Women02457 فن السعادة الزوجية محمد سليمان السنين

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 36

‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪1‬‬

‫فــن‬
‫السعادة‬
‫الزوجية‬

‫إعداد فضيلة الشيخ‬


‫محمد سليمان السنيـِّـن‬

‫‪zwag book.indd 1‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪3‬‬

‫للكلمة الطيبـة ‪ ..‬كـلـمــة‬

‫إنه من دواعي سرورنا واعتزازنا ما نلقاه من جتاوب كبير من مشايخنا‬


‫الكرام في التفاعل مع مشاريع جلنة الكلمة الطيبة ‪.‬‬
‫ولقد طرحنا في الساحة الكويتية مشروع ( األسرة السعيدة ) والذي كان‬
‫هدفه ‪ :‬التوعية الشاملة لألسرة بفن التعامل مع جميع األطراف ‪ ،‬سواء كان األب‬
‫أو األم أو األبناء ‪ ،‬وذكر املسائل بأدلتها من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف‬
‫األمة ‪ ،‬فهم خير منوذج مر على البشرية في التعامل األسري ‪ ،‬حتى وصلوا للسعادة‬
‫الكبرى‪.‬‬
‫ولقد تشرفت جلنة الكلمة الطيبة مبشاركة حبيب الدعاة السلفيني الشيخ‬
‫املكرم صاحب العلم الوافر واخللق الزاخر الشيخ ‪ /‬محمد سليمان السنني حفظه‬
‫الله ورعاه ‪.‬‬
‫حيث ألقى مجموعة دروس نافعة للمشاركني في الدورة (‪ ، )1‬مما دعانا أن‬
‫نطلب منه تأليف كتيب من كلماته املنثورة كالدرر والياقوت ‪ ،‬فاستجاب لنا مشكوراً‬
‫في إخراجنا هذا املؤلف ‪.‬‬
‫أسأل الله أن يبارك في شيخنا وأن يعظم له األجر ‪ ،‬وأن يوفق جلنة‬
‫الكلمة الطيبة للقيام مبهامها وحتقيق أهدافها ‪ ،‬إنه جواد كرمي ‪.‬‬
‫كما نتقدم بالشكر اجلزيل للشيخ الفاضل عبد احلميد أبو الريش رحمه‬
‫الله‪ ،‬ملا قام به من املراجعة اللغوية واإلمالئية ‪ ،‬سائلني املولى عز وجل أن يجعل هذا‬
‫العمل في ميزان حسناتهم ‪ ،‬ونسأله سبحانه أن يجزي جميع من سعى في إخراج‬
‫هذا العمل إلى الوجود ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬واحلمد لله رب العاملني‪.‬‬
‫أخوكم‬ ‫ ‬
‫خالد سلطان السلطان‬
‫_____________________‬
‫(‪ )1‬وهي دورة ألقاها الشيخ في املقر الرئيس جلمعية إحياء التراث اإلسالمي بعنوان (مفاتيح السعادة الزوجية) بتاريخ‬

‫‪ 5/10‬إلى ‪2003/5/12‬م ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 3‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪4‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫مقدمـة‬
‫احلمد لله رب العاملني ‪ ،‬الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن‬
‫إليها ‪ ،‬وجعل بيننا مودة ورحمة فقال عز وجل ‪( :‬ومن آياته أن خلق لكم‬
‫من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك‬
‫آليات لقوم يتفكرون) الروم‪.21:‬‬
‫وأصلي وأسلم على املبعوث رحمة للعاملني نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعني ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فقد اهتم اإلسالم باحلياة الزوجية اهتماماً كبيراً ‪ ،‬وسمى الله‬
‫عقد الزواج الذي يجمع بني الرجل واملرأة بامليثاق الغليظ ‪ ،‬كما في قوله‬
‫تعالى ‪( :‬وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) النساء‪ ، 21:‬ألن صالح األسرة يؤدي إلى‬
‫صالح املجتمع ‪ ،‬وفساد األسرة يؤدي إلى فساد املجتمع ‪ ،‬لذلك وضعت‬
‫الشريعة قواعد ثابتة للحياة الزوجية‪ ،‬ولم تترك شيئاً يلزم هذه احلياة إال‬
‫وضحت حكم الله فيه ‪ ،‬وبينت لكل من الزوجني ما له وما عليه ‪ ،‬وحذرت‬
‫من كل ما يكدر صفو العالقة الزوجية ‪ ،‬بل وتوعدت كل من تسول له نفسه‬
‫إفساد هذه العالقة بأشد العذاب ‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله [ ‪( :‬ليس منا من خبب‬
‫امرأة على زوجها) ‪1‬أي يفسدها عليه ‪ :‬إما بالتدخل املباشر في حياة‬ ‫(‪)1‬‬

‫الزوجني كما يفعل بعض ذوي الزوجني ‪ ،‬أو غير املباشر كما هو ظاهر في‬
‫وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة واملقروءة ‪ ،‬من التحريض واإلغراء في‬
‫زرع بذور الشقاق ‪.‬‬
‫إذاً فاحلياة الزوجية هي حياة مودة ورحمة (لتسكنوا إليها)‬

‫(‪ )1‬صحيح سنن أبي داود (‪( )2175‬كتاب الطالق ‪ ،‬باب فيمن خبب امرأة على زوجها) وانظر سلسلة األحاديث‬

‫الصحيحة للعالمة األلباني (‪. )325-324‬‬

‫‪zwag book.indd 4‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪5‬‬

‫نعم ‪ ،‬ليسكن إليها ‪ ،‬ولم يقل ليسكن معها ‪ ،‬مما يؤكد معنى اإلستقرار‬
‫في السلوك ‪ ،‬والهدوء في الشعور ‪ ،‬ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى‬
‫معانيها؛ ٌّ‬
‫فكل من الزوجني يجد في صاحبه الهدوء عند القلق ‪ ،‬والبشاشة‬
‫عند الضيق ‪.‬‬
‫وسنضع ‪ -‬بإذن الله ‪ -‬في هذه الرسالة بعض الوسـائل السديدة‬
‫للحياة الزوجية السعيدة ‪ ،‬واحللول الناجحة لبعض املشكالت الزوجية‬
‫العصرية ‪ ،‬سائلني املولى عز وجل التوفيق والسداد ‪ ،‬وأن يُدمي على كل‬
‫زوجني احلب واملودة والرحمة ‪ ،‬وأن يجمع بينهما على خير في الدنيا‬
‫واآلخرة آمني ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 5‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪6‬‬

‫> حياة أسرية بال مشكالت‬

‫ال شك أن احلياة الزوجية السعيدة اخلالية من املشكالت مطلب‬


‫لكل رجل وامرأة على السواء ‪ ،‬وهي من طيب العيش الذي يتمناه كل إنسان‬
‫في هذه احلياة ‪ ،‬لكن هذه احلياة ال بد أن يعتريها بعض املشكالت التي‬
‫تنغص صفوها ‪ ،‬وتهدد بقاءها واستمرارها ‪ ،‬وقد تضع نهاية مؤملة لها‬
‫وهي الطالق !!‬
‫يدعي خلو حياته من‬‫واخلالفات الزوجية أمر ال مفر منه ‪ ،‬والذي ّ‬
‫وضرب من اخليال‬
‫ٌ‬ ‫املشكالت الزوجية أو اخلالفات فادعاؤه غير صحيح ‪،‬‬
‫‪ ،‬وذلك لسببني ‪ ،‬حتى ال ننشد مثالية ال وجود لها في واقع احلياة البشرية‬
‫أي متعامِ لَني على هذه األرض ‪:‬‬
‫‪ ،‬ال بني الزوجني ‪ ،‬وال بني ِّ‬
‫أوالً ‪ :‬الزواج رابطة بني اثنني مختلفني في اجلنس والتكوين والعقل‬
‫والعاطفة ‪ ،‬ومن آيات الله تعالى أنه لم يخلق اثنني متشابهني متاماً في‬
‫الصفات واألخالق ‪ ،‬فاالختالف والتبايُن في الصفات واألخالق هو الذي‬
‫يسبب تلك اخلالفات ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لنعمة في هذه الدنيا الكمال‬ ‫ثانياً ‪ :‬أبى الله عز وجل أن يجعل‬
‫والتمام ‪ ،‬عدا نعمة الدين ؛ حتى ال يركن الناس إلى هذه الدنيا ويطمئنوا‬
‫إليها ‪ ،‬فيقصروا في طلب اآلخرة ‪.‬‬
‫والزواج نعمة من الله عظيمة ‪ ،‬والعاقل من الناس من إذا رأى هذه‬
‫املنغصات واملكدرات في هذه احلياة أدرك أن هذه الدنيا ليست داراً له‬
‫ومستقراً ‪ ،‬إمنا الدار واملستقر هي جنة النعيم التي ال نكد وال منغص فيها‬
‫يومئذ خير مستقراً وأحس ُن مقي ً‬
‫ال)‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪( :‬أصحاب اجلنة‬
‫الفرقان ‪ . 24 :‬أما دنيانا هذه فليست فيها نعمة على احلقيقة ‪ ،‬فكل نعمة فيها‬
‫مشوبة بالكدر والنغص ‪ ،‬فهي دار الفناء والتعب واإلبتالء ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪zwag book.indd 6‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪7‬‬

‫(لقد خلقنا اإلنسان في كبد) البلد‪. 4:‬‬


‫قال بعضهم ‪:‬‬
‫صف ـ ــواً من األقذار واألك ـ ـ ــدار!‬
‫َ‬ ‫ُطب ْ‬
‫ِعت على كدر وأنت تريدها‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫الردى يا قبحها دار األذى والعار‬ ‫ما لي وللدنيـ ـ ـ ــا غـ ـ ـ ــدت درك‬
‫أبكـت غ ـ ـ ـ ــداً تبـ ـ ـّاً له ــا من دار !‬ ‫دار متى ما أضحكت في يومها‬
‫ويقول ابن اجلوزي رحمه الله تعالى فيمن يعيش في هذه الدنيا‬
‫ويستنكر وجود ما يُن ِّغص فيها ويكدر ‪( :‬عجباً ملن يضع يده في سلة‬
‫األفاعي ويأمن اللسع) ‪.‬‬
‫نرجع ونقول ‪ ..‬إن احلياة الزوجية مهما كانت درجة االتفاق‬
‫والتفاهم واحملبة فيها بني الرجل واملرأة فإنها ال تخلو ولن تخلو من مشكلة‬
‫أو خالف ‪ ،‬بل ال نبالغ إذا قلنا بأن احلياة الزوجية السعيدة هي تلك التي‬
‫ال تخلو من اخلالفات الزوجية اليسيرة ‪ ،‬واملشكالت الصغيرة العابرة ‪،‬‬
‫حلب بني‬‫التي هي أشبه بـ (سحابة صيف) سريعاً ما تنجلي ‪ ،‬فيزكو ا ُ‬
‫ويتجدد ‪ ،‬وتقوى الرابطة بينهما ‪ ،‬ويدرك الزوجان قيمة السعادة‬‫َّ‬ ‫الزوجني‬
‫‪ ،‬فاألشياء تُع َرف وتتم َّيز بأضدادِ ها كما يُقال ‪.‬‬
‫لذلك نقول ‪ ..‬إن االختالف في الرأي بني الزوجني أم ٌر مقبول ‪،‬‬
‫وال داعي للخوف أو القلق منه ‪.‬‬
‫لكن الذي نرفضه في احلياة الزوجية ونسعى إلى الوقاية منه‬
‫وعالجه إن وقع هو ‪ :‬اخلالف املستمر ‪ ،‬والتشاجر والتباغض والصراع‬
‫حول التافه واجلليل من األمور ‪ ،‬هذا هو املرفوض ‪ ،‬وهذا هو الذي يعنينا‬
‫في هذه الرسالة ‪ ،‬حول حياة أسرية أو زوجية سعيدة بال مشكالت ‪.‬‬
‫فاملشكالت التي نعنيها هي التي تهدد حياة الزوجني بشكل مباشر‪،‬‬

‫‪zwag book.indd 7‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪8‬‬

‫وحتدث بينهما ُه َّوة قد يصعب إغالقها ‪ ،‬وتؤدي بالتالي إلى أمر ال يحمد‬
‫عقباه ! ‪.‬‬
‫وهذه املشكالت منها ما هي ‪ :‬مشتركة بني الزوجني ‪ ،‬ومنها ما‬
‫يتفرد به الزوج ‪ ،‬ومنها ما تتفرد به الزوجة ‪ .‬وعلى هذا تدور معظم‬
‫اخلالفات واملشكالت بني الزوجني ‪.‬‬
‫وفي السطور اآلتية من هذه الرسالة بيان لبعض الوسائل والطرق‬
‫الناجعة النافعة لتستمر وتدوم احلياة بني الزوجني بسعادة وحب وهناء ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 8‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪9‬‬

‫> احرص على االختـيار‬

‫احرص على اختيار شريك احلياة ‪ ،‬وهذا الكالم نُ ِّ‬


‫وج ُه ُه إلى‬
‫املقبلني على الزواج من أبنائنا وبناتنا ‪.‬‬
‫إن اختيار شريك احلياة أكثر اإلختيارات أهمية على اإلطالق ‪،‬‬
‫ومن استطاع أن يختار شريكه اختياراً سليماً ؛ استطاع أن يحقق خطوة‬
‫هامة في سبيل حتقيق السعادة املنشودة في احلياة الزوجية ‪.‬‬
‫ولقد وضع اإلسالم منهجاً يتم على أساسه اختيار شريك احلياة‪،‬‬
‫تناوله الفقهاء في مد َّوناتهم بالتفصيل وليس هذا موضعه ‪ ،‬لكن الذي‬
‫يهمنا من هذا املنهج ‪ -‬أي منهج االختيار ‪ -‬من حيث اإلجمال يتمثل في‪:‬‬
‫ضرورة تعرف كل من الطرفني على اآلخر ‪ ،‬وهذا التعرف ال‬
‫يقتصر على معرفة التكوين ا َ‬
‫خللقي فحسب ‪ ،‬بل يتعداه إلى معرفة التكوين‬
‫النفسي والروحي والفكري ؛ حتى يتمكن الطرفان من معرفة مدى التوافق‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫وقد أثبتت التجارب أن احلياة الزوجية تنال نصيبها من السعادة‬
‫والهناء على قدر ما بني الزوجني من تكافؤ وتوافق ‪ ،‬واتساق في القيم‬
‫واملبادئ واالجتاهات واألفكار ‪ ،‬والطبيعة واملزاج ‪ ،‬وفي النظر إلى احلياة‬
‫بوجه عام ‪.‬‬
‫فال نزوج بناتنا الصاحلات إال لرجال صاحلني في دينهم وخلقهم‬
‫(إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) ‪ .1‬وقال رجل للحسن البصري‬
‫رحمه الله ‪ :‬قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها ؟ قال ‪ « :‬ممن يتقي الله‪،‬‬
‫فإن أحبها ‪ :‬أكرمها ‪ ،‬وإن أبغضها‪ :‬لم يظلمها» ‪.‬‬

‫‪ :1‬صحيح سنن ابن ماجة (‪( )1614‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب األكفاء) وانظر الصحيحة (‪)1022‬‬

‫‪zwag book.indd 9‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪10‬‬

‫ويختار الشباب الصاحلون املرأة الصاحلة من ذوات الدين واخللق‪،‬‬


‫ألنها الوسيلة الفاعلة في حتقيق السكينة واالستقرار ‪ ،‬وتوفير أجواء املودة‬
‫والرحمة والهناء‪.‬‬
‫جوهري‬
‫ٍّ‬ ‫كمطلب‬
‫ٍ‬ ‫الظفر بذات الدين‬ ‫ولهذا حث النبي [ على َّ‬
‫جامع خلصال اخلير ‪( ،‬تنكح املرأة ألربع ‪ :‬ملالها وحلسبها وجلمالها ولدينها‪،‬‬
‫فاظفر بذات الدين تربت يداك)‪ . 1‬وذات الدين أي صاحبة الدين‪.‬‬
‫هذا باعتبار التوافق في القيم واملبادئ ‪ ،‬وهو بالغ األهمية حلصول‬
‫االنسجام بني الزوجني ‪ ،‬فال نزوج مولي ًة صاحلة لغير صالح ‪ ،‬فننغص‬
‫عليها عيشتها ‪ ،‬أو العكس‪ ،‬لقرابة ونحوها ‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك التكافؤ أو التقارب بالتفكير والطبيعة واملزاج وفي‬
‫النظر إلى احلياة بصفة عامة ما أمكن ‪ ،‬كل ذلك من األسباب املعينة على‬
‫حتقيق السعادة الزوجية ‪.‬‬
‫يقول النبي [ ‪( :‬األرواح جنود مجندة ‪ ،‬فما تعارف منها ائتلف‪،‬‬
‫وما تناكر منها اختلف) (‪ )2‬رواه مسلم (كتاب البر والصلة ‪ ،‬باب األرواح‬
‫جنود مجندة) ‪.‬‬
‫كم تكون املعانات بني الزوجني عندما يكون الزوج ذا همة عالية‬
‫في إجناز أعماله اليومية في أقل وقت ‪ ،‬وكون الزوجة من النوع البطيء‬
‫(البارد) التي حتتاج إلى يوم كامل إلجناز عمل ساعة عند الناس ‪.‬‬

‫‪ :1‬رواه مسلم ‪( ،‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب نكاح ذات الدين)‬


‫‪ :2‬رواه مسلم ‪( ،‬كتاب البر والصله‪ ،‬باب االرواح جنود مجندة)‬

‫‪zwag book.indd 10‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:41 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪11‬‬

‫> طريـق السعـادة‬

‫اعلم أيها الزوج الكرمي ‪ ،‬وأيتها الزوجة املصونة ‪ ..‬أن الطريق إلى‬
‫كل سعادة وهناء في احلياة الدنيا إمنا هو باإلميان بالله والعمل الصالح ‪،‬‬
‫ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة‬ ‫قال تعالى ‪( :‬من عمل صاحلاً من ٍ‬
‫طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل‪. 97:‬‬
‫ففي هذه اآلية وعد من الله عز وجل ملن آمن به وعمل صاحلاً ‪:‬‬
‫أي بفعل املأمور ‪ ،‬وترك احملظور ؛ أن يسعده في حياته الدنيوية بطمأنينة‬
‫القلب ‪ ،‬وسكون النفس ‪ ،‬وراحة البال ‪ ،‬ويرزقه حالالً طيباً من حيث ال‬
‫يحتسب ‪ ،‬وفي اآلخرة (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) ‪.‬‬
‫يقول ابن سعدي رحمه الله ‪« :‬من أصناف اللذات مما ال عني رأت‪،‬‬
‫وال أذن سمعت ‪ ،‬وال خطر على قلب بشر ‪ .‬فيؤتيه الله في الدنيا حسنة‬
‫وفي اآلخرة حسنة»‪.‬فاجلزاء من جنس العمل ‪ ،‬فمن أصلح ما بينه وبني‬
‫الله ؛ أصلح الله ما بينه وبني اخللق ‪ ،‬أما من أعرض عن ذكره فجزاؤه كما‬
‫قال تعالى ‪( :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ‪ )..‬طه‪. 124:‬‬
‫وهذا وعيد من الله ملن أعرض عن دينه وشريعته ؛ أن يصيبه‬
‫ضيق ومشقة‪ ،‬قال بعض املفسرين ‪ :‬هو الهم والغم واآلالم ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫عذاب معجل من الله للمعرضني عن دينه ‪ ،‬وعذاب اآلخرة أشد ‪.‬‬
‫وال شك أن ما يتعرض له الزوجان في حياتهما الزوجية ‪ ،‬من‬
‫مشكالت تك ِّدر صفو حياتهما هو ابتالء ومصيبة مقدرة ‪ ،‬قد تكون بسبب‬
‫التقصير في حق الله تعالى‪ ،‬أو بسبب ذنوب ارتكبها الزوجان أو أحدهما‪،‬‬
‫قال تعالى ‪( :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ) الشورى‪30:‬‬
‫وقال بعض السلف ‪( :‬إني أجد أثر املعصية في خلق زوجي وخادمي‬
‫ودا َّبتي) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 11‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪12‬‬

‫فينبغي للزوجني أن يراجعا نفسيهما وعالقتهما مع الله ‪،‬‬


‫فيصححا ما فيها من التقصير ‪ ،‬وذلك يتطلب منهما التوبة النصوح من‬
‫أي معصية‪.‬‬
‫وقد تكون املشكالت بسبب محبة الله تعالى للزوجني لصالحهما‪،‬‬
‫وهذا متحيص باالبتالء كما قال تعالى ‪( :‬أحسب الناس أن يتركوا أن‬
‫يقولوا آمنا وهو ال يفتنون) العنكبوت‪ 2:‬فما كان بسبب الصالح فثواب من الله‬
‫على االبتالء ‪ ،‬وما كان بسبب املعصية ففيه تكفير للذنوب ‪ ،‬كما قال شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه الله ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 12‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪13‬‬

‫> تـنازل عن النظرة املثاليـة‬

‫ينبغي للزوجني أن يوطنا نفسيهما على حياة زوجية يتعذر فيها‬


‫الكمال اإلمياني واألخالقي والتعاملي في اجلنس البشري بصفة عامة ‪،‬‬
‫والنساء بصفة خاصة ‪.‬‬
‫فمن يريد زوجة كاملة مكملة من كل ما يجب ويستحب من األخالق‬
‫والصفات واملعاملة ‪ ،‬فلن يجدها إال في اجلنة ‪.‬‬
‫أما الدنيا فمستحيل أن جتد امرأة بهذا الكمال ‪ ،‬حسناء جميلة‬
‫في صورتها‪ ،‬وطاهية بارعة أللوان الطعام ‪ ،‬ملبية لرغبات زوجها في كل‬
‫وقت ‪ ،‬صابرة محتسبة ألذاه ‪ ،‬مديرة لشؤون بيتها على أكمل وجه ‪ ،‬راعية‬
‫ألوالدها ‪ ،‬ومعلمة لهم بال كالل وال َمالل ‪ ،‬ال يظهر عليها أثر الضيق‬
‫والتبرم مبا تلقى من زوجها وأوالدها ‪ ،‬هذا ال ميكن وجوده في الواقع‬
‫البشري ‪.‬‬
‫ال من كل‬‫ال مكم ً‬‫وفي املقابل نرى بعض الزوجات تريد زوجاً كام ً‬
‫ما يجب ويستحب من اإلميان واألخالق واملعاملة ‪ ،‬تريده كرمياً ال يرد لها‬
‫طلباً ‪ ،‬ودوداً ‪ ،‬رحيماً ‪ ،‬مادحاً لها على الدوام ‪ ،‬رفيقاً ‪ ،‬صابراً على جهلها‬
‫متعذر جداً في‬‫ِّ‬ ‫وأذاها ‪ ،‬ليناً حانياً ‪ ،‬مؤثراً لها على نفسه ‪ ،‬فهذا أمر‬
‫الرجال ‪ ،‬ولن جتده املرأة في كل الرجال ‪.‬‬
‫وعليه أقول ‪ ..‬إن من يأمل الكمال الديني واألخالقي والتعاملي‬
‫في زوجه شريك حياته معه ‪ ،‬فلن تصفو له احلياة الزوجية ‪ ،‬لكن العاقل‬
‫من األزواج هو الذي يرضى باليسير ‪ ،‬ويقبل املستطاع من أخالق وصفات‬
‫شريك حياته ‪ ،‬وال ينشد الكمال في كل شيء ‪ ،‬حتى تدوم احلياة الزوجية‬
‫بال منغصات وال مشكالت ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 13‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪14‬‬

‫وتأمل حديث النبي [ الذي رواه مسلم في صحيحه ‪ :‬يقول‬


‫الرس ـ ـ ــول [‪( :‬ال يف ـ ـ ــرك مؤمن مؤمنة ‪ ،‬إن ك ـ ــره منها خلقاً رضي منها‬
‫آخر)(‪)1‬معنى هذا احلديث ‪ :‬ال يبغض املؤمن زوجته املؤمنة خللق كرهه‬
‫منها ‪ ،‬ما دام أنه رضي منها أخالقاً أخرى ‪ ،‬فقد ال تكون جميلة في نظر‬
‫زوجها بالقدر الكافي ‪ ،‬لكنها صاحبة خلق حسن ‪ .‬ومعنى ذلك ‪ :‬ليشفع‬
‫خلقها احلسن والرضي ‪ ،‬خللقها السيئ الذي كرهه منها زوجها ‪.‬‬
‫وهذا احلديث فيه إشارة إلى املعنى املتقدم ‪ ،‬أنك لن جتد زوجة‬
‫كاملة ‪ ،‬وعليك أن ترضى باليسير من األخالق واملعاملة ‪ ،‬حتى تدوم‬
‫احلياة الزوجية ‪ ،‬وفي هذا املعنى يقول تعالى ‪( :‬وعاشروهن باملعروف فإن‬
‫كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) النساء‪.19:‬‬
‫فلنتنازل عن النظرة املثالية التي ال مكان لها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في التعليق على هذا‬
‫احلديث فيما معناه ‪ « :‬وإن كان هذا احلديث في العشرة الزوجية فهو‬
‫ينطبق على كل املتعاملني ‪ ،‬فمن أراد دوام احملبة واأللفة والتعاون ودوام‬
‫اإلحسان والبر والصلة فليرض باليسير واملمكن واملعقول من املعاملة‬
‫واإلخاء والبر واإلحسان ‪ ،‬أما طلب الكمال في األخالق واملعاملة مع كل‬
‫من نعاملهم ؛ فهذا يعني أننا لن جند من نعامله ! « ‪.‬‬
‫وتأمل – وفقني الله وإياك لرضاه – قول عمر بن اخلطاب ]‬
‫لرجل أراد أن يشكو خلق زوجته ‪ ،‬فوقف على بابه ينتظر خروجه ‪ ،‬فسمع‬
‫امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه ‪ ،‬وعمر ساكت ال يرد عليها ‪،‬‬
‫فانصرف الرجل راجعاً وقال ‪ :‬إن كان هذا حال عمر مع شدته وصالبته‬
‫وهو أمير املؤمنني ‪ ،‬فكيف حالي ؟! فخرج عمر فرآه مولياً عن بابه فناداه‬
‫وقال ‪ :‬ما حاجتك أيها الرجل ؟ فقال ‪ :‬يا أمير املؤمنني جئت أشكو إليك‬

‫‪( :1‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ال يفرك مؤمنة مؤمنة)‬

‫‪zwag book.indd 14‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪15‬‬

‫سوء خلق امرأتي واستطالتها علي ‪ ،‬فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت‪:‬‬
‫إذا كان هذا حال أمير املؤمنني مع زوجته فكيف حالي ؟ فقال عمر ‪ :‬يا‬
‫أخي ‪ ..‬إني احتملتها حلقوق لها علي ‪ :‬إنها لط َّباخة لطعامي ‪ ،‬خبازة‬
‫غسالة لثيابي ‪ ،‬مرضعة لولدي ‪ ،‬وليس ذلك كله بواجب عليها ‪،‬‬ ‫خلبزي ‪َّ ،‬‬
‫ويسكن قلبي بها عن احلرام‪ ،‬فأنا احتملتها لذلك ‪ .‬فقال الرجل ‪ :‬يا أمير‬
‫املؤمنني ‪ ..‬وكذلك زوجتي ‪ .‬فقال عمر‪ :‬فاحتملها يا أخي فإمنا هي مدة‬
‫يسيرة !! (أي هي احلياة الدنيا) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 15‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪16‬‬

‫> اعرف مسئوليتـك‬

‫ومما يج ِّنبنا املنغصات في احلياة الزوجية أن يتعرف الزوجان‬


‫على مسئوليتهما الزوجية ‪ ،‬ماذا يريد الرجل من زوجته ؟ ‪ ،‬وماذا تريد‬
‫املرأة من زوجها ؟‪ ،‬وفق ما شرع الله عز وجل ؛ لتحقيق النجاح والسعادة‬
‫في احلياة الزوجية ‪.‬‬
‫الرجل يريد القوامة بكل معانيها واعتباراتها الشرعية على زوجته‪،‬‬
‫ال يريد منافساً وال منازعاً له فيها ال من الزوجة وال من ذويها ‪.‬‬
‫أما الزوجة الصاحلة العاقلة فإنها ال تنازع زوجها هذا احلق أبداً ‪،‬‬
‫بل تفخر أن زوجها ق ِّي ٌم عليها ‪ ،‬وتسعى إلى ترسيخ هذه القوامة من خالل‬
‫التزامها الصادق بحقوقها ‪.‬‬
‫والذي أعطى الرجل حق القوامة على زوجته هو الله عز وجل ‪،‬‬
‫فضل الله بعضهم على بعض‬ ‫قال تعالى‪( :‬الرجال قوامون على النساء مبا َّ‬
‫ومبا أنفقوا من أموالهم فالصاحلات قانتات حافظات للغيب مبا حفظ‬
‫الله) النساء‪ . 34:‬فالقوامة تكليف ومسئولية وقيادة ‪.‬‬
‫يقول املفسر الشهير احلافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه‬
‫اآلية ‪« :‬الرجل ق ِّي ٌم على املرأة ‪ ،‬أي هو رئيسها وكبيرها واحلاكم عليها ‪،‬‬
‫و ُمؤ ِّدبُها إذا اعوجت‪ ،‬فالصاحلات مطيعات ألزواجهن ‪ ،‬حتفظ زوجها في‬
‫غيبته وماله»‪.‬‬
‫ومن حقوق الزوج في هذه القوامة ‪ :‬أن تطيعه زوجته في كل ما‬
‫شرع الله له ‪ ،‬وفي كل معروف ال يخالف أمر الله ‪ ،‬وهذا هو معنى القنوت‬
‫في قوله تعالى ‪( :‬قانتات) أي مطيعات ألزواجهن ‪ .‬وأن ال تخرج من بيته‬
‫إال بإذنه ‪ ،‬وأن تستأذنه في كل تصرف ميس حقوقه ورعايته ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 16‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪17‬‬

‫ُروي بسند حسن عن عبدالله بن أبي أوفى عن النبي [ أنه قال‪:‬‬


‫(لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله ‪ ،‬ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها ‪،‬‬
‫والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬ال تؤدي املرأة حق ربها ‪ ،‬حتى تؤدي حق زوجها‪،‬‬
‫والقتب هو الرحل الصغير يوضع على‬
‫(‪)1‬‬
‫ولو سألها نفسها وهي على قتب ‪ ،‬لم متنعه)‬
‫البعير ‪.‬‬
‫أي‬‫ويقول [ ‪( :‬ال يحل المرأة أن تصوم وزوجها شاهد إال بإذنه ‪-‬‬
‫التطوع ‪ ،-‬أو تأذن في بيته إال بإذنه ‪ ،‬وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه‬
‫يؤدى إليه شطره)(‪.)2‬‬
‫وهنا أود أن ألفت النظر ‪ ،‬إلى أن الزوج وإن كان ميلك بهذه‬
‫القوامة حسن الرعاية الكاملة واإلصالح والتأديب عند احلاجة ‪ ،‬فإنه‬
‫يكون وفق املنهج اإللهي العادل واحلكيم ‪ ( :‬والالتي تخافون نشوزهن‬
‫فعظوهن واهجروهن في املضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فال تبغوا‬
‫ال إن الله كان علياً كبيراً) النساء‪.34:‬‬
‫عليهن سبي ً‬
‫لكن هذه املسئولية القيادية ال تعني أن يتعسف الزوج في استعمال‬
‫حقه فيهـ ــا‪ ،‬أو يظلم زوجـت ـ ـ ــه ‪ ،‬كما ال يج ـ ــوز له أن يف ـ ـ ِّرط فيه ـ ــا أو‬
‫راع عما استرعاه ‪ ،‬أحفظ أم‬ ‫يقصر ‪ ،‬يقول [‪( :‬إن الله تعالى سائل كل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ض َّيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫إن من املؤسف جداً أن يتصور بعض األزواج أن القوامة تتمثل‬


‫في القسوة والشدة وأن أوامر الزوج تنفذ دون مناقشة وال تردد ‪ ،‬في جو‬
‫ومناخ أشبه باملناخ العسكري ‪ ،‬وهذا ال شك أنه فهم وتصور خاطئ ملعنى‬
‫القوامة ‪.‬‬

‫‪ : 1‬صحيح ابن ماجة (‪( )1515‬كتاب النكاح‪ ،‬باب حق الزوج على املرأة) وانظر الصحيحة (‪. )1203‬‬
‫‪ : 2‬رواه البخاري (كتاب النكاح ‪ ،‬باب صوم املرأة بإذن زوجهاتطوعاً)‬

‫صحيح رواه ابن حبان ‪ ،‬وانظر الصحيحة (‪. )1636‬‬

‫‪zwag book.indd 17‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪18‬‬

‫وأنا أذكر لكم هنا مسألة مهمة يحصل فيها تعسف من األزواج‪،‬‬
‫وهي موضوع إذن الزوج لزوجته باخلروج ‪ ،‬وهذا في كثير من األحيان‬
‫يحصل بسببه خالف يكدر صفو العالقة بني الزوجني ‪ ،‬والواجب أن يتفق‬
‫الزوجان بكل ثقة على إذن مسبق متلكه الزوجة خلروجها عند احلاجة ‪،‬‬
‫كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله‪.‬‬
‫وعلى الزوجة أن ترعى حق هذه القوامة لزوجها ‪ ،‬بتوقير الزوج‬
‫وإكرامه واحت ـ ــرام مشاعره وأحاسيسه ‪ ،‬ولهـ ــا من الله ثــواب عظيم ‪،‬‬
‫وحصنت فرجها ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قال [ ‪( :‬إذا صلت املرأة خمسها ‪ ،‬وصامت شهرها ‪،‬‬
‫وأطاعت زوجها ‪ ،‬قيل لها ‪ :‬أدخلي اجلنة من أي أبواب اجلنة شئت) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وهي تريد من زوجها في مقابل أداء حقوق القِ وامة له ؛ املعاشرة‬


‫باملعروف‪ .‬لذلك اقترن بتكليف املنهج الرباني للزوج بالقوامة والقيادة‬
‫مع تكليفه بحسن معاشرة زوجته ‪ ،‬ضماناً لسالمة هذه القوامة وحفظ‬
‫احلقوق الزوجية ‪ ،‬قال تعالى ‪( :‬وعاشروهن باملعروف فإن كرهتموهن‬
‫فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) النساء‪ 19:‬يقول املفسر‬
‫الشهير احلافظ ابن كثير رحمه الله في معنى هذه اآلية ‪:‬‬
‫«أمرهم الله مبعاشرتهن باملعروف ‪ ،‬أي ط ِّيبوا أقوالكم لهن‪،‬‬
‫وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم ‪ ،‬كما حتب ذلك منها ‪ ،‬فافعل‬
‫أنت بها مثله » ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه اإلمام أحمد وابن حبان وصححه األلباني في آداب الزفاف (ص‪)286‬‬

‫‪zwag book.indd 18‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪19‬‬

‫> مفاهيم مغلوطـة‬

‫بعض األزواج ‪ -‬هداهم الله ‪ -‬يظن أن حقوق املرأة تنحصر في‬


‫توفير املأكل واملشرب واملسكن ونحو ذلك من األمور املادية ‪ ،‬حتى أنك ترى‬
‫بعضهم إذا اختلف مع زوجته صرخ بوجهها ‪ :‬أنا ما قصرت معاك ‪ ،‬كل‬
‫شيء وفرت لكم في البيت ‪ ،‬أكل وشرب ومالبس إلخ ‪ .‬وهذا تصور خاطئ‬
‫وفهم مغلوط للحقوق الزوجية ‪.‬‬
‫املرأة ما خرجت من منزل أبيها رغب ًة في الطعام أو الشراب أو‬
‫الكساء ‪ ،‬وإن كان واجباً عليك أيها الزوج أن تنفق على زوجتك لقوله‬
‫تعالى‪( :‬لينفق ذو سعة من سعته) الطالق‪ 7:‬وقول النبي [ ‪( :‬كفى باملرء إثماً‬
‫أن يضيع من يقوت)(‪ . )1‬وقوله [ ‪( :‬أال وحقهن عليكم أن حتسنوا إليهن‬
‫في كسوتهن وطعامهن) (‪.)2‬‬
‫لكن ليس هذا ما حتتاجه املرأة يوم خرجت من بيت أبيها ‪.‬‬
‫املرأة حتتاج زوجاً يحنو عليها ‪ ،‬ويالطفها ‪ ،‬ويراعي طبيعتها‬
‫التكوينية ‪ ،‬وعاطفتها الفطرية ‪ ،‬عند التعامل معها كزوجة ‪ ،‬فهي رقيقة‬
‫املشاعر والعواطف ‪.‬‬
‫أما ترى النبي [ كيف يالطف زوجته عائشة ‪ :‬فقد ثبت في‬
‫مسلم عن أم املؤمنني عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬كنت أشرب وأنا‬
‫في فيشرب ‪ ،‬وأتعرق‬
‫حائض ‪ ،‬ثم أناوله النبي [ فيضع فاه على موضع ّ‬
‫العرق وأنا حائض (أي آكل اللحم من العظم) ‪ ،‬ثم أناوله النبي [ فيضع‬
‫في (‪.)3‬‬
‫فاه على موضع ّ‬

‫‪ :1‬صحيح ابوداود (‪( )1692‬كتاب االزكاه‪ ،‬باب في صلة الرحم) وانظر االرواء (‪)894‬‬
‫‪ :2‬صحيح ابن ماجة (‪( )1513‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب حق املرأة على الزوج) وانظر آداب الزفاف (‪)270‬‬
‫‪ :3‬رقم ( ‪.)300‬‬

‫‪zwag book.indd 19‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:42 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪20‬‬

‫وهذا يوضح مدى تلطفه [ بأهله ‪ ،‬وعيشه عيش احملب لهم‬


‫احلريص على إدخال السرور على أنفسهم‪.‬‬
‫وهذه دعوة لكل زوج وكل أسرة أن تتبصر في هذا الهدي الكرمي ‪،‬‬
‫وأن جتعله نبراساً لها تسير عليه ‪ ،‬وصدق الله إذ قال ‪( :‬لقد كان لكم في‬
‫رسول الله أسوة حسنة ملن كان يرجو الله واليوم اآلخر وذكر الله كثيراً)‬
‫األحزاب‪.21:‬‬
‫فالزوج احلكيم هو الذي يقابل تصرفاتها اخلاطئة باحلكمة واحللم‬
‫والرفق‪ ،‬ويعالج إساءتها بالصبر والتسامح ‪ ،‬وهذا ما أرشد إليه النبي [‪:‬‬
‫(استوصوا بالنساء خيراً)(‪.)1‬‬
‫وقال ‪( :‬إن املرأة خلقت من ِضلع أعوج ‪ ،‬لن تستقيم لك على‬
‫طريقة ‪ ،‬فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ‪ ،‬وإن ذهبت تقيمها‬
‫كسرتها ‪ ،‬وكسرها طالقها!) (‪.) 2‬‬

‫والزوج املثالي في عشرة أهله هو الذي يتجمل باخللق الكرمي في‬


‫التعامل مع زوجته ‪ ،‬فإذا كانت معاملة عامة الناس باخللق احلسن مطلوبة‪،‬‬
‫فمع الزوجة من باب أولى ‪ ،‬فهي أقرب الناس إليك ‪ ،‬وأقرب اجليران‬
‫إليك ‪ ،‬وأنت مطلوب منك أن حتسن إلى اجلار ‪ ،‬يقول النبي [ ‪( :‬أكمل‬
‫املؤمنني إمياناً أحسنهم خلقاً ‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً) (‪ . )3‬يقول‬
‫اإلمام مالك رحمه الله ‪ « :‬ليرى منك أهلك كل خير ؛ حتى ال ينظروا إلى‬
‫غيرك » ‪.‬‬
‫حتى كان النبي [ يخيط ثوبه ‪ ،‬ويخصف نعله ‪ ،‬ويعمل ما يعمل‬
‫الرجال في بيوتهم (‪.)4‬‬
‫‪ :1‬رواه مسلم (كتاب النكاح ‪ ،‬باب مداراة النساء والوصية بهن) وانظر اإلرواء (‪. )1997‬‬
‫‪ :2‬انظر السابق‪.‬‬
‫‪ :3‬صحيح سنن الترمذي ( ‪ ( )1162‬كتاب الرضاع ‪ ،‬باب ماجاء في حق املرأه ) ‪ ،‬وانظر الصحيحه (‪.)284‬‬
‫‪ :4‬رواه أحمد ‪ ،‬وانظر الضعيفه ( ‪. )4282‬‬

‫‪zwag book.indd 20‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪21‬‬

‫فالزوجة بحاجة إلى الكلمة الطيبة ‪ ،‬والعبارة احلانية ‪ ،‬وأن تخاطب‬


‫من قبل شريك حياتها بأسلوب رقيق مهذب ‪ ،‬وأن يحترم وجودها ويقدر‬
‫رأيها ومجهودها ‪.‬‬
‫تقول إحدى الزوجات ‪( :‬كم أمتنى أن يُطربني زوجي بكلمة إعجاب‬
‫واحدة ألعلِّقها وساماً غالياً في منـزلي) ‪.‬‬
‫وقامت زوجة باإلشادة بجمال صديقتها فقالت لها بعد أن شكرتها‪:‬‬
‫(يا ليت زوجي يرى بعيونك) ‪.‬‬
‫إن من املؤسف أن ترى بعض الرجال يبخل على زوجته بالكلمة‬
‫الطيبة ‪ ،‬مدحاً وثنا ًء عليها ‪ ،‬وعلى جمالها ‪ ،‬أو لباسها ‪ ،‬أو على طعامها‬
‫الذي صنعته له !! ‪.‬‬
‫إن اجلهل واملوروثات اخلاطئة التي يتلقفها بعض الناس عن عادات‬
‫مجتمعاتهم ‪ ،‬وعن آبائهم ‪ ،‬من أكبر األسباب املفسدة للحياة الزوجية ‪.‬‬
‫أعرف من الناس من إذا دخل على أهل بيته ال يُسلِّم ‪ ،‬وإن سلَّم‬
‫سلّم مكرهاً‪.‬‬
‫وحدثني بعضهم أنه ال يش ِّمت أهله إذا عطسوا وحمدوا الله ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬يستنكف من ذلك !! ‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مبلغ هذا اجلهل ؛ فاستمع إلى بعض الرجال‬
‫كيف يخاطب أهله عبر الهاتف ‪ ،‬كأنه يتحدث مع عد ٍّو له أو غريب !! ‪.‬‬
‫نحن بحاجة إلى ثورة تصحيحية في خلق التعامل مع زوجاتنا ‪،‬‬
‫وأن نتخلى عن املوروثات املخالفة لدين اإلسالم وأخالقه ‪.‬‬
‫يقول بعضهم ‪ :‬الوالد يقول ‪( :‬عليك باملرأة ‪ ،‬تراها مثل قطن‬
‫النداف كثر ما تندف بالعصا تصير زينه) ‪.‬‬
‫َّ‬
‫هكذا هو العلم الذي يتلقاه بعض األزواج عن آبائهم !!!‬

‫‪zwag book.indd 21‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪22‬‬

‫بل إن بعض األزواج يدخل احلياة الزوجية وكأنه داخل إلى معركة‪،‬‬
‫ضد خصم يريد االستيالء على ملكه ‪ ،‬أو سلب حق من حقوقه ‪.‬‬
‫األب واألصدقاء يوصون الزوج مبا يحقق له السيطرة الكاملة على‬
‫زوجته ‪ ،‬يوصونه بالشدة املبكرة على الزوجة في معاملتها ‪ :‬ال تبتسم ‪ ،‬ال‬
‫تلبيلها كل رغباتها ‪ ،‬ح ِّمر عليها العني ‪ ،‬اغلظ عليها القول !! ‪.‬‬
‫واألم واألخوات والصديقات في الطرف اآلخر يوصني الزوجة‬
‫مبا يحقق لها السيطرة على جو املعركة مع الزوج ‪ ،‬يوصينها ‪ :‬ال متكنيه‬
‫من نفسك كما يريد‪ ،‬أكثري عليه من الطلبات ‪ ،‬اطلبي خادمة اطلبي كذا‪،‬‬
‫اطلبي وكذا ‪ ،‬اجعليه ميشي على طريقتك وهكذا ‪.‬‬
‫وصايا لتدمير احلياة الزوجية ‪ ،‬وملزيد من املشكالت ‪.‬‬
‫لذلك أقول ‪ ..‬احذر أيها الزوج الكرمي ‪ ،‬وأيتها الزوجة املصونة‬
‫‪ ..‬من وصايا ونصائح ا َ‬
‫جل َهلة ‪ ،‬قليلي التجربة في احلياة ‪ ،‬أو الفاشلني‬
‫في حياتهم الزوجية ‪ ،‬فإن هؤالء ال يرجتى من نصائحهم اخلير ‪ ،‬وعليكم‬
‫بتوجيهات أهل اخلبرة في احلياة ‪ ،‬أهل الصالح الناجحني في حياتهم‬
‫الزوجية ‪ ،‬العقالء أهل التجربة ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 22‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪23‬‬

‫> وصيـة جامعـة‬

‫وإلى أخواتنا املسلمات أ ُ َق ِّدم هذه الوصية اجلامعة ألم رؤوم إلى‬
‫ابنتها العروس عند تزويجها ‪ :‬فقد ُر ِو َي أن أسماء بنت خارجة الفزاري‬
‫قالت البنتها عند التزويج ‪:‬‬
‫« إنك خرجت من العش الذي درجت فيه ‪ ،‬فصرت إلى فراش لم‬
‫لك سما ًء ‪ ،‬وكوني له مهاداً‬
‫تعرفيه ‪ ،‬وقرين لم تألفيه ‪ ،‬فكوني له أرضاً يكن ِ‬
‫لك عماداً ‪ ،‬وكوني له أَ َم ًة يكن ِ‬
‫لك عبداً ‪.‬‬ ‫يكن ِ‬
‫ال تلحفي ‪ -‬تكثري‪ -‬به فيقالك ‪ -‬يهملك ويكرهك ‪ ، -‬وال تباعدي عنه‬
‫فينساك‪ ،‬إن دنا منك فاق ُربي منه ‪ ،‬وإن نأى فابعدي عنه ‪ ،‬واحفظي أنفه‬
‫يشمن منك إال طيباً ‪ ،‬وال يسمع إال حسناً ‪ ،‬وال ينظر‬
‫َّ‬ ‫وسمعه وعينه ‪ ،‬فال‬
‫إال جمي ً‬
‫ال »‬
‫وصدق الله العظيم ‪( :‬ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)‬
‫األحزاب‪.71:‬‬

‫‪zwag book.indd 23‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪24‬‬

‫ـاش ِّ‬
‫املنغصـات‬ ‫لنتح َ‬
‫هناك كثير من األفعال والتصرفات من الرجل واملرأة تسبب ضيقاً‬
‫وتعاسة لشريك احلياة الزوجية ‪ ،‬وأنا أعرض بعضاً منها لتحاشيها ‪ ،‬كي‬
‫متضي احلياة الزوجية بدون مشكالت تُع ِّكر صفوها من ذلك ‪:‬‬
‫< إساءة احلديث‬
‫بعض الناس نرى حياتهم الزوجية أشبه مبؤسسة عسكرية ‪ :‬أمر‬
‫وتنفيذ ‪ ،‬ال تسمع عبارات لبقة ‪ ،‬وال كلمات حانية ‪ ،‬وال شكر ‪ ،‬أو ثناء ‪،‬‬
‫وامتناناً على معروف ‪ ،‬بل خشونة في الكالم أحياناً ‪ ،‬وفظاظة في التعامل‪،‬‬
‫وهذا بال شك أنه يُضعف العاطفة واملودة بني الزوجني ‪.‬‬
‫كل من الزوجني أن ينتقي أطيب العبارات لزوجه ‪،‬‬ ‫والواجب على ٍّ‬
‫ويزن كالمه قبل أن يخرجه فـ (الكلم ُة الطيب ُة صدقة) (‪( ، )1‬وأحب األعمال‬
‫إلى الله ‪ :‬سرور يدخله على مسلم) (‪ .)2‬والله عز وجل يقول ‪( :‬وقولوا‬
‫للناس حسناً) البقرة‪( 83:‬وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) اإلسراء‪. 53:‬‬
‫لنُع ِّود أنفسنا على الكلمات الطيبة ‪ ،‬والعبارات احلانية ‪ ،‬فإنها‬
‫متأل القلب محب ًة ووداً ‪.‬‬
‫< عبوس أحد الزوجني في وجه اآلخر‬
‫بعضهم َقلَّما يُرى مبتسماً أو ضاحكاً ‪ ،‬إال إذا أراد شيئاً كما تقول‬
‫بعض الزوجات ‪.‬‬
‫إن أقل مبادئ احلقوق الزوجية ‪ :‬االبتسامة اللطيفة ‪ ،‬والضحكة‬
‫الهادئة ‪ ،‬التي تُنسي الزوج همومه وغمومه ‪ ،‬وتُنسي الزوجة ما تكابده من‬
‫تعب في البيت ومع األوالد‪.‬‬

‫‪ :1‬متفق عليه‪ ،‬وانظر الصحيحه (‪.)1025‬‬


‫‪ :2‬أخرجه الطبراني وابن عساكر ‪ ،‬وانظر الصحيحه (‪.)906‬‬

‫‪zwag book.indd 24‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪25‬‬

‫وإذا كان تبسم املسلم في وجه أخيه له فيها صدقة ‪ ،‬فأولى الناس‬
‫بتلك االبتسامة هو رفيق الدرب وشريك العمر من الزوج والزوجة ‪.‬‬
‫ومن أعجب ما قيل في عبوس الوجه ‪ ،‬تلك النصيحة التي وجهها‬
‫أحد العلماء لشاب يعظه ‪ « :‬إذا أردت أن تعرف ما يفعله العبوس ‪ ،‬فانظر‬
‫إلى وجهك في املرآة عندما تكون غضبان عابساً ‪ ..‬انظر وجهك كم هو‬
‫ُمن ِّفر وقبيح ‪ ،‬وانظر كم يجلب مثل هذا الوجه على صاحبه من السخط‬
‫واألذى» ‪.‬‬
‫قال أصحاب طب األبدان ‪ « :‬لو يعلم العابسون كم عضلة يحتاجون‬
‫ُرهق وجوههم ‪ ،‬لمَ َا عبسوا ‪ ،‬فإن االبتسامة حتتاج إلى‬ ‫إليها للعبوس ت ِ‬
‫عضلتني فقط في الوجه ‪ ،‬أما العبوس فيحتاج إلى ثالثني عضلة ت ِ‬
‫ُرهق‬
‫الوجه حتى تظهر !!! » ‪ .‬وليبحث كل من الزوجني عن سبب عبوس اآلخر‪،‬‬
‫َّ‬
‫احلل إن شاء الله ‪.‬‬ ‫وسيجد‬

‫ِّ‬
‫وحل‬ ‫< عدم اختيار األوقات املناسبة لعرض الطلبات‬
‫املشكالت‬
‫بعض الزوجات ال يحلو لها عرض الطلبات واملشكالت إال إذا‬
‫حضر الزوج من العمل أو كان متعباً مرهقاً ‪ ،‬وبعض الزوجات ال تبالي في‬
‫عرض ذلك في أي وقت ‪ ،‬طلبات األوالد ‪ ،‬وإصالحات املنـزل ‪ ،‬ومشاكل‬
‫األسرة الصغيرة والكبيرة ‪ ،‬والرجل ال يرفض احلديث في مثل هذه األمور‪،‬‬
‫لكن يجب على الزوجة أن تختار الوقت املناسب‪.‬‬
‫وعلى الرجل في املقابل أن يوفر وقتاً كافياً ألهله كي يعرضوا ما‬
‫عندهم من طلبات ومشكالت ‪ ،‬ألن بعض الزوجات تقول ‪ -‬و ُه َّن صادقات ‪-‬‬
‫إن زوجها ال تراه إال عند الطعام أو وقت النوم ‪ ،‬فمتى تعرض طلباتها؟!!‪.‬‬
‫تقول بعض النساء املج ِّربات من أهل اخلبرة ‪ :‬على الزوجة أن‬

‫‪zwag book.indd 25‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪26‬‬

‫متتص متاعب زوجها اليومية ‪ ،‬وتختار الوقت املناسب لكي حتدثه مبطالب‬
‫األسرة والبيت ‪ ،‬ال تستقبله بصوت اإلسعاف ‪ :‬ابنك مريض ويحتاج للطبيب‪،‬‬
‫الغاز انتهى ‪ ،‬املاء خلص ‪ ،‬األرز نفد ‪ ،‬املدرسة تريد كذا وكذا ‪ ،‬أنا أريد‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬وغير ذلك من املنغصات التي تضغط على أعصاب الزوج ‪،‬‬
‫ويعتقد أن توقيتها نابع من الكراهية له والرغبة في التنكيد عليه ‪.‬‬
‫املرأة إذا أحبت أن متلك لب زوجها ‪ ،‬فعليها أال تستخدم أسلحته‬
‫التي يتفوق بها ‪ ،‬مثل األسلحة الكالمية واجلسمية ‪ ،‬بل تستخدم سالح‬
‫املرأة ‪ :‬احلنان والكالم املعسول الذي يتفق مع طبيعتها ‪ ،‬واستعدادها لكي‬
‫حتسم املعركة لصاحلها ! ‪.‬‬
‫< عدم شكر الزوجة لزوجها‬
‫فهو يشتري الشيء بأغلى األثمان ‪ ،‬وهو ينتظر منها في املقابل‬
‫كلمة طيبة‪ ،‬أو دعوة له بطول العمر على الطاعة ‪ ،‬وتشعره بفرحتها مبا‬
‫أتى به ‪ ،‬ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ‪.‬‬
‫وبعض النساء تقلل من قيمة هذا الشيء وأنه ال يساوي شيئاً ‪ ،‬أو‬
‫خدش في مشاعر الزوج ‪ ،‬ويدل على سوء‬ ‫ُ‬ ‫أن غيره أفضل منه ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫خلقها ورداءة طباعها‪.‬‬
‫يقول النبي [ ‪( :‬ال ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة ال تشكر‬
‫‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫لزوجها‪ ،‬وهي ال تستغني عنه)‬
‫< إكثار بعض األزواج من احلديث عن رغبته في التعدد‬
‫مبناسبة وبغير مناسبة‬
‫حتى تشعر بعض الزوجات وكأن معها ض َّر ًة ‪ ،‬بسبب إكثاره من‬
‫احلديث عن ذلك ‪.‬‬

‫‪ :1‬رواه النسائي في كتابه (عشرة النساء) ‪ ،‬وانظر الصحيحة (‪. )289‬‬

‫‪zwag book.indd 26‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪27‬‬

‫وبعضهم يبدي ذلك من باب املزاح ‪ ،‬والواقع أن كل أمر ميكن أن‬


‫تستطيع املرأة املزاح فيه إال موضوع التعدد ‪ ،‬فال داعي لهذا الكالم ‪ ،‬فإنه‬
‫يوقد في قلب املرأة نار الغيرة ‪ ،‬وهذا يعكر صفو احلياة الزوجية ‪.‬‬
‫< ثناء املرأة على بعض األزواج ‪ ،‬وثناء الرجل على بعض‬
‫النساء من غير محارمه‬
‫بعض الزوجات ‪ -‬هداهن الله ‪ -‬بسبب أو بغير سبب تُثني على‬
‫أزواج أخواتها وقريباتها أو صديقاتها ‪ ،‬وتقارن زوجها بهم ‪ ،‬ففالنه زوجها‬
‫منصبه كذا ‪ ،‬وله من احلال كذا ‪ ،‬واشترى لزوجته كذا ‪ ،‬ونحو ذلك مما‬
‫يجرح مشاعر الزوج ‪ ،‬ويلهب في قلبه الغيرة ‪.‬‬
‫والزوجة الصاحلة التي تنشد السعادة في حياتها مع زوجها ال‬
‫ترفع نظرها فوق مستوى زوجها ‪ ،‬بل ترضى مبا قسم الله لها ‪ ،‬فليس‬
‫املال واملركز االجتماعي هما كل شيء ‪ ،‬وإمنا العِ برة بتوفيق الله أوالً ‪ ،‬ثم‬
‫بالرضى باملقسوم والقناعة ‪ ،‬والعفاف ‪ ،‬وحسن العشرة ‪.‬‬
‫وفي املقابل أيضاً جتد بعض األزواج يجرح مشاعر زوجته بالثناء‬
‫على بعض النساء من غير محارمه ‪ ،‬أو اإلشادة بحسن طبخهن ونحوه ‪،‬‬
‫وهذا يصيب املرأة بالغيرة ‪.‬‬
‫ولكي تهدأ النفس فعلينا بحديث النبي [ ‪( :‬انظروا إلى من‬
‫أسفل منكم ‪ ،‬وال تنظروا إلى من هو فوقكم ‪ ،‬فإنه أجدر أن ال تزدروا نعمة‬
‫الله عليكم)(‪ )1‬فالزوجة الصاحلة هي التي تقارن واقعها املعيشي مبن هم‬
‫دونها ‪ ،‬ال مبن هم فوقها ‪.‬‬
‫< االحتفاظ بذكريات ومواقف مؤملة‬
‫بعض األزواج يجعلون صدورهم خزانة ألخطاء زوجاتهم وهفواتهم‬

‫‪ :1‬رواه مسلم (كتاب الزهد والرقائق ‪ ،‬باب انظروا إلى من أسفل منكم) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 27‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪28‬‬

‫وسوء تصرفاتهن ‪ ،‬ويظلون يجمعون فيها األخطاء والهفوات والكلمات‬


‫املؤملة ‪ ،‬خطأ بعد خطأ ‪ ،‬وكلمة بعد كلمة ‪ ،‬بالتاريخ والساعة ‪ ،‬حتى إذا‬
‫وقع خالف فتحوا تلك اخلزانة ‪ ،‬وأفردوا السجالت والدفاتر العتيقة ‪،‬‬
‫وأخرجوا ما بداخلها من ذكريات وهفوات منس َّية ‪ ،‬مما يزيد أي مشكلة ‪،‬‬
‫ويوسع رقعة أي خالف ‪.‬‬
‫فتجد املشكلة الصغيرة جتمعت حولها عشرات املواقف ‪ ،‬فبدالً‬
‫من ح ِّل املشكلة نفسها ‪ ،‬يغوص الطرفان في حل مشكالت أخرى ال عالقة‬
‫لها باملشكلة احلالية ‪.‬‬
‫وال ميكن لهؤالء أن يسعدوا في حياتهم الزوجية طاملا أنهم‬
‫يحتفظون بهذه الذكريات والهفوات واملواقف املؤملة ‪.‬‬
‫والواجب على الزوج أن يُلقي كل هذا في سلة القمامة ‪ ،‬وال يجعل‬
‫ال في إعادتها مرة أخرى إلى ذاكرته ‪ ،‬وعليه أن يحتفظ‬ ‫للشيطان عليه سبي ً‬
‫فقط بالذكريات السعيدة ‪ ،‬واملواقف الطريفة ‪ ،‬واأليام اجلميلة التي قضاها‬
‫مع زوجته ‪ ،‬ويعرضها إذا نشب اخلالف ؛ ليخفف به حدة التوتر ‪.‬‬
‫فع ِّود نفسك على العفو والصفح والتجاوز عن الزالت ‪ ،‬يقول‬
‫تعالى‪( :‬وليعفوا وليصفحوا أال حتبون أن يغفر الله لكم) النور‪ 22:‬فاجلزاء من‬
‫جنس العمل ‪ ،‬والعفو من شيم الكرام ‪ ،‬وتتبع العثرات والهفوات إمنا هو‬
‫من شيم اللئام ‪ ،‬نسأل الله العافية ‪.‬‬
‫< عدم اهتمام أحد الزوجني بالتجمل لصاحبه‬
‫بعض الزوجات ال تهتم بجمالها وزينتها ‪ ،‬خاصة مع توسط العمر‬
‫وتدعي أن الزينة إمنا هي‬‫إذا بلغت األربعني ‪ ،‬أوقفت برنامج التجمل ‪ّ ،‬‬
‫تدعي أنها منشغلة بالبيت واألوالد ‪ ،‬بينما‬
‫في فترة الشباب فقط‪ ،‬أو ّ‬
‫تظهر بأبهى ُحلة إذا أرادت الذهاب حلفلة أو حضور مناسبة أو استقبال‬
‫ضيوف‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 28‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪29‬‬

‫واملرأة العاقلة ال جتعل زوجها يلحظ كِ َبر ِس ِّنها ‪ ،‬بل يزداد جتملها‬
‫له ‪ ،‬وكأن شبابها يتجدد ‪ ،‬فال يطمح نظره عنها إلى غيرها ‪.‬‬
‫ومن األزواج من ال يهتم بنظافة وحسن هندامه من أهله ‪ ،‬خاصة‬
‫إذا توسط به العمر مبا يناسبه ‪ ،‬واملرأة لها حق في ذلك ‪ ،‬فإنه يعجبها‬
‫منه ما يعجبه منها‪ ،‬فهذا رسول الله [ كما ثبت عنه ‪ :‬كان املسك يسيل‬
‫عن مفرق شعره ‪ ،‬وكان ينظف فمه بالسواك دائماً عند دخوله على أهله‪،‬‬
‫وعند االستيقاظ من النوم ‪ ،‬وكان ميشط شعره‪ ،‬ويرتدي الثياب البيض‬
‫(‪)1‬‬
‫لنظافتها‬
‫وقال ابن عباس ] في تفسير قوله تعالى ‪( :‬ولهن مثل الذي‬
‫عليهن باملعروف) البقرة‪ 228 :‬قال ] ‪« :‬إني ألتزين المرأتي كما تتزين‬
‫لي »‪.‬‬
‫وثبت عن عائش ـ ــة رضي الله عنها أنها ق ـ ــالت ‪ :‬دخل علي رسول‬
‫ورق (خوامت من فضة) فقال ‪ :‬ما هذا يا‬
‫الله [ ‪ ،‬فرأى في يدي فتخات من ِ‬
‫عائشة؟‪ .‬فقلت ‪ :‬صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وكان من نصيحة أم املؤمنني عائشة المرأة سألتها عن التزين‬


‫للزوج أن قالت‪ :‬أميطي عنك األذى ‪ ،‬وتصنّعي لزوجك كما تصنعني للزيارة‪،‬‬
‫وإذا أمرك فتطيعينه‪ ،‬وإذا أقسم عليك فأبري به ‪ ،‬وال تأذني في بيته ملن‬
‫يكره(‪. )3‬‬
‫فاملرأة العاقلة التي تريد دوام السعادة في حياتها الزوجية دون‬
‫منغصات ‪ :‬عليها أن جتدد جمالها لزوجها ؛ لتلفت نظره بني وقت وآخر‪.‬‬

‫‪ :1‬رواه مسلم (‪ )352‬وانظر كتاب (الشمائل احملمدية) لإلمام الترمذي حتقيق األلباني ‪.‬‬
‫‪ :2‬صحيح سنن أبي داود ‪.‬‬
‫‪ :3‬رواه عبدالرزاق في املنصف ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 29‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪30‬‬

‫< املبالغة في الغيرة على الزوج ‪ ،‬ما أتعس املرأة الغيورة وما‬
‫أتعس حياتها‬
‫الغيرة بصفة عامة ظاهرة صحية ‪ ،‬ولوال الغيرة في املجتمع‬
‫النتهكت حرمات الله ‪ ،‬ففي احلديث الذي رواه البخاري قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله [ ‪( :‬إن الله يغار ‪ ،‬واملؤمن يغار ‪ ،‬وغيرة الله أن يأتي املؤمن ما ُح ِّرم‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عليه)‬
‫لكن هذا ال يعني أن الغيرة حالل باإلطالق ‪ ،‬كال ‪ ،‬فهناك نوع من‬
‫الغيرة يهدم البيوت ‪ ،‬ويُخ ِّرب وال يُع ِّمر ‪ ،‬وهذا النوع هو الغيرة املجنونة‬
‫العمياء التي ال تفرق بني احلق والباطل ‪ ،‬فالغيرة من غير ريبة ومن غير‬
‫تأكد من أسبابها ‪ ،‬غيرة منبوذة‪.‬‬
‫كذلك الغيرة من أشياء غير واضحة املعالم كالشكوك والظنون‬
‫واألوهام ‪ ،‬غيرة مبغوضة ‪ ،‬وفي احلديث ‪( :‬إن من الغيرة ما يحب الله ‪،‬‬
‫ومن الغيرة ما يبغض ‪ ..‬فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة ‪،‬‬
‫وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير ريبة) (‪. )2‬‬
‫هناك من الرجال مريض بهذا املرض ‪ ،‬مرض الغيرة املجنونة ‪،‬‬
‫فتراه يتخون أهله دائماً ‪ ،‬فيتجسس على أهله بالدخول املفاجئ أو عبر‬
‫الهاتف ‪ .‬وقد حذر النبي [ من ذلك كما جاء في صحيح مسلم عن جابر‬
‫قال ‪( :‬نهى رسول الله [ أن يطرق الرجل أهله لي ً‬
‫ال يتخ َّونُهم أو يتلمس‬
‫عثراتهم)(‪ )3‬ومن شاء أن يغار حقاً فليغر على أهله إن خرجت متبرجة أو‬
‫متعطرة ‪.‬‬
‫وأنا أنصح الزوجني ‪ -‬كما نصح غيري ‪ -‬أن يدع كل منهما لآلخر‬
‫مجاالً ملراقبة خالقه ومحاسبة نفسه ‪.‬‬
‫‪ :1‬رواه البخاري ( كتاب النكاح ‪ ،‬باب الغيره ) ومسلم ( كتاب التوبه ‪ ،‬باب غيرة الله وحترمي الفواحش ) ‪.‬‬
‫‪ :2‬رواه ابوداود (كتاب اجلهاد ‪ ،‬باب اخليالء في احلرب) وصحيح سنن النسائي ‪.‬‬
‫‪( :3‬كتاب اإلمارة ‪ ،‬باب كراهة الطروق لي ً‬
‫ال) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 30‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:43 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪31‬‬

‫وكذلك غيرة املرأة على زوجها لنفس السبب ‪ ،‬وهناك من النساء‬


‫من تحُ َ ِّول بيتها جحيماً ال يُطاق من الغيرة على زوجها ‪ ،‬فتُشكك في‬
‫كالمه‪ ،‬وتتجسس عليه ‪ ،‬وتفسر كل شيء على حسب هواها ‪ ،‬وتسأله في‬
‫الغدوة والروحة عن املكان والزمان‪ ،‬وتفتش في مالبسه وحقيبته وحافظة‬
‫نقوده ؛ لعل هناك ما يخفيه عنها ‪ ،‬بل وتشتَ ّم مالبسه ؛ لعلها جتد رائحة‬
‫عطر نسائي أو رائحة غير عادية ‪ .‬ال شك أن هذه الغيرة تعكر صفو‬
‫احلياة الزوجية وقد جتعلها في َم َه ِّب الريح ‪.‬‬
‫ومن الطبيعي أن تكون الغيرة املبعث الوحيد للحب ‪ ،‬فإن املرأة ال‬
‫تغار إال على رجل حتبه ‪ ،‬ولكن الغيرة لها حدود ولها نسبة ‪ ،‬فإذا جتاوزتها‬
‫انقلبت إلى مشكلة ‪ ،‬تؤدي في النهاية إلى الطالق ‪ ،‬فلتحذر الزوجة من‬
‫الغيرة القاتلة ‪ ،‬ولتتكيف مع أوضاع زوجها ‪ ،‬وال تبالغ في الغيرة ‪ ،‬فهي‬
‫سالح ذو حدين أحدهما قاتل ‪.‬‬
‫اعلم أيها الزوج واعلمي أيتها الزوجة ‪ ..‬أن من أعظم أعمال إبليس‬
‫وجمع أعوانه لها ‪ :‬اإليقاع بني الرجل وزوجته ‪.‬‬
‫التي تف َّرغ ألجلها ‪َّ ،‬‬
‫قال رسول الله [ ‪( :‬إن إبليس يضع عرشه على املاء ‪ ،‬ثم يبعث‬
‫سراياه ‪ ،‬فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة ‪ ،‬يجئ أحدهم فيقول ‪ :‬فعلت‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ما صنعت شيئاً ‪ ،‬قال ثم يجئ أحدهم فيقول ‪ :‬ما‬
‫تركته حتى ف َّرقـ ــت بينه وبني امـرأتـ ــه ‪ ،‬ق ـ ــال فيدنيه منه ويقول ‪ :‬نعم‬
‫أنت) ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن هنا يجب على كل زوج وزوجة أن يفوتا الفرصة على هذا‬
‫امللعون ؛ حتى ال يحقق أعظم أمانيه في التفريق بينهما ‪ ،‬والطريق إلى‬
‫ذلك يكون بوضع حد خلالفاتهما ومشكالتهما ‪.‬‬
‫لذلك ترى عندما يبدأ أدنى خالف بني الزوجني ولو على أتفه‬

‫‪ :1‬رواه مسلم (كتاب صفه القيامة واجلنة والنار ‪ ،‬باب حتريش الشيطان وبعثه سراياه) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 31‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪32‬‬

‫األمور ‪ ،‬يدخل الشيطان بينهما فيقوي من عزمية كل طرف ‪ ،‬على اإلصرار‬


‫أو اإلنكار أو االستكبار ‪ ،‬ف َيكبُر اخلالف ويت َِّسع ‪ ،‬حتى ال يبقى إال الطالق‪،‬‬
‫لوال أن يتداركهم الله برحمته ‪.‬‬
‫وأحكي لكم قصة طريفة تبني كيف أن الشيطان يعني اإلنسان‬
‫على البغي والعدوان ‪ :‬يحكي أحدهم بأن والدته أم فهد حدثته عن موقف‬
‫طريف حدث لها مع والده والقصة كالتالي تقول ‪:‬‬
‫في عام ‪1376‬هـ طلبت أم فهد من زوجها أن يسمح لها بزيارة‬
‫جارتها أم علي فلم يوافق ‪ ،‬كلمة منه وكلمة منها انفعلت وقالت ‪ :‬والله‬
‫لسوف أترك لك البيت‪ ،‬ثم أخذت ماكينة اخلياطة اخلاصة بها ومالبسها‪،‬‬
‫وخرجت من البيت غاضبة جداً‪ ،‬ولكنها بعدما وصلت إلى بيت أهلها‬
‫تصورت كيف ستكون حياتها هناك ‪ ،‬راجعت نفسها ‪ ،‬ثم رجعت إلى بيتها‬
‫متثاقلة ‪ ،‬واخلجل يقتلها ‪ ،‬وطرقت الباب ثم دخلت ‪ .‬وقالت لزوجها‪:‬‬
‫ساعدني على تنـزيل املاكينة ‪ ،‬قال لها ‪ :‬يا سبحان الله عندما كنت غضبى‬
‫ساعدك الشيطان وحملتيها على رأسك مبفردك ‪ ،‬وعندما عدت إلى‬
‫وأصبحت بدون مساعد ولوحدك صعب عليك وضعها على األرض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رشدك‬
‫عموماً أنا مقدر رجوعك إلى عقلك ‪ ،‬اذهبي إلى أم علي ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 32‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪33‬‬

‫وأخير ًا ‪ ..‬أمور تنمي احلب بني الزوجني‬


‫إن النفوس البشرية جبلت على حب من أحسن إليها ‪ ،‬وبغض من‬
‫أساء إليها ‪ .‬وإن مما يُنَ ِّمي احلب بني الزوجني أمور غفل أو تغافل عنها‬
‫الكثير من األزواج ‪:‬‬
‫‪ -1‬الكالم العاطفي الصريح ‪ ،‬كلمات احلب والغرام ‪ ،‬فقد جاء‬
‫عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول ‪( :‬كان حبيبي [ يكره كذا‬
‫وكذا)(‪. )1‬‬
‫‪ -2‬مخاطبة شريك احلياة بالكنى واأللقاب احلسنة ‪ ،‬وتدليل‬
‫األسماء أو ترقيقها أو ترخيمها ‪ ،‬كما كان يفعل [ ‪ :‬كان يخاطب عائشة‬
‫(‪)2‬‬
‫رضي الله عنها ‪( :‬يا عائش) ‪.‬‬
‫فأين نحن من خلق النبي [ ‪ .‬عندنا أناس ال تعرف تنطق أسماء‬
‫زوجاتهم أص ً‬
‫ال ‪ ،‬بعضهم يقول ‪ِ :‬‬
‫انت وينِك ‪ ،‬أو يا هوش ‪ ،‬وهذا نداء البقر‬
‫عند العا َّمة ‪.‬‬
‫‪ -3‬املزاح واملداعبة واالبتسامة ‪ ،‬وهي من أهم وسائل الترويح عن‬
‫نفسية شريك احلياة ‪ ،‬وكان [ ميازح زوجاته ويداعب ُهن ‪ ،‬وكان يسابق‬
‫عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وكان يقول ‪( :‬وإنك لن تنفق نفقة إال أجرت بها ‪،‬‬
‫في امرأتك) (‪ )3‬وهو من صور املالطفة‪.‬‬‫حتى اللقمة ترفعها إلى ِّ‬
‫‪ -4‬أن يشيد كل طرف بخلق اآلخر وحسن تعامله ‪ ،‬وشكره عن‬
‫الطرف عن الهفوات وال َّز َّالت وندفنها ‪ ،‬وعلينا بذكر‬
‫خدماته ‪ ،‬ونغض َّ‬
‫احلسنات ‪.‬‬
‫تعلمون أن بعض األزواج قد جعل صدره خزانة ومستودعاً ألخطاء‬

‫‪ :1‬رواه أبي داود (كتاب الترجل ‪ ،‬باب في اخلضاب للنساء) واإلمام أحمد (‪. )23716‬‬
‫‪ :2‬رواه البخاري (كتاب املناقب ‪ ،‬باب فضل عائشة) ومسلم (كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب فضل عائشة)‬
‫‪ :3‬البخاري (كتاب الفرائض ‪ ،‬باب ميراث البنات) ومسلم (كتاب الوصية ‪ ،‬باب الوصية بالثلث) ‪.‬‬

‫‪zwag book.indd 33‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪34‬‬

‫زوجته ‪ -‬كما سبق وأن ب ّينا ‪ ، -‬فالواجب على املسلم العفو والصفح ؛ ألن‬
‫تتبع الهفوات من شيم اللئام ‪.‬‬
‫‪ -5‬ثناء الزوج ومدحه لزوجته ‪ ،‬عن حسن اختيارها للباسها ‪،‬‬
‫وحسن صنعها في الطعام ‪ ،‬وحسن ترتيبها ألثاث املنـزل ‪ ،‬واهتمامها‬
‫بشؤون العائلة ‪.‬‬
‫‪ -6‬احترام مشاعر الطرف اآلخر وأحاسيسه واالبتعاد عما يكدر‬
‫خاطره ويجرح مشاعره ‪ ،‬وإن مما ينغص صفو السعادة الزوجية ويكدر‬
‫صفو العالقة بينهما ‪ :‬ثناء املرأة على بعض األزواج ‪ ،‬وثناء الرجل على‬
‫بعض النساء من غير محارمه ‪.‬‬
‫‪ -7‬تبادل الهدايا في املناسبات ‪ ،‬فإن الهدية من أكبر أسباب‬
‫احملبة ‪ ،‬كما قال رسولنا [ ‪( :‬تهادوا حتابوا)(‪. )1‬‬
‫‪ -8‬احترام أهل الطرف اآلخر ‪ ،‬واإلشادة بهم ‪ ،‬وبحسن تربيتهم‪،‬‬
‫وعدم ذكر عيوبهم والتنقص منهم ‪ ،‬فإن في ذلك إيذاء للطرف اآلخر‪،‬‬
‫وتنقص له ‪ ،‬إال إذا كان على سبيل التحذير من عادة أو خلق معني‬
‫فينصحون به ‪.‬‬
‫‪ -9‬ليُ َع ِّود الزوجان نفسيهما على أن يدعوا لبعضهما ‪ ،‬ويرددا ‪:‬‬
‫عسى الله أن يجمعنا في الدنيا واآلخرة ‪ .‬فإن هذا يزيد من بنيان العالقة‬
‫الزوجية ويقوي احلب بني الزوجني ‪ ،‬مثل ‪ :‬ما راح أجد مثلك زوجاً ‪ ،‬لو‬
‫عادت األيام بنا ملا قبلت بزوج غيرك ‪ ،‬ما راح آخذ زوجة وفية مثلك ‪.‬‬
‫‪ -10‬التحية احلارة والوداع ‪ ،‬عند الدخول واخلروج ‪ ،‬وعند السفر‬
‫والقدوم‪ ،‬وعبر الهاتف‪.‬‬
‫بعض األزواج والزوجات كأن لسانهم مربوط عند التحية ‪ٌّ ،‬‬
‫وكل‬
‫منا يالحظ ‪ ،‬على سبيل املثال ‪ :‬عندما يَ ِر ّن صوت الهاتف ويَ ُر ّد الزوج على‬
‫‪ :1‬انظر اإلرواء (‪. )1601‬‬

‫‪zwag book.indd 34‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪35‬‬

‫زوجته ‪ ،‬وعندما ينتهي من احلديث معها ‪ ،‬كأن الكالم بفلوس ! ‪.‬‬


‫‪ -11‬املسارعة في أن يرضي أحدهما اآلخر ‪ ،‬في حالة الغضب أو‬
‫وجود مشكلة ‪ ،‬كما قال النبي في صفات الزوجة الصاحلة ‪( :‬ونساؤكم من‬
‫أهل اجلنة ‪ :‬الودود‪ ،‬الولود ‪ ،‬العؤود على زوجها ‪ ،‬التي إذا غضب جاءت‬
‫حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول ‪ :‬ال أذوق غمضاً حتى ترضى) (‪. )1‬‬
‫‪ -12‬التفاعل من الطرفني في وقت األزمات ‪ ،‬كأن مترض الزوجة‬
‫أو حتمل‪ ،‬فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية ‪ ،‬أو يتضايق الزوج بسبب ما‪،‬‬
‫فيحتاج إلى عطف معنوي وإلى من يقف بجانبه ‪ ،‬فالتّألُّم أللم اآلخر له‬
‫أكبر األثر في بناء املودة بني الزوجني ‪ ،‬وجعلها أكثر قربة ومحبة ‪.‬‬
‫وأخيراً ‪ ..‬اعلما أيها الزوجني الكرميني أن العالقة بينكما ليست‬
‫عالقة دنيوية مادية ‪ ،‬وال شهوانية بهيمية ‪ ،‬إنها عالقة روحية كرمية ‪،‬‬
‫وحينما تصح هذه العالقة ‪ ،‬وتَص ُدق هذه الصلة ؛ فإنها متتد إلى احلياة‬
‫اآلخرة بعد املمات ‪( :‬جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم‬
‫وذرياتهم) الرعد‪. 23:‬‬

‫هذا ونسأل الله جل في عاله أن يدمي لكل زوجني حياة سعيدة‬


‫مطمئنة ‪ ،‬تخطو بخطى اإلميان وتنهج نهج الرحمن ‪.‬‬
‫واحلمد لله الذي بنعمته تتم الصاحلات ‪.‬‬
‫* * * *‬

‫‪ :1‬صححه األلباني في الصحيحة (‪.)287‬‬

‫‪zwag book.indd 35‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬


‫فن السعادة الزوجية‬ ‫‪36‬‬

‫الفهرس‬
‫‪1‬‬ ‫< املقدمـة‬

‫‪3‬‬ ‫< حياة أسرية بال مشكالت‬

‫< احرص على االختـيار‬


‫‪9‬‬
‫< طريـق السعـادة‬
‫‪11‬‬
‫< تـنازل عن النظرة املثاليـة‬
‫‪13‬‬
‫< اعرف مسئوليتـك‬
‫‪16‬‬ ‫< مفاهيم مغلوطـة‬

‫‪19‬‬ ‫< وصيـة جامعـة‬

‫‪24‬‬ ‫< لنتح َ‬


‫ـاش املن ِّغصـات‬

‫< إساءة احلديث‬


‫‪24‬‬
‫< عبوس أحد الزوجني في وجه اآلخر‬
‫‪24‬‬
‫< عدم اختيار األوقات املناسبة لعرض الطلبات وح ِّل املشكالت‬
‫‪25‬‬
‫< عدم شكر الزوجة لزوجها‬
‫‪26‬‬
‫< إكثار بعض األزواج من احلديث عن رغبته في التعدد مبناسبة وبغير مناسبة‬
‫< ثناء املرأة على بعض األزواج ‪ ،‬وثناء الرجل على بعض النساء من غير محارمه ‪27‬‬

‫‪27‬‬ ‫< االحتفاظ بذكريات ومواقف مؤملة‬

‫‪28‬‬ ‫< عدم اهتمام أحد الزوجني بالتجمل لصاحبه‬

‫< املبالغة في الغيرة على الزوج ‪ ،‬ما أتعس املرأة الغيورة وما أتعس حياتها‬
‫‪30‬‬
‫< وأخيراً ‪ ..‬أمور تنمي احلب بني الزوجني‬
‫‪33‬‬

‫‪zwag book.indd 36‬‬ ‫‪6/4/15 9:46:44 AM‬‬

You might also like