Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫(بولمكاحل إبراهيم ‪ /‬فوج ‪) 1‬‬ ‫ورقة عمل حول‪ :‬التحول الديمقراطي في إفريقيا‬

‫لقد عرفت القارة اإلفريقية مع مطلع التسعينيات في القرن الماضي‪ ,‬موجة من التحوالت السياسية نحو األخذ بالديمقراطية شملت معظم دول القارة حتى اسماها بعض‬
‫المحللين( ربيع الديمقراطية في إفريقيا)‪ ،‬و هذا ما يدخل في سياق موجة التحول الديمقراطي و التي شملت معظم دول العالم الثالث في ظل الظروف الداخلية و الدولية‬
‫المستجدةاألحادية القطبية التي حاولت القوى الكبرى مستغلة الوضع لفرض النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي عل هذه األنظمة و ذلك ‪.‬‬
‫و نتساءل في هذا الصدد عن أبرز العوامل التي دفعت أو تساعد عل األقل في دفع عجلة التحول الديمقراطي نحو األمام ‪ ،‬و هل القت الديمقراطية البيئة المناسبة للتطبيق أم أن‬
‫مجموعة من الموعقات حالت دون ذلك؟ أيضا نتساءل عن اآلثار الناجمة عن عملية التحول و إلى أي مدى ساهمت في تنمية و ترقية األوضاع في إفريقيا عموما؟ هذه النقاط و‬
‫غيرها نحاول التطرق غليها باختصار في ورقة عملنا هذه‪.‬‬
‫العوامل المساهمة في عملية التحول‪:‬‬
‫أ‪ -‬العوامل الخارجية( المتغيرات الدولية)‪:‬‬
‫لقد بدأ الحديث على عمليات التحول الديمقراطي يعرف طريقه نحو الظهور و بصفة مكثفة مباشرة بعد التحول الكبير و الجذري الذي عرفته بنية النظام الدولي و ذلك بعد‬
‫انهيار المعسكر الشرقي و انفراد الو‪ .‬م‪.‬أ بزعامة العالم ‪ ،‬لذا و في ظل هذه الظروف الدولية المستجدة و االنتقال نحو األحادية القطبية حاولت القوى الكبرى مستغلة الوضع‬
‫لفرض النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي عل هذه األنظمة و ذلك بما تمليه عليها مصلحتها‪.‬‬
‫من جهة‪ ،‬و بما يجعل نموذجها أمام العالم النموذج األصلح في تسيير شؤون الحكم و االقتصاد و نموذجا مناسب كنمط حياة لكل الشعوب في مقابل فشل النموذج االشتراكي‪.‬‬
‫بالضافة إلى والنزوع الدولي نحو الديمقراطية‪ ,‬وتبني القوي الغربية لقضايا الديمقراطية وحقوق االنسان الدفع نحو التحول الديمقراطي‪ ,‬سواء من حيث الضغوط الخارجية أو‬
‫من خالل تأثير المحاكاة‪ ,‬وصارت المساعدات االقتصادية الغربية مشروطة باجراء تحوالت ديمقراطية علي أساس ان الفساد وسوء نظم الحكم في تلك الدول ادي إلي نشوء‬
‫أزمات اقتصادية‪.‬‬
‫و بهذا كانت القارة السمراء ميدانا وجب عليه التحول مواكبة لألحداث فكانت عملية التحول مفروضة من الخارج بصفة كبيرة ألنه بتطبيقها للديمقراطية سيفتح ذلك المجال‬
‫لالنفتاح االقتصادي و فق المعايير الغربية و تكون بذك إفريقيا سوقا مفتوحة أمام السلع الغربية‪ ،‬و تعتبر الزيارات في األربع أو الخمس سنوات السابقة لممثلين عن اإلدارة‬
‫األمريكية دليل و اضح على رغبة هذه األخيرة في ضرورة التحول ‪ ،‬و من أبرز هذه الزيارات تأتي زيارة السيدة مادلين أولبرايت ‪-‬وزيرة الخارجية األمريكية ‪ -‬إلفريقيا خالل‬
‫الفترة من ‪ 17‬إلى ‪ 23‬أكتوبر ‪ 1999‬م) في سياق عملية التقويم المستمرة التي توليها اإلدارة األمريكية لسياستها اإلفريقية منذ انتهاء الحرب الباردة؛ إذ تعد هذه الجولة اإلفريقية‬
‫التي تشمل ست دول هي‪ :‬غينيا وسيراليون ومالي ونيجيريا وكينيا وتنزانيا ‪ -‬ثالث زيارة تقوم بها وزيرة الخارجية منذ تبُّو ئها هذا المنصب‪ .‬وإذا أخذنا بعين االعتبار جولة‬
‫الرئيس كلينتون اإلفريقية خالل الفترة من ‪ 23‬مارس إلى ‪ 2‬أبريل ‪ - 1998‬التي شملت ست دول إفريقية هي‪ :‬غانا وأوغندا ورواندا وجنوب إفريقيا والسنغال ‪ -‬الَّتضح لنا بجالء‬
‫أن ثمة توجهًا جديدًا للواليات المتحدة تجاه إفريقيا‪ ،‬وهو ما عبر عنه الرئيس كلينتون نفسه أثناء زيارته لغانا بقوله‪" :‬لقد آن األوان ألن يضع األمريكيون إفريقيا الجديدة على‬
‫قائمة خريطتهم"‪.‬‬
‫لكن هذا ال ينفي بروز عوامل داخلية قد تكون ساهمت في عملية التحول بشكل أو بآخر‪ .‬و هذا ما يجرنا للحديث عن أبرز هذه العوامل‪.‬‬
‫ب) العوامل الداخلية‪:‬‬
‫لقد صورت الديمقراطية باستمرار على أنها العصى السحرية التي تفتقدها دول العالم المتخلف لتكون السبب أو المخلص لهذه الشعوب من كل أشكال المعاناة على مختلف‬
‫المستويات اإلج‪ ،‬السي‪ ،‬الثق ‪.....‬‬
‫و تعتبر القارة السمراء األكثر تضررا مقارنة بباقي دول العالم‪ 3‬من مختلف المشاكل ال سيما االقتصادية و االجتماعية منها و يعتبر الفقر منتشرا بشكل كبير في إفريقيا يوجد‪32‬‬
‫دولة افريقية من بين‪ 51‬دولة في العالم منخفضة الدخل ويزداد عبء الفقر علي سكان الريف بالنسبة لسكان الحضر وهذا االنتشار الشديد للفقر كان بمثابة المحفز للتفكير في‬
‫حلول للخروج من هذه الحالة المزرية ‪,‬و لهذا ذهب فريق من المكرين بأن عملية التنمية ال يمكن تفعيلها إال في إطار مناخ ديمقراطي و هذا ما تم إقراره في وثيقة النيباد التي‬
‫تبنتها الدول االفريقية و التي تري أن التنمية يستحيل تحقيقها في غياب الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق اإلنسان والسالم والحكم الرشيد‪ .‬باالضافة الي البيئة الداخلية للنظم‬
‫السياسية االفريقية‪ ,‬وبالذات نظم الحزب الواحد‪ ,‬و قد برر أنصار النموذج السلطوي إلي أن هناك تعارضا بين الديمقراطية والنمو االقتصادي‪ ,‬ولكن هذا الرأي يصطدم بأن‬
‫النظم السلطوية في إفريقيا قد فشلت في إحداث التنمية االقتصادية المنشودة‪.‬‬
‫من هنا تأتي مبادرة النيباد المشاركة الجديدة لتنمية افريقيا و كخطوة جدية لتفعيل عملية التحول الديمقراطي بدفع من الداخل و بهذا تشكل هذه المبادرة عامل داخلي ذو أهمية‬
‫بالغة‪،‬و التي تهدف الي اعادة صياغة مستقبل القارة االفريقية‪ ,‬خالل القرن الحالي‪ ,‬علي أسس جديدة‪ ,‬بحيث يكون للقارة بقياداتها وشعوبها الكلمة العليا في تحديد غاياتها‬
‫واهدافها‪ .‬وفي توجيه الجهود واالجراءات نحو تحقيق تلك الغايات واالهداف‪ ,‬وتتضمن النيباد التي أقرت في صياغتها األولي من جانب القادة االفارقة في قمة لوساكا في يوليو‬
‫‪ 2001‬برنامج عمل تفصيلي لتحقيق أهداف القارة في الفكاك من أسر التخلف والفقر والتهميش في عصر العولمة‪ ,‬وتحقيق التنمية المستدامة‪ ,‬وذلك في اطار من مشاركة عالمية‬
‫جديدة بين افريقيا والمجتمع الدولي‪ ,‬تقوم علي أساس تبادل المسئوليات وااللتزامات‪ ..‬واقتسام المنافع‪.‬‬
‫وتنطلق وثيقة النيباد من أن التنمية يستحيل تحقيقها في غياب الديمقراطية الحقيقية‪ ,‬واحترام حقوق االنسان والسالم والحكم الرشيد‪ .‬وتتعهد فيها باحترام المعايير العالمية‬
‫للديمقراطية التي تشتمل عناصرها الجوهرية علي التعددية السياسية التي تسمح بوجود العديد من االحزاب السياسية واالتحادات العمالية وتنظيم انتخابات عادلة وصريحة‬
‫وديمقراطية يتم تنظيمها بصورة دورية لتمكين الجماهير من اختيار قادتها بطريقة حرة وأن الغرض من مبادرة الديمقراطية والحكم السياسي هو المساهمة في تعزيز اإلطار‬
‫السياسي واالداري للبلدان المشاركة تماشيا مع مباديء الديمقراطية والشفافية والمساءلة والنزاهة واحترام حقوق االنسان وتعزيز سيادة القانون‪.‬‬

‫وتتكون مبادرة الديمقراطية والحكم السياسي من العناصر اآلتية‪:‬‬


‫ـ سلسلة من االلتزمات بواسطة البلدان المشاركة باستحداث أو تعزيز عمليات وممارسات الحكم األساسي‪.‬‬

‫ـ تمهيد من جانب البلدان المشاركة بلعب دور طليعي في دعم المبادرات التي تشجع الحكم الرشيد‪.‬‬
‫ـ إضفاء الصبغة المؤسسية علي االلتزامات عن طريق قيادة الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا لضمان االلتزام بالقيم الجوهرية للمبادرة علي أن تتولي دول الشراكة الجديدة لتنمية‬
‫افريقيا التعهد بسلسلة من االلتزامات من أجل تلبية المعايير األساسية للحكم الرشيد والسلوك الديمقراطية‪ .‬وبغية تعزيز االدارة السياسية وبناء القدرات للوفاء بهذه التعهدات‪ ,‬فإن‬
‫النيباد طرحت عدة مبادرات تستهدف بناء القدرات بالتركيز علي‪:‬‬
‫ـ الخدمات االدارية والمدنية‬
‫ـ تعزيز االشراف البرلماني‬
‫ـ تعزيز عملية صنع القرار القائمة علي المشاركة‬
‫ـ اقرار تدابير فعالة لمحاربة الفساد واالختالس‬
‫ـ القيام بإصالحات قضائية‪.‬‬

‫وسيعمل محفل رؤساء الدول بشأن الشراكة الجديدة لتنمية افريقيا كآلية تقوم من خاللها قيادة هذه الشراكة بالرصد والتقييم الدوري للتقدم الذي تحرزه البلدان االفريقية في الوفاء‬
‫بالتزاماتها من أجل تحقيق الحكم الرشيد واالصالحات االجتماعية‪.‬‬
‫ومن ثم فإن هذه المبادرة حال تطبيقها بجدية والتزام سوف تفرض علي الدول االعضاء فيها التزامات ومسئوليات ذات صبغة تعاقدية في مجاالت شديدة الحساسية والخطورة‪,‬‬
‫مثل ديمقراطية الحكم وحقوق االنسان وضمان سالمة السياسات والمؤسسات االقتصادية وغيرها ويخضع االداء لمراجعة وتقييم دوري مستقل‪ ,‬ويترتب علي نتائج هذه‬
‫المراجعة آثار ملموسة فيما يتعلق بنصيب هذه الدول في المساعدات الدولية وتخفيف الديون واالستثمارات االجنبية والمشروعات المشتركة‪.‬‬

‫وقد قام قادة مبادرة النيباد‪ ,‬بعرض المبادرة في قمة مجموعة الثمانيه التي عقدت في جنوا بايطاليا في‪ 20‬يوليو‪ ,2001‬وقد رحبو بالمبادرة ووافقوا علي دعمها‪ .‬وصدر بيان بهذا‬
‫الشأن‪ ,‬حث فيه القادة األفارقة علي االلتزام بمباديء أساسية بشأن‪:‬‬
‫منع المنازعات وادارتها وتسويتها‪ ,‬وتعزيز الديمقراطية وترسيخ الحكم السياسي الجيد وقاموا بتعيين ممثلين شخصيين علي مستوي عال للمشاركة في اعداد خطة عمل مفصلة‬
‫ومحددة المعالم وقد تم هذا فعال‪ .‬والجديد في هذه المبادرة انها تقوم علي المشاركة وليس المعونة وعلي أساس المنفعة المتبادلة والمسئولية المشتركة‪.‬‬

‫ويبقي االنتقاد الرئيسي في عالقاتها باالتحاد االفريقي علي الرغم من أنها نشأت في كنفه‪ ,‬لكن العالقة بينهما غير واضحة والتوجد عالقة تنظيمية واضحة بين المنظمتين‪ .‬مما‬
‫يدعو الي وضع اسس جديدة وواضحة هيكليا ووظيفيا للعالقة بين النيباد واالتحاد االفريقي ورغم كل االنتقادات المشككة‪ ,‬فإن هذه المبادرة االفريقية تمتلك كل عناصر النجاح‪.‬‬
‫فهي مبادرة افريقية‪ ,‬صنعت في افريقيا بمفكرين افريقيين ويملكها االفارقة‪ ,‬بما يعني من دالالت أبرزها ان افريقيا بقياداتها قد بدأت تأخد زمام المبادرة في صياغة تصورها‬
‫ورؤيتها الخاصة بمستقبلها‪ ,‬رغم أنها تبنت االطار البرلماني الغربي وقد اليكون من المصادفة ان يفوز في كينيا بعد انتخابات ديمقراطية سليمة المعارض مواي كيباكي‪ ,‬الذي‬
‫سبق له أن تولي منصب وزير االقتصاد عام‪ 1969‬وظل يشغل هذا المنصب حتي عام‪ 1982‬واظهر براعة اقتصادية نالت رضاء الدول الغربية‪.‬‬

‫نتائج و واقع التحول الديمقراطي في إفريقيا‬


‫و نحاول هنا اإلجابة عن ما حققته الديمقراطية إلفريقيا و اإلفريقين الطامحين التخلص من شبح الفقر و التخلف باسم الديمقراطية! فهل نجحت الديمقراطية فعال أم أنها زادت‬
‫الطين بلة؟‬
‫لقد عرفت بعض البلدان اإلفريقية نوع من االنفتاح السياسي و االقتصادي‪ ،‬غير أن هذا الوضع لم يدم طويال فقد اخذت النظم الديمقراطية التي رأت النور تتخبط في مشاكل‬
‫الحصر لها‪ ,‬وعادت بعض الديكتاتوريات لتعشعش من جديد‪ ,‬في التقرير السنوي عن التنمية البشرية لعام‪ 2002‬لبرنامج األمم المتحدة التجد ذكرا إلفريقيا اال في اسوأ الحاالت‪,‬‬
‫مع رصد للتراجع الديمقراطي حيث الديمقراطية وسيلة الغاية في حد ذاتها‪ ,‬والغاية أن يتوصل المرء إلي أن يعيش أطول مدة‪ ,‬متمتعا بصحة جيدة بعدما يكون قد اكتسب معرفة‬
‫نافعة وان يحصل علي الموارد التي تمكنه من أن يعيش في مستوي يضمن له الكرامة وأن يساهم في الحياة الجماعية‪ ,‬ولتعثر الديمقراطية تعثرت التنمية في الدول االفريقية‪.‬‬
‫ويسجل تقرير األمم المتحدة أن عدد الدول االفريقية التي اخذت بنظام سياسي يقوم علي االنتخاب والتعددية بلغ‪ 29‬بلدا من بين‪ 42‬بلدا تتوافر عنها معلومات بهذا الصدد‪ .‬ويسكن‬
‫البلدان التي توجد فيها نظم تقوم علي االنتخاب‪ 464‬مليون نسمة يمثلون‪ 77,2%‬من سكان بلدان جنوب الصحراء( يبدو هذا الوضع من الدول العربية ألن نسبة السكان الذين‬
‫يعيشون في بلدان عربية ذات نظام يقوم علي االنتخابات اليزيد علي‪ ) 48,5%‬وأن البلدان التي اتجهت إلي النظام الديمقراطي عرفت تراجعها‪ ,‬وذكر التقرير األممي أن هناك‪13‬‬
‫بلدا افريقيا تدخل فيها الجيش في السياسة منذ عام‪ 1989‬باالضافة الي وقوع كثير منها في حروب اهلية‪ ,‬ولتراجع الديمقراطية تراجعت التنمية حيث مستوي الفقر االقتصادي‬
‫في افريقيا جنوب الصحراء بلغ‪ 330‬مليونا بعد أن كان‪ 242‬مليونا عام‪.1990‬‬
‫معوقات التحول الديمقراطي في إفريقيا‬
‫يبدو أن عملية التحول الديمقراطي في إفريقيا لم يكتب لها النجاح‪ ،‬فحسب المحللين فإن مجموعة من العوامل المتداخلة والمعقدة عرقلت بشكل رئيسي هذا التحول ‪ ،‬فلم تتشكل‬
‫البيئة األولية على األقل الممهدة لهذه العملية‪ ،‬و يمكننا من خالل هذه النقاط ابراز أهم العوامل المعرقلة لعملية التحول الديمقراطي في افريقيا‪:‬‬
‫‪ -1‬الفساد االقتصادي‪:‬‬
‫أثار بعض المحللين التساؤالت عن العوامل المختلفة التي تؤثر في التطور السياسي وتتأثر به‪ ,‬وتحليل انعكاساتها علي عملية التحول الديمقراطي وهنا يبرز دور العوامل‬
‫االقتصادية كمحدد رئيسي التجاهات التغير السياسي ويثور التساؤل عن تأثير األوضاع االقتصادية علي الديمقراطية وتأثير الديمقراطية علي األوضاع االقتصادية حيث يري‬
‫بعض المحللين أن هناك ارتباطا طرديا قويا بين الديمقراطية وعدد من مؤشرات مستوي التطور االقتصادي وفسروا ذلك بأن التنمية االقتصادية تتضمن ارتفاع الدخول وزيادة‬
‫درجة األمان االقتصادي التي يتمتع بها األفراد‪ ,‬وانتشار التعليم العالي وازدياد الوعي وكلها عوامل تصب في خانة الديمقراطية‪ ,‬وهكذا اعتبر هؤالء أن التنمية االقتصادية شرط‬
‫مسبق لنجاح التحول الديمقراطي إال أن الخبرة التاريخية لدول عديدة في شرق آسيا وأمريكا الالتينية قطعت شوطا كبيرا في التنمية االقتصادية وشوطا مماثال في البعد عن‬
‫الديمقراطية مما ألقي بظالل من الشك علي هذه المقولة وأدي إلي القول بوجود محددات أخري للتحول الديمقراطي غير التنمية‪.‬‬

‫أما اثر التحول الديمقراطي علي التطور االقتصادي‪ ,‬فهناك خالف كبير بين المحللين في هذا الشأن‪ ,‬حيث ذهب بعض المحللين من أنصار النموذج السلطوي إلي أن هناك‬
‫تعارضا بين الديمقراطية والنمو االقتصادي‪ ,‬ولكن هذا الرأي يصطدم بأن النظم السلطوية في إفريقيا قد فشلت في إحداث التنمية االقتصادية المنشودة‪ ,‬في حين يري فريق آخر‬
‫أن الديمقراطية ال تتعارض مع متطلبات النمو االقتصادي والعدالة االجتماعية ويربطون ذلك بوجود الدولة الفاعلة في إفريقيا‪.‬‬
‫وثيقة النيباد التي تبنتها الدول االفريقية تري أن التنمية يستحيل تحقيقها في غياب الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق اإلنسان والسالم والحكم الرشيد‪.‬‬

‫وأيا كانت االجتهادات النظرية بهذا الشأن‪ ,‬فإنه ال يمكن إنكار وجود عدد من العوامل االقتصادية التي تعوق عملية التحول الديمقراطي في أفريقيا وفي مقدمة هذه العوامل انتشار‬
‫الفقر في القارة االفريقية‪ ,‬ففي أفريقيا يوجد‪ 32‬دولة افريقية من بين‪ 51‬دولة في العالم منخفضة الدخل ويزداد عبء الفقر علي سكان الريف بالنسبة لسكان الحضر وهذا االنتشار‬
‫الشديد للفقر‪ ,‬وما ينطوي عليه من انشغال السكان بتوفير ما يقوتهم‪ ,‬تكون المشاركة السياسية في أواخر سلم اولوياتهم مما يجعلهم منعزلين عن العملية السياسية بكاملها‪.‬‬
‫وقد اضطرت الدول االفريقية في مواجهة ازماتها االقتصادية الخانقة الي االستعانة بصندوق النقد الدولي لكي يوصي بسياسات وبرامج محددة يرتبط بتنفيذها اعادة جدولة‬
‫الديون المتراكمة والسماح بضخ موارد جديدة‪ ,‬وقامت الحكومات االفريقية بتقليص دور الحكومة والقطاع العام لصالح السوق الحرة والقطاع الخاص‪ ,‬وقد كان لهذه السياسات‬
‫اثر سلبي كبير علي فئات عريضة من الجماهير االفريقية وكشفت حركة التفاعالت داخل المجتمعات االفريقية عن العجز المديد لتلك الحكومات عن تحقيق أهداف مجتمعاتها في‬
‫التنمية بالرغم من احتكارها للسلطة السياسية واالقتصادية وأسهمت في زيادة وعي المواطن العادي بخطورة السياسات العامة علي مصالحها الخاصة‪ .‬وأدت إلي األخذ بالتحول‬
‫الديمقراطي في إطار ما سمي بالمشروطية السياسية‪.‬‬
‫ومن ابرز العوامل االقتصادية انتشار الفساد في إفريقيا حتي انه يكاد يكون سمة بارزة من السمات األفريقية وهو ليس مجرد ظاهرة غير عادية ناتجة عن سلوك غير مستقيم بل‬
‫صار مؤسسا ويلعب وظيفة هامة داخل البناء السياسي واالقتصادي والفساد في إفريقيا صار توجها سلطويا مقصودا يهدف إلي تحويل االمتعاض الطائفي السياسي المتنامي‬
‫امتعاض اقتصادي فحسب‪ ,‬بأعتبار أن هذا الفساد االقتصادي تكون مواجهته اكثر سهولة واخف ضررا‪ .‬واستعصاء الفساد علي المعالجة في افريقيا يعود إلي عوامل بنيوية‬
‫املتها العالقات المتشابكة بين السلطة وبين برجوازية االعمال ومقاوالت ووساطات‪ ,‬توفر الدعم للسلطة القائمة‪ .‬وانتشار الفساد يعوق قيام نظم ديمقراطية حقيقية في أفريقيا ألنه‬
‫يساعد الفئة الحاكمة علي تكريس احتكارها للسلطة ويقلل من رغبتها في التنازل عنها اختياريا من خالل عملية التداول الديمقراطي‪ .‬كما انه يجعل من الصعب علي هذه الفئات‬
‫السماح بمعارضة حرة تعبر عن الفئات األكثر فقرا واألكثر مصلحة في التغير االقتصادي نحو تنمية اقتصادية حقيقية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تزايد حدة النزاعات بين الدول االفريقية‪ (:‬أدى الى انتهاكات صارخة لحقوق االنسان)‬
‫في عام ‪ 1998‬كان العالم يحتفل بمرور خمسين عامًا على صدور اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان بينما استمرت على أشدها الصراعات المسلحة واالضطرابات االجتماعية‬
‫والسياسية مفضية إلى مزيد من االنتهاكات المروعة لحقوق اإلنسان في إفريقيا‪.‬‬
‫أما في المناطق التي سادها الصراع‪ ،‬فقد ظلت منطقة البحيرات الكبرى ميدانًا لتفاقم انتهاكات حقوق اإلنسان‪ .‬إذ قتلت قوات األمن عمدًا وتعسفًا في جمهورية الكونغو‬
‫وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي‪ .‬وفي سيراليون قامت القوات المتمردة التابعة للمجلس الثوري للقوات المسلحة المطاح به وتلك التابعة للجبهة المتحدة‬
‫الثورية المعارضة بارتكاب انتهاكات لحقوق اإلنسان على نطاق واسع على مدار العام‪ .‬كما تسبب استمرار النزاع اإلقليمي بين إثيوبيا وإريتريا في انتهاكات لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وفي غينيا بيساو قتل عشرات األشخاص عمدًا أو تعسفًا في إطار الصراع الذي أعقب التمرد العسكري الذي وقع في يونيو‪ /‬حزيران‪ .‬وفي أنغوال تبدد األمل في تنفيذ اتفاق عام‬
‫‪ 1994‬للسالم الذي انعقد بين الحكومة وجبهة "يونيتا"‪ ،‬أمام تفاقم الـمواجهة الـمسلحة التي نتج عنها مصرع الـمئات ونزوح اآلالف من األشخاص‪.‬‬

‫و حسب ا ملخص التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام ‪2003‬ظل وضع حقوق اإلنسان خطيرًا في معظم أنحاء القارة‪ .‬وُأزهقت أرواح اآلالف وُدمرت سبل عيشهم من‬
‫جراء النزاعات المسلحة واالضطرابات األهلية التي ارُتكبت خاللها انتهاكات مرِّو عة لحقوق اإلنسان وظل مرتكبوها بمنأى عن العقاب‪ .‬وكان هذا هو الوضع بصفٍة خاصٍة في‬
‫كل من بوروندي‪ ،‬وجمهورية إفريقيا الوسطى‪ ،‬وجمهورية الكونغو‪ ،‬وساحل العاج‪ ،‬وجمهورية الكونغو الديموقراطية‪ ،‬وليبيريا‪ ،‬والسودان‪ ،‬والسنغال‪ ،‬وأوغندا‪.‬‬

‫وارتكبت بعض القوات الحكومية أعمال إعدام خارج نطاق القضاء‪ ،‬وحوادث "اختفاء" وتعذيب وغير ذلك من االنتهاكات الجسيمة‪ ،‬بينما أقدمت جماعات مسلحة على قتل‬
‫وتشويه واختطاف وتعذيب مدنيين في إطار سعيها لتحقيق أهدافها السياسية‪ .‬وواصلت الجماعات المسلحة في ساحل العاج‪ ،‬وبوروندي‪ ،‬وجمهورية الكونغو الديموقراطية‪،‬‬
‫وليبيريا تجنيد أطفال للقتال في صفوفها‪ ،‬وكان ذلك يتم قسرًا في بعض األحيان‪ .‬عموما فقد اعتبرت قضية حقوق االنسان معيارا رئيسيا في تقييم مدى ديمقراطية نظام ما ‪ ،‬و‬
‫أمام هذه المعطيات حول األوضاع في إفريقيا تبقى هذه االنتهاكات حاجزا معرقال لعملية التحول‪.‬‬

‫‪ -3‬العامل الخارجي‪:‬‬

‫بحيث تقف مصالح األطراف الخارجية أمام أي عملية تحول ايجابية‪،‬فقد اضطرت الدول اإلفريقية في مواجهة أزماتها االقتصادية الخانقة الي االستعانة بصندوق النقد الدولي‬
‫لكي يوصي بسياسات وبرامج محددة يرتبط بتنفيذها اعادة جدولة الديون المتراكمة والسماح بضخ موارد جديدة‪ ,‬وقامت الحكومات اإلفريقية بتقليص دور الحكومة والقطاع‬
‫العام لصالح السوق الحرة والقطاع الخاص‪ ,‬وقد كان لهذه السياسات اثر سلبي كبير علي فئات عريضة من الجماهير االفريقية وكشفت حركة التفاعالت داخل المجتمعات‬
‫االفريقية عن العجز المديد لتلك الحكومات عن تحقيق أهداف مجتمعاتها في التنمية بالرغم من احتكارها للسلطة السياسية واالقتصادية وأسهمت في زيادة وعي المواطن‬
‫العادي بخطورة السياسات العامة علي مصالحها الخاصة‪ .‬وأدت إلي األخذ بالتحول الديمقراطي في إطار ما سمي بالمشروطية السياسية‪ .‬ولكن يظل التساؤل‪ :‬هل ستؤدي تلك‬
‫المشروطية السياسية إلي ديمقراطية حقيقية في الدول االفريقية خاصة ان تطبيق تلك المشروطية لم يكن في بعض الحاالت متسقا حيث ذهبت المساعدات لدول بعيدة عن‬
‫متطلبات المشروطية السياسية لمصالج استراتيجية وسياسية؟‪.‬‬

You might also like