Professional Documents
Culture Documents
ما من به الرحمن من التعليقات
ما من به الرحمن من التعليقات
أما بعد
فقد سمعت في بداية عام ٢٠١٨عن الياباني ھيرو انودا الذي قضى حوالي ثالثين عاما في
جزيرة لوبانغ الفلبينية ..رافضا تصديق كل وسائل اإلعالم عن نھاية الحرب العالمية الثانية
حتى أتاه األمر العسكري الرسمي من رئيس ھيئة أركان السرب الخاص ) االستخبارات
وحرب العصابات ( في الجيش الياباني الرابع عشر يوم ٩آذار . ١٩٧٤وعندھا خلع حقيبة
الظھر وسحب أقسام البندقة وأفرغھا من الرصاص ..
عاد المالزم ھيرو انودا الى اليابان يوم – ١٢آذار ١٩٧٤ -حيث استقبل كجنرال مظفر
وأصبح بطال من أبطال اليابان وجزء من تاريخھا
في نفس العام صدر النودا كتاب بعنوان ال استسالم – حربي لمدة ٣٠عاما وباللغة االنجليزية
لقد قمت بترجمة غير حرفية للكتاب وتصرفت بشكل بسيط في ھذه الترجمة وأردت أن
استخلص الدروس والعبر من ھذه القصص .يقول ﷲ تعالى " :لقد كان في قصصھم عبرة
ألولي األلباب " واعتنى المسلمون األقدمون بشعر الجاھلية لما فيه من حكم وكان الخليفة عمر
بن الخطاب يحب ان يسمع غرائب األخبار ..
ال شك ان ھذه القصة من غرائب األخبار ويمكن استنتاج كثير من العبر منھا وقد روى اإلمام
شق َِي فِي َب ْط ِن أ ُ ِّم ِه َ ،وال َّ
سعِي ُد َمنْ شق ُِّي َمنْ َ
مسلم عن ابن مسعود رضي ﷲ عنه أنه قال :ال َّ
ُو ِع َظ ِب َغ ْي ِر ِه.
-١المالزم انودا عاش ثالثين عاما وبدون إمدادات من اليابان معتمدا على ما ييسره ﷲ من
الغابات التي يعيش فيھا وما يغنمه من األعداء وقد قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم :
بعثت بين يدي الساعة وجعل رزقي في ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف
أمري .
في ھذه الفترة لم يطلب انودا من بلده رواتب وال تجھيزات وال إمدادات ..كان كل ھمه تنفيذ
األمر العسكري الذي أصدره قائد الفرقة الثامنة في الجيش الرابع عشر الياباني الفريق شيزو
يوكوياما :ممنوع عليك تماما أن تموت بفعل يدك .قد يستغرق األمر ثالث سنوات ،قد يستغرق خمسة ،ولكن مھما
حدث ،سنعود لك .حتى ذلك الحين ،طالما لديك جندي واحد ،استمر في قيادته .قد تضطر إلى العيش على جوز الھند .إذا
كان ھذا ھو الحال ،عش على جوز الھند .ممنوع عليك نھائيا أن تتخلى عن حياتك طوعا".
-٢لم يكن انودا ينتظر جزا ًء لما يعمل كان يعرف أن عمله كعميل حرب سري غير مجدي
ماديا ولن يجلب له الشرف والثروة ..كان ھمه ان يخدم بلده وقاتل ثالثين عاما بھذه النية ..
ولكن في النھاية جاءه المال والشھرة والشرف ..وقد ذكر القران والحديث ان الكافر
ف إِلَ ْي ِھ ْم
يجازى بعمله الحسن في الدنيا قال تعالى َ :من َكانَ ُي ِري ُد ا ْل َح َيا َة ال ُّد ْن َيا َو ِزي َن َت َھا ُن َو ِّ
أَ ْع َمالَ ُھ ْم فِي َھا َو ُھ ْم فِي َھا َال ُي ْب َخ ُ
سونَ
عن سعيد بن جبير( :من كان يريد الحياة الدنيا وزينتھا نوف إليھم أعمالھم فيھا )،
ثواب ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا ،وليس لھم في اآلخرة إال َ قال:
ص َنعوا فيھا. النار وحبط ما َ
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى ﷲ عليه وسلم :إن ﷲ ال يظلم مؤمنا ً حسنة يعطى بھا
في الدنيا ويجزى بھا في اآلخرة ،وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بھا في الدنيا
حتى إذا أفضى إلى اآلخرة لم تكن له حسنة يجزى بھا .
لقد دفعت الحكومة اليابانية النوا رواتب ثالثين عاما وكذلك جاءه المال الكثير من نشر
مذكراته حوالي ١٥٠ألف دوالر ..الخ الخ .
-٣يجب على اإلنسان أال يستعجل ويجب عليه ان يصبر ويتحمل ..ويجب ان يكون ذلك في
سبيل ﷲ وفي سبيل االسالم حتى يفوز االنسان بخير الدارين ..وقد روي ان سفانة بنت
حاتم الطائي قالت لرسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھي في االسر :يا محمد! إن
رأيت أن تخلّي ع ّني فال تشمت بي أحياء العرب ؟! فإني ابنة سيّد قومي ،وإن أبي كان يف ّ
ك
العاني ،ويحمي الذمار ،ويقري الضيف ،ويشبع الجائع ،ويفرّ ج عن المكروب ،ويفشي
السالم ويُطعم الطعام ،فارحموا عزيز قوم ذل فرد عليھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم :
يا جارية ،ھذه صفة المؤمن حقاً ،لو كان أبوك مسلما ً لترحّ منا عليه خلّوا عنھا فإن أباھا كان
يحب مكارم األخالق ،وﷲ يحب مكارم األخالق .
-٤قصة المالزم انودا تذكر بقصص صعاليك العرب الذين رفضوا الذل واالستكانة وساروا في
طريقھم الوعر منفردين قال الشنفرى :
ﺎف ِ
اﻟﻘﻠَـﻰ ُﻣﺘَـ َﻌـ ﱠﺰ ُل َوﻓِ َﻴﻬﺎ ﻟِ َﻤ ْﻦ َﺧ َ ض َﻣ ْﻨـﺄَى ﻟِ ْﻠ َﻜ ِﺮﻳ ِـﻢ َﻋ ِﻦ اﻷَذَى
وﻓﻲ اﻷ َْر ِ
ـﻞ ِ ِ ِ ﺿﻴـ ٌﻖ ﻋﻠﻰ اﻣ ِﺮ ٍ ض ِ ﻟَ َﻌ ْﻤ ُـﺮ َك َﻣﺎ ﺑِﺎﻷ َْر ِ
َﺳ َﺮى َراﻏﺒَـﺎً أ َْو َراﻫﺒَـﺎً َو ْﻫ َﻮ ﻳَـ ْﻌﻘ ُ ىء ْ
وقال ايضا :
لم أستطع إقناع أحد بضرورة حرب العصابات .تحدثوا جميعا عن االنتحار والتخلي عن حياتھم بينما كانوا في أعماقھم
يأملون ويدعون أال تتعرض لوبانج للھجوم .كنت متأكدا من ھذا ،ولكن لم يكن ھناك شيء يمكنني القيام به حيال
ذلك .كان لدي سلطة حقيقية قليلة لدرجة أنھم لم يأخذوا كالمي بجدية.
كنت قد أرسلت إلى ھذه الجزيرة للقتال ،ولكني فقط وجدت أن القوات التي كان من المفترض أن أقودھا عبارة عن
حفنة من الناس تبدي استعدادھا للموت ،ولكنھا في الواقع معنية فقط باشباع رغباتھا الفورية .وكأن ھذا لم يكن كافيا ،لم
يكن لدي سلطة إصدار األوامر إليھم .ال أستطع نشرھم إال بموافقة قائدھم .كنت أستطيع أن أدير بطريقة ما لو ان المالزم
ھاياكاوا قد فوض سلطاته لي ،ولكنه على الرغم من مرضه الخطير ،رفض التخلي عن سلطته .كان عليه أن يدير على
كل شيء.
كنت غاضبا .كنت عاجزا ،مع مجموعة من القوات غير المنضبطة ،لم يفھم أي منھم أول شيء عن نوع حرب
العصابات التي سنشارك فيھا قريبا
وأقول انا أيضا ) العبد الفقير الى رحمة ﷲ ( :نحن العرب نبالغ في تعظيم الفرنجة وعاداتھم ونتصورھم مثاليين رغم
أن عندھم الكثير من السيئات كاالنحالل الخلقي واالجتماعي بل قد نقلدھم في كثير من التفاھات كاألزياء والموضة ...
بينما لو فكر في أحوالھم لرثينا لھم ولحمدنا ﷲ تعالى على نعمة اإلسالم واإليمان
-٦شاھدت كثيرا من الفيديوھات والمقاالت على االنترنت عن المالزم ھيرو انودا وكثير منھا غير دقيق وبعضھا فيھا
ِين آ َم ُنوا إِنْ َجا َء ُك ْم َفاسِ ٌق ِب َن َب ٍأ َف َت َب َّي ُنوا أَنْ ُتصِ يبُوا َق ْومًا ِب َج َھالَ ٍة
أخطاء كثيرة وذا يذكرني بقول ﷲ تعالى :أَ ُّي َھا الَّذ َ
ِين يعني ان جاءكم فاسق بنبأ عظيم له نتائج خطيرة ،فال تقبلوا قوله ،حتى تتثبتوا َف ُتصْ ِبحُوا َعلَى َما َف َع ْل ُت ْم َنا ِدم َ
وتتحققوا من صدقه؛ لتأمنوا العاقبة .. .ال ينبغي ان تصدق او تكذب ما على النت بالھوى واالستعجال بل تأكد
وابحث وحقق ..واسأل ﷲ تعالى ان يعينك ويھديك الى الحق بإذنه
-٧حتى الرفاق واألصحاب يتخاصمون ويتقاتلون ولكن ال ينبغي ان يكون ھذا نھاية المطاف ..االختالف البسيط ال
يعني التخاصم والعداوة األبدية وحتى لو نزغ الشيطان بينھم ..كانت مجموعة انودا تتخاصم وتتبادل اللكمات
والمسبات ولكن كما قال انودا :
كان شيمادا وكوزوكا في بعض األحيان يشتبكان باأليدي .ھنا أتدخل في بعض األحيان .وأحيانا أخرى
اجلس واسمح لھم بمحاربة بأنفسھم .عندما حدث ذلك ،لم يكن ھناك شيء يمكن القيام به ولكن القتال باألسنان
واألظافر حتى يستسلم احدھما دون قيد أو شرط .ھذا شيء جيد ،ألنه أعطاھم فرصة الختبار قوتھم الجسدية
.....وعلى المدى الطويل ،جعلتنا ھذه المعارك اقرب الى بعض
-٨حتى يفھم اإلنسان األمور على حقيقتھا يجب أن يتخلى عن فھمه المسبق وأال يحكم مسبقا على األمور ..فالفكرة
المسبقة تجعل اإلنسان يؤول الحقائق ويحرفھا كما يريد ھو وليس كما ھي الحقيقة :
قال انودا :
وباختصار ،عملت مع معرفتي المحدودة من االقتصاد وذاكرتي للحالة في ھانكو قبل أن ادخل الجيش ،لقد شيدت عالما ً
وھميا ً من شأنه أن يصلح مع اليمين الذي كنت قد اقسمته قبل خمسة عشر عاما .خالل السنوات الخمس عشرة التالية،
كان ھذا العالم الخيالي ال يتزعزع سواء مات كوزوكا أو وصل العديد من فرق البحث اليابانية .بقي ھذا الوھم معي
حتى اليوم الذي فيه أعطاني الرائد تانيغوتشي االمر العسكري النھائي .في األيام التي كنت فيھا وحيدا تماما ،بدا أكثر
واقعية من ذي قبل .لھذا السبب كنت غير قادر نفسيا على االستجابة حتى عندما رأيت أفراد عائلتي وسمعتھم يدعونني لم
أكن أفھم أن عالمي لم يكن أكثر من مجرد شكل من خيالي .
وانا كمسلم أقول ينبغي لالنسان ان يدعو ﷲ دائما ان يھديه إلى الصراط المستقيم حيث اننا المسلمين نقرأ في الفاتحة اھدنا
الصراط المستقيم وفي حديث النبي صلى ﷲ عليه وسلم :
ب َوال َّش َھا َدةِ ،أَ ْنتَ َتحْ ُك ُم َبي َْن عِ َبا ِد َ
ك فِي َما َكا ُنوا ت َواألَرْ ِ
ضَ ،عالِ َم ْال َغ ْي ِ اللَّ ُھ َّم َربَّ َجب َْرائِي َل َومِي َكائِي َل َوإِسْ َرافِي َلَ ،فاطِ َر ال َّس َم َوا ِ
َ َ َ َ
ك ت ْھدِي َمنْ تشا ُء إِلى صِ َراطٍ مُسْ تق ٍِيم. َ ِف فِي ِه م َِن ْال َح ِّق ِبإِ ْذ ِن َ
ك ،إِ َّن َ ون ،اھْ ِدنِي لِ َما ْ
اخ ُتل َ فِي ِه َي ْخ َتلِفُ َ
-٩االنتحار ليس غاية و ھو حرام شرعا وال ينبغي ان يكون ھدف الجندي من المعركة ھو االنتحار بل يكون إلحاق
اكبر قدر من الضرر بالعدو كما يقول انودا :
كان الناس يقولون لي في كثير من األحيان أنه إذا كنت محاصرا حقا ،يجب أن تبفي الرصاصة األخيرة لنفسك ،ولكنني
كنت انوي استخدام كل رصاصة معي ضد العدو .لماذا يجب أن أھدر رصاصة على نفسي بينما سيتولى العدو ذلك
؟ كنت قد اعتنيت بتلك الرصاصات واحتفظت بھا نظيفة كل ھذه السنوات .أردت من كل واحدة أن تلحق أكبر قدر
ممكن من الضرر .إذا كنت يمكن أن تقتل عدوا آخر بآخر رصاصة ،فذلك أفضل .ويبدو أن ھذا ھو ما يجب أن يفعله
الجندي بدال من االنتحار،
-١٠لقد عاش انودا ٣٠عاما على المنتجات الطبيعية وكان يمارس الرياضة والتدريبات باستمرار وعندما فحص بعد
عودته حيث مكث تقريبا ٢٠عشرين يوما وتعرض ل ٢٠٠فحص فوجدوا صحته أفضل من صحة سكان المدن
وكانت أسنانه تخلو من التسوس حيث انه كان ينظفھا يوميا بألياف جوز الھند وھنا نركز على اھمية االكل الطبيعي
وكلما كان الطبخ اقل كانت فائدة الكل أكثر ..اما ممارسة الرياضة فانھا تحافظ على شباب الجسم وحيويته ال سيما
مع تقدم العمر
-١١لم يكن المالزم ھيرو انودا وال مجموعته يتعاطون الخمور وكذلك لم يكونوا مدخنين وھذا ساھم في الحفاظ على
صحتھم خالل ٣٠عاما .
-١٢البول والبراز يدالن على صحة الجسم و ھما يتأثران بأمراض الجسم كما بين المالزم أنودوا في كتابه فقال :
" لقد فحصت البراز كل يوم لمعرفة الكمية ،وكم كان صعبا ،وكيف كانت القطع كبيرة .إذا كانت القطع كبيرة جدا ،فھذا
يعني أن معدتي لم تكن تعمل بشكل صحيح .إذا كان البراز لين فھذا يعني ان األمعاء ال تمتص بما فيه الكفاية.
إذا كان ھناك شيء خاطئ ،كان علي أن أقرر السبب سواء كان الطقس ،او ان الطعام الذي كنت قد أكلته ليس
جيدا ،أو ألن جسدي لم يكن في حالة جيدة .في كل مرة حدث شيء خاطئ ،فكرت مرة أخرى اذا ما كنت قد
أكلت في اليوم السابق ،وكيف كان الطقس ،وكم كنت قد أجھدت نفسي و بعد أن قرر السبب اعدل نظامي
الغذائي وأنشطتي وفقا لذلك" .
-١٣لقد انتصرت أمريكا في معركة جزيرة لوبانغ بقوة الرمي وھذا مصداق حديث النبي صلى ﷲ عليه وسلم :أال إن
القوة الرمي ...وال شك إن من أسباب انتصار الكفار على المسلمين في ھذه األيام يعود إلى قوة الرمي
فالواجب على المسلمين االھتمام بقوة الرمي من حيث المدى والقوة والدقة ..وقد انتصرت أمريكا على اليابان
بما أحدثته من تدمير بقوة الرمي ..ومن ناحية عسكرية فالواجب تقوية الرمي من حيث المدى والقوة والدقة
وكذلك تشتيت رمي العدو سواء عن طريق وضع األھداف الوھمية الستنزاف ذخيرة العدو وقي نفس الوقت
إخفاء األھداف الحقيقة عن طريق السواتر سواء كانت شجرية أو بنايات أو حفر في االرض .
إن افشال رمي العدو ھو خطوة مھمة جدا في كسب الحرب وقد اشتھرت وصية عمر بن الخطاب في
االدراع باألرض وھذا يساھم في افشال رمي العدو ..والبد للمسلمين من اإلعداد للعدو كما قال ﷲ تعالى
س َبقُوا ۚ إِ َّن ُھ ْم َال ُي ْع ِج ُزونَ )َ (59وأَ ِعدُّوا لَ ُھم َّما ْ
اس َت َط ْع ُتم ِّمن قُ َّو ٍة َومِن ِّر َباطِ ا ْل َخ ْي ِل س َبنَّ الَّذِينَ َك َف ُروا َ
َو َال َي ْح َ
ﷲَّ
يل ِ س ِب ِ ش ْيءٍ فِي َ َّ
آخ ِرينَ مِن دُونِ ِھ ْم َال َت ْعلَ ُمو َن ُھ ُم ﷲُ َي ْعلَ ُم ُھ ْم ۚ َو َما ُتنفِقُوا مِن َ ﷲ َو َعد َُّو ُك ْم َو ََّ
ُت ْر ِھ ُبونَ ِب ِه َعد َُّو ِ
ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَن ُت ْم َال ُتظل ُمونَ ))٦٠
َ ْ ُي َو َّ
-١٤النجاح في حرب العصابات يعتمد الى حد كبير على إخفاء النفس عن العدو ..وفي حالة قيام العدو بالتفتيش فيجب
االختباء أو الذھاب إلى منظفة أخرى ال يتوقعھا العدو ..لقد أبدع انودا في االختفاء وعندما يغادر منطقة يحرص
على إزالة كل اآلثار التي قد تشير إلى وجوده فيھا ...حتى عندما يأخذ األرز او الموز يحرص على اخذ كمية قليلة
من كل منطقة حتى ال تظھر ..وكذلك يستخدم التمويه عندما يضطر إلى عبور المناطق المكشوفة ..مثال يقول
إذا تركنا بقايا الذبيحة كما كانت ،فإن المطر والغراب سوف يحولھا إلى ھيكل عظمي ،ولكن البقايا سوف تدل
العدو علينا كنا .وبعد أن نقطع البقرة ،ننقل الذبيحة على طول الطريق الجبلي إلى أبعد نقطة ممكنة .و يتم ذلك
في الليل ،بطبيعة الحال .كان العمل ثقيال حقا ،ألن علينا أن نحمل كل اللحوم على ظھورنا في نفس الوقت
ويقول أيضا :
عندما وجدنا منشورات أسقطھا العدو ،نحفظ واحد منھا ونترك الباقي حيث كان ،ألنھا كلھا نفس الشيء .ال يمكن
استخدامھا لبدء النار ألنھا تطلق الكثير من الدخان ..وكنا نخشى استخدامھا حتى لتنظيف أنوفنا ،ألن قطعة واحدة من
الورق المتسخ قد تقود العدو لنا.
عندما ينتھي موسم األمطار ،نأخذ الباھاي ) الكوخ ( بعيدا وإما أن نحرق القطع أو ننثرھا في حفرة .ولمزيد من األمان
غطيناھا بالطين ونشرنا الفروع واألشجار الساقطة .إذا كدسنا عددا ال بأس به من الفروع ،فھذا يكفي للتمويه عن سكان
الجزر فال يشتبھوا.
نغسل الحجارة بالقرب من الكوخ إلزالة أي زيت أو أوساخ ونغطي األرض حيث كان الكوخ مع الفروع التي كنا قد
أبقيناھا لھذا الغرض .كان من المھم بشكل خاص أن ال يعرف احد المكان قبل ان ننتقل إلى موقع جديد ،لذلك قمنا
بسحب الكروم على الفروع لجعل الوصول صعبا قدر اإلمكان دون جعل التمويه واضحا.
-١٥ضرورة صيانة األسلحة والذخائر باستمرار وتزيتھا وتشحيمھا وحفظھا بأمان وتغليفھا لحمايتھا من التعفن والتلف
والقوارض ..وھكذا بقيت بندقية أريساكا ٩٩الخاصة بالمالزم انودا شغالة لمدة ثالثين عاما مع الذخيرة الالزمة
أما الذخيرة التالفة فكان يستخدمھا إلشعال النار بواسطة عدسة .يقول انودا :
اھتممنا بصيانة بنادقنا والذخائر كما فعلنا بأنفسنا .صقلنا البنادق بزيت النخيل للحفاظ عليھا من الصدأ ونظفناھا بدقة كلما
سنحت الفرصة.
في الطقس البارد ،يتخثر زيت النخيل لذلك قمنا بمسح البنادق وانتظرنا حتى وقت الحق لتزيتھا .عندما تترطب البنادق فال
ال بد من تفكيكھا تماما وتنظيفھا قطعة قطعة .إذا لم يكن ھناك وقت لھذا كنا نظفھا ا حراريا وانتظر الطقس العادل .وبما
أن التعرض للمياه يميل إلى جعل األعقاب تتعفن ،فقد اضطررنا أحيانا إلى إزالة الذخائر وونشرالبنادق حيث كان الدخان
من حريقنا يجففھا .وتمتص أعقاب البندقية ورافعاتھا تدريجيا الكثير من زيت النخيل الى درجة جذب الفئران ،وخاصة
الرافعات ،وعندما نتوقفنا في مكان فيه الكثير من الفئران ،نضطر لنشر البنادق عاليا بعيدة عن متناول القوارض.
أكثر إزعاجا من الفئران كان النمل .ولن يكون من قبيل المبالغة القول إن القسم الجبلي من لوبانغ كان من أشد
األنخل .كان ھناك العديد من أنواع النمل .بعض منھم يحب األماكن الرطبة .والبعض اآلخر تزدھر فقط حيث كانت
األرض متناثرة تقريبا .أنواع معينة تجمع معا يترك لتبني أعشاشھا .بالنسبة لنا ،كان أكبر إزعاج ھو نوع من النملة التي
تحمل األوساخ .ھذه ،واألكثر عددا من كل شيء ،كانت دائما تزحف إلى بنادقنا وتترك األوساخ .بعض النمل يدخل
برميل البندقية ويودع األوساخ في األجزاء المتحركة .حتى األوساخ القليلة يمكن أن تسبب فشل البنادق .عندما يظھر
النمل ،نعلق البنادق على فرع شجرة.لمنع النمل من الوصول إليھا.
-١٦من الخطأ االنقطاع عن إخبار العالم لفترة طويلة ..وھذا ما حصل مع انودا في نھاي الحرب العالمية الثانية مما
أدى إلى بناء عالم خيالي يقول انودا :
"عندما وصلت إلى الفلبين في عام ،١٩٤٤كانت الحرب تسير على نحو سيء بالنسبة لليابان ،وفي الوطن كانت العبارة
"أيشيوكو جيوكوساي( " مائة مليون نسمة تموت من أجل الشرف( على شفاه الجميع .ھذه العبارة تعني حرفيا أن سكان
اليابان سيموتون إلى آخر رجل قبل االستسالم .أخذت ھذا حرفيا ،وأنا واثق ان العديد من الشباب الياباني اترابي فعلوا
كذلك .
وأعتقدت بإخالص أن اليابان لن تستسلم طالما بقي ياباني واحد على قيد الحياة .وعلى العكس من ذلك ،إذا ترك أحد
اليابانيين أحياء ،فلن تستسلم اليابان .
بعد كل شيء ،ھذا ھو ما تعھد به اليابانيون جميعا بعضھم لبعض .لقد أقسمنا أننا سنقاوم الشياطين األمريكيين
واإلنجليزيين حتى يموت آخر رجل .إذا لزم األمر ،فإن النساء واألطفال ستقاوم بعصي الخيزران ،في محاولة لقتل أكبر
عدد ممكن من قوات العدو قبل أن يقتلوا أنفسھم .نشرة صحف الحرب ھذه الفكرة بأقوى لغة ممكنة" .الكفاح من أجل
النھاية!" "يجب حماية اإلمبراطورية بأي ثمن!" "مائة مليون يموتون من أجل القضية" .لقد نشأت تقريبا على ھذا النوع
من الكالم.
عندما أصبحت جنديا ،قبلت أھداف بلدي .وتعھدت بأن أفعل كل شيء في وسعي لتحقيق تلك األھداف .بعد أن ولدت ذكرا
ويابانيا ،وبمجرد اجتياز الفحص البدني للجيش ،اعتبرت ان واجبي ھو ان اصبح جنديا واقاتل من أجل اليابان.
بعد دخول الجيش ،أصبحت مرشحا في مدرسة تدريب الضباط .عندما جاء أخي تاداو لرؤيتي ھناك ،سألني عما إذا كنت
مستعدا للموت من أجل بلدي .قلت له نعم .في ذلك الوقت ،جددت يمينا لنفسي بأن أعطي كل شيء .لقد كان ھذا اليمين
رسميا ،وكنت عازما على تنفيذه.
وبحلول عام ١٩٥٩كنت في لوبانغ لمدة خمسة عشر عاما ،واألخبار الحقيقية الوحيدة التي تلقيتھا من اليابان خالل تلك
الفترة ھي الصحيفة التي تركھا يوتاكا تسوجي ،الذي ادعى أنه مراسل من صحيفة أساھي .لم أكن متأكدا حتى من صحة
ھذا.
وباختصار ،لمدة خمسة عشر عاما ،كنت خارج الزمن و كل ما تاكد من صحته كان في في أواخر عام ١٩٤٤وما
أقسمته في ذلك الوقت للقيام به .كنت قد حافظت على قسمي بجد خالل تلك الخمسة عشر عاما.
قرأت صحف عام ١٩٥٩في نفس اإلطار من العقل ،وكان الفكر األول كان" ،اليابان آمنة ،بعد كل شيء .آمنة وال تزال
تقاتل.
ولم تقدم الصحف أي قدر من اإلثبات .ألم يكن البلد كله يحتفل بزواج ولي العھد؟ الم تظھر الصور موكب الزفاف الفخم
في شوارع طوكيو ،مع آالف اليابانيين وقد اصطفوا على طول الطريق؟ لم يكن ھناك شيء ھنا .حوالي مائة مليون
شخص يموتون .ومن الواضح أن اليابان مزدھرة وناجحة.
من قال إننا خسرنا الحرب؟ وأثبتت الصحف أن ھذا خطأ .لو خسرنا ،فإن مواطنينا سوف يموتون جميعا .لن يكون ھناك
المزيد من اليابانيين ،ناھيك عن الصحف اليابانية" .
يقول العبد الفقير الى رحمة ﷲ :انصح كل مسلم ان يستمع إلى نشرة أخبار يومية واحدة وال يبالغ وربما يستطيع
الحصول على اإلخبار التي تھمه من مواقع االنترنت او التواصل االجتماعي ..
-١٧للنجاح في حرب العصابات ال بد من تغيير العادات والتكتيكات باستمرار بحيث ال يتوقع العدو اين سيھاجم وال
زمن الھجوم بل يبق متوجسا خائفا من الھجوم في إي لحظة وفي أي مكان يقول انودا :
والواقع أن حرق األرز في نفس األماكن كل عام يزيد من خطر أن يتوقع سكان الجزر تحركاتنا وأن يضعوا مصيدة
لنا .ولذلك قمنا بتغيير تكتيكاتنا إلى حد ما ،وإخماد الغارات لمدة شھر في بعض السنوات أو لمدة خمسة أشھر في
األماكن التي يزرع فيھا محصوالن كل عام .حاولنا ان نجعلھم يخمنون أين سنطفوا على السطح .وإذا كان بوسعنا
أن نشجع الخوف من احتمال ظھورنا في أي مكان تقريبا في أي وقت تقريبا ،فإن ذلك سيحقق في حد ذاته نصف
ھدفنا.
-١٨المظھر الجيد وإلقاء السالم المناسب والتعبيرات المھذبة اللطيفة لھا دور كبير في االنطباع األول وفي تسھيل األمور
.يقول انودا عن لقاءه األول بسوزوكي :
وقف واستدار إلي. .كانت عيناه مستديرتين ،وارتدى بلوزة نصف كم ،وسراويل زرقاء داكنة وصنادل
مطاطية ،واجھني وحياني .ثم حياني مرة أخرى .كان يداه ترتجفان ،وكذلك ركبتيه .
ويقول أيضا :
استخدامه تعبيرات يابانية مھذبة أقنعتني انه قد نشأ في اليابان،
ويضيف :
لو لم يكن يرتدي الجوارب ،ألطلقت النار عليه وعلى أقل تقدير ،لم يكن ألسمح له بتصويري .لكنه كان على
ھذه الجوارب الصوفية سميكة على الرغم من انه كان يرتدي الصنادل المطاطية .إن سكان الجزر لن يفعلوا أي
شيء غير متناسب وبما انه يستطيع تحمل الجوارب على األحذية أيضا فھو شاب ياباني حقا.
وقد حث الرسول صلى ﷲ عليه وسلم على إفشاء السالم وكذلك حث على الكلمة الطيبة واعتبرھا صدقة قال
صلى ﷲ عليه وسلم :
))والذي نفسي بيده ،ال تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ،وال تؤمنوا حتى تحابواَ ،أو َال أدلكم على شيء إذا فعلتموه
تحاببتم؟ أفشوا السالم بينكم(( رواه مسلم
متفق عليه. ص َد َق ٌة« وقال صلى ﷲ عليه وسلمَ » :و ْال َكلِ َم ُة َّ
الط ِّي َب ُة َ
-١٩ھناك جنود يابانيون آخرين لم يستسلموا رغم علمھم بانتھاء الحرب بل عاشوا في األدغال حتى تم اكتشافھم او
موتھم ..فضلوا الموت على الوقوع في األسر ..وكان منھم الرقيب تشوشي يوكوي الذي عاش في أدغال جزيرة
غوام لمدة ٢٨عاما حتى تم اكتشافه عام .. ١٩٧٢وقد استطاع تدبير أكله وملبسه وأدواته من البيئة المحيطة حتى
انه صنع مالبسه من أشجار الغابة ..وكذلك حفر لنفسه كھفا تحت أشجار الخيزران ..وكان ھذا الكھف مموھا
بشكل ممتاز إلى حد يصعب اكتشافه حتى لو كنت قريبا منه ..وبالتالي فمن الضروري لإلنسان إن يتعلم أساسيات
البقاء على قيد الحياة في الظروف الصعبة ..و قد جاء في األثر :تعلموا العلم فان أحدكم ال يدري متى يحتاج إليه .
-٢٠اھمية التمويه واألھداف الوھمية في تشتيت رماية العدو وإھدار ذخيرته :يقول انودا :
كنت أتساءل ما يجب القيام به حول معركة المطار ،تذكرت الساموراي كوسونوكي ماساشيج
القرن الرابع عشر الشھير ،الذي استخدم خالل معركة صعبة الكثير من دمى القش والبسھا
الخوذات من أجل إھدار سھام العدو الثمينة .قررت أن أخرج ورقة من كتاب
ماساشيج .وبمساعدة المالزم سوھيرو ،جمعت قطعا من الطائرات المدمرة ووضعتھا لتبدو
وكأنھا طائرات جديدة ،مع الحرص على تمويھھا بالعشب.
كنت أعتقد ان ھذا عمل طفولي بسيط ،لكنھا خطة نجحت ،عندما جاءت طائرات العدو،
انشغلت دائما بقصف المطار .في ذلك الوقت ،كانوا يأتون يوما بعد يوم ،واستخدمنا األيام
األخرى لوضع طائرات وھمية .اعتبرت ان تكتيكات حرب العصابات جيدة لجعل الطائرات
المھاجمة تستھلك أقصى قدر من الذخيرة.
-٢١ينبغي لإلنسان أال يحقر نفسه وال غيره أيضا .فھذا الشاب الصغير نورويو سوزوكي
استطاع أن يقنع المالزم انودا باالستسالم بعدما عجزت فرق البحث الكبيرة والصغيرة عن
ذلك ..لم يقل سوزوكي ان ھذه المھمة مستحيلة وعجزت عنھا اليابان ..ولم ييأس ..
وبالتالي استطاع انجاز ما عجز عنه الكثيرون ..وﷲ ھو الموفق .
-٢٢ھذه الترجمة ال تعني الموافقة على كل ما قام به المالزم ھيرو انودا ولكن المسلم يستفيد
ويتعلم حتى ممن ال يؤبه له وعن عبد ﷲ بن أحمد بن حنبل أنه كان يقول :كنت كثيراً
أسمع والدي أحمد بن حنبل يقول :رحم ﷲ أبا الھيثم ،فقلت :من أبو الھيثم ؟قال :أبو
الھيثم الحداد لما مُدت يدي إلى العقاب وأُخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من
ورائي ويقول لي :تعرفني ؟ قلـت :ال .
قال أنا أبو الھيثم العيار اللص الطرار ،مكتوب في ديوان امير المؤمنين أني ضُربت ثمانية
عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان ألجل الدنيا فاصبر أنت
في طاعة الرحمن ألجل الدين .
إن لم تكن مثل احمد بن حنبل فكن نصيرا الھل الدين ناصحا لھم ولو كنت مقصرا كما قالوا
لعلي أن نال بھم شفاعة أحب الصالحين ولست منھم
ولو كنا سواء في البضاعة واكره من بضاعته المعاصي
ال استسالم
مقدمة
لم الشمل
تدريبات الكوماندوز
أوامر مصيرية
رسائل مزيفة
الحياة في الغابة
شياطين الجبال
وحيدا
وداعا لوبانغ
مقدمة
أعلن عن وفاة المالزم ھيرو أونودا رسميا في ديسمبر كانون االول عام .١٩٥٩في ذلك
الوقت كان يعتقد انه ورفيقه كينشيتشي كوزوكا توفيا متأثرين بجروح أصيبا بھا قبل خمس
سنوات في مناوشة مع القوات الفلبينية.ولم يكشف بحث دام ستة اشھر نظمته وزارة الصحة
والرعاية االجتماعية اليابانية فى اوائل عام ١٩٥٩عن اى أثر للرجلين .واقيمت له جنازة
رسمية .
ثم ،في عام ١٩٧٢طفت قضية أونودا وكوزوكا على السطح ،وقتل كوزوكا في اشتباك مع
الشرطة الفلبينية .في نصف العام التالي ،حاولت ثالث فرق بحث يابانية إقناع أونودا
بالخروج من الغابة ،ولكن الرد الوحيد الذي تلقوه ھو مذكرة شكر لبعض الھدايا التي تركوھا له
.ھذا على األقل أثبت أنه كان على قيد الحياة .وبسبب تردده في الظھور ،أصبح شيئا من
أسطورة اليابان.
في أوائل عام ،١٩٧٤قرر طالب ياباني ودود متسرب و يدعى نيرو سوزوكي ،الذي كان قد
سافر نحو خمسين دولة ،قرر ھذا الطالب السير في رحلة عبر الفلبين وماليزيا وسنغافورة
وبورما ونيبال و البلدان األخرى التي قد تتيسر له .عندما غادر اليابان ،أخبر أصدقائه أنه
سيبحث عن المالزم أونودا ،الباندا و الرجل الثلجي البغيض ،في ھذا الترتيب .ويفترض أن
الباندا والرجل الثلجي ال يزاالن ينتظران ،ألنه بعد أربعة أيام فقط على لوبانغ ،وجد سوزوكي
أونودا وأقنعه باالجتماع مع وفد من اليابان ،الذي تعھد سوزوكي باستدعائه.
لفد حظيت تفارير اجتماع سوزوكي مع انودا بتغطية كبيرة في الصحافة والتلفزة اليابانية
.بعض الناس شك في في سوزوكي ،ولكن تم أرسال بعثة بسرعة إلى الفلبين للتحقق من
قصته .ورافق البعثة ما ال يقل عن مائة صحفي ياباني.
ھناك العديد من النظريات حول سبب ظھور ضجة كبيرة لعودة انودا ..ارجحھا ھو حاجة
اليابان الى بطل بعد ھزيمتھا في الحرب العالمية الثانية .قبل عام واحد فقط ،كان الرقيب
شويتشي يوكوا قد عاد من غوام وسط ضجة كبيرة .اال ان يوكوا كان رجال عاديا إلى حد ما -
عاديا ً جدا لدرجة انه ال يصلح الن يكون بطال .ربما المالزم أونودا سيكون البطل الحقيقي الذي
يسد ھذا الفراغ
لقد كان أونودا ذكيا ،صريحا ،قوي اإلرادة و رزينا راقيا .وھذه ھي الواصفات الي يحبھا
اليابانيين في ابطالھم ،لقد كان انودا يمثل المثل االعلى الياباني في االخالص و التصميم والعزم
والتضحية حتى لو كان وحده .وخالل األسابيع الثالثة بين أول اتصال له مع سوزوكي والتقائه
بالرئيس فرديناند ماركوس ،اجتاحت اخباره وسائل االعالم المرئية والمسموعة وحتى حديث
الناس ،وعندما عاد أونودا إلى اليابان ،استقبل كجنرال منتصر .و من جانب آخر ،تمت ترقية
نوريو سوزوكي في قفزة واحدة من رتبة مغامر إلى مساعد بطل لدوره في عودة انودا.
وعندما ترى انودا ،ھذا الرجل الوقورالكريم يخرج من الطائرة ويقف بصرامة مع الحفاوة
التي استقبل بھا ،تدرك انك امام رجل فريد متميز لم تر مثله في حياتك -رجل كان ال يزال
يعيش -الى ما قبل بضعة ايام في اجواء الحرب العالمية الثانية وعلى مدى سنوات طوال بعد
ان نسيھا العالم .
و على مدار أسبوعين كان المالزم انودا مستحوذا على االخبارفي الصحف والتلفاز ،شاھد
االمالزم أونودا يحيي والده وأصدقائه ،المالزم أونودا في فندقه ،ذھب المالزم أونودا إلى
المستشفى للفحص الطبي ،وكان المالزم أونودا قد تناول وجبة اإلفطار ،المالزم أونودا غادر
طوكيو الى موطنه في والية واكاياما .بل تقدم خبرلم شمل انودا مع والدته على خبر محاولة
اختطاف طائرة تمت فوق طوكيو .
أصبح من الواضح أن أونودا لم يكن رجال عاديا ،ولكن رجل ذو تصميم قوي وصاحب
مبدأ .على الرغم من حجمه الصغيرنوعا ما ،كنا نتساءل ما ھو السبب النفسي الذي ابقاه لمدة
٣٠سنة ؟كان ھذا مثيرا ومدھشا
وتسابق الناشرون اليابانيون من أجل حقوق قصة أونودا .وذھل معظمھم الته رفض بعض
العروض المغرية جدا واختيار ناشر اعجب انودا بسبب مجلة الشباب التي كان يتمتع بھا في
أوقات ما قبل الحرب ،ھذا يدل على انفراد انودا ألن العظمة التي أبقت عليه على لوبانغ ھو
مزيج من اللطف والحنين للجيل األصغر سنا ،ولعل ھذا الجانب من شخصيته ھو الذي دفعه
إلى االستسالم لشاب ياباني صغير ولكن من الواضح أنه شاب صريح ،عندما كان ضد كل
اآلخرين.
أونودا كان صاحب ذاكرة ھائلة وفي غضون ثالثة أشھر من عودته ،كان قد أملى ألفي صفحة
من الذكريات تتراوح بين أھم األحداث ألصغر تفاصيل الحياة في الغابة .في يوليو،١٩٧٤ ،
نشرت ھذه المواد بشكل سلسلة في الصحيفة االسبوعية شوكان جنداي .
.
في نھاية كتابه ،يسأل أونودا نفسه لما كان يقاتل طوال ھذه السنوات .ربما كان يقاتل من من
أجل ما يراه نزاھة واستقامة .وفي الحقيقة فانه اصبح بطال في عصره وھل سيبقى بطال في
المستقبل ..ربما سيبقى ،ألنه في النھاية فاز بحربه ووجد ثمرة تعبه وجھاده لمدة ثالثين سنة .
لم الشمل
اختبأت في الحرش ،في انتظار مرور الوقت .كان ذلك قبل الظھر قليال في ٩مارس ،١٩٧٤
وكنت على منحدر حوالي ساعتين بعيدا عن نقطة واكاياما .كانت خطتي االنتظار حتى وقت
المساء عندما ال يزال من الممكن فقط ان تعرف جليسك ثم االقتراب من نقطة واكاياما بسرعة،
في مناورة واحدة .الكثير من الضوء يعني الخطر ،ولكن إذا كانت مظلمة جدا ،فلن استطيع
التأكد من أن الشخص الذي امامي كان حقا الرائد تانيغوتشي .أيضا ،ايضا كان وقت المساء
المتاخر مناسبا للھرب ان تطلب االمر
بعد الساعة الثانية ظھرا خرجت بحذر من مكان اختبائي وعبرت النھر فوق ھذه النقطة .اخذت
طريقي من خالل بستان من النخيل ركضت على طول النھر ،وسرعان ما وصلت الى منطقة
كان سكان الجزر فيھا يقطعون األشجار للبناء.
على طرف المنطقة المفتوحة ،توقفت قليال .لم ار أحدا حولى .ان افترضت أن العمال كانوا
في عطلة ،ولمزيد من االمان موھت نفسي بالعصي واألوراق المجففة قبل عبور المنطقة
المكشوفة .
عبرت نھر أغكويان ووصرت على بعد حوالي ثالثمائة ياردة من المكان المحدد .كانت الساعة
الرابعة مساء ،لذلك ال يزال لدي الكثير من الوقت بدلت تمويھي باوراق جديدة .كانت ھذه
المنطقة حقوال لألرز ،ولكنھا اآلن سھل عشبي يتخلله شجر النخيل ھنا وھناك .وعلى طول
النھر ينمو الخيزران والشجيرات.
وقفت على تلة صغيرة استطيع من خاللھا روية نقطة االجتماع و المناطق المحيطة بھا .كان
ھذا المكان الذي التقيت فيه وتحدثت مع نوريو سوزوكي قبل أسبوعين .وقبل يومين فقط،
وجدت رسالة من سوزوكي تطلب مني أن ألتقي به ھنا مرة أخرى في صندوق الرسائل الذي
اتفقنا عليه ،وقد جئت .كنت ال ازال خائفا من ھذا قد يكون فخا .واذا كان فخا فربما يكون
العدو ينتظرني على التلة.
وشرعت بأقصى قدر من الحذر ولكن لم أر أي عالمات للحياة .في الجزء العلوي من التل،
خرجت من بين األشجار والشجيرات ،وعلى حافة النقطة ،حيث وضع سوزوكي ناموسيتة
رأيت خيمة صفراء يلوح العلم الياباني فوقھا ،ولكن لم أتمكن من رؤية أي شخص .ھل كانوا
يستريحون في الخيمة؟ أو انھم يختبئون في مكان آخر منتظرين ظھوري؟
بعد ثالثين دقيقة من التوتر ،لم يكن ھناك أي تغيير ،نزلت المنحدر واقتربت الى حوالي مائة
ياردة من الخيمة .لقد غيرت موقفي قليال للحصول على وجھة نظر مختلفة ،ولكن لم ار
احدا .قررت أنھم مستقرين في الخيمة في انتظار غروب الشمس.
بدأت الشمس تغيب .فحصت بندقيتي وقمت بربط حذائي .كنت واثقا :استطيع ان امشي إلى
الخيمة مغلقا عيني ،وشعرت بالقوة استرحت قليال مع مراقبة ما حولي .قفزت فوق أسالك
شائكة وصلت لظل شجرة بوسا قريبة ،حيث توقفت ،أخذت نفسا عميقا ،ونظرت في الخيمة
مرة أخرى .كان كل شيء ال يزال ھادئا.
لقد حان الوقت .جھزت البندقية ،دفعت صدري ،وسرت إلى األمام في العراء.
كان سوزوكي يقف مديرا ظھره لي ،بين الخيمة وموقد كانوا قد بنوه قبل ضفة النھر .استدار
ببطء ،وعندما رأني ،ھرول نحو ي مادا ذراعيه.
تحرك ظل في الخيمة ،ركض سوزوكي وعيناه تتفجران من الدھشة وشبك كلتا يديه بيدي
اليسرى .توقفت على بعد عشرة ياردات من الخيمة تقريبا ،و جاء صوت من الخيمة.
عرفت من صوته أنه كان الرائد تانيغوتشي .وانتظرته بدون حركة .أدخل سوزوكي راسه في
الخيمة وأخرج كاميرا .في داخل الخيمة كان الرائد يلبس بنطاال قصيرا ،نظرالى الخارج و
قال :ساغير مالبسي .انتظر دقيقة واحدة فقط".
اختفى الرأئد ،و في لحظات قليلة خرج الرائد تانيجوتشي من الخيمة باللباس الكامل وطاقية
عسكرية على رأسه .أديت له التحية العسكرية ،و صحت" ،المالزم أونودا ،تحت امرك سيدى
".
"جيد !" قال،وھو يسير باتجاھي ويربت برفق على كتفي األيسر" .لقد جلبت لك ھذه من وزارة
الصحة والرعاية ".
سلمني ھدية عليھا شعار اإلمبراطورية .قبلت ذلك ،وشكرته عليھا ،تراجع مرة أخرى
خطوتين أو ثالث خطوات .وعلى مسافة صغيرة كان سوزوكي يقف جاھزا مع الكاميرا.
حبست أنفاسي عندما بدأ يقرأ من وثيقة كان قد احتفظ بھا رسميا بكلتا يديه .وبصوت منخفض
نسبيا ،قرأ " أمر من قيادة الجيش الرابع عشر" ثم استمر بقوة أكبر وبصوت أعلى" :أوامر
من مكتب رئيس ھيئة اركان السرب الخاص،
"2.وفقا لالمر العسكري رقم ، A‐2003يعفى السرب الخاص في مقر قيادة ھيئة األركان من
جميع الواجبات العسكرية.
"3.الوحدات واألفراد العاملين تحت قيادة السرب الخاص عليھم وقف األنشطة والعمليات
العسكرية فورا ووضع أنفسھم تحت قيادة اقرب ضابط كبير .وعندما يتعذر العثور على ضابط
كبير ،عليھم التواصل مع القوات األمريكية أو الفلبينية واتباع توجيھاتھم.
بعد قراءة ھذا ،توقف الرائد تانيغوتشي قليال ،وأضاف قائال "ھذا ھو كل شيء".
الزلت واقفا ،في انتظار ما سيلحق .كنت متأكدا بأن الرائد تانيجوتشي سياتي ويھمس لي
"كان ذلك شائعات .سأقول لك أوامرك الحقيقية في وقت الحق " .بعد كل شيء ،كان سوزوكي
حاضرا ،ولم يستطع الرائد التحدث معي سرا أمامه.
راقبت الرائد عن كثب ،نظر الى الوراء بطريقة صلبة ،مرت الثواني ولم يتكلم .شعرت
بحزمة ثقيلة جداعلى ظھري .
طوى تانيغوتشي االالوراق ببطء ،وللمرة األولى أدركت أنه لم يكن ھناك حيلة والخدعة -
كل ما سمعته كان حقيقيا .ولم تكن ھناك رسالة سرية.اصبح الحمل اثقل على ظھري
لقد خسرنا الحرب حقا ! كيف يمكن أن يكونوا قذرين الى ھذا الحد؟
فجأة اصبح كل شيء أسودا .عاصفة اندلعت داخلي .شعرت باني أحمق ألنني كنت متشددا
وحذرا اكثر مما ينبغي واألسوأ من ذلك ،ما الذي كنت أفعله طوال ھذه السنوات؟
تدريجيا ھدأت العاصفة ،وللمرة األولى اقتنعت بان حربي ثالثين عاما كمقاتل في حرب
عصابات للجيش الياباني قد انتھت فجأة.
وقال االرائد تانيغوتشي "يجب ان يكون ذلك صراعا" ".أھدأ وخذھا ببساطة".
طرحت حقيبة ظھر كنت دائما احملھا معي ووضعت البندقية عليھا .ھل حقا انتھى دور
البندقية التي كنت قد صقلتھا ورعيتھا كطفل رضيع كل ھذه السنوات؟ أو بندقية كوزوكا ،التي
كنت مخبأة في شق في الصخور؟ ھل انتھت الحرب بالفعل قبل ثالثين عاما؟ إذا كان ھذا
صحيحا ،لماذا توفي شيمادا وكوزوكا؟ إذا كان ما يحدث صحيحا ،أليس من األفضل لو اني مت
معھم؟
في تلك الليلة لم انم نھائيا على اإلطالق .وفي داخل الخيمة ،بدأت إعطاء تقريرعن
استطالعى ونشاطي العسكري خالل ثالثين عاما في لوبانغ -تقرير ميداني مفصل .وكان
تانيغوشي يقاطعني احيانا بكلمة أو اثنين ،ولكنه استمع باھتمام ،واحيانا كان يومئ براسه اشارة
الموافقة أو الفھم .
وبما امكن من الھدوء أبلغت الرائد تانيغوشي باالحداث واحدا تلو اآلخر ،ومع الكالم بدات
العواطف تتغلب علي ..عندما وصلت الى قصة موت شيمادا وكوزوكا خنقتني العبرة وغلبني
البكاء و تعثرت عدة مرات .اومضت عينا تانيجوتشي كما لو كان يمسك دموعه .وكان الشيء
الوحيد الذي أنقذني من االنھيار التام ھو الشخير المستمر من الشباب سوزوكي
وقبل أن أبدأ تقريري ،سأل سوزوكي الرائد عما إذا كان ينبغي له أن نخبر الباحثين اآلخرين
اجابه الرائد بالنفي الننا إذا أبلغنا ،فسوف نحاصر على الفور من قبل حشد كبير من الناس .أشار
سوزوكي بالموافقة ،وشرعت في التحدث إلى الرائد حتى الفجر.
عدة مرات أمرني الرائد أن أذھب إلى الفراش وأقول له البقية غدا ،حاولت ھذا مرتين أو ثالث
مرات ،وفي كل مرة كنت انھض في أقل من عشر دقائق .كيف يمكن أن أنام في وقت مثل ھذا؟
كان علي أن أقول له كل شيء ھنا وھناك.
وأخيرا وصلت إلى نھاية القصة ،وقال الرائد" :اآلن لننام قليال .وسوف تشرق الشمس بعد
ساعة أو نحو ذلك .امامنا يوم صعب ،وحتى ساعة نوم ستساعد " .استلقى وخالل ثوان
ارتفع صوت شخيره .
لم استطع النوم .كنت متعودا على النوم في الھواء الطلق كل ھذه السنوات ،وال يمكن أن اعتد
النوم على السرير .أغلقت عيني ،ولكنني كنت أكثر استيقظا من أي وقت مضى .طوعا او
كرھا كان علي ان استعرض في ذھني جميع األحداث التي جلبتني إلى ھذه الخيمة.
التدريبات العسكرية الخاصة
)الكوماندوز(
ولدت في عام ١٩٢٢في بلدة كاينان ،محافظة واكاياما .عندما كنت في مدرسة كينان
المتوسطة ،كنت شغوفا بالمبارزة اليابانية الكندو .وعلى الرغم من أنني لم اكن جيدا بشكل
استثنائي في دراستي ،أحببت الذھاب إلى المدرسة ،ألنه عند نھاية االدروس استطيع الذھاب
إلى صالة األلعاب الرياضية وممارسة الكيندو بسيف الخييزران .
كان تخصصي ھي ھجوم على الجسم بالقفز وھجوم جانبي .أستاذي ،إيزابور ساساكي ،كان في
المرتبة السادسة في ذلك الوقت ،وھو من علمني تين التقنتيين بدقة .كان ساساكي رجال
صغيرا لكنه اشتھر بكونه أكثرخبراء الكندو مھارة في كل مقاطعة واكاياما .كنت اصغر طالب
في الصف وطولي خمسة اقدام ،وكان من المفارقات أني كنت اھزم أي شخص اقاتله وعندما
كان أي شخص يرفع سيفه فوق راسي ويبدأ بانزاله على جبھتي كنت اراوغه واضربه في
الصدر في اللحظة المناسبة .لقد عانى ساساكي كثيرا ليدرسني ھذه التقنية.
كان ھناك صبي واحد في صفي لم استطع التغلب عليه .وكان اسمه كاورو كوباي .في وقت
الحق ذھب إلى جامعة واسيدا وحصل الحقا على الرتبة السابعة في المبارزة ،ولكنه في ذلك
الوقت كان مجرد مبتدئ مثلي.أحرقني ألنني لم أستطع التفوق عليه ولو مرة واحدة .و قبل أن
ننتھي من المدرسة كان ال بد لي من التفوق عليه.
فجأة كنا في السنة الخامسة واألخيرة من المدرسة ،وكانت دورة الكندو في نھايتھا .سحبت
كوباي جانبا وقال" :انظر ،أنا فقط ال يمكن أن أتخرج دون ان اھزمك مرة واحدة .أعطني
فرصة واحدة فقط رجاء"!
ووافق على أن ينھزم امامي عدة مرات كما أردت ،وضعنا معداتنا الواقية وتجمع الكل
لمشاھدة المباروة . ،قلت لنفسي مرارا وتكرارا أن ال يجب أن أخسر ،ال يمكن أن يخسر،
وعندما بدأ ت المباراة ،ھزمته واصبته
بعد ذلك قال كوباي بصراحة" ،كان ذلك خدعة ،أونودا" ،وأنا ،كنت فخورا فقط من تقنيتي ،
أدركت أنني لم أبدأ في فھم روح الكيندو .واحمرت عيناه .
وفي ربيع عام ١٩٣٩ذھبت للعمل في شركة تجارية محلية تدعى تاجيما يوكو ،متخصصة في
الطالء .أخذت ھذه المھمة على أساس أنني سوف ارسل إلى فرعھم في ھانكو ) ووھان( في
وسط الصين .كنت ابن سبعة عشر ولم أكن أريد أن أعيش مع والدي لفترة أطول .بدا لي أن
الوقت قد حان للخروج من تلقاء نفسي .وكانت الصين كبيرة لدرجة أن ھناك الكثير من الفرص
ھناك .وأردت أن اعمل بجد؛ وأود أن استغني .كانت ھانكو مكانا جيدا للبدء ،ألن شقيقي االكبر
الثاني ،تاداو ،الذي كان مالزما أول في الجيش ،كان متمركزا ھناك ،وسيساعدني.
كنت خامس سبعة أطفال ،خمسة فتيان وفتاتان .وقد تخرج أخى األكبر ،توشيو ،من المدرسة
الثانوية األولى في طوكيو وثم من كلية الطب من جامعة طوكيو اإلمبراطورية .وھو اآلن
ضابط طبي في الجيش ،متمركز بالقرب من الحدود بين كوريا ومانشوكو .وكان االبن األكبر
التالي تاداو ،ثم كان ھناك تشي ،أختي الكبرى .كان ھناك ابن ثالث يدعى يوشيو ،لكنه توفي في
مرحلة الطفولة .عامين أصغر مني كان االبن الخامس ،شيغيو ،الذي كان في السنة الرابعة من
المدرسة المتوسطة .وكانت أصغرنا شقيقتي األخرى ،كيكو ،وكان عمرھا عشر ستوات في
ذلك الوقت.
وصلت إلى ھانكو في منتصف أبريل /نيسان ،وذھبت في نفس اليوم لرؤية أخي في مقر
الضباط .لم أكن قد اخبرته مسبقا عن قدومي ،صعق عندما رآني .وعندما افاق من الدھشة ،
سأل "ماذا يحدث؟ ما الذي تفعله ھنا؟"
شرحت له االمر وافھمنى اننى يجب اال اكون عملت حساباتي اعتمادا على رعايتة لي.
سحبت نفسي الى االعلى وأجبته بصوت عال " :إذا لم يكن الرجل على استعداد لتحمل
بعض المخاطر ،فلن يحصل على أي مكان!" حدق اخي في وجھي ،غير مصدق
كان يحدق في وجھي احيانا بعد ذلك بقليل .غادرت اليابان ومعي حقيبة واحدة فقط ،ويبدو لي
أن أول شيء يجب القيام به ھو الحصول على بعض المالبس الجيدة .قررت أن أطلب من أخي
أن يشتري لي بدلة ؛ أدھشني انه وافق .اخترت على وجه السرعة قماش صوف إنجليزي
ممتاز .وطلبت من الخياط ان يعملھا على الطراز اللندني .وعندما رأى أخي الفاتورة كادت
عيناه تنفجران .لم يخطر على باله أن صبيا في السابعة عشر يفكر في إنفاق الكثير من المال
بھذا الشكل
يقع فرع ھانكو من تاجيما يوكو في شارع وسط المدينة المزدحم .كانت صالة العرض في
الطابق األول ،وكانت المكاتب في الثاني والطابق الثالث كان عنبر النوم ،حيث ينام جميع
الموظفين األربعة بما في ذلك رئيس الفرع .وكان أول وظيفة لي مسك حسابات الفرع.
بعد حوالي عام من العمل في المكتب ،حولت الي قسم المشتريات وتم ارسالي إلى المدن
القريبة لالتصال بالموردين .وكان رئيس الفرع يخشى ان احتقر واال اوخذ على محمل الجد
فاشترى اشترى لي ستوديباكر موديل ١٩٣٦وذلك لتعزيز كرامتي وشخصيتي .عندما ركبت
في ھذه السيارة الرائعة ،ظننت أنني أعظم رجل أعمال في العالم.
.لم يكن لدي الكثير للقيام به مع اليابانيين اآلخرين في ھانكو ،ولھذا السبب سرعان ما كنت
قادرا على التحدث باللغة الصينية بشكل جيد .
في يناير /كانون الثاني ،١٩٤١ ،تم نقل أخي إلى مدرسة المحاسبة العسكرية في طوكيو ،وھنا
وجب علي أن اعتمد على نفسي .ومن أجل تعزيز ثقتي بالنفس ،عملت بجد ونشاط ،ربما
الحرب ستنتھي .ثم سوف تكون قادرا على كسب الكثير من المال في مجال األعمال التجارية
و حلمت بانشاء شركتي الخاصة في الصين،
في الثامن من ديسمبر في ذلك العام ،اندلعت الحرب بين اليابان والواليات المتحدة
في أيار /مايو ،١٩٤٢ ،تم استدعائي للفحص البدني العسكري ،و قد اجتزته على الفور .في
ذلك المساء ابرقت الى عائلتي في واكاياما بھتاف النصر الياباني و بعد فترة وجيزة أبلغت أنه
في ١٠كانون األول /ديسمبر سأجند في فوج المشاة الحادية والستين في واكاياما.
أعتقدت أنني يجب أن أعد نفسي في أفضل شكل ممكن من الناحية الجسدية ،استقلت من
وظيفتي في شركة تاجيما يوكو في أغسطس وعدت إلى واكاياما .في المنزل ،قضيت أيامي في
السباحة في المحيط القريب ومساء في ممارسة الكندو في صالة األلعاب الرياضية في مقر
الشرطة المحلية .كنت قد انقطعت عن اللعبة لفترة طويلة ،ولكني كنت بالفعل في المرتبة الثانية
عندما تخرجت من المدرسة المتوسطة ،والسيد ساساكي ،أستاذي ،حثني على محاولة الحصول
على رتبة أعلى ،و كان يرى أن ذلك سھال في الجيش .كنت قد انقطعت عن ھذه الرياضة لفترة
طويلة ،وكنت قلقا قليال حول اختبار من الدرجة الثالثة ،ولكني اجتزته .حتى بعد ذلك
واصلت العمل بھا في صالة األلعاب الرياضية كل يوم حتى تم تجنيدي.
عندما ذھبت إلى الجيش ،وعدت أمي أن أعود بالدرجة األولى الخاصة .على الرغم من أن لدي
بعض الدورات العسكرية في المدرسة المتوسطة وكنت مؤھال ألخذ امتحانات القبول لمدرسة
تدريب الضباط ،لم أكن أعتقد أني خلقت الكون ضابطا ،وال أريد ارتداء زي مختلف عن
اآلخرين والوقوف أمام الناس العطيھم أوامر .كان نجمان من الدرجة األولى الخاصة كافيا
بالنسبة لي .على األقل كان ھذا تفكيري في ذلك الوقت.
بعد عشرة أيام من دخولي ،تم تعييني في فوج المشاة الثامن عشر ،جنبا إلى جنب مع المجندين
الجدد من منطقتي .كان ھناك احتفال بمناسبة رحيلنا ،ثم غادرنا .لم يكن لدينا أي فكرة الى اين
يتم ارسالنا ،ولكن نونكوم المسؤول عن مجموعتنا قال أنه نان تشانغ .لم أكد أصدق ھذا ،ألن
نان تشانغ كان حيث اخي تاداوكان يتمركز ھناك .اي ھاجس وقع لي عندما وجدت أنني سوف
أرى أخي السخي مرة أخرى.
بعد وقت قصير من بداية العام وصلنا في نان تشانغ ،حيث كان كان الطقس باردا جدا تجمد الدم
في عروقي .في اللحظة التي خرجنا من القطار بدأت جسدي يرتجف .جاء الضباط من القاعدة
إلى المحطة لمقابلتنا ،وصفونا في أربعة صفوف وبطرف عيني بحثت عن تاداو .وجدته يقف
قليال بعيدا عن الضباط اآلخرين مرتديا عباءة على معطفه .عندما مررنا به ،اختلست نظرة
سريعة في اتجاھه .رآني؛ كان واضحا من التعبير على وجھه أنه كان أكثر دھشة مما كان عليه
في ھانكو .وقال لي في وقت الحق أن فكرته الثانية كانت" ،ھذا سوف يكلف المال".
قائد فريقنا يمكن أن يصفعك صفعة متوسطة عندما يغضب ،ولكنه في معظم الوقت كان
يضحك وفي روح جيدة .اتصل بي به يوم واحد وقال لي أنه اختارني لفريقه ألنه يعتقد أنني
سوف اكون جنديا جيدا .وأضاف أنني أفضل من جندي جيد.
كان فوجنا ذو سمعة جيدة في االرجل ،وكنا نؤمر بالمسير ثالثة اميال ونصف ميل في
الساعة و في بعض األحيان خمسة أميال ،وكان ھذا يثير استياء المجندين االغرار ،وتدريبي
في الكندو أعدني لمثل ھذا ،ولم اخرج عن الصف ولو مرة واحدة .
كنت قد واصلت نموي واصبح طولي خمسة أقدام وأربع بوصات .وبعد التدريب االساسي
اصبح وزني ١٣٢رطال وھو ضعف وزن الحقيبة الكاملة التي كان علينا حملھا .وھذه ھي
النسبة الصحيحة ،ألن أي شخص ال يزن ضعف قدر الحقيبة ال يمكنه تحملھا لفترة طويلة ،
وكذلك من كان وزنه اعظم بكثير .
اصبحت ألول مرة تحت نار حقيقية بعد االنتھاء من التدريب األساسي .كان في مكان يسمى
أني ،وھومكان بين نان تشانغ و تشيو تشيانغ ،وتم تعييننا لتمشيط قوات من مقاتلي العدو
الذين تسببوا في مشاكل في المنطقة .وقد وضعت كتيبتنا خطة اعتقل فيھا زعيم حرب العصابات
حيا .ولكن أثناء العملية أصبت في قدمي اليمنى وولزمت السرير لبضعة أيام ،وھو أمر مؤسف
بشكل خاص ألنه منعني من التقدم لفحص مدرسة تدريب الضباط.
بعد أن قلت في وقت سابق أنني ال أريد شيئا أكثر من رتبة الدرجة االولى الخاصة ،يجب أن
أعترف أنه بعد أن ذھبت إلى الجيش ،غيرت رأيي بسرعة .أحد األسباب ھو أنني أردت أن
أفعل شيئا من شأنه أن يجعل قائد السرب سعيدا .واالمر الثاني اني كنت اريد ان البس مالبس
الضباط المبھرجة .لباس الدرجة االولى الخاصة لم يكن مغريا
اكتأبت الن االمتحان فاتني ،وذھبت متجھما لرؤية أخي .وعندما شرحت له مشكلتي امرني
باالنتظار وركب حصانه لمقابلة قائد وحدتي .عندما اكتشف األخيرانني شقيق تاداو ،وافق
على أن يعطيني امتحان خاص .نجحت فيه ،وفي ١أغسطس /آب ، ١٩٤٢تم نقلي إلى وحدة
تدريب الضباط االولية.
ھنا تم تقسيم الرجال الذين اجتازوا الدورة إلى مجموعتين :ذھب البعض إلى تدريب أكثر تقدما
للضباط ،في حين بقي آخرون غير قتاليين .لحسن الحظ ،خرجت في المجموعة األولى .وبما
أن قائد الفرقة كان يحبذ تدريبا أفضل وأفضل للضباط ،فقد أصدر توجيھات إلى المرشحين
الناجحين االثني عشر ،بما فيھم أنا ،بتدريب إضافي من قبل المالزم تسونينوري اونو حامل
راية الفوج
بدال من العودة إلى شركتي ،بقيت مع وحدة التدريب وأعطيت أسبوعين من التدريب على
المدافع الرشاشة والفروسية .بعد ذلك ،كان لي أسبوع آخر من التدريب على إطالق المدفعية
وعدت إلى شركتي ليلة واحدة فقط .في غضون ذلك ،تم نقل أخي من نان تشانج إلى تقسيم جديد
يتم تشكيله في كوريا.
وكقاعدة عامة ،يرسل المرشحون من الضباط الذين كانوا في الصين إلى مدرسة تدريب ضباط
االحتياط في نانكينغ ،ولكن في ھذا العام تم إعادتھم إلى اليابان .تم ارسال مجموعتي إلى
مدرسة في كوروم ،ميناء في كيوشو ،حيث وصلنا في ١٣يناير .١٩٤٤
"كوروم الشيطان" ،كما كان معروفا بين الطالب ،كان معسكر تدريب صعب جدا ،وكان
الضابط المسؤول عن صفي ،النقيب شيغيو شيجيتومي ،واحدا من أصعب الضباط ھناك .وكان
شعاره "العرق على أرض التدريب خيرمن النزيف في ساحة القتال" ،وحفز خمسين جنديا
باستمرار في مناورات انتحارية .كانت تعبيرات شيجيتومي المفضلة ھي" :أنت غبي" و "انت
تتراجع في كل شيء" .وعادة ما يرافقھا صفعة حادة عقوبة للخطأ.
تعلمت من الكابتن شيجيتومي ما ھو التدريب العسكري وما يعنيه أن تكون جنديا .كما علمني
االنضباط الروحي .وقد قيل لي إن الجنود كانوا دائما يخطئون أو يبررون الخطأ ،ولكن ھذا
السلوك ال يجوز للضباط.في مدرستنا ،كان أسوأ عار ھو أن تكون غير مھيأ أو غير دارس .ال
ينبغي ان تھمل اي شيء مھما بدا تافھا .لقد جعلني الكابتن شيجيتومي ضابطا حقا ،وكنت
اشعر بالفخر وھذا الشعور استمر معي ثالثين عاما في لوبانغ.
في ٥مارس ،١٩٤٤عندما كنت في المناورات ،جاءت رسالة تطلب مني العودة إلى القاعدة
بسرعة لرؤية زائر .ركضت في طريق العودة .تبين أن الزائر ھو اخي تاداو .وعندما رآني
قال" :ماذا حدث لك؟"
سألته ":لماذا؟"
وكان شقيقي قد تولى مھام مؤقتة في قيادة فرقة في كوريا وكان في بيونغ يانغ لفترة من الوقت،
ولكن اعتبارا من األول من آذار ،كان قد نقل إلى مقر الجيش الثالث والعشرين في
كوانغتونغ .كان عليه أن يأخذ طائرة من ھاكاتا في كل يوم أو يومين ،لكنه وجد الوقت ليأتي
لرؤيتي .تحدثنا لفترة من الوقت ،ثم بدأ في المغادرة ،وقال لي وعينه مباشرة في عيني وقال:
"كن قويا فلن يمض وقت طويل حتى تحتاج الى كل القوة التي لديك
"حسنا "،قال أخي " ،ليست الغاية ھي االندفاع الى الموت .ولكن كن مستعدا للموت عندما يأتي
دورك" .
مشيت مع تاداو إلى البوابة األمامية ،وعندما حانت لحظة الفراق التقت أعيننا ،وقال بحماس،
"حسنا اعتن بنفسك"!
بدأ يسير ،ولكن في تلك النقطة فقط استجمعت الشجاعة القول" :أعطني خمسين ين الذكرك ".
افترض انه توقع شيئا مثل ھذا .فتح محفظته بود وسخاء وبدأ ينظر فيھا ،تملل النه لم يكن
لديه فكة وسلمني ورقة مائة يين وقال مع ابتسامة عريضة " ،ال داعي العادة البقيةا "
اعتقدت أن ھذا ربما يكون الوداع األخير .مرة أخرى طلب مني ان اعتني بنفسي ،وبعد ذلك
سار بعيدا بخطوات واسعة وحذاؤه يلمع في ضوء الشمس.
في آب ١٩٤٤أنھيت تدريب الضباط وأصبحت ضابطا مبتدئا .وال بد لي من أن أبقى في ھذا
المركز أربعة أشھر حتى أصبح رسميا مالزما ثانيا .وكان اإلجراء المعتاد ھو عودة ضباط
المتدربين إلى وحداتھم السابقة .ولكن بسبب حالة الحرب الخطيرة جدا في المحيط الھادئ تم
ارسال نصف الرجال الذين جاءوا من الصين الى الجيش الغربي في كيوشو .وبما أنني لم أكن
مدرجا في تلك المجموعة ،كنت أتطلع إلى العودة إلى الصين .كنت أمزح مع اآلخرين كم
سيكون رائعا الحصول على الطعام الصيني الرائع مرة أخرى
ھناك وجدت رسالة تلحفني بالسرب الثالث والثالثين في القطاع الشرقي" .ھذه الوحدة التي لم
أسمع عنھا من قبل ،لذا سألت الضابط "ماذا يفعل ھذا السرب؟"
"أين يتمركز؟"
بعد حفل تخرجنا في ١٣أغسطس /آب ،ذھب بعضنا لوداع للكابتن شيجيتومي ،الذي طلب منا
جميعا ،وللمرة األخيرة ،ان نكون ضباطا جيدين .كادت عيناه تدمعان وھو يربت على كتف كل
واحد منا ويتمنى لنا الخير
عندما وصلت إلى فوتاماتا في ١٦أغسطس /آب ،قيل لي إن التدريب لن يبدأ إال في ١سبتمبر
/أيلول .وقد اعطيت إجازة لمدة أسبوعين .في غضون ذلك ذھبت إلى طوكيو ،ويرجع ذلك
جزئيا إلى أنني أردت الحصول على حزام السيف من أخي األكبر ،الذي تم ترقيته إلى رتبة
رائد وكان اآلن يحق له ارتداء حزام السيف كضابط ميداني .وقد نقل أخي إلى اإلدارة الطبية
للجيش في طوكيو وكان يعيش في ناكانو ،التي كانت آنذاك على مشارف المدينة .سألني عن
الوحدة الي تم تكليفي بھا ؛ قلت له اسم السرب ،مضيفا أنه ليس لدي أي فكرة عما يفعله.
بدا أخي مذھوالً .واشار باصبعيه الى العين قم قام بحركة تشبه غليان الماء في ابريق
الشاي .افترضت أنه كان سريا ألن زوجته كانت حاضرة .فقط اومأت براسي
لم افھم تماما …تعني األصابع المدببة توجيه ضربة كاراتيه إلى عيون الخصم ،وحركة غليان
الماء إعطاء شخص ما جرعة من السم .ھذا يعني أنني كنت منخرطا في نوع من التجسس،
ولكن لم أكن متأكدا من أي نوع .ھذا لم يكن مفاجئا لي ،ألن المالزك اونو قال لي في نان
شانغ "ھناك نقص في الناس الجيدين للمھام الخاصة و مع لغتك الصينية ،يجب أن تعطى
وظيفة في ھذا المجال عند االنتھاء من مدرسة تدريب الضباط
"السرب الخاص " ھي المصطلح الحالي للوحدات التي تتسلل وراء خطوط العدو وتحاول كسر
الدفاعات من الداخل .وھذا ما يسميه األمريكيون "أسراب الكوماندوز".
في اليوم التالي أعطاني أخي حزام السيف ،وبعد ذلك ذھبت إلى واكاياما لرؤية بقية عائلتي.
مركز التدريب الذي ذھبت إليه كان يسمى بشكل رسمي فرع فوتاماتا من مدرسة ناكانو
العسكرية ،ولكن العالمة على البوابة قال فقط سرب تدريب الجيش /فوتاماتا .لم يكن أكثر من
مجرد مجموعة صغيرة من ثكنات الجيش المتھالكة وتقع على بعد أكثر قليال من ميل من
محطة فوتاماتا للسكك الحديدية .لم تكن المدرسة بعيدة عن مكان على نھر تنريو الذي استخدم
مرة واحدة من قبل الفيلق المھندس الثالث من ناغويا كمنطقة تدريب لبناء جسر عسكري .
كنت قي الصف االول من المدرسة ،وفي ١سبتمبر كان ھناك حفل افتتاح .ووجه القائد ،المقدم
مامورو كوماغاوا ،كلمة الى ٢٣٠ضابطا "والغرض من المدرسة الفرعية ھو تدريبكم على
الحرب السرية .لھذا السبب ،االسم الحقيقي للمدرسة يجب أن يبقى سرا تماما .وعالوة على ذلك
تجاھلوا أية افكاراخرى ربما تكون عندكم في سبيل تحقيق الشرف العسكري ".
ھذا لم يصدمني ،ألن أخى قد حذرني في طوكيو ،ولكن اآلخرين نظروا إلى بعضھم البعض
في دھشة وقلق .وازداد القلق فقط عندما وقف أحد المدربين المالزم سواياما وبدأ في طرح
بوابل من االسئلة .
"عندما وصلتم ايھا السادة إلى فوتاماتا ،ما ھو االنطباع الذي اخذتموه عنھا ".ثم ،دون انتظار
أجوبة:
"إذا كانت ھناك قوات متمركزة ھنا ،كم عدد الكتائب التي تعتقد أنه ستكون ھناك؟
ثم واصل" :أحاول أن أعرض عليكم ما نعنيه بكلمة المخابرات ،لعمل الخرائط الالزمة
للحركات العسكرية ،يجب أن يكون لدينا معلومات استخبارية ،أي من دوائر مختلفة .وظيفتي
ھي أن أعلمك كيفية اكتساب المعلومات من حيث صلتھا باالحتياجات العسكرية .سيكون عليك
أن تعلم أن تالحظ كل شيء من حولك وتقومه من وجھة نظر المخابرات العسكرية".
كنت قد توقعت شيئا من ھذا القبيل ،ولكن لم أتمكن من قمع الشعور بأنني قد أصبحت في عش
الفئران .لم أكن الوحيد حتى اآلن.
وقال آخر" ،ھل ھذا يعني أنه على رأس تدريب الضباط يجب أن اصبح جاسوسا؟"
في ذلك المساء ذھب العديد منھم لرؤية المالزم سواياما ،وقال له المتحدث باسمھم" :لقد فكرنا
جميعا منذ أن وصلنا إلى الجيش أننا في يوم ما سنقود فصيلة إلى المعركة .لھذا السبب عملنا
بجد في مدرسة تدريب الضباط .وما تعلمناه ھناك ھو كيف نكون قادة فاعلين في المعركة .نحن
ال نعرف شيئا عن الحرب السرية ،و لسنا متأكدين على اإلطالق من قدرتنا على التعلم .نود أن
نعود إلى وحداتنا السابقة".
في صباح اليوم التالي جمعنا المالزم سواياما ووجھنا" :أنتم على حق تماما في التفكير بأن
التدريب ھنا سيكون صعبا ،ولكن حقيقة أنكم فھتم ھذا فقط على أساس ما قلته أمس يدل على
أن لديكم عقوال جيدة .أعتزمت أن اضع في رؤوسكم كل شيء تحتاجون إلى معرفته ،لذلك ال
تقلقوا .وال تأتوني مرة ثانية تشكون " !
أنا ،كنت سعيدا على األقل أن يقال أن لدي دماغ جيد .ال أستطيع أن أقول أن كل مخاوفي قد
تبددت ،ولكنني قررت نصب عيني ان أحاول معرفة كل شيء كان ھناك للتعلم في فوتاماتا.
وكان بالتأكيد مختلفا عن مدرسة تدريب الضباط .وقد لوحظت أشكال وإجراءات عسكرية ،ولكن
دون تركيز مفرط على اللوائح .بل على العكس من ذلك ،ظل المدربون يؤكدون لنا أنه في
دورنا الجديد كمتدربين في الكوماندوز ،ينبغي لنا أن نتعلم أنه طالما حافظنا على الروح
العسكرية وبقينا عازمين على خدمة بلدنا ،فإن اللوائح ليست ذات أھمية تذكر .وفي الوقت
نفسه ،أفھمونا أن التقنيات األكثر سوءا التي كنا نتعلمھا ،مثل التنصت ،لالستتخدام ضد العدو،
وليس لمصلحتنا الشخصية .وحثونا على التعبير عن آرائنا بشأن جودة التعليم وتقديم الشكاوى
إذا شعرنا بھا.
كان لدينا أربع ساعات من التدريب في الصباح وأربعة في المساء .واستمرت الفصول
الدراسية لمدة ساعتين ،مع فواصل مدتھا ١٥دقيقة في منتصف النھار ومنتصف المساء .عندما
يجيء وقت االستراحة ،كانت كل مجموعة تخرج من نافذة الى الفناء .كان ھناك ٢٣٠منا،
معبئين مثل السردين في ثكنة صغيرة واحدة ،ولم يكن ھناك وقت طويل بما فيه الكفاية
للمغادرة والعودة بطريقة منظمة عبر الباب .في مدرسة تدريب الضباط إذا كان أي شخص قد
تجرأ على القفزمن النافذة ،فإن العقوبة كانت سريعة وشديدة .في فوتاماتا كان ھذا روتينيا.
وكانت الفصول الدراسية مزدحمة للغاية .لم تكن االحرف فقط كتفا إلى كتف ولكن مثبتة تماما
تقريبا في األمام والخلف من قبل المكاتب .المحاضر يحاضر على منصة صغيرة ،ويشق
طريقه بصعوبة عبر احد الممرات الضيقة القليلة .على الرغم من الظروف غير المريحة،
ابدى المحاضرون الكثير من الحماس ،حتى التألق في تقديم أساسيات حرب العصابات.
وفي المدرسة الرئيسية في ناكانو ،كانت الدورة تتألف في البداية من سنة واحدة من التدريب
اللغوي وسنة واحدة من حرب العصابات والتدريب األيديولوجي .ومع تزايد حدة حالة الحرب،
تم الغاء التدريب اللغوي ،وتم تخفيض ما تبقى من الدورة إلى ستة أشھر .وبحلول الوقت الذي
جئنا فيه ،كانت دورة ستة أشھر تضغط في ثالثة أشھر .وكانت الوتيرة شرسة لكل من المدربين
والمتدربين.
بدأت أفھم االختالفات األساسية بين الحرب المفتوحة والحرب السرية .وكانت التدريبات
الھجومية في مدرسة تدريب الضباط دروسا في حرب مفتوحة ،وھي في األساس خلية أحادية
.لقد تم تدريسنا اآلن نوع متعدد الحروب من الحرب التي تستخدم كل جسيمات المعلومات
المتاحة الرباك العدو بمعنى ما كنا نتعلمه في فوتاماتا كان عكس ما تعلمناه من قبل .كان
علينا أن نعود أنفسنا على مفھوم جديد للحرب.
والواجبات المنزلية كانت كالجبال ! في كل ليلة تقريبا كان علينا أن نطلب اإلذن لترك األضواء
بعد ساعات االطفاء الرسمية ،وكان معظمنا يعمل حتى منتصف الليل بانتظام .ومع ذلك ،لم
يكن ھناك وقت كاف .في أيام العطل كنا نذھب الى الفنادق الصغيرة في فوتاماتا للعمل على
مھامنا .كنت دائما في واحد من نزلين ،كادويا أو إيواتايا ،ومؤخرا كنت مھتما أن أجد أن نزل
كادويا ال يزال يعمل .كان حضور ھذا الحشد الكبير من الضباط الوليدين كل يوم أحد مصدر
ازعاج رھيب الصحاب النزل ،خاصة عندما يكون ھناك نقص في الغذاء.
ال أستطيع التفكير في فوتاماتا دون تذكير األغنية الشعبية الشھيرة "سادو أوكيسا" .استخدم
المالزم سواياما ھذه األغنية لتوضيح فكرة الحرب السرية بأكملھا.
وقال "ھناك "،ال يوجد نسخة صحيحة من "سادو أوكيسا ".في حدود معينة ،يمكنك الغناء بھا
أو الرقص عليھا بالطريقة التي تريد .والناس يفعلون ذلك تماما .ونوع حرب العصابات التي
نعلمھا في ھذه المدرسة ھو نفسه .ال توجد قواعد ثابتة .انك تفعل ما يبدو اكثر مالءمة حسب
الوقت والظروف".
من ناحية واحدة ،يمكن مقارنة التدريب الذي تلقيناه مع ما يسمى عادة "التعليم التحرري " .طلب
منا ان نكبرعقولنا الى حد كبير ،وقد شجعنا على التفكير في أنفسنا ،واتخاذ القرارات التي ال
توجد فيھا قواعد.ھنا مرة أخرى كان التدريب مختلفا جدا عن مدرسة تدريب الضباط .ھناك كنا
ندرس ان ال نفكر بل نقود قواتنا في المعركة ،عازمين على الموت إذا لزم األمر .وكان الھدف
الوحيد ھو مھاجمة قوات العدو وذبح أكبر عدد ممكن قبل ان نذبح .ولكن في فوتاماتا علمنا أن
الھدف ھو البقاء على قيد الحياة واالستمرار في القتال كمقاتلين ألطول فترة ممكنة ،حتى لو كان
ذلك ينطوي على سلوك يعتبر عادة مشين .وكانت مسألة كيفية البقاء على قيد الحياة تقرر وفقا
لتقدير المرء.
وفي ذلك الوقت ،إذا تمكن الجندي االسير من العودة إلى اليابان ،كان يخضع لمحاكمة عسكرية
وعقوبة اإلعدام محتملة .حتى لو لم يتم تنفيذ العقوبة ،كان ينبذ ذلك تماما حتى الموت .وكان
من المفترض أن يعطي الجنود أرواحھم من أجل القضية ،وليس من المعاناة في معسكرات
اعتقال العدو .تعليمات االفريق االول ھيديكي توجو كانت صريحة " :من ال يحب ان يلحقه
العار يجب أن يكون قويا .يجب أن تتذكر دائما شرف عائلتك ومجتمعك ،ويجب أن تسعى
بحماس الى ان يثقوا بك .ال تقبل عار السجن بل مت دون ان تترك أي جريمة بغيضة وراءك !
"
ولكن في فوتاماتا ،علمنا أنه يجوز أن تكون السجين .عندما قيل لنا سجناء ،قيل لنا أننا سنضع
أنفسنا في وضع يسمح لنا بإعطاء العدو معلومات كاذبة .والواقع أنه قد تكون ھناك أوقات ينبغي
فيھا أن نسمح باسر أنفسنا عمدا .ويمكن أن يكون ذلك ،على سبيل المثال ،أفضل مسار عندما
تكون ھناك حاجة لالتصال مباشرة مع اآلخرين الذين سبق أن أخذوا أسرى .وباختصار ،فإن
الدرس ھو أن الغاية تبرر الوسيلة.
وفي مثل ھذه الظروف ،علمنا أننا لن نحاسب من قبل الجيش بسبب القبض علينا .وبدال من
ذلك سوف نكسب ميزة القيام بواجبنا على الوجه الصحيح .كذلك يجب ان يعرف المعنيون فقط
اننا في حرب سرية ،وعلينا أن نواجه خواطر الغرباء على أفضل ما نستطيع .عمليا ال أحد
سيكون على بينة من خدمتنا لبلدنا ،ولكن ھذا ھو مصير من يشاركون في الحرب السرية.ليس
العمل مجزيا ،بالمعنى العادي للمصطلح.
فماذا إذن ،ھل يمكن ألولئك الذين يشاركون في ھذا النوع من الحروب أن يصنعوا
أملھم؟ وأجابت مدرسة ناكانو العسكرية على ھذا السؤال مع جملة بسيطة" :في الحرب السرية،
ھناك نزاھة".
وھذا صحيح ،من أجل ان النزاھة ھي الضرورة القصوى ربما يحتاج الرجل الى خداع ليس
فقط أعدائه ولكن أصدقائه .مع النزاھة ،وھي تشمل اإلخالص ،والوالء ،والتفاني في اداء
الواجب والشعور األخالق يمكن أن يصمد الشخص أمام كل المصاعب ويحول في نھاية
المطاف المشقة نفسھا إلى نصر .ھذا ھو الدرس الذي كان المدربون في فوتاماتا يحاولون
باستمرار ان يغرسوه فينا.
واحد منھم وضعه على ھذا النحو" :إذا كانت روحك نقية ،فان الناس سوف تستجيب لك
وتتعاون " .وھذا يعني أنه طالما بقيت نقيا من الداخل ،فاتخذ من االجراءات ما ھو مناسب
ويعود بالخير على البالد والعباد .
وفي ھذا الوقت ،كنا نعلم بالفعل أن األبحاث المتعلقة بالقنبلة الذرية تجري في الواليات
المتحدة .وكان يجري تنفيذھا في اليابان أيضا ،ولكن التقارير التي تلقيناھا تشير إلى أن أمريكا،
التي لديھا ثروة أكبر بكثير وعلماء أكثر بكثير ،كانت متقدمة إلى حد كبير على اليابان .وعلى
الرغم من أن تقاريرنا كانت أفضل قليال من الشائعات ،فإننا نتوقع أن يستخدم سالح ذري في
نھاية المطاف ضد اليابان.
في تشرين االول ،١٩٤٤ھبطت القوات األمريكية على ليتي ،وكان الوضع العام متجھما جداً
بحيث بدأ الناس يتحدثون بجدية عن غزو للوطن .ورأينا أن كل دقيقة تقربنا من الوقت الذي
سندعى فيه إلى العمل .ومع ذلك لم نشعر باالنزعاج الشديد .كنا على يقين من أنه حتى لو نزل
العدو أرض اليابان ،في النھاية سوف تفوز اليابان .مثلنا مثل جميع مواطنينا تقريبا ،اعتبرنا
اليابان أرضا ال تقھر .
في أوائل تشرين الثاني ،قمنا بمناورة التخرج إلظھار مدى تعلمنا دروسنا .لقد طرحت علينا
المشكلة على النحو التالي" :لقد ھبطت قوة للعدو في اليابان .وقد احتلت قوات العدو المطار في
ھاماماتسو .ومع تقدم القتال ،يستعد قائد العدو للسفر من ھاماماتسو إلى قاعدة أتسوجي
الجوية .عليكم العمل فورا .مھمتكم ھي خطف قائد العدو وتفجير مطار ھاماماتسو".
وكان على كل منا أن يضع خطة لتنفيذ المھمة .ثم تم اختيار أفضل خطة ،ووضعت المناورة في
عملية محاكاة.
بما انه تم تعييني في مجموعة االختطاف ،فقد ارتدٮت الزي الرسمي بدون شعار .وارتدي
فريق التدمير مالبس المزارعين والعمال النھاريين .وقد تم إلقاء نظرة مسبقة ،ولكن بينما كان
يتجه نحو المطار ،رأى قوة العدو تقترب .وسرعان ما سقط في طريق جانبي ،ولكن في ھذا
الوقت أثارت تحركاته شكوك المزارعين العاملين في الحقول القريبة ،احاطوا به .وبدال من
القيام بمحاولة عقيمة للھرب ،سلم نفسه إلى "العدو" .في وقت الحق قال لي" :رأيت أنه لم يكن
ھناك أي فائدة للمقاومة ،لذلك قررت أن استسلم لھم ومن ثم إعطاء العدو الكثير من
المعلومات الكاذبة " .يبدو أنه تعلم دروس" سادو أوكيسا "جيدا.
وباستثناء االستطالع ،فإن المناورة استمرت أربعة أيام وثالث ليال وانتھت دون عائق .وقد
أعطانا مراقبون من القيادة العامة للجيش عالمات عالية .لم يمض وقت طويل بعد ذلك ،سمعت
أنه بينما كانت المناورة مستمرة ،انتشرت شائعة بين الناس في الحي ان ضابطا ً في الجيش في
فوتاماتا اسمه كوماغاوا قد نظم تمردا وكان على وشك إرسال فرقة عمل من المتدربين الضباط
لتفجير المطار .واعرب بعض السكان المحليين عن اعتقادھم بان الشرطة العسكرية يجب ان
تبلغ فورا ،بيد ان اخرين حثوا على الحذر ،وتم تأجيل القرار حتى صباح اليوم التالى .بحلول
ذلك الوقت انتھت المناورة ،ولم يأت شيء آخر من ھذه القضية.
في الثالثين من تشرين الثاني ، ١٩٤٤تلقت دفعتنا أوامر "االنسحاب" من المدرسة .لقد فعلت
األشھر الثالثة العجائب لروحي ،فضال عن قدرتي كجندي .شعرت أنني سوف اكون قادرا
التصرف بذكاء وھدوء في حالة القبض علي ..وقلت لنفسي مھما حدث فساكون قادرا على
القيام بواجباتي بشكل معقول.
قبل أن ننتھي من المدرسة ،وردت اشارة بأن ثالثة وأربعين من المتدربين ،بما فيھم انا ،سيتم
إرسالھم إلى الفلبين ،ووجه اثنان وعشرون منا إلعادة تجميع في فوتاماتا في ٧ديسمبر.
في المساء قبل أن أغادر للذھاب في إجازة ،مشيت إلى ضفاف نھر تنريو وحدقت لفترة من
الوقت في المياه المندفعة .فجأة تذكرت أغنية شعبية تسمى " إين كانتاروا" ،والتي كانت تنطلق
في ذلك الوقت .وذھبت الكلمات:
قد ابدو كأنني محتال وشرير
وكان مصدر إلھام ھذه القصة التاريخية عن العصابات اسمه كانتارو ،الذين ساعدوا قوات
اإلمبراطور .رأيت قوات الحرب السرية وانا معھم تقدم المساعدة بشكل خفي للقوات
االمبراطورية الباسلة في ھذا المجال.
وصلت إلى االستنتاج بأنني ربما أذھب إلى الفلبين وامارس حرب العصابات في الجبال حتى
اموت ھناك وحدى ،وال احد يرثيني .على الرغم من أنني كنت أعرف أن كفاحي سوف لن
يجلب لي الشھرة وال الشرف ،لم أكن مھتما.
وأجبت" :ھذه ھي الطريقة التي يجب أن تكون .واذا كانت الخدمة بامتھان لصالح بلدي ،
فسأكون سعيدا".
ذھبت إلى أوكاياما للمرة األولى منذ ثالثة أشھر .ھذه ستكون زيارتي األخيرة لفترة طويلة ،ربما
إلى األبد ،وقلت ألمي" ،اسمحي لي أن آخذ الخنجر الموجود في درج خزانتك الخاصة".
وكان الخنجر قد تم توارثه من ام جدتي إلى جدتي ثم إلى والدتي .تذكرت أمي تقول كيف
أعطته والدتھا لھا عندما تزوجت والدي .كان في غمد أبيض ،وعندما سلمته لي قالت
بشجاعة" ،إذا كنت ستؤخذ أسيرا ،استخدم ھذا لقتل نفسك".
أومأت بالموافقة ،ولكن داخل نفسي عرفت أنني لن أنتحر حتى لو كنت ساوخذ أسيرا .إن
القيام بذلك سيكون انتھاكا لواجبي كعميل حرب سري .أخذت الخنجر منھا ببساطة ألنني أردت
استخدامه للدفاع عن النفس .
كما أردت ان أخذ شيئا أن أذكر به والدي ،ولكن لم أستطع أن أسأله بنفسي و بينما كنت
أحاول أن أقرر ما يجب القيام به ،فكرت في أنبوب بخورمن الخيزران كان والدي مولعا
جدا به .كان طوله حوالي قدم ،مع سدادة من خشب الصندل األسود ونقش جميل منحوت على
الجانب .والدي دائما كان يبقيه بجانب مبخرة معدنية على مكتب من ثالثة ادارج صغيرة في
غرفة المعيشة .توقد ھذا بذھني وعندما قلت ألمي ما سأفعله ،لم تعترض.
وفي وقت الحق ،قال لي شقيقان أنھما اصيبا بالصدمة عندما سمعا انني اخذت الخنجر وأنبوب
البخور ،ظنوا أنني أفكر في إضاءة البخور وارتكاب حفلة انتحارية )ھاراكيري ( أمامه .ال
شيء يمكن أن يكون أبعد من ذھني ،بطبيعة الحال .كنت أعتقد أنه في يوم من األيام عندما
اكون في الجبھة ،قد يكون من المريح حرق بعض البخور في األنبوب وتذكر المنزل.
عندما غادرت واكاياما ،قلت ألمي" :عملي ھو ما ھو عليه ،فمن الممكن ان يخبروك بموتي
وانا اكون غير ذلك فإذا قيل لك إنني قتلت ،ال تھتمي بھذا كثيرا ،ألنني ربما اظھر مرة
أخرى ".
في اليوم التالي ذھبت لرؤية شقيقي األصغر ،شيجيو ،الذي كان متمركزا في ياتشيماتا ،في
محافظة تشيبا ،شرق طوكيو .وبحلول ذلك الوقت كان قد رفع الى مالزم ثان وكان يتدرب في
مدرسة االستطالع الجوي .أراد أن يذھب إلى ميناء تشوشي لتناول العشاء .وقال إن ھناك مطعم
يذھب إلٮه حيث يمكنك أن تأكل كل األسماك الطازجة التي تريد ،وكان ذلك استثنايئا في تلك
األيام بسبب النقص .لألسف ،لم يكن لدي الوقت ،لذلك انتھينا من خالل وجبة وداع في مطعم
في مدينة تشيبا ،في طريق عودتي إلى طوكيو.
في صباح اليوم التالي قابلت أخي األكبر في محطة طوكيو وقال لي "اعتن بنفسك".
أوامرمصيرية
بعد يوم من عودتي إلى فوتاماتا ،كان ھناك زلزال قوي .وقد تلقت مجموعة ال ٢٢التي انتمي
إليھا أوامر بالذھاب إلى مطار أوتسونوميا ،على بعد ستين ميال تقريبا شمال طوكيو ،وعلى متن
طائرة نقل في ذلك المساء .عادة ،كنا قد ذھبنا على خط السكك الحديدية توكايدو طوكيو .بسبب
الزلزال ،توقفت حركة المرور على ھذا الخط ،لذلك كان علينا أن نسير بشاحنة ،على أمل أن
يتم تشغيل القطارات في الشمال.
عندما اجتازت الشاحنة كادويا ،كان ھناك نزل كثيرا ما مكثت فيه .وجدنا المالك وأسرته
ينتظرونا ليودعونا .اعطونا عصائر و كستناء وحبار مجفف .قبلنا ذلك وشكرناھم وودعناھم
دون ان ننزل من الشاحنة .
تمكنا من ركوب القطار في كاكيغاوا ،ثم غيرنا القطارات في طوكيو ،ووصلنا إلى أوتسونوميا
في منتصف الليل .وتبين أن طائرة النقل كانت تحت االصالح ،وكان علينا أن نقضي بضعة
أيام في نزل أمام محطة أوتسونوميا .خالل تلك الفترة ،تلقينا أنباء أن القوات األمريكية قد ھبطت
في سان خوسيه في جزيرة ميندورو في الفلبين .عندما سمعنا ھذا ،نظر بعضنا إلى بعض في
خوف ،وشعرت بالتوتر.
غادر اثنان وعشرون منا مطار أوتسونوميا على ثالث طائرات . ،االولى رقم ٩٧طائرة نقل
قاصفة ثقيلة محولة واثنتان رقم ١٠٠قاصفة ثقيلة ،وكان ھذا في ١٧ديسمبر ،١٩٤٤بعد
يومين من سقوط سان خوسيه .كانت الخطة ان نطير اوال الى تايبيه ونتزود بالوقود ونتابع
الى قاعدة كالرك الجوية فى لوزون فى نفس اليوم ولكننا اضطررنا بسبب االحوال الجوية
الى البقاء ھناك ثالثة ايام في اوكيناوا .ثم تبين ان الطائرة تحتاج الى المزيد من اإلصالحات و
لم نصل إلى كالرك اال في ٢٢ديسمبر ،أي بعد ستة أيام كاملة من مغادرة أوتسونوميا.
عندما ھبطنا ،كان تحذير الغارة الجوية في الموقع ،ولكنني فوجئت بطاقم الصيانة يتجول بدون
مباالة .سألت لماذا؟ قال أحدھم" :إنه دور مانيال اليوم" .كان العدو يقصف كالرك في يوم
ومانيال في اليوم التالي.
وقد قيل لنا إنه عند وصولنا سنجري اتصاالت مع سرب االستخبارات الخاص التابع للجيش
الرابع عشر وعندما وصلنا ،ماسارو كان شيمودا وكوسو تسوشياشي قد تم إرسالھما من
السرب النتظارنا .واخبرونا انھم سيصلون صباح اليوم التالي على ابعد تقدير .
وصال ظھر اليوم التالي على متن شاحنة .خفنا ان يكونا تعرضا لمكروه على
الطريق ،وأوضحوا لنا طائرة P‐38لوكھيد رصدتھما وكانت تطاردھما مما اضطرھما الى
سلول طرق جانبية فرعية معظم الوقت .وكان باديا على وجوھھما اثار االرھاق و الخوف من
فقدان الحياة .
بقينا ليلة أخرى في كالرك ثم ذھبنا إلى مانيال في الساعة الرابعة والعشرين .في ذلك الصباح
كانت طائرة B‐24تحلق على ارتفاع منھفض وتسقط بطاقات على المدينة" .نحن اآلن في
جنوب المحيط الھادئ ،على أمل أن نكون معكم في السنة الجديدة "!
عندما ترجمة أحد زمالئي الضباط ھذا لي ،صككت أسناني وقلت " :كذبة ! بلھاء !ماذا يظنون
انفسھم " !
يقع سرب االستخبارات الخاص في حي سكني أجنبي في مانيال .وكان في مبنى اسمنتي من
طابقين ،وعالمة على مدخله "معھد العلوم الطبيعية".
كان في استقبالنا الرائد يوشيمي تانيجوتشي ،قائد السرب .وبعد أن قدمنا وثائق تفويضنا ،أخبرني
الرائد أنني ،مع خمسة آخرين ،ستتمركز مع لواء سوجي ،حيث الفرقة الثامنة من ھيروساكي
كما ھو معروف .وقال ان ااالوامر المستقبلية ستأتي من مقر الفرقة.
وكان لواء سوجي مسؤوال عن الدفاع عن الجزء األوسط الغربي من لوزون من ناسوغبو إلى
باتانغاس .وكان مقره في ليبا.
في تلك الليلة عقدنا تجمع وداع في "المعھد" .وأولئك الذين من فوتاماتا أدركوا أننا ربما ربما
نقسم للمرة األخيرة ،ولكننا كنا نتوقع ھذا .لم أر أي عالمات على الكآبة ،على الرغم من أن
الفريق كان ھادئا .شربنا العصير ووضعنا الرائد تانيغوتشي في صورة الحرب .لم أكن قد
نقلت بشكل رسمي .
وفي ٢٦ديسمبر /كانون األول ،في منتصف الليل ،غادر ستة منا الذين كانوا في طريقھم إلى
لواء سوجي مانيال مع الرائد تانيغوتشي في شاحنة كانت تحمل أيضا حمولة كبيرة نسبيا من
الذخيرة .يرتدون الزي الصيفي ،مع السيوف والمسدسات والمناظير ،ستة منا ارتدوا زي
ضباط الجيش العادي ،ولكن الرائد تانيغوتشي ارتدى زي الشرطة الفلبينية المحلية وقبعة
متسلق الجبال.
تحت ضوء القمر الساطع ،سارت الشاحنة في طريقھا جنوبا نحو ليبا .لم يمض وقت طويل بعد
أن بدأنا ،رأيت بحيرة بي إلى اليسار .المنظر من سطحھا المقمر الھادئ ادى الى استرخاء
التوتر داخلي .كان من الصعب أن نعتقد أن ھذه المناظر الطبيعية الجميلة في وقت قريب
ستصبح ساحة المعركة .كان المشھد سھال ،ساحرا ،لكنني سرعان ما أعدت إلى واقعي بسبب
ضجيج شاحنات النقل التي كانت تسير في االتجاه اآلخر .وكلما ذھبنا إلى الجنوب ،زاد عددھا.
وصلت شاحنتنا الخاصة إلى مقر الفرقة قبل الفجر مباشرة .واألوامر التي كنت تلقيتھا ھنا
ستقرر مصيرى للسنوات الثالثين المقبلة.
الطريق ،الذي تم بناؤه على عجل على يد فيلق الھندسة ،يسير في عمق غابة النخيل .يقع مقر
لواء سوجي قبالة جانب واحد من الطريق .ويتكون من منازل من نيبا مبعثرة ،أكواخ
مستديرة مثل تلك التي يعيش فيھا السكان األصليين ،مع جدران عادية وأسطح تتكون من
القش و أوراق النخيل .دخلنا خلف الرائد تانيجوتشي في واحد منھا.
وكان في الداخل عدد من الضباط :المقدم موتيوياما من القيادة االستراتيجية ،الميجور تاكاھاشي
من قيادة االستخبارات ،النقيب ياماغوتشي من السرب الخلفي ،المالزم األول كوسانو من سرب
االستخبارات ،وآخرون.
انتظرنا بتوتر في زاوية من الغرفة بينما تحدث الرائدان تانيغوتشي و تاكاھاشي في أصوات
منخفضة حول كيفية تعييننا .وإذ استشعر أن ھذه لحظة مصير بالنسبة لي ،فإنني أجمعت
قبضاتي .وبعد فترة من الوقت ،تم استدعاء شيغيرو موريغوتشى وشيجيتشي ياماموتو وأمرا
بقيادة خمسين جنديا فى ھجوم على سان خوسيه .بعد ذلك تم تعيين شين فوروتا وإيشيرو تاكاكو
لقيادة مجموعة حرب العصابات في جزيرة ميندورو.
اآلن كان دوري .وقال الرائد تاكاھاشى "ان الضابط المبتدئ أونودا سوف يتوجه الى جزيرة
لوبانج حيث سيقود حامية لوبانج فى حرب العصابات".
كانت ھذه ھي المرة األولى التي أسمع فيھا عن لوبانغ .لم يكن لدي أي فكرة أين ھي أو كم
حجمھا.
وأصدر الرائد تاكاھاشي أمرا لحامية لوبانغ ووضع علية ختم قائد الفرقة الثامنة ،الفريق شيزو
يوكوياما .وقال" :سوف نرسل لك االوامر ولكن خذ ھذه معك على اية حال".
وجاء في األمر" :إن قائد حامية لوبانغ سينشر أسرابا أخرى ويستعد لحرب العصابات .وال
يشمل ھذا األمر المجموعات التابعة لكبار الضباط .وقد تم ارسال ھيرو اونودا الضابط المبتدئ
لقيادة عمليات حرب العصابات".
بعد أن قرأت ھذه الورقة ،قال الرائد تاكاھاشي" :ھدفنا ھو إعاقة ھجوم العدو على لوزون .أول
شيء عليك القيام به ھو تدمير مطار لوبانغ ورصيف الميناء .اذا نزل العدو في ارض المطار
يجب تدمير طائراتھم وقتل طواقمھم ".
واضاف تانيغوتشي "يجب ان يكون ھناك على االقل قائدان لبعثة حرب العصابات لكننا ال
نستطيع ان نوفر رجال اخر .سيكون عليك ان تعمل من تلقاء نفسك .لن يكون سھال ،ولكن افعل
أفضل ما يمكن .عندما تفعل شيئا بنفسك في المرة األولى ،ممكن ان تنزلق .ابق عينيك
مفتوحتين " .
وكان ميساو يامازاكي ھو الوحيد المتبقي من الستة ،وطلب منه ان يبقى في مقر الفرقة كبديل
احتياطي ،انتھى إصدار األوامر .وكان من المفترض أن نلتحق بواجبتنا رسميا إلى قيادة
الفرقة ،ولكن قام الفريق أكيرا موتو ،رئيس ھيئة أركان الجيش الرابع عشر ،بالتراجع عن مقر
الفرقة في طريق عودته من جولة تفتيشية ،كان اآلن في غرفة قائد الفرقة.
بما إن الفريق موتو ھو الضابط األقدم من الحاضرين ،قدمونا اليه أوال .نظر إلينا بعناية،
قال" :كنت أعرف أنكم قادمون ،لكني ظننت أنني سأكون مشغوال جدا لرؤيتكم .أنا سعيد ألننا
التقينا ھنا .الحرب ال تسير على ما يرام في الوقت الراھن .من الملح أن تبذلوا قصارى جھدكم
لتنفيذ أوامركم .مفھوم ؟ أعني ھذا "!
كان من الغريب أن نتلقى اوامر من فريق مشھور .كان ھذا مصدر شرف لنا وأعجاب .عندما
بدأنا في تقديم انفسنا الى قائد الفرقة ،الجنرال شيزو يوكوياما رفع يده وأوقفنا .وقال "ال تقلقوا
يشأني .لقد قدمتم الى سعادة رئيس ھيئة األركان".
ثم ،قال وھو يصوب عينيه مباشرة الي " :ممنوع عليك تماما أن تموت بفعل يدك .قد يستغرق
االمر ثالث سنوات ،قد يستغرق خمسة ،ولكن مھما حدث ،سنعود لك .حتى ذلك الحين ،طالما
لديك جندي واحد ،استمر في قيادته .قد تضطر إلى العيش على جوز الھند .إذا كان ھذا ھو
الحال ،عش على جوز الھند .ممنوع عليك نھائيا ان تتخلى عن حياتك طوعا".
رجل صغير مع وجه لطيف ،أعطى القائد لي ھذا االمر في صوت ھادئ .بدا وكأنه أب يتحدث
إلى طفل .عندما انتھى ،أجبت بأقوى ما أستطيع " ،نعم ،سيدي"!
تذكرت مرة أخرى ما كنت قد تعلمت في فوتاماتا ،وتعھدت لنفسي أنني سوف انفذ أوامري .ھنا
كنت ،فقط ضابط مبتدئ ،تلقي أوامره مباشرة من قائد الفرقة ! وال يحدث ذلك في كثير من
األحيان ،وقد أعجبتني المسؤولية التي تحملتھا .قلت لنفسي" :سأفعل ذلك !حتى لو لم يكن لدي
جوز الھند ،حتى لو اضطررت لتناول االعشاب واوراق الشجر والطحالب ،وسوف افعل
ذلك !ھذا ھو امري ،وسوف أنفذه " .قد يبدو ھذا غريبا اليوم ،ولكنني قصدت ذلك.
عندما يقف رجل خفير بناء على أوامر قائده الخاص ،وياتي ضابط من جماعة أخرى يأمره أن
يفعل شيئا آخر ،فإن الحارس يجب اال يطيع .وعليه أن يبلغ الضابط بأنه في مھمة الحراسة وال
يمكنه ترك منصبه حتى يأتيه األمر من قائده .وھذا صحيح حتى لو كان ضابط الزيارة فريق .
في فوتاماتا أنا أمرت بواجب مع جيش المنطقة الرابعة عشر ثم تم تعييني مع لواء
سوجي .وكان مسئولي المباشر قائد لواء سوجي ،الذي ارسلني الى لوبانغ .كان للرائد
تانيغوتشي والرائد تاكاھاشي سلطة توجيه اوامرلي أو توجيھي ،ولكن ليس لديھم سلطة لتغيير
أوامرالفريق يوكوياما لي.
من الممكن أن يكون للضباط سلطة نشر قوات دون أن يتمكن من تغيير األوامر التي سبق أن
أصدرھا لھم رئيسھم المباشر الرفيع .نشر الجند ال يعلو على االوامر .عندما ذھبت إلى لوبانغ،
ذھبت مع أوامر لقيادةالرجال في حرب العصابات ولكن ليس الدارتھم .ويمكنني أن أقول لھم
كيف ينبغي أن يتم الشيء واجعلھم يفعلون ذلك بھذه الطريقة ،ولكن األمر متروك لرؤسائھم
المباشرين لتقرير ما إذا كانوا سيشاركون في حرب العصابات .في األيام التي تلت ذلك ،تبين أن
ھذا النقص في السلطة كان شيئا رھيبا بالنسبة لي.
بعد اإلبالغ عن واجبي وتلقي االوامر ،عدت إلى غرفة الضباط .وھنا قال تاكاھاشي ضاحكا:
"أونودا ،سوف تفاجؤ ك المعاملة التي ستتلقاھا في لوبانغ ،أنھا افضل وحدة في الجيش الياباني
كله" !
عند ھذه النقطة ابتسم زعيم السرب ياماغوتشي فجأة .وقال "لوبانغ جزيرة جيدة جدا ".ليس
ھناك الكثير مثلھا .ھناك دائما الكثير من الطعام . ،على األقل ال يوجد لديك ما يدعو للقلق
حول ذلك" .
وفال تانيغوتشي بجدية على وجھه " :نحن الذين دربنا على الحرب السرية على استعداد
للذھاب وراء خطوط العدو وقيادة قوات اجنبية .يجب أن تعتبر قيادة رجال االمبراطور شرفا
لك يا اونودا " .
لقد كان على حق .لقد تم تدريبنا بالفعل على تنظيم وقيادة القوات األجنبية وراء خطوط
العدو .وان تكون مسئوال عن الجنود اليابانيين فھذا امتياز .على األقل أنھم يفھمون لغتي.
أعطاني الرائد تانيغوتشي خريطتين تظھران لوبانغ وحاول إقناعي بأھمية الجزيرة
االستراتيجية .واضاف "مھما كانت الصعوبة التي قد تواجھھا في حملتك لحرب العصابات"،
يجب ان تفكر طويال كثيرا قبل االنتقال الى جزيرة اخرى".
واحدة من الخرائط التي أعطانيھا كانت على مقياس من .١ :٥٠٠،٠٠٠األسماء مكتوبة باللغة
اليابانية ، ،ولكن لوبانغ نفسھا لم تكن أكبر من بطاقة ،وولم يكن ھناك تقريبا أي معلومات عن
التضاريس .وكانت الخريطة األخرى ١ :٢٥،٠٠٠وأظھرت جميع الشعاب المرجانية في
جميع أنحاء الجزيرة ،ولكن ھنا مرة أخرى كان من الصعب معرفة الكثير عن وضع األرض.
وقال الميجور تانيغوتشي "انزل الى مقر السرب في طريقك الى الميناء ،وسأعطيك خريطة
جوية عملوھا عندما تم بناء مطار لوبانغ ".اخذ الرائد الرجلين الذين كانا في طريقھما الى
ميندورو وترك غرفة الضباط.
بعد أن ذھب الجميع ،ذھبت إلى مستودع الذخيرة واخذت بعض المعدات الالزمة -الديناميت
واأللغام األرضية والقنابل اليدوية وھلم جرا -التي حملت على شاحنة .كذلك اخذت زيا مموھا
كنت قد احضرته من السرب على الشاحنة .في تلك الليلة نشرت الخريطتين على األرض
واخذت ادرسھما على ضوء الشموع .كانت جزيرة لوبانغ صغيرة جدا .ھل ستكون كبيرة بما
فيه الكفاية لحرب العصابات؟
حسنا ،كبيرة بما فيه الكفاية أم ال ،كان لدي األوامر والمعدات ،وال مفر من تنفيذ االوامر
.أغلقت عيني ،وسمعت مرة أخرى وعد قائد الفرقة" :مھما حدث ،سنعود اليك".
في ٣٠ديسمبر ،تلقيت خمسة آالف ين بالعملة العسكرية من الرائد تاكاھاشي لتغطية النفقات
الخاصة ثم غادرت مقر الفرقة .على الشاحنة معي كان رقيبا يدعى سوزوكي وستة من رجاله،
كانوا ذاھبين إلى لوبانغ إلعادة وقود الطائرات إلى ھناك .وكانت الطائرات قد سحبت بالفعل الى
لوزون ،بيد ان الوقود والقنابل ،وبعض العاملين ،مازالوا فى لوبانج.
وعندما ذھبت إلى مقر السرب في مانيال ،ذھب الرائد تانيغوتشي لرؤية الفريق اكيرا موتو
واآلخرين ،ولم يكن أحد متأكدا متى سيعود .ذھب شخص ما من خالل مكتب الرائد ،ولكن لم
يتمكن من العثور على الخريطة الجوية التي كنت آمل في الحصول عليھا .شعرت بخيبة أمل،
لكنني قررت أنه بعد أن اصل إلى لوبانغ ،أستطيع ببساطة معاينة المكان كله بأم عيني.
إلى جانب جسر بانزاي ،الذي سماه الجنرال ماساھارو ھوما ،قائد منطقة الجيش الرابع عشر،
وجدت القارب في انتظاري .كان اسمه ،على الطريقة اليابانية ،سيفوكو مارو ووزنه حوالي
خمسين طنا ً .ظھر القبطان -الذي كان حوالي أربعين عاما -على الجانب وصرخ" :امضوا
قدما وحملوا كل ما لديكم من امتعة على متن القارب".
قلت له إن شحنتي تتألف من متفجرات ،و له الحق في رفضھا إذا أراد .وقد أخبرني الرائد
تاكاھاشي أنه إذا رفض ذلك ،سترسل سفينة ديزل عسكرية لنقلھا.
"ال مانع لدي من المتفجرات" ،قال القبطان ،ولكن سيكون عليك الحصول على تصريح من
ادارة الميناء " .
لقد شرعت في الحصول على التصريح ،وعندما كنت أفعل ذلك ،سأل المالزم المناوب" :ھل
ستترك المتفجرات على لوبانغ وتعود على متن القارب؟"
"أنا لن أعود "،أجبت .واضاف "انا ذاھب الى لوبانغ الستخدام المتفجرات".
المالزم حدق في لحظة وقال" :آسف لسماع ذلك .اشرب العصير معي كمشروب وداع".
قدم لي زجاجة من االعصير ،لكني شكرته .لقد كنت في عجلة من امري .
وفي جسر بانزاي ،كانت البضاعة قد نقلت بالفعل من الشاحنة إلى السفينة .لقد أمطرت السماء ،
ثم توقفت لفترة من الوقت ،واآلن بدأت مرة أخرى .جلست القرفصاء تحت ملجأ على ظھر
السفينة مع الجنود اآلخرين ،وتناولنا العشاء الذي أعده الطاقم لنا.
أخبرني القبطان بأنه كان ھناك عدد ال بأس به من السفن الخاصة في مانيال تقوم بأعمال النقل
للجيش ،ولكن عندما ھبط العدو في ميندورو ،انتقلوا جميعا إلى خليج لينغاين .وقال "انني ھو
االوحيد الذى بقي".
سألته لماذا لم يھرب مع البقية ،فأجاب" :أحتاج إلى المال .في الواقع ،االسعار في ارتفاع ،
وحتى المال الذي أتلقاه من الجيش .ال يكفي ھذا ھو السبب في أنني اقوم برحالت إلى
لوبانغ .سكان الجزر يصدرون الكثير من األبقار ،وفي كل رحلة أعيد بيع بعضھا في
مانيال .وقد أعطاني مقر الفرقة اإلذن".
وقال انه تعاقد للقيام بخمس رحالت الى لوبانغ وھذه ھي الرحلة الثالثة .استذكرت محادثة كان
لي مع المالزم ياماغوتشي.
وقال "في اليوم اآلخر "،عندما ذھبت إلى مانيال الخذ البنزين ،رأيت قاربا قادما من لوبانغ .كان
عليه الكثير من األبقار المستلقية على سطح السفينة مربوطة الساقين .ال ينبغي أن يكون لديك
أي مشكلة غذائية على لوبانغ".
في الساعة التاسعة ليال غادرت السفينة سيفوكو مارو ميناء مانيال .في البداية أبحرنا غربا .كان
البحر ھادئا ،والمطرنازالً ،والظالم يلف الميناء.
في الساعة الواحدة صباحا ،مررنا بجزيرة كوريجيدورو بدال من اتباع الساحل ،واصلنا
االبحار غربا ،ألن طوربيدات العدو كانت دائما تظھر داخل وخارج المياه الشاطئية .كانت
مظلمة تماما .الصوت الوحيد كان صوت المحرك .كنا نتحرك بسرعة تسع عقدة .وقفت مع
القبطان في مقصورة القيادة الصغيرة ونظرت في الظالم .في أي لحظة ،قد تھاجمنا قوارب
العدو .إن اي ھجوم على السفينة مع المتفجرات واالسلحة التى عليھا قد يودي الى تقطيعنا اربا
اربا ،ال يسعني إال أن أقول إنني شعرت باالنزعاج الشديد .إذا كان ھذا قدرنا فليكن .لم يكن
ھناك شيء يمكنني القيام به حيال ذلك.
قام القبطان بتحويل الدفة بشكل حاد ،ومال القارب قليال عندما تحولنا إلى الجنوب .وقال "اذا
ذھبنا مباشرة من ھنا فاننا سنھبط فى ميناء يسمى تيليك".
اومأت برأسي دون أن أقول شيئا ،ولكنني كنت متوتراً .وكان تيليك اسم الميناء الذي أمرت
بتفجيره.
توقف المطر حول الفجر .لم أنم طول الليل .بدأت جزيرة لوبانغ تظھر على األفق
البعيد .تدريجيا اصبحت أكبر ،واصبح من الممكن ان ترى أشجار النخيل من خالل
المناظير .كانت ھناك جبال ،ولكن بدا كما لو أن أعلى جبل ال يمكن أن يكون أكثر من ١٥٠٠
الى ١٨٠٠قدم .وكان انطباعي األول عن لوبانغ أن تضاريسھا صعبة لحرب العصابات
لوبانغ ھي جزيرة ضيقة طويلة ،عرضھا ستة أميال من الشمال إلى الجنوب وطولھا ثمانية
عشر ميال من الشرق إلى الغرب .وعندما وصلت إلى ھناك ،تضمنت القوة العسكرية حامية
لوبانغ )فصيلة منفصلة عن الفوج المستقل السابع والسبعين بعد المائة( تحت قيادة المالزم
شيجينوري ھاياكاوا؛ حامية المطار تحت المالزم سويھيرو؛ فرقة الرادار تحت المالزم
تاتيغامي -الذي مثلي ولد في واكاياما ‐فرقة االستخبارات الجوية تحت المالزم الثاني
تاناكا؛ ومجموعة بحرية ولكن بدون ضباط .كان حامية لوبانغ حوالي خمسين رجال ،وحامية
المطار أربعة وعشرين ،والرادار واالستخبارات الجوية تصل ما مجموعه حوالي سبعين،
ومجموعة البحرية سبعة .وباإلضافة إلى ذلك ،كان ھناك طاقم صيانة الطائرات من حوالي
خمسة وخمسين تحت المالزم اوساكي ،وھؤالء وصلتھم اوامر االنسحاب ولكنھم ال يزالون
في الجزيرة.
لم يكن ضوء النھار كامال ما عندما وصلت السفينة سيفوكو مارو إلى الرصيف في تيليك ،لكن
القبطان أمر الطاقم بتمويه السفينة بأوراق النخيل .كانت الشاحنة التي جلبت وقود الطيران إلى
الميناء واقفة على الرصيف .نزلت مع قائد السفينة والرقيب المسؤول عن أخذ البنزين مرة
أخرى إلى لوزون ،وانطلقنا لمدينة لوبانغ ،حيث تتمركز حامية المالزم سويھيرو.
كانت المدينة نحو الطرف الغربي من الجزيرة ،وكان المطار غرب المدينة .كلما سرنا على
طول الشاطئ ،تحول الفجر إلى ضوء النھار.
وجدنا المالزم سوھيرو ،وسألت أين المالزم ھاياكاوا ورجاله ؟ .أبلغني المالزم أنه بعد ھبوط
العدو في سان خوسيه ،انتقلوا إلى جبل امبلونغ .وجدتھم عند سفح ھذا الجبل ،على بعد من ميل
،حيث كانوا قد حفر بعض الخنادق الضحلة وبنوا ثكنات بين األشجار .التقيت المالزم ھاياكاوا
أمام الثكنات وسلمته األوامر .عندما قرأھا ،نظر إلي متسائال " :ألم يقصدوا" قوارب "؟
"القوارب؟" اعدت السؤال .بدا المالزم ،االربعيني ،في حيرة وحرج .وعندما اكتشفت السبب،
كان دوري في االندھاش .
كانت التعليمات التي وصلتھم من مقر الفرقة بسيطة جدا ،ولم تكن ھناك كلمة فيھا "حرب
العصابات" .في الرسالة التي تقول للحامية التي كنت قادما لتوجيه "حرب العصابات" ،كان مقر
القسم يستخدم كلمة قياسية ،يوجيكي-سين .كما يحدث ،المقطع صن ال يعني فقط "حرب" ولكن
في حاالت أخرى "القوارب" ،وكان قائد الحامية قد فسر الرسالة بأنني ذاھب القودھم بعيدا عن
الجزيرة على ما يسمى "زوارق حرب العصابات" .وكانوا قد أعدوا بالفعل عشرة قوارب
صغيرة صغيرة في مدخل قريب ،بھدف وضع كل اربعة او خمسة رجال على متن قارب.
أنا ال أبالغ عندما أقول أنه بعد الوصول إلى ھذا القاع ،كنت غير قادر تماما على الكالم.
إن كلمة يوكي-سين ل "حرب العصابات" لم تكن كلمة شائعة جدا في ذلك الوقت ،ولكن ال
يوجد "قارب حرب العصابات" .لوضع ھذا التفسير على كلمة ال أكثر وال أقل من تفكير ھؤالء
الرجال .انھم ال يريدون شن حرب العصابات .كانوا يريدون النزول من لوبانغ .وفھموا
المصطلح يوجيكي-حسب ما يريدون .
وتذكرت بحزن ما قاله الرائد تاكاھاشي في غرفة الضباط" :أفضل وحدة في الجيش الياباني
كله".
في ذلك المساء عدت إلى الميناء مع بعض القوات الخذ المتفجرات .تركت بعض الديناميت
بالقرب من الرصيف ،أخذت بعضا إلى المطار ،وجلبت البقية إلى جبل امبلونغ .وبينما كنا على
الطريق ،طار تشكيل من اربع طائرات لوكھيد فوق رؤوسنا ولكنه غادر دون أن يفعل أي
شيء.
وفي مساء اليوم التالي ،غادر القارب سيفوكو مارو ،محمال اآلن بالبنزين بدال من المتفجرات،
إلى مانيال .ولو انسحبت حامية مطار سويھيرو وطاقم الصيانة على تلك السفينة حسب االوامر
،فإن الخسائر في الحرب اليابانية على لوبانغ كانت أقل عددا.
لكن القادة ورجالھم بقوا في الجزيرة ،على أساس أن القارب سيفوكو مارو سيعود
مرتين .وحث كويتشي تاتشيبانا ،ضابط الصف الذي حارب في تروك وغوام ،أولئك الذين أذن
لھم بالرحيل للقيام بذلك بسرعة " من تجربتي فان ھجوم العدو سيأتي اسرع مما نظن .تلك
السفينة قد ال تعود مرة أخرى .الكثير منا غير مسلحين ،ومن االفضل ان ننسحب الى مانيال
بأسرع ما يمكن".
لكن الضباط لم يستمعوا إليه .وظلوا ا يقولون إننا فقدنا السيطرة الجوية مؤقتا ،وأنه بمجرد
معالجة ھذا الوضع ،فإن القوات اليابانية سوف تشن ھجوما ھجوما مضادا ،مزيدا من التفكير
باالماني .المالزم سوھيرو منعني من تدمير الرصيف حتى يتمكن من شحن جميع البنزين،
ووقف طاقم الصيانة الجوية ضد تفجير المطار.
وقالوا "اذا فجرتھا اآلن فلن نتمكن من استخدامھا مجددا عندما نستعيد السيطرة الجوية ".
وكانت الصعوبة التي واجھتني ھي أنني لم أكن أملك السلطة آلمرھم .كل ما يمكنني القيام به
ھو توجيھھم في تنفيذ العملية اذا وافق رؤسائھم على ذلك .وعندما حاولت التحضير لحرب
العصابات في وقت الحق ،قال القادة جميعا لي أن قواتھم مشغولة جدا وال تستطيع المساعدة .
في الرابعة صباحا ،انتھيت من نقل متفجراتي إلى سفح الجبل .الشمس لم ترتفع بعد في ١يناير
.١٩٤٥لم أكن قد نمت منذ مغادرة مانيال وكنت اركض في جميع أنحاء الجزيرة منذ أن ھبط
القارب .كنت متعبا جدا ،لذلك ألقيت نفسي على العشب .من خالل أوراق النخيل رأيت السماء
اكثر صفاء في ھذا اليوم األول من العام الجديد .سنة جديدة ووظيفة جديدة ،تأملت وأنا
موسد .رغم الصعوبات تنسفت الصغداء .ونمت ھناك على العشب ،جمعت ذراعي على
صدري.
حوالي الساعة الثامنة والنصف صباح الثالث من كانون الثاني ،كان جندي مراقبة متمركز
اعلى الجبل يسير باتجاھي.
امسكت المناظير ،وسارعت الى الجبل .ما كان ينظر اليه كان أسطول العدو حقا .ويا له من
أسطول!
وبقدر ما استطعت ،عددت السفن .كان ھناك اثنين من البوارج ،أربع ناقالت طائرات ،أربع
طرادات وما يكفي من الطرادات الخفيفة والمدمرات لتصل الى ما مجموعه سبعة وثالثين أو
ثمانية وثالثين سفينة حربية .لم يكن ھذا فحسب ،ولكن ناقالت القوات التي أعقبته .كان يجب
أن يكون ھناك ما يقرب من ١٥٠منھم .وكأن ھذا لم يكن كافيا ،كان البحر يزدحم بقوارب
الھبوط -أكثر مما يعد.
ارسلت برقية معطيا عدد السفن من األنواع المختلفة التي عددتھا .في النھاية ،كتبت" ،إلى
جانب السفن الكبيرة ،كان ھناك عدد ال يحصى من قوارب الھبوط والمركبات الفرعية .كانوا
يتمايلون في األمواج ولم استطع تقديرعددھم .استنجت ان األسطول قد توجه شماال".
لسبب ما ارتكب المالزم ھاياكاوا خطأ وارسل البرقية بان االسطول توجه الى الشرق " ،ولكني
رأيت الرسالة وسرعان ما أرسلت التصحيح .إذا كان األسطول في الواقع يتوجه شرقا ،فإن
ھذا يعني انه يتوجه مباشرة نحو مانيال ،ولكن في الواقع كان يتجه شماال إلى خليج لينغاين .
لم أتأكد من وصول ھذه البرقية اال بعد ثالثين عاما ،عندما رأيت الرائد تانيغوتشي في نقطة
واكاياما .لم يكن لدى حامية لوبانغ سوى جھاز إرسال السلكي قصير المدى من النوع المستخدم
بين الكتائب.ولكي تصل رسالتي إلى مقر قيادة الجيش ،سيتعين عليھا أن تمر بفريق االتصاالت
إلى المقر الرئيسي للواء ثم مقر الفرقة ،وأن يتم فك الشفرة وإعادة صياغتھا في كل خطوة.
بعد ثالثين دقيقة من إرسال الرسالة،ا لتقطت حامية المطار إشارة من مقر ااالسطول يأمر جميع
الوحدات في غرب لوزون باتخاذ وضع المعركة ،ولكننا لم نعرف ما إذا كان ھذا األمر على
أساس تحذيرنا أم ال.
شعرت بقدر معين من االرتياح عند القيام بواجبي الرسمي األول ،ولكنني كنت بعيدا عن
السعادة ،ألنني خشيت من أن قسما من قوة العدو المتجھة الى لوزون ستھاجم لوبانغ .وإذا
حدث ھذا ،فإن الھجوم سيبدأ بقصف كبير من قبل مدفعية العدو ،والمتفجرات التي أحضرتھا
إلى الجبل في اليوم األخير من السنة سترتفع دخانا في السماء.
وبناء على حثتي ،وضع المالزم ھاياكاوا قواته في حالة تأھب وقاموا بنقل متفجراتي إلى نقطة
أبعد في الداخل .لحسن الحظ ،استمر أسطول العدو بأكمله في اتجاه لينغاين الخليج .لم تأتي
سفينة واحدة نحو لوبانغ .وفي الوقت نفسه ،وبفضل وصول ھذا األسطول ،لم يعد القارب
سيفوكو مارو إلى جزيرتنا.
بما انه لم تكن ھناك سفن قادمة ،فلن تكون ھناك حاجة أخرى إلى الرصيف .وطلبت مرة
أخرى السماح بتفجيره ،ولكن المالزم سويھيرو ما زال مترددا.
كان الرجل يحاول أن يوقف العملية طالما كان ممكنا .كان أفضل ما يمكنني الخروج منه ھو
السماح لي باستخدام قواته في التحضير للھدم في نھاية المطاف .وزعنا المتفجرات التي تركت
على الرصيف في مختلف النقاط االستراتيجية ووصلناھا باالسالك بحيث يمكن تفجيرھا بكبسة
واحدة .في حالة لم تعمل الكبسة يمكن نزع الفيوزات.
وبعد بضعة أيام وردت رسالتان مشفرتان من مقر الفرقة .وقال األول" :يتم وضع حامية لوبانغ
تحت قيادة الفرقة مباشرة وسوف تتلقى من اآلن فصاعدا أوامرھا مباشرة من قائد
الفرقة .تقارير حامية لوبانغ لھا تأثير ھام على استراتيجية معركة الفرقة .من اآلن فصاعدا عليك
أن تبلغ مباشرة وتفصيال مقر اتصاالت الفرقة " .
ولدى استالم ھذه الرسالة ،طلبت الحامية جداول إضافية من الشفرات و بطاريات ،ولكن
الجواب الوحيد الذي تلقته ھو "إن قاربي ديزل يقودھما ضابطان من ضباط النقل مفقودان .
االمطلوب من الحامية البحث عنھما في الجزيرة واإلبالغ عما إذا كانت قد وجدا ھناك".
وقد قيل لي في مقر الفرقة إنه ما لم أتلق كلمة معاكسة قبل ١٠كانون الثاني /يناير ،في ذلك
اليوم ،سأصبح مالزما ثانيا كامال .لم ترد أي كلمة ،واصبحت رتبتي رسمية ،ولكن خالل
السنوات الثالثين المقبلة لم ارتد زي ضابط كامل ولو لمرة واحدة.
وفى االول من فبراير بدأ العدو عمليات الھبوط فى ناسوجبو بوسط غرب لوزون .كانت
ناسوغبو على الشاطئ المقابل للوبانغ ،وقد رددت على ھذا التطور من خالل حث قوات الحامية
على نقل طعامھم وذخيرتھم إلى ابعد في الجبال.
لقد حسبت أن ھذه العملية ستستغرق حوالي أسبوع .ولكن اتضح أن ھذا غير صحيح ،ألن
حوالي نصف الرجال الخمسين كانوا فقط متوافرين للعمل .كان بعضھم يعانون من التعب،
وبعضھم من الحمى .حتى أكثرھم ال يمكن أن يحمل اكثر من حوالي خمسة وثالثين رطال في
المرة الواحدة.
ومما زاد األمور سوءا أن المالزم ھاياكاوا أصيب بمرض في الكلى وكان بحاجة في كثير من
األحيان للراحة واحتساء مشروب حليب جوز الھند .مع كون القائد في ھذا الشكل ،كان الرجال
أكثر مشاكسة ولم يبد لي أن لديھم أي إرادة للقتال.
لم تكن الوحدات االخرى لتساعد .بدأوا يتذمرون أنه إذا ھاجم العدو ،فمن المفترض أن قوات
الحامية تقف في الخط األمامي لتحميھم على أفضل ما يمكن .وإذا كانت الحامية ستختبئ في
الجبال ،فإنھم قد ينتحرون أيضا على الفور.
وبغض النظر عن الطريقة التي حاولت العمل بھا ،لم أستطع إقناع أحد بضرورة حرب
العصابات .تحدثوا جميعا عن االنتحار والتخلي عن حياتھم بينما كانوا في أعماقھم يأملون
ويدعون اال تتعرض لوبانج للھجوم .كنت متأكدا من ھذا ،ولكن لم يكن ھناك شيء يمكنني
القيام به حيال ذلك .كان لدي سلطة حقيقية قليلة لدرجة أنھم لم يأخذوا كالمي بجدية.
وكانوا يلقبونني فيما بينھم "نودا شويو "،اسم العالمة التجارية الشھيرة من صلصة
الصويا .و نودا جاء من اسمي و شيو اقترحھا شوي ،كلمة للمالزم ثان .وكان المعنى ھو أنني
لم لست سوى قليل من التوابل .وكان ھذا ألنني ال يمكن أن اصدر أوامر لھم بنفس الطريقة
التي يصدرھا قادتھم .
كم مرة تمنيت أن أكون مالزما أول النجاز بعض العمل .كان علي أن أستمع إلى ھؤالء
الرجال يتكلمون عن الموت من أجل القضية ،كنت استمع بصمت .لم أتمكن حتى من التلميح
إلى أي شخص أن لدي أوامر بعدم المو ت طوعا و كنت محبطا الى أقصى الحدود.
الغيت تفجير المطار ،ألن ھذا لم يعد له معنى .أستطيع أن اعمل خنادق و حفر في المدرج ،
ولكني علمت أن العدو لديه لوحات من الحديد الصلب التي يمكن أن يبنى بھا مدرج جديد في
وقت يسير .يستخدمون االقضبان الثقيلة تحت لوحات الصلب ،وبما ان التضاريس مسطحة
تقريبا ،والثقوب في األرض ال تعيق فمعظم ما يمكن اكتسابه من تمزيق المدرج ھو تأخير يوم
أو نحو ذلك ،ويبدو لي أن المتفجرات يمكن أن تستخدم على نحو أكثر فعالية في أماكن أخرى.
كما كنت أتساءل ما يجب القيام به حول معركة المطار ،تذكرت الساموراي كوسونوكي
ماساشيج القرن الرابع عشر الشھير ،الذي استخدم خالل معركة صعبة الكثير من دمى القش
والبسھا الخوذات من أجل إھدار سھام العدو الثمينة .قررت أن أخرج ورقة من كتاب
ماساشيج .وبمساعدة المالزم سوھيرو ،جمعت قطعا من الطائرات المدمرة ووضعتھا لتبدو
وكأنھا طائرات جديدة ،مع الحرص على تمويھھا بالعشب.
كنت أعتقد ان ھذا عمل طفولي بسيط ،لكنھا خطة نجحت ،عندما جاءت طائرات العدو،
انشغلت دائما بقصف المطار .في ذلك الوقت ،كانوا يأتون يوما بعد يوم ،واستخدمنا األيام
األخرى لوضع طائرات وھمية .اعتبرت ان تكتيكات حرب العصابات جيدة لجعل الطائرات
المھاجمة تستھلك اقصى قدر من الذخيرة.
في ھذا الوقت وصلت االسراب الخامسة عشرة والسادسة عشرة الساحلية االنتحارية إلى
الميناء في تيليك .وكانت ھذه فرق انتحارية تابعة للجيش كان لھا زوارق خشبية صغيرة،
مدعومة بمحركات سيارات ومحملة بالمتفجرات .وكانت الفكرة أنه عندما ظھور سفن العدو
تقوم ھذه الفرق بتفجيرھا عن طريق صدم قواربھم في ذلك .وقد أرسلت الفرقتان اللتان جاءتا
إلى لوبانغ على أساس نظرية أن العدو سيرسل قريبا أسطوال إلى مانيال ،وھو ما سيجعله
قادرا على المھاجمة من الجناح.
وكانت القوات اليابانية قد تخلت بالفعل عن مانيال ،وانتقل مقر الجيش اإلقليمي الرابع عشر إلى
باغيو .وصلت فرق االنتحار الساحلية ،التي تتألف من أربعين رجال تحت قيادة الكابتن
ساداكيتشي تسوكيي ،دون طعام ،وكان على الحامية تقاسم األرز معھا.
وقبل وصولي ،أرسلت الى الحامية إمدادات من األرز لمدة خمسة أشھر ،وحثثت القوات على
توسيع استخدامھا إلى أقصى حد ممكن .ومع وصول الرجال اإلضافيين ،بدأت أشعر بأننا لن
نكون قادرين على االستمرار لفترة طويلة جدا ،ما لم تتخذ تدابير غير عادية.
وعلى مسئوليتي ،أمرت عمدة مدينة لوبانغ بتزويدنا بخمسين كيسا من األرز المصقول .وعندما
علم سوھيروا واكاسي بذلك امرا رئيس البلدية بتزويدھم باألرز أيضا وبدون اخباري ..فجاء
العمدة يبكي ويقول إنه إذا كان على سكان الجزيرة توفير جميع مطالبنا ،فإنھم سيجوعون .
واكتشفت ان القوات األخرى قد طالبت كيسين لكل رجل .تحدثت إليھم في الحد من ھذا إلى
كيس واحد ،ولكن بعد ھذا الحادث لم يستمع سكان الجزيرة إلى أي شيء قلناه .بدأوا يشكون من
أنھم ال يستطيعون نقل األرز في النھار ،ألنھم قد يقتلون من قبل الطائرات األمريكية .وعندما
طلبنا منھم العمل في الليل ،أجابوا بأنھم ال يستطيعون العمل إال على ضوء القمر ،وإال فلن
يتمكنوا من رؤية ما يقومون به .كان ھذا ھراء .وحقيقة األمر ھي ببساطة أنھم ال يريدون
مساعدة القوات اليابانية .مع كون مانيال محاطة بالعدو والقوات األمريكية المحمولة جوا تھبط
في كوريجيدور ،كان من الواضح أن األمور تسير بشكل سيء بالنسبة لليابان .وكان سكان
الجزر يستفيدون من عجزنا.
وإذا تسامحنا معھم كثيرا ،فلن تكون ھناك إمدادات كافية من الغذاء قبل أن يھبط العدو على
جزيرتنا .أمرت حاملي األرز باستخدام المصابيح إذا لزم االمر .ولكن بعد ذلك جاء العمدة مرة
أخرى ،محتجا بانه ليس لديھم وقود للمصابيح .أمرته ان يخلط وقود الطيران مع زيت
التشحيم واستخدامه.
بطريقة أو بأخرى ،تمكنت من إخفاء إمدادات األرز في الجبال ،ولكن في ذلك الوقت السبعين
الرجال من الرادار وأجھزة االستخبارات الجوية كانوا عبئا علينا .وقد تلقوا أوامر بالعمل
باالشتراك معنا في المستقبل.
ھذه ھي القوات التي كانت ترفع أنوفھا في كل مرة تحدثت فيھا عن تكتيكات حرب
العصابات ،الذين كانوا قد انتظروا عودة القارب الرغم من أنھم بالفعل أمروا
باالنسحاب .واآلن بعد أن تقطعت بھم السبل ،كان علينا أن نتحمل المسؤولية عنھم .كان ھناك
أربعون منا بالفعل؛ وومع وجود سبعين آخر ،كان من الواضح أن ما كنا نعتبره توريد خمسة
أشھر من األرز سوف يكفي بالكاد شھرين.
وعالوة على ذلك ،أخذ بعض الرجال بسرقة األرز ومقايضته مع الفلبينيين بالسكر .وكانت سان
خوسيه مركزا كبيرا للسكر ،والالجئون الذين فروا من ھناك إلى لوبانغ بعد أن ھبط العدو على
ميندورو جلبوا إمدادات كبيرة معھم .أخذت وحدة اوساكي بحماس عرضھم لتجارة كيس واحد
من السكر بكيسين من األرز .احد رجال ساكي جاءوا لي وسألوا عما إذا كانت الحامية تريد
الدخول في الصفقة.
أعطيته درسا جيدا ،ولكن حتى عندما صرخت عليه ،كان قلبي يغرق .ماذا يمكنك أن تفعل مع
حفنة من البلھاء؟
بعد ذلك جاء حادث القھوة .كانت ھناك ناقلة نفط قبالة سواحل تاغباك ،والحامية تخزن
بضائعھا مع سكان الجزيرة .واآلن ،اقتحمت مجموعة من جماعة "ساكي" منازل سكان
الجزيرة ،واخذت كمية من القھوة .دعوت العريف سوزوكي ،الذي كان مسؤوال عن الرجال،
وأعطيته درسا ،ولكنه سبب فقط االكتئاب لي ،ال أكثر من ذلك.
كنت قد أرسلت إلى ھذه الجزيرة للقتال ،ولكني وجدت أن القوات التي من المفترض أن
اقودھا عبارة عن حفنة من الناس تبدي استعدادھا للموت ،ولكنھا معنية فقط باشباع رغباتھا
الفورية .وكأن ھذا لم يكن كافيا ،لم يكن لدي سلطة إصدار األوامر إليھم .ال أستطع نشرھم إال
بموافقة قائدھم .كنت أستطيع أن أدير بطريقة ما لو ان المالزم ھاياكاوا قد فوض سلطاته لي،
ولكنه على الرغم من مرضه الخطير ،رفض التخلي عن سلطته .كان عليه أن يدير على كل
شيء.
كنت غاضبا .كنت عاجزا ،مع مجموعة من القوات غير المنضبطة ،لم يفھم أي منھم أول
شيء عن نوع حرب العصابات التي سنشارك فيھا قريبا ،وبدأت آمل أن العدو سوف يمضي
قدما ويھبط .ھذا على األقل من شأنه ينظف الھواء!
على الجانب الغربي من الجزيرة كانت قرية تسمى توميبو حيث ھبطت قوة قوامھا حوالى
خمسين جنديا امريكيا يوم ٢٨فبراير.
كنت على قمة الجبل ،والتي أصبحت فيما بعد قاعدة رادار للقوات الجوية الفلبينية .وبما أن ھذا
الجبل كان مرتقعا حوالي خمسمائة ياردة ،وأشارنا إليھا ببساطة باسم خمسمائة .عندما رأيت
األميركيين بالمناظير ،اصبح جسمي كله متوترا ،وقلت بصوت عال" ،لقد جاؤوا أخيرا"!
وقد انتقلت القوات األمريكية بحذر من خالل نزولھا من قوارب الھبوط إلى األمام عبر
التضاريس المنحدرة بلطف وبنادقھا جاھزة .كان ھناك شيء خاطئ :لم يكن ھناك ما يكفي
منھم .كانت خدعة .لوبانغ ليست سوى جزيرة صغيرة ،وربما يكونوا قد عرفوا أننا لن ندافع
عنھا بشدة ،ولكن مع ذلك ال يمكن تصديق ان العدو سيحتل الجزيرة بخمسين رجال فقط .كانوا
ينصبون فخا لنا.
وسقط المالزم سوھيرو في الفخ .تحدث بغرور ،وقال" :أنه سيأخذ عددا قليال من الرجال الى
ھناك ويقضي على االمريكان ".
"رجوته ال تفعل ذلك وقلت له " .يمكنك التصرف على أن ھناك انزاال وشيكا في منطقة اخرى
.دعنا ننتظر بعض الوقت ونرى ما سيحدث" .
"ال تقلق ،ايھا المالزم !خمسون أو مائة جندي امريكي ال يساوون ضرطة .سنقوم بسحقھم في
وقت يسير " .
وقفز على شاحنته مع حوالي خمسة عشر رجال .كان لديھم مدفع رشاش ثقيل واحد ،وكان لكل
من الرجال بندقية مشاة .وكانت توميبو على بعد ميلين فقط من قمة الجبل ،ولكن لم يكن ھناك
طريق بينھما .وقرر المالزم سوھيرو اتخاذ الطريق على طول الساحل الشمالى وحول الطرف
الغربى من الجزيرة .كان ھذا التفاف نوعا ما ،ولكنه سيعطي المالزم فرصة للنظر في قواته
الموجودة في بلدة لوبانغ على طريقه.
مع الحفاظ على انخفاض أصواتنا ،بدأنا في إعداد دفاعاتنا .في التالل الكبيرة أسفل الجبل إلى
حد كبير من حيث كنا ،فرقة االستخبارات الجوية ،التي لديھا مجموعة الرادار ،قد حفرت ،جنبا
إلى جنب مع جزء من طاقم الصيانة الجوية.
وقد اختفى األمريكيون في الغابة في ھذا الجانب من الشاطئ ،وعند غروب الشمس لم نر أو
سمع أي شيء منھم .أين كانوا؟ وماذا كان المالزم سوھيرو يفعل؟ أصبحت أكثر عصبية مع
مرور الوقت .وبحلول الليل ،بدأت أشعر بأن العدو يتنفس في ظھري.
غلفنا الليل في الظالم الدامس كان ليال طويال .وفي حوالي الساعة الواحدة صباحا ،جاءت
شاحنة تصعد ،وقفز منھا المالزم اوساكي ،يليه ضابط االصف تاتشيبانا .وقد جلبوا جز ًء من
طاقم الصيانة الذي ترك في المطار .ولكن ال توجد عالمة على المالزم سوھيرو.
واوضح ضابط االصف تاتشيبانا "ان المالزم سوھيرو ظل فى لوبانج .حاول إقناعنا بالبقاء،
لكننا اعتقدنا أن األمر خطير جدا وقررنا المجيء ھنا".
بعد اقل من ثالثين دقيقة الحظنا ارتفاع النيران في مرتفعات لوبانغ .شعرت بأن مجموعة
سويھيرو تعرضت لنيران العدو ،ولكن لم يكن ھناك أي وسيلة للتأكد .كنت أكثر عصبية من أي
وقت مضى .أنا ال أعرف كم مرة تحسست مقبض سيفي.
مع انبالج الفجر ،كنت انظر بالمنظار نحو تيليك ،وفي االفق رصدت طراد العدو الخفيف
وثالثة من سفن نقل القوات تتجه مباشرة نحو الجزيرة .فكرت في أنبوب البخور الذي
احضرته من والدي .لم أكن أريد أن يقع في يد العدو ،لذلك أحرقته ،جنبا إلى جنب مع
اوراقي السرية.
وبدأت السفن البحرية بالقصف ..اصوات تصم االذان تليھا انفجارات رعدية حيث وقعت
القذائف على اھدافھا .اھتز جسدي كله مع االھتزازات .وكانت تيليك الھدف الرئيسي للعدو ،وفي
أي وقت من األوقات تم تغطية الساحل في ھذا االتجاه بالغبار والدخان .أشجار النخيل وأجزاء
من المنازل طارت في الھواء ،كما اختفت بلدة تيليك الصغيرة عن أعيننا .واستمر القصف بال
ھوادة .كانت قاعدتنا حتى اآلن بعيدة أنني لم أكن خائفا حقا ،ولكني قلق حول فرق التقدم
الساحلية .وقد تم إخفاء قواربھا الھجومية الصغيرة في النھر الذي يصب في خليج تيليك ،وعلى
استعداد لشن ھجوم بمجرد ظھور سفن العدو ،ولكن العدو ،وربما تحسب لمثل مثل ھذا الھجوم
كان يصب وابال بعد وابل من القذائف في النھر الصغير.
وماذا عن الرصيف؟ كنت قد صففت فيه المتفجرات ،ولكن لم أستطع أن أقول ما إذا كانت قد
انفجرت أم ال.
وبعد حوالي ساعتين ،انتھى القصف أخيرا ،ولكن بمجرد توقفه ،بدأت قذائف من مدافع الھاون
األرضية تتساقط على معسكرنا .لقد اختبأنا كأفضل ما يمكننا خلف األشجار .واندلعت طائرات
العدو إلى أسفل ،وأسقطت قنابل زنة مائتي رطل بالمظالت .تندفع من المزالق متارجحة الى
االمام والخلف ترفرف إلى األرض وثم تنفجر مع ضجيج عظيم .كلما نظرت ،زاد
الغضب .ومن الواضح أن العدو عرف أننا ال نملك أسلحة مضادة للطائرات.
وأخيرا ذھبت الطائرات بعيدا .نظرت من خالل مناظير رأيت الطراد الخفيف رافعا العلم
االمريكي يتقدم نحو ميناء تيليك .كذلك ايضا كانت سفن نقل القوات.
في تلك المرحلة ،جاء جندي من فريق المالزم سوھيرو يزحف فوق الجبل .وأفاد أنه خالل
الليلة الماضية تعرض مراكز الوحدات العسكرية في البلدة للھجوم.
"لقد تم القضاء علينا في تبادل الطالق النار كلھم اال " . . .توقف.
وكما كنت أخشى ،كان اطالق النار على في الليلة السابقة على ثكنات المالزم سوھيرو .
وعلى الرغم من خالفاتنا ،فإنه لم يھن علٮي مقتله .تذكرت كيف ھب لمساعدتي في وضع
الطائرات الوھمية.
وعندما بدأ القصف ،أمرالمالزم أوينو من فرقة الھجوم الساحلية السادسة عشرة رجاله بأن
يلجأوا إلى الجبال ،لكنه ظل لتفجير محركات قوارب الھجوم .وسرعان ما أدرك أن العدو كان
يشير بالمدفعية مباشرة اليه .لم تكن ھناك فرصة للبقاء على قيد الحياة ،رغم انه حاول التراجع
ال الجبال .عندما سمعت قصته ،ال اكاد أصدق ذلك .المدافع الرشاشة ،حتى مدافع الھاون ،نعم،
ولكن المدافع البحرية ضد شخص واحد ؟ ال يصدق ! ھذا يعني ان العدو لدية معدات وقذائف
للرمي من بعيد
في ھذا الوقت ھبطت كتيبة من مشاة البحرية بقيادة أربع دبابات .وبالنظر بين األشجار،
ورأيتھم يسيرون باتجاه فيغو ،ميل أو اثنين غرب تيليك .قبل وصولھم إلى فيجو ،انقسموا إلى
وحدتين.استمرت وحدة واحدة غربا باتجاه مدينة لوبانغ ،بينما بدأت الوحدة األخرى تتقدم نحو
قاعدتنا .قررت التراجع .النه في مكاننا ال نوجد أي فرصة للنجاة .الفرصة الوحيدة المتبقية
ھي أن نرتفع إلى الجبال وننفذ حرب العصابات.
لم تتفق معي فرقة االستخبارات وفرق الھجوم الساحلية .وقالوا انھم سيبقون الى النھاية حيث
كانوا .حاولت أن أقول لھم أنه مع عدم وجود أسلحة أكثر مما كان عليه ،فسيكونون صيدا سھال
للعدو ...ولكن ال حياة لمن تنادي !
بدأت قذائف العدو في االنھيال علينا ،أمرت الجنود الجرحى القادرين على المشي بالتحرك
أعمق في الجبال .طلبت من خمسة أو ستة رجال اقوياء المظھر بحمل أكبر قدر ممكن من
المؤن ،وبدأنا االنسحاب .
لم نكد نمشى ثالثين دقيقة حتى سمعنا صوت البنادق من االتجاه الذي كنا نتحرك اليه .و يبدو
ان العدو قطع طريق تراجعنا .كنت خائفا من شيء من ھذا القبيل .كنت قد أبلغت فريق
اوكاسي أنه بدال من انتظار طائرات اإلنقاذ ،يجب أن ننقل المؤن والمعدات الى العمق ،
ووعندما ياتي الھجوم بامكاننا ان نقف على ارجلنا ونھاجم .
لم يغيروا قولي أي اھتمام .أرسلت نظرة إلى األمام ،ثم وضعت نفسي مع قوة صغيرة .قبل
فترة طويلة التقينا مع عسكري مصاب برصاصة في ساقه .كان قد رصد من قبل استطالع
العدو .ومن المؤكد اآلن أن انسحابنا قد توقف ،وال شك في أن القوات قد ھبطت في توميبو في
اليوم السابق.
أمامنا ،كان ھاون العدو بقترب .كنا محاصرين ! فجأة الحظت الدم على الطريق .انحنيت
إللقاء نظرة ،رأيت اثنين من الجنود اليابانيين على بطونھم امامنا قليال .كان الجندي االول
كينشيتشي كوزوكا و والحندي االول موراناكا .دعوتھم إلى الزحف إلى األمام أبعد قليال .
موراناكا نظر الى كوزوكا للحظة ،ثم بغباء انتصب واقفا .على الفور جاءته رصاصة في
الرأس.
صرخت إلى كوزوكا لينبطح ،زحفت إلى الوراء قليال ،شعرت بشيء في قدمي ،وجدت
دشمة فجأة ،نزلت فيھا و قفز كوزوكا فوقي إلى الخندق ،خرجت صلية أخرى .تراجعت مرة
أخرى إلى الخندق قبل أن االحظ أن يدي اليمنى مغطاة بالدم .وقد قطعت الرصاصة طرف
إصبعي الصغير ،ولم يتبق سوى القليل من الظفر.
وفي الليلة التالية ،عقدت العزم على مھاجمة القوات التي تمنع انسحابنا.
وقد قتل المالزم إساكي أمس والمالزم تاناكا اليوم ،بقذائف الھاون باالضافة الى المالزم
سويھيرو ،لقد فقدنا ثالثة ضباط ، ،المالزم تاتيغامي اصبح في عداد المفقودين سعى وراء
الكشافة المعادية )وجد فيما بعد ميتا .ومع غياب الضباط القياديين ،فقدت القوات كل اإلحساس
بالنظام .كانوا يطلقون النار بلطف ،كما ھبطت الروح المعنوية .وما لم ينجز شيء قريبا ،فسيتم
تدميرنا جميعا.
ھناك سلسلة جبال ،حوالي ثمانية عشر مائة قدم في ذروتھا ومغطاة بالغابات الكثيفة ،تسير عبر
الجزيرة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي .فكرتي ھي التراجع على طول التالل،
والمقاومة عند الضرورة .اعتقدت أنه إذا تمكنا من الوصول إلى نقطة معينة ،يمكن لبعض منا
مرة أخرى العودة مرة أخرى على طول سلسلة من الجبال إلى قاعدتنا السابقة ،حيث تم إخفاء
االمؤن ،ومن ثم الغوص مرة أخرى إلى الغابة.
لتنفيذ ھذه الخطة ،كان من الضروري القضاء على قوات العدو خلفنا .انتظرت حتى ليلة ٢
مارس ،ألن الكابتن تسوكيي وعد بأن يلتقي معي في ذلك الوقت على األكثر .لم يكن لدى فريقه
أي أسلحة تقريبا؛ لم أكن أرغب في التراجع عنھم ،وتركھم عزل.
تحت نيران ھاون متفرقة ،انتظرنا وانتظرنا ،ولكن لم يات الكابتن تسوكيي .قررت أخيرا أنه
ال يمكن أن ننتظر اكثر .أخذت خمسة عشر رجال معي لمھاجمة قوات العدو الذين كانوا
يحاصروننا .كان الطريق على طول التالل مستقيما إلى حد ما ،وإذا كنا قد واجھنا العدو ،فإن
الرجال في الطليعة بالتأكيد سوف يكون جرحى أو قتلى .ومع ذلك ،فقد تبين لنا أنه إذا ضحينا
بثالثة أو أربعة رجال ،فإن باقينا يستطيع ان يخترق معسكر العدو .كنت واثقا من أننا في القتال
القريب ) يد ليد ( سنھزمھم
وقد تم احتالل المطار سليما من قبل العدو .لم يتم تفجير الرصيف .مما سمح للعدو بالنزول
بسرعة دون تحقيق أي من األھداف المحددة التي أسندھا الى مقر الفرقة .كنت قد كرھت
نفسي كعامل حرب سرية .في أعماقي شعرت أننا لن نكون في مأزق كھذا لو اني كنت أقوى
وأكثر عدوانية كزعيم .والطريقة الوحيدة ألداء واجبي ھو تنفيذ ھذا الھجوم الليلي البائس على
العدو .وأود أن قود الطريق إلى معسكر العدو واذبح ما استطع من األميركيين.
عندما وصلنا إلى نقطة معينة ،أخذت نفسا عميقا ونظرت حولي .تعكس خوذات الرجال ضوء
القمر .تنفست مرة أخرى وسحبت سيفي ،وتخلصت من غمده على جانب الطريق .من اآلن
فصاعدا لن أفكر في أي شيء .امسكت السيف بإحكام وسرت إلى األمام .لم يكن لدي أي شيء
اعتمد عليه اال قوتي.
عندما ألقيت غمدي ،كنت قد خالفت األوامر التي تلقيتھا من الجنرال يوكوياما .كنت أيضا قد
تجاھلت كل تعلمته في فوتاماتا عن واجبات وكيل الحرب السري .كنت أعود بدال من ذلك إلى
التكتيكات االنتحارية التي تم تدريسھا في مدرسة تدريب الضباط .كنت صغيرا .لقد فقدت عقلي
!
لو كان العدو ينتظرنا في تلك اللحظة ،ربما قتلت .من حسن الحظ انھم قد اكتشفوا ھجومنا الليلة
وانسحبوا بعيدا إلى الخلف .انتقلنا بسرعة إلى الوراء على الطريق الذي جئنا.
على الطريق وجدنا جثة الجندي االول موراناكا .مع خنجر والدتي ،قطعت إصبعه الصغير،
ولففته في ورقة ووضعت في الجيب الداخلي من سترتي كذلك اخذت غمد سيفى ،تذكرت
وجه قائد الفرقة الذي أمرني بالبقاء على قيد الحياة .خجلت من نفسي.
في صباح اليوم الثالث ،وصل الكابتن تسوكيي ورجاله أخيرا إلى قاعدتنا .قررت أن اتحقق من
طريقنا من التراجع مرة أخرى ،وأخذت العريف شويتشي شيمادا معي .وعندما بدأنا في
المغادرة ،أخبرني المالزم إينو أنه أرسل أيضا كشافا وطلب مني أن أعيده إذا رأيته.
وعندما كنا نھم بالخروج من القاعدة ،جاء رسول من خيمة التمريض يطلب
المتفجرات .ذھبت إلى الخيمة لمعرفة الوضع .شاب شاحب الوجه جدا نظر الي من سريره
وغمغم قائال " ،ال يمكننا التحرك .واسمحوا لنا أن نقتل أنفسنا ھنا" .
بقية الرجال العشرين في الخيمة ،وجميعھم أصيبوا بجروح بالغة ،يحدقون بشفقة في وجھي.
أنا قمعت مشاعري وقلت" :حسنا ،سأفعل ذلك .أنا اعلق فتيل التفجير ،ولكن فقط في حال لم
يعمل ،سأترك قذيفة يمكنك رميھا في الديناميت إلشعاله".
نظرت إلى كل وجوھھم ،اثنان وعشرون جميعا .استقالوا جميعا حتى الموت ،وعلى استعداد
لتقديم التضحية المطلوبة .بصعوبة ،واصلت.
"أيضا ،في حال لم تعمل عيدان الكبريت ،ساترك فتيل اشعال طويل النارة الفيوز .بطريقة
أو بأخرى ،يجب أن اكون قادرا على تحقيق رغبتكم .ھناك شيء واحد أطلبه منكم في
المقابل .من الصعب بالنسبة لي أن أعطيك مھمة عندما جعلتم الموت امام عينيك ،ولكن أطلب
منكم مرة أخرى فقط -لخدمة بلدكم .اال تفجروا أنفسكم حتى تروا العدو من ھذه الخيمة .ھناك
طعام ھنا .يمكنكم االستمرار حتى تروا العدو" .
أجابني احدھم " :االمران بالنسبة لنا سيان .حضر العدو ام لم يحضر ".
"أنا أعرف ذلك ،لكنه ليس بالنسبة لنا .إذا غزا العدو ھذه القاعدة ،ال يمكننا العودة إليھا .نريد
بعض الطرق لمعرفة ما إذا كان العدو قد جاء أم ال .ھل تفھم؟"
وقالوا :إنھم فھموا وسوف يفعلون كما طلبت .ثم شكروني جميعا على تمكينھم من تدمير
أنفسھم.
في وقت الحق عدت إلى المكان ولم اجد أي أثر ال للخيمة وال للجثث .لم يبق شيء سوى
حفرة كبيرة في األرض .وقفت ھناك ،وحدقت في تلك الحفرة الرھيبة .حتى الدموع رفضت
المجيء .
بعد ان مشيت مع شيمادا لفترة من الوقت ،ركضنا إلى الكشاف الي ذكره لنا المالزم
أوينو .كان صبيا ابن سبعة عشر أو ثمانية عشر .سألته عما إذا كان قد شاھد قوات العدو؛ قال
ال.
" قلت له " :عد إلى القاعدة وقد الرجال ھناك إلى النقطة التي نحن فيھا اآلن .في غضون
ذلك ،سنقوم بفحص الطريق إلى األمام واتخاذ موقف الحراسة ھنا .عندما تجلب القوات ھنا
وتؤمن المكان ،تعال الى ھنا و مھما حدث ،ابق على اتصال معنا" .
بعد رؤيته خارجا ،انتقلت مع شيمادا ،ولكن لم نجد أي عالمة على العدو .بعد بعض الوقت،
قررنا التوقف وانتظارالكشاف الشاب .إذا ذھبنا إلى أبعد ،سيكون من المستحيل العودة إلى
اآلخرين قبل الظالم.
انتظرنا ساعة ،ساعتين ،لكن الصبي لم يظھر .بدأت الشمس بالمغيب وكنت قلقا .في الظالم لم
يكن لدينا شيء للخوف من العدو ،ولكن سيكون من المستحيل إقامة اتصال مع رجالنا.
لم أكن أعرف الجواب .إذا بدأنا بالعودة اآلن ،سيكون مظلما قبل وصولنا .ومن ناحية أخرى ،ال
يوجد لدينا طعام على اإلطالق ،وكنا بعيدين عن الماء.
وأخيرا قلت" :قبل أن نقع في الظالم الحالك ،لنذھب إلى الوادي ونحصل بعض الماء" .مشينا
نحو ١٥٠ياردة في واد ووجدنا جدوال ،ولكن بينما كنا نعود إلى الوراء ، ،ووجدنا أنفسنا في
الظالم الدامس.
كان الظالم شديدا لدرجة أنه كان علينا أن نطمئن على بعضنا البعض أننا ما زلنا معا ،ولكننا
ضغطنا في محاولة للعثور على التالل مرة أخرى.
ھذا كان خطأ .بعد فترة من الوقت ،أدركنا أننا نحوم في دوائر مغلقة .قررنا الجلوس واالنتظار
حتى الصباح.
في الفجر بدأنا مرة أخرى ،وقبل فترة طويلة رصدنا المكان الذي كنا فيه مساء من قبل .من بين
األشجار ،نظرت إلى الطريق وحصلت على صدمة حياتي .وعلى بعد مائة قدم كانت مجموعة
استطالع أمريكية!
كان مع شيمادا بندقية ،ولكن كان معي فقط مسدس وسيفي .كان االوضع ميؤوسا منه .ألقينا
قنابل يدوية في وقت واحد ،وفي اللحظة التي ذھبت فيھا انحدرنا إلى الوادي .بعد الزحف
ھناك لمدة ثالثين دقيقة تقريبا ،عملنا بحذر طريقنا مرة أخرى إلى نقطة تحت البقعة حيث كان
لدى الكشاف الشاب تعليمات لقيادة الرجال لدينا .الشعور بالتأكيد إلى حد ما أنه سيكون آمنا ھذه
المرة ،صعدنا الى جرف صخري فوقنا ،وعلى الفور تقريبا وجدت أنفسنا في وابل من قذائف
الھاون .كانت تصعد بشكل قوسي واحدا تلو اآلخر ،وتھبط في الوادي الموجود تحتنا .التزمنا
الجرف ،ولم نجرؤا على التحرك.
وقد اتبع الكشاف الشاب أوامري وجلب القوات إلى المكان المعين ،حيث كانوا قد وضعوا
رشاشاتھم وقضينا الليل .في الصباح ،ظھر فريق كشافة للعدو الذي رأيناه ،وفتحت قواتنا النار
عليھم بمدافع رشاشة ،مما أدى إلى مقتل أمريكي واحد .انسحب جنود العدو اآلخرون ،ولكن
على الفور تقريبا كان ھناك وابل من نيران الھاون.
لم أكن أعرف كل ھذا حتى وقت الحق ،بطبيعة الحال .نزلت انا و شيمادا الى الوادي لنتوارى
عن البارجات كانت القذائف التي رأيتھا وشيمادا من القذائف المخطئة التي اطلقتھا البوارج
مستستھدفة الرجال على التل بوابل من النيران ،كانت تسقط في جميع أنحاء الوادي واحدة تلو
اخرى ،وليس ھناك شيء يمكننا القيام به سوى االختباء حيث كنا.
وأخيرا توقف إطالق النار ،وعاد الھدوء ،ولكن كنا نخشى أن نصعد فورا الى التل .كان
الصمت مخيفا .السماء كانت صافية وزرقاء .ولم يكن ھناك سحاب .
شيء آخر لم أكتشفه حتى وقت الحق أنه بينما كنا على الجرف الصخري ،أمر الكابتن تسوكيي
رجاله بالتفرق .بعث بعضا نحو فيغو وبعض في اتجاه تيليك .عندما وصلنا إلى قمة القمة ،لم
يكن ھناك أحد ھناك .قررت العودة إلى ثكناتنا السابقة ،حيث تم تخزين اإلمدادات مؤقتا .ويبدو
لي أن أي قوات يابانية ستذھب إلى ھناك في نھاية المطاف للحصول على الغذاء.
على الطريق رأيت أمريكيا يمضغ العلكة بجانب الطريق . .في احد االماكن كانت مجموعة
كبيرة من أغلفة العلكة بجانب االعشاب .ھنا كنا نجاھد للحفاظ على حياتنا ،بينما كان
االميركان يمضغون العلكة اثناء القتال ...ھذا االمر اثار حزني اكثر من غضبي .كون
االمريكي يمضع العلكة مرتاحا يدل على ھزيمتنا .
وانتھت الحرب المنظمة في لوبانغ في ذلك اليوم .بعد ذلك لم يكن ھناك سوى عمليات التطھير
العرضية من قبل العدو.
ھوجم المالزم ھاياكاوا في الروافد العليا لنھر فيغو بينما كان يأخذ استراحة بعد تناول
الطعام .وقتل مع عشرة من رجاله.
حاول النقيب تسوكيي وفريق الھجوم الساحلي الخامس عشر اقتحام ثكنات العدو في تيليك ،لكنه
فشل .ثم تعرضوا للھجوم في وقت الحق على نھر فيغو ومرة أخرى على الساحل الجنوبي .في
ھذه األثناء ،سقط النقيب تسوكيي مريضا ومات.
سمعت أن المالزم أوينو وفريق الھجوم الساحلي السادس عشر شنوا أيضا غارة فاشلة في
منطقة تيليك ثم اختبأوا بعد ذلك في التالل جنوب الميناء ،ولكن لم يكن لدي أي كلمة أخرى
منھم .وبقدر ما استطيع ان اقول انني الضابط الياباني الوحيد الذي ترك في الجزيرة.
وكان الرجال الوحيدون الذين تمكنت من التواصل معھم عشرة أعضاء من وحدة الحامية،
وأربعة من أعضاء فريق االستخبارات الجوية ،وأربعة من أفراد طاقم صيانة الطائرات ،
واثنين من أعضاء فرقة البحرية العشرين يعني ما مجموعه عشرين جنديا .كان الوحيدون من
غير القتاليين من الجيش ھم العريف شيمادا والعريف يوشيو فوجيتا.
في احد االيام وجد العريف فوجيتا بندقية ٩٩في الغابة .كنت قد وجدت في وقت سابق
نموذج ،٣٨استبدلته مع فوجيتا ب ،٩٩ألن لدي حوالي ثالثمائة باغة ل .٩٩أنا حملت ھذا
البندقية ٩٩للفترة المتبقية من ثالثين عاما في لوبانغ.
كنت آمل في نھاية المطاف ان اقود القوات في ھجوم على المطار ،وأمرتھم لتمتد إمدادات
األرز ألطول فترة ممكنة .كان مارس ،وحسبت أنه إذا كان كل رجل يأكل أربعة أطباق يوميا،
فمن الممكن أن تمتد حتى أغسطس .لكن الجنود كانوا أكثر قلقا بشأن بطونھم من أي شيء
آخر ،وبعضھم أخذ األرز من صناديق التخزين .في أوقات الوجبات كانوا يصيبون بعضھم
الصغر فرق في الوجبة بينھم وبين الشخص التالي .في بعض األحيان ربما يضربون بعضھم
لو لم أوقفھم لو ھاجمنا العدو في وقت الطعام لمحونا على الفور.
وبينما كنت أتساءل عما يجب القيام به للحفاظ على النظام ،قال العريف فوجيتا لي" :ال أعتقد أنه
من اآلمن لنا جميعا أن نكون في مكان واحد .قد نحاصر في أي وقت .ھل تسمح لبعضنا
باالنقسام والذھاب إلى مكان آخر؟"
وافقت على الفور .كنت أعرف أنني ال أستطيع االعتماد على ھذا الطاقم الخليط من الجنود الذين
أجعلوا أنفسھم خنازير .ومع ذلك ،كنت أعرف أيضا السبب الحقيقي وراء رغبة بعضھم في
المغادرة .لم يكن يخشى من تطويق .لم يكن ذلك سوى ذريعة .ما يريدونه حقا ھو نصيبھم من
األرز المتبقي.
وقال فوجيتا "لو انقطعنا عن ھذه المجموعة فان كل واحد منا سيتعين ان يكون لديه امدادات
غذائية".
"ھذا صحيح "،أجبت" ،ولكن ال أستطيع أن أخصص كل شيء للرجال الذين ھم ھنا اآلن .قد
يكون ھناك آخرون في الجزيرة الذين سيأتون إلى ھنا للحصول على الطعام .كان الجميع
يعرفون أن ھذا ھو المكان الذي كانت فيه المؤن مخفية".
اقررت على حصصھم وأمرتھم اال يأخذوا أكثر منھا مطلقا ،رغم اني أعرف انھم سيخالفون
ان استطاعوا .كما أمرتھم ان يبقوا في مجموعات من ثالثة أو أكثر .إذا كان ھناك ثالثة فيمكن
أن يقف اثنان للحراسة من االمام والخلف حين أن اآلخر يعد وجبة األرز .
وھكذا وزعنا الخاليا ،كان معي العريف شيمادا.وجندي اخر والبعض اآلخر انقسم إلى أربع
مجموعات صغيرة ،كل رجل يقرر لنفسه من يريد ان يكون معه.
بعد وقت قررت أن مجموعتي يجب أن تنتقل إلى موقع جديد ،وفي ١٨أبريل بدأنا نقل
اإلمدادات .كنا في خضم ھذا عندما اقتحم العدو الغابة لتمشيطھا وبدأ باطالق النار بجنون .
الجندي الي كان معي شل بالبنادق ،وقفت متصلبا مكان الحادث وقتل .من الرجال في
المجموعات األخرى ،فقط كوزوكا شاھد المكان الذي عسكرت فيه مع شيمادا وكان ذلك في
وقت الحق .بقيت و شيمادا وحدنا لفترة من الوقت.
بعد الھجوم ،ذھب كوزوكا لالنضمام إلى بعض فرقة االستخبارات الجوية لكنه تعرض اللتھاب
الكلية الحاد ،ومع ذلك تركه الباقون .بعد ان تجول في السفوح لمدة أسبوع تقريبا ،كان خاللھا
يعيش على البطاطس وحليب جوز الھند ،تعافى بما يكفي لياخذ طريقه إلٮينا واصبحنا الثالثة
معا.
وفي منتصف أيار /مايو ،وللمرة األولى منذ بضعة أسابيع ،سمعنا صوت قذائف الھاون
والمدافع الرشاشة .كانت قادمة من محيط بيناكاس ،على الشاطئ الجنوبي .نظرنا فقط إلى بعضنا
البعض -لم تكن ھناك حاجة للتحدث .لقد اكتشفت إحدى المجموعات األخرى وحوصرت .
وقد اكتشفت الحقا أن مجموعة من الناجين من فرقة الكابتن تسوكيي قد شقت طريقھا إلى
بيناكاس وكانت تستريح ھناك عندما ھاجمھا العدو .قتلوا كلھم اال اثنين تمكنا من الفراربمعجزة.
ب تسوكي لوحوا بمسدساتھم الھجوم وقف إثنان ِمنْ مساعدي ال ّنقي ِ
ِ أخبرني بأنّ أثناء
َ أحدھم
وصاحوا بھتاف النصر الياباني قبل ان يقتلوا .
لقد أشرنا إلى ھذا الحادث بأنه "حملة قمع مايو" ،وكان آخر ھجوم منظم للعدو على الناجين
اليابانيين ،ولكن بعد ذلك قامت دورية للعدو بدوريات في التالل كل صباح ،وأطلقت أحيانا
بعض الطلقات المھددة.
وفي منتصف تشرين األول /أكتوبر تقريبا ،رأيت ألول مرة إحدى المنشورات التي تحثنا على
االستسالم .وكانت مجموعة من اليابانيين قد قتلت بقرة في الجبال واخذتھا الى معسكرھا عندما
التقوا مع خمسة او ستة من سكان الجزيرة .وقد بدأ أحدھم بسحب سكينة ،لكنه تخلى عندما رأى
أن اليابانيين يحملون أسلحة .فر سكان الجزيرة ،وتركوا وراءھم ورقة طبع عليھا باللغة
اليابانية "انتھت الحرب في ١٥أغسطس .انزلوا من الجبال"!
لم أكن أنا وال اآلخرين يعتقدون ذلك ،ألنه قبل أيام قليلة من أن مجموعة من اليابانيين الذين
ذھبوا لقتل بقرة اصطدمت بدوريات العدو ،وأطلقت النار عليھم فورا .كيف يمكن أن يحدث إذا
انتھت الحرب؟
بعد انقسامنا إلى خاليا ،كنا نعيش في الغابة على سفوح الجبال .نصبنا قليال من الخيام ونشرنا
الواحا على األرض للنوم علٮھا .وقد حاولت مجموعتي على األقل أن تمدد إمداداتھا من األرز،
وأحيانا كنا نكمل األرز مع الموز أو لحم البقر الذي قتلناه.
بقيت المجموعات على اتصال ببعضھا البعض وتبادلت التقارير من حين آلخر ،لكنني رفضت
إخبار المجموعات األخرى عن المنطقة التي كانت خيمتنا فيھا .لقد طلب مني قائد الفرقة
وبشكل مباشر تنفيذ حملة حرب العصابات ،وأنا ال يمكن أن اربك نفسي بالجماعات التي لم
تكن تفكر في شيء سوى الطعام .إلى أقصى قدر من قدرتي كنت أحاول دراسة التضاريس
بحيث يمكن أن تكون مفيدة عندما يشن الجيش الياباني ھجومه المضاد .كان من الضروري
بالنسبة لي أن أظل على قيد الحياة ،والعيش مع مجموعة من الجنود غير المنضبطين وغير
المسؤولين يجلب الخطر.
لم اقل للعريف شيمادا وال للجندي االول كوزوكا عن مھمتي الخاصة .لم أكن أعرف ما إذا
كانوا موثوقين ،وال يمكن أن اعرف حتى االن اذا كانوا قادرين .
وفي الفترة من أيار /مايو إلى آب /أغسطس ،جاءت دوريات العدو إلى الجبال يوميا ،وقد
سمعنا طلقات من بنادقھا .بعد منتصف أغسطس توقفوا عن الحضور .ومع ذلك ،سمعنا في كثير
من األحيان طلقات من الروافد الدنيا من الجبال ،ويبدو أن العدو كان يسيطر على طرق
االمدادات اعتقدت ھذا يعني أنھم كانوا يحاولون تجويعلنا.
لقد رأينا نشرتنا االستسالم الثانية حوالي نھاية العام .طارت طائرة من طراز بوينج B‐17فوق
مخبأنا وأسقطت الكثير من القطع الكبيرة والسميكة من الورق .على اوجه الورق طبع أمر
االستسالم من الجنرال ياماشيتا من جيش المنطقة الرابعة عشر وتوجيه من رئيس األركان .في
الخلف كانت خريطة لوبانغ التي تم وضع عالمة على المكان الذي أسقطت منشورات مع دائرة.
اجتمعنا معا ونظرنا فيما إذا كانت األوامر المطبوعة على النشرة حقيقية .كان لدي شكوك حول
الحكم الذي يقول إن أولئك الذين استسلموا سيتلقون رعاية صحية" و يرحلوا إلى اليابان.
وقال شخص ما" ،ما ھي" الرعاية صحية "؟ لم أسمع بھا ".
شخص آخر خاطب " ،انھم ذاھبون إلى" نقلنا إلى اليابان؟ نحن لسنا بضائع ،ھل نحن كذلك ؟"
ما أزعجني من أول األمر ھو أن قيادة الجنرال ياماشيتا بزعم أنھا صدرت اوامر وفقا ل "أمر
إمبراطوري مباشر ".لم أسمع أبدا عن "أمر إمبراطوري مباشر" .رجل من المخابرات كان
يدرس في كلية الحقوق ،قال إنه لم يسمع بھذا ابدا.
كانت ھناك سمات أخرى مشبوھة .فعلى سبيل المثال ،اقترحت قراءة وثيقة للنص أن ياماشيتا
كان يصدر األمر لنفسه ،من بين ضباط آخرين .اكتشفت الحقا أن ھذا ھو مجرد خطأ مطبعي ،
ولكن في ذلك الوقت لم أستطع إال أن استنتج أن النشرة كانت زائفة .اتفق اآلخرون معي .لم يكن
ھناك شك في أذھاننا أن ھذا كان خدعة العدو.
التعاھد على القتال
بدأنا سنة جديدة .١٩٤٦ ،وھذا يعني أنني كنت في لوبانغ لمدة اثني عشر شھرا كاملة .في
صباح اليوم االول من السنة الجديدة أقسمنا ان نبذل قصارى جھدنا في العام المقبل.
ونادرا ما سمعنا صوت البنادق ،ولكن كل مرة في حين كنا خائفين من نيران الرشاشات ،على
ما يبدو موجھة إلى الجبال حيث كنا مختبئين .رأيت حاملة طائرات قبالة الساحل ،وقوات خاصة
يمرون من وقت آلخر .ومن الواضح أن الحرب ما زالت مستمرة.
وفي بداية شباط /فبراير ،ذھب العريف شيمادا إلى الصيد مع إيشيتشي إيريزاوا وشوجي
كوباياشي من فرقة الحامية وجندي يدعى واتانابي من فرقة االستخبارات الجوية .لم يجدوا أي
حرب ،وبعد انشقاقھم عن واتانابي ،الذي كان عائدا بطريق آخر ،بدأوا بالعودة خاليي الوفاض
نحو قاعدتنا.
خالل النھار كانوا قد رأوا بعض الجنود الفلبينيين في شاحنة في الجزء السفلي من الجبال ،لكنه
لم يخطر لھم أن الجنود كانوا يأتون إلى الغابة على الجبل يدردشون ويضحكون كما كانوا في
طريق عودتھم ،واكتشفوا فجأة أنھم دخلوا منطقة الجنود الفلبينيين ،الفليبنيون دھشوا لرؤية
القوات اليابانية ،وظنوا انھم قد تعرضوا للھجوم وفتحوا النار على الفور .وقد دخل العريف
شيمادا الى الشجيرات القريبة وھرب من التل ،بيد ان كل من اريزاوا وكوباياشى لقيا
مصرعھما.
بعد فترة وجيزة جدا من ذلك ،انضم يويتشي أكاتسو الينا نحن الثالثة .كان يخيم مع إريزاوا
وكوباياشي ،ولكن وفاتھم تركته وحده .من النظر إليه تعرف أنه كان ضعيفا ،وحاول كوزوكا
أن يرسله بعيدا.
"اذھب إلى مكان آخر" ".ال يمكنك مرافقتنا .جسدك ضعيف ،وال تعرف الكثير عن الجندية .ال
يمكننا استخدامك .انتقل إلى مجموعة العريف فوجيتا".
قال أكاتسو انه سوف يفعل ،لكنه ظل معلقا معنا ،ألن لدينا الطعام أكثر من أي من
اآلخرين .وكانت المجموعات األخرى قد استھلكت مخزونھا تقريبا من األرز؛ ظلوا يحضرون
ليطلبوا منا أن نعطيھم بعض االرز .أعطيتھم جميعا نفس الجواب" :لقد كنتم كالخنازير عندما
كان لديكم األرز ،ولھذا استھلكتم مخزونكم ..لن اعطيكم شيئا االن .ال تأتوا تطلبوا مني أن
أعطيكم أي كمية من عندنا .أنا أرسلت ھنا لتدمير المطار ،وأنا ال ازال اخطط للقيام
بذلك .نحن نأكل أقل قدر ممكن من األرز .نحن نكمل النظام الغذائي لدينا مع الموز واللحوم،
وھذا ما يجب عليكم القيام به .إذا أعطيناكم األرز ،سنكون جميعا في ورطة .أنتم ال تعرفون
كيف تحافظون على انفسكم " .
بعد ذلك اكتشفت أن رفضي لتزويد اآلخرين باألرز قد يكون ھو ما تسبب لھم في االستسالم،
كما فعل واحد وأربعين منھم ،بما في ذلك العريف فوجيتا في أبريل 1946
وبعد شھر آذار /مارس كانت ھناك منشورات أكثر وأكثر تحثنا على االستسالم ،وسمعنا من
وقت آلخر أشخاصا يدعوننا باليابانية .في وقت الحق ،بدأ اليابانيون الذين استسلموا بترك
المالحظات بالنسبة لنا قائال" :ال أحد يبحث عنك اآلن اال اليابانيين .ھيا اخرج"!
لكننا لم نكن نعتقد أن الحرب قد انتھت حقا .كنا نظن أن العدو كان يجبر السجناء ببساطة على
خداعنا .في كل مرة جاء فيھا الباحثون إلينا ،انتقلنا إلى موقع مختلف.
لقد اعتدت على مناشداتھم" .المالزم أونودا" ،يقولون" :لقد أقامنا اتصاال مع فريق البحث .من
فضلك اخرج .نحن اآلن في النقطة ، Xوتحن نمشط ھذا المجال بأكمله .يرجى أن تأتي إلى ھذه
النقطة" .
وقد ألقوا منشورات مكتوبة بالقلم الرصاص باللغة اليابانية الجيدة ،مما أدى إلى انطباع عميق
على العريف أكاتسو .بعد ليلة واحدة من تناول الطعام ،قال" :مالزم ،أال تفترض أن الحرب قد
انتھت فعال؟"
وعندما ردت بأنني ال اظن ذلك ،قال شيمادا" :وانا لدي نفس الشعور ".
وظل كوزوكا صامتا .بعد دراسة وجوھھم للحظة ،قلت" :حسنا ،إذا كان ھذا ما يعتقده الثالثة،
سوف أذھب وأتأكد .ثالثة منكم معھم بندقية ٣٨وحتى لو فقدت اثنين منھم ،فسوف نبقى
قادرين على استخدام ذخيرتھا .إذا فقدت بندقية ،٩٩فان ذخيرتھا تذھب إلى النفايات ولذلك
سأتركھا ھنا وآخذ قنابل يدوية معي فقط .أود أن أعود قريبا .إذا كانت األمور حسب ما يقول
أكاتسو ،سأخرج إلى العراء معكم .ولكن إذا لم أعد ،عليكم أن تعرفوا أن الحرب ال تزال
مستمرة وعندھا يمكنكم أن تقرر النفسكم إذا كنتم تريدون للقتال حتى النھاية أم ال".
وكانت نيتي الحقيقية ھي محاولة إنقاذ اليابانيين الذين تم أسرھم .وھناك الكثير منھم يجب أن
يكون خدعوا في االستسالم من قبل اليابانيين اآلخرين الذين كان العدو يستخدمھم
كبيادق .اعتقدت أنه إذا تمكنت من الدخول إلى السجن حيث كانوا ،يمكن أن أثير نوعا من
االضطراب ،ويمكننا جميعا الھروب معا.
يجب أن يكون العدو قد سمع من سجناءھم أنني قد جئت إلى لوبانغ لالنخراط في حرب
العصابات .كانوا يرون من خالل استسالمي الصريح وال شك سيربطون األصفاد على يدي
فورا .وھذا يعني أنني سوف تضطر إلى التصرف بسرعة .إذا فشلت ،سأقتل ،ولكن إذا نجحت،
سوف اعود بعدد قليل جدا من الرجال .مرة أخرى كنت أستعد لتجاھل أوامر قائد الفرقة وخطر
الموت ،تماما كما فعلت عندما ألقيت غمد سيفي وشننت ھجوما انتحاريا.
عند ھذه النقطة تحدث كوزوكا.
"انتظر لحظة ،مالزم ! لماذا يجب عليك تحمل المسؤولية؟ ألم يتفق الجميع معك على ذلك
"أمر إمبراطوري مباشر"؟ ربما كنت تعتقد أنه يعكس على شرفك أن اآلخرين سجنوا بسبب
نشرة زائفة .ال أعتقد أنه خطؤك.
"سأبقى معك .سأقاتل حتى النھاية .إذا كان ھؤالء الجبناء يريدون االستسالم ،دعھم يفعلون ذلك !
"
التفت إلى كوزوكا وقال" :ھل تقصد ذلك؟ ھل ستبقى؟ إذا كنت كذلك فليس لدي ما أقول أكثر .أنا
ال أريد حقا أن تحمل المسؤولية عن تلك المجموعة من االغبياء التي تسمح لنفسھا .بدخول
السجن .أنت نفسك لم تقل شيئا حتى اآلن ،لذلك كنت أتساءل عما إذا كنت تريد الذھاب
أيضا .إذا كنت على استعداد للذھاب ،فسوف أذھب أيضا" .
في الجزء الخلفي من ذھني فكرت في امر الجنرال يوكوياما وھو يقول لي أنه طالما كان لديك
جندي واحد ،مارس القيادة عليه حتى لو كان علينا أن نعيش على جوز الھند.
نظرنا ثالثة منا تلقائيا في أكاتسو ،الذي قال في صوت منخفض" ،سأذھب أيضا ،إذا كان ھذا ما
كنتم على وشك القيام به".
وھكذا تعھد أربعة منا لبعضنا البعض لالستمرار في القتال .كان ذلك مطلع أبريل،١٩٤٦ ،
وبحلول ھذا الوقت نحن األربعة كنا تشكل المقاومة اليابانية الوحيدة التي بقيت فى لوبانغ.
في ذلك الوقت ،كان العريف شيمادا ،اكبرنا ،واحد وثالثين.عاما وكان كوزوكا خمسة
وعشرين ،وأكاتسو ثالثة وعشرين وانا دخلت في الرابعة بعد العشرين.
كنا أربعة تتحرك دائما من مكان إلى آخر في الجزيرة .العدو قد يھاجم في أي وقت .كان من
الخطورة البقاء في مكان واحد لفترة طويلة جدا.
خالل السنة األولى كنا ننام معا مزدحمين قليال في خيمتنا الصغيرة ،حتى في موسم
األمطار.
يستمر موسم االمطار فى لوبانج من حزيران حتى منتصف تشرين االول .في كثير من
األحيان عندما ينزل المطر غزبرا طوال الليل ،لم يكن جيدا البقاء البقاء مجتمعين في
الخيمة .كانت الرطوبة تصل إلى العظام .كان جلدنا يتحول إلى اللون األبيض ،وكنا نرتعد من
البرد ،على الرغم من أنه كان صيفا .في كثير من األحيان شعرت وكأنني أصرخ احتجاجا.
ولكن كم كان رائعا عندما توقف المطر ! كنا نسقط في على بعضنا للخروج من الخيمة ،ثم
نقف ھناك نشد كل إصبع من الخدر .أتذكر كيف رحبت بمشھد النجوم من خالل السحب.
العريف شيمادا ،الوحيد منا الذي كان متزوجا ،كان مياال الى المزاح والبھجة .كان لديه دائما
شيء للحديث عنه ،ويأخذ زمام المبادرة عندما كنا نجلس للدردشة في المساء .طويل القامة
ومملوء جيدا ،وكان أفضل رامي فينا .وقال انه حصل على جائزة في مسابقة اطالق النار التي
عقدتھا فرقته ،ولم أر أي سبب للشك في ذلك .وكانت مسقط رأسه أوغاوا في محافظة سايتاما،
وليس بعيدا عن شمال غرب طوكيو.جاء من عائلة زراعية ،وفي الموسم نفسه يذھب إلى الجبال
العداد الفحم .وفي المنطقة التي عاش فيھا ،كثيرا ما يرسل الشباب إلى الجبل لمدة شھر أو نحو
ذلك لرعاية فرن اعداد الفحم .الذين يعيشون لوحدھم في أكواخ صغيرة ،تعلموا أن يدافعوا
عن أنفسھم .علمني شيمادا كيفية نسج صنادل القش المعروفة باسم واراجي .وكانت ھذه مثالية
مثالية للحياة التي عشناھا ،ألنه كان علينا دائما أن نجعل طريقنا عبر األراضي االوعرة أو
المستنقعات.
كان كوزوكا ،اخف بنية منى ،ومتحفظا جدا .نادرا ما يتحدث اال اذا بدأه شخص في
الحديث .في تلك المناسبات عندما كان قد تخفف ،تحدث مع شعور كبير عن األيام قبل دخوله
الجيش ،ولكن حتى ذلك الحين كان لديه صعوبة في التعبير عن نفسه .كان نجل مزارع في
ھاتشيوجي ،ضاحية بعيدة في طوكيو ،وظننت أن عائلته كانت في حالة مادية جيدة إلى حد
ما .وقال انه كان يملك فرس سباق.
كوزوكا سألني ما كنت قد فعلت قبل أن ذھبت إلى الجيش" .أنا عملت في فرع ھانكو لشركة
تجارية يابانية" ،أجبت" .كان أخي مالزما للجيش متمركزا في ھانكو في ذلك الوقت،
كان أكاتسو أضعف منا ،جسديا وأخالقيا .وقال انه نجل صانع أحذية في افقر احياء في
طوكيو ،وأعتقد أنه من غير العدل أن نقارنه باثنين من الفتيان المزارعين االصحاء .ولكنه
دون شك كان عبئا علينا .عندما كنا ضد العدو ،وكان دائما الشخص الذي يسقط أو
يضيع .وخلصت إلى أن كوزوكا كان على حق في عدم رغبته ان يكون معنا.
وكنا نعيش معا في طريقنا ،كان علينا أن نكيف كل شيء مع قدرات األضعف .في تقسيم العمل
حاولنا أن تأخذ في االعتبار قوة كل رجل ،وكذلك ما يحب ويكره .شيمادا فعل معظم العمل
البدني الشاق ،تولى أكاتسو األعمال السھلة مثل جمع الحطب أو جلب المياه من أقرب بركة،
وكوزوكا وأنا صنعنا األدوات ،وقفنا للحراسة ،وخططنا لحركاتنا الشاملة .عندما كان شخص
ما في حالة بدنية سيئة ،حاولنا تخفيف حمله .كنا ندرك أنه يجب علينا تجنب تبديد قوتنا البدنية.
بما اني كنت االعلى رتبة ،فقد كنت رسميا الزعيم ،ولكن لم أحاول فرض أمر تعسفي.,ولو
لمرة واخدة وكان كل شيء يسير بالتعاون .
وظللت دائما اراقب الحالة البدنية للثالثة اآلخرين .والنقطة المھمة ھي الحفاظ على التوازن .لن
اطرح الكثير من العمل على رجل واحد .أما الثالثة اآلخرون فقد فھموا ذلك وساعدوا بعضھم
بعضا بشكل مبھج بما فيه الكفاية عندما نشأت الحاجة.
في ذلك الوقت ،كان لكل رجل بندقية مشاة ،انا ٩٩ووثالثة . ٣٨كان لكل منا قنبلتان يدويتان
ومسدسا ن .كانت ھناك ثالثمائة باغة ل ٩٩وتسعمائة ل ٣٨وباإلضافة إلى ذلك ،كان لدينا
ستمائة باغة رشاش ،والتي قمنا في وقت الحق بتعديلھا بحيث يمكن استخدامھا في البندقية
.٩٩
لقد بدأنا بامدادات أرز لمدة ثالثة أشھر ،والذي قمنا بتمديده ألطول فترة ممكنة .في بعض
االوقات كنا نأكل قليال بحيث كان من الصعب إرغام أنفسنا على االنتقال من مكان إلى
آخر .عندما ذھب األرز الخاص بنا ،ذھبنا ووجدنا األرز الذي كان مخفيا للقوات اليابانية
األخرى المتبقية في الجزيرة .قبل فترة طويلة جدا ،ھذا نفد أيضا .و جاء سكان الجزيرة وسرقوا
أحد الطبولتين من األرز التين تركھما ال ٤١رجال وراءھم عندما استسلموا.
وبمجرد ھبوط األمريكيين ،ذھب سكان الجزر إلى جانبھم .وكثيرا ما تصرفوا كدليل للعدو،
وكنا نحذر منھم كثير .بعد أن تم تخفيض عددنا إلى أربعة ،اعتبروا أنھا آمنة بما فيه الكفاية
ليأتوا إلى الجبال لقطع األخشاب .حملوا سكاكين طويلة معھم ،وكان ھناك شخص واحد في
المجموعة دائما معه بندقية .كنا نحذر منھم اكثرمن دوريات العدو.
كلما ابصرنا سكان الجزر ،اختبأنا .إذا راونا ،أطلقنا الطلقات لتخويفھم ،ثم نقلنا معسكرنا إلى
مكان مختلف في أسرع وقت ممكن ،ألننا كنا نعرف أنھم سيقدمون تقارير عنا.
عندما نشعر أن أي واحد منھم قد يكون حولنا ،نختبؤ في الشجيرات حتى ال نرى ،ولكن برغم
الحذر الشديد كانوا احيانا يروننا و عندما بحدث ذلك ،لم نجد بدا من اطالق النار عليھم ثم
الھرب .حدثت ھذه اللقاءات ثالث أو أربع مرات خالل السنة األولى.
عندما جاءوا إلى الجبال للعمل ،جلبوا األرز غير مطبوخ و يطبخونه حسب الحاجة ،وغالبا ما
يتركون بعض األكياس معلقة على األشجار الستخدامھا في رحلتھم المقبلة .ھذه األكياس من
األرز قد تم يمكن اعتبارھا ھدية من السماء ولكن اذااخذنا منھا واحدة فان اختفائھا سيكشف أننا
كنا في المنطقة .
كلما راينا بعضا من ھذا األرز ،حاولنا أوال للتأكد من متى كان ھناك .اذا طبخ سكان الجزيرة
األرز قريبا ،كانت ھناك دائما آثار الحريق .يمكننا أن نقول من الرماد تقريبا منذ فترة طويلة تم
بناء النار.وسوف ندرس أيضا جذوع األشجار التي قطعھا سكان الجزر .إذا كان الحطابون ھنا
قبل يوم واحد فقط ،فالجذع ال تزال رطبة ،وكانت ھناك عادة األوراق الخضراء حولھا .إذا
كانت الجذع جافة و قد تالشت األوراق ،كنا نعلم أن المزيد من الوقت قد انقضى.
وكانت آثار األقدام مساعدة ھامة ،ألننا كثيرا ما نرى أن مجموعة من آثار أقدام قد شوھت من
قبل مطر الليلة الماضية أو األمطار الغزيرة التي ھطلت قبل ثالثة أيام ،ونحن نعلم أن
الحطابين كان ھنا قبل ذلك .إذا تركوا الطعام ،فھذا يعني أنھم سيعودون .وكان السؤال ھو متى؟
.كلما أخذنا األرز ،كان علينا أن ننتقل إلى موقع جديد .وبما أن ذلك يستغرق وقتا ،حتى لو كنا
نصف جائعين كان علينا أن نقرر ما إذا كان لدينا ما يكفي من الوقت للھرب قبل أن يعودوا.
كان الجزء الشمالي من لوبانغ سھل لطيف ،ولكن على الجانب الجنوبي ،توجد ثالثة أو أربعة
من الشواطئ الرملية الصغيرة ،كانت ھناك فقط المنحدرات الوعرة التي مزقھا البحر.
ويبلغ عدد سكان الجزيرة نحو اثني عشر ألفا ،معظمھم من المزارعين الذين يعيشون في الجانب
الشمالي .وال يعيش سوى عدد قليل من الصيادين في الجنوب .وبسبب ضعف أكاتسو الجسدي،
ركزنا تحركاتنا على الجبال األقل اكتظاظا ،وبالتالي أكثر أمنا نحو الجنوب .كان لدينا عدد من
المعسكرات أكثر أو أقل ثابتة ،والتي أعطينا أسماء مثل "الجلبن التوأمين " و " نقطة البيتين"،
ولكن كنا نخشى البقاء في أي منھا وقتا طويال .
تدريجيا ،قمنا بتطوير دائرة من القطع الناقص ،انتقلنا من نقطة إلى نقطة ،ولم نمكث في أي
مكان وقتا طوال جدا .وكانت ھذه الدائرة تقطع حول الجبال في القطاع األوسط من الجزيرة.بدءا
من غونتين وتحرك عكس اتجاه عقارب الساعة ،كانت المحطة التالية نقطة كاينان ثم نقطة
واكاياما ،ثم الجبال التوأم أوتلة كوزوكا ،ثم وادي شيوكارا )أو نقطة شينغو ( ،ثم جبل االفعى
)نقطة كومانو( ،ثم خمسمائة )في وقت الحق قاعدة الرادار( ،ثم بيناكاس ،ثم ذروة الست مائة
وأخيرا غونتين مرة أخرى .في بعض األحيان عندما وصلنا بيناكاس كنا ننتقل ونبدأ العودة إلى
الوراء.
بقينا عادة في مكان واحد من ثالثة إلى خمسة أيام .عندما ذھبنا بسرعة ،غطينا الدائرة بأكملھا
في أقل من شھر ،ولكن عادة ما يستغرق حوالي شھرين ،حتى أنه في موسم الجفاف الذي يستر
ثمانية أشھر،قطعنا حوالي أربع دوائر.
إن مقدار الوقت الذي نقضيه في مكان واحد يتوقف إلى حد ما على توافر الغذاء .وعندما يتضح
أن ھناك المزيد من الطعام اكثر ما مما كنا نتوقع و خطر اكتشافه قليل من قبل سكان الجزر
فاننا نقوم بإطالة إقامتنا.
حملنا جميع أمتعتنا معنا ،وقسمنا الحمل بالتساوي .عندما انتقلنا ،حاولنا دائما أن نأخذ ما يكفي
من الغذاء لليوم التالي ،ولكن في بعض األحيان كان ينفد وكان على االعتماد على العثور على
الغذاء في المحطة التالية .ومتوسط الحمولة التي يحملھا كل رجل نحو خمسة وأربعين رطال.
على الرغم من أن لدي قلم رصاص كنت قد وجدته ،ظلت جميع التقارير كنت انوي اقدمھا في
رأسي .وأعتقدت اعتقادا راسخا أنه عندما تقيم القوات الصديقة اتصاال بنا في نھاية المطاف،
فإنھا ستحتاج إلى تقاريري في التخطيط لھجوم مضاد .وكان ھدفھم األول ھو استعادة المطار،
وقدمت مالحظات ذھنية عن تلك المنطقة ،وكذلك عن الجزء األوسط من الجزيرة حيث كنا
نعيش .
منذ عودتي إلى اليابان ،كانت ھناك بعض التخمينات في الصحافة حول ما إذا كان الجيش
الياباني قد تركني كجاسوس ،ولكني ال أعتبرنفسي جاسوسا ً .لقد أرسلت لشن حرب العصابات،
وھذا شيء مختلف ،عزلنا عن القوات اليابانية ووسيقت مجموعتنا الى قدرھا ،لم يكن ھناك أي
وسيلة بالنسبة لنا لالنخراط في حرب العصابات بالمعنى العادي .لم أتمكن سوى من أداء مھام
حرب العصابات التي تشبه التجسس.
التقنيات التي تعلمتھا في فوتاماتا لم استخدمھا اال قليال .كنت قد تعلمت االستفادة من خطوط
الھاتف ،فتح رسائل خفية وفك األصفاد. ،ھنا في ھذه الجبال ،كان أكثر أھمية بكثير كيفية عمل
حريق دون اطالق الكثير من الدخان .لم ادرس في مساقتي في فوتاماتا أي شيء يناسبني من
أجل حياة بدائية في الجبال. ،كان شيمادا أفضل تجھيزا لھذا بسبب خبرته في اعداد الفحم .تعلمت
الكثير منه عن فن البقاء على قيد الحياة .كان يعرف ،على سبيل المثال ،كيفية عمل الشبكة،
وكوزوكا وأنا دائما تبحث عن الخيوط لعمل سلسلة له.
وفي لوبانغ ،إلى جانب األبقار التي رباھا سكان الجزر من أجل اللحوم ،كانت ھناك جاموس
الماء والخنازير البرية والدجاج البري واإلغوانا التي يصل طولھا إلى ثالثة أقدام .وفي مجال
الصيد من أجل الغذاء ،كنا نستھدف أساسا بقرسكان الجزيرة.
وكانت إمداداتنا من الذخائر محدودة ،وكان علينا أن نستخدمھا بأكبر قدر ممكن من
الفعالية .وكان الھدف دائما القتل بطلقة واحدة .طلقتان للبقرة يعنيان بقرا أقل على المدى
الطويل.
عندما وجدنا الطعام ،جلبناه كله إلى مكان واحد للتخزين ،وقمت بتقدير جزء كل يوم .ولكن مع
مرور الوقت ،بدا وكأنه في كل مرة ذھبت إلى مكان التخزين ،كان ھناك أقل من مما يجب أن
يكون .عرفت السبب .كان شيمادا وأكاتسو يتسلالن ويتناوالن الطعام .في كل مرة حدث ذلك،
تحدثت إليھم حول ذلك ،ولكن دوت تأثير يذكر.
في احد االيام اشتكى كوزوكا بقوة لي" ،إذا واصلنا السماح لھم بھذا فسوف يموت .من اآلن
فصاعدا ،أنا ذاھب لتناول كل ما اريد من الطعام أيضا" .
وكان الموز أھم ما لدينا .كانت ھناك حقول الموز ھنا وھناك في جميع أنحاء الجزيرة ،ولكن
كان علينا أن نكون حذرين ويجب اال نحصد كمية كثيرة جدا .مع وضع حرب التحمل في
االعتبار ،كنت قد وضعت خطة طويلة المدى التي كنت قد حسبت كمية الموز التي سيتم
حصادھا .إذا سمحت لألشياء بأن تستمر كما كانت ،كان ھناك خطر حقيقي جدا من أن الخطة
سوف تنھار ،ونحن سوف يتم تدميرنا من الداخل .وحقيقة األمر أننا جميعا نعاني من سوء
التغذية.
"من اآلن فصاعدا" .اعلنت" ،سنحافظ على طعامنا بشكل منفصل .ال تلمس طعام أي شخص
آخر .ھذا ممنوع تماما"
في تلك األيام كان لدينا فقط متعة تناول الطعام .وكان شعورنا يتوقف الى حد كبير على ما
اكلناه في اليوم السابق .وكان من غير العدل في ھذه الظروف أن نلوم أحدا بشدة على اإلدالء
بشھيته .وكنا قد تعھدنا بالقتال حتى النھاية ،ولكن مع مرور الوقت ،كان كل ما يمكننا القيام به
ھو االبتعاد عن سكان الجزر .ربما كان من الطبيعي أن تأتي الغرائز الحيوانية إلى السطح.
ومع ذلك ،بصفتي الشخص المسؤول تقنيا ،كان من مسؤوليتي أن أرى أن بعض القيود ال تزال
سارية المفعول .أنا نفسي كنت احب أن آكل كل ما أردت .كنت أود أن انام كل ما أردت،
أيضا .ولكن بغض النظر عن النقص في الغذاء ،إذا أكلنا كل ما أردنا ،فإننا سوف نسمن ،مما
يجعل من الصعب القيام بالعمل الذي كان علينا القيام به .وإذا لم نطور ھذه العادة لقمع الغرائز
األساسية لدينا ،فإننا تدريجيا تصبح معيبة إلى نقطة االعتراف بأنفسنا أننا كنا متسللين من جيش
مھزوم .نحن بالتأكيد ال نريد أن نصنف على أننا مجموعة فوضوية .ولم تكن ھناك إمكانية في
ذلك الوقت العتماد تكتيكات حرب العصابات العدوانية ،ولكن عندما علمنا كل ما نحتاجه إلى
األرض ،سنضطلع بالھجوم ونسيطرعلى الجزيرة.
في ھذا الصدد ،كان كوزوكا مھما جدا بالنسبة لي .لم أكن قد أخبرته بمھمتي الخاصة ،ولكن
يبدو أنه يشعر بشيء وكان دائما متعاونا .لم يشتك أبدا ،كما أنه لم يستاء ولو مرة واحدة .كان
سريعا في اتخاذ القرارات ،وكان ھناك جو إيجابي عنه .كلما شاھدته في العمل ،تذكرت مقولة
ان افضل العصير يوجد في اصغر برميل .
كنت أعتقد أن ھذا سيحدث في بعض األيام و كوزوكا أيضا ،وقال" :ھذا النوع من الحياة كان
صعبا عليه منذ البداية".
اختفى أكاتسو ثالث مرات سابقا؛ في كل مرة كان شيمادا يجده ويعيده .في المرة األولى ،رأينا
في وقت الحق قليال نارا صغيرة ليال على مسافة بعيدة منا عميقة في الجبال ،وكنا نعلم أنه ال
يمكن أن يكون أحد سوى أكاتسو ،لذلك ذھب شيمادا واحضره.
وكانت المرة الثانية في منتصف موسم األمطار .بين لي شيمادا اين فقد اثرالرجل ،حسبت
االتجاه الذي كان يجب أن يذھب فيه .ذھب شيمادا واخذ خيمة معه ،للبحث وبعد ستة أيام عاد
مع أكاتسو.
وكنت قادرا على تخمين أين ذھب ألنه كنت أعرف اين تجد الطعام في أي موسم معين .وجد
شيمادا أكاتسو تقريبا في النقطة التي توقعتھا.
كان ھناك سبب لماذا كان دائما شيمادا ھو الذي يذھب للبحث عن اكاتسو عندما يھرب ،وكان
ھذا أن أكاتسو دائما يضيع عندما يكون مع شيمادا في مكان ما .
كنا قرائن ،كوزوكا معي و أكاتسو مع شيمادا .وكل اثنين يقومان بمھام مختلفة .عندما كان
ھناك شيء اكثر من طاقة رجلين نقوم به جميعا .في الصيد ،على سبيل المثال ،ثالثة رجال
سوف يخرجون ،في حين أن الرابع يحرس المخيم .في معظم األحيان،كنا نسير ازواجا وعندما
كنا نسير األربعة معا ،حافظت على ما يكفي من المراقبة بما فيه الكفاية على اكاتسو حتى انه
لم يسقط وال مرة واحدة .شيمادا ،لألسف ،لم يكن بھذا االھتمام .
شعرت بعض المسؤولية عن ھجر أكاتسو .من مشاھدة أعماله اليومية واالستماع إلى ما قاله،
خلصت إلى أنه لن يبقى طويال .عندما عملت على خطط واستراتيجية لحركاتنا المستقبلية،
لذلك ،ناقشتھا فقط مع شيمادا وكوزوكا وكتمتھا عن أكاتسو .لم أعلمه أين كانت الذخيرة مخبأة
.أتذكر مرة واحدة اھمس في أذن كوزوكا" ،أنا أخذ أكاتسو في جولة معي .عندما نذھب ،انقل
الذخيرة إلى مكان مختلف .وضعت عالمة على جذع شجرة نخيل حوالي ثالثين ياردة بعيدا،
حتى تتمكن من رؤية موضعه" .
إذا ھرب أكاتسو واستسلم ،فانه بالتأكيد سوف يكون مجبرا أوطائعا إلعطاء معلومات للعدو عن
البقية منا .وقد أثر ھذا االحتمال تأثيرا خطيرا على موقفي .كنا جميعا في حالة حرب مع عدو
مخيف ،وال شيء كان يمكن أن يكون أكثر غضبا لي من فكرة أن واحدة من مجموعتنا قد
يخون اآلخرين .اشتبھت في اكاتسو ،أخذت االحتياطات التي تبدو ضرورية ،ولكن ھذا قد
يكون له تأثير على قراره باالنشقاق .
عندما اختفى أكاتسو للمرة الرابعة ،بدأ شيمادا للذھاب للبحث عنه ،ولكن ھذه المرة جادلنا )
كوزوكا وأنا ( أن ذلك مضيعة للجھد .فعلنا ھذا مع العلم أن أكاتسو سوف يقول في نھاية
المطاف للعدو كل شيء كان يعرف عن مجموعتنا.
كنا نتوقع أن العدو سوف شن ھجوم على أساس المعلومات التي يقدمھا أكاتسو ،ولكن كنا واثقين
أنه إذا اعددنا لذلك مسبقا ،فلن يتم القبض علينا.
أبعد من ذلك ،كان ھناك احتمال أن أكاتسو قد ال يستطيع البقاء على قيد الحياة لفترة كافية ليتم
اسره من قبل العدو .عندما كان معنا ،لم يمرض وال مرة واحدة ،إلى حد كبير ألننا كنا نفكر
دائما في صحته وحمايته دائما .في ثالث مناسبات سابقة عندما كان قد ذھب بعيدا ،كان يعودد
في حالة بدنية سيئة .فكرت في نفسي أنه إذا كنا في موسم الجفاف ،قد تكون لديه فرصة ،ولكن
اآلن ،في موسم األمطارفربما لن يتحمل .توقعت أنه سوف يموت في مكان ما في الجبال،
يترطب ،يرتجف ويھزل.
ولكن بعد ذلك يجب أن يكون أكاتسو أيضا على بينة انه ضد من؟! .إذا كان ھذا ھو الحال ،فإن
رحيله يجب أن يعني أنه قد سئم حقا .خالفا لي ،لم يكن لديه أي مھمة ،ال ھدف ،والنضال من
أجل البقاء على قيد الحياة ھنا في الجبال قد يبدو غير مجديا له.
ذھب شيمادا في المطر للبحث عنه على أي حال ،لكنه عاد بعد أسبوع واحد وحده خالي
الوفاض تماما .شعرت بالراحة .لم أكن أعتقد في مطاردة منشق ،وبحلول ھذا الوقت جئت إلى
اعتبار مغادرة اكاتسو عبئا تخلصنا منه .
سأل شيمادا بفارغ الصبر" :ھل تفترض أنه سيقود العدو إلينا؟"
"ربما "،أجاب كوزوكا ،في لھجة تشير إلى أنه يعتقد أنه من المتوقع فقط .كنت مقتنعا حينئذ أن
كوزوكا كان يتوقع انشقاق أكاتسو عاجال أو آجال.
المكان الذي اختفى أكاتسو كان نحو الطرف الغربي من الدائرة لدينا ،في عمق الغابة بالقرب
من األفعى جبل أبوتمنت .وقد فوجئنا الحقا بانه استسلم في لوك ،باتجاه الطرف الشرقي
للجزيرة ،بعد ستة أشھر بعد ذلك .كنت مندھشا ومغتما قليال النه بقي طول ھذه الفترة لوحده .
وبعد حوالي عشرة أشھر من مغادرة أكاتسو ،وبعد بضعة أيام فقط من نھاية موسم األمطار في
عام ،١٩٥٠وجدنا مذكرة تقول" :عندما استسلمت ،استقبلتني القوات الفلبينية كصديق" .كتبت
ھذه المذكرة بخط أكاتسو .بعد فترة وجيزة رصدنا طائرة خفيفة تحلق ببطء في السماء فوق
فيغو .ومع األخذ بھذا يعني أن العدو كان على وشك البدء بالبحث عننا ،انتقلنا إلى الجانب اآلخر
من الجزيرة.
في اليوم التالي سمعنا مكبر صوت يبدو أنه إلى حد ما شمال نقطة واكاياما .وقال صوت" :أمس
أسقطنا منشورات من طائرة .لديكم ثالثة أيام ،أي اثنان وسبعون ساعة ،لالستسالم .في حال لم
تستسلموا فليس لدينا بديل سوى إرسال قوة عمل اليكم" .
صوت يتحدث باللغة اليابانية ،دون أي أثر لھجة أجنبية ،ولكن اختيار الكلمات بدا أمريكيا .ال
يتحدث اليابانيون عن ثالثة أيام على أنھا "اثنان وسبعون ساعة" ،وقد اخذنا انطباع بان اإلعالن
كله قد ترجم من بعض اللغات األجنبية .بالنسبة لھم أن يطلب منا بلغة يابانية غريبة ان نستسلم
دليل على أن الحرب لم تنته.
لقد جئت إلى ھذه الجزيرة بناء على أوامر مباشرة من قائد الفرقة .إذا كانت الحرب قد انتھت
فعال ،يجب أن يكون ھناك أمر آخر من قائد الفرقة العفائي من واجباتي .ال أظن أن قائد الفرقة
ينسى األوامر التي أصدرھا لرجاله.
افترض انه قد نسي فستظل الطلبات مسجلة في مقر الفرقة .ومن المؤكد أن شخصا ما سيرى أن
أوامر القائد المعلقة يجب ان تلغى بشكل صحيح.
وبعد ثالثة أيام ،رصدنا فرقة العمل المتوقعة من مسافة حوالي ١٥٠ياردة.
ھمس كوزوكا " ،ھذا االحمق أكاتسوقد جلب األميركيين .دعنا نحاول الحصول على نظرة
فاحصة عليھم" !
كانت قوات العدو على طريق يمر عبر غابة من النخيل شرق نھر أغكويان وداخال من
برول .لم يكونوا أمريكيين ولكن جنود فلبينيين ،وكان ھناك حوالي خمسة أو ستة منھم فقط،
يحملون مكبر صوت معھم .في المقدمة كان رجل يلبس قبعة المشي البيضاء ،ويمشي إلى حد ما
بعصبية.
"ھذا ھو أكاتسو ،أليس كذلك؟" ھمس كوزوكا .نظرنا شزرا ،لكننا لم نكن نستطيع أن نرى
وجھه جيدا بما فيه الكفاية .وبعد أن تحركت فرقة العمل ،أقنعنا أنفسنا بأنه كان بالفعل أكاتسو،
الذي اصبح يعمل مع العدو.
بعد ھذا اللقاء ،قال كوزوكا" :لن يتمكنوا من أخذنا للسجن بقوة من خمسين أو حتى مائة
رجل .نحن نعرف ھذه الجزيرة أفضل من أي شخص آخر في العالم" !
والشيء الرئيسي الذي ازعجني ھو الخوف من أن العدو قد يحاول استخدام الغاز .ھذا من شأنه
أن يقتلنا في الحال ،ألننا لم يكن لدينا أقنعة الغاز .كتدبير طارئ ،قلت لآلخرين أن يحافظوا
على منشفة مرتبطة بأشرطة المخازن الخاصة بھم وفي حال وقوع ھجوم يجب نقع المنشفة في
الماء واحتجازھا على وجوھھم .وحذرتھم أيضا من أن يراقبوا اتجاه الريح ،ألن الرياح ستنثر
الغاز .ولم نتخل عن أقنعة الغاز المؤقتة لمدة ستة أشھر.
ثالثة جنود في الحرب
بعد استسالم أكاتسو ،كنا قادرين على اتخاذ مسار أكثر إيجابية من العمل .لقد سارعنا في
رحالتنا حول دائرة المعسكرات التي بدأناھا في اعتبارنا جوالت تفتيشية للمنطقة الواقعة تحت
"احتاللنا" .وعندما واجھنا العدو أطلقنا النار دون تردد .بعد كل شيء ،يجب أن يكون العدو قد
تعلم من اكاتسو متى وأين يمكن أن يجد لنا .اعتبرنا سكان الجزيرة جنودا او جواسيس مموھين
للعدو .والدليل أنه كلما أطلقنا النار على أحدھم ،وصل فريق بحث بعد ذلك بفترة وجيزة.
زاد عدد قوات العدو في كل مرة جاءوا ،وكان يبدو كما لو كانوا يحاولون االحاطة بنا ثم
يقتلوننا .لقد بدأت أتساءل عما إذا كانوا سينفذون في نھاية المطاف حملة مسح شاملة للجزيرة
للبحث في جميع التالل والوديان في المنطقة الوسطى في وقت واحد ،وھذا يتطلب كتيبة واحد
أو اثنين على األقل ،ويبدو ان من غير المحتمل أن يرسلوا مثل ھذه القوة الكبيرة فقط للقبض
على ثالثة رجال .تخميني ھو أنھم لن يرسلوا أكثر من خمسين أو مئة جندي .وكنا واثقين من
أننا يمكن أن نقطع طريقنا من خالل قوة ليست أكبر من ذلك .كان لدينا ميزة معرفة وسط لوبانغ
مثل ظھور أيدينا .في الواقع ،أكبر قوة رأيناھا ال تزيد عن مائة ؛ وعادة تكون حوالي خمسين.
عندما ھربنا إلى الغابة ،كنا نحتمي باألشجار الكبيرة .في بعض األحيان قوات العدو
تستمرفي اطالق النار لبعض الوقت بينما كنا مختبئين وراء االشجار ،ولكن ھذا لم يكن لھم
جيدا .اصبحوا اكثر إحباطا ،أنھم يھددفون بعناية اقل ويھدرون المزيد من الذخيرة .وھذا
بالضبط ما أردنا أن يفعلوه .كنا ثالثة رجال فقط ،لكننا جعلنا قوة من خمسين رجال تبدو فاشلة
.وھذا ھو نوع الحروب الذي تعلمته في فوتاماتا.
قال كوزوكا على الفور" :مالزم ،سأبقى معك حتى النھاية ،حتى لو استغرق األمر عشر
سنوات".
وتحدث شيمادا بمزيد من الحماس .واضاف "يجب علينا نحن الثالثة تأمين ھذه الجزيرة
باكملھا قبل ان تنزل قواتنا مرة اخرى".
وكان االثنان ينادياني عادة ك "مالزم" أو "قائد" ،ولكن لم يكن ھناك تمييز حقيقي بين
صفوفنا .كنت ضابطا ،شيمادا عريفيا ،وكوزوكا جنديا اول ،لكننا تحدثنا على قدم المساواة ،كل
واحد منا على قدم المساواة في وضع الخطط .أخذنا نتاوب الصيد والطبخ.
خبأت سيفي في جذع شجرة ميتة ليست بعيدة عن نقطة كومانو .ھذا تركني مسلحا تماما مثل
االثنين اآلخرين ،مع بندقية وحربة .كان الثالثة منا رفاقا ،يقاتلون من أجل الھدف نفسه ،وكان
لدينا توافق جيد .لم يكن احد منا يشرب الخمر ،ولكل واحد منا أسنان صحية ،وبصفة عامة،
كنا جميعا بصحة جيدة .على الرغم من أن شيمادا كان أضخم بعض الشيء ،كنا جميعا صغارا
بما فيه الكفاية للتحرك مع السرعة المطلوبة لتكتيكات حرب العصابات.
ال أقصد أننا لم نشھد أي نزاعات .وبعيد عن ذلك ! كانت ھناك أوقات عندما كنا نمزج بالفم
وينكت بعضنا على بعض.
في رؤوسنا حملنا "خريطة توزيع الغذاء" في لوبانغ .من الطقس ومن التجربة ،يمكننا أن نقول
أي جزء من الجزيرة يجب أن نذھب إلى العثور على الموز الناضج أو عدد كبير نسبيا من
األبقار .بيد أنه كثيرا ما حدث أنه عندما وصلنا إلى المكان الذي أشارت إليه خريطتنا الغذائية،
لم يكن ھناك الكثير من الطعام كما أملنا ،مما يؤدي الى تضارب في اآلراء.
وبمجرد أن يبدأ ھذا ،يستمر حتى يتوقف شخص ما .كان شيمادا وكوزوكا في بعض األحيان
يشتبكان بااليدي .ھنا اتدخل في بعض األحيان .واحينا اخرى اجلس واسمح لھم بمحاربة
بأنفسھم .عندما حدث ذلك ،لم يكن ھناك شيء يمكن القيام به ولكن القتال باألسنان واألظافر
حتى يستسلم احدھما دون قيد أو شرط .ھذا شيء جيد ،ألنه أعطاھم فرصة الختبار قوتھم
الجسدية ومعرفة مدى جسدھم جنبا إلى جنب مع قناعاتھم .على المدى الطويل ،جعلتنا ھذه
المعارك اقرب الى بعض
مرة واحدة تخاصمت مع شيمادا .كنا نتحدث عن انشقاق أكاتسو ،واتخذ شيمادا وجھة نظر
متعاطفة تجاه أكاتسو .من جھتي ،لم يكن عندي اي تعاطف مع جندي ھرب قبل عيني .بعد
فترة قصيرة نشأ قتال باللكمات ،نزلنا اسفل التل ونحن نضرب بعضنا بعضا .
احدى المرات عندما كنا نمشي على سفح الجبال بالقرب من قرية ،وجدنا ورق النفايات
ومالبس بالية .وكان ھذا األخير موضع ترحيب كبير ،ألن خرق تلميع البنادق قد نفدت .في ھذه
األيام أيضا ،فإن سكان الجزيرة الذين جاؤوا إلى الجبال لقطع األشجار غالبا ما تركوا األرز
غير المھذب في أوانيھم .ھذه اآلثار من النفايات تعني لنا أن الظروف المعيشية في الجزيرة قد
تحسنت نوعا ما .في الوقت الذي غادر أكاتسو ،ممكن ان تمشى على الجزيرة بأكملھا دون
العثور على خردة من نفايات الورق.
في احدى الليالي عاد شيمادا من دوريته و قال بحماس " ،ايھا المالزم ،تعال معي بدون ضجيج
".
كنا بالقرب من منطقة تيليك .تابعته بصمت حتى تلة صغيرة تركت جرداء من الحصاد األخير
من األرز .عندما وصلنا إلى األعلى ،توقفت الھثا .كانت أضواء الكھربائية مشرقة في
تيليك !كانت ھذه ھي المرة األولى التى ارى فيھا اضواء كھربائية في لوبانغ .
"ال ! لم يكن لديھم الكھرباء من قبل .لنسمح لھم بالتمتع بھا لفترة من الوقت" .
لقد مرت ست سنوات منذ أن رأيت أضواء كھربائية ،ولكن منظرھا منھم لم يجعلني احن الى
الوطن و ھذا فاجأني كنت قد اعتادت على عدم وجود أضواء في الليل .بدت تيليك مجرد
عالم مختلف عما أعيش فيه.
السفن القادمة إلى تيليك تغيرت أيضا .في البداية كانت ھناك سفن صغيرة مثل بوكوري ،ھي
أشبه بمنصات خشبية .وقد اخلت ھذه الطريق اآلن للسفن الكبيرة ،وبعضھا كانت تعزف
الموسيقى على مكبرات الصوت عندما كانت ترسو في تيليك .وعادة ما بثت األغاني الفلبينية
الشعبية ،و في بعض األحيان سمعنا لحنا يابانيا .الصوت يطفو على طول الطريق وصوال الى
تلة جرداء صغيرة حيث رأينا ألول مرة أضواء تيليك.
ويمكننا أيضا أن نرى المنارة في كابرا ،وھي جزيرة مجاورة .إن رؤية شيء خارج لوبانغ لم
يؤثر في على اإلطالق ،وتساءلت عما إذا كنت قد فقدت قدرتي على الشعور.
في موسم األمطار ال تأتي فرق البحث وال سكان الجزر إلى الجبال .يمكننا االسترخاء والبقاء
في مكان واحد .بنينا ملجأ صغيرا مع سقف مصنوع من أوراق النخيل .أحيانا نجلس ھنا طوال
اليوم .إذا كنت في مكان واحد لفترة طويلة ،تعتاد على األصوات التي حولك .عندما كنا نتحرك
كنا نرتاب ألدنى صوت ،ولكن عندما كنا في نفس المكان لفترة طويلة ،بدأنا ندرك ھذا الصوت
كطقطقة من غصين في مھب الريح وھذا الصوت كارتفاع المياه في وادي قريب ،وھلم
جرا .تعلمنا أن نميز الطيور التي تعيش فقط في مناطق معينة.
عندما كنا مثل ھذا ،ذھب عنا التوتر المعتاد ،وتحدثنا عن العصور القديمة مرة أخرى في
اليابان .ربما كنا نعرف عن اسرنا واطفالنا اكثر مما يعرف معظم أقاربنا.
مرة واحدة في حين قال شيمادا بھدوء" ،أتساءل عما إذا كان صبي أو فتاة".
وعندما غادر منزله ،كان ھو وزوجته يتوقعان طفلھما الثاني .المولود األول كانت فتاة ،لم تبدأ
بعد المدرسة االبتدائية .في احدى المرات عندما كان يتحدث شيمادا عنھا ،تنھد وقال" :أعتقد
أنھا في سن المراھقة " .ثم بدأ يحدق في قدميه مع سقوط المطر في الخارج.
أحيانا خلقنا شعر بعضنا مع بعض مقص قصير كنت قد حسنته .أنا احلق شيمادا ،شيمادا
يحلق كوزوكا ،و كوزوكا يحلق لي .إذا قطع اثنان منا بعضھما البعض ،في نھاية المطاف
واحد من اثنين سوف يضطر إلى خفض الشعر الثالث ،وھذا لن يكون عادال .يستغرق األمر
حوالي أربعين دقيقة لكل حالقة ،وإذا كان شخص واحد قطع اثنين آخرين ،فسوف تعمل ما
يقرب من ساعة ونصف ،في حين أن اآلخر لم كن قد عمل اي شيء على اإلطالق.
وفي شباط /فبراير ،١٩٥٢حلقت طائرة خفيفة من سالح الجو الفلبيني فوق الجزيرة .سمعنا
صوت مكبر الصوت ،ولكن لم أستطع أن اتبين ما يقول بسبب ضجيج المحرك .بيد ان
كوزوكا الي افضل سمعا مني قال "يبدو أنھم يدعون أسماءنا" .ثم بدا لي مثل ھذا
أيضا .اسقطت الطائرة بعض المنشورات وغادرت.
التقطنا المنشورات في وقت الحق ،ومن بينھا رسالة من أخي األكبر ،توشيو .وبدأت الرسالة
"أعھد بھذه الرسالة إلى المقدم جيمبو الذي سيذھب إلى الجزر الفلبينية بدعوة من السيدة
روكساس" ،مضيفا أن الحرب انتھت ،وأن والدي على ما يرام وأن اخوتي جميعا خارج
الجيش.
كانت ھناك أيضا رسائل من أسر كوزوكا وشيمادا ،جنبا إلى جنب مع الصور العائلية.
كان رد فعلي ھو أن اليانكيز قد تفوقوا على أنفسھم ھذه المرة .كنت أتساءل كيف حصلوا على
الصور .كان ھناك شيء مريب حول كل شيء كان مما ال شك فيه ،ولكن لم أستطع معرفة
بالضبط كيف تم تنفيذ الخدعة .وأظھرت الصورة زوجة شيمادا وطفلين .إذا كانت الصورة
حقيقية ،فان الطفل الثاني فتاة ،ولكن كان لدينا بعض الشكوك حول ھذا الموضوع.
يقول شيمادا" :من المفترض أن تكون صورة ألفراد أسرتي المباشرين ،ولكن ھذا الرجل
الموجود على اليسار ليس في أسرتي المباشرة .انه قريب فقط .وأعتقد أن ھذه خدعة أخرى".
سمعت بعد عودتي إلى اليابان أنه عندما كان المقدم نوبوھيكو جيمبو في الفلبين أثناء الحرب،
أنقذ حياة مانويل روكساس ،الذي أصبح رئيسا بعد الحرب .توفي روكساس في عام ،١٩٤٨
وبعد ذلك دعت أرملته المقدم جيمبو إلى الفلبين للقيام بزيارة .لقد أحضر بالفعل الرسائل ،لكننا
لم نكن نصدق ذلك في ذلك الوقت.
وبعد حوالي شھر ،سمعنا مكبر صوت آخر .وقال صوت الرجل" :انا أقيم في فندق مانيال،
عندما سمعت أنك ال تزال في ھذه الجزيرة .جئت للحديث معك .أنا يوتاكا تسوجي من صحيفة
أساھي ".بعد ذلك كان الرجل يكرر أنه كان يابانيا ،ثم غنى شيئا بدا وكأنه أغنية حرب يابانية.
أجاب شيمادا" :إنه مصدر إزعاج .دعونا ننتقل إلى مكان آخر" .
وباعتقادنا أن الرجل الذي يحمل مكبر الصوت قد يكون قد ترك شيئا خلفه ،فقد نظرنا إلى مكاننا
ووجدنا صحيفة يابانية ،وھي األولى التي نشاھدھا منذ سبع سنين .
في قسم المواضيع الحالي ،كانت ھناك قصة بخط عريض قائال" :لقد ذھب المقدم جيمبو الى
الفلبين إلقناع الحكومة الفلبينية إللغاء بعثاتھا العقابية ضد الجنود اليابانيين في لوبانج ".كتبت
ھذه االفقرة باللون األحمر.
قرأنا بقية الصحيفة صفحة وراء صفحة وخلصنا إلى أن العدو قد ابتكر بعض الوسائل إلدراج
ھذه المقالة في صحيفة يابانية حقيقية .وأثبت الحديث عن "البعثات العقابية" أن الحرب ال تزال
مستمرة.
قلت لالثنين االخرين ان الصحيفة كانت تدس السم في الدسم .انھا تبدو جيدة ،لكنھا قاتلة.
الجدول اليومي للبث اإلذاعي شتتني قليال .ھناك الكثير من البرامج الترفيھية الخفيفة .ومع
ذلك ،كنت أعرف أنه توجد في أمريكا محطات إذاعية تجارية ،وقررت أنه يجب أن تكون ھناك
اآلن محطات تجارية في اليابان .وعندما غادرت البلد ،لم يكن ھناك سوى شبكة تديرھا
الحكومة ،ولكن قد تكون ھناك محطات تجارية اآلن .إذا كان ھناك ،فقد كان السبب في أنھا
سوف تضطر إلى تقديم قدر كبير من الترفيه الخفيفة لجذب المعلنين.
وقال كوزوكا "أنا ال أعتقد أن ھناك ھو مراسل يدعى يوتاكا تسوجي .وأعتقد أنھا خدعة استخدم
فيھا اسم صحيفة اساھي وجميع ھذه األشياء" .
في يونيو ،١٩٥٣أصيب شيمادا بجروح سيئة في الساق .حدث ھذا على الشاطئ الجنوبي بين
غونتين و بيناكاس.
لقد اعتبرنا ھذا جزءا من أراضينا .وبما أن سكان الجزر نادرا ما جاءوا بالقرب منه ،فوجئنا
يوما ما بأن مجموعة من خمسة عشر أو ستة عشر صيادا نصبوا مخيما ھناك .كان موسم
األمطار يقترب ،ونحن ال يمكن أن نقبل بخطر وجود الناس ھذا بالقرب من مكان االختباء
لدينا .قلت" :دعونا نمسحھم اآلن .وكلما بكرنا كان ذلك أفضل" !
قبل الفجر ،أوقد الصيادون نارا وتجمعوا حولھا لتدفئة أنفسھم .من بستان قريب ،أطلق شيمادا
وكوزوكا بعض الطلقات في اتجاھھم تفرقوا ،ولكن واحد منھم اخذ بندقية واختبأ وراء
صخرة .بدأنا على مسار دائري من شأنه أن يخرجنا وراءه .لم نكن نعرف أنه في الوقت نفسه،
عاد صيادون مسلحون بكاربين إلى الشاطئ .تفاجؤو ا بظھورنا المفاجئ ،وأطلقوا النار مرتين
علينا قبل الفرار.
واحدة من الطلقات ضرب بنصري األيمن واالخرى اخترقت ساق شيمادا اليمنى .سقط على
ركبتيه وظل بال حراك .سحبتنه بسرعة وحملته على ظھري الى الغابة ،في حين غطى كوزوكا
خلفنا.
دخلت الرصاصة في الجانب الداخلي من الركبة وذھبت بشكل مائل .خلعت مالبسي الداخلية
وعصبت الجرح بھا .
كانت رصاصة الكاربين صغيرة ،ويبدو أنه لم يكن ھناك أي ضرر للعظام .لم يكن ھناك أي
تراب في الجرح ،لذلك لم أكن أعتقد أن ھناك أي خطر من الكزاز .دھنت الجرح بدھن البقر
ووضعت جبيرة من الركبة إلى الكاحل .شيمادا حرض أسنانه في األلم ،والعرق يتصبب من
جبھته.
بعد ذلك ،كنت اغسل الجرخ بالماء المغلي كل يوم .وامص من خالل الفتحة وحولھا لجلب الدم
،ثم ادھنه بدھون البقرالطازج .لم يكن لدينا أي دواء .فقط مئرز اضافي ودھون البقر ھما
األدوية الوحيدة المتاحة.
بينما كنت أحاول أن أكون طبيبا لشيمادا ،تولى كوزوكا مسؤولية الحراسة الدائمة واحضار
الطعام .لم يستطع شيمادا أن يتحرك ،واضطررت إلى تمريضة ،حتى تحمل نفاياته .الحمد
ان موسم األمطار قد بدأ .وإال فإنه من المخاطرة الكبيرة أن نبقى في نفس المكان لفترة كافية
لشفاء جروح شيمادا.
بعد حوالي أربعين يوما ،كانت ھناك طبقة رقيقة من الجلد على الجرح .على الرغم من أنه لم
يكن ھناك خطر أكثر من المضاعفات ،كان جرحا خطيرا ،وكان ھناك احتمال واضح أن
شيمادا سوف يكون معطوبا .قلت له أن يحاول تحريك ركبته وكاحله و فعل ذلك ببطء ،
وشعرت و كوزوكا باالرتياح الشديد لھذا .
ولكن اصبع القدم الكبير كان جامدا ،مما جعل من المستحيل علي شيمادا أن يتجول بسرعة
كبيرة .و بدا مكتئبا.
في احد االيام عدت و كوزوكا من الصيد ،وجدنا شيمادا منبطحا على بطنه ،يستعد الطالق
النار على شيء ال نستطيع أن نراه .سرعان ما سقطنا على األرض ،وسألنا بصوت منخفض ما
االمر ،لف جسمه واسند ظھرة ورفع سالحه ،كان محتقن الوجه .
قال لنا " :بعد أن غادرتما سمعت أصوات من اتجاه الشاطئ .أعتقد أن سبعة أو ثمانية من
سكان الجزيرة يجب أن يكونوا قريبين جدا من ھنا .كنت ذاھبا لقتلھم إذا استطعت ،ولكن
بصراحة اعتقدت أنني توھمت ذلك" .
كنت أخشى أن شيمادا قد تتطورعنده بعض األمراض الجانبية ،لكنه نما أقوى اليوم .وعادت
ابتسامته ،وبحلول نھاية تشرين األول كان قادرا على المشي و البندقية على كتفه ،على الرغم
من انه ال يزال يعرج .واعتذر كثيرا عن للمشكلة التي تسبب بھا.
كنت أشعر بالسعادة جدا بشأن شفائه ،ولكن في نھاية العام تقريبا ،بدا يفقد روحه .بدا قاتما قدرا
كبيرا من الوقت وبدأ في تذكر والده وجده .كانت لھجتة ھادئة وحزينة إلى حد ما.
كان شيمادا يفتقر إلى الحيوية التي كانت لديه من قبل .تذكرت ما سمعته من جندي قديم منذ
زمن طويل" :جرح خفيف يجعلك اشجع ،ولكن الجرح الخطير يمكن أن يجعلك تفقد أعصابك".
ربما كان ھذا ما حدث لشيمادا .في المساء ،عندما جلس ينظر إلى صورة زوجته وأوالده التي
أسقطت مع المنشورات ،شعرت أن وزن ما يقرب من أربعين عاما استقر كثيرا على
كتفيه .وادى الكثير من الصالة.
كان كثيرا ما يتحدث إلى نفسه في احد االيام سألته ما قاله ،فقط ھز رأسه وأجاب" ،أوه ،ال
شيء".
بعد عدة أيام ،وجدت له يحدق ببطء في صورة .أعتقدت أنني سوف ازعجه ،مشيت وراءه،
ولكن قبل أن اتحدث ،سمعته يقول بھدوء" ،عشر سنوات .عشر سنوات كاملة".
تراجعت بصمت مرة أخرى إلى حيث كنت ،ولكن مع ھاجس داخلي فظيع .عندما كان ھو نفسه
طبيعي ،وقال انه قد وجد صعوبات طفيفة.
"ال تقلق" ،وقال انه قال دائما" ،انھا سوف تعود جميعا في أيدينا غدا".
كان ھذا ھو طريقه في القول بأن كل شيء سيكون على ما يرام غدا .كان قد عارضني و
كوزوكا عدة مرات بتلك العبارة .اآلن اصبح مختلفا ،وانا خائف.
بعد أن تعافى شيمادا بما يكفي من جرح الساق ليقدر على المشي ،انتقلنا إلى مكان بالقرب من
نقطة واكاياما ،ولكن لمحنا فريق بحث ،بدأنا نزوال نحو الشاطئ الجنوبي .لسوء الحظ ،كان
ھناك فريق بحث آخر ينتظرنا ھناك .كان ھناك حوالي خمسة وثالثين منھم ،متجمعين على
الشاطئ مثل قطيع من النورس ،فقط حوالي ثمانمائة ياردة بعيدا .اعتقدت أن أفضل شيء يجب
القيام به ھو فتح النار عليھم .إذا أطلقنا عشر طلقات ،فإننا سوف نحصل على عدد قليل منھم .ثم
يجب أن نكون قادرين على االبتعاد قبل أن يتعافوا من صدمتھم.
ولكن بعد أن فكرت في لحظة ،تذكرت أن ساق شيمادا قد ال يكون قويا بما فيه الكفاية
لذلك .وكما ھو الحال في أكاتسو ،سيكون علينا أن نكيف تحركاتنا إلى أضعف الثالثة؛ وكان
شيمادا في ھذه المرحلة األضعف .ما زلت أعتقد أننا يمكن أن نعملھا على األرجح ،ولكن كان
ھناك الكثير من الشك ،وإلى جانب ذلك ،لم أكن أريد منا الستخدام أي ذخيرة أكثر مما كنا
نحتاج على االطالق.
كان كوزوكا يستعد الطالق النار ،وانا سددت أيضا ،ولكن بعد ذلك غيرت ذھني.
"ال تطلق النار" ،قلت" .يمكننا دائما قتل بعضھم كلما أردنا ذلك .دعونا ندعھم يعيشون لفترة
أطول قليال".
للبعد عن الھجوم ،عدنا إلى الغابة .بدا ذلك سلميا بما فيه الكفاية في الوادي ،ولكن كان علينا أن
نكون حذرين .قد يأتي فريق البحث الى الداخل من الشاطئ.
كان لدينا ثالثة آراء مختلفة حول ما يجب علينا القيام به بعد ذلك .أراد كوزوكا عبور الجبال
والتحول نحو الشاطئ المعاكس في خطوة واحدة .من وجھة نظر ساق شيمادا ،جادلت بأن علينا
أن نذھب حول الجبال ،في محاولة للبقاء في نفس المستوى على طول الطريق .وھذا سوف
يستغرق وقتا أطول ولكنه يشتمل على جھد بدني أقل.
أجاب شيمادا " ،لدي الكثير من المتاعب في المشي .أود أن ابقى ھنا".
كان كوزوكا غاضبا .وقال " :ان ساقك جيد ،أليس كذلك؟" ".من الجنون البقاء ھنا .أكاتسو
يعرف ھذا المكان .ال بد أن يأتي فريق البحث عاجال أم آجال .ھل أنت معنا أم ضدنا ،شيمادا؟ إذا
كنت ضدنا ،لدي فكرة أخرى حول ما يجب القيام به" !
كوزوكا وجه فوھة بندقيتة نحو صدر شيمادا ،كانت عيناه تقدحان من الغضب .دفعت
بندقية جانبا وقلت" :اھدأ يا كوزوكا .لن يكون االنسحاب خطوة ذكية جدا إذا لم يكن متأكدا من
ساقه .دعونا نفعل كما يقول ونختبئ ھنا لفترة من الوقت" .
بقينا.
كان ھناك فاكھة تسمى النانكا التي تنمو بوفرة في ھذا المجال ،وفي الصباح التالي التقطت و
كوزوكا مجموعة كبيرة منھا .قررنا تشريحھا ونشرھا لتجف .كان ھناك منطقة منعزلة فوق
منحدر صخري في منتصف الطريق حتى الھاوية من قبل الوادي .لم يكن المنحدر العلوي مرئيا
من أسفل الوادي .وجدنا شجرة ساقطة في مكان مشمس على ھذا المنحدر صففنا شرائح النانكا
ى على طول الجذع .ثم عدت مع كوزوكا عبر الوادي إلى معسكرنا وأخذنا قيلولة ،وتركنا
شيمادا للمراقبة .عندما استيقظنا وجدنا أن شيمادا قد نقل الناتكا الى اسفل الوادي ،ألن جذع
الشجرة اصبح اآلن في الظل.
إذا رأى أي شخص النانكا فسيعرف أننا كنا مختبئون في مكان قريب .كنت قلقا بشأن ھذا أيضا،
ولكني كنت أكثر قلقا حول فريق البحث على الشاطئ .في اليوم السابق ،تحركوا باتجاه نقطة
البيتين .اآلن كنت أخشى أنھم قد يعودون .قررت أن نأكل بينما كان ال يزال الضوء خفيفا وبعد
ذلك ،نأخذ طعامنا معنا ،ونتقل مرة أخرى نحو الشاطئ لمعرفة ما يجري .تركت النانكا حيث
كانت وبدأت الطھي .وبسبب ذلك تسببت في وفاة شيمادا.
وبينما كنت أطبخ ،ألقيت نظرة على الوادي في الوادي وشعرت ببعض الحركة الطفيفة .
أمسكت بندقيتي .رجل كان يبدو وكأنه أحد سكان جزيرة كان يتسلق الى الوادي ،فقط حوالي
خمسة وعشرين ياردة بعيدا .وكان من الواضح أنه رصد النانكا .أطلقت طلقتين سريعتين.
ال اعرف ان كانت الطلقات اصابت ھدفھا ام ال ،وأنا ال أعرف .صرخ الرجل وألقى نفسه
خلف صخرة .سقطت على األرض ،كوزوكا اختبأ وراء جذع شجرة كبيرة على بعد حوالي ٣
ياردة بعيدا ،ونحن على استعداد الطالق صلية أخرى.
ولكن شيمادا استمر في الوقوف إلى جانب شجرة بعيدة بضعة ياردات .كان قد صوب بندقيته
تحو الھدف ،لكنه لم يطلق النار .كان ھذا غريبا ،ألنه كان أسرعنا رميا ً .يمكنه اطالق النار
خمس مرات بينما كنت اطلق النار مرتين .ما أزعجني أكثر أنه كان ال يزال قائما.
في ظل الظروف العادية ،يجب ان اصيح "انزل ايھا األحمق!" ولكن لسبب ما ،في تلك
المناسبة الوحيدة لم افعل .لم أكن أعرف أين كان العدو ،ولكن إذا كان الرجل الذي رأيته ھو
دليلھم ،فانھم في مكان قريب .إذا كانوا قد خرجوا من الشاطئ عبر الوادي ،قد يكونون في
مكان حيث يمكنھم رؤيتنا بوضوح.
خرجت صلية من الوادي ،وسقط شيمادا إلى األمام .لم يتحرك .وقتل على الفور .العدو لم يكن
في الوادي ،كما فكرت ،ولكن على المنحدر عبر النھر .وھذا يعني انني و كوزوكا عرضة
للھجوم ،لذلك حبونا الى الخلف .اخذنا بنادقنا ولكننا تركنا كل شيء آخر وراءنا األدوات،
الذخيرة ،سكاكين ،كل شيء.
ووفقا لصحيفة تركھا فريق البحث قبل ان يغادر ،اصيب شيمادا بين الحاجبين .وقالت الصحيفة
ايضا ان ما ظنناه فريق البحث كان وحدة جبلية للجيش الفلبينى تمارس ھجمات على
الھوكس .ھذا لم يغير شعورنا بالغضب من الشعب الذي أطلق النار على شيمادا.
كنا نتساءل دائما لماذا ظل شيمادا واقفا دون إطالق النار .كنت أشتبه في أن قوات العدو ربما
كانت ترفع علم اليابان ،وأن مشھدھا قد جعل شيمادا مترددا في تلك اللحظة المصيرية .ولعله
رأى العلم ويعتقد أن القوات األخيرة وصلت إلى إعادة االتصال معنا .وللتوضيح فان علم العدو
ممكن ان يستخدم وسيلة خداع في حرب العصابات.
لقد ارتكبنا عدة أخطاء .كان األول ھو االختباء في ذلك الوادي ،والثاني ھو نقل النانكا إلى
الوادي ،والثالث ھو تركھا ھنا وأخطأ شيمادا حيث بقي واقفا وأخطأت انا اذ لم آمره بالنزول.
لماذا ھجرني صوتي؟ التفسير الوحيد الذي يمكن أن أفكر به ھو أنه ما لم نكن نتقاتل مع بعضنا
البعض ،لم نتحدث أبدا بصوت عال .لم أكن حتى أعطت األوامر بصوت عال .ھذه العادة
منعتني من الصراخ بصوت عال ولكن ھل ھذا التبرير يسقي الماء حقا ؟ أال ينبغي أن أكون
قادرا على رفع صوتي اذا لزم االمر ؟
لمت نفسي لعدم القيام بذلك ،ولكن كوزوكا قال " :شيمادا ھو الذي أراد البقاء ھنا في المقام
األول .قد يبدو ھذا قاسيا ،ولكن علينا أن تعتاد على حقيقة أنه ميت .انه يقلقني ان ارى انك تلوم
نفسك على ما حدث".
وبعد مرور عشرة أيام تقريبا على وفاة شيمادا ،مرت طائرة تابعة لسالح الجو الفلبيني خلفھا
شريط ملون من الدخان عدة مرات .وألقت منشورات ،وشخص من مكبر الصوت يقول:
"إنودا ،كوزوكا ،انتھت الحرب".
ھذا اغضبنا .أردنا أن نصرخ على األميركيين البغيضين لوقف التھديد و والنداءات .أردنا أن
نقول لھم أنه إذا لم يتوقفوا عن معاملتنا مثل األرانب الخائفة ،فإننا سوف نعود لھم في يوم من
األيام ،بطريقة أو بأخرى.
وبعد بضعة أيام كان ھناك ضجيج في الغابة .لقد استمعت عن كثب وقررت أن سكان الجزيرة
يقطعون األشجار ،ولكننا انتقلنا بسرعة إلى مخيم مختلف .بعد ذلك ،اكتشفت من كتيب تركه
فريق بحث في عام ١٩٥٩أن شقيقي االكبر توشيو وشقيق كوزوكا األصغر فوكوجي كانا
في لوبانغ يبحثان عنا.
بعد حوالي شھرين ،ذھبنا مرة أخرى إلى الوادي حيث قتل شيمادا .كان لي معارك ومشاجرات
مع شيمادا ،لكنه كان صديقي ...قاتلنا جنبا إلى جنب معي لمدة عشر سنوات كاملة .وقفت ھناك
لفترة من الوقت ، ،كوزوكا وأنا تعھدنا بطريقة أو بأخرى باننا سوف ننتقم لشيمادا.
في احد االيام في غابة كثيفة ليست بعيدة عن المكان الذي قتل فيه شيمادا ،وجدت العلم الياباني
مكتوبارعليه أسماء عائلتي وبعض أقاربي .من بين األسماء كانت "ياسو" و "نوريكو" ،والتي
من المفترض ان تكون اسماء لزوجة أخي األكبر ياسوي وابن عم يدعى "نوري" .ولكن إذا
كانت التوقيعات حقيقية ،لماذا كان حذفت بعض الحروف من االسماء واضيف البعض االخر
؟ توصلت الى إلى استنتاج مفاده أنھا رسالة وھمية من نوع ما.
لم نكن نعتقد لحظة أن الحرب قد انتھت .على العكس من ذلك ،كنا نتوقع من الجيش الياباني أن
يرسل قوة ھبوط إلى لوبانغ أو على األقل إرسال عمالء سريين إلقامة اتصال معنا.
كما فكرت في كون أسماء ابن عمي وشقيقة مكتوبة بشكل غير صحيح ،كان لي الشعور بأنه
كان يحاول أن يقول لي شيئا .وخلصت أخيرا إلى استنتاج مفاده أنھا رسالة وھمية من المقر
الياباني.
كان منطقي مثل ھذا .لنفترض أوال أن الجيش الياباني أرسل جاسوسا إلقامة اتصال معي ،وھذا
الجاسوس وقع في ايدي االمريكيين .ومن المؤكد ان االميركيين يعتقدون ان القوات اليابانية
تخطط العادة احتالل المطار فى لوبانج الن المطار الوحيد فى الفلبين غرب مانيال وستكون
القاعدة الواضحة لشن ھجوم من الغرب على تلك المدينة .ومن اجل وقف ھذه الخطوة ،سينقل
االمريكيون القوات البحرية والجوية الى مانيال ،ومن ثم يضغطون على القوات اليابانية فى
غينيا الجديدة ومااليا وفرنسا الصينية الھندية .من وجھة النظر اليابانية ،ثم ،كان من المنطقي
جعل األميركيين يعتقدون بان ھناك جاسوسا ً في لوبانغ .ومن ثم فقد سمح للعلم ،الذي يقصد
ظاھريا بالنسبة لي ،أن يسقط في أيدي العدو .اآلن األميركيون كانوا يحاولون استخدامه إلغراء
لنا من قاعدتنا في وسط لوبانغ .وبشأن احتمال حدوث ذلك ،اتخذ المقر الياباني االحتياطات
الالزمة لكتابة أسماء ابن عمي وأخته باخطاء .وبما أن ھذا شيء كنت ملزما أن يالحظ ،فإنه
يحذرني أن كل شيء كان وھميا.
اليوم كل ھذا يبدو سخيفا ،ولكني كنت قد درست في فوتاماتا دائما أن تبحث عن الرسائل
وھمية ،وأنه ال يبدو لي أن موقفي كان حذرا بشكل مفرط .في الواقع ،كنت قد اعتبر أنه اھمال
للغاية في ذلك الوقت عدم التشكيك في كل حرف مكتوب على العلم.
ما زلت أتذكر ما تعلمته في فوتاماتا عن رسالة وھمية جعلت من السھل على ألمانيا ھزيمة
فرنسا في عام .١٩٤٠ومع استعداد األلمان لمھاجمة فرنسا ،سمحوا لجاسوس من التحالف
معروف "بسرقة" خطة لھجوم جوي ألماني على لندن .وقد خدعت بريطانيا من قبل الخطة إلى
حد أنھا على عجل سحبت الطائرات والمدفعية المضادة للطائرات من ھولندا إلى منطقة
لندن .مع خفض القوات اإلنجليزية في ھولندا وبالتالي ،انقض األلمان على ذلك البلد وبلجيكا
ومن ثم اخترقوا نھاية ضعيفة نسبيا من خط ماجينو وفي حوالي شھر احتلوا باريس.
وكما ذكرت بھذا الحادث ،بدا واضحا بالنسبة لي أن العلم الياباني كان جزءا من محاولة لجعل
العدو يحول قواته إلى مانيال ،اعتقادا منه بأن لوبانغ على وشك إعادة احتالل .كنت متحمسا
للتفكير بأن الھجوم المضاد الياباني كان قريبا.
لم أكن وحدي فيما يتعلق العلم كرسالة وھمية .كوزوكا وافق معي أنه ال يمكن أن يكون أي
شيء آخر .كنت قد علمت كوزوكا كمية جيدة عن مبادئ الحرب السرية ،بحيث اصبح ال يقل
عني مھارة في قراءة ما ھو خارج النص ،واصبح يجاري أي خريج من فوتاماتا.
لقد تم إسقاط المزيد والمزيد من المنشورات التي اعتبرناھا وھمية على الجزيرة ،وفي كل مرة
سقطت ،كنا نظن أن الھجوم الياباني يقترب .ومن الواضح أن القوات اليابانية في أماكن أخرى
تتقدم إلى حد أنھا يمكن أن تبدأ مضايقة العدو في الفلبين.
كلما وجدنا منشورات جديدة ،كنا سعداء .لقد اعتبرنا ھذه الرسائل "المزيفة" جزءا من محاولة
لتحفيزنا .وقد احتوت على الكثير من المعلومات حول ما يجري في اليابان ،وكيف كانت
عائالتنا تتالقى ،وأحيانا كانت ھناك صور عائلية .على سبيل المثال ،كانت إحدى المنشورات
التي سقطت في عام ١٩٥٧تحتوي على صورة بعنوان "عائلة أونودا سان" .وأظھرت الصورة
والدي ،شقيقتي األكبر شي وأطفالھا ،شقيقتي الصغرى كيكو وعدة أفراد آخرين من عائلتي .كل
شيء بدا حقيقيا بما فيه الكفاية ،إال أن جارا ال عالقة لي به كان يقف إلى الجانب .كان مثل
الوقت الذي ظھر فيه الشخص الذي كان من أقرباء شيمادا في ما كان يفترض أن يكون صورة
ألسرته.
وھناك سمة أخرى مشبوھة من ھذه الصورة ھي أنه ال يوجد سبب لماذا يجب أن يكون
ھناك سان بعد اسمي" .أسرة أونودا" مناسب بالمعايير اليابانية لآلداب.
كان ھناك أيضا صورة ل "عائلة كوزوكا سان" .وقال كوزوكا" :كيف يتوقعون مني أن أصدق
ذلك؟ لماذا تقف عائلتي أمام منزل جديد ال ينتمي إلينا؟"
لم نكن نعرف أن المدن اليابانية تعرضت للقصف على نطاق واسع ،وتحولت مدينة طوكيو إلى
حد كبير إلى رماد.
طبعت المنشورات على ورق رخيص ،لتوفير التكاليف .وھذا يعني أن المنشورات تنتج بكميات
كبيرة وأسقطت ليس فقط في لوبانغ ولكن في جميع أنحاء الفلبين .واقترح ھذا بدوره أنه يجب
أن يكون ھناك العديد من المقاتلين اليابانيين اآلخرين في جزر أخرى .كنا نعتقد أن ھذه
المنشورات تحاول إقناعھم بأنھم إذا عرفوا أسماءھم وعناوين أسرھم ،فإنھم سيحصلون أيضا
على أخبار من الوطن ،مثل أونودا وكوزوكا في لوبانغ .وال شك أن ھذا كان الھدف الحقيقي
للعدو ،وال شك أن ھذا ھو السبب في إضافة سان إلى أسمائنا .في ذكر عائالتنا إلى اليابانين
األخرين من المناسب استخدام سان.
مع مجموعة واحدة من منشورات كانت ھناك مظاريف مع اسم السفارة اليابانية في الفلبين
مطبوعا عليھا .ومرة أخرى كانت الورق من النوع الرخيص ،وخلصنا إلى أن نفس المظاريف
قد أسقطت على القوات اليابانية في جزر أخرى .كل مظروف يحتوي على قلم رصاص
وتعليمات" :اكتب عنوان منزلك واسم وحدتك العسكرية ،وسوف نقدم لكم المعلومات التي من
شأنھا إقناعكم .حالما تتلقى ھذا ،تنزل من الجبال" .
أما بالنسبة لمسألة كيف اكتسب األمريكيون صورة لعائلتي ،فقد افترضت أن التفسير يجب أن
يكون شيئا من ھذا القبيل من العلم .ربما كان قد تم تمريره من قبل وكيل ياباني إلى األمريكيين
أو الفلبينيين في محاولة لتمرير بعض المعلومات الخاطئة اليھم .وألبالغني أن ال آخذ الصورة
على محمل الجد ،فقد أدرجت السلطات اليابانية عمدا صورة الشخص الذي ال ينتمي إلى
أسرتي.
قلت لكوزوكا" ،مع إرسال كال الجانبين رسائل من ھذا القبيل ،يجب أن يكون الھجوم المضاد
الياباني قريبا".
بعد أن ھبطت على لوبانغ في نھاية عام ،١٩٤٤لم يكن لدي معرفة حقيقية عن كيفية الحرب .لم
تكن ھناك أخبار على اإلطالق من العالم الخارجي لعدة سنوات ،ولم اصدق
المنشورات .كوزوكا كان مثلي .كنا نعتقد أن من واجبنا أن نستمر حتى يتم إنشاء منطقة الرخاء
المشترك لشرق آسيا .ولعل ھذا ھو ما أدى إلى تعييني كعامل حرب سرية في المقام
األول .كوزوكا لم يك تحت أي أوامر خاصة مثلي .وقد تم ببساطة تجنيده في الجيش وأرسل
إلى الفلبين .لكنه كان معي لفترة طويلة وشعر بنفس الطريقة التي فعلتھا بشأن الوضع .لم يشك
أي منا لمدة دقيقة أنه يجب أن يكون ھناك جنود يابانيون آخرون مثلنا في العديد من الجزر
الفلبينية.
في عام ،١٩٥٠بعد انشقاق أكاتسو مباشرة ،كان عدد من أعمدة خيام الجيش الياباني تطوف
على الشاطئ الجنوبي للجزيرة ،جنبا إلى جنب مع شظايا من حقائب الجيش .وھذه كانت الرياح
تحملھا خالل موسم األمطار .واعتبرناھا بقايا حطام من القوات اليابانية المارة .ومرور القوات
اليابانية خالل ھذه المنطقة يدل على ان القتال الرئيسي يتركز اآلن في الھند الصينية.
وبعد خمس سنوات ،كان السبب في أن الجبھة قد امتدت إلى جاوة أو سومطرة ،وقررنا أن
حملة مشتركة بين الجو والبحر واألرض يجب أن تسير في جميع أنحاء المنطقة إلى الجنوب.
لقد أعجبنا استمرار نشاط دوريات العدو في منطقتنا .حوالي ١٩٥٠شغلت منارات في كابرا
وعلى الطرف الشمالي الغربي من ميندورو .وكانت دورية من طائرتين تغطي المنطقة كل
يوم .وازداد عدد الطائرات المقاتلة باستمرار .في البداية كان ھناك اثنين فقط أو ثالثة في اليوم،
ولكن اآلن كانت ھناك في بعض األحيان العشرات.
ما أقنعنا اكثر بوجود القوات اليابانية األخرى في الجزر االخرى كان إسقاط القنابل في
الوادي بالقرب من فيغو بعض األحيان .فيما بعد علمت أن لوبانغ قد أصبحت ھدف الممارسة
لطائرات التدريب القوات الجوية الفلبينية ،ولكن في ذلك الوقت لم أستطع سوى التكھن عن سبب
القنابل .وخلصت إلى أن العدو يعتقد أننا كنا نحاول جلب وحدات حرب العصابات اليابانية من
جزر أخرى وتم إسقاط القنابل لمنع ذلك.
وفي حوالي أيار /مايو ،١٩٥٤قال صوت يتحدث على مكبر الصوت" :أنا كاتسو ساتو ،رئيس
أركان القوات الجوية البحرية سابقا ً .أود أن ألتقي بكم في لوك " .بدا لنا من السخف أن ضابط
البحرية سيأتي يبحث عن٠ا عندما كنا في الجيش.
وباختصار ،فإن مختلف المنشورات والرسائل "المزورة" التي وصلت إلينا في لوبانغ ،كانت
بعيدة عن إقناعنا بأن الحرب قد انتھت ،وأقنعتنا بأن القوات اليابانية ستھبط قريبا في
الجزيرة .بالتفكير في أن وكيل ياباني متقدم سوف يأتي بالتأكيد على الساحل الجنوبي ،كنا
نحاول "تأمين" تلك المنطقة .كنا نعتقد أنه إذا وصل ھذا الوكيل ،ولم نتمكن من إعطائه جميع
المعلومات التي يحتاجھا عن الجزيرة ،فاننا سنوبخ بشدة ،وبحق.
سيكون الشاطئ الجنوبي أفضل مكان للقوات اليابانية في الھبوط .ويمكنھم أن يرسوا قواربھم
على الشعاب المرجانية ،وأن يمشيوا عبر ستين أو سبعين ياردة من المياه الضحلة إلى الشاطئ،
حيث يمكنھم الذھاب فورا إلى الجبال .إذا كان يقولون ،على سبيل المثال ،أنھم يريدون االنتقال
من ھذه النقطة إلى المطار في غضون يومين ،كنا على استعداد لتوجيھھم في الوقت المحدد
على طول الطريق بحيث ال يواجھون قوات العدو.
وحاولنا ،بإطالق طلقات تحذيرية من حين آلخر ،إبقاء سكان الجزر خارج منطقة الساحل
الجنوبي ،وقضينا وقتا طويال في العمل على تامين الطريق إلى المطار .لم أكن أعرف اال بعد
ذلك بكثير أنه بسبب تكتيكاتنا ،قرر الفلبينيون إطالق النار علينا عند رؤيتنا
في ربيع عام ،١٩٥٨بدأت القوات الجوية الفلبينية بناء قاعدة الرادار على الجبل الذي كنا
نعرفه باسم خمسمائة .قبل بدء البناء الفعلي ،استأجرت القوات الجوية عددا كبيرا من سكان
الجزيرة لبناء طريق للسيارات المؤدية إلى القاعدة .في احد يوم خرجنا لنرى كيف يكون
الطريق ،فوجئنا بصوت انفجار بالقرب من قمة الجبل .نظربعضنا الى بعض متفاجئين.
فجأة كان كوزوكا يلھث "اه!" التفت الى التالل وأطلقت النار نحو قمتھا .كان ھناك صرخة
من ھذا االتجاه ،كما سقط شخص ما على الجانب اآلخر من التالل ،ركضنا بسرعة أسفل التل
في الغابة.
لم يمض وقت طويل من ١٩٥٩قبل أن يصل فريق بحث كبير من اليابان للبحث عنا.
"ما ھذا اإلزعاج!" تذمر كوزوكا" .دعونا ننتقل إلى مكان آخر ھادئ".
لقد انتقلنا إلى منطقة نحو الجنوب حيث لم نتمكن من سماع مكبرات الصوت ،اكتشفت الحقا
ان فريق البحث قد كرر مرارا وتكرارا" :المالزم أونودا !الجندي االول كوزوكا !لقد جئنا من
اليابان للبحث عنكم .لقد انتھت الحرب .يرجى التحدث معنا والعودة إلى اليابان معنا".
كما عزفوا النشيد الوطني الياباني والكثير من األغاني الشعبية اليابانية واألغاني الشعبية .ذھب
فريق البحث في جميع أنحاء الجزيرة بأكملھا ،وخيموا في الليل .في كل مرة كانوا يقتربون منا،
ذھبنا أبعد في الغابة.
كنا واثقين في عقولنا بأن ھؤالء األشخاص كانوا عمالء للعدو وقد خدعتھم رسائل جيشنا
الوھمية ،وكانوا يحاولون منعنا من االتصال بجواسيس يابانيين مفترضين .ويمكنھم أن يناشدونا
كما يريدون ؛ لم يكن لدينا أي نية لالستجابة.
كان العدو يحاول ،كما كنا نظن ،إزالتنا من ھذه الجزيرة .وإذا تمكن من القبض علينا االثنين ،
فإن وكالء مسبقين من اليابان لن يتمكنوا من الھبوط ھنا ،وسيكون من المستحيل على فرقة عمل
يابانية أن تستعيد المطار .من وجھة نظرنا ،إذا كان علينا أن نأخذ في ھذا الخداع ،فإن كل عملنا
حتى ذلك الوقت سوف يضيع .حتى لو بحثوا الجزيرة بمشط أسنان ،كان علينا أن نحاول اال
نكتشف.
وإذا كان ينبغي أن يكون ھناك بالفعل بحث شامل ،فقد وضعنا خطة للھروب من الجزيرة ،ولكن
في حالة اكتشافنا قبل أن نتمكن من تنفيذ ذلك ،فقد عقدنا العزم على إلحاق أضرار كبيرة قدر
اإلمكان .إذا كان علينا أن نموت ،سيكون من األسھل معرفة أننا قتلنا عشرة أو عشرين أو
ثالثين من قوات العدو.
كان الناس يقولون لي في كثير من األحيان أنه إذا كنت محاصرا حقا ،يجب أن نبفي الرصاصة
األخيرة لنفسك ،ولكنني كنت انوي استخدام كل رصاصة معي ضد العدو .لماذا يجب أن أھدر
رصاصة على نفسي بينما سيتولى العدو ذلك ؟ كنت قد اعتنيت بتلك الرصاصات واحتفظت
بھا نظيفة كل ھذه السنوات .أردت من كل واحدة أن تلحق أكبر قدر ممكن من الضرر .إذا
كنت يمكن أن تقتل عدوا آخر بآخر رصاصة ،فذلك أفضل .ويبدو أن ھذا ھو ما يجب أن يفعله
الجندي بدال من االنتحار،
وقال كوزوكا "يمكن ان يثيروا كل الضجة التي يريدون" ،لكنني لن أسمح لھم بالعثور علي".
"حسنا "،أجبت" :طالما أنھم بقوا على ھذا النحو ،فلن يظھر أي عميل ياباني .دعونا نعثر
على مكان آمن لطيف ونسترخي بعض الوقت" .
لكنھم بقوا وظلوا وأقاموا .جاءوا في مايو وما زالوا ھناك في أواخر نوفمبر.
وأخيرا ،قلت في احد االيام " :فقط للرجوع إليھا في المستقبل ،دعونا نذھب أقرب ونرى
بالضبط ما ھي التكتيكات التي يفعلون
وصلنا إلى ذروة أقرب جبل أطلقنا عليه ستمائة .لم أكن أعرف ذلك الحين ،ولكن ھذا كان آخر
يوم من البحث .من أعلى ستمائة جاء صوت مكبر الصوت قائال" :ھيرو ،اخرج .انا أخوك
توشيو .جاء شقيق كوزوكا فوكوجي معي .ھذا ھو يومنا األخير ھنا .يرجى الخروج حيث يمكننا
أن نراكم" .
صوت بدا بالتأكيد مثل توشيو ،لذلك فكرت في البداية العدو يبث تسجيال .وكلما استمعت أكثر،
بدا الصوت ابعد عن تسجيل .ذھبت أقرب قليال حتى أستطيع أن أسمع بشكل أفضل.
كان رجل يقف على رأس ستمائة يتحدث بجدية في الميكروفون .اقتربت من نقطة حوالي مائة
وخمسين ياردة بعيدا عنه .لم أجرؤ على االقتراب اكثر ،ألنني ساكون ھدفا جيدا جدا عندئذ.
لم أتمكن من رؤية وجه الرجل ،لكنه بدا مثل أخي ،وصوته كان مطابقا.
"ھذا شيء حقا" ،فكرت" .لقد عثروا على شخص من ابوين يابانيين مھاجرين أو سجين
يظھرعلى مسافة مثل أخي ،وعلم أن يقلد صوت أخي تماما".
بدأ الرجل في الغناء" ،الرياح الشرقية تھب في السماء فوق العاصمة" . .كانت ھذه أغنية طالب
معروفة في مدرسة طوكيو الثانوية االولى ،التي درس فيھا أخي ،وكنت أعرف أنه يحب
ذلك .لقد بدأ كأداء جيد ،واستمعت باھتمام .ولكن تدريجيا نمت نغمة صوت متوترة وزادت ،
وفي النھاية خمد الصوت تماما
ضحكت لنفسي .لم يتمكن مننتحل الھوية من الحفاظ عليھا ،وصوته قد جاء خالل النھاية .لقد
وجدت أنھا مسلية جدا ،خاصة ألنه في البداية كان قد اخذني تقريبا.
فجأة بدأ المطر .وارتفعت العاصفة .التقط الرجل على التل شيء ما على قدميه وبدأ ينزل أسفل
التل ،وكتفيه يتدلى .بعد ان توارى عن األنظار لدرجة االمان ،تراجعت مرة أخرى إلى
الغابة.
مع نظرة حزينة على وجھه ،قال أخي" :بينما كنت أغني ،بدأت أفكر أن ھذا ھو آخر يوم لي في
لوبانغ ،وأنا اختنق . . . .وھذا ھو السبب " .
ترك فريق البحث صحفا ومجالت .معظمھا حديث ،والكثير منھا يحتوي على مقاالت عن زواج
ولي العھد .وكانت الصحف ،التي غطت فترة حوالي أربعة أشھر ،مكدسة تقريبا على ارتفاع
قدمين .كنا نظن أنه أعيد طبع صحف يابانية حقيقية معالجة من قبل المخابرات األمريكية
بطريقة تقضي على أي أخبار لم يرغب األمريكيون في رؤيتھا .وكان ھذا كل ما يمكن أن نفكر
فيه طالما كنا نعتقد أن حرب شرق آسيا الكبرى ما زالت مستمرة.
وبطريقة أكدت الصحف أن الحرب ال تزال مستمرة ،ألنھم قالوا الكثير عن الحياة في
اليابان .وإذا كانت اليابان قد خسرت الحرب فعال ،فال ينبغي أن تكون ھناك حياة في
اليابان .يجب أن يموت الجميع.
عندما وصلت إلى الفلبين في عام ،١٩٤٤كانت الحرب تسير على نحو سيء بالنسبة لليابان،
وفي الوطن كانت العبارة " أيشيوكو جيوكوساي( " مائة مليون نسمة تموت من أجل الشرف(
على شفاه الجميع .ھذه العبارة تعني حرفيا أن سكان اليابان سيموتون إلى آخر رجل قبل
االستسالم .أخذت ھذا حرفيا ،وأنا واثق ان العديد من الشباب الياباني اترابي فعلوا كذلك .
وأعتقدت بإخالص أن اليابان لن تستسلم طالما بقي ياباني واحد على قيد الحياة .وعلى العكس
من ذلك ،إذا ترك أحد اليابانيين أحياء ،فلن تستسلم اليابان .
بعد كل شيء ،ھذا ھو ما تعھد به اليابانيون جميعا بعضھم لبعض .لقد أقسمنا أننا سنقاوم
الشياطين األمريكيين واإلنجليزيين حتى يموت آخر رجل .إذا لزم األمر ،فإن النساء واألطفال
ستقاوم بعصي الخيزران ،في محاولة لقتل أكبر عدد ممكن من قوات العدو قبل أن يقتلوا
أنفسھم .نشرة صحف الحرب ھذه الفكرة بأقوى لغة ممكنة" .الكفاح من أجل النھاية!" "يجب
حماية اإلمبراطورية بأي ثمن!" "مائة مليون يموتون من أجل القضية" .لقد نشأت تقريبا على
ھذا النوع من الكالم.
عندما أصبحت جنديا ،قبلت أھداف بلدي .وتعھدت بأن أفعل كل شيء في وسعي لتحقيق تلك
األھداف .بعد أن ولدت ذكرا ويابانيا ،وبمجرد اجتياز الفحص البدني للجيش ،اعتبرت ان
واجبي ھو ان اصبح جنديا واقاتل من أجل اليابان.
بعد دخول الجيش ،أصبحت مرشحا في مدرسة تدريب الضباط .عندما جاء أخي تاداو لرؤيتي
ھناك ،سألني عما إذا كنت مستعدا للموت من أجل بلدي .قلت له نعم .في ذلك الوقت ،جددت
يمينا لنفسي بأن أعطي كل شيء .لقد كان ھذا اليمين رسميا ،وكنت عازما على تنفيذه.
وبحلول عام ١٩٥٩كنت في لوبانغ لمدة خمسة عشر عاما ،واألخبار الحقيقية الوحيدة التي
تلقيتھا من اليابان خالل تلك الفترة ھي الصحيفة التي تركھا يوتاكا تسوجي ،الذي ادعى أنه
مراسل من صحيفة أساھي .لم أكن متأكدا حتى من صحة ھذا.
وباختصار ،لمدة خمسة عشر عاما ،كنت خارج الزمن و كل ما تاكد من صحته كان في في
أواخر عام ١٩٤٤وما أقسمته في ذلك الوقت للقيام به .كنت قد حافظت على قسمي بجد خالل
تلك الخمسة عشر عاما.
قرأت صحف عام ١٩٥٩في نفس اإلطار من العقل ،وكان الفكر األول كان" ،اليابان آمنة ،بعد
كل شيء .آمنة وال تزال تقاتل.
ولم تقدم الصحف أي قدر من اإلثبات على انتھاء الحرب .ألم يكن البلد كله يحتفل بزواج ولي
العھد؟ الم تظھر الصور موكب الزفاف الفخم في شوارع طوكيو ،مع االف اليابانيين وقد
اصطفوا على طول الطريق؟ لم يكن ھناك شيء ھنا .حوالي مائة مليون شخص يموتون .ومن
الواضح أن اليابان مزدھرة وناجحة.
من قال إننا خسرنا الحرب؟ وأثبتت الصحف أن ھذا خطأ .لو خسرنا ،فإن مواطنينا سوف
يموتون جميعا .لن يكون ھناك المزيد من اليابانيين ،ناھيك عن الصحف اليابانية.
كوزوكا اتفق معي تماما .كما كنا نقرأ الصحف ،وقال انه يتطلع وعلق" ،الحياة في جزر الوطن
يبدو أنھا أفضل بكثير مما كان عليه عندما غادرنا ،أليس كذلك؟ انظر إلى اإلعالنات .يوجد
ھناك الكثير من كل شيء .أنا سعيد ،أليس كذلك؟ ھذا جعلني أشعر أنه كان من المجدي
مواصلة الطريق الذي اسير به .
كيف يمكن لنا حتى أن نحلم أن مدن اليابان قد تم تسويتھا ،وأن سفن اليابان قد اغرقت تقريبا،
أو أن اليابان استنفدت واستنفدت بالفعل؟ وفيما يتعلق بتفاصيل الھزيمة ،مثل غزو االتحاد
السوفياتي لمانشوكو أو إسقاط القنبلة الذرية على ھيروشيما ،فإن صحف عام ١٩٥٩لم تعط أي
خبر.
نقرأ الصحف من خالل ومن خالل ،وصوال الى القليل من ثالثة خطوط تريد اإلعالنات .في
الواقع ،كانت اإلعالنات المطلوبة مثيرة لالھتمام بشكل خاص ،ألنھا أشارت إلى نوع العمل
الذي يسعى إليه الناس ونوع األشخاص المطلوب البحث عنھم.
ولكن الوقت توقف لنا في عام ،١٩٤٤وكما قرأنا ،واصلنا العثور على البنود التي لم نتمكن من
فھمھا على اإلطالق .وكنا نشعر بالحيرة بوجه خاص إزاء المقاالت المتعلقة بالعالقات الخارجية
والشؤون العسكرية .في بعض األحيان بعد أن قرأنا عدة مرات ،فإنھا ال تزال تعني شيئا.
ومن الصعب أن نعرف ،على سبيل المثال ،ما البلدان التي على الجانب الياباني والتي لم تكن
كذلك .وبجمع ما نقرأه في الصحف والتفاصيل والمعلومات )أو المعلومات الخاطئة( التي
استخلصناھا من منشورات وما شابه ذلك ،شكلنا صورة كاملة عن اليابان وحالة الحرب في عام
.١٩٥٩
علمنا أن اإلمبراطورية اليابانية العظمى قد أصبحت اليابان الديمقراطية .لم نكن نعرف متى أو
كيف ،ولكن من الواضح أن ھناك اآلن حكومة ديمقراطية ،وقد تم إصالح التنظيم العسكري .كما
يبدو أن اليابان تشارك اآلن في عالقات ثقافية واقتصادية مع عدد كبير من البلدان األجنبية.
ومازالت الحكومة اليابانية تعمل من اجل اقامة منطقة الرخاء المشترك فى شرق اسيا الكبرى،
وان الجيش الجديد مازال ينخرط فى صراع عسكرى مع امريكا .ويبدو أن الجيش الجديد ھو
نسخة حديثة من الجيش القديم ،وكان من المفترض أنه يجب أن يتحمل المسؤولية عن الدفاع
عن شرق آسيا كله ،بما في ذلك الصين.
كانت الصين دولة شيوعية تحت قيادة ماو تسي تونغ :يبدو أن ھناك شكوكا قليلة ولكن ماو قد
تولى السلطة بدعم من اليابان .ومما ال شك فيه أنه يتعاون اآلن مع اليابان لتنفيذ مجال الرخاء
المشترك .على الرغم من أنه لم يكن ھناك شيء في ھذا الموضوع الجديد ،إال أنه من المنطقي
أن تكون الخدمة السرية األمريكية قد ألغت أي ذكر لھا في الصحف التي اعدتھا لنا
وقد حسبنا أن اليابان قد وجدت أنه من المفيد تعيين ماو تسي تونغ كزعيم للصين الجديدة ،ألن
ذلك سيجعل المبالغ المالية الكبيرة التي يملكھا الممولون الصينيون األثرياء متاحة
لليابان .افترضنا أنه لضمان دعم اليابان ،وافق ماو على دفع األمريكيين واإلنجليز من الصين
والتعاون مع الجيش الياباني الجديد.
في األساس ،كانت اليابان والصين تعمالن لتحقيق نفس الھدف .ويبدو من الطبيعي أن تكون قد
شكلت تحالفا .وبدأنا نتحدث عن ذلك باسم "رابطة الرخاء المشترك لشرق آسيا" ،وافترضنا أن
مانشوكو كانت أيضا عضوا نشطا ،وأسھمت بشكل مادي في مجال تصنيع األسلحة.
"ال "،أجبت .واضاف "اعتقد ان الجزء الشرقي من سيبيريا قد انشق عن االتحاد السوفياتي
وانضم الى الرابطة".
"لما ال؟ يجب أن أرى أن األمر سيكون مسألة وقت فقط حتى الروس البيض في شرق سيبيريا
سوف يتمردون ضد اإللحاد الشيوعي وينفصلوا عن االتحاد السوفيتي".
"اذن انت تعتقد أنه قد يكون ھناك" جمھورية سيبيريا مسيحية مستقلة "؟ ربما كنت على حق،
فإنه يجعل قدرا كبيرا من المعنى .ماذا عن المناطق الجنوبية؟"
"ال شك انه تم تحرير جافا وسومطرة من ھولندا .وأتصور أنھم ينتمون إلى الرابطة أيضا".
وأذكر أن أكثر من عشرين من زمالئي الطالب في فوتاماتا قد أرسلوا إلى جاوه لقيادة القوات
الجاوية ھناك في حرب العصابات.
"أعتقد أنھا مستقلة عن إنجلترا اآلن ،وأن شاندرا بوس ھو الرئيس ،أو رئيس وزراء ،أيا كان
رئيس البالد يسمى .ال أستطيع أن اقرر ما إذا كانت الھند تنتمي إلى الرابطة أم ال .ما رأيك؟"
"حسنا ،تخميني ھو أنھا على األقل دولة ودية .وقد ال تزال استراليا قائمة ،ولكن ال ينبغي أن
تكون طويلة جدا قبل أن ينضم إلينا االستراليون أيضا .على أي حال ،ھذا يترك لنا مع سيبيريا
الشرقية ،مانشوكو ،الصين ،جافا وسومطرة كل في الرابطة ودعم اليابان في الحرب ضد
أمريكا وإنجلترا .والسؤال الكبير ھو متى ستفصل الفلبين عن أمريكا وتنضم إلى جانبنا؟"
كما وضعنا نظرية حول تنظيم المؤسسة العسكرية اليابانية الجديدة .شعرنا أنه في األساس ال
يمكن أن تكون مختلفة جدا عن القديم .يجب أن يكون ھناك تقسيم إلى الجيش البري والبحرية
والقوات الجوية ،وبالتأكيد سيكون ھناك خدمة سرية .كان من المفترض أيضا أن سلسلة القيادة
ھي نفسھا كما كانت ،وأننا أنفسنا تحت قيادة المنظمة الجديدة .ويجب أن يكون الجيش الجديد
أيضا مصدر الرسائل المزورة التي ترسل أحيانا إلى لوبانغ.والفرق الرئيسي ،بقدر ما يمكن أن
نرى ،ھو أن نظام التجنيد قد حل محله نظام تطوع.
في فوتاماتا قيل لي أن إقامة منطقة الرخاء المشترك في شرق آسيا ،بما في ذلك جنوب شرق
آسيا ،وربما تحتاج إلى مائة سنة من الحرب .حرب مائة سنة ستردي أي دولة الى الحضيض
في اليابان ،حيث كان الجيش والشعب يقاتالن كأحدھما ،فإن اآلثار ستكون أكثر خطورة .إذا
حاولنا القتال لمدة مائة عام على الطريقة التي كنا نكافح في عام ،١٩٤٤فقد ينتھي مع انتصار
عسكري .ومع ذلك ،في ذلك الوقت ،لن يكون الناس فقط قد استنفذوا روحيا فقط ولكنھم نزلوا
الى حضيض فقر مدقع .
وبسبب ھذا ،اعتبرت أنه من المرجح أن اليابان تحولت إلى نظام جديد حيث يقاتل الجنود على
الجبھة العسكرية ،ولكن المدنيين فقط على الجبھة االقتصادية .ومن المؤكد أن نفقات الحرب
يجب أن تغطيھا الضرائب.وكلما فكرت في ھذا ،كلما قررت أنھا كانت السياسة األكثر واقعية
إلتقان مجال االزدھار المشترك.
واذا كانت الحرب بين الواليات المتحدة ورابطة الرخاء المشترك تتم على ھذا االساس فان
المدنيين فى المنطقتين سوف يتنافسون مع بعضھم البعض فى المجال االقتصادى .ومن الواضح
أن الجانب الذي كان يفوز في الحرب االقتصادية يكون قادرا على دفع المزيد من الضرائب
لحكومته ،األمر الذي يعني المزيد من المال لألغراض العسكرية .وبالتالي فإن ھذه الحكومة
ستحصل تدريجيا على الميزة العسكرية.
وباختصار ،بدا لي أن رابطة الرخاء المشترك ،تحت قيادة اليابان ،يجب أن تظل مشاركة في
حرب اقتصادية وعسكرية شاملة ضد أمريكا ،ولكن في الوقت نفسه كانت الشؤون االقتصادية
والشؤون العسكرية منفصلة .عندما ناقشت كوزوكا المسألة معا ،وصلنا دائما إلى ھذا االستنتاج،
وتم تعزيزه فقط من خالل أجزاء من األخبار التي التقطناھا في لوبانغ في السنوات الالحقة .ھذا
كان استنتاجنا ،وتدريجيا أصبح عقيدتنا.
"سألني كوزوكا " :إذا كنا على حق في كل ھذا،فنحن نكافح من أجل من ؟"
"من اجل لليابان والشعب الياباني ،بالطبع "،أجبت دون تردد" .يجب أن يكون الجيش الجديد قد
تولى كل سلطة الجيش القديم .واذا كنا نقاتل من اجل الجيش الجديد فاننا ما زلنا نقاتل من اجل
البالد".
قد يعتقد البعض أنه من الغريب أنه حتى بعد الخروج من األمور لمدة خمسة عشر عاما ،كان
بإمكاني أن أحلم بفكرة الحرب التي كانت فيھا األنشطة العسكرية والمدنية منفصلة ،وھي حرب
تنافس فيھا المدنيون اليابانيون واألمريكيون في المجال االقتصادي في حين أن الجنود اليابانيين
واألمريكيين يتقاتلون على الجبھة العسكرية.
غير أن الفكرة لم تكن غريبة جدا بالنسبة لي في ذلك الوقت .بعد كل شيء ،عندما كنت في
ھانكو أعمل لشركة تجارية كان أخي تاداو ھناك أيضا ،وكان يقاتل ضد الجيش الصيني .في
تلك األيام ،إذا خرج واحد حتى بقدر ضواحي ھانكو ،فانه يصبح في منطقة خطرة ،وأتذكر
سماع إطالق النار عندما قمت بجوالت على موردينا في تلك المناطق .وفي داخل المدينة ،كان
الصينيون يسيرون بھدوء الى أعمالھم. ،كلما عاد أخي من كامابين ،كنا نخرج لتناول عشاء
كبير في أحد المطاعم الصينية .في ھانكو عشت جنبا إلى جنب مع الصينيين وعملت معھم؛ لم
يول أحد منا اھتماما كبيرا بالحرب الجارية حولنا .لم يقل لي أحد أن ھناك أي شيء غير عادي
حول كل ھذا .اخذت ھذا في االعتبار بطبيعة الحال.
لو كانت فرق البحث التي جاءت إلى لوبانج قد تركت لنا طبعات ذات حجم أقل من جميع
الموضوعات الجديدة بين عامي ١٩٤٤و ،١٩٥٩فإننا ربما ندرك أن الحرب قد انتھت ،وأننا
كنا نضيع حياتنا .ولكني علمت أن الحرب قد تستمر مائة سنة ،وكنت قد تلقيت أوامر خاصة
مباشرة من فريق ،أكد لي أن الجيش الياباني سيأتي في نھاية المطاف ،بغض النظر عن المدة
التي قد يستغرقھا .لم أكن قادرا على اتخاذ الصحف اليابانية عام ١٩٥٩على القيمة
االسمية .كنت متأكدا منذ البداية من أنھم كانوا جزءا من خداع أمريكي ،وكنت أكثر استعدادا
لرفض أي شيء لم يتناسب مع تصوراتي المسبقة .وعالوة على ذلك ،تذكرت بوضوح األيام في
ھانكو عندما كان الشعب والجنود أمرين مختلفين تماما.
لم نعرف شيئا على اإلطالق من االحتالل بعد الحرب في اليابان أو معاھدة سان
فرانسيسكو .عندما وصلنا إلى بنود في الصحف التي تبدو غير قابلة للتفسير لنا" ،ترجمناھا إلى
أفكار يمكن أن نفھمھا .لقد قررنا على سبيل المثال أن "القواعد األمريكية في اليابان" تعني حقا
قواعد "قواعد الرخاء المشترك في اليابان" ،وأن "الصواريخ السوفياتية" كانت "صواريخ
يابانية" .كنا نظن أننا نشھد محاوالت أمريكية لخداعنا عن طريق تغيير المقاالت اإلخبارية
األصلية.
ھذا يبدوا سخيفا اليوم ،عندما قرأنا عن معاھدة األمن بين اليابان والواليات المتحدة ،قررنا أنه
يجب أن يكون بعض االتفاق بين الحكومة اليابانية والمؤسسة العسكرية اليابانية الجديدة .ويبدو
أن قوات الدفاع الذاتي كانت قوات مسلحة منفصلة عن الجيش الجديد.
ومن المفھوم أن صحف عام ١٩٥٩أعطتنا القليل من األدلة حول كيفية تحديد حرب القتال .لم
يكن بوسعنا إال أن نخمن بأن القوات المتعارضة تقاتل اآلن في المحيط الھادئ ،وأنه في مرحلة
ما ،سيفوز الجانب الذي يبقى له اكثر البوارج والطائرات .وھذا جعلنا نشعر أنه كلما استطعنا
أن نستمر في لوبانغ ،كلما كان ذلك أكثر فائدة بالنسبة لجانبنا .وكنا نعتقد أن اإلسھام في إقامة
منطقة الرخاء المشترك في شرق آسيا راسخا.
وباختصار ،عملت مع معرفتي المحدودة من االقتصاد وذاكرتي للحالة في ھانكو قبل أن ادخل
الجيش ،لقد شيدت عالما ً وھميا ً من شأنه أن يصلح مع اليمين الذي كنت قد اقسمته قبل خمسة
عشر عاما .خالل السنوات الخمس عشرة التالية ،كان ھذا العالم الخيالي ال يتزعزع سواء مات
كوزوكا أو وصل العديد من فرق البحث اليابانية .بقي ھذا الوھم معي حتى اليوم الذي فيه
أعطاني الرائد تانيغوتشي االمر العسكري النھائي .في األيام التي كنت فيھا وحيدا تماما ،بدا
أكثر واقعية من ذي قبل .لھذا السبب كنت غير قادر نفسيا على االستجابة حتى عندما رأيت
أفراد عائلتي وسمعتھم يدعونني لم أكن أفھم أن عالمي لم يكن أكثر من مجرد شكل من خيالي،
حتى بعد ان عدت إلى اليابان ونظرت من نافذة فندقي الى شوارع طوكيو.
عندما رأيت أخيرا تلك اآلالف من السيارات في طوكيو ،تتحرك على طول الشوارع ورايت
القطارات السريعة المرتفعة دون أي عالمة على الحرب في أي مكان ،لمت نفسي .لمدة ثالثين
عاما على لوبانغ كنت اصقل بندقيي كل يوم .لماذا؟ لمدة ثالثين عاما كنت اظن اني اخدم
لبلدي ،ولكن الظاھر اآلن اني قد سببت الكثير من المتاعب لكثير من الناس.
ما زلت أتذكر عددا من البنود التي قرأت في صحف . ١٩٥٩من بينھا ،تلك التي ضربت لي
أكثر كان اإلعالن عن كتاب يسمى نينغن ياماشيتا توموبومي"( توموبومي ياماشيتا،
الرجل ").وجاء في اإلعالن" :لماذا لم ينجح ياماشيتا ،الذي كان أعظم جنرال ياباني ،في
الحرب؟ ھل تم تقويضه من قبل الجنرال توجو ؟ ھل تكبد غضب اإلمبراطور؟ وھنا قصة
المغرمون بالروح العسكرية -وھي قصة قد تكون بعنوان" الجنرال المأساوي".
لقد راينا أن ھذا كان دعاية امريكية .لم يكن أي منا يعتقد أن ھناك كلمة حقيقة في ذلك .وكان
الجنرال ياماشيتا قائدا لجيش المنطقة الرابع عشر ،الذي ننتمي إليه ،وكانت فكرة أنه أعدم لدوره
في الحرب منافية للعقل.
قلت لكوزوكا" :إذا شعر األميركيون أنه من الضروري إحباط شخصية الجنرال ياماشيتا
الشخصية ،يجب أن يخافوا منه حقا"!
وھناك مقال آخر أتذكره بوضوح في مجلة أسبوعية .كان عنى ،وكان عنوان "بعثة سرية الى
لوبانغ :ماذا امرت مدرسة ناكانو المالزم أونودا أن يفعل؟" كان ھناك سرد كيف شيجيتشي
ياماموتو ،الذي عاد إلى اليابان في عام ،١٩٥٥قد حضر الى مدرسة فوتاماتا معي وأمرني
بإجراء حرب العصابات على ميندورو في نفس الوقت الذي كنت قد تلقيت أوامر للذھاب إلى
لوبانغ .كانت المادة معنية في معظمھا بتاريخ مدرسة ناكانو .وقالت إنه بما أن أحدا لم يكن
متأكدا تماما من الذي أصدر طلبي ،فقد بدأ الناس الذين كانوا في السابق مرتبطين بالمدرسة
بالنظر في المسألة.
جعلتني ھذه المادة أضحك .لقد اعجبت بالدقة التي شكلت خدمتنا السرية ھذه "رسالة وھمية".
كان من الواضح أن ھناك حاجة ليشرحوا لي تاريخ مدرسة ناكانو ،والخدمة السرية نفسھا
عرفت أفضل من أي شخص آخر من الذي أعطاني أوامري .كان كل شيء قد وضع لرسلة
مخفية تقول الرسالة" ،اثبت يا أونودا ! لم ننسك".
وكان ھذا ھو تأثير الصحف والمجالت التي تركھا فريق البحث من عام .١٩٥٩بحلول ذلك
الوقت ،وضعت وكوزوكا الكثير من األفكار الثابتة ولم نتمكن من فھم أي شيء ال يتفق
معھا .إذا كان ھناك أي شيء ال يصلح معھا فسرنا ه على أنه يعني ما أردنا أن يعني.
لقد اخذت كل ھذه المجالت والصحف .وأعتزمت تقديمھا مع تقريري الرسمي عندما استعيد
أخيرا االتصال بمقر الفرقة.
الحياة في الغابة
لو كان الزي العسكري مصنوعا من نسيج الحريرالصوفي فان الحياة ستكون اسھل لنا بكثير
.لقد كانت مالبسنا تتحلل دائما .وخالل موسم األمطار في لوبانغ ،غالبا ما يستمر ھطول
االمطار بغزارة عدة أيام متتاليية .كان تحلل زينا-الذي كنا نرتديه في كل وقت -اسرع من
االھتراء والتمزق
تتحلل السراويل أوال في الركبتين والمقعدة ،ثم في القيعان وفي المنشعب ،و في المراحل
األخيرة ،لم يبق اال ظھور الساقين .يبدأ تحلل السترات في المرفقين ثم الظھر .الجزء األمامي
عادة ما كان افضل من البقية.
لتصحيح الثقوب ،كان علينا أن نصنع إبرة .لقد وجدت بعض أسالك الشبكات في مكان ما،
وتمكنا من اعداد قطعة مستقيمة من السلك ،تشحذ في نھاية واحدة ،وجعلنا العين في الناحية
اآلخرى .بالنسبة للخيط ،استخدمنا ألياف نبات الھيمبليك الذي ينمو طبيعيا في الغابات .سنخيط
ھذا عموديا ،أفقيا و وحوالى الحفرة ،وأحيانا نستخدم طبقتين لتأثير مبطن.
في السنوات الثالث أو األربع األولى ،عندما كنا بحاجة إلى رقع ،قطعنا قطع من قماش على
حواف خيامنا ،ولكن ھذا يمكن أن يتم فقط حتى اآلن .وبعد ذلك "طلبنا" ما كنا نحتاج إليه من
سكان الجزر ألن الفرصة قدمت نفسھا.
ھذا لم يزعج ضمائرنا .فمن الطبيعي في حرب العصابات محاولة للحصول على البنادق
والذخائر والغذاء والمالبس وغيرھا من اإلمدادات من العدو .وبما أن سكان الجزيرة كانوا
يساعدون فرق عمل العدو التي جاءت للبحث عنا ،فقد اعتبرناھم أعداء أيضا.
في السنوات األولى ،كان الزي الذي يرتديه سكان الجزيرة من قميص القنب المنسوج يدويا
والسراويل القطنية الى الركبة ،أي منھا ال يصلح لنا .كان لدى سكان الجزيرة جلد كثيف،
ويعيشون في السھول ،وھذا ال يتطلب سوى مالبس خفيفة جدا – ال تصلح للبقاءعلى قيد
الحياة لفترة طويلة جدا في الغابة التي كنا دائما تتحرك فيھا
و "غنيمة الحرب" التي ثمناھا ھي المعدات التي تركتھا القوات األمريكية المغادره وراءھا .كما
قام سكان الجزيرة بتقدير ھذا األمر واحتفظوا به في المقصورة التي كانوا يحرسونھا عن كثب،
ولكن أحيانا كنا نخيفھم بإطالق النار وناخذ بعض السلع التي تشمل العلب الحافظة والخيام
واألحذية والبطانيات وما شابه ذلك .أعتقد أنه كان حوالي ١٩٥١أو ١٩٥٢عندما حصلنا أوال
على القماش المصنوع من القطن.
و قبعات القماش اليابانية مع اللوحات المعلقة في الظھر خدمت حوالي عام .كان لي غطاء
راس ضباطي مصنوع من الصوف والحرير ،ولكن بعد حوالي ثالث سنوات .تحلل ومنذ ذلك
الحين ،كنت اصنع قبعتي الخاصة .كانت ھناك أغنية الحرب التي بدأت" ،حتى لو تجمدت
قبعتي " . . .لقد غيرنا ھذا إلى" حتى لو تحللت قبعتي . . ".
كانت المالبس التي خرجت بھا من الغابة بعض التي كنت قد جددتھا بعد وفاة كوزوكا .وقد تم
صنع الجزء األمامي والخلفي من ستراتي من بطانة سترات سكان الجزيرة ،واألكمام من
سراويلھم .لم تكن أرجل السروال في الجزيرة كبيرة بما فيه الكفاية لتصل الى الكتف ،ولكن
نظرا ألنھا كانت طويلة جدا ،كان ھناك ما يكفي من المواد اإلضافية للخروج من الكتفين .عندما
اصنع بنطاال جديدة لنفسي ،كنت اعزز الركبتين والمقعدة ببقايا السراويل القديمة.
كنا في كثير من األحيان نحتاج الى عبور جداول ،والحفاظ على من عدم ابتالل مالبسنا
جعلنا سراويلنا الى ما تحت الركبة بقليل ،شيء مثل سراويل ركوب الخيل .ركبنا السحابات
،التي جاءت إلينا كجزء من غنائم الحرب .كنا نترك السحابات مفتوحة للسماح للھواء
بالمرور ،وونغلقھا فقط عندما النوم .
القماش والمالبس مأخوذة من سكان الجزيرة قدمت المواد لمالبسنا .عندما التمويه كان
ضروريا ،كنا نقلب السترات ونضع اغصانا صغيرة والعصي أو أوراق في حلقات مصنوعة
من خيطان صيد السمك لھذا الغرض.
لصنع الصنادل ،جعلنا القطع السفلية من اإلطارات ،و "األشرطة" من أنابيب اإلطارات،
ونضم اثنين جنبا إلى جنب بوساطة أوتاد .تم استخدام األجزاء العليا من األحذية مرارا
وتكرارا ،ولكن تم استبدال باطن باستخدام باطن أحذية رياضية لسكان الجزيرة خيطان النايلون
كانت األفضل لخياطتھما معا.
نحن ننام في مالبسنا ،وبطبيعة الحال ،وإذا وضعنا جيوب السترة على الصدر فانھا سنثقلنا
وتمنعنا من النوم .ولذلك وضعنا ھذه الجيو ب على ارتفاع أقل من جيب القميص العادي .كان
ھناك أيضا سحاب .وبما أننا كنا دائما نمشي تحت فروع األشجار التي تنحى على أكتافنا ،فقد
عززنا أكتافنا.
وقد صنعت األحذية التي خرجت بھا من الغابة من جلد األحذية الحقيقي من اعلى األحذية
القديمة والنعال المطاطية من أحذية رياضية لسكان الجزيرة .وخيطتھا بوساطة خيط النايلون
السميك المخصص لصيد السمك .خالل السنوات األولى ،كنت كثيرا ما ارتدي صنادل القش.
حوالي ١٩٦٥ظھرت أقمشة اصطناعية في لوبانغ ،ونحن بامتنان قبلنا عددا من المواد من
المالبس المصنوعة منھا .كنا سعداء أيضا من ظھور بالستيك الفينيل ،الذي كان مفيدا لمالبس
المطر وللف بنادقنا.
" يجب أن يكونونوا قد اخترعوا ھذه االشياء لنا فقط " ،قال كوزوكا ضاحكا
وكان غذاءنا الرئيسي ھو الموز كنا نقطع الجذع فقط ،ثم نقسم الباقي الى شرائح بسمك ربع
بوصة تقريبا ،ثم نغسلھا جيدا في الماء .وبھذه الطريقة يفقد الموز األخضر الكثير من
المرارة .ثم نغليھا مع اللحوم المجففة في حليب جوز الھند .المذاق الناتج مثل البطاطس الحلوة
المطبوخة كثيرا .لم يكن جيدا .لكننا تناولنا ھذا في اغلب االوقات
الفئران في لوبانغ ،يصل طولھا حوالي ثماني بوصات ،عدا الذيل ،وتتناول فقط لب الموز،
بجانب الموز جاء أھم غذائنا من األبقار التي اسيمت لترعي .في عام ١٩٤٥كان ھناك حوالي
ألفي بقرة في الجزيرة ،ولكن العدد انخفض تدريجيا إلى درجة انه اصبح من الصعب العثور
على بقرة سمينة .ومع ذلك ،فان ثالثة بقرات في السنة كافية لتوفير اللحوم لرجل واحد.
عندما لم نتمكن من العثور على األبقار ،اصطادنا جاموس المياه والخيول .على الرغم من أن
الجاموس كبيرة الحجم وتعطي قدرا كبيرا من اللحوم ،فإن طعمھا ليس جيدا جدا .لحوم
الخيول ذات نكھة قوية وطعمھا ليس جيدا مثل البقر
كان من األسھل العثور على األبقار في موسم األمطار .عندما يحصد سكان لوبانغ األرز ،فإنھم
يتركون حوالي تسعة إلى اثني عشر بوصة من الساق لترعاھا األبقار .عند استھالك سيقان
األرز ،يتم ترك األبقار لترعى بحرية عند سفح الجبال حيث العشب ،الذي ينمو أفضل في
موسم األمطار .األبقار تمشي تدريجيا خالل التالل نحو الغابة ،وكانھا تقول" :نحن ھنا .تعالوا
واطلقوا النار علينا" .
وعادة ما ترعى االبقار في قطعان من حوالي خمسة عشر .كنا نختار واحدة منھا ونطلق عليھا
النار من مسافة حوالي ثمانين ياردة ،نھدف بحيث تدخل الرصاصة تحت العمود الفقري
وتذھب من خالل القلب .وكان وقت قتل البقرة في المساء ،بعد أن يعود سكان الجزيرة إلى
ديارھم من الحقول .يكون الجو مظلما تقريبا ،وإذا كان ھناك أمطار ،فانھا تكتم صوت
اطالق النار حتى ال يسمعھا المزارعون .
إذا ضربنا بقرة ،فان سائر البقر يھرب ،خوفا من النار .عادة عندما نفترب من البقرة نجدھا
قد سقطت وال تزال لديھا حياة كافية لتحريك ساقيھا نقوم بذبحھا الستنزاف الدم.
البقرة تسقط عادة على جنبھا ،والخطوة األولى في اعداد الحيوانات ھي قطع االساقين من
الجانب العلوي .ثم نقوم بسحب الجلد الى أسفل منتصف البطن وشريط من الجلد إلى العمود
الفقري .بعد قطع اللحم في كتل ،نحول الحيوان ونكررالعملية على الجانب اآلخر .وأخيرا ،ناخذ
القلب ،والكبد والبنكرياس ،وغيرھا من االجزاء الداخلية ونضعھا في كيس .يستغرق األمر منا
حوالي ساعة واحدة لتقطيع بقرة واحدة.
إذا تركنا بقايا الذبيحة كما كانت ،فإن المطر والغراب سوف يحولھا إلى ھيكل عظمي ،ولكن
البقايا سوف تدل العدو علينا كنا .لذلك بعد أن نقطع البقرة ،ننقل الذبيحة على طول الطريق
الجبلي إلى أبعد نقطة ممكنة .و يتم ذلك في الليل ،بطبيعة الحال .كان العمل ثقيال حقا ،ألن علينا
أن نحمل كل اللحوم على ظھورنا في نفس الوقت.
في األيام الثالثة األولى ،يكون لدينا اللحوم الطازجة ،مشوية أو مطھية ،مرتين في
اليوم .ويفترض أنه بسبب المحتوى العالي من السعرات الحرارية للحوم ،فانه كما أكلت،
ارتفعت درجة حرارة جسدي حتى شعرت بالسخونة إلى باطن قدمي .كان من الصعب أن اتنفس
عند المشي ويستحيل تسلق شجرة .رأسي دائما يشعر بالعطش قليال.
لقد وجدت أنه إذا شربت الحليب من جوز الھند االخضر كبديل الخضار عند أكل اللحوم ،فان
درجة حرارة الجسم تعود تقريبا إلى وضعھا الطبيعي.
في اليوم الرابع نكدس أكبر قدر ممكن من اللحوم في وعاء ونغليھا .عن طريق غليھا بداية
مرة واحدة كل يوم ،ثم مرة كل يوم ونصف او يومين بعد ذلك ،لنحافظ عليه من الفساد،
وتبقى النكھة لمدة أسبوع أو عشرة أيام .نأكل خاللھا اللحوم المسلوقة ،ونجفف ما بقي
لالستھالك في المستقبل .سمينا ھذا اللحم المجفف "لحم البقر المدخن".
إلعداد لحم البقر المدخن ،قمنا أوال ببناء إطار مثل إطار الطاولة .ثم وضعنا اللحم على
العصي الطويلة ،ووضعنا أسياخا عبر اإلطار ،ونوقد النار تحت .و يجب القيام بھذا ليال في
المناطق الداخلية من الغابة؛ وإال فإن سكان الجزر قد يشاھدون الدخان أو اللھب .في الليلة
األولى ،تبقي النار مشتعلة طوال الليل ،وذلك ليتصلب خارج اللحم قليال دون التسبب في
تقلص .بعد ذلك ،قمنا تدريجيا بزيادة حرارة النار وطھي اللحم حوالي ساعتين في الليل لمدة
عشر ليال .بحلول ذلك الوقت تكون قد جفت تماما .الكبد وغيرھا من االعضاء الداخلية والتي
نكون قد غليناھا اوال تكون قد جفت ايضا .
عندما نطلق النار على بقرة ،نقطع اللحم ،ونحرفه وننجفه على نار في الليل وخالل األيام
العشرة الالزمة لذلك ،نأكل لحوم البقر المسلوق.
قطع من لحم البقر تم طھيھا على قطع من الخشب والكبد وغيرھا في إناء طھي يتم غلي قطع
صغيرة من اللحم في وعاء حتى يتبخر الما ولمنعھا من التعفن ،تسخن كل يوم.
من بقرة واحدة ،يمكننا أن نجعل حوالي ٢٥٠شرائح من لحم البقر المدخن .من خالل تناول
شريحة واحدة فقط كل يوم ،يمكننا أن نجعل من اللحوم تستمر لمدة أربعة أشھر تقريبا .لم يكن
العمل دائما بھذه الطريقة ،ومع ذلك ،ألنه عندما كنا نتحرك كثيرا لالبتعاد عن طرق فرق
البحث ،نسمح ألنفسنا بشريحتين في اليوم.
لم نأكل األرز كثيرا ،ألنه كان ھناك الكثير من المتاعب لتقشيره .في تشرين األول /أكتوبر
وتشرين الثاني /نوفمبر ،عندما يحصد سكان الجزر األرز ،نأخذ بعضا منھا .بعد قصفھا نقوم
بفصلھا بوساطة غربال من القش ،األرز غير المصقول واألرز نصف مصقول .كل من األرز
الدبق واألرز غير الدبق تنمو في لوبانغ .األرز غير الدبق يختلف اختالفا كبيرا في
الجودة .قمنا بتصنيفھا إلى أربع درجات ،والتي أطلقنا عليھا "األرز ،األرز" الشعير " ،األرز"
الدخن "واألعالف ".كان أرز العلف أسود جدا والحبوب صغيرة جدا لدرجة أننا واجھنا صعوبة
في التفكير فيھا كأرز .عندما أكلنا األرز ،جعلنا الحساء معه .من اللحوم المجففة وأوراق البابايا
والباذنجان أو البطاطا الحلوة ،مع الملح والفلفل المسحوق .أحيانا جعلنا عصيدة مع األرز
واللحوم المجففة.
أطلقنا على الملح "الدواء السحري" .في األيام التي كنا فيھا أربعة ،كان علينا أن نحصل فقط
على حوالي ربع جالون في السنة .في كثير من االحيان يقول الطباخ " :انھا باردة اليوم ،لذلك
سوف أضع في القليل من الدواء السحري" .وبعد ذلك يضع قرصة صغيرة جدا .ولكن تحسن
النكھة كثيرا.
في البداية كان لدينا فقط الملح البحري النقي الذي وجدناه على الشاطئ الجنوبي .في وقت
الحق ،بعد وفاة شيمادا اصبحنا أكثر عدوانية وغنمنا الملح من سكان الجزيرة في لوك
وتيليك ،ولكننا لم نأخذ أكثر من حاجتنا ،وبعد عام ١٩٥٩تمكنا من الحصول على القھوة
وبعض السلع المعلبة من منازل سكان الجزر .قمنا بغارات التسلل للحصول على ھذه األشياء
الثمينة وسميناھا " غارات المساء".
كان الحفاظ على األرز من التعفن صعبا ،وخاصة خالل موسم األمطار .وضعناھا في أكياس
بالستيكية ،ثم وضعت ھذه في علب خمسة جالون مختومة مع البالستيك والنفط .الن النمل كان
مشكلة ثابتة ،وضعنا العلب بعيدا عن األرض على مثلثات القصدير.
فاكھة النانكا لديھا جلد صوفي ونواة صلبة تحيط بھا األجزاء الصالحة لألكل ،و طعمھا حلو .
جوز الھند قدمت باالضافة إلى الكوبرا والحليب األلياف التي كنا ننظف أسناننا بھا .تسخين
الحليب يؤدي الى رواسب ،ھذه كانت تغلي بالماء لصنع الحساء.
خالل الثالثين عاما في لوبانغ ،كان الشيء الوحيد المتوافر دائما ھو الماء .كانت الجداول في
الجزيرة كلھا تقريبا صافية بحيث يمكنك أن ترى القاع .وكانت المشكلة الوحيدة في األبقار
والخيول التي اسيمت .كانت تشرب المياه من اتجاه المنبع ثم تغسل نفسھا في الماء .لھذا
السبب ،نحن دائما نغلي الماء قبل شربه ،حتى لو كان يبدو تماما صافيا .
لم يكن لدينا طبيب وال دواء ،لذلك كنا حريصين جدا على إبقاء العين مفتوحة على حالتنا
الصحية .شاھدنا االختالفات في وزننا من خالل قياس حجم المعصمين لدينا .فحصنا أيضا
البراز الخاص بنا للحصول على عالمات االضطرابات الداخلية.
كنت أنحف قبل أن ينشق أكاتسو بسبب االستياء و نقص التغذية ،خالل ھذه المرحلة ،اختفى
بياض أظافري باستثناء شريط صغير على إبھامي.
لقد فحصت البراز كل يوم لمعرفة الكمية ،وكم كان صعبا ،وكيف كانت القطع كبيرة .إذا كانت
القطع كبيرة جدا ،فھذا يعني أن معدتي لم تكن تعمل بشكل صحيح .إذا كان البراز لين فھذا يعني
ان األمعاء ال تمتص بما فيه الكفاية.
إذا كان ھناك شيء خاطئ ،كان علي أن اقرر السبب سواء كان الطقس ،او ان الطعام الذي
كنت قد أكلته ليس جيدا ،أو ألن جسدي لم يكن في حاالة جيدة .في كل مرة حدث شيء خاطئ ،
فكرت مرة أخرى اذا ما كنت قد أكلت في اليوم السابق ،وكيف كان الطقس ،وكم كنت قد
اجھدت نفسي و بعد أن قرر السبب اعدل نظامي الغذائي وأنشطتي وفقا لذلك.
أكلنا إلى حد كبير نفس الكمية كل يوم ،ولكن كان ھناك بعض االختالف ،لمجرد أن بعض
الموز عصيري والبعض اآلخر جاف .أيضا ،بما أن الموز الناضج الجيد لم يكن متوفرا دائما،
كان علينا أن نتعامل مع الموز األخضر في كثير من االوقت .حاولنا ضبط طريقة الطھي على
جودة الطعام ،ثم نحكم على تأثيرھا الداخلي عن طريق فحص نفاياتنا .أتذكر مرة قررنا عدم
االنتقال إلى بقعة معينة حتى يكون الطقس أكثر برودة ،ألن آخر مرة قضيت فيھا بعض الوقت
ھناك في الطقس الحار ،كنت قد نزلت مع اإلسھال .كانت ھناك أماكن أخرى لم نتمكن من البقاء
فيھا كثيرا ألن الرياح الباردة كثيرة في الليل .وعندما حدث ذلك ،عانينا دائما من عسر الھضم.
عندما كنا في مكان حارا جدا ،تحول البول إلى اللون األصفر ،وإذا أجھدنا أنفسنا ،أصبح يميل
للحمرة اكثر من االصفرة .كان ھذا تحذيرا لنخفف عن انفسنا .
كلما استقررنا في مكان ،قمنا بحفر مرحاض ،ونترك التربة بجانبه لتغطية ذلك عند
انتقالنا .عمق الثقب يعتمد على المدة التي خططنا للبقاء فيھا .بينما كنا معسكر ،غطينا المرحاض
بالحجارة .عندما غادرنا ،شغلناھا باألوساخ واألوراق المتناثرة فوقھا .خالل سنواتنا الثمانية
عشر معا ،قضيت وكوزوكا قدرا كبيرا من الوقت في حفر وتغطية المراحيض.
لم يكن لدينا ورق التواليت ،استخدمنا أوراق النخيل بدال من ذلك .مرة واحدة وجد شيمادا بعض
الورق في مكان ما ،ولكن عندما بدأ استخدامه ،قال كوزوكا " :يوجد ما يكفي لمرتين أو ثالث
ثم سيكون عليك العودة إلى أوراق النخيل لماذا تھتم؟"
عندما وجدنا منشورات اسقطھا العدو ،نحفظ واحد منھا ونترك الباقي حيث كان ،النھا كلھا
نفس الشيء .ال يمكن استخدامھا لبدء النار النھا تطلق الكثير من الدخان ..وكنا نخشى
استخدامھا حتى لتنظيف أنوفنا ،ألن قطعة واحدة من الورق المتسخ قد تقود العدو لنا.
وكثيرا ما عثرنا على رسوم متحركة أو صور عارية للنساء في الجبال لم تتركھا فرق البحث،
ولكنھا توزع عمدا من قبل سكان الجزيرة .أعتقد أنھم يعتقدون أننا سوف يميل إلى اخذھا ،لكننا
لم نجرؤ على لمسھا خوفا من الكشف عن موقعنا.
ولحسن الحظ ،لم يكن ھناك أي مالريا في لوبانغ .خالل ثالثين عاما ھناك ،كنت مريضا في
السرير مع حمى مرتين فقط .كوزوكا دعس كعبه على الشوك مرتين .في كل مرة تضخم ساقه
كثيرا ،وما عدا ذلك لم يكن لديه أي مرض.
مايو ھو أكثر الشھور سخونة في لوبانغ .في النھار تصل درجة الحرارة إلى أكثر من ١٠٠
درجة فھرنھايت ،ويتصبب العرق منك حتى لو جلست في الظل ،إذا كان عليك المشي
خمسين ياردة للحصول على الخشب الشعال النار ،فستشعر كما لو انك في حمام من الينابيع
الساخنة.
في يونيو تبدأ الطرطشة ) رذاذ خفيف ( ،ووتاتي فجأة تقريبا كل يوم .ثم في يوليو ،موسم
األمطار الحقيقي -لمدة ساعتين قد يكون المطر كثيرا بحيث ال يمكنك أن ترى ابعد من عشر
ياردات .ھذا يستمر لمدة عشرين يوما ،وأحيانا يرافق المطر رياح شديدة تقرب من اإلعصار.
في آب ھناك ايام أكثر وأكثر صحوا ،ولكن الجو يبدأ في السخونة .في أيلول ليس ھناك
الكثير من الرياح ،ولكن يھطل المطر بغزارة كما ھو الحال في تموز .ھذا يستمر لمدة عشرين
يوما .ثم ھناك سماء زرقاء لمدة يوم أو يومين في وقت واحد على مدى أسبوعين أو ثالثة
أسابيع ،وأخيرا في منتصف تشرين االول تقريبا ينتھي موسم األمطار
من ذلك الحين حتى نيسان المقبل ھو موسم الجفاف .في البداية فإنھا تمطر مرة واحدة أو
مرتين في الشھر .ثم ال يوجد أمطار لعدة أشھر .ابرد الشھور ھو كانون االول وشباط ،ولكن
حتى في ذلك الحين ترتفع الحرارة إلى ٨٥درجة أو نحو ذلك في النھار .الوقت األكثر راحة
في العام ھو مثل اسخن جزء من فصل الصيف في طوكيو .خالل ھذا الموسم فقط ،نرتدى
فنايل تحت ستراتنا.
في موسم الجفاف ،كنا ننظر حول الجزيرة بعناية ونقرر أين سنقضي موسم األمطار
المقبل .وكانت ھناك عدة شروط يتعين الوفاء بھا.
الغذاء والطقس ووالمالبس
مالحظة :التقييمات ھي على مقياس من عشرة ،باستثناء المالبس ،وفي ھذه الحالة يشير ١
مخيط فقط ٢ ،يشير سترة والسراويل ،و ٣يشير سترة والسراويل و المالبس الداخلية.
األول ،بطبيعة الحال ،يجب أن يكون المكان بالقرب من إمدادات الغذاء ).حقول الموز
وبساتين جوز الھند( ويجب أن ال يكون بعيدا جدا عن المكان الذي ترعى فيه األبقار .وفي
الوقت نفسه ،يجب أن تكون بقعة ال يأت إليھا سكان الجزر.
كان أيضا أن يكون مكانا حيث ال يرى سكان القرى المجاورة دخان النار مباشرة ،وقليل من
الضوضاء ال يسمع .يفضل أن يكون ھناك نسيم .وكان اكثر موقع مرغوب على الجانب
الشرقي البارد من الجبل.
لم يكن من السھل العثور على المكان الذي لديه كل المؤھالت ،ومتى وجدنا ذلك ،كان علينا أن
نمر بمرحلة من القلق قبل أن نبنى كوخنا ونستقر فيه .والسبب ھو أن موسم األمطار كان غير
منتظم .بعض السنوات يكون المطر طوال شھر ايار وأخرى تنزل اول قطرة في حزيران
.وإذا بنينا معسكرنا قبل أن يبدأ المطر ،فھناك خطر من أن يكتشفنا سكان الجزر .كان علينا أن
ننتظر حتى نكون متأكدين من أنھم لن يأتوا إلى الجبال.
وكانت الخطوة األولى في بناء البھائي ھي العثور على شجرة كبيرة يمكن أن ترتكز عليھا البنية
بأكملھا .بعد أن نختار الشجرة ،نقوم بتجريدھا من الفروع ،والتي كنا نستخدمھا في بناء
االطار .ثم نضع العوارض الخشبية بشكل مائل ضد سارية الغرفة وتغطى بأوراق جوز الھند
التي يتم طيھا في وقت الحق وإدراجھا بين شرائح من الخيزران ويربط كل شيء بخيوط
العنب
عندما كنا نظن ان موسم األمطار على وشك أن يبدأ ،نذھب إلى المكان الذي اخترناه لمعرفة ما
إذا كان ال يزال صالحا ثم نخيم في مكان قريب حتى يبدأ المطر ،وعند ھذه النقطة سنقوم
بإعداد كوخنا في أسرع وقت ممكن .نسمي ھذا الكوخ باھي ،وھي تعني البيت بلغة التغالوغ .
وقد بنيت الباھاي على األرض المنحدرة قليال ،والجزء العلوي من األرض بمثابة "غرفة النوم".
بالنسبة لألسرة ،وضعنا أوال بضعة فروع شجرة مستقيمة ،ثم تغطى بحصيرة الخيزران
المصنوعة يدويا ،واخيرا نضع عليھا بعض أكياس البط التي اخذناھا من سكان الجزر.
الجزء السفلي من الباھاي كان المطبخ .كان لدينا "موقد" يتكون من العديد من الصخور
المسطحة وضعت معا لتشكيل منصة للحريق بحيث يمكن تعليق الوعاء فوق قطبھا .بجانب
الموقد كانت منطقة محمية حيث يمكننا تخزين الحطب وبنادقنا .كانت جدران الباھي مصنوعة
من أوراق النخيل ،بنفس طريقة السقف ،استطيع مع كوزوكا بناء كوخ في سبع أو ثماني
ساعات بوساطة سكاكين البولو
قبل أن نبدأ ببناء أكواخ من ھذا القبيل في موسم األمطار المبكر ،نمنا في الخيام ،ولكن الرياح
في كثير من األحيان تدفع المطر حتى نكاد نغرق وترتجف اجسامنا .عندما حدث ذلك ،كنا
ندفئ أنفسنا من خالل التغني بأناشيد الجيش باعلى ما نستطيع من صوت .كان ھذا آمنا ،ألن
ضجيج الرياح والمطر يغطي على الضوضاء التي كنا نعملھا .واحدة من األغاني التي غنينا
بدأت مع الكلمات:
كنا باردين جدا في لدرجة ان ھذه االنشودة تبدو مناسبة ،حتى على جزيرتنا الجنوبية الالثلجية.
كان الباھاي أكثر راحة بكثير من الخيام ،ولكن بحلول الوقت الذي يقترب موسم الجفاف يتعفن
السقف بشكل سيئ جدا لدرجة أن قدرا كبيرا من األمطار تتسرب من خالله.
عندما ينتھى موسم األمطار ،نأخذ الباھاي بعيدا وإما ان نحرق القطع أو ننثرھا في
حفرة .ولمزيد من االمان غطيناھا بالطين ونشرنا الفروع واألشجار الساقطة .إذا كدسنا عددا
ال بأس به من الفروع ،فھذا يكفي للتمويه عن سكان الجزر فال يشتبھوا.
نغسل الحجارة بالقرب من الكوخ إلزالة أي زيت أو أوساخ ونغطي األرض حيث كان الكوخ
مع الفروع التي كنا قد ابقيناھا لھذا الغرض .كان من المھم بشكل خاص أن ال يعرف احد
المكان قبل ان ننتقل إلى موقع جديد ،لذلك قمنا بسحب الكروم على الفروع لجعل الوصول
صعبا قدر االمكان دون جعل التمويه واضحا.
عندما كان شيمادا -الذي كان عامال نشطا مع الكثير من القوة -ال يزال على قيد الحياة ،قمنا
ببناء كوخنا في عمق الغابة .بعد وفاته ،استقررنا بالقرب من حافة الغابة .كذلك بسطنا الكوخ
بحيث سيكون من األسھل تفكيكه وإخفائه .في الواقع ،لم يكن ھناك الكثير من المواقع المرضية
التي استوفت أھم شرط ،وھو أن نكون بالقرب من حقل الموز ،وخالل ثالثين عاما كاملة،
استخدمنا نفس األماكن القليلة ثالث أو أربع مرات لكل منھما.
في موسم الجفاف ،نمنا في الخيام أو في العراء .عندما بقينا في العراء ،اخترنا مكانا منحدرا
حوالي ١٠درجات ،نمت مع كوزوكا بالقرب من بعض ولمنع االنزالق إلى أسفل خالل الليل،
وضعنا أمتعتنا أو خشبة تحت أقدامنا .وكانت بنادقنا دائما في متناول اليد .كنا نخلع أحذيتنا عند
النوم ،ولكن خالل ثالثين عاما ،لم أنم ولو مرة واحدة بدون سروال .في الليل ابقى حقيبتي
قريبة مع خمسة باغات معلقة على حزامي دائما
في المراحل المبكرة ،غطينا أنفسنا ليال بالخيام أو مالبسنا .في وقت الحق كنا أحيانا نستخدام
جلود البقر المجففة .في مرحلة ما كان لدينا لحاف صنعناه من قطع من المطاط التي كانت قد
طفت على الشاطئ الجنوبي .إذا امطرت فجأة ونحن نائمين فان ھذا يعني ابتاللنا وترطبنا .لم
يكن ھناك مكان آخر للذھاب .عندما يحدث ھذا ،كنا نبرد ،وفي اليوم التالي تسقط مفاصلي
واصاب باالسھال
كان ھناك كھف كبير في جبل األفعى ،وقد قام سكان الجزر ببناء عدد من المقصورات في
الجبال بالقرب من حقولھم ،لكننا لم نستخدم ھذه المالجئ للوقاية من األمطار المفاجئة ،ألن
ھناك الكثير من خطر اكتشافھا.
يجب أن ترتكز االكواخ على شجرة لمنعھا من الھدم .وتدعم بخمس اعمدة ثم تسقف بأوراق
النخيل المطوية .تم نحفر الخنادق في الطرف األدنى ،الستخدامه كموقد ،وعلى طول الجانبين تم
حفر خندق لصرف المياه .
استخدمنا أكواما صغيرة من جوز الھند للحفاظ على النمل في الخليج حتى ال يدخل الكوخ
عندما ال يوجد مطر كنا ننام على المنحدرات الجبلية حيث كان الميل من عشرة إلى خمسة عشر
درجة .كان من الضروري وضع حقيبة الظھر أو خشبة تحت القدم لمنع االنزالق إلى
أسفل .انختار مكانا مستورا بين الشجيرات أو األشجاروننام بكامل اللباس .
وكان السبب في أننا نام على األرض المنحدرة ببساطة أن بھذه الطريقة ،إذا كنا قد استيقظت
فجأة ،يمكننا أن نرى ما كان حولنا دون ان ننھض في الواقع ،خالل ثالثين عاما كاملة في
لوبانغ ،لم انم ولو مرة واحدة نوما عميقا خالل الليل .عندما كنا ننام على األرض في الھواء
الطلق ،احول جسدي لئال تتخدر اطرافي.
حافظت على نوع من التقويم ،والذي بعد ثالثين عاما كان ستة أيام فقط اقل من التقويم
الحقيقي .كان تقويمي يستند إلى حد كبير على الذاكرة وكمية من الطعام المستھلك ،بالضافة الى
القمر .على سبيل المثال ،إذا اخترت عشرة جوز الھند في أول الشھر ،ونحن نستخدم واحد في
اليوم ،اليوم الذي استخدم آخر واحد سيكون العاشر .بعد إجراء ھذا الحساب ،انظر إلى القمر
وارى ما إذا كان كان الحجم المناسب لذلك اليوم من الشھر.
عندما كانت فرق البحث تبحث عنا ونحن نتحرك كل يوم ،كنت اميل إلى فقدان المسار من
التاريخ .عندما حدث ذلك ،انظر إلى القمر ثم احاول ،بالتشاور مع كوزوكا ،معرفة عدد األيام
التي مرت منذ بعض التاريخ المعروف.
وكان القمر صديقنا في احترام آخر أيضا ،ألننا عادة ننتقل من مخيم إلى آخر في الليل .و كثيرا
ما قال كوزوكا " :القمر ليس على جانب أي شخص ،أليس كذلك؟ وأتمنى أن يكون سكان
الجزيرة على نفس الطريق".
كان لدينا روتين حالقة يساعد في تتبع التاريخ.حيث كنا نحلق رؤوسنا في اليوم الثامن
والعشرين من كل شھر
كل صباح أنظف أسناني بألياف النخيل .بعد غسل وجھي ،عادة ما ادلك الجلد بعشب
البحر .عندما نظفت جسدي ،كنت غالبا اغسل المالبس الداخلية وستراتي في نفس الوقت .وبما
أننا لم نحصل على أي صابون ،فقد كنا نقوم يشطف المالبس في الماء العادي ،ولكن في بعض
األحيان ازيل السخام من الرقبة والظھر من ستراتي بغسول الرماد .أضع الرماد في وعاء
واسكب الماء عليه.عندما يصفو المياهء نقله إلى وعاء مختلف واغمس المالبس في ذلك .كان
علينا أن نكون حذرين لنشر مالبسنا في مكان غير واضح لتجف.
كان ھناك العديد من األنھار الصافية ،ولكن خالل الثالثين عاما أخذت حمام حقيقي فقط في
عندما كنا نقطع البقرة وتتلوث كل اجسامنا بالدم والطين ا .ليس ھناك في الجبال مجرد جدول
فقط .الوديان ھي أيضا الطرق .ما عدا في أضيق الوديان العميقة في الجبال ،كنا نخشى من
خلع المالبس كليا ،حتى في الليل .في النھار ،غسلنا األجزاء العلوية من أجسادنا من خالل
صب الماء فوق بعضنا البعض .في المساء كل منا غسل األجزاء السفلى من جسمه قبل غروب
الشمس مباشرة .لم أكن الفعل شيئا خطيرا جدا كالتجرد تماما.
اھتممنا بصيانة بنادقنا والذخائر كما فعلنا بأنفسنا .صقلنا البنادق بزيت النخيل للحفاظ عليھا من
الصدأ ونظفناھا بدقة كلما سنحت الفرصة.
في الطقس البارد ،يتخثر زيت النخيل لذلك قمنا بمسح البنادق وانتظرنا حتى وقت الحق
لتزيتھا .عندما تترطب البنادق فال ال بد من تفكيكھا تماما وتنظيفھا قطعة قطعة .إذا لم يكن ھناك
وقت لھذا كنا نظفھا ا حراريا وانتظر الطقس العادل .وبما أن التعرض للمياه يميل إلى جعل
األعقاب تتعفن ،فقد اضطررنا أحيانا إلى إزالة الذخائر وونشرالبنادق حيث كان الدخان من
حريقنا يجففھا .وتمتص أعقاب البندقية ورافعاتھا تدريجيا الكثير من زيت النخيل أالى درجة
جذب الفئران ،وخاصة الرافعات ،وعندما نتوقفنا في مكان فيه الكثير من الفئران ،نضطر
لنشر البنادق عاليا بعيدة عن متناول القوارض.
أكثر ازعاجا من الفئران كان النمل .ولن يكون من قبيل المبالغة القول إن القسم الجبلي من
لوبانغ كان من أشد األنخل .كان ھناك العديد من أنواع النمل .بعض منھم يحب األماكن
الرطبة .والبعض اآلخر تزدھر فقط حيث كانت األرض متناثرة تقريبا .أنواع معينة تجمع معا
يترك لتبني أعشاشھا .بالنسبة لنا ،كان أكبر إزعاج ھو نوع من النملة التي تحمل األوساخ .ھذه،
واألكثر عددا من كل شيء ،كانت دائما تزحف إلى بنادقنا وتترك األوساخ .بعض النمل يدخل
برميل البندقية ويودع األوساخ في األجزاء المتحركة .حتى األوساخ القليلة يمكن أن تسبب
فشل البنادق .عندما يظھر النمل ،نعلق البنادق على فرع شجرة.لمنع النمل من الوصول اليھا
نوعين من مصائد الفئران :واحد مصنوع من الخشب؛ فإن الباب يغلق عندما أخذ الطعم
وضعت حقيبة القماش بالقرب من رأسي عندما كنت أنام .كان ھناك صخب عند أخذ الطعم،
فاقوم بإغالقه.وكان الطعم لب جوز الھند .
كان الفخ االيسر لطيور الغابة مثل الدراج .عندما يضع الطائر ساقيه في الدائرة ،يتم سحب
الطرف اآلخر من الحبل
الفخ االيمن :حلقة النحاس الناعمة مرتبطة شجرة في ذروة العنق الحيوان كان فعاال لصيد
الحيوانات البرية.
النمل أيضا سبب لنا الضرر الجسدي .ھناك ما ال يقل عن خمسة أصناف من التي لديھا ابرمثل
النحل .اصبت داخل األذن ،أصبحت طبلة اذني منتفخة بحيث لم أستطع السماع بھا لمدة
أسبوع .نزف الجرح عدة مرات ،واصبت بالحمى.
بمناسبة الحديث عن الالدغات ،ھناك أيضا الكثير من النحل في الجزيرة .أسراب كبيرة منھم
تطير في في منطقة الشجيرات بالقرب من سفح الجبال مثل اللوح الضخم .لقد رأيت أسرابا
عرضھا ثالثون ياردة وطولھا مائة ياردة ،وحلقت جنبا إلى جنب مع "الحراسة من االمام
والخلف وعلى الجانبين .إذا رأيت أحد ھذه األسراب ،فإن الشيء الوحيد الذي يجب القيام به ھو
الھروب للغابات ،أو إذا لم يكن ھناك ما يكفي من الوقت ،نغطي رؤوسنا بخيمة أو مالبس
وننبطح على األرض .إذا تحركنا أدنى حركة ،فإنھا ستھاجمنا .كان علينا أن نتنفس بأقل قدر
ممكن حتى يمرالسرب.
لدغت من ام اربعة واربعين .اذا لدغ شخص على يده فان جسده كله ينتفخ لفترة من
الوقت .وحتى بعد أن يذھب التورم ،يستغرق وقتا طويال للشفاء .كنت قد عضضت على
المعصم األيمن في كانون الثاني /يناير ،١٩٧٤واللدغة لم تلتئم وأنا أكتب ھذه الصفحات بعد
أشھر.
تحت االوراق الساقطة يمكن ان تجد العقارب .عندما كنا ننام في الھواء الطلق ،دائما نطھر
حوالي ثالث ياردات مربعة ،ولكن حتى مع ذلك استيقظت في الصباح عدة مرات وعثرت على
عقرب يختبئ تحت الصخرة التي استخدمتھا كوسادة.
من سكان االغابة غيرالمرغوبين حيونات أخرى من الغابة وتشمل الثعابين الكبيرة مثل فخذ
الرجل.
كل بندقية لديھا المراوغات الخاصة بھا .في البداية بندقية اريساكا ٩٩التي استخدمتھا لمدة
ثالثين عاما اخطأت بمسافة قدم إلى اليمين وتحت عالمة على مسافة ثالثمائة ياردة .بعد وقت
تمكنت من ضبط المناظير بحيث كان الھدف أكثر دقة ،ولكن لم أكن قادرا على تقليل الخطأ إلى
أقل من ثالث أو أربع بوصات.
وكان طول الساق من ھذا السالح حوالي بوصة وربع أقصر من المعتاد ،ألنه في احدى المرات
كان علي إزالة لوحة العقب وقطع بعض الخشب الذي قد تعفن .بعد استبدال الوحة ووضع
مسامير جديدة ،وجدت أن البندقية اصبحت مالءمة لحجمي اكثر من ذي قبل.
في سياق معارك مع قوات العدو أو سكان الجزر ،استولينا على كاربين وبندقية صيد ،ولكنھا
من دون ذخيرة كانت عديمة الفائدة بالنسبة لنا ،لذلك دفناھا عميقا في الغابة.
وتسير القذيفة من بندقية المشاة ٩٩نحو ٦٧٠ياردة في الثانية األولى بعد إطالق النار ،ولكن
قذيفة الكاربين تسير حوالي ٥٠٠ياردة في الثانية األولى .كان سالح سكان الجزر عادة من
الكاربينات ،وإذا رأيناھم يطلقون النار علينا من مسافة كبيرة ،كنا نعلم كان لدينا حوالي ثانية
واحدة لتفادى الرصاصة .في الليل ،يمكنك أن ترى الرصاصة تقترب ،ألنھا بلون أبيض
مزرق .أنا مرة ھربت من رصاصة عن طريق تحويل جسدي جانبا.
عندما أطلقت النار على شيمادا ،اضطرت وكوزوكا للفرار بسرعة حتى تركنا حرابنا وراءنا
.في وقت الحق وجدنا حراب لرشاش طومسون في منزل أحد سكان الجزيرة ووضعناھا على
حاملة الحربة على بنادقنا وناسبتنا كانھا طلبت لنا
وقد صنعنا حقائب الذخيرة من زوج من األحذية الرياضية المطاطية .وضعنا أوال الطلقات في
أكياس القماش مرتبطة في الجزء العلوي مع السالسل .كل واحد منا يحمل كيسين داخل الحقيبة
،واحد يحتوي على عشرين طلقة واآلخر ثالثين .الجزء العلوي من الحقيبة جاء أسفل على
الجانبين وتم تثبيتھا مع خطاف ،مثل حالة الكاميرا ،للحفاظ على المحتويات جافة .باإلضافة إلى
الذخيرة في الحقيبة ،حملت خمس طلقات معي في جيب البنطلون ،وكان ھناك دائما خمسة في
البندقية .تماما ،ثم ،وأنا كان مسلحا دائما مع ستين طلقة ،كافية لتمكنني من الھرب حتى لو
اصطدمت بفريق بحث إكبير.
كان لدي ستمائة طلقة من الذخيرة الرشاشة ،وفي وقت الفراغ قمت بإصالح جميع تلك االذخائر
بحيث يمكن أن يطلق من رافل .٩٩وكان الكثير من الرصاص معيبا وكان ال بد من استخدامھا
ألغراض أخرى.
وبما أنني لم أستطع استخدام عمل المكرر على بندقيتي مع ھذه الطلقات المعدلة ،فكنت استعملھا
فقط في اطالق النار على بقرة أو اطالق رصاصة واحدة لتخويف سكان الجزر .كان ھناك
حوالي ٤٠٠باغة جيدة في كل شيء ،والتي بدأت استخدامھا في بعد ان انشق أكاتسو .كانت
على وشك النفاذ عندما خرجت من الجبال بعد خمسة وعشرين عاما .ال بد لي من إطالق ستة
عشر فقط في المتوسط سنويا.
كنا حذرين جدا حول الذخيرة .أبقيناھا مخبأة في الثقوب في جانبي المنحدرات ،التي غطيناھا
مع الصخور .وقمنا بتفتيش أماكن االختباء كل عام ووضعنا في الوقت نفسه الذخيرة في حاويات
جديدة .ميزنا الذخيرة التي كانت جيدة بالتأكيد بدائرة والتي ربما كانت جيدة بمثلث .اخذنا
مسحوق البالرود من الرصاصات الصدئة كثيرا الستخدامھا في اشعال الحرائق .ويمكن
إشعالھا مع عدسة حصلنا عليھا .
وكان تخزين الذخائر بحيث تكون في حالة جيدة عند الحاجة أمرا بالغ األھمية .بعد أن توضع
الطلقات في زجاجات ،تغطى بزيت جوز الھند .كانت الزجاجات مخبأة في الكھوف ،ثم كانت
مغطاة بالحجارة.
اليقاد النار في الليل أو عندما يكون الدخان خطرا نستخدم الخيزران تزرع عصا واحدة بقوة
في األرض ،واالخرى عليھا ألياف جوز الھند والبارود ،ونفرك بقوة صعودا وھبوطا.
وكانت حاويات الذخائر من زجاجات العصير وما شابه ذلك تركھا ھنا وھناك سكان
الجزيرة .استخدمنا المطاط من قناع الغاز القديم الغالق الزجاجات .وخوفا من أن الفئران قد
تاكل المطاط ،غطينا أفواه الزجاجات بقبعات معدنية اقطعناھا من علب الصفيح.
حاولنا ترتيب الصخور التي تغطي أفواه ثقوب التخزين لتبدو طبيعية قدر اإلمكان ،وأحيانا
نجحنا بشكل جيد حتى أننا انفسنا وجدنا صعوبة في اكتشافھا .في غضون عام،االعناب تنمو
عادة فوقھا ،وأحيانا تسقط األشجار عليھا ،وتخفيھا تقريبا .وإذا لم نفحص مرة واحدة على
األقل في السنة ،فھناك خطر حقيقي اننا قد ال نتمكن من العثور عليھا.
وكما يمكن أن نرى من ما قلته بالفعل ،كانت السنوات األولى ھي األصعب ،عندما كنا ال
نخشى فقط أن نعمل غزوات في العراء ولكن في وضع غير مؤات بسبب ضعف أكاتسو .وبعد
أن غادر أكاتسو ،تبنى الثالثة اآلخرون سياسة أكثر عدوانية دعت ،من بين أمور أخرى ،إلى
طلب المزيد من اإلمدادات من سكان الجزبرة .وھم ،من جانبھم ،يتمتعون بمستوى معيشي
متصاعد ،مما يعني أنھم ليس لديھم فقط المزيد من السلع التي تغنم ،بل تركوا أيضا المزيد من
األشياء في الغابة أو في أماكن أخرى يسھل الوصول إليھا .وھكذا ،فإن مستوى معيشتنا يميل
إلى االرتفاع بما يتناسب مع مستوى سكان الجزيرة .لقد حرمتنا وفاة شيمادا من صديق مخلص
وعامل قيم ،ولكنھا قللت من مشكلة اإلمداد إلى حد ما ،ألن اللحوم من بقرة واحدة سوف تغذى
اثنين أطول من ثالثة .الحياة في الغابة لم تكن سھلة ،ولكن -بقدر ما -كان الحصول على
الطعام ،والمالبس واألواني المعدنية ،في السنوات األخيرة اسھل بكثير من الخمس أو العشر
األولى.
شياطين الجبال
ومن أجل تمھيد الطريق أمام فريق الھبوط الياباني المتوقع ،اعتمدنا تكتيكات حرب العصابات
الرامية إلى توسيع األراضي الواقعة تحت سيطرتنا وإبقاء جميع االعداء خارجھا
لقد قمنا بما سميناه "غارات منارات النار" .خيث نذھب إلى أماكن مختلفة في الجزء األول من
موسم الجفاف ونحرق أكواما من األرز التي كان سكان الجزيرة قد حصدوھا من حقولھم في
سفوح التالل.
يبدأ موسم الحصاد ا األرز في أوائل أكتوبر ،في الوقت الذي نفكك كوخنا المطري ونتقل أبعد
في الجبال .من حوالي منتصف الطريق يمكننا أن نراھم يقطعون ويجمعون األرز .لحمايته من
الرطوبة ،يضعون حصيرة من القش السميك على األرض و يكدسون األرز عليھا .كنا ننتظر
حتى الشفق ثم نقترب خفية إلى نقطة قريبة ،ونطلق طلقة او اثنين لتخويف سكان الجزيرة .ھذا
ينجح تقريبا ،وبعد أن يفروا ،نشعل النار في األرز عن طريق وضع خرقة مغرقة بالنفط في
األكوام ونشعلھا بعيدان الكبريت .كنا نظن ان ھذه الحرائق منارات تشير إلى القوات الصديقة
التي قد تكون في محيط لوبانغ أن " سرب أونودا " كان على قيد الحياة ويقوم بواجباته.
ولم يكن من السھل دائما الحصول على اعواد الكبريت التي كانت ضرورية لھذا النوع من
العمليات .وال بد من االستيالء عليھا بطبيعة الحال ،ومن المھم عدم إھدارھا .كلما اكتسبنا بعضا
منھا تقوم بتجفيفھا بدقة ،ثم وضعھا في زجاجة محكمة االغالق .من حيث المبدأ ،استخدمناھا
فقط في غارات المنارة ،واعتمدنا في األوقات العادية على أساليب أخرى ،مثل فرك اثنين من
العصي من الخيزران معا أو إشعال قليل من البارود من الذخيرة غير الصالحة لالستعمال
بالعدسة .
وسيبلغ سكان الجزر بطبيعة الحال عن غاراتنا الى الشرطة االمحلية ،وستأتي الشرطة
ركضا .لم يكن لدينا سوى وقت قصير الشعال النار ،واالستيالء على أي إمدادات تركھا سكان
الجزيرة وراءھم ،والھروب مرة أخرى الى الغابة.
كنا نظن أن الشرطة المحلية سوف تبلغ عن غاراتنا للقوات األمريكية ،وأن وحدات المخابرات
اليابانية سوف تلتقط الرسائل .إن ھذه الغارات ،من وجھة نظرنا ،تجعل من الصعب على
األميركيين إھمال لوبانغ ،مع التأكيد في الوقت نفسه لشعبنا على أن وضعنا في الجزيرة تحت
السيطرة .وھذا من المفترض أن يسمح لھم بالقتال ،أينما كانوا يقاتلون ،دون أن يقلقوا
بشأننا .ومن شأن الغارات أن تساعد أيضا على افھام سكان الجزيرة بأنه من الخطر عليھم
مغادرة قراھم والذھاب إلى سفوح التالل للعمل.
من الجبال ،كوزوكا صاح مرة بقرية" ،اياك ان تعتقدي أنك آمنة ألن ھناك اثنين فقط
منا !خطوة واحدة كبيرة جدا ،وستتكونون في ورطة! "ال أحد يسمعه ،أفترض ،ولكن ھذا كان
على ما يبدو جيدة لروحه.
والواقع أن حرق األرز في نفس األماكن كل عام يزيد من خطر أن يتوقع سكان الجزر تحركاتنا
وأن يضعوا مصيدة لنا .ولذلك قمنا بتغيير تكتيكاتنا إلى حد ما ،وإخماد الغارات لمدة شھر في
بعض السنوات أو لمدة خمسة أشھر في األماكن التي يزرع فيھا محصوالن كل عام .حاولنا ان
نجعلھم يخمنون اين سنطفوا على السطح .وإذا كان بوسعنا أن نشجع الخوف من احتمال
ظھورنا في أي مكان تقريبا في أي وقت تقريبا ،فإن ذلك سيحقق في حد ذاته نصف ھدفنا.
السنوات الثماني عشرة التي قضيتھا مع كوزوكا شھدت أكبر نشاط في حرب
العصابات .ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى العالقة القائمة بيننا .لقد رأينا دائما األشياء بنفس
الطريقة ،وكثيرا ما كنا بحاجة فقط للنظر إلى بعضنا البعض لتقرير ما سنفعله بعد ذلك.
على الرغم من أنني لم أعرف كوزوكا من قبل ،فقد اصبحنا أقرب من اإلخوان
الحقيقين .احترمت روحه وجرأته .ومن جانبه ،تبعني في مسائل الحكم .وكثيرا ما أخبرنا بعضنا
البعض بأنه عندما ننفذ مھمتنا ،سنعود إلى اليابان معا .إما اذا لم نتصل أبدا مع القوات الصديقة
عن طريق الصدفة ،فاننا سوف نتعفن معا في لوبانغ .ضحكنا كلما تحدثنا عن ھذين
االحتمالين.
ثم في بعض األحيان عندما كنا نجد بعض الموز الناعم بشكل خاص،او تملصنا بمھارة من
فريق البحث ،أو قدنا العدو في مطاردة مرحة ،نقول فجأة في وقت واحد" ،ليت شيمادا ھنا"!
وإلى جانب القيام بغارات ،قررنا أن نحاول جمع المعلومات مباشرة من سكان الجزيرة .الذھاب
الى مكان فيه الكثير من الناس سيكون خطرا ،ولكن كان ھناك الكثير من البقع المنعزلة في
الجزيرة حيث أننا قد تأخذ أحد المزارعين سجينا وھو ذاھب إلى حقوله أو راجع منھا.
اخترنا كوخا ً منعزالً بالقرب من مسطح الملح في لوك .كان ھذا بالقرب من حافة الغابة،
وسيكون من السھل الھرب إذا واجھنا مشكلة غير متوقعة.
خرجنا من الغابة الى مسطح الملح ،واقتربنا من كوخ ،وبقينا منخفضين ننظر بعيون حادة
الى المناطق المحيطة ،نظرنا فيھا .ال أحد ھناك ،كما لم يكن ھناك أي شيء لالستيالء
عليه .فجأة كوزوكا ،الذي كان له آذان جيدة جدا ،ھمس" ،شخص ما قادم"!
وأشار نحو المحيط ،وعندھا رأيت رجال اربعينيا يشق طريقه خالل الحشائش الطويلة
نحونا .انتظرنا بصمت بجانب الكوخ ،والبنادق جاھزة .عندما كان نحو ثالثة ياردة ،قفزت
أمامه صوبت البندقية مباشرة الى صدره صرخ من المفاجأة ،ثم رفع يديه.
كوزوكا قال له باللغة اإلنجليزية :جلوس ،وبدأ يتحدث بسرعة في لغة التغالوغ ،التي ال نفھمھا
.طلبت منه أن يسكت ،ففعل .قدناه تحت تھديد السالح الى داخل المنزل .لم يبذل أي جھد
للمقاومة مما اراحنا نوعا ما
وعندما سألته لماذا أتى إلى ھنا ،أجاب في مزيج من اللغة اإلنجليزية والتغالوغ ،مع العديد من
اإليماءات" ،تركت الكلب بالقرب من ھنا للحفاظ على أبقاري من السرقة .جئت ألخذ الكلب مرة
أخرى .أنا لست جاسوسا .ال تقتلني".
ال نريد البقاء في المنزل وقتا طويال ،أخذناه إلى الجبال ،حيث استجوبناه بدقة عن الظروف في
الجزيرة .وقال لنا كل ما يعرفه ،وصوال إلى سعر السجائر ومتوسط اجر العمل في اليوم
الواحد .طوال االستجواب ،بقي يرتعد من الخوف .عندما قررنا أننا تعلمنا كل ما في وسعنا،
امرناه بالعودة إلى داره والذھاب إلى الفراش عندئذ بدا االرتياح كثيراعلى وجھه .
وكان في منطقة المزارع على الشاطئ مقابل جزيرة أمبيل ،حيث كان عدد من سكان الجزيرة
يطرحون في مقصورة لبضعة أيام للعمل في حقولھم .وكان من بينھم رجل انيق يلبس البياض
استمر في الذھاب والخروج من المقصورة .كما شاھدنا من بين األشجار ،رأيناه يعمل لمدة
ثالثين دقيقة ثم يمشي بعيدا نحو الجبل مقابلنا .كان يحمل بندقية ،وكان كبيرا جدا.
"ربما شخص يعمل في الجيش أو الشرطة" ،وقررنا أن نذھب وراءه .ولكن قبل أن ننتقل،
ظھر ثالثة رجال آخرين وقدموا وكأنھم ينضمون إلى الرجل األبيض .وفي الثانية التي كانوا
جميعا معا ،أطلقنا اثنين من الطلقات لتخويفھم ،وإرسالھم راكضين نحو الغابة ،اثنين في اتجاه
واحد واثنان في آخر .طلقتين أخريين ،واختفيا ،باقصى سرعة وعندما اصبحوا خارج ابصارنا
و تبعثر المزارعون المتبقون.ذھبنا إلى المقصورة المھجورة وجدنا ليس فقط راديو الترانزستور
ولكن بعض الجوارب الجيدة والقمصان والسراويل .كانت الجوارب من النايلون رقيقة وتبدو
غالية إلى حد ما ،مكلفة للغاية وفوق مستوى سكان الجزيرة ،النايلون ال يزال جديدا .ومن
الواضح أن ھؤالء الرجال يأتون من مكان آخر .وكنا جميعا أكثر اقتناعا بذلك ألننا لم نظن أن
سكان الجزر سيحضرون راديو معھم الى الحقول.
لقد اخذنا الراديو واألشياء األخرى ثم عدنا إلى الغابة .وكان الراديو توشيبا ثمانية
ترانزستورات ويبدو في حالة ة جيدة جدا .وكانت البطاريات فيه جديدة ،وكانت ھناك أربع
بطاريات احتياطية.عندما شغلنا الراديو في تلك الليلة ،أول شيء سمعناه كان رجل يقول باللغة
اليابانية" .اليوم ھو ٢٧ديسمبر ،وھذا ھو آخر بث لي ھذه السنة .االتقي بكم في العام المقبل
مرة أخرى ! " .
كان معكم كينكازو سايونجي من بكين.
وقدمت اإلذاعة المعلومات األولى عن العالم الخارجي منذ الصحف والمجالت التي تركھا فريق
البحث ،١٩٥٩ولكننا قللنا من وقت االستماع للحفاظ على البطاريات .في السنة األولى ،استمعنا
فقط إلى األخبار من بكين .بعد أن استحوذنا على مزيد من البطاريات ،بدأنا االستماع إلى راديو
اليابان /الموجات القصيرة ،وبث أمريكا الجنوبية من ن .ھـ .ك ،والبث باللغة اليابانية من
أستراليا وحتى بي بي سي من لندن.
وجاءت بدائل البطاريات من المصابيح التي يحملھا سكان الجزر .وقد عمل المزارعون أحيانا
في وقت متأخر من الحقول القريبة من حافة الغابة ،وإذا أطلقنا بعض الطلقات لتخويفھم ،فإنھم
عادة ما يھربون ويتركون مشاعلھم خلفھم .وكانت بطاريات المصباح كبيرة جدا للدخول في
الراديو ،ولكننا صنعنا اسطوانة من البالستيك التي من شأنھا أن تعقد أربعة منھا ووصلناھا
ھذا إلى الراديو.
عندما كان لدينا بطاريات احتياطية ،اذبنا شمعة في الجزء العلوي من العلبة وووضعنا نھاية
كل بطارية في الخيش الغالق االطراف وبھذه الطريقة تدوم البطاريلت ثالث سنين تقريبا.
خالل موسم األمطار ،جعلنا ھوائي من حوالي عشرة ياردة من األسالك النحاسية يصل بين
شجرتين على ارتفاع حوالي خمسة عشر قدما .غنمنا السلك من سكان الجزيرة ،بطبيعة الحال.
وكما في الصحف التي تلقيناھا ،لم نصدق أي شيء سمعناه في اإلذاعة فيما يتعلق بالشؤون
العسكرية أو العالقات الخارجية .لقد اعتبرنا أننا ال نستمع إلى البث الحي وإنما إلى تسجيل يقوم
به األمريكيون الذين حذفوا أو غيروا أي شيء غير مالئم لھم .ما يظھر بأنه بث من اليابان أو
أستراليا كان ،في تفكيرنا ،شريطا ً أعده العدو وإعاد بثه مع تغييرات مناسبة .كان ھناك الكثير
من الناس في الفلبين الذين يفھمون اليابانية ،ويبدو أن األميركيين يحاولون تثبيط أولئك الذين قد
يكونون متعاطفين مع اليابان من خالل بث برامج اللغة اليابانية المعالجة التي يعلن أنھا تأتي من
اليابان أو غيرھا من البلدان ،ولكن في الواقع تعرض وجھة النظر األمريكية.
في وقت ما ،الحظ كوزوكا" :عندما تفكر في األمر ،تجد ان األميركيون جيدون حقا في ھذا،
أليس كذلك؟"
"نعم "،أجبت" .يجب عليھم إخراج أي شيء ال يريدون سماعه ثم إعادة بثه في نفس الوقت
تقريبا .يجب أن يكونوا قد تمكنوا من جمع مجموعة من الناس ذكية جدا .مجرد زلة واحدة،
وكل شيء يبدو مريب .أنا اخلع قبعتي لھم .ھذا عمل صعب جدا" !
وفي وقت الحق ،عندما اكتشفت أن البث لم يكن مزيفا ،تبينت أنه كان "عمال صعبا جدا"
بالنسبة لنا ان نقرأ األخبار حسب المعاني التي نريد.
وبصرف النظر عن العناصر التي لھا عالقة باألنشطة العسكرية أو الشؤون الخارجية ،كنا نظن
أن البرامج التي سمعناھا حقيقية بما فيه الكفاية .وقد قبلنا ،على سبيل المثال ،فكرة أن دورة
األلعاب األولمبية في طوكيو قد نفذت بنجاح ،وأن اليابان لديھا نظام " قطار" جديد يعمل بين
طوكيو وأوساكا .فبعد كل شيء ،كان الناس يقولون دائما إنه ال توجد حدود في عالم الرياضة،
ويبدو من المعقول أن تعقد األلعاب األولمبية حتى لو كانت ھناك حرب مستمرة .أما بالنسبة
لخط القطار الجديد ،كنت أعرف أنه حتى قبل الحرب كانت ھناك خطة لبناء سكة حديد سوير
إكسبرس بين طوكيو وشيمونوسيكي.
في بداية موسم األمطار في العام بعد أن حصلنا على الراديو ،كوزوكا جرح في قدمه .كنا قد
قتلنا بقرة ،وبينما كنا نحمل اللحم إلى كوخنا ،داس على شوكة دخلت في عمق كعبه.
كان ذلك مؤلما بشكل رھيب .لم يقل شيئا ،ولكن وجھه تغير وتحول الى شاحب كالميت .لم
يكن ھناك أي وسيلة لمعرفة نوع السم الذي احتوته الشوكة ،بعد أن أزلتھا ،ثقبت حول الجرح
بإبرة ،وأرغمت الدم على الخروج ووضعت عليه بعض المنثوالتوم األمريكي الصنع ،والتي
كنا قد غنمناه من منازل الجزيرة.
وكانت ھذه المرة الثانية التي يصاب فيھا قدم كوزوكا .كانت المرة األولى في وقت قريب من
الوقت الذي قام فيه أكاتسو بمحاولته الثانية للمغادرة ،وتذكرت كيف كان سيئا .كان لي شعور
بأن ھذه اإلصابة الثانية كانت ستكون مزعجة جدا.
كنت على حق .في اليوم التالي ساق كوزوكا تورم يصل إلى الفخذ .بعد حوالي أسبوع ،تنفست
تنفس الصعداء عندما سقط التورم ،ولكن ھذا كان سابقا ألوانه.
بالتفكير في أن اإلصابة قد تلتئم ،قررنا أن نذھب لجلب بعض البطاريات التي كنا قد اخفيناھا
.وكما وصلنا إلى النقطة القريبة من برج لوك لوكوت حيث كنا قد خططنا لقضاء موسم
األمطار ،التوت ساق كوزوكا تحته له ،وقال انه ال يمكن أن يستمر .اضطررت لبناء الكوخ
لوحدي وواصلت وضع كمادات باردة لساق كوزوكا ،وأحيانا تدليكھا بخفة في الركبة
والساق لتحفيز تدفق الدم.
كان كوزوكا في السرير طوال موسم األمطار .خالل ھذه الفترة استمعنا في كثير من األحيان
إلى البث من سباقات الخيل اليابانية على راديو اليابان الموجات القصيرة ،وكوزوكا علمني
أساسيات سباق الخيل .حتى اآلن أتذكر تشغيل واحد من ديربي اليابان الذي تأخر من مايو حتى
أوائل يوليو من قبل إضراب المدربين أو شيء من ھذا القبيل .
إحدى الصعوبات مع اللغة اليابانية ھي أن لديھا العديد من الكلمات التي تعني "أنا" و "أنت"،
ويجب أن يتم اختيارھا بعناية لتناسب الوضع المعطى .في الجيش الياباني ،والكلمات المشتركة
ل "أنت" كانت كيساما و أومي ،وكالھما يمكن أن يبدو بسھولة إھانة إذا لم تستخدم
بحذر .تھربنا من ھذه المشكلة باستخدام الكلمات التغالوغية أكو ل "أنا" و إيكاو ل "أنت".
حاولت بصعوبة بالغة أن ال أقول أي شيء من شأنه أن يجعل كوزوكا غاضبا ،و فعل ھو
نفس الشيء تجاھي .لم يكن ھناك أحد ليتدخل .وبمجرد أن بدأنا القتال ،كان ال بد من االستمرار
حتى ينھار كل واحد منا ويستھلك كل شيء من نظامه .ولكن عالمنا كان عدد سكانه اثنين ،كل
من الذكور ،و في كل مرة تكون المصادمات مريرة ،عادة على شيء تافه.
ويواجه مجتمع الصيد في لوك ،في الجزء الشرقي من الجزيرة ،خليجا حيث المياه ضحلة
لمسافة كبيرة بعيدا عن الشاطئ .خالل فترة إقامتنا ،تم تركيب محطات مياه بسيطة في المدينة
والشارع الرئيسي معبد بالخرسانة ،بحيث أصبحت لوك ،جنبا إلى جنب مع لوبانغ وتيليك،
واحدة من "المراكز الثقافية" الجزيرة" .ذھبنا في بعض األحيان إلى حافة المدينة في المساء إلى
لجلب اإلمدادات.
في أواخر ديسمبر /كانون األول - ١٩٦٨أتذكر التاريخ جيدا -كنا ننظر إلى أسفل على لوك
من جبل قريب والحظت أن أحد مباني المدرسة االبتدائية على مشارف المدينة كان في عداد
المفقودين .قلت" :أنا متأكد من أن ھناك ثالثة مبان ،ولكن اآلن ھناك اثنين فقط".
كوزوكا اتفق معي ،وبما أنه كان من واجبنا أن نعرف كل ما يجري على الجزيرة ،قررنا أن
نذھب ونلقي نظرة فاحصة .في ذلك المساء بعد غروب الشمس نزلنا من الجبال واخذنا طريقنا
في ظالل األشجار إلى بقعة وراء المدرسة.
وبالنظر الى المبنى وجدنا أن المبنى المفقود قد ضربه اإلعصار الذي كان أصابنا في تشرين
األول /أكتوبر .لكن ما كان أكثر اھتماما ھو سقف القصدير الذي ال يزال قائما على
األرض .إذا كان وضعنا القصدير على سقف كوخنا فسيكون السقف عازالً للماء
لحسن الحظ ،كان ھناك رياح قوية إلى حد ما في ذلك المساء ،ومن وقت آلخر نھايات
فضفاضة .إذا قمنا بتعديل تحركاتنا مع ھذا الضجيج ،يمكننا إزالة بعض السقف دون إزعاج
سكان الجزر .وكانت فرصة ال تضيع.
لقد وجدت قطعة مناسبة من السقف ،وقطعتھا الى اثنين بوساطة سكين البولو ،ولففت
القطعتين .ربطنا القطعتين بحقائب الظھر وتراجعنا في الجبال في باسرع مايمكن .وصلنا إلى
مستجمعات المياه ،التي من الشاطئ الجنوبي مرئيا ،حوالي واحد في الصباح .كنا متعبين للغاية،
ليس فقط بسبب التسلق ولكن ألننا كان علينا أن نبقي العين على المدينة على طول الطريق .ومع
ذلك ،كان من المھم أن تأخذ السقف إلى المكان الذي خططنا لقضاء موسم األمطار المقبل،
وأجبرنا أنفسنا أن نصل إلى نقطة على الشاطئ الجنوبي بالقرب من وجھتنا عند الفجر
بعد أخذ استراحة ،ذھبت إلى غابة للبحث عن عنبة لربط السقوف .وبما أنه كان من الخطورة
أن يكون المعدن حولنا في النھار ،يجب علينا ربطه وكذلك تمويھه مع الفروع واألعشاب لمنع
انعكاس أشعة الشمس وخفض الضوضاء التي يعملھا .لم أجد عنبة جيدة حقا ،عدت مع أفضل
ما يمكن وبدأت بربط لفائف القصدير.
في تلك المرحلة ھدر كوزوكا " ،يجب أن ال تفعل األشياء في منتصف الطريق .تحتاج عنبة
أقوى من ذلك .لماذا لم تتنظر حتى تجد واحدة؟"
"أنا ما زلت متعبا من الليلة الماضية" ،احتججت" .على أي حال ھذا ھو جيد بما يكفي لحمل
االشياء بقدر ما نحن ذاھبون".
بدأ ذلك ،ولفترة من الوقت تشابكنا مع بعضنا البعض ،والتعب يشعل الغضب .في نھاية المطاف
ذھب كوزوكا غاضبا ،اقتحم الغابة و عاد بعد أقل من ساعة يحمل عنبة قوية جدا .أخذ سكينه
بولو ،و قطع الكرمة التي كنت قد استخدمتھا وبدأ بربط السقوف مع الكرمة الجديدة .كان ھناك
انتصار في ملفه الشخصي .ظل فمي مغلقا ً ،ألنني كنت أعرف أنه إذا قلت أي شيء ،سنكون في
ذلك مرة أخرى .نحن بالكاد تحدثنا مع بعضنا البعض بعد ظھر اليوم.
في المساء ،وضعت حقيبتي على ظھري وعلى استعداد للتحرك .بدأ كوزوكا ،الذي كان يمشي
في وجھي ،حول ما فعلته في وقت سابق من اليوم .أنا تحملت ھذا في صمت حتى اذا قال ،
"من اآلن فصاعدا ،سوف اتولى القيادة وعليك ان تتبعني "!
خالل كل وقتي في الجيش ،لم يسبق لي أن أرسلت كوزوكا أو أي رجل آخر أمامي لحمايتي
و لم أستطع السماح له باالبتعاد عن مالحظة سيئة مثل ذلك .نزعت حقيبة ظھري والقيت نفسي
على األرض حيث كنت.
وتحدثت بھدوء ،قلت" :أستطيع أن أتقدم بنفسي ،ويمكنني القيام بواجباتي بنفسي .أنا ممتن لكل
ما تعلمته منك ومن وشيمادا عن العيش في الجبال ،ولكن أنا ضابط ،وأنا مسؤول عن الحرب
على ھذه الجزيرة .حتى اآلن لقد تصرفت وفقا لحكمي ،وأنا على استعداد لتحمل المسؤولية عما
فعلته".
وعند النظر إلي بمعاناة ،قال" :المالزم الثاني أونودا يا سيدي !احتفظ بھا لنفسك !أنا سئمت مع
خطبك" !
"خطب؟" واجھته .واضفت "اننى اذكر فقط الحقائق .أنا ببساطة أشير إليك حيث كنت على
خطأ" .
لم أكن قد سرت عشر خطوات عندما ألقى كوزوكا صخرة اصابت ظھري .التفت اليه
ووجدته يستعد لرمي المزيد من الصخور.
"من ھو االحمق؟ ليس انا .أنا لست أحمق ! انا أعرف من ھو في صفي ومن ھو ليس كذلك
.أنت ال تستمع لي ،لذلك أنت لست معي .أنت عدو ! أنت عدو لليابان ،وأنا ذاھب لقتلك" !
نزعت حقيبة ظھري مرة أخرى ونظرت مباشرة إلى عيون كوزوكا وقلت" :لقد كنا معا وقتا
طويال .كلما أعطيت األوامر ،اعتقدت أنھا كانت لصالح بلدي وشعبي .أنا أعتبرك رفيقي ،ولقد
حاولت بجد كل ھذا الوقت ال أقول أي شيء من شأنه أن يسيء اليك .لم يكن دائما سھال ،ألنني
إنسان أيضا .وما زلت انت في كل مرة تذھب إلى اسطوانتك المكررة :كيف تسببت قيادتي
الخاطئة في استسالم كثير من الجنود ،كيف انشق أكاتسو ،كيف كنت مسؤوال عن وفاة شيمادا.
"أنت ال تعرف ذلك ،ولكن كلما فكرت في ذلك ،تجد واحدة من أربع حاالت موجودة .إما أن
الطقس سيئ ،أو أن العدو أقوى مما كنا نظن ،أو كنت متعبا ومثبطا ألن شيئا لم يسر وفقا
للخطة ،أو تأخر في وقت متأخر وكنت جائعا جدا .انه فقط عندما يحدث واحد من تلك األشياء
تغضب وتبدأ في انتقادي .الوضع اليوم ھو رقم ثالثة ،كنت متعبا جدا ،واثنين من األشياء لم
تذھب بالطريقة التي نريد .
"لماذا ال يمكنك أن تكون أكثر برودة وأكثر موضوعية؟ ال يوجد سوى اثنين منا ،بعد كل شيء
"
"حسنا ً " ،أجبت" .لقد قلت ما كان علي أن أقول .إذا كنت ال تزال ترغب في قتل رفيقك الوحيد
المخلص ،افعل ذلك .سأنفذ لك رغبتك بموتي .ولكن بعد أن أموت ،االمر متروك لك أن
تذھب وتعيش .واالمر متروك لك للمحاربة بضعفين لتغطية حصتي".
كانت موجات الماء الكبيرة تنكسر في المحيط القريب ،ولكن لم أستطع سماع أي شيء .ال
أعتقد أن كوزوكا يستطيع .تم إغالق جميع االصوات من حولنا .واجھنا بعضنا البعض في
صمت.
مرت ثالثين أو أربعين ثانية ،وقال كوزوكا بھدوء" ،مالزم ،أنت تتولى القيادة".
تلك الكلمات جعلتنا رفاقا أقرب مما كنا عليه من قبل .اومأت بصمت وابتعدت على الطريق
الصخري.
وقد سمانا سكان الجزيرة ب "الصوص الجبل" و "ملوك الجبل" أو "شياطين الجبل" .وال شك
أن لديھم سبب وجيه لكرھنا.
قبل عام واحد فقط من موسم األمطار توقفنا لبضعة أيام في منتصف الطريق حتى جبل
األفعى .عند احدى النقاط قررنا "الخروج" للقرية المجاورة والبحث عن اإلمدادات .خبأنا
حقائبنا وبدأت الشمس بالغروب أسفل الجبل .خرجنا في بقعة في مكان بين فيغو ومالك ،ونحن
نبحث بسالمة تلة صغيرة خارج الحقول القريبة .رأينا فتاة صغيرة مع عصابة حول رأسھا
وصبي في قميص قصير وشورت .ويبدو أنھا تسقي الخضروات النامية في ھذا المجال .كانت
بالفعل مظلمة إلى حد ما ،وإذا كانوا ال يزالون يعملون في الميدان ،يجب أن يعيشوا في مكان
قريب.
مع الحفاظ على أجسادنا منخفضة اقتربنا ،سرعان ما رأينا سقف منزل من النيبا يقع بين أشجار
الموز .لم نر البيت من قبل ،وتساءلنا متى بنوه.
عندما خرجنا من الشجيرات ،رأينا فتاة تسير نحو المنزل وراء حقل الموز .وكان الصبي قد
اختفى .ذھبت الفتاة إلى المنزل وسرعان ما خرجت مرة أخرى مع رجل يبدو أنه والدھا .بدأوا
بإعداد عشاءھم على موقد في الھواء الطلق بالقرب من الباب .وتسلقنا وراءھم وأرغمناھم على
العودة إلى المنزل .في الداخل كانت غرفة مظلمة ،داكنة حيث امرأة مسنة ،ويفترض انھا األم،
وقفت بال حراك مع الخوف كما شاھدتنا .بدأنا البحث في الكوخ ،ولكن كان ھناك سوى عدد
قليل من المواد من المالبس الرجالية بين الكثير من األشياء النسائية.
طلبت من الرجل أن يعطيني مصباح يدوي .سلمه لي وھو يرتجف من الخوف .وكانت
البطارية منتھية تقريبا أي أنھا عديمة الفائدة .كان الطعام الوحيد الذي يتكلم عنه ھو بعض
األرز غير المصقول ،ولم نجد السكر والغيره .بالقرب من الجزء الخلفي من الغرفة كان ھناك
زوج من الصنادل نسجت حديثا وأخذناھا.
"ال يوجد شيء آخر ھنا "،قلت" ،لذلك سنعود الى مقرنا ".
ولكن عند ھذه النقطة بدأ الرجل يتحدث في التغالوغ ،وعرفت أنه يريد أن يذھب في الھواء
الطلق ليأخذ وعاء له قبالة النار .اومأت باالذن ،و تراجعت الفتاة ووالدھا من المنزل كما لو
كانوا يسقطون من سلم .بعد أن قام الرجل بإزالة وعاء ،قال شيئا يبدو أنه يعني أن األرز
جاھز ،ثم عرضه علينا .
"ھل نأكله؟" سأل كوزوكا.
وكانت الفتاة قد عادت الى المنزل .كنا نظن أنھا تساعد والدتھا إعداد شيء للذھاب مع األرز،
ولكن عندما نظرنا في الداخل ،وجدنا أن األم قد ذھبت .رأينا على الفور حيث قامت المرأة
بإزالة لوحة أرضية وزحفت على الجانب اآلخر من المنزل ،وال شك انھا ستبلغ الشرطة .ھذه ال
تبدو مسألة كبيرة ،ألنه قد يكون بعض الوقت قبل وصولھم ،ونحن يمكن أن تأكل في الوقت
نفسه.
تماما عند االنتھاء ،عادت األم .كنا نعلم أن الوقت قد حان للمغادرة ،لكننا شعرنا بطريقة ما بأننا
يجب أن ندفع المرأة إلى الوراء من أجل الغدر .بفظافظة صوبنا بنادقنا الى الفتاة واألب ،وقلت:
"ھيا إلى الجبال معنا".
عند سماع ذلك ،نزلت الفتاة إلى األرض واخذت باطار الباب .بدأ األب يشير إلى وعاء األرز
لتذكيرنا أنه كان يغذينا.
كوزوكا وأنا ھزننا رؤوسنا في رفض نداءه ،وأنا اخرجت عود كبريت كما لو اني اريد ان
اشعل النار في المنزل .بدأت االبنة تتحدث في التغالوغ .لم أكن أفھمھا ،وأظن أنھا كانت
تدعو ،ألنھا في النھاية قالت "آمين".
قلت" :أعتقد أننا قد ارعبناھم بما فيه الكفاية .بعد كل شيء ،أنھم قدموا لنا العشاء .دعونا نتركھم
"!
ولكن بعد ذلك سمعت صوت بندقية ،ومرت رصاصة من خالل السقف .انبطحت األم والطفل
على األرض ،والرجل ھرب من المنزل .للحظة نظرنا في البقاء واقامة معركة ،ولكن ذلك بدا
وكأنه وسيلة الھدار الذخيرة .ھربنا من الباب مباشرة الى الغابة ،مع المحافظة على انخفاض
اجسامنا لتجنب النار التي يطلقونھا وراءنا .بعد ان ركضنا حوالي مائة ياردة ،اختفينا في
غابة من األشجار ،حيث توقفنا اللتقاط أنفاسنا .لم تتابع الشرطة ،ومن ھناك تسلقنا الجبل
بوتيرتنا المعتادة ،ونتذمر ألنفسنا عن أن يتم اإلبالغ عنا بخبث .كان كوزوكا غاضبا جدا ألنه
ألقى الصنادل المنسوجة في كتلة من الشجيرات وتركھا .شرعنا نحو جبل األفعى وال زلنا
نسمع اصوات نيران متقطعة .نظرنا الى الخلف فوجدنا حزمة من الضوء تتقاطع مع بعضھا
اماما وخلفا .
بعد عدة أشھر من ذلك ،اكتشفنا أن سكان الجزيرة كانوا يأتون بأعداد كبيرة إلى وادي نھر فيغو،
وذھبنا إلى كوخ بالقرب من المحجر في تيليك لتخويفھم بعيدا .في طريق العودة ،فوجئنا
بالشرطة ،الذين تلقوا تقريرا مبكرا عن غزونا ،وتبادلنا اطالق النار معھم من مسافة حوالي
ثالثين ياردة فقط .ھربنا من خالل الغوص في بعض اشحار الغابا ،ولكن ارتدت رصاصة
واحدة في الكاحل وجرحتني قليال.
عندما وصلنا إلى قاعدتنا ،فتحت خيمة جديدة مضادة للماء وجدت في الكوخ واكتشفنا الكتابة
عليھا "شركة ميتسوبيشي للتجارة" .وكان ھذا مما يثلج الصدر ،ألنه أكد اعتقادنا بأن الحرب
والتجارة يجريان على نحو مستقل عن بعضھما البعض .وفي الوقت نفسه ،فان تحرك الشرطة
في تيليك ضدنا بھذه السرعة جعلنا نقرر أن نكون أكثر حذرا في المستقبل.
في اليوم األخير من عام ،١٩٧١قمنا بغسيل المالبس في الروافد الوسطى لنھر أغكويان،
حيث كانت المياه واضحة وسريعة .الموقع لم يكن بعيدا عن نقطة واكاياما ،حيث واجھت
نوريو سوزوكي في فبراير.١٩٧٤ ،
بدأنا الغسيل قبل أن ترتفع الشمس حيث غسلنا قبعاتنا ،وستراتنا ،والسراويل .. ،الخ .وقرب
االنتھاء ،ھتف كوزوكا "ذھبت سراوالي ! ذھبت مع التيار".
ھذا يمكن أن يكون سيئا للغاية .يتدفق النھر إلى قرية تسمى برول ،ولكن حتى لو لم تصل
السراويل إلى ھذا الحد ،فمن المرجح جدا أن يتم رصدھا من قبل الصيادين بين القرية
ومكاننا .ويمكن تخمين مكان وجودنا بسھولة ،باالضافة الى ذلك لم نك نرغب في إعطاء سكان
الجزيرة نظرة فاحصة على المالبس المرقعة التي كنا نرتديھا .بدأنا ھبوط النھر ،رذاذ الماء في
جميع أنحاء أنفسنا.ركضنا مائة ياردة ومائتي ياردة وخمسمائة ياردة ،ولكن ال توجد عالمة على
السراويل .لقد وصلنا إلى أعلى المنبع ،وبحثنا ببطء وبعناية على طول الطريق ،ولكن لم يتم
العثور على البنطلون.
بدأ كوزوكا في التململ " ،لم تصر على القيام بھذا الغسل الكبير. ،نحن جنود؟ ال ينبغي لنا أن
نفعل كل ھذا الغسيل" !
أوضحت له أنه ھو الذي فقد السراويل ،وليس أنا ،وأن علينا أن نقرر بسرعة ما إذا كنا سنستمر
في محاولة للعثور على السراويل قبل ان يعثر عليھا بعض سكان الجزيرة أو االنتقال فورا
إلى موقع جديد.
"لقد بدأت في الوعظ مرة أخرى "،اشتكى كوزوكا ،ورأيت أنه كان على وشك االنفجار.
"حسنا ً حسنا ً " ،قلت له .واضفت "يمكننا ان نتحدث عن ذلك مرة اخرى .اآلن أريد أن أحاول
العثور على السراويل إذا كان ذلك ممكنا .انت تتبع على طول على ضفة النھر مع بندقيتك،
بينما أذھب انا إلى أسفل النھر البحث في أسفل وفي كل مكان آخر .يجب أن يكونوا في مكان
ما".
وافق ،وقفزت إلى النھر ارتدي قميصا من النايلون .بدأنا أسفل النھر مرة أخرى ،وھذه المرة
غصت في جميع األماكن العميقة ،في حين اخذ كوزوكا طريقه على طول الضفة في ظالل
األشجارمع مراقبة جانبي النھر.
قضينا حوالي ساعتين في البحث عن السراويل ،دون جدوى .بعد ذلك عدنا مرة أخرى إلى
المكان الذي كنا نغسل فيه وخلعت قميصي ورميته في الماء بقصد شطفه مما ادھشني تماما،
ان القميص يسير بعكس التيار اعتقدت أنني كنت أفقد عقلي .ثم أدركت فجأة أن القميص كان
في دوامة .شاھدت أنه تحرك باتجاه المنبع لحوالي ثالثين ياردة ،لحقته بسرعة ،حتى وصلت
إلى منحنى حاد في النھر ،حيث يبدو تقريبا أن يكون امتص حول االنحناء .قفزت إلى النھر مرة
أخرى ،تابعت الدوامة ووصلت الى بدايتھا وھناك ،علقت في فروع شجرة سقطت عبر
التيار ،وكانت ھناك سراويل كوزوكا ،تبدو مثل حيوان يموت في المياه .واسترددت قميصي
أيضا ً.
درت ،ورفعت السراويل بحيث يراھا كوزوكا ولوح كوزوكا بسالحه في الھواء ،مع ابتسامة
واسعة على وجھه.
بعد أن قطعنا بعض جوز الھند ،الذي خططنا لشربه في الصباح التالي ،جمعنا أمتعتنا وعدنا
إلى معسكرنا .لقد كنت في الماء لفترة طويلة .خشيت أنني سوف اصاب بالبرد ،لذلك طلبت
من كوزوكا ان يعيرني سترته والتي كانت جافة .سرعان ما وافق ،وعندما وضعت السترة
على ،شعرت بھا في أعماق قلبي.
نھاية ھذه السنة واول يوم وصلت فيه الى لوبانغ ستبقى من اكثر االشياء تذكرا في الثالثين ستة
التي قضيتھا في لوبانغ .
وحيدا
لن أنسى أبدا ١٩أكتوبر ،١٩٧٢انه اليوم الذي سقط فيه كوزوكا .
قبل عشرة أيام تقريبا من ذلك ،قمنا بتفكيك البھائي ،وبدأنا من منطقة لوك عن طريق برول
باتجاه التالل التي كانت جبال التوأم جزءا منھا .ونحن عادة ما ننفذ غارات المنارة بين ٥
أكتوبر و ٢٠أكتوبر تقريبا ،ولكن ھذا العام تأخرنا ألن موسم األمطار انتھى متأخرا .وبينما
كنا نسير توقعنا أن التأخير سيؤثر على خططنا.
اختبأنا لمدة يوم واحد في بقعة يمكن أن نرى من خاللھا التل المركزي كله ،وفي المساء بدأنا
صعود التلة بحذر .قد يكون بعض سكان الجزيرة قد رأنا عند ذلك ،ألن الشرطة في اليوم التالي
ظھرت بسرعة أكبر بكثير من المعتاد.
في ذلك اليوم ،خرجنا من مكان اختبائنا ورأينا المزارعين يحصدون األرز في حقل جاف على
المنحدرات تحتنا .كنا نزمع في اليوم األول فقط أن نفحص األرض استعدادا إلطالق النيران
في اليوم التالي.على أية حال ،بدا األمر كما لو أن سكان الجزيرة كانوا يخططون الستكمال
عملھم اليوم ،وإذا فعلوا ذلك ،فإن األرز لن يكون ھناك مساء اليوم التالي .بالنسبة لنا ،ھذا يعني
االنتظار شھرا آخر أو نحو ذلك حتى يتم حصاد األرز في الحقول الرطبة.
"نعم فعال .لقد وصلنا الجل ھذا ،لذا دعونا نمضي قدما ونفعل ذلك".
من القمة حيث كنا ،يمكننا أن نرى بلدة تيليك والبحر يمتد خارجھا .وبما أن ھناك قرية ليست
بعيدة ،سيكون علينا أن نبدأ حرائق منارة لدينا في عجلة من امرنا .ومع ذلك ،وبغض النظر عن
السرعة التي يبلغ بھا سكان الجزيرة عن وجودنا ،فإن الشرطة ستستغرق عشر دقائق على
األقل للوصول إلى مكان الحادث .على افتراض أننا يمكن أن تشعل كومة واحدة من األرز في
حوالي ثالث دقائق ،ينبغي أن نكون قادرين على اشعال ثالثة أكوام وال يزال لدينا الوقت
للھروب بعيدا.
جزئيا الختبار بعض رصاصنا المشبوه اكثر ،عندما اقتربنا من الحقول ،حاولنا اطالق النار
عدة طلقات في الھواء .كما كنا نظن ،فإن أول خمس أو ست محاوالت لم تطلق النار ،ولكن في
نھاية المطاف انطلقت رصاصة ومع الصوت ،انطلق اثنان من سكان الجزر في االتجاه
المعاكس ،كما فعل الثالث الذي كان على الحافة المجاورة .وقد ترك ھذا المكان دون حراسة،
وعندما تأكدنا من أن المزارعين الخائفين لم يعودوا نحونا ،اشعلنا النار األولى .كما ان
كوزوكا قد اشعل النار في كومة صغيرة أخرى من األرز ،وجمعنا ما تركه سكان الجزر
وراءھم .كان ھناك سكينتان ،وبعض اعواد الثقاب وحتى بعض القھوة ،ليست غنائم سيئة
على اإلطالق .بدأنا مرة أخرى على الجانب اآلخر من التالل ،حيث ال يمكن رؤيتنا من القرية
القريبة .على ارتفاع طفيف ،رأينا دوحة كبيرة وقال كوزوكا "ھناك كومة من األرز تحت تلك
الشجرة".
نظرت ،وكان ھناك بالفعل كومة من أكياس األرز .شخص قريب قد جمع معا ثالثة صخور
مسطحة لتكون بمثابة موقد ،وكان ھناك وعاء معلق في فرع شجرة .ال يبدو أن ھناك أي
شخص حولھا.
"ھؤالء البلھاء دائما يكونون على الطريق ! دعونا نشعل نارا اخرى " .
ذھبنا إلى ما يقرب من خمس ياردات من الشجرة ووضعنا حقائبنا ،ووضعنا بنادقنا عليھا
.وبما أن األرز كان في أكياس ،كنا بحاجة إلى بعض حصيرة القش أو شيء من ھذا القبيل
لوضعھا عليھم ،وإال فقد ال تبدأ النار .نظرنا حولنا ،وعلى المنحدر نحو القرية ،رصدنا قطعة
من حصيرة القش التي من شأنھا أن تمأل فقط الكا نون .ذھب كوزوكا الحضارھا ،وذھبت
لرؤية ما كان في الوعاء .عندما نظرت في الوعاء سمعت طلقات نارية على الجانبين مني،
وكانت قريبة جدا .كنا متأخرين جدا!
غصت برأسي إلى المكان الذي كنا قد تركنا فيه بنادقنا وخبأت نفسي ،وارتفعت على ركبتي
التخاذ الھدف .كان العدو يطلق النار بجنون .كنت أعرف من الصوت أنھم كانوا يستخدمون
الكربينات والرشاشات اآللية الصغيرة .كان ھناك تالل حولنا حيث تنمو الشجيرات بشكل
كثيف ،وإذا تحركنا بسرعة ،سنكون على ما يرام .
كما ضرب كوزوكا الغبار بالقرب مني ووصل إلى سالحه .استوعب ذلك ،ولكنه ادار يده مرة
أخرى .اعتقدت ربما انه ال يرى من االمتعة وعندما وصل كوزوكا مرة أخرى،حولت بندقيتي
إلى يدي اليسرى وسحبت بندقيته إلى األمام السھل له الوصول اليھا .ولكن كوزوكا اعاد يده
مرة أخرى ،وبقيت بندقيته معي.
" صرخ كوزوكا إنه كتفي!" منزعجا ،نظرت إليه دون تغيير موقفي .كان ھناك دم يخرج من
كتفه االيمن .
كان العدو ال يزال يطلق النار .اخذت بندقية كوزوكا ،تحولت في اتجاه الرصاص القادم .من
ظل بعض الشجيرات حوالي ١٢٠ياردة بعيدا ،ظھرت شخصان فجأة ،وصرخا صرخة
المعركة .قررت أنھم من سكان الجزيرة الذين جلبوا الشرطة ھنا ،ومن صوت اللقطة التالية،
خلصت إلى أن الشرطة يجب أن تكون إلى اليسار وقليال أمام سكان الجزيرة .أطلقت ثالث أو
أربع طلقات سريعة في ھذا االتجاه ،كسرت نار العدو .ھذا أعطاني فرصتي .اخذت البندقتين
االثنين ووليت ھاربا .
كوزوكا كان ال يزال يقف في نفس المكان !اعتقدت انه كان قد تراجع عن خمسة او عشرة
ياردة بينما كنت اطلق النار ،لكنه كان ال يزال ھناك ،اذرعه مطوية وضاغطة على قلبه .
بدأت أصرخ له للنزول ،ولكن قبل أن أتمكن من فتح فمي ،صرخ "انه صدري".
عندما نظرت ،اصبحت عيناه بيضا ً .وبعد ثانية ،خرج الدم والرغوة من فمه ،وسقط الى األمام.
لكسب الوقت ،حاولت اطالق الرصاصات الخمسة التي في بندقتي ،ولكن الرابعة فقط خرجت
دون إطالق النار وبدون تفكير ،توقفت عن إطالق النار.
دعوت كوزوكا ،ولكن لم يكن ھناك إجابة .لم يتزحزح .تركت بندقيتى وھززته من قبل الكاحل،
ولكن لم يكن ھناك أي رد .ھل انتھى ؟ ھل مات حقا ؟ حاولت مرة أخرى االتصال به ،ولكن لم
أستطع التحدث.
من الصعب علي أن اواجه ،تحولت عيناه بيضا والدم يخرج من فمه ،كان ميتا .لم يكن ھناك
شيء أكثر يمكن القيام به .أخذت البندقيتين وركضت حوالي خمسة عشر ياردة أسفل المنحدر
إلى الغابة .من ھناك نظرت إلى كوزوكا ،لكنه كان ال يزال مستلقيا ،تماما كما كان.
ھربت وسرت في الوادي .استمر إطالق النار ورا ئي .ركضت خالل الغابة ،صارخا" ،
سوف أتغلب عليھم لھذا !سأقتلھم جميعا ً ! سأقتلھم ،سأقتلھم" !
اآلن لم يبق احد غيري .قتل شيمادا .و قتل كوزوكا .كان دوري التالي .لكنني تعھدت لنفسي
بأنھم لن يقتلوني دون قتال.
كان ھناك بستان جوز الھند في الجبال حوالي ثالثة أرباع ميل من حيث تم اطالق النار
كوزوكا .ذھبت إلى ھناك وعلى منحدر قريب فرزت المعدات .حتى ذلك الحين كان كل من
كوزوكا وانا نحمل حوالي خمسة وأربعين رطال ،ولكنني اآلن وحيدا ،كانت ھناك عناصر
لم أكن بحاجة إليھا بعد اآلن .أخذت األشياء التي أحتاجھا ودفنت البقية في األرض.
عندما انتھيت من ذلك ،سمعت أصواتا ً في مكان قريب .اخذت البندقتين ،انتقلت متخفيا في
اتجاه الصوت .كان ھناك كوخ في بستان جوز الھند ،وكان خمسة أو ستة من سكان الجزيرة
يعملون حوله .مشھدھم شغلني بالغضب .فكرت في قتلھم جميعا على الفور .قررت عدم إطالق
النارألنه لم يكن من السھل التحرك وانا احمل بندقيتين .
لم يمض وقت طويل ،رأيت خمسة عشر أو ستة عشر من سكان الجزيرة يمشون على التالل
حيث قتل كوزوكا .كانوا يراقبون بحماس ،ومرة أخرى كنت مليئا بالغضب ،ولكنني خفت أن
ھناك رجال الشرطة في جميع األنحاء ،وعلى أي حال كان سكان الجزيرة على بعد سبعمائة
ياردة بعيدا عني.
"خذ األمر سھال" قلت لنفسي" .ھذا ليس ھو الوقت المناسب" .لكنني أقسمت انني في يوم من
األيام سأقتلھم جميعا.
في اليوم التالي غلفت بندقية كوزوكا بكثافة بزيت جوز الھند وشحوم برميل مع بعض دھن
كنت قد خبأته بعيدا .ولمنع الفئران من تناول العقب ،غطيته ببعض الصفائح المعدنية وخبأت
البندقية بعيدا في شق بين الصخور .كذلك أيضا وضعت بعيدا رصاص الرشاش الذي كنت قد
استخدمت واستبدلته برصاص ٩٩الحقيقي .فعلت كل ذلك و وجه كوزوكا وھو يقذف الدم
في ذھني.
تذكرت أنه كان ھناك خمسة صليات للعدو بين اللقطة األولى والوقت الذي نزلت فيه إلى الوادي
.يطلق الكاربين خمسة عشر طلقة في وقت واحد ،وإذا كان عند العدو ثالثة كاربينات ،كما
اشتبه ،كان سيكون ھناك خمسة وأربعين طلقة في كل كرة ،أو ما مجموعه ٢٢٥طلقة ،قررت
أن كوزوكا يجب أن يكون قد ضرب فى الصلية األولى .لم يكن أكثر من ثانيتين بين الوقت
الذي أصيب فيه والوقت الذي نزل لبندقيته .انقضت خمس أو ست ثوان أخرى بين الوقت الذي
قال فيه" :إنھا كتفي" ،والوقت الذي سقط فيه .كان يجب أن يكون قد مات بعد ثماني ثوان أو
نحو ذلك بعد أن أصيب .ما الذي دار في ذھنه خالل تلك الثواني الماضية؟
عندما وضعت بعيدا بندقية كوزوكا -ھذه البندقية أالتي كانت بجانبه باستمرار لمدة ثمانية
وعشرين عاما -كان من الصعب قمع العواطف التي اشتعلت داخلي.
في نفس اليوم انتقلت إلى نفطة كومانو واستقررت لبضعة أيام حوالي مائتي ياردة شمال غرب
البقعة حيث بنيت فيما بعد كوخ الجبل .وبينما كنت أبحث حولي ،ظھرت طائرة ھليكوبتر في
السماء وبدأت تحلق ذھابا وإيابا فوق الجزيرة .توقعت أن يأتي فريق بحث جديد ،وأنه يجب أن
يكون كبيرا إلى حد ما.
على أي حال ،ھذا ھو ما أردت أن أفكر فيه .لقد قررت مرة أخرى أنه إذا واجھت العدو،
سأطلق النار بقصد القتل .إذا فعلت ذلك ،فإن سكان الجزر سوف يخافون مني ويبقون خارج
أراضي .وھذا في حد ذاته من شأنه أن يجعل الحياة أسھل.
ولكنني لم انفذ ھذه الخطة ،ألن فريق بحث جديد ،وصل بعد ثالثة أيام فقط من وفاة كوزوكا.
ھكذا جاءت مناشدات من مكبرات صوت فريق البحث ،مرارا وتكرارا .وأصبحت أقرب،
وأصبحت مقتنعا بأنني مضطر إلى تفادي الباحثين بطريقة أو بأخرى .انتقلت شرقا عبر نھر
فيغو ،تحركات المروحية كانت تشير الى ان البحث يتمركز حول الجبال بين تيليك وقاعدة
الرادار ،وفي ھذه الحالة لن أتمكن من الفرار ما لم أذھب إلى المنطقة بين أغكويان ولوك.
وقد انتھى سكان الجزيرة من جني حقولھم من األرز الجاف وبدأوا في حصاد األرزمن الحقول
الرطبة .زحفت على طول الحواجز بين حقول األرز ،تمكنت من جمع ما يكفي من األرز غير
المقشور حتى تستمر لفترة من الوقت ،اخذت القليل من كل قسم لتجنب االكتشاف .ثم سرت
باتجاه الشرق ،وخططت لتقسيم الرحلة الى مراحل سھلة ،ووقفت لمدة أربعة أو خمسة أيام في
المكان الواحد .وكلما فكرت في ھذا ،ومع ذلك ،وكلما أصبحت مقتنعا بأنني سوف واجه
صعوبة في تجنب مصيدة فريق البحث .في نھاية المطاف قررت انا كون أكثر عدوانية في
العمل.
في مساء يوم ١٩تشرين الثاني ،بعد شھر واحد فقط من مقتل كوزوكا ،خرجت إلى العراء على
طريق السيارات في أمبولونغ ،مباشرة تحت قاعدة الرادار .في الوقت الحاضر التقيت أحد سكان
الجزيرة وھو يعود إلى المنزل من العمل .ھددته بضجيج وأشرت إليه بالبندقية .ھرب الرجل
مصعوقا ً ،لكنه ظل ينظر إلى الوراء في وجھي ويلوح ذراعيه كما لو كان ينادي بالرحمة .ھذا
في حد ذاته كان غير عادي ،ألن سكان الجزيرة ،كانوا يفرون دائما دون ان ينظروا وراءھم
.قررت أن الرجل قيل له ان يتأكد من شخصيتي اذا رآني .
.طاردته ،ال تزال تبندقيتي موجھة اليه .مرة أخرى كان ينظر إلى الوراء فقط ليجد أنني
اصوب عليه وكنت ال ازال على استعداد الطالق النار .ركض لفترة من الوقت بأقصى سرعة
ثم اختفى في احدى المساكن بجانب قاعدة الرادار.
لقد أحسبت أنه عندما يبلغ الرجل فريق البحث انه رآني ،سيأتيون بأعداد كبيرة على الطريق،
وسأتسلل في الجبال باتجاه لوك.
كما خططت له ،في حوالي عشرين دقيقة ظھر فريق البحث .على مكبر صوتھم قالوا " :لدينا
تقريرانك ظھرت ھنا ،ونحن نعتقد أنك تسمعنا اآلن . . . .أونودا سان ،إذا كنت ال أعتقد أننا
يابانيين ،حمل بندقيتك قبل ان تخرج "
اضطررت إلى الضحك .احمل بنندقيتي ! في الواقع !البندقية قد حملت منذ ثالثين عاما .كنت
ھنا ،حسنا ،وكنت أسمع مكبر الصوت .ولكن لم أكن على وشك أن أقع لشيء من ھذا القبيل!
عبرت فرعا لنھر فيغو وانطلقت في اتجاه لوك .ثم ،من مكان ما حول نقطة كومانو ،جاء ھناك
صوت امرأة .لم أستطع أن أعرف بالضبط ماذا كانت تقول ،ولكني لقطت الكلمات "ھيرو،
لقد أعطتني اثنين ،أليس كذلك؟"
عرفت انه صوت شقيقتي الكبرى شيه ،وأعتقد أنھا كانت تتحدث عن زوج من اللؤلؤ أعطيته
لھا كھدية زفاف .بينما كنت أتساءل عن ھذا ،صوت الرجل جاء من اتجاه آخر : ". . .محارب،
قاتل مثل المحارب !جندي ،قاتل مثل الجندي" !
لقد كان صوت أخي تاداو ،وقد سمعت ھذه الكلمات في مدرسة تدريب ضباط كوروم .حتى
تاداو قد جاء من البرازيل!
ھذا لم يفاجئني كثيرا .لقد علمت من نشرة أنه انتقل إلى البرازيل .تذكرت صورة له وأوالده في
النشرة .كنت دائما أتوقع أن يذھب إلى غينيا الجديدة أو بلد جديد آخر والدخول في العمل
اإلنمائي .البرازيل مناسبة جدا.
"كان من الجيد له أن يسافر مثل ھذه المسافة الطويلة من أجلي" ،فكرت" .أعتقد أنني سأجلس
ھنا واستمع إليه لفترة من الوقت".
جلست أين كنت وحاولت سماع ما يقوله .بسبب التضاريس والرياح .لم أتمكن من فھم كل ما
قاله مكبر الصوت ،لكنني عرفت بما فيه الكفاية أن تاداو كان يتحدث ببالغته المعروفة .وكان
قد فاز مرة واحدة في مسابقة اليابان للتباحث في المدارس المتوسطة ،ويبدو أنه يستفيد بشكل
جيد من تجربته في ھذا المجال.
قررت تأجيل الذھاب إلى لوك والبقاء لفترة أطول على المنحدر الشرقي المطل على نھر
فيغو .كان لي الكثير من الطعام ،ويبدو اآلن أني لست على عجلة من امري للذھاب إلى
لوك .قررت البقاء كذلك ھنا ومراقبة فريق البحث لفترة أطول قليال.
في ذلك الوقت من فريق البحث ،١٩٥٩اعتقدت ان شخص ما كان يقلد صوت أخي توشيو،
ولكن ھذه المرة أصوات ،كل من تشي و تاداو ،كانت بالتأكيد لھم .ويبدو أن ھذا يعني أن فريق
البحث الجديد قد جاء بالفعل من اليابان وليس من قوات المخابرات األمريكية .أردت التأكد من
ھذه النقطة.
وفي إحدى األمسيات بعد حوالي أسبوعين ،وفي اليوم الخامس واألربعين بعد وفاة كوزوكا،
ذھبت إلى المكان الذي أصيب فيه بالرصاص .مفترضا أن فريق البحث قد ارھق من البحث
ھنا لقد توقفت أنشطتھم في المنطقة؛ لم أسمع أي مطالبة من مكبر الصوت.
عندما خرجت من األدغال واقتربت من التل الصغير من الخلف ،وجدت كتابا مع صورة
الشمس المشرقة على الغالف .على اليسار ،بخط أخي ،كانت ھناك رسالة تقول" :ربما لديك
أشياء تريد ان تقولھا لي قبل أن نتحدث معا .انزع ھذه الصفحة واكتب عليھا .إذا تركتھا
ھنا ،سوف أتلقى ذلك" .
كانت الكتابة بخط تاداو بدون شك ،وأنا اآلن مقتنع تماما أنه كان في لوبانغ.
ھنا ،بالقرب من قبر كوزوكا ،كنت أخشى أن يكون ھناك حراس العدو حوله .ظللت أسمع
ضجيجا لم أكن معتادا عليه .سحبت امان البندقية ،و مشيت بحذر و حقيبتي التزال على
ظھري.
في العام الماضي ،وانا امشي على طول الطريق الذي بناه سكان الجزيرة لتسھيل نقل األرز،
وكنت اغنى لنفسي أغنية عن رفاق الحرب:
بعد التأكد من عدم وجود أحد حول ،نظرت إلى أعلى وفي الظالم رايت العلم الياباني يرفرف
من النسيم .كان ھذا ھو الضجيج الغريب الذي سمعته .تنھدت مع الراحة .
وبينما اقتربت من شجرة الدوحة ،رأيت أنه قد تم إنشاء قبر كبير في المكان الذي سقط فيه
كوزوكا .اقتربت كثيرا حتى كاد وجھي يلمس الحجر ،وضعت لوحة كبيرة محفورة تقول" :ھنا
مات الجندي االول كينشيتشي كوزوكا" .امام حجر الضريح وضع أحدھم إكليال من الزھور
وبعض البخور .كنت أعرف من الطريقة التي تم وضع العالمة فيھا أنھا من قبل اليابانيين.
تحدثت بصمت إلى كوزوكا" :لقد جعلت األمور صعبة بالنسبة لك ،أليس كذلك؟ لقد عانيت
كثيرا .أنا آسف ...كان لي معارك ومجادالت معك .عد إلى اليابان قبلي ،وال تقلق
بشأني .سوف انتقم لك .كوني وحيدا لم يجعلني ضعيفا .
في أذني رنت كلماته األخيرة" ،ال فائدة !" لقد ضربت في الصدر.
طلع القمر ،وفي ضوئه الشاحب رايت حدود جزيرة أمبيل في االفق .وعندما عدت من
التل ،فكرت مرة أخرى في أغنية عن الرفاق:
غنيت تحت ضوء القمر حتى ارتاخ مخي .وكلما غنيت ،فكرت مرارا وتكرارا في التعھد الذي
قطعته عند قبر كوزوكا.
لتجنب الخطر ،قررت ترك محيط قبر كوزوكا في أقرب وقت ممكن .توجھت بثبات نحو سھل
أغكوايان حيث مقري .
في اليوم التالي ظھرا ،وصلت إلى السھل ورأيت العلم الياباني يحلق في وسطه .ويبدو أن ھذا
كان مقر فريق البحث الحالي
قررت في صباح اليوم التالي ترك مكان اختبائي قبل تناول الطعام وارتفعت في الوادي
للحصول على المياه العذبة ،وألقيت نظرة حولھا كما فعلت ذلك .وفي أثناء تنفيذ ھذه العملية،
وجدت عددا كبيرا من بطاريات الخاليا الجافة المستھلكة ،فضال عن الكتب والصحف
والمنشورات .اخترت ھذه وبدأت مرة أخرى في العودة الى مخبئي ولكن اكتشف لدھشتي أنني
لم أستطع العثور عليه .كان ھناك الكثير من التالل الصغيرة ھناك؛ كل شيء بدا على حد سواء
.بدأت أقلق .كانت بندقيتي معي ،ولكنني تركت ورائي كل الذخيرة االحتياطية و إذا تم العثور
عليھا ،فإن العدو يعرف أين كنت.
أنا ال أتذكر أبدا أنني كنت محموما جدا بھذا الشكل من قبل .استغرق األمر حتى اليوم التالي
عند الظھر لتحديد مكان مكان االختباء .تعرقت بسبب القلق و الحرارة ،لقد بحثت كل التالل في
المنطقة باستثناء التلة الصحيحة ،وفي بعض األحيان لم أكن على بعد أكثر من خمسين ياردة
عنھا .
ھذا لم يحدث ابدا ايام كوزوكا ،.كان أحدنا يبقى في مكان االختباء واآلخر يذھب للعمل .
وكرست الصحف الكثير من االمساحات لوفاة كوزوكا ،وقرأت جميع المقاالت بدقة
تامة .وقالوا ،من بين أمور أخرى ،أنني كما يبدو قد تلقيت إصابة في الساق في
المناوشات .وكان ذلك غير صحيح ،وكان ھناك عدد من التناقضات األخرى في القصص.
توصلت الى قناعة مفادھا انه خالفا لفريق البحث عام ،١٩٥٩أرسلت الحملة الجديدة بالفعل
من قبل الحكومة اليابانية .ومع ذلك ،فإن البحث كان مجرد ذريعة ،والغرض الحقيقي ھو إرسال
فريق من خبراء االستطالع الياباني إلجراء مسح مفصل لجزيرة لوبانغ .ووفقا لألنباء عن
الراديو ،أصبحت اليابان قوة اقتصادية كبيرة ،وربما يكون الھدف من فريق البحث ھو نشر
الكثير من المال حول لوبانغ وكسب سكان الجزيرة إلى الجانب الياباني .وكانت النداءات
الموجھة إلي أن أخرج ،بعد ذلك ،كانت تھدف إلى تضليل المخابرات األمريكية عن المسار
و تحت غطاء البحث الظاھر عني ،سوف يقوم وكالء يابانيون بتصوير كل نقطة استراتيجية
في الجزيرة وإعداد تقارير مفصلة عن التضاريس والظروف بين الناس.
وبالنظر إلى وجھة النظر ھذه ،فإن المناشدات التي تحثني على الخروج تعني حقا أنه ال ينبغي
أن أخرج ،ألنه إذا خرجت ،ستنتھي اللعبة.
كنت أعرف من اإلذاعة أن امريكا قد فشلت فشال ذريعا في فيتنام ،وخطر لي أن اليابان قد
تكون قد رأت أن االفشل فرصة لجذب الفلبين إلى الجانب الياباني .وقد تكون الحكومة الفلبينية،
من جانبھا ،في مزاج جيد لتحويل دعمھا من أمريكا إلى اليابان .ةھذا ھو السبب في أن القيادة
االستراتيجية اليابانية اختارت لوبانغ ،حيث كنت ال ازال موجوداً كمكان إلقامة موطئ قدم في
الفلبين .وبالتالي فإن ھذه فرق بحث زائفة
إذا كنت قبلت البحث على ظاھره وسلمت نفسي ،فإن "فريق البحث" سيعود إلى اليابان دون أن
يحقق ھدفه الحقيقي .كنت قد شعرت بإغراء نداء أخي ،لكنھا ھذا لن يجعلني افسد الخطة األكبر
من خالل الظھور.
عقليا ،وجھت كلمات التشجيع إلى "فريق البحث"" :سوف ابقى مختفيا حيث أنكم لن تجدوني،
لذلك امسحوا الجزيرة بقدر ما تستطيععون .اعملوا في مجموعات كبيرة ،يمكنكم معرفة
المزيد عن الجبال والبلدات والمطار اكثر مما يمكن أن اعلمه وحدي .إذا فزتم بدعم سكان
الجزر وجعلت الجزيرة غير ضارة ،فإن أھدافي تكون قد تحققت بسرعة أكبر".
شيء واحد كان يزعجني ھو أن أعضاء فريق البحث يرافقھم جنود فلبينيون مسلحون .لماذا
يرافق عمالء المخابرات من اليابان دائما حراس فلبينيون ؟ لم يكن ھذا ليقولوا لي أنھم كانوا
أعداء؟
كنت تسعة وتسعين في المئة مقتنعا بأن "فريق البحث" قد أرسل من اليابان .بقي واحد في المئة
المتبقية مترددة بسبب تلك القوات الفلبينية المسلحة.
ظلت الطائرات العمودية تحلق صاخبة فوق الجزيرة وأسقطت منشورات ال تعد وال تحصى في
الغابة .نصب فريق البحث الخيام في مواقع مختلفة وتواصل مع بعضھم البعض عن طريق
الھاتف .عندما انتقلت من مكان اختباء إلى آخر ،تساءلت لماذا لم يتركوا لي مناظيرً وھاتفا .إذا
كان لدي ھاتف ،يمكنني التحدث إلى عمالء المخابرات سرا وانقل لھم جميع المعلومات التي
جمعتھا على مر السنين .التفسير الوحيد الذي يمكنني قبوله لعدم ترك ھاتف لي في مكان ما
ھو أنھم يريدون بأي ثمن اال اخرج من الغابة.
وبالنظر من زاوية أخرى ،إذا أرادوا حقا أن أخرج ،كان ال ينبغي لھم ترك ھاتف فقط ولكن
سالح رشاش وذخائر .لو كانوا قد فعلوا ذلك ،كان بإمكاني أن أحمل المدفع الرشاش واسير في
الطريق أمامھم .إذا كانوا حقا وكالء يابانيين يعملون لنفس السبب مثلي ،لم يكن لديھم سبب
للخوف من أنني سوف اطلق النار عليھم .كنت مقتنعا بأن الحرب ال تزال مستمرة ،وإذا أراد
الباحثون أن يثبتوا أنھم أصدقاء ،لم يكن عليھم اال ان يتركوا لي سالحا وذخائر .ال يوجد برھان
افضل من ھذا .
ظللت بعيدا عن فريق البحث حسب ما أستطيع .بعد أن توقفت لفترة قريبة من الشاطئ جنوب
خليج لوك ،انتقلت إلى تلة يمكن أن انظر منھا إلى أسفل في حقل السيدة البيضاء ،وھناك دخلت
سنة .١٩٧٣وكانت ھذه ھي المرة األولى التي ادخل في سنة جديدة وحدي منذ وصولي إلى
الجزيرة .
في ٣كانون الثاني تركت التل ،وخططت للتحرك صعودا نحو تيليك عن طريق سھل أغكوايان
ونقطة واكاياما .بعد يوم أو يومين ،بينما كنت ال أزال في الطريق ،سمعت فجأة صوت
الموسيقى المسجلة القادمة من التالل أمامي .انتقلت إلى نقطة حوالي خمسمائة ياردة بعيدا
وقضيت ليلة واحدة .في اليوم التالي بالقرب من نقطة واكاياما سمعت المسجل مرة أخرى .ھذه
المرة قررت التحقيق.
في ذلك المساء اقتربت من حقل األرز حيث يوجد مكبر الصوت .كان أحدھم قد نصب خيمة
ھناك ،ويمكنني أن أقول من خالل الظالل من الضوء داخل أن الناس كانوا يتحركون .اختبأت
في بستان فقط حوالي ١٥٠ياردة من خيمة وحاولت ان اسمع ما يقال.
كان صوت أخي مرة أخرى .وناداني باسم طفولتي" ،ھيرونكو ،انا تاداو .العديد من فرق
البحث قد غادرت ،والجنود الذين ھم ھنا ھي فقط لحمايتنا .انھم ال يحاولون قتلك .إذا وجه
جندي فلبيني سالحه عليك ،سأقفز أمامه وامنعه من إطالق النار.
"أنا أعلم ان كوزوكا قتل أمام عينيك ،ال ادري ان كنت تصدق ام التصدق .ولكن إذا كنت ال
تتصل معنا ،ال يوجد شيء يمكننا القيام به .كن شجاعا تصرف كضابط" !
استمعت إلى صوت أخي يبث ليلتين على التوالي ،لكنني فسرت ھذا أيضا على عكس ما كان
يقوله عن الخروج من الجبال .كان أخي ضابطا بالجيش ،وكان يعرف بالتأكيد ما ھي اوامري
العسكرية.
مرت ثالثة أشھر بعد وفاة كوزوكا .ويبدو أن االستطالع قد اكتمل تقريبا ،ألنني نادرا ما رأيت
"فريق البحث" بعد اآلن.
ظللت اتوقع ان ياتي وكيل سري ويؤسس اتصاال معي .ربما كان الھجوم على الفلبين قد بدأ
بالفعل .وسواء كان ذلك أم ال ،ينبغي أن يكون ھناك بعض التغيير الكبير في المستقبل القريب.
و لكن لم يحدث شىء .وكما فكرت في ذلك ،ربما أن لوبانغ وحدھا قد أعلنت نفسھا مستقلة،
وطلبت الحماية من رابطة الرخاء المشترك لشرق آسيا .وبعد كل شيء ،فإن جزيرة ناورو
الصغيرة أصبحت اآلن مستقلة .إذا لم يعد من الممكن االعتماد على أمريكا ،فقد كان السبب في
أن الفلبين نفسھا قد تتحالف مع الرابطة ولكن حتى لو لم يحدث ذلك ،فمن الممكن أن لوبانغ
قد أصبحت مستقلة وتندرج تحت حماية الرابطة .ولكن إذا كان األمر كذلك ،فلن يكون ھناك
سبب لعدم بناء قاعدة يابانية ھنا.
وفي الجزء األخير من شباط ،بدأت نداءات مكبر الصوت مرة أخرى .كان ھذا ھو ثالث فريق
بحث ،وكنت أعرف من منشورات أنه شمل زمالئي الطالب من المدارس االبتدائية
والمتوسطة ،وكذلك الجنود الذين كانوا في فوتاماتا معي.
لفترة من الوقت بقيت في مكان شمال غرب كومانو نقطة حيث يمكن أن أسمع البث ،ولكن بعد
ذلك انتقلت إلى نقطة واكاياما ومن ثم إلى كينان بوينت على الشاطئ الجنوبي .من ھناك رأيت
على الشاطئ خيمة صفراء يحلق علم اليابان فوقھا وعلم الصليب األحمر أصغر قليال .بعض
الناس في الخارج كانوا يدعون على مكبر الصوت أنھم من مدرسة كاينان االبتدائية.
لقد بدأت أتساءل عما إذا كان إخواني أو ھؤالء األصدقاء يعرفون أنھم يستخدمون من قبل
القيادة االستراتيجية اليابانية .إذا كانوا يصنعون ھذا بوعي منھم فيجب أن يشعروا بالذل وإذا
كانوا يصنعون ھذا بإخالص دون معرفة الغرض الحقيقي ،فانني اشعر باالسف حولھم .
وبعد شھرين اصبحت الجزيرة ھادئة تماما ،وظننت ان المسح قد انتھى .كان قد مر ستة اشھر
على وفاة كوزوكا وفي نحو نھاية أبريل ،اردت التحقق من ھذا االمر .ذھبت إلى كوخي في
الجبل .ھناك وجدت قصيدة سبعة عشر مقطع كتبھا والدي وتركت في الكوخ لي .تقول :
جبال سومري.
ھذا أعطاني شعورا غريبا بان جدي البعيد قد جاء الى لوبانغ.
وقد تركت الكثير من الصحف والمجالت في الكوخ ،جنبا إلى جنب مع زي فريق البحث الجديد
في كيس ،وزي رسمي قديم مع اسم إشيرو غوزن مخيط عليه .كان إشيرو غوزن في مدرسة
كاينان المتوسطة عندما كنت ھناك .فحصت الزي القديم ووجدت أنه تمزق في عدة أماكن ،وتم
كف االرجل لجعل السروال أقصر .كانت األكتاف مھترئة بشكل خاص ،وعندما رأيت أن
غوزن ،الذي كان متخصصا في الجودو ،كان لديه أكتاف أوسع من الطالب اآلخرين في
مدرستنا ،قررت أن ھذا الزي قد لبسه من قبله.
وباستخدام قلم حبر غنمته من أحد سكان الجزيرة ،كتبت الرسالة التالية على ظھر نشرة كبيرة
للصليب األحمر" :شكرا لكم على الزي الرسمي والقبعة التي تركتموھا لي .في حال لم تكونوا
متأكدين ،اسمحوا لي أن أبلغكم بأنني في صحة جيدة .المالزم الثاني ھيرو أونودا ." ،بطبيعة
الحال لم أضع التاريخ على الرسالة ،ولكن للتأكد من أنھا لن تذھب بعيدا مع الريح قبل ان يجدھا
شخص ما ،وضعت صخرة صغيرة على رأسھا.
ذھبت إلى مكان بعيد شيئا ما عن الكوخ وقرأت الصحف التي وجدتھا .علمت أن جنازة
كبيرة قد أقيمت في مانيال لكوزوكا .وقد تم إعدادھا بشكل كبير كمثال على الصداقة اليابانية
الفلبينية .لم أستطع أن اقرر على الفور ما إذا كان ھذا مجرد كالم أم ال.
لقد حكمت بأن ھذه الصحف ،خالفا لما كانت عليه في عام ،١٩٥٩قد أنتجت بالفعل في
اليابان .ومع ذلك ،فقد حيرني أنھا لم تحتوي على كلمة عن الحرب بين رابطة شرق آسيا
لالزدھار المشترك والواليات المتحدة .وضع ھذا اإلغفال جنبا إلى جنب االخطاء الموجودة في
االوراق السابقة ،قررت أن األوراق يجب أن تكون طبعت خصيصا من قبل القيادة
االستراتيجية اليابانية لغرض تركھا في لوبانغ.
خطر في بالي ان إرسال مثل ھذا "فريق البحث" الكبير لمسح لوبانج دليل أن معركة كبيرة
كانت تسير في مكان ما ،وأن أمريكا كانت تخسر .وبخالف ذلك ،كيف يمكن للقيادة
االستراتيجية أن تتكلف الكثير من االھتمام بھذه الجزيرة الصغيرة .إذا كان ھذا ھو الوضع في
الواقع ،فإن القيادة االستراتيجية ال تريد أن ترسل لي صحفا ً تقول لي عن ذلك خوفا من أنني قد
اقرر عند قراءة األخبار الجيدة للخروج من الغابة .في ذلك الوقت ،كان إغفال األخبار من
الصحف المخططة عالمة بالنسبة لي أنني يجب أن ابقى .وبالطبع كان االميركيون على بينة من
انشطة اليابان في لوبانج ،ومن الطبيعي ان يكونوا على استعداد لالحتفاظ بقوات عسكرية للقتال
فى الفلبين عندما يجيء الھجوم اليابانى.
وباختصار ،فإن وجودي في لوبانغ مكن القيادة اليابانية االستراتيجيية من اتخاذ عدد من
الخطوات التي كان من المستحيل أن تكون بدون وجودي في لوباغ .وإذا كان األثر التراكمي
ھو أن األميركيين سيحتفظون بعدد من الطائرات استعدادا لھجوم ياباني على الفلبين ،فإنه
يستحق ثمن طباعة عدد قليل من الصحف المعالجة لمنعني من إظھار نفسي .وطالما بقيت في
مكاني ،كلما كانت عمليات البحث "أكبر" ،وكلما كان ذلك سيكلف األميركيين على المدى
الطويل.
لم أكن مقتنعا %١٠٠باني كنت على حق في ھذا .ومع ذلك ،فإنه يبدو معقوال بما فيه
الكفاية .كان من المحتمل جدا أن الفلبين قد ازدادت تأييدا لليابان أكثر مما فكرت ،حتى لو كان
لوبانغ قد انفصلت عن الفلبين ،وطلبت المساعدة من الرابطة .وطبقا للورقات ،فقد أقيمت جنازة
كبيرة في مانيال لكوزوكا ،وھذا قد يعني بالفعل أن العالقات بين الفلبين واليابان كانت أفضل مما
كنت أعتقد.
قرأت الصحف مرارا وتكرارا .كانت ھناك العديد من البيانات التي وجدت صعوبة في فھمھا
.بطريقة أو بأخرى ،أقنعت نفسي بأنه سيكون من األفضل في الوقت الحاضر عدم اعتماد
تكتيكات عدوانية ضد سكان الجزيرة ،على الرغم من أنھا كانت حتى اآلن بمثابة عميل
لألمريكيين.
وقد تعھدت باالنتقام من وفاة كوزوكا ،ولكن وصول فرق البحث منعني من اتخاذ إجراء .اآلن،
وأخيرا ،كل من أطراف البحث ذھبت ،ولكن فكرة أن اليابان والفلبين أصبحا دولتين صديقتين
ادھشتني .في قلبي ھمست إلى كوزوكا" ،أنا لم انسك .فقط أعطني المزيد من الوقت" .
وصل موسم األمطار .ألول مرة ،كان علي أن بني البھائي لنفسي فقط .اخترت موقعا تحت
ذروة المراقبة بالقرب لوك ،جعلت المنزل أصغر وأبسط من ذي قبل ،ولكن على الرغم من ذلك
استغرق مني اثنين أو ثالثة أضعاف الجھد عما كان عليه الحال مع كوزوكا.
مباشرة بعد وفاة كوزوكا ،قلت لنفسي أنه لن يكون مختلفا جدا ان تعيش بمفردك ،ولكن كلما
نزلت في بقعة ،شعرت بالفرق ..مثال عندما كان ھناك اثنين منا ،كوزوكا يذھب لجلب المياه
وأنا أطھو .اآلن كان علي أن أفعل االثنين .وعندما أذھب إلى الماء علي أن أحمل بندقيتي حتى
في موسم األمطار.
الغريب انني لم اشعر بالوحدة كثيرا كما ظننت اوال .لقد شعرت ببساطة بعدم الرغبة الكبيرة
في الحديث ..كان كوزوكا قليل الكالم ،وأنا نفسي لست من النوع الذي يأخذ زمام المبادرة
في الحديث .
عندما كنت في الكوخ ،قمت باصالح المالبس واالواني .وانتظرت توقف المطر .عندما لم يكن
لدي أي عمل ،كنت افكر حول أي مدى يجب أن أذھب إلٮيه في فكرة الصداقة اليابانية
الفلبينية .في الوقت الحالي ،كنت أريد تجنب المتاعب مع سكان الجزيرة ،ولكنني أشتبه في
بعض األحيان أن ھذا كان خطأ .وقبل موسم األمطار مباشرة ،رأيت عالمات على أن سكان
الجزر بدأوا يعتدون على ما اعتبرته أراض لي
إذا واصلت البقاء ھادئا بعد موسم األمطار ،فإنھم ؤبما يظنون أنني قد فقدت رابطة جأشي ،
وھذا من شأنه أن يشجع المتعاطفين مع العدو .وإذا حدث ذلك ،ھل يجب أن أواصل االستمرار؟
كنت قد شننت حملة عدوانية ضد سكان الجزيرة لفترة طويلة ،ألنني اعتبرت أن ھذا واجبي
كعامل حرب العصابات .وبقدر ما أستطيع أن أقول ،كانت الحرب ال تزال مستمرة ،والفلبينيين،
جنبا إلى جنب مع األميركيين ،ال يزالون أعداء .ھل كان من المفترض أن أجلس ھنا وأتحلى
بالصبر عندما يكون االأعداء حولي؟
ھل الفلبينيون اآلن ودييون حقا؟ إذا كانوا كذلك فان سكان الجزيرة من األصدقاء .وإذا كان
سكان الجزيرة اآلن وديون فيجب تغيير موقفي وطريقة حياتي.
والسؤال الذي احرجني ھو كيف ينبغي أن أذھب إلي ذلك .ھناك قول مأثور أن عدو األمس
صديق اليوم ،ولكني رأيت أفضل صديق لي يذبح قبل عيني قبل ستة أشھر فقط؟ وإذا كانت
العالقة بين اليابان والفلبين ودية ،فلماذا قتل كوزوكا؟
ألول مرة منذ وصولي إلى ھذه الجزيرة ،شعرت أنني وصلت إلى نقطة تحول .أكثر فأكثر.
اجلس افكر اكثر واكثر .لقد اطلقت لحيتي منذ اليمين الذي اقسمته لالنتقام من وفاة كوزوكا.
وأخيرا انتھى موسم األمطار ،ومرت الذكرى األولى لوفاة كوزوكا،وعادة كنا نبدأ غارة
المنارات حول ھذا الوقت ،ولكن ھذا العام قررت عدم تنفيذھا لتجنب المشاكل مع سكان
الجزيرة.على أي حال ،فإن القيادة االستراتيجية اليابانية تعرف بالفعل أنني ھنا وفي صحة
جيدة .وعالوة على ذلك ،كنت أخشى أنه إذا التقيت بسكان الجزيرة فانني سانتقم منھم باقوى ما
لدي .لقد بقيت أقول لنفسي أنه حتى اتاكد من طبيعة العالقات بين اليابان والفلبين فعليا ،يجب
تجنب كل اتصال مع سكان الجزر.
في الذكرى السنوية لقتل كوزوكا ،وقفت وحدي في الغابة العميقة ودعوت .أردت أن أذھب الى
قبره ،ولكن إذا فعلت ذلك ،لم أستطع تجنب رؤية سكان الجزر يحصدون األرز ،كما كانوا قد
حصدوھا قبل عام .وأود أن أذھب في يوم آخر.
في أواخر نوفمبر تشرين الثاني قمت بزيارة كوخ الجبل ألول مرة منذ فترة طويلة .لم تكن ھناك
معلومات جديدة من القيادة االستراتيجية ،على الرغم من أنني اعتقدت أنه قد حان الوقت
لوصول بعض الرسائل السرية .وكانت الموضوعات الوحيدة االمھمة ھي نشرة كتبھا شقيقي
األصغر شيجيو ،وھي قضية لوبانغ الخاصة من مجلة كتبھا خريجي مدرسة ناكانو ،ومذكرة
من شخص يدعي أنه مسؤول في وزارة الصحة والرعاية اليابانية .وقالت المذكرة "كنت في
ميندورو اجمع رفات الجنود اليابانيين الذين لقوا مصرعھم ھناك .وقد انقضى اآلن نصف سنة
على خروج فرق البحث .قررت أن آتي وأري كيف انت ".
وحقيقة أن رجل من وزارة الصحة والرعاية قد اقر بأن رسالتي باالعتراف باستالم الزي
الرسمي تم العثور عليھا ،ولكن لم يكن ھناك شيء في المذكرة حول ھذا الموضوع ،وال يمكن
أن أجد أي تعليق حول ذلك في مجلة خريجي المجموعة.
لقد أخذت ھذا األخيربما يعني أن القيادة االستراتيجية لم تضع معلومات عني لعامة الناس
..كانوا يقولون شيئا في العلن عن الرسالة التي كنت قد كتبتھا .كانت الحرب ال تزال مستمرة
بعد كل شيء .لم يكن ھناك ما يجب القيام به ولكن االنتظار لمزيد من التواصل.
كانت نقطة واكاياما عند التقاء نھرين .كان ھناك العديد من أشجار النانكا بالقرب منھا ،و وكان
المصب بعد حوالي ثالثمائة ياردة و كان ھناك حقل موز .كانت ھذه المنطقة من أفضل
األماكن في الجزيرة لجني الطعام ،ولكن الشرطة عرفت ذلك ،وكانت ھناك دوريات متكررة.
في ١٦فبراير ،١٩٧٤ذھبت إلى منحدر حيث يمكن أن ألقي نظرة على ھذه النقطة .وإلى
جانب العلم الياباني الذي تركه فريق البحث في العام الماضي ،رأيت علما يابانيا آخر .
أعتقدت أنھم قد اتوا مرة أخرى "،أنا دمدمت " .حسنا ،دعھم يأتون"!
ثم رأيت شخص ما في ظل شجرة .لم أستطع أن أقول ما إذا كان من سكان الجزيرة ،او شرطي
أو عضو في فريق البحث الياباني.
في وقت واحد تقريبا سمعت أصواتا من مكان قريب .وكان حوالى عشرة من سكان الجزيرة
الذين كانوا فى الجبال يقطعون االشجار ينحدرون .كنت متأكدا من أنھم رصدوني .عبرت النھر
واختبأت في أشجار البوسا على المنحدر المعاكس .لفترة من الوقت بقيت ھناك حابسا أنفاسي .ثم
نظرت .لم يكن ھناك أحد في األفق ،لذلك قررت االنتقال إلى بقعة فوق حقل الموز حيث استطيع
ان أرى أي شخص يقترب من نقطة واكاياما .جاء رجالن يحمالن السالح وذھبا ،ولكن لم
يحدث شيء آخر يدعو إلى التنبيه.
بقيت في نفس المكان لمدة ثالثة أيام ،ثم نفذ طعامي بھا .قلبت قبعتي وسترتي إلى الداخل،
وغطيتھما بتمويه من األغصان واألوراق .كنت اخطط للذھاب أقرب الى النقطة وجني
بعض النانكا.
عندما بدأت الشمس في الغياب ،وأنا اسير بصمت نحو بستان النانكا . .رصدت شيئا كبيرا
وأبيض بجوار النھر ،حدقت في ذلك لفترة من الوقت ،عرفت انھا ناموسية .يبدو أن كبيرة
بما فيه الكفاية لشخصين ،وكنت على يقين من أنني قد تعثرت عبر زوجين من رجال الشرطة
يخيمون.
وكان ھذا غير محتمل .يخيمون على أراضي ،وبيني وبين الطعام الذي أحتاج إليه! عزمت
على مھاجمتھم .يجب أن يكون ھجوما مفاجئا ،إذا طردت أحدھم في البداية ،فسيبقى واحد فقط
اقاتله رجال لرجل ،وكنت واثقا من الفوز بھذا القتال .فككت قفل أمان بندقيتي.
مضيت قدما خمس أو ست خطوات مسرعا ،رأيت رجال يدير ظھره إلى النھروكان يشعل
النار ،ومن الواضح أن ذلك لطھي عشاءه .بعد التأكد من أنه لم يكن ھناك بندقية قريبة ،
صحت به.
وقف واستدار الي .كانت عيناه مستديرتين ،وارتدى بلوزة نصف كم ،وسراويل زرقاء داكنة
وصنادل مطاطية ،واجھني وحياني .ثم حياني مرة أخرى .كان يداه ترتجفان ،وكذلك ركبتيه .
كان سكان الجزيرة دائما يھربون تقريبا من الدقيقة االولى عندما يواجھونني ،لكن ھذا
الرجل وقف على األرض .صحيح أنه كان يھتز ،لكنه ادى أيضا تحية عسكرية صحيحة
.وخطر في ذھني أنه قد يكون ابن جندي في قوة االحتالل اليابانية.
قال ھذا مرتين أو ثالث مرات في صوت عالي النبرة .كان فكرتي األولى أنه كان فلبينيا يتحدث
اليابانية ،وأن الشرطة وضعته .سرعان ما نظرت حولي لمعرفة ما إذا كنت قد دخلت في
فخ يجب ان يكون ھناك شخص آخر في مكان ما .
"ال".
"ال".
"أنا سائح".
سائح ؟ ماذا يمكن أن يعني ذلك؟ لماذا سيأتي سائح إلى ھذه الجزيرة؟ كان ھناك شيء مريب
حول ھذه الشخصية ،وكنت متأكدا إلى حد ما أنه قد أرسل من قبل العدو.
واضاف "اعرف انك واجھت وقتا طويال قاسيا .الحرب انتھت .اال تعود إلى اليابان معي؟"
استخدامه تعبيرات يابانية مھذبة اقنعتني انه قد نشأ في اليابان ،لكنه كان يبسط األمور
كثيرا .ھل يظن أنه يمكن يقنعني بھذا البيان البسيط أن الحرب قد انتھت ،وان اعود إلى اليابان
معه؟ بعد كل ھذه السنوات ،غضبت
"ال ،لن أعود ! بالنسبة لي ،لم تنته الحرب" !
"لماذا ا؟"
"أنت لن تفھم .إذا كنت تريد مني أن أعود إلى اليابان ،اجلب لي أوامرعسكرية من بلدي .يجب
أن تكون أوامر سليمة" !
قلت ھذا بفظاظة ومباشرة في وجھه .وكان ھذا أول لقاء لي مع نوريو سوزوكي.
لو لم يكن يرتدي الجوارب ،ألطلقت النار عليه وعلى أقل تقدير ،لم يكن ألسمح له
بتصويري .لكنه كان يلبس ھذه الجوارب الصوفية السميكة على الرغم مع الصنادل
المطاطية .إن سكان الجزر لن يفعلوا أي شيء غير متناسب وبما انه يستطيع تحمل الجوارب
على األحذية أيضا فھوشاب ياباني حقا.
قال إنه يود أن يتكلم معي ،أجبته " :في ھذه الحالة ،دعنا نذھب إلى مكان آخر .من الخطورة
بالنسبة لي أن أقف ھنا في العراء فترة طويلة .ھيا إلى تلك المجموعة من األشجار" .
وصل إلى كيسه وسحب رواية أعطانيھا .أنا وضعتھا في الجيب الكبير من بنطلوني.
لم يكن السبب فقط عدم الرغبة في الوقوف ھناك طويال بما يكفي للعدو ليحيط بي با باالضافة
الى ذلك ففي أي لحظة قد يمر أحد سكان الجزيرة في طريقه إلى النھر لصيد األسماك .وقد قام
الشاب بالقبض بسرعة على الكاميرا وحامل الفالش ،ثم مدد يده اللتقاط سكينه ولكنه اعتقد انه
افضل من ذلك وتوقف فى منتصف الطريق.
ذھبنا عبر حقل األرز وبدأت المنحدر في الشمال .وعندما صعدنا ،قال الشاب" :إذا أخبرت
السفارة بأنني التقيت بك ،فلن يصدقوني .لذلك اسمح لي أن التقاط صورة إلثبات ذلك ؟"
وقال الشاب "يا أونودا سان :االمبراطور وشعب اليابان قلقون عليك ".
"ال".
بدأ يقول لي كيف خسرت اليابان الحرب وانھا في سالم منذ سنوات عديدة .ما قاله يتوافق
تماما مع ما كنت قد اعتبرته منذ فترة طويلة دعاية من العدو وكان مختلفا تماما عن الطريقة
التي كان حجمت بھا األشياء حسب ما اريد .إذا كان ما كان يقوله صحيح ،فيجب ان غير
طريقتي في التفكير .ھذه الفكرة تزعجني ،وبقيت صامتا.
وافقت .كان مغامرة من جھتي .كنت أعرف اآلن أن الشاب كان يابانيا ،ولكنني لم أكن متأكدا من
ھدفه الحقيقي .ومع ذلك ،إذا سمحت له أن يأخذ صورة لي ،ھناك يجب أن يكون نوعا من رد
الفعل قبل فترة طويلة.
قرب مصباحه من الكاميرا ووضعه على الحامل و بعد ان أخذ لقطتين ،قال انه غير راض.
"أنا لست واثقا جدا حول ھذه القطات .إذا كنت ال تمانع ،أود أن نأخذ صورة في ضوء النھار
غدا .حوالي الساعة الثالثة بعد الظھر سيكون وقتا طيبا ،إذا كنت على استعداد للمجيء" .
ھذا أعطاني منعطفا .ھل كان احتيال بعد كل شيء؟ مع ھذه الكاميرا المكلفة ومعدات الفالش،
لماذا يجب أن يكون قلقا بشأن النتائج؟
"أنا ال أريد أن أفعل ذلك "،أجبت عرضا .كنت أحاول التفكير في بعض الطرق لجعله يبتعد
.والخطوة األولى ،التي كان يفترض بھا ،ھي أن أطرح عليه بعض األسئلة.
حتى اآلن لم احصل على شيء منه .قبل أن أفكر في شيء آخر أسأله ،بدأ يستجوبني عن
الحياة في الجزيرة وكيف توفي كوزوكا وشيمادا والكثير من األشياء األخرى .في سياق المحادثة
أشرت إلى شيء حدث في اليابان مؤخرا.
مندھشا ً ،استفسر" ،كيف عرفت عن ذلك؟"
ھذا فاجأه حقا له .استمع مع الفم المفتوح كما قلت له كيف حصلنا على الراديو .أنا ،من جھتي،
واصلت مراقبة ردود أفعاله عن كثب ألي عالمة على أنه قد ال يكون ما قال انه كان .لم أكن
أتحدث مع أي شخص منذ وفاة كوزوكا قبل ستة عشر شھرا ،وكنت قد استمتعت بنفسي ولكني
خفت ان يكون عميال للعدو.
بعد أن تحدثنا مدة ساعتين ،سأل" :ماذا أفعل إلقناعك بالخروج من الغابة؟"
"فقط ما تقول الصحف" ،أجبت" .الرائد تانيغوتشي ھو مسئولي المباشر .أنا لن استسلم حتى
يكون لدي أوامر مباشرة منه".
لم يكن الرائد تانيغوتشي ،في الواقع ،مسئولي الكبير المباشر ولكني قرأت في إحدى الصحف
التي تركھا فريق البحث الذي قاله الرائد تانيجوتشي إنه كان .وھذا يعني أن الرائد تانيغوتشي لم
يعد يشارك في أسرار الجيش .لم أفھم السبب ،إذا كانت الحرب قد انتھت حقا ،لماذا لم يقدم
الرائد تانيغوتشي بعض التوضيحات التي تشعرني بذلك أو يرسل لي رسالة مكتوبة .إذا ،من
ناحية أخرى ،اذا كانت الحرب ال تزال مستمرة ،لماذا لم أتلق أوامر جديدة ؟
وعلى أية حال ،بدون إثبات أن نوريو سوزوكي لم يكن عميال للعدو ،لم أستطع أن أذكر اسم
قائدي الحقيقي ،الفريق شيزو يوكوياما ،أو حتى قائدي الرائد تاكاھاشي .وباختصار ،فإن االسم
الوحيد الذي يمكن أن أذكره ھو اسم الرائد تانيغوتشي.
وقال سوزوكي "دعني امشي في ھذا االتجاه " ".إذا أحضرت الرائد تانيغوتشي ،وأخبرك أن
تأتي إلى مثل ھذا المكان ومثل ھذا الوقت ،سوف تأتي ،أليس كذلك؟"
نعم".
وكنت أنوي التأكد من أنني أتعامل مع الرائد الحقيقي تانيغوتشي ،ولكن يبدو أنه ال توجد مشكلة
من االجتماع ھنا .
الختبار صديقي الجديد ،قلت" :لماذا ال أذھب معك إلى معسكرك وابقى معك؟ ثم يمكنك التقاط
صورتك في الصباح" .
كان ھدفي الحقيقي ھو إبقائه تحت الحراسة حتى الصباح .وھذا يعني البقاء مستيقظا طوال
الليل ،ولكن ھذا كان مجرد جزء من عملي .على أي حال ،ھذه الفكرة حمستني قليال.
وصلنا أمام الناموسية ،جلست على الرمال ،ووضعت حقيبتى بجانبي ،ووضعت بندقيتى علٮھا
.كانت الرياح قد سكنت ،وكان الليل مظلما ً.
من حقيبة ظھره ،اخرج سوزوكي علبة من الفاصوليا المحالة وقنينة من العصير ..
،ولكنه الحظ أن ليس لدي ملعقة للفاصوليا ،ودخل في الناموسية وأحضر واحدة منا ،أخذت
الملعقة وأكلت من علبة الفاصوليا .أخذت الملعقة في فمي وذقت نكھة رائعة .شعرت أنه ألول
مرة منذ ثالثين عاما أكل شيئا مناسبا للبشر .لساني وفمي كله ذاب.
وقال سوزوكي" :أنا محظوظ .لم أحلم أبدا أن ألتقي بك بعد أربعة أيام فقط ھنا".
نظرت إلى السماء دون قمر .كانت ھذه ھي المرة األولى التي أجلس منذ وقت طويل في مثل
ھذا المكان المفتوح لفترة طويلة ،حتى في الليالي المظلمة جدا.
أجبت على أسئلته عن طعامي ،وعن الطقس في لوبانغ والجزيرة .حتى قلت له عن حياتي في
ھانكو وتجربتي في الجيش قبل لوبانغ .قفزت من موضوع إلى آخر وخرجت عن السياق عدة
مرات ،ولكن ھذا ال يبدو أنه يزعج سوزوكي .ما كنت أحاول حقا القيام به ھو محاولة لمعرفة
شيء عنه -أي نوع من شخص كان .ويبدو أنه ،من جانبه ،يشعر بالنعاس ،ولكن من وقت
آلخر كان يفتح عينيه شبه المغلقة ويسأل سؤاال آخر.
"قلت له " :إذا كنت نعسانا اذھب إلى الفراش .سأبقى ھنا معك حتى ترتفع الشمس لتتمكن من
التقاط الصورة".
نھض وبدأ يحدثني عن نفسه .وقال انه كان يتجول في جميع أنحاء العالم ،زار خمسين بلدا في
أربع سنوات .ذكرني بنفسي في تلك األيام الخوالي قبل أن أدخل الجيش .جذبني إلى حد ما.
في وقت الحق كتب انني قد تحدثت طوال الليل دون انقطاع .لم يكن ھذا ألنني كنت مفتونا
بسماع صوتي .وانما على أمل الحصول على نوع من رد فعل أو معلومات منه ،أطعمته
مجموعة واسعة من الحقائق التي ال يضرني أن يعرفھا لكن عندما سأل عن عدد الرصاصات
التي لدي ،رفضت رفضا قاطعا.
في نھاية المطاف وقف وقال" :أنا جائع .دعنا نطھو بعض الطعام " .ذھب الى النھر للحصول
على المياه ،واتخذت الحذر من الذھاب معه.
عندما أخرج مجموعة ادواته الشخصية ،عادت فجأة شكوكي .كانت ادواته من النوع الذي
يحمله الجنود األمريكيون.
كما ازددت حذراً عندما انتزع بعض األوراق من شجرة قريبة وقال" :دعنا نضع بعض ھذه
للنكھة".
وأوضح أنه علم ذلك من سكان لوبانغ .على الرغم من أنني كنت في الجزيرة لمدة ثالثين عاما،
لم اشاھد سكان الجزيرة اثناء إعداد الطعام ،كما أنني لم أر ھذه األوراق في األواني التي
تركوھا وراءھم في الجبال .لم أكن أعرف حتى اذا األوراق كانت صالحة لألكل .كما وجدت
أنه من الغريب أنه وضع نكھة مصنوعة من تخليل سمكة صغيرة توجد في الجزيرة في الملح
.كنت أعرف أن أھل الجزيرة ياكلونھا ،ولكن ھل السائح الذي كان ھنا أربعة أيام فقط يعرف
ذلك؟
وجدت ان ھذه األوراق والتوابل سبب واف لالشتباه ،وعندما قدم الطعام ،كنت حريصا على
عدم التقاط عيداني اال بعد أن بدأ األكل.
طمأنني إلى حد ما بالقول" :لم يخطر على بالي أنني في يوم ما اجلس ھنا معك واكل من
نفس المقالة .يشرفني".
وبينما كان يصنع القھوة ،ھبت الرياح مرة أخرى .لم يكن ھناك ما يكفي من الخشب على النار،
ارتفغ الدخان عاليا التقطنا بعض القطع من الخيزران التي كانت ملقاة ووضعناھا على النار،
ولكن الدخان استمر في االرتفاع نحو السماء الصافية ثم انتشر باتجاه النھر .لسنوات طوال لم
اجرؤ على اشعال النار دون حفظ الدخان إلى أدنى حد ممكن ،لم اشعر باالرتياح وعندما
انتھينا من القھوة ،قلت له " :دعنا نذھب إلى الجبال".
"مضينا قدما ،صعدت إلى مكان أعلى إلى حد ما من المكان الذي كنت قد موھت نفسي في
المساء من قبل .جلست في بقعة يمكن من خاللھا أن ألقي نظرة على النھر ،وأزلت األوراق
واألغصان من قبعتي وستراتي ،وحولت الجانب األيمن من المالبس .بعد وضع سترتي مرة
أخرى ،شمرت األكمام وعقدت ذراعي بحيث يستطيع سوزوكي أن يرى ندبة ھناك.
"ھذا "،قلت له" ،ھو ما يسمونه " عالمة فارقة ".تأكد من أنھا وشعار االمبراطورية على
بندقيتي تظھر في الصورة" .
كانت الندبة من جرح اصبت به في المدرسة المتوسطة .بينما كنا نمارس الكندو ،كان سيف
خصمي قد كسر واصاب ذراعي .أخوتي وزمالئي في المدرسة المتوسطة يعرفونھا.
حول بندقيتي من الجانب ،و وضعتھا على ركبتي .ركز سوزوكي الكاميرا وأخذ عدة
لقطات .على افتراض أنه قد انتھى ،بدأت الرحيل .لم أكن أرى أي غرض في البقاء لفترة أطول.
ولكن سوزوكي قال" :انتظر لحظة .اذا لم اخذ صورة لالثنين معا ،فان الناس قد يعتقدون اننى
زورت الصور".
فعلت كما طلب .لم أكن أعرف ما إذا كان صديقا أم ال ،ولكنني كنت واثقا من ھذا الوقت أنه
ليس عدوا.
عندما أخذ الصورة ،وقال" :اال تريد أن ترى أزھار الكرز مرة أخرى؟ اال ترغب في رؤية جبل
فوجي؟"
دون اإلجابة على ھذه األسئلة ،قلت" :أنا في الثانية والخمسين من العمر ،ولكن جسديا ال أعتقد
أنني أكثر من سبعة وثالثين أو ثمانية وثالثين .طالما جسدي صحيح ،وأنا قوي بما فيه الكفاية
عقليا فلن افعل شيئا لتدمير حياتي الخاصة" .
"أونودا سان" ،وقال على محمل الجد" ،إذا كان ھناك أوامر رسمية من رئيسك ،ستخرج حقا ،
أليس كذلك؟ أنت ال تمزح ،إذا حددت لك الزمان والمكان ،سوف تأتي حقا؟"
في الليلة الماضية ،كنت قد أخبرت سوزوكي كل شيء كان علي أن أقوله .حتى لو كان عدوا
ستصل رسالتي بطريقة أو بأخرى إلى اليابان ،وأن وصفي لوفاة شيمادا وكوزوكا سيتم نقلھا إلى
أسرھم.
كنت مرتاحا الني اخرجت ذلك من صدري .ربما اقتل او اموت من المرض فلن ابالي بعد اآلن
الني اوصلت الرسالة واديت االمانة .شعرت أيضا أكثر البھجة ألنه كنت قادرا على التحدث
إلى شخص ما باليابانية بعد أشھر عديدة من العزلة.
وقال سوزوكي" :سأعود إليك بأسرع ما أستطيع ".وقال "ان الصحافة ستصنع من ھذا قصة
ضخمة .انت لن تصدق ذلك" !
ضحك ثم حياني .أومأت وصافحته .كان سعيدا حقا ،وأعتقد أنه ذو وجه جيد وصادق.
قلت وداعا وحملت حقيبة الظھر وبدأت المشي نحو الجبال .كانت الشمس مرتفعة اآلن والجو
أكثر سخونة .تسارعت وتيرتي .سوزوكي قد يكون له وجه صادق ،ولكن إذا كان يعمل
للعدو ،فاألفضل التحرك إلى أبعد حد ممكن قبل أن تتاح له فرصة لإلبالغ.
أبتعدت قليال رأيت ثالثة أو أربعة من سكان الجزر يقطعون األشجار .عبرت الوادي واختبأت
في الشجيرات على المنحدر المعاكس .فعال لم اكن اعول كثيرا على سوزوكي .تذكرت
كوزوكا ،الذي قال " :دعنا ننتظر أن يأتي الناس الينا ،ولكن دعنا ال نعتمد على ھذا".
في صباح اليوم التالي ذھبت إلى جبل األفعى للتحقق من الذخيرة التي كنت قد مخبأة ھناك.
لقد كنت أعتزم االستمرار في ھذه الجزيرة ،إذا لزم األمر ،ألكثر من عشرين عاما .قادمة وكما
قلت لسوزوكي ،اعتبرت جسدي في عمر سبعة وثالثين أو ثمانية وثالثين سنة و كنت واثقا
من أنني يمكن أن استمر لمدة عشرين عاما ً اخرى .
وكان السبب الرئيسي للتحقق من الذخيرة للتأكد من أنني لن اضيع موقعھا بالضبط .كما أردت،
للتحقق من عدد من الرصاص ،وتقسيمھا على عشرين ،وتحديد كم يمكن ان استخدام في
السنة.
خالل السنوات األولى ،كنت قد استخدمت حوالي ستين طلقة في السنة ،ولكن في السنوات التي
سبقت وفاة كوزوكا ،انخفض ھذا العدد إلى حوالي عشرين .اآلن بعد أن كنت وحيدا ،قد اضطر
إلى استخدام المزيد في حال واجھت دوريات العدو ،ولكنني آمل أن اكون قادرا على االحتفاظ
بعدد يكفي لما ال يزيد عن أربعين أو خمسين سنة.
وبعد أن حسبت الرصاص ،وضع الثلث جانبا كذخائر احتياطية ،في حالة نشوء حاجة غير
متوقعة وقسمت عدد الرصاص المتبقي على عشرين ،وجدت أنني يمكن أن تستخدم ثالثين
رصاصة في السنة واعتمدت ھذا .
وقد مضى حوالي عشرة أشھر اآلن منذ رحيل فرق البحث التي شاركت فيھا أسرتي
وأصدقائي .كنت قد توقعت جيشا صديقا يھبط في أي وقت ،ولكن لم يكن ھناك أي كلمة
أخرى .لقد بدأت أعتقد أن الخطط قد تغيرت.
اعتقدت ايضا بانني إذا تمكنت من العودة إلى اليابان فال يزال يتعين علي العمل والعرق كل
يوم ،ويمكنني أن أفعل ذلك أيضا على لوبانغ .كان للبقاء ھنا ميزة واحدة :إذا مت فسيكون
الموت اثناء أداء الواجب .،وھذه الفكرة اغرتني .
قبل السماح لسوزوكي لتصوير لي ،قلت له" :لقد غامرت بحياتك لتاتي الى ھذه الجزيرة .اآلن
حان دوري للمغامرة" .
لم أكن أعتقد حقا ما قاله عن انتھاء الحرب .وفي عدة حاالت ،اتفق ما قاله مع ما سمعته عبر
الراديو وقرأته في الصحف ،ولكنني ما زلت أشاھد تناقضات ال يمكن تفسيرھا .وإذا كانت
الحرب قد انتھت فعال ،فلماذا يرسل فريق البحث الكبير إلى لوبانغ؟ لماذا يسمون أنفسھم "فريق
بحث" بينما الغرض ھو مسح الجزيرة؟ ألم يكن ھذا المسح دليال على أن لوبانج اعتبرت مھمة
جدا من وجھة النظر االستراتيجية؟
ومن المؤكد أن الحرب بين أمريكا ورابطة شرق آسيا ال زالت مستمرة ،وطالما استمرت ،لم
أستطيع إھمال واجباتي ولو ليوم واحد .وإلى أن تصل بعض األوامر السرية الجديدة ،فال بد
الكفاح من للمحافظة على األراضي التي كنت احتلھا".
ومع ذلك ،وجدت أنني ال يمكنني تجاھل سوزوكي تماما .لقد شرح كيف كانت األمور .وكان
تسعة وتسعين في المئة ال يصدق ،وكنت في شك حول الواحد في المئة المتبقي .كان ذلك في
الواقع ھو الذي جعلني اسمح لسوزوكي بأخذ صورتي .إذا كانت الحرب قد انتھت فعال ،كما
قال ،فإنه سيخبر على الفور الرائد تانيغوتشي عن اجتماعه معي ،وسوف يرسل الرائد
تانيغوتشي كلمة من نوع ما إلي.
ولكنني على يقين من أن ھذا لن يحدث .وكان الرائد تانيغوتشي يعرف جيدا تماما طبيعة األوامر
التي كنت قد جئت بھا إلى لوبانغ ،وكان يعلم أنني ال يمكن أن يغادر الجزيرة ما لم يتم إلغاء
ھذه األوامر بشكل صحيح.
وكانت تلك ھي النقطة الرئيسية .القيادة االستراتيجية لم تلغ اوامري .وھذا يعني ببساطة أنھم
يريدون مني البقاء في الجزيرة.
وذكرت الصحف ان الرائد تانيجوتشى اصبح االن بائع كتب يعيش فى محافظة
ميازاكي .ولكنني أظن أن ذلك كان مجرد استھالك اعالمي ،وأنه في الواقع ال يزال عميال
سريا متنكرا في صورة مدني .ليس من السھل على الناس الذين يشاركون في حرب سرية
العودة إلى الحياة المدنية.
وعالوة على ذلك ،إذا كانت الحرب قد انتھت بالفعل قبل ثالثين عاما ،فلماذا ال يأتي اسم الرائد
تانيغوتشي إال في ھذا التاريخ المتأخر؟ لماذا لم يكن قد أصدر أوامر جديدة لي باسمه في وقت
سابق بكثير؟ وبما انه لم يفعل ذلك فھذا دليل على أنه ال يزال ينخرط في حرب سرية .ومما
ال شك فيه أنه قد أعطيت له بعض المھام الجديدة التي استتبعت تظاھره بأنه مواطن عادي.
صحيح ،لقد مرت ثالثين عاما ،وكان من غير المرجح أن لواء سوجي الذي كنت عضوا قد
استمر دون تغيير .ومع ذلك ،عندما حصل الجيش الجديد على ملفات وسجالت الجيش القديم
من الطبيعي أن يمر على ذلك ،ويجب أن يعرف اسمي ومكان وجودي .
حسنا ،كنت قد خاطرت على واحد في المئة .الشيء الوحيد الذي يجب القيام به اآلن ھو
االنتظار والنظر دون االعتماد كثيرا على النتائج.
عندما انتھيت من عد الرصاصات ،بدأت بدوريتي المعتادة .لم أتمكن من النظر في االجتماع مع
سوزوكي كأي شيء أكثر من تحول غير متوقع.
وداعا لوبانغ
نادرا ما كنت احلم .وعندما فعلت ،كان دائما تقريبا نفس الحلم.
رأيت اني أدافع عن نفسي ضد دورية العدو التي رصدتني .كان الرصاص ينطلق من جھتي
محدثا ازيزا ،وكنت ارد على النار من وراء ستار ما .وأود أن اھدف واسحب الزناد ،ولكن
طلقة البندقية ال تنفجر .ھل كانت طلفة سيئة ،أو ان البندقية ال تعمل بشكل صحيح؟ وأود أن
سحب الزناد مرة أخرى ،ومرة أخرى البندقية ال تطلق النار .وبحلول ھذا الوقت كانت
رصاصات العدو تزن قريبا من أذني ..محاولة أخرى وال فائدة . .كسرت البندقية. . . .
حلمت أنني استيقظ من ضجيج وبدأت أسأل كوزوكا إذا كان قد سمع ذلك أيضا .ولكن كوزوكا
لم يكن ھناك ،وتساءلت أين كان .ثم استيقظت وأدركت أنني كنت أحلم .كوزوكا لم يكن ھناك
ألنه مات .فقط بعد ھذا أستيقظ حقا .كان حلما في حلم.
كوزوكا لم يظھر سابقا حتى في حلم داخل حلم .ال شيء جعلني أشعر بالوحدة أكثر من تلك
الفكرة.
في الخامس من آذار ،بالقرب من كوخ الجبل ،سمعت أصوات متحمسين من سكان
الجزر .وتساءلت عما كانوا يفعلونه عميقا في الجبال.
فجأة خطر لي ان سوزوكي ربما عاد إلى الجزيرة .وقد مر حوالي أسبوعين ،قدرا كبيرا من
الوقت بالنسبة له للذھاب إلى اليابان والعودة .كنت قد أعطيته كلمتي ،وكنت أعتقد أننه يجب
على األقل ان اذھب واعرف ما إذا كان قد جاء .إذا كان جاء فليس من الصحيح ان اتركه .لقد
كان مسرورا جدا ومبتھجا عندما وعد أن يأتي مرة أخرى.
ذھبت إلى كوخ الجبل ،ولكن لم اجد شيئا جديدا .قررت أن الصرخات المتحمسة التي سمعتھا
ال تعني شيئا أكثر من أن المواطنين قد صادوا جاموس الماء .لم يكن لدي أي اعتراض على
ذلك .دعھم ! لدي غذاء لمدة يومين ،ولم أكن أزمع الرحيل حتى آكله .قضيت الليل على
منحدر قريب.
بعد يومين تذكرت أنني قد اتفقت مع سوزوكي على ترك رسائل في صندوق تم إنشاؤه
بواسطة أطراف البحث على صخرة في جبل االفعى .ربما اجد رسالة ھناك .عند الغسق ،ذھبت
ألرى .
تم ربط حقيبة بالستيكية جديدة تماما إلى جانب الصندوق .كنت أعرف أنه يجب أن
يعود .فكرت في سوزوكي انه ودي ،وصادق وقررت أنني ربما كنت مخطئا للشك فيه
في الكيس كان اثنان من الصور التي كان قد اتخذھا كدليل ومذكرة تقول" :لقد عدت لك ،كما
وعدت" .كانت ھناك أيضا نسخ من أمرين عسكريين .
في اللحظة التي نظرت فيھا إلى الصور ،التي تم تكبيرھا إلى ثمانية بحجم عشرة ،وجدت انني
شبه اعمامي واخوالي .ويبدو لي أيضا أنني اشبه الجنراالن ساداو أراكي و سينجيرو ھاياشي،
وحدثت نفسي أنه إذا بقى رجل في الجيش منذ فترة طويلة ،ربما ال يكون في ھذا الشكل .كانت
ھذه ھي المرة األولى منذ ثالثين عاما التي رأيت فيھا صورة وجھي غير انعكاس صورتي في
النھر.
وكان األمر االول من مقرمنطقة الجيش الرابع عشر واآلخر من السرب الخاص .األول ،الذي
صدر باسم الجنرال ياماشيتا ،كان نفس الذي أسقط من قبل واالمر االخر قال ان "التعليمات
ستعطى للمالزم أونودا شفھيا".
تعليمات شفھية ! ھذا ما كنت في انتظاره كل ھذه السنوات .بالنسبة للرجال في وحدات خاصة
مثلي ،كانت ھناك دائما أوامر شفوية مباشرة باإلضافة إلى تلك المطبوعة المعتادة .وإال ،كان
من المستحيل الحفاظ على السرية.
لقد وضعت خططي .المسافة الجوية من جبل األفعى إلى نقطة واكاياما حوالي ستة أميال ،ولكن
الطريق ينطوي عبور العديد من الجبال والوديان .وتستغرق الرحلة ثماني أو تسع ساعات مشيا ً،
لكنني قررت السماح بنفسي يومين .خوفا من المشي مع سكان الجزيرة ،لم أستطع المشي إال
في الصباح الباكر وفي وقت متأخر من المساء ،ولم أكن أريد أن اتقدم بسرعة كبيرة ،ألن
التسرع يميل إلى جعل الشخص مھمال حول محيطه.
في ذلك المساء عندما استرحت في شينغو بوينت ،سألت نفسي ما ھي األوامر الشفوية .قد تكون
بطبيعة الحال مجرد البقاء في لوبانغ ومواصلة القتال .أو قد يطلبون مني أن انتقل إلى موقع
جديد تماما .وبالنظر إلى أن الكثير من الناس قد جاءوا في العام السابق الستطالع الجزيرة ،بدا
من الممكن أن تكون القيادة االستراتيجية اآلن تعرف كل ما تريد معرفته وقد تعفيني تماما من
واجباتي .واليقين الوحيد ھو أنه إذا كانت أوامر شفوية ،فإنھا كانت سرية.
ويفترض أن الرائد تانيغوتشي قد جاء ألنني كنت قد ذكرت اسمه لسوزوكي ،لكنه كان حقا
الفريق يوكوياما الذي أعطاني األوامر والرائد تاكاھاشي الذي ارسلني الى لوبانغ .أي أوامر
شفھية جديدة يجب أن تأتي بشكل صحيح من الجنرال يوكوياما ،ولكن من المفترض أن القييادة
الرئيسية في اليابان اختارت الرائد تانيغوتشي كبديل ألنه كان على دراية بالوضع .قد يكون
الرائد تانيغوتشي ظاھرا بائع كتاب ،ولكن في الواقع كان ال يزال عميل حرب سري.
صحيح ،أنني لن أعرف حتى أرى الرجل سواء كان حقا الرائد تانيغوتشي أم ال .كانت الحقيقة
الواضحة ھي أنني قد أذھب إلى مصيدة العدو ،وإذا لم أمارس أقصى قدر من الحذر فسينتھي
األمر بإطالق النار علي في الظھر .يجب أن اكون حذرا قدر اإلمكان ،وفي الوقت نفسه اكون
مستعدا الطالق النار لفتح طريق للخروج إذا وجدت فجأة نفسي محاصرا.
أمطرت السماء في اليوم الثاني من رحلتي .عندما توقفف المطر في المساء ،بدأت المشي مرة
أخرى ،ولكن سرعان ما سقطت علي المياه من األشجار .كان ذلك تقريبا نفس المشي في
المطر.
وفي اليوم التالي قدم لي الرائد تانيغوتشي اوامري الشفوية من السرب الخاص بمقر رئيس ھيئة
األركان.
خارج الخيمة كان ضوء النھار ،صباح اليوم األول في ثالثين عاما بدون أي واجبات عسكرية
للقيام بھا.
نھض الشاب سوزوكي وسأل عما إذا كان ينبغي أن يدع اآلن يعرفون اآلخرين عن وصولي.
ذھبت مع الرائد تانيغوتشي إلى نھر أغكويان للغسل .سلم لي شفرة الحالقة واقترح أن أحلق.
قلت " :سوف احلق لحيتي .لست بحاجة اليھا لتخويف سكان الجزيرة اكثر
"قال الرائد :ال .اتركھا ،ألن الرئيس طلب تحديدا أن تأتي كما كنت في الجبال".
"الرئيس؟"
"نعم ،قال فرديناد ماركوس رئيس الفلبين أنه يريد أن يراك بعد العثور عليك".
"كونك ھنا ،ال تعرف ذلك االن ،ولكنھم سيتحفلون بك عند العودة الى اليابان ستكون من
المشاھير .سيكون عليك الظھور في جميع أنحاء البالد .قد تبدأ كذلك في التعود على
مستحضرات التجميل" .
وللمرة األولى ،ضحك الرائد تايبغوتشي .لم أستطع أن أفھم في البداية ما كان يقصد من الظھور
في جميع أنحاء البالد .ولكني وضعت المحلول على وجھي على أي حال .كان العطر الذي لم
أشم رائحته منذ تركت ھانكو ،منذ أكثر من ثالثين عاما.
عاد الرائد تانيجوتشي إلى الخيمة التي كانت أمامني ،وأصبحت بالمالبس الداخلية فقط حتى
أتمكن من غسل ثيابي .لم أتمكن من استخدام الصابون ،ألن ذلك سيغسل الكربون من أواني
الطبخ التي كانت مصبوغة به .فقط شطفت كل شيء في الماء الزالة العرق.
بعد ان نھيت الغسيل ،وقفت انظر إلى النھر لفترة ،ثم نظرت إلى الشمس .كنت كلما عبرت ھذا
النھر في الماضي ،انظر أوال بعناية في كل االتجاھات ،ثم اقطع النھر عبر مجموعة
من أشجارالبوسا .اليوم اقف ھنا شبه عار مع ضوء الشمس يتدفق على .كان شعوراً غريبا ً.
ماذا يحدث اآلن؟ وكان الرائد تانيغوتشي قد قال إن بإمكاني العودة إلى اليابان فورا ،ولكن فكرة
العودة ومحاولة العيش بين الناس العاديين أخافتني .لم أستطع تخيل ذلك تماما.
عندما خرجت من مطار أوتسونوميا قبل ثالثين سنة ،تجاھلت كل ما عندي من آمال شخصية
للمستقبل .قلت لنفسي في ذلك الوقت يجب أن أنسى كل ذلك ..وبعد ذلك ،كلما بدأت في
التفكير في المنزل أو عائلتي ،اطرد تلك األفكار من راسي وأصبح ھذا األمر عادة ،وفي نھاية
المطاف توقفت األفكار القادمة .ألكثر من عشرين عاما مضت لم اكن افكر في منزل اواسرة
اال نادرا جدا ،و لم أحلم مرة واحدة عن عائلتي .كانت مھمتي العسكرية ھي حياتي وھمي .
واآلن انتھت الحياة العسكرية ،وأزيل ھذا الدعم فجأة .. .عندما نظرت إلى الحرجة السميكة
من األشجار عبر النھر،رايت وجه أخي تاداو يطفو أمامي.
فكرت" ،ربما أذھب إلى البرازيل ،حيث يعيش تاداو ،واصبح مزارعا .لقد اعتدت على
الغابة . . .وقالت احدى ھذه المنشورات ان تاداو لديه ستة اطفال .لقد كان ابن اثنين وثالثين
عاما عندما غادرت اليابان قبل ثالثين سنة " .
ألول مرة ،بدأت أشعر بوزن تلك السنوات الثالثين ،ولكن ذھب خيالي الى االمام
"ربما يسمح تاداو ألحد أوالده ان يعيش معي ويساعدني في الحقول. . ".
انتھيت من عصر مالبسي وأخذتھا إلى الخيمة ،ال ازال ارتدي فقط مالبسي الداخلية .ھذه ھي
المرة األولى التي افعلھا خالل السنوات التي مرت علي في لوبانغ ،وھذا جعلني عصبيا.
سارعت الى االمام بخطوات واسعة
ناولني الرائد تانيغوتشي بعض المالبس الداخلية الجديدة قائال " :أعطتني زوجتي ھذه لك"
اخذتھا على الفور .أخذ سوزوكي بشكل خاطئ صورة لي وانا أغير مالبسي الداخلية ولكني
كنت سعيدا عندما عرفت في وقت الحق أن الصورة لم تخرج.
تناولنا الثالثة وجبة اإلفطار من األرز األحمر واألسماك والخضار المطھية ،وكلھا من
علب .نحن ناكل بفارغ الصبر.
اضاء سوزوكي منارة يشير إلى اآلخرين أنني ھنا .وبعد ساعتين وصلت الوحدة من برول
إلى نقطة واكاياما .وكان من بينھم اخي االكبر توشيو .وضع كلتا يديه على كتفي وقال" :لقد
وجدناك أخيرا " وكان ھذا لم الشمل بعد ثالثين عاما.
كانت الطريق المؤدية إلى برول ضيقة و ال نكاد تسع رجلين ،لكن العقيد لوس بانيوس )قائد
المنطقة( والمقدم باوان )قائد قاعدة الرادار( أصرا على المشي على جانبي.
لبست حلة قدمھا لي قدمھا أخي وأعطيت كاميرا احملھا في يدي اليسرى .دون أن أسأل،
فھمت لماذا كان علينا أن نسير ثالثة مع بعض على الطريق الضيق :كان ھناك احتمال أن أحد
سكان الجزيرة قد يطلق الرصاص علي .كان لديھم سبب ليكرھوني.
كان الضابطان يلقيان نظرات حادة إلى اليمين واليسار .في بعض األحيان كانا يسيران امامي
وخلفي .في مناطق أخرى كنا كتفا الى كتف .كنت ممتنا الھتمامھم ،ولكنني في اعماق نفسي لم
أكن أفكر في ان تطلق علي النار.
وعندما دخلنا بلدة برول ،كان ھناك جنود فلبينيون يحملون رشاشات أوتوماتيكية مصطفين على
طول الشارع على مسافات تبلغ حوالي ١٠ياردة .وعلى الرغم من ھذه االحتياطات األمنية،
عندما توقفنا للراحة في منزل العمدة ،لم يسجل سكان الجزيرة الذين نظروا إلى النوافذ سوى
الفضول على وجوھھم .لم أر أي عالمات للغضب.
بعد أن تناولنا بعض المشروبات الغازية ،بدأنا في تسلق جبل األفعى للحصول على بندقية
كوزوكا وسيفي .وعندما خرجنا من المنزل ،وجدنا أن عدة مئات من سكان الجزيرة قد تجمعوا
في الشارع الرئيسي .كانوا جميعا يضحكون ،و بعضھم يلوحون لنا .لم يكن ھناك وجه غير
ودي بينھم .كان أخي مرتاحا بشكل كبير.
عندما جئت ألول مرة إلى لوبانغ ،لم يكن في برول سوى خمسة عشر أو ستة عشر منازل
.اآلن ھناك حوالي مائة منزل .مرة أخرى شعرت بسنواتي.
بدأت تسلق جبل األفعى بوتيرتي المعتادة ،ولكن الرائد تانيغوتشي وسوزوكي والقوات الفلبينية
معنا سقطوا قريبا .اضطررت إلى التوقف وانتظارھم للحاق بي.
ضحك الرائد تانيجوشي وقال" :عندما يقول أونودا" ثالثين ياردة" ،فھو يعني" ثالثمائة ياردة
" ".
اخرجت بندقية كوزوكا من الشقوق بين الصخور في كھف ،وكذلك السيف ،والخنجر الذي
اخذته من والدتي .بحلول ھذا الوقت كانت الشمس قد غابت.
بدأنا مرة أخرى بمساعدة مصباح المقدم باوان ،ولكن كان الجو مظلما لدرجة أننا توقفنا
وأخرجنا شعلة من أوراق النخيل .مشيت مع الرائد تانيغوتشي تحت ضوءھا .لقد ابتلت سيقاننا
جميعا في شالل النھر.
في قاعة الحراسة في قاعدة الرادار ،لبست مالبسي القديمة امتثاال لطلب الرئيس
ماركوس .وباعتباري "سجينا" اعترف بالھزيمة وفقا لألوامر ،لم أكن في وضع يسمح لي
باالعتراض .ببساطة فعلت ما طلب لي .
وقد اصطف الجنود الفلبينيون على جانبي طريق االسفلت فى القاعدة وھم يحيوني برفع
اسلحتھم .تحية لي ؟! ال اكاد اصدق ھذا النني لست أكثر من أسير حرب .لقد ذھلت .
المكان مضاء مثل ضوء النھار .أخذت سيفي ،ملفوفا بقطعة قماش بيضاء ،في يدي اليسرى،
تقدمت نحو اللواء انكودو وبعد تحيته عقدت السيف بكلتا يدي وقدمته له .أخذه مني باختصار
كاشارة للقبول ،ثم أعاده الي ،اجتاحني في تلك اللحظة فخر الساموراي .
تذكرت كوزوكا ينظرالى ھذه القاعدة ويقول " :سنأخذ ھذه في بعض االيام ،اليس كذلك؟"
ولكن كيف كان غريبا أن يتم استقبالي ھنا مثل الجنرال المظفر ! بعد أن الحظت االھتمام الذي
أعطته الصحف اليابانية لوفاة كوزوكا ،أدركت فجأة أنه يجب أيضا أن تثير ضجة كبيرة حولي.
" يجب اال أخيب ظنھم " " ،مالبسي قد تكون غير مرتبة ،ولكن سأحاول أن ابدو كجندي".
في تلك الليلة في غرفة أركان الضباط ،رسمت مخططات تبين أين أخفيت ذخائري والمالبس
اإلضافية ،حتى تتمكن وزارة الصحة والرعاية من العثور عليھا في وقت الحق .عندما
رسمت الرسوم البيانية ،ضحكت بحكمة أن كل أحالمي قد انتھت كحلم.
كان حلمي جعل لوبانغ .معقال .الميناء في تيليك يمكن أن يكون قاعدة غواصات ذرية أو شيء
من ھذا القبيل ،وأود أن اطور المناطق الجبلية بطريقتي الخاصة .سنزرع المزيد من النخيل
واألرز ،ونربي المزيد من األبقار .وستصبح الجزيرة مكتفية ذاتيا وحصنا منيعا .
رغم أنه تم لم شملنا بعد ثالثين عاما ،لم أكن قد تحدثت معه كثيرا .عندما انتھيت من رسم
مخططاتي ،نظرت إليه .يبدو أنه كان يحدق في مظھري .كان عيناه تطرفان بارتباك.
في اليوم التالي ذھبت إلى قبر كوزوكا .رأيت كوزوكا على التل ،يصرخ "انه صدري!" ويسقط
.رأيت أيضا شيمادا يقع في غونتن.
قال كوزوكا :ايھا المالزم ،لننتظر ..ولكن ..لن نعتمد على ذلك
ورأيت شيمادا ،ينظر إلى صورة زوجته وابنته" :انھا اآلن في في سن المراھقة .
لم نتحدث أبدا عن ذلك ،لكننا كنا جميعا نأمل أن نعود يوما ما إلى اليابان معا.
واآلن اعود وحدي ،تاركا ً اثنين من الرفاق الذين ال يمكن تعويضھما ..اعود إلى اليابان
التي خسرت الحرب قبل ثالثين عاما ...اعود إلى وطني الذي قاتلت في سبيله ثالثين عاما .
ولو لم يكن ھناك اناس حولي لضربت راسي باالرض ونحت ..
وبعد عشر دقائق ،صعدت المروحية التي ركبتھا من لوبانج ،تحرك العشب حولھا .ومن خالل
الزجاج رايت قبر كوزوكا ،وتدريجيا الجزيرة بأكملھا ،وتظھرالجزيرة أصغر واصغر
وتتالشى.
لماذا قاتلت ھنا لمدة ثالثين عاما؟ ما الذي كنت اقاتل من أجله؟ ما ھو السبب؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبحانك اللھم وبحمدك ،اشھد ان ال اله اال أنت ،أستغفرك وأتوب اليك
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
ت َو َما فِي ﷲُ الَ إِ َلـ َه إِالَّ ھ َُو ْال َحيُّ ْال َقيُّو ُم الَ َتأْ ُخ ُذهُ سِ َن ٌة َوالَ َن ْو ٌم لَّ ُه َما فِي ال َّس َم َاوا ِ ّ
ون ض َمن َذا الَّذِي َي ْش َف ُع عِ ْندَ هُ إِالَّ ِبإِ ْذ ِن ِه َيعْ َل ُم َما َبي َْن أَ ْيد ِ
ِيھ ْم َو َما َخ ْل َف ُھ ْم َوالَ ُيح ُ
ِيط َ األَرْ ِ
ض َوالَ َيؤُ و ُدهُ ِح ْف ُ
ظ ُھ َما ت َواألَرْ َ ِب َشيْ ٍء مِّنْ عِ ْل ِم ِه إِالَّ ِب َما َشاء َوسِ َع ُكرْ سِ ُّي ُه ال َّس َم َاوا ِ
َوھ َُو ْال َعلِيُّ ْالعَظِ ي ُم.
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم " ِبسْ ِم ِ
ص َم ُدَ ،ل ْم َيل ِْد َو َل ْم يُو َل ْدَ ،و َل ْم َي ُكن لَّهُۥ ُكفُ ًوا أَ َح ۢ ٌد.
قُ ْل ھ َُو ٱ َّ ُ أَ َح ٌد ،ٱ َّ ُ ٱل َّ
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
بَ ،ومِن َشرِّ ٱل َّن ٰ َّف ٰ َث ِ
ت قُ ْل أَع ُ
ُوذ ِب َربِّ ْٱل َف َل ِق ،مِن َشرِّ َما َخ َل َقَ ،ومِن َشرِّ َغاسِ ٍق إِ َذا َو َق َ
فِى ْٱل ُع َقدَِ ،ومِن َشرِّ َحاسِ ٍد إِ َذا َح َسدَ .
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
ٰ قُ ْل أَع ُ
اس ْٱل َخ َّن ِ
اس ،ٱلَّذِى اس ،مِن َشرِّ ْٱل َوسْ َو ِ
اس ،إِ َل ِه ٱل َّن ِ اسَ ،ملِكِ ٱل َّن ُِوذ ِب َربِّ ٱل َّن ِ
اس ٣ " .مرات اس ،م َِن ْٱل ِج َّن ِة َوٱل َّن ِور ٱل َّن ِ
ص ُد ِ ي َُوسْ ِوسُ فِى ُ
ك ﷲُ َوحدَ هُ ال َش َ
ريك لهُ ،ل ُه المُـل ُ الحم ُد ،ال إل َه إالّ ّ ك َو َ أَصْ ـ َبحْ نا َوأَصْ ـ َب َح الم ُْـل ُ
ـير ما في ھـذا اليوم َو َخ َ
ـير ما ـك َخ َ الحمْ ـد ،وھ َُو على ك ّل َشي ٍء قدير َ ،ربِّ أسْ ـأَلُ َ ول ُه َ
عـوذ ِب َك ِمنْ َشـرِّ ما في ھـذا اليوم َو َشرِّ ما َبعْ ـدَهَ ،ربِّ أَ ُ
عـوذ ِب َك م َِن َبعْ ـدَه َ ،وأَ ُ
ـل َوسـو ِء ْالكِـ َبر َ ،ربِّ أَ ُ ْال َك َس ِ
ب في ال َقـبْر. ب في ال ّن ِ
ـار َو َعـذا ٍ عـوذ ِب َك ِمنْ َعـذا ٍ
ِك َو َوعْ ـد َ
ِك ما ت َ ،خ َل ْق َتنـي َوأَنا َعبْـ ُدك َ ،وأَنا َعلـى َعھْـد َ ت َربِّـي ال إل َه إالّ أَ ْن َ اللّھـ َّم أَ ْن َ
ِـك َع َلـيَّ َوأَبـو ُء ِب َذ ْنـبي ص َنـعْ ت ،أَبـو ُء َل َ
ـك ِب ِنعْ ـ َمت َ عـوذ ِب َك ِمنْ َشـرِّ ما َ ـطعْ ـت ،أَ ُ اسْ َت َ
ت. نـوب إِالّ أَ ْن َ
الذ َ اغفـِرْ لي َفإِ َّنـ ُه ال َي ْغـفِ ُر ُّ َف ْ
الم ديـنا ً َو ِبم َُحـ َّم ٍد صلى ﷲ عليه وسلم َن ِبيّـا ً ٣ " .مرات ضيـت ِبا ِ َربَّـا ً َو ِباإلسْ ِ
ُ " َر
مـيع َخ ْلـقِك ُ "اللّھُـ َّم إ ِّنـي أَصْ َبـحْ ُ ُ
ـھ ُدك َ ،وأ ْش ِ
ـھ ُد َح َم َلـ َة َعـرْ شِ ـك َ ،و َم َال ِئ َك َت َك َ ،و َج َ ت أ ْش ِ ِ
ريك َلـك َ ،وأَنَّ م َُحمّـداً َعبْـ ُد َكـت َوحْ ـدَ َك ال َش َ ـت ﷲُ ال إل َه إال ّ أَ ْن َ ـك أَ ْن َ
،أَ َّن َ
َو َرسـولُـك ٤ " .مرات
شريك َلـك ،
َ اللّھُـ َّم ما أَصْ َبـَ َح بي ِمـنْ ِنعْ ـ َم ٍة أَو ِبأ َ َحـ ٍد ِمـنْ َخ ْلـقِك َ ،فمِـ ْن َك َوحْ َ
ـدَك ال
ـك ْال َحمْ ـ ُد َو َل َ
ـك ال ُّش ْكـر. َف َل َ
العظـيم ٧ ".مرات
ش َ العرْ ِ
ـلت َوھ َُو َربُّ َ ـي ّ
ﷲُ ال إل َه إالّ ھ َُو َع َلـي ِه َت َو َّك ُ " َحسْ ِب َ
ھـو السّمـي ُع ﷲ الذي ال َيضُـرُّ َم َع اسمِـ ِه َشي ٌء في األرْ ِ
ض َوال في السّمـا ِء َو َ سـم ِ
" ِب ِ
العلـيم ٣ " .مرات
َ
ْك ال ُّنـ ُ
شور. اللّھُـ َّم ِب َك أَصْ ـ َبحْ نا َو ِب َك أَمْ َسـينا َ ،و ِب َك َنحْ ـيا َو ِب َك َنم ُ
ُـوت َوإِ َلـي َ
صلَّى صَ ،و َع َلى د ِ
ِين َن ِب ِّي َنا م َُح َّم ٍد َ أَصْ َبـحْ ـنا َع َلى ف ِْط َر ِة اإلسْ الَ ِمَ ،و َع َلى َكلِ َم ِة اإلِ ْخالَ ِ
ِين. ان م َِن ال ُم ْش ِرك َ ﷲُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َمَ ،و َع َلى ِملَّ ِة أَ ِبي َنا إب َْراھِي َم َحنِيفا ً مُسْ لِما ً َو َما َك َ
ﷲ َو ِب َحمْ ـ ِد ِه َعدَ دَ َخ ْلـقِه َ ،و ِرضـا َن ْفسِ ـه َ ،و ِز َنـ َة َعـرْ شِ ـه َ ،ومِـدادَ َكلِمـاتِـه.
ْحـان ِ
" ُسب َ
" ٣مرات
صـري ،ال" اللّھُـ َّم عافِـني في َبدَ نـي ،اللّھُـ َّم عافِـني في َسمْ ـعي ،اللّھُـ َّم عافِـني في َب َ
عـوذ ِب َك م َِن ْال ُكـفر َ ،وال َفـ ْقر َ ،وأَ ُ
عـوذ ِب َك ِمنْ َعذا ِ
ب إل َه إال ّ أَ ْن َ
ـت .اللّھُـ َّم إِ ّنـي أَ ُ
ـت ٣ " .مرات ال َقـبْر ،ال إل َه إال ّ أَ ْن َ
العـ ْف َو
ـك َِـرة ،اللّھُـ َّم إِ ِّنـي أسْ ـأَلُ َ
العـ ْف َو َوالعـافِـي َة في ال ُّد ْنـيا َواآلخ َ
ـك َ اللّھُـ َّم إِ ِّنـي أسْ ـأَلُ َ
عـوراتي َوآ ِمـنْ َر ْوعاتـي ، ـياي َوأھْ ـلي َومالـي ،اللّھُـ َّم اسْ ُتـرْ ْ
َوالعـافِـي َة في ديني َو ُد ْن َ
ـين َيدَيَّ َومِن َخ ْلفـي َو َعن َيمـيني َو َعن شِ مـالي َ ،ومِن َف ْوقـي ، اللّھُـ َّم احْ َف ْظـني مِن َب ِ
ِك أَن أ ُ ْغـتا َل مِن َتحْ تـي. َوأَ ُ
عـوذ ِب َع َظ َمـت َ
ِيث أصْ لِحْ لِي َشأنِي ُكلَّ ُه َوالَ َتك ِْلنِي إ َلى َن ْفسِ ي َطـرْ َف َة ِك أسْ َتغ َُيا َحيُّ َيا قيُّو ُم ِب َرحْ َمت َ
ْن.
َعي ٍ
ـك َخـي َْر ھـذا الـ َي ْوم ، ك ِ َربِّ العـا َلمـين ،اللّھُـ َّم إِ ِّنـي أسْ ـأَلُ َ أَصْ َبـحْ ـنا َوأَصْ َبـحْ المُـل ُ
ـك ِمـنْ َشـرِّ ما فـي ِه َو َشـرِّ ـر َك َتـ ُه َ ،وھُـداهُ َ ،وأَ ُ
عـوذ ِب َ نـورهُ َو َب َ
ـرهُ َ ،و َ َفـ ْت َح ُه َ ،و َنصْ َ
ما َبعْ ـدَ ه.
ض َربَّ كـ ِّل َشـي ٍء َو َمليـ َكه ،
ت َواألرْ ِ ـر السّماوا ِ ب َوال ّ
شـھادَ ِة فاطِ َ اللّھُـ َّم عالِـ َم َ
الغـ ْي ِ
عـوذ ِب َك مِن َشـرِّ َن ْفسـي َومِن َشـرِّ ال َّشي ِ
ْـطان َوشِ رْ ِك ِه ، أَ ْش َھـ ُد أَنْ ال إِلـ َه إِالّ أَ ْنت ،أَ ُ
ف َعلـى َن ْفسـي سوءاً أَ ْو أَجُـرَّ هُ إِلـى مُسْ ـلِم. َ َ
َوأنْ أ ْق َت ِ
ـر َ
ت ِمنْ َشـرِّ ما َخ َلـق ٣ " .مرات ت ِّ
ﷲ ال ّتـامّـا ِ " أَ ُ
عـوذ ِب َكلِمـا ِ
اركْ على َن ِب ِّي َنا مُحمَّد ١٠ " .مرات ص ِّل َو َسلِّ ْم َو َب ِ
" اللَّ ُھ َّم َ
ُوذ ِب َك ِمنْ أَنْ ُن ْش ِر َك ِب َك َش ْي ًئا َنعْ َل ُم ُه َ ،و َنسْ َت ْغفِر َ
ُك لِ َما َال َنعْ َل ُم ُه. اللَّ ُھ َّم إِ َّنا َنع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ ْال َعجْ ز َو ْال َك َس ِلَ ،وأَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ ُوذ ِب َك ِمنْ ْال َھ ِّم َو ْال َح َز ِنَ ،وأَع ُ
اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ
ِ
ْن َو ْالب ُْخ ِلَ ،وأَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ َغ َل َب ِة ال َّدي ِ
ْنَ ،و َقھ ِْر الرِّ َج ِ
ال. ْال ُجب ِ
" أسْ َت ْغفِ ُر ﷲَ العَظِ ي َم الَّذِي الَ إ َل َه إالَّ ھ َُوَ ،
الحيُّ ال َقيُّو ُمَ ،وأ ُتوبُ إ َلي ِه ٣ ".مرات
َيا َربِّ َ ،ل َك ْال َحمْ ُد َك َما َي ْن َبغِي ل َِج َال ِل َوجْ ِھ َك َ ،ولِعَظِ ِيم س ُْل َطان َ
ِك.
اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك عِ ْلمًا َنا ِفعًاَ ،و ِر ْز ًقا َط ِّيبًاَ ،و َع َم ًال ُم َت َقب ًَّال.
ش ْالعَظِ ِيم َ ،ما َشا َء ت َربُّ ْال َعرْ ِ ت َ ،وأَ ْن َْك َت َو َّك ْل ُ
ت َ ،ع َلي َ ت َربِّي ال إِ َل َه إِال أَ ْن َ اللَّ ُھ َّم أَ ْن َ
ْ
ان َ ،و َما َل ْم َي َشأ َل ْم َي ُكنْ َ ،وال َح ْو َل َوال قُ َّو َة إِال ِبا َّ ِ ْال َعلِيِّ ْالعَظِ ِيم ،أَعْ َل ُم أَنَّ َّ َ
ﷲ ﷲُ َك َ َّ
ُوذ ِب َك ِمنْ َشرِّ اط ِب ُك ِّل َشيْ ٍء عِ ْلمًا ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ ﷲ َق ْد أَ َح ََع َلى ُك ِّل َشيْ ٍء َقدِي ٌر َ ،وأَنَّ َّ َ
ت آخ ٌِذ ِب َناصِ َي ِت َھا ،إِنَّ َربِّي َع َلى صِ َراطٍ مُسْ َتق ٍِيم. َن ْفسِ ي َ ،و ِمنْ َشرِّ ُك ِّل دَ ا َّب ٍة أَ ْن َ
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
ت َو َما فِي ﷲُ الَ إِ َلـ َه إِالَّ ھ َُو ْال َحيُّ ْال َقيُّو ُم الَ َتأْ ُخ ُذهُ سِ َن ٌة َوالَ َن ْو ٌم لَّ ُه َما فِي ال َّس َم َاوا ِ ّ
ون ض َمن َذا الَّذِي َي ْش َف ُع عِ ْندَ هُ إِالَّ ِبإِ ْذ ِن ِه َيعْ َل ُم َما َبي َْن أَ ْيد ِ
ِيھ ْم َو َما َخ ْل َف ُھ ْم َوالَ ُيح ُ
ِيط َ األَرْ ِ
ح ْف ُ
ظ ُھ َما ض َوالَ َيؤُ و ُدهُ ِ ت َواألَرْ َ ِب َشيْ ٍء مِّنْ عِ ْل ِم ِه إِالَّ ِب َما َشاء َوسِ َع ُكرْ سِ ُّي ُه ال َّس َم َاوا ِ
َوھ َُو ْال َعلِيُّ ْالعَظِ ي ُم.
ان الرَّ ِج ِيم ْط ِ ُوذ ِبا ِ ِمنْ ال َّشي َ أَع ُ
ون ُك ٌّل آ َم َن ِبا َّ ِ َو َم َال ِئ َك ِت ِه َو ُك ُت ِب ِه َو ُر ُسلِ ِه آ َم َن الرَّ سُو ُل ِب َما أ ُ ْن ِز َل إِ َل ْي ِه ِمنْ َر ِّب ِه َو ْالم ُْؤ ِم ُن َ
ْك ْالمَصِ ي ُرَ .ال َال ُن َفرِّ ُق َبي َْن أَ َح ٍد ِمنْ ُر ُسلِ ِه ۚ◌ َو َقالُوا َس ِمعْ َنا َوأَ َطعْ َنا ُغ ْف َرا َن َك َر َّب َنا َوإِ َلي َ
ت َر َّب َنا َال ُت َؤاخ ِْذ َنا إِنْ َّنسِ ي َنآ ت َو َع َل ْي َھا َما ْاك َت َس َب ْ ﷲُ َن ْفسًا إِ َّال وُ سْ َع َھا َل َھا َما َك َس َب ْ ُي َكلِّفُ َّ
ِين ِمنْ َق ْبلِ َنا َر َّب َنا َو َال ُت َحم ِّْل َنا أَ ْو أَ ْخ َطأْ َنا َر َّب َنا َو َال َتحْ ِم ْل َع َل ْي َنا إِصْ رً ا َك َما َح َم ْل َت ُه َع َلى الَّذ َ
ت َم ْو َال َنا َفا ْنصُرْ َنا َع َلى ْال َق ْو ِم اغفِرْ َل َنا َوارْ َحمْ َنا أَ ْن َ َما َال َطا َق َة َل َنا ِب ِه َواعْ فُ َع َّنا َو ْ
ين. ْال َكاف ِِر َ
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم " ِبسْ ِم ِ
ص َم ُدَ ،ل ْم َيل ِْد َو َل ْم يُو َل ْدَ ،و َل ْم َي ُكن لَّهُۥ ُكفُ ًوا أَ َح ۢ ٌد.
قُ ْل ھ َُو ٱ َّ ُ أَ َح ٌد ،ٱ َّ ُ ٱل َّ
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
بَ ،ومِن َشرِّ ٱل َّن ٰ َّفا ٰ َثا ِ
ت قُ ْل أَع ُ
ُوذ ِب َربِّ ْٱل َف َل ِق ،مِن َشرِّ َما َخ َل َقَ ،ومِن َشرِّ َغاسِ ٍق إِ َذا َو َق َ
في ْٱل ُع َقدَِ ،ومِن َشرِّ َحاسِ ٍد إِ َذا َح َسدَ .
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
ٰ قُ ْل أَع ُ
اس ْٱل َخ َّن ِ
اس ،ٱلَّذِى اس ،مِن َشرِّ ْٱل َوسْ َو ِ
اس ،إِ َل ِه ٱل َّن ِ اسَ ،ملِكِ ٱل َّن ُِوذ ِب َربِّ ٱل َّن ِ
اس ٣ " .مرات اس ،م َِن ْٱل ِج َّن ِة َوٱل َّن ِور ٱل َّن ِ
ص ُد ِ ي َُوسْ ِوسُ في ُ
ك ول ُه ريك لهُ ،ل ُه المُـل ُ ﷲُ َوحدَ هُ ال َش َالحم ُد ،ال إل َه إالّ ّ ك َو َ أَمْ َسيْـنا َوأَمْ سـى المـل ُ
ـير ماـير ما في ھـذ ِه اللَّـ ْي َل ِة َو َخ َ الحمْ ـد ،وھ َُو على ك ّل َشي ٍء قدير َ ،ربِّ أسْ ـأَلُ َ
ـك َخ َ َ
عـوذ ِب َك ِمنْ َشـرِّ ما في ھـذ ِه اللَّـيْل ِة َو َشرِّ ما َبعْ ـدَ ھـا َ ،ربِّ أَعـوذ ِب َك م َِن
َبعْ ـدَ ھـا َ ،وأَ ُ
ـل َوسـو ِء ْالكِـ َبر َ ،ربِّ أَ ُ
ْال َك َس ِ
ب في ال َقـبْر. ب في ال ّن ِ
ـار َو َعـذا ٍ عـوذ ِب َك ِمنْ َعـذا ٍ
ِك َو َوعْ ـد َ
ِك ما ت َ ،خ َل ْق َتنـي َوأَنا َعبْـ ُدك َ ،وأَنا َعلـى َعھْـد َ ت َربِّـي ال إل َه إالّ أَ ْن َ اللّھـ َّم أَ ْن َ
ِـك َع َلـيَّ َوأَبـو ُء ِب َذ ْنـبي ص َنـعْ ت ،أَبـو ُء َل َ
ـك ِب ِنعْ ـ َمت َ عـوذ ِب َك ِمنْ َشـرِّ ما َ ـطعْ ـت ،أَ ُ اسْ َت َ
ت. نـوب إِالّ أَ ْن َ
الذ َ اغفـِرْ لي َفإِ َّنـ ُه ال َي ْغـ ِف ُر ُّ َف ْ
٣مرات الم ديـنا ً َو ِبم َُحـ َّم ٍد صلى ﷲ عليه وسلم َن ِبيّـا ً. ضيـت ِبا ِ َربَّـا ً َو ِباإلسْ ِ
ُ َر
مـيع َخ ْلـقِك ، ُ ُ ُ اللّھُـ َّم إِ ِّنـي أَ
ـھ ُدك َ ،وأ ْش ِ
ـھ ُد َح َم َلـ َة َعـرْ شِ ـك َ ،و َم َال ِئ َك َت َك َ ،و َج َ مسيت أ ْش ِ
ريك َلـك َ ،وأَنَّ م َُحمّـداً َعبْـ ُد َك َو َرسـولُـك.ـت َوحْ ـدَ َك ال َش َ ـت ﷲُ ال إل َه إالّ أَ ْن َ ـك أَ ْن َ أَ َّن َ
٤مرات
شريك َلـك ،
َ اللّھُـ َّم ما أَمسى بي ِمـنْ ِنعْ ـ َم ٍة أَو ِبأ َ َحـ ٍد ِمـنْ َخ ْلـقِك َ ،فمِـ ْن َك َوحْ َ
ـدَك ال
ـك ْال َحمْ ـ ُد َو َل َ
ـك ال ُّش ْكـر. َف َل َ
٧مرات العظـيم.
ش َ العرْ ِ
ـلت َوھ َُو َربُّ َ ـي ّ
ﷲُ ال إل َه إالّ ھ َُو َع َلـي ِه َت َو َّك ُ َحسْ ِب َ
ھـو السّمـي ُع ﷲ الذي ال َيضُـرُّ َم َع اسمِـ ِه َشي ٌء في األرْ ِ
ض َوال في السّمـا ِء َو َ سـم ِ
ِب ِ
٣مرات العلـيم.
َ
ْك ْالمَصِ ي ُر. اللّھُـ َّم ِب َك أَمْ َسـينا َو ِب َك أَصْ ـ َبحْ ناَ ،و ِب َك َنحْ ـيا َو ِب َك َنم ُ
ُـوت َوإِ َلـي َ
اللَّ ُھ َّم أَصْ لِحْ لِي دِينِي الَّذِي ھ َُو عِ صْ َم ُة أَمْ ِريَ ،وأَصْ لِحْ لِي ُد ْن َي َ
اي الَّتِي فِي َھا َم َعاشِ ي،
َوأَصْ لِحْ لِي آخ َِرتِي الَّتِي فِي َھا َم َعادِي َواجْ َع ِل ْال َح َيا َة ِز َيادَ ًة لِي فِي ُك ِّل َخي ٍْرَ ،واجْ َع ِل
اح ًة لِي ِمنْ ُك ِّل َشرٍّ .
ت َر َْال َم ْو َ
اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك ْالھُدَى َوال ُّت َقى َو ْال َع َف َ
اف َو ْال ِغ َنى.
ب ْال َقب ِْر ،اللَّ ُھ َّم ُوذ ِب َك م َِن ْال َعجْ ِز َو ْال َك َس ِلَ ،و ْال ُج ْب ِن َو ْالب ُْخ ِلَ ،و ْال َھ َر ِم َو َع َذا ِ اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ
ُوذ ِب َك ت َولِ ُّي َھا َو َم ْو َال َھا ،اللَّ ُھ َّم إ ِّني أَع ُ ت َخ ْي ُر َمنْ َز َّكا َھا ،أَ ْن َ ت َن ْفسِ ي َت ْق َوا َھا َو َز ِّك َھا أَ ْن َ آ ِ
س َال َت ْش َبعَُ ،و ِمنْ دَعْ َو ٍة َال يُسْ َت َجابُ َل َھا. ب َال َي ْخ َشعَُ ،و ِمنْ َن ْف ٍ ِمنْ عِ ْل ٍم َال َي ْن َفعَُ ،و ِمنْ َق ْل ٍ
ت ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني اصمْ ُ ْت َو ِب َك َخ َ ْك أَ َنب ُ ت َوإِ َلي َْك َت َو َّك ْل ُ
تَ ،و َع َلي َمْت َو ِب َك آ َم ْن ُ اللَّ ُھ َّم َل َك أَسْ َل ُ
جنُّ َو ْاإلِ ْنسُ ُوت َو ْال ِ
ت ْال َحيُّ الَّذِي َال َيم ُ ت أَنْ ُتضِ لَّنيِ ،أَ ْن َ ِك َال إِ َل َه إِ َّال أَ ْن َ أَع ُ
ُوذ ِبع َِّزت َ
َيمُو ُت َ
ون.
ِيع َس َخطِ َك. ِك َوفُ َجا َء ِة ِن ْق َمت َ
ِك َو َت َحوُّ ِل َعا ِف َيت َ اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ َز َو ِ
ال ِنعْ َمت َ
ِك َو َجم ِ
ِك. صرِّ فْ قُلُو َب َنا َع َلى َط َ
اعت َ ف ْالقُلُو ِ
ب َ اللَّ ُھ َّم م َ
ُصرِّ َ
ضَ ،عالِ َم ْال َغ ْي ِ
ب ت َواألَرْ ِاللَّ ُھ َّم َربَّ َجب َْرائِي َل َومِي َكائِي َل َوإِسْ َرافِي َلَ ،فاطِ َر ال َّس َم َوا ِ
اخ ُتل َ
ِف فِي ِه م َِن ون ،اھْ ِدنِي لِ َما ْ
ِك فِي َما َكا ُنوا فِي ِه َي ْخ َتلِفُ َ َوال َّش َھادَ ةِ ،أَ ْن َ
ت َتحْ ُك ُم َبي َْن عِ َباد َ
ِك ،إِ َّن َك َت ْھدِي َمنْ َت َشا ُء إِ َلى صِ َراطٍ مُسْ َتق ٍِيم. ْال َح ِّق ِبإِ ْذن َ
ِكَ ،وأَع ُ
ُوذ ِب َك ِم ْن َكَ ،ال ِك ِمنْ ُعقُو َبت َ
اك ِمنْ َس َخطِ َكَ ،و ِبم َُعا َفات َ ض َ اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ
ُوذ ِب ِر َ
ْت َع َلى َن ْفسِ َك. ت َك َما أَ ْث َني َ أُحْ صِ ي َث َنا ًء َع َلي َ
ْك ،أَ ْن َ
ضا ِء َو َش َما َت ِة ْاألَعْ دَا ِء. اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ َج ْھ ِد ْال َب َال ِء َودَ َركِ ال َّش َقا ِء َوسُو ِء ْال َق َ
ص ِرياللَّ ُھ َّم اجْ َع ْل لِي فِي َق ْل ِبي ُنورً اَ ،وفِي ل َِسانِي ُنورً اَ ،وفِي َسمْ عِي ُنورً اَ ،وفِي َب َ
ُنورً اَ ،و ِمنْ َف ْوقِي ُنورً اَ ،و ِمنْ َتحْ تِي ُنورً اَ ،و َعنْ َيمِينِي ُنورً اَ ،و َعنْ شِ َمالِي ُنورً اَ ،و ِمنْ
ْن َيدَيَّ ُنورً اَ ،و ِمنْ َخ ْلفِي ُنورً اَ ،واجْ َع ْل فِي َن ْفسِ ي ُنورً اَ ،وأَعْ ظِ ْم لِي ُنورً ا.
َبي ِ
ِمْت ِم ْن ُه َو َما َل ْم أَعْ َلم َْ ،وأَع ُ
ُوذ ِب َك اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك م َِن ْال َخي ِْر ُكلِّ ِه َعا ِجلِ ِه َوآ ِجلِ ِه َما َعل ُ
ت ِم ْن ُه َو َما َل ْم أَعْ َل ْم ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك ِمنْ َخي ِْر َما م َِن ال َّشرِّ ُكلِّ ِه َعا ِجلِ ِه َوآ ِجلِ ِه َما َعلِمْ ُ
ُّك ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك
ُوذ ِب َك ِمنْ َشرِّ َما َع َاذ ِب ِه َع ْب ُد َك َو َن ِبي َُّكَ ،وأَع ُ َسأ َ َل َك َع ْب ُد َك َو َن ِبي َ
ب إِ َل ْي َھا ِمنْ َق ْو ٍل َ ُ َ ْال َج َّن َة َو َما َقرَّ َ
ار َو َما َقرَّ َ ب إِ َل ْي َھا ِمنْ َق ْو ٍل أ ْو َع َم ٍلَ ،وأعُوذ ِب َك م َِن ال َّن ِ
ض ْي َت ُه لِي َخيْرً ا. أَ ْو َع َم ٍل َوأَسْ أَلُ َك أَنْ َتجْ َع َل ُك َّل َق َ
ضا ٍء َق َ
ِمْت ْال َح َيا َة َخيْرً ا لِيَ ،و َت َو َّفنِي إِ َذا ِك َع َلى ْال َخ ْل ِق أَحْ ِينِي َما َعل َ ْب َوقُ ْد َرت َِك ْال َغي َ اللَّ ُھ َّم ِبع ِْلم َ
ب َوال َّش َھادَ ةَِ ،وأَسْ أَلُ َك َكلِ َم َة ْال َح ِّق ِمْت ْال َو َفا َة َخيْرً ا لِي ،اللَّ ُھ َّم َوأَسْ أَلُ َك َخ ْش َي َت َك فِي ْال َغ ْي ِ َعل َ
ضبَِ ،وأَسْ أَلُ َك ْال َقصْ دَ فِي ْال َف ْق ِر َو ْال ِغ َنىَ ،وأَسْ أَلُ َك َنعِيمًا َال َي ْن َف ُدَ ،وأَسْ أَلُ َك ضا َو ْال َغ َ فِي الرِّ َ
ْش َبعْ دَ ْال َم ْوتِ، ضا ِءَ ،وأَسْ أَلُ َك َبرْ دَ ْال َعي ِ ضا َء َبعْ دَ ْال َق َ ْن َال َت ْن َقطِ عَُ ،وأَسْ أَلُ َك الرِّ َ قُرَّ َة َعي ٍ
ضرَّ ا َء مُضِ رَّ ٍة َو َال فِ ْت َن ٍة ِك فِي َغي ِْر َ َوأَسْ أَلُ َك َل َّذ َة ال َّن َظ ِر إِ َلى َوجْ ِھ َك َوال َّش ْو َق إِ َلى لِ َقائ َ
انَ ،واجْ َع ْل َنا ھُدَ ا ًة ُم ْھ َتد َ
ِين. مُضِ لَّةٍ ،اللَّ ُھ َّم َز ِّي َّنا ِب ِزي َن ِة ْاإلِي َم ِ
اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك َ
الع ْف َو َو ْال َعا ِف َي َة فِي ال ُّد ْن َيا َو ْاآلخ َِرةِ ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك ْال َع ْف َو َو ْال َعا ِف َي َة فِي
اي َوأَھْ لِي َو َمالِي ،اللَّ ُھ َّم اسْ ُترْ َع ْو َراتِي َوآ ِمنْ َر ْو َعاتِيَ ،واحْ َفظ ْنيِ ِمنْ ب َينْ دِينِي َو ُد ْن َي َ
ِك أَنْ أ ُ ْغ َتا َل ِمنْ َيدَيَّ َو ِمنْ َخ ْلفِي َو َعنْ َيمِيني َو َعنْ شِ َمالي َو ِمنْ َف ْوقِيَ ،وأَع ُ
ُوذ ِب َع َظ َمت َ ِ ِ
َتحْ تِي.
ضَ ،ربَّ ُك ِّل َشيْ ٍء َو َملِي َكهُ ،أَ ْش َھ ُد ت َو ْاألَرْ ِ
ب َوال َّش َھادَ ةَِ ،فاطِ َر ال َّس َم َوا ِاللَّ ُھ َّم َعالِ َم ْال َغ ْي ِ
ان َوشِ رْ ِك ِه. ُوذ ِب َك ِمنْ َشرِّ َن ْفسِ ي َو َشرِّ ال َّشي َ
ْط ِ ت ،أَع ُ أَنْ َال إِ َل َه إِ َّال أَ ْن َ
ت َرحْ مَتكِ ، ات فِي األَمْ ِرَ ،و ْال َع ِزي َم َة َع َلى الرُّ ْشدَِ ،وأَسْ أَلُ َك مُو ِج َبا ِ اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك َّ
الث َب َ
ك َق ْلبًا َسلِيمًاَ ،ول َِسا ًنا ش ْك َر ن ِعمَتكِ َ ،وحُسْ َن عِ باَدَ تكِ َ ،و َ
أسأ َل ُ ك ُأسأ َل ُائم َم ْغف َِرتكِ َ ،و َ
َو َع َز ِ
ُوذ ِب َك ِمنْ َشرِّ َما َتعْ َل ُمَ ،وأَسْ َت ْغفِر َ
ُك لِ َما َتعْ َل ُم، صا ِد ًقاَ ،وأَسْ أَلُ َك ِمنْ َخيْر َما َتعْ َل ُمَ ،وأَع ُ
ِ َ
ب. إِ َّن َك أَ ْن َ
ت َع َّال ُم ْال ُغيُو ِ
ِك َوأَ ْغ ِننِي ِب َفضْ ل َِك َعمَّنْ سِ َو َ
اك. اللَّ ُھ َّم ْاكفِنِي ِب َح َالل َِك َعنْ َح َرام َ
ص ِريَ ،ال إلِ َه ِّإال اللَّ ُھ َّم َعافِنِي فِي َبدَ نِي ،اللَّ ُھ َّم َعافِنِي فِي َسمْ عِي ،اللَّ ُھ َّم َعافِنِي فِي َب َ
ب ْال َقب ِْرَ ،ال إِ َل َه ُوذ ِب َك م َِن ْال ُك ْفر َو ْال َف ْقر ،اللَّ ُھ َّم إ ِّني أَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ َع َذا ِ ت ،اللَّ ُھ َّم إ ِّني أَع ُ أَ ْن َ
ِ ِ
ت. إِ َّال أَ ْن َ
َربِّ أَعِ ِّني َو َال ُت ِعنْ َع َليَّ َ ،وا ْنصُرْ نِي َو َال َت ْنصُرْ َع َليَّ َ ،وامْ ُكرْ لِي َوال َتمْ ُكرْ َع َليَّ ،
َواھْ ِدنِي َو َيس ِِّر ْالھُدَى لِيَ ،وا ْنصُرْ نِي َع َلى َمنْ َب َغى َع َليَّ َ ،ربِّ اجْ َع ْلنِي َل َك َش َّكارً اَ ،ل َك
اغسِ ْل ْك أَ َّواھًا ُمنِيبًاَ ،ربِّ َت َق َّب ْل َت ْو َبتِي َو ْ ِط َواعًاَ ،ل َك م ُْخ ِب ًتا إِ َلي َ َذ َّكارً اَ ،ل َك َرھَّابًاَ ،ل َك م ْ
ص ْد ِري. ِّت حُجَّ تِي َو َس ِّد ْد ل َِسانِي َواھْ ِد َق ْل ِبي َواسْ لُ ْل َسخِي َم َة َ َح ْو َبتِي َوأَ ِجبْ دَعْ َوتِي َو َثب ْ
ِي لِ َما تَ ،و َال َھاد َ تَ ،و َال بَاسِ َط لِ َما َق َبضْ َ ض لِ َما َب َس ْط َ اللَّ ُھ َّم َل َك ْال َحمْ ُد ُكلُّهُ ،اللَّ ُھ َّم َال َق ِاب َ
ْتَ ،و َال تَ ،و َال َمان َِع لِ َما أَعْ َطي َ ْتَ ،و َال مُعْ طِ َي لِ َما َم َنعْ َ أَضْ َل ْلتَ ،و َال مُضِ َّل لِ َمنْ َھدَ ي َ
ِك َو َرحْ َمت َ
ِك ُط َع َل ْي َنا ِمنْ َب َر َكات َْت ،اللَّ ُھ َّم ا ْبس ْ تَ ،و َال ُمبَاعِ دَ لِ َما َقرَّ ب َ اع ْد َ ب لِ َما َب َ ُم َقرِّ َ
َو َفضْ ل َِك َو ِر ْزق َِك ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني أَسْ أَلُ َك ال َّنعِي َم ْال ُمقِي َم الَّذِي َال َيحُو ُل َو َال َي ُزولُ ،اللَّ ُھ َّم إِ ِّني
مْن َي ْو َم ْال َخ ْوفِ ،اللَّ ُھ َّم إ ِّني َعائ ِذ بكِ ِمنْ َشرِّ َما أَعْ َط ْي َت َنا أَسْ أَلُ َك ال َّنعِي َم َي ْو َم ْال َع ْي َلةَِ ،و ْاألَ َ
وب َناَ ،و َكرِّ ْه إِ َل ْي َنا ْال ُك ْف َر َو ْالفُس َ
ُوق ان َو َز ِّي ْن ُه فيِ قُلُ ِ ت ،اللَّ ُھ َّم َحبِّبْ إلِ ْي َنا ْ ِ
اإلي َم َ َو َشرِّ َما َم َنعْ َ
ِينَ ،وأَ ْل ِح ْق َنا
ِينَ ،وأَحْ ِي َنا مُسْ لِم َ انَ ،واجْ َع ْل َنا م َِن الرَّ اشِ د َ
ِين ،اللَّ ُھ َّم َت َو َّف َنا مُسْ لِم َ َو ْال ِعصْ َي َ
ُون ُر ُس َل َك، ِين ُي َك ِّذب َ
ِين ،اللَّ ُھ َّم َقا ِت ْل ْال َك َف َر َة الَّذ َ ِين َغي َْر َخ َزا َيا َو َال َم ْف ُتون َ ِبالصَّالِح َ
ِين أُو ُتوا ون َعنْ َس ِبيل َِكَ ،واجْ َع ْل َع َلي ِْھ ْم ِرجْ َز َك َو َع َذا َب َك ،اللَّ ُھ َّم َقا ِت ْل ْال َك َف َر َة الَّذ َ ص ُّد َ
َو َي ُ
اب إِ َل َه ْال َح ِّق.
ْال ِك َت َ
وع َلى ِ
آل إِب َْراھِي َم، ْت َع َلى إِب َْراھِي َم َ صلَّي َ
آل م َُح َّم ٍد َك َما َ ص ِّل َع َلى م َُح َّم ٍد َو َع َلى ِ اللَّ ُھ َّم َ
ٰ
ار ْك َ
ت َع َلى إِب َْراھِي َم اركْ َع َلى م َُح َّم ٍد َو َع َلى ِ
آل م َُح َّم ٍد َك َما َب َ جي ٌد ،اللّ ُھ َّم َب ِ
إِ َّن َك َحمِي ٌد َم ِ
آل إِب َْراھِي َم إِ َّن َك َحمِي ٌد َم ِجي ٌد.
َو َع َلى ِ
ْأد ِع َي ُة قرآنية
" َر َّب َنا آ ِت َنا فِي ال ُّد ْن َيا َح َس َن ًة َوفِي اآلخ َِر ِة َح َس َن ًة َوقِ َنا َع َذ َ
اب ال َّن ِ
ار".
ِّت أَ ْقدَ ا َم َنا َوانصُرْ َنا َع َلى ْال َق ْو ِم ْال َكاف ِِر َ
ين". " َر َّب َنا أَ ْف ِر ْغ َع َل ْي َنا َ
صبْرً ا َو َثب ْ
" َر َّب َنا الَ ُت َؤاخ ِْذ َنا إِن َّنسِ ي َنا أَ ْو أَ ْخ َطأْ َنا َر َّب َنا َوالَ َتحْ ِم ْل َع َل ْي َنا إِصْ رً ا َك َما َح َم ْل َت ُه َع َلى
اغفِرْ َل َنا َوارْ َحمْ َنا أَ َ
نت ِين مِن َق ْبلِ َنا َر َّب َنا َوالَ ُت َحم ِّْل َنا َما الَ َطا َق َة َل َنا ِب ِه َواعْ فُ َع َّنا َو ْ الَّذ َ
َم ْوالَ َنا َفانصُرْ َنا َع َلى ْال َق ْو ِم ْال َكاف ِِر َ
ين".
" َر َّب َنا الَ ُت ِز ْغ قُلُو َب َنا َبعْ دَ إِ ْذ َھدَ ْي َت َنا َو َھبْ َل َنا مِن لَّ ُد َ
نك َرحْ َم ًة إِ َّن َك أَ َ
نت ْال َوھَّابُ ".
ار". اغفِرْ َل َنا ُذ ُنو َب َنا َوقِ َنا َع َذ َ
اب ال َّن ِ " َر َّب َنا إِ َّن َنا آ َم َّنا َف ْ
ت َوا َّت َبعْ َنا الرَّ سُو َل َف ْ
اك ُت ْب َنا َم َع ال َّشا ِھد َ
ِين". " َر َّب َنا آ َم َّنا ِب َما أَ َ
نز ْل َ
ِّت أَ ْقدَ ا َم َنا وانصُرْ َنا َع َلى ْال َق ْو ِم اغفِرْ َل َنا ُذ ُنو َب َنا َوإِسْ َرا َف َنا فِي أَمْ ِر َنا َو َثب ْ "ر َّب َنا ْ
ْال َكاف ِِر َ
ين".
ار َر َّب َنا إِ َّن َك َمن ُت ْدخ ِِل ال َّن َ
ار َف َق ْد ت َھذا بَاطِ الً ُسب َْحا َن َك َفقِ َنا َع َذ َ
اب ال َّن ِ " َر َّب َنا َما َخ َل ْق َ
ان أَنْ آ ِم ُنو ْا ِب َر ِّب ُك ْم ار رَّ َّب َنا إِ َّن َنا َس ِمعْ َنا ُم َنا ِديًا ُي َنادِي ل ِ
ِإلي َم ِ نص ٍ ِين ِمنْ أَ َ ِلظالِم َأَ ْخ َز ْي َت ُه َو َما ل َّ
ُ
ار َر َّب َنا َوآ ِت َنا َما َو َعد َّت َنا اغفِرْ َل َنا ذ ُنو َب َنا َو َك ِّفرْ َع َّنا َس ِّي َئا ِت َنا َو َت َو َّف َنا َم َع األب َْر ِ
َفآ َم َّنا َر َّب َنا َف ْ
ِيعادَ ". َع َلى ُر ُسل َِك َوالَ ُت ْخ ِز َنا َي ْو َم ْالقِ َيا َم ِة إِ َّن َك الَ ُت ْخلِفُ ْالم َ
" َر َّب َنا َظ َلمْ َنا أَنفُ َس َنا َوإِن لَّ ْم َت ْغفِرْ َل َنا َو َترْ َحمْ َنا َل َن ُكو َننَّ م َِن ْال َخاسِ ِر َ
ين".
ِين". " َر َّب َنا الَ َتجْ َع ْل َنا َم َع ْال َق ْوم َّ
الظالِم َ ِ
" َر َّب َنا أَ ْف ِر ْغ َع َل ْي َنا َ
صبْرً ا َو َت َو َّف َنا مُسْ لِم َ
ِين".
ش ْالعَظِ ِيم".
ت َوھ َُو َربُّ ْال َعرْ ِ " َحسْ ِب َي ّ
ﷲُ ال إِ َلـ َه إِالَّ ھ َُو َع َل ْي ِه َت َو َّك ْل ُ
ص ْد ِري َو َيسِّرْ لِي أَمْ ِري َواحْ لُ ْل ُع ْقدَ ًة مِّن لِّ َسانِي َي ْف َقھُوا َق ْولِي".
" َربِّ ا ْش َرحْ لِي َ
"رَّ بِّ ِز ْدنِي عِ ْلمًا".
ِين". نت م َِن َّ
الظالِم َ "ال إِ َل َه إِال أَ َ
نت ُسب َْحا َن َك إِ ِّني ُك ُ
ُون".
ضر ُِوذ ِب َك َربِّ أَن َيحْ ُ
ين َوأَع ُ
ت ال َّشيَاطِ ِ "رَّ بِّ أَع ُ
ُوذ ِب َك ِمنْ َھ َم َزا ِ
اغفِرْ َل َنا َوارْ َحمْ َنا َوأَ َ
نت َخ ْي ُر الرَّ ا ِحم َ
ِين". " َر َّب َنا آ َم َّنا َف ْ
اغفِرْ َوارْ َح ْم َوأَنتَ َخ ْي ُر الرَّ ا ِحم َ
ِين " " رَّ بِّ ْ
َر َّب َنا َھبْ لَ َنا مِنْ أَ ْز َوا ِج َنا َو ُذرِّ يَّا ِت َنا ُقرَّ َة أَعْ ي ٍُن َواجْ َع ْل َنا ل ِْل ُم َّتق َ
ِين إِ َمامًا
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم سْ ِم ِ
ص َم ُدَ ،ل ْم َيل ِْد َو َل ْم يُو َل ْدَ ،و َل ْم َي ُكن لَّهُۥ ُكفُ ًوا أَ َح ۢ ٌد.
قُ ْل ھ َُو ٱ َّ ُ أَ َح ٌد ،ٱ َّ ُ ٱل َّ
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
بَ ،ومِن َشرِّ ٱل َّن ٰ َّف ٰ َث ِ
ت قُ ْل أَع ُ
ُوذ ِب َربِّ ْٱل َف َل ِق ،مِن َشرِّ َما َخ َل َقَ ،ومِن َشرِّ َغاسِ ٍق إِ َذا َو َق َ
فِى ْٱل ُع َقدَِ ،ومِن َشرِّ َحاسِ ٍد إِ َذا َح َسدَ .
ﷲ الرَّ حْ ِ
من الرَّ حِيم ِبسْ ِم ِ
ٰ قُ ْل أَع ُ
اس ْٱل َخ َّن ِ
اس ،ٱلَّذِى اس ،مِن َشرِّ ْٱل َوسْ َو ِ
اس ،إِ َل ِه ٱل َّن ِ اسَ ،ملِكِ ٱل َّن ُِوذ ِب َربِّ ٱل َّن ِ
اس. اس ،م َِن ْٱل ِ
ج َّن ِة َوٱل َّن ِ ور ٱل َّن ِ
ص ُد ِ ي َُوسْ ِوسُ فِى ُ