحبه سول صلوات هللا
الزاخرة من َِّّ ُ ْ
الرجال والولدان. ومضيا بي أظهر الجموع
َ ُ َّ ُ ُ َّ ُ ِّ
والصبايا الصغيات فقد علون ُسطوح المخدرات , أ َّما النسوة
ُ ُ ُ َّ َ ْ
المنازل ,وجعلن يياءين الرسول صلوات هللا وسالمه عليه
ُْ
ويقلن ُّ :أيهم هو ؟! ُّ ....أيهم هو ؟!.
فكان ذلك اليوم يوما مش ُهودا ...
حب ن َّيف عىل المائة من ُع ُمره. ُ ُ ُ ََّ َظ َّل ُ
أنس بن مالك يذكره
ُ َّ الر ُس ُ
ول الكريم ﷺ يستق ُّر بالمدينة ,ح َب جاءته " ما كاد َّ
ُ ُّ ُ ُ ُ ْ ُ
الغميصاء بنت ملحان" أم أنس ,وكان معها غالمها الصغي ,
ُ ُ ُ ُ
اه تنوسان عىل جبينه . وهو يسىع بي يديها ,وذؤابت
والس ُ الة َّ َّ ُ َّ َّ َّ َّ ُ
الم و قالت : ثم حيت الن يب عليه الص
َّ يا رسول هللا َلم يبق ُ
رجل ول امرأة من األنصار إَّل وقد أتحفك
َ ُ ُ ُ ِّ ُ
بتحفة ,و إ ين ل أجد ما أتحفك به غي اب يب هذا ...
ْ ُ
فخذ ُه ,فليخدمك ما شئت ...
ر َّ
الشيفة ,
ْ ُ
ش ,ومسح راسه بيده ب ﷺ ْللف َب الصغي وب َّ الن َّ َّ َّ
فهش
َ َّ َ ي ُ
ومسح ذؤابت ُه بأنامله الند َّية ,وض َّم ُه إىل أهله.
ا ُ ُ ُ ُ َ
س بن مالك أو "أنيس" -كما كانوا ينادونه تدليال -يف كان أن
ُ ُ ُ َّ
الن ِّ اَسة من ُع ُ الع ر
وسالمه ب صلوات هللا ي دمة خ ب د ع س يوم هر م
عليه .
ُ الن ُّ َّ َ َ وظ َّل يع ُ َ
الكريم ﷺ ب ي ق ح ل أن إىل ه ت اي عر و ه ف ن ك ف ي يش
الرفيق األعىل . ب َّ
ُ َّ ُ
فكانت ُمدة ُصحبته له ع رش سنوات كامالت ,نهل فيها من
ُ ُ َّ
هديه ما زك به نفسه ,ووع من حديثه ما مأل به صدره ,
ُ َ َ
وعرف من أحواله وأخباره وأَساره وشمائله مالم يعرفه أحد
سو ُاه .
ُ ِّ ُ َ َّ ُ ُ َ َ
ق أنس بن مالك من كريم معاملة الن يب صلوات هللا وقد ل ي
َ َ ْ
وسالم ُه عليه مالم يظفر به ولد من والد. ُ
ُّ
وذاق من نبيل شمائله ,وجليل خصائله ما تغب ُط ُه عليه الدنيا .
َّ
الصور الوضاءة من هذه ف ْلن َ ُيك ألنس الحديث عن بعض ُّ
ب َّ َّ
الن ِّ َّ َ َ َ ُ
السمح الكريم ﷺ , ي رحاب في ا ه ي ق ل ب
ي ال ة م يرالك املة ع الم
َ
ف ُهو أدرى ,وعىل وصفها أقوى ...
بن مالك : ُ ُ
قال أنس
ُ ُ ُ كان ر ُس ُ
وسالمه عليه من أحسن الناس ول هللا صلوات هللا
ُ ُ
خلقا ,و أرحبهم صدرا ,وأوفرهم حنانا .
ْ ُ ُ َ
فقد أرسل يب يوما لحاجة فخرجت ,وقصدت صبيانا يلع ُبون يف
ُ َّ َ َ ُ ْ ُّ
السوق أللعب معهم ولم أذهب إىل ما أمر ين به ,فلما صت
ُ ُ ُ ْ ُ َ
ون ...
ي ث ب ذ أخ يو , ق ي ل خ ف ق ي ان س إن ب ت ر ع ش م ه ي ل إ
ول هللا ﷺ يبتس ُم وي ُ
قول : ت فإذا ر ُس ُ ْ ُّ
فالتف
ُ ُ ُ ُ َ
( يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ ).
ت :نعم... ْ ُ ُْ ُ
فارتبكت وقل
ِّ
إن ذاهب اآلن يا ر ُسول هللا... ي
ُ ُ عش سني ,فما قال ل ر ُ
خدمت ُه ر
شء صنعته :لم
ي وهللا لقد
ْ ُ ْ
لشء تركت ُه :لم تركت ُه؟!.
ي
صنعت ُه ...ول ر
ُ ّ ُ ُ ُ
الر ُسول عليه الصالة والسالم نيفا
ِّ َّ بن مالك بعد وفاة َّ عاش أنس
َ ْ ْ ُ َ
وثماني عاما ,مأل خًللها ُّ
الصدور علما من علم ال َّر ُسول األعظم
ُّ ُ ُ َ
العقول فقها من فقه الن ُب َّوة. ﷺ ,وأترع فيها
َّ
الصحابة والتابعي من هدي الق ُلوب بما ب َّث ُه بي َّ ُ
وأحيا فيها
َ النب ﷺ ,وما أذاع ُه ف الناس من رَسيف أقوال َّ
الر ُسول األعظم ي
ِّ
ي
ﷺ وجليل أفعاله.
ْ وقد غدا أنس عىل ُطول هذا ُ
الع ُمر المديد مرجعا لل ُمسلمي ,
ُ ُ ُ َ ُ َّ َ َ ُ
يفزعون إليه كلما أشكل عليهم أمر ,ويعولون عليه كلما استغلق
ْ
عىل أفهامهم ُحكم.
ُ َ َّ ُ ِّ َّ
الدين جعلوا يتكل ُمون يف ث ُبوت َ ف ي ارين م أن بعض ُ
الم من ذلك ,
وه يف ذلك ,فقال: ُ ُ َّ
الن ِّ
ب ﷺ يوم القيامة ,فسأل حوض ي
ُ ََّ ُ ُ ُ ُّ
ما كنت أظن أن أعيش حب أرى أمثالكم يتمارون يف َالحوض ,
َ َّ َّ ُ ِّ ْ ْ ُ
ق ما تص يىل واحدة من ُهن إَّل سألت هللا أن ي ل خ ز ائ ج ع ت لقد ترك
والس ُ
الة َّ َّ ُ الن َِّّ
الم. ب عليه الص يسقيها من حوض ي
َ ْ ُ ُ َ
يش مع ذكرى ر ُسول هللا صلوات بن مالك يع ُ ولقد ظ َّل أنس
ُ َّ
وسالم ُه عليه ما امتدت به الحياة... ُ هللا
َّ َّ
خ الدمعة عىل يوم فراقه , البهجة بيوم لقائه ,س ي َ
فكان شديد
َ َّ
اليديد لكالمه .. كثي
ْ ُ ب ما أح َّ حريصا عىل ُمتابعته ف أفعاله وأقواله ُ ,يح ُّ
ب ,ويكره
َّ ُ ي ُ ْ َ
ما كره ,وكان أك ْي ما يذكره من أيامه يومان :
ُ
مرة ,ويوم ُمفارقته ل ُه آخر م َّرة. معه َّأول َّ ُ
يوم لقائه
ُ َّ ُ األول سعد به وانت ر ذكر اليوم َّ َ
ان ي الث اليوم له ر ط خ وإذا , ش فإذا
َّ َ َ َ
انتحب وبَك ,وأبَك من حول ُه من الناس .
ُ َّ َّ ُ َّ ُ َّ ُ ُ
وكثيا ما كان يقول لقد رأيت الن يب عليه الصالة والسالم يوم :
َ َّ ُ ُ
دخل علينا ,ورأيت ُه يوم قبض منا ,فلم أر يومي ُيشبهانهما.
شء ... كل رفق يوم ُد ُخوله المدينة َأضاء فيها ُّ
ي ي
أظ َلم فيها ُّ ِّ ْ َ َ
كل ض إىل جوار ربه وف اليوم الذي أوشك فيه أن يم ي ي
شء . ر
ي
ِّ ُ ُ َ ُ َ ْ
وكان آخر نظرة نظرتها إليه يوم اإلثني حي كشفت الستارة عن
يومئذ الن ُ
اس
َّ
وكان , ف ح ص ت وجه ُه َك َّأن ُه ورق ُة ُ
م
ُ
أي
ر ف , ه تر ج ح ُ
َ ُ َ ُ َ ُ ُ ْ ْ ُ ُ
أن بكر ينظرون إليه ,وقد كادوا أن يضطربوا ,فأشار وقوفا خلف
ُ ْ ي ُُ َ
إليهم أبو بكر أن اثبتوا.
والس ُ
الم يف آخر ذلك اليوم و فما الة َّ َّ ُ ُث َّم ُت ُو ِّف َّ
الر ُس ُ
ول عليه الص
ُ ي َ َ
نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجهه -ﷺ -حي واريناه
ُ
تراب ُه.
ُ ُ َ ولقد دعا ر ُس ُ
وسالمه عليه ألنس بن مالك ول هللا صلوات هللا
ْ
أك ْي من م َّرة .
ُ
له : ُ
وكان من دعائه
َ َ ا ُ َّ
( الل ُه َّم ارزق ُه ماَّل وولدا ,وبارك ل ُه )..
ُ َّ َّ ُ هللا ُسبحان ُه ُدعاء نب ِّ وقد استجاب ُ
والسالم ,
ََّ َّ ُ َ الة الص عليه ه ي
ُ ِّ َّ ا ا ْ
فكان أنس أك ْي األنصار ماَّل ,وأوفرهم ذرية ,حب إنه رأى من
ُ
أولده وحفدته ما يزيد عىل المائة.
ُ ُ َ ا ََّ ُ ُ ُ
حب عاش قرنا كامًل ,وفوقه ثالث هللا له يف ع ُمره وقد بارك
سنوات.
ُ الن ِّ َّ ان هللا عليه شديد َّ ُ
ب ﷺ له ي فاعة ش ل اء جالر وكان أنس رضو
ُ َ
يوم القيامة ,فكثيا ما كان يقو ُل :
ُ َُ ْ ِّ
إن ألر ُجو أن أل َق ر ُسول هللا ﷺ يف يوم القيامة فأقول له : ي
ُ ُ ُ يا ُ
رسول هللا هذا خويدمك أنيس.
أنس ب ُن مالك مرض الموت قال ألهله : ولما مرض ُ َّ
ول هللا . َل ِّق ُنون :ل إله َّإَّل هللا ُ ,مح َّمد ر ُس ُ
ي
َّ َ ُ َّ َ َّ ُ ُ
ثم ظل يقولها حب مات .
ُ ُ
وقد أوَص ب ُعص َّية صغية كانت لر ُسول هللا ﷺ بأن تدفن معه,
ف ُوضعت بي جنبه وقميصه.
هنيئا ألنس بن مالك األنصار َّي عىل ما أسبغ ُه ُ
هللا عليه من خي.
َ َ
الر ُسول األعظم ﷺ ع رش سنوات كامًلت ... فقد عاش ف َكنف َّ
ي
ُ ُ ُ ُ ُ
وكان ثالث اثني يف رواية حديثه هما أبو هريرة ,وعبد هللا بن
ُعمر.
ُ ُ ُ ُ ُ َّ ُ ُ
وجزاه هللا هو وأمه الغميصاء عن اإلسالم والمسلمي خي
الجزاء.