6 Insani

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫المحاضرة السادسة‬

‫العسكريون غير المتمتعين بالحماية اإلنسانية‬

‫لما كانت العمليات الحربية ال توجه إال ضد العسكريين الذين يحملون السالح ‪،‬‬
‫فان هذه العمليات مقيدة بالعوامل اإلنسانية عند مواجهة العدو ‪ .‬وقد سبق أن بحثنا‬
‫في الفقرة السابقة العسكريين الذين يتمتعون بالحماية اإلنسانية واألصناف التي‬
‫تتمتع بهذه الحماية وتحديد نطاقها ‪ ،‬غير أن هناك أصنافًا من العسكريين ال‬
‫يتمتعون بالحماية اإلنسانية وقد أجاز القانون الدولي أن تتخذ الدولة الحاجزة‬
‫اإلجراءات بحقهم وان تجردهم من الحماية اإلنسانية ‪ .‬وأصناف العسكريين الذين‬
‫ال يتمتعون بالحماية اإلنسانية ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ــ العسكريون المرتزقة ‪:‬‬
‫يقصد بالمرتزقة األشخاص من غير مواطني الدولة الذين يتخذون من الخدمة‬
‫العسكرية مهنة يرتزقون منها ‪ ،‬ويعرضون خدماتهم لمن يدفع لهم ثمنًا أكثر ‪ ،‬دون‬
‫أن تكون لهم أو لدولتهم عالقة بالقتال المسلح ‪ ،‬وبغض النظر عما إذا كانت الدولة‬
‫التي يحاربون إلى جنبها صاحبة الحق أم ال ‪ ،‬وان الدافع األساس في القتال هو‬
‫الحصول على ثمن فحسب وللدولة المتحاربة أن تعد الطرف اآلخر من المرتزقة‬
‫إذا توافرت فيهم الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ إذا جندوا للقتال في نزاع قائم فعًال ‪ ،‬أما إذا جندوا في القوات المسلحة دون أن‬
‫يكون هناك نزاع مسلح بين الطرفين ‪ ،‬فليس للطرف اآلخر أن يعدهم من‬
‫المرتزقة‪ .‬ويشترط في هذه الحالة أن يجند في القوات المسلحة لغرض القتال ‪ .‬أما‬
‫إذا كان تجنيده لغرض تقديم الخدمات اإلنسانية دون المشاركة في العمليات‬
‫الحربية ‪ ،‬فانه ال يعد من المرتزقة وال يهم أن يكون تجنيده للقتال داخل الدولة‬
‫المتحاربة التي جندته أم يجند وهو في الخارج ‪.‬‬
‫ب ــ أن يمارس القتال فعًال ‪ .‬فإذا تم تجنيده في وحدة قتالية إال إن هذه الوحدة لم‬
‫تشارك في القتال ‪ ،‬فال يعد من المرتزقة ‪ .‬كذلك إذا اشتركت وحدته التي جند فيها‬
‫في القتال إال انه انسحب عن القتال أو رفض مواصلته ‪ ،‬فانه ال يعد من المرتزقة‬
‫إذا جند في وحدة غير قتالية كالوحدات الخاصة بجمع المرضى والجرحى أو‬
‫الوحدات الطبية أو كان مراسًال صحفيًا ‪ ،‬فانه ال يعد من المرتزقة ومن ثم يتمتع‬
‫بالحماية اإلنسانية ‪.‬‬
‫جـ ــ أن يكون اشتراكه في القتال من أجل الحصول على مغنم شخصي ‪ .‬أي أن‬
‫هدفه في القتال غير قائم على أساس فكري أو ديني أو قومي أو إنساني ‪ ،‬إنما هدفه‬
‫األساس من االشتراك هو الحصول على مكاسب مادية ‪ .‬ويشترط في تحقيق ذلك‬
‫ما يأتي ‪:‬‬

‫أوًال ــ أن يكون هدفه الحصول على الربح المادي أو التعويض المادي ‪.‬‬
‫ثانيًا ــ أن ُيدفع له هذا الربح المادي فعًال فإذا لم يدفع له فانه ال يعد من المرتزقة‬
‫وان كان هدفه الربح المادي ‪.‬‬
‫ثالثًا ــ أن يتجاوز الربح المادي الذي ُيدفع له بصورة كبيرة ما ُيدفع ألقرانه من‬
‫مواطني الدولة المتحاربة ‪ .‬أما إذا دفع له تعويض مساٍو لهم أو أقل منهم فال يعد‬
‫من المرتزقة ‪.‬‬
‫رابعًا ــ أن يدفع له الربح المادي من الدولة المتحاربة ذاتها ‪ ،‬أو من قبل دولة‬
‫أخرى نيابة عن الدولة المتحاربة ‪ ،‬أما إذا دفع التعويض من قبل دولة غير‬
‫متحاربة وبدون علمها‪ ،‬فان هذا الشخص ال يعد من المرتزقة ‪.‬‬
‫د ــ أن يكون هذا الشخص أجنبيًا ويعيش في الخارج ‪ ،‬أما إذا كان من رعايا الدولة‬
‫المتحاربة أو أجنبيًا ولكنه مقيم فيها فانه ال يعد من المرتزقة ‪ .‬فإذا كان مثل هذا‬
‫الشخص من مواطني الدولة المتحاربة أو كان أجنبيًا ولكنه مقيم فيها ‪ ،‬فانه ال يعد‬
‫من المرتزقة ونرى أن السبب في عدم اعتداد األجنبي المقيم من المرتزقة يرجع‬
‫إلى احتمال إجباره على القتال أو تعاطفه مع مواطني الدولة المتحاربة ‪.‬‬
‫هـ ــ أن يكون غير مرسل من قبل دولته في بعثة عسكرية إلى الدولة المتحاربة ‪.‬‬
‫فإذا كانت دولته قد أرسلته لتعلم أو تعليم الفنون العسكرية ‪ ،‬أو ألغراض‬
‫االستطالع أو الزيارة أو التدريب إلى الدولة المحاربة واشترك الموفد في القتال‬
‫فال يعد من المرتزقة ‪ .‬ونرى أن هذه الحالة تطبق على الموفد من قبل دولة محايدة‬
‫فال يعد موفدها من المرتزقة لكونه عسكريًا يعمل في الدولة المتحاربة ‪ .‬وال يشمل‬
‫حالة الموفد من دولة متحاربة ألن أفراد قوات الدولة المتحاربة ال يعدون من‬
‫المرتزقة وان لم تشترك دولتهم في القتال مادامت أعلنت انحيازها إلى أحد أطراف‬
‫النزاع ‪ .‬وال تعد الدولة المحايدة التي توفد بعثة عسكرية ألغراض غير قتالية إلى‬
‫أطراف النزاع خروجًا على حيادها وعلى الرغم من ذلك فان أفراد هذه البعثة ال‬
‫يعدون من المرتزقة ‪ .‬أما إذا عد الطرف اآلخر إن إرسال هذه البعثة يبرر‬
‫خروجها عن حيادها فإنها تصبح من الدول المتحاربة ‪ ،‬ومن ثم أفراد البعثة ال‬
‫يعدون من المرتزقة أيضًا لكونهم من المتحاربين التابعين لدولة متحاربة ‪ .‬وإذا‬
‫توافرت الشروط المذكورة في المشارك في القتال فانه يعد من المرتزقة ويحرمون‬
‫من الحماية اإلنسانية المقررة للمقاتل أو األسير ‪ ،‬وجاز للدولة أن تتخذ اإلجراءات‬
‫القانونية بحقهم وليس لدولتهم حق االعتراض على ذلك ‪ .‬ويعاقب القانون العراقي‬
‫المرتزقة بعقوبة اإلعدام ‪.‬‬
‫‪2‬ــ الجواسيس ‪:‬‬
‫الجاسوس ‪ :‬الشخص الذي يعمل في خفية أو تحت ستار كاذب في جمع أو‬
‫محاولة جمع معلومات في منطقة األعمال العسكرية إلحدى الدول المتحاربة بقصد‬
‫إرسال هذه المعلومات إلى دولته ‪ .‬وكان العرف الدولي قد أجاز للدول المتحاربة‬
‫استخدام الوسائل المشروعة للحصول على معلومات من العدو في ساحة العمليات‬
‫العسكرية ‪ .‬وقد نظم البروتوكول اإلضافي التفاقيات جنيف لعام ‪1949‬م أحكام‬
‫الجاسوس طبقًا لما يأتي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬الجاسوس المتخفي في أراضي الخصم ‪:‬‬
‫يجوز للدولة التي تقبض على جاسوس أن تحرمه من الحماية اإلنسانية إذا‬
‫توافرت الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ أن يكون أحد أفراد القوات المسلحة لطرف النزاع ‪ .‬أما إذا كان تابعًا لدولة‬
‫أخرى غير متنازعة فانه ال يعد جاسوسًا طبقًا ألحكام البروتوكول اإلضافي ‪.‬‬
‫ب ــ أن ُيلقى القبض عليه أثناء تلبسه بالتجسس ‪ .‬أما إذا قبض عليه بعد ذلك فانه ال‬
‫يفقد الحماية اإلنسانية وطبقًا لذلك ‪ ،‬فان التجسس طبقًا ألحكام البروتوكول يعد‬
‫عمًال محرمًا كقاعدة عامة ‪ .‬وإذا تم القبض على الجاسوس طبقًا لما ذكرناه فانه‬
‫يخضع ألحكام القوانين الداخلية ويجوز للدولة أن تعاقبه بالعقوبة المقررة في‬
‫قوانينها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجاسوس غير المقيم في إقليم يحتله الخصم ‪:‬‬
‫يتمتع الجاسوس الذي يرتدي الزي العسكري بالحماية اإلنسانية إذا توافرت فيه‬
‫الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ أن يكون الجاسوس أحد أفراد القوات المسلحة أما إذا كان مدنيًا فال يتمتع‬
‫بالحماية اإلنسانية ‪.‬‬
‫ب ــ أن يكون هناك نزاع مسلح بين الطرفين ‪ .‬أما إذا قام بعمله أثناء وقت السلم‬
‫فانه ال يتمتع بالحماية اإلنسانية ‪.‬‬
‫جـ ــ أن يقوم بجمع أو محاولة جمع المعلومات لصالح طرف في النزاع ‪ .‬أما إذا‬
‫قام بجمع أو محاولة جمع المعلومات لصالح دولة غير طرف في النزاع فانه ال‬
‫يتمتع بالحماية اإلنسانية ‪.‬‬
‫د ــ أن يكون عمل الجاسوس في إقليم يسيطر عليه الطرف اآلخر ‪ .‬أما إذا قام‬
‫بعمله في منطقة أخرى فال يتمتع بالحماية اإلنسانية طبقًا لهذه الحالة ‪.‬‬
‫هـ ــ أن يمارس الجاسوس عمله وهو يرتدي زيه العسكري الرسمي ‪ .‬أما إذا كان‬
‫قد تنكر بمالبس عسكرية لدولة أخرى أو بمالبس مدنية فانه ال يتمتع بالحماية‬
‫اإلنسانية وإذا ما توافرت الشروط المذكورة ‪ ،‬فان الجاسوس ال يعد قد ارتكب‬
‫عمًال جاسوسيًا‪ ،‬بل ارتكب عمًال عسكريًا يتمتع بالحماية اإلنسانية المقررة ألفراد‬
‫القوات المسلحة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجاسوس المقيم في إقليم يحتله الخصم ‪:‬‬
‫ال يعد مرتكبًا ألعمال التجسس العسكري الذي يقوم بجمع المعلومات وان لم‬
‫يرتِد مالبس عسكرية طبقًا للشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ أن يكون الجاسوس أحد أفراد القوات المسلحة لطرف في نزاع عسكري قائم‬
‫فعًال ‪.‬‬
‫ب ــ أن تكون محل إقامة الجاسوس في اإلقليم الذي يحتله الخصم ‪ .‬أما إذا كان‬
‫غير مقيم فال تسري عليه هذه الحالة ‪.‬‬
‫جـ ــ أن يقوم بجمع المعلومات لصالح قواته المسلحة التي يتبعها ‪.‬‬
‫د ــ أن تكون المعلومات التي يجمعها أو يحاول جمعها لها قيمة عسكرية ‪ .‬أما إذا‬
‫تعلقت المعلومات بموضوعات سياسية أو اقتصادية فال يستفيد من هذه الحالة ‪.‬‬
‫هـ ــ أن يكون جمع المعلومات من داخل اإلقليم المحتل ‪ .‬أما إذا تجاوز ذلك إلى‬
‫إقليم الخصم فال يستفيد من هذه الحالة ‪.‬‬
‫و ــ عدم ارتكابه عمًال من أعمال الزيف أو التخفي ‪ .‬فإذا ما ارتدى الزي العسكري‬
‫أو تخفى داخل معسكراته أو تظاهر بأنه من مؤيدي الخصم لغرض الحصول على‬
‫المعلومات فانه ال يستفيد من الحماية اإلنسانية وإذا توافرت الشروط المذكورة في‬
‫الجاسوس المقيم فانه ال يعد مرتكبًا ألعمال الجاسوسية ‪ ،‬وانما يعد عمله من‬
‫األعمال االستطالعية العسكرية التي يتمتع مرتكبها بالحماية اإلنسانية المقررة‬
‫ألفراد القوات المسلحة ‪ .‬وإذا ما اتهم شخص بارتكابه أعمال التجسس في الحاالت‬
‫المذكورة ‪ ،‬فأنه ال يفقد في جميع األحوال الحماية اإلنسانية المقررة ألسير الحرب‬
‫‪ .‬أما إذا قبض عليه وهو متلبس بجمع المعلومات فانه ُيعامل معاملة الجاسوس ‪،‬‬
‫وتعد جميع أعماله أعماًال جاسوسية يعاقب بموجبها طبقًا ألحكام القوانين الداخلية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الجاسوس الذي ال يمارس الجاسوسية ‪:‬‬
‫قد تقوم الدولة بتجنيد أحد أفرادها للتجسس على الطرف اآلخر ويتمتع مثل هذا‬
‫الجاسوس بالحماية اإلنسانية إذا توفرت فيه الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ أن يكون أحد أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع ‪.‬‬
‫ب ــ أال يكون مقيمًا في أرض يحتلها العدو ‪ ،‬وانما ُيرسل لغرض جمع المعلومات‬
‫‪.‬‬
‫جـ ــ عدم قيامه بأي عمل من األعمال المكلف بها من قبل قوات دولته المسلحة ‪.‬‬
‫د ــ أن يعود إلى قوات دولته المسلحة ‪ .‬وإذا ما تم القبض عليه عند عودته لإلقليم‬
‫المحتل مرة ثانية فانه ال يعد جاسوسًا ويتمتع بالحماية اإلنسانية التي يتمتع بها‬
‫األسير على األقل ‪ .‬أما إذا تم القبض عليه قبل التحاقه بقواته المسلحة فانه يعد‬
‫جاسوسًا ويحرم من الحماية اإلنسانية ‪.‬‬
‫‪3‬ــ الوطنيون الملتحقون بقوات العدو ‪:‬‬
‫من الواضح ‪ ،‬إن الوطني يخضع ألحكام دولته الوطنية ‪ .‬وتمنع جميع قوانين‬
‫الدول الوطنيين من االلتحاق بقوات العدو وتعد ذلك جريمة موجبة للعقاب طبقًا‬
‫ألحكام القوانين الداخلية وان مثل هؤالء ال يتمتعون بالحماية اإلنسانية المقررة في‬
‫القانون الدولي ‪ .‬وقد أوجب قانون العقوبات العراقي فرض عقوبة اإلعدام بحق‬
‫العراقي الذي يلتحق بصفوف العدو إذا توافرت فيه الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ أن يكون الملتحق بالعدو مواطنًا عراقيًا ‪.‬‬
‫ب ــ أن يلتحق فعًال بصفوف العدو أو بالقوات المسلحة للعدو ‪.‬‬
‫جـ ــ أن تكون الدولة التي التحق بها العراقي في حالة حرب مع العراق ‪.‬‬
‫ويعاقب باإلعدام أيضًا العراقي الذي يرفع السالح ضد العراق وهو في الخارج‬
‫‪ .‬أما إذا كانت الجهة التي التحق بها العراقي ليست في حالة حرب ‪ ،‬وانما جهة‬
‫معادية للعراق ‪ ،‬فتكون عقوبته اإلعدام أو السجن المؤبد ‪ .‬وإذا التحق العراقي‬
‫بصفوف العدو أو قواته المسلحة ولكنه انفصل عنها قبل قيامه بأي عمل عسكري‬
‫ضد العراق فانه يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت ‪ ،‬ويعاقب باإلعدام كل عراقي‬
‫ساعد العدو على دخول العراق أو على تقدمه فيه ‪ ،‬أو عمل على تحريض‬
‫العراقيين على االنضمام إلى العدو أو االستسالم ‪.‬‬

‫المدنيون المتمتعين بالحماية اإلنسانية‬

‫إذا كان القانون الدولي قد وضع الحماية اإلنسانية للعسكريين في الوقت الذي‬
‫يحاربون فيه الطرف اآلخر ويحاولون قهره وتدميره ‪ ،‬فانه من باب أولى توفير‬
‫الحماية اإلنسانية لألشخاص المدنيين الذين ال يحاربون الطرف اآلخر ‪ ،‬ولهذا فان‬
‫القانون الدولي وضع القواعد القانونية لحماية المدنيين من آثار العمليات العسكرية‬
‫وفرض على األطراف المتنازعة أن تضمن عدم التعرض لهم ‪ .‬ولما كانت‬
‫الحروب الحديثة تعتمد على قدرات الدولة البشرية واالقتصادية والعلمية‬
‫والتكنولوجية فضًال عن قواتها المسلحة ‪ ،‬وان الربط بين هذه العوامل يعد ضرورة‬
‫حتمية لقوة الدولة العسكرية األمر الذي دفع الدول إلى أن تأخذ بنظر االعتبار‬
‫جميع إمكانات الدولة ووضعها في الحساب ‪ .‬وان ضرب أي من هذه العومل ‪ ،‬بال‬
‫شك يؤثر في قدرات الدولة العسكرية ولربما كان ضرب األهداف المدنية أحد‬
‫العوامل المؤثرة في تحقيق النصر على الطرف اآلخر ‪ ،‬ويعد العنصر البشري‬
‫للدولة قدرة كبيرة ترفد القوات المسلحة بالعامل البشري ‪ ،‬ولهذا فان شعب الدولة‬
‫يعد امتدادًا لقواتها المسلحة ورافدها األساس وان الدول تحاول أن تضرب هذا‬
‫الرافد ألضعاف القوات المسلحة والتأثير فيها نفسيًا ولهذا فقد اتجهت الواليات‬
‫المتحدة األمريكية في الحرب العالمية الثانية إلى ضرب مدينتي هيروشيما و‬
‫نياكازاكي اليابانيتين ‪ .‬ويعلق الخبراء في جيش الواليات المتحدة ‪ ،‬بأنه لوال‬
‫ضرب تلك المدينتين ‪ ،‬لكانت الحرب العالمية الثانية مستمرة حتى الوقت الحاضر‬
‫‪ .‬وطبقًا لهذا االتجاه الذي يهدد اإلنسانية بالفناء‪ ،‬فان المجتمع الدولي قد عمل على‬
‫وضع القواعد لمنع ضرب المدنيين ‪ .‬وال بد لنا أن نحدد من هو المدني ‪ ،‬وقد سبق‬
‫لنا أن حددنا من هو العسكري ‪ ،‬وبذلك يمكن القول إن ما عدا األشخاص الذين‬
‫حددناهم من العسكريين ‪ ،‬فان البقية هم من المدنيين ‪ .‬ويمكن ان نضيف إلى ذلك‬
‫انه يشترط في الشخص لكي يكون مدنيًا ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ــ أن اليكون له دور في العمليات الحربية الدائرة فعًال بين دولته والطرف اآلخر‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬ــ عدم استخدامه السالح لمواجهة الطرف اآلخر ‪.‬‬
‫‪3‬ــ عدم ارتباطه بالقوات المسلحة العسكرية لدولته ‪ ،‬سواء كان من المنتسبين إليها‬
‫أو من المتطوعين ‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى قواعد الحماية اإلنسانية المقررة للمدنيين ‪ ،‬فإننا سوف نميز بين‬
‫نوعين من الحماية اإلنسانية ‪ ،‬األولى ‪ :‬الحماية اإلنسانية العامة المقررة لجميع‬
‫المدنيين بغض النظر عن اختالفهم وأصنافهم ‪ ،‬والثانية ‪ :‬الحماية اإلنسانية‬
‫الخاصة لبعض المدنيين تبعًا الختالفهم وأصنافهم ‪.‬‬
‫‪1‬ــ الحماية للمدنيين بصورة عامة ‪:‬‬
‫يقصد بالحماية العامة للمدنيين ‪ ،‬الحماية التي يتمتع بها جميع المدنيين بغض‬
‫النظرعن اختالفهم وظروفهم وحالتهم الصحية والنفسية والجسدية ‪ ،‬فهي حماية‬
‫لكل مدني ‪ ،‬سواء أكان من السكان المدنيين ألراضي محتلة ‪ ،‬أم من المدنيين من‬
‫غير الساكنين في أرض محتلة ويتمتع المدنيون بالحماية اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ الحماية من أخطار الحرب ‪:‬‬
‫ال يجوز أن يكون المدنيون هدفًا للعمليات الحربية ‪ ،‬وال يجوز تهديدهم بذلك ‪،‬‬
‫وال يجوز بث الرعب بينهم ‪ ،‬أو أن تتخذ أية وسيلة إلذاللهم فال يجوز أن توجه‬
‫إليهم وسائل األعالم لتخويفهم وإرهابهم ‪ .‬فال بد من حماية المدنيين من أخطار‬
‫الحرب المباشرة ‪ .‬وهي األخطار الناجمة عن العمليات الحربية ‪ .‬ومن أخطار‬
‫الحرب غير المباشرة كقطع الماء والكهرباء والمؤن الغذائية وتلوث البيئة ‪.‬‬
‫ب ــ الحماية من الضرب العشوائي ‪:‬‬
‫يتمتع المدنيون بالحماية من الضرب العشوائي ‪ .‬ويقصد بالضرب العشوائي‬
‫الذي ال يوجه ضد المدنيين ما يأتي ‪:‬‬
‫أوًال ــ الضرب الذي ال يوجه ضد هدف عسكري ‪ :‬فإذا ما قام الطرف اآلخر‬
‫بضرب منطقة غير عسكرية فانه عمله هذا يعد عشوائيًا ‪ ،‬سواء أكان يعلم بوجود‬
‫مدنيين أم ال ‪ .‬ذلك أن العمليات الحربية ال توجه إال إلى المناطق العسكرية ‪ .‬وإذا‬
‫وجهت إلى منطقة غير عسكرية فان هذا التوجه يعد عشوائيًا ‪.‬‬
‫ثانيًا ــ إذا استخدم الهجوم طريقة أو وسيلة ال توجه إلى هدف العسكري ‪ .‬ومن ذلك‬
‫كأن يكون الهدف العسكري مخزنًا لألسلحة النووية تحت األرض أو محصنًا‬
‫تحصينًا ال يمكن أن تؤثر فيه أقوى وأمضى األسلحة المعروفة ‪ ،‬فيلجأ الطرف‬
‫اآلخر إلى ضرب هذا المخزن أو الحصن العسكري بأسلحة تقليدية أو قنابل‬
‫كيميائية أو سامة فان مثل هذه األسلحة ال تؤثر في هذه المواقع وال على أفراد‬
‫القوات المسلحة ‪ ،‬وانما تؤثر في المدنيين الذين يسكنون إلى جانب هذه المواقع ‪.‬‬
‫ثالثًا ــ إذا استخدم الهجوم طريقة أو وسيلة ال يمكن حصر آثارها كأن يقوم أحد‬
‫األطراف المتحاربة باستخدام السموم لضرب أفراد القوات المسلحة عن طريق‬
‫تسميم مياه الشرب األمر الذي يؤدي إلى قتل العسكريين والمدنيين أو استخدام‬
‫أسلحة كيميائية لضرب العسكريين والمدنيين في منطقة واحدة ‪ .‬أو استخدام القنابل‬
‫النووية أو النيترونية أو الهيدروجينية لضرب مواقع عسكرية داخل مناطق مدنية‬
‫األمر الذي يؤدي إلى قتل المدنيين والعسكريين على حد سواء ألن مثل هذه‬
‫األسلحة أو الوسائل ال تميز بين العسكريين والمدنيين وان آثارها تكون شاملة ‪.‬‬
‫رابعًا ــ الهجوم قصفًا بالقنابل على أهداف عسكرية متباعدة ‪ :‬فإذا قام أحد‬
‫األطراف بضرب أهداف عسكرية متباعدة على إنها تضم هدفًا عسكريًا واحدًا‬
‫وجد المدنيون بين هذه األهداف العسكرية المتباعدة أو وجدت مناطق أو مدن أو‬
‫قرى بين تلك األهداف العسكرية فان ضرب هذه المواقع العسكرية واعتدادها هدفًا‬
‫عسكريًا واحدًا‪ ،‬فانه يؤدي بالتأكيد إلى ضرب المدنيين الموجودين بين هذه المواقع‬
‫‪.‬‬
‫خامسًا ــ الهجوم المباشر على المدنيين لتحقيق ميزة عسكرية ‪ :‬قد يلجأ أحد‬
‫األطراف لضرب بعض األهداف المدنية التي يحقق ضربها ميزة عسكرية له ‪،‬‬
‫فيؤدي ذلك إلى ضرب المدنيين داخل هذه األهداف فيخلط بينها وبين إلحاق‬
‫األضرار بالمدنيين أي انه يخلط بين الخسائر في الممتلكات واألضرار التي تلحق‬
‫بالمدنيين فان ذلك يعد ضربًا عشوائيًا محرمًا وان أدى ذلك إلى تحقيق ميزة‬
‫عسكرية للطرف المهاجم ‪ .‬وفي جميع الحاالت المذكورة يعد الضرب العشوائي‬
‫محرمًا عندما يمس هذا الضرب المدنيين أو يلحق الخسائر بهم ويتمتع بذلك‬
‫المدنيون بالحماية اإلنسانية من الضرب العشوائي إال إذا قاموا بدور في العمليات‬
‫الحربية ‪ ،‬فانهم بذلك يفقدون الحماية المقررة لهم ‪.‬‬

‫العسكريون الذين تجوز مقاتلتهم‬

‫العسكريون الذين يجوز قتالهم ‪ ،‬هم األشخاص الذين ينتمون إلى أصناف‬
‫القوات المسلحة الرسمية للدولة من غير األشخاص الذين سبقت اإلشارة إليهم في‬
‫المطالب األربعة السابقة فهؤالء وحدهم توجه ضدهم العمليات الحربية ‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من جواز محاربة هؤالء وقتالهم فان قتالهم محكوم بقواعد إنسانية منها ما‬
‫يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ــ عدم استخدام األسلحة الخانقة ‪ :‬يحرم استخدام األسلحة الخانقة التي تؤدي إلى‬
‫موت جماعي ‪.‬‬
‫‪2‬ــ عدم استخدام السموم ‪ :‬ال يجوز استخدام السموم بجميع أنواعها سواء عن‬
‫طريق وضعها في قذائف أو وضعها في المياه أو الغذاء ‪.‬‬
‫‪3‬ــ عدم استخدام القنابل العنقودية ورصاص دمدم ‪ :‬ال يجوز استخدام القنابل‬
‫العنقودية بسبب ما تسببه من حروق وآالم ‪ .‬كذلك ال يجوز استخدام رصاص دمدم‬
‫‪.‬‬
‫‪4‬ــ عدم استخدام القنابل الهيدروجينية والذرية والنيترونية ‪ :‬ذلك أن مثل هذه‬
‫األسلحة تؤدي إلى موت جماعي ‪ ،‬وتؤدي إلى فناء مظاهر الحياة البشرية وقد‬
‫استخدمت القنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية على مدينتي هيروشيما و‬
‫ناكازاكي اليابانيتين حيث ُقدرت الضحايا بـ ‪ 105,000‬قتيل و ‪125,000‬‬
‫مصاب وفقد آالف األبنية وتسببت بأضرار شعاعية ‪ .‬وقد أنشأت األمم المتحدة‬
‫الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ‪ 20‬أيلول ‪1956‬م من أجل تخصيص الطاقة‬
‫الذرية لألغراض السلمية ‪ .‬وضعت معاهدة منع انتشار األسلحة النووية قيودًا على‬
‫كل دولة بعدم نقل أو قبول األسلحة النووية وأجهزة التفجير النووي أو األشراف‬
‫على هذه األسلحة أو تشجيع أو تحريض دولة على صنع أسلحة نووية ‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ تحريم استخدام األسلحة الكيمياوية ‪ :‬حرم بروتوكول جنيف لعام ‪1925‬م‬
‫استعمال غازات خانقة أو غازات سامة أو غازات أخرى والمواد كافة من السوائل‬
‫أو المواد أو الوسائل الشبيهة في الحرب ‪ .‬وعد أن تحريم ذلك جزء من القانون‬
‫الدولي يتقيد به على السواء وتحريم الحرب بالمواد البكتريولوجية ‪ .‬وقد أنضم‬
‫العراق إلى االتفاقية المذكورة ‪.‬‬
‫‪6‬ــ عدم استخدام الخدعة غير المشروعة ‪ :‬ليس للدول المتحاربة أن تستخدم‬
‫وسائل خداع غير مشروعة ‪ ،‬ويجوز لها استخدام وسائل الخدعة المشروعة ‪ .‬ومن‬
‫أنواع الخداع غير المشروع التي ال يجوز استخدامها ‪:‬‬
‫أ ــ استغالل أوقات الهدنة للقيام بأعمال عسكرية ضد الطرف اآلخر ‪.‬‬
‫ب ــ استخدام إشارات الصليب األحمر أو الهالل األحمر لتغطية األعمال‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫جـ ــ التظاهر بالتسليم حتى إذا ما اقترب الطرف اآلخر ُيفاجأ بالهجوم ‪.‬‬
‫د ــ السماح ألطراف الطرف اآلخر بجمع الجرحى والمرضى ومن ثم مهاجمتهم‬
‫وقتلهم ‪.‬‬
‫أما الخدعة المشروعة ‪ ،‬فهي مثًال القيام بمناورات في منطقة من أجل إيهام‬
‫الطرف اآلخر والهجوم عليه من جهة ثانية ‪ .‬أو تخفي الجنود وراء األشجار أو‬
‫طلي األسلحة بالطين ‪.‬‬

You might also like