Professional Documents
Culture Documents
شرح زبدة البلاغة 11
شرح زبدة البلاغة 11
شرح زبدة البلاغة 11
الر ِحيمِ.
حم ِن َّ بِس ِم اهللِّ َّ
الر َٰ
رب العالمين والصال ُة والسال ُم على خاتم األنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه
هلل ِّ
الحمدُ ِّ
أجمعين.
وكنا مع البيت الثاين واألربعين ،وهو متصل بشيء من البيت السابق له ،ففي البيت السابق
ب ا ْل ِف ْع ِل" ثم قال:
"ون ْس ُ
س لِ ْل ِف ْع ِل.
كزم ٍن ُمالبِ ٍ =لِغ ْيرِ ما ُي ْبنى ل ُه ُق ْل :ع ْق ِلي
ب ا ْل ِف ْع ِل" أي إسناده ،والفعل يف األصل إن كان مبن ًيا للمعلوم أن يسند لمن قام بالفعل،
"ون ْس ُ
وإن كان مبن ًيا للمجهول فاألصل أن يسند إلى المفعول ،فمثالًَ :سال ،هذا الفعل أصله أن يسند إلى
الشيء الذي سال ،فتقول :سال الدمع ،أو سال الماء يف الوادي ،أو تقول :سال السيل ،أو جرى السيل يف
الوادي ،أما الفعل المبني للمجهول فحقه وأصله أن يسند إلى ما كان يف األصل مفعو ً
ال ،فإذا كنت تقول:
يف َض َرب زيد الطاولة ،ضرب فعل مبني للمعلوم ،فأسندته إلى من قام بالضرب ،فإذا قلتُ :ض ِر َب
وبنيت الفعل للمفعول ،أو بتعبير آخر بنيت الفعل للمجهول ،فإنك يف هذه الحالة تسنده إلى المفعول
وض ِرب يستحق نائب فاعل ،وكل منهما له أصل هو هذا فتقولُ :ض ِر َبت الطاولةَ ،
فض َرب يستحق فاعالًُ ،
مجازا عقل ًّيا،
ً الذي ذكرته ،فإذا حصل تغيير بأن نسب الفعل لغير ما حقه أن يسند إليه فهذا مجاز ،ويسمى
وبأمثلته التي تأيت يتضح أكثر مثالً الفعل َس ِعدَ ،أصله أن يسند إلى من حصلت له السعادة ،فتقول مثالً:
س ِعدَ زيدٌ هذه األيام بكثرة الوالئم والطعام ،ولكننا نجد الشاعر أسند السعادة والفعل ِ
َسعدَ إلى األيام َ
لس ِعدَ ،فأسند السعادة يف الفعل َس ِعدَ إلى ِ ِ
نفسها ،فقالَ :سعدَ ت بِ ُغ َّرة وجهك األيا ُم ،الحظ األيام فاعل َ
()1
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
األيام ،وحق السعادة أن تسند إلى من تحصل منه السعادة كما بينت ،وهذا ما عرب عنه يف النظم بـ "كزم ٍن
س لِ ْل ِف ْع ِل".
ُمالبِ ٍ
ب ا ْل ِف ْع ِل ،لِغ ْيرِ ما ُي ْبنى ل ُه" يعني إسناد الفعل إلى غير الشيء الذي يستحق أن يسند إليه.
"ون ْس ُ
ول او ف ِ
از ش ْر ٌط ث ِ
ان. قرِين ُة ا ْلمج ِ اع ٍل ْاو مك ِ
ان م ْف ُع ٍ ْ
ب ا ْل ِف ْع ِل"
والبيت متصل بما قبله من ذكر ما يسند إليه الفعل على سبيل المجاز ،قال" :ون ْس ُ
س لِ ْل ِف ْع ِل.
كزم ٍن ُمالبِ ٍ =لِغ ْيرِ ما ُي ْبنى ل ُه ُق ْل :ع ْق ِلي
فالفعل قد يسند إلى الزمن ،كما أنه قد يسند إلى المفعول ،أو الفاعل ،أو المكان ،كما يف هذا
ول او ف ِ
اع ٍل ْاو مك ِ
ان " ويالحظ وهذا أمر فاتني التنبيه عليه ،أن الفعل عندما ينسب البيت الذي معنا "م ْف ُع ٍ ْ
ويسند لغير ما حقه أن يسند إليه؛ فإنه ال يسند إلى أي شيء ،بل يسند إلى شيء ُيالبس الفعل ،فالزمن،
والمكان ،والمفعول ،والفاعل ،كلها مالبسات للفعل ،كما أننا كنا يف المجاز المرسل نقول :هناك عالقة
غير المشاهبة ،الذي عالقته المشاهبة نسميه استعارة ،يعني يف االستعارة ويف المجاز المرسل كانت عندنا
عالقة ،وعندنا هنا مالبسة ،والعالقة ،والمالبسة شرط يف المجاز ،شرط المجاز اللغوي وجود العالقة،
وشرط المجاز العقلي وجود المالبسة ،والمالبسة ،والعالقة ،متقاربتان جدً ا يف المعنى.
نرجع إلى هذا البيت وإلى أمثلته ،قد ينسب الفعل إلى المفعول ،فمثالً تقولِ :
رض َي زيد عيشته،
هنا أسند الفعل َر ِض َي إلى زيد ،وهو الفاعل فاإلسناد حقيقي ،وليس من المجاز بل هو حقيقة عقلية،
لكن إذا قلتَ :ر ِض َيت الحظ بالتأنيث َر ِض َيت عيشتي ،العيشة كأهنا هي التي رضيت هكذا جاء الرتكيب،
وهو أسلوب معروف عند العربَ ،ر ِضيت عيشتي ،فالعيشة يف الحقيقة هي المفعول ،وقلنا :أن الفعل
المبني للمعلوم يسند إلى الفاعل ،والفعل المبني للمجهول هو الذي يسند إلى المفعول ،وهنا جاءت
()2
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
َر ِضيت الفعل جاء مبني للمعلوم ،ولكنه أسند إلى المفعول من باب المجاز العقلي ،أسند الفعل إلى
مجازا؟ عندما يكون
ً المفعول ،وقد يسند إلى الفاعل ،قال" :او ف ِ
اع ٍل" متى يسند إلى الفاعل ونعتربه ْ
الفعل مبن ًيا للمجهول ،فحقه أن يسند إلى المفعول ،فإذا به يسند إلى الفاعل ،وبالمثال يتضح المقال ،إذا
قلت :مأل السيل الوادي ،فهذا أسلوب حقيقي ما الذي مأل الوادي؟ السيل ،فالسيل فاعل ،وأسند الفعل
ال يقولون لو قلتَ :أف َعم السيل الوادي ،أفعم بمعنى مأل،
إليه ،وهناك فعل يستخدمه البالغيون هنا مثا ً
فعم ،بنيته للمجهول ،فماذا ينبغي أن اقول إذاأفعم السيل الوادي ،هذا أسلوب حقيقي ،وإذا قلتُ :أ ِ
فعم الوادي أي ملِئ ،ولكنهم قالواُ :أ ِ
فعم السيل ،هذا فعل أردت أن يكون األسلوب حقيقيا؟ أقولُ :أ ِ
ُ ًّ
مبني للمجهول ،ولكنه أسند إلى الفاعل الذي هو السيل ،إذن أسند الفعل إلى الفاعل ،الحظ إسناد
الفعل إلى الفاعل حقيقة ،لكن هذا إذا كان مبنيا للمعلوم ،وهو هنا مبني للمجهول ُأ ِ
فعم ،لو قالَ :أف َعم ًّ
السيل ،لكان أسلوبا حقيقيا ،لكنه قالُ :أ ِ
فع َم السيل فكان أسلو ًبا مجاز ًّيا. ًّ ً
ان" فقد يسند الفعل إلى مكان الحدث ووقوع المالبسة الرابعة التي ذكرها هو قولهْ " :او مك ِ
ال من أن يسند إلى الفاعل كما قلنا ،ومنه قوله تعالَ ﴿ :ف َسا َل ْت َأ ْو ِد َي ٌة بِ َقدَ ِر َها﴾ ما الذي يسيل؟
الفعل ،بد ً
اء َما ًء َف َسا َل ْت َأ ْو ِد َيةٌ﴾ الحقيقة أن الذي يسيل هو الماء ،ولو قال :فسالت مياه ،أو قالَ ﴿ :أ َنز َل مِن السم ِ
َ َّ َ
سال الماء ،لكان األسلوب حقيق ًّيا ،لكنه قالَ ﴿ :ف َسا َل ْت َأ ْو ِد َيةٌ﴾ فأسند ونسب الفعل َسال إلى مكان
الفعل ،إذ السيالن يكون يف مكان والبد والمكان هنا هو األودية ،وهذا كما قلت :من المجاز العقلي.
از ش ْر ٌط ث ِ
ان" وهذا يفهم منه أن هناك أما الشطر الثاين فنبه على شرط للمجاز ،قال" :قرِين ُة ا ْلمج ِ
شر ًطا أول ،والشرط األول لم يصرح به وإنما أشير إليه ،فالشرط هناك شرط للمجاز اللغوي وهو وجود
عالقة ،وهناك شرط للمجاز العقلي وهو وجود مالبسة ،ثم هناك شرط ٍ
ثان للمجاز اللغوي ،وللمجاز
العقلي ،وهو وجود قرينة تدل على أن المتكلم ال يريد الحقيقة.
إذن المجاز اللغوي الذي يدخل فيه المجاز المرسل ،واالستعارة له شرطان :وجود عالقة،
ول او ف ِ ووجود قرينة ،والمجاز العقلي له شرطان :المالبسة "كزم ٍن مالبِ ٍ ِ ِ
اع ٍل ْاو مك ِ
ان"، س ل ْلف ْع ِل ،م ْف ُع ٍ ْ ُ
()3
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
والقرينة كذلك ،فالقرينة شرط لكل مجاز سواء كان لغو ًّيا أو عقل ًّيا ،ولو الحظتم األمثلة السابقة فإنكم
تجدون فيها سواء يف هذا الدرس أو يف الدروس السابقة ،تجدون أن هناك شي ًئا يصرف حمل الكالم عن
ظاهره ،فمثالً :رأيت أسدً ا يحمل سي ًفا ،حمل األسد للسيف قرينة دلتك على أننا ال نريد الحقيقة،
َر ِضيت عيشتي أنت تعرف أن العيشة ال ترضى ،وإنما يرضى صاحبها ،وهكذا يف كل مثال تجد شي ًئا
يقارن اللفظ ،وقد يكون هو يف نفسه لف ًظا ،وقد يكون قرينة حال ،أو غير ذلك مما ال يعرف يف هذا
المختصر ،وإنما فيما هو أطول منه ،بل قد أفردت فيه كتب مطولة يف القرائن يف علم المعاين مثالً هذا
عنوان كتاب ،وهناك عن القرائن يف المجاز أو كذا ،والدراسات يف مثل هذا يتوسع فيها بعد دراسة أكثر
من كتاب يف البالغة.
ف. ِاالسن ِ
اد ،منْع أص ِل هذي ِن ا ْقت ِ ظ وا ْلع ْق ِل ُّي فِي
فال ُّلغ ِوي فِي ال َّل ْف ِ
ْ ْ ْ ْ
ظ ،وا ْلع ْق ِلي فِي ِاالسن ِ
اد" هذا هو الضابط ،إن كان المجاز يف األلفاظ فهو مجاز "فال ُّلغ ِوي فِي ال َّل ْف ِ
ْ ُّ ْ
لغوي ،وقد مر معنا الحديث عنه أنه لفظ يستعمل يف غير ما وضع له ،وإذا كان يف اإلسناد فإنه مجاز
عقلي ،وقد مر معنا أنه نسب الفعل وإسناده إلى غير ما هو له ،ومما يوضح هذا أكثر أنك إن استطعت يف
المجاز الذي تراه؛ أن تضع خ ًّطا تحت اللفظة التي استعملت يف غير ما وضعت له فهذا مجاز لغوي ،وإذا
لم تستطع وضع خط تحت لفظة معينة ،وإنما فهمت من الكالم التجوز فهذا مجاز عقلي ،فمثالً :رأيت
أسدً ا يحمل سي ًفا ،هذا مجاز لغوي أم عقلي؟ هل تستطيع أن تضع خ ًّطا تحت الكلمة التي حصل فيها
المجاز؟ نعم كلمة أسدً ا ،استعملت يف غير ما وضعت له تضع تحتها خ ًّطا ،إذن هذا مجاز لغوي ،ثم هو
عالقته المشاهبة فيكون من االستعارة.
()4
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
﴿ َف َسا َل ْت َأ ْو ِد َيةٌ﴾ ما هي الكلمة التي استخدمت يف غير ما وضعت له؟ الحظ َسال استخدمت
فيما وضعت له ،واألودية هي التي تكون وسط الجبال بصفتها المعروفة ،فاألودية استخدمت بمعناها،
والسيالن استخدم بمعناه ،وإنما حصل المجاز يف إسناد ونسب السيالن إلى الوادي؛ ولذلك لو وضعت
خ ًّطا تحت سال تكون مخط ًئا؛ ألن سالت استخدمت يف معناها األصلي ،وكذلك لو وضعت الخط
تحت أودية ،وإنما ال يمكن وضع خط؛ ألن وضع الخط إنما يكون على الشيء الملفوظ ،واإلسناد أمر
معنوي ال يدرك ،فال يمكن وضع خط يحدد موقع المجاز ،وإنما هي العالقة والنسبة بين الفعل وما أسند
إليه.
الكالم عن الحقيقة شرط يف المجاز ،سواء كان لغو ًّيا أو عقل ًّيا ،قال هنا:
ف ِاالسن ِ
اد ،منْع أص ِل هذي ِن ا ْقت ِ ظ وا ْلع ْق ِل ُّي فِي
فال ُّلغ ِوي فِي ال َّل ْف ِ
ْ ْ ْ ْ
"منع أص ِل هذي ِن ا ْقت ِ
ف" طبعا منع منصوب على اقتف ،يعني اقتف منع أصل هذين ،يعني أثبت ْ ْ
امتناع المعنى األصلي سواء يف المجاز اللغوي ،أو يف المجاز العقلي ،فقوله" :هذ ْي ِن" يعود إلى
المجازين ،رأيت أسدً ا يحمل سي ًفا ،يمتنع الحمل على المعنى األصلي ،وهو أن يحمل األسد الحقيقي
سي ًفاَ ﴿ ،ف َسا َل ْت َأ ْو ِد َيةٌ﴾ ال يمكن حمل الكالم على حقيقته ،يمتنع حمله على الحقيقة وهذا االمتناع قد
يكون بسبب العقل مانع عقليَ ﴿ ،ف َسا َل ْت َأ ْو ِد َيةٌ﴾ العقل يقول لك :األودية ال تسيل ،وقد يكون المانع
مجرد العادة كما يف الحديث «حلق النبي ﷺ رأسه» من الذي قام بالحلق؟ من المعلوم أن العادة عند
الناس أن الذي يقوم بالحلق ليس نفس الشخص ،وإنما شخص آخر ،فنحمله على هذه العادة ،فإذا
قلت :حلقت رأسي اليوم ،فإننا أو يف هذا الحديث «حلق النبي ﷺ رأسه» فاألصل أن يكون الحالق غير
النبي ﷺ ،وغير من حلق رأسه ،ويكون هذا من باب المجاز ،وقرينته ليست االمتناع العقلي ،إذ ال يمتنع
عقالً أن يحلق اإلنسان رأسه ،لكن العادة أال يفعل اإلنسان ذلك إال يف ظروف معينة قد تضطره إلى ذلك،
()5
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
أما األصل أنه ال يحلق رأسه بنفسه ،فالقرينة قد تكون امتنا ًعا عقل ًّيا ،وقد تكون امتنا ًعا يف العادة ،وكما
قلت من قبل :أمر القرينة طويل.
وهذا البيت يتكلم عن الكناية ،وهو متعلق بالبيت السابق ،ففي آخر البيت السابق "منع أ ْص ِل
ف" قلنا أن الحديث هناك عن امتناع المعنى األصلي يف المجاز ،فنحمل الكالم على المجاز، هذي ِن ا ْقت ِ
ْ
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الكناية ،فإن الكناية يجوز فيها أن يراد المعنى األصلي ،وهذا هو الفرق
الجوهري بين المجاز ،والكناية ،ففي المجاز يمتنع المعنى األصلي ونحمل على معنى آخر الزم له ،ويف
الكناية نحمل الكالم على معنى آخر الزم للفظ ،ولكن المعنى األصلي جائز ،وبالمثال يتضح المقال،
إذا قلت :زيد ال يغلق بابه ،فاطلب منه ما شئت ،أنا أقصد أنه كريم ،ولكنني أتيت هبذا األسلوب للتدليل
كريما وليس هناك دليل على كرمه،
ً على صدقي ،لو قلت له :زيد كريم فاطلب منه ،قد تتوهم أنني أظنه
فإذا قلت :زيد ال يغلق بابه فاطلب منه ،فإنني أتيت بالدليل على كرمه مع اإلشارة إلى كرمه ،والحظ أن
الكرم هو المقصود ،ولكن المعنى األصلي وهو عدم إغالق الباب غير ممتنع عقالً ،فيمكن لرجل كريم
مفتوحا؛ ليدخل الطالب ،والسائلون ،واألضياف ونحوهم ،ولذلك قال هنا: ً أن يفتح بابه ويظل بابه
"وجاز ق ْصدُ ْاْل ْص ِل فِي ا ْلكِناي ِة" يف المجاز يمتنع المعنى األصلي ،يف الكناية يجوز ،ال يجب ولكن
يجوز قصد األصل يف الكناية.
ثم أشار يف الشطر الثاين إلى أنواع الكناية ،وهنا نالحظ أن الكناية يف اللغة تأيت بمعنى السرت،
والكناية التي نتكلم عنها عند البالغيين فيها سرت ،إذ فيها إخفاء لشيء ،واظهار لشيء ليس هو المقصود،
وإنما ذلك المخفي هو المقصود ،فمثالً كما مر معنا زيد ال يغلق بابه ،المقصود الكرم ،وقد أخفيت صفة
()6
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
الكرم وأتيت بشيء يدل عليها ،وهو أنه ال يغلق بابه ،فسرتت الصفة التي هي الكرم ،فهذه تسمى كناية
المكنَى عنه المستور.
عن صفة وهي أحد أقسام الكناية باعتبار ُ
أما الحالة الثانية :فهي أن أسرت الموصوف كما قال سبحانه وتعالى﴿ :وحم ْلنَاه َع َلى َذ ِ
ات َأ ْل َواحٍ َ َ َ ُ ٰ
َو ُد ُس ٍر﴾ أي حملناه على سفينة كما ذكر يف آيات متعددة ،الفلك والسفينة التي ركبها نوح ومن آمن معه،
فقال هنا يف سورة القمر﴿ :وحم ْلنَاه َع َلى َذ ِ
ات َأ ْل َواحٍ َو ُد ُس ٍر﴾ لم يصرح والحظ أن الكناية سرت ٰ َ َ َ ُ
والتصريح إظهار ،فعكس الكناية التصريح ،لم يصرح باسم السفينة وإنما أتى بوصفها ،فسرت الموصوف
وهو السفينة ،وأتى بصفتها وهي أهنا ﴿ َذ ِ
ات َأ ْل َواحٍ َو ُد ُس ٍر﴾ لنكتة لطيفة جدً ا ،وهي إظهار أن نجاة نوح
عليه الصالة والسالم ومن معه ليست لقوة السفينة ،فالسفينة إنما هي ألواح ودسر أي مسامير ،فكيف
تكون سببا للنجاة؟ وإنما كانت سببا للنجاة لما جاء بعد ذلك قال﴿ :وحم ْلنَاه َع َلى َذ ِ
ات َأ ْل َواحٍ َو ُد ُس ٍر • َ َ َ ُ ٰ ً ً
َت ْج ِري بِ َأ ْع ُينِنَا﴾ فألهنا جرت برعاية من اهلل وحفظه نجا من فيها ،وإال فما تغني األلواح والدسر عن
طوفان كان يجري هبم يف موج كالجبال.
وهنا نوع ثالث أخير ختم به قالْ " :أو ع ْن نِ ْسب ِة" قلنا هناك كناية عن صفة ،وهناك كناية عن
موصوف ،وبقيت الكناية عن النسبة ،إذ الكالم صفة ،وموصوف ،ونسبة ،إذا قلت :زيد كريم ،فزيد
موصوف ،وكريم صفة ،وقد أسندت إليه الكرم؛ ألن هذا خرب وهذا مبتدأ ،أسندت إليه الكرم وهذه هي
كريما ،فتكون نسبة النفي ،نفيت النسبة.
النسبة ،قد تكون النسبة مثبتة ،وقد تكون منفية ،أقول :ليس زيد ً
نرجع إلى بعد هذا إلى النوع الثالث من الكناية ،قلنا كناية عن صفة ذكر فيها الكرم مثالً يف زيد ال
يغلق بابه ،وكناية عن موصوف كما يف ﴿وحم ْلنَاه َع َلى َذ ِ
ات َأ ْل َواحٍ َو ُد ُس ٍر﴾ وكناية عن نسبة نذكر الصفة، َ َ َ ُ ٰ
والموصوف ،ولكن ال نسند أحدهما إلى اآلخر ،فأقول لك :إذا جاء زيد يف المجلس جاء العلم واألدب،
هذا يعني أن زيدً ا عالم ذو أدب ،ولو قلت :زيدٌ عالم ،فهذا تصريح ليس فيه إخفاء ذو أدب كذلك ،فإذا
قلت :إذا جاء زيد جاء العلم واألدب ،فقد سرتت العالقة بين زيد ،والعلم واألدب ،مع أنني ذكرت العلم
واألدب ،وذكرت زيدً ا ،فذكرت الصفة والموصوف ،وسرتت وأخفيت النسبة.
()7
خاص بمعهد اإلمام ابن مالك للتأسيس اللغوي ،وال ُيسمح بتداوله ونشره
يف هذا القدر كفاية إن شاء اهلل ،وبه ينتهي الكالم على علم البيان.
نسأل اهلل والمدد والتوفيق للجميع ،وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
رب العالمين.
والحمدُ هلل ّ
()8