Professional Documents
Culture Documents
توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في العراق بين إدارة بوش الابن وإدارة بارك أوباما 2003 - 2016.
توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في العراق بين إدارة بوش الابن وإدارة بارك أوباما 2003 - 2016.
03
*******
ملخص:
تبحث هذه الدراسة في إشكالية بالغة األهمية في حقل العلوم السياسية ،وهي املتمثلة في توجهات
السياسة الخارجية األمريكية في العراق ،هذه األخيرة التي تباينت التوجهات األمريكية اتجاهها بين إدارة
الرئيس بوش ذات التوجه العدائي ،والتي قامت بغزو العراق وتدميره ،وإدارة الرئيس أوباما التي عملت
على سحب القوات العسكرية منها ،وه ذا ما كان له تداعيات خطيرة على العراق ،وبالتالي فإن هذه
الدراسة تهدف إلى اإلحاطة بمختلف جوانب السياسة الخارجية األمريكية في العراق في ظل إدارتين
مختلفتين.
الكلمات املفتاحية :السياسة الخارجية األمريكية ،إدارة بوش ،إدارة أوباما.
Abstract:
This study in explores problem of a great importance in the Field of the
political science which is the orientations of American foreign policy in Iraq. This
latest varied its directions between the hostile attitude of Bush’s administration
which invaded Iraq and destroyed it and the Obama’s administration that worked
on the withdrawal of its military forces from Iraq that had dangerous fallouts on
it.
So, this study aims to capture the various aspects of American foreign policy
in Iraq under the two different administrations.
KEY WORDS: The American foreign policy, the Bush administration, The
Parak Obama administration.
مقدمة
تثير السياسة الخارجية األمريكية الكثير من الجدل واالهتمام لدى الباحثين في مختلف أنحاء
العالم؛ وذلك بسب توجهات هذه الدولة العظمى التي تستهدف كل وحدات النظام الدولي ،هذه التوجهات
التي ترسم انطالقا من مجموعة من املبادئ ،وتستخدم مجموعة من الوسائل واآلليات التي قد تختلف
طرق استعمالها من إدارة إلى أخرى إال أن هدفها يبقى واحدا وهو تحقيق مصالح الواليات املتحدة في
مختلف أنحاء العالم.
إن توجهات السياسة الخارجية األمريكية تباينت في مختلف مراحل تطور الدولة األمريكية ،حيث
كانت في بداية تأسيس الدولة ذات توجهات انعزالية من أجل تحقيق القوة األمريكية ،وبمجرد قيام
الحرب العاملية الثانية حتى بدأت تتضح معالم توجهاتها التدخلية لتخرج بذلك من دائرة االنعزال إلى
دائرة التدخل في الشؤون الدولية ،أما مع نهاية الحرب الباردة فقد عرفت التوجهات األمريكية مرحلة
جديدة تميزت بغياب العدو املفترض بسقوط االتحاد السوفياتي ،ثم دخلت السياسة األمريكية مرحلة
أخرى بعد أحداث 11سبتمبر ،2001هذه األحداث التي كان لها تأثير كبير على توجهات السياسة الخارجية
األمريكية ،خاصة وأنها تزامنت مع بداية عهدة الرئيس الجمهوري بوش االبن ،هذا األخير الذي عمل على
استغاللها لفرض توجهات إدارته التدخلية على السياسة األمريكية ،فكانت بداية تدخالتها العسكرية في
أفغانستان تحت مبرر الحرب على اإلرهاب ،ثم جاءت الحرب على العراق تحت العديد من املبررات ،هذه
الحرب التي أدخلت إدارة بوش في أزمة خطيرة بسبب عدم شرعيتها ،لتكون بذلك فرصة أمام إدارة
الرئيس أوباما لتصحيح األخطاء التي خلفتها إدارة بوش في هذه املنطقة.
اإلشكالية :تتمحور إشكالية هذه الدراسة في السؤال املركزي التالي:
ما هي محددات السياسة الخارجية األمريكية في ظل إدارتي بوش االبن و أوباما في العراق ،وما
هي تداعياتها؟
بناء على ما تقدم سيتم تقسيم هذه الدراسة إلى ثالثة مباحث؛ يتناول املبحث األول توجهات
السياسة الخارجية األمريكية بصفة عامة ،ليخصص املبحث الثاني ملقارنة توجهات السياسة الخارجية
األمريكية في ظل إدارة الرئيس بوش االبن مع إدارة الرئيس باراك أوباما ،وفي نهاية هذه الدراسة تم
تخصيص املبحث الثالث للسياسة الخارجية األمريكية تجاه العراق.
املبحث األول
توجهات السياسة الخارجية األمريكية
تنقسم توجهات السياسة الخارجية األمريكية بصفة عامة بين توجهات انعزالية تارة ،وتدخلية تارة
أخرى ،ذلك بحسب اإلدارة الحاكمة ،ففي ظل حكم الجمهوريين تكون توجهات السياسة األمريكية
تدخلية ،في حين أن اإلدارة التي يسيطر عليها الديمقراطيون تميل إلى االنعزال أكثر من التدخل ،وفيما يلي
سيتم توضيح هذين االتجاهين كما يلي:
املطلب األول :االتجاه االنعزالي
يعتبر التوجه االنعزالي من أبرز جذور السياسة الخارجية األمريكية ،هذا التوجه الذي ظهر نتيجة
عوامل عديدة تتمثل في االنفصال الجغرافي ،واالنفصال الروحي والفلسفي ،والخصائص السياسية
واأليديولوجية األساسية املميزة لألمة األمريكية ،واالكتفاء الذاتي االقتصادي ،واألمن العسكري النسبي
لنصف الكرة الغربي ،وبذلك وفرت هذه الظروف للواليات املتحدة القدرة على اتخاذ سياسة العزلة فترة
طويلة من تاريخها ،وخاصة وأن الواليات املتحدة األمريكية في تلك الفترة كانت تعتبر دولة حديثة النشأة
بحيث أنها لم تكن تشكل تهديدا للدول األخرى في النظام الدولي ،ومن ثمة لم تكن مضطرة إلى التورط في
الشؤون الدولية( ،)1وهذا ما أكده الرئيس جورج واشنطن أول ما تحدث عن االنعزالية في "خطاب الوداع"
الذي وجهه إلى األمة في عام 1797م ،حيث قال إن "على أمريكا أن تبقى بعيدة من التحالفات الدائمة مع
أي جزء من أجزاء العالم الخارجي" ،وهنا كان الرئيس واشنطن يقصد أوروبا بالتحديد ،فهو يرى بأن
االنخراط األمريكي في الشؤون األوروبية سيضعف القوة األمريكية(.)2
وبعد تأسيس الواليات املتحدة ،عملت على تبني عقيدة االنعزالية رسميا في سياستها الخارجية،
وفقا ملبدأ مونرو الذي عرضه عام 1823م ،وكان الهدف منه عزل الواليات املتحدة عن بقية العالم
وضمان عدم تدخلها في القضايا والنزاعات األوروبية وفي نفس الوقت عدم التدخل األوروبي في القضايا
األمريكية "خاصة تلك املتعلقة بأمريكا الالتينية ،وجعل الوضع الداخلي أكثر ازدهارا( ،)3وبهذا خيمت
النزعة االنعزالية على سياسة أمريكا الخارجية في مطلع القرن العشرين ،فكانت بذلك املهمة األساسية
لسياسة أمريكا الخارجية في أوائل القرن العشرين هي تحقيق االستقرار والبقاء بعيدا عن أي التزامات
خارجية ،لكن هذا التوجه االنعزالي لم يمنعها من اتباع سياسات توسعية غرب القارة األمريكية ،واعتبرت
أن أي توسع أوروبي في أي بقعة من النصف الغربي للعالم خطرا يمس سالمتها وأمنها ،بعد أن خيمت هذه
النزعة االنعزالية على سياسة الواليات املتحدة الخارجية ما يزيد على القرنين(.)4
املطلب الثاني :االتجاه التدخلي
يمكن إرجاع بداية ظهور هذا االتجاه بوضوح في سياسة الواليات املتحدة مع بداية الحرب العاملية
الثانية ،خاصة بعد إلقائها القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي ،ليكون مبدأ ترومان
مجسدا لهذا التوجه( ،)5فما إن انتهت الحرب العاملية الثانية حتى تدخلت الواليات املتحدة في الحرب
الصينية األهلية ووقفت إلى جانب "تشان كاي تشك" ذي االتجاه القومي ضد "ماوتس ي تونغ" الشيوعي
على الرغم من أن "تشان" كان أثناء الحرب العاملية حليفا وثيقا للواليات املتحدة ،وتلتها تدخالت في كل
من فرنسا وإيطاليا واليونان ...الخ ،من أجل التصدي للمد الشيوعي ،تم جاءت تدخالت الحقة في دول
البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى ثم املكسيك وكولومبيا ويوغوسالفيا واإلكوادور وإيران وأفغانستان
والعراق ،وقد تباينت هذه التدخالت بين تدخالت ردعية كان الغرض منها الردع والحيلولة دون إفالت
دولة أو شعب من الهيمنة األمريكية أو السلطة الدكتاتورية املرتبطة مع املصالح األمريكية في الواليات
املتحدة وتدخالت أخرى قمعية في مناطق انفجر فيها الصراع وهدد بما يضر املصالح األمريكية(.)6
ما يكمن مالحظته في هذا السياق هو أن مختلف اإلدارات األمريكية سواء كانت ديمقراطية أو
جمهورية تتبنى السياسة التي تحقق املصالح األمريكية ،فعندما يتم تبني التوجه االنعزالي من فترة ألخرى
يكون الهدف منه بناء وتعظيم القوة األمريكية ،أو حتى من أجل تحسين صورتها في العالم ،أما السياسات
التدخلية فيتم اتباعها إلثبات هيمنتها العاملية ،وقد تتعدد أسباب اتباع سياسات التدخل أو االنعزال إال
أنها هدافها واحد يتمثل في تحقيق املصلحة األمريكية.
املبحث الثاني
توجهات السياسة األمريكية في ظل إدارة الرئيس بوش االبن وإدارة بارك أوباما
تباينت توجهات السياسة الخارجية األمريكية تبعا لتباين اإلدارات املتعاقبة على السلطة -رئاسة
جمهورية أو ديمقراطية ،فكانت إما ذات توجه تدخلي كما سبق الذكر تعتمد بدرجة كبيرة على القوة
العسكرية وهو ما طبع اإلدارات الجمهورية خاصة إدارة بوش االبن التي سيطر عليها املحافظون
الجددوالتي كانت ذات نزعة عسكرية تدخلية بامتياز ،في حين أن اإلدارات الديمقراطية كانت أقل تركيزا
على التوجه التدخلي وهو ما تمثله إدارة أوباما التي كانت أقل ميال للنزعة التدخلية باستعمال القوة
العسكرية ،وهذا ال يلغي هذه النزعة في هذه اإلدارات خاصة وأن الواليات املتحدة األمريكية قوة عظمى
تهدف لفرض هيمنتها على العالم بلعب دور محوري في الساحة الدولية الذي ال يتحقق إال عبر هذا التوجه
بمختلف أشكاله سواء كان اقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا...إلخ ،وبالتالي لفهم طبيعة ومحددات توجهات
السياسة الخارجية األمريكية سيتم التطرق في هذا العنصر إلى مقارنة هذه السياسة في إدارتين مختلفتين
إحداهما جمهورية واألخرى ديمقراطية واملتمثلة في توجهات إدارة أوباما باملقارنة مع توجهات إدارة بوش
االبن ،وهو األمر الذي يطرح تساؤال حول مدى ثبات واستمرارية أو تغير إدارة أوباما على نهج وتوجهات
اإلدارة السابقة.
وهذا ما سيتم توضيحه في املطالب التالية.
املطلب األول :توجهات إدارة بوش االبن
حقيقة ال يمكن فصل توجهات السياسة الخارجية األمريكية في ظل إدارة بوش االبن أو اإلدارة التي
تليها عن اإلدارات األمريكية التي سبقتها ،نظرا لكون تلك السياسات تعبر عن امتداد ملا سبقها ،وتمهيدا ملا
سيليها( ،)7لذلك فإن الحديث عن سياسة خارجية أمريكية ذات توجهات مختلفة تماما عما سبقها غير
ممكن ،ذلك أن مسار صنع وتوجيه هذه السياسة خاضع ملجموعة معقدة من العمليات واملؤسسات
الرسمية وغير الرسمية املؤثرة ،وبذلك فإن التغير يكون في كيفية استعمال وسائل السياسة الخارجية،
وليس في هذه السياسة بحد ذاتها.
اتسمت إدارة "بوش االبن بالتوجه العدائي ،حيث سعت الستخدام القوة العسكرية كأداة أساسية
للسياسة الخارجية ،خاصة وأن أغلب موظفي إدارته من املنتمين إلى املحافظين الجدد الذين كان لهم دور
كبير في التأثير على أولويات وتوجهات وأهداف السياسة الخارجية األمريكية( ،)8فقد كانت السياسة
التدخلية في ظل هذه اإلدارة واضحة خاصة بعد أحداث 11سبتمبر هذه األحداث التي غيرت من مالمح
السياسة األمريكية التدخلية ،حيث أصبحت تعتمد على ما أطلق عليه بمذهب بوش الذي يعتمد على ما
يتمحور أساسا حول الحرب االستباقية( .)9فأحداث 11سبتمبر 2001منحت إلدارة بوش فرصة لتحقيق
أهدافها؛ إذ شكلت ذريعة مكافحة اإلرهاب مناسبة جيدة لواشنطن من أجل تبرير إخفاقاتها السياسية
واالقتصادية واالجتماعية( ،)10ذلك أنه مع بداية الفترة الرئاسية لرئيس بوش االبن بدأت االنتقادات توجه
له كشخص وإلدارته بسبب أخطائه ،ولكن بعد أحداث 11سبتمبر أصبح ذا تأييد واسع ،هذه اإلدارة التي
تميزت ببروز التيار اليميني املتطرف بشقيه ،السياس ي املعروف اصطالحا باليمين املحافظ الجديد من
جهة ،والتيار الديني املعروف اصطالحا باليمين املسيحي الجديد ،فقدوم الرئيس بوش االبن وهجمات 11
سبتمبر مهد الطريق لظهور املحافظين الجدد ،الذي كان له تأثير كبير على توجهات السياسة الخارجية
األمريكية وهو ما تجلى في إعالن الحرب على اإلرهاب ،فكانت البداية مع أفغانستان على اعتبار أنها تضم
حركة طالبان بقيادة أسامة بن الدن ،ليأتي فيما بعد دور العراق بحجة تهديده لألمن العالمي بامتالكه
ألسلحة الدمار الشامل ،كما أن أحداث 11سبتمبر سمحت للو.م.أ بأن تعيد ترتيب خارطة العالم بما
يتالءم مع فلسفتها السياسية ،وهو ما صرح به وزير الدفاع األمريكي في تلك الفترة "رامسفيلد" بعد يومين
من هذه األحداث بقوله "إن الدماء األمريكية التي زهقت في األحداث ستحقق أهدافا عظيمة للو.م.أ على
مدى قرن كامل"(.)11
من خالل ما تقدم تظهر النزعة العدائية التدخلية إلدارة الرئيس جورج بوش االبن التي سيطر عليها
تيار املحافظين الجدد ،فكان لهم أشد التأثير على هذه اإلدارة وعلى توجهاتها الخارجية ،لكن ما يمكن
مالحظته هو أن مكانة الواليات املتحدة األمريكية تراجعت إبان إدارة بوش االبن بسبب سياسات هذا
الرئيس وإدارته التي سيطر عليها املحافظون الجدد ،هذا التراجع الذي ال يتناسب مع حجم القوة التي
تمتلكها الو.م أ ،فاملفروض أن يكون هناك توازن بين قوة الدولة ومكانتها ،حيث كانت بداية عهدة الرئيس
جورج بوش االبن باإلعالن عن حربي أفغانستان 2001وغزو العراق 2003وانتهت مدة حكمه باألزمة
املالية سنة ،2008ليأتي املرشح الديمقراطي "أوباما" رافعا لشعار التغيير لتصحيح ما خلفته اإلدارة
السابقة.
املطلب الثاني :توجهات إدارة باراك أوباما
لقد أعادت إدارة الرئيس أوباما ترتيب أولويات السياسة الخارجية األمريكية ،حيث وضعت هدف
إعادة بناء القوة األمريكية الشاملة في مقدمة أولوياتها ،وعلى هذا األساس فقد توجهت السياسة
الخارجية األمريكية في هذه الفترة العتماد ما أطلق عليه القوة الذكية التي تمزج ما بين القوة الصلبة
والناعمة في تعامالتها الخارجية ،حيث حاولت إعطاء أولوية لعالقتها مع كل من كندا واملكسيك باعتبارهما
شريكين مهمين في منطقة التجارة الحرة ألمريكا الشمالية ،كما أولت أهمية كبيرة لعالقات الواليات
املتحدة األمريكية مع حلف األطلنطي التي تقوم على ضرورة اقتسام أعباء إقرار األمن والسالم في العالم
والتوزيع العادل لهذه األعباء فيما بين الواليات املتحدة وشركائها ،ثم تأتي عالقات الواليات املتحدة
بالصين واليابان وأمريكا الالتينية ثم الشرق األوسط وإفريقيا ،بالرغم من أن الشرق األوسط ال يحتل
أهمية متقدمة في أولويات إدارة أوباما فإن قضايا بالغة األهمية في هذه املنطقة خاصة ما يتعلق بامللف
اإليراني وكذا أزمة سوريا ومختلف األزمات األخرى وتسوية الصراع اإلسرائيلي الفلسطيني ،واالنسحاب
األمريكي من العراق ،وتتبنى هذه اإلدارة رؤية تنطلق من الحوار ولغة الدبلوماسية لتحقيق وضمان
املصالح األمريكية في الشرق األوسط وفي العالم اإلسالمي(.)12
718 2018 17
2016 2003
تعارضت توجهات السياسة الخارجية األمريكية في ظل إدارة الرئيس بارك أوباما ،مع توجهات اإلدارة
السابقة ،السيما في املسائل املتعلقة بنشر القوات البرية واستخدام القوة في الشرق األوسط الكبير لفرض
التحول في العالم العربي باإلكراه واالحتالل املباشر( ،)13فقد سعت السياسة الخارجية األمريكية في عهد
الرئيس أوباما إلى التخلص من الخيبات التي خلفتها سياسة بوش االبن ،حيث بدأ هذا الرئيس
الديمقراطي سياسته الخارجية بخيارات مغايرة لتلك التي كانت انتهجتها اإلدارة السابقة وبأسلوب مغاير
( ،)14وفي هذا الصدد تميزت سياسة أوباما بمزجها بين التصور املثالي في أهدافها ومنطلقاتها والتصور
الواقعي في وسائل وآليات تحقيق األهداف التي أكدتها ،وهذا ال يعني أنها تمثل تحوال راديكاليا جذريا ملا
سبقها ،فقد أعادت االستراتيجية الجديدة إنتاج القديم في ثوب جديد ،فهي ال تختلف في سياستها
الخارجية عن اإلدارات السابقة إال في بعض األمور القليلة( ،)15التي تتمثل أساسا في إعادة رسم حدود
الدور األمريكي في العالم ،وتراجع النزعة الفردية لصالح العمل الجماعي ،ومراجعة ميزانيات التسلح
الضخمة مع مراعاة متطلبات األمن الوطني ،والتركيز على ما أسمته اإلرهاب الداخلي وعدم استثارة عداء
العالم العربي واإلسالمي وتشجيع التحول الديمقراطي مادام يتماش ى واملصالح األمريكية ،والعمل على
كسب املزيد من الحلفاء ،وبالتالي غيبت هذه اإلدارة مفاهيم الحرب االستباقية( ،)16وبذلك يمكن القول
بأن توجهات إدارة أوباما تقف بين التوجه التدخلي واالنعزالي ،بين السعي الستخدام القوة العسكرية
تارة ،واالمتناع عن استخدامها أو استخدام أشكال القوة األخرى بما يخدم املصالح األمريكية تارة أخرى،
فهي حاولت في بداية عهدة أوباما التركيز على املسائل الداخلية على حساب مسائل السياسة الخارجية،
وعملت على إنهاء مختلف االرتباطات العسكرية التي بدأتها اإلدارة السابقة وهو ما حدث فعال في كل من
العراق وأفغانستان ،محاولة بذلك تحسين الصورة األمريكية هذا من جهة ،ومن جهة أخرى تدخلت في
بعض املناطق بما يخدم املصالح األمريكية وتحت الشرعية الدولية وباملشاركة مع مختلف أعضاء املجتمع
الدولي على عكس اإلدارة السابقة وخير مثال على ذلك تدخلها في ليبيا وكذا تكوينها حلفا ملواجهة ما أطلق
عليه تنظيم الدولة اإلسالمية .
ما تجدر اإلشارة إليه هنا هو أن اختالف نهج إدارة "أوباما" عن نهج إدارة بوش ال يعني تغير ثوابت
السياسة الخارجية لدى أية إدارة ،سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين ،والتي بقيت هي ذاتها وأهمها
تحقيق الهيمنة العاملية ،لكن االختالف هو يكمن في طرق استعمال وسائل السياسة الخارجية ،فمنهم من
يرى بأن األداة العسكرية هي األنجع ،ومنهم من يرى بأن األداة السياسية والدبلوماسية هي األفضل،
بمعنى دوام ثوابت السياسة الخارجية والتغير يكمن فقط في طرق استعمال الوسائل.
عموما يمكن تصنيف مستويات التغيير في السياسة الخارجية األمريكية في عهد أوباما إلى ثالثة
مستويات هي(:)17
-التغيير الظاهري:
ويتعلق بالقضايا التي يختلف فيها مع إدارة بوش كالقضية العراقية التي لم يخرج فيها في الواقع
العملي عن سياسة اإلدارة السابقة له ،إذ أن عملية االنسحاب من العراق جاءت وفق االتفاقية
2018 17 719
2016 2003
األمريكية-العراقية التي عقدت في عهد الرئيس السابق بوش االبن نهاية عام 2008وأصبحت سارية
املفعول مع بداية ،2009وال يختلف األمر كثيرا فيما يخص القضية األفغانية ،وفيما يتعلق بالقضية
الفلسطينية فاألمر ال يخرج عن اإلطار املتعارف عليه للرؤساء األمريكان الذي يميل دائما للكفة
اإلسرائيلية.
-التغيير االستراتيجي:
ويتعلق بقضايا العالقات اإلستراتيجية مع القوى الكبرى ،كروسيا والصين ،وامللف اإليراني ،حيث
فتح الرئيس أوباما الباب باتجاه عملية التعاون والحوار مع هؤالء األطراف.
-التغيير اإلعالمي:
ويتعلق باستغالل خصائص وامتيازات شخصية الرئيس باراك أوباما لتحسين صورة الواليات
املتحدة في الخارج.
-التغيير في مستوى الوسائل املعتمدة:
وهي أهم نقطة بالنسبة لنقاط االختالف بين اإلدارتين ،ويتعلق األمر أساسا بطرق استخدام القوة،
فبالنسبة إلدارة بوش قد دلت حرب أفغانستان ومن ثم حرب العراق 2003م ،على التوجه العسكري
لإلدارة األمريكية في ظل إدارة الرئيس بوش ،إال أن هذا الغزو أثبت حدود القوة العسكرية األمريكية
حسب رأي العديد من الباحثين ،الذين رأوا فيه بداية انحطاط القوة األمريكية التي وصلت إلى قمة
تفوقها ،هذا ما مهد لعودة الحديث عن تأثير القوة الناعمة السترجاع مكانتها التي تضررت بفعل الحرب
غير الشرعية على العراق( ،)18أما نهج أوباما إزاء القوة العسكرية في العام الرئاس ي األول له فقد اتسم
بالتأني والبراغماتية ،حيث سعى إلى إعادة األداة العسكرية إلى مكانها املناسب إلى جانب األدوات السياسية
والدبلوماسية واالقتصادية األخرى ،حتى تكون إحدى األدوات املساهمة وليس األداة الرئيسية في تحقيق
أمنها ومصالحها ،بعكس اإلدارة السابقة التي أكدت على أولوية القوة العسكرية في إيجاد عالم آمن ،وأن
القوة ينبغي استخدامها على نحو استباقي وليس كأداة أخيرة ،وكانت خطوة أوباما األولى في هذا الجانب
قراره بسحب القوات من العراق( ،)19حيث تبنى باراك أوباما مفهوما جديدا تمثل في "القوة الذكية " "
" Smart Powerلتتناسب مع األوضاع الجديدة ،التي هي القدرة على الجمع بين القوة الصلبة والقوة
الناعمة" ،هذا املفهوم الذي تمخض عن نظرية جوزيف س .نايوريتشارد ارميتاج ،حول دمج القوة
الصلبة والناعمة التي يرعى "مركز الدراسات اإلستراتيجية والدولية"( )CSISفي واشنطن تطويرها وترويجها.
وفي هذا الصدد يقول الرئيس أوباما" نحن ال يجب علينا اللجوء إلى قوتنا العسكرية فحسب ،بل أيضا
الدبلوماسية والسياسة لتلبية التهديدات"( ،)20ومنه فالوسائل التدخلية العسكرية تميزت باستخدامه
اإلدارات األمريكية التي يسيطر عليها الجمهوريون سواء كان ذلك عن طريق شن الحروب أو عن طريق
تعزيز ونشر القواعد العسكرية واألساطيل البحرية( ،)21فالحرب كأداة سياسية أساسية في السياسة
الخارجية األمريكية تعكس الثقافة العسكرية األمريكية التي تسيطر على توجهاتها.
املبحث الثالث
السياسة الخارجية األمريكية اتجاه العراق
يعتبر املوقع االستراتيجي للعراق من أهم األسباب التي جعلت الواليات املتحدة تهتم بهذه الدولة،
فالعراق تحتل املرتبة الثانية من حيث األهمية اإلستراتيجية بعد مصر ،وذلك باعتباره نقطة التقاء
استراتيجية بين مناطق الخليج وشمال غرب آسيا وآسيا الوسطى والشرق األوسط ،وهذا ما يجعل من
الوجود العسكري األمريكي في املنطقة ذا أهمية استراتيجية كبرى خاصة في قربه من دول الجوار الجغرافي
كسوريا وإيران ،وبذلك سيشكل هذا الوجود ضغطا مباشرا على تلك الدولتين املعارضتين لسياستها في
املنطقة ،كما أن الوجود العسكري األمريكي في العراق يعتبر الركيزة األساسية في اإلستراتيجية األمريكية
إلعادة ترتيب األوضاع في املنطقة املمتدة عبر الشرق األوسط وجنوب غرب آسيا والبحر األبيض املتوسط
وصوال إلى املحيط الهندي ،وهذا ألن العراق بمثابة موطئ قدم في قلب تلك املنطقة ،وفي نفس الوقت فإن
الواليات املتحدة بوجودها العسكري في العراق يتيح لها تقليص وجودها في باقي مناطق الخليج كالسعودية
والبحرين وعمان ،والسبب في ذلك أنها ترى في العراق نقطة االنطالق نحو بناء نظام أمني جديد في منطقة
الشرق األوسط ،وحقيقة قد اتضحت أبعاد هذه اإلستراتيجية في العشرين من أبريل سنة ،2003بعد تأكيد
الواليات املتحدة على إقامة أربعة قواعد عسكرية كبرى في العراق( ،)22وهذا ما سيتم توضيحه من خالل
التطرق ملختلف السياسات التي تم اتباعها من قبل إداراتي الرئيس بوش إلى غاية إدارة الرئيس أوباما في
العراق ،منذ االحتالل وحتى االنسحاب.
املطلب األول :الحرب األمريكية على العراق في ظل إدارة بوش االبن 2003
سعت إدارة بوش االبن منذ البداية من أجل توجيه ضربة عسكرية للعراق بكل السبل ،وقد
اعتمدت إدارة بوش االبن على سياسات اإلدارات السابقة لخوض هذه الحرب معتمدا في ذلك على
مختلف القوانين واإلجراءات التي تم اتباعها من طرف الرئيس بوش األب ،والرئيس بيل كلينتون ،والتي
مهدت الطريق إلدارته من أجل إكمال ما تم تعليقه من قبل ،وبالتالي ففي هذا املطلب سيتم التطرق
ملختلف خلفيات الحرب األمريكية على العراق منذ بداية فرض العقوبات االقتصادية وحتى الغزو.
أوال -خلفيات الحرب األمريكية على العراق -من سياسة فرض العقوبات إلى إستراتيجية
الضربات الوقائية:-
بعد االجتياح العراقي لدولة الكويت عام 1991بال سند قانوني ،قرر مجلس األمن الدولي حينها
إخراج القوات العراقية من األراض ي الكويتية باستخدام القوة العسكرية بموجب قرار مجلس األمن الدولي
687عام 1991وبإلزام العراق بتقديم كشف دقيق وواف عن جميع البرامج الرامية إلى تطوير أسلحة
الدمار الشامل ،إضافة إلى تشكيل لجان حددتها األمم املتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتتولى
البحث عن أسلحة الدمار الشامل وتفتيش املنشآت العراقية ذات الصلة ،وأمام هذه اإلجراءات قام
النظام العراقي بمجموعة من املمارسات التي منحت الواليات املتحدة األمريكية ذرائع ومقدمات لشن
الحرب ،ومن أهم هذه املمارسات ما يلي(:)23
-لقد تباين موقف النظام العراقي من لجان التفتيش الدولية بين التعاون والتردد بالتعاون
وعرقلة عملها إلى أن انتهى األمر بطرد لجان التفتيش الدولية من األراض ي العراقية عام 1998
وبذلك اتهمت الواليات املتحدة األمريكية العراق بانتهاكه للقرارات الدولية بطرده للمفتشين
الدوليين.
-التهديد املستمر الذي كان يمثله النظام العراقي بحق دول الجوار والسيما الكويت ،بل تحركت
القوات العراقية في أواخر التسعينات من القرن املاض ي صوب الحدود الكويتية.
-االستعراض املستمر للنظام العراقي بقدرته على مواجهة الواليات املتحدة األمريكية والحد من
أطماعها في املنطقة.
-التهديد املستمر الذي كان يمثله النظام العراقي إلسرائيل من خالل التصريح املستمر بقدرته على
النيل من إسرائيل وإصابتها بالعمق والسيما أن النظام العراقي قد سبق وأن أطلق صواريخه باتجاه
إسرائيل في أثناء حرب الخليج عام .1991
-لقد مارس النظام العراقي سياسة داخلية أدت إلى عزل واضطهاد وحرمان وتهجير الشعب العراقي
األمر الذي عدته الواليات املتحدة األمريكية وحلفاؤها انتهاكا خطيرا لحقوق اإلنسان يستلزم
التدخل لوقفه.
لقد سمحت هذه املمارسات التي قام بها العراق بعد حرب تحرير الكويت في عام 1991للواليات
املتحدة في البدء بتهيئة العراق لالحتالل واإلطاحة بصدام حسين ،وبذلك بدأت الواليات املتحدة بإصدار
قرارات عديدة من مجلس األمن وكلها كانت تضعف العراق ،بداية بالحصار االقتصادي الذي يمنع
التجارة بنفط العراق وبأمواله وعدم تمكينه من تحديث تسليح جيشه وقواته الجوية والبحرية ،ومنه
تمكنت الواليات املتحدة األمريكية من إضعاف العراق وتجويعه وإخافته بشكل كبير وكراهية شعبه
لصدام حسين ،وهكذا تمكنت الواليات املتحدة األمريكية من احتالل العراق بفترة قصيرة جدا(.)24
-1مبررات الحرب األمريكية على العراق:
يمكن تلخيص أهم املبررات التي ساقتها إدارة بوش االبن في حربها املعلنة على العراق فيما يلي(:)25
-االدعاء بامتالك العراق ألسلحة دمار شامل وسعيه لتطوير أسلحة بيولوجية وبناء برنامج ملثل
هذه الحرب
-اتهام العراق برعاية اإلرهاب وبأنه يخطط لتزويد املنظمات اإلرهابية وخاصة تنظيم القاعدة
بأسلحة دمار شامل
-يمكن أن تستخدم في تهديد األمن العالمي بشكل عام وأمن أمريكا بشكل خاص.
-تهديد العراق لجيرانه (الكويت ،إيران وسورية ،تركيا).
722 2018 17
2016 2003
-إسقاط صدام حسين بالقوة العسكرية من أجل منح "الحرية" للشعب العراقي وإقامة نظام
"ديمقراطي" على الطريقة الغربية يكون نموذجا يحتذى به لدى العديد من دول الشرق األوسط.
لقد أثبتت الحرب األمريكية على العراق زيف هذه االدعاءات ،فبالنسبة لالدعاء بامتالك العراق
ألسلحة الدمار الشامل ،لم تستطع أي من وحدات التفتيش الدولية أو القوات األمريكية قبل وبعد الحرب
من إثبات امتالك العراق لهذه األسلحة ،وهذا راجع ألن مصادر املعلومات التي بنت عليها الواليات املتحدة
األمريكية ادعاءاتها مضللة ومزيفة ،أما فيما يتعلق باالدعاء الثاني الذي يقول بعالقة العراق بالقاعدة
وتمويله لإلرهاب وأن هدف الحرب هو محاربة اإلرهاب ،فقد ثبت بطالنه كذلك وذلك ألن نظام صدام
حسين لم تكن له أي عالقات مع مختلف الجماعات املتطرفة ،وبالتالي فهدف الواليات املتمثل بالقضاء
على اإلرهاب لم يكن سوى ذريعة أخرى للتغطية على أهدافها غير املعلنة ،وهنا البد من اإلشارة إلى أن
هذه الحرب بدال من القضاء على اإلرهاب زادت من حدته ،وهذا ما تثبته األوضاع الراهنة خاصة بعد
ظهور تنظيم الدولة اإلسالمية في العراق والشام ،أما فيما يتعلق باالدعاء املتمثل في جعل العراق نموذجا
للديمقراطية في الشرق األوسط ،فقد ثبت زيف هذا االدعاء أيضا ذلك أن الديمقراطية بمفاهيمها
املختلفة ال تكون بالقوة وال تكون بفعل خارجي وإنما تكون نابعة من إرادة داخلية قادرة على توفير
الظروف املالئمة ملمارستها ،أما ما فعلته الواليات املتحدة بعد احتالل العراق فقد جعلته نموذجا للدولة
الطائفية التي يغلب عليها الطابع الصراعي بين مختلف طبقاتها املجتمعية ،أما عن االدعاء بتهديد العراق
للدول املجاورة وللواليات املتحدة ،فالعراق في تلك الفترة لم يعد يستطيع توجيه أي ضربة عسكرية
بسبب ضعف قوته العسكرية التي تم القضاء عليها من قبل الواليات املتحدة وحلفائها أثناء حرب الخليج
الثانية ،وبسبب الحصار االقتصادي الذي نفذ عليها ،هذا باإلضافة إلى العديد من العوامل األخرى التي
تمنع قيامه بأي عمل عدائي ،كما أن الواليات املتحدة اتهمت نظام الحكم العراقي بانتهاكه لحقوق
اإلنسان ،وأنها باعتبارها راعية لحقوق اإلنسان فإنه البد من معاقبته ،إال أن الواقع يثبت أن الواليات
املتحدة لم تحرك ساكنا النتهاكات كثيرة وقعت ،سواء أكانت في العراق وغضت عنها الطرف ألسباب تخدم
مصالحها ،أو في أي منطقة أخرى من العالم ،وهذا ما يثبت ازدواجية املعايير األمريكية التي تبحث دائما
عما يحقق املصلحة األمريكية بالدرجة األولى ،وبالتالي فهذه التبريرات ما هي إال ادعاءات كاذبة صاغتها
إدارة بوش االبن من أجل الوصول ألهدافها الحقيقية وغير معلنة.
-2الدوافع غير املعلنة للحرب األمريكية على العراق :يمكن إجمالها فيما يلي(:)26
-تأكيد الهيمنة األمريكية على السياسة الدولية ،وإظهار التفوق العسكري الساحق والقوة
الطاغية التي تتمتع بها
الواليات املتحدة على املسرح العالمي ،وتسجيل حقها في التحرك املنفرد لتوجيه ضربات ضد أية دولة أو
مجموعة من الدول ترى واشنطن -بمعاييرها الذاتية -أنها يمكن أن تهدد أمنها القومي ومصالحها.
-السيطرة على احتياطيات النفط العراقية التي تعد ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم ،مع ما
يقود إلى التحكم في نفط املنطقة العربية وتغيير موازين القوى االقتصادية فيها ،وما يؤدي إلى
فتح مجاالت الهيمنة األمريكية على أسواق البترول العاملية ،إنتاجا وتسويقا وتسعيرا وتوزيعا.
فرض التوجهات األمريكية الجديدة على دول االتحاد األوروبي ،والحصول على اعترافهم بالدور
اإلمبراطوري الجديد للواليات املتحدة.
فرض العزلة على إيران وتطويقها ،وتعريضها لضغط عنيف يؤدي إلى خلل في األوضاع الداخلية
وتشجيع قوى سياسة بديلة للحكم اإلسالمي فيها.
منح إسرائيل صكا أمريكيا بجعلها القوة اإلقليمية الكبرى في املنطقة ،والحليف االستراتيجي
الوحيد للواليات املتحدة فيها ،وتحقيق أمنها.
-فرض نظام حليف لألمريكيين في العراق ليكون مركز الثقل في املنطقة العربية ،ومثاال لنمط
العالقات بين
-الواليات املتحدة ودولها ،ونموذجا إلمكانية التغييرات املطلوبة في الدول العربية.
إعادة صياغة األوضاع في املنطقة بما يالئم املصالح األمريكية على أساس التطورات الجديدة،
وما يتناسب مع التصور األمريكي للدور اإلسرائيلي فيها.
-محاولة استثمار الحرب ضد العراق لدعم شعبية الرئيس األمريكي في االنتخابات الرئاسية
القادمة من جراء توجيه رسالة حازمة لكل من روسيا والصين بجدية الواليات املتحدة في أن
تكون القوة اإلمبراطورية الوحيدة في العالم بال منافس ،وفي تنفيذ أهدافها في املنطقة العربية
ومنطقة آسيا الوسطى حيث تكمن مصادر الطاقة الرئيسة ،وباملدى الذي يمكن أن تصل إليه
القوة األمريكية في سبيل تنفيذ هذه السياسة.
ما يمكن مالحظته حول هذا الدوافع الخفية ،هو أن الواليات املتحدة األمريكية قامت بهذه الحرب
في ظل معارضة دولية كبيرة خاصة من قبل روسيا وفرنسا وبعض الدول األوروبية األخرى والصين،
وبالرغم من عدم مشروعية هذه الحرب إال أنها قامت بها من أجل فرض هيمنتها على العالم ،وإثبات قوتها
باعتبارها القوة العظمى الوحيدة ،إال أن احتالل العراق أثبت محدودية هذه القوة التي وقعت في املستنقع
العراقي ،كما أنها عملت على حماية مناطق النفط في العراق منذ بداية حربها ،حتى أنها قامت بتأمين وزارة
النفط من النهب الذي طال مختلف الوزارات ،وهذا ما يثبت أطماعها النفطية ،أما فيما يتعلق بهدف
عزل وتطويق إيران فهذه الحرب جاءت في صالح النفوذ اإليراني الذي زاد واشتد في املنطقة بسبب
السياسات األمريكية الخاطئة ،وبالتالي فإدارة بوش االبن نجحت في تحقيق بعض أهدافها ومصالحها في
العراق وأخفقت في تحقيق األهداف األخرى ،وهو ما كلفها الكثير من الخسائر.
بناءا على هذه الدوافع واملبررات عمل الرئيس بوش االبن على الحصول على الدعم الدولي
واألمريكي من أجل الحصول على التأييد ،وقد تحقق ذلك فعال بالنسبة للدعم الداخلي ،فقد حصل
الرئيس األمريكي جورج بوش االبن بتاريخ 2002/10/16على موافقة الكونغرس األمريكي على استخدام
القوة ضد العراق ،ذلك أنه في ظل إدارته كان مجلس الشيوخ يخضع لسيطرة الجمهوريين وهو ما ساعده
على تمرير قرار إعالن الحرب على أفغانستان سنة ،2001ثم قرار الحرب على العراق( ،)27وعندما توجهت
الواليات املتحدة األمريكية إلى مجلس األمن الستصدار قرار منه يخولها استخدام الخيار العسكري ضد
العراق ،واجهت الواليات املتحدة معارضة شديدة من أكثر الدول األعضاء في املجلس من بينها فرنسا
وروسيا والصين وأملانيا .وحاولت الواليات املتحدة تخطي هذه املعارضة بإجبارها على تنفيذ قرارات
املجلس أو على األقل الحصول من املجلس على شهادة تثبت فشل العراق بانتهاز الفرصة املخولة له
بموجب قرار مجلس األمن رقم 1441والتي يمكن أن تضفي بعض املشروعية السياسية واألخالقية للعمل
املسلح األمريكي املزمع القيام به ،غير أن كل تلك املحاوالت باءت بالفشل ،وعلى الرغم من عدم وجود أي
سند قانوني لدى الواليات املتحدة ،فإن ذلك لم يمنعها من استخدام القوة ضد العراق حيث قامت
الواليات املتحدة بتاريخ 2003/3/19وبمشاركة كل من اململكة املتحدة واستراليا وبولندة بغزو العراق،
وقد تمكنت قوات الواليات املتحدة بعد عشرين يوما من القتال من دخول بغداد وإعالنها االنتصار في
الحرب .وبذلك سقط العراق تحت االحتالل األمريكي ،منذ ذلك الوقت وحتى تعهد الواليات املتحدة
بالخروج من العراق بحلول عام 2011بموجب االتفاقية األمنية بين حكومة العراق التي تشكلت في ظل
هذا االحتالل وحكومة الواليات املتحدة(.)28
لقد انتهت الحرب على العراق في وقت قصير جدا وعلى نحو مفاجئ وغريب بحيث يبدو أن انهيار
النظام العراقي على هذا النحو يعكس بدقة وضع النظام الهش ،وتتمثل أبرز األسباب الكامنة وراء انهيار
العراق بهذه السرعة أمام قوات التحالف ،هو افتقار النظام العراقي للدعم الشعبي ،فضال عن افتقار
النظام العراقي للدعم الدولي-فور بدء الحرب تغير املوقف الفرنس ي أما روسيا فقد تجنبت الدخول في
مواجهة مباشرة مع الواليات املتحدة واكتفوا باالستنكار -وكذا الدعم العربي ،زيادة على تغلغل الواليات
املتحدة األمريكية إلى داخل العمق العراقي قبل الحرب من خالل العمالء ،ومن خالل عقد اتفاقات مع
قيادات عسكرية عراقية بعدم القتال ومغادرة أرض املعركة ،كل هذه العوامل ساهمت في انهيار النظام
العراقي بسرعة مذهلة(.)29
ثانيا -سياسة بوش االبن في العراق بعد االحتالل:
حاولت الواليات املتحدة أن تخفف من وقع االحتالل ،فقامت بتشكيل مجلس الحكم االنتقالي،
لكن الصيغة التي شكل بها هذا املجلس ،والصالحيات التي منحت له أكدت على أن املجلس أيضا كان
خطوة في االتجاه الخطأ ،وذلك لألسباب التالية(:)30
تم إهمال العديد من األحزاب والفصائل الوطنية واملعارضة لالحتالل من التمثيل؛ ولذلك
لقي معارضة شديدة من هذه التنظيمات.
أعطيت للمجلس صالحيات محدودة ال تشمل املسائل األمنية ونحوها من املسائل املهمة،
والتي تشكل جوهر مفهوم سيادة الدولة ،التي ظلت في قبضة االحتالل.
تم تشكيل املجلس وفقا لتركيبة تكرس الطائفية والعرقية ،حيث جاء تشكيله على أساس
طائفي بين السنة والشيعة ،وعلى أساس عرقي في تمثيل األكراد والتركمان والعرب
أ -تداعيات الحرب األمريكية على العراق:
يمكن إجمال أهم تداعيات هذه الحرب على العراق فيما يلي:
هدم الدولة العراقية بمختلف مؤسساتها ما أدى إلى شيوع حالة من االنفالت األمني تزايدت
حدتها مع تصاعد وتيرة أعمال املقاومة ،وهو ما ساعد فيما بعد على ظهور املنظمات اإلرهابية.
أتاح انهيار نظام صدام حسين الفرصة إلعادة "بعث" املجتمع العراقي من جديد ،وهو ما أتاح
الفرصة أمام التيارات السياسية واالجتماعية املختلفة للتعبير عن نفسها ،وألن الشيعة يمثلون
حوالي %60من إجمالي سكان العراق ،فقد كان من الطبيعي أن يكونوا هم األكثر ظهورا على
الساحة السياسية في هذه املرحلة املهمة في التطور السياس ي العراقي ،خاصة وأن اإلدارة األمريكية
أتاحت لهم الفرصة للسيطرة على السلطة ،وهو ما جاء في صالح النفوذ اإليراني الذي يسعى لجعل
منطقة الشرق األوسط منطقة شيعية تحقق مصالحه.
صعوبة التعامل مع التركيبة املجتمعية الشعب العراقي التي تتميز بكثرة األعراق والطوائف،
والتي عملت اإلدارة األمريكية ومختلف القوى الخارجية خاصة إسرائيل على استغاللها لجعل
العراق دولة طائفية تغرق في الحروب األهلية بين مختلف الطوائف(.)31
فتحت الحرب املجال لتدخل مختلف الدول املجاورة في الشؤون العراقية ،خاصة إيران
وإسرائيل التين كانتا تنتظران الفرصة من أجل بسط نفوذهما في املنطقة ،فإيران سمح لها
التدهور األمني وصعود الشيعة في التدخل في الشؤون الداخلية العراقية ،ونفس الش يء بالنسبة
إلسرائيل التي كان لها دور كبير منذ البداية في هذه الحرب ،قامت بعد الحرب باالستثمار في
الثروات العراقية ،وكانت الحرب كذلك فرصة لهجرة اإلسرائيليين للعراق ،خاصة في ظل
االنفالت األمني والخراب الذي لحق مختلف املؤسسات والذي أتاح لليهود فرصة الدخول للعراق
بهويات مزيفة.
قضت الحرب على مختلف معالم الدولة والحضارة العراقية ،فبعد أن كانت العراق قوة
إقليمية واعدة ،أصبحت أضعف دول املنطقة ،كما أن هذه الحرب قضت على الحضارة
العراقية التي تزخر بالثروات التراثية التي ترجع إلى العصور القديمة ،فالعراق اليوم عادت
ملرحلة ما قبل الدولة ،دولة يغيب فيها كل معالم األمن واالستقرار.
واملنظمات اإلرهابية التي مهدت ،لظهور الدولة اإلسالمية ،هذه األخيرة التي ظهرت بتشجيع من أمريكا،
لخدمة مصالحها ضد املقاومة الشيعية ،وإشعال الحرب األهلية في العراق( .)36حيث وفرت سياسات
التهميش الطائفي التي مارستها أمريكا في العراق ضد السنة بعد االحتالل 2003املناخ املناسب لوالدة
تنظيم الدولة اإلسالمية في العراق على نحو أكثر تطرفا( ،)37وبالتالي فإدارة بوش بعد غزوها العراق لم
تعتمد على أي سياسات جادة تهدف لبناء الدولة العراقية بل على العكس قامت بهدمها والسكوت عن
نشاط مختلف الحركات املتطرفة التي انضمت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة لتصبح بعد ذلك تنظيم
الدولة اإلسالمية ،هذا ما فتح املجال لبقاء التواجد األمريكي في املنطقة حتى بعد االنسحاب العسكري
الذي انتهجه الرئيس أوباما.
لقد عملت هذه العوامل على تشويه السياسة الخارجية األمريكية في العالم بصفة عامة ،وفي هذه
املنطقة بصفة خاصة ،كما حملت الواليات املتحدة في ظل إدارة بوش الكثير من الخسائر البشرية
واملالية ،وذلك جراء املقاومة الشعبية التي خاضها الشعب العراقي ضد قواتها ،هذا باإلضافة إلى النفقات
املالية الضخمة التي تم تخصيصها لهذه الحرب هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فقد أدت هذه الحرب
بإدارة بوش إلى فقدان التأييد الشعبي لها ،كل هذه التداعيات سرعت في مطالبة مختلف الفواعل
العراقية واألمريكية وحتى العاملية باالنسحاب من العراق ،هذه الخطوة التي تم اتخاذها في عهد الرئيس
بوش وتنفيذها كان في ظل إدارة أوباما ،هذا األخير الذي استغل هذه الخطوة لصالحه ،وهذا ما سيتم
توضيحه في املحور الثاني من هذه الورقة البحثية.
املطلب الثاني :السياسة الخارجية األمريكية اتجاه العراق في ظل إدارة أوباما
"االنسحاب من العراق"
بالرغم من أن عهدة أوباما بدأت باالنفتاح على الحوار والتفاوض والدبلوماسية وسياسة القوة
الناعمة كما سبق الذكر ،إال أنه لم يسقط احتماالت الحرب من قاموسه ،فالقوة العسكرية كانت
وستظل من أهم أدوات السياسة الخارجية األمريكية ،فقد عملت هذه اإلدارة على إعادة صياغة عالقتها
مع العالم بصفة عامة ،والعالم اإلسالمي بصفة خاصة ،ذلك بسبب ما عرفته السياسة الخارجية
األمريكية من نفور وعداء خارجي لتوجهاتها العدائية في ظل إدارة بوش االبن التي استهدفت دول العالم
اإلسالمي ،بداية بحربها على أفغانستان ثم إعالن الحرب على العراق ،هذه األخيرة التي أدخلت الواليات
املتحدة في دوامة من العداء الالمتناهي لدى مختلف شعوب العالم اإلسالمي.
إن األولوية التي كانت تواجه أوباما عند توليه منصب الرئاسة تتمثل في األزمة املالية واالقتصادية
التي كانت تعاني منها الواليات املتحدة األمريكية ،لذلك عمل على التخفيف من حدة هذه األزمة وذلك
بإنهاء مختلف االلتزامات الخارجية التي تستهلك املوارد األمريكية ،والتركيز على بناء القدرات الداخلية،
فكانت بذلك العراق من أهم أولويات هذه اإلدارة ،انطالقا من اعتبار أن الحرب األمريكية على العراق هي
خطأ استراتجي فادح فقد شنت ضد دولة لم تمثل أي تهديد للواليات املتحدة ،كما أنها بددت مواردها
االقتصادية ،وعملت على تشويه صورة ومصداقية السياسة الخارجية األمريكية في مختلف أنحاء العالم.
728 2018 17
2016 2003
لقد صوت أوباما منذ البداية ضد الحرب العراقية في الوقت الذي كانت تتمتع فيه ببعض
الشعبية ،وهو ما كان بمثابة نقطة قوة في صالحه بسبب تزايد املعارضة لهذه الحرب التي طالت وكثرت
تكاليفها البشرية واملالية ،نفس الش يء بالنسبة للحرب في أفغانستان ،التي أعلن أوباما رغبته في سحب
القوات األمريكية منها ،وهو ما أعطاه تفويضا أمريكيا شعبيا ،وألن أوباما يتحسب دوما للرأي العام ،وألن
غالبية األمريكيين صارت تؤيد إنهاء الحربين ،فقد اعتمد على استراتيجية تقض ي بإنهائهما ،وعدم التورط
في أي حروب جديدة ما لم تقتض الضرورة القصوى ذلك .وبذلك حازت رؤية أوباما للسياسة الخارجية
الشرق أوسطية ،وللسياسة في العراق خاصة على تأييد( ،)38وهذا ما جعل أوباما يتفوق على كل من
هيالري كلينتون وجون ماكين ذوي الخبرة الواسعة سياسيا ،وذلك بسبب مواقفه تجاه حروب اإلدارة
السابقة خاصة حرب العراق ،حيث أن هيالري وجون ماكين كليهما وافقا جورج بوش على حربه على
العراق بينما عارضها أوباما منذ البداية ،وهو ما جعله يكسب االنتخابات ،وفعال أنجز أوباما ذلك وأنهى
حرب العراق التي دامت سبع سنوات( ،)39ففي بداية تولي أوباما لإلدارة األمريكية قال صراحة إنه يرغب في
توفير تكاليف حرب العراق التي بلغت عشرة مليارات دوالرات شهريا وإنفاق هذا املبلغ لتطوير برامج البناء
االقتصادي واالجتماعي في الواليات املتحدة ،وهذا ما أكسبه تأييدا كبيرا على املستوى املحلي والدولي.
أوال -خلفيات انسحاب القوات األمريكية من العراق:
يرجع قرار انسحاب القوات العسكرية األمريكية من العراق إلى االتفاقية األمنية التي تم توقيعها من
قبل الحكومة العراقية املؤقتة وإدارة الرئيس بوش االبن في نهاية سنة ،2008لتدخل هذه االتفاقية حيز
التنفيذ في سنة ،2009ليبدأ انسحاب القوات األمريكية من مختلف املدن ،وصوال إلى االنسحاب النهائي
املحدد في نهاية عام ،2011وهو ما حدث بالفعل في نهاية هذا العام ،حيث قامت إدارة أوباما بسحب
القوات العسكرية في املوعد املحدد.
إن تعهد الرئيس أوباما بسحب القوات األمريكية من العراق ،وذلك في إطار سعيه للحد من اإلنفاق
األمريكي في العراق ،من الطبيعي أن يلقى تأييدا شعبيا كبيرا في الواليات املتحدة ،وذلك بسبب معاناة
األمريكيين الكبيرة من هذه الحرب( ،)40فمبدأ أوباما في السياسة الخارجية يقض ي بسحب الجيوش
األمريكية على األقل من الشرق األوسط وأوروبا ،والتفرغ لشؤون البالد الداخلية ،في وسط إلحاح شعبي
أمريكي عام يطالب بإنهاء الدور العسكري الذي تضخم جدا في العقد األخير ،حيث كانت هناك مطالبة
دائمة بسحب القوات األمريكية من العراق ،والعودة إلى العزلة التي تفرضها على نفسها الواليات املتحدة
بين الحقبة واألخرى من تاريخها ،وقد جاءت أولى بوادر تخفيض ميزانية الدفاع وتخفيض التواجد
العسكري األمريكي في الشرق األوسط مع نهاية حرب العراق ،فبعد عقد من الحرب في أفغانستان
والعراق ،تجد الواليات املتحدة نفسها أمام منعطف إستراتيجي ال يختلف عن نهاية الحرب الباردة(.)41
يعتبر االنسحاب من العراق من القضايا التي ركزت إدارة أوباما عليها في حملتها االنتخابية ،وهو ما
كان بمثابة نقطة إيجابية في صالحه ،وهو ما عمل على تحقيقه بعد توليه الرئاسة ،ولكن ما يجب اإلشارة
إليه هنا هو أنه على الرغم من أن هذا االنسحاب الذي تم التوقيع عليه في ظل إدارة بوش االبن بسبب
2018 17 729
2016 2003
الضغوط املختلفة من قبل الديمقراطيين كان من املتوقع أن يتم تمديد االتفاقية األمنية من أجل بقاء
القوات األمريكية أكبر فترة في العراق ،إال أن تطورات الوضع وتأزمه في العراق جعلت الرئيس أوباما
يحافظ على تعهده باالنسحاب في الفترة املحددة ،بعد تيقنه من عدم جدوى التواجد األمريكي في العراق،
وهذا ما توضحه أسباب وأهداف هذا االنسحاب.
ثانيا -أهداف االنسحاب األمريكي من العراق وأسبابه:
يمكن حصر أهم األهداف واألسباب التي دفعت الواليات املتحدة لالنسحاب من العراق فيما يلي:
-تراجع التأ ييد الشعب األمريكي للحرب على العراق ،والدعوة املستمرة النسحاب القوات
العسكرية وإنهاء الحرب
-العراقية ،خاصة بعد تضاعف الخسائر في صفوف القوات األمريكية وبعد نشر اإلعالم لصور
االنتهاكات التي تمارسها الواليات املتحدة في العراق.
جاء قرار االنسحاب نتيجة تعاظم الخسائر األمريكية في العراق سواء كانت املالية أو البشرية،
وهذا ما أثر بالسلب على االقتصاد األمريكي الذي كان يعاني من أزمة اقتصادية في نهاية سنة
.2007
-تحسين صورة السياسة األمريكية في منطقة الشرق األوسط ،وتلميع صورتها أمام الرأي
العام العالمي ،خاصة في ظل تصاعد االحتجاجات والضغوط العاملية وبخاصة الرأي العام
األمريكي لوقف الحرب العراقية.
-اشتداد املواجهة من قبل املقاومة العراقية التي كلفت الواليات املتحدة خسائر كبيرة ،وعدم
تقبل الشعب العراقي لهذا املحتل الذي صور للعالم أن الشعب العراقي استقبله بحماس على
أساس أنه محرر له.
-انسحاب أغلب حلفاء الواليات املتحدة من العراق مما جعلها تتحمل كل أعباء الحرب
بمفردها.
-الحرب األمريكية على العراق جلبت الكثير من العداء العربي واإلسالمي للسياسة األمريكية
ألنها شنت باسم القضاء على اإلسالم ونشر القيم الغربية ،وهو ما جعل من خيار االنسحاب
أفضل وسيلة لتصحيح أخطاءها في املنطقة.
-لقد هدفت اإلدارة األمريكية من وراء خطوة االنسحاب لحفظ ما تبقى للواليات املتحدة من
مصالح في املنطقة خاصة وأن هذه الحرب كانت في صالح النفوذ اإليراني ،الذي تزايد بشكل
مذهل ،بالتالي انسحبت الواليات املتحدة من العراق وهي تعلم بأنها ستعود للمنطقة ،ولكن هذه
املرة بصفة شرعية.
العسكرية ،). ..وهذا ال ينفي عدم اعتمادها على القوة العسكرية بشكل كبير ،هذه الوسيلة التي تبقى ذات
توظيف كبير من قبل السياسة الخارجية األمريكية على اختالف إداراتها ،هذا ما ينفي كل التوقعات التي
بنيت على توجهات إدارة الرئيس بارك أوباما بأنها ستكون أكثر سلمية من سابقتها وأنها ستحدث قطيعة
معها إال أن هذا لن يتحقق أبدا في تاريخ السياسة األمريكية ،فكل اإلدارات األمريكية سواء كانت
ديمقراطية أو جمهورية تسير على خطى واحدة ثابتة األهداف والتوجهات تهدف دائما لخدمة املصالح
األمريكية إال أن االختالف يكمن في طرق استخدم وسائل السياسة الخارجية ،فإدارة أوباما عملت على
تحسين صورة السياسة الخارجية األمريكية ،التي فقدت شعبيتها بسبب توجهات سياسة بوش االبن
العدائية والتي خاضت حربين مدمرتين-أفغانستان والعراق -دلتا على توجهات هذه اإلدارة التدخلية،
ُ
لذلك جاءت سياسة أوباما للتقليل من استخدام القوة العسكرية لصالح ما أطلق عليه القوة الذكية وهو
ما يظهر بالفعل بالنسبة لقضية االنسحاب األمريكي من العراق ،هذه األخيرة التي أظهرت مختلف
التباينات في توجهات السياسة الخارجية بين إدارتي بوش االبن وبارك أوباما ،حيث أن بوش اعتمد على
القوة العسكرية في سياسته تجاه العراق ،وذلك من خالل احتالله سنة ،2003في حين أن الرئيس أوباما
اعتمد على ما يسمى بالقوة الذكية التي تجمع ما بين القوة الناعمة والقوة الصلبة في سياسته تجاه
العراق ،حيث عمل على سحب القوات األمريكية من العراق ،واالعتماد على دبلوماسية الحوار وغيرها من
وسائل القوة الناعمة لتحقيق مصالحها هذا من جهة ،ومن جهة أخرى اعتماد القوة الصلبة ولكن
بطريقة شرعية وبطلب من العراق وهو ما حدث بالفعل إثر تشكيل التحالف الدولي بقيادة الواليات
املتحدة للتصدي لتنظيم الدولة اإلسالمية ،إال أن ما يمكن مالحظته على سياسة اإلدارتين في العراق هو
أن كليهما عمال على إدخال العراق في دوامة الصراع والفوض ى وعدم االستقرار األمني ،فإدارة بوش هدمت
الدولة العراقية عبر تدمير مختلف مؤسساتها وزرعت بذور الفتنة والطائفية مما أوجد وضعا أمنيا
مضطربا ساهم في ظهور مختلف املنظمات اإلرهابية ،أما إدارة أوباما فقد انسحبت من العراق في الوقت
الذي يتوجب عليها البقاء والعمل على تصحيح ما خربته اإلدارة السابقة ،وخاصة ما تعلق ببناء مؤسسات
أمنية قادرة على تحقيق األمن واالستقرار.
الهوامش:
) (1ويد جنسن ،تفسير السياسة الخارجية ،ترجمة :محمد بن أحمد مفتي ،محمد السيد سليم ،د.ط (الرياض :عمادة شؤون املكتبات -جامعة
امللك سعود ،)1989 ،ص .96
) (2ارتن غريفيش ،تيري أوكاالهان ،قاموس املفاهيم األساسية في العالقات الدولية ،ترجمة :مركز الخليج لألبحاث( ،دبي :مركز الخليج
لألبحاث ،)2008 ،ص .91
)(3
Cenap Cakmak, American foreign policy and september11,p 2. Available at: www.sam.gov.tr/wp-
content/.../Cenap-Cakmak.pdf
( )4زهير بوعمامة"،سياسة إدارة الرئيس بيل كلينتون في إعادة بناء نظام اآلمن في أوروبا ما بعد الحرب الباردة"( ،رسالة مقدمة لنيل شهادة
الدكتوراه في العلوم السياسية ،فرع العالقات الدولية ،جامعة الجزائر ،)2008-2007 ،ص ص .50-45
( )5ميشال جوبير ،األمريكيون ،ترجمة :وجيه البعيني ،الطبعة األولى (بيروت :منشورات عويدات ،)1989 ،ص .43
( )6ويليام بلوم" ،التاريخ الطويل للتدخالت األمريكية العسكرية في العالم وفي مواجهة العالم واألمم املتحدة" ،ترجمة :مازن املغربي ،ترجمات
إستراتيجية ،العدد ،35جوان( ،)2007ص .8-3
املحافظين الجدد هم ذلك التيار املكون من األحرار السابقين واالشتراكيين وأتباع تروتسكي وأتباع ثورة ماكجوفرن ،لم يكن أحدا منهم
تقريبا من عالم التجارة أو من العسكريين ،وبالرغم من قلة عددهم إال أنهم يمارسون سلطة غير متناسبة مع عددهم من خالل تحكمهم في
املؤسسات واملجالت املحافظة ومن خالل األعمدة الحفية وصالتهم برجال السلطة ،تعود جذور هذا التيار إلى الفترات املبكرة من الحرب
ّ
الباردة مع تصاعد املد املعادي للشيوعية ،ليبدأ هذا التيار في تأكيد نفسه في بداية السبعينيات ويلتقي حول معارضة التوجه الذي بدأ
يتطور في السياسة الخارجية األمريكية الذي تبنته إدارة ريتشارد نيكسون وهنري كيسنج إلعادة ترتيب العالقات مع اإلتحاد السوفياتي ،لكن
بدأ ظهور هذا التيار بشكل رسمي بعد نهاية الحرب الباردة حيث بدأ هؤالء املحافظون يدعون إلى حرب صليبية جديدة ،وبعد 11سبتمبر
كانت فرصتهم لتوجيه غضب أمريكا نحو حرب شاملة ضد اإلرهاب وخاصة العالم اإلسالمي ملزيد من التفصيل أنظر صالح زهر الدين،
املحافظون الجدد في الواليات املتحدة ،الطبعة األولى( املركز الثقافي اللبناني :بيروت ،)2004 ،ص ص .119-99
( )7فنسان الغريب ،مأزق اإلمبراطورية األمريكية ،الطبعة األولى (بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،)2008 ،ص .186
( )8اسكندر وولف ،تدخالت الواليات املتحدة األمريكية في الخارج :ظهور مذهب باول ،مجلة القوة الجوية والقدرة الفضائية ،املجلد السابع،
العدد الثاني ،ص .47
) (9إدريس لكريني ،إدريس لكريني ،التداعيات الدولية الكبرى ألحداث 11شتنبر (من غزو أفغاستان إلى احتالل العراق)،الطبعة األولى(مراكش:
املطبعة والوراقة الوطنية ،)2005 ،ص .16
( )10نور الدين حشود" ،اإلستراتيجية األمنية األمريكية بعد الحرب الباردة :من التفرد إلى الهيمنة ،"2012-1990دفاتر السياسة والقانون،
العدد ( ،9جوان) ،2013ص .390
( )11إبراهيم نوار ،العراق من االستبداد إلى الديمقراطية ،الطبعة األولى (القاهرة :مركز املحروسة للنشر والخدمات الصحفية واملعلومات،
،)2010ص .187
( )12مروان بشارة" ،أهداف الواليات املتحدة وإستراتيجياتها في العالم العربي" ،سياسات عربية ،العدد( ،1مارس) .2013
) (13حسن أوريد" ،مالمح السياسة الخارجية في ظل والية أوباما الثانية"،أفاق املستقبل ،العدد ( ،17مارس) ،2013ص .20
( )14عبير بسيوني عرفة ،السياسة الخارجية األمريكية :في القرن الحادي والعشرين ،ط( 1.القاهرة :دار النهضة العربية ،)2011 ،ص .66
) (15نور الدين حشود ،املرجع السابق ،ص .394
( )16حميد شهاب أحمد ،املرجع السابق ،ص ص .7-5
( )17محمد العربي"،الجدل حول مستقبل القوة األمريكية" ،أوراق سلسلة تصدر عن وحدة الدراسات املستقبلية بمكتبة اإلسكندرية( ،مصر:
وحدة الدراسات املستقبلية بمكتبة اإلسكندرية،)2012 ،ص .29
( )18مايكل كودنر" ،دور القوة العسكرية في السياسة الخارجية األمريكية" ،أفاق املستقبل ،العدد ( ،04مارس) ،2010ص ص .53 52
)(19
Alexandra De Hoop Scheffer, La politique etrangere de l’administration obama: la quete d’un nouvel equilibre
entre realisme et internationalisme, Annuaire français de relations Internationales, Volume X, )France: Centre
thucydide-Analyse et recherche en relations internationales , 2009(,pp 10 11.
نظرية القوة الذكية لعالم السياسة جوزيف س .ناي ،الذي خرج بها خالل مناظرته الشهيرة ضد املؤرخ بول كيندي ،صاحب نظرية"
انحطاط األمم " ،ثم واصل تنقيحها بعد انتخاب جورج بوش للرئاسة عام ،2000وهي واحدة من نظريات القوة التي تدور حول كيفية
الجمع بين أساليب القوة الصلبة وأساليب القوة الناعمة في إستراتيجية واحدة أطلق عليها ناي اسم " اإلستراتيجية الرابحة" ملزيد من
التفصيل انظر مايكل كودنر ،مراجع سابق ،ص .51
( )20عبير بسيوني عرفة ،املرجع السابق ،ص .33
( )21عز الدين محمد أحمد" ،أبعاد السياسة الخارجية األمريكية تجاه منطقة الخليج العربي" ،مجلة الساتل ،د.ع ،د.س.ن ،ص .135
( )22جواد كاظم جواد سميسم ،الصدمة والرعب :دراسة تحليلية للحرب على العراق ،الطبعة األولى(بيروت :منشورات زين الحقوقية،
،)2011ص .16
( )23جمال جالل عبد هللا ،العراق بين التحرير والتدمير :احتالل العراق بدون موافقة مجلس األمن ،الطبعة األولى(لندن :دار الحكمة للنشر
والتوزيع ،)2011 ،ص.80
) (24محمد أحمد" ،الغزو األمريكي-البريطاني للعراق عام 2003م بحث في األسباب والنتائج" ،مجلة جامعة دمشق ،املجلد ،20العدد (،)4+3
،2004ص .123
) (25شاهر إسماعيل شاهر ،أولويات السياسة الخارجية األمريكية بعد أحداث 11أيلول 2001م ،د.ط (دمشق :منشورات الهيئة العامة
السورية للكتاب ،)2009 ،ص .124
)(26
Fraser Cameron, US Foreign Policy after the Cold War: Global hegemon or reluctant sheriff ?, Second edition,
(London and New York: Taylor & Francis Group, 2005), pp71-73.
( )27خالد محمد حمد الجمعة" ،األسس القانونية لعدم مشروعية غزو العراق واحتالله" ،مجلة الشريعة والقانون ،العدد الثامن واألربعون،
أكتوبر ،2011ص .229
( )28جواد كاظم جواد سميسم ،املرجع السابق ،ص .111
( )29أحمد منيس ي" ،الواليات املتحدة وقضية الديمقراطية في الوطن العربي" ،قضايا حقوق اإلنسان،اإلصدار التاسع(،مارس) ،2004ص .35
( )30املرجع نفسه ،ص .35
( )31عبد الكريم العلوجي ،الصراع على العراق :من االحتالل البريطاني إلى االحتالل األمريكي ،الطبعة األولى (القاهرة :الدار الثقافية للنشر،
،)2007ص .132
( )32نصر محمد علي الحسيني"،النظام الحزبي وأثره في أداء النظام السياس ي للواليات املتحدة األمريكية( دراسة حالة الحرب على
العراق(،")2003أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية ،جامعة النهرين ،)2012 ،ص .394
( )33عبد الناصر محمد سرور " ،دوافع وتداعيات القرار االستراتيجي األمريكي باحتالل العراق عسكريا في ،"2003مجلة جامعة
األقص ى(سلسلة العلوم اإلنسانية) ،املجلد الرابع عشر ،العدد األول( ،يناير) ،2010ص .72
( )34إدريس لكريني ،املرجع السابق ،ص .197
) (35ميشيل حنا الحاج ،الشرق األوسط الجديد :سياسات واستراتيجيات ،الطبعة األولى (مصر :املكتب العربي للمعارف ،)2016 ،ص .41
( )36فواز جرجس ،داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة ،ترجمة :محمد شيا ،ط( 1.بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية ،)2016 ،ص
.78
( )37جهاد عودة ،النظام االجتماعي واالستراتيجي األمريكي املأزوم ،الطبعة األولى (القاهرة :كنوز للنشر والتوزيع ،)2014 ،ص .36
) (38جمال جالل عبد هللا ،العراق بين التحرير والتدمير :احتالل العراق بدون موافقة مجلس األمن ،الطبعة األولى (لندن :دار الحكمة للنشر
والتوزيع ،)2011 ،ص .195
( )39إبراهيم نوار ،املرجع السابق ،ص 199
( )40جهاد عودة ،املرجع السابق ،ص .27
( )41إبراهيم نوار ،املرجع السابق ،ص .180
2018 17 735