Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 134

‫اململكة املغربية‬

‫البرملان‬
‫مجلس النواب‬
‫املركز البرملاني لألبحاث والدراسات‬

‫الدرا�سة امليدانية الوطنية حول‬


‫القيم وتفعيلها امل�ؤ�س�سي‪:‬‬
‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫ملخ�صات‪:‬‬
‫التقرير الوثائقي‬
‫التقرير الكمي‬
‫التقرير الكيفي‬

‫من�شورات جمل�س النواب‬


‫دجنرب ‪2022‬‬
‫الدرا�سة امليدانية الوطنية حول‬
‫القيم وتفعيلها امل�ؤ�س�سي‪ :‬تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫ملخ�صات‪:‬‬
‫التقرير الوثائقي‬
‫التقرير الكمي‬
‫التقرير الكيفي‬

‫‪2022MO5202‬‬ ‫اإليداع القانوني ‪:‬‬


‫ردمـــك ‪978-9954-745-58-8 :‬‬
‫‪2022‬‬ ‫‪1444‬‬

‫‪،‬‬
‫املحتويات‬
‫مقدمة عامة ‪7..........................................................................................................................................‬‬

‫القيم وسؤال التنمية يف املجتمع املغريب‪ :‬احلصيلة واآلفاق‬


‫التقرير الوثائقي‬
‫‪11......................................................................................................................‬‬ ‫خالصة واستنتاجات‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول القيم وتفعيلها املؤسيس‪:‬‬


‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫التقرير الكمي (امللخص التنفيذي)‪19.............................................................................................‬‬
‫‪ .1‬مقدمة ‪21.................................................................................................................................‬‬
‫‪22................................................................................................................‬‬ ‫‪ .2‬القيم واألرسة‬
‫‪ .3‬اختيارات وأولويات قيمية‪26.........................................................................................‬‬
‫‪ .4‬القيم واإلعالم السمعي ‪ -‬البرصي ‪29........................................................................‬‬
‫‪ .5‬القيم والعمل‪31...................................................................................................................‬‬
‫‪ .6‬الثقة يف اآلخرين ويف املؤسسات ‪33..............................................................................‬‬
‫‪ .7‬اجتاهات وانتظارات املغاربة من التفعيل املؤسيس للقيم‪35.................................‬‬
‫‪ .8‬القيم واملستقبل ‪43...............................................................................................................‬‬
‫خالصة ‪47...................................................................................................................................‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول القيم وتفعيلها املؤسيس‪:‬‬


‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬
‫التقرير الكيفي (امللخص التنفيذي) ‪53............................................................................................‬‬
‫‪ .1‬مقدمة ‪55.................................................................................................................................‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪5‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪ .2‬حالة مؤسسة األرسة ‪57.....................................................................................................‬‬
‫‪66...................................................................................................................‬‬ ‫‪ .3‬حالة املدرسة‬
‫‪ .4‬حالة املؤسسة اإلعالمية ‪73...............................................................................................‬‬
‫‪ .5‬حالة مؤسسة اجلامعة ‪82....................................................................................................‬‬
‫‪ .6‬حالة املؤسسات اإلدارية‪90..............................................................................................‬‬
‫‪ .7‬حالة املؤسسات الصحية ‪100.............................................................................................‬‬
‫‪ .8‬حالة املؤسسة املقاوالتية ‪110..............................................................................................‬‬
‫‪ .9‬حالة املؤسسات اجلمعوية ‪123...........................................................................................‬‬
‫‪ .10‬كوفيد ‪ 19‬والدروس القيمية املستخلصة ‪127............................................................‬‬
‫خالصة ‪129....................................................................................................................................‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪6‬‬


‫مقدمة عامة‬
‫يقدم هذا امللخص عرضا مركزا ألهم النتائج املتضمنة يف تقارير البحث الوطني‬
‫حول موضوع «القيم وتفعيلها املؤسيس‪ :‬تغريات وانتظارات لدى املغاربة»‪ ،‬ويشمل‬
‫ثالثة جوانب أساسية‪:‬‬

‫‪ -‬اجلانب املتعلق بالبحث الوثائقي؛‬

‫‪ -‬اجلانب املتعلق بالبحث امليداين الكمي؛‬

‫‪ -‬اجلانب املتعلق بالبحث امليداين الكيفي‪.‬‬

‫يشمل اجلانب املرتبط بالتقرير الوثائقي حتليل خمتلف الوثائق التي تناولت‬
‫موضوع تغري القيم ومدى تفعليها يف املؤسسات املغربية (األرسة‪ ،‬املدرسة‪ ،‬اإلدارة‪،‬‬
‫اإلعالم‪ ،‬اجلامعة‪ ،‬الصحة‪ ،‬اجلمعية‪ ،‬املقاولة)‪ .‬وتتوزع هذه الوثائق بني تقارير منجزة‬
‫من طرف مصالح تابعة لوزارات وقطاعات حكومية‪ ،‬إضافة إىل وثائق أنجزها‬
‫املرصد الوطني للتنمية البرشية‪ ،‬واملعهد امللكي للدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬واملجلس‬
‫االقتصادي واالجتامعي والبيئي‪ ،‬وبني أعامل منجزة من طرف أكاديميني مغاربة‬
‫وأجانب حول موضوع القيم باملجتمع املغريب‪ .‬وعالوة عىل ذلك‪ ،‬استثمرت يف التقرير‬
‫الوثائقي دراسات منجزة من طرف هيئات دولية شملت‪ ،‬إما كليا أو جزئيا‪ ،‬واقع القيم‬
‫باملجتمع املغريب‪.‬‬

‫أما اجلانب املرتبط بالتقرير الكمي‪ ،‬فيعرض أهم النتائج التي تم التوصل إليها‬
‫من خالل حتليل معطيات البحث امليداين الذي شمل مخسة جماالت بحثية‪ ،‬غ ّطت كل‬
‫جهات اململكة‪ .‬وهي معطيات مستخلصة من استامرات ميدانية بلغ عددها ‪.1600‬‬
‫وقد تضمنت االستامرة تسعة وأربعون (‪ )49‬سؤاال موزعة عىل ثامنية حماور‪ ،‬شملت‬
‫معطيات عامة حول عينة املشاركني يف البحث التي روعي‪ ،‬عند بنائها‪ ،‬إدراج كل من‬
‫النساء والرجال بالتساوي‪ ،‬إىل جانب تنويع اخلصائص الديموغرافية للمشاركني يف‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪9‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫الدراسة‪ ،‬وأوضاعهم االجتامعية‪ ،‬ومستوياهتم التعليمية وجماالت إقامتهم‪ .‬كام ركزت‬
‫أسئلة االستامرة عىل واقع القيم بمختلف املؤسسات والتغريات التي طرأت عليها‪،‬‬
‫باإلضافة إىل األولويات القيمية لدى املغاربة‪ ،‬والسبل الكفيلة بتفعيل القيم وتعزيزها‬
‫داخل املؤسسات‪ ،‬راهنا ومستقبال‪.‬‬

‫ويف اجلانب املتعلق بالتقرير الكيفي‪ ،‬يعرض امللخص أبرز املعطيات املستقاة‬
‫من املقابالت الفردية واجلامعية التي أجريت بمختلف مناطق املغرب‪ ،‬حيث شملت‬
‫فئات خمتلفة روعي يف اختيارها تنوع انتامءاهتا االجتامعية والديمغرافية واملجالية‪،‬‬
‫واملستوى التعليمي واجلنس‪ .‬كام روعي فيها متثيليتها للمؤسسات وللمرتفقني عىل‬
‫السواء‪ ،‬مما أتاح الفرصة ملقاربة انتظارات املغاربة من داخل هذه املؤسسات (موظفني‬
‫ومستخدمني) ومن خارجها (مواطنني ومرتفقني)‪.‬‬

‫ويعرض اجلانب الكيفي من امللخص‪ ،‬أيضا‪ ،‬معطيات حول واقع القيم‪،‬‬


‫وأهم ما ركز عليه املشاركون يف الدراسة‪ ،‬بام يف ذلك مواقفهم ومتثالهتم للمؤسسات‬
‫وتقييمهم خلدماهتا‪ ،‬وتفاعلهم اليومي مع املسؤولني عليها‪ ،‬وما يواجههم من صعوبات‬
‫حتول دون تعزيز القيم هبذه املؤسسات‪ ،‬إضافة إىل مقرتحاهتم حول آفاق تعزيز القيم‬
‫باملؤسسات العمومية مستقبال‪.‬‬

‫وجتدر اإلشارة إىل أن املعطيات املتضمنة يف هذا امللخص‪ ،‬الذي يشمل اجلوانب‬
‫الثالثة املذكورة أعاله‪ ،‬ويتعلق ِ‬
‫بثامن (‪ )08‬مؤسسات‪ ،‬سبقت اإلشارة إليها‪ ،‬ال خيوض يف‬
‫التفاصيل الدقيقة واجلزئية‪ ،‬التي تتضمنها التقارير‪ ،‬خاصة أقوال املجيبني وترصحياهتم‪،‬‬
‫وإنام يسعى إىل إعطاء فكرة للقارئ عن أهم ما خلصت إليه الدراسة‪ .‬لذلك‪ ،‬تشكل‬
‫العودة إىل التقارير املنجزة فرصة للوقوف عند املعطيات األكثر عمقا وتفصيال‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪10‬‬


‫القيم وسؤال التنمية يف املجتمع املغربي‬
‫الحصيلة واآلفاق‬

‫التقرير الوثائقي‬
‫خالصة واستنتاجات‬
‫ماذا عسانا ننتظر من تغري القيم عىل املدى القريب واملتوسط؟ هل سيستمر‬
‫تطورها نحو املزيد من احلداثة واالنفتاح والتجديد‪ ،‬أم أنه سيحصل تراجع عن هذا‬
‫الرصيد املرتاكم نحو قيم حمافظة‪ ،‬انطوائية ومعربة عن خوف موروث من احلداثة؟‬
‫إن العديد مما نقدمه يف هذا التقرير من مؤرشات جيعلنا نتوقع استمرار سريورة تغري‬
‫القيم يف اجتاه املزيد من التالؤم مع القيم الكونية‪ ،‬لكن دون التفريط يف القيم احلضارية‬
‫واألصيلة التي يتميز هبا املجتمع املغريب‪.‬‬

‫هناك عوامل عديدة تؤيد التوجه نحو قيم احلداثة‪ ،‬نذكر منها التحرض املتسارع‪،‬‬
‫والتمدرس الذي ينحو باجتاه املزيد من التعميم واالختالط‪ ،‬واالتصال السمعي‬
‫البرصي ذي اإلشعاع املتزايد‪ ،‬وعمل النساء خارج البيت‪ ،‬واالنتقال الديموغرايف‪،‬‬
‫وتداعيات اهلجرة الداخلية والدولية‪ .‬وما من شك كذلك يف أنه من شأن شبابية اهلرم‬
‫الديموغرايف أن تسهم بدورها يف تطوير وتعزيز دينامية االنفتاح القيمي‪.‬‬

‫لكن رغم تسارع سريورات العوملة وحدوث حتوالت غري مسبوقة يف التكنولوجيا‬
‫واالقتصاد والثقافة‪ ،‬فإن منظومة القيم يف املجتمع املغريب ما زالت تقاوم وتسهم نسبيا‪،‬‬
‫ولو يف أشكال متطورة ومتغرية‪ ،‬يف احلفاظ عىل هوية املجتمع وخصوصياته‪ .‬ما زالت‬
‫هناك عوامل مقاومة تتجىل يف التمثالت واألفكار الرافضة‪ ،‬باسم احلفاظ عىل التقاليد‬
‫واهلوية‪ ،‬وحتت وطأة العطالة عن العمل وأزمة النامذج املعيارية‪ ،‬ألن يتمتع النساء بكامل‬
‫احلقوق اإلنسانية التي خيوهلا هلن دستور اململكة لسنة ‪ ،2011‬واملعاهدات الدولية التي‬
‫صادق عليها املغرب‪.‬‬

‫بالرغم من التغريات الثقافية والقيمية املشار إليها‪ ،‬فإن املغاربة ما زالوا متشبثني‪،‬‬
‫نسبيا‪ ،‬بالقيم التقليدية‪ .‬يتجىل ذلك بوجه خاص يف ما يبدونه من والء واحرتام للعائلة‬
‫والوالدين‪ ،‬ويف النظر لألرسة باعتبارها مصدرا أساسيا للقيم‪ ،‬ويف الوفاء لواجب‬
‫التضامن مع اآلباء عند االقتضاء‪ .‬كام يتمثل يف احرتامهم للمعايري الدينية‪ ،‬خاصة يف‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪13‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫جوانبها اإلنسانية واالجتامعية‪ .‬وال يتضمن النسق القيمي لدى املغاربة تقاطبا يف صيغة‬
‫التعارض تقليدي ‪ /‬عرصي‪ ،‬بل كثريا ما يكون سلوك الفرد خمرضما‪ ،‬بل ومركبا بني‬
‫أنامط خمتلفة من املعايري‪ .‬وقد يكون تقليديا يف شكله وعرصيا يف مضمونه‪ ،‬أو العكس‪.‬‬
‫وقد ينطلق األفراد من القيمة التقليدية املتقاسمة شكليا بني أعضاء اجلامعة‪ ،‬فيعربون‬
‫عن اجتاهات فردية بحسب فهمهم ملقتضيات السياق والظرفية التي يوجدون فيها‪،‬‬
‫وتأويلهم الفردي ملعنى القيمة عند االختيار أو الفعل‪.‬‬

‫ويتوجب أن نشري كذلك إىل كون اجلهود اهلامة التي بذلتها الدولة عىل صعيد‬
‫تفعيل قيم املساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬واملشاركة‪...‬يف قطاعات اقتصادية‬
‫واجتامعية شتى‪ ،‬مل تصل بعد إىل حتقيق األهداف املنشودة‪ ،‬فام زالت الفوارق بني اجلهات‬
‫وبني الوسطني احلرضي والقروي قائمة عىل أكثر من صعيد‪ ،‬ومل حتقق النساء بعد ما‬
‫يطمحن إليه من رفع للحيف الذي يطاهلن يف ميادين التعليم‪ ،‬وحماربة األمية‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫واحلامية االجتامعية‪ ،‬والشغل‪ ،‬وقانون األرسة‪ ،‬والعالقة بالفضاء العام‪ ،‬وما زال الشباب‬
‫يف طور التطلع واالنتظار ملا ستؤول إليه املشاريع والربامج التي تتوخى إدماجهم‬
‫اقتصاديا واجتامعيا‪ ،‬ختليصا هلم من التبعية جتاه أرسهم وتعزيزا الستقالهلم الذايت‪.‬‬

‫وحسب درجة التنمية التي حيققها جمتمع ما‪ ،‬يتم الرتكيز من لدن األفراد‬
‫واجلامعات إما عىل القيم املادية‪ ،‬أو القيم ما بعد املادية‪ .‬لذا‪ ،‬بالنظر إىل ما حتقق إىل‬
‫اآلن من مكتسبات تنموية يف املجتمع املغريب يبدو أن االنشغال األسايس يتمحور حول‬
‫القيم املادية‪ ،‬بينام رشائح نخبوية صارت تنفتح أكثر فأكثر عىل قيم ما بعد مادية‪ .‬فرصنا‬
‫نرى أن معظم الباحثني يف موضوع القيم وتفعيلها املؤسيس يركزون عىل قيم العمل‪،‬‬
‫والتعليم‪ ،‬والشغل‪ ،‬واالندماج‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتحفيز‪،‬‬
‫واملشاركة‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والعيش الكريم‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬والنزاهة‪ ...‬بينام يقل اهتاممهم‬
‫بقيم أخرى من قبيل احلرية‪ ،‬والفردانية واالستقالل الذايت‪ ،‬وحرية التعبري‪ ،‬وإثبات‬
‫الذات‪ ،‬واحلب‪ ،‬والشفافية‪ ،‬واملدنية‪ ،‬إلخ‪ ،‬وال جيدوهنا سوى لدى أقليات اجتامعية‬
‫مكونة من النخب السياسية واالقتصادية والثقافية واملواطنني ممن حققوا قدرا كافيا من‬
‫حاجياهتم املادية‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪14‬‬


‫وبالنظر إىل اتساع نطاق التحرض يف املجتمع املغريب واستمرار ديناميات النزوح‬
‫القروي نحو املدن وشمول سريورة االنتقال الديموغرايف ملختلف مناطق املغرب‪،‬‬
‫واعتبارا للنمو املتزايد لوسائل االتصال والتواصل يف جمموع جهات اململكة‪ ،‬وتواصل‬
‫اجلهود من أجل تقليص الفوارق القائمة بينها‪ ،‬خاصة عىل صعيد القطاعات املتصلة‬
‫مبارشة بالتنمية البرشية‪ ،‬يمكننا أن نتوقع‪ ،‬عىل املدى املتوسط والبعيد‪ ،‬حدوث تقارب‬
‫قيمي وثقايف بني الوسطني احلرضي والقروي‪.‬‬

‫إن االندماج االجتامعي للشباب يمر بالرضورة عرب اندماجهم املهني الذي‬
‫يتعذر بدونه االنتقال إىل طور حياة الراشدين‪ .‬إال أنه أمام حتدي البطالة‪ ،‬جيد العديد من‬
‫الشباب أنفسهم مستغلني يف إطار القطاع غري املهيكل‪ ،‬حيث يشتغلون بأجور زهيدة‪،‬‬
‫عىل هامش الرقابة‪ ،‬وخارج نطاق أي ضوابط أو معايري قانونية‪ .‬أضف إىل ذلك عدم‬
‫ثبات فرص العمل يف هذا القطاع‪ ،‬وغياب التغطية الصحية واالجتامعية وعدم القدرة‬
‫عىل االنضامم ألي تنظيم نقايب حيمي حقوقهم‪.‬‬

‫ويف الوسط القروي‪ ،‬صار الشباب‪ ،‬بفعل مستواهم التعليمي وجتربتهم‬


‫اجلمعوية‪ ،‬حماورا بديال لإلدارة واجلامعة الرتابية‪ ،‬وفاعال نشطا يف الدفاع عن حقوق‬
‫الساكنة املحلية‪ .‬وطاملا أن فئة الشباب خمرتقة بانتامءات جهوية وجمالية واجتامعية‬
‫وثقافية خمتلفة‪ ،‬فال مناص من أخذ هذا التاميز والتعددية بعني االعتبار عند مقاربة مواقع‬
‫الشباب وأدوارهم يف املجتمع املحيل‪ .‬ثم إن قيمة التعلم يف حاجة إىل املزيد من الدعم‪،‬‬
‫السيام بالنسبة لتمدرس الفتاة القروية التي يتعني ختصيص املزيد من التحفيز والتيسري‬
‫لفائدهتا‪ ،‬وحماربة «األمية» بالنسبة للنساء القرويات اللوايت جتاوزن سن التمدرس‪.‬‬

‫إن التوافق الذي كان موجودا منذ أربعة أو مخسة عقود تقريبا بني القيم والبنيات‬
‫العائلية واالجتامعية أضحى‪ ،‬يف سياق سريورات التغري اجلارية‪ ،‬يشهد درجات غري‬
‫مسبوقة من التفكك والرتاجع‪ .‬فمع أن األفراد ما زالوا يثمنون التضامن العائيل عاليا‪،‬‬
‫ويبدون اقتناعهم بفوائده وإجيابياته‪ ،‬فإهنم مل يعودوا جيدون البنيات األرسية املساعدة‬
‫عىل تفعيله وبالدرجة التي كان عليها سابقا‪ .‬لقد قل التساكن بني األطفال واآلباء‪،‬‬
‫وخلقت اهلجرة يف بعض احلاالت مسافات بعيدة بينهم‪ ،‬وتزايدت نسب األرس النووية‪،‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪15‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫وتراجع تبادل الزيارات أمام توسع تكنولوجيات االتصال اجلديدة‪ .‬وانطالقا من هذا‬
‫التطور يبدو من املرشوع طرح التساؤل التايل‪ :‬يف أفق تزايد الطموح نحو الفردانية‪،‬‬
‫وتراجع التبعية املتبادلة بني األطفال واآلباء‪ ،‬أي نوع من القيم اجلديدة سيصري‪ ،‬عىل‬
‫املدى القريب واملتوسط‪ ،‬مسندا وموجها هلذه العالقة؟‬

‫وبالرغم من تغري العالقات األرسية‪ ،‬ما زالت هنالك أرس عديدة تعيش توترا‬
‫داخليا بني النزوع نحو االستقالل الذايت واحلوار والتفاهم‪ ،‬واستمرار عالقات التبعية‬
‫والطاعة‪ .‬وبحدة غري مسبوقة‪ ،‬خترب العديد من األرس التوتر‪ ،‬بل التصادم‪ ،‬بني قيمة‬
‫التضامن والفردانية املتزايدة‪ .‬وبينام تتجه العالقات بني اآلباء واألطفال نحو املزيد من‬
‫التقارب والتفاهم‪ ،‬جتد الفتيات والنساء املتزوجات صعوبات مجة يف حماوالهتن تقليص‬
‫عالقات التبعية والرتاتب والسلطة وحتقيق املساواة بني اجلنسني‪ .‬نوعان من العالقات‬
‫تتعارضان يف قلب احلياة األرسية‪ ،‬ومرجعيتان قيميتان خمتلفتان جتعالن الرصاع حول‬
‫القيم يف األرسة مرجحا لالستمرار أكثر من أي وقت مىض‪ .‬وهذا ما جيعل التساؤل‬
‫مرشوعا حول أنامط التضامن اجلديدة التي قد تصري القطاعات العمومية واخلاصة‬
‫واجلمعوية مدعوة ملأسستها وتنميتها قصد مواكبة تغري البنيات العائلية‪.‬‬

‫وإذا كان ينتظر من القيم‪ ،‬يف بعض الظروف‪ ،‬أن تلحق بالواقع االجتامعي املتغري‬
‫وتتكيف مع مقتضياته‪ ،‬فقد نجدها يف ظروف أخرى‪ ،‬متقدمة عىل الواقع‪ ،‬فيكون عىل‬
‫صانعيه بذل املزيد من اجلهود لتفعيل القيم عىل الوجه املطلوب بكل ما يتطلبه ذلك‬
‫من موارد‪ ،‬ومتكني‪ ،‬وحكامة جيدة‪ ،‬وفعالية يف اإلنجاز‪ .‬وقد الحظنا أنه رغم اجلهود‬
‫املبذولة لتفعيل القيم يف ميادين األرسة والتعليم والصحة والشغل واحلكامة‪ ،...‬رغم‬
‫ما تم إعداده من سياسات وبرامج وخطط عمل بغية إدماج الشباب‪ ،‬وتقليص الفوارق‬
‫عىل خمتلف األصعدة‪ ،‬وإرشاك النساء عىل نطاق أوسع ومحايتهن من العنف وخمتلف‬
‫أشكال احليف االجتامعي‪ ،‬وحتقيق النزاهة يف املرافق العمومية‪ ،‬وإنصاف األشخاص‬
‫يف وضعية اإلعاقة واملواطنني األقل حظا‪ ...‬ما زالت احلاجة قائمة للسري أبعد يف تفعيل‬
‫القيم التي أكد عىل أمهيتها دستور اململكة والنموذج التنموي اجلديد‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪16‬‬


‫ال شك أنه يف مقدور الدولة التدخل والتحكم والتأثري‪ ،‬عرب سياساهتا العامة‬
‫والعمومية والقطاعية‪ ،‬عىل توجهات وجمريات تفعيل قيم حقوق اإلنسان وقيم احلداثة‬
‫عىل كل هذه املستويات املذكورة‪ .‬بإمكاهنا‪ ،‬تكتب رمحة بورقية‪ ،‬السعي إىل خلق‬
‫السياق السيايس واالقتصادي واالجتامعي الذي من شأنه التحفيز عىل إضفاء معنى‬
‫إنساين وحداثي عىل القيم املتداولة والشائعة يف املجتمع‪ ،‬إىل جانب تقوية وتقنني النواة‬
‫األساسية للقيم املؤسسة والداعمة للحداثة‪ ،‬مع ترك املجال مفتوحا أمام القيم املحيطة‬
‫واملكملة لتعرب هي كذلك عن نفسها وتسهم يف السري قدما بعجلة التنمية الشاملة‪.‬‬

‫عىل أنه من املستبعد التحكم يف التغري القيمي الناتج عن تأثري عوامل خارجية‬
‫متمثلة يف العوملة‪ ،‬بكل ما يتصل هبا من أبعاد وديناميات‪ ،‬وظروف دولية تتحول‬
‫باستمرار حتت وقع احلروب واألزمات واملصالح‪ .‬ماذا عسانا نفعل جتاه التداعيات‬
‫القيمية للفضائيات‪ ،‬وشبكات التواصل االجتامعي والفيديوهات املنتجة ضمن‬
‫سياقات ثقافية وحضارية مغايرة عام نحن معتادون عليه؟ إذا كانت املعاهدات الدولية‬
‫تسمو عىل الترشيعات الوطنية‪ ،‬أال يؤثر ذلك يف احلقوق‪ ،‬ومن ورائها القيم‪ ،‬التي‬
‫نعرتف هبا وندعو إىل العمل بمقتضياهتا؟‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪17‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪:‬‬
‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬

‫التقرير الكمي (امللخص التنفيذي)‬


‫‪ .1‬مقدمة‬
‫لقد سعت هذه الدراسة إىل حتديد أهم التغريات القيمية التي حصلت يف املجتمع‬
‫املغريب الراهن‪ ،‬إضافة إىل اجتاهات وانتظارات املواطنني بخصوص مدى تفعيل القيم‬
‫يف املؤسسات العمومية واخلاصة واملدنية من قبيل األرسة‪ ،‬واملستشفى‪ ،‬واملدرسة‪،‬‬
‫واملقاولة‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬واملؤسسة األمنية واإلعالمية‪ ...‬وتم األخذ بمداخيل‬
‫القيم‪ ،‬انطالقا من مرجعية اخلطب والرسائل امللكية السامية‪ ،‬ودستور اململكة لسنة‬
‫‪ 2011‬والنموذج التنموي اجلديد‪ ،‬كام تبلورت وتطورت يف فكر وثقافة وسلوك املغاربة‪.‬‬
‫كام تم االعتامد عىل مقاربة خمتلف املؤسسات من زاوية مدى جتسيدها هلذه القيم‪ ،‬وكذا‬
‫حول األسباب والعوامل املؤدية لذلك‪ ،‬وآليات حتقيق االنتظارات والتطلعات‪ ،‬مركزين‬
‫يف ذلك عىل اجتاهات املجيبني‪ ،‬وليس عىل ما تعلنه املؤسسات عن ذاهتا‪.‬‬

‫وكام هو معلوم‪ ،‬تشكل القيم مكونا أساسيا يف ثقافة املؤسسة‪ ،‬حيث توجه‬
‫قرارات وسلوك الفاعلني املؤسساتيني‪ ،‬وعالقات املؤسسة بالعامل اخلارجي‪ ،‬وترسم‬
‫ألعضائها اخلطوط العريضة التي ال حيق هلم جتاوزها أو االنحراف عنها‪ .‬ويفرتض‬
‫أن لكل مؤسسة قيمها األساسية التي تضفي معنى عىل وجودها وتعطيها أمهية يف‬
‫املجتمع‪ ،‬وتعزز هويتها ومتاسك مكوناهتا‪ ،‬وتسهم يف حتديد رؤاها واسرتاتيجياهتا‬
‫وطرق اشتغاهلا‪.‬‬

‫تشمل عينة الدراسة كافة جهات اململكة‪ ،‬وترتكز عىل معايري حمددة يتم بمقتضاها‬
‫اختيار املجيبني‪ .‬واعتبارا للوزن الديموغرايف لكل جمال بحثي‪ ،‬ولكثافته املؤسساتية‪،‬‬
‫وخصوصياته الثقافية واالجتامعية‪ ،‬تم استعامل عينة طبقية‪-‬قصدية‪ ،‬والغاية يف ذلك‬
‫ليس تعميم النتائج عىل كل املغاربة‪ ،‬وإنام فهم قيمهم وانتظاراهتم بخصوص التفعيل‬
‫املؤسيس للقيم‪ ،‬واحلصول عىل معلومات غنية حول موضوع الدراسة‪ .‬وقد قسمت‬
‫العينة عىل مخسة جماالت بحثية يتضمن أربعة منها جهتني وجمال بحثي خامس بجنوب‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪21‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫املغرب يتضمن أربع جهات‪ ،‬مع مراعاة متغريات اجلنس‪ ،‬والوسط (حرضي‪/‬قروي)‪،‬‬
‫وفئة السن (‪ .)65-50 /49-35 /34-18‬كام تم توزيع أفراد العينة وفقا للحجم السكاين‬
‫للمدن واجلامعات القروية (كبرية‪ ،‬متوسطة وصغرية)‪ .‬مع األخذ بعني االعتبار مبدأ‬
‫«الكثافة املؤسسية» الذي يقتيض أال تدرج ضمنها اجلامعات القروية حيث تنعدم أو‬
‫تقل بشكل ملحوظ املؤسسات التي تتمحور حوهلا الدراسة‪ .‬ويندرج ضمن هذه‬
‫األخرية كل شخص‪ ،‬رجل أو امرأة‪ ،‬يرتاوح سنه ما بني ‪ 18‬و‪ 65‬سنة‪ ،‬مقيم يف املغرب‬
‫ويف منطقة البحث ملدة تعادل أو تفوق ‪ 6‬أشهر‪ ،‬وذو جنسية مغربية‪.‬‬

‫وبالنظر إىل أن الدراسة تتعلق بالقيم‪ ،‬أي بظواهر متقاسمة بشكل واسع بني‬
‫األفراد واجلامعات‪ ،‬فقد ارتأينا أن نكتفي بعينة ال يتعدى عدد وحداهتا ‪ 1600‬وحدة‪.‬‬
‫ومثل هذا االختيار يتوافق إىل حد بعيد مع حجم العينات التي اعتمدت يف بعض‬
‫الدراسات الدولية حول القيم‪ ،‬نذكر منها البحث العاملي حول القيم (‪ ،)WVS‬والبحث‬
‫األورويب حول القيم (‪.)EVS‬‬

‫سؤاال‪ .‬وقد‬ ‫‪49‬‬ ‫وتم استعامل أداة االستامرة يف مجع املعطيات التي ضمت‬
‫صممت يف ضوء إشكالية الدراسة‪ ،‬وأهدافها وتساؤالهتا‪ ،‬مع احلرص عىل حتديد حماور‬
‫منسجمة نسبيا عند التصميم ضامنا لتناسب االستامرة مع التفريغ اآليل‪ ،‬وتسهيال جلمع‬
‫املعطيات‪.‬‬

‫‪ .2‬القيم واألسرة‬
‫بحكم أن األرسة هي الفاعل األول يف التنشئة عىل القيم‪ ،‬تم البدء‪ ،‬أوال‪ ،‬بالنظر‬
‫يف مدى تغري القيم املرتبطة هبا‪ ،‬ويف مدى تفعيلها يف عالقة أعضائها ببعضهم البعض‪.‬‬
‫وتبني عىل هذا الصعيد‪ ،‬أن املكون التقليدي ما زال حارضا بقوة يف الرتبية األرسية‪،‬‬
‫واملتمثل يف استمرار تثمني تنشئة األطفال عىل قيمة طاعة الوالدين‪ ،‬ويف عالقات‬
‫التضامن بني أعضائها التي قادت املغاربة إىل تأييد تكفل األبناء والبنات بالرعاية‬
‫الطويلة األمد بآبائهم‪ ،‬وكذا واجب تضحية اآلباء من أجل أطفاهلم‪ ،‬وتقديم األرسة‬
‫ألعضائها الرعاية الالزمة عند اإلصابة باملرض‪ ،‬أو بلوغ مرحلة الشيخوخة والعجز‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪22‬‬


‫وتكفل األرسة بالبنت التي تأخرت عن الزواج‪ ،‬وكذا باملرأة التي تعرضت للطالق أو‬
‫الرتمل‪ .‬كام يمكن أن نضيف يف هذا السياق التعبري عن أمهية تربية األطفال عىل بعض‬
‫القيم األخالقية األساسية‪ ،‬مثل الصدق‪ ،‬واالحرتام‪ ،‬مؤكدين تطلعهم إىل االستمرار يف‬
‫التشبث هبذه املكونات األساسية للثقافة التقليدية املغربية‪ .‬كام أن انتظار األفراد تلقي‬
‫مساعدة مالية من األرسة خللق مقاولة‪ ،‬أو توسط األرسة لفائدهتم يف البحث عن عمل‬
‫مأجور‪ ،‬ما زال هو أيضا يدرج ضمن أشكال التضامن املتوقعة من األرسة‪ .‬أما انتظار‬
‫تكفل أقرباء من العائلة بحراسة وتربية أطفال صغار عند خروج اآلباء للعمل‪ ،‬أو‬
‫لقضاء أغراضهم‪ ،‬فام زال حيظى بالتأييد‪ ،‬ولو بنسبة أقل مما سجل من تأييد بخصوص‬
‫االنتظارات املشار إليها أعاله‪ ،‬بسبب تصدر البنية األرسية النووية‪ ،‬وتباعد املسافات‬
‫بني األقرباء‪.‬‬

‫إال أنه بموازاة املكون األرسي التقليدي‪ ،‬بدأت األرسة املغربية تشهد تنامي‬
‫بعض مؤرشات الفردانية يف نطاقها‪ ،‬والتي نتجت عن انفتاح املجتمع املغريب عىل‬
‫احلداثة يف ميادين بناء هياكل الدولة‪ ،‬وتشييد البنى التحتية‪ ،‬واتساع نطاق العمل‬
‫املأجور‪ ،‬وانتشار التعليم واملؤسسات الصحية واإلعالمية الكالسيكية واجلديدة‪،‬‬
‫وخروج املرأة للفضاء العام ومشاركتها يف احلياة العامة‪ ،‬واهلجرة‪ ،‬والتحرض‪ ...‬ويف‬
‫هذا السياق اجلديد‪ ،‬يالحظ أنه إذا كانت قيمة الطاعة تعلو‪ ،‬فيام حتظى به من تأييد‪،‬‬
‫عىل قيمة التفاهم عندما يتعلق األمر بالعالقة القائمة بني األطفال والوالدين‪ ،‬فإن‬
‫الكفة تنقلب لصالح قيمة التفاهم عنام يتعلق األمر بالعالقة بني الكبار والصغار يف‬
‫األرسة‪ ،‬وخصوصا بالعالقة بني الزوجني‪ ،‬حيث يصري التفاهم القيمة األكثر تأييدا‪.‬‬
‫وبخصوص القيم التي يتعني تنشئة األطفال عليها‪ ،‬يتم تفضيل قيم مدعمة لسريورة‬
‫الفردانية‪ ،‬مثل املسؤولية‪ ،‬والتسامح‪ ،‬واحرتام اآلخر‪ ،‬واالستقاللية والعمل بجدية‪.‬‬
‫عىل أنه مل يتم اختيار الرتبية عىل املساواة بني اجلنسني وجتنب األنانية سوى من لدن نسبة‬
‫حمدودة من املجيبني‪ .‬وبالنظر إىل أن تنمية املجتمع تقتيض تقليص الفوارق بني اجلنسني‬
‫ومراعاة مشاعر وحاجيات اآلخرين‪ ،‬نرى أنه من الالزم تكثيف التوعية بأمهية قيم‬
‫املساواة والغريية وتنشئة األطفال عليهام‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪23‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫وينتظر أغلب املجيبني أال تظل احلياة األرسية حمصورة يف املجال املنزيل‪ ،‬بل‬
‫أن تصري منفتحة وممتدة نحو الفضاء اخلارجي‪ ،‬يف شكل خرجات مجاعية أسبوعية‬
‫يف األغلب‪ ،‬أو شهرية عند الرضورة‪ .‬وتتعدى نسبة املعربين عن هذا االنتظار بالنسبة‬
‫لألرسة ثالث مرات نسبة املعربين عنه بالنسبة جلامعتي الدراسة والعمل‪.‬‬

‫وعندما نتساءل حول املؤسسات واألطراف التي يمكن أن تلجأ إليها املرأة حلامية‬
‫نفسها من عنف زوجها نجد أن املجيبني يضعون عىل رأس القائمة األرسة‪ ،‬وبوجه‬
‫خاص‪ ،‬احلوار مع الزوج مقرتف اجلرم‪ ،‬ثم أحد أفراد عائلة الزوجة‪ .‬وقد مثلت نسبة‬
‫املقرتحني هلذا احلل األرسي أكثر من ضعف نسبة املقرتحني للحل األمني والقضائي‪.‬‬
‫ونرى يف تفضيل احلل األرسي عىل احلل السلطوي دعوة ضمنية موجهة للقضاء‪ ،‬من‬
‫خالل واجهة األرسة‪ ،‬كي يقوم بتأطري ودعم الوساطة األرسية التي بدوهنا سيكون من‬
‫الصعب ضامن فعالية احلوار يف نطاق األرسة‪.‬‬

‫ومن املثري لالنتباه أن من اقرتحوا اللجوء للجريان واألصدقاء ال تتعدى نسبة‬


‫كل منهم ‪ .0,9%‬ومن املفاجئ كذلك أن من اقرتحوا اللجوء للجمعية ال تتعدى نسبتهم‬
‫‪ ،5%‬بالرغم من أن عدد اجلمعيات النشطة يف هذا امليدان ليس بقليل‪ .‬وتعني مثل هذه‬
‫االجتاهات املعرب عنها جتاه اجلريان‪ ،‬واألصدقاء‪ ،‬واجلمعيات‪ ،‬أن األرسة تنكمش عىل‬
‫نفسها‪ ،‬وتفقد الثقة‪ ،‬أو عىل األقل‪ ،‬تضع لنفسها حدودا مع أشخاص كانوا إىل عهد‬
‫قريب ملجأ بقصد املشورة واملساعدة‪ ،‬وإزاء مؤسسات تتطوع وتتضامن خدمة للنساء‬
‫ضحايا العنف‪.‬‬

‫ويف ما خيص اجتاه أفراد العينة بخصوص ما يتوجب أن تكون عليه عالقات‬
‫النوع بني اجلنسني‪ ،‬فقد اتفقوا عىل اآلراء التالية‪:‬‬

‫‪y‬توزيع األدوار بني الزوجني عىل أساس أن الرجل يبحث عن املال‪ ،‬واملرأة‬
‫تقوم برعاية البيت واألطفال؛‬

‫‪y‬مسامهة الزوجني معا يف مصاريف البيت؛‬

‫‪y‬حصول الزوجة عىل دخل أعىل من دخل الزوج خيلق مشاكل بينهام؛‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪24‬‬


‫‪y‬احلصول عىل شغل هو وسيلة حصول املرأة عىل استقالليتها؛‬

‫‪y‬رضورة حتمل الرجال لنفس مسؤوليات النساء يف العناية بالبيت واألطفال؛‬

‫‪y‬عند قلة فرص الشغل‪ ،‬تعطى األولوية للرجال يف احلق يف الشغل أكثر من‬
‫النساء‪.‬‬

‫لكن املجيبني مل يدرجوا اآلراء التالية ضمن انتظاراهتم وآرائهم‪ ،‬حيث مل يتفقوا‬
‫معها كام يتبني ذلك من حتديد اجتاه أفراد العينة‪:‬‬

‫‪ y‬إعطاء الرجال األولوية يف التعيني يف مناصب املسؤولية أكثر من النساء؛‬

‫‪y‬جيب أن تكون القيادة السياسية‪ ،‬وبشكل كبري‪ ،‬بيد الرجل؛‬

‫‪y‬عند االزدياد‪ ،‬إعطاء األب إجازة من العمل لرعاية الطفل مثل األم؛‬

‫‪y‬النساء هن املسؤوالت عن التحرش اجلنيس‪.‬‬

‫وبالنسبة هلذه املقوالت املتعلقة بعالقات النوع االجتامعي‪ ،‬تبني أن متوسط عدد‬
‫املجيبني الذين اختاروا منها ما يتوافق مع “تفعيل القيم يف اجتاه احلداثة” بلغ ‪ 947‬جميبا‪،‬‬
‫أي ‪ 59%‬من جمموع العينة؛ يف حني أن متوسط عدد الذين اختاروا ما يتوافق منها مع‬
‫«تفعيل العينة يف اجتاه التقليد» بلغ ‪ 607‬جميب‪ ،‬أي ‪ 38%‬من املجموع‪ .‬وبذلك يصري ما‬
‫يقرب من ‪ 10/6‬من أفراد العينة ينتظرون تغيري أدوار اجلنسني يف اجتاه احلداثة‪.‬‬

‫وإذا كانت األغلبية الساحقة من املغاربة يعتربون أن انتامءهم لألرسة هو األهم‬


‫واألجدى بالنسبة هلم‪ ،‬كام يتبني ذلك من كل البحوث السوسيولوجية التي أجريت‬
‫يف املغرب حول هذا الرابط‪ ،‬فام هي دوائر االنتامء األخرى التي تعترب يف نظرهم هي‬
‫األهم بعد االنتامء لألرسة؟ لقد اتضح‪ ،‬أوال‪ ،‬أن ثلث املجيبني (‪ )31%‬اختاروا‬
‫«املغرب»‪ ،‬معربين بذلك عن أن االنتامء الوطني هو األهم؛ وفئة ثانية من املجيبني‬
‫يشعرون أن انتامءهم األساس يرتاوح ما بني املدينة والدوار ثم اإلقليم واجلهة‪ ،‬مرورا‬
‫بالقبيلة‪ ،‬واجلامعة القروية واحلي السكني‪ .‬ومتثل نسبة هذه الفئة املتعددة االنتامءات‬
‫املحلية الصغرية ثلث املجيبني (‪ ،)33%‬ضمنهم ‪ 18%‬ممن أرجعوا انتامءهم األساس‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪25‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ملدينة أو دوار اإلقامة‪ .‬أما الفئة الثالثة التي حددت انتامءها األساس يف الدوائر‬
‫األوسع‪ ،‬مثل إفريقيا‪ ،‬والعامل العريب‪ ،‬والعامل األمازيغي‪ ،‬والعامل اإلسالمي‪ ،‬ثم العامل‬
‫كله‪ ،‬فقد زادت نسبتها قليال عن الثلث (‪ .)36%‬ومن اجلدير بالذكر هنا أنه بالرغم‬
‫مما حصل يف السنوات األخرية من انفتاح واسع عىل إفريقيا سياسيا‪ ،‬واقتصاديا‪،‬‬
‫ودينيا‪ ،‬وثقافيا‪ ،‬فإن نسبة من حددوا انتامءهم الرئيس إلفريقيا ال تتعدى ‪ ،2%‬وهي‬
‫مماثلة يف ذلك للعامل العريب‪.‬‬

‫إن اعتبار ثلث املجيبني تقريبا أن االنتامء األهم بالنسبة هلم هو االنتامء املحيل‬
‫يمكن أن يفهم كدعوة لتعزيز االنتامء الوطني بتقليص الفوارق بني األقاليم واجلهات‪.‬‬
‫إذا مل يكن هنالك أدنى شك يف الشعور القوي بانتامء املغاربة لوطنهم‪ ،‬فإن التأكيد مع‬
‫ذلك عىل أن األهم هو املحيل‪ ،‬نوع من االحتجاج عىل الفوارق القائمة بني اجلامعات‬
‫الرتابية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن االنتظار املعرب عنه هنا يتمثل يف بناء وطن ينعم كل أبنائه عىل قدم‬
‫املساواة بخرياته وموارده‪ .‬كام أن تثمني االنتامء إىل «العامل اإلسالمي» و«العامل أمجع»‬
‫(عىل التوايل ‪ 15%‬و‪ 14%‬من جمموع املجيبني)‪ ،‬هو بمثابة دعوة إىل توثيق الروابط‬
‫والتحالفات اخلارجية بناء عىل معيار العقيدة الدينية املشرتكة (التي تشمل هبذا املعنى‬
‫جماال واسعا من العامل العريب وإفريقيا)‪ ،‬ويف ذات اآلن‪ ،‬إىل االنفتاح عىل الرشاكة‬
‫والتعاون مع خمتلف بلدان العامل‪.‬‬

‫‪ .3‬اختيارات وأولويات قيمية‬


‫وأمام بعض أنامط السلوك واالختيارات القيمية الصعبة‪ ،‬أوضح املجيبون‬
‫أولوياهتم وانتظاراهتم‪ .‬فقد تبني أن ما بني ‪ 72%‬و‪ 81%‬من املجيبني اعتربوا أن‬
‫االختيارات التي تؤدي بصاحبها إىل «عدم أداء الرضيبة لو أتيحت له الفرصة»‪،‬‬
‫و«الكذب لتحقيق مصلحة شخصية»‪ ،‬و«قبول دفع رشوة لتحقيق مصلحة»‪ ،‬و«إعطاء‬
‫هدايا للحصول عىل خدمات عمومية»‪ ،‬و«تقديم خدمة ألصدقاء‪/‬أقرباء بدال ملن‬
‫يستحقها»‪ ،‬و«عدم أداء تذكرة ثمن النقل احلرضي»‪ ،‬كلها غري مربرة؛ وأن االختيار‬
‫الوحيد الذي حظي بدعم واسع من لدن املجيبني هو ذاك الذي يتعلق «بتقديم معلومة‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪26‬‬


‫للسلطات حول شخص ما حتقيقا للعدالة»‪ .‬فقد اعتربه ‪ 83%‬منهم «مربرا»‪ ،‬بل «مربرا‬
‫جدا»‪ .‬إهنم ينتظرون تفعيل القيم التي ترفض عىل أساسها هذه السلوكيات املنافية‬
‫للقانون واألخالق العامة وتعترب غري مربرة‪.‬‬

‫أما املجيبون الذين ينظرون إىل هذه االختيارات باعتبارها «مربرة» أو «مربرة‬
‫جدا»‪ ،‬فإهنم يوحون بأن مسؤولية اإلخالل بالقيم عىل املستويات املذكورة تقع عىل‬
‫كاهل املؤسسات املكلفة بتقديم خدمات للمواطنني‪ .‬وكأن لسان حاهلم يقول‪ :‬بام‬
‫أن الرضيبة «جمحفة» فإنه جيوز عدم أدائها إن سنحت الفرصة لذلك‪ ،‬وبام أن اإلدارة‬
‫«معيقة» للمبادرة والنشاط فإنه جيوز تليني بعض موظفيها بالرشوة واهلدايا‪ ،‬وبام أن‬
‫سعر حافلة النقل مرتفع‪ ،‬فإنه جيوز عدم أداء ثمن التذكرة‪ ...‬التحدي بالنسبة هلذه‬
‫الفئة الثانية ال يتمثل يف التزام األفراد بمقتضيات القيم فكريا وسلوكيا‪ ،‬وإنام يف مدى‬
‫تفعيل القيم يف املؤسسات القائمة عن طريق إنشاء نظام رضيبي عادل‪ ،‬وإدارة يف خدمة‬
‫املواطن واملجتمع‪ ،‬ووسائل نقل ذات تكلفة يف متناول مستعمليها‪ ،‬ومؤسسات تشتغل‬
‫بمبدإ االستحقاق‪ ...‬عندئذ فقط‪ ،‬لن تعود‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬املامرسات املخلة بالقيم مربرة‪.‬‬

‫وبموازاة ذلك‪ ،‬تم التساؤل‪ ،‬ليس فقط عن أنامط حمددة من السلوك‪ ،‬وإنام أيضا‬
‫عن قيم بعينها‪ .‬فوقع النظر عىل قيم نعرف مسبقا مركزيتها وأمهيتها القصوى يف كل‬
‫املجتمعات بام فيها املجتمع املغريب‪ ،‬لكن ال ندري موقع كل منها عىل سلم التفضيل‬
‫االجتامعي‪ .‬إن القيم املعنية هي احلرية واملساواة واألمن والبيئة‪.‬‬

‫ويف هذا اإلطار‪ ،‬تبني أن ‪ 10/6‬من املجيببني (‪ )60%‬يفضلون املساواة‪ ،‬بينام ‪10/4‬‬
‫منهم (‪ )38%‬تقريبا يفضلون احلرية‪ .‬ويعني هذا التفاوت بني النسبتني أنه إذا كانت‬
‫قيمة املساواة أهم يف نظرهم من قيمة احلرية‪ ،‬فإن هذه األخرية ال ختلو‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬من‬
‫أمهية وجاذبية ما دامت قد اختريت من لدن ‪ 609‬من املجيبني من جمموع ‪ .1600‬فلامذا‬
‫مالت كفة االختيار للمساواة عوض احلرية؟‬

‫بالنظر ملا يتميز به املجتمع املغريب حاليا من فوارق بني اجلهات واألقاليم‪ ،‬والوسط‬
‫احلرضي والقروي‪ ،‬وبني األوضاع االجتامعية واالقتصادية لألفراد واجلامعات‪ ،‬وبني‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪27‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬نفهم دواعي تطلع أغلب املجيبني لتفضيل املساواة عىل احلرية‪ .‬خاصة‬
‫وأن املساواة تتأسس عىل العدالة‪ ،‬والتوزيع املتساوي للحقوق السياسية والقدرات‬
‫الفردية ‪ ،capacités individuelles‬وموارد العيش‪ ،‬وفرص االرتقاء االجتامعي‪،‬‬
‫وحظوظ النجاح يف احلياة‪ .‬زد عىل ذلك أن ممارسة احلرية ليست يف متناول من يفتقر‬
‫إىل املوارد املادية‪ ،‬واملؤهالت التعليمية والتكوينية‪ ،‬واالختيارات التي متكنه أن ينتقي‬
‫منها ما يرغب ويفضل‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬قد يقود حتقيق املزيد من املساواة إىل املزيد‬
‫من توسيع فضاء احلريات الفردية واجلامعية‪ .‬ولطاملا تم التأكيد عىل الرتابط القوي بني‬
‫املساواة السياسية واحلرية السياسية‪ .‬فال يمكن ملواطن يعيش يف الدونية السياسية أن‬
‫يكون حرا‪.‬‬

‫واختار ‪ 77%‬من املجيبني األمن‪ ،‬يف حني مل يتم اختيار احلرية سوى من لدن‬
‫‪ 21%‬منهم‪ .‬وما نعنيه باحلرية هنا يتمثل باألساس يف التنقل وفقا للرغبة الذاتية‪ ،‬ودرء‬
‫احلياة اخلاصة واحلميمية عن األعني اخلارجية‪ ،‬وحرية التواصل مع اآلخرين دون أن‬
‫يتم االطالع عىل حمتوى الرسائل املتبادلة‪ .‬لقد اتضح أن األمن‪ ،‬باعتباره حتررا من‬
‫اخلوف ومحاية من آثار األحداث الصادمة واملهددة للحياة‪ ،‬والتي قد حتدث يف الفضاء‬
‫العام‪ ،‬مقر العمل أو البيت‪ ،‬أو حتى يف الفضاء األزرق‪ ،‬متثل االختيار األول واألهم‬
‫بالنسبة للمغاربة‪ ،‬يف مقابل املساواة واحلرية‪.‬‬

‫وكأن يف التفضيل العريض والواسع لقيمة األمن دعوة للحفاظ عىل املكتسبات‬
‫الثمينة املسجلة عىل هذا الصعيد‪ ،‬وتعزيزا للنهج االستباقي يف ما قد يتعرض له املغرب‬
‫مستقبال من هتديدات أمنية‪ .‬فام هو املدى الذي يمكن أن تبلغه الدولة يف احلد من‬
‫احلقوق واحلريات الفردية حلفظ األمن وضامن استمراريته؟ أين توجد احلدود التي‬
‫ال جيب ختطيها حتى ال يلحق أي مساس بدولة القانون؟ فال وجود حلقوق أساسية‬
‫مطلقة‪ ،‬بل هلا كلها حدود‪ .‬وال يمكن أن تنعم أي مجاعة باحلرية ومتارس حقوقها‪ ،‬إال‬
‫إذا كانت تعيش يف أمن وسالم‪.‬‬

‫وعندما طلب من أفراد العينة أن حيددوا أولويتهم بخصوص العالقة بني البيئة‬
‫والنمو االقتصادي‪ ،‬ويبينوا هل يفضلون محاية البيئة بام قد يرتتب عن ذلك من تباطؤ‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪28‬‬


‫نسبي للنمو االقتصادي وفقدان لبعض مناصب الشغل؛ أو إعطاء األولوية للنمو‬
‫االقتصادي وخلق بعض مناصب الشغل مع ما قد ينجم عن ذلك من أرضار بيئية؛ أو‬
‫الرتكيز عىل االستثامرات االقتصادية غري امللوثة ختفيفا لألرضار عىل البيئة‪ ،‬أجاب ‪72%‬‬
‫من املجيبني أن االختيار الثالث هو األقرب إىل وجهة نظرهم‪.‬‬

‫‪ .4‬القيم واإلعالم السمعي ‪ -‬البصري‬


‫وفيام خيص العالقة بني القيم واإلعالم السمعي ‪ -‬البرصي‪ ،‬حاولنا أن نرى إىل‬
‫أي مدى يرى أفراد العينة أن هذا األخري يفعل القيم‪ .‬واعتامدا عىل حساب اجتاه العينة‬
‫إحصائيا‪ ،‬تبني أن املجيبني متفقون مع املقوالت التالية‪:‬‬

‫‪y‬التلفزيون يبخس صورة املرأة؛‬

‫‪y‬التلفزيون يشجع عىل العنف؛‬

‫‪y‬التلفزيون يشجع عىل اإلفراط يف االستهالك‪.‬‬

‫‪y‬وباملقابل‪ ،‬اتضح أهنم غري متفقني مع املقوالت التالية‪:‬‬

‫‪y‬التلفزيون يعيل من قيمة الثقافة؛‬

‫‪y‬التلفزيون يعزز القيم اإلسالمية؛‬

‫‪y‬التلفزيون ينرش قيام أخالقية محيدة؛‬

‫‪y‬التلفزيون يعلم القارصين احرتام األرسة‪.‬‬

‫وفيام يتعلق بخاصيات الربامج اإلذاعية والتلفزيونية‪ ،‬تبني من حتديد املتوسط‬


‫احلسايب‪ ،‬ثم اجتاه العينة‪ ،‬أن املجيبني وضعوا قيمة «احلشمة» ضمن االختيار األول‪ ،‬أي‬
‫األهم؛ واالنتظارات التالية ضمن االختيار الثاين‪:‬‬

‫‪y‬أن تكون منفتحة عىل آراء اجلمهور؛‬

‫‪y‬أن حترتم اهلوية اإلسالمية؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪29‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬أن تعالج مشاكل احلارض؛‬

‫‪y‬أن تضيف معارف جديدة‪/‬حديثة؛‬

‫‪y‬أن تكون منفتحة عىل العامل؛‬

‫‪y‬أن تكون ذات طابع تربوي‪.‬‬

‫ثم وضعوا انتظاراهتم التالية ضمن االختيار الثالث‪ ،‬وهو األقل أمهية بالنسبة‬
‫هلم‪:‬‬

‫‪y‬أن تبث بلغة مفهومة لدى أغلب املتابعني؛‬

‫‪y‬أن تكون فيها متعة ونشاط؛‬

‫‪y‬أن تزود املواطن باألخبار؛‬

‫‪y‬أن تكون معززة لقيم املواطنة؛‬

‫‪y‬أن تبعث رسائلها الثقة يف النفوس؛‬

‫‪y‬أن حترتم تعدد اآلراء‪.‬‬

‫ونظرا ألمهية اللغة يف اإلعالم السمعي‪-‬البرصي‪ ،‬حاولنا أن نعرف رأي املجيبني‬


‫بخصوص اللغة التي يفضلون الزيادة يف استعامهلا يف املستقبل القريب‪ .‬فتبني أن اللغات‬
‫التي حظيت بأعىل نسب املؤيدين لتفضيل الزيادة يف استعامهلا (االختيار األول) هي‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ /1y‬العربية الفصحى (‪ 39%‬من املجيبني)؛‬

‫‪ /2y‬الدارجة املغربية املحلية (‪)30%‬؛‬

‫‪ /3y‬اللغة اإلنجليزية (‪)15%‬؛‬

‫‪ /4y‬اللغة األمازيغية (‪)8%‬؛‬

‫‪ /5y‬اللغة الفرنسية (‪.)6%‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪30‬‬


‫وعموما‪ ،‬يتضح أن أكثر من ¾ من أفراد العينة (‪ )77%‬يفضلون‪ ،‬ضمن االختيار‬
‫األول‪ ،‬الزيادة يف استعامل اللغات الرسمية والوطنية؛ مقابل ‪ 23%‬ممن يفضلون الزيادة‬
‫يف استعامل اللغات األجنبية‪.‬‬

‫‪ .5‬القيم والعمل‬
‫ويف ما خيص العالقة بني القيم والعمل‪ ،‬عرب املجيبون عن االنتظارات التالية‪:‬‬

‫‪ 48% /1y‬من أفراد العينة يفضلون التشغيل الذايت؛‬

‫‪ 37% /2y‬منهم يفضلون العمل يف القطاع العمومي؛‬

‫‪ 9% /3y‬منهم يفضلون العمل يف القطاع اخلاص؛‬

‫‪ 3% /4y‬منهم يفضلون العمل يف القطاع املدين‪ ،‬أي يف مجعية‪ ،‬أو تعاونية‪ ،‬أو‬
‫ما إىل ذلك‪.‬‬

‫عىل أن ما يلفت االنتباه يف هذه االختيارات هو أوال‪ ،‬اهتامم ما يقرب من نصف‬


‫املجيبني بالتشغيل الذايت )‪ ،(48%‬ومثل هذا االختيار يتامشى والتوجه احلايل للدولة‬
‫نحو دعم الشباب عند طرح مشاريعهم وإنشاء مقاوالهتم‪ ،‬ويؤكد الوعي املتنامي لدهيم‬
‫بخصوص حمدودية التشغيل يف القطاع العمومي‪ .‬يلفت االنتباه كذلك التفاوت الشاسع‬
‫بني نسبة الراغبني يف العمل بالقطاع العمومي‪ ،‬ونسبة الراغبني منهم يف العمل بالقطاع‬
‫اخلاص‪ .‬وجيدر بالذكر أيضا قلة الراغبني يف العمل بمؤسسات املجتمع املدين‪ ،‬بالرغم‬
‫من اآلمال املعقودة عليها يف تشغيل الشباب والنساء‪ ،‬وخصوصا منهن القرويات‪.‬‬

‫وبالنسبة لألسباب الكامنة وراء تفضيل العمل يف القطاع العمومي‪ ،‬ذكر‬


‫‪ 27%‬من املجيبني‪ ،‬ويف إطار االختيار األول‪ ،‬عامل “االستقرار يف العمل”‪ .‬ويف إطار‬
‫االختيار الثاين‪ ،‬ذكر ‪ 17%‬منهم عامل “التغطية الصحية واالجتامعية مضمونة”‪ ،‬و‪7%‬‬
‫العامل املتمثل يف كون “ساعات العمل حمددة”‪ .‬أما باقي األسباب‪ ،‬فلم حتظ سوى‬
‫بنسب ضئيلة‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪31‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫وبخصوص آليات احلصول عىل منصب شغل‪ ،‬أتاح حتديد اجتاه العينة أي‬
‫الطرق التي يضعها املجيبون ضمن االختيار األول‪ ،‬والطرق األخرى التي يضعها‬
‫املجيبون ضمن االختيار الثاين‪.‬‬

‫اآلليات املعتمدة ضمن االختيار األول‪:‬‬

‫‪y‬عن طريق تدخل العائلة؛‬

‫‪y‬بالواسطة (عالقات شخصية)؛‬

‫‪y‬عن طريق مباراة‪.‬‬

‫اآلليات املعتمدة ضمن االختيار الثاين‪:‬‬

‫‪y‬عن طريق اإلعالنات؛‬

‫‪y‬بتقديم رشوة؛‬

‫‪y‬بالعالقة اجلنسية؛‬

‫‪y‬عرب اتصال من طرف صاحب العمل؛‬

‫‪y‬عن طريق هيئات رسمية للتشغيل؛‬

‫‪y‬العمل الشخيص‪.‬‬

‫نالحظ أن االختيار األول‪ ،‬ضمن اجتاه العينة‪ ،‬يتضمن «تدخل العائلة»‬


‫و«الواسطة»‪ ،‬ومها أسلوبان ال يمتان بصلة للطرق املوضوعية املفروض انتهاجها‪ .‬أما‬
‫«املباراة» التي وردت هي أيضا ضمن هذا االختيار األول‪ ،‬فإن كانت‪ ،‬نظريا‪ ،‬تبدو‬
‫موضوعية‪ ،‬إال أهنا ال تتم دائام‪ ،‬عند التطبيق‪ ،‬وفقا للمعايري التي وضعت هلا‪ ،‬حيث‬
‫حيدث أن تفسد الواسطة وأشكال شتى من التدخل حياد واستقاللية املرشفني عليها‪.‬‬
‫ومما يلفت االنتباه أيضا يف هذا اجلدول‪ ،‬أوال‪ ،‬تأكيد املجيبني عىل الدور اهلاميش‬
‫للهيئات الرسمية يف التشغيل؛ وثانيا‪ ،‬عدم اقتناع أغلب املجيبني بأمهية العمل واملجهود‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪32‬‬


‫الشخيص يف احلصول عىل شغل؛ وثالثا‪ ،‬استمرار تداول الرشوة يف ميدان التشغيل‪،‬‬
‫وذلك بالنسبة ملا يقرب من ثلث املجيبني‪.‬‬

‫وعند اقرتاحنا عىل املجيبني جمموعة من اخلاصيات القيمية التي يتميز هبا العمل‪،‬‬
‫منها ما هو مادي‪ ،‬ومنها ما هو اجتامعي وسيكولوجي‪ ،‬وطلبنا منهم أن حيددوا بالنسبة‬
‫لكل واحدة منها ما إذا كانت مهمة أو غري مهمة‪ ،‬أجابت الغالبية الساحقة منهم بأهنا‬
‫كلها مهمة‪ .‬ونذكر يف ما ييل اخلاصيات املقرتحة‪« :‬عمل دخله مناسب» (‪« ،)96%‬عمل‬
‫متميز بعطل مهمة» (‪« ،)67%‬املساواة يف العمل» (‪« ،)89%‬عمل يستمع فيه لرأيك‬
‫عند اختاذ القرارت اهلامة» (‪ ،)83%‬و«عمل يتحمل فيه العامل املسؤولية» (‪،)81%‬‬
‫«عمل حيث يمكن املبادرة» (‪« ،)79%‬التوقيت املناسب» (‪« ،)87%‬عمل متناسب‬
‫مع احلياة األرسية» (‪ ،)87%‬عمل يعطي االنطباع بالنجاح يف يشء ما» (‪ ،)86%‬وتأيت‬
‫بعد ذلك اخلاصيات التي تثمن العمل باعتباره «خدمة للمجتمع»‪ ،‬ووسيلة «لعقد‬
‫عالقات اجتامعية مع اآلخرين»‪ ،‬و«تناسب العمل مع التكوين» والتي جاءت نسب‬
‫من اعتربوها «مهمة» متثل تقريبا ¾ من املجيبني‪ .‬ومهام كانت درجة التفاوت يف نسب‬
‫من نظروا إىل هذه اخلاصيات عىل أهنا ذات أمهية‪ ،‬يبقى أن القاسم بينها كلها هو أن أكثر‬
‫من ثلثي املجيبني اعتربوها‪ ،‬بدون استثناء‪« ،‬مهمة»‪.‬‬

‫وبخصوص اجتاهات املجيبني جتاه العالقة تعليم – عمل‪ ،‬يتبني أن أكثر من ثلثي‬
‫أفراد العينة‪( ،‬حوايل ‪ )68%‬ال يرون أن التعليم «يعد التالميذ للشغل»‪ ،‬وال «إلنشاء‬
‫مقاولة»‪ ،‬وال «إلنجاز عملهم بإتقان»‪ .‬وحتى اإلعداد «لالندماج السهل يف املجتمع»‪،‬‬
‫أو «للعمل اجلامعي» حيظى بتأييد أقل من نصف املجيبني (حوايل ‪ .)42%‬إذ تتميز‬
‫املؤسسة التعليمية يف نظرهم بقصور يف تعزيز قيم العمل‪ ،‬وإتقان العمل‪ ،‬والثقافة‬
‫املقاوالتية‪ ،‬واالندماج املهني واالجتامعي‪ ،‬والعمل بتنسيق وتعاون مع اآلخرين‪.‬‬

‫‪ .6‬الثقة يف اآلخرين ويف املؤسسات‬


‫إن الثقة قيمة جوهرية يف تيسري العالقات االجتامعية وضامن استمرارها‬
‫وفعاليتها‪ .‬بوجودها يصري التعاون بني املواطنني ممكنا‪ ،‬وحل املشاكل املستعصية‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪33‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫أسهل‪ ،‬وإجراء املبادالت واملعامالت االقتصادية والتجارية بمخاطر أقل‪ ،‬خاصة‬
‫عند عدم انتظام املراقبة احلكومية‪ .‬ويمكن تعريف الثقة يف األفراد باعتبارها االقتناع‬
‫بمصداقيتهم‪ ،‬وصدقهم وقدراهتم؛ والثقة يف املؤسسات باعتبارها االعتقاد يف‬
‫مصداقيتها‪ ،‬وصدقها وقدراهتا‪.‬‬

‫لقد انتقل املجتمع املغريب إىل حد بعيد من عالقات ثقة مشخصنة سادت ضمن‬
‫مجاعات حملية صغرية وقوية التامسك‪ ،‬إىل عالقات ثقة يف إطار مجاعات أوسع‪ ،‬خمتلطة‬
‫سكانيا وثقافيا‪ ،‬ومتميزة بروابط جمردة تقل فيها الثقة القائمة عىل أساس العالقة‬
‫بالشخص‪ ،‬ليتم تعويضها بالثقة يف املؤسسات‪.‬‬

‫وتعترب الثقة يف املؤسسات‪ ،‬بام يرتبط هبا من معتقدات واجتاهات‪ ،‬ركيزة أساسية‬
‫للنظام الديموقراطي‪ ،‬وأحد العوامل األساسية الضامنة الستمراره واحلافظة لرشعيته‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬قد يؤدي تدين الثقة يف املؤسسات إىل تقلص املشاركة الديموقراطية‪ ،‬وتراجع‬
‫االنخراط يف األنشطة املدنية‪ ،‬وتزايد التهرب الرضيبي‪ ،‬وتراجع السلوك املطابق‬
‫للقانون‪ ،‬وفقدان قدر كبري من الرأسامل االجتامعي الذي بدونه يصعب تعبئة اجلامعات‬
‫والعمل معها‪.‬‬

‫تبني عىل هذا الصعيد أن املجيبني أميل إىل عدم الثقة منهم إىل الثقة‪ .‬فقد اتضح‬
‫أن ‪ 40%‬منهم تقريبا يتميزون «بثقة منعدمة» و«ضعيفة» يف أغلب الناس‪ .‬ونعتقد أن‬
‫هذه النسبة كافية للجزم بأن املجتمع املغريب‪ ،‬يف عالقات مواطنيه بعضهم ببعض‪ ،‬يعاين‬
‫نسبيا من أزمة ثقة‪ .‬ويزداد هذا املعطى حدة عندما نضيف نسبة من هلم «ثقة متوسطة»‬
‫يف اآلخرين (‪ ،)36%‬فيكون لدينا حينئذ ما يزيد عىل ¾ من املغاربة (‪ )77%‬ثقتهم يف‬
‫أغلب الناس موزعة تقريبا بكيفية متوازنة بني «ثقة منعدمة وضعيفة»‪ ،‬ثم «متوسطة»‪.‬‬
‫أما من هلم «ثقة ال بأس هبا» و«ثقة تامة» يف أغلب الناس‪ ،‬فال تبلغ نسبتهم حتى ربع‬
‫املجيبني (‪ ،)23%‬علام بأن من هلم «ثقة تامة» ال تتعدى نسبتهم ‪.4%‬‬

‫وعند حتديد اجتاه العينة بخصوص الثقة املوضوعة يف بعض املؤسسات‬


‫احليوية يف البالد‪ ،‬يتبني أن األرسة حتظى بثقة تامة؛ وأن مؤسسات املدرسة واجلامعة‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪34‬‬


‫ومؤسسة حفظ األمن العام‪ ،‬حتظى بثقة متوسطة؛ وأن املستشفى العمومي‪ ،‬واملحكمة‪،‬‬
‫واجلمعية‪ ،‬واإلذاعات والقنوات التلفزيونية املغربية‪ ،‬والشبكات االجتامعية‪،‬‬
‫واإلدارة العمومية‪ ،‬حتظى بثقة ضعيفة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬نسجل أن ما يقرب من ثلثي‬
‫املؤسسات املذكورة (‪ )64%‬حتظى بثقة ضعيفة‪ ،‬و‪ 27%‬منها بثقة متوسطة‪ ،‬و‪ 9%‬بثقة‬
‫تامة‪ .‬وعندما نستثني األرسة من هذه املؤسسات‪ ،‬ونحاول معرفة نسبة تفعيل القيم‬
‫يف املؤسسات املذكورة‪ ،‬يتبني لنا حينئذ أن القيم مفعلة يف ‪ 46%‬من املؤسسات‪ ،‬وغري‬
‫مفعلة يف ‪ 50%‬منها‪.‬‬

‫‪ .7‬اجتاهات وانتظارات املغاربة من التفعيل املؤسسي للقيم‬


‫تتمثل أمهية التفعيل املؤسيس للقيم يف أن ما قد يتعرض له األفراد من عدم إنصاف‬
‫واحرتام‪ ،‬وعدم نزاهة وصدق يف التعامل كثريا ما يؤدي إىل تقليص الثقة يف املؤسسة‬
‫املعنية‪ ،‬ودرجة الرىض عن اخلدمات املقدمة‪ ،‬بل قد يصل ذلك إىل حد االنسحاب من‬
‫األفعال واألنشطة التطوعية‪ ،‬وتراجع مستوى الرىض عن العمل احلكومي والنسق‬
‫اإلداري‪ ،‬وصوال إىل عدم املشاركة السياسية‪.‬‬

‫ويقيم األفراد املؤسسات العمومية انطالقا من النتائج التي حتققها يف تعاملها‬


‫معهم‪ ،‬وكذا استنادا إىل القيم اخلاصة واملتقاسمة التي يفرتض أهنا تشتغل يف سياقها‪ .‬كام‬
‫حيدد األفراد اجتاهاهتم نحو املؤسسات العمومية بكيفية متغرية حسب القطاع املعني‪،‬‬
‫وانطالقا من املعلومات املستقاة من اإلعالم‪ ،‬واتصاالهتم الشخصية مع اآلخرين‪،‬‬
‫وجتارهبم املبارشة مع خمتلف القطاعات اخلدماتية‪ .‬وإذا ما شاع عن مؤسسة ما بأهنا غري‬
‫عادلة ومنصفة‪ ،‬وال تعامل املواطنني واملواطنات عىل قدم املساواة‪ ،‬فإن ذيوع مثل هذه‬
‫الصور واألحكام عنها يؤثر سلبا عىل املناخ التدبريي داخلها‪ ،‬ويعيق قدرهتا عىل بناء‬
‫عالقات ثقة مع املجتمع‪.‬‬

‫وتبعا هلذا املنظور نتساءل‪ :‬إىل أي حد يشعر أفراد العينة بالرىض عند تعاملهم مع‬
‫املؤسسات العمومية؟ يتبني من معطيات اجلدول أن أكرب نسبة (‪ )80%‬ممن ال يشعرون‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪35‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫بالرىض تسجل عندما يتعلق األمر «بالرسعة يف أداء اخلدمة»‪ ،‬وذلك بسبب أن هذا‬
‫األداء بطيء وال يتم بالوترية املطلوبة‪ .‬بعد ذلك نالحظ أن نسبة من املجيبني ترتاوح‬
‫بني ‪ 70%‬و‪ 79%‬يعربون هم أيضا عن عدم رضاهم بخصوص االضطرار «لالنتظار‬
‫لنيل اخلدمة»‪ ،‬وبسبب انعدام «الشفافية يف التواصل»‪ ،‬وعدم احلرص عىل «املساواة‬
‫يف التعامل»‪ ،‬وعدم «إرشاكهم عند اختاذ القرار» الذي خيصهم‪ .‬وحتى يف ما خيص‬
‫كيفية «االستقبال عند دخول اإلدارة»‪ ،‬أو «احرتام» املرتفق داخلها‪ ،‬يعرب حوايل نصف‬
‫املجيبني عن عدم رضاهم‪ .‬واضح إذن أن هنالك مشكال حقيقيا عىل صعيد االتصال‬
‫ما بني املواطن(ة) واإلدارة‪ ،‬والكيفية التي يعامل هبا عندما يبارش قضاء مصاحله‬
‫باملؤسسات العمومية‪.‬‬

‫وماذا عن إمكانية االستشارة املحتملة للساكنة املحلية يف حالة ما إذا كانت‬


‫اإلدارة أو مؤسسة ما مقبلة عىل اختاذ قرار يمس أوضاع األرس واجلامعة؟ هل يتوقع‬
‫املجيبون االستامع إليهم قبل اختاذ القرار وفسح املجال أمامهم للتعبري عن انشغاالهتم؟‬
‫أكثر من ¾ منهم (‪ )76%‬جييبون بأن مثل هذا االحتامل «منعدم وضعيف»‪ .‬فاملؤسسة‬
‫العمومية‪ ،‬يف نظر أغلبهم تتخذ قراراهتا دون إجراء مشاورات قبلية مع الساكنة املحلية‬
‫املعنية هبا‪.‬‬

‫وهل يتوقع املجيبون أن يعامل موظفو املؤسسة العمومية‪ ،‬عىل قدم املساواة‪،‬‬
‫أشخاصا خمتلفني من حيث اللغة‪ ،‬أو األصل اجلهوي‪ ،‬أو االنتامء القبيل؟ جييب ‪ 45%‬من‬
‫املجيني بأن مثل هذا التوقع «منعدم وضعيف»‪ ،‬و‪ 38%‬بأنه «توقع متوسط»‪ ،‬أي يمكن‬
‫أن حيدث أو ال حيدث‪ ،‬و‪ 14%‬منهم فقط عربوا عن «توقع قوي» هبذا اخلصوص‪ .‬فام‬
‫زالت املسافة التي يتعني قطعها لتحقيق «املساواة» بني املواطنني‪/‬املواطنات وتفعيل هذه‬
‫القيمة يف املؤسسة العمومية طويلة نسبيا‪.‬‬

‫وسألنا املجيبني حول مدى اتفاقهم أو عدم اتفاقهم مع الرأي املتمثل يف كون‬
‫«جودة اخلدمات املقدمة ترتبط بالعالقة الشخصية القائمة ما بني املواطن(ة) واملوظف»‪.‬‬
‫فكانت اإلجابة أن ‪ 86%‬من املجيبني عربوا عن «اتفاقهم التام» و«اتفاقهم» مع هذا‬
‫الرأي‪ .‬فطاملا أن هنالك تداخال بني الشخيص واملهني يف العمل باملؤسسات العمومية‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪36‬‬


‫وتأثريا للمكون الشخيص يف توجيه عمل املوظف‪ ،‬فإنه يتعذر احلديث عن مساواة‬
‫املواطنني‪/‬املواطنات أمام اإلدارة العمومية‪.‬‬

‫ومن خالل العالقة املبارشة أو غري املبارشة ما بني املواطنني‪/‬املواطنات‬


‫واملؤسسات العمومية‪ ،‬عمدنا إىل حتديد اجتاهات أفراد العينة نحو جمموعة من األحكام‬
‫واآلراء اإلجيابية املقرتحة بخصوص هذه املؤسسات‪ .‬فتبني يف هذا الصدد أن اتفاق‬
‫املجيبني حصل فقط بالنسبة للرأي التايل‪« :‬يتم التعامل معي باحرتام»‪ ،‬لكنهم مل يتفقوا‬
‫مع أي من اآلراء واألحكام التالية‪:‬‬

‫‪y‬تتم مساعديت عندما يربز مشكل ما؛‬

‫‪y‬يتعامل املوظف معي بشفافية يف ما يقدمه يل من توضيحات؛‬

‫‪y‬يتعامل املوظف معي عىل قدم املساواة مع اآلخرين؛‬

‫‪y‬يتعامل املوظف معي بتسامح؛‬

‫‪y‬يقدم يل املوظف املشورة حتقيقا ملصلحتي؛‬

‫‪y‬تقدم اإلدارة خدمات ذات جودة؛‬

‫‪y‬سمعة اإلدارة طيبة يف أوساط الساكنة املحلية؛‬

‫‪y‬يسعى املوظف إىل خدمة الصالح العام‪.‬‬

‫وحتى ننزل بمقاربتنا املنهجية من العمومية إىل اخلصوصية‪ ،‬نحدد اجتاه أفراد‬
‫العينة بخصوص املؤسسات املعنية بمدى تفعيل القيم‪ ،‬لكن هذه املرة يف عالقتها بمدى‬
‫توقع املجيبني لقبول موظفي ومستخدمي كل منها للرشوة‪.‬‬

‫وقد أتى احتامل تسلم الرشوة قويا بالنسبة للمؤسسات التالية‪:‬‬

‫‪y‬اجلامعة الرتابية؛‬

‫‪y‬املستشفى العمومي؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪37‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬املحكمة؛‬

‫‪y‬اإلدارة‪.‬‬

‫وأتى هذا االحتامل متوسطا بالنسبة للمؤسسات التالية‪:‬‬

‫‪y‬املقاولة؛‬

‫‪y‬الصحافة املكتوبة؛‬

‫‪y‬اإلعالم املرئي؛‬

‫‪y‬اجلامعة‪.‬‬

‫ومل يأت هذا االحتامل ضعيفا سوى بالنسبة ملؤسسة املدرسة‪.‬‬

‫وإذا كان العديد من أفراد العينة يتوقعون تداول الرشوة يف بعض املؤسسات‬
‫العمومية‪ ،‬فامذا يستشف من جتارهبم الشخصية‪ ،‬وجتارب أرسهم وجرياهنم بخصوص‬
‫طلبها فعال يف هذه املؤسسات؟ ويف أي مؤسسات تطلب الرشوة “دائام”‪“ ،‬غالبا”‪،‬‬
‫“نادرا”‪ ،‬أو “ال تطلب أبدا”‪.‬‬

‫وسعيا إىل معرفة إىل أي مدى حترض الرشوة يف بعض املؤسسات ووفق أي‬
‫انتظام‪ ،‬عمدنا هنا أيضا إىل حتديد اجتاه أفراد العينة فتبني‪ ،‬انطالقا من جتارب املجيبني‬
‫وأرسهم وجرياهنم‪ ،‬أن الرشوة “غري موجودة أبدا” يف املدرسة؛ و”موجودة نادرا” يف‬
‫اجلامعة‪ ،‬لكن “موجودة دائام” يف املستشفى‪ .‬واتضح أن الرشوة موجودة “غالبا” يف‬
‫املؤسسات التالية‪ :‬املحكمة‪ ،‬اجلامعة الرتابية‪ ،‬املقاولة‪ ،‬اإلدارة املكلفة بالنقل‪ ،‬اإلدارة‬
‫املكلفة بالسكن‪ ،‬واملؤسسة اإلعالمية‪.‬‬

‫ودائام يف إطار تعامل املؤسسات العمومية مع املواطنني‪ ،‬حاولنا أن نعرف ما إذا‬


‫كان املجيبون قد تعرضوا لفعل عنيف عند تواجدهم هبذه املؤسسات‪ ،‬وذلك من لدن‬
‫أحد العاملني فيها‪ .‬وحتى نتالىف العنف الناجم عن تداعيات كوفيد ‪ ،19‬ونحصل عىل‬
‫جواب واحد فقط بالنسبة لكل مؤسسة‪ ،‬طلبنا من املجيبني أن يذكروا شكال واحدا من‬
‫العنف تعرضوا له قبل سنة ‪ ،2020‬وكان له أكرب األثر عليهم‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪38‬‬


‫من بني أشكال العنف املقدمة يف اجلدول ‪ ،6.7‬لفت انتباهنا‪ ،‬أوال‪“ ،‬التحرش‬
‫اجلنيس” الذي يبدو أن نسب املجيببات اللوايت تعرضن له‪ ،‬يف كل املؤسسات العمومية‬
‫املذكورة باستثناء املدرسة‪ ،‬تفوق نسبة املجيبني الذين تعرضوا للعنف اجلسدي‪ .‬ويعني‬
‫ذلك أن نسبة مهمة من التحرش اجلنيس ال حتدث فقط يف الفضاء العام‪ ،‬وإنام أيضا‬
‫داخل املؤسسات العمومية إن اعتربناها جماال خصوصيا خارج الفضاء العام‪ .‬يلفت‬
‫انتباهنا‪ ،‬ثانيا‪ ،‬أن نسبة املجيبني الذين تعرضوا للعنف اجلسدي يف املدارس االبتدائية‪،‬‬
‫أو الثانويات اإلعدادية‪ ،‬أو الثانويات التأهيلية‪ ،‬يفوق بكثري نسبة من تعرضوا له يف‬
‫املؤسسات العمومية األخرى (‪ .)18%‬فمثال‪ ،‬املستشفى العمومي الذي يأيت يف الرتبة‬
‫الثانية من حيث ارتفاع عدد من تعرضوا يف نطاقه للعنف‪ ،‬مل تتعد نسبة من عنفوا‬
‫جسديا يف نطاقه ‪ .2%‬نالحظ‪ ،‬ثالثا‪ ،‬أن املؤسسات العمومية التي تعرضت فيها‬
‫أعىل نسبة من املجيبني للعنف اللفظي هي‪ ،‬حسب ترتيب تنازيل‪ ،‬املستشفى (‪،)26%‬‬
‫اجلامعة الرتابية (‪ ،)20%‬ثم املدرسة (‪ .)16%‬وسجلت أعىل نسبة ملن تعرضوا للعنف‬
‫النفيس يف املستشفى العمومي (‪ ،)22%‬وهي نسبة متثل ضعف النسبة املسجلة يف‬
‫املحكمة واجلامعة‪ .‬وتأيت اجلامعة الرتابية يف الرتبة الثانية من حيث نسبة املجيبني الذين‬
‫أخربوا عن تعرضهم للعنف النفيس يف نطاقها (‪ .)14%‬أما بخصوص املجيبني الذين‬
‫“مل يتعرضوا للعنف أبدا” يف أي من املؤسسات املذكورة أعاله‪ ،‬فقد تراوحت نسبها‬
‫بني ‪ 45%‬و‪ .57%‬ويعني ذلك أن نصف أفراد العينة تقريبا تعرضوا‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬لفعل‬
‫عنيف واحد ترك يف ذاكرهتم ونفسيتهم أكرب األثر‪.‬‬

‫واعتامدا عىل حساب اجتاه أفراد العينة ومتوسط األجوبة املحصل عليها‪،‬‬
‫يتضح‪ ،‬أوال‪ ،‬أن املجيبني ممن هلم عالقة مبارشة أو غري مبارشة باملدرسة يشعرون بأهنم‬
‫“حمرتمون” داخلها؛ وثانيا‪ ،‬يتفقون عىل أن “املدرسني يبذلون املجهودات الرضورية‬
‫خدمة للتالميذ”‪ ،‬وأهنم “يتلقون املساعدة عند بروز مشكل ما”‪ ،‬وعىل أن “العاملني‬
‫يف املدرسة يشتغلون دون مقابل”‪ ،‬وأن “العاملني يف املدرسة يفكرون يف مصلحة‬
‫التالميذ”‪ ،‬وأن “املدرسة قريبة منهم وهم قريبون منها”‪ .‬إال أن املجيبني ال يتفقون مع‬
‫الرأي القائل بأن “اإلداريني يتعاملون وفقا ملبدأ املساواة مع التالميذ”‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪39‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ومن بني املامرسات املنافية ألسلوب التدبري اجليد يف التنظيامت احلديثة‪ ،‬هو أال‬
‫حتفز املؤسسة‪ ،‬ونعني هبا هنا املدرسة‪ ،‬مرتفقيها عىل “تقييم جودة خدماهتا”‪ ،‬ولو يف‬
‫بعض مكوناهتا‪ ،‬ما يبقيها يف غفلة وجهل لوجهة نظر التالميذ وأوليائهم باعتبارهم‬
‫مرتفقني مبارشين خلدمات املؤسسة الرتبوية‪ ،‬وحيرمها بالتايل من تلقي مالحظات‬
‫واقرتاحات كان من املمكن أن تسهم يف تصحيح املسار وإعادة توجيه عملها نحو‬
‫أهداف أكثر دقة ومالءمة‪ .‬ففي الدراسة التي نحن بصددها‪ ،‬يتبني أن أكثر من ثلثي‬
‫املجيبني (‪ )68%‬يرون أن املدرسة ال حتفز مرتفقيها عىل تقييم جودة خدماهتا‪.‬‬

‫واقرتحنا أيضا أحكاما إجيابية ختص املستشفى العمومي‪ ،‬وطلبنا من أفراد العينة‬
‫أن جييبوا‪ ،‬هنا أيضا‪ ،‬باالتفاق أم عدم االتفاق بخصوص كل حكم مقرتح‪ .‬ويتأكد مرة‬
‫أخرى أن املستشفى يمثل املؤسسة التي تعلن أعىل نسبة من املجيبني عدم اتفاقها جتاه‬
‫األحكام اإلجيابية املقرتحة بخصوصها‪ .‬هناك استياء واسع يف ما يتعلق بمدى تفعيل‬
‫القيم يف هذه املؤسسة‪ ،‬وبجودة اخلدمات والرعاية املقدمة من قبل العاملني فيها‪.‬‬

‫ويتبني من األجوبة املتعلقة بتحديد اجتاه العينة أن املجيبني ال يتفقون مع أي‬


‫من العبارات اإلجيابية املقرتحة حول املستشفى وأطره‪ .‬وقد صيغت هذه العبارات عىل‬
‫الشكل التايل‪:‬‬

‫‪y‬يتعامل العاملون مع املرىض بكيفية متساوية؛‬

‫‪y‬يشتغل كل األطباء يف املستشفى دون طلب أي مقابل؛‬

‫‪y‬يشتغل كل املمرضني يف املستشفى دون طلب أي مقابل؛‬

‫‪y‬يتم التعامل معي باحرتام كلام ذهبت إىل املستشفى؛‬

‫‪y‬تتم مساعديت عندما يربز مشكل ما؛‬

‫‪y‬يفكر العاملون يف املستشفى يف مصلحة املرىض؛‬

‫‪y‬يبعث أطباء املستشفى الثقة يف نفوس املرىض؛‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪40‬‬


‫‪y‬يقدم العاملون يف املستشفى للمرىض ما يكفي من املعلومات والرشوح؛‬

‫‪y‬حيظى املرىض يف املستشفى برعاية مرضية (حسن املعاملة واملرافقة)‪.‬‬

‫وعىل غرار ما عرب عنه املجيبون بخصوص املستشفى العمومي‪ ،‬نجدهم‪،‬‬


‫يوافقون بنسب عالية‪ ،‬ولو أهنا أدنى قليال مما سجل بخصوص املستشفى‪ ،‬عىل األحكام‬
‫السلبية املقرتحة بالنسبة لإلدارة الرتابية (املرتبطة باجلامعة املنتخبة) والقطاعية (التابعة‬
‫ملختلف الوزارات) واملحكمة؛ لكن يف مقابل ذلك‪ ،‬يبدون عدم موافقتهم عىل األحكام‬
‫اإلجيابية املتعلقة بمامرسات موظفي هاته املؤسسات‪.‬‬

‫وتوضيحا للمالحظات اآلنفة الذكر‪ ،‬نقدم يف ما ييل العبارات التي تم حتديد‬


‫اجتاه العينة بخصوصها‪ .‬وقد متت املوافقة عىل العبارتني السلبيتني التاليتني‪:‬‬

‫‪y‬يوجد فيها أشخاص يبحثون عن مصاحلهم اخلاصة؛‬

‫‪y‬تتخذ قرارات دون استشارة املرتفقني؛‬

‫ومل تتم املوافقة عىل العبارات اإلجيابية التالية‪:‬‬

‫‪y‬أغلب املستخدمني ينجزون عملهم بجدية؛‬

‫‪y‬يؤدي املستخدمون املهام املنوطة هبم؛‬

‫‪y‬تبذل أقىص اجلهود لضامن خدمات مرضية؛‬

‫‪y‬حتفز اإلدارة املرتفقني عىل تقييم جودة خدماهتا؛‬

‫‪y‬يسعى املستخدمون دائام إىل جتويد خدماهتم‪.‬‬

‫ويف ما يتعلق باللغة التي يفضل املجيبون استعامهلا يف عالقتهم باإلدارة‪ ،‬وكام‬
‫كان متوقعا‪ ،‬تم تفضيل اللغات الرسمية والوطنية عىل اللغات األجنبية‪ .‬فقد اختريت‬
‫اللغة العربية من لدن ‪ 85%‬من املجيبني‪ ،‬ثم الدارجة املغربية من طرف ‪ 80%‬منهم‪،‬‬
‫واللغة األمازيغية من لدن ‪ ،69%‬ثم احلسانية من لدن ‪ 15%‬من املجيبني‪ .‬أما بخصوص‬
‫اللغات األجنبية‪ ،‬فقد تم اختيار اللغة الفرنسية من لدن ‪ 47%‬منهم‪ .‬كام اختريت اللغة‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪41‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫اإلنجليزية من طرف ‪ 34%‬من املجيبني‪ ،‬وهذه نسبة مرتفعة بالنظر إىل أن هذه اللغة مل‬
‫يرشع يف تداوهلا يف النظام التعليمي املغريب‪ ،‬باعتبارها لغة أجنبية ثانية‪ ،‬سوى يف فرتة‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫أما اللغة اإلسبانية‪ ،‬فلم يتم اختيارها سوى من لدن ‪ ،7%‬األمر الذي يبني‬
‫تدين االهتامم باالستمرار يف استعامهلا‪ ،‬خاصة بعدما تم تعويضها باللغة الفرنسية عىل‬
‫نطاق واسع‪ .‬وال بد أن نسجل أن أكثر من نصف املجيبني (‪ )56%‬اختاروا كذلك لغة‬
‫اإلشارات خدمة ألصحاب االحتياجات اخلاصة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬اعترب نصف أفراد العينة أن التواصل البني‪-‬الشخيص املبارش‬
‫مع اإلدارة “مريض متاما” و“مريض قليال”‪ ،‬مع مالحظة أن نسبة من عربوا عن “الرىض‬
‫التام” ال تتعدى ‪.10%‬‬

‫أما يف ما خيص التواصل اإللكرتوين وباهلاتف مع اإلدارة‪ ،‬فلم يعرب من املجيبني‬


‫عن رضاهم التام سوى ‪ 5%‬و‪ ،6%‬عىل التوايل‪ .‬أما من عربوا عن القليل من الرىض‬
‫هبذا اخلصوص‪ ،‬فظل يف حدود نسبة تزيد قليال عن ربع أفراد العينة‪ .‬ثم إن ما بني ‪7%‬‬
‫إىل ‪ 8%‬أجابوا “ال أعرف” بخصوص التواصل اإللكرتوين واهلاتفي‪ ،‬ما يطرح حتدي‬
‫التحكم يف استعامل هذه التقنيات‪ ،‬خاصة بالنسبة للفئات التي مل تنل حظها من التعليم‪.‬‬

‫وعند حساب متوسط عدد املجيبني الذين اعتربوا أن القيم مفعلة يف املؤسسات‬
‫املذكورة‪ ،‬والعدد املتوسط للذين اعتربوا أهنا غري مفعلة‪ ،‬وذلك عرب أغلب جداول‬
‫املحور السابع‪ ،‬متكنا من رصد مجاعتني رئيسيتني‪ :‬مجاعة من اعتربوا أن القيم مفعلة‬
‫يف املؤسسات العمومية‪ ،‬ونسبتها من جمموع أفراد العينة ‪36%‬؛ ومجاعة من اعتربوا أهنا‬
‫غري مفعلة‪ ،‬ونسبتها ‪ .58%‬أما نسبة ‪ 6%‬املتبقية‪ ،‬فتخص أفراد العينة املدرجني يف خانتي‬
‫“ال أعرف”‪ ،‬و“بدون جواب”‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬اجلامعة األوىل ال ترى أن هنالك حاجة‬
‫ألي تغيري قيمي يف املؤسسات؛ بينام اجلامعة الثانية‪ ،‬والتي تتكون تقريبا من ‪ 10/6‬من‬
‫املجيبني‪ ،‬تنتظر عموما أن يتحقق التفعيل املؤسيس للقيم يف املستقبل القريب‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪42‬‬


‫‪ .8‬القيم واملستقبل‬
‫اعترب ما يقرب من ¾ من املجيبني (‪ )74%‬أن “احتالل العمل لوقت أطول‬
‫يف حياتنا” سيكون أمرا “سيئا”‪ .‬وبنفس هذا احلكم السلبي عرب ما يقرب من الثلثني‬
‫منهم (‪ )62%‬عن امتعاضهم بخصوص “حضور أكرب لوسائل التواصل اإللكرتوين يف‬
‫حياتنا”‪ .‬لكن يف مقابل ذلك‪ ،‬استحسن ما يزيد عىل ثلثي املجيبني (‪ )67%‬تطور املجتمع‬
‫عىل املدى القريب نحو “تقدير أكرب ملؤسسات األمن العمومي”؛ وما يقرب من الثلثني‬
‫منهم (‪“ )65%‬حتقق املناصفة بني الرجال والنساء يف حتمل املسؤوليات”‪.‬‬

‫فإذا كان العمل بصيغته املعارصة يستحوذ عىل قسط وافر من وقت األفراد‬
‫و“زمن األرس”‪ ،‬فام بالك لو ازدادت كثافته واتسع نطاقه؟ أي مآل ينتظر احلياة‬
‫الفردية واألرسية لو ازداد حضور الشبكات االجتامعية يف حياتنا اليومية؟ إننا نفهم‬
‫جيدا أن املغاربة ينتظرون التفكري استباقيا يف هذا األفق املتوقع واالستعداد منذ اآلن‬
‫إىل البحث عن السبل الكفيلة باتقاء ما قد ينجم عنه من خماطر‪ ،‬هذا بينام نجدهم‬
‫ينتظرون باستحسان تعزيز املؤسسات األمنية يف املجتمع‪ ،‬والتقدم يف حتقيق املناصفة‬
‫بني اجلنسني‪.‬‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬اقرتحنا عليهم جمموعة من االنتظارات هبدف معرفة “األهم” بالنسبة‬
‫هلم‪ ،‬ملتمسني منهم‪ ،‬يف ذات اآلن‪ ،‬تقديم جوابني مرتبني حسب األمهية‪ .‬ومن اجلدير‬
‫بالذكر أن هلذه االنتظارات ارتباط وثيق بقيم األمن‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬واجلامل‪ ،‬والشفافية‪،‬‬
‫والتضامن‪ ،‬واملناصفة‪ ،‬واحرتام القانون‪ .‬وعند حتديد اجتاه العينة حيال االنتظارات‬
‫املقدمة‪ ،‬تبني أن أفراد العينة وضعوا انتظارين ضمن االختيار األول‪ ،‬أي األهم‪:‬‬

‫‪y‬ضامن توفر البالد عىل مؤسسات أمنية قوية؛‬

‫‪y‬ضامن مشاركة أكرب للمواطنني يف القرارات احلكومية‪.‬‬

‫ثم وضعوا بقية االنتظارات ضمن االختيار الثاين‪ ،‬أي األقل أمهية‪:‬‬

‫‪y‬جعل البوادي واملدن أكثر مجالية؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪43‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬حتقيق شفافية أكرب يف التدبري العمومي؛‬

‫‪y‬حتقيق تضامن أكرب مع الفئات االجتامعية الفقرية؛‬

‫‪y‬التقدم يف حتقيق املناصفة بني اجلنسني؛‬

‫‪y‬حماربة الزيادة غري القانونية يف األسعار‪.‬‬

‫وبغية حتديد مميزات عالقة األفراد بالفضاء العام‪ ،‬واختبار مدى استعدادهم ألن‬
‫يكون لدهيم حضور فاعل يف نطاقه‪ ،‬ومشاركة نشطة يف أشكال التعبري االجتامعي ذات‬
‫التوجه السيايس واحلقوقي‪ ،‬سألناهم عن أشكال الفعل التي «تم القيام هبا سابقا»‪ ،‬أو‬
‫«حيتمل القيام هبا»‪ ،‬أو «لن يتم القيام هبا أبدا»‪ .‬لقد سعينا من خالل طرح هذا السؤال‬
‫إىل معرفة مدى القيمة التي يكتسيها كل من املجال اخلاص واملجال العام يف احلياة‬
‫االجتامعية لألفراد‪ ،‬ومدى انفتاحهم عىل أشكال معينة من املامرسة الديموقراطية‪.‬‬

‫فبخصوص الفعل الذي «تم القيام به» و«يمكن القيام به»‪ ،‬يتضح أن أجوبة أكثر‬
‫من ‪ 5/4‬من أفراد العينة (‪ )84%‬ختص «مقاطعة منتوج ما»؛ وأكثر قليال من ¾ منهم (ما‬
‫بني ‪ 75%‬و‪ )77%‬ختص «توقيع عرائض»‪ ،‬و«حضور مظاهرات سلمية»‪ ،‬و«التصويت‬
‫يف االنتخابات»؛ وأكثر قليال من الثلثني ختص «املشاركة يف إرضابات مهنية» (‪.)68%‬‬

‫وبصفة عامة‪ ،‬عندما نتتبع فئات املجيبني عن هذا السؤال‪َ ،‬بدْ ًء من الذين قاموا‬
‫باألفعال‪ ،‬إىل الذين أجابوا بأنه يمكنهم القيام هبا‪ ،‬وصوال إىل الذين اختاروا أال يقوموا‬
‫هبا أبدا‪ ،‬يتبني لنا أن نسب املجيبني تقل وتأخذ منحى تنازليا‪ ،‬باستثناء النسبة املتعلقة‬
‫باملشاركة يف اإلرضابات التي يعلو فيها «املمكن» عىل «الفعيل» بأكثر من الضعف (‪46%‬‬
‫مقابل ‪ ،)21%‬والنسبة املتعلقة «بتوقيع العرائض» التي يكاد أن يتساوى بخصوصها‬
‫«الفعيل» و«املمكن»‪ .‬ويصري املسار التنازيل يف نسب املجيبني أكثر جالء يف حالة‬
‫«مقاطعة منتوج ما»‪ ،‬حيث تنزل هذه النسبة من النصف‪ ،‬إىل الثلث‪ ،‬ثم إىل العرش‪.‬‬
‫ويف كل هذه احلاالت يظل السؤال مطروحا حول ما إذا كان املجيبون الذين قاموا فعال‬
‫بالسلوك يمكنهم أو ال يمكنهم الرجوع من جديد لنفس السلوك‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪44‬‬


‫إن من قاموا فعال بسلوك ما حيتمل أن يرجعوا من جديد إىل ممارسته‪ ،‬طبعا دون‬
‫تعميم هذا االحتامل بالرضورة عىل كل املجيبني املعنيني‪ .‬وإن أضفنا هذه الفئة لنسبة من‬
‫أجابوا بإمكانية قيامهم بذلك الفعل‪ ،‬فستكون لدينا‪ ،‬حينئذ‪ ،‬فئة عريضة ممن سيكونون‬
‫عىل استعداد للمشاركة يف عمليات االحتجاج واملطالبة باحلقوق يف الشهور والسنوات‬
‫القادمة‪ .‬خاصة وأن نسب من أجابوا «بعدم ممارسة هذا الفعل أبدا» ظلت حمصورة بني‬
‫‪ 11%‬و‪ 22%‬من جمموع املستجوبني‪.‬‬

‫ويف التساؤل املوايل‪ ،‬حاولنا حتديد ما إذا كان للحكومة احلق يف استعامل طرق‬
‫ووسائل معينة يف تتبع ومراقبة بعض جوانب احلياة اخلاصة للمغاربة‪ .‬فهل حيق‬
‫للحكومة‪ ،‬من وجهة نظر املواطنني‪/‬املواطنات‪ ،‬تنصيب كامريات يف الشوارع قصد‬
‫تتبع حركة األفراد ورؤيتهم باستمرار يف الفضاء العام‪ ،‬وتوظيفها يف «اقتحام» حياهتم‬
‫اخلاصة؟ وإذا كان اإلنرتنيت ال يستعمل فقط يف البحث عن املعرفة والتواصل مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬وإنام أيضا يف خدمة التطرف واإلرهاب‪ ،‬أال حيق يف مثل هذه احلاالت للدولة‬
‫املغربية أن تراقب الرسائل اإللكرتونية؟ أم أن هذه املراقبة متثل‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬خرقا حلقوق‬
‫اإلنسان وحرية التعبري واملبادئ الديموقراطية بصفة عامة؟ وهل يقبل املواطنون‪/‬‬
‫املواطنات أن تقوم بعض الرشكات الكربى املديرة للشبكات االجتامعية من مجع‬
‫للمعطيات الشخصية اخلاصة باملشرتكني قصد الرشوع يف استعامهلا ألغراض جتارية أو‬
‫سياسية‪ ،‬ودون علم منهم؟‬

‫لقد قمنا بتحديد اجتاه العينة بخصوص هذه االنتظارات الثالث‪ ،‬فتبني أن‬
‫املجيبني مل حيسموا بوضوح يف هذا األمر‪ .‬فلم جييبوا بأنه «حيق هلا متاما» أن تقوم بذلك‪،‬‬
‫وال بأنه «ال حيق هلا بتاتا» القيام بذلك‪ .‬بل عربوا عن «تأييد مرتدد» («ربام حيق هلا»)‬
‫بخصوص العبارة التالية‪:‬‬

‫‪y‬مراقبة األفراد باستعامل الكامريا يف الفضاءات العامة‪.‬‬

‫ثم عربوا عن “عدم تأييد مرتدد” (ربام ال حيق هلا) بخصوص العبارتني التاليتني‪:‬‬

‫‪y‬مراقبة الرسائل اإللكرتونية املتبادلة يف اإلنرتنيت؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪45‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬مجع املعلومات حول األفراد دون معرفة منهم‪.‬‬

‫أخريا وليس آخرا‪ ،‬سعينا إىل رصد واختيار القيم التي تعتربها نسبة مهمة وغالبة‬
‫من املغاربة ذات أولوية يف تعاملهم مع املؤسسات خالل السنوات القليلة القادمة‪.‬‬
‫ونصوغ سؤالنا عىل الشكل التايل‪ :‬وفق أي ترتيب وأولوية حيدد املغاربة انتظاراهتم‬
‫القيمية‪ ،‬عىل املدى القريب‪ ،‬يف عالقتهم باملؤسسات؟‬

‫يتبني من أجوبة االختيار األول أن القيمة التي تنتظر أكرب نسبة من املجيبني أن‬
‫جيدوها مفعلة يف املؤسسات هي «الثقة»‪ ،‬حيث ذكرها ‪ 26%‬منهم‪ .‬تأيت بعد ذلك قيمة‬
‫«العدالة» (‪ 12%‬من املستجوبني)‪« ،‬األمن العام» (‪ ،)10%‬ثم «الشفافية»‪ ،‬و«اإلخالص يف‬
‫العمل»‪ ،‬و«احرتام احلقوق والواجبات» (‪ ،)9%‬وبعد ذلك تأيت «املساواة» و«التضامن»‬
‫(عىل التوايل‪ 7% ،‬و‪ .)5%‬ونرى أن هذه القيم التي اعتربها املغاربة ذات أولوية يف ما‬
‫ينتظرونه من املؤسسات يف السنوات القادمة تشكل يف واقع األمر عنقودا قيميا متثل‬
‫فيه الثقة القيمة املعربة عن مدى التفعيل املؤسيس احلاصل بالنسبة للقيم األخرى‪ .‬أي‬
‫أنه كلام تعاملت املؤسسات مع املواطن(ة) وفقا ملبادئ العدالة‪ ،‬وحافظت عىل األمن‬
‫العام‪ ،‬وتواصلت بشفافية مع املواطنني واملرتفقني‪ ،‬وعمل موظفوها ومستخدموها‬
‫بنزاهة وإخالص‪ ،‬واحرتموا حقوق اآلخرين مع تذكريهم بواجباهتم‪ ،‬واختذوا من‬
‫قيمتي املساواة والتضامن نرباسا لسلوكهم وتعاملهم‪ ،‬كلام اكتسبوا ثقة املغاربة‪.‬‬

‫ومن امللفت لالنتباه أن قيمة «احلرية» مل يذكرها سوى ‪ 3%‬من املجيبني‪ ،‬حيث‬
‫مل تتعد نسبتهم‪ ،‬يف االختيارين الثاين والثالث‪ .3% ،‬األمر الذي يثبت أن هاته القيمة ال‬
‫متثل انتظارا يف مستوى أمهية االنتظارات الثامنية السابقة‪ .‬وجيدر بالذكر كذلك أن قيمة‬
‫«املواطنة» التي ترتبط هبا العديد من القيم االجتامعية واألخالقية الرضورية للعيش‬
‫املشرتك‪ ،‬ظلت النسب املتعلقة هبا ترتاوح ما بني ‪ 1%‬و‪.4%‬‬

‫وتبني املقاربة الشمولية الختيارات اجلواب الثالث مدى اختالف اجتاه العينة‬
‫بالنسبة ملختلف القيم‪ ،‬حيث تندرج قيمة «الثقة» وحدها ضمن االختيار األول‪،‬‬
‫أي األهم‪ ،‬وقيمتي «املشاركة» و«املواطنة» ضمن االختيار الثالث‪ ،‬أي األقل أمهية‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪46‬‬


‫ثم باقي القيم األخرى (التضامن‪ ،‬األمن العام‪ ،‬األمن األرسي‪ ،‬العدالة‪ ،‬الشفافية‪،‬‬
‫التسامح‪ ،‬اإلخالص يف العمل‪ ،‬االستقرار‪ ،‬احرتام احلقوق والواجبات‪ ،‬احلرية‪ ،‬الدمج‬
‫االجتامعي‪ ،‬املساواة‪ ،‬والفعالية)‪ ،‬ضمن االختيار الثاين‪.‬‬

‫خالصة‬
‫تتخلل هذه الدراسة اجتاهات املغاربة الرافضة للعديد من القيم املضادة وأنامط‬
‫السلوك املعرب عنها‪ .‬ونعني بذلك قيم مضادة وممارسات من قبيل الرشوة‪ ،‬والواسطة‪،‬‬
‫والعنف‪ ،‬واملحسوبية‪ ،‬وعدم املساواة والتضامن‪ ،‬والتعصب‪ ،‬والفردانية السلبية‪،‬‬
‫واإلخالل بالواجبات العمومية واجلامعية واملدنية‪ ،‬وعدم التحيل بروح املواطنة‪،‬‬
‫وعدم احرتام البيئة واللغات الرسمية والوطنية‪ ،‬وانعدام الشفافية وروح املساعدة‬
‫واالحرتام‪ ،‬وعدم االهتامم بالتجويد والتقييم‪ ،‬وعدم إرشاك املواطنني يف القرار‪ ،‬وعدم‬
‫استجابة اإلعالم لبعض انتظارات املواطنني‪ ،‬والعمل الذي ال يستجيب للحاجيات‬
‫السيكولوجية واألرسية واالجتامعية لألفراد‪ ،‬والتعليم غري املالئم حلاجة الشباب إىل‬
‫االندماج املهني واالجتامعي‪ ،‬وعدم مراعاة الصالح العام‪ ...‬لقد استعاض املواطنون‪/‬‬
‫املواطنات عن هذه القيم املضادة بانتظارات قيمية عربوا عنها‪ ،‬تارة بكيفية رصحية‪،‬‬
‫وتارة بكيفية ضمنية‪ .‬ومن شأن تفعيل املؤسسة هلذه القيم أن يؤنسن عالقتها باملواطنني‪،‬‬
‫ويعزز ثقتهم يف ما تنهض به من مهام ومسؤوليات‪ ،‬ويسهم بشكل ملموس يف حتسني‬
‫جودة عيشهم‪ ،‬وينعكس إجيابيا حتى عىل مردودية املؤسسة ذاهتا‪.‬‬

‫وتتمثل االنتظارات القيمية للمواطنني املغاربة يف تكريس ثقافة تتشكل من قيم‬


‫ومعايري وممارسات متوارثة وحمافظة ما زال هنالك اعتقاد راسخ يف مالءمتها للهوية‬
‫الدينية والوطنية وللمقتضيات األخالقية‪ ،‬وانفتاح متزايد عىل احلداثة والقيم الكونية‪.‬‬
‫إنه التعبري القيمي عن جمتمع يعرب حاليا مرحلة انتقالية من التقليد إىل احلداثة‪ ،‬لكن‬
‫يعلن يف ذات اآلن‪ ،‬تشبثه ببعض قيمه األصيلة واملرتسخة يف معتقداته الدينية ونسيجه‬
‫االجتامعي والثقايف‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪47‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫وعىل مستوى االختيارات واالنتظارات املتعلقة بالقيم املادية وغري املادية‪ ،‬يبدي‬
‫املبحوثون اهتاممهم هبام معا‪ .‬فبسبب تواضع مستوى األجور‪ ،‬وصعوبة إجياد منصب‬
‫شغل دائم‪ ،‬يركز املجيبون عىل عوامل مادية من قبيل الدخل املناسب‪ ،‬واالستقرار‬
‫يف العمل‪ ،‬والتغطية االجتامعية والصحية‪ ،‬وساعات العمل املحددة‪ ،‬وأمهية العطل‪،‬‬
‫وتوقيت الشغل‪ ،‬وتناسب الشغل مع التكوين‪ ،‬وقابليته للتوفيق مع احلياة األرسية‪.‬‬
‫وما يلفت االنتباه كذلك هو أهنم مل يقللوا من أمهية القيم غري املادية‪ ،‬أي االجتامعية‬
‫والسيكولوجية‪ ،‬حيث أكدت األغلبية منهم عىل املساواة يف العمل‪ ،‬وإمكانية القيام‬
‫بمبادرة‪ ،‬وحتمل املسؤولية يف العمل‪ ،‬واالستامع للعامل عند اختاذ قرارات هامة‪،‬‬
‫والشعور بخدمة املجتمع وفرحة النجاح يف يشء ما‪ ،‬وتوافر فرص لعقد عالقات‬
‫اجتامعية مع اآلخرين‪ .‬كل هذه اخلاصيات القيمية‪ ،‬بشقيها املادي وغري املادي‪ ،‬ينتظر‬
‫املواطنون‪/‬املواطنات أن تصري مفعلة يف ميادين الشغل باملغرب‪.‬‬

‫لقد متيزت اجتاهات وانتظارات املشاركني يف الدراسة كذلك بنوع من الواقعية‪،‬‬


‫بحيث تم التعبري عنها بمراعاة اخلصوصية الدينية والثقافية للمجتمع املغريب‪ ،‬والتجارب‬
‫األرسية الفعلية‪ ،‬والفرص اجلديدة املتوفرة يف ميدان التشغيل‪ ،‬وأولوية االجتامعي عىل‬
‫الفردي‪ ،‬إضافة إىل ختصيص عناية خاصة بتقوية املؤسسات األمنية‪ ،‬ومواصلة مرشوع‬
‫املناصفة بني اجلنسني‪ .‬لقد تم التأكيد عىل أن هنالك قيم دينية يف املجتمع يتعني تكريسها‬
‫ونرشها واحرتامها مؤسسيا‪ ،‬وعىل أن حماربة العنف املنزيل ال يمكن أن تتم خارج نطاق‬
‫احلوار املبارش مع الزوج‪ ،‬أو عرب تدخل األرسة والسلطات األمنية والقضائية‪ ،‬وأنه‬
‫يتعني من اآلن فصاعدا االعتامد عىل التشغيل الذايت‪ ،‬وأن حتقيق املساواة واألمن حيظى‬
‫باألولوية مقارنة باحلرية الفردية‪.‬‬

‫لقد وضع املواطنون‪/‬املواطنات «الثقة» يف قمة السلم القيمي‪ ،‬وهي ما كان يعرب‬
‫عنه سابقا «بالنية»‪ .‬لقد اسرتجعوا هذه القيمة املركزية من تراثهم الثقايف واالجتامعي‬
‫وحولوها إىل انتظار أسايس يودون حتققه يف الروابط املبارشة التي تشدهم إىل بعضهم‬
‫البعض‪ ،‬وكذا يف عالقاهتم القادمة باملؤسسات العمومية احلديثة‪ .‬وأدرجوا الثقة ضمن‬
‫عنقود من القيم اختاروا أن تكون مكملة هلا‪ ،‬وهي قيم العدالة‪ ،‬واألمن العام‪ ،‬والشفافية‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪48‬‬


‫واإلخالص يف العمل‪ ،‬واحرتام احلقوق والواجبات‪ ،‬واملساواة‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والنزاهة‪،‬‬
‫واملساعدة‪ ،‬وحسن املعاملة‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬واجلودة‪ ،‬والسلم‪ ،‬واملشاورة‪ ،‬واحرتام‬
‫الكرامة‪ .‬إنه العنقود القيمي الذي ينتظر املغاربة تفعيله يف املؤسسات العمومية‪.‬‬

‫وبموازاة إحلاح املجيبني عىل ما يتعني عىل املؤسسات السمعية ‪ -‬البرصية تقديمه‬
‫بخصوص مراعاة قيم احلشمة‪ ،‬والرتبية احلسنة‪ ،‬والقيم واألخالق اإلسالمية‪ ،‬وتعليم‬
‫األطفال واليافعني احرتام األرسة‪ ،‬وتفعيل القيم يف الوصالت اإلشهارية‪ ،‬وبث برامج‬
‫تنبذ العنف وتعيل من شأن السلم‪ ،‬ومتنح االهتامم الالزم للرتبية والثقافة‪ ،‬وتقديم نامذج‬
‫لشخصيات ‪ -‬قدوة بام تفعله من قيم يف حياهتا‪ ،‬والتوجه نحو نرش صور إجيابية عن‬
‫املرأة‪ ،‬يؤكدون‪ ،‬باإلضافة لذلك‪ ،‬عىل أمهية بث معظمها باللغات الرسمية والوطنية‪،‬‬
‫وينتظرون من املؤسسة اإلعالمية‪ ،‬بشقيها اإلذاعي والتلفزيوين‪ ،‬أن تعرف بمشاكل‬
‫احلارض‪ ،‬ومتكن املتتبعني لرباجمها من معارف حديثة وجديدة‪ ،‬وتتجه إىل االنفتاح‬
‫عىل اجلمهور‪ ،‬بل عىل العامل برمته‪ ،‬وعىل فسح جمال أوسع يف براجمها للغة اإلنجليزية‬
‫باعتبارها لغة العلم واملستقبل‪.‬‬

‫وبخصوص املؤسسات العمومية‪ ،‬ينتظر املجيبون أن تنتقل من مؤسسات تشتغل‬


‫بمعايري املحسوبية والوساطة‪ ،‬ويف بعض احلاالت االرتشاء‪ ،‬وال حيظى فيها املواطنون‬
‫بام هو منصوص عليه قانونا من حسن استقبال وعناية‪ ،‬ومساواة يف التعامل‪ ،‬وشفافية‬
‫يف التواصل‪ ،‬وعدالة ورسعة يف االستجابة للمطالب وترصيف للملفات‪ ،‬واحرتام‬
‫لكرامة املواطنني‪ ،‬وإرشاك يف اختاذ القرار األكثر مالءمة ملصاحلهم‪ ...‬إىل مؤسسات‬
‫عقالنية‪ ،‬غري مشخصنة‪ ،‬موضوعية يف تعاملها مع املواطنني‪ ،‬ومراعية لقيم ومبادئ‬
‫حقوق اإلنسان يف استقبال وتأدية خدماهتا للمواطنني‪.‬‬

‫يبدو أن القضايا القيمية قد صارت قضايا جوهرية بالنسبة للمسؤولني‬


‫واملواطنني‪/‬املواطنات عىل حد سواء‪ .‬ويف سياق ازدياد حاالت عدم الرىض عن الكيفية‬
‫التي تؤدى هبا العديد من اخلدمات للمواطنني‪/‬املواطنات‪ ،‬صار انغراس اختيارات‬
‫التغيري يف تربة القيم األساسية يكتيس أمهية جديدة‪ ،‬حتى ولو أن تغيري السلوك القيمي‬
‫يستغرق وقتا أطول من تغيري املباين والتجهيزات والتقنيات‪ ،‬وأن أصحاب املصالح ممن‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪49‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫يستفيدون من الوضع املؤسيس احلايل لن يكفوا بسهولة عن مقاومة تغيريه والتصدي‬
‫ملا ينتظر أن يكون عليه مستقبال‪ ،‬خاصة يف «املؤسسات ذات احلركية البطيئة» املثقلة‬
‫بمواردها املادية والبرشية‪ ،‬املتشعبة بفروعها‪ ،‬واملمتدة يف غري جماالهتا املؤسسية‪.‬‬

‫وإذا كان مخس املجيبني فقط قد فضلوا احلرية عىل األمن‪ ،‬واملقصود هبا أساسا‬
‫حرية التنقل والتعبري‪ ،‬والتواصل عرب اإلنرتنيت‪ ،‬واحلفاظ عىل أرسار احلياة اخلاصة‬
‫واحلميمية‪ ،‬عليهم أن يعلموا بأنه من غري املمكن االستمتاع باحلرية يف ظروف غري آمنة‪.‬‬
‫فاملجتمعات املعارصة عموما‪ ،‬بام فيها املغرب‪ ،‬تتعرض لتهديدات وخماطر متنوعة‪،‬‬
‫وبالتايل يتعني أن تكون اإلجابة عن هذه التحديات املعقدة‪ ،‬متناسبة مع حجمها‬
‫وخطورهتا‪ ،‬وحمسوبة بالقدر الذي حيفظ دولة القانون واملكتسبات الديموقراطية‪،‬‬
‫ومدعمة بإجراءات تستمد رشعيتها من الدستور‪ ،‬ومتوازنة ومرنة حلظة وضع احلدود‬
‫للحقوق األساسية‪ ،‬وعند حتديد درجة األمن املنشودة‪ .‬فام ينتظره املواطنون‪/‬املواطنات‬
‫هو أال تكون الضامنات املمنوحة لتكريس احلقوق األساسية واحلريات الفردية غري‬
‫متوافقة مع مطلب حتقيق نتائج فعالة عىل الصعيد األمني‪ ،‬وال أن يتحقق األمن دون‬
‫تقوية مشاركة املواطنني‪/‬املواطنات يف القرارات احلكومية‪.‬‬

‫إن االجتاهات واالنتظارات املعرب عنها بخصوص حضور املواطنني‪/‬املواطنات‬


‫يف التظاهرات واالحتجاجات التي جرت‪ ،‬أو ستجري‪ ،‬يف الفضاء العام تؤرش‬
‫عن استمرار تعلقهم بتوظيف هذا الفضاء من أجل ممارسة حقوقهم الديموقراطية‬
‫يف املشاركة النقابية والسياسية والدفاع عن مطالبهم‪ .‬لذا‪ ،‬أكدت نسبة مرتفعة من‬
‫املجيبني‪ ،‬ليس فقط عىل مشاركتها الفعلية يف إرضابات ويف توقيع عرائض‪ ،‬وإنام أيضا‬
‫عىل احتامل رجوعها من جديد إىل ممارسة هذين احلقني مستقبال‪ .‬أما املامرسة املتعلقة‬
‫«بمقاطعة منتوج ما»‪ ،‬فيبدو أهنا عىل مسار تنازيل‪ ،‬حيث يتوقع أن تنخفض نسبة‬
‫ممارسيها املحتملني من النصف عىل مستوى املشاركة املتحققة فعال‪ ،‬إىل الثلث إبان‬
‫املشاركة املمكنة‪ ،‬ثم إىل العرش بخصوص املشاركة التي «لن تتم أبدا»‪.‬‬

‫وإذا كان املواطنون‪/‬املواطنات قد عربوا عن «تأييد مرتدد» («ربام حيق للحكومة»)‬


‫لتنصيب كامريات يف الفضاءات العامة حفاظا عىل األمن‪ ،‬فقد كانوا باملقابل أكثر‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪50‬‬


‫ميال «لعدم تأييد مرتدد» («ربام ال حيق للحكومة») «مراقبة الرسائل اإللكرتونية يف‬
‫اإلنرتنيت»‪ ،‬و«مجع املعلومات حول األفراد دون علم منهم»‪ .‬ويعني ذلك أنه ليس‬
‫لدى املجيبني انتظارات قطعية وواضحة يف هذا الشأن‪ ،‬بل فقط ميول نحو حلول‬
‫معينة‪ .‬لذا‪ ،‬يبدو أن املجيبني ال يدركون بعد بوضوح تام اآلثار التي يمكن أن ترتتب‬
‫عن اإلجراءات املشار إليها بالنسبة حلرياهتم وحقوقهم الفردية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪51‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪:‬‬
‫تغريات وانتظارات لدى املغاربة‬

‫التقرير الكيفي (امللخص التنفيذي)‬


‫‪ .1‬مقدمة‬
‫راكم املجتمع املغريب ادخارا قيميا غنيا بفضل قوة عمقه التارخيي وتعدد‬
‫روافده االجتامعية والثقافية‪ ،‬وهو ما أهله ليكون فاعال مؤثرا يف احلياة العامة‬
‫واخلاصة للمغاربة‪ ،‬ومسامها فعاال يف تأطري عالقاهتم وممارساهتم واختياراهتم‪،‬‬
‫وحتى أذواقهم وتفضيالهتم الشخصية‪ ،‬وذلك بام يستند إليه من مقتضيات‬
‫مرجعية قيمية ومعيارية‪.‬‬

‫وإذا كان التفعيل املؤسيس للقيم يعني باألساس املسؤولني والعاملني يف هذه‬
‫املؤسسات‪ ،‬فإنه هيم كذلك‪ ،‬ولو بدرجة أقل‪ ،‬املرتفقني املتعاملني معها‪ .‬ذلك أنه حيصل‬
‫أن يطلب املرتفقون من املؤسسات االنحراف عن املعايري القيمية قصد االستجابة‬
‫لطلباهتم‪ ،‬عرب اإلغراء املادي والعيني‪ ،‬أو باستغالل النفوذ وتعبئة الوساطات‪ ،‬وما إىل‬
‫ذلك من األساليب غري املرشوعة‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬استهدفت الدراسة‪ ،‬باإلضافة إىل معرفة آراء ممثيل املؤسسات موضوع‬
‫الدراسة من مسؤولني وموظفني حول مدى تفعيل القيم يف متثالت وسلوك بعض‬
‫املرتفقني عند تعاملهم مع املؤسسات العمومية واخلاصة واملدنية‪ ،‬حتديد انتظارات‬
‫املواطنات‪/‬املواطنني املغاربة املتصلة باملتطلبات القيمية الواجبة لتجويد أداء املرافق‬
‫العمومية واملؤسسات التنشئوية املشمولة هبذا البحث‪.‬‬

‫وقد استلزمت اإلحاطة بكل هذه املعطيات وتفاصيلها ضمن جتارب املعيش‬
‫اليومي للمغاربة‪ ،‬اعتامد بحث كيفي متنوع األدوات‪ ،‬لِ ُي ِع َ‬
‫ني عىل بناء فهم علمي واقعي‬
‫وتفاعيل‪ ،‬لواقع التفعيل القيمي يف أداء أبرز املؤسسات ذات احلضور املؤثر يف حياة‬
‫املغاربة‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪55‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫بيانات منهجية وميدانية عامة‬
‫تضمن التقرير العام تقديام تركيبيا للمعطيات امليدانية اخلاصة بالدراسة الكيفية‪.‬‬
‫ويتعلق األمر بميادين بحثية متقاربة وتلك التي تم اختيارها بالنسبة للدراسة الكمية‪،‬‬
‫وبذات التوزيع اجلغرايف اإلجرائي‪ .‬لذا‪ ،‬عمدنا إىل تطبيق هذه املنهجية‪ ،‬تارة بموازاة‬
‫البحث الكمي مع أشخاص من ذوي الدراية الواسعة بالقضايا واملواضيع املدروسة‪،‬‬
‫وتارة أخرى‪ ،‬مع أفراد من ذوي األوضاع املامثلة ملن أجابوا عن االستامرة‪ .‬وبلغ جمموع‬
‫عدد املشاركني يف البحث الكيفي‪ ،‬بالنسبة ملختلف أنواع املقابالت‪ 463 ،‬مشاركا‬
‫ومشاركة‪ ،‬من ضمنهم ‪ 251‬ذكور‪ ،‬و‪ 212‬إناث‪ ،‬إضافة إىل مستجوبني من خمتلف املهن‪،‬‬
‫وحتى بعض األشخاص العاطلني عن العمل‪.‬‬

‫تنظيم مقابالت املجموعات البؤرية‬


‫تم تنظيم ‪ 48‬مقابلة من هذا الصنف حول مؤسسات األرسة‪ ،‬واملدرسة‪،‬‬
‫واملستشفى‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬واملؤسسة اإلعالمية‪ ،‬واجلمعية‪ ،‬واملقاولة‪ ،‬واإلدارة‪ .‬وشارك يف‬
‫جمموع مقابالت املجموعات البؤرية ‪ 340‬مشاركا‪ ،‬من ضمنهم‪ 185 ،‬من الذكور‪ ،‬و‪155‬‬
‫من اإلناث‪ .‬وحسب نفس فئات السن املعتمدة يف الدراسة ككل‪.‬‬

‫إجراء مقابالت فردية‬


‫بلغ عدد املقابالت الفردية نصف املوجهة التي تم إجراؤها ‪ 83‬يف كل املجاالت‬
‫البحثية املعنية بالدراسة‪ ،‬ويف املناطق احلرضية والقروية املتصلة هبا‪ ،‬ومع اإلناث‬
‫والذكور‪ ،‬وأفراد من خمتلف فئات السن‪ .‬كام أجرينا بعض هذه املقابالت مع أشخاص ‪-‬‬
‫مصادر حول القضايا العامة التي هتم املجتمع املغريب ككل‪ ،‬وبعض القضايا اخلصوصية‬
‫التي هتم اجلهة؛ وبعضها اآلخر مع مواطنني مرتفقني هيمنا معرفة انتظاراهتم وتطلعاهتم‬
‫بخصوص مدى تغري القيم وتفعيلها يف املؤسسات‪ .‬وقد شارك يف املقابالت الفردية ‪42‬‬
‫مشاركة‪ ،‬و‪ 41‬مشاركا‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪56‬‬


‫ونعرض يف ما ييل أبرز النتائج واخلالصات التي انتهى إليها حتليل معطيات‬
‫البحث الكيفي‪ ،‬وذلك حسب كل مؤسسة من عينة املؤسسات املعتمدة موضوعا‬
‫وميدانا للدراسة‪ ،‬ووفقا ملا أفرزته معطياهتا من حماور‪.‬‬

‫‪ .2‬حالة مؤسسة األسرة‬


‫األسرة املغربية أمام حتدي التغيرات االجتماعية والثقافية‬
‫كشفت نتائج الدراسة الكيفية‪ ،‬أن ما يشكل قاسام مشرتكا بني األرس يف خمتلف‬
‫جهات اململكة‪ ،‬هو تعدد املرجعيات القيمية‪ ،‬حتى وإن ظهر أن دينامية التغري القيمي‬
‫تتسارع يف السنوات األخرية نحو اتساع حضور قيم كونية جديدة‪ ،‬خاصة يف املدن‬
‫الكربى‪ .‬وتبعا للنتائج نفسها‪ ،‬تتميز املرجعيات التي يمتح منها األفراد قيمهم داخل‬
‫األرسة بالتساكن بني مرجعية قيمية تقليدية توصف بأهنا يف طور الزوال‪ ،‬ومرجعية‬
‫قيمية جديدة يتزايد مفعوهلا بشكل أقوى مع تعاقب األجيال‪.‬‬

‫ويسجل املغاربة تراجعا لقيم كثرية يرون أهنا شكلت عىل الدوام مقوما هاما‬
‫لتضامن أفراد األرسة داخليا‪ ،‬ويف اجتاه حميطهم القريب‪ .‬فبني قيم أصيلة وقيم دخيلة‬
‫يقارن املشاركون يف البحث بني مرجعيتني قيميتني ويعددون‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬ما فقدته‬
‫األرسة من أدوار أدت إىل تراجع قيم التامسك االجتامعي‪ ،‬وقيم التعاون واالحرتام بني‬
‫األجيال‪ .‬مما ساهم يف اختالل تربية الناشئة وعدم ضبطها كام كان عليه األمر يف املايض‪.‬‬
‫ويرجع معظمهم ذلك إىل تراجع أدوار اآلباء يف الضبط واملراقبة واإلرشاد والتوجيه‪.‬‬

‫ويعزو الكثري منهم هذا الرتاجع يف الرتبية عىل القيم إىل التأثري الذي متارسه‬
‫قنوات تنشئوية أخرى ترسب قيام مضادة مل تألفها األرسة من قبل‪ ،‬مثل وسائل التواصل‬
‫الرقمي‪ ،‬حيث أبدى معظم املشاركني‪ ،‬يف هذا الصدد‪ ،‬قلقا من آثار االنتشار املتزايد‬
‫للتكنولوجيا عىل سلوك وقيم ومعتقدات أبنائهم وبناهتم‪ ،‬ومن ذلك ما يالحظ من‬
‫تراجع لقيم احلشمة والوقار واحرتام الوالدين‪ ،‬وما شمل ثقافتهم االستهالكية كذلك‬
‫من آثار سلبية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪57‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ولقد لوحظ‪ ،‬عىل ضوء آراء املستجوبني ومواقفهم‪ ،‬أن تفضيل املرجعية‬
‫التقليدية املرتكزة عىل قيم التضامن واجلوار والعرض والرشف واالحرتام بني األجيال‬
‫والرجولة والوقار و«املعقول» حيرض بشكل أقوى لدى املشاركني من مناطق جغرافية‬
‫حمددة‪ ،‬نذكر منها الواحات واألقاليم اجلنوبية الصحراوية‪ ،‬واألوساط القروية ملجاالت‬
‫البحث‪ ،‬يف مقابل فردنة جوانب معينة من احلياة اليومية‪ ،‬والرتكيز عىل قيم الربح‬
‫واملنفعة االقتصادية والتدبري االقتصادي املشرتك لألرسة باملراكز احلرضية الكربى ذات‬
‫الثقل االقتصادي (الرباط‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬مراكش‪ ،‬طنجة‪ ،‬فاس‪ .)...‬وهو أمر يرجع‬
‫إىل وترية التطور الذي ميز املدن عىل املستوى االقتصادي‪ ،‬وأدى إىل تعقد العالقات‬
‫والروابط االجتامعية وتزايد انفتاح األفراد عىل حميطهم‪ ،‬حيث تم جتاوز دوائر االنتامء‬
‫التقليدية التي ترتكز عىل القرابات األولية (األرسة املمتدة‪ ،‬العشرية‪ ،‬القبيلة‪...‬الخ)‪.‬‬
‫بخالف ذلك‪ ،‬أدى حضور هذا النمط من العالقات القرابية يف املجاالت اجلغرافية‬
‫البعيدة عن املراكز احلرضية الرئيسة إىل بطء يف تغري القيم التقليدية‪.‬‬

‫وخلصت الدراسة الكيفية هبذا اخلصوص إىل وجود اجتاه قوي جدا لدى‬
‫املغاربة نحو تفعيل القيم داخل األرسة‪ ،‬وذلك ملا متثله هذه املؤسسة من مكانة رمزية‬
‫لدى معظم املغاربة‪ .‬وقدم أغلب املشاركني يف البحث أمثلة عن حضور قيم متعددة‬
‫من خالل واقعهم املعيش‪ ،‬خاصة يف اللحظات املفصلية من حياة األرسة‪ ،‬مثل العود‬
‫املتكرر لقيمة تضامن اآلباء مع أبنائهم ومع اجلوار يف املناسبات االجتامعية والدينية‪،‬‬
‫واستمرار قيم التضحية التي يتميز هبا اآلباء يف عالقتهم بأبنائهم‪ ،‬وكذلك قيم االحرتام‬
‫ورىض الوالدين واستقاللية األبناء‪ ،‬وبشكل متزايد‪ ،‬الفتيات خالل متدرسهن‪.‬‬

‫عموما‪ ،‬متثل نامذج تفعيل القيم املشار إليها أمثلة دالة عىل كون التغريات القيمية‬
‫داخل األرسة املغربية تتجه نحو التوليف بني قيم خمتلفة‪ .‬ومثل هذا التنوع‪ ،‬يفرض عىل‬
‫املجتمع بر ّمته بذل جهود دائمة من أجل تدبري االختالف وترسيخ قيم العيش املشرتك‬
‫يف الفضاء العام‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪58‬‬


‫التفعيل القيمي يف مؤسسة األسرة‬
‫متثل العالقة بني األرسة والفضاء العام وجها من أوجه حضور القيم أو‬
‫تراجعها‪ .‬وقد اعترب املشاركون أن من بني القيم التي يتعني حقيق ًة أن توجه األرسة يف‬
‫مجيع الفضاءات العامة‪ ،‬قيم املواطنة والغريية والعيش املشرتك‪ ،‬واملساعدة‪ ،‬والتسامح‪،‬‬
‫ومساواة النوع‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬التي من شأن تبنيها تيسري بناء فضاء عام خال من التعصب‬
‫والعدوانية واألنانية‪ .‬فال يمكن أن تتحقق سيولة التواصل بني مؤسسة األرسة والفضاء‬
‫العام من دون هذه القيم‪ ،‬وأخرى مماثلة من حيث مركزيتها ومفعوهلا القوي‪ .‬ذلك‬
‫أنه حينام تنتقل األرسة من جماهلا احلميمي صوب املجال العمومي‪ ،‬فإهنا تفعل ذلك‬
‫بقيم معينة‪ ،‬وبوصفها فاعال وناظام يف استنبات هذه القيم وتنميتها‪ ،‬ثم ترصيفها يف‬
‫الفضاء العام‪ .‬ومن دون هذه القيم كذلك لن تتحقق فاعلية األرسة يف صناعة هذا‬
‫الفضاء‪ .‬فهذه القيم التي ينبغي أن توجه عالقة املؤسسة األرسية بمحيطها تقتيض من‬
‫هذه األخرية أن متررها للفرد ليتشبع هبا‪ ،‬ويتسع بذلك انتشارها يف الفضاء العام‪.‬‬

‫ينضاف إىل كل ذلك‪ ،‬تعزيز قيم الثقة بالنفس واحرتام الذات وتقوية شخصية‬
‫الفرد التي يرى فيها البعض قيام هامة وحمورية‪ .‬ويكرر بعض املشاركني يف الدراسة قيم‬
‫املساعدة واالحرتام والتسامح التي يرون فيها قيام جديرة باالهتامم يف عالقة األرسة‬
‫بالفضاء العام‪.‬‬

‫وبقدر ما يويل املشاركون يف الدراسة أمهية كربى لتعزيز بعض القيم التي‬
‫توجه عالقة األرسة بالفضاء العام‪ ،‬نجدهم حيرصون يف ذات اآلن عىل رضورة تقوية‬
‫القيم التي جيب أن تؤطر عالقة عموم املواطنني بمؤسسة األرسة‪ .‬يف هذا السياق‪،‬‬
‫يميل االجتاه العام إىل التأكيد عىل أمهية تقدير الدور الذي تقوم به األرسة‪ ،‬ورضورة‬
‫مساعدهتا من طرف مؤسسات موازية مثل املدرسة واإلعالم واجلمعيات حتى تتمكن‬
‫من أداء األدوار املنوطة هبا‪ ،‬خاصة يف ما يرتبط منها بتنشئة األفراد عىل القيم األساسية‪.‬‬

‫ويف هذا اإلطار‪ ،‬يتعني عىل املؤسسات االجتامعية والسياسية والرتبوية واملدنية‬
‫وغريها من املؤسسات األخرى تقدير أدوار األرسة‪ ،‬من خالل تعزيز القيم التي اقرتحها‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪59‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫املشاركون‪ ،‬واحلفاظ عليها‪ ،‬وتدعيمها بمبادرات وسياسات عمومية تزكي بقوة قيم‬
‫احلامية واملساعدة والتضامن بني األجيال‪ ،‬وتثمن التقاليد القيمية األرسية باملغرب‪،‬‬
‫خاصة ما يتعلق منها بقيم احرتام كبار السن‪ ،‬والتضامن مع الوالدين‪ ،‬ومساعدة‬
‫املحتاج‪ ،‬من جهة‪ ،‬وتعزيز قيم أخرى من قبيل احرتام اآلخر‪ ،‬ومساواة النوع‪ ،‬وقبول‬
‫االختالف‪ ،‬والتسامح والتعددية يف املسارات الفردية‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫األسرة وقيم التضامن والفردانية‬


‫أسفرت معطيات الدراسة يف هذا الصدد عن نتيجة ملفتة مؤداها أنه عىل الرغم‬
‫من اتساع حضور قيم الفردانية يف املجتمع بشكل عام‪ ،‬وداخل األرسة بوجه خاص‪،‬‬
‫فإن معظم املغاربة ال خيفون حرصهم عىل عودة العالقات التضامنية التي يرون رضورة‬
‫استمرارها يف األرسة‪ .‬وتوحي خطاباهتم عن حنني‪ ،‬مبالغ فيه أحيانا‪ ،‬لروابط التضامن‬
‫التي سادت النموذج األرسي املمتد والتي يرون أهنا تراجعت بشكل ملحوظ‪ .‬ورغم‬
‫نشدان الكثري منهم قيم احلداثة (الفردانية‪ ،‬حرية االختيار‪ ،‬مساواة النوع‪...‬الخ)‪،‬‬
‫فإهنم ال خيفون تشبثهم القوي بالروابط األرسية والقيم املعززة هلا‪ ،‬والتي يرون فيها‬
‫مصدر محاية اجتامعية للفرد أمام تقلبات احلياة وأزماهتا‪ ،‬خاصة ملا يتعلق األمر بالفئات‬
‫االجتامعية اهلشة (املسنون‪ ،‬األطفال املتخىل عنهم‪ ،‬النساء املطلقات‪ ،‬الفئات االجتامعية‬
‫الفقرية‪ ،‬العاطلون عن العمل‪...‬الخ) التي مل جتد من حيميها‪.‬‬

‫وقد تعززت قيم الفردانية بشكل أقوى باملراكز احلرضية الكربى‪ ،‬ولدى الشباب‬
‫بكيفية جلية‪ .‬وذلك إىل احلد الذي جعل البعض يربط بني الفردانية والتفكك األرسي‬
‫املتصاعد باملراكز احلرضية الكربى (الدار البيضاء‪ ،‬الرباط‪ ،‬القنيطرة‪ ،‬مراكش‪ ،‬طنجة‪،‬‬
‫فاس‪...‬الخ)‪ .‬كام تزايد االهتامم بكل ما يرتبط بحياة الفرد وخصوصيته‪ ،‬من قبيل‬
‫االحتفاالت التي ختصصها األرس ألعياد ميالد أفرادها‪...‬‬

‫وعىل الرغم من أن التوجه العام للمشاركني يف الدراسة بمختلف جهات‬


‫املغرب يزكي بقوة قيمة التامسك األرسي وراهنيته من جراء املشاكل واإلكراهات‬
‫يرصون عىل رضورة‬
‫التي تواجهها املؤسسة األرسية اليوم‪ ،‬فإن عددا كبريا منهم‪ ،‬أيضا‪ّ ،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪60‬‬


‫الدفع قدما بالتوجه نحو تعزيز قيم «الفردانية» كمدخل للتامسك يف إطار نموذج أرسي‬
‫جديد؛ فردانية ليس بمنطق التخيل عن القيم اجلامعية بل بتقويتها يف صيغة جديدة‬
‫حترتم «االختالف» بوصفه من أهم القيم األرسية املطلوبة اليوم؛ وال بمنطق أو معنى‬
‫«الشتات» غري املؤسس عىل التضامن بمختلف أصنافه والعمل املشرتك‪.‬‬

‫األسرة وقيم مساواة النوع‬


‫هنالك توجه عام بني املغاربة نحو تثمني قيمة مساواة النوع واعتبارها من أهم‬
‫القيم اجلديرة باالهتامم والتفعيل‪ .‬واجته البعض يف هذا الصدد إىل ربط قيمة مساواة‬
‫النوع بقيم أخرى ال تقل أمهية مثل االحرتام‪ ،‬والتشاور‪ ،‬واحلوار‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬والعدالة‪،‬‬
‫واإلنصاف‪ ،‬واالعرتاف‪ ،‬واملواطنة‪ ،‬والتامسك االجتامعي‪ ،‬واإلنصات‪ ،‬والتضامن‪،‬‬
‫والتعاطف‪...‬الخ‪ .‬كام ذهب بعضهم إىل التنبيه إىل ما يعرتي القوانني وبرامج الرتبية‬
‫من شوائب تعيد إنتاج اهليمنة الذكورية وتعززها‪ ،‬وترسخ ممارسات جعلت الكثري من‬
‫النساء تعشن الضياع واالبتزاز‪.‬‬

‫ويرى مستجوبون آخرون أن التغريات الواجبة يف مؤسسة األرسة بقصد تفعيل‬


‫ٍ‬
‫متساو داخل‬ ‫القيم الفضىل باألرسة‪ ،‬تقتيض توزيع األداور بني الرجل واملرأة بشكل‬
‫األرسة‪ ،‬وعدم حتميل الرجل‪ ،‬يف كل احلاالت‪ ،‬مسؤولية حرصية خارجها‪ .‬فالرجل‬
‫مل يعد يبتغي املسؤولية احلرصية‪ ،‬لذلك صار يتهرب منها نظرا لثقلها‪ .‬باإلضافة إىل‬
‫االلتزام العميل بمجموعة من السلوكيات التنشئوية التي تم التوسع يف عرضها يف‬
‫التقرير العام والكفيلة بتحقيق ذلك‪.‬‬

‫إن اإلرصار عىل التشبث بقيم التضامن مع تعزيز االستقاللية‪ ،‬والتشديد عىل‬
‫تعزيز قيم مساواة النوع مع احلرص عىل إنصاف الرجل واملرأة عىل حد سواء‪ ،‬ال يشكل‬
‫من وجهة نظر املغاربة تناقضا بقدر ما يمثل استجابة لنمط حياة يصعب معه فصل‬
‫األفراد عن حميطهم األرسي‪ .‬بحيث يدفع األفراد نحو االستقاللية النسبية يف كثري‬
‫من االختيارات من دون أن يؤدي ذلك إىل القطيعة أو االستغناء عن الروابط األرسية‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪61‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫والقيم الداعمة هلا‪ .‬ويطرح هذا النوع من التوليف حتديات عىل الفرد وعىل األرسة يف‬
‫ذات اآلن‪.‬‬

‫األسرة والتحديات اآلنية واملستقبلية‬


‫من بني أهم التحديات التي تواجه األرسة املغربية‪ ،‬وجود رصاع قيمي عىل‬
‫مستوى األجيال‪ .‬ويعكس االجتاه العام‪ ،‬هبذا اخلصوص‪ ،‬املخاوف التي تنتاب املغاربة‬
‫حول انعكاسات العالقة بني اآلباء وأبنائهم عىل مستقبل األرسة‪ ،‬خاصة مع احلضور‬
‫القوي ملؤثرات خارجية أضعفت الروابط بني الفرد وأرسته‪ ،‬حيث أحدث اإلعالم‬
‫وشبكات التواصل االجتامعي مفارقة يف عالقة الفرد بمحيطه األرسي والقرايب‪.‬‬
‫فقد تعززت توجهات الفرد نحو االنعزال عن املحيط اجلغرايف القريب وعن االنتامء‬
‫للجامعات األولية (األرسة‪ ،‬اجلوار‪ ،)...‬مقابل املزيد من االنفتاح عىل الفضاء‬
‫االفرتايض واالنتامء جلامعات وهويات افرتاضية رخوة والتأثر «بقيم هجينة»‪.‬‬

‫لقد عزز هذا التوجه املزدوج واملتناقض يف الوقت نفسه استقاللية الفرد يف‬
‫اختياراته‪ ،‬لكنه أدى إىل غياب قيم املسؤولية واملصلحة اجلامعية املشرتكة والتامسك‬
‫األرسي‪ ،‬بل ساهم يف إضعاف دور األرسة يف التنشئة واملراقبة والضبط‪ .‬من هنا‪ ،‬كانت‬
‫آراء وتوجهات املستجوبني‪ ،‬خاصة الشباب منهم‪ ،‬تشدد عىل رضورة تطوير األدوار‬
‫التي يلعبها اآلباء‪ ،‬حيث ال جيب أن تنحرص أدوارهم األرسية يف االستجابة للحاجات‬
‫األساسية من مأكل ومرشب وملبس‪ ،‬بل جيب االنتباه كذلك إىل حاجات أبنائهم‬
‫النفسية والعاطفية‪ ،‬بام يقتضيه ذلك من تعزيز ملجموعة من القيم اجلامعية والفردية يف‬
‫ذات اآلن‪.‬‬

‫وارتباطا بالقيم التي حتتاج إىل تفعيل أبعد‪ ،‬يعتقد مشاركون يف البحث أن ازدياد‬
‫هامش احلرية لدى األبناء داخل األرسة وضعف آليات الضبط االجتامعي‪ ،‬قد أدى‬
‫إىل تراجع قيمة املسؤولية لدهيم‪ ،‬ما دفع الكثري من املستجوبني إىل التأكيد عىل رضورة‬
‫تعزيز هذه القيمة لدى األبناء‪ .‬وقد رأى مستجوبون أن السبيل لذلك‪ ،‬لن يتأتى إال من‬
‫خالل إعادة تفعيل الرقابة األرسية‪ ،‬خاصة عرب تنظيم اآلباء ألوقات استعامل أبنائهم‪،‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪62‬‬


‫الذين هم يف فرتة املراهقة‪ ،‬للهواتف الذكية‪ .‬يف حني أضاف مشاركون آخرون رضورة‬
‫استحضار رقابة الدولة واملؤسسات‪ ،‬فيام خيص االنتشار املتزايد لأللعاب اإللكرتونية‪،‬‬
‫والتي عىل الدولة تقنني استعامهلا ووضع حد للعشوائية يف انتشارها واستعامهلا من‬
‫طرف األطفال واملراهقني الذين يتطبع سلوكهم بالعنف من جراء ذلك‪ .‬ومن جهة‬
‫ثانية‪ ،‬فإن الكثري من السلوكيات التي حتيد عن القيم داخل األرسة مردها‪ ،‬يف نظر بعض‬
‫املستجوبني‪ ،‬إىل االخرتاق القيمي الذي حتدثه املسلسالت املدبلجة واملواد اإلعالمية‪،‬‬
‫خاصة املرئية منها‪ ،‬عالوة عىل اهلواتف الذكية وشبكات التواصل‪ ،‬من ضمنها مواقع‬
‫التواصل االجتامعي‪ ،‬والكثري من التطبيقات التي تغري سلوك األطفال وقيمهم يف‬
‫غياب مراقبة دائمة من طرف اآلباء‪.‬‬

‫ويف املجمل‪ ،‬يمكن استحضار التحديات التي تواجه األرسة حاليا ومستقبال‬
‫بشكل موجز‪ ،‬يف ما ييل‪:‬‬

‫ƒحتديات داخلية‪:‬‬
‫‪ -‬حتدي الفردانية املتصاعدة‪ :‬يشكل تفكك اللحمة األرسية والنزوع املتزايد نحو‬
‫الفردانية السلبية حتديا صعبا أمام األرسة املغربية اليوم‪ ،‬خاصة ملا نأخذ بعني االعتبار ما‬
‫قد ينجم عنه من رصاع بني أفراد األرسة الواحدة‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مرتبط برتاجع قيم التآزر‪ :‬وهو أمر ناجم عن تزايد العزلة والتفكك‬
‫بني أعضاء األرسة الواحدة‪ ،‬وما صاحب ذلك من تغري يف مفهوم األرسة‪ ،‬حيث أصبح‬
‫االهتامم منصبا عىل األرسة النووية باألساس‪ ،‬وجرى تراجع واضح يف قيمة التآزر بني‬
‫أعضاء املحيط القرايب‪.‬‬

‫‪ -‬تزايد النزعة نحو قيم التملك واالستهالك‪ :‬ويرتبط بتوسع قيم الفردانية‪،‬‬
‫باإلضافة إىل حتوالت السوق وما فرضته من تغري متسارع يف الثقافة االستهالكية‪.‬‬
‫وقد دعم هذا التنامي ازدياد حضور وصالت اإلشهار كمؤثرات غريت من قيم الفرد‬
‫باملوازاة مع اتساع حضور اإلعالم اجلديد يف حياة األفراد‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪63‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪ -‬تزايد القيم النفعية بدل الرتكيز عىل التضحية ملصلحة األرسة‪ :‬يرتبط هذا‬
‫اجلانب بدوره بربوز الفردانية وهيمنة النموذج األرسي النووي‪ .‬لكن‪ ،‬ال يمكن إغفال‬
‫آثار التحوالت االقتصادية والصعوبات التي أصبحت تواجه األفراد من أجل ضامن‬
‫البقاء وتأمني احلامية‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مرتبط برتاجع قيم االنسجام والتآلف واالحرتام بني األجيال‪ :‬وهو أمر‬
‫ناتج عن احتدام الرصاع بني األجيال عىل مستوى األفكار والتوجهات واالختيارات‬
‫والقناعات‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مرتبط بثقل األدوار واملسؤوليات املسندة لألرسة يف محاية أفرادها‪ :‬وهو‬
‫أمر ناجم عن غياب مؤسسات للرعاية واحلامية االجتامعية‪ ،‬التي من شأهنا أن تساهم يف‬
‫إعادة إدماج األفراد والفئات يف وضعية صعبة والتكفل هبم‪.‬‬

‫‪ -‬فقدان الكثري من القيم التي سادت لزمن طويل يف األرسة املغربية‪( :‬مثل‬
‫التواصل‪ ،‬تقدير الغري‪ ،‬التعاون‪ ،‬حل اخلالفات داخل األرسة)‪ :‬نتج ذلك عن التحوالت‬
‫التي عرفها املجتمع املغريب من جراء سريورات التحديث واهلجرة والتحرض‪ ،‬والتي‬
‫انعكست عىل العالقات األرسية وعىل أدوار هذه املؤسسة‪.‬‬

‫‪ -‬اتساع نطاق العنف وأشكال من السلوك العدواين‪ :‬يظهر ذلك باخلصوص يف‬
‫تزايد التوتر بني األبناء واآلباء‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبني الزوجني‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫تراجع قيم القناعة والكفاف‪ :‬حيث أصبحت التطلعات املادية غالبة عىل احلياة‬
‫األرسية‪ ،‬بحيث أضعفت قيمة «القناعة» لدى األرس‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف قيمة اإلنصاف يف احلياة الزوجية‪ :‬حيث نرى املرأة اليوم خترج للعمل‬
‫والدراسة شأهنا يف ذلك شأن الرجل‪ ،‬لكنها تتحمل أعباء العمل املنزيل وتربية األطفال‬
‫بمفردها من جراء ثقل املوروث الثقايف واالجتامعي‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪64‬‬


‫ƒحتديات خارجية‪:‬‬
‫‪ -‬تتمثل بالدرجة األوىل‪ ،‬يف تأثري التطور التكنولوجي الذي يشكل أكرب حتدي‬
‫تواجهه األرسة املغربية حاليا‪ ،‬وخصوصا فئة األطفال والشباب‪ ،‬حيث نجد أن املدة‬
‫الزمنية التي خيصصوهنا للتجهيزات واأللعاب اإللكرتونية تفوق يف العديد من احلاالت‬
‫تلك التي يقضوهنا مع أهلهم‪ ،‬أو يف إنجاز واجباهتم املدرسية‪ .‬أضف إىل ذلك ما حتدثه‬
‫لدهيم مضامني هذه التكنولوجيات الغريبة من إبعاد عن ثقافة جمتمعهم‪ ،‬وانفصام جتاه‬
‫واقعهم األرسي واالجتامعي الفعيل‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مرتبط بضعف السياسات األرسية‪ :‬يف ما خيص دعم األرسة يف حتمل‬
‫مسؤولية محاية بعض أعضائها (املسنون‪ ،‬ذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬العاطلون عن‬
‫العمل‪ ،)...‬وقلة مؤسسات الوساطة التي من شأهنا حل اخلالفات‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مرتبط بضعف تفعيل قيمة اإلنصاف‪ :‬عدم فعالية املرجعيات القانونية‬
‫واحلقوقية التي من شأهنا أن تنصف أفراد األرسة يف حاالت تعرضهم ملخاطر أو‬
‫حاالت عنف (األطفال ضحايا العنف‪ ،‬النساء املعنفات‪ ،‬ضحايا االغتصاب‪ .)...‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬لوحظ نقص يف تفعيل وأجرأة الكثري من البنود اخلاصة بمدونة األرسة‪،‬‬
‫خاصة ما يرتبط بزواج القارصات‪.‬‬

‫‪ -‬غياب قيمة التواصل‪ :‬يتجىل ذلك يف تراجع دور املؤسسات واجلمعيات التي‬
‫تعنى بشؤون األرسة‪ ،‬واملؤسسات املجتمعية األخرى (اإلعالم‪ ،‬اإلدارة‪ ،‬اجلمعيات‪،‬‬
‫املستشفيات‪ ،)...‬يف التواصل ومساعدة األرسة عىل جتاوز بعض الصعوبات والطوارئ‬
‫التي تواجهها‪.‬‬

‫‪ -‬تراجع قيمة االنفتاح عىل اجلوار‪ :‬يتمثل ذلك يف ضعف العالقة باألقارب‬
‫واجلريان‪ ،‬حيث أصبحت األرسة أكثر انغالقا عىل نفسها يف زمن االنفتاح الذي تؤمنه‬
‫وسائل التواصل االجتامعي‪.‬‬

‫وتقتيض مواجهة هذه التحديات املتعددة اجلوانب واملرجعيات الدفع قدما‬


‫بربامج وقوانني وسياسات عمومية تساعد األرسة عىل جتاوز خمتلف اإلكراهات‪ ،‬كام‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪65‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫تعكس حجم االنتظارات التي أبداها املغاربة حول تفعيل القيم يف األرسة‪ .‬ومن شأن‬
‫امليض يف حتقيقها أن يعزز من تفعيل القيم ويذلل العوائق التي تواجهها األرسة املغربية‬
‫بفعل تسارع التغريات من حوهلا‪.‬‬

‫لقد كشف البحث الكيفي‪ ،‬عن مركزية األرسة يف حياة املغاربة‪ ،‬وذلك ما عكسته‬
‫دعوهتم إىل رضورة تعزيز أدوارها يف إطار تطوير نموذج أرسي ال يقطع مع القيم‬
‫املغربية األصيلة‪ ،‬عىل حد تعبري عدد منهم‪ ،‬وال يلغي دور الفرد وإمكاناته وتطلعاته يف‬
‫إطار فردانية متضامنة‪ ،‬يشكل األرسة والفرد‪ ،‬يف إطارها كال ال يتجزأ‪.‬‬

‫‪ .3‬حالة املدرسة‬
‫تشكل املدرسة احلضن القيمي الثاين لألفراد بعد األرسة‪ ،‬إذ فيها يفرتض‬
‫تلقي األفراد خلطاب قيمي ممأسس ومعياري بعد مرحلة اخلطاب القيمي «العفوي»‬
‫األرسي‪ ،‬املطبوع باخلصوصيات االجتامعية والثقافية املحلية أو حتى اجلهوية‪ ،‬ما‬
‫جيعل املدرسة بمثابة الفاعل القيمي املوحد جلميع املتمدرسني‪ ،‬خاصة وأن األطفال‬
‫يقضون سنوات طويلة من عمرهم داخل فضاءات املؤسسة التعليمية مع املدرسني‬
‫واألطقم التعليمية‪.‬‬

‫وبالنظر ملا ينتاب األرس من عدم الرىض حول القيم املؤطرة للمؤسسة التعليمية‪،‬‬
‫فإهنا ال ترتدد يف أن تطلب الكثري من املدرسة‪ً ،‬بدْ ًء بالتعليم ونقل اخلربات واملهارات‪،‬‬
‫ووصوال إىل الرتبية والتنشئة عىل األخالق احلسنة‪ ،‬وتتبع املشاكل واحلاجيات النفسية‬
‫والسلوكية للتالميذ‪ .‬حيدث ذلك بوجه أخص يف املدن الكربى حيث يغلب أن يشتغل‬
‫الزوجان خارج البيت‪ ،‬ويكثر أن تتفاقم التحديات واملشاكل السلوكية لدى األطفال‬
‫بشكل ملفت ومقلق‪.‬‬

‫املرفق املدرسي أمام حتدي التغيرات االجتماعية والثقافية‬


‫لقد شهدت املدرسة املغربية خالل مسارها الوظيفي‪ ،‬حسب املشاركني يف‬
‫الدراسة‪ ،‬عدة تغريات مؤثرة‪ ،‬من ضمنها تغري العالقة بني املعلم والتلميذ‪ .‬فأصبحت‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪66‬‬


‫مدرسة اليوم‪ ،‬حسب املغاربة‪ ،‬تعلم لكن ال تريب إال بقدر حمدود‪ .‬وأصبح معها الطفل‬
‫املغريب منفصال عن لغة وظروف واقعه املعيش‪ ،‬ومتخاصام مع بعض قيم املواطنة‬
‫ومكونات هويته وخصوصيته الثقافية املحلية‪ ،‬خاصة بالوسط القروي‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫تكررت مطالب املغاربة بتويل املدرسة من جديد القيام بمهامها الرتبوية التقليدية‬
‫والرجوع إىل تقاسمها مع األرسة‪ .‬وقد تم التعبري عن هذا املطلب أساسا يف الوسط‬
‫احلرضي‪ ،‬وبصفة خاصة يف مدنه الكربى‪ ،‬حيث يبدو أن األرس مل تعد قادرة لوحدها‬
‫عىل مواجهة انعكاسات التغري القيمي والسلوكي لدى أطفاهلا‪.‬‬

‫بل حتى العالقة التعلمية شهدت تغريات أثرت عىل محولتها البيداغوجية‬
‫والقيمية‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬نجد انتشار سلوكيات وقيم يف الوسط املدريس ال متت‬
‫بصلة للمكانة الرمزية والوظيفية للمدرسة‪ ،‬مثل التطبيع مع حاالت العنف اللفظي‬
‫واجلسدي بني التالميذ‪ ،‬أو بينهم وأطر التدريس‪ ،‬ما نجم عنه خلق مسافة سيكولوجية‬
‫بني طريف العالقة الرتبوية‪ ،‬جتلت إحدى تداعياهتا يف غياب اإلبداع واالبتكار يف صفوف‬
‫األساتذة والتالميذ عىل حد سواء والتشجيع عليهام‪.‬‬

‫كذلك أصبح الغش سلوكا عاديا جدا‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬صار «قيمة» وحقا‬
‫مكتسبا‪ .‬ويمثل التصدي هلذه الظاهرة بام حييط هبا من معتقدات وقناعات مغلوطة‬
‫لدى بعض التالميذ واألرس عىل حد سواء‪ ،‬أحد أهم انتظارات املواطنني بخصوص‬
‫اإلصالح التعليمي املنشود‪.‬‬

‫التفعيل القيمي يف مؤسسة املدرسة‬


‫وبالنظر خلصوصية املرفق املدريس‪ ،‬فقد اقرتح املشاركون جمموعة من القيم التي‬
‫اعتربوا أن من شأن تفعيلها أن يسفر عن تفعيل ُم ٍ‬
‫واز لقيم عميقة مرتبطة هبا وتدور‬
‫حوهلا‪ ،‬وتتحدد أساسا يف‪:‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪67‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪ -‬القيم‪-‬األم املقرتحة بالنسبة للمدرسة‪:‬‬

‫االحرتام ‪ -‬املواطنة ‪ -‬املساواة ‪ -‬التعاون ‪ -‬االعرتاف ‪ -‬الواجب‬


‫التقدير ‪ -‬تكافؤ الفرص ‪ -‬املسؤولية ‪ -‬تقبل االختالف ‪ -‬التسامح‬

‫‪ -‬وبالنسبة للقيم العميقة واملعربة عن القيم ‪ -‬األم‪ ،‬أجاب املشاركون بأن الكثري‬
‫من القيم تتفرع عن القيمة األم التي قاموا بتحديدها يف البداية‪ ،‬وتتمثل أساسا يف‬
‫قيم الكفاءة‪ ،‬االستحقاق‪ ،‬اجلدية‪ ،‬االختالف‪ ،‬االستقاللية‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬حرية التعبري‪،‬‬
‫الثقة‪ ،‬الوعي النقدي‪ ،‬املساواة‪ ،‬احرتام مقاربة النوع‪ ،‬التضامن‪ ،‬جودة التعليم‪ ،‬نجاعة‬
‫املناهج الرتبوية‪ ،‬الوطنية‪ ،‬األصالة‪ ،‬احلوار‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬التعاون‪ ،‬محاية البيئة‪ ،‬اإلبداع‪،‬‬
‫االحرتام‪ ،‬اجلدية يف العمل‪ ،‬االجتهاد‪ ،‬املواطنة‪ ،‬احرتام حقوق االنسان‪ ،‬املبادرة‪،‬‬
‫التضحية‪.‬‬

‫ولتحقيق تفعيل أمثل للقيم يف املدرسة‪ ،‬قدم املستجوبون املقرتحات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬رضورة حرص املهنيني عىل االنضباط يف العمل والتقيد بالزمن املدريس‪،‬‬


‫واحرتام املرتفقني من خالل تعزيز قيمة التواصل بشكل دائم بني األساتذة والتالميذ‪،‬‬
‫وإدارة املؤسسة وآباء التالميذ‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز املقاربة التشاركية يف اختاذ القرار‪ ،‬ومأسسة التشاور بني كل املتدخلني‬


‫يف القطاع (إداريون‪ ،‬أساتذة‪ ،‬أولياء التالميذ‪ ،‬سلطات حملية‪ ،‬مجعيات املجتمع املدين)‪.‬‬

‫‪ -‬ربط عالقات تواصلية قوامها االحرتام جتاه املدرسة واإلدارة واألطر‪ ،‬مع‬
‫عقد لقاءات دورية ومنتظمة تكفل ختويل املواطنني حق املواكبة وسلطة االقرتاح‪،‬‬
‫وتضمن مشاركتهم يف التدبري املدريس‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز إرشاك التالميذ يف صناعة القرار املدريس‪ ،‬خاصة داخل الفصل‬


‫الدرايس‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪68‬‬


‫‪ -‬تيسري انخراط الوالدين‪ ،‬أو أولياء األمر‪ ،‬يف تفعيل القيم يف املؤسسة املدرسية‬
‫وكذلك مجيع رشكاء املحيط املدريس‪ .‬وبرأي أحد املشاركني‪ ،‬يتعني عىل املواطن أال‬
‫يشجع عىل الغش‪ ،‬وال عىل تبخيس النجاح باالستحقاق‪ ،‬والتوقف عن الرتويج ألفكار‬
‫سلبية عن املدرسة واملدرسني يف اخلطاب اليومي ويف وسائل التواصل االجتامعي؛‬
‫فذلك يؤثر سلبا عىل التالميذ‪ ،‬ويشجعهم عىل ممارسة قيم مضادة بني جدران املدرسة‪.‬‬

‫‪ -‬تفادي كل أشكال العنف املادي والرمزي يف حل اخلالفات الطارئة‪ ،‬خصوصا‬


‫خالل االختبارات‪.‬‬

‫‪ -‬االنخراط يف املبادرات واألنشطة التواصلية والرتفيهية التي تنظمها املؤسسات‬


‫التعليمية وتشجيع األبناء عىل متلكها‪ ،‬اقرتاحا وتنظيام‪.‬‬

‫‪ -‬حرص مجعيات آباء وأولياء التالميذ عىل تفادي السقوط يف بعض املزايدات‬
‫ذات الطموحات الشخصية التي تكون نتيجتها أحيانا تقويض كل اجلهود اإلدارية‬
‫والبيداغوجية الرامية للحفاظ عىل مصلحة التلميذ؛ كام يتعني أن جتتهد يف القيام‬
‫بمبادرات‪ ،‬والبحث عن رشاكات نافعة للمؤسسة والتالميذ‪.‬‬

‫‪ -‬املراقبة املستمرة والرصامة يف التكوين‪-‬املستمر لألطر واألسايس للتالميذ‪،‬‬


‫وحتيني املناهج بام يتناسب وحتديات العوملة‪ ،‬وتفعيل القيم وتكريسها يف ممارسات‬
‫األطر اإلدارية والبيداغوجية‪.‬‬

‫‪ -‬إرساء وتفعيل آليات رقابية وحتفيزات من شأهنا حمارصة اجلشع واالبتزاز‬


‫املادي لدى بعض األطر املدمنني عىل الدروس اخلصوصية‪.‬‬

‫‪ -‬عدم التمييز بني فئات التدريس عىل أساس أنظمتها األساسية‪ ،‬والتنقيص من‬
‫قيمة مردودها‪ ،‬بل وأحيانا جترحيها واملس بكرامتها‪.‬‬

‫‪ -‬العمل عىل حتفيز األطر التعليمية اعرتافا بتضحياهتا وتقديرا ملجهوداهتا‪،‬‬


‫بمساواة بني األطر الرتبوية والتعليمية واإلدارية‪ ،‬وانتصارا للكفاءة والعطاء النوعي‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪69‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫املرفق املدرسي والتحديات القيمية‬
‫أدىل املشاركون من ممثيل املرفق املدريس‪ ،‬وكذلك املواطنون‪ ،‬ما بدا هلم أهنا‬
‫حتديات أولوية يتعني مواجهتها ملا متثله من هتديد قيمي ألداء املدرسة‪.‬‬

‫ƒحتديات من داخل املدرسة‬


‫تتمثل أكرب التحديات القيمية املتعني مواجهتها يف ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬حتدي توافر رشوط التواصل البناء‪ :‬بني خمتلف الفاعلني يف الفضاء املدريس‪،‬‬
‫ذلك أن غياب التواصل املفيد واحلوار املمأسس حيول دون جتاوز كل التحديات التي‬
‫تعرتض جتويد أداء املرفق املدريس‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي تفعيل قيم اإلرشاك واملشاركة‪ :‬سواء بني املهنيني من خالل فسح‬
‫املجال كامال أمامهم للمشاركة يف اختاذ القرار أو يف اقرتاح صيغ تنفيذه‪ ،‬وكذلك‬
‫بالنسبة للتالميذ‪ ،‬حيث ال يرتك هلم من جمال سوى االنضباط واملطالبة بااللتزام بالقرار‬
‫اإلداري املدريس‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي تدبري تصادم القيم املدرسية مع ممارسات الواقع اخلارجي‪ :‬وما تفيض‬
‫إليه من توترات واضطراب لدى التالميذ‪ ،‬حيثام يستقبلون نظاما قيميا مدرسيا مفارقا‬
‫للواقع اخلارجي سواء يف األرسة أم يف الفضاء العام‪ ،‬ما قد يعطل أيضا أي مفعول للقيم‬
‫امللقنة عىل سلوك التالميذ وحيرصه بني جدران املدرسة‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي تفعيل قيمة املسؤولية‪ :‬بالعمل عىل متثيل مسؤول للوضع االعتباري‬
‫واملكانة االجتامعية والرمزية ملهنة التعليم يف املجتمع املغريب‪ ،‬باعتبارها مهنة تربوية أكثر‬
‫منها جمرد عمل يف الوظيفة العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي توحيد اخلطاب القيمي املدريس‪ :‬وتوحيد آليات وصيغ أجرأته ميدانيا‪.‬‬
‫فصعوبة التطبيق التام للقيم يف املدرسة تعود إىل االختالف احلاصل يف استيعاب وفهم‬
‫تلك القيم من طرف الفاعلني املدرسيني‪ ،‬ويف تباين أولوياهتا بحسب إيديولوجيا األطر‬
‫املكلفة بتفعيلها‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪70‬‬


‫‪ -‬حتدي اعتامد منهاج قيمي مدريس متوافق مع معطيات الراهن املغريب‬
‫وخصوصياته‪ :‬ويعكس االختيارات املجتمعية الكربى بام فيها الثوابت القيمية‪،‬‬
‫وااللتزام بتوحيده بني مدارس القطاعني العام واخلاص‪.‬‬

‫ƒحتديات من خارج املدرسة‬


‫عموما‪ ،‬تالقت إجابات املشاركني يف الدراسة حول التأثري القوي ملا حيدث‬
‫خارج املدرسة عىل ما حيدث داخلها‪ ،‬حيث يكمن الغذاء القيمي األسايس‪ ،‬بل‬
‫واإلطار املعياري‪ ،‬ملا يسود يف املدرسة من ممارسات قيمية‪ .‬لقد صار الفضاء‬
‫االجتامعي اخلارجي منبعا للعديد من القيم‪ ،‬أو القيم املضادة‪ ،‬التي حيملها التالميذ‬
‫معهم إىل املدرسة‪ .‬ويتعلق األمر هنا بوسط اجتامعي اعتربه املشاركون «ملوثا‬
‫ومضطربا قيميا»‪ .‬بل يمكن أن حيصل انفصام قيمي لدى التالميذ حينام يتعلمون‬
‫قيام أساسية يف املدرسة‪ ،‬بينام يصادفون يف الواقع اخلارجي ما يناقضها‪ ،‬وبمباركة‬
‫وتشجيع وطلب جمتمعي هلا‪.‬‬

‫وتتمثل أهم التحديات اخلارجية يف‪:‬‬

‫‪ -‬حتدي عدم تكامل الدور الرتبوي للوالدين مع الدور الرتبوي للمدرسة‪:‬‬


‫ختيل بعض األرس عن القيام بواجبها الرتبوي‪ ،‬اعتقادا منها أن املدرسة وحدها قادرة‬
‫عىل ذلك‪ ،‬يغيب أو يضعف اجلانب الرتبوي لدى البنات واألبناء‪ .‬ومن جراء هذه‬
‫االستقالة‪ ،‬نرى التلميذ يعنف أستاذه أو حتى أبويه‪ ،‬ماديا أو رمزيا‪ .‬وحينها حيرض‬
‫خطاب الصدمة واللوم املضاد بني مؤسستي املدرسة واألرسة‪.‬‬

‫‪ -‬حتدي مواجهة اإلساءات والتعنيف املمنهجني‪ :‬والذي تتعدد مصادره كام‬


‫ختتلف رهاناته التي تستهدف املدرسة وأطرها‪ ،‬إعالميا وسياسيا‪ ،‬باعتامد الرتويج‬
‫لبعض االحداث املعزولة والدخيلة عىل املامرسات املدرسية الفضىل القائمة‪ ،‬وجعلها‬
‫منصات للرتاشق والتكسب الضيق عىل حساب كرامة وتضحيات الفاعلني يف املرفق‬
‫املدريس‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪71‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪ -‬حتدي املواءمة مع اخلصوصيات الثقافية املحلية‪ :‬إضافة اىل التحديات اخلارجية‬
‫املحلية‪ ،‬الثقافية واجلغرافية أساسا‪ ،‬تفرض اخلصوصيات السوسيولسانية املحلية عبئا‪/‬‬
‫مسؤولية إضافية عىل عاتق أطر التدريس‪ ،‬خاصة يف اجلانب التواصيل‪.‬‬

‫إن اخلصوصية القيمية بالنسبة للمدرسة واملتجلية يف اعتبارها منتجة للقيم‬


‫أكثر منها جمرد فضاء عمومي لترصيفها‪ ،‬خيول هلا جدارة وامتياز قيادة املرشوع القيمي‬
‫املجتمعي الذي سيؤطر األداء املؤسسايت لباقي املرافق العمومية‪ ،‬من خالل عملها‬
‫التنشئوي األسايس واملستمر‪ ،‬وخارجيا بتمكني باقي رشكاء املحيط املدريس من متلك‬
‫رهانات املرشوع القيمي املجتمعي وإتاحة الفرص النخراطهم يف خمتلف خطوات‬
‫أجرأته مؤسساتيا وجمتمعيا‪.‬‬

‫وينتظر املواطنون من الوزارة الوصية أن تقوم بإعداد الرشوط املوضوعية‬


‫الرضورية لتفعيل القيم‪ .‬فال يمكن أن تطلب قيمة النظافة يف غياب مرحاض‪ ،‬أو‬
‫قيمة اللياقة البدنية يف ظل غياب مساحات ملامرسة الرياضة‪ .‬وال يمكن أن يطلب من‬
‫املدرس أداء نفس هذه املهمة‪ ،‬بينام يفرض عليه التدريس يف مستويات متعددة‪ ،‬ويف‬
‫أقسام مكتظة‪ ،‬ومع غياب الرشوط والوسائل املساعدة‪ .‬إن تفعيل القيم يقتيض إعادة‬
‫النظر يف مثل هذه األوضاع وتصحيحها‪.‬‬

‫وبالنظر ملا يتميز به املجتمع املغريب من تنوع ثقايف وتعدد يف روافد اهلوية بام فيها‬
‫من مكونات عربية‪ -‬إسالمية‪ ،‬أمازيغية صحراوية حسانية‪ ،‬والغنية بروافدها االفريقية‬
‫واألندلسية والعربية‪ ،‬يبدو منطقيا أن يقرتح املشاركون يف الدراسة اختيار جمموعة من‬
‫القيم تكون بمثابة النواة األساسية التي يتعني أن تصري مشرتكة ومتقاسمة بني كل‬
‫املؤسسات التعليمية املغربية‪ ،‬ألمهيتها بالنسبة لتقوية االنتامء للوطن والتعلق بثوابته‬
‫وتعزيز هوية مواطنيه‪ ،‬مع ترك هامش من احلرية للمسؤولني اجلهويني كي خيتاروا‬
‫نسبة حمدودة من القيم خاصة بمدارس اجلهة‪ ،‬أو مشرتكة مع بعض اجلهات األخرى‪،‬‬
‫تشكل‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬امتدادا وجتسيدا ألعراف اجلهة‪ ،‬وتقاليدها وخصوصياهتا الثقافية‬
‫واالجتامعية‪ .‬وليس املقصود بالقواسم القيمية إلغاء االختالفات القائمة بني األفراد‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪72‬‬


‫واجلامعات‪ ،‬ألنه من ضمن القيم املشرتكة التي نقرتحها‪ ،‬التسامح‪ ،‬وقبول االختالف‪،‬‬
‫والتعايش‪ ،‬واالحرتام‪ ،‬والتعددية‪.‬‬

‫ومن بني األولويات املعرب عنها كذلك‪ ،‬النظر يف مدى وجود انسجام قيمي‬
‫بني خمتلف الكتب املدرسية املقررة من لدن الوزارة الوصية‪ ،‬واملناهج املعتمدة‬
‫يف التدريس من مادة ألخرى‪ .‬ذلك أن التلميذ ال يتلقى حاليا نفس القيم يف مادة‬
‫الفرنسية‪ ،‬ويف املواد األخرى مثل الرتبية اإلسالمية واللغة العربية‪ .‬فيظل بسبب ذلك‬
‫يف حالة من التيه واحلرية‪ ،‬خاصة وأن هنالك تأثريات قيمية أخرى متارس عليه يف‬
‫األرسة والشارع والشبكات االجتامعية‪ ،‬والتي تزيد يف تعقيد السعي صوب حد أدنى‬
‫من «االنسجام القيمي»‪ .‬لذا‪ ،‬يتعني احلسم يف القيم التي يتعني وضعها يف الصدارة‪،‬‬
‫والنموذج املجتمعي الذي نريده‪ ،‬ونموذج التلميذ الذي نسعى إىل أن يكون من‬
‫خمرجات التنشئة املدرسية‪.‬‬

‫‪ .4‬حالة املؤسسة اإلعالمية‬


‫التفعيل القيمي يف وسائل اإلعالم‬
‫يف سياق رصدهم للتغريات التي شهدها اإلعالم باملغرب‪ ،‬يقر مهنيو اإلعالم‬
‫العمومي عىل أن دورهم يف التأثري عىل املتلقي قد تقلص قياسا بام كان عليه يف السابق‪.‬‬
‫ويعود ذلك‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬لربوز مقاوالت إعالمية خارجية تستقطب نسب مشاهدة‬
‫عالية‪ ،‬أثرت عىل املتلقي‪-‬املشاهد‪-‬املغريب‪ ،‬وكذا لإلقبال املتزايد عىل الشبكات‬
‫االجتامعية واإلعالم اجلديد‪ .‬ويف ما يتعلق باالهتاممات واألولويات القيمية اخلاصة‬
‫باإلعالم‪ ،‬يقر مهنيون إعالميون بوجود تغريات عميقة مست هذه االهتاممات‪ ،‬بحيث‬
‫أصبح بعض الفاعلني يف هذا املجال أكثر حرصا عىل ارتفاع نسب املشاهدة واألرباح‬
‫النامجة عن الوصالت اإلشهارية‪ ،‬منهم عىل املضامني القيمية ملا يتم بثه‪.‬‬

‫وتكشف وجهات نظر املهنيني يف القطاع عن أمهية مراعاة جمموعة من القيم‬


‫التي ينبغي أن تؤطر رسالة اإلعالم‪ ،‬وأمهها‪ ،‬قيم احرتام أخالقيات املهنة والشفافية‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪73‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫واملسؤولية والصدق والواقعية والتحري واألمانة والثقة‪ ،‬وحماربة االبتذال والتفاهة‬
‫وزرع التضامن وترسيخ قيمة العدالة والديمقراطية‪.‬‬

‫ويف اجلانب املتعلق بالقيم املقرتحة بالنسبة للمؤسسة اإلعالمية‪ ،‬كشفت‬


‫الدراسة عن مركزية قيم الثقة‪ ،‬املصداقية‪ ،‬النزاهة‪ ،‬الشفافية‪ ،‬اجلودة‪ ،‬أخالقيات‬
‫املهنة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬التعددية‪ ،‬االحرتام‪ ،‬املهنية‪ ،‬وهي كلها قيم متضمنة يف آراء املهنيني‬
‫واملواطنني املستهلكني للمواد اإلعالمية عىل حد سواء‪ .‬غري أن هذا ال يعني وجود‬
‫اتفاق عىل جل القيم املوجهة للمؤسسة اإلعالمية يف عالقتها باملواطن‪ .‬فقد ظهر تعدد‬
‫يف القيم لدرجة يصعب معها اختيار قيمة مركزية واحدة‪ .‬وهكذا استحرض املهنيون‬
‫شبكة من القيم نذكر منها بشكل خاص قيم الثقة‪ ،‬الصدق‪ ،‬التعددية‪ ،‬االحرتام‪،‬‬
‫املواطنة‪ ،‬النزاهة‪ ،‬املهنية‪ ،‬املصداقية‪ .‬أما بالنسبة للمواطنني‪ ،‬فقد وقع اختيارهم عىل‬
‫جمموعة من القيم اعتربوها مركزية‪ ،‬نذكر منها الثقة‪ ،‬املصداقية‪ ،‬النزاهة‪ ،‬الشفافية‪،‬‬
‫اجلودة‪ ،‬احرتام أخالقيات املهنة‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬التعددية‪ ،‬االحرتام‪ ،‬املهنية‪ ،‬التعايش‪،‬‬
‫اإلبداع‪ ،‬العدالة‪.‬‬

‫ومن الواضح أن االنطباع الذي حيمله املهنيون واملواطنات‪ /‬املواطنون‪ ،‬بوصفهم‬


‫منتجني ومستهلكني للامدة اإلعالمية‪ ،‬يوحي بعدم الرضا إزاء األداء املؤسسايت‬
‫اإلعالمي‪ .‬فضعف تفعيل عدد من القيم يف احلقل اإلعالمي املغريب‪ ،‬هو ما حيول دون‬
‫جتويد خدماته وتعزيز ثقة املواطنني ونيل رضاهم‪ .‬ومن أهم ما يؤاخذ عىل اإلعالم‬
‫من الوجهة القيمية‪ ،‬ضعف تفعيل قيمة أخالقيات املهنة خاصة منها قيمتي الصدق‬
‫واملصداقية‪ .‬األمر الذي يقود عددا من اإلعالميني إىل التجني عىل كثري من الوقائع‬
‫ونقلها بنوع من التهويل‪ ،‬والسعي إىل حتقيق السبق والرتويج ألخبار تنقصها الدقة‬
‫وتنعدم فيها احلقيقة‪ ،‬رغم ما قد يشكله ذلك من إساءة لبعض املواطنني أو اجلهات أو‬
‫املؤسسات؛ وكذا ضعف تفعيل قيمتي العدالة املجالية والتعددية يف التعاطي اإلعالمي‬
‫مع قضايا املجتمع‪.‬‬

‫وفرس املشاركون هذا الرتاجع يف تفعيل القيم بأسباب أبرزها تأثريات قيم‬
‫العوملة‪ ،‬واملنافسة القوية لإلعالم اجلديد وهيمنته احلضورية‪ ،‬وضعف اآلليات‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪74‬‬


‫والنصوص القانونية التي حتمي اإلعالميني من التعرض للمتابعة‪ ،‬وبالظروف املادية‬
‫غري املحفزة لإلعالميني املهنيني‪.‬‬

‫وأظهر البحث وجود جمموعة من املعيقات التي حتول دون تفعيل عدد من‬
‫القيم يف األداء اإلعالمي املهني‪ ،‬وهي معيقات تتحمل مسؤوليتها أطراف خمتلفة‪،‬‬
‫يف مقدمتها املؤسسة اإلعالمية بمختلف فاعليها‪ ،‬ثم املواطن‪ ،‬من جهة ثانية‪ .‬وقد‬
‫أمجلها املشاركون يف جوانب عديدة هتم املامرس اإلعالمي نذكر منها‪ ،‬مثال‪ ،‬عدم أو‬
‫قصور يف التحري عن احلقيقة وعدم الترصيح هبا كاملة‪ ،‬واستغالل اإلعالم يف إطار‬
‫الرصاعات السياسية ومواجهة اخلصوم‪ ،‬واستعامله قناة لالبتزاز‪ ،‬ثم مشكل الرشوة‬
‫وانتقاء األخبار وعدم التحقق من صدقها وتقديمها للمشاهد‪ ،‬أو ما يرتبط بعدم‬
‫التكيف مع اخلصوصيات القيمية للمجتمع املغريب ومقتضيات ثقافته املحلية‪ .‬وهذا‬
‫ما خلف شبه إمجاع بني املشاركني عىل عدم الرضا عن الوضع القيمي ارتباطا بالشأن‬
‫اإلعالمي املغريب‪ .‬لذلك‪ ،‬اقرتح املغاربة رضورة تعزيز أخالقيات العمل اإلعالمي‬
‫وتفعيل مقتضيات ميثاق الرشف‪ ،‬وترسيخ قيم املصداقية والشفافية وااللتزام يف‬
‫املامرسة املهنية عوض التضليل أو التواطؤ أو البحث عن الشهرة والسبق اإلعالمي؛‬
‫إضافة إىل احرتام املشاهد من خالل تثمني اخلصوصيات الثقافية املحلية واالهتامم‬
‫بمشاكل ومهوم املجتمع بكل فئاته‪.‬‬

‫أمثلة ومناذج دالة على ضعف تفعيل القيم‬


‫إن الصورة التي حيملها املواطنات‪/‬املواطنون‪ ،‬بوصفهم مشاهدين ومتتبعني ملا‬
‫ينتج إعالميا‪ ،‬توحي بعدم الرضا إزاء املؤسسة اإلعالمية‪ .‬وهو ما يعززه موقف املهنيني‬
‫الذين يقرون بدورهم بالكثري من النقائص‪ .‬ويتفق هؤالء‪ ،‬مع املرتفقني‪ ،‬عىل غياب‬
‫تفعيل عدد من القيم يف املؤسسة اإلعالمية‪ ،‬مما حيول دون جتويد خدماهتا وتعزيز الثقة‬
‫لدى املواطنني ونيل رضاهم‪ .‬ومن أهم تلك القيم التي يقر الطرفان بضعف تفعيلها‪،‬‬
‫إضافة إىل ما سبقت اإلشارة إليه‪ ،‬نجد‪:‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪75‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمتي الصدق واملصداقية‪ :‬ففي بعض احلاالت‪ ،‬يتميز اخلطاب‬
‫اإلعالمي يف عملية نقله للخرب بقدر من التضليل والترسع ونقل األخبار الزائفة‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة احلياد‪ :‬ينخرط بعض اإلعالميني يف توجيه الرأي العام أو‬
‫االنتصار للفاعل السيايس أو االقتصادي‪ .‬مما ينجم عنه‪ ،‬يف كثري من األحيان‪ ،‬توظيف‬
‫بعض املنابر اإلعالمية قنوات لترصيف إيديولوجية أو االنتصار لتوجه سيايس عىل‬
‫حساب توجه آخر‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة اإلبداع‪ :‬يرتبط هذا اجلانب‪ ،‬بنوع الربامج املقدمة عىل‬
‫شاشات التلفزة من جهة‪ ،‬وبتوايل نفس الوجوه اإلعالمية عىل تقديمها‪ ،‬من جهة ثانية‪.‬‬
‫وقد أورد املواطنون‪ /‬املشاهدون نامذج لربامج ترفيهية تدور مضامينها حول أفكار‬
‫تتشابه‪ ،‬وتقدمها نفس الوجوه لسنوات طويلة‪ ،‬لدرجة يشعر فيها املشاهد أنه يعيد‬
‫«نفس الرشيط»‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة مساواة النوع يف اإلعالم‪ :‬إذا كان املهنيون يقرون عىل غرار‬
‫املرتفقني بتحسن مسار تعزيز قيم مساواة النوع يف اإلعالم العمومي منذ وقت مبكر‪،‬‬
‫فإن بعض املرتفقني يسجلون غيابا للمرأة يف بعض امليادين اإلعالمية‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫يشار إىل احتكار الفاعل اإلعالمي الذكوري للمجال الريايض بالقنوات العمومية‪.‬‬
‫وباملوازاة مع ذلك‪ ،‬يذكرون االستغالل املفرط لصورة املرأة وجسدها يف اإلشهار‬
‫التلفزي‪ ،‬األمر الذي يزيد من إضعاف قيم التثمني والتمكني واملساواة‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيم اجلودة واجلدة‪ :‬يسجل املهنيون أن اإلعالم العمومي قد‬
‫أصبح يقتفي خطى اإلعالم اإللكرتوين اجلديد‪ ،‬من خالل سعيه احلثيث إىل الرتكيز‬
‫عىل نسبة املشاهدة أكثر من الرتكيز عىل جودة املضامني املنتجة‪ .‬فأصبحت صناعة املادة‬
‫اإلعالمية ختضع‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬للمنطق التجاري الذي ال يراعي احلمولة القيمية املقدمة‪.‬‬
‫كام يشدد معظم املشاركني عىل وجود ارتباط وثيق بني قيمتي اجلودة واجلدة املفقودتني‬
‫يف الرسالة اإلعالمية‪ ،‬ويرصون عىل أن حضورمها يعترب أولوية من أجل تطوير اإلعالم‬
‫العمومي‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪76‬‬


‫‪ -‬ضعف العدالة املجالية يف التعاطي اإلعالمي مع قضايا املجتمع‪ :‬يستحرض‬
‫املرتفقون وبعض املهنيني يف هذا الصدد احلضور املحتشم للقضايا التي هتم العامل‬
‫القروي واملناطق اهلامشية يف اإلعالم‪ ،‬خاصة العمومي منه‪ .‬فالربامج التي تتناول قضايا‬
‫السكان القرويني واملناطق اجلبلية املهمشة‪ ،‬بام فيها ثقافتهم وخصوصياهتم ومعيشهم‬
‫اليومي‪ ،‬تظل نسبتها ضعيفة قياسا بام خيصص للمجال احلرضي‪ .‬وينبهون إىل االنتقائية‬
‫و«السطحية» التي متيز اختيارات اإلعالم يف هذا الشأن‪ .‬وأبعد من ذلك‪ ،‬حتى عندما‬
‫يتم انفتاح اإلعالم عىل مثل هذه األوساط اجلغرافية والفئات االجتامعية‪ ،‬فكثريا ما يتم‬
‫ذلك عرب استحضار الرتاث القروي اخلاص ببعض املناطق يف صورة فلكلورية‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة اإلنصاف‪ :‬ارتباطا بقيمتي العدالة واملشاركة‪ ،‬ينبه كثري من‬
‫املرتفقني إىل ما يطال فئات اجتامعية معينة من هتميش يف اخلطاب اإلعالمي‪ .‬من ذلك‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬ما يالحظ من ندرة يف الربامج التي تتناول الفئات يف وضعية صعبة مثل األطفال‬
‫املتخىل عنهم‪ ،‬وذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬عالوة عىل النساء املعنفات وفئات واسعة‬
‫ممن يتم إمهال قضاياهم احلقيقية يف الربامج التلفزية عىل اخلصوص‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة التعددية‪ :‬أثري بخصوص نسبة حضور اإلعالم املوجه‬
‫للشباب واملراهقني واألطفال‪ .‬وحتتل هذه الفئات‪ ،‬حاليا‪ ،‬الرتب األوىل يف استهالك‬
‫املواد اإلعالمية‪ ،‬ومتثل الفئات السكانية األكرب حجام واألكثر احتياجا خلطاب إعالمي‬
‫يساعدهم عىل االندماج يف جمتمعهم والتأقلم مع العامل املعارص‪ .‬وقد ساهم إمهال‬
‫اإلعالم العمومي هلذه الفئات يف جلوئها إىل االستعامل املكثف لوسائل التواصل‬
‫االجتامعي‪ .‬وقد تؤثر مثل هذه البدائل اإلعالمية سلبا عىل قيمهم‪ ،‬وتزيد من عبء‬
‫األرسة وباقي املؤسسات املجتمعية يف تنشئتهم‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة التوازن يف الربامج املقدمة يف القنوات اإلعالمية والربامج‬


‫اإلذاعية‪ :‬يتجىل ذلك يف ضعف الربامج الثقافية والفكرية قياسا بربامج الرتفيه والفن‪.‬‬
‫وقد سجل البحث الكيفي ما تتميز به من انعدام التوازن يف املنتوج املقدم للمتلقي‪ .‬ففي‬
‫الوقت الذي يعرف فيه حضور بعض املواد والربامج تضخام كام هو الشأن بخصوص‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪77‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫املسلسالت املدبلجة‪ ،‬والربامج الفنية والرياضية‪ ،‬يسجل املشاركون غيابا أو تواجدا‬
‫حمتشام ملجاالت وبرامج أخرى كتلك التي تعنى بالبيئة والصحة والثقافة والفكر‪.‬‬

‫‪ -‬ضعف تفعيل قيمة التحفيز‪ :‬ترتبط هذه القيمة بمطالب املهنيني عىل وجه‬
‫اخلصوص‪ .‬فقد أبدى معظمهم عدم الرضا عن أوضاعهم املهنية‪ ،‬حيث ربط هؤالء بني‬
‫ضعف اجلودة يف كثري من املنابر اإلعالمية وضعف قيمة اإلبداع واجلدّ ة وبني هشاشة‬
‫الوضع املهني هلؤالء‪ .‬فكثري منهم يامرسون مهامهم دون محاية اجتامعية‪ ،‬ويف ظروف‬
‫تفرض عليهم االنخراط يف حتقيق أهداف املؤسسة اإلعالمية التي ينتمون إليها‪ .‬فغياب‬
‫الترصيح باإلعالميني من طرف مؤسساهتم اخلاصة لدى مؤسسات التغطية االجتامعية‪،‬‬
‫وعدم استفادهتم من احلامية االجتامعية والتحفيز املادي‪ ،‬كل ذلك حيول دون اهتاممهم‬
‫بتفعيل القيم‪.‬‬

‫االلتزامات القيمية للفاعل اإلعالمي‪ :‬من أجل تعزيز القيم‬


‫مؤسساتيا‬
‫سعينا يف هذه الدراسة إىل االقرتاب من أهم االلتزامات التي متثل انتظارات‬
‫املواطنني واملهنيني‪ ،‬والتي يتعني عىل الفاعل اإلعالمي أن يتقيد هبا إسهاما منه يف تطوير‬
‫املادة اإلعالمية وحتسني جودهتا‪ .‬وبناء عىل ذلك‪ ،‬أكد املشاركون يف البحث بمختلف‬
‫اجلهات‪ ،‬عىل أمهية مراعاة اجلوانب التالية‪:‬‬

‫‪y‬أن يلتزم اإلعالمي بتوصيات املؤسسة اإلعالمية التي يشتغل فيها واخلطوط‬
‫احلمراء التي ترسمها له‪ .‬ألن التعبري وااللتزام بغري ذلك من إيديولوجية‬
‫حزبية أو شخصية معينة‪ ،‬يفقده مصداقيته؛‬

‫موجها قيميا للمجتمع‪ ،‬من خالل قربه من املواطن‪،‬‬‫‪y‬أن يكون اإلعالم ِّ‬
‫بحيث يفتح حوارات مبارشة معه‪ ،‬يف مواضيع منتقاة بناء عىل أولويات‬
‫املجتمع وما يشغل أفراده؛‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪78‬‬


‫‪y‬أن يواكب قضايا متس مهوم املواطنني ومعاناهتم يف خمتلف املناطق‪ ،‬وأن‬
‫يمتلك اإلعالمي اجلرأة عىل تناول قضايا خمتلفة هتم فئات واسعة من‬
‫املجتمع؛‬

‫‪y‬أن يكون اإلعالمي بمثابة سلطة مراقبة (سلطة رابعة) تدافع عن االلتزام‬
‫بالرشوط التي ترسمها املؤسسة اإلعالمية والدفاع عن املبادئ والتوجهات‬
‫التي حتددها له‪ ،‬من دون إقحام ذاته أو التعبري وفق رأيه اخلاص؛‬

‫‪y‬أن يستحرض اإلعالمي املجتمع يف ما ينتقيه من مواد‪ ،‬بحيث يراعي تناسبها‬


‫مع قيم املتلقي الذي يمثل املستهلك الرئيس ملا ينتجه اإلعالمي؛‬

‫‪y‬أن يدافع عن قيم اجلامعة‪ ،‬عن طريق إتقانه ملهارة التدخل والتواصل‬
‫واإلقناع بحجج وبراهني يتوفر فيها الصدق واحلياد؛‬

‫‪y‬أن يتحرى اإلعالمي املوضوعية يف كل ما يقدمه‪ ،‬وينقل الواقع كام هو‪،‬‬


‫وحيرتس من توظيف خطابه ملصلحة جهة ما؛‬

‫‪y‬أن يبعد اإلعالمي انتامءاته السياسية عن كل ما ينتجه من مادة إعالمية؛‬

‫‪y‬أن يتقيد اإلعالمي بأخالقيات املهنة‪ ،‬وأن يكون يف خدمة احلقيقة أوال‪،‬‬
‫واملصلحة العامة ثانيا‪ ،‬وأن يدافع عن احلق وأهله وليس الطرف األقوى؛‬

‫‪y‬أن يلتزم اإلعالمي باملصداقية‪ ،‬والشفافية‪ ،‬واملسؤولية‪ ،‬واخلصوصية؛ فكلها‬


‫قيم ستقود املواطنني إىل وضع ثقتهم يف املؤسسة اإلعالمية بشكل عام‪.‬‬

‫حتديات التفعيل القيمي يف اإلعالم‬


‫يستشعر املشاركون يف الدراسة‪ ،‬خاصة املهنيون منهم‪ ،‬حجم التحديات التي‬
‫تواجه املؤسسة اإلعالمية عىل مستوى تفعيل منظومة القيم‪ .‬وسوف نقف عند أبرز‬
‫هذه التحديات كام رصدها البحث الكيفي من خالل وجهات نظر خمتلف املشاركني‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪79‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ƒالتحديات الداخلية‪:‬‬
‫‪y‬التوفر عىل أهداف وغايات قيمية بالنسبة للمؤسسة اإلعالمية من خالل‬
‫ميثاق قيم يؤطر رسالة املنابر اإلعالمية؛‬

‫‪y‬إدماج الفاعل اإلعالمي الذي تعطى له بطاقة صحفي بينام يفتقد للتكوين‬
‫واخلربة واملهارة؛‬

‫‪y‬عدم احرتام حقوق اإلعالميني‪ ،‬حيث ال يرصح بالكثري منهم من طرف‬


‫مؤسساهتم اخلاصة لدى مؤسسات احلامية االجتامعية؛‬

‫‪y‬إخضاع اخلط التحريري للمؤسسة اإلعالمية للتوجيه‪ ،‬أو حماكاة ما ينرش يف‬
‫وسائل التواصل االجتامعي؛‬

‫‪y‬ارتباط بعض القنوات اإلعالمية باجلانب الربحي أكثر من تركيزها عىل‬


‫البعد القيمي؛‬

‫‪y‬الرتكيز عىل نسب املشاهدة بدال من الرتكيز عىل جودة املنتوج؛‬

‫‪y‬تدخل إيديولوجية اإلعالمي يف حمتوى الربامج وغياب املوضوعية؛‬

‫‪y‬غياب جلان مراقبة داخلية ملحتوى املادة املقدمة ومدى احتوائها لقيم مالئمة‬
‫لثقافة املشاهد؛‬

‫‪y‬عجز بعض اإلعالميني عن تطوير خطاهبم بتجاوز النمطية وإعادة اإلنتاج‬


‫املتكررة للنسخ األوىل‪ ،‬يف حني يتعني اعتامد التطوير والتجديد بكيفية‬
‫مستمرة؛‬

‫‪y‬غياب التكوين املستمر لبعض الفاعلني اإلعالميني‪ ،‬مما حيد من كفاءهتم؛‬

‫‪y‬انتشار ثقافة «البوز‪ »Buzz‬والسبق‪ ،‬والرتويج ملا يطلبه املستهلكون‪ ،‬ولو‬


‫عىل حساب املصداقية وكرامة الناس وحياهتم اخلاصة؛‬

‫‪y‬توزيع الدعم العمومي بشكل عادل‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪80‬‬


‫ƒالتحديات اخلارجية‪:‬‬
‫‪y‬عدم إتاحة املعلومة بالشكل املطلوب؛‬

‫‪y‬تقييم ومراقبة مدى مترير جمموعة من القيم القوية التأثري عىل األطفال‬
‫واليافعني‪ ،‬وخاصة منها املنشورة عرب مواقع التواصل االجتامعي ولدى‬
‫صناع املحتوى؛‬

‫‪y‬تطور منظومة اإلعالم اجلديد التي غريت بعمق ثقافة اإلعالم وقوانينه؛‬

‫‪y‬وجود منافسة قوية من طرف غري املتخصصني واملؤثرين يف اإلعالم اجلديد‪.‬‬

‫‪y‬حتكم املزاج يف مسطرة األخالقيات يف قانون الصحافة واإلعالم؛‬

‫‪y‬وجود نصوص قانونية موجهة لعمل الفاعل اإلعالمي‪ ،‬لكن متضمنة‬


‫لثغرات يتعني عىل املرشع ترميمها؛‬

‫‪y‬حداثة عهد املقاولة والصناعة اإلعالمية يف املغرب‪ ،‬وتأهيل الرشكات‬


‫واملقاوالت اإلعالمية يف ظل التطور اهلائل الذي يعرفه اإلعالم عامليا؛‬

‫‪y‬ضعف اإلعالم العمومي املغريب الذي مل ينتقل بعد إلعالم مقاواليت حر‬
‫ومستقل؛‬

‫‪y‬ضعف تنافسية اإلعالم العمومي املغريب مقارنة بام حققه اإلعالم الدويل يف‬
‫هذا الشأن؛‬

‫‪y‬تراجع الثقة يف اإلعالم واإلعالميني؛‬

‫‪y‬حتسيس عموم املواطنني برضورة وأمهية حماربة التفاهة اإلعالمية وعدم‬


‫تشجيعها برفع نسب مشاهدهتا؛‬

‫‪y‬سيطرة وسائل التواصل االجتامعي التي يقبل عليها الشباب بشكل واسع؛‬

‫‪y‬غياب تربية مدنية إعالمية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪81‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫لقد حرص املغاربة املشاركون يف الدراسة عىل التذكري بام تقتضيه مشاركة املواطن‬
‫يف املشهد اإلعالمي من رضورة حتمل مسؤولية ممارسة سلطته يف التوجيه واالختيار‪،‬‬
‫والنظر لإلعالم بوصفه قناة هامة لتطوير املجتمع وتغيريه نحو األفضل‪ .‬فام دام اإلعالم‬
‫يمثل مؤسسة للتنشئة االجتامعية والرتبية املوازية يف املجتمعات املعارصة‪ ،‬وسلطة رابعة‬
‫متارس الرقابة عىل الدولة واملجتمع يف آن واحد‪ ،‬فإن حضور املواطن‪ ،‬من خالل ممارسة‬
‫النقد البناء والتثمني الفعال لكل ما يقدمه اإلعالم‪ ،‬سيشكل دعامة قوية لتقوية أدوار‬
‫ووظائف هذا األخري يف تعزيز منظومة القيم يف املجتمع‪ ،‬خاصة ما يتعلق بقيم الثقة‪،‬‬
‫التقدير‪ ،‬النقد‪ ،‬االنتقاء الواعي‪ ،‬املناقشة‪ ،‬التمييز اإلجيايب‪ )...‬والعمل عىل ترسيخها‬
‫بشكل دائم‪ ،‬وسيساهم يف جتويد املنتوج اإلعالمي وتوسيع قاعدة املشاهدة واإلقبال عليه‪.‬‬

‫‪ .5‬حالة مؤسسة اجلامعة‬


‫الرصيد القيمي املؤسساتي اجلامعي‪ :‬تقييم الواقع واستبيان‬
‫التغيرات‬
‫تعترب اجلامعة مؤسسة مسامهة يف إنتاج القيم والتنشئة عىل االلتزام هبا وتفعليها‪،‬‬
‫مثلها يف ذلك مثل مؤسستي األرسة واملدرسة‪ .‬وتتجىل األمهية القيمية للمرفق اجلامعي‬
‫يف امتدادات تأثريه الوظيفي إىل باقي مؤسسات املجتمع عرب انتشار أطره عىل امتداد‬
‫جهات اململكة‪ .‬فام الذي تغري قيميا يف اجلامعة املغربية؟ وإىل أي حد تشكل التغريات‬
‫التي حلقته انعكاسا قيميا شفافا ملا جيري يف املجتمع املغريب؟‬

‫إذا كان املشاركون يف الدراسة قد اختلفوا يف تعبرياهتم عن التغري القيمي يف‬


‫اجلامعة املغربية‪ ،‬فقد التقوا يف أن جامعة مغرب اليوم تعرف «تآكال قيميا» يستنزف‬
‫ادخارها القيمي عرب العقود املاضية‪ .‬ومن أبرز انعكاساته‪ ،‬تراجع الثقة هبا‪ ،‬بفعل توايل‬
‫حاالت غياب قيم تكافؤ الفرص واالستحقاق واملساواة‪ ...‬كام تنتعش بجامعة اليوم‬
‫حاالت متواترة للزبونية والرشوة‪ ،‬يف حني كانت اجلامعة سابقا مثاال مؤسساتيا يقتدى‬
‫به يف القيم واألخالق‪ ،‬وكانت تعيش ربيعا قيميا مناقضا للوضع احلايل‪ ،‬استفاد منه‬
‫املجتمع قيميا بشكل كبري‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪82‬‬


‫وال يعني ما تقدم أن اجلامعة املغربية كانت تعيش متاسكا قيميا‪ ،‬بل بالعكس‬
‫كانت تتدافع فيها التيارات القيمية باختالف مرجعياهتا ومشارهبا الفكرية ورهانات‬
‫براجمها يف اجلامعة وخارجها باملؤسسات املوازية‪ ،‬وهو الرصاع القيمي الذي كان‬
‫يساهم يف التنشئة الفكرية للطلبة ويدعم تكوينهم العلمي والبيداغوجي‪.‬‬

‫إن ما تعيشه اجلامعة من تغري قيمي يرجع‪ ،‬مهام اختلفت متظهراته‪ ،‬إىل قيمتني‬
‫أساسيتني تقلص وزهنام حاليا يف الوسط اجلامعي‪ ،‬ونعني هبام قيمتي اإلنصات‬
‫والتواصل‪ .‬ويتقاسم املسؤولية عن ذلك رشكاء احلياة اجلامعية الذين يسامهون بالفعل‪،‬‬
‫أو باالمتناع عن التصدي ملثل االختالالت املشار إليها‪ ،‬يف ما وصف «بالرتدي القيمي»‬
‫الذي تعرفه اجلامعة اليوم‪.‬‬

‫وقد عرض بعض املشاركني ما بدا هلم تغريا ملفتا ومؤثرا‪ ،‬حدد يف تسارع تغري‬
‫القيمة الوظيفية للجامعة من تكوين باحثني إىل تكوين تقنيني‪ ،‬وتغري أشكال التواصل‬
‫بني اجلامعة واملرتفقني‪ ،‬حيث بقدر تعدد وسائل التواصل‪ ،‬بقدر تقلصه فعليا‪ ،‬ثم‬
‫ظهور ختصصات علمية جديدة‪ ،‬وتزايد حظوظ متابعة الدراسة يف مستويات أعىل من‬
‫اإلجازة‪ ،‬إضافة إىل تنامي عدد األستاذات والفتيات الطالبات اللوايت التحقن باجلامعة‪.‬‬

‫واقع التعايش القيمي بني املؤسسات اجلامعية ومرتفقيها‬


‫حيتضن الفضاء اجلامعي فئات طالبية خمتلفة‪ ،‬ليس فقط يف خصائصها‬
‫االجتامعية والديمغرافية‪ ،‬بل أيضا عىل مستوى معتقداهتا الفكرية ومرجعياهتا‬
‫األيديولوجية‪ .‬وقد أفرز هذا االختالف واقعا تقاطبيا تتنازعه احلساسيات اهلوياتية‬
‫ألبناء الوطن الواحد‪ ،‬ما طرح حتدي تدبري التامسك والتعايش اجلامعي الذي‬
‫تتقاطعه تلك الفئويات القابلة للرصاع املثري والعنف املادي والرمزي‪ ،‬بل وهناك‬
‫أيضا بعد آخر لرهان التعايش القيمي اجلامعي ال يقل أمهية‪ ،‬ويرتبط بالتوافق بني‬
‫املرجعيات القيمية املحلية للطلبة واملقتضيات القيمية للجامعة كفضاء متميز بعلميته‬
‫وبقواعد احلياة اجلامعية‪ .‬فكيف تتحدد أشكال التفاعل القيمي يف ظل مستويات‬
‫التنوع والتعدد واالختالف املذكورة؟‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪83‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫من ضمن أهم القيم املفعلة باملؤسسات اجلامعية‪ ،‬حسب مشاركني من ممثليها‪،‬‬
‫قيمة مساواة النوع التي تستمد تفعيلها من احلضور الوازن للمرأة املغربية باجلامعة‪.‬‬
‫وبعدها نجد قيمة التضامن‪ ،‬وإن مل تعد بنفس املستوى من التفعيل الذي كانت عليه‬
‫سابقا‪ ،‬حيث أصبحت اليوم «وكأهنا مرشوطة بأزمة» وليست سلوكا عمليا اعتياديا؛‬
‫كام مل يعد هذا التضامن «متبادال بل أحاديا حيث األخذ دون رد العطاء»‪.‬‬

‫وجيب االعرتاف بأن تفعيل بعض القيم باجلامعة من قبيل اإلبداع‪ ،‬وحرية‬
‫االختيار‪ ،‬وحرية التعبري‪ ،‬واختاذ القرار‪ ،‬ومشاركة الطالب‪ ...‬يظل حمدودا ومرتبطا‬
‫بمبادرات شخصية‪ .‬وهناك أمثلة عديدة تدعم احلاجة إىل املأسسة القيمية‪ ،‬أي إىل‬
‫بنيات وآليات حتفظ هلا استدامتها‪ .‬وبالنظر إىل أن املؤسسات اجلامعية ذات االستقطاب‬
‫املفتوح حتتضن طالبا منتمني لفئات اجتامعية خمتلفة‪ ،‬ومناطق جغرافية متعددة‪ ،‬وأهنا‬
‫فوق ذلك عبارة عن فسيفساء ثقافية وحقال تنشط يف إطاره تيارات وتنظيامت فكرية‬
‫وإديولوجية‪ ،‬فهي تعرف تفعيال أكرب لبعض القيم األساسية التي تقتضيها حاجيات‬
‫«العيش اجلامعي املشرتك»‪ ،‬مثل تقبل االختالف والتسامح‪ ،‬والتآزر والصرب‪ ،‬واحرتام‬
‫الرأي اآلخر‪.‬‬

‫التفعيل القيمي يف مؤسسة اجلامعة‬


‫يرتفع سقف االنتظار القيمي للمجتمع من املرفق اجلامعي إىل املطالبة باملسامهة‬
‫يف إنتاج القيم الفضىل والتنشئة عليها‪ ،‬بام قد يساعد املجتمع عىل مواجهة خمتلف‬
‫التحديات التي تثريها ديناميته الداخلية أو انعكاسات التحوالت الدولية عىل أعضائه‬
‫ومؤسساته‪.‬‬

‫ما طبيعة مسامهات حميط اجلامعة يف تفعيل القيم داخلها‪ ،‬ويف أدائها؟ وما‬
‫هي املحددات والسياقات املنتجة لواقع التفعيل القيمي أو املانعة له؟ يتالزم األداء‬
‫املؤسسايت اجلامعي بشكل وثيق مع التفعيل القيمي تأثريا وتأثرا‪ .‬وكلام تعددت مصادر‬
‫وأنواع القيم احلارضة باجلامعة‪ ،‬كلام اختلف ترصيفها عالئقيا‪ .‬وهذا ما جيعل االنتامء‬
‫للجامعة يف حد ذاته قيمة جمتمعية فاعلة ومتفاعلة بام يقع قيميا داخلها أو خارجها‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪84‬‬


‫وعىل العموم يالحظ أن القيم التي ينتظر تفعيلها من باب أوىل‪ ،‬وبالنسبة‬
‫لكل الفاعلني يف احلقل اجلامعي‪ ،‬تتمثل يف اإلنصات‪ ،‬واملواطنة‪ ،‬وقبول االختالف‪،‬‬
‫والتعايش‪ ،‬والتسامح‪ ،‬ونبذ العنف‪ ،‬واملشاركة‪ ،‬والعمل اجلامعي‪ .‬وحسب املشاركني‬
‫يف الدراسة‪ ،‬يفرتض أن تكون اجلامعة أول من يفعلها ويشجع عليها‪ ،‬وذلك اعتبارا‬
‫ملهامها يف إنتاج القيم الفضىل وحتفيز األطر باعتبارهم «قدوة قيمية»‪ ،‬عىل نقلها إىل‬
‫الطالب وتطعيم املجتمع هبا‪ .‬وإذا كان من شأن هذه األدوار أن جتعل من اجلامعة‬
‫صامم أمان قيمي‪ ،‬فإن واقعها اليوم يبدو مفارقا وبعيدا عن هذه االنتظارات والتوقعات‬
‫املجتمعية القيمية‪ .‬ويرى املشاركون يف الدراسة أن من شأن تفعيل هذه القيم القطع مع‬
‫جمموعة من املشاكل والتوترات التي أصبحت متيز الفضاءات اجلامعية‪ .‬لكن بلوغ هذا‬
‫املناخ القيمي املتملك من لدن مجيع الفاعلني‪ ،‬يصطدم بثالثة عوائق أساسية حسب ما‬
‫يستشف من خمتلف املقابالت يف املوضوع تتمثل يف‪:‬‬

‫‪y‬العائق األول يف تباين املعنى واملقصود من كل قيمة من القيم بحسب موقع‬


‫كل فاعل جامعي‪ :‬فمثال‪ ،‬بينام يرى الطلبة يف قيمة املواطنة حقوقا ومطالب‬
‫يسعون إىل حتقيقها‪ ،‬يعتربها ممثلو اإلدارة حقوقا غري ممكنة االعتامد؛‬
‫وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬نجد أن املراد من قيمتي التسامح ونبذ العنف متباين‬
‫حتى بني الطلبة أنفسهم تأثرا بمرجعيتهم التنظيمية واإليديولوجية؛ ونفس‬
‫هذا االختالف يف الفهم نجده مع قيم حرية التعبري واحلريات الشخصية‪.‬‬

‫‪y‬أما العائق الثاين فيخص صيغة تفعيل تلك القيم‪ ،‬والتي ال تكون أحيانا‬
‫مرضية كام بالنسبة لقيمة املشاركة التي يصعب تفعيلها يف الغالب حتت‬
‫إكراه االرتفاع الكبري لعدد الطلبة بالنسبة لكل أستاذ‪.‬‬

‫‪y‬ويتمثل العائق الثالث فيام قد يتميز به األفراد املعنيون بالتفعيل القيمي‬


‫من خصائص ذاتية‪ .‬فلو سعينا‪ ،‬مثال‪ ،‬إىل تفعيل قيمة العمل اجلامعي عرب‬
‫برجمة أنشطة جتمع كل الطلبة وتوحدهم حول أهدافها البيداغوجية‪ ،‬فإن‬
‫ذلك سيظل هدفا صعب املنال أمام تأثري خلفياهتم األيديولوجية املتناقضة‪،‬‬
‫واختالف انتامءاهتم االجتامعية والثقافية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪85‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ومن خالل النقاش حول الـتأثري احلاسم للتفعيل القيمي عىل أداء املؤسسة‬
‫اجلامعية‪ ،‬قدم املشاركون شبكة من القيم اعتربوها‪ ،‬استنادا إىل جتارهبم السابقة أو‬
‫من خالل عالقتهم احلالية باجلامعة‪ ،‬أساسية وأولوية لتطوير وحتسني املردودية‬
‫العلمية للمرفق اجلامعي‪ .‬وتتجىل هذه املقرتحات يف القيم‪-‬األم التالية‪ :‬املسؤولية‪،‬‬
‫احلرية‪ ،‬تكافؤ الفرص‪ ،‬األمانة‪ ،‬االحرتام‪ ،‬الثقة‪ ،‬املصداقية‪ ،‬املساواة‪ ،‬االنضباط‪،‬‬
‫التسامح‪.‬‬

‫ومن أبرز القيم العميقة املتولدة عنها ذكر املشاركون‪ :‬اإلنصات‪ ،‬التشاور‪،‬‬
‫تقبل االختالف‪ ،‬املبادرة‪ ،‬التواضع‪ ،‬املواطنة‪ ،‬التعايش‪ ،‬االنفتاح‪ ،‬الصدق‪ ،‬النزاهة‪،‬‬
‫اجلودة‪ ،‬املردودية‪ ،‬اإلنتاجية‪ ،‬احلرية‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬االحرتام‪ ،‬اإلخالص‪ ،‬اإلبداع‪،‬‬
‫الواجب‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬القيم األخالقية‪ ،‬القيم الرتبوية‪ ،‬القيم العلمية‪ ،‬والقيم الكونية‪،‬‬
‫الثقة ‪،‬احلكامة‪ ،‬االستحقاق‪ ،‬االنصاف‪ ،‬املساواة‪ ،‬حفظ الكرامة‪ ،‬العدالة‪ ،‬التعايش‪،‬‬
‫اجلدية‪ ،‬االجتهاد‪ ،‬االنضباط‪ ،‬احلق‪ ،‬الواجب‪ ،‬الشفافية‪ ،‬استقاللية القرار والفعل‪،‬‬
‫الرىض‪ ،‬التقدير‪ ،‬ثقافة االعرتاف‪ ،‬الديموقراطية‪ ،‬احلياد‪ ،‬املوضوعية‪ ،‬الفعالية‪.‬‬

‫ومتتد آثار تفعيل القيم املقرتحة باجلامعة إىل مؤسسات املجتمع واحلياة االجتامعية‬
‫العامة‪ ،‬وهو ما يساعد ويضمن بروز مناخ مالئم للتحصيل العلمي والتميز‪ ،‬واستعادة‬
‫صوت البحث العلمي لقوته التأثريية‪ ،‬ونيل الثقة املحلية والدولية يف آفاقه‪ .‬كام ينتظر أن‬
‫تتعزز ثقة املحيط يف القيمة التكوينية للشهادات اجلامعية‪ ،‬ومن جهات التشغيل بشكل‬
‫أخص‪.‬‬

‫وتوحي آراء كل من املهنيني واملرتفقني بأن هناك اجتاها بعدم الرىض عن املنظومة‬
‫القيمية التي تؤطر معاملة املؤسسة اجلامعية للطالب‪ ،‬عالوة عىل ضعف الرىض عن‬
‫جودة اخلدمات واملعارف املقدمة‪ .‬وكام كان الشأن مع املؤسسة اجلامعية‪ ،‬فهناك ما‬
‫يتعني عىل الطالب بدوره تغيريه‪ ،‬وهو كل سلوك يؤثر سلبا عىل أداء وصورة مؤسسته‬
‫اجلامعية‪ .‬ولعل من شأن تثبيت قيم التعايش ونبذ العنف أن خيلق مناخ الثقة الرضوري‬
‫ألي حتصيل علمي‪ .‬واملالحظ أن العنف الذي يامرس يف قلب اجلامعة تنتجه رشوط‬
‫خارجها‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪86‬‬


‫تلك هي أهم مفاتيح التفعيل القيمي باجلامعة حسب املشاركني يف مقابالت‬
‫الدراسة الكيفية‪ ،‬وهي تغريات تقود بوضوح إىل تعيني مناطق اخللل لدى رشكاء‬
‫الفضاء اجلامعي‪ ،‬مع طرح نوع التدخل املالئم والكفيل بتمكني «القيم» من املسامهة يف‬
‫توجيه الفاعلني والفضاء اجلامعي إىل ما يفيد يف جتويد أدائهام‪ ،‬والتخلص من معيقاهتام‬
‫القيمية‪.‬‬

‫حتديات التفعيل القيمي يف اجلامعة‬


‫استشعارا للمكانة الوظيفية للجامعة وتقديرا لتأثريها القيمي العميل أو املنتظر‬
‫منها‪ ،‬اعترب املشاركون أن جتويد أدائها املؤسسايت يواجه جمموعة من التحديات‪.‬‬

‫ƒالتحديات من داخل اجلامعة‪:‬‬


‫حتديات إدارية‪ :‬نذكر من ضمنها احلرص عىل التحيل بآداب التواصل السليم من‬
‫لدن مجيع األطر والطلبة‪ ،‬والتحدي املتعلق برشوط جودة اخلدمات اإلدارية اجلامعية‪،‬‬
‫حيث يسجل نقص ملحوظ يف اإلمكانيات البرشية واللوجيستية‪ ،‬ما يطرح عوائق أمام‬
‫تفعيل الكثري من القيم باجلامعة (اجلودة‪ ،‬املساواة‪ ،‬النجاعة‪ ،‬االبتكار‪ ،‬حسن التدبري‪...‬‬
‫الخ)‪.‬‬

‫حتديات أخالقية‪/‬قيمية‪ :‬يتعني عىل املسؤولني اجلامعيني حتريك الزجر القانوين‬


‫جتاه التطبيع مع جمموعة من املامرسات السلبية مثل الغش‪ ،‬والتحرش اجلنيس املستفحل‬
‫الذي تتعرض له الطالبات‪ ،‬وهو ما أصبح يشار إليه إعالميا «باجلنس مقابل النقط»‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ينبغي عىل اجلامعة أن تواجه هذا املشكل عرب تدخلها حلامية الضحايا وإنصافهن‪،‬‬
‫وخلق خاليا لإلنصات واالستامع تشجع الطالبات الضحايا عىل التبليغ وعدم االكتفاء‬
‫باملعاناة الصامتة يف حالة تعرضهن لالبتزاز أو التحرش اجلنسيني خوفا من االنتقام‪.‬‬
‫زد عىل ذلك االبتزاز املايل للحصول عىل عالمات تقديرية غري مستحقة‪ ،‬أو للتسجيل‬
‫بسلكي املاسرت والدكتوراه‪.‬‬

‫حتدي تشتت املرجعيات القيمية بني الشعب والتخصصات‪ :‬يامرس الفاعلون‬


‫باجلامعة عملهم‪ ،‬وهم يشعرون بأن هنالك رشخا قيميا يفرق بينهم‪ ،‬وذلك ألن‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪87‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫مرجعياهتم عىل هذا الصعيد متباينة إىل حد ما‪ .‬ويتجىل ذلك‪ ،‬مثال‪ ،‬بني أساتذة‬
‫وطالب شعب اللغات األجنبية‪ ،‬ونظرائهم املنتمني لشعب اآلداب العربية‪ ،‬وخصوصا‬
‫الدراسات اإلسالمية والرشيعة اإلسالمية‪.‬‬

‫حتديات استدماج القيم الكونية وتكييفها مع املنظومة القيمية املحلية‪ :‬وهتم‬


‫وضع آليات عملية الستدماج القيم الكونية وتكييفها مع املنظومة القيمية املحلية يف‬
‫اخلطاب التكويني واملامرسة العالئقية البينية‪.‬‬

‫حتدي العيش املشرتك‪ :‬يرتبط أساسا بتنظيم ومحاية العالقة املؤسساتية بني مجيع‬
‫الفاعلني يف اجلامعة‪ :‬اإلداريون واألساتذة والطلبة‪ ،‬والرشكاء االجتامعيون‪ .‬يتعني‬
‫جعل قيمة االحرتام تسود هذه العالقات دعام ملا تضطلع به اجلامعة من مهام التدريس‪،‬‬
‫والتأطري والتكوين‪ .‬كذلك هناك تكتالت بني األساتذة بسبب اختالف ختصصاهتم أو‬
‫انتامءاهتم النقابية تؤثر عىل القرارات املؤسسية يف اجلامعة‪ ،‬إضافة ملا يوجد بني التنظيامت‬
‫الطالبية من توترات وصدامات ذات أصول اجتامعية وثقافية أو أيديولوجية تتسبب‬
‫أحيانا يف مواجهات عنيفة‪ ،‬وحتى يف توقف الدراسة‪ .‬األمر الذي جيعل من قبول فكرة‬
‫االختالف والتسامح رضورة ال حميد عنها‪.‬‬

‫حتدي العرض التكويني اجلامعي‪ :‬املطلوب من اجلامعة حاليا أن تتطور وتواكب‬


‫املستجدات الدولية‪ ،‬وتنفتح عىل جتارب مقارنة‪ .‬فالدرس اجلامعي‪ ،‬ومنذ عقود‪ ،‬ما‬
‫ِ‬
‫إلقاءه أو مضامينه‪ ،‬هناك غياب بني لإلبداع والتجديد‬ ‫زال هو نفسه‪ .‬سواء يف طريقة‬
‫ومسايرة التطور اهلائل الذي تشهده خمتلف جماالت املعرفة والتكنولوجيا والعلوم‬
‫والفنون واملهن‪.‬‬

‫ƒالتحديات من خارج اجلامعة‪:‬‬


‫حتدي تلبية الطلب اجلامعي املتزايد‪ :‬لقد تزايد الطلب عىل التسجيل والتأطري‬
‫مع ارتفاع نسب االلتحاق باجلامعة كل موسم‪ ،‬والتي تنضاف إىل النسب السابقة بباقي‬
‫فصول وتكوينات اجلامعة‪ ،‬بينام يتم العمل بنفس املوارد البرشية وحتى اللوجيستية‪.‬‬
‫ويف إطار هذه الوضعية ينتعش اهلدر اجلامعي‪ ،‬حيث إن أعدادا مرتفعة من الطلبة‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪88‬‬


‫يغادرون الكلية بعد سنتني من الدراسة‪ ،‬وفقط أعداد قليلة منهم يتمكنون من احلصول‬
‫عىل اإلجازة‪ ،‬وأقل من ذلك بكثري‪ ،‬من مواصلة التكوين بسلكي املاسرت والدكتوراه‪.‬‬

‫حتدي العدالة املجالية‪ :‬تشكل متابعة الدراسة باجلامعة حلام بأعباء إضافية بالنسبة‬
‫للطلبة الذين ال تتوافر جهاهتم الرتابية عىل مؤسسات جامعية‪ ،‬ما يضطر األوفر حظا‬
‫منهم خلوض هذه التجربة يف مناطق أبعد وأكثر تكلفة‪ ،‬باإلضافة إىل العبء االجتامعي‬
‫والثقايف وقيوده عىل فتيات الوسط القروي‪ .‬بل إن هذا التحدي املجايل يؤثر كذلك عىل‬
‫قرار االختيار التكويني من ضمن ما يتوافر يف أقرب مؤسسة جامعية‪ ،‬دون أن ننسى‬
‫بعض الرشوط التمييزية للتسجيل ببعض مؤسسات التعليم العايل‪ ،‬سواء كانت مادية‬
‫أم عىل شكل عتبات لالنتقاء‪ .‬ومثل هذا الوضع يسائل يف العمق مبدأ تكافؤ الفرص‬
‫بني مواطني البلد الواحد‪.‬‬

‫حتدي االتصال األول باجلامعة‪ :‬تفتقد املؤسسات اجلامعية املغربية ملصالح‬


‫خاصة الستقبال الطلبة اجلدد الذين ال زالوا مل يقطعوا بعد‪ ،‬ذهنيا ونفسيا‪ ،‬مع صفة‬
‫«التلميذ»‪ ،‬ويلجون فضاء جامعيا بخصوصيات غري معهودة‪ ،‬وبأحكام مسبقة ليس‬
‫معظمها إجيابيا‪ .‬وقد حاولت أطراف أخرى ملء هذا الفراغ‪/‬اخلصاص‪ ،‬وعملت عىل‬
‫تنظيم استقباالت مفعمة بالتوجيه واالستقطاب التنظيمي‪ .‬وأحيانا‪ ،‬يقع تعارض بني‬
‫قيم عامل اجلامعة والقيم الشخصية للطالب اجلديد‪.‬‬

‫حتدي محاية صورة اجلامعة وتسويقها‪ :‬يف بعض األحيان‪ ،‬تتعرض اجلامعة‬
‫هلجامت إعالمية‪ ،‬ويتم نرش وتداول أخبار تيسء للمكانة الرمزية للمرفق اجلامعي‬
‫وختدش قيمته لدى العموم‪ ،‬حيث يتعمد بناء صورة مشوهة عن اجلامعة وبعض‬
‫مكوناهتا والرتويج املتكرر هلا‪ .‬األمر الذي يقتيض إحداث أجهزة إدارية مركزية وحملية‬
‫خاصة بالدفاع عن سمعة اجلامعة ومصلحتها‪ ،‬والتعريف باملجهودات واإلنجازات‬
‫العلمية والبيداغوجية‪.‬‬

‫ومن بني أهم االنتظارات املعرب عنها يف هذه الدراسة‪ ،‬إعادة جتديد الثقة يف اجلامعات‬
‫العمومية عرب إعادة النظر يف مناهج الدراسة ومضامني التكوين‪ ،‬بام يتناسب واملستجدات‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪89‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫العلمية عرب العامل‪ ،‬واحلاجيات التنموية اخلصوصية يف املجتمع املغريب‪ .‬كام يتعني ألجل‬
‫ذلك استدماج البعد التطبيقي‪ ،‬إىل جانب النظري‪ ،‬يف الدرس اجلامعي‪ ،‬وتكوين الطلبة‬
‫أخذا بعني االعتبار ملتطلبات سوق الشغل‪ .‬كام يتعني االهتامم بإعداد التقني‪ ،‬واملهندس‬
‫والعامل اليدوي املؤهل‪ ،‬ويف ذات اآلن‪ ،‬اإلنسان واملواطن القادر عىل التحليل‪ ،‬والفهم‬
‫والنقد‪ ،‬واملستدمج لثقافة وقيم جمتمعه‪ ،‬األصيلة منها واحلداثية‪/‬الكونية‪.‬‬

‫كام يتطلب اسرتجاع الثقة يف اجلامعة إحداث تغيريات يف املؤسسة ذاهتا‪ ،‬ويف‬
‫سلوك الطلبة‪ .‬وذلك بتعزيز أخالقيات املهنة‪ ،‬ويف نفس الوقت‪ ،‬السعي املستمر إىل‬
‫تيسري تواصل كل من اإلدارة واألساتذة مع الطالب‪ ،‬واجلدد منهم عىل وجه اخلصوص‪،‬‬
‫وتبسيط املساطر اإلدارية‪ ،‬وأنسنة وتأهيل الوسط اجلامعي‪ ،‬وإعامل مبدأي تكافؤ الفرص‬
‫واالستحقاق مهام كان جنس املرتشح‪ ،‬وحتقيق اجلودة والفعالية والنجاعة يف التدبري‪،‬‬
‫والتعليم والتأطري والبحث‪ ،‬بام يتيح للطالب ولوج سوق الشغل من بابه الواسع‪.‬‬

‫وينتظر املغاربة أن تويل اجلامعة اهتامما خاصا بالطالب اجلدد‪ ،‬وذلك بإحداث‬
‫مصلحة «املصاحبة اجلامعية» التي يمكن أن يتقاسم تدبريها بني كل من اإلدارة وطالب‬
‫املاسرت والدكتوراه‪ ،‬ويكون هدفها الرئيس تيسري اندماجهم السلس يف مناخ اجلامعة‪،‬‬
‫ومواكبتهم إبان خطواهتم األوىل يف املؤسسة‪ ،‬ودعمهم عند االقتضاء يف ما قد يعرتضهم‬
‫من تعثرات دراسية‪.‬‬

‫وإذا كان تفعيل القيم ما زال مرتبطا إىل حد بعيد بمبادرات شخصية‪ ،‬وبأعراف‬
‫أكاديمية ضمنية‪ ،‬فقد صارت احلاجة ملحة اليوم إىل تقنني هذا التفعيل ومأسسته ضامنا‬
‫الستدامة االحتكام إليها‪.‬‬

‫‪ .6‬حالة املؤسسات اإلدارية‬


‫التفعيل القيمي باملرفق اإلداري‪ :‬التغيرات واالنتظارات‬
‫كشف مسار تطور اإلدارة واخلدمة العمومية باملغرب عن تغريات عميقة مست‬
‫القيم التي تؤطر عمل اإلدارة وعالقتها باملرتفقني‪ .‬وعربت آراء املشاركني من ممثيل‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪90‬‬


‫املرفق اإلداري عن تراجع جمموعة من القيم التي شكلت عىل الدوام صفات إجيابية يف‬
‫عمل اإلدارة عىل غرار قيم التقدير واالحرتام والعمل بالقدوة‪ ،‬التي حل حملها الرصاع‬
‫والتنافس اجلامح؛ بينام أمجع املرتفقون‪ ،‬من جهتهم‪ ،‬عىل تراجع قيم الثقة واملصداقية‬
‫والشفافية واجلودة يف اإلدارات العمومية‪.‬‬

‫كام سجل كذلك املوظفون اإلداريون واملرتفقون عىل حد سواء تراجعا يف « قيم‬
‫املواطنة والتشبث باهلوية واالختالف والتضامن واحلرية واإلبداع واملساواة والتطوع»‪.‬‬
‫وفضل كثري من املرتفقني الربط بني ما وصفوه بـ«أفول القيم» يف اإلدارة‪ ،‬وبني ما تعيشه‬
‫هذه األخرية اليوم من « أزمة أخالق مهنية»‪ .‬وجيد كل هذا جتسيده الواقعي يف توسع‬
‫حضور املحسوبية (« َل ْ‬
‫ـم َع ْر َفة»)‪ ،‬وتراجع فعالية اإلدارة بسبب متاطل املوظفني يف متكني‬
‫الناس من أغراضهم اإلدارية‪ ،‬باإلضافة إىل كثرة املواعيد‪ ،‬ثم عدم احرتام توقيت الدوام‬
‫اإلداري‪ .‬وقد ساهم هذا التطور يف نفور املواطنني من اإلدارة‪.‬‬

‫لكن بعض املشاركني واملشاركات آثروا استحضار عنرصين ملفتني يف عالقة‬


‫املغاربة باإلدارة‪ ،‬ومها تراجع حاجز التوجس واخلوف الذي ظل يتملك عددا من‬
‫املغاربة مقابل تنامي الوعي باحلق اإلداري؛ ثم اتساع حضور املرأة باجلهاز اإلداري‬
‫العمومي والشبه عمومي واخلاص املفوض‪ ،‬مما ساهم يف تعزيز قيم مساواة النوع‪ ،‬وإن‬
‫مل تصل بعد إىل حتقيق املناصفة املأمولة‪.‬‬

‫فشل تفعيل القيم يف اإلدارة‪ :‬مناذج وأمثلة من املعيش اليومي‬


‫تعكس وجهات نظر املشاركني يف الدراسة بمختلف مناطق املغرب حالة من‬
‫الرتاجع تعيشه اإلدارة العمومية عىل مستوى تفعيل القيم‪ .‬فقد نالت اإلدارة نصيبا وافرا‬
‫من النقد‪ .‬ويرى كثري من املشاركني‪ ،‬أن عدم تفعيل القيم يبدو كام لو كان هو القاعدة‬
‫بالنسبة لبعض موظفي اإلدارة العمومية‪ .‬وعليه‪ ،‬فقد عدّ د املهنيون‪ ،‬كام املرتفقون‪،‬‬
‫حاالت ووقائع تكشف عن اختالالت وممارسات تنتفي فيها القيم‪ ،‬وتسود فيها كل‬
‫أشكال املامرسات الكابحة لتطوير اإلدارة وختليقها‪ .‬ومن أبرز األمثلة والنامذج الدالة‬
‫التي سجلها املشاركون هبذا اخلصوص‪ ،‬نذكر ما ييل‪:‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪91‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬ضعف تفعيل قيمة اإلنصاف‪ :‬ويتمثل ذلك عىل وجه اخلصوص‪ ،‬يف التعامل‬
‫مع بعض اللغات واللهجات بازدراء من طرف املوظفني‪ .‬يف هذا الصدد‪،‬‬
‫يشري املرتفقون إىل واقع تفعيل اللغتني العربية واألمازيغية باملؤسسات‬
‫العمومية‪ .‬ففي الوقت الذي يسجل فيه بعضهم‪ ،‬تفهام حمدودا من قبل‬
‫موظفني باإلدارات العمومية لقضية اللغة‪ ،‬فإن معظمهم يسجلون جتاهل‬
‫اإلدارة حلق املرتفقني يف إعامل اللغة األقرب إليهم‪ .‬وال يطال التهميش‪،‬‬
‫يف هذا الشأن‪ ،‬اللغة األمازيغية فقط‪ ،‬بل اللغة العربية أيضا‪ ،‬وذلك تسييدا‬
‫وانتصارا للغة الفرنسية‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل قيمة املساواة‪ :‬مل خيف جمموعة من املغاربة غياب املساواة‬
‫وسيادة الزبونية يف التعامل مع املرتفقني‪ ،‬حيث جيري يف كثري من احلاالت‪،‬‬
‫تفضيل املرتفقني املنتمني إىل نفس اهليئة احلزبية للموظف‪ ،‬أو التجاوب مع‬
‫بعض األشخاص وقضاء أغراضهم دون مراعاة مقتضيات احلفاظ عىل‬
‫النظام داخل اإلدارة‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل قيمة التدبري اجليد‪ :‬يالحظ املشاركون‪ ،‬انطالقا من جتارهبم‬


‫اخلاصة‪ ،‬أن هناك تفاوتا بني جمموعة من املؤسسات العمومية يف توزيع‬
‫املوارد البرشية‪ ،‬حيث يوجد يف مؤسسة ما وفرة وفائضا من املوظفني‪،‬‬
‫بينام تعاين مؤسسات أخرى من خصاص ونقص يعيق سري املرفق العام‬
‫ويضعف من جودة اخلدمات اإلدارية‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل قيم الكفاءة‪ :‬يتعلق األمر‪ ،‬من وجهة نظر املرتفقني‪ ،‬بغياب‬
‫الرجل املناسب يف املكان املناسب‪ .‬ففي بعض اللحظات‪ ،‬يكون املخاطب‬
‫غري مؤهل لكي يستجيب ملتطلبات املواطن بكيفية مرضية‪ ،‬ما يدفعه إىل‬
‫أن يزوده بمعلومات ومعطيات غري دقيقة‪ ،‬أو خاطئة أحيانا للتخلص منه‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل قيم التضحية واملساعدة‪ :‬توحي كثري من الوقائع التي جرى‬
‫رسدها من قبل املرتفقني‪ ،‬عن رفض بعض املوظفني أداء اخلدمة لصالح‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪92‬‬


‫املرتفق بدعوى هناية احلصة الزمنية املخصصة للعمل‪ ،‬وكثريا ما جيري‬
‫استثامر «التوقيت املستمر» للتغيب عن العمل أو رفض تقديم اخلدمات‪.‬‬
‫ويشكل ذلك عائقا كبريا يف سبيل حتسني مردودية املوظف يف العمل‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل أخالقيات املهنة‪ :‬يتمثل ذلك‪ ،‬مثال‪ ،‬يف التغيب املتكرر لعدد‬
‫من املوظفني‪ ،‬أو االنرصاف قبل هناية الوقت املعمول به يف اإلدارة‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل قيم النزاهة والواجب املهني‪ :‬عرض املشاركون جتارب كثرية‬
‫حول الرشوة والفساد داخل اإلدارات العمومية‪ ،‬وهي حسب هؤالء نتاج‬
‫الوضعية الصعبة للجانب القيمي يف اإلدارة العمومية‪ ،‬واملواقف السلبية‬
‫للمواطن الذي ال ينخرط يف املقاومة وحماربة هذا الوضع‪ ،‬بقدر ما يطبع‬
‫ويتصالح مع مثل هذه املامرسات املعيقة لتفعيل القيم‪.‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل الواجب املهني‪ :‬يشري املرتفقون عىل اخلصوص‪ ،‬إىل األخطاء‬
‫املرتكبة من طرف بعض املوظفني اإلداريني والتي ال تقابل بتطبيق القانون‬
‫أو الزجر الالزم‪ ،‬وهو ما يساهم يف تكريس مثل هذه السلوكيات املنحرفة‪،‬‬
‫ويشجع عىل استمراريتها‪.‬‬

‫‪y‬تعقيد املعامالت اإلدارية‪ :‬حيث يتم إجبار املرتفق عىل التنقل بني مصالح‬
‫إدارية كثرية‪ ،‬ومطالبته بإحضار وثائق متعددة مقابل خدمة قد ال حتتاج إىل‬
‫كل تلك الوثائق‪.‬‬

‫‪y‬سيادة اهلرمية والسلطوية يف اإلدارة‪ :‬حتدث املشاركون عن استغالل‬


‫املواطنني البسطاء وممارسة السلطة عليهم يف كثري من األحيان‪ ،‬دونام إبداء‬
‫االستعداد الالزم للحوار واإلجابة عن أسئلة املرتفقني‪.‬‬

‫‪y‬ضعف قيم الثقة والتواصل واإلنصات‪ :‬يمثل ضعف الثقة القيمة املضادة‬
‫املؤثرة يف سلوك املواطن جتاه اإلدارة‪ .‬وبدورها‪ ،‬ال تثق اإلدارة يف املواطن‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬تؤكد مشاركة يف الدراسة أن ضعف اإلنصات والتواصل اإلجيايب‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪93‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫من طرف اإلدارة املغربية مع املواطنني هو ما جيعل هذا اخللل بني املرتفق‬
‫واإلداري مستمرا‪.‬‬

‫التفعيل القيمي يف مؤسسة اإلدارة‬


‫كشفت املعطيات الكيفية عن اجتاه عام مفاده أن تراجع تفعيل قيم عديدة يف باقي‬
‫مؤسسات املجتمع كاألرسة واملدرسة واإلعالم‪ ،‬انعكس أيضا عىل اإلدارة‪ ،‬سواء من‬
‫جهة أداء أطرها أم سلوكيات مرتفقيها‪ .‬ونتيجة هلذا التغري الذي طال اإلدارة‪ ،‬يسجل‬
‫املغاربة تزايد حدة الرصاع بني الفاعلني باإلدارات العمومية‪ ،‬وتراجع قيم االحرتام‪،‬‬
‫واملصداقية والشفافية واجلودة واملسؤولية‪ ،‬وتنامي الرشوة بطرق مل تكن مألوفة من ذي‬
‫قبل‪ ،‬عالوة عىل تعزيز قيم املصلحة الذاتية والنفعية‪.‬‬

‫ويف هذا الصدد‪ ،‬كشفت إجابات املهنيني كام املرتفقني عن جمموعة من القيم‬
‫املؤثرة‪ ،‬أو املفروض أن تكون مؤثرة يف ممارسة اإلدارة وتفاعلها مع املرتفقني‪ .‬وقد‬
‫تفاوتت من حيث أولويتها تبعا آلراء كل من املهنيني واملرتفقني‪ ،‬وحتددت أساسا يف‬
‫قيم الثقة‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬املحاسبة‪ ،‬التواصل الفعال‪ ،‬الشفافية‪ ،‬االحرتام‪ ،‬النزاهة‪ ،‬املواطنة‪،‬‬
‫بينام حددها املرتفقون يف قيم العمل‪ ،‬املساواة‪ ،‬الشفافية‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬والتعاطف‪.‬‬

‫ومن احلاالت االستثنائية اجلديرة بالذكر‪ ،‬ما عرب عنه مشاركون آخرون‪ ،‬حيث‬
‫أشاروا إىل جمموعة من القيم األساسية اعتربوا أهنا ما زالت فاعلة يف العمل اإلداري‬
‫باملغرب‪ ،‬واقرتحوا أن تظل كذلك يف املستقبل‪ ،‬مثل احرتام املرأة‪ ،‬تقدير كبار السن‪،‬‬
‫احرتام العادات التي يقوم عليها املجتمع املحيل‪...‬الخ‪.‬‬

‫ويف السياق نفسه‪ ،‬يورد املشاركون جمموعة من القيم التي يمكن أن تتأطر يف‬
‫نطاقها العالقة اإلنسانية‪ ،‬ولعل أكثرها ترديدا املواطنة واملسؤولية واحلق والواجب‪ ،‬التي‬
‫تظل قيام أساسية‪ ،‬لكنها تقتيض ربطها‪ ،‬حسب موظفني مشاركني يف الدراسة‪ ،‬بشبكة‬
‫أوسع من القيم‪ ،‬من أبرزها الثقة واملسؤولية واملحاسبة والتحديث‪ .‬وكلها قيم تقع يف‬
‫صلب حتسني العالقة بني الفاعلني يف اإلدارة واملرتفقني‪ .‬من هنا‪ ،‬يمثل تعزيزها مدخال‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪94‬‬


‫لكل إصالح منشود‪ .‬ومن شأن تعزيز قيم التحديث أن يقوي حضور التواصل الفعال‬
‫وقيم أخرى من بينها الشفافية واالستقاللية والوضوح واجلودة والرضا الوظيفي‪.‬‬

‫أولويات قيمية يف أفق جتويد املرفق العمومي‬


‫وإذا كان من الصعب رصد توجه عام بخصوص كل القيم التي تفتقدها اإلدارة‪،‬‬
‫فإنه باملقابل‪ ،‬تربز قيم يعتربها املشاركون مركزية (قيم‪ -‬أم) جديرة بالتعزيز من أجل‬
‫حتسني املرفق اإلداري العمومي واخلدمات املرتبطة به‪ .‬وترتبط هبذه القيم ‪ -‬األم‪ ،‬شبكة‬
‫واسعة من القيم العميقة املالزمة هلا واملعربة عنها‪ ،‬والتي تساهم يف تعزيزها‪.‬‬

‫ومتثل القيم التالية القيم‪-‬األم املقرتحة بالنسبة ملؤسسة اإلدارة‪ :‬الثقة‪ ،‬احلق‪،‬‬
‫الواجب‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬التحديث‪ ،‬االستقامة‪ ،‬التعاون‪ ،‬املواطنة‪ ،‬مساواة النوع‪،‬‬
‫التحفيز‪ ،‬املهنية‪ ،‬االستقاللية‪ ،‬النزاهة‪ ،‬الكفاءة‪ ،‬االحرتام‪ ،‬القانون‪ ،‬املصداقية‪،‬‬
‫الكرامة‪ ،‬املرونة‪ ،‬التواصل اإلجيايب‪ ،‬احلوار‪ ،‬خدمة املواطن‪ ،‬الشفافية‪ ،‬الوضوح‪،‬‬
‫اجلودة‪ ،‬الرضا الوظيفي‪ ،‬حسن االستقبال‪ ،‬التنافسية‪ ،‬االنضباط‪ ،‬تكافؤ الفرص‪،‬‬
‫التعاون‪ ،‬وحسن االستامع‪.‬‬

‫تشكل هذه القيم أهم االختيارات التي وردت يف آراء املشاركني‪ ،‬والتي ترددت‬
‫يف خمتلف مناطق إجراء البحث‪ ،‬سواء باملجال القروي أو احلرضي‪ ،‬ولدى فئات‬
‫اجتامعية خمتلفة‪ .‬وهي متثل قيام ‪ -‬مفاتيح‪ ،‬يعتقد املهنيون كام املرتفقون أن ترسيخها‬
‫من شأنه أن حيسن من جودة اخلدمة العمومية باإلدارة‪ .‬غري أن ذلك يقتيض تعزيز قيم‬
‫أخرى مالزمة هلا‪ ،‬عدّ دها املهنيون يف قيم‪ :‬العدالة االجتامعية‪ ،‬املساواة‪ ،‬املشاركة‪ ،‬حرية‬
‫املبادرة‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬االبتكار‪ ،‬التحفيز‪ ،‬التمكني‪ ،‬عدم التمييز‪ ،‬اجلودة‪ ،‬املحاسبة‪،‬‬
‫التطوع‪ ،‬اإلنصاف‪ ،‬اإلبداع‪ ،‬التسامح‪ ،‬التكافل‪ ،‬اإلنصات‪ ،‬حرية التعبري عن اآلراء‪،‬‬
‫الثقة يف النفس‪ ،‬املساعدة‪ ،‬احرتام احلقوق والواجبات‪ ،‬إبعاد الذاتية‪ ،‬التضامن‪ ،‬التقدير‪،‬‬
‫االختالف‪ ،‬احلياد‪ ،‬التعاطف‪ ،‬التشاور‪ ،‬مشاركة املواطنني‪ ،‬التنظيم‪ ،‬االنضباط‪ ،‬الدمج‪،‬‬
‫اخلصوصية‪ ،‬الفعالية‪ ،‬اإلحساس باملسؤولية‪ ،‬التفاين يف العمل‪ ،‬حب الوطن‪ ،‬احلوار‬
‫البناء‪ ،‬االلتزام‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪95‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫ويذكر املوظفون كام املرتفقون بمجموعة من السلوكيات التي يتعني تغيريها‪،‬‬
‫سواء يف اإلدارة‪ ،‬أو لدى املرتفق‪ ،‬وذلك بغية تعزيز القيم املشار إليها‪ ،‬ويف مقدمتها‬
‫الثقة‪ ،‬التي من شأن ترسيخها املسامهة يف ختليق املرفق العمومي وضامن جودة خدماته‪،‬‬
‫ومن أمهها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬يف اجلانب اخلاص بالتغريات املؤسسية لنيل الثقة‪:‬‬


‫‪y‬يتعني احلرص عىل تعزيز قيم املواطنة يف تعامل اإلدارات مع املرتفقني؛‬

‫‪y‬جيب أن يسود نوع من الوضوح والشفافية يف املساطر ويف احلقوق‬


‫والواجبات؛‬

‫‪y‬أن يشعر املواطن‪ ،‬عند تعامله مع اإلدارة‪ ،‬أنه يتعامل مع مؤسسة وليس مع‬
‫أشخاص؛‬

‫‪y‬جيب تغيري املسببات التي قادت إىل فقدان الثقة يف اإلدارة‪ .‬نذكر من ذلك‪:‬‬
‫االشتغال عىل التمثالت السلبية املكونة عن اإلدارة؛ والتخيل عن قيم‬
‫الزبونية واملحسوبية؛ واحرتام الوقت اإلداري؛ إضافة إىل حماربة وسطاء‬
‫اخلدمة‪« ،‬سامرسة» اإلدارة‪ .‬وعليه‪ ،‬جيب تطبيق القانون عىل اجلميع‪،‬‬
‫واالهتامم بالتواصل‪ ،‬وتبسيط املساطر؛‬

‫‪y‬تفعيل ربط املسؤولية باملحاسبة عىل أرض الواقع من خالل إعامل القانون‬
‫ٍ‬
‫ملخالفات؛‬ ‫وزجر املرتكبني‬

‫‪y‬إرشاك املواطنني يف التدبري؛‬

‫‪y‬توعية املواطن بحقوقه وواجباته؛‬

‫‪y‬الرفع من فعالية اإلدارة؛‬

‫‪y‬تفعيل قيم من قبيل العدالة واحلياد والعمل واملسؤولية والتسامح؛‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪96‬‬


‫‪y‬التطوير اهليكيل لإلدارات العمومية واالهتامم باملوارد البرشية من خالل‬
‫التمكني اللغوي واملعلومايت‪ ،‬بام يفيض إىل ترسيخ قيمة االنفتاح؛‬

‫‪y‬تثمني قيمة االنضباط وااللتزام؛‬

‫‪y‬توجيه املواطن غري املتعلم ومساعدته من خالل تبسيط اإلجراءات أمامه‬


‫وحسن التواصل معه؛‬

‫‪y‬تقديم املساعدة اإلدارية يف إطار القانون؛‬

‫‪y‬توفري فرص التكوين املستمر الذي ينبغي أن يستفيد منه جل املوظفني؛‬

‫‪y‬تفعيل ورش الرقمنة باملجال القروي كام املجال احلرضي؛‬

‫‪y‬إحداث خلية خاصة الستقبال املواطن وتوجيهه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬فيام خيص التغريات السلوكية لدى املواطن لإلسهام يف التفعيل‬


‫املؤسيس للقيم‪ ،‬يتعني‪:‬‬
‫‪y‬أن يكون املواطن واعيا بحقوقه وواجباته؛‬

‫‪y‬أن يساعد املواطن يف تفعيل القيم عن طريق رفع الشكايات والتبليغ بكل‬
‫أشكال التعسف أو خرق القانون؛‬

‫‪y‬أال يقدم رشاوى؛‬

‫‪y‬أن يتحىل بروح املسؤولية؛‬

‫‪y‬أال يسهم يف إصدار أو نرش األحكام املسبقة حول اإلدارة؛‬

‫‪y‬أال يكون عنيفا يف تعامله مع املوظفني اإلداريني‪ ،‬وأن حيسن التواصل معهم؛‬

‫‪y‬أن حيرتم مرفق اإلدارة واملوظفني‪ ،‬ويلتزم بقاعدة األسبقية؛‬

‫‪y‬أال يلجأ إىل املحسوبية والعالقات الزبونية والشخصية قصد االلتفاف عىل‬
‫القانون؛‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪97‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬أن ينترص لقيم احلوار والتفاهم؛‬

‫‪y‬أن يرفض االنخراط يف كل السلوكيات املشينة حتى وإن بدت طرقا سهلة‬
‫لقضاء املصالح الشخصية‪.‬‬

‫اإلدارة يف مواجهة حتديات تفعيل القيم‬


‫تتوزع هذه التحديات بني ما يرتبط باإلدارة والفاعلني فيها‪ ،‬من جهة‪ ،‬وهي‬
‫يف املجمل أمور ترتبط باهليكل التنظيمي للمؤسسات والقوانني املنظمة هلا والعالقة‬
‫بني الفاعلني اإلداريني؛ وحتديات خارجية‪ ،‬ترتبط باملحيط الذي تتواجد به تلك‬
‫املؤسسات‪ ،‬بام يتضمنه من خصائص طبيعية وبرشية بشكل عام‪ .‬ويف ما ييل‪ ،‬نستعرض‬
‫جممل هذه التحديات كام رصدها املشاركون يف الدراسة‪ ،‬مهنيون ومرتفقون‪:‬‬

‫ƒالتحديات الداخلية‪:‬‬
‫‪y‬الشكل املورفولوجي لإلدارة وطرق التسيري املعتمدة هبا؛‬

‫‪y‬التحدي املرتبط بتعزيز قيم اإلنصاف والتواصل الف ّعال وتكافؤ الفرص؛‬

‫‪y‬التحفظات التي حتيط بمسألة احلصول عىل املعلومات من اإلدارة وتعزيز‬


‫املصداقية والشفافية؛‬

‫‪y‬االفتقاد إىل قيمة املرونة يف األداء وعدم التحيل بأخالقيات املهنة؛‬

‫‪y‬اشتغال املوظفني بالتعليامت الواردة من رؤسائهم عوض القوانني؛‬

‫‪y‬التحدي القيمي‪/‬األخالقي؛‬

‫‪y‬التحدي املتصل بإنصاف الكفاءات اإلدارية؛‬

‫‪y‬تأهيل وحسن توزيع املوظفني؛‬

‫‪y‬حتدي اللغة‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪98‬‬


‫ƒالتحديات اخلارجية‪:‬‬
‫‪y‬ضعف قيمة الرقابة عىل الكثري من املؤسسات العمومية؛‬

‫‪y‬هيمنة بريوقراطية صارمة حتد من حرية اإلبداع؛‬

‫‪y‬ضعف قيمة التحفيز املقدم للموظف؛‬

‫‪y‬بروز قنوات الزبونية واملحسوبية وإضعاف قيمة الشفافية واملساواة؛‬

‫‪y‬حتدي تنزيل القيم‪.‬‬

‫ƒاحلزمة الثانية من التحديات (املرتبطة باملرتفق)‪:‬‬


‫‪y‬التحدي املتصل باملواطن املرتفق؛‬

‫‪y‬التحدي املرتبط بجهل املواطنني بحقوقهم؛‬

‫‪y‬التحدي املتصل بسيادة القيم النفعية؛‬

‫‪y‬التحدي املتعلق ببعض اإلشكاليات اهليكلية الناجتة عن تراجع قيمي يف‬


‫خمتلف مؤسسات التنشئة االجتامعية يف العرص الراهن‪ ،‬وخاصة األرسة‬
‫ووسائل اإلعالم؛‬

‫‪y‬التحدي املتصل بالتطور التكنولوجي؛‬

‫‪y‬التحدي املتصل بوجود حالة رصاع أو استعداد للرصاع بني املوظف‬


‫واملرتفق‪.‬‬

‫إن مشاريع إصالح اإلدارة التي لطاملا رفعت‪ ،‬وشكلت رهانا لتحديث هذه‬
‫األخرية‪ ،‬تقتيض‪ ،‬اليوم‪ ،‬وعيا عميقا بالتحديات التي تواجهها اإلدارة العمومية‬
‫باملغرب‪ ،‬والتي بقدر ما تفرض عىل املهنيني االنخراط الواسع يف تذليل الصعوبات‬
‫املرتبطة باملرفق العمومي‪ ،‬ال تربئ املواطن من املسؤولية‪ .‬فمن دون شك‪ ،‬لن ينجح‬
‫أي إصالح إداري إال بانخراط املواطن يف تفعيل قيم املسؤولية والشفافية والنزاهة‪،‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪99‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫والنظر إىل دوره ال بوصفه زبونا سلبيا يتلقى اخلدمة‪ ،‬ولكن باعتباره رشيكا وجزء من‬
‫كل مبادرة تبتغي اإلصالح‪ .‬ويمثل تعزيز قيم تثمني أدوار اإلدارة‪ ،‬واالعرتاف بأمهيتها‬
‫جزء مما يفرتض من املواطن احلرص عىل تعزيزه‪.‬‬

‫وعىل مستوى عالقة اإلدارة بالدولة‪ ،‬فإن امليض يف جتويد القوانني وتفعليها‬
‫يشكل السبيل الوحيد لتقليص كل العراقيل التي تواجهها هذه املؤسسات ومواجهتها‬
‫بإحكام‪ .‬ولقد بدا واضحا يف شهادات املغاربة‪ ،‬وخاصة املهنيني باإلدارة‪ ،‬حجم املفارقة‬
‫بني ما يس ّن من قوانني وبني تطبيقها عىل أرض الواقع‪ .‬فمن غري املتوقع أن تنجح اإلدارة‬
‫أو ينجح مرشوع إصالحها من دون أجرأة القوانني‪ ،‬وتفعيل ميثاق أخالقي داخل‬
‫اإلدارة العمومية يكون كفيال باحلد من كل اخلروقات التي حتد من جودة خدماهتا‬
‫وتؤثر يف عالقتها باملواطن‪.‬‬

‫‪ .7‬حالة املؤسسات الصحية‬


‫اشرتك مهنيو الصحة واملرتفقون يف معظم اجلهات التي شملها البحث‪ ،‬يف اإلقرار‬
‫بأن منحى التغري القيمي املرتبط باملؤسسة الصحية اجته اجتاها سلبيا يف املجمل‪ .‬ويرى‬
‫أحد املهنيني‪ ،‬أن ما يمكن اعتباره تغريا قيميا تقترص‪ ،‬بعض مظاهره‪ ،‬عىل حماوالت يف‬
‫اجلانب التواصيل فحسب‪ ،‬خاصة خالل جائحة كوفيد‪ ،‬حيث انخرطت األطر الصحية‬
‫أكثر يف تيسري التواصل مع املرتفقني‪ ،‬كام وجد املشاركون أن التدخل الصحي العمومي‬
‫أصبح يعتمد اليوم عىل املقاربة العالجية أكثر من اعتامده عىل املقاربة الوقائية‪.‬‬

‫وأبدى املشاركون يف الدراسة‪ ،‬مهنيون ومرتفقون‪ ،‬عدم رضاهم عن ظروف‬


‫العمل وضعف مردودية القطاع الصحي العمومي‪ .‬بينام سجلوا انتقاال قيميا بارزا‬
‫مؤداه تزايد ثقة املغاربة‪ ،‬وبشكل أقوى باملجال القروي‪ ،‬يف القرار الطبي التشخييص‬
‫واملسار العالجي املقرتح‪ ،‬وذلك بعد عقود من الريبة والشك يف فعاليتهام‪ .‬وقد حصل‬
‫هذا االنتقال القيمي لفائدة الكفاءات الطبية املغربية‪ ،‬بعد استحواذ األطباء واملؤسسات‬
‫العالجية األجنبية‪ ،‬مثل اهليئات املتطوعة‪ ،‬عىل «الثقة العالجية» لدى املغاربة‪ .‬بينام‬
‫تغيب نفس الثقة‪ ،‬لدى املواطنني‪ ،‬يف املؤسسة الصحية اخلاصة عندما يتعلق األمر بنتائج‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪100‬‬


‫فحوصاهتا وما يرتتب عنها من قرار طبي‪ .‬ألهنم يعتربون أهنا توجههم نحو اخلدمات‬
‫األكثر فوترة‪ ،‬ولو أهنا غري رضورية أو مربرة‪ ،‬مثل العمليات اجلراحية وفحوصات‬
‫األشعة املكلفة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬اعترب املشاركون أهنا األكثر تفعيال لقيمتي التواصل‬
‫واملساواة‪ ،‬ألن منطق اشتغاهلا يقوم عىل أساس خدمة مقابل مبلغ مايل‪ ،‬وما دمت قادرا‬
‫عىل الدفع فأنت ستحصل عىل اخلدمة بنفس األداء التقني الذي حصل عليه اآلخرون‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أهنا تتعامل‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬بفعالية واحرتام للواجب املهني أكثر من القطاع‬
‫العام‪ ،‬وذلك ملا يميزها من تدبري معقلن مبني عىل املحاسبة والتحفيز‪.‬‬

‫وساهم هذا التحول اإلجيايب يف تزايد مطالب املواطنني لتحسني اخلدمات‬


‫الصحية‪ ،‬وتقلص معه هامش «تساحمهم» مع أي تقصري أو إمهال‪ .‬ويف سياق هذه‬
‫التغريات‪ ،‬حتول كذلك خطاب مسؤويل الشأن الصحي نحو التأكيد عىل أن مردودية‬
‫القطاع الصحي العمومي ال يتحمل مسؤوليتها اجلهاز الوزاري الويص عىل القطاع‬
‫فقط‪ ،‬بل تتقاسم مع متدخلني ورشكاء آخرين‪ ،‬عموميني وخواص‪ ،‬مستندين يف ذلك‬
‫إىل ما تصفه منظمة الصحة العاملية ب«املحددات االجتامعية للصحة»‪.‬‬

‫فكيف يمكن احلديث عن قيم التعاطف واإلنصاف يف سياق يفتقد ألبسط‬


‫رشوط العمل؟ إن تفعيل القيم األساسية يقتيض توفري مناخ مهني مناسب يسمح‬
‫للفاعل الصحي بأداء واجبه التقني واإلنساين بشكل مريض للجميع‪ .‬فاختيار املهنة‬
‫الصحية هو أصال مبني عىل مرجعية قيمية‪.‬‬

‫التفعيل القيمي يف قطاع الصحة‬


‫بالنظر خلصوصية اخلدمة التي يقدمها املرفق الصحي‪ ،‬يرتبط مطلب التفعيل‬
‫القيمي‪ ،‬من جهة‪ ،‬باملامرسة املهنية ألطره‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بالسلوك االرتفاقي‬
‫للمواطنني‪ .‬عىل أن من أهم ما يطلبه ويطالب به املهنيون‪ ،‬االحرتام والثقة‪ ،‬بام يساعد‪،‬‬
‫يف نظرهم‪ ،‬عىل حسن أداء واجبهم‪ .‬إال أن تفعيلهام يبدو صعبا يف سياق مؤسسايت‬
‫انفعايل بامتياز‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪101‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫واستقر رأي مهنيي الصحة حول أهم القيم التي تلقى التفعيل بشكل عام من‬
‫لدهنم‪ .‬وتتمثل أساسا يف قيم التضامن‪ ،‬التضحية‪ ،‬اإليثار‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬االلتزام‪ ،‬احرتام‬
‫مساواة النوع‪ ،‬التواصل‪ ،‬احرتام اخلصوصية الثقافية واللغوية للمرتفقني‪ ،‬واحرتام‬
‫قيمة احلميمية‪ .‬بيد أن بعض مهنيي الصحة يرون أن أشكال التفعيل القيمي املشار‬
‫إليها‪ ،‬ال تعدو أن تكون جمرد «مبادرات شخصية»‪ ،‬واجتهادات من بعض األطر الطبية‬
‫والتمريضية‪ ،‬وال عالقة هلا بطبيعة املؤسسة الصحية التي تكرس الالمساواة والتمييز‬
‫بني اجلهات‪ ،‬واملجاالت احلرضية والقروية‪ ،‬والفئات االجتامعية‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمواطنني املرتفقني‪ ،‬فيعرتفون أن حالتهم النفسية املتوترة يف حالة‬


‫املرض أو املرافقة للمريض‪ ،‬ال جتعل من السهل بالنسبة هلم تفعيل القيم عىل الوجه‬
‫املطلوب عند ولوج املؤسسة الصحية‪ .‬وكانت أبرز القيم التي اعتربوها انخراطا‬
‫سلوكيا منهم لتفعيلها يف املؤسسات االستشفائية والعالجية تتجىل يف قيم الثقة‪،‬‬
‫االحرتام‪ ،‬املساواة وااللتزام‪.‬‬

‫يتجاوز واجب تدبري قطاع الصحة العمومية املسؤولني العموميني املكلفني‬


‫بذلك رسميا‪ ،‬ليمتد إىل رشكاء آخرين لكل منهم جمال تدخله لإلسهام يف الرقي‬
‫بأداء املنظومة الصحية‪ .‬لذلك كان من الالزم التوقف عند مسامهات الرشكاء بمحيط‬
‫املؤسسات الصحية يف جعل األداء املؤسسايت واملامرسة الصحية يف وضع «تفعيل قيمي‬
‫ممأسس»‪.‬‬

‫ومهام رصد من موارد وإمكانيات عمومية‪ ،‬فستظل دوما غري كافية لتلبية‬
‫الطلب املجتمعي املتنامي عىل اخلدمات الصحية‪ .‬لذا‪ ،‬يشكل دور باقي الفاعلني يف‬
‫حميط املؤسسات الصحية‪ ،‬بمن فيهم القطاع اخلاص واملجتمع املدين وباقي مؤسسات‬
‫التنشئة املحلية‪ ،‬وحتى املواطنني أنفسهم‪ ،‬عامال مؤثرا يف ختفيف العبء عىل الفاعل‬
‫العمومي الصحي‪ ،‬ومتكني املرتفقني من خدمات صحية مرضية‪.‬‬

‫إن مسامهة رشكاء املرفق الصحي ال تتحدد فقط فيام يفرتض منهم تقديمه لصالح‬
‫حسن أدائه‪ ،‬ولكن كذلك فيام يتعني عليهم أيضا تفاديه والتخيل عنه من سلوكيات‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪102‬‬


‫ومتثالت‪ .‬ولعل أبرزها ما جاءت به ترصحيات املهنيني املتعلقة بقيمتي الثقة واالحرتام‪.‬‬
‫فمع تراكم األشغال يف ظل نقص اإلمكانيات واملوارد البرشية‪ ،‬ترسخت يف أذهان‬
‫العديد من املواطنني أحكام سلبية بخصوص كل ما يصدر عن املرفق الصحي‪ ،‬فتعزز‬
‫انعدام الثقة يف مدى االلتزام بمواعيد الفحوصات الطبية والتدخالت العالجية‪ ،‬ويف‬
‫أحيان كثرية‪ ،‬بلغ األمر إىل حد التطاول اللفظي املهني واستهداف السالمة الشخصية‬
‫للمهنيني أثناء مزاولتهم لعملهم بحجة مماطلتهم لتحصيل مقابل غري مرشوع‪.‬‬

‫ويتقدم اإلعالم الرشكاء املذكورين ليس فقط يف الكشف عن بعض االختالالت‬


‫املهنية واألخالقية املعزولة التي حتدث يف مرفق الصحة مثلام يمكن أن حتدث يف أي مرفق‬
‫آخر‪ ،‬بل يف عدم انخراطه يف تصحيح التمثالت السلبية التي تصم املرفق الصحي‪ ،‬بام‬
‫ينصف تضحيات األطر التي ال جتد من يربزها بكل موضوعية‪ ،‬بل يرتكها عرضة ألن‬
‫خيدشها أدنى خلل مهني استثنائي‪ ،‬خصوصا يف ظل اتساع الولوجية لوسائل التواصل‬
‫االجتامعي‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ما زالت مسامهة مؤسسات تدبري الشأن املحيل بعيدة عن تقديم‬
‫اإلضافة املرجوة‪ .‬لذلك‪ ،‬اعترب املشاركون أن بإمكاهنا تفعيل قيم املسؤولية واملشاركة‬
‫والنجاعة‪ .‬ففي ظل حمدودية املوارد العمومية املخصصة للقطاع الصحي‪ ،‬بإمكان‬
‫اجلامعات الرتابية املنتخبة أن تعمل عىل ختفيف الضغط عىل املوارد البرشية املحدودة‬
‫بتشغيل أطر إضافية يف إطار عقود عمل حمددة‪ ،‬وبشكل أولوي مع فئات التمريض‬
‫اخلاصة؛ أو مع أطباء القطاع اخلاص‪ ،‬خصوصا يف أفق توفري االختصاصات الطبية‬
‫التي يفتقدها املجال الرتايب؛ أو يف إطار رشاكات حول خدمات تقنية مع مؤسسات‬
‫الفحص الطبي التقني (األشعة‪ ،‬التحليالت البيولوجية‪ ،‬أرسة تصفية الدم‪ ،)...‬وربام‬
‫مقابل امتيازات رضيبية‪ ،‬مثال‪.‬‬

‫وحتتفظ مؤسسات أخرى من املحيط اخلارجي للمؤسسة الصحية بأمهية بالغة يف‬
‫حتقيق تفعيل قيمي يفيد يف جتويد أدائها‪ .‬فقد تدعم جمهودات املهنيني بام يمكن أن تقدمه‬
‫من اقرتاحات قيمية ذات مفعول عميل‪ .‬ونذكر منها األرسة‪ ،‬واملجتمع املدين الذي تربز‬
‫أمهيته أكثر يف املجال القروي‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬وكذلك املستويات اإلدارية املركزية واجلهوية‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪103‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫لنفس القطاع التي ال يشعر معها املهنيون أهنا منخرطة معهم يف الدعم القيمي واحلامية‬
‫القانونية الفعلية‪.‬‬

‫انطالقا من واقع املامرسة املهنية الطبية والتمريضية وجتارب االرتفاق الشخصية‬


‫والعائلية‪ ،‬اقرتح املشاركون يف املقابالت اخلاصة باملؤسسات الصحية جمموعة من القيم‬
‫تباينت أولوياهتا بني املشاركني املهنيني واملرتفقني‪ ،‬وجتلت أبرز هذه املقرتحات القيمية‬
‫بالنسبة لألطر الصحية يف‪ :‬االحرتام‪ ،‬التقدير‪ ،‬االعرتاف‪ ،‬املواطنة‪ ،‬العدالة‪ ،‬الثقة‪،‬‬
‫التضحية‪ ،‬االنضباط‪ ،‬الصرب‪ ،‬احلكامة‪ ،‬يف حني حددها مرتفقو املؤسسات الصحية‬
‫يف قيم التواصل‪ ،‬الضمري املهني‪ ،‬التضامن‪ ،‬التعاطف‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬احلرية‪ ،‬احلكامة‪،‬‬
‫األمانة‪ ،‬االحرتام‪ ،‬العدالة‪ ،‬املواطنة‪ ،‬املصداقية‪ ،‬املساواة‪ ،‬االنضباط‪ ،‬الكرامة‪ ،‬األمن‬
‫اجلسدي‪ ،‬األمن الصحي‪ ،‬والنزاهة‪.‬‬

‫وتوقع املشاركون‪ ،‬حرضيون وقرويون‪ ،‬بأن من شأن تفعيل القيم املقرتحة‬


‫وتعزيزها أن يؤدي إىل ترسيخ قيمة املواطنة وتعزيز الثقة بني املرفق الصحي واملرتفقني‪،‬‬
‫وتفعيل اإلنصات والتواصل واملعاملة بشفافية‪ ،‬وختفيف العبء النفيس واملادي عىل‬
‫املرىض‪ ،‬وحتقيق املساواة بني كل الفئات يف ما خيص ولوج اخلدمات الصحية‪ ،‬وتعزيز‬
‫احلكامة يف تدبري موارد املؤسسات الصحية‪ ،‬وكذا ختليق املرفق الصحي وحتسني صورة‬
‫املؤسسة الصحية يف املجتمع‪ ،‬بام يقوي االحرتام بني املؤسسة الصحية واملرتفق‪.‬‬

‫ولوحظ شبه احتكار من املرتفقني للحديث يف املحور اخلاص بعدم التفعيل‬


‫القيمي‪ ،‬وذلك يف مجيع املؤسسات ويف خمتلف اجلهات الرتابية‪ .‬وتأكد ذلك عند رسد‬
‫حاالت عدم التفعيل القيمي باملؤسسات االستشفائية‪ ،‬حيث مالت تدخالت املرتفقني‬
‫إىل ما يشبه العتاب والتظلم‪ ،‬مقابل تبني اإلنصات من طرف مهنيي الصحة املشاركني‬
‫خالل إجراء املقابالت‪ .‬لقد اجتهت أغلب تعقيبات املهنيني إىل التزام خطاب تربيري‬
‫رام توضيح بعض التفاصيل التي ال تظهر للمرتفق وال يعلم هبا‪ .‬من ذلك‪ ،‬مثال‪،‬‬
‫انعدام الرشوط املوضوعية لتدخل صحي مثايل وذي حساسية جتاه املكون القيمي‪،‬‬
‫وتراكم إكراهات االشتغال اإلدارية منها والتقنية والبرشية والنفسية‪ ،‬والتي تستنزف‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪104‬‬


‫طاقة األطر الصحية بحيث ال يتبقى هلم اجلهد الالزم والكايف ألي تفعيل قيمي ُم ٍ‬
‫واز‬
‫ألدائهم املهني‪.‬‬

‫وإذا كانت أبرز حاالت عدم التفعيل القيمي للمرتفقني من منظور املهنيني‬
‫ترتبط بإهانة األطر الصحية واستفزازها‪ ،‬والسعي إىل االستفادة من اخلدمات‬
‫الصحية بطرق ملتوية‪ ،‬فقد انسابت األمثلة التي يرى فيها املرتفقون جتاوزات قيمية‬
‫من املهنيني اجتاههم عند اضطرارهم طلب خدمات استشفائية شخصية أو ملرافقيهم‪.‬‬
‫ويتعلق أغلبها بسوء التواصل وعدم املساواة والزبونية‪ .‬ويمكن ذكر أبرزها يف‬
‫احلاالت التالية‪:‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل قيم الواجب املهني‪ :‬يضطر املريض إىل البحث عن وساطة من‬
‫أقربائه أو أصدقائه ليتمكن من العالج أو احلصول عىل الدواء من املركز‬
‫الصحي‪.‬‬

‫‪y‬عدم االلتزام بقانون الوظيفة العمومية‪ :‬بعض األطباء يف القطاع العمومي‬


‫خيرقون القانون باالشتغال يف القطاع اخلاص دون االكرتاث ملا قد يكون‬
‫لذلك من عواقب خطرية عىل صحة املرىض وحياهتم‪.‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل قيمة التواصل‪ :‬عند ولوج بعض املستشفيات‪ ،‬جيد املريض نفسه‬
‫أو أحد أقربائه مضطرا لبحث مضني عمن يرشده ويوجهه للمصلحة املعنية‬
‫باملرض‪ .‬فال وجود ملكتب استقبال‪ ،‬وال ملكتب مساعدة اجتامعية وإرشاد‪.‬‬

‫‪y‬عدم مالءمة لغة التواصل‪ :‬يتم استعامل اللغة الفرنسية يف تواصل األطر‬
‫الصحية مع املرىض أو مرافقيهم ويتم تفضيلها دون مراعاة اخلصوصيات‬
‫اللغوية املحلية إال نادرا‪.‬‬

‫‪y‬ضعف تفعيل التواصل بني املؤسسة الصحية وباقي املؤسسات‪ :‬يظل‬


‫التنسيق بني قطاع الصحة وباقي القطاعات ضعيفا وال يرقى إىل املطلوب‪،‬‬
‫رغم أن صحة املواطن ترتبط بعوامل وظروف أخرى متداخلة‪ .‬يف هذا‬
‫الصدد يمكن استحضار قيمة االلتقائية أو البني‪ -‬قطاعية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪105‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬عدم تفعيل قيم األمانة والنزاهة‪ :‬يضطر زوار املريض‪ ،‬يف بعض األحيان‪،‬‬
‫إىل تقديم مبالغ مالية حلراس األمن اخلاص واملمرضات قصد التمكن من‬
‫زيارة قريبهم‪ .‬وحيدث ذلك حتى إبان أوقات الزيارة القانونية‪.‬‬

‫‪y‬االبتزاز واملحسوبية‪ :‬ألجل تلقيح األطفال‪ ،‬أو إجراء عملية جراحية‪،‬‬


‫جيرب بعض املرتفقني‪ ،‬يف حني يستفيد آخرون‪ ،‬عىل اقتناء إبر احلقن ورشاء‬
‫معدات شبه طبية كخيوط اجلراحة‪.‬‬

‫‪ y‬التمييز وعدم املساواة‪ :‬أصبح عاديا اختالف التعامل مع املرىض واملرتفقني‬


‫بحسب وضعهم االجتامعي ومستواهم التعليمي‪ .‬كام أن تقاسم االنتامء‬
‫اجلهوي والقبيل مع أحد األطر الصحية يعد امتيازا عىل حساب مرىض‬
‫آخرين‪.‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل قيم العدالة املجالية والتوزيع املتكافئ للخدمات‪ :‬هناك فوارق‬
‫شاسعة بني انتشار املؤسسات الصحية بمدن املركز ونظريهتا باملدن الواقعة‬
‫يف املحيط‪ ،‬خاصة باملناطق اجلبلية والواحات (فوارق عىل مستوى جودة‬
‫التجهيزات وجودة اخلدمات‪ ،‬وكثافة املؤسسات)‪ ،‬باإلضافة إىل تبعية‬
‫الكثري من املستشفيات اإلقليمية إىل املستشفيات الواقعة يف بعض املدن‬
‫الكربى‪ ،‬وهذه التبعية تعود إىل نقص يف التجهيزات واألطر‪.‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل قيم جودة اخلدمة‪ :‬بفعل انعدام التوازن بني عدد األطر الصحية‬
‫ونسبة الطلب الصحي للمواطنني‪ .‬فمن املفروض أن خيصص حيز زمني‬
‫كاف لكل مريض عىل مستوى االستجواب الصحي والتشخيص والفحص‬
‫وهو ما ال يتحقق بفعل النقص املرتاكم للكوادر الطبية باملستشفيات‪.‬‬

‫‪y‬عدم تفعيل قيم احلق يف العالج‪ :‬أصبحت صحة املواطنني تساوي قيمة‬
‫مالية يف املستشفيات املغربية‪ ،‬حيث تتحدد قدرة املريض عىل االستفادة من‬
‫العالج‪ ،‬بقيمة ما يملكه أو يدخره لدفعه بشكل مرشوع أو غري مرشوع‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪106‬‬


‫وكشفت أجوبة املشاركني يف الدراسة‪ ،‬سواء من جانب املهنيني أو املرتفقني‪،‬‬
‫عن حالة من عدم الرىض املتبادل عن احلمولة القيمية ألداء املؤسسة الصحية‪ .‬ورغم‬
‫ذلك‪ ،‬لوحظ خالل تفاعالهتم ما يزكي االتفاق والتفاهم بينهم بخصوص «تقصريهم‬
‫القيمي» املتبادل‪ .‬لذلك‪ ،‬صدرت دعوهتم املشرتكة للمؤسسة الصحية والرشكاء إىل‬
‫رضورة «متكني املستويات املحلية للتدخل االستشفائي من املوارد الرضورية» حتى حيق‬
‫احلديث‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬عن التفعيل القيمي‪.‬‬

‫كام أمجعت ترصحيات كثرية عىل رضورة توقف املواطنني عن متثل املؤسسة‬
‫الصحية ومستخدميها كأطراف تفتقد اإلنسانية والرمحة ومهها الوحيد هو الكسب‬
‫املادي من آالم املرىض‪ .‬فهذه هي األرضية الصلبة لتمتني الثقة الالزمة بني مجيع رشكاء‬
‫اخلدمة الصحية‪ ،‬وإحدى أهم الضامنات لتفعيل القيم ومأسستها‪.‬‬

‫حتديات التفعيل القيمي يف املؤسسة الصحية‬


‫حتدث املشاركون عن حتديات التفعيل القيمي التي يتعني الوعي بأمهيتها يف‬
‫املؤسسات الصحية‪ ،‬ومواجهة انعكاساهتا السلبية عىل اخلدمات الصحية املقدمة لفائدة‬
‫املرتفقني‪ .‬وقد تم حتديدها كتحديات ذات طبيعة قيمية باألساس‪ ،‬وصنفت مصادرها‬
‫بني ما يعود لدينامية املؤسسة الصحية نفسها‪ ،‬وما يأيت من حميطها‪ .‬وحسب املشاركني‬
‫يف الدراسة‪ ،‬تتمثل أقوى التحديات وأكثرها أولوية يف اآليت‪:‬‬

‫ƒالتحديات من داخل املؤسسة الصحية‬


‫‪y‬رشوط اجلودة يف اخلدمة الصحية‪ :‬يسجل نقص ملحوظ يف املوارد البرشية‬
‫الطبية والتمريضية والتجهيزات التقنية‪ .‬ومثل هذه اإلمكانيات املحدودة‬
‫تزيد من صعوبة تفعيل الكثري من القيم األساسية‪ .‬فقد يتعدى عدد املرىض‬
‫ثامنني حالة لكل طبيب يوميا‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬وهو ما يساهم يف ضعف‬
‫جودة اخلدمات الصحية املقدمة‪ ،‬بالنظر للمدة الزمنية املمكن ختصيصها‬
‫لكل مرتفق‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪107‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬أنسنة اخلدمات الصحية‪ :‬حتقيق هذا اهلدف مرشوط‪ ،‬يف نظر املشاركني‪،‬‬
‫بإحاطة املستشفيات العمومية باالهتامم الكايف‪ ،‬عن طريق ضخ امليزانية‬
‫الالزمة للتسيري‪ ،‬وحتسني الوضعية االدارية للمهنيني وظروف عملهم‪.‬‬
‫‪y‬حتديات أخالقية‪ :‬ويتعلق األمر أساسا بتفيش الرشوة واالبتزاز باعتبارمها‬
‫مشكال واسع االنتشار يف املؤسسة الصحية العمومية؛ إضافة إىل التحرش‬
‫اجلنيس الذي تتعرض له العديد من النساء الوافدات عىل املستشفى من‬
‫أجل العالج‪.‬‬
‫‪y‬حتديات تدبريية ذات طبيعة إدارية وقانونية‪ :‬وتتعلق بإغفال أنسنة اهلندسة‬
‫املجالية والوظيفية للمؤسسة االستشفائية‪ ،‬التي ال ترتك املجال ألي تفعيل‬
‫قيمي حقيقي‪َ .‬ف َبدْ ًء من بوابة املؤسسة حيث غياب االستقبال الالئق‪،‬‬
‫ورصامة حراس األمن اخلاص ووساطتهم البتزاز املرىض‪ ،‬إىل داخل‬
‫املؤسسة حيث تنعدم املرافق احليوية والولوجيات‪ ،‬كلها مظاهر ختاصم‬
‫القيم مع الفضاء الصحي العمومي‪.‬‬
‫‪y‬حتديات الطلب االستشفائي النوعي املتنامي‪ :‬هناك افتقار ملجموعة من‬
‫املراكز االستشفائية ألطباء خمتصني يف بعض األمراض والتخصصات التي‬
‫أصبحت عادية‪ ،‬كأمراض النساء والتوليد‪ ،‬وختصص التخدير واإلنعاش‪.‬‬
‫وأحيانا حتى مع توفرها‪ ،‬تنعدم أدوات التدخل اجلراحي‪ ،‬فيرتك املرىض‬
‫للسامرسة أو االضطرار للتنقل إىل مدينة أخرى قصد إجراء العملية الطبية‬
‫املطلوبة‪ ،‬مع إمكانيات مادية جد حمدودة‪ ،‬وكثريا بسبب غياب ممرضة قابلة‪،‬‬
‫أو ترياق عادي ضد لدغة عقرب مات بسببها أطفال‪.‬‬
‫ƒالتحديات من خارج املؤسسة الصحية‬
‫‪y‬حتدي التكيف واملواءمة القيمية املحلية‪ :‬تفرض خصوصيات بعض‬
‫املناطق‪ ،‬خاصة اللغوية منها‪ ،‬توافر األطر الصحية العاملة هبا عىل رصيد‬
‫شخيص منها‪ ،‬يساعد عىل فهم االحتياجات الصحية والتجاوب معها عىل‬
‫النحو املناسب‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪108‬‬


‫‪y‬حتدي االنفتاح القيمي‪ :‬يتعني مراعاة بعض األفكار واملعتقدات املجتمعية‬
‫املحلية حول االستشفاء الطبي‪ ،‬خاصة منها ما خيص جنس الطبيب أو‬
‫املمرض املعالج‪ .‬فمن املفيد متكني اإلطار الصحي من آليات حسن تدبري‬
‫مثل هذه احلاالت التي الزالت واردة بمغرب اليوم‪ ،‬خاصة بالوسط‬
‫القروي‪.‬‬
‫‪y‬حتدي التعامل مع عنف وانفعال بعض املرتفقني‪ :‬إن حتمل وحسن إدارة‬
‫«حمدودية صرب املرتفقني»‪ ،‬وتدبري انفالهتم النفيس أثناء انتظار تلقي‬
‫العالج‪ ،‬أو عند ظرف غري سار كحالة الوفاة‪ ،‬هو حتدي جد مهم تم التأكيد‬
‫عليه كثريا من لدن املهنيني‪.‬‬
‫‪y‬حتدي صيانة الثقة واملصداقية‪ :‬تطرح الشهادات الطبية غري املربرة مشكال‬
‫أخالقيا حقيقيا‪ ،‬إذ متس يف الصميم الثقة يف مصداقية القرار الطبي‪.‬‬
‫‪y‬حتدي العدالة املجالية‪ :‬أشار املشاركون برصاحة ومرارا إىل غياب العدالة‬
‫االجتامعية واملجالية يف االستفادة من العالج واحلق يف الصحة‪ .‬فهناك‬
‫مناطق عديدة ال تتوفر عىل مصحات ومستشفيات‪ ،‬وال حتى عىل مراكز‬
‫صحية مشغلة لعدم وجود أطر صحية‪ .‬وبالتايل من الرضوري السعي إىل‬
‫حتقيق املساواة يف توزيع املؤسسات الصحية‪ ،‬واعتبار الصحة حقا جلميع‬
‫املغاربة‪ ،‬وليس امتيازا جغرافيا وحرضيا‪.‬‬
‫‪y‬حتدي محاية صورة املؤسسة وتسويقها‪ :‬أمجع املشاركون عىل أن أهم حتدي‬
‫تواجهه املؤسسة الصحية يتمثل يف إصالح الصورة السلبية التي ساهم‬
‫اإلعالم ووسائل التواصل االجتامعي يف نرشها حول أدائها‪ ،‬ما يكرس‬
‫التمثالت اخلاطئة التي يروج هلا عن بعض األطر الطبية والتمريضية‪.‬‬
‫فصحيح أن هناك حاالت من النقص يف اإلمكانيات‪ ،‬وكذلك حاالت‬
‫استثنائية ألطر صحية ارتكبت خمالفات قانونية وأخالقية‪ ،‬لكنها ليست‬
‫مربرا الستهداف العمل الصحي العمومي وتبخيس جمهودات أطره‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪109‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫كانت هذه أهم تفاعالت املواطنني املشاركني يف هذه الدراسة حول واقع التفعيل‬
‫القيمي باملؤسسات الصحية باملغرب‪ .‬ويبدو أهنا ترسم أرضية واقعية تظهر بوضوح‬
‫جماالت املسؤولية وهوامش مسامهة كل رشكاء املرفق الصحي لتجويد خدماته وحتصيل‬
‫رضا املواطنني املستهدفني من خدماته‪ .‬وتبقى ترصحيات املشاركني جد متشاهبة وتتكرر‬
‫يف مجيع جهات الوطن بام يصح معه القول «بوحدة الواقع الصحي املغريب»‪ ،‬إذ مل خيتلف‬
‫املشاركون‪ ،‬من كل اجلهات‪ ،‬يف اعتبار أن املؤسسة الصحية «يف حاجة شديدة لتطعيم‬
‫قيمي»‪ ،‬حيث يتوازى لدى املرتفقني يف املؤسسات الصحية الطلب العالجي والطلب‬
‫القيمي‪ .‬غري أنه يمكن‪ ،‬بام يلزم من اجلهد القيمي املمأسس وإصالح رشوط العمل‪،‬‬
‫تلبية احلد األدنى من احلاجة القيمية واحلاجة املرفقية للمواطنني‪.‬‬

‫‪ .8‬حالة املؤسسة املقاوالتية‬


‫التفعيل القيمي باملقاولة املغربية‪ :‬التغيرات واالنتظارات‬
‫تم الرتكيز يف تقرير الدراسة‪ ،‬اخلاص بالتفعيل املؤسيس للقيم باملقاولة‪ ،‬عىل‬
‫رصد أهم التغريات القيمية التي تعرفها هذه املؤسسة من خالل الوقوف عند آراء‬
‫املهنيني واملرتفقني‪ .‬وسيتم الرتكيز‪ ،‬أيضا‪ ،‬عىل أهم االنتظارات التي يقرتحها املغاربة‬
‫من خالل رصد أهم القيم‪ ،‬سواء املفعلة‪ ،‬أو تلك التي يتعني تفعيلها مستقبال يف هذه‬
‫املؤسسة‪ .‬ونظرا ألمهية املؤسسات االقتصادية ذات التوجه التضامني‪ ،‬جرى كذلك‬
‫االنفتاح أيضا عىل جمال التعاونيات‪ ،‬من خالل ما استقيناه من آراء هتم تفعيل القيم يف‬
‫التعاونيات والتحديات التي تواجهها‪.‬‬

‫ومن أبرز تغريات املامرسة املقاوالتية باملغرب حسب املشاركني‪ ،‬اإلقبال‬


‫املتزايد عىل االستثامر يف القطاع اخلاص باملغرب‪ ،‬وتوايل االهتامم باملقاوالت املتوسطة‬
‫والصغرى التي اجتهت صوب قطاعات أقل تنافسية‪ ،‬منها عىل اخلصوص‪ ،‬قطاع‬
‫اخلدمات‪ ،‬وظهور فئة من املقاولني الشباب‪ ،‬الذين مل يرتبط ترقيهم االجتامعي‬
‫بالرشكات الكربى واملقاوالت االقتصادية العائلية وبرؤوس أموال موروثة‪ ،‬بل بفضل‬
‫ما مكنهم تكوينهم التقني يف معاهد وجامعات وطنية وأجنبية‪ .‬وهو أمر ساهم يف تنامي‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪110‬‬


‫فئة من رجال األعامل ممن وجلوا فضاء االستثامر بقيم وثقافة عرصية‪ ،‬فنجم عن األمر‬
‫تعارض بني قيم تقليدية ظلت منتعشة يف فضاء املقاوالت العائلية‪ ،‬وبني قيم مستمدة‬
‫من مرجعية حديثة متتح من علوم االقتصاد والتدبري‪.‬‬

‫كام أن تعدد الفاعلني والقطاعات يف جمال املقاوالت باملغرب‪ ،‬والتغريات‬


‫الرسيعة التي حدثت عىل هذا املستوى‪ ،‬يف العقود األخرية‪ ،‬خلق واقعا تنافسيا جديدا‬
‫جعل اجلميع يبحث عن حصته يف فرص السوق‪ ،‬خصوصا صفقات القطاع العمومي‪.‬‬
‫فصاحب ذلك‪ ،‬تراجع قيم الشفافية والصدق واجلودة‪ ،‬وضعف تفعيل قيم املواطنة‬
‫والتفكري يف الصالح العام‪ .‬ومرد ذلك إىل حدة التنافس وجلوء البعض ألساليب غري‬
‫قانونية للفوز بالصفقات أو للربح املادي وتقليص التكاليف‪ .‬وهذا ما يدفع بعض‬
‫املستثمرين إىل التحايل وعدم مراعاة قيم الشفافية واملصداقية وااللتزام‪.‬‬

‫لقد سامهت هذه التحوالت التي سجلها املشاركون يف استبدال قيم بأخرى‪،‬‬
‫فلم يعد احلديث يف جمال املقاولة منص ّبا عىل استحضار قيم املساواة والثقة واملصداقية‪،‬‬
‫بل جرى االهتامم أكثر بقيم جديدة كاملنافسة واالبتكار واملسامهة واملبادرة‪ ،‬لكن من‬
‫دون التخلص من «عقلية اهلمزة»‪ ،‬وهذا ما يدفع املهنيني يف هذا القطاع إىل إيالء أمهية‬
‫أكرب لقيم الربح واالستمرارية واملصلحة الشخصية‪.‬‬

‫عىل الرغم من تأثري التوسع يف اقتحام جمال املقاولة من طرف فئات اجتامعية‬
‫خمتلفة عىل تراجع كثري من القيم‪ ،‬التي يعتربها املهنيون واملرتفقون هامة يف جمال املقاولة‪،‬‬
‫فإن األمر قد أدى‪ ،‬يف مقابل ذلك‪ ،‬إىل تعزيز قيم العمل والنجاح‪ .‬وهذا ما عكسته آراء‬
‫مقاولني شباب من املشاركني‪.‬‬

‫وإذا كان األصل يف العمل التعاوين هو العمل بمنطق «الفرد يف خدمة مصالح‬
‫اجلامعة واجلامعة يف خدمة مصلحة الفرد»‪ ،‬فقد امتدت بعض التغريات القيمية ملجال‬
‫املقاولة التعاونية فقدت معها التعاونيات‪-‬التي تعد بدورها مؤسسة اقتصادية ذات‬
‫طابع تضامني‪-‬كثريا من القيم التي تأسست عليها‪ ،‬ومنها التضامن والعمل اجلامعي‬
‫والتضحية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪111‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫وال يقترص هذا األمر عىل صنف من التعاونيات دون أخرى‪ .‬فانطالقا من‬
‫جتارب مستخلصة يف هذا امليدان‪ ،‬تؤكد معظم النساء املقاوالت أن قيمة التضامن هي‬
‫القيمة املفتقدة يف املقاولة‪ .‬فبعدما كانت النساء حترصن عىل تعزيز التضامن فيام بينهن‬
‫إىل حد الشغف‪ ،‬أصبحت روح التضامن مفتقدة اليوم وبشكل كبري‪ ،‬وحلت بدل ذلك‬
‫قيم الفردانية والذاتية‪ ،‬فاختفى العطاء وضعفت قيمة «النية يف العمل»‪.‬‬

‫ومل يكن للتغريات التي طرأت عىل جمال املقاولة نفس الوقع يف كل املؤسسات‪.‬‬
‫فقد فرض التنافس املحتدم بني املؤسسات االقتصادية الكربى باألقطاب احلرضية‬
‫(الدار البيضاء‪ ،‬طنجة‪ ،‬أكادير‪ ،‬الرباط‪ ،‬فاس‪ ،‬القنيطرة‪ ،‬مراكش‪...‬الخ) من أجل‬
‫الزيادة يف الربح‪ ،‬تعزيز قيم التنافسية واجلودة واالبتكار‪ ،‬وهو ما مل يطرح بنفس احلدة‬
‫بالنسبة للمقاوالت املتوسطة والصغرى والتعاونيات باملدن الصغرى أو بالبوادي‪.‬‬
‫تفعيل القيم يف املقاولة‬
‫إن انخراط املؤسسة (املقاولة) يف تنفيذ االلتزامات امللقاة عىل عاتقها من أجل‬
‫تفعيل القيم‪ ،‬يقتيض من هذه األخرية‪ ،‬حسب ما يؤكد عليه املشاركون‪ ،‬مهنيون‬
‫ومرتفقون‪ ،‬أن تعمل عىل تغيري الكثري من ممارساهتا ونمط تفاعلها مع املرتفق بوصفه‬
‫زبونا‪ ،‬مستهلكا للمنتوج‪ ،‬وفاعال رئيسا يف تطوير املقاولة وضامن استمراريتها‪ .‬كام‬
‫يفرض عىل الدولة الدفع قدما نحو احرتام القوانني املنظمة‪ .‬وبكيفية عامة‪ ،‬يؤكد‬
‫املشاركون عىل ما ييل‪:‬‬
‫‪y‬تفعيل القوانني التي تقوم عليها املقاولة‪ ،‬من حيث طرق التنزيل وأنظمة‬
‫املراقبة‪ ،‬لردع املقاولة واحليلولة دون خوضها يف إنتاج ما يرض باملستهلك‪،‬‬
‫ثم احلد من الشطط يف استعامل السلطة ويف بيع املنتوجات املنتهية الصالحية‪،‬‬
‫فكل هذه املامرسات جيب أن تؤطرها قاعدة قانونية متينة وأجهزة للتتبع‪.‬‬
‫‪y‬جيب عىل الدولة أن تشتغل عىل اجلانب القانوين‪ ،‬وأن حتدث دفرت حتمالت‬
‫أخالقي (ميثاق أخالقي) يسهر عىل تنظيم مهنة املقاول‪ .‬كام يتعني عليها‬
‫كذلك أن حتاول االشتغال عىل اجلانب األخالقي مع األطراف املعنية‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪112‬‬


‫باملقاوالت (النقابات‪ ،‬ال َّباطرونا)‪ ،‬حلث هؤالء عىل تأطري العمل املقاواليت‬
‫والتكثيف من التكوينات املستمرة‪ .‬فبواسطة هذه األخرية‪ ،‬يمكن أن مترر‬
‫رسائل القيم إىل املسؤولني عن هذه املؤسسات لكي تتأطر عالقتهم مع‬
‫املأجورين واملواطنني مع ًا بقدر من االحرتام‪.‬‬
‫‪y‬فيام خيص العالقة بني املواطن واملقاولة‪ ،‬يربز الدور األسايس والرئيس‬
‫للدولة من خالل التكثيف من عملية التواصل مع املواطن‪ ،‬بتجنيد خمتلف‬
‫وسائل اإلعالم (التلفزة املغربية‪ ،‬اإلذاعات‪ ،‬اجلرائد) لتحسيس املواطن‬
‫بأمهية هذه القيم‪ ،‬لكي نحصل يف األخري عىل املواطن الذي حيرتم املقاولة‬
‫املغربية ويثمن عملها‪.‬‬
‫‪y‬جيب اإلرساع يف عمليات التوعية والرقمنة واملراقبة اآلنية‪.‬‬
‫‪y‬يتعني عىل أرباب املقاوالت حتفيز العامل عرب خلق نوع من التنافسية‬
‫املرشوعة داخل املقاولة عىل مستوى الرتقي الوظيفي واإلنجاز‪ ،‬بمعنى أن‬
‫ترتبط مسألة حتقيق الربح لدى العامل بدرجات اإلنجاز يف العمل‪ ،‬وأن‬
‫ختصص جمموعة من التحفيزات للعامل لضامن اجلودة واملردود اجليد‪ ،‬الذي‬
‫يعني أيضا نجاح املقاولة وتعزيز ثقة املواطن هبا‪.‬‬
‫‪y‬تفعيل قيم املعاملة واملساواة (بام يف ذلك مساواة النوع) وتكافؤ الفرص‬
‫واملسؤولية واإلنجاز واملردودية والنزاهة واالعرتاف واإلنصات وقيمة‬
‫العمل وااللتزام‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪y‬توظيف أجراء ومستخدمني مناسبني واالنتصار ملبدأ الكفاءة عوض‬
‫الزبونية أو الوساطة‪.‬‬
‫‪y‬حتفيز االبتكار واخللق‪ ،‬بام يمكّن من جتويد خدمات املقاولة ومنتوجاهتا‪.‬‬
‫‪y‬االستثامر يف التكوين املستمر لضامن تأهيل العنرص البرشي‪.‬‬
‫‪y‬السداد الرضيبي واملايل من دون هترب‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪113‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫لقد أبانت نتائج الدراسة الكيفية حول التفعيل املؤسيس للقيم باملقاوالت عن‬
‫شبكة من القيم التي توجه أداءها وعالقتها بالزبون‪ /‬املرتفق‪ ،‬أو تلك التي يفرتض أن‬
‫تؤطر ذلك‪ ،‬كام كشف عن ذلك املهنيون واملرتفقون‪ ،‬كل من جانبه‪.‬‬

‫وعىل الرغم من وجود خصوصيات مرتبطة بمؤسسة دون أخرى‪ ،‬أو جهة‬
‫دون أخرى‪ ،‬فان هنالك قيام كثرية يلح مجيع املشاركني‪ ،‬باختالف خصائصهم‪ ،‬عىل‬
‫أمهية استحضارها يف املقاولة والتعاونية عىل حد سواء‪ .‬ونذكر منها الثقة واملسؤولية‬
‫والسمعة‪ ،‬واجلودة‪ ،‬واملصداقية‪ ،‬والشفافية‪ ،‬والوضوح‪...‬الخ‪ .‬ويف املجمل‪ ،‬يمكن‬
‫تصنيف هذه القيم‪ ،‬تبعا الختيارات معظم املشاركني‪ ،‬إىل‪:‬‬

‫‪ -‬القيم‪-‬األم املقرتحة بالنسبة للمقاولة‪ :‬اجلودة‪ ،‬احرتام البيئة‪ ،‬الصدق‪ ،‬العناية‬


‫بالزبون‪ ،‬حس املسؤولية‪ ،‬اإلخالص يف خدمة الوطن‪ ،‬االلتزام‪ ،‬التكوين الذايت‪،‬‬
‫التكوين املستمر‪ ،‬السمعة‪ ،‬االستمرارية‪ ،‬التمليك‪ ،‬التحفيز‪ ،‬التقارب‪ ،‬التنظيم‪ ،‬احلرية‪،‬‬
‫العدالة‪ ،‬التنافسية‪ ،‬الثقة‪ ،‬املصداقية‪ ،‬االحرتام‪ ،‬ضامن احلقوق‪ ،‬األمانة‪ ،‬التضحية‪،‬‬
‫التعاون‪ ،‬الشفافية‪ ،‬والتجديد‪.‬‬

‫‪ -‬القيم العميقة املالزمة واملعربة عن القيم‪-‬األم‪ :‬الرضا‪ ،‬االستقاللية‪ ،‬الصدق‪،‬‬


‫التشجيع‪ ،‬املراقبة‪ ،‬التتبع‪ ،‬الوفاء‪ ،‬التعامل احلسن‪ ،‬ا ْمل ْع ُق ْ‬
‫ول‪ ،‬جتنب االتكالية‪ ،‬التسامح‪،‬‬
‫التضامن‪ ،‬األمانة‪ ،‬النزاهة‪ ،‬املسؤولية‪ ،‬التشاور‪ ،‬التقدير‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬احلياد‪،‬‬
‫االستحقاق‪ ،‬الكفاءة‪ ،‬التمكني‪ ،‬االعتزاز بالوطن‪ ،‬اخلري‪ ،‬التغيري‪ ،‬اإلحساس باآلخر‪،‬‬
‫العدالة‪ ،‬احلق‪ ،‬املبادرة‪ ،‬االعرتاف‪ ،‬احرتام االختالف‪ ،‬اجلدية‪ ،‬الوضوح‪ ،‬اإلنصاف‪،‬‬
‫القناعة‪ ،‬املشاركة‪ ،‬الدمج‪ ،‬التطوع‪ ،‬اإلنصات‪ ،‬التفاهم‪ ،‬العمل‪ ،‬جتنب األنانية‬
‫(الغريية)‪ ،‬خدمة الصالح العام‪ ،‬املساواة‪ ،‬تكافؤ الفرص‪ ،‬حرية التعبري‪ ،‬االبتكار‪،‬‬
‫التكافل‪ ،‬الربح‪ ،‬املنافسة‪ ،‬النجاح‪ ،‬احلوار‪ ،‬الدعم‪ ،‬االستامع‪ ،‬اإلرضاء‪ ،‬توفري الراحة‪،‬‬
‫التواصل‪ ،‬والصداقة‪.‬‬

‫واملالحظ من خالل جممل القيم املقرتحة‪ ،‬سواء من قبل املهنيني او املرتفقني‪،‬‬


‫أهنا قيم متعددة وخمتلفة حسب موقع كل طرف من األطراف املشاركة‪ ،‬وحسب‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪114‬‬


‫نوع املقاولة وحجمها وجمال تواجدها‪ .‬ففي الوقت الذي حترض فيه مطالب تعزيز‬
‫قيم اجلودة والنزاهة والشفافية واحلس اإلنساين والتضامن واحلرية والثقة‪...‬الخ‬
‫بالنسبة للمرتفقني‪ ،‬يشدد املهنيون عىل أمهية التنافسية والتحفيز والربح واالستمرارية‬
‫والسمعة‪ .‬وحرضت قيم أخرى بشكل أقوى لدى املشاركني املنتمني إىل مدن كربى‬
‫(الدار البيضاء‪ ،‬طنجة‪ ،‬الرباط‪ ،‬فاس‪ ،‬مراكش‪...‬الخ) كقيم التنافسية واجلودة والثقة‬
‫واالستمرارية‪ ،‬وبني قيم أخرى يؤكد عليها املشاركون باملدن الصغرى واملتوسطة أو‬
‫التعاونيات باملجاالت القروية‪ ،‬من قبيل قيم اإلنسانية والتضحية والتضامن‪.‬‬

‫وجدير بالذكر هنا‪ ،‬أن املقارنة بني املقاولة والتعاونية من حيث التفاعل القيمي‬
‫بني املواطن واملؤسسة‪ ،‬أظهرت أولوية بعض القيم لدى الفاعلني يف التعاونيات‪ ،‬من‬
‫قبيل قيم تثمني املنتوج املحيل‪ ،‬التطوع‪ ،‬التضحية‪ ،‬التضامن‪ ،‬التواصل‪ ،‬املواطنة‪...‬الخ‪،‬‬
‫وهي قيم تعرب عن خصائص التنظيامت التعاونية‪.‬‬

‫عىل الرغم من أن العالقات بني املواطنني واملؤسسات االقتصادية تتميز يف‬


‫أحيان كثرية برتاجع الثقة وبروز ممارسات ال تراعى فيها القيم‪ ،‬فإن أغلب املشاركني‬
‫يعتقدون أن التفعيل املؤسيس للقيم ممكن جدا‪ ،‬وال يتعارض مع هوية املقاولة‪.‬‬
‫مناذج دالة على تفعيل القيم يف املقاولة‬
‫يبدي أغلب املشاركني تفاؤال بخصوص تفعيل القيم باملقاوالت‪ .‬فرغم‬
‫ما يسجلونه من صعوبات وإكراهات تعيق مسار هذه املؤسسة وتؤثر يف عالقتها‬
‫باملرتفقني‪ ،‬فإهنم يقرون بوجود حاالت يربز فيها تفعيل جمموعة من القيم األساسية‪.‬‬
‫ويعدد املشاركون‪ ،‬سواء من املهنيني أو املرتفقني‪ ،‬أمثلة ونامذج لوضعيات عايشوها من‬
‫خالل جتارهبم اخلاصة‪ ،‬برز فيها حضور جمموعة من القيم املثىل يف املقاوالت‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج األول‪ :‬مستوحى مما الحظه مرتفقون ومهنيون بخصوص تعاون‬


‫وتضامن مجاعة من أرباب مقاوالت حملية مع بعض الفئات اهلشة من قبيل عامالت‬
‫النظافة يف حلظات املرض‪ ،‬أو عند حلول بعض املناسبات‪ .‬فعندما تشتغل امرأة يف‬
‫مقاولة ما‪ ،‬وجتد نفسها يف وضعية مرض أو حالة احتياج إلجراء عملية جراحية يف‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪115‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫املستشفى‪ ،‬سواء بالنسبة هلا أو ألحد أقارهبا‪ ،‬فإن رب املقاولة يتكلف بدفع النفقات‪ ،‬أو‬
‫املساعدة بقدر من املال عىل األقل‪ .‬واألمر نفسه يتكرر عندما تقبل إحداهن عىل تنظيم‬
‫حفل زفاف البنها أو ابنتها‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج الثاين‪ :‬يربزه مشارك يف الدراسة بخصوص ترسخ قيم االنضباط‬


‫واملسؤولية‪ ،‬حيث يشري إىل أن االنضباط مهم داخل املقاولة‪ ،‬حيث الحظ من خالل‬
‫جتربة مهنية له يف فندق فخم‪ ،‬أنه ال يتم التساهل مع التسيب وغياب االنضباط‪ ،‬إذ‬
‫يفرض عىل املستخدمني احرتام الوقت وحتمل املسؤولية والرصامة يف تنفيذ املهام‬
‫املحددة‪ .‬فإذا مل حيرتم املستخدم الوقت بالضبط ال يمكنه ولوج املؤسسة‪ .‬وحتى إذا‬
‫استطاع ذلك‪ ،‬يتم توبيخه عىل هذا التأخر وعرض حالته عىل أحد املسؤولني يف إدارة‬
‫املوارد البرشية املكلف بالعامل‪ .‬ويف حالة تكرار هذا السلوك‪ ،‬يتم طرده‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج الثالث‪ :‬وفيه تربز أمهية قيم االبتكار والتجديد يف حتسني جودة‬
‫اخلدمات وتنافسية املؤسسة‪ .‬ويبني املقاول املشارك يف هذا الصدد كيف تطورت أرباحه‬
‫عندما قام بتسويق منتوج ألغنية أطفال «‪ ،»bébé shark‬كانت مطلوبة من قبل املرتفقني‪.‬‬
‫بعدها قام بتسويق منتج حلذاء أطفال حيمل صور تلك الرسوم املتحركة‪ ،‬فكانت هناك‬
‫طلبات هائلة عىل املنتوج‪ .‬حينها‪ ،‬بدأ يفهم الكثري حول منطق التسويق‪ ،‬الذي ال يقترص‬
‫فقط عىل التحكم وضبط التقنيات يف جمال اإلعالميات‪ ،‬بل يتعلق بفهم الواقع وما حيبه‬
‫الناس‪ ،‬وما هو منفتح عىل قيم الكونية‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج الرابع‪ :‬ويربز فيه أحد املقاولني كيف تعمل قيم املنافسة عىل تعزيز‬
‫الدافعية وقيم التحفيز والتجديد واالبتكار والتنوع‪ .‬وخيلص من خالل جتربته اخلاصة‬
‫إىل أن عامل املقاولة جمال رشس‪ ،‬حيث هناك من له استعداد بأن يبيع باخلسارة ليحارب‬
‫املنافس وهييمن عىل السوق عىل املدى البعيد‪ .‬ويوضح كيف ولج سوق االستثامر يف‬
‫جمال القهوة‪ .‬فقد دخل يف البداية جمال صناعة األكياس الكارتونية يف فرتة «زيرو ميكا»‪،‬‬
‫وكان إ ّباهنا من السباقني لالستثامر يف هذا القطاع‪ ،‬لكنه واجه متحكمني يف السوق‪ ،‬ممن‬
‫هلم كامل االستعداد ليبيعوا باخلسارة من أجل إحلاق الرضر به‪ .‬ورغم أن هذا املثال‪،‬‬
‫يكشف عن غياب قيم املنافسة الرشيفة والشفافية واحرتام املنافس‪ ،‬إال أنه يكشف‪ ،‬من‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪116‬‬


‫جهة أخرى‪ ،‬عن واقع ملتبس يفرض تشبع الفرد بقيم التحدي واملثابرة‪ .‬لقد أوضح‬
‫كيف استطاع أن يتجاوز هذه املعيقات ويبتكر حلوال‪ ،‬قادته ليغري قطاع اهتاممه كليا‪.‬‬
‫وهو ما مكنه من اخلروج بأقل اخلسائر ودخوله سوق التصدير واالسترياد‪ ،‬بعدما ركز‬
‫عىل استرياد مادة القهوة من دول خمتلفة عرب العامل‪ ،‬بعدها دخل إىل سوق املطاعم فحقق‬
‫بذلك نجاحا مبهرا‪ .‬لقد منحته فرص التنافس والرصاع قدرة عىل التجاوز واالبتكار‬
‫والتجديد‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج اخلامس‪ :‬تعرضه فاعلة يف املجال البنكي‪ ،‬ويف إطاره تربز املهنية‬
‫كيف سامهت املؤسسة البنكية التي تشتغل فيها يف تعزيز قيم تقدير اآلخر‪ ،‬واإلنصات‪،‬‬
‫والتحفيز والرضا الوظيفي‪ .‬فقد مرت املشاركة من جتربة داخل املجال البنكي‪ ،‬عرب‬
‫إرساء وتفعيل خاليا اإلنصات للعاملني يف البنك‪ .‬فبحكم ساعات العمل اليومية‬
‫املرهقة‪ ،‬مع ما يصاحب عملها من مشاكل دائمة تقع بني العامل والزبون‪ ،‬فقد سامهت‬
‫خاليا اإلنصات هاته‪ ،‬يف تعزيز «قيمة التقدير»‪ ،‬وقوت لدى املستخدم الشعور باالنتامء‬
‫للمؤسسة (البنك)‪ ،‬ويف نفس الوقت عززت قيمة االهتامم باملرتفق عن طريق دراسة‬
‫املشاكل والصعوبات التي يواجهها املستخدم‪ ،‬والتي تعيق جتويد اخلدمات املقدمة‬
‫للزبون‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن مثل هذه املبادرات‪ ،‬قد سامهت يف حتقيق الرضا الوظيفي وجتويد‬
‫اخلدمات «قيمة الرضا‪ /‬قيمة اجلودة»‪ ،‬واإلحساس باآلخر‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ارتفعت يف‬
‫األخري مردودية العاملني بشكل خاص‪ ،‬واملقاولة بشكل عام‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج السادس‪ :‬متثله جتربة مقاول يف قطاع البناء‪ ،‬وفيه يربز مثال تفعيل قيم‬
‫املبادرة والتحفيز والتضامن والتواصل واملواطنة‪ .‬فقد أخرب املشارك بأن هناك مقاولة‬
‫تنشط يف جمال البناء متول أنشطة خمتلفة رياضية وثقافية وترفيهية‪ .‬ويؤكد أن انخراطها‬
‫هذا يتميز باالستمرارية‪ ،‬حيث يبدي املرشفون عليها‪ ،‬استعدادهم الدائم لتقديم الدعم‬
‫املايل والتقني الذي حتتاجه اجلهات املنظمة ملثل هذه األنشطة‪.‬‬

‫‪ -‬النموذج السابع‪ :‬متثله رئيسة تعاونية‪ ،‬وفيه يربز تفعيل قيم املواطنة واملبادرة‬
‫والتضامن واإلدماج‪ .‬يف هذا الشأن‪ ،‬قامت املقاولة التي تنتسب إليها بالعديد من‬
‫املبادرات املواطنة‪ ،‬منها مثال‪ ،‬متكني النساء من تعلم القراءة والكتابة (حمو األمية)‪،‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪117‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫تعليم العديد من املهارات واحلرف النسائية التقليدية (اخلياطة‪ ،‬العقيق‪ ،‬تصميم األزياء‪،‬‬
‫احلالقة‪ ،‬ورشات للطبخ واحللويات‪ ،)...‬باإلضافة إىل متكينهن من جمال اإلعالميات‬
‫وروض لألطفال‪ .‬وقد فتحت هذه املبادرات آفاقا كثرية أمام الشباب املنقطع عن‬
‫الدراسة‪.‬‬

‫‪ -1‬نامذج دالة عىل ضعف تفعيل القيم يف املقاولة‬

‫إذا كانت األمثلة والنامذج السالفة الذكر تربز حاالت واضحة لتفعيل القيم‬
‫باملقاوالت‪ ،‬فإنه يف اجلانب املقابل‪ ،‬مل خيف أغلب املشاركني‪ ،‬خاصة املرتفقني منهم‪،‬‬
‫عدم رضاهم عن أوضاع كثرية يظهر فيها فشل تفعيل القيم‪ ،‬بام يؤثر بشكل سلبي عىل‬
‫املقاولة وعىل عالقتها باملرتفق‪ .‬يف هذا الصدد‪ ،‬يستحرض بعضهم أمثلة ونامذج دالة عىل‬
‫تراجع القيم وضعف ترسيخها يف عدد من املؤسسات االقتصادية‪ .‬ومن أكثر القيم‬
‫تراجعا يف هذا الصدد‪ ،‬نورد ما ييل‪:‬‬

‫تراجع الثقة بني املقاولة والدولة‪ :‬يتجىل ذلك يف متلص كثري من املقاوالت من‬
‫أداء الواجبات الرضيبية‪ ،‬مما يضعف من قيم الواجب واملسؤولية كذلك‪ ،‬وحيد من‬
‫مسامهة املقاوالت يف التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫حمدودية قيمة املصداقية‪ :‬يتجىل ذلك يف تراجع الشفافية يف املعامالت سواء‬


‫يف العالقة مع الزبون أو مع السوق‪ ،‬أو بني رب العمل واملستخدمني‪ .‬فالكثري من‬
‫املعامالت تشوهبا خروقات؛ ويضاف إىل ذلك‪ ،‬أن كثريا من اخلدمات أو املنتوجات ال‬
‫تتطابق مواصفاهتا مع ما هو حمدد يف الصور أو التصاميم أو الوعود واملقتضيات املتفق‬
‫حوهلا بني املقاولة واملرتفق (حاالت مقاوالت البناء)‪.‬‬

‫تفعيل ضعيف لقيمة احلق‪ :‬حيث لوحظ عىل ضوء جتارب املستخدمني أن عددا‬
‫منهم يشتغل من دون تغطية صحية ويف وضعية غري قانونية (النوار ‪ .)Noir‬فمن جراء‬
‫إخالل بعض أرباب العمل بالتزاماهتم القانونية‪ ،‬حيرم املستخدم من حقه يف احلامية‬
‫االجتامعية‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪118‬‬


‫ضعف تفعيل قيم االعرتاف والتقدير والتحسيس بالكرامة‪ :‬تكشف آراء‬
‫املستخدمني أن املجهودات املبذولة من طرف الكثري منهم يف سبيل خدمة املقاولة‬
‫وحتسني تنافسيتها وجتويد خدماهتا‪ ،‬ال يقابل باعرتاف رب العمل وال ينجم عنه أي‬
‫تقدير‪ ،‬وأن أي تقصري من قبل املستخدم غالبا ما يقابل بتوبيخ أو طرد‪ ،‬من دون تقدير‬
‫ملا قدمه من خدمات سابقة للمؤسسة‪.‬‬

‫ضعف قيمة التحفيز‪ :‬بقدر ما حيرص أرباب العمل عىل حتقيق أرباح شخصية‪،‬‬
‫فإهنم ال يولون أي أمهية ملا جيب أن حيققه املستخدم‪ .‬فمعظم أرباب املقاوالت يغ ّلبون‬
‫األرباح الشخصية واألهداف اخلاصة عىل األهداف اجلامعية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن عددا قليال‬
‫منهم من حيفز املستخدمني عن طريق ختصيص تعويضات مالية أو إسداء خدمات‬
‫ملصلحة املستخدمني‪.‬‬

‫تراجع الشفافية يف مقابل هيمنة العالقات الزبونية‪ :‬حيث تتحكم العالقات‬


‫القرابية والزبونية يف معامالت املقاولة‪ ،‬سواء ما يتعلق بالتشغيل أو بتقديم اخلدمة‪ .‬مما‬
‫يساهم يف تراجع قيم املساواة واإلنصاف والكفاءة‪ .‬فليس هناك تعميم إلعالنات فرص‬
‫الشغل وطلبات العروض ومشاركتها مع املواطنني الشباب يف كثري من املقاوالت‪،‬‬
‫وبعضها تعرف غياب قيم النزاهة والشفافية يف الرشوط‪ .‬وكثري منها يتم يف رسية تامة‬
‫وال خيضع لرشوط التنافس‪.‬‬

‫تفعيل حمدود لقيم املحافظة عىل البيئة‪ :‬حيث تغيب يف برامج أغلب املقاوالت‬
‫مبادرات ومشاريع موجهة للمحافظة عىل البيئة‪ ،‬وقليل من املؤسسات من ختصص‬
‫محالت حتسيسية مرتبطة هبذا اجلانب‪ .‬كام أن كثريا من املؤسسات الصناعية ال تأبه ملا‬
‫يمكن أن تلحقه أنشطتها من رضر عىل البيئة واملحيط احليوي‪.‬‬

‫تراجع قيم اهلوية والتكيف مع اخلصوصيات املحلية‪ :‬حترص كثري من املقاوالت‬


‫عىل تغليب قيم الربح يف اخلدمات واملنتوجات املقدمة للزبون‪ /‬املرتفق‪ ،‬ونادرا ما تأخذ‬
‫يف احلسبان مدى مالءمة املنتوج خلصوصيات املجتمع وثقافته املحلية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪119‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫القيم املنتظرة من املقاولة يف عالقتها مع املواطن‬
‫‪y‬حرص املقاولة عىل جودة املنتوج بام يريض متطلبات املستهلك؛‬
‫‪y‬احرتام البيئة واحلرص عىل عدم التلويث؛‬
‫‪y‬احلرص عىل احرتام قيم املجتمع من خالل عدم إنتاج مواد ترض بصحة‬
‫املستهلك وبثقافة املجتمع؛‬
‫‪y‬األخذ بعني االعتبار لقيمة االستدامة؛‬
‫‪y‬التحيل باملرشوعية والتنافسية والنجاعة فيام تسعى املؤسسة إىل حتقيقه من‬
‫أهداف ربحية؛‬
‫‪y‬استحضار قيم املصداقية والشفافية واحرتام الزبون؛‬
‫‪y‬استحضار قيم املسؤولية وعدم الغش وااللتزام واملساواة وحسن املعاملة‬
‫واالستضافة واإلنصات والتحفيز واالبتكار واحلرية (حرية التعبري)‬
‫والتمكني؛‬
‫‪y‬توفري فرص الشغل‪ ،‬مع احرتام القوانني‪ ،‬واحرتام حقوق األجراء‪ ،‬وأداء‬
‫املستحقات الرضيبية‪ ،‬والبحث عن الكفاءة واحلرص عىل التطوير املستمر‬
‫للخدمات؛‬
‫‪y‬حفظ اهلوية الوطنية وترسيخ قيمة املواطنة؛‬
‫‪y‬العمل اجلدي‪ ،‬والرفع من التنافسية‪ ،‬واالشتغال يف املجال املناسب‪.‬‬
‫املقاولة والتحديات القيمية‬
‫ويكشف التوجه العام للمشاركني عن وعي عميق بالتحديات الكربى التي‬
‫تواجهها املقاولة يف سبيل تعزيز القيم‪ .‬ويعزو أغلبهم ذلك إىل التحوالت الكربى التي‬
‫يعرفها االقتصاد العاملي وما يفرضه من حاجة للتجديد واالبتكار والرفع من القدرة‬
‫التنافسية‪ .‬وإلدراك خمتلف التحديات املشار إليها يف عالقة املقاوالت املغربية بموضوع‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪120‬‬


‫تفعيل القيم مؤسساتيا‪ ،‬كشف املشاركون عن العديد من التحديات التي نقدمها‬
‫خمترصة فيام ييل‪:‬‬
‫ƒالتحديات الداخلية‪:‬‬
‫‪y‬حتديات متصلة بتفعيل قيم احلق والواجب؛‬
‫‪y‬حتديات ترتبط بقيم اجلودة واملبادرة واالستمرارية؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بضعف قيمة التجديد؛‬
‫‪y‬هيمنة القيم التقليدية يف تدبري وتسيري املقاولة؛‬
‫‪y‬سيادة قيم الربح الرسيع وجتذر الغش واالحتيال يف بعض املقاوالت؛‬
‫‪y‬نقص الفعالية والتنافسية؛‬
‫‪y‬حتدي االنفتاح؛‬
‫‪y‬التحدي املرتبط بمدى اعتامد جمموعة من القيم التدبريية؛‬
‫‪y‬التحدي املرتبط برتسيخ قيم الفردانية واملنافسة البنّاءة‪.‬‬
‫ƒالتحديات اخلارجية‪:‬‬
‫‪y‬ضعف تنافسية عدد كبري من املقاوالت؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بالصورة السلبية التي حيملها املجتمع عن بعض املقاوالت؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بضعف قيم التجديد واالبتكار؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بضعف آليات الرقابة؛‬
‫‪y‬حتدي االستمرارية يف ظل سوق ال ترحم؛‬
‫‪y‬تعقد املساطر القانونية الذي يعد من أبرز العوائق أمام املقاوالت؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بضعف مراقبة شاملة لالحتكار؛‬
‫‪y‬ضعف التواصل املستمر مع املقاوالت بخصوص املستجدات القانونية‬
‫والتنظيمية‪ ،‬وكذا يف إرشاك الفاعلني يف هذه املؤسسات عىل اختالفها؛‬
‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬
‫‪121‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬ضعف التواصل بني املقاوالت واملؤسسات التي تعنى بقطاع البحث‬
‫العلمي واالبتكار؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بتعزيز قيمة العدالة الرضيبية؛‬
‫‪y‬حتدي مرتبط بنقص املعطيات حول املحيط املحيل للمقاولة‪.‬‬

‫ويف األخري‪ ،‬يتعني عىل املقاولة أن تنخرط بشكل أوسع يف تعزيز قيم املواطنة‬
‫عرب تدعيم وتشجيع التوجهات املواطنة يف املجال املقاواليت‪ ،‬وتثمني مبادرات الشباب‬
‫عرب اإلسهام املادي واملعنوي يف إنجاحها‪ .‬ومن أجل تعزيز الثقة بني املقاولة واملواطن‪،‬‬
‫يتعني عىل هذه املؤسسة تعزيز قيم االنفتاح عرب تفعيل قيمة اإلنصات جلميع األطراف‬
‫املتدخلة من أجل تطوير اإلنتاج ومناخ العمل‪ ،‬بام فيها املؤسسات املجتمعية األخرى‬
‫التي يمكنها املسامهة‪ ،‬ومن أمهها مؤسسات البحث العلمي التي من دوهنا سيكون من‬
‫الصعوبة حتديث املقاولة وتأهيلها‪.‬‬

‫ويقتيض حتديث املقاولة مزيدا من تعزيز قيم العقالنية والتدبري اجليد بعيدا‬
‫عن هيمنة القنوات والعالقات التقليدية التي يمكن أن تؤثر عىل مردودية املقاولة‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬يتعني عىل الفاعلني االقتصاديني االنتصار يف املستقبل لقيمة الكفاءة‬
‫واالستحقاق يف التشغيل وولوج املقاولة‪ ،‬والقطع مع املامرسات السلبية املعتمدة‬
‫عىل املحسوبية والرشوة واالستغناء عنها‪ ،‬إضافة إىل تعزيز قيم العدالة االجتامعية‪،‬‬
‫واملحافظة عىل البيئة‪.‬‬

‫كام يتعني دعم التعاونيات وتثمني عملها ومساعدهتا عىل ولوج األسواق الوطنية‬
‫والدولية عرب تقديم مساعدات مادية وتقنية هلا‪ ،‬ومساعدهتا عىل تفعيل القيم‪ ،‬داخليا‬
‫ويف عالقتها باملحيط اخلارجي‪ .‬كام جيب العمل عىل تيسري اإلجراءات واملساطر اخلاصة‬
‫بإنشاء مثل هذه املؤسسات التي أصبحت أكثر انخراطا يف إدماج الشباب والنساء‬
‫بشكل خاص يف سوق الشغل‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪122‬‬


‫‪ .9‬حالة املؤسسات اجلمعوية‬
‫املمارسة اجلمعوية والتفعيل القيمي‪ :‬تغيرات وانتظارات‬
‫تشكل اجلمعيات‪ ،‬وربام أكثر من غريها‪ ،‬املؤسسة األكثر تفعيال ملجموعة من‬
‫القيم‪ .‬بل إن املامرسة اجلمعوية تقوم عىل أساس قيمي متمثل يف التطوع‪ .‬لذلك يمكن‬
‫اعتبار اجلمعية مثاال مؤسسيا قويا للسلوك القيمي اجلامعي‪ ،‬حيث يتحقق بمبادرة من‬
‫مجاعة من األفراد يتقاسمون قيام معينة ويتفقون عىل شكل وكيفية تفعيلها‪ .‬إال أنه عىل‬
‫الرغم من انخراطها يف جتسيد القيم املوجهة ألنشطتها (التضحية والتعاون والتضامن‬
‫واإليثار‪...‬الخ‪ ،).‬فإن الديناميات التي عرفها املجتمع املغريب عموما‪ ،‬واحلقل اجلمعوي‬
‫عىل وجه اخلصوص‪ ،‬قد أحدثت سلسلة من التغريات شملت أهداف اجلمعيات وقيم‬
‫الفاعلني فيها وتعدد رهاناهتم وتباينها يف كثري من األحيان‪ .‬ومن الطبيعي أن ينعكس‬
‫كل ذلك عىل منظومة القيم التي وجهت لزمن طويل عمل الفاعلني اجلمعويني‪.‬‬

‫لقد تعددت مظاهر التغري القيمي التي شهدهتا التنظيامت اجلمعوية بتعدد‬
‫مصادرها‪ ،‬بني ما كان تدخال تنظيميا موجها‪ ،‬وما أفرزته املامرسة وراكمته من‬
‫مكتسبات‪ ،‬واعرتضها من صعوبات انعكست بشكل واضح ومؤثر عىل نوع وقيمة‬
‫األداء املؤسيس اجلمعوي‪ .‬وقد أمكن حرص أبرز التغريات القيمية التي ميزت العمل‬
‫اجلمعوي باملغرب حسب ما جاء يف تفاعالت املشاركني‪ ،‬يف مظاهر عديدة تم حتديدها‬
‫بتفصيل يف التقرير‪.‬‬
‫اخلصائص القيمية لواقع املمارسة اجلمعوية‬
‫وترتدد قيمتا الثقة والتضامن كأقوى ما يتأسس عليه الفعل اجلمعوي املغريب‪.‬‬
‫لكن وحسب املشاركني‪ ،‬فقد تم تعويضهام‪ ،‬يف بعض احلاالت‪ ،‬بقيمتي املنفعة الشخصية‬
‫والتنافس ملصلحة األفراد وليس لصالح اجلامعة‪ ،‬وهذا ما نصادفه متكررا يف تفاعالت‬
‫املشاركني‪ .‬كام يستخلص من استجواب املشاركني أن هنالك توجها قويا نحو عدم‬
‫الثقة‪ ،‬مع التشكيك والتوجس من بعض املبادرات اجلمعوية باعتبارها ختفي بالرضورة‬
‫مصلحة ما ألصحاهبا‪ ،‬تقىض بشكل غري رشعي عىل حساب الفئات املستهدفة؛ وأن‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪123‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫هناك كذلك نوعا من التحفظ الواضح من الفاعل اجلمعوي‪ ،‬عضوا ومنخرطا‪ ،‬بالنظر‬
‫لتدخل الفاعل السيايس يف جمال ممارساته‪ ،‬بحيث يعزى إىل ذلك كل الرتاجعات‬
‫واالختالالت القيمية التي أصبحت تصم املامرسة اجلمعوية حتى فقدت أهم رأسامهلا‪،‬‬
‫أال وهو ثقة املحيط هبا وبغاياهتا‪.‬‬
‫التفعيل القيمي يف اجلمعيات‬
‫من املعلوم أن واجب التفعيل القيمي‪ ،‬وضامن استدامته ومأسسته ال تنحرص‬
‫مسؤوليته عىل اجلانب املؤسسايت فحسب‪ ،‬بل متتد إىل الفاعلني اجلمعويني‪ ،‬واملرتفقني‬
‫والرشكاء من حميط املؤسسة‪ .‬فكيف يساهم الفاعل اجلمعوي يف التفعيل القيمي؟‬
‫وكيف ينخرط باقي الفاعلني يف هذا املرشوع اجلمعوي؟‬

‫اتضح من شهادات واستجوابات املشاركني يف الدراسة أن التفعيل القيمي‬


‫اجلمعوي باملغرب يرتبط بشكل وثيق بدرجة االقتناع القيمي ألعضائه ومدى‬
‫استعدادهم لتفعيله‪ .‬ويبدو أن ساكنة املجال القروي التزال حتتفظ بتقدير أكرب لقيمة‬
‫العمل اجلمعوي‪ ،‬ومسامهته يف التنمية املحلية‪.‬‬

‫وحتتوي أجوبة خمتلف املشاركني‪ ،‬بتباين صفاهتم‪ ،‬عىل طلب رصيح كي تستعيد‬
‫املامرسات اجلمعوية اعتبارها القيمي‪ ،‬حيث يسود احلارض اجلمعوي نوع من عدم الثقة‬
‫املتزايد‪ ،‬ما يستلزم من الفاعلني اجلمعويني ورشكائهم املبادرة إىل اسرتجاع هذه الثقة‬
‫التي بدوهنا سيفقد ليس فقط قيمته املجتمعية‪ ،‬بل وقبل ذلك صفته كفعل مجعوي‪ ،‬تالزم‬
‫دوما مع محوالت قيمية ال تقبل تعطيل مفعوهلا وال توظيفها يف غري ما هو متعارف عليه‬
‫ومنتظر من املجتمع‪ .‬إن االعرتاف املجتمعي بالعمل اجلمعوي هو اعرتاف بقيمه كام‬
‫هي مفعلة يف أدائه املؤسيس بني أعضائه‪ ،‬ومع غريهم من املنخرطني والرشكاء‪.‬‬

‫واقرتح املشاركون يف املقابالت اخلاصة باملؤسسة اجلمعوية جمموعة من القيم‬


‫التي رصحوا أن واقع املامرسة اجلمعوية ومقتضيات التفعيل القيمي يتطلبها بشكل كبري‬
‫يف أفق جتويد أداء اجلمعيات املغربية‪ .‬ونعرض هذه القيم فيام ييل‪:‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪124‬‬


‫‪ -‬القيم‪-‬األم املقرتحة بالنسبة للجمعية‪:‬‬

‫التطوع‪ /‬الثقة‪ /‬االستقاللية‪ /‬املواطنة‪ /‬التضامن‪ /‬املصداقية‪ /‬التواصل‪/‬‬


‫العمل اجلامعي‪ /‬التقدير‪ /‬نكران الذات‪ /‬الغريية‪ /‬املشاركة‪ /‬االلتزام‪/‬‬
‫املحاسبة‪ /‬التسامح‪ /‬االعرتاف‬

‫‪ -‬وبالنسبة للقيم العميقة املعربة عن القيم ‪-‬األم‪ :‬فقد أشار املشاركون إىل‬
‫أن من شأن تفعيل القيم ‪-‬األم املقرتحة أن ينبثق عنه واقع مجعوي مالزم قيميا هلا‪.‬‬
‫وتتمثل شبكة القيم املتفرعة أساسا عنها يف‪ :‬العمل املتواصل‪ /‬التطوع‪ /‬االكتساب‪/‬‬
‫التجربة‪ /‬البحث‪ /‬التجويد‪ /‬الفعالية‪/‬التفاهم‪/‬الصدق‪/‬الصداقة‪ /‬الثقة يف النفس‪/‬النية ‪/‬‬
‫التشاور‪ /‬الواجب‪/‬االنضباط‪/‬احلرية‪ /‬الثقة‪ /‬املبادرة‪ /‬الديمقراطية‪ /‬النزاهة‪ /‬االبتكار‪/‬‬
‫الشفافية‪ /‬املسؤولية‪ /‬اإلنصات‪/‬التكيف‪ /‬اإلبداع‪/‬املعقول‪ /‬اجلودة‪/‬املصداقية‪ /‬احرتام‬
‫اآلخر‪ /‬املساواة‪ /‬االنصاف‪ /‬العدل‪ /‬التعاون‪ /‬املنافسة‪ /‬االختالف‪ /‬تقدير الذات‪/‬التكافل‪/‬‬
‫التعاون‪/‬التخليق‪ /‬اجلدية‪ /‬والتقدير‪.‬‬

‫وألن العمل اجلمعوي هو ممارسة قيمية بامتياز‪ ،‬فكل عطب أو تعطيل قيمي‬
‫قد يصيبها سيؤثر يف تقدير املحيط لقيمتها يف الوجود والعمل‪ .‬لذلك‪ ،‬مثل الوعي‬
‫بالتحديات القيمية التي تعرتض العمل اجلمعوي وحتد من فعاليته حاال ومستقبال‪،‬‬
‫ومعرفة طبيعتها من مصادر امليدان‪ ،‬غاية مهمة سعى هذا البحث إىل توفري أجوبة هلا‪.‬‬
‫ومن أقوى هذه التحديات املذكورة‪:‬‬
‫‪y‬حتدي الثقة املجتمعية يف العمل اجلمعوي‪ :‬فهذا التحدي يبقى األول واألبرز‬
‫ضمن الئحة التحديات املذكورة‪ ،‬بل وهو الرشط القيمي الذي ال معنى‬
‫لباقي التحديات من دون توفره‪.‬‬
‫‪y‬حتدي اإللتزام بالتعاقد اجلمعوي‪ :‬أي العمل املستمر ألعضاء اجلمعيات عىل‬
‫الوفاء بالتعهدات املعلنة أمام املنخرطني والرشكاء‪ ،‬وتقديم املصلحة العامة‬
‫للمرشوع اجلمعوي عىل مصاحلهم اخلاصة‪ ،‬مادية كانت أو أيديولوجية‪.‬‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪125‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫‪y‬حتدي استقاللية القرار اجلمعوي‪ :‬بجعل سلطة الفصل بيد القواعد‬
‫التنظيمية ومقاومة كل تأثريات الضغوط واإلغراءات لتسخري اجلمعية‬
‫لغري ما تأسست من أجله‪ ،‬وخصوصا الزج هبا يف املعارك السياسية ضدا‬
‫عىل إرادة أعضائها أو بغري علمهم‪.‬‬
‫‪y‬حتدي االستقرار واالستمرار التنظيميني‪ :‬بتوفري مناخ عمل بقواعد واضحة‬
‫وخ ٍ‬
‫ال ما أمكن من األسباب املنتجة للتوتر والنزاعات‪،‬‬ ‫وعامة عىل اجلميع‪َ ،‬‬
‫بام حيفز عىل املبادرة‪ ،‬وجعلها يف خدمة أهداف اجلمعية‪ ،‬ثم اعتامد خطط‬
‫لتكوين اخللف الستمرارية التنظيم وقيمه وتفعيل التداول عىل حتمل‬
‫وجتريب املسؤوليات‪.‬‬
‫‪y‬حتدي اإلبداع والتنافس لتوفري موارد العمل الناجع‪ :‬سواء كانت هذه‬
‫املوارد مادية أم برشية‪ .‬ال وجود لعمل مجعوي بدون متويالت ملشاريعه‬
‫وأنشطته التي تعترب صلة وصل باملستفيدين والرشكاء‪ ،‬وكذلك بدون‬
‫استقطاب جيد للكفاءات البرشية التي من شأهنا تقديم القيمة اإلشعاعية‬
‫املضافة للجمعية‪.‬‬
‫‪y‬حتدي املزاج اإلداري املختص والرشيك‪ :‬ويشمل كل العوائق غري املربرة‬
‫التي تواجه تسلم وصل تأسيس اجلمعية لدى السلطات املحلية املختصة‪،‬‬
‫أو احلصول عىل تراخيص بعض األنشطة أو استغالل بنيات مرافق عمومية‬
‫رشيكة أو االستفادة من رشاكات ودعم عمومي‪.‬‬
‫‪y‬حتدي صناعة االنسجام اجلمعوي‪ :‬فمهام كان التعارف والتقارب‬
‫والرابط العائيل‪ ،‬فنشوب االختالف يف التقدير بينهم واخلالف عند‬
‫تنازع الطموحات التنظيمية الشخصية بمناسبة ممارستهم اجلمعوية‬
‫يظل أمرا واردا‪ ،‬بل وطبيعيا يف كل فضاء تنظيمي‪ .‬لذلك‪ ،‬فرهان ضامن‬
‫التامسك التنظيمي بني األعضاء‪ ،‬قصد التمكن من حتقيق األهداف دون‬
‫عراقيل‪ ،‬حتدي يستحق أن حيظى باألولوية‪ .‬وكذلك احلرص الدائم عىل‬
‫التوافق قصد ضامن االستقرار‪ ،‬ومقاومة ما حيول دونه من مساومات‬
‫أو ابتزازات‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪126‬‬


‫‪y‬حتدي التمثل املجتمعي للعمل اجلمعوي‪ :‬فبعض الناس ما زالوا يرون‬
‫يف كل عضو أو منخرط مجعوي مسرتزق ووصويل يستهدف فقط حتقيق‬
‫مصاحله اخلاصة‪.‬‬
‫‪y‬حتدي تأهيل الرأسامل البرشي اجلمعوي‪ :‬فاملالحظ أنه مع التطورات‬
‫التي عرفها املحيط واملستجدات العلمية والتقنية التي عرفتها مقاربات‬
‫االشتغال يف جمال التطوع املدين اجلمعوي‪ ،‬نجد أن الفاعل اجلمعوي‬
‫باملغرب يفتقر هلذه األدوات املتطورة للعمل اجلمعوي؛ وأنه ما زال حبيس‬
‫تكرار املامرسات الكالسيكية والتي ليست فقط حمدودة األثر‪ ،‬بل إهنا‬
‫تفوت اغتنام فرص ثمينة لالستفادة من رشاكات ومتويالت من القطاع‬
‫اخلاص الوطني‪ ،‬ودولية من مانحني حكوميني وغري حكوميني‪.‬‬
‫‪y‬حتدي بعض القيم الثقافية املحلية التمييزية املامنعة للمامرسة اجلمعوية‪:‬‬
‫حتول بعض املعتقدات االجتامعية والثقافية املحلية دون متكني بعض‬
‫أعضاء املجتمع املحيل من االنخراط يف اجلمعيات‪ ،‬ونخص بالذكر هنا‬
‫النساء والفتيات‪.‬‬

‫‪ .10‬كوفيد ‪ 19‬والدروس القيمية املستخلصة‬


‫استخلص املغاربة جمموعة من العرب القيمية التي يتعني اعتبارها لتطوير األداء‬
‫املؤسسايت‪ ،‬منها ما تم تقاسمه بني خمتلف املؤسسات‪ ،‬فيام اختصت كل منها بام يرتبط‬
‫بنشاطها الوظيفي اخلاص‪ .‬لقد أمجعوا عىل أمهية قيمتي التواصل والتضامن يف حياهتم‪،‬‬
‫َبدْ ًء من أفراد األرسة الواحدة واجلوار إىل غاية باقي أفراد املجتمع‪ ،‬بعدما كشفت‬
‫اإلجراءات الصحية االحرتازية عام كان يسود بينهم من جفاء وتباعد بسبب االنشغال‬
‫مع متطلبات املعيش اليومي وضغط إيقاع أنامط االستهالك اجلديدة‪ .‬كام تم إدراك‬
‫أمهية تعزيز التواصل والثقة يف املجتمع‪ ،‬حيث بينت جائحة كورونا هشاشتهام‪ .‬وهذا‬
‫ما يوضح خطورة قيمة التواصل بني أفراد املجتمع واحلاجة الشديدة إليه‪ .‬لذلك ثمن‬
‫املشاركون مجيعهم ما قدمه اإلعالم‪ ،‬خاصة العمومي منه‪ ،‬من خدمات تواصلية خالل‬
‫فرتة جائحة كوفيد ‪ .19‬كام أن انخراط فاعيل املجتمع املدين يف هذا العمل التواصيل‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪127‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫التحسييس عىل املستوى املحيل‪ ،‬وبمراعاة اخلصوصيات االجتامعية والثقافية‪ ،‬كان‬
‫له أثره الفعال يف التوعية الوقائية وتأكيد أمهية وفعالية هذا التواصل االجتامعي بني‬
‫املؤسسات واملواطنني‪.‬‬

‫وبالنسبة لتجليات الدرس التضامني كقيمة مشرتكة بني خمتلف املؤسسات‪،‬‬


‫فقد تم تسجيل سعي املغاربة إىل تقديم ما يستطاع من مساعدات لألقارب واملحيط‬
‫والتضامن معهم جراء توقف مواردهم االقتصادية أو بسبب إصابتهم بالوباء أو‬
‫فقداهنم لقريب‪ .‬كام يمكن أن تبدو أكثر األمهية القصوى لقيمة التضامن لتقوية‬
‫التامسك االجتامعي ورضورة استحضارها وإعادة تفعيلها جمتمعيا‪.‬‬

‫كام نجد هذا التضامن أيضا جمسدا يف ما أبداه األساتذة واإلداريون من جهود‬
‫ومبادرات تكافلية مع تالمذهتم وذوهيم والطلبة يف إطار صيغة التعليم عن بعد‪ ،‬خاصة‬
‫باملجال القروي‪ ،‬حيث التضامن والتطوع بني أفراد األرسة الصغرية‪ ،‬أو حتى مع‬
‫األقرباء اآلخرين‪ ،‬واجلريان واألصدقاء لتدبري املتطلبات التقنية والبيداغوجية‪ ،‬وحتى‬
‫املادية‪ ،‬لالنخراط يف نمط التعليم عن بعد‪ .‬وحرض التضامن املهني كذلك عىل مستوى‬
‫العالقة بني موظفي ومستخدمي القطاعني العام واخلاص‪ ،‬حيث قام العديد منهم‬
‫بمهام زميله يف املؤسسة أثناء تعرضه لإلصابة أو بسبب املخالطة‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫إمجاال‪ ،‬كشف سياق اجلائحة باعتباره جتربة فردية وجمتمعية غري مسبوقة وجمهولة‬
‫املصري‪ ،‬وما صاحبها من اختالالت التامسك الفردي واجلامعي للمغاربة وتدبري الزمن‬
‫االجتامعي وتفاعالت األفراد‪ ،‬عن استنفار خاص لقيم أصيلة يف املجتمع املغريب‬
‫وللروابط التي تسندها‪ ،‬يف إطار بناء مواجهة مجاعية موحدة للمخاطر وحلظات اخلوف‬
‫والاليقني‪ ،‬املتولدة عن هذه األزمة املركبة األبعاد‪ ،‬والتي شكلت بدون شك جتربة قيمية‬
‫جديرة بأن تؤخذ يف احلسبان‪ ،‬سواء من أجل التدبري االستباقي للمخاطر‪ ،‬أو لتعزيز‬
‫القدرات واملؤهالت الوظيفية لكثري من املرافق واملؤسسات التي تلبي احلاجيات‬
‫اليومية للمواطنني‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪128‬‬


‫خالصة‬
‫هذه بعض املعطيات ذات األولوية القيمية كام وردت يف النقاشات املستفيضة‬
‫للمشاركني وعرب ترصحياهتم ضمن خمتلف مقابالت البحث الكيفي‪ .‬ويسجل عليها‬
‫حضور تأثري بعض اخلصوصيات املجالية‪ .‬لكن املشرتك القيمي الذي أمجع حوله‬
‫املشاركون يف التفعيل وعدم التفعيل وأسباهبام‪ ،‬يبقى داال وشبه موحد عرب خمتلف‬
‫اجلهات الرتابية للمغرب‪ ،‬والتي من شأن وعي الفاعل املؤسسايت ورشكائه به أن يقود‬
‫إىل ممارسة مؤسساتية متتزج بالتفعيل القيمي املطلوب‪.‬‬

‫كام تم جتميع جمموعة من االنتظارات الرصحية واملستوحاة من تفاعالت املواطنني‬


‫بشأن القيم الواجب تفعيلها بشكل أولوي وبحسب نوع النشاط املرفقي واملؤسسايت‪،‬‬
‫بل وتم متكينهم أيضا من املشاركة يف أجرأهتا عرب ما قدموه من آليات وأفكار عملية تم‬
‫إدراجها وتصنيفها يف توصيات الدراسة بحسب املؤسسة املعنية هبا‪.‬‬

‫لقد أوىل املغاربة أمهية خاصة لقيم التواصل الشفاف والفعال والواضح بني‬
‫املؤسسات واملواطنني‪ ،‬ولالنفتاح عىل املحيط املحيل والوطني والدويل‪ ،‬ولقيم مساواة‬
‫النوع وكل ما يتفرع عنها من قيم إنسانية واجتامعية نبيلة؛ ووضعوا الثقة يف املؤسسات‪،‬‬
‫وحتسني صورهتا لدى املواطن‪ ،‬من ضمن الرشوط األساسية لنجاح هاته األخرية يف‬
‫مهامها التنموية‪ ،‬ويف تأدية خدماهتا عىل الوجه األمثل‪ .‬كام شددوا عىل رضورة جتويد‬
‫اخلدمات املؤسساتية والتكوينات املدرسية واجلامعية‪ ،‬استنادا إىل مرتكزات الكفاءة‬
‫والفعالية‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬واالستحقاق‪ ،‬واملساواة‪ ،‬وتكافؤ الفرص‪ ،‬واحرتام كرامة‬
‫املواطن‪ ،‬وصوال إىل التفعيل الشامل ملبدأ «االلتقائية القيمية» يف التفاعالت اجلارية بني‬
‫خمتلف املؤسسات العمومية واخلاصة واملدنية والرشكاء املعنيني بمجاالت اشتغاهلا‪.‬‬

‫ويثري االنتباه كذلك تشبث املغاربة بمرجعيتهم القيمية ومميزاهتم الثقافية التي ال‬
‫يكفون عن الدعوة إىل االحتامء هبا من تأثري قيم مضادة تنفذ إىل املجتمع املغريب‪ ،‬وإىل‬
‫األطفال واليافعني والشباب بوجه خاص‪ ،‬عرب قنوات العوملة واإلعالم اجلديد‪ ،‬لكن‬
‫دون العدول‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬عن طموح االستفادة من القيم الكونية‪ .‬كام يعربون عن اهتامم‬

‫الدراسة امليدانية الوطنية حول‬


‫‪129‬‬ ‫القيم وتفعيلها املؤسسي‪ :‬تغيرات وانتظارات لدى املغاربة ‪ -‬ملخصات التقارير‬
‫خاص بالقيم البيئية والصحية‪ ،‬وبكل القيم التي تقود إىل العناية والتضامن مع األطفال‬
‫املتخىل عنهم‪ ،‬واملسنني‪ ،‬واألشخاص يف وضعية إعاقة‪ ،‬وكل الفئات االجتامعية األقل‬
‫حظا‪.‬‬

‫وال يقل أمهية عن ذلك تأكيد املغاربة عىل قيمتي إرشاك املواطنني واستشارهتم‬
‫يف القرارات املؤسساتية التي ختصهم‪.‬‬

‫ويرى املغاربة أن اإلدارة واملواطن واملوظف كلهم بحاجة إىل استثامر قيم جديدة‬
‫تساهم يف جتويد اخلدمة العمومية‪ ،‬وذلك يف حميط عاملي تتجدد فيه باستمرار املعارف‬
‫والتقنيات ومناهج العمل‪ .‬فقضية التفعيل املؤسيس للقيم مرهونة بتفاعل اإلدارة‬
‫واملواطنني مع املوظفني واملسؤولني‪ ،‬وبالتأهيل القيمي للمواطن‪ ،‬وأنسنة الفضاء‬
‫املؤسيس‪ .‬فاملطلوب حاليا‪ ،‬تبني قيم موحدة جتمع األطراف الثالث‪ ،‬ويف مقدمة هذه‬
‫القيم‪ ،‬الثقة والنزاهة وأخالقيات املهنة‪ ،‬واحلكامة اجليدة واملواطنة‪ .‬وهذه القيم ال تلزم‬
‫طرفا دون اآلخر‪ ،‬بل هي جامعة لكل األطراف‪.‬‬

‫إن العدالة املجالية معطى أسايس يف تفعيل القيم يف املؤسسات املغربية‪ .‬واحرتام‬
‫الرأي والرأي اآلخر وهنج التعددية التي تعرفها العديد من املناطق‪ ،‬وإيالء أمهية ملا هو‬
‫حميل من حيث الثقافة والعادات والتقاليد ومراعاة اخلصوصيات اللغوية‪ ،‬مع استحضار‬
‫البعد املحيل يف أي سياسة من السياسات التي تروم الدولة تنزيلها‪ ،‬كلها جوانب جديرة‬
‫باالهتامم‪ ،‬وبدوهنا لن يكتمل مسار تفعيل القيم‪.‬‬

‫مجلس النواب‬ ‫‪130‬‬

You might also like