Professional Documents
Culture Documents
1635094793
1635094793
ثم جاء العصر الحديث حيث اتجهت الفلسفة الى البحث في المعرفة ,فدار الحديث حول
وسائل المعرفة ومصادرها بل امتد الجدل عند بعضهم حول امكان قيام المعرفة الصحيحة .ومن
أبرز فالسفة هذا العصر كان جون لوك الذي كانت الفلسفة عنده "تحليال نقديا للعقل البشري",
وتحولت عند بيركلي وديفيد هيوم "البحث في الطبيعة البشرية" ومع كوندياك "دراسة
لألحساس وتحليله".
اما في الفترة المعاصرة فقد ضاقت بتبديد النظر العقلي في الوجود العام ,وحولت التفكير
الى دراسة االنسان في وجوده الواقعي ,ومن أشهر المدارس في هذه الفترة:
-1الموقف الوضعي (الوضعية المنطقية المعاصرة) :أنكر اصحاب المذهب الوضعي موقف
الفلسفة التقليدية التي يزعم اصحابها انهم معنيون بالكشف عن مجاهل الوجود ومعرفته ,ولم
تعترف هذه الوضعية بغير الواقع المحسوس الذي يمكن اخضاعه لمناهج المشاهدة والتجربة ,اذ
صرح "اوجست كومت" أن الفلسفة الميتافيزيقية قد تالشت موضوعاتها؛ ألن العلوم الجزئية
بمناهجها التجريبية تدرس الواقع المحسوس.
وقد نشأت في النمسا مدرسة جديدة من الوضعيين ,هم أصحاب الوضعية المنطقية الذين
أنكروا مهمة الفلسفة التقليدية ومجالها ,وزعموا أن كل ما يمكن معرفته عن العالم واالنسان
باالمكان أن نستمده من العلوم الجزئية الطبيعية منها واالنسانية .فالفلسفة عندهم (منهج بحث
هدفه التحليل المنطقي للغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية ,أو للغة العلماء التي يصطنعونها
في أبحاثهم العلمية ,من أجل هذا عرف فتجنشتين الفلسفة بأنها( :توضيح األفكار توضيحا
منطقيا) أي توضيح القضايا وإزالة غموضها توصالا الى حقيقة معانيها ،وليست وظيفة الفلسفة
أن تضع قضايا تفسر طبيعة الموجودات ,وصرح كارناب( :بأن الفلسفة الحالية ال تعدو أن
تكون تحليالت لتركيبات لغوية).
ويرجع الخطأ في فهم أصحاب الفلسفة التقليدية لمعاني األلفاظ إلى مصدرين أساسيين:
أنهم يستخدمون الفاظا ا في قضاياهم ال تشير الى مدلول حسي محدد ,او يستخدمون لفظا ا في غير
المعنى المتفق عليه بين الناس.
إن سبب استبعادهم للميتافيزيقا ذلك أنها تبحث فيما ليس له وجود حسي في العالم الواقعي,
وقضاياها ال تشير الى مدلوالت تخضع للتجربة الحسيه حتى يمكن التحقق من صدقها بالرجوع
الى الواقع ,وهكذا أصبحت الفلسفة على أيديهم مجرد تحليل منطقي للغة.
-2موقف االتجاه العملي (البرجماتي) المعاصر من الفلسفة
شارك الوضعية في استنكار الفلسفة التقليدية (الفلسفة العملية) وهي التي نشأت في أمريكا في
مطلع القرن العشرين على أيدي ثالثة فالسفة (بيرس ,ووليم جيمس ,وجون ديوي) واتفقوا على
توجيه العقل إلى العمل دون النظر واعتبار المعرفة أداة للعمل المنتج ,وأصبح صدق الفكرة
معناه التحقق من منفعتها بالتجربة ,قال فبيرس( :إن توضيح معنى الفكرة يكون بالقياس إلى
آ ثارها العملية في حياة االنسان والكلمات التي تتألف منها خططا للعمل وكل فكرة ال تنتهي
الى سلوك عملي في دنيا الواقع فهي فكرة باطلة) .ولذلك رأى وليم جيمس( :أن افكارنا ال تطلب
سلوكا لذاتها وإنما تلتمس كوسائل لتحقيق أغراض في دنيا الواقع ،فالحق هو قابلية الفكرة
على أن تكون أداة للسلوك العملي في الواقع) ففي األخالق نقول إن الفعل االنساني فاضل متى
حقق نفعا في حياة االنسان .وهذا ما جعل جون ديوي يقول( :إن الفكر هو ذريعة لخدمة الحياة)
فسمي مذهبه بمذهب الذرائع ,وألح في تطبيق المنهج العملي على شتى مجاالت التفكير والسيما
مجال األ خالق والجمال والسياسة ,فالمنهج العملي هو الطريقة التي يصطنعها الباحث في
الخروج من نطاق الفكر إلى نطاق العمل.
وبهذا تغير مفهوم الفلسفة عندهم ,اذ انكروا ان يكون الفيلسوف معنيا بالبحث في المشاكل ووضع
النظريات ،فالفلسفة بمعناها الكامل( ،ليست إال رجال يفكر؛ ليحقق منفعة عملية يبتغيها).
-3موقف المادية الجدلية (الماركسية) من الفلسفة
تصور الواقعية المادية وجود األشياء المادية سابقا ا على الذات المدركة ,وترى أن العقل مجرد
نتاج للطبيعة المادية ,ويبقى وجود المادة ويصبح الفكر مجرد مظهر من مظاهرها ,والمادة
تخضع لتطور يتمثل في الصراع بين االضداد ,وهذا هو الديالكتيك في الفلسفة الماركسية.
والماركسية هو التطور الذي أدرك فلسفة هيجل ,وبشر بها كارل ماركس ,إذ يقول ماركس( :أن
مذاهب الفلسفة منذ الماضي قد اقتصرت على تفسير طبيعة العالم ,ولكن مهمة الفلسفة العمل
على تغييره ,وبتغيير العالم يغير الناس أنفسهم ,ويستحدثون قوانين تهيمن على مجرى
التاريخ).
إن الماركسية تدعو الى إعادة العالم وبناء المجتمع بحيث ينتهي إستغالل االنسان لألنسان
وتتالشى الرأسمالية وتحقق الشيوعية ,أما الفلسفة العملية فهي في نظر الماركسيين فلسفة رأسمال
االستعمار.
وتسعى الماركسية أن تفتح أبواب الفلسفة للناس وتجعلها مشاعة بين الجماهير ابتغاء
مساعدتهم ,عالوة على أنها تهاجم نبش الماضي إلحياء المذاهب الميتة ,ألنها تأمل أن يكون فهم
الناس للعالم والمجتمع قائما على أساس فتوحات العلم ومكتشفاته.