Professional Documents
Culture Documents
بلفقيه الفكر السياسي
بلفقيه الفكر السياسي
بلفقيه الفكر السياسي
ما بني مفاهيم تاريخ األفكار السياسية تاريخ الفكر السياسي /الفلسفة السياسية /
السلطة السياسية بهذا المعنى ال تتعلق بطبيعة القرار ومن يصدره ،وإنما تتعلق بالقدرة على فرض هذا القرار ،هنا
نتحدث عن السلطة السياسية .ففي بداية تكون المجتمع اإلنسان ي لم تكن هناك سلطة سياسية ،ومن هنا نجد مجموعة
من التفسيرات والنظريات التي هدفت إلى تفسير نشأة السلطة السياسية؛ ومنها نظرية الحاجة األسرة ،نظرية القوة
نظرية العقد االجتماعي النظريات الدينية النظرية الماركسية وغيرها.
املقدمة الرابعة :ارتباط الفكر السياسي مبشكلة عالقة احلرية والسلطة
ما بني قوة اإلكراه اليت متارسها السلطة وميول الناس إىل احلرية يبقى الفكر السياسي جمتهدا يف إطار فكرة العدالة ،حبيث
ال يطغى فرد على فرد أو طبقة على طبقة ،أو فئة على فئة إنها جدلية التناقض والصراع الدائم ما بني مفهومي السلطة واحلرية.
كان واليزال أهم اهتمامات الفكر السياسي عامة هذا االهتمام الدؤوب بمشكلة الحرية والسلطة؛ ال لشيء إال ألن
األمر مرتبط أساسا بجوهر اإلنسان ومحيطه .وهنا ؛ ساد عبر التاريخ اعتقاد شائع يقول مثال بتصنيف الفكر
والمفكرين على أساس من هم في جانب الحرية ومن هم ضدها؛ لكن الحقيقة الواقعية واألكيدة هي أن كل واحد أو كل
صف فهم وتمثل الحرية بمفهومه الخاص؛ مفهوم انعكس عنه تجسيد واقعي وتمثل لكيفية ممارسة السلطة؛ أو إذا أردنا
القول لنوع معين من األنظمة السياسية .في هذا الصدد ،نجد من صنف الصنف األول أمثال أرسطو واألكويني ولوك
وميل ،في الصف المدافع عن الحرية بينما في الصنف اآلخر يوجد أمثال أفالطون ومكيافيللي وهوبز وهيغل وبورك
المعنيين بموضوع النظام .وفي اعتقادنا؛ مثل هذا التوجه مضلل إن لم نقل خاطئ؛ فأرسطو واألكويني ولوك وميل
كانوا معنيين أيضا بموضوع النظام قدر اهتمامهم بموضوع الحرية
والغريب في األمر والذي يتماشى مع هذا الطرح هو أكثر الفالسفة ليبرالية أخذ يرسم نفسه الحد والحاجز الذي
يتوجب أن تقف عنده الحرية .فعندما تحدث لوك مثال عن القانون باعتباره يوسع مدى الحرية لم يكن يناقض هيغل الذي
اعتقد بدوره أن الحرية تبلغ كمالها في الدولة (موريس کرانستون).
وبالتالي؛ عاش وال زال يعيش تاريخ الفكر السياسي تمايز عظيم حول مفهوم الحرية؛ لكن ما يميز هذه الرحلة منذ
المدينة الفاضلة ووصوال إلى مفهوم الدولة الحديثة (دولة (الفانون) هو االهتمام العميق بموضوعي السلطة والحرية
على صعيدي المفهوم والقيمة
ومن أهم خالصات هذه الرحلة الطويلة الجدل الذي الزال قائما والذي يدور على التمييز بين مفهوم للحرية يعتبر
أنها ازالة العوائق من أمام اإلنسان ليفعل ما يشاء ،ومفهوم يدعو الى االلتزام بفعل ما يتوجب على اإلنسان فعله.
فبعض الفالسفة كأرسطو وروسو وهيغل دافع عن فكرة ان اإلنسان يكون حرا عندما يحقق ما يتوجب عليه تحقيقه
بينما اآلخرون مثل هوبز ولوك وميل دافعوا عن وجهة نظر تقول بان اإلنسان هو حر ما دام طليقا من القيود.
ويبقى أهم القضايا التي اشتغل الفكر السياسي ،كتتويج للجدل المتعلق بعالقة السلطة بالحرية ،عبر التاريخ قضية
الدولة؛ نشوء وتطور مفهوم الدولة وتمثالتها عند مختلف الفالسفة .الحديث عن "قضية الدولة" هو حديث باألساس عن
تقاطع مجموعة من المحاور والقضايا؛ فعندما نتحدث عن الدولة نتحدث باألساس عن حدود العالقة بين الحرية والسلطة،
نتحدث عن السيادة ومستوياتها ،نتحدث عن طبيعة النظام السياسي السائد ،نتحدث أيضا عن العدالة والديمقراطية
والمساواة وحقوق اإلنسان وغيرها من القضايا.
منها اتفق المفكرون السياسيون على أن الفكر السياسي يستند إلى فكرة الدولة ،حتى قيل عند بعضهم أن علم
السياسة يكاد يتماهى مع علم الدولة.
املقدمة اخلامسة :رؤية عامة حول تطور فكرة الدولة كمحور الدراسات السياسية منذ زمن بعيد
الدولة المدينة الدولة الفاصلة الدولة الدستورية الدولة العالمية اإلمبراطورية ،مدينة هللا الخالفة وشروطها الدولة
الوضعية .المصطنعة (الدولة التنين الدولة القومية الدولة األمة وصوال إلى تمثل الدولة الحديثة ...مسار طويل أخده الفكر
السياسي في عالقته بتطور فكرة الدولة ،وتحولها تدريجيا إلى مؤسسة تعني في ما تعني االنتظام العام وااللتزام بالقاعدة
القانونية الضابطة ،وتحقيق الخير العام للناس المنضوين في نطاق الدولة أو في إقليمها الجغرافي
منذ بزوغ الفكر السياسي اليوناني القديم وصوال إلى الفكر السياسي الحديث والمعاصر ،ومرورا باألفكار المسيحية
واإلسالمية تمحورت "الفلسفة السياسية حول الدولة في مبررات نشأتها ،وفي وظائفها ،وفي أهدافها ،وفي بنيتها
كمؤسسة .وقد قيل بأن الدولة هي مؤسسة المؤسسات أو أنها المؤسسة األكبر في المجتمع اإلنسان ي ،أو المؤسسة
الناظمة للحياة العامة.
ومهما تعددت المرجعيات الفكرية التي تؤسس لقيام الدولة سواء كانت أسطورية أو دينية أو وضعية ،بيد أن الدولة
تبقى عامة من صنع اإلنسان في إطار االجتهاد العقلي .إنها معطى إرادي لإلنسان بحكم الحاجة والضرورة مهما
اختلفت وظائفها ،وتعددت أشكال نظمها السياسية.
من الناحية التاريخية ،ظهرت الدولة األقرب إلى المفهوم الحديث نهاية القرون الوسطى ،وذلك
نتيجة تجميع ومركزة السلطة في يد حاكم واحد كرد فعل من جهة ضد النظام اإلقطاعي المتعدد الوالء (فقد كانت
سلطة السيد المالك على رعاياه سببا في نشأة العديد من الدويالت ومنه إلى المركزية السلطة) ،وضد سلطة البابا
واإلمبراطور من جهة أخرى ،أي في وجه ما كان يسمى باإلمبراطورية الجرمانية الرومانية المقدسة.
عموما ،تميزت نهاية العصور الوسطى في أوروبا باحتدام الصراع داخل الكنيسة وصل ذروته مع « االنشقاق
الكبير» ( ) 8381-8731الذي قسم العالم المسيحي بين بابا روما وبابا أفينيون .وقد ساهمت عدة عوامل في تثبيت
السلطة الزمنية وتحررها تدريجيا من قبضة رجال الدين ونشر بذور حركة البعث (النهضة) واإلصالح ،منها على وجه
الخصوص التي كانت توجه من طرف المثقفين والمفكرين االنتقادات ورجال الدين أنفسهم ضد ما أسماه مارسيليو دي
بادو ( )8717-8731بـ « نظام االستعمار البابوي» الذي جعل الكنيسة وحدها صاحبة الفصل في كل أمور الفرد
المسيحي أكانت أخالقية أم سياسية أم اقتصادية والمشرفة على الحكومات المدنية وتوجيهها وفق مشيئتها وتأويالتها
الالهوتية ،فضال عن الدعوات اإلصالحية التي كانت تنادي بإصالح الكنيسة من ذلك حركة مارتن لوتر وجون كالفن.
ظهرت اإلرهاصات األولى للدولة القومية" أو «الدولة الوضعية -األمة » في ظل الحكم الملكي المطلق فملكها ،كما
يقول جون جاك شوفا لي هو الذي يجسدها ويحكمها .".وتنقسم هذه المرحلة من زاوية الفكر السياسي إلى حقيبتين
مختلفتين :
الحقبة األولى التي تمتد إلى حدود بلوغ « الدولة األمة » ذروتها في عهد الملك لويس الرابع عشر ستشهد
ظهور كتاب « األمير » لـ « ماكيافيلي ، » 8187أب السياسة ،سيهيمن على هذه الحقبة بصورة واضحة
مذهب "السيادة للحكم الملكي وستؤثر بشكل كبير على كل العصور الالحقة ،أو ما يسمى أيضا بنظرية «
الحق اإللهي للملوك» الذي سيجسدها كل من جان بودان في فرنسا في كتابه « الجمهورية ( » ) 8131
وتوماس هوبز » في انجلترا في كتابه « اللفيتان ( . » ) 8118
الحقبة الثانية سيطبعها عصر األنوار حيث اهتدى المفكرون بنور العقل وجعلوه سلطة قائمة بذاتها ال تعلوها
أية سلطة أخرى ،وأخضعوا لنقده كل األفكار التي كانت سائدة في زمانهم وقد واكب الفكر السياسي هذه
الحقبة التاريخية من خالل وضعه لتصورات جديدة تعيد لإلنسان اعتباره وحقوقه وللمجتمع فضيلته ،وتجعل
حدا للنزعة االستبدادية التي طبعت « الدولة األمة »،
وقد جسد هذه الحقبة كل من جون لوك ( )71347137ومونتيسكيو ( ) 7111-7161وجون جاك روسو (
. )7171 - 7116
وإذا كان مكيا فيل يعتبر أول من استعمل "الدولة" بالمفهوم األقرب إلى المفهوم السياسي الحديث ،فإنها في تصوره ال
تنفصل بتاتا عن األمير وعن سلطته ،فهو لم يهتم بأصل الدولة وال بتطورها وشرعيتها كما فعل الفالسفة والمفكرون من
قبله ،بل عالجها ككيان موجود يجب العمل على تقويته وتوسيع نفوذه واالحتفاظ به بجميع الوسائل حتى بوسائل النذالة
والضغينة ،أي اللجوء إلى األعمال الوحشية.
وإن مهد مكيافيلي الطريق حين فصل بين السياسي واألخالقي ،وحين ركز على فعل القوة في السيادة كما هي مجسدة
في سلوكها (ميدان عملها ،لكنه في الواقع لم يكتشف جوهر السيادة ،وهي المهمة التي ستكون من نصيب جان بودان
(0351-0351
اهتم مكيا فيل بالشعب في حين اهتم بودان بالدولة ،ولذلك نجح األول في تحليل "القوة التي يجسدها األمير ضد
شعبه وأعدائه للحفاظ على ملكه ،أما بودان فقد "قاده اهتمامه بالدولة وتفسير الدولة ككيان مجرد إلى ا كتشاف جوهر
السيادة".
من جانبه انطلق طوماس هوبس في معالجة مشكلة الموجبات السياسية من زاوية األفراد ومصالحهم الذاتية ،بحيث
كانت الدولة بالنسبة إلية كائنا مصطنعا أوجده اإلنسان ،ال كال عضويا نما نموا طبيعيا
عرف الفكر السياسي ،إذن ،تنظيرا غزيرا حول الدولة القومية في مبرراتها ،وقوامها ،وكيفيات الدفاع عنها من
مكيافللي وصوال إلى هيغل الذي رأى فيها ظاهرة قائمة بذاتها ،ولها خصوصيتها وثقافتها وشخصيتها السياسية
والقانونية.
بيد أن التنظير في هذا المضمار لم يحل دون نشوء تفاوت اجتماعي بين الطبقات االجتماعية األوروبية خالل القرن
التاسع عشر ،مع تطور الثورة الصناعية .وصار الفكر السياسي مطالبا باإلجابة عن سؤال كبير هو :كيف نصون
الحقوق الطبيعية لألفراد في ظل سيادة الدولة القومية ؟ ثم كيف نرتقي بهذه
الحقوق الطبيعية لتصير حقوقا اجتماعية مع االشتراكية ،أو حقوقا طبقية الماركسية ؟
جاءت اإلجابات المتعددة مع االشتراكية الطوباوية أو المثالية التي تحفرت لتحسين الواقع االجتماعي للعاملين في
الحقل أو المصنع .وأعطت أفكارا ،حالمة بعضها رومانسي -شاعري ،وبعضها اجتماعي -تنظيمي وصل مرحلة
المطالبة بإنشاء نقابات العمال ،حتى إذا انطلقت الماركسية من خالل البيان الشيوعي ( ، ) 8111راحت تنتقد هذه
االشتراكية المثالية ،وتتحدث عن اشتراكية علمية تقوم على منهج جدلي -مادي ) ديالكتيك ( وتكشف مكامن االستغالل
الطبقي .االجتماعي في الرأسمالية الصناعية ،أو عند الطبقة البورجوازية الحاكمة والمتحكمة .بتعبير آخر ،عرف
الفكر السياسي ثورة معرفية كبرى من خالل التنظير السياسي لالشتراكية بعد الرأسمالية التي هي المحتوى االقتصادي
للفلسفة الليبرالية .
مع تعاظم الثورة الصناعية ،شهد الفكر السياسي نقالت نوعية جديدة خالل القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
حصلت مع هيغل وماركس وماكس فيبر ...لقد تطرق ذاك الفكر إلى شرعية السلطة ،من حيث مصادرها وطرق
حمايتها .إنها بطبيعة الحال مرتبطة بالمسألة الديمقراطية ،التي ما برحت تالزم الفكر السياسي منذ مدينة أفالطون
المثالية.
بعد الحرب العالمية األولى وما تبعها من نشوء دول جديدة بحيث زاد عدد الوحدات المكونة لألسرة الدولية ،فتح
نقاش واسع حول المسألة الديمقراطية من االتحاد السوفياتي في ظل اللينينية إلى الغرب الليبرالي الذي حاول تجديد
فكره السياسي .بل إن الفكر القومي األوروبي الذي عرفته أوروبا في القرن التاسع عشر ،امتد في االجتماعية
والسياسية إلى آسيا وأفريقيا وأميركا الالتينية تأثيراته وانعكاساته إذا كانت الظاهرة االستعمارية -األوروبية -أوجدت
مقاومات تحررية لها في البالد واألمم المستعمرة فإن عالمات استفهام عدة وضعت حول حقيقة الديمقراطية الليبرالية ؟
وإذا كانت الفاشية والنازية اللتان نشأتا في مهد الليبرالية -بزرتا حكم القائد والزعيم األوحد ،فإن الفكر السياسي راح
ينشغل بمدى عالقة الديمقراطية بالظاهرة القومية ؟ بتعبير ثم تعمق الفكر السياسي في مضامين الديمقراطية والقومية
تحت وطأة الحرب الباردة حيث الصراع اإليديولوجي محتدم بين الليبرالية والماركسية -اللينينية ،أو بين العالم
االشتراكي والعالم الحر .ومن أبرز أسباب هذا المعطى :قيام « دولة الرفاه » االجتماعي في الغرب كردة فعل على ما
أوجدته االشتراكية من تقديمات وضمانات اجتماعية لفئات واسعة من الناس .ونشوء حركات قومية تحررية في العالم
النامي -الذي أسمي العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية -ذات محددات سياسية غير فاشية وغير نازية .إضافة
إلى تضافر الجهود اإلنسان ية -مضمار الكشوفات العلمية والمعرفية الجديدة وما وفرته من معطيات إضافية لمكافحة
المرض والجهل والتخلف االجتماعي والسياسي...
اعتقد بعض المنظرين في الفكر السياسي أن العالم قد التقى حول نقاط مشتركة في احترام حقوق اإلنسان ،وصون
السلم واألمن الدوليين بعد قيام منظمة األمم المتحدة كمنظمة دولية جامعة ،وإعطاء مضامين سياسية واجتماعية مشتركة
للديمقراطية ،وتحقيق تعاون دولي واسع ...بيد أن الحرب الباردة بين القوتين العظمتين ( االتحاد السوفياتي السابق
والواليات المتحدة ومن يدور في فلكهما ) تكفلت بتبديد فكرة استقرار العالم .ثم جاء سقوط جدار برلين في العام
،8111وسقوط اال تحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية ،ليوجه ضربة قوية للفكر الماركسي دون أن يلغي تأثيراته
وإنجازاته ،وليفتح الباب أمام تطوير ) « ليبرالية جديدة » ،اعتقد بعض المنظرين بقدرتها على وضع حد للصراع
الفكري .وتزامن هذا المتغير مع اتساع ظاهرة العولمة بفعل ثورة المعلومات واالتصاالت الحديثة .
ومما ال شك فيه أن هذه الحقبة التاريخية عرفت منعطفا كبيرا حيث شكلت الركيزة األساسية لنشأة "الدولة الحديثة"
التي ستقوم على أسس وقواعد جديدة تحت تأثير الثورات األمريكية سنة 8331والفرنسية سنة 8311من جهة وتحت
وطأة التحوالت االقتصاد ية واالجتماعية والعلمية الهائلة ،من جهة أخرى التي ستمكن العالم األوروبي من السيطرة
تدريجيا على مناطق شاسعة من العالم .وقد هيمنت على الفكر السياسي في ظل الدولة الحديثة والمعاصرة تيارات
إيديولوجية وفكرية متعارضة ،تجسدت بالخصوص في المذهب الليبرالي والمذهب االشتراكي وفي أطروحات «نهاية
التاريخ » وصراع الحضارات» .
احملور الثاني :رحلة الفكر السياسي القديم من الفكر األسطوري إىل التأسيس اإلغريقي للشأن
السياسي
ال بد لتاريخ الفكر السياسي من االستهالل بالمعرفة األسطورية التاريخية ،ذلك أن األفكار السياسية للشعوب القديمة
أمثال السومريين والبابليين واآلشوريين والفينيقيين والفراعنة والصينيين والهنود واإلغريق في بداية عهدهم) تمتزج
بأساطيرها القديمة وتتمثل بها بحيث أن ال يمكن العثور على مفاهيمها في الحكم والسلطة والعدالة والدولة والحرب
والسالم ،إال ضمن األساطير حينا منطوي في سياق بنائها الروائي ،وحينا آخر في مرامي مغازيها .وهذا لم يمنع في أن
يكون للحضارات القديمة في الشرقين األدنى واألقصى بصورة خاصة دور في تكوين معطيات ومقومات التفكير
السياسي واالجتماعي حيث يتجلى ذلك فيما رواه أفالطون في محاورتي طياوس وكريتياس عن نظام الحكم الذي ساد
أطلنتس القارة المفقودة ،قبل أكثر من اثني عشر ألف سنة وما حملته ألواح سومر من محضر جلسة لبرلمان آرك
انعقدت قبل حوالي خمسة آالف سنة قوانين بيال الما أورك عجينا وأورنمو ) ،وما انطوت عليه أوراق البردى من
وصايا وتنبؤات في الحكم والدولة أليبوور وبتاح حوتب ونفر روهو وتشريع نصوص شريعة حمورابي " وعهد لقمان
الملك " وما انطوت عليه مدونات شريعة وما سجلته النفوش من مانو ووثائق دوق تشو ".
ولكن إذا كان اإلغريق قد تلقوا معارف شعوب الشرق القديمة وشابت تفكيرهم السياسي المعرفة األسطورية في وقت
من األوقات ،فهذا لم يكن ليحول دون تأكيد الواقع في انه كان لهم الفصل في االرتفاع بالتفكير السياسي إلى مستوى
التحليل والتأمل العقلي
الفصل األول :األطر العامة للفكر السياسي القديم ما قبل الرحلة إىل املدينة الفاضلة
يمكن التمييز بين ثالثة أطر أساسية عامة شكلت المادة الدسمة للفكر السياسي في هذا العصر :إطار إجتماعي
يتمثل في العبودية إطار سياسي يتعلق بالحاضرة وأخيرا إطار مذهبي يتصل بالتمييز بين
ثالثة أنظمة سياسية.
العبودية
لعبت العبودية دورا مهما في الحياة السياسية للحضارات القديمة ،فقد شكلت القاعدة األساسية التي تأسست عليها
الحياة السياسية .كما أنه من الناحية الكمية ،يشكل العبيد الشريحة االجتماعية العريضة داخل المجتمع حيث تدل بعض
اإلحصائيات أن أثينا في القرن الرابع قبل الميالد كانت تضم 190999مواطنا و 110999أجنبيا و ، 7110999عبدا ،
وهذه األرقام تعكس الدور الكبير الذي كانت تلعبه طبقة العبيد في اقتصاديات المجتمع اليوناني والمجتمع الروماني .
كيف كان المفكرون يقاربون موضوع العبودية في هذا العصر ؟
بالرغم من أن مؤسسة العبودية لم تكن موضوع دراسات وكتابات ولم تكن تشكل مسألة سياسية بذاتها فإن الرأي
العام السائد والمفكرون والفالسفة كانوا يعتبرونها ظاهرة طبيعية بل حاول البعض تبرير وجودها .هكذا اعتبر
أرسطو العبد بأنه آلة حية يجب أن تعامل برفق كي ال تعطب « :وكل الكائنات منذ والدتها مطبوعة بخاتم الطبيعة
البعض خلق ليقود واآلخرون خلقوا ليطيعوا » والعبد هو بمثابة الجسد للروح ،كما أن أفالطون اعتبر أن المجتمع ال
يمكن له أن يستغني عن عمل وخدمات العبيد.
إذا كانت مؤسسة العبيد تعد ظاهرة طبيعية ،فإن األسباب التي أنتجتها كانت موضع جدل وتأويالت مختلفة ،فإلى
جانب الرق ( الطبيعي ( هناك العبودية التي يقرها القانون وخصوصا تلك التي تنتج عن الحروب أو عن عدم الوفاء
بالدين إلخ ...فلقد اعترف الكثير من المفكرين حسب أرسطو بأن العبودية بسبب الحروب غير مقبولة ألن التفوق
العسكري ليس مبررا السترقاق اآلخرين خصوصا إذا علمنا أن الحرب قد تكون بذاتها جائرة.
لم يطرأ تطور مهم حول مسألة العبودية على مستوى الرأي العام والتفكير السياسي في العصر الروماني .فإذا
كانت المدارس الفلسفية المختلفة في هذا العصر كالمدرسة األبيقورية والمدرسة الرواقية وحتى الديانة المسيحية قد
دعت إلى المساواة بين الناس ،فإن هذه المساواة كان لها طابع خلقي وبالتالي فهي شكلية حيث تقتصر فقط على المجال
الروحي والعقائدي وال تشمل المجال السياسي واالقتصادي.
املدينة -الدولة أو احلاضرة
تدور الحياة السياسية عند اإلغريق والقدامى بصفة عامة في إطار الدولة -المدينة التي كانت تلعب نفس الدور الذي
تلعبه الدولة في المجتمعات الحديثة تضم المدينة -الدولة مدينة كبيرة أو عدة مدن واألرياف المحيطة بها ،فهي تشكل
إذن مجاال جغرافيا ووحدة سياسية واجتماعية واقتصادية منظمة ومحددة ومحور الحياة السياسية ،والتفكير السياسي.
يقول أرسطو في هذا الصدد بأن « اإلنسان حيوان سياسي » أي أنه يتعاطى ويهتم بتدبير شؤون المدينة -الدولة
وكل المسائل الداخلية والخارجية المتعلقة بها .لقد نجحت صيغة المدينة -الدولة بفضل عناصر مختلفة منها على وجه
الخصوص ضيق المجال الترابي وقلة عدد السكان واستقاللها االقتصادي ،وقدم المفكرون تعريفات متعددة لها :فإزو
قراط Isocrateيعرف المدينة -الدولة بالنسبة لدستورها الذي يحمي استقاللها بينما أفالطون يركز في تعريفه على
عدد السكان أما أرسطو فيرى في عدد السكان واتساع المجال الترابي العنصران األساسيان لقيام الدولة -المدينة
الناجحة.
وقد أدى نشوء المدينة -الدولة إلى بروز مفهوم المواطن والمواطنة ،
فالمواطن يعبر عن الشخصية القانونية التي يتمتع بها فهو يشارك في الحياة السياسية أي أنه يساهم في المناقشات
العمومية وفي التصويت على القوانين والقرارات المختلفة وكذلك في تقلد المناصب العمومية .
األنظمة الثالثة
يعود الفضل في إبراز األنظمة الثالثة للمؤرخ اليوناني هيرودوت Herodoteالذي حاول انطالقا من األحداث
والوقائع السياسية التي عاشها اإلغريق أن يقدم ثالثة نماذج سياسية تكون أنسب وأكثر مالئمة مع واقعهم ،وتتمثل هذه
النماذج في النظام الديمقراطي والنظام األرستقراطي وأخيرا النظام الملكي ،فقد أورد هيرودوت في إحدى مقاالته
مناظرة وهمية جرت سنة 111بين المتآمرين الفرس المنتصرين على المجوسي المغتصب حول أفضل نظام يالئم
بالدهم.
وقد دافع Oranesأوتانس في هذه المناظرة على النظام الديمقراطي حيث يرى أن الحكم يجب أن يكون تحت
تصرف ومراقبة الشعب ،وانتقد النظام الملكي ألنه يعطي سلطة مطلقة للحاكم الذي ال يخضع ألي مراقبة .أما حكم
الشعب فهو حكم اإليزونوميا Sonomieأي حكم المساواة بين أفراد الشعب .فانتخاب األجهزة الحاكمة عن طريق
القرعة أو عن طريق رفع األيادي أو عن طريق االقتراع السري يشكل ضانة أساسية الستقرار النظام الديمقراطي
وأساسا للثقة بين الحكام والشعب الذي يفرض مراقبة مستمرة من داخل المؤسسات التي اختارها ،ويلخص أوتانس
مضمون الديمقراطية في الصيغة التالية « :في العدد يكمن كل شيء.
أما النظام األوليغارشي فيدافع عليه في المناظرة ميغابيس Megabesالذي يتفق مع أوتانس في مجموع االنتقادات
التي يوجهها للنظام الملكي ولكن على عكس أوتانس ينتقد حكم الشعب بنفسه ولنفسه .فالشعب حسب ميغابيس ال يعرف
دائما ماذا يفعل ،فهو يتخذ القرارات في أجواء من الحماس واالنفعال ويمكن له أن يغير اختياراته في كل لحظة ،
وبالتا لي قد تؤدي سيادته المطلقة إلى الفوضى وإلى نوع آخر من االستبداد ويقترح ميغابيس في األخير نظام
األوليغارشية كأفضل نظام يناسب اإلغريق ،فاألقوياء واألكفاء بالحكم وهذا من طبيعة األشياء .
أما المناظر الثالث دارويس Daruisفدعا إلى امتياز النظام الملكي ألن سلطة الفرد تمارس بشكل صحيح وتفهم
بشكل سليم .أما النظام األوليغارشي فعادة ما تتخلل االنقسامات نخبته الحاكمة فينحو إلى النظام الملكي .وكذلك الشأن
بالنسبة للنظام الديمقراطي الذي تعصف به الفوضى ويتجه حتها نحو ظهور شخصية ذات أوصاف كاريزمية يستولي
على السلطة ويؤسس للنظام الملكي.
الفصل الثاني :املقومات األساسية للنظرية السياسية عند أفالطون حول "الدولة" املدينة
الفاضلة من التأسيس إىل النقد واملراجعة
ولد أفالطون ونشأ في محيط أرستقراطي ،وترعرع على مطمح الزعامة السياسية ،إال أن أحداث الثورة والثورة المضادة
التي شهدتها أثينا في ذلك الزمن ،وما تخللها من عنف ومظالم ،دفعته بعيدا عن حلبة الممارسة السياسية ،فكان أن
انصرف قبل أ كثر من ثالثة وعشرين قرنا ،إلى استشراف أول رؤيا للمدينة الفاضلة التي غدت بصورة او بأخرى ،ملهمة
الكتاب الذين توالوا بعده .وقد وضعها في حوار على لسان معلمه سقراط ،وأسماها الجمهورية » ،وفيها يصف المدينة
الفاضلة /كاليبولس« واستمر ذلك مثاله المطلق في مؤلفاته الالحقة حتى آخر كتبه « القوانين » الذي لم يستطع إنجازه .
وقد ضمن هذا الكتاب طائفة من القوانين التي استنها لدولة نسجها على المنوال االسبارطي.
فماذا قصد أفالطون بالجمهورية ؟
قصد أفالطون من « الجمهورية » أن تكون بحثا في طبيعة العدالة ،ومحاولة في تبيان مصلحة اإلنسان العادل في العدل.
كما اعتبر الدولة المدينة هي التجسيد الموسع األشمل للمواطن .وعلى هذا األساس وجد أنه من األسهل تقصي العدالة
في هذا اإلطار الموسع .نتحدث في هذا المقام عن أهم مقومات النظرية السياسية عند أفالطون والقصد هنا :التأسيس
والنقد والمراجعة لفكرة الدولة الفاضلة .وذلك وفق ما يلي:
فلسفة الحاجة كضرورة لنشأة -الدولة الحاضرة وتطورها
البحث في العدالة كركيزة أساسية لقيام الجمهورية
التربية الصحيحة أساس لتحقيق الدولة الفاضلة /الجمهورية
سؤال الشيوعية األفالطونية
تطور أنظمة الحكم عند أفالطون
فكرة أفالطون عن العدالة فكرة غريبة في الواقع ألنها ال تتضمن على أية فكرة حقوقية أي أنها ال تدل على القدرة على
مباشرة تصرفات إرادية في ظل حماية القانون .فالعدالة عنده تعني اتحادا يؤلف بين األفراد ،يجد فيه كل واحد منهم الدور
الذي يقوم به في الحياة وفقا الستعداده الفطري ومواهبه وخبرته.
ويتساءل أفالطون في بداية كتاب «الجمهورية» عن العدالة هل هي نسبية أم مطلقة هل هي موجودة في الدولة أم في
الفرد ؟ هل العدالة نسبية أم مطلقة؟
وما بين فضيلة العدالة عند أفالطون ،وتطور مفاهيم العدالة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا في العصر الحديث مسار
طويل منذ ارتباط الفكر السياسي بفكرة المساواة .مسار طويل جدا ابتدأ من فضيلة العدالة (أفالطون) ،عدالة التوزيع
(أرسطو) ،العدالة والصراع االجتماعي (القديس أوغسطين العدالة وفكرة المساواة ( من هوبس وصوال إلى روسو:
المساواة هي حارية الحرية والعدالة العدالة والعامل االقتصادي (ديفيد هيوم الفلسفة النفعية) ،العدالة االجتماعية (القرن
التاسع عشر) ،العدالة الدولية.....
لم يجد أفالطون بدا من تصوير العدالة بأنها معطى طبيعي أو هي طبيعية في مواجهته للسفسطائيين في العصر
اإلغريقي والسفسطائيون لم يتبعوا فلسفة معينة ،وإن كان بعضهم قد دعا إلى توجيه المعرفة نحو اإلنسان ،وأن
اإلنسان هو مرتكزها األول .أما النظرة إلى اإلنسان فكانت من خالل الطبيعة ،ووجود شيء طبيعي.
في معرض تصوره لمدينته المثالية أضاف أفالطون فضيلة العدالة كما يسميها -إلى الفضائل الثالث التي طالما
تحدث عليها ،وهي :االعتدال والشجاعة والحكمة .قال في هذا الصدد( :أعتقد أن الصفة التي تتيح لهذه الفضائل الثالث
التي عرضنا لها أي االعتدال والشجاعة والحكمة ،أن تحتل مكانها في الدولة وتضمن استمرارها ما دامت قائمة ال بد
أن تكون هي الصفة الباقية ونحن قد ذكرنا أن الفضيلة المتبقية بعد اهتدائنا إلى الثالث األخريات هي العدالة".
وعليه فإن هذه الفضائل األربع هي التي تضمن استمرار الدولة ،كما يحدد أفالطون إلى ذلك ،ثمة
إشارة غير مباشرة إلى عالقة المساواة بهذه الفضائل ،عندما يدعو أفالطون كل فرد في مدينته إلى المساهمة مع
غيره على قدم المساواة بين المواطنين كفئة اجتماعية خاصة لتثبيت الفضائل األربع بها يخدم المجتمع والمدينة.
ويالحظ أن العدالة شأن سياسي مرتبط بنظريات المعرفة واألخالق والفن والتربية.....
الدولة ،إذن ،تقوم بوظيفتها على أساس تحقيق العدالة وتتحقق العدالة من جهة بوضع المواطنين في مراكزهم
اال جتماعية وحتى يتوفر ذلك ال بد من إزالة العوائق التي تعترض الطريق إلى بلوغ مرتبة المواطن الصالح ،وذلك
بتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين ،وتأمين هذه النتيجة يكون بفرض قيود على الطبقة الحاكمة لحرمانها من الملكية
الخاصة ،ومن الزواج ،وتحديد دخلها بمرتب ثابت .
وإذا كان ال بد للدولة من أساس -العدالة -فال بد لها أيضا من معيار .وجاء أفالطون في كتاب «القوانين» يعتبر
القانون هو المعيار ،ذلك أنه يشتمل على قوة تقدمية دافعة ،وبدونه ينحط اإلنسان إلى مرتبة الحيوان وبالتالي فإنه
يقتضي أن يعمل ويتقيد به الحاكم والمواطن على السواء .وحدد أفالطون أنظمة الحكم فتباينت بين « الجمهورية » و «
السياسة » و « القوانين .
إن مفهوم العدالة عند أفالطون ينطبق على الدولة والفرد معا .ويتجلى ذلك من خالل عبارته المعروفة «إن الدولة
ماهي إال الفرد مكتوب بأحرف مكبرة » ،فما هي إذن العدالة في الدولة والفرد ؟
أوال :العدالة في الدولة
العدالة في الدولة عند أفالطون تكمن في قيام كل فرد بالعمل الذي يناسبه ،فاإلنسان قد يكون ذا استعداد خاص ألن
يكون فيلسوفا أو نجارا أو جنديا فاالتجاه للحرفة التي يجيدها يعد عدال .فالعدل هو اإللزام الذي يجعل كل شخص يتجه
إلى فعل األشياء التي يتوفق ويتألق فيها والتي تؤدي إلى الخير العام .وهكذا عندما يقوم كل فرد بالعمل المؤهل له يبلغ
المجتمع العدالة والهناء ويتم االنسجام بين الطبقات المتعايشة داخله.
وا لمجتمع بحكم الطبيعة ينقسم إلى ثالث طبقات متمايزة ،فعلى كل طبقة أن تقوم بعملها خير له وفقا الستعداداتها
الفطرية ومواهبها الطبيعية وهذا اإلفراز الطبقي على أساس مبدأ توزيع العمل والتخصص الطبيعي يقوم على الشكل
التالي:
- 8طبقة الحكام التي تتشكل من الملوك الفالسفة وتختص بإدارة الدولة أداء وتتكرس وقيادتها.
- 7طبقة الجنود وتتولى حماية الدولة والدفاع عنها.
- 7طبقة المنتجين وتقوم بسد الحاجيات الضرورية للمجتمع وتلبيتها.
ثانيا :العدالة في الفرد
أما العدالة في الفرد فهي انسجام وتعاون بين أجزاء النفس البشرية الثالث وأعضاء الجسد :
العقل ومركزه الرأس
العاطفة ومركزها القلب
الشهوة ومركزها أسفل البطن.
هذه العناصر الثالث مالزمة لكل إنسان ولكن بدرجات متفاوتة ،ولقد شبه أفالطون النفس اإلنسان ية بعربة يجرها
حصانان أحدهما أبيض واآلخر أسود ،األول يرمز للعاطفة والثاني يرمز للشهوة ويقودها سائق هو العقل .كما يسير
الحاكم الفيلسوف الدولة كذلك العقل يضبط الشهوات ويتحكم في رغبات الفرد ،وكما يدافع الجنود عن الدولة فالعواطف
الشريفة تساعد العقل في عمله وتزود اإلنسان بالقوة واإلقدام كالغضب من اإلهانة والذل والجرأة والبطولة والخجل من
الكذب والرياء ،وكما يقوم العمال بأعمالهم في الميدان االقتصادي فإن الشهوة تقوم بالبحث عن الملذات لدى اإلنسان .
لذا فسلوك اإلنسان يختلف وفقا لسيطرة أحد األجزاء الثالثة على الجزئيين الباقيين .ويعتبر الفرد عادال إذا كانت
عناصره الروحية مرتبة ومتوازنة بعضها البعض وعندئذ يتصرف تصرفا سليما وصحيحا في عالقاته مع ويعيش
العيشة الجديرة به ومن هنا تبدو مهمة الدولة كعامل أساسي لتوجيه الفرد نحو تحقيق الخير والفضيلة ،ولهذا الغرض
وضع أفالطون نظاما تربويا موجها يهدف إلى تحقيق أغراض العدالة.
املبحث الثالث :الرتبية الصحيحة أساس لتحقيق الدولة الفاضلة /اجلمهورية
إن أمور الدولة ال تقوم فقط على أساس القوانين والتشريعات وإنما على التربية
الصحيحة التي تحقق الدولة الفاضلة.
اعتمد أفالطون على التربية والتعليم لكشف عباقرة الحكام حتى أن جون جاك روسو قد أشار إلى أن كتاب
«الجمهورية» لم يكن كتابا سياسيا بل من أعظم ما كتب في مجال التعليم والتربية.
قسم أفالطون نظامه التربوي إلى مراحل متعددة كما أنه ربط الدراسات النظرية باألعمال التوجيهية والتطبيقية مما
جعل نظامه يشكل أول نموذج تربوي متكامل في التاريخ.
-المرحلة األولى
تبدأ التربية عند أفالطون منذ الطفولة ،ففي السنوات العشر األولى ،يشمل البرنامج األلعاب الرياضية والموسيقى.
فالرياضة البدنية تعمل على إعداد الجسم إعدادا صحيحا وقويا ،كما أنها تعمل بكيفية غير مباشرة على ضبط النفس
والسيطرة على الشهوات والغرائز وتعلمها محاسن الشجاعة واإلقدام .أما الموسيقى فتهدف إلى صفاء النفس وانسجامها
وصقلها باآلداب الجميلة ،فهي تهذب الخلق وتعلم تذوق الجمال .ولكن أفالطون يحذر من اإلسراف في الرياضة
والموسيقى .فاإلسراف في الرياضة يعطي أجساما قوية ال غير أما اإلسراف في الموسيقى فإنه يذيب النفس ويضعف
شجاعتها.
-المرحلة الثانية
تبدأ في سن العشرين حيث يجرى لهم اختبارا أساسيا يتحول على إثره الراسبون إلى طبقة المنتجين أما الفائزون
فيشرعون في مرحلة جديدة يدرسون خاللها الرياضيات والهندسة وعلم الفلك وغيرها من العلوم األخرى.
المرحلة الثالثة
تبدأ في سن الثالثين حيث تجرى عملية فرز جديدة يتعرضون من خاللها إلى امتحانات أصعب من األولى.
فالراسبون يتم توجيههم إلى طبقة الجنود وأما الفائزون وهم قلة في العدد فيباشرون دراسة الفسلفة والجدل والبحث في
ماهية الكون والحقائق الخالدة وعالم المثل.
-المرحلة الرابعة
بعد انتهاء المرحلة الثالثة يخضع الطلبة إلى التطبيق العملي حيث توجهم الدولة إلى الحياة العملية للخدمة في مرافق
الدولة المختلفة .فباختالطهم بالناس وباحتكاكهم بأمور الحياة االجتماعية حتى بلوغ الخمسين من العمر تتكون لديهم
تصورات قريبة من الواقع .ومن ثم ينضم الفاشلون لطبقة الجنود ،أما الفائزون فيصبحون حكام الدولة الفاضلة حيث
يشكلون األساس العقالني المتحلين بالحكمة والمعرفة والعدل والخبرة والحنكة فيحققون االنسجام والهناء
املبحث الرابع :سؤال الشيوعية األفالطونية
ما أطلق عليه أفالطون بتسمية « الشيوعية » ال يرمي في الواقع إلى تحقيق تكافؤ الفرص أو تساوي المدخول بالمعنى
الشيوعي العلمي الحديث وكان األحرى أن يطلق عليها تمييزا « الشيوعية األفالطونية ".
ينادي أفالطون في جمهوريته بشيوعية النساء واألوالد بالنسبة للطبقة الحاكمة والجنود إذ ينبغي عليهم أن يتنكروا
لمصالحهم الشخصية وأن يتفرغوا لشؤون الدولة .فحياة هذه الطبقات ملك للجميع وبالتالي عليهم أن يوجهوا جهودهم
وطاقاتهم إلى الدولة ال إلى األسرة ألن األسرة تشكل عبئا ثقيال عليهم.
وتنشئ العاطفة العائلية فبسبب حب العائلة يهملون واجباتهم ويفسدون الدولة؛ وبالتالي ال يجوز لهؤالء تكوين أسرة
معينة واالنصراف إلى رعايتها واالنشغال بأمورها .لذا تخصص لهم الدولة عددا من النساء يحق للحكام والحراس
االتصال بأي امرأة منهن ولكن عند الوالدة ال تتعرف األمهات على أبنائهن بل تتولى النساء رعاية أوالد جميع الحكام
فيكونون إخوة لبعضهم البعض.
من هذا يظهر أن شيوعية أفالطون مقصورة على طبقة األوصياء فهو يحتم عليهم أن يعيشوا معيشة شبه عسكرية،
أي أن شيوعيته تشبه شيوعية المعسكر .وهكذا ال تشكل الطبقة الحاكمة إال عائلة واحدة .كما يقول أفالطون بإشراف
الدولة على الزواج ومراقبة عدد السكان ،وعلى الدولة أن تمنع الزيادة المضطردة في عدد السكان حتى ال يؤثر ذلك
على توازن المجتمع وسعادة أفراده.
كما عالج أفالطون مسألة تحسين النسل وشروطها.
ال يفرق مؤلف «الجمهورية» بين الرجل والمرأة فيما يخص الحياة السياسية إذا توفرت فيهن الصفات والشروط
المطلوبة .فاستالم الوظائف والقيام باألعمال يجب أن يقوم على أساس الميل الطبيعي والمقدرة الخاصة ال على أساس
الجنس .وإذا حرمت النساء من تولي المناصب العمومية والمشاركة في الحياة السياسية فإن المدينة تتحول إلى نصف
مدينة ال إلى مدينة كاملة.
املبحث اخلامس :تطور أنظمة احلكم عند أفالطون
ففي كتاب «الجمهورية» يأتي نظام كاليبوس (مدينة) أفالطون (الفاضلة) في الدرجة األولى في الكمال ،ثم يليه
النظام التيمقراطي وهو صورة عن نظامه المثالي حين انحالله .ثم يتلو ذلك النظام األوليجاركي أو نظام حكم األغنياء
وهو يتمثل في النظام التيمقراطي حين فساده ،ثم يتطور النظام األوليجاركي إلى النظام الديمقراطي فإذا انحط هذا
النظام األخير كان نظام الطغيان وهو أسوأ األنظمة.
وفي كتاب «السياسة» نجد تقسيا آخر هناك الدولة ذات النظام المثالي يرأسها الحاكم الفيلسوف وتتمتع بالمعرفة
الكاملة ،فال تحتاج إلى القوانين ،ولكن هذه الدولة ال يتيسر وجودها في الدنيا،
ثم تأتي طائفة الدول الزمنية وهي ستة ثالث منها تتقيد بالقوانين :حكم الفرد المستنير ،حكم األقلية األرستقراطية،
حكم الديمقراطية المعتدلة.
أما التي ال تتقيد بالقوانين فهي حكم الفرد االستبدادي ،حكم األقلية األوليجاركية حكم الديمقراطية المتطرفة .
وحبذ أفالطون الدول التي تتقيد بالقوانين .
ويقترح أفالطون في كتاب « القوانين » الدولة المختلفة ،وهي تجمع بين حكمة النظام الملكي وحرية النظام
الديمقراطي.
عامة نستطيع أن نعالج فلسفته السياسية من خالل أطوار الحياة التي عاشها
الطور األول :يمثل مرحلة الشباب حيث وقع تحت تأثير سقراط ،ألف خاللها كتاب (الجمهورية)
في هذا الكتاب المشروع األول ألفالطون جاء محاولة لطرح أفكار سقراط الذي تأثر به كثيرا وخصوا بعد
"استشهاده" بسم الشكران فكرة الجمهورية" انطلقت من فكرة "عدم المساواة" ،الناس كالمعادن ،وبالتالي فمسؤولياتهم
يجب أن تكون مختلفة في المجتمع ،وهنا ينتقل إلى فكرة "العدالة ،فالعدالة بالمفهوم اليوناني ،عند سقراط وأفالطون ال
تتضمن أية فكرة حقوقية ،بمعنى أنها ال تدل على القدرة على مباشرة تصرفات إرادية في ظل حماية القانون.
العدالة؛ تعني عنده "اتحاد يؤلف بين األفراد" يجد كل واحد منهم الدور الذي يقوم به في الحياة وفقا الستعداده
الفطري ومواهبه وخبراته .وبالتالي فالعدالة تقوم أيضا على التقسيم هناك الجماعة التي أهلتها الطبيعة على الحكم ،وهم
الفالسفة هي من يجب أن تحكم والجماعة التي أهلتها الطبيعة على الحراسة والحرب يجب أن تمثل جماعة الجند..... ،
،وطالما تم تقسيم العمل وتخصيصه ستنشأ لدي "سلطة سياسية" ،وبالتالي فالسلطة السياسية عند أفالطون نشأت عند
الحاجة حاجة هذه الجماعات للسلطة.
الطور الثاني :يتعلق بمرحلة النضج حيث وضع كتاب (السياسي).
إخفاق أفالطون في تمثل وتنزيل أفكار الجمهورية أو المدينة الفاضلة جعلته يعيد النظر في هذه األفكار ،من جديد
وهو ما عكسه كتابه ومشروعه الجديد كتاب السياسي في هذا المشروع اعتبر أفالطون أن ما طرحه في مشروع
الجمهورية ينسب إلى مجتمع من اآللهة وبالتالي طرح منطق آخر للتقسيم السياسي .وبدأ يتكلم عن مفهوم الدولة
الزمنية ،النظام الملكي واالرستقراطي ،بل وحتى النظام الديمقراطي الذي رفضه رفضا تاما من قبل ،بدأ يتحدث عن
الديمقراطية الدستورية لألنظمة الجيدة والديمقراطية غير الدستورية لألنظمة غير الجيدة.
-الطور الثالث يتناسب مع مرحلة الكهولة حيث كتب فها كتاب (الشرائع).
ويظهر أفالطون في المرحلتين األخيرتين استقالال تاما عن أستاذه سقراط ،في مشروعه الجديد سينزل اكثر إلى
الواقعية والعقالنية إذا أردنا القول وسيطرح فكرة النظام المختلط .فبعد رفضه للديموقراطية يطرح الجمع بين
المفهومين.
الفصل الثالث :أرسطو معلم اإلسكندر الكبري :األسرة ال احلاجة التي أدت إىل نشأة السلطة
السياسية والدولة الدستورية املعتدلة هي املثل األعلى
حصر أرسطو تفكيره في استلهام الماضي ،عكس أفالطون ،ولم يقم رغم أنه فيلسوف بأية محاولة الستشراف
المستقبل الفكرة األساسية في فلسفة أرسطو تكمن في عملية الصيرورة التي ينتقل فيها اإلمكان إلى التحقيق في كل
شيء؛ وكان لمفهوم الصيرورة في األشياء والمخلوقات واألفكار أهمية بالغة في تحليل أرسطو السياسي ،فهو خلفيته التي
أنشأ عليها البنية األساسية لفلسفاته السياسية.
الدولة تنشأ نتيجة نمو تدريجي طبيعي عبر مراحل تاريخية مختلفة إلى أن تصل إلى مرحلة دولة ـ (المدينة العائلة
القرية -المدينة الدولة) .فالدولة المثلى عند أرسطو هي جمهورية أرستقراطية يكون فيها المواطنون وحدهم أصحاب
الحق في المشاركة السياسية؛ وهي باإلضافة إلى ذلك وسيلة لنشر الفضيلة وتحقيق الخير العام ،وليس غاية بحد ذاتها
وبالتالي فالدولة تقوم على الدستور الذي يحضا برضا الجمهور.
ولكن ما يثير العجب واالستغراب هو كيف أن أرسطو مؤسس علم المنطق والقياس ومنظر دولة االعتدال والوسط
الحكيم بين اإلفراط والنقصان واحترام القانون بقي حبيس نظام المدينة – الدولة حيث اعتبرها بمثابة الوحدة السياسية
والنموذج الخالد في نفس الفترة التاريخية التي كان فيها أحد تالميذ أرسطو اإلسكندر األكبر يؤسس إلمبراطورية ضخمة
واسعة األطراف ستصبح إطارا لتقدم الحضارة
انطلق أرسطو من فكرة بسيطة ،أن اإلنسان مدني بطبيعته واإلنسان ال يمكن أن يعيش لوحده ،ولكي يفعل ذلك
يجب أن يكون إما إالها أو وحشا ،فاإلنسان حيوان سياسي .أرسطو بهذا كان يميل إلى الواقعية ،وكان يعطي لسيادة
القانون أهمية كبيرة ،وأعطى تقسيمه السداسي لألنظمة السياسية.
وجاء أرسطو ( 777-713ق.م) ،ليتجه بالفكر السياسي نحو آفاق جديدة ليست مدنا فاضلة؛ فهو لم يكن يستشرف
المستقبل ،بل استلهم الماضي ،ومن هنا كان التحول في منهج التفكير.
فبعد أن كان قياسيا عند أفالطون أصبح استقرائيا لدى أرسطو.
أما مرد ذلك فهو أن أفالطون كان يعتمد الرياضيات كمقياس للمعرفة ،فجاءت تصوراته الرياضيات تجريدات كلية.
أما أرسطو فقد كان علم الحياة والفيزياء سبيله ،فبلغ تجريدات أفالطون عبر الجزئيات الحسية المحسوسة ولكن الذي
يعينا لدى أرسطو ،فضال عن المنهج ،هو مفهومه للدولة المثالية.
إن الدولة الدستورية هي المثل األعلى عنده ،فهو ال يؤمن وال يثق بالحكم المطلق مها كانت صفات الحاكم حتى ولو
كان ذلك الحاكم الفيلسوف .ولكن أرسطو يعود ليتفق مع أستاذه أفالطون في أن الدولة المثالية سواء كانت دولته أم
دولة أفالطون مستحيلة التحقيق والتنفيذ .
لقد كانت الدولة عند أرسطو نتاج تطور تاريخي مرت بعدة مراحل اجتماعية قبل أن تصل إلى مرحلة الدولة
وتصبح عبارة عن اتحاد أفراد مختلفين يستطيعون بحكم ما بينهم فوارق ،سد حاجاتهم عن طريق تبادل السلع والخدمات
والضمان الوحيد للحكم الصالح هو القانون ،وهو البديل الثابت الموثوق به للحاكم الفيلسوف .ومن هنا اعتمد الحكم
الدستوري على القانون وتميز باستهدافه الصالح العام وبارتكاز إدارته على قواعد عامة ال على أوامر وتأدية حكومته
معنى المواطنين الراضين عن الحكم ال المرغمين عليه.
ويعود أرسطو ليتفق مع أفالطون في تبني الهدف األخالقي للدولة .وببحث أرسطو عن أفضل شكل عملي للحكومة
يجد أنه الشكل الذي يجمع بين العناصر الصالحة في كل من الديمقراطية واألوليجاركية دون تطرف في أي منها،
وأطلق عليه اسم «الحكومة الدستورية» ،ويتوفر هذا الشكل بوجود طبقة متوسطة قوية تتألف من متوسطي الحال
المالي ،وهي الطبقة التي يمكن أن تتسع لتجعل للدولة قاعدة شعبية ومن هنا نخرج إلى أن ما يرمي إليه أرسطو هو
التوازن واالعتدال.
وألرسطو فضل آخر على التفكير السياسي ،فهو الذي صنف السياسة ضمن العلوم ،ولكن يقتضي التنبيه إلى أن
أرسطو لم يتردد أحيانا في دمج علم االقتصاد بعلم السياسة .وهنا يالحظ أيضا ربط أرسطو للسياسة باألخالق ربطا
محكما ،يؤكده لنا ذلك الترابط بين كتابيه « األخالق » و « السياسات».
ولكن ما يثير العجب واالستغراب هو كيف أن أرسطو مؤسس علم المنطق والقياس ومنظر دولة االعتدال والوسط
الحكيم بين اإلفراط والنقصان واحترام القانون بقي حبيس نظام المدينة -الدولة حيث اعتبرها بمثابة الوحدة السياسية
والنموذج الخالد في نفس الفترة التاريخية التي كان فيها أحد تالميذ أرسطو اإلسكندر األكبر يؤسس إلمبراطورية
ضخمة ،واسعة األطراف ستصبح إطارا لتقدم الحضارة.
نناقش في هذا المحاضرة (الحصة الخامسة /السادسة) ،أهم المقومات والركائز األساسية للنظرية السياسية المؤطرة
ل"فكرة الدولة" كما يلي:
اوال المنهج االستقرائي كمنطلق أساسي للدراسة والتحليل
ثانيا :أصل نشأة الدولة األسرة ال الحاجة التي أدت إلى نشأة السلطة السياسية الدولة
ثالثا؛ خصائص الدولة عند أرسطو " /الدولة الدستورية"؛
رابعا أشكال الدساتير أنواعها وعالجها ؛
خامسا :الجمهورية المعتدلة؛
سادسا ؛ تفاعل أرسطو مع فكرة المدينة الفاضلة
ومن أهم السياسات الشرعية حول فكرة الدولة وتطورها المختلفة نجد :الفرابي الفيلسوف ،الماوردي الفقيه وابن
خلدون المنظر السياسي.
ابن خلدون املنظر السياسي (377م191-م)
ما بني نظريتي العصبية ونشأة الدولة وتطورها
" إن الدولة مثل الشخص تنتقل:
من الطفولة ( طور التأسيس) إلى الشباب ( طور العظمة ) إلى الشيخوخة ( طور الهرم )
تفاعلت الفلسفة اإلسالمية ،وفي رحمها الفلسفة السياسية ،مع واقع الخالفة ،والمعتقدات الدينية بما فيها من عبادات
وقواعد معامالت بين البشر ،وبما أوجدته من متغيرات في عالقات األفراد والجماعات .لم تنقطع عن الفكر السياسي
اليوناني ،وبخاصة في المنهج ،ولكنها وصلت مع عدد من األعالم .وفي طليعتهم عبد الرحمن بن خلدون إلى مفاهيم جديدة
حول فلسفة التاريخ والعمران البشري كأساس محوري لالجتماع اإلنساني.
في دراسته لفكرة الدولة يرى المؤرخ والمنظر السياسي ابن خلدون أن االجتماع البشري ضروري لحياة اإلنسان ،
ونظرا ألن به نزعة طبيعية إلى العدوان فقد احتاج إلى حاكم يقوم بتنظيم المجتمع الذي يطلق عليه اسم الدولة.
ويرتبط مفهوم الدولة عند ابن خلدون بنظريته في العصبية ارتباطا عضويا .فالعصبية باعتبارها رابطة سيكولوجية
-اجتماعية ال تعدو أن تكون في الحقيقة مجرد إطار تنظيمي تتأطر فيه فاعليات البدو تحت تأثير عوامل موضوعية
متداخلة ومتشابكة هي المسؤولة عن هرم الدولة القائمة وقيام الدولة الجديدة .كما يربط تطور الدولة بعوامل موضوعية
وذاتية.
حول فكرة العصبية
إن البناء النظري للدولة الخلدونية يرتكز أساسا على مفهوم العصبية ويميز ابن خلدون في
تحليله بين مفهو م العصبية ما قبل اإلسالم وبعد اإلسالم .فالعصبية التي كانت شائعة في الجاهلية كانت تعني التنازع
واالعتداد باألنساب والجهالة فالعصبية كانت تقوم على تناصر فريق ضد آخر في حالة النزاع ،مما يذكي نار الفتنة
ويشعل فتيل الحروب بين القبائل ولم يكن هذا التناصر العصبي أو النصرة القبلية يستهدف دائما إقرار الحق أو إنصاف
المظلوم بل كان يستهدف مؤازرة المتعصب له سواء كان ظالما أو مظلوما ،وفي هذا المعنى ورد في لسان العرب أن
العصبية هي :أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناونهم ،ظالمين كانوا أو مظلومين ،ولما جاء
اإلسالم وظف العصبية من أجل الوحدة والتآخي وتألف القلوب
يرجع الفضل إلى ابن خلدون في إعادة االعتبار لهذا المصطلح الذي كان شائعا عند العرب وفي إعطاءه مدلوال
علميا مكنه من تحليل تطور الدولة في المغرب األقصى منذ نشأتها إلى انقراضها .وحسب ابن خلدون « :فالعصبية هي
رابطة اجتماعية -سيكولوجية شعورية وال شعورية معا ،تربط أفراد جماعة ما قائمة على القرابة ربطا مستمرا تبرز
وتشتد عندما يكون هناك خطر يهدد القبيلة أو فخذا منها».
إن مفهوم العصبية عند ابن خلدون معقد جدا إلى درجة أنه أثار تفسيرات متعددة ومختلفة :فهو يعني المركزية
القبلية ،ويعني اإلحساس الوطني والتعاون القبلي» و «تعاون المحارب ويقصد به أيضا «القوة المحركة لتحول الدولة
وكذلك مرور المجتمع الغير طبقي إلى المجتمع الطبقي ) .إيف) الكوست ...إلخ .وتتميز العصبية بالصفات اآلتية:
أوال -إن العصبية تميز العمران البدوي فهي ظاهرة خاصة بالبدو وبالمجتمعات البدوية وهي ظاهرة
تستلزمها المعطيات والظروف الطبيعية واالجتماعية واالقتصادية السائدة في هذا النوع من العمران.
ثانيا -إن العدوان الذي يتحدث عنه ابن خلدون والذي يجعل منه الحافز الموقظ للعصبية يستهدف بالدرجة
األولى شؤون المعاش ،وذلك بشهادة ابن خلدون نفسه فسكان البادية ،يعيشون في ظروف طبيعية جد صعبة
فهم منهمكون في تحصيل الضروري من العيش ولذلك نجدهم يختصمون باستمرار على مواطن الرزق ،بل
وال يجدون حرجا في االعتداء على األموال والممتلكات .وهكذا فالصراع العصبي ،ليس في البداية صراعا
بين الدماء ،وال راجعا إلى مجرد االعتداد باألنساب بل هو صراع من أجل البقاء ،صراع من أجل لقمة
عيش.
ثالثا -إن أهل البادية يعيشون أسرا وجماعات منغلقة ومتباعدة يقل االحتكاك بينها ،فالصراع مع الطبيعة
من أجل تحصيل المعاش يستغرق جل النشاط البدوي ،والعالقات التي قد تنشأ بينهم في
صراعهم مع الطبيعة عالقات محدودة .
رابعا -إن البدوي المشغول بتحصيل عيشه طول وقته ،خاضع للطبيعة وتحت رحمتها ،فهو غني إذا جادت
الطبيعة بالمياه والعشب وفقير ومهدد بالموت إذا ضنت بذلك .عندما تجد الجماعة البدوية نفسها مهددة بالفناء
تحت وطأة الجدب أو غيره من الظروف الطبيعية القاسية جراد ،أمراض ،قحط )....فإنها ال تتردد في
الهجوم على مواطن الجماعات األخرى التي تعيش في ظروف أحسن.
خامسا -إن الجماعات البدوية جماعات مسلحة باستمرار «أرزاقها في رماحها ال تفرق بين ما يمكن أن
تجود به األرض بسخاء وبين ما يمكن أن تسلمه األيدي المغلوبة على أمرها ،ومن هنا كانت ظاهرة الغزو،
وهكذا نجد أن الظروف المعيشية ألهل البدو تفرض عليهم نوعا من العالقات الخاصة ،هي عالقات الحذر
وعدم الثقة بين المجموعات من هذه المعطيات ننتهي إلى نتيجة هامة ،وهي أن فهم نظرية العصبية عند ابن
خلدون يتطلب استحضار العامل االقتصادي الذي يشكل المحرك لقوة العصبية ولكن -هنا يكمن السؤال
المهم الذي يجب طرحه -كيف ولماذا تتحول العصبية في اللحظات من مجرد رابطة قبلية معينة إلى قوة
للمطالبة والسعي وراء السلطة ،ومن ثمة تأسيس الدولة؟
إن هذا المسلسل يصوره لنا ابن خلدون كالتالي:
حسب ابن خلدون الغاية التي تجري إليها العصبية هي الرئاسة ثم إن العصبية بدون رئاسة عصبية مهددة بالفناء
فالبد من وازع داخل العصبية الواحدة ،وهذا الوازع يتجسد عموما في شيخ أو كبير القبيلة الذي يتوفر على مؤهالت
متعددة النسب والشرف والحسب والغلب ...الحقيقة أن منصب الرئاسة ليس من األمور التي يطمح فيها كل فرد فعالوة
على المؤهالت السالفة فالمنصب وراثي« ،الرئاسة» البد أن تكون موروثة عن مستحقها» ،وهكذا فبداخل الديمقراطية
العصبية ،تنمو وتقوى بشكل طبيعي ،األرستقراطية القبلية التي تساعد بدورها على خلق تكتالت بدوية عصبية تزيد من
حدة الصراع العصبي وتوجهه حسب الظروف واألحوال .لكن يجب أن ال نغفل حقيقة هامة بصدد الرئاسة ،وهي أنها
رئاسة معنوية أكثر منها سلطة قاهرة ،يقول ابن خلدون بهذا الصدد« :أن الرئاسة هي سؤدد وصاحبها متبوع ،وليس له
عليهم قهر في أحكامه» .ومادام األمر كذلك ،فإن الطريق من الرئاسة إلى الملك طريق ممهد وسهل فالعصبية بطبعها
تسعى إلى التغلب والهيمنة على العصبيات األخرى ،وإدراجها تحت لوائها حتى الوصول إلى الهدف المتوخى من
العصبية وهو ا الملك .إال أن الرئاسة قد تؤدي أحيانا إلى الملك على الحقيقة وهو -لمن يستبعد الرعية ويجبي األموال
ويبعث البعوث ويحمي الثغور وال تكون فوق يده يد «قاهرة وأحيانا أخرى ،يؤدي فقط إلى الملك األصغر» وهو ملك
يقتصر فيه صاحبه على مشاركة أهل الدولة في النعيم والكسب وخصب العيش.
العوامل املوضوعية لتطور فكرة الدولة
يقرر ابن خلدون أن الدولة لها أعمار طبيعية كما لألشخاص ،والمقصود باألعمار المراحل التي يجتازها الشخص
في حياته من طفولة وشباب وشيخوخة إن الدولة ،مثل الشخص تنتقل من الطفولة (طور التأسيس) إلى الشباب (طور
العظمة) إلى الشيخوخة ( طور الهرم ( وعمرها ال يتعدى حدود 879سنة ،أي ال يتجاوز ثالثة أجيال.
الطور األول :طور التأسيس والبناء" .مرحلة المساهمة والمشاركة"
يتميز الطور األول من أطوار الدولة بخصائص معينة أهمها:
.إن العصبية الغالبة في هذا الطور ،تعتبر الحكم مغنما لها ككل ورئيسه يعتبر نفسه بدوره واحدا منها ،بل خادما لها
وفق التقاليد البدوية القبلية فهو ال ينفرد دونهم بشيء ألن ذلك هو مقتضى العصبية .وهكذا فالعالقات السائدة داخل
العصبية الحاكمة في هذا الطور ،تقوم على أساس الديمقراطية القبلية أو ما يسميه ابن خلدون بالمساهمة والمشاركة.
• الخاصية الثانية تتعلق بالسياسة المالية للدولة ،ففي هذه المرحلة تقوم سياسة الدولة على «سنن الدين ،فليست
تقتضي إال المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية ،وهي قليلة الوزائع وبصفة عامة ،فإن سياسة الدولة في
هذا الطور تقوم أساسا على المشاركة والمساهمة وكسب القلوب وإنزال الناس منازلهم واالقتصاد في النفقات ،وعدم
الغلو في فرض الضرائب والجبايات.
الطور الثاني طور العظمة والمجد االستبداد واالنفراد بالحكم"
يتميز من هذا الطور بخصائص تكاد تتناقض مع سابقاتها وهي ذ نتيجة الرخاء الذي ساد الدولة في آخر الطور
السابق وهكذا فبدال من خشونة البداوة تبدأ رقة الحضارة أي من حياة البساطة واالقتصار على الضروري من العيش
في الغالب إلى حياة الرفاهية والتفنن في الترف وبدال من المساهمة والمشاركة يبدأ االستبداد واالنفراد بالمجد وعواض
اعتماد صاحب الدولة على عصبيته وعشيرته يلجأ إلى الموالي والمرتزقة الذين يأخذ في االعتماد عليهم واالستغناء
تدريجيا عن عصبيته.
الطور الثالث طور الهرم واالضمحالل "االنقسام إلى ممالك مستقلة"
تتفكك عرى العصبية في هذه المرحلة ،ويضجر الناس ويتقاعسون عن العمل وتتقلص األنشطة االقتصادية ،وتعم
الفتنة وتنقسم الدولة إلى مماليك مستقلة هذه الوضعية وضعية ضعف السلطة ونشوب أزمة اقتصادية هي ما يقصده ابن
خلدون بحالة هرم الدولة.
العوامل الذائية
إذا نظرنا إلى الدولة باعتبارها ملوكا متعاقبين على الحكم ،نجدها تنتقل في أطوار مختلفة وحاالت متعددة ال تعدو أن
تكون في الغالب خمسة أطوار -قانون األطوار (الخمسة
. طور الظفر واالستيالء على الملك وانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها ويكون صاحب الدولة .في هذا
الطور أسوة قومه في اكتساب المجد ال ينفرد دونهم بشيء وهذا بمقتضى العصبية.
طور االستبداد على قومه واالنفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة.
طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر إليه من تحصيل المال وتخليد اآلثار وبعد
الصيت ،فيستفرغ صاحب الدولة في تشييد واستقبال أشراف األمم ووجوه القبائل ويوسع على صنائعه
وحاشيته بالمال والجاه وتظهر عالئم الترف.
. طور القنوع والمسالمة -ويكون صاحب الدولة في هذه المرحلة قانعا بما بنى أولوه ،مقلدا للماضين من
سلفه ويرى في الخروج عن تقليدهم فسادا ويعتقد أنهم أبصر بما بنوه من مجد.
طور اإلسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفا لما جمع أولوه في سبيل الشهوات والمالذ
والكرم ...مستفسدا الكبار األولياء من قومه وصنائع سلفه ...فيكون مخرجا لما كان سلفه يؤسسون وهادما
لما كان يبنوه .وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم ويستولي عليها المرض فليس لها إال أن
تفترض.
إن نظرية العصبية ونظرية الدولة التي صاغها ابن خلدون تعكس على الوجه األكمل التاريخ السياسي للمغرب
األقصى منذ األدارسة إلى المرينيين مرورا بالمرابطين والموحدين لكن تحت وطأة وقائع سياسية واقتصادية خارجية
اكتشاف أمريكا ،نهاية األندلس المسلمة تقهقر تجارة القوافل الخ ...وداخلية ( بروز مؤسسة الزاوية والشرفاء ودورهما
الطليعي في الحياة السياسية إلخ )...أصبحت هذه النظريات متجاوزة ،وقد عايش ابن خلدون هذه التحوالت السياسية
العميقة والمسه إحساس رهيف بأن شيئا يتغير على وجه المعمور لكنه لم يحدد مغزاه ولم يستطع التعرف عن أبعاده
ومقاصده ،وفي هذا يقول :وأما لهذا العهد وهو آخر المائة الثامنة فقد انقلبت أحوال المغرب الذي نحن شاهدوه وتبذلت
بالجملة ....وإذا تبذلت األحوال جملة فكأنما تبذل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة
وعالم محدث
احملور اخلامس الفكر السياسي االستبدادي عند ماكيافيل
إذا كان ماكيافيل يعتبر أول من استعمل الدولة بمفهومها السياسي الحديث ،فإنها في تصوره ال تنفصل بتاتا عن األمير وعن سلطته
يقول ميكيافيلي :عندما يحتل األمير مستعمرة جديدة تختلف عن دولته في العادات واللغة والتشريعات ،فسيجد
صعوبات لالحتفاظ بها ،وتحتاج إلى حظ وكفاءة ،فيجيب أن يقيم األمير شخصيا في المستعمرة ،ثم