Professional Documents
Culture Documents
تاريخ الرومان والاغريق س2
تاريخ الرومان والاغريق س2
تاريخ الرومان والاغريق س2
محاضرات وحدة:
2020-2019م
1
مصادر التاريخ الروماني
جاء اهتمام الرومان بتاريخهم متأخ ار ،فإذا كانت نشأة روما تؤرخ بالقرن 8ق.م فإن أولى
بوادر األدب التاريخي أخذت في الظهور في أواخر القرن 3ق.م .ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية
العصر الجمهوري اشتهر العديد من المؤرخين الذين كتبوا باللغة اإلغريقية أوال ثم بالالثينية والذين
يشكلون مدرسة الحوليات من أبرز ممثلي هذه المدرسة ( Pictor Fabiusكان عضوا في مجلس
الشيوخ في نهاية القرن 3ق.م) إضافة إلى Porcius Catonثم Valerius Antiosوغيرهم .
وقد ضاعت كل الكتابات التي خلفها هؤالء سوى بعض الشذرات التي احتفظ بها المؤرخون
الالحقون .ثم تابع ممثلوا اإلسطوغرافيا الرومانية في بداية العصر اإلمبراطورية وهم Tite live
و Diodoreالصقلي و Denyse D'Halicarnasseعمل األوائل حيث يمثلون برأي المؤرخين
نقطة تواصل طبيعية لمدرسة الحوليات ،وسواء تعلق االمر بالمؤرخين السابقين أو المتأخرين
فإنهم جميعا لم يكونوا معاصرين للفترة األولى لروما التي ينقلون أخبارها لذا نتساءل عن المصادر
التي اعتمدوها في سرد األحداث ،ويمكن تقسيم هذه المصادر حسب طبيعتها إلى نوعين :
- 1مصادر خارجية ( غير رومانية ) :ويمثلها األدب اإلغريقي الذي سبق بقرون نشأة
األدب الالثيني والذي اهتم بدرجات متفاوتة األهمية بوقائع إيطالية .في البداية كانت المعلومات
الجغرافية التي يتوفر عليها اإلغريق حول بالد إيطاليا التزال تتسم بالغموض ،وبعض اإلشارات
المحدودة المتعلقة ببعض األساطير اإليطالية إلى حدود سنة 500ق.م حيث أعطى Hécaté
أول وصف لبالد إيطاليا وبعده بنصف قرن ذكر المؤرخ هيرودوت في كتابه ميناء Agilaومدينة
Crotoneاألثروسكيين .ولن تظهر إيطاليا جليا في الكتابات اإلغريقية إال مع نشأة
اإليسطوغرافيا اإلغريقية الغربية على الرغم من كون هذه األخيرة قد كرست اهتمامها بالخصوص
لجزيرة صقلية وجنوب إيطاليا .وكما هو األمر بالنسبة لكتب الحوليات فإن كل الكتابات اإلغريقية
التي استفاد منها المؤرخون الرومان قد ضاعت ولم يبق سوى أسماء المؤرخين الذين اشتهروا في
المستوطنات اإلغريقية بصقلية وجنوب إيطاليا باستثناء بعض الشذرات القليلة التي احتفظ بها
المؤرخون المتأخرون كما ضاعت أيضا حتى الكتابات التاريخية األتروسكية التي نجهل عنها كل
شيء .
2
هذه إذن هي المصادر الخارجية التي ساعدت على نشأة الكتابة التاريخية عند الرومان،
لكنها لم تكن كافية لكتابة تاريخ روما مادام أن هذا األخير لم يشكل محورها األساسي بل موضوعا
هامشيا .ثم إن هذه الكتابات كانت تقدم تاريخ روما من وجهة نظر أجنبية قد تختلف عن تصور
أصحاب مدرسة الحوليات لتاريخهم الوطني ،لذا كان البد من اإلعتماد على نوع آخر من
المصادر التي يمكن وصفها بالوطنية.
- 2مصادر قومية رومانية :ونميز ضمن هذه المجموعة بين نوعين من الوثائق :الوثائق
الرسمية والوثائق الخاصة:
+الوثائق الدينية ،حيث كان لكل مجموعة كهنوتية في روما وثائقها الخاصة والمتنوعة يمكن
أن نذكر منها على سبيل الصلوات وكتب الطقوس وكتب التفاسير ثم نضيف محاضر أو مجموع
الق اررات التي اتخذتها الجماعة والتي تعتبر كأحكام قضائية يتم األخذ بها في حالة نشوب صراع
ما .غير أن أهم هذه الوثائق على اإلطالق تلك التي كانت تتوحد فيها كل الجماعات الكهنوتية
والتي كانت تنجز من طرف أهم جماعة شأنا وهم الكهنة العظام Pontifices Maximiتسمى
بالتقويم .وكان الكاهن األعظم هو الذي يشرف على كتابة التقويم وتنظيمه على لوحة تعلق على
حائط مقر الملك قديما والذي اصبح مقر الكاهن األعظم باعتباره الوارث النظري المتيازات الملك
وسلطاته الدينية .ولقد اكتسى التقويم في البداية طابعا عمليا ،فهو يفرق بين األيام السعيدة أي التي
يمكن خاللها ممارسة العمل واأليام المشؤومة التي تكرس للعبادات ،ومع الوقت أضيفت إلى
التقويم أسماء القناصل الذين باشروا شؤون الدولة وهي األسماء التي كانت تستعمل للتفريق بين
السنوات ،ثم أهم األحداث التي ميزت السنة خصوصا اإلنتصارات العسكرية وبذلك أصبح للتقويم
معنى الحوليات الشيء الذي جعله يتطور تدريجيا كي يولد من التاريخ .
+الوثائق السياسية :لم يكن الرومان يتوفرون في العصر الجمهوري على وثيقة شبيهة
بجريدتنا الرسمية .أما محاضر جلسات مجلس الشيوخ ومجلس الشعب فإنها نشرت ألول مرة في
فترة متأخرة بمبادرة من قيصر خالل القرن 1ق.م ،غير أن المؤرخين أشاروا إلى مجموعة من
الوثائق السي اسية التي تخص القرون األولى من التاريخ الروماني مثل االتفاقيات والتحالفات
الموقعة في عهد الملك Servius Tulliusبين روما والمدن الالثينية األخرى ،ثم أول اتفاقية بين
روما وقرطاج ذكرها المؤرخ ، Polybeثم قانون اللوحات اإلثني عشر التي ترجع إلى 450ق.م
3
،إضافة إلى ذلك كانت هناك وثائق أخرى متفاوتة األهمية محفوظة في مقرات الحكام كالقناصل
وأمناء المال ....وهي وثائق تضم الحسابات والق اررات وغيرها.
ب– الوثائق الخاصة :فلكل عائلة كبرى وثائقها ،تتوارثها أجيالها وهي متنوعة مثل شجرات
النسب والرثاءات .هذه إذن هي العناصر المكتوبة والشفوية التي اعتمد عليها الحوليون لكتابة
تاريخ روما ،يبقى التساؤل حول التاريخ الدي تعود هذه الوثائق ؟ فاألمر يتعلق بإدخال الكتابة إلى
روما ،ورغم اختالف المؤرخين في الطريقة التي تم بها إدخال الكتابة إلى روما هل عن طريق
األتروسكيين أم بواسطة مستعمرة Cumesاإلغريقية ،فإنهم متفقون أن ذلك تم في نهاية القرن 8
ق.م .غير أن أول وثيقة كتبت بصيغة مطولة نوعا ما كانت هي قانون اللوحات اإلثني عشر في
منتصف القرن 5ق.م ،ويبدو أنه شرع منذ هذه الفترة في تعميم استعمال الكتابة مما دفع بعض
المؤرخين إلى القول أن الوثائق الرسمية ال يمكنها أن تعود إلى فترة سابقة عن القرن 5ق.م ،وأن
ما كتب خالل القرن 6ق.م جد محدود وأتلف معظمها بسبب حريق روما أثناء الغزو الغالي في
390ق.م .أما الوثائق التي تعود إلى ما قبل الغزو والتي احتفظت بها بعض العائالت الرومانية
فمشكوك في صحتها وقد اعترف العديد من المؤرخين القدامى أن هذه الوثائق ال تعدو أن تكون
مزورة .وفي الواقع بالنسبة للفترات القديمة وحتى القرن 5لم تكن روما تتوفر على الئحة رسمية
للسجالت القنصلية أو ألديكتاتورية ،أما الالئحة التي وصلتنا فقد تم إعدادها في وقت متأخر
انطالقا من المعلومات التي تم استيقاؤها من الوثائق الرسمية وكذا الوثائق العائلية مما فتح الباب
أمام المغالطات والتزوير.
و في النصف الثاني من القرن 4ق.م ،أصبحت روما قوة كبرى في إيطاليا وكان عليها ربط
عالقات مع العالم اإلغريقي في انتظار االستيالء على مراكزه فكان عليها مواجهة اإلغريق ليس
عسكريا فقط ولكن ثقافيا أيضا .حيث أصبح مفروضا عليهم أن يكونوا ألنفسهم تاريخا يخلد
أمجادهم الماضية وان كانت تعوزهم الوثائق ،وستستمر عملية كتابة التاريخ الروماني إلى نهاية
العهد الجمهوري وبداية اإلمبراطورية.
وبعدما أعد اإلطار التاريخي أصبح الواجب هو تحضير األحداث التاريخية التي
سيحتضنها ،لكن حصيلة القرون األولى لروما كانت هزيلة ومهمة المؤرخين صعبة خاصة الفترة
القديمة حيث الوثائق نادرة ومشكوك في صحتها ،والروايات الشفوية حول العهد الملكي كانت جد
مضطربة في حين المعلومات التي قدمتها المصادر اإلغريقية جد مقتضبة ،فاتجه المؤرخون نحو
4
األسطورة التي اضطلعت األدبيات اإلغريقية بدور هام في تشكيلها ،وأخي ار البد أن نشير إلى
مالحظتين أساسيتين:
+أن عملية كتابة تاريخ روما القديم دامت فترة طويلة زهاء ثالثة قرون ولم تنته إال في بداية
العصر اإلمبراطوري وكان الفضل الكبير فيها يعود إلى مدرسة الحوليات الجديدة في النصف
األول من القرن 1ق.م ،غير أنها لم تستطع تجاوز األخطاء المنهجية التقليدية كنشر األساطير
وعدم تحقيقها والتأثر بالتوجهات السياسية وغياب النقد بل واللجوء إلى التزوير.
+أن مفهوم الرومان للتاريخ ال يمكن مقارنته بمفهومنا الذي يجعل منه علما موضوعيا،
فكان الرومان يرون فيه مشروعا وطنيا ومدرسة لتعلم الوطنية وأداة للحكم.
- IIمصادر تاريخ روما :فالتاريخ الروماني ليس تاريخ حضارة منقرضة بل هو تاريخ حي
أي أنه مازال في تطور مستمر ،كما ال يجب اإلعتقاد أن مظاهره كلها معروفة إد ال توجد رواية
لتاريخ روما مثبتة بشكل نهائي وكثي ار ما يعترف المؤرخ بجهله لبعض العناصر ،ذلك شأن
الحضارة األتروسكية التي تعتبر أساس قيام الحضارة الرومانية التي ال زلنا نجهل عنها الكثير.
نضيف أيضا المشاكل التي تحيط بالفترة الملكية في روما والغموض الذي يحيط ببداية العهد
الجمهوري .فكثي ار ما يصبح المؤرخ عاج از عن العمل ومرغما على انتظار نتائج األبحاث التي يقوم
بها علماء اآلثار والتي بإمكانها إبراز معالم حضارة أو تاريخ أو حدث ظل مجهوال .فالتاريخ
الروماني في تطور مستمر بفضل المساهمات الجديدة التي تقدمها العلوم المساعدة كعلم النقوش
واآلثار والمسكوكات ،ومع ذلك يبقى النص األدبي أهم مصدر يبني عليه المؤرخ عمله .لكن
المالحظ هو أنه كلما حاولنا الرجوع إلى الوراء أكثر إال وقلت مصادرنا ووثائقنا وأحيانا تنعدم مما
يجعل العديد من األحداث التي شهدتها أقاليم الجمهورية الرومانية التزال مجهولة.
إن قلة المصادر المتعلقة بالتاريخ الروماني ساهمت في إعطاء قيمة كبرى للمعلومات التي
وصلت إلينا ،فعلى المؤرخ المهتم أن يولي األهمية لدراسة مصادره وعدم إهمال أية معلومة من
شأنها أن تساعده في تقصي الحقيقة حيث تعتبر كل الوثاق حاملة إلشارات يمكن استغاللها من
قبل المؤرخ ،أي يجب إخضاع المادة التاريخية للتأويل مع التحلي بالحذر دون اإلفراط في التحليل
لجعل العملية مبنية على قواعد منهجية ثابتة.
فمصادر التاريخ الروماني جد متنوعة وكتابة هذا التاريخ تعتمد أساسا على مقارنة ومقابلة
هذه المصادر ،ومن أهم هذه المصادر نذكر:
5
أ -المصادر األدبية :وتظل هي المصدر األساسي الذي يستقي منه المؤرخ معلوماته
باستمرار ،وهي تشمل مؤلفات المؤرخين والشعراء ورجال القانون والخطابة والرسائل والمنشورات
اإلمبراطورية وغيرها من كتابات الرومان واإلغريق.
ب -المصادر المنقوشة :بفضل الكتابات المنقوشة القديمة تطور علم علم المنقوشات الذي
ساهم وال يزال في إغناء معارفنا عن العديد من مظاهر الحياة عند الرومان ويتعلق األمر بكتابات
نقشت على أحجار أو على لوحات برونزية أو رخامية .
ج -علم المسكوكات :غالبا ما تقدم القطعة النقدية معلومات هامة عن الحياة في الدول أو
المدن التي استعملتها .قد تثير مواضيع دينية تتجسد في صور الآللهة الحامية أو أحد المؤسسين
الخرافيين أو بعض المنشآت الدينية ،وقد تثير مواضيع اقتصادية كصور بعض المنتجات الفالحية
أو رمو از ألنشطة إقتصادية ،أما النقود الرومانية فهي تحمل صو ار لبعض الساسة أو لبعض
األباطرة ،هكذا فالكتابات التي تحملها القطع النقدية تسمح بتتبع التاريخ السياسي للدولة.
6
اإلطارين الطبيعي والبشري
- Iاإلطار الطبيعي:
- 1روما والحوض المتوسطي :لقد لعب الموقع دو ار حاسما في التطور الذي عرفته روما،
حيث أن امتداد اإلمبراطورية الرومانية وعالقاتها مع باقي مناطق البحر المتوسطي وتحويل هذا
األخير إلى بحيرة الثينية يعود إلى عامل الموقع الذي جعلها تتوسط البحر المتوسط ،ورغم أنها
أكثر توغال في البحر إال أنها أيضا ملتحمة بالقارة األوربية عبر سهل البو ،Pôكما تقترب من
الساحل اإلفريقي عبر جزيرة صقلية .فشبه ج اإليطالية هي الحد الفاصل بين الحوضين الغربي
والشرقي للمتوسط ،فهي بذلك نقطة وصل ولقاء لكل التيارات الثقافية التي عرفها حوض المتوسط
ب اإلضافة إلى الثقافات األوربية الشمالية والشمال اإلفريقية الجنوبية .فمنذ آالف السنين شهد
الحوض الشرقي من المتوسط قيام عدة حضارات وامبراطوريات كانت تتنافس من أجل السيطرة
عليه واحتكار طرق تجارته :كامبراطورية الفراعنة في الجنوب ودويالت المدن الفينيقية على
الساحل الشرقي ثم المملكة الميسينية في كريت وبالد اليونان وبحر إيجي .ومنذ القرن 11ق.م
أخد الفينيقيون يجوبون البحر المتوسط من شرقه إلى غربه مؤسسين مستوطنات ومراكز تجارية
بسواحله ثم تبعهم اإلغريق الذين استقروا ابتداء من القرن 8ق.م جنوب إيطاليا وصقلية .أما
سواحل الحوض الغربي للبحر المتوسط فقد احتلتها منذ أزمنة غابرة شعوب مختلفة اعتمدت على
االقتصاد الرعوي والزراعي ،ورغم أن حضاراتها لم ترق إلى مستوى الحضارات الشرقية فإنها كانت
تعرف تنظيمات مختلفة تؤطر حياة أفرادها .فالمناطق الساحلية إلفريقيا كانت تتقاسمها ثالثة
شعوب هي الليبيون والنوميديون ثم الموريطانيون .وعلى عكس ما قيل أن هذه الشعوب ظلت
تعيش على هامش التاريخ ،فقد أثبثت البحوث أنها ربطت عالقات مكثفة قديمة مع مصر
الفرعونية وصقلية وشبه الجزيرة اإليبيرية وخاصة مع الفنيقيين .وفي شبه الجزيرة اإليبيرية كانت
تعيش شعوب غلب عليها الطابع العسكري ،وقد اتجهت أنظار الفنيقيين إلى هذه المناطق مبك ار
لتوفرها على المعادن النفسية (القصير).
أ -إيطاليا جغرافية التجزؤ اإلقليمي :فإيطاليا عبارة عن شبه جزيرة ضيقة تخترقها جبال
االبنان Apeninالتي تفصلها إلى عدة أقاليم كما أن هذه القمم تقف حاج از فاصال بين الساحل
الغربي والساحل الشرقي لشبه الجزيرة هذا التجزؤ التضاريسي عزل العديد من المناطق والشعوب
7
التي اعتادت على المقاومة للحفاظ على استقاللها وأرسى قواعد اإلختالفات العرقية في المناطق
اإليطالية مما منع قيام وحدة وطنية مبكرة.
و نظ ار لكون المناخ اإليطالي يطغى عليه طابع الجفاف فإن اإلمكانيات الفالحية لشبه
الجزيرة لم تكن متساوية ،فرغم وجود بعض السهول التي يمكن أن تساعد على إقامة أنظمة زراعية
فإن المناخ السائد كان يشجع اإلقتصاد الرعوي .ورغم مميزات موقع إيطاليا الذي منحها ثالث
واجهات بحرية ،فإنه لم يقدر لها أن تصبح قوة بحرية يمكن مقارنتها باإلغريق أو بالفنيقيين والسبب
يعود إلى كون طبيعة السواحل اإليطالية ال توفر الظروف المواتية إلقامة موانئ ،إضافة إلى ذلك
أن ثقافات الشعوب اإليطالية الرعوية والمنطوية على نفسها لم تساعد على توجيه األنظار الى
استغالل الموارد البحرية أو إلى تشجيع العالقات مع العالم الخارجي .لكن رغم كل ذلك فإن هذه
السواحل خاصة الجنوبية والغربية هي التي ستستقبل مهاجرين بحارة قادمين من بالد اإلغريق
سيقيمون العديد من المراكز البحرية التي أدت الى خلق مجتمعات بحرية مختلفة تماما عن
التجمعات القبلية.
ب -سهل الالتيوم :في هذا المحيط اإليطالي ستنشأ روما في سهل صغير مفتوح على
البحر يتوسط إيطاليا ،انه سهل الالتيوم الذي بسبب رطوبة مناخه إلنفتاحه على البحر فقد وفر
الظروف المالئمة لقيام نشاط رعوي ممتاز .ومن أهم العناصر الطبيعية في منطقة الالتيوم هي
نهر Tibreالذي يخترق السهل من الشمال ويعرف هذا النهر فيضانات موسمية قوية .وقد كان
مستوى مياه هذا النهر اكثر انتظاما من اليوم الشيء الذي مكنه من استقبال المراكب البحرية
وبالتالي شكل خطا للمواصالت النهرية يربط بين جبال Appeninوسهل . Latiumان هذا الموقع
االستراتيجي ساهم في توجيه خط التطور الذي ستعرفه روما والذي سيجعلها تمثل المركز التجاري
الذي سيضمن استم اررية العالقات بين المنطقين األكثر تقدما في ايطاليا هما البالد االتروسكية في
الشمال والمستوطنات االغريقية في الجنوب.
- IIشعوب ايطاليا ما قبل الرومانية :في منتصف القرن 8ق.م ( تاريخ تأسيس روما
حسب األسطورة ) كانت ايطاليا تحتضن مجموعة من الشعوب بعضها كان قد استقر منذ فترة
قديمة وبعضها في طريقه نحو اإلستقرار .وسرعان ما ستحتل حضارتان المركز األول ايطاليا هما
الحضارة االتروسكية في الشمال وحضارة المستوطنات االغريقية في الجنوب .وسيكون لهما اكبر
األثر على حضارة روما الناشئة.
8
أ -شعوب ايطاليا البدائية :كباقي مناطق البحر المتوسطي عرفت ايطاليا استق ار ار قديما
لإلنسان .وبالرغم من التقدم الكبير الذي حققته بعض أبحاث فترة ما قبل التاريخ فإن األحداث التي
عرفتها هذه الفترة مازالت مبهمة ،وسنكتفي باإلشارة إلى أن ان العرق الذي سكن ايطاليا قبل
وصول الشعوب الهندأوربية والذي عرف بالجنس المتوسطي ظلت بقاياه موجودة بإيطاليا ومن أهم
تلك الشعوب نذكر الليكوريون Liguresثم السكانيون Scanesالذين استقروا في صقلية ثم
ابعدوا الى جنوب غرب الجزيرة من طرف السيكول Séculesالقادمين من ايطاليا في القرن 13
ق.م ونهاية األلف 2ق.م .وبعد هجومات الشعوب الهنداروبية استقرت بايطاليا امم عبرت جبال
االلب واستطاعت بقوتها الهيمنة على القبائل األصلية ،فأثرت في تشكيل الخريطة اإلثنية اليطاليا.
فخالل القرن 8ق.م كانت هذه الخريطة مشكلة من عدة شعوب اهمها:
9
غير ان هذا التصور ال يلقى إقباال لدى المؤرخين ألنهم ال يتصورون حدوث هجرة كثيفة
للشعب الالتيني عبر سهل Pôقبل استق ارره في الالتيوم ،وان كانوا الينفون وجود هجرة الشمال
إلى الجنوب غير انهم يعتبرونها محدودة حيث لم تستطع القضاء على بقايا العناصر المتوسطية.
+األتروسكيون :ييمتد مجالهم من نهر أرنو حتى نهر التبر ،وكان لهذا الشعب أثره الحاسم
في التطور الذي عرفته روما منذ نشأتها .وقد ظلت أصول الشعب االوتروسكي لغ از حير العلماء.
فانطالقا من القرن 8ق.م اخدت منطقة Toscaniaتشهد تحوالت عميقة تجلت في ظهور العديد
من المظاهر الجديدة التي تنم عن دخول عناصر غيرت مجرى الحياة والى ابراز معالم حضارة
جديدة (ظهور المدن وتبني الكتابة) ،وقد بقي الجدل قائما في ما يهم أصلهم حول نظريتين
قديمتين :االولى تعود للمؤرخ هيرودوت الذي اعتبرهم من المهاجرين القادمين من آسيا الصغرى،
في حين أكد دينيس الهاليكارناسي أنهم سكان محليون تكونت حضارتهم وتطورت في أتروريا
. Etrurieوكيفما كان الحال فقد أصبحت نظريات األصل االوتروسكي هذه متجاوزة اليوم ،إذ أن
االتجاه الجديد الذي لقي ترحيبا واسعا لذى المهتمين يعتبر االتروسكيين من الشعوب المتوسطية
القديمة التي تنتمي إلى هذا المجال الجغرافي واإلثنوغرافي اإليطالي الذي عرف هجومات كاسحة
للشعوب الهندواروبية .وسواء كان رأي دعاة األصل المحلي ام راي دعاة األصل األجنبي هو
الصائب فإنه من الصعب جدا نفي المؤثرات الشرقية التي برزت آثارها واضحة في الحضارة
االوتروسكية.
أ -ثقافات ايطاليا البدائية :رغم التنوع الكبير لشعوب إيطاليا فإن ثقافاتها متقاربة جدا ،كما
ال يمكن التمييز بين ثقافة الشعوب المتوسطية والشعوب الهندواروبية ،أي اليجب ان نؤمن بفكرة
وجود قطيعة بينهما مادام أن العالقات قد تشابكت منذ أمد بعيد وتفاعلت في ما بينها ،باستثناء
جبال األبنان حيث تعيش قبائل تعيش على نمط جبلي قاسي .ونتيجة حتمية للظروف الطبيعية (
غلبة الطبيعة الجبلية) فقد احتل الرعي والترحال موقعا أساسيا في اإلقتصاد القروي.
وجدير بالذكر أن اللغة الالتينية التي كانت رسمية في روما احتفظت بالعديد من الكلمات
الهندواروبية التي تنطبق على جل مظاهر الحياة الدينية والدستورية ،وباإلضافة إلى الالتينية كانت
هناك لغات ولهجات أخرى كالفينيقية واألومبرية ولغات السابنيين والفولسكيين.
10
إيطاليا وروما في مرحلة العشائر من القرن Xإلى VIIق.م
- IIالمرور إلى العشيرة األبوية :الالتيوم وأصول روما :فالتطورات اإلقتصادية دفعت بهذا
األخير إلى اإلنتقال التدريجي من القنص والصيد والزراعة بالمجراف وهي من مهام المرأة إلى رعي
المواشي الضخمة والى الزراعة بالمحراث البسيط التي يمارسها الرجال .ساهم هذا اإلنتقال في
تكوين وحدات اقتصادية محدودة تستلزم مجهودا مشتركا أقل اتساعا من جماعات القناصين
والصيادين القديمة .هكذا مع قمة ازدهار العصر البرونزي سيحل النظام األبوي محل النظام
األمومي ،ونظ ار لوجود ظروف مالئمة بإيطاليا لتربية المواشي والزراعة فإن النظام األبوي قام في
وقت مبكر واستمر لفترة طويلة.
فالالتيوم سهل مليء بالمستنقعات يشغل وسط الساحل الغربي إليطاليا .وقدماء الالتين الذين
استقروا بهذا السهل كانت لهم حضارة تقل عن مستوى حضارة أسالفهم ،حيث تم التخلي عن
عمليات التجفيف ،وكان الالتين القدماء يعيشون في أكواخ فوق المرتفعات يتعاطون لتربية المواشي
والى زراعة عتيقة باألحواض اليابسة .لم تكن المدن آنذاك موجودة بل كان السكان مستقرين في
مرتفعات وعرة ،وحسب اآلداب الرومانية فقد كان هناك 30مرك از للتجمعات البشرية أبرزها مركز
ألب Abbeالذي كان مرك از دينيا حيث يجتمع فيه سكان 30مركز األخرى في يوم عيد اإلله
.Jupiterوالبلدة الالتينية الشمالية على الحدود مع بالد األتروسكيين التي تأسست في النصف 1
11
من األلف 1ق.م هي التي ستحمل اسم "روما" حيث كانت هناك سبع قرى للرعاة منتشرة وسط
الغابة والمستنقعات في أعالي التالل الممتدة على طول نهر التبر ،وكونوا مبك ار اتحاد التالل
السبعة ولهم حصن مشترك على تل ،Palatinوفوق تل Veliaيوجد مزار لألجداد وكذا معبد
إلهة النار .Vestaومن خالل هذه المظاهر األولية تتجلى لنا البدايات األولى لروما.
فالقرى التي ستكون فيما بعد مدينة روما ،كانت واقعة على ضفاف نهر التبر ،المجرى
النهري الكبير الذي يمر بسهل الالتيوم ويتجه نحو الشمال صالح للمالحة ،إضافة إلى طريق
أخرى مؤدية إلى الساحل الشرقي ،وفي هذه الواجهة وعلى نهر التبر ثم وضع قنطرة من الخشب
منذ أقدم العصور لتسهيل التنقل .كما وقع اختيار التجار السابنيين Sabinsعلى تل قريب
لالستقرار به ،وبنوا عليه قلعتهم الحصينة .وبفضل هذا الموقع الهام أصبحت أيضا مرك از لالتحاد
العسكري والديني للشعوب الالتينية كما توسعت حدودها الترابية.
هناك قوة توحيدية أخرى وتتمثل في واجب كل أفراد العشيرة في حمل السالح والمشاركة في
الحروب التي كانت تعتبر آنذاك شكال خاصا من النشاط اإلقتصادي :فالغارات على األقاليم
المجاورة تمكن من اإلستيالء على المحاصيل الزراعية وعلى المواشي وعلى األسلحة.
وعلى غرار ما نجد في التجمع األمومي ،هناك عامل إيديولوجي ساهم في التحام العشيرة
األبوية هي فكرة األخوة المتماسكة التي تجمع كل المنحدرين من جد واحد حيث يكون قبره
األسطوري مكانا مقدسا من طرف كل أفراد العشيرة ومكانا لممارسة طقوسهم الدينية ،وحتى يثبتوا
أصلهم كان كل أفراد العشيرة يحملون لقبا واحدا يكون مشتقا من اسم الجد المشترك.
لكن تطور وسائل اإلنتاج وتزايد أهمية الملكية الخاصة بسبب تجمع غنائم الحروب أدى إلى
تنوع في الثروات والى تمايز بين العشائر فأصبحت عشائر كبرى وقوية مقابل عشائر صغيرة
12
وضعيفة ،كما تم تحطيم المساواة حتى داخل العشيرة نفسها فرؤساء العشيرة وهم الباطريس
Patresواخوانهم وابناؤهم واحفادهم اصبحوا يشكلون ارستقراطية بالمولد واتخذوا اسم الباطريسيين
Patriciensهؤالء يستفيدون من موقعهم الممتاز داخل العشيرة فيستولون على األراضي التي هي
جماعية في األصل وكذا على باقي الخيرات االخرى وعلى معابد وم ازرات العشيرة ،اما باقي افراد
العشيرة فيتحولون إلى أتباع لهم تحت سلطتهم ،والباطريسيون الذين سيصبحون أسيادا لهم ،هم
الذين يوزعون على هؤالء قطع ارضية صغيرة ،وعليهم مقابل ذلك خدمة اسيادهم داخل المنازل وان
يخرجوا الى الحروب تحت قيادتهم ،كما أن االسياد كانوا يمثلون األتباع امام المحاكم .وكان العبيد
المحررين واألجانب يعتبرون بدورهم زبناء .وكان هذا التمايز أول عالمة تشير الى تفكك النظام
العشائري ،وهناك عالمة اخرى لتفكك هذا النظام هي ظهور فئة ثانية سفلى هي فئة البلييبين
.Plébesوقداختلفت حول أصلهم آراء المؤرخين ،وأغلب الظن ان البليين في يمثلون أقدم شعب
خضع بالالتيوم للمهاجرين وكانت حضارتهم في مستوى أرقى من حضارة الغزاة لكنها تحطمت
بسبب الغزو ،وانضاف بعض المستوطنين الذين قدموا من نقاط مختلفة من ايطاليا .لم يكن
البلبيبون يعيشون في إطار النظام العشائري ولكن في ظل اقتصاد خاص عائلي .والمرأة في
العائالت البليبية كانت نوعا ما مستقلة ،مما جعل الزواج بين الباطريسيين والبليبيين ام ار ممنوعا،
ولم يكن البليبون يمارسون شعائر األجداد بل معبودهم الرسمي هو إلهة الخصوبة .Cérès
وكان البليبيون يعانون من تبعية مرهقة تجاه الباتريسيين ،فكانوا من صغار الفالحين أو
يشتغلون بالحرف اليدوية البسيطة وببعض األنشطة التجارية المتواضعة ،فهم اليملكون ال األراضي
وال المراعي سوى أنهم يأجرون قطع أرضية صغيرة من طرف الباطريسيين وعندما يكون المحصول
سيئا أو في حالة غزو فإن البليبي يتحول إلى عبد في يد دائنه .وحقيقة كان البليبيون بمثابة أتباع،
حيث كان عليهم أداء الضريبة ولم يكن من حقهم أخد أي نصيب من الغنائم .وجميع المؤلفين
القدماء يذكرون بأن البليبيين قد تحولوا إلى عبيد في يد الباطريسيين.
هذه إذن الخطوط المميزة للمجتمع الالتيني واإليطالي خالل األلف 1ق.م ،حيث انتقل
النظام من العشيرة األبوية إلى ظهور الباطريسيين فالفئات اإلجتماعية المرتبطة بهم :من عائالت
مفلسة واتباع ثم البليبيين بدون أسالف وال أجداد ،كلهم كانوا مهددين دائما بالعبودية.
IVالمؤسسات السياسية وحضارة روما القديمة :يمكننا التأكيد بوجود ثالثة أجهزة للسلطة
بروما منذ أقدم العصور :الملك ( )Rexومجلس الشيوخ ( )Senexثم الجمعية العمومية
(.)Comice
13
- 1-الملك :لم يكن الملوك الرومان مونارشيين بالمفهوم الحديث للكلمة ألنهم أصال زعماء
قبائل ،ويمثلون المصالح المشتركة للعشائر ،ويقودون الجيش في الحروب ،كما كانوا يفصلون في
النزاعات الناشئة عن أفراد العشائر وهم أيضا كبار الكهنة للمعبودات .ووظيفة الملك لم تكن وراثية
بل زعماء العشائر و"الشعب" الروماني هو الذي كان ينتخب الملك ،وحسب الروايات الرومانية فقد
ظل الملوك يحكمون روما حتى سنة 500ق.م ،ومن بين السبعة أسماء التي وصلتنا هناك 3
ملوك األخيرين هم الذين اعتبروا شخصيات تاريخية وهم :طرقين القديم Tarquinوسرفيوس
طوليوس Servius Tulliusثم طارقين، IIحيث أسماء هؤالء نجدها في النقوش األتروسكية.
-2مجلس الشيوخ ) :)Senatوهو عبارة عن مجلس لزعماء العشائر لذلك كانوا يسمون
أيضا باآلباء ،Patresوحسب الرواية كانوا في البدء يصلون إلى 100عضو لكن بانضمام
عشائر جديدة ارتفع عددهم إلى 300عضو واحد عن كل عشيرة.
ومبدئيا كانت روما قديما مجتمع بدون فئات ،وتسيير الشؤون العامة يتم بطريقة أبوية في
غياب الدولة ،ولكن بدأت تظهر نواة أشكال أولى للحكومة موجهة أصال ضد الزبناء والبليبيين
الذين سيتم استعبادهم مع مرور الوقت.
14
تفكك المجتمع العشائري بروما .القرنين 8و 7ق.م
دخلت إيطاليا في المرحلة الثانية من العصر الحديدي ابتداء من القرن 7ق.م ،حيث أصبح
معدن الحديد هو الطاغي كما انتشر استعمال الفخار ،مما يدل على أن الحرف بدأت تستقل عن
الفالحة ،وظهور نوع من المساكن تحت مستوى سطح األرض يدل على االنتقال الى مرحلة
االقتصاد الفالحي القار ،وأيضا وجود أدوات من صنع اجنبي ( فنيقي خصوصا) يدل على نشاط
المبادالت مع العالم الخارجي ،وبدا جليا أن النظام العشائري بدأ يفقد أهميته لصالح االقتصاد
العائلي.
ومما ساهم في تطوير االقتصاد خالل القرنين 8و 7ق.م ،أن الساحل الغربي والجنوبي
اليطاليا وجزيرة صقلية كان كله عبارة عن مستعمرات يونانية .وقد نشر المعمرون اإلغريق بين
السكان األصليين تقنياتهم المتقدمة وأدواتهم ومعتقداتهم ،حيث أن االتروسكيين والالتين سيقتبسون
عنهم حروف الهجاء وفي القرن 6ق.م وانطالقا من وجود عدد من القطع الخزفية اآلتيكية (سهل
أتيكافي بالد اليونان) في عدد من المواقع الرومانية ،فإن أثينا قد مارست تأثي ار حضاريا كبي ار على
سهل الالتيوم .وفي القرن 5ق.م تم إنشاء عدد من المنشآت العمرانية على الطراز العمراني
اليوناني .وهكذا يمكننا القول بأن تأثير المستوى الثقافي الرفيع اليوناني ،شكل عامال منشطا للحياة
اإلقتصادية واإلجتماعية في روما.
و فيما يخص المؤسسات السياسية االتروسكية فمعلوماتنا ضئيلة حاليا ،فبعض المدن كانت
مسيرة من طرف الملوك ،les larsولكن يوجد على رأسهم من يسمى Zilatأي "ملك الملوك"
الدي يختار على رأس كونفدرالية المدن اإلثني عشر ،ويرأس اجتماعات ممثلي تلك المدن ،وهو
الكاهن األكبر ،وكانت شخصيته محاطة بمظاهر االكبار والقدسية.
- IIIروما تحت رحمة الملوك االتروسكيين الغزاة :أصبح من المؤكد أنه في القرن 7ق.م
أسس االتروسكيون امبراطورية شملت الالتيوم وجزءا هاما من إقليم كامبانيا ،والقرى القديمة للتالل
السبعة كانت أيضا تحت نفوذهم لتتحول إلى مدينة على الطراز االتروسكي التي ستصبح عاصمة
اإلقليم الالثيني" روما " .وتحت التأثير االتروسكي تحولت المدينة الى مركز للصناعات الحرفية
والمبادالت واحيط بها سور ،وبالساحة العمومية Capitoleتم على الطراز االتروسكي بناء معبد
اإلله Jupiterالذي أصبح المعبد الرسمي لدى الرومان والالتين الدين اقتبسوا عدة أمور في
المجال االقتصادي والمعتقدات عن االتروسكيين .ساهمت هده المقتبسات في تطور االنتاج المادي
الروماني خاصة استعمال العربة وصهر المعادن والبناء وحروف الهجاء .وحسب االدب الروماني
فإن ثالث ملوك اتروسكيين حكموا روما في القرن 7ق.م وهم Tarquinاألول وServius Tullius
ثم Tarquinالثاني الذي تصفه الكتابات الرومانية كمستبد شرس وقامع للشعب .لكن الواقع أن
حكم هؤالء الملوك الثالثة الغزاة االوتروسكيين كان يتسم باالستبداد.
16
وفي هذه الفترة صدر ما عرف في األدب الروماني"بإصالح سرفيوس طوليوس" الذي اتخذ
سلسلة من اإلجراءات التي تم تطبيقها على فترات .ذلك انه قبل تحطيم النظام الملكي شرع في
تكسير النظام االجتماعي القديم المبني على اساس عالقات القرابة والدم بين االشخاص ليحل
محله دستور حقيقي للدولة الجديدة مبني على اساس توزيع االرض واالختالف في امتالك الثروة،
وبدون شك أن سبب هذه التحوالت يكمن في احتدام الصراع بين البليبيين الذين تقووا بسبب نمو
االنتاج وبين الباطريسيين الذين فقدوا امتيازاتهم تحت الهيمنة االتروسكية ،وكانت نتيجة هذا
الصراع هي الزيادة في تفكيك المجتمع العشائري .ومن جهة أخرى فإن مصالح االسياد الجدد
االتروسكيين ساهمت في وضع حد لألوضاع السائدة قديما ألنهم يعتبرون النبالء الباطريسيين
أتباعا لهم مثلهم مثل عموم البليبيين .وهكذا بدأ التمييز داخل المجتمع ال يتم على اساس االنتماء
الى العشيرة بل على اساس الثروة .وعلى راس كل 5سنوات كان يتم إحصاء السكان وممتلكاتهم
ليعاد توزيعهم على الفئات الخمسة التي انقسم إليها الشعب ،فيصنفون في هذه الفئات حسب
ثرواتهم ،وبما ان الفالحة هي النشاط المهيمن فالملكية االساسية هي االرض ومن يملك 5
هكتارات ينتمي الى الفئة االولى النبيلة ومن يملك 3.75هكتار ينتمي الى الفئة الثانية ومن يملك
2.5هكتار ينتمي الى الفئة الثالثة ،ومن يملك 1.25هكتار ينتمي الى الفئة الرابعة ،ومن يملك
نصف هكتار ينتمي الى الفئة الخامسة ،اما الذين ال يملكون االرض كالحرفيين والتجار فكانوا ال
ينتمون الى اية فئة ومعهم الفقراء.
وهذا التقسيم الجديد المبني على اساس الثروة تم من اجل تسهيل عملية تحصيل الضرائب
وعلى الخصوص ألداء الخدمة العسكرية ،فسكان المدينة ونواحيها كانوا مقسمين الى اربعة
مقاطعات وكل فرد من الباطريسيين والبليبيين عليه ان يقدم مختلف الجبايات المفروضة وكل
الخدمات لصالح الدولة وعلى راسها الخدمة العسكرية ،وهكذا في اوقات التأهب للحرب كانت كل
فئة تقدم محاربيها في اطار سنتوريات اي مائة فرد ،centainesوهذا التنظيم كان ال يعير
اإلهتمام باالختالفات اإلثنية بين الشعب الروماني ،ينتمون أو ال ينتمون للعشائر .هكذا فإن
البليبيين ورغم األعباء الجديدة التي فرضتها عليهم واجبات الخدمة العسكرية التي لم يكونوا ميالين
اليها ،اعتبروا اصالح سرفيوس طوليوس الذي يسوي بينهم وبين الباطريسيين ،كأحد اهم
انتصاراتهم ضد الفئة االرستقراطية.
17
ويمكن ان تكون قد ظهرت في هذه الفترة النواة االولى لما سيسمى "بالجمعيات السنتورية"
وسوف لن تتخذ في البداية شكل الجمعيات العمومية كما سيكون عليه االمر في ما بعد ولكن فقط
شكل تجمعات ولقاءات بين العسكريين.
- IVسقوط الهيمنة االتروسكية ونهاية العصر الملكي :أكدت الكتابات الرومانية ان
سقوط هيمنة االتروسكيين كانت سنة 510ق.م .وبالرغم من ان هذا التاريخ ال يمكن ان يكون
مضبوطا غير ان المؤكد هو ان االتروسكيين قد غادروا روما في حوالي 500ق.م .فالتمرد بدأ
على التوالي بين مدن الالتيوم التي كانت تساندها المستعمرات اليونانية المعادية لالتروسكيين الذين
فشلوا في مواجهة تلك المدن ،إال ان الوضع سينفجر بروما حيث قاد الباطريسيون االنتفاضة إال
انه سرعان ما شارك الشعب برمته ،حيث التقى غضب الباطريسيين الذين حرمهم الملوك
االتروسكيين من امتيازاتهم الوراثية ،بغضب الشعب الذي كان يعاني من ثقل الضرائب واألعمال
الشاقة الكبرى التي فرضها عليهم آخر ملك اتروسكي وهو طرقين IIالذي أُجبر على الفرار الى
اتروريا.
وهكذا انتهى العصر الملكي في تاريخ روما ومعه فترة من تطوره االجتماعي ،فالمجتمع
العشائري وصل قمة تفككه لتبدأ مرحلة جديدة ،تميزت بهدم بقايا المجتمع القديم وبناء مجتمع
جديد ،مجتمع الفئات ،وبموازاة ذلك الظهور التدريجي ألشكال الدولة الرومانية.
18
المراحل األولى من استقالل روما ( 350-500ق.
فبعدما تحررت روما من الهيمنة األتروسكية قامت بسلسلة من الحروب العنيفة ضد
جيرانها .فقد قاوم الرومان زهاء قرن من الزمان (القرن 5ق.م) ضد األتروسكيين الذين لم
يستسلموا بالرغم من فقدانهم لالتيوم وروما ،وفي نفس الوقت كان على الرومان مواجهة هجومات
السابنيين ضد الالتيوم من الشمال الشرقي ،كما أنه من جهة الشرق والجنوب كانت الشعوب
الجبلية مثل اإليكيين والفولسكيين Equesو Volsquesتقوم بغزوات على الالتيوم .ولم تتمكن
روما من حماية نفسها إال بإلقاء القبض على حاملي األسلحة ،وانضمت في بداية القرن 5ق.م إلى
مجموعة المدن المتحالفة باسم الكونفدرالية األريسية ،وهو حلف للمدن الالتينية على رأسها مدينة
Ariciaوذلك تحت ضغط الخطر األتروسكي ،كما تم عقد اتفاق للتعاون المتبادل مع السكان
الالتين في حالة الحرب.
هذه التحالفات التي وحدت بشكل وثيق بين هذه الشعوب ،ساعدت روما على تحقيق
استقاللها ومساهمة في تحقيق االستقرار في عالقات الشعوب المستوطنة لكل إيطاليا الوسطى منذ
القرن 4ق.م ،ولكن في السنوات األولى من هذا القرن تعرضت إيطاليا الشمالية والوسطى إلى
كارثة غزو الغاليين الذين كانوا مستقرين في كل من أروبا الغربية والوسطى من المحيط األطلسي
غربا حتى المجرى األسفل من نهر الدانوب .ومنذ نهاية القرن 5ق.م اخترقت بعض الشعوب
الغالية سلسلة األلب واستوطنت سهل البو ،ومن هنا توجه الغاليون نحو الجنوب محتلين أمبريا
وعددا من المدن األتروسكية .قال المؤرخ الالتيني تيت ليف بأن"هذا العدو لم يسبق لنا رؤيته وال
السماع عنه يتقدم من سواحل المحيط ومن النهايات القصوى للعالم" وبعد 3أيام من الحروب
تمكن الغاليون من السيطرة على روما واحراقها وقتل عدد من سكانها وذلك سنة 390ق.م ،ولم
ينسحب الغاليون من روما وأراضيها إال مقابل غرامة فادحة .وتوالت غزوات الغاليين على روما
لمدة 40سنة ،أضعفتها وأفقدتها هيمنتها على الالتيوم وأصبح عليها الصراع الستعادة قوتها .والى
حدود أواسط القرن 4ق.م فقط تمكنت من استعادة قوتها لتواجه الغزاة ،وفي 350ق.م كانت
هزيمة االيكيين والفولسكيين نهائية كما احتل الرومان مجموعة من المدن األتروسكية ،وابتداء من
19
349ق.م أوقف الغاليون هجومهم على الالتيوم إد أن أراضي روما وحلفاءها اتسعت مساحتها في
هذه األثناء .وعلى طول تاريخ روما ال توجد فترة مليئة بالمخاطر والتهديدات مثل 150سنة
األولى من استقاللها ولم تنجح في الحفاظ على أراضيها وحماية حريتها إال بمد قواتها إلى أبعد
حدود البالد.
قطعت الحروب المرهقة التي توالت باستمرار لمدة 150سنة ،العالقات التجارية والثقافية بين
روما وجيرانها الذين بلغوا مستويات رفيعة من اإلزدهار والتقدم ،فمن جهة هناك خصاص في
المعادن والحبوب كما توقفت الواردات اليونانية ،إضافة إلى أن أهمية الحرفيين والتجار التي
تعاظمت أيام األتروسكيين تقلصت بسبب الحروب ،لكن بالمقابل تزايدت أهمية كبار مالكي
األرض والفئات المزارعة خصوصا من الباطريسيين الذين حولوا إلى ممتلكاتهم الخاصة تلك
األراضي التي منحت سابقا لألشخاص الرومان .وحتى يتمكنوا من استغالل مكثف لألرض ،قام
الرومان بتجفيف المستنقعات التي كانت تمأل سهل الالتيوم الذي تحول إلى بلدة خصبة .واذا
كانت نواة الجيش الروماني قد تكونت سابقا من وحدتين أصبحت اآلن مؤلفة من 4وحدات ألن
العمليات العسكرية أصبح ضروريا توجيهها في وقت واحد للجهات االربع المهددة ،وبما أن البالد
جبلية ووعرة فإن الحرب ضد عدو يتحرك باستمرار فرضت تقسيم كل وحدة كبيرة إلى مجموعات
صغرى قادرة على التحرك السريع والمستقل .إال ان النقص الكبير لالسلحة المعدنية ساهم في
جعل الوحدات العسكرية الرومانية كثيرة الحركة وسريعة.
فاالهمية القصوى للقضايا الحربية أدت الى إعادة تنظيم لجهاز الحكومة في اتجاه عسكرة (
)Militarisationوشاملة ،فبعد انتهاء السلطة المطلقة للملوك االتروسكيين اصبحت الحكومة
"ملكا للشعب" ،لذا اصبحت الدولة الرومانية تسمى"بالجمهورية" ،ولكن بما أن هذه الفترة اتسمت
بالحروب فال نسمع باسم "الشعب"بل نسمع بعبارة "الشعب العسكري" وعبارة "الجيش الروماني" لهذا
فإن الجمعيات السنتورية او تجمعات الجيش للنقاش والتقرير في القضايا الحربية وانتخاب األطر
العليا للجيش ،فقد أصبحت هذه الجمعيات السنتورية هي المجلس األعلى للحكومة .وقرار اعالن
الحرب يتخذ فيها عن طريق التصويت لجميع السنتوريات ،إال انه ناذ ار ما تتم استشارة سنتوريات
المواطنين الفقراء ،اما تصويت االغنياء فهو الحاسم.
20
ثم قاضيين ينتخبان سنويا ،كانا يختاران من بين الباطريسيين ويأتي مجلسهم في المرتبة
الثانية في حكومة الجمهورية الرومانية ،سميا بالحاكمين يشكالن االطر العليا للجيش الى جانب
احتكارهما لسلطات مدنية واسعة .وإلضعاف القوة العسكرية وتثبيت المشروعية ،تم التقليص من
سلطاتهما الواسعة ،فأعطي الحق لكل منهما بالتدخل لتعديل ق اررات اآلخر فأجب ار على التشاور
بينهما مسبقا ،فأصبحا يعينان باسم " القناصل " Conseillesمما سيزيح عنهما ذلك الطابع
العسكري المستبد.
كما أن الطابع العسكري للجهاز الحكومي مس أيضا حتى مجلس الشيوخ ،ذلك أن قدماء
القضاة العسكريين قبل إنهاء مدة خدمتهم تُعرض عليهم مقاعد في مجلس الشيوخ ،لكن مهمتهم
كانت منحصرة في االنتخاب واإلدالء بأصواتهم فقط ،دون اتخاذ الق اررات او اقتراح اجراءات
معينة .والميزة العسكرية لمجلس الشيوخ جعلته ي ِ
خضع كل القضاة الذين ينفذون ق ارراته .هكذا ُ
فالجمهورية الرومانية منذ البداية كانت تمثل هيمنة األرستقراطية العسكرية وهيمنة مجلس الشيوخ،
مما يعكس حقيقة الواقع االجتماعي في العهود األولى من الجمهورية الرومانية.
21
القضاء على بقايا النظام العشائري
وتكوين مجتمع الفئات والدولة بروما
فالقضاء على النظام العشائري تم في روما بتنظيم ثورة بعد إصالح سرفيوس طوليوس
بزمن بعيد ،فالمصادر التي تحدثت عن هذه الفترة من تاريخ الرومان غير كافية .فمؤلفات – Tite
Liveوغيره تكتظ فيها افتراضات الحوليين وشعراء العصور الالحقة وأخبار القدماء كلها تحكي ما
حق قه األسالف من انتصارات بروما .لكن ما يمكن تأكيده بالنسبة لهذه الثورة هو أن الصراعات
بين البليبيين والباطريسيين كانت البداية .ففئة الباطريسيين المهيمنة على الشعب الروماني كانت
تحاول الحفاظ على امتيازاتها القديمة ،وقد اتيحت لها الفرصة عند سقوط الملكية حيث قامت
بمركزة السلطة في لدى بعض العائالت الباطريسية .كما حاول هؤالء الحفاظ على استم اررية
االقتصاد الجماعي القديم للعشيرة التي اصبحت اراضيها ومراعيها تتضاءل بسبب توزيع بعض
القطع االرضية لزبناءها واعضاءها مؤقتا لتتحول إلى ملكية خاصة وراثية .لذلك فإن اهتمام
الباطريسيين باالراضي العمومية الغير موزعة وباالراضي الجديدة التي تم غزوها اصبح متزايدا
حيث كان هدفهم الدفاع عن حقوقهم القديمة في االحتكار االقتصادي .وفي نفس الوقت بدأت
تتشكل فئة حضرية من البلبيين األغنياء الدين كانوا يطالبون بالمساواة في الحقوق السياسية مع
الب اطريسيين وكذلك حقهم في ممارسة وظيفة القضاء وبالسماح لهم بالمصاهرة مع الباطريسيين.
أما البلبيين الفقراء فكان مطلب إلغاء الديون من أهم مطالبهم خالل القرن 5ق.م ،حيث كان جزء
منهم قد تحولوا إلى عبيد بضيعات الباطريسيين .وبالنسبة للبلبيين كانت قضية األرض من القضايا
األساسية التي نادوا بتسويتها :أي اإلستفادة من األراضي العمومية على قدم المساواة مع
الباطريسيين ،فكان البليبيون األغنياء وحدهم القادرون على الدفاع عن مطالبهم السياسية.
فالصراع الذي قادة البليبيون الحضريون قد اتخذ شكل ثورات وتمردات واستقاالت .وفعال
تمردا ت البلبيين في الجيش كانت تهديدا لألرستقراطية الباطريسية الحاكمة ،ألن هؤالء البلييين كانوا
يهددون بحل الجيش عن طريق ثورة عسكرية ،فالجيش المتمرد الذي كان مكونا أساسا من البليبيين
كان يرفض الخروج إلى الحرب او كان يغادر مواقعه ويعود إلى المدينة .وخالل فترة الفتن توقفت
22
الحياة االقتصادية داخل المدينة كما هجر الفالحون اراضيهم ،واستحوذ الجيش على ضيعات
الباطريسيين وحاصروا مساكنهم ،اما على الحدود الغير محمية كان األعداء يهاجمون األراضي
الرومانية مما دفع الباطريسيين وقادة الجيش الى القيام بتنازالت ألعادة النظام والمصالحة الوطنية
مع المتمردين ،ولما انتزع البليبيون بعض التنازالت تمكنوا بالتدريج من تحقيق برنامجهم
االصالحي.
مع بداية القرن 5ق.م أي بعد أول تمرد بليبي ظهرت الجمعيات البليبية ( Concilia
، ) Plebisوهي عبارة عن تجمعات معترف بها من طرف الباطريسيين الحاكمين ،وتضم كل
األشخاص من وضعية بليبية ،وكان لق ارراتها طابع إلزامي بالنسبة لكل الجماعة البلبية ،وكانت هذه
الجمعيات تعقد في الساحة العمومية .ومنذ سنة 471ق.م أي بعد ثاني تمرد بليبي اصبحت كل
القبائل لها الحق في اإلدالء بأصواتها داخل الجمعية التي اصبحت تسمى بالجمعية العمومية التي
تضم عموم الشعب .وحسب الروايات الرومانية أيضا فإنه مند سنة 449ق.م اضطر قنصلين
باطريسيين هما Horatiusو Valériusإلى إصدار قانون يقضي بأن الق اررات البليبية (
) Plébiscitesلها نفس مفعول القانون الموجه الى كل الشعب الروماني .وهكذا فإن عددا من
ق اررات الجمعيات البليبية دخلت حيز التنفيذ كقانون Canuleiaسنة 445ق.م الذي يسمح
بالمصاهرة بين الباطريسيين والبليبيين.
كما تؤكد المصادر األدبية أنه إبان التمرد األول سنة 494ق.م انتخب البليبيون ألول مرة
قضاة الشعب الروماني او بدقة القضاة البليبيين ،وكانت شخصية القاضي محترمة ومقدسة ،ومنذ
هذه الفترة كانوا ينتخبون من طرف الجمعيات القضائية ،ويتدخلون لصالح البلبيين ضد أية سلطة
باطريسية باستعمال حق اإلعتراض ( )Vetoفي وجه كل اإلجراءات التي تمس بالمصالح البليبية.
كما يترأس القاضي اجتماعات الجمعيات البليبية التي يستدعيها للتشاور والنقاش فيما يقترحه من
ق اررات ومشاريع .وقد شكل القضاة حماية للبليبيين ضد الوصاية الباطريسية ،فكانوا يتمتعون
بسلطات خاصة وواسعة لكن بقيود ،حيث أن القاضي لم يكن يقود العمليات العسكرية ،وكانت
سلطاتهم محدودة داخل المدينة وال تتعداها إلى البوادي واألرياف .وأثناء عمله داخل السنة يمنع
عليه مغادرة المدينة ،وال يقضي أية ليلة خارج بيته الذي يظل مفتوحا .وطبعا فإن قوة القضاة ال
تتوقف إال عند تعيين الديكتاتور .كان في البداية عدد القضاة البليبيين :قاضيين ثم 5ليصل
عددهم إلى عشرة ،ثم أخدوا يوسعون اختصاصاتهم بالتدريج حتى أصبحوا يراقبون ق اررات اعضاء
23
مجلس الشيوخ ،فكانوا يحضرون جلساتهم ومناقشاتهم ويستمعون لق ارراتهم حتى إذا كانت إحداها
تتعارض ومصلحة البلبيين فإنهم يستعملون حق اإلعتراض.
من بين العوامل التي أعطت قوة لفئة البليبيين هي القانون المكتوب ،ذلك أن ما يسمى
بالعرف كان يشكل سر قوة الباطريسيين حيث كان يفتح المجال للقناصل لممارسة هيمنتهم في
المجال القضائي والقانوني حتى منتصف القرن 5ق.م ،حيث وجد مجلس الشيوخ نفسه مجب ار من
المحاكم البليبية على تسجيل ونشر القرانين .وطبعا فإن إصالحا كهذا لم يدخل حيز التنفيذ إال بعد
صراع طويل بين مؤيدي فكرة االصالح وبين فئة من المحافظين الذين يريدون اإلبقاء على الوضع
دون تغيير .وفي سنة 452ق.م كونت الجمعيات السنتورية لجنة مؤلفة من 10أعضاء يسمون
بالديسموفيريين Décemvirsيمارسون سلطات ديكتاتورية غايتها هي تسجيل القوانين ،استمر
عملها سنتين .في سنة 451ق.م كان أعضاءها باطريسيون في مجموعهم لكن في سنة 450
ق.م اصبحت مكونة من 5بليبيين و 5باطريسيين يرأسهم اشهر ممثلي الباطريسيين هو Appius
Claudiusوكانت نتيجة عمل اللجنة هي نشر قانون مكتوب على 12لوحة من البرونز ،هذه
اللوحات وماكتب عليها لم تصلنا في شكلها األصلي ،وما نعرفه هو بعض البنود التي وصلتنا
مثناترة في مؤلفات العصور الالحقة .وما يثير االنتباه هو ان عددا من هذه البنود يتميز بالطابع
العتيق فهي إعادة لألحكام واالعراف القديمة .فالعقوبات كانت في تصور الرومان تأخذ شكل
سخط ولعنة اآللهة ضد المجرمين .ولكن مع ذلك فإن بعض األحكام من قانون 12لوحة مستوحاة
من تيا ارت تقدمية شيئا ما ،كتلك التي تهدف إلى الدفاع عن الملكية الخاصة ،او تلك التي تهدف
إلى إضعاف نفوذ رؤساء العشائر والعائالت األرستقراطية أو تهدف الى جعل التشريعات القديمة
حول الديون أكثر إنسانية.
- IVنهاية الصراع البلبي الباطريسي :تكوين فئة مالكي العبيد ،تنظيم حكومة الدولة :
فبعد تأسيس لجنة الديسموفيريين سيواصل البليبيون وأتباعهم الصراع الدي سينتهي
بانتصارهم :في 445ق.م أدخل حيز التنفيد قانون كانوليا Canuleiaالذي سيسمح بالزواج بين
الباطريسيين والبلبيين وابتداء من 444ق.م لما بدأ البلبييون يصلون إلى منصب القنصلية ،بدؤوا
ينتخبون قضاة عسكريين بليبيين يتوفرون على سلطات قنصلية ولكن ليس لهم الحق في ولوج
مجلس الشيوخ ،ومند سنة 390ق.م والى حدود سنة 367ق.م تمكن القضاة العسكريون من إزاحة
منصب القنصل نهائيا .وكان يتوجب وجود عدد كبير من البليبيين داخل هيئة القضاة ،إال أن
24
الباطريسيين ظلوا يدافعون باستماتة عن امتيازاتهم السياسية ،هكذا ابتداء من سنة 343ق.م بدؤوا
ينتخبون مراقبين اثنين من بين اشهر القناصل على رأس كل 5سنوات لمدة 18شه ار للقيام
بإحصاء المواطنين والثروات حتى يتم توزيعهم على الفئات المناسبة لهم .كما ان هؤالء المراقبين
كانت سلطتهم تهم المعتقدات ،وطبعا هذا النفوذ الواسع للمراقبين اصبح عند الباطريسيين بمثابة
وسيلة قوية لحصر التحوالت اإلجتماعية ،كما ان معرفة كل القضايا التي تهم األراضي والطرق
والمناجم والقنوات والمؤسسات العمومية لم تتأخر لتصبح من اختصاص المراقبين ،لذلك وجد قسم
من رجال األعمال انفسهم متوقفين على المراقبين مما سمح لهؤالء االخيرين من ممارسة تأثير
ضخم على األنشطة والسلوك السياسي للعناصر البليبية التي تشكل أخطر منافس سياسي
للباطريسيين .أما الشرائح السفلى من البليبيين فهي األخرى قد حصلت على تنازالت ذات طابع
اجتماعي واقتصادي ،وأهم هذه التنازالت هي أن الباطريسيين وافقوا على توزيع دائم لألراضي
الجديدة على الفالحين البليبيين ،وخالل السنوات التي تلت الغزو الغالي إليطاليا سنة 390ق.م
بلغ الصراع ذروته .وقد حاولت الفئة الباطريسية بدون جدوى كسر الحركة الشعبية بواسطة فترات
طويلة من الديكتاتوريات إلى حدود سنة 367ق.م حيث أن الديكتاتور ومجلس الشيوخ اضطروا
إلى إعادة النظر في قانون Liciniaو Sextiaالذي يهم ثالث نقاط أساسية من البرنامج البليبي:
القضية الفالحية وقضية الديون والقضية السياسية.
-1للقضية االولى ،بفضل هذا القانون أصبح لكل المواطنين الرومان الحق في الحصول
على االراضي العمومية وبالتالي تم القضاء على االحتكار الباطريسي في هذا المجال.
-2بمجرد ما يتم دفع الفوائد من طرف المدين يؤدي ذلك إلى إسقاط الدين عنه -3 .بعد
انتهاء فعالية القضاة العسكريين يتم الرجوع إلى انتخاب قنصلين سنويا حيث احدهما ينبغي ان
يكون بليبيا.
في إطار التنازالت الباطريسية ،فقد ظهر منصب قضائي جديد يشغله ناظر المدينة
(المسؤول عن البناء وتموين المدينة الرومانية) ،هؤالء النظار كانوا مكلفين بتنظيم االحتفاالت
وااللعاب الشعبية المرتبطة بالطقوس الدينية ،كما يكلفون بالحفاظ على االمن بالمدينة ،وبعد سنتين
فقط أصبح منصب الناظر مفتوحا للبلبيين الذين تمكنوا من ولوج عدد من المناصب االخرى بما
فيها منصب الديكتاتور .وفي سنة 326ق.م صدر قانون بويطيليا Poeteliaالذي وضع حدا
لعبودية الدين وتقرر ان كل المواطنين الذين استعبدوا لهذا السبب أحرار .أيضا من نتائج هذا
الصراع القضاء على معظم بقايا المجتمع العشائري القديم ،فالباطريسيون والبليبيون ال يشكلون
25
اليوم إال الفئة المهيمنة الواحدة وهي فئة "المواطنين الرومان االحرار" .فالمواطنون ال يتمايزون فيما
بينهم باألصل ولكن بالثروة وبالمناصب التي يشغلونها ،فأصبحت بعد ذلك كلمة " بليب ""Plébes
تعني سكان المدينة الفقراء ،اما األرستقراطية الجديدة والمكونة من الشرائح العليا من الباطريسيين
والبليبيين فقد تسمى بالنبيلة ،فأصبح بإمكان كل مواطن روماني بدون اعتبار لألصل أن يصبح
نبيال إذا نجح في ولوج منصب القاضي األسمى .والى جانب هؤالء تكونت فئة العبيد المحرومين
من الحرية والمبعدين عن المبادرات اإلقتصادية ،وهم غالبا أسرى الحروب وغنائم القراصنة وقطاع
الطرق ،وفي قانون 12لوحة نجد عدة إشارات للعبيد أو للمحررين من العبودية ،ففيها مثال نجد
أن األسرى األجانب هم ملك للفاعل المباشر ،عليه أن يستحوذ عليهم كأية غنيمة أخرى فبإمكانه
أن يبيعهم أو يستبدلهم...
و بتكون مجتمع الفئات عرفت حكومة الدولة تطو ار سريعا ،ومن خصائص هذه الدولة هي
الطابع العسكري ثم الديمقراطية الوهمية ،حيث في هذه الدولة كان من المفروض أن تصدر السلطة
من الشعب الروماني .وأيضا لما يتعلق االمر بالقضايا االساسية كان البد من استشارة الشعب،
لكن عمليا كانت السلطة بعيدة عن ان تكون سلطة شعبية ،فق اررات الجمعية الشعبية لم تكن إال
توجهات عامة وتتخذ بناء على مقترحات القضاة ،كما لم يكن بإمكانها التدخل في الشؤون اإلدارية
والسياسية .جمعيات القبائل التي هي اكثر الجمعيات الشعبية ديمقراطية لم تكن تمثل في واقع
األمر إال مالكي االرض المتوسطين والكبار خاصة وان المالكين الصغار لم يكن بمقدورهم
االنتقال دائما إلى روما للمشاركة في اإلنتخابات والتصويت .كما ان هده الجمعيات كانت تعطي
الغلبة للفئتين المتوسطة والعليا ،هكذا كان المجال مفتوحا لتشويه إرادة الشعب الروماني .فقد لعب
القضاة دو ار هاما في حياة الدولة الرومانية من قناصل ونظار وقضاة عسكريين وبلبيين وقضاة
ماليون مهتمون باإلقتصاد .فالهيأة القضائية وهي القوة المسيرة كانت بمثابة هيمنة األقلية
األرستقراطية الجديدة أو النبيلة التي قاومت تسرب عناصر جديدة وانضمامها إليها ،فتحولت إلى
أقلية سائدة منغلقة ،يتقاسم أفرادها الوظائف العليا فيما بينهم ويستحيل على أي فرد غريب أن
يصبح واحدا منهم.
إضافة إلى ان سيد الدولة الرومانية اصبح بدون منازع هو مجلس الشيوخ ،حيث كانت
الخزينة بين يديه وهذا يؤدي إلى ارتباط قادة الجيش به للحصول على العتاد الحربي وعلى
األجور .كما تتوقف علىيه مجلس كل التدابير اإلقتصادية .وهو من يوزع المناصب األساسية على
26
القضاة ،وهو الذي يمدد فترة عملهم إلى ما بعد األجل السنوي .كما أن أعضاء مجلس الشيوخ
يحضرون في جلسات المحاكم ،وهو الذي يستقبل ويرسل السفراء ويعدل أو يلغي االتفاقيات.
وما نسجيله عن هذه الدولة هو الطابع العسكري ،فهي عبارة عن تنظيم سياسي للفالحين
المحاربين الذين كان لهم تكوين عسكري عالي ،فالجيش الروماني كان أساسا من الفالحين ،ألن
قاعدة اإلنخراط في الجندية انبنت على أساس ملكية قطعة ارضية ،فالفرد القاطن في المدينة
والغني لكن ال يملك ارضا لم يكن يعمل إال في الوحدات اإلحتياطية فقط .ولم تكن الخدمة في
صفوف الفرسان مخصصة إال لكبار المالكين ،وهكذا نتج عن حروب القرن 4ق.م تحول جل
القضاة إلى قادة عسكريين ،وحتى مجلس الشيوخ نفسه تحول إلى أركان الحربية الدائم للدولة
الرومانية .فكل القضايا وحاجيات الشعب األخرى أصبحت مرتبطة بضروريات وحاجيات الحرب،
طبعا تركت كل هذه الظروف تأثي ار واضحا على مستقبل الشعب الروماني وتحددت بدلك الفترة
الموالية من تاريخه وهي الحروب اإليطالية ثم غزو ما وراء شبه الجزيرة اإليطالية ومن تم مرحلة
ميالد اإلمبراطورية الرومانية بحوض البحر المتوسط.
27
غزو إيطاليا وتأسيس الكونفدرالية الرومانية اإليطالية
- Iالحروب السامنتية :غزو إيطاليا الوسطى والجنوبية :منذ القرن 4ق.م بدأ ظهور
تحالفات عسكرية في وسط وجنوب إيطاليا بسبب التقدم الكبير لقوى اإلنتاج ضمت هذه التحالفات
عددا من الشع وب التي كانت ال تزال تعيش في إطار عشائر معزولة ،هكذا نجد في حوالي 380
ق.م ،كان الحلف السامنتي يضم كل األراضي الجبلبة ،هكذا فالوحدات العسكرية الجبلية إلقليم
سامنيوم Samniumوهي تبحث عن المراعي والغنائم ،كانت تنزل إلى السهول الخصبة إلقليم
أبوليا Apulieكما تسيطر وتنهب أهم المدن بكامبانيا ،واشتغل عدد من المحاربين السامنتيين
مرتزقة بالمدن اإلغريقية كمدينة سيراكو از ،Syracuseويعودون إلى مواطنهم محملين بالغنائم
واألسلحة اإلغريقية وكذا بخبرة واسعة في الفن العسكري ،وهكذا ففي النصف الثاني من القرن4
ق.م كان السامنتيون على وشك ان يصبحوا اسياد مجموع التراب اإليطالي ،إال أن توحيد شعوب
شبه جزيرة إيطاليا سيكون من عمل روما اهم المدن اإليطالية من حيث عدد السكان والمتوفرة على
تنظيم اجتماعي وسياسي أكثر تطو ار من باقي الشعوب اإليطالية األخرى ،فقد كان لوجود نظام
عبودي ولل تأثير السياسي للبليبيين االغنياء في روما اهم نتيجة هي تبني سياسة أكثر عدوانية،
فبفضل التنظيم الممتاز للجيش وكذا تحويل الدولة إلى دولة عسكرية تمكنت روما من اإلنتصار
في جل الحروب لتصبح أقوى دولة في مجموع إيطاليا ،وكان أول عمل لهذه السياسة العدوانية هو
غزو روما لمدن كامبانيا مما أدى إلى اصطدام عسكري بينها وبين الجيوش السامنتية بين 343
و 341ق.م وبعدها ستنفجر عدة ثورات ضد روما من طرف كل المدن الالتينية ،لكن بعد سنتين
من الحرب التي تسمى" بالحرب الالتينية " بين سنتي 340و 338ق.م نجحت روما في إخضاع
كل مدن الالتيوم التي أصبحت تسمى " بالمدن الالتينية الحليفة ".
و دائما من كامبانيا قادت روما حربين ضد الحلف السامنتي في سنة 327و 304ق.م
وانهزم الجيش الروماني في عدة حروب وبقي يقاوم إلى ان استسلم .لكن أعنف تلك االصطدامات
هي التي امتدت من 298إلى 290ق.م والتي توحدت فيها كل شعوب إيطاليا الوسطى ضد
روما وينضم إليهم الغاليون وكان النصر حاسما لصالح روما فأصبحت كل المنطقة الوسطى من
إيطاليا خاضعة لروما .بعد دلك وجهت االوساط الرومانية الحاكمة أنظارها نحو الجنوب حيث
أغنى المدن التجارية اليونانية الزالت تحافظ على هيمنتها ،فأعلنت روما الحرب أساسا ضد اغناها
28
واقواها هي مدينة طارنت .Tarenteوبعد هزيمتين لحقتا القوات الرومانية تمكنت روما سنة 275
ق.م من اإلنتصار على طارنت وبذلك تكون روما قد أنهت غزوها لكل إيطاليا.
- IIالكونفدرالية اإليطالية بقيادة روما :لم تنظم روما المنتصرة إيطاليا الخاضعة في إطار
الدولة الواحدة بل هي نفسها أي روما كانت تمثل نموذج المدينة القديمة المكونة من تحالفات
لقبائل إما حضرية أو قروية ،فقامت بتوحيد إيطاليا على هذا المبدأ في أسلوب فدرالي معقد يعتمد
على اإلتفاقيات المفروضة على المنهزمين ،وكانت شروط هذه االتفاقيات تختلف العتبارات منها
مدى قوة المقاومة أو موقف الشعوب اإليطالية تجاه روما في هذه األثناء ،وكان الشكل األكثر
إيجابية هو" االتفاق على قدم المساواة "الذي بفضله تحتفظ المدن الحليفة بكامل استقاللها ،واهم
المدن التي تمتعت بهذا النوع من االتفاقيات نجد مجموع المستعمرات اإلغريقية في إيطاليا وعدد
من المدن االتروسكية ،وبعض مدن الالتيوم الصديقة لروما .أما المدن السامنتية وغيرها فقد
انتزعت منها نصف اراضيها كما منعت من ربط عالقات خارجية مع شعوب أخرى ،فقط يمكنها
االحتفاظ بتقاليدها وقوانينها ،لكن عند تعيين القضاة فإن روما تتدخل لتعين الموالين لها من
األرستقراطيين ،وكانت روما تؤسس فوق األراضي المصادرة من الخاضعين مستعمرات عسكرية
يقطنها مواطنون إما رومان او التين .حبث توزع على الفقراء منهم قطعا ارضية ،أما االغنياء
منهم فكانوا يكترون األراضي الغير موزعة من الدولة ،وهكذا بدأت تتكون الضيعات الشاسعة
(لتربية الماشية خصوصا جنوب إيطاليا) ،ويمكننا تصور ان عددا من شرائح المجتمع الروماني
بما فيها حتى الفالحية ساهمت في عمليات الغزو والنهب والتخريب وابادة شعوب وقبائل ضعيفة
حيث أن فكرة" توحيد إيطاليا" قد حولت الجميع إلى مجرد أتباع لروما التي نهجت سياسة" فرق
تسد" لفرض هيمنتها وسيادتها على مجموع الكونفدرالية التي أسستها بإيطاليا.
29
الصراع بين روما وقرطاج للسيطرة على غرب البحر المتوسط
( الحروب البونية )
- Iروما في بداية القرن 3ق.م :فإخضاع إيطاليا جعل من روما أعظم قوة بالبحر
المتوسط واحدى المراكز المؤثرة في السياسية العالمية آنداك ،ففي سنة 273ق.م أرسل الملك
المصري Ptolémée Philadelpheسفارة إلى روما يعرض من خاللها صداقته وتحالفه مع
روما .وفي نفس السنة وصل سفراء رومان ألول مرة إلى اإلسكندرية .كما أن سيطرة روما على
اهم المدن التجارية اإليطالية ( )Naples Tarenteومنع الحلفاء من المتاجرة المباشرة فيما بينهم
قد ضمن للتجار الرومان احتكار مبادالت الوساطة في كل أنحاء إيطاليا ،فظهرت األنشطة
المرتبطة بالتجارة كنشاط الصرف ،وكانت فئة الصرافة تستبدل النقود كما تقدم القروض ،وظهرت
أيضا فئة السماسرة والمضاربين والتجار .وهؤالء التجار والصناع لما أدركوا أهميتهم بدؤوا يبحثون
عن وسائل لتوجيه السياسة الرومانية لخدمة مصالحهم .وهكذا في سنة 312ق.م حاول ناظر
روما وهو Appius Claudiusان يضمن لهم الدور الفعال في الجمعية الشعبية .وبالفعل بدؤوا
يمارسون تأثي ار متزايدا في الجمعية الشعبية دون اعتراض مجلس الشيوخ لق ارراتهم.
وفي النصف االول من القرن 3ق.م أصبح ممثلوا هذه الفئة التجارية يتمتعون بنفوذ كبير
حيث مباشرة بعد االنتهاء من غزو إيطاليا أجبروا روما على الصراع ضد قرطاج منافستها االولى
غرب البحر المتوسط .هذه الحروب البونية التي كانت الغاية منها هي السيطرة على غرب
الحوض المتوسطي ،اعتبرها عدد من المؤرخين المعاصرين " حروبا إمبريالية " في العالم القديم
ألنها نتجت عن تضارب المصالح بين األرستقراطيات االستعمارية والتوسعية لروما وقرطاج.
- Iقرطاج :تأسست المدينة الفينيقية قرطاج نهاية القرن 9ق.م ( 814ق.م ) وتعني
"المدينة الجديدة" ،وتحتل موقعا ممتا از في شبه جزيرة تكاد تنفصل عن القارة اإلفريقية وميناؤها
الضخم مكون من حوضين :خارجي مخصص إلرساء السفن التجارية وداخلي ثم تجهيزه الستقبال
220سفينة حربية ويحتوي على مصانع ومخازن األسلحة ،يشكل الرئة النابضة لقرطاج ،وكانت
المدينة والميناء محمية بحصن وسور منيع.
30
واعتمادا على التجارة البحرية اسس القرطاجيون أكبر امبراطورية تجارية واستعمارية التي
تضم كل سواحل وجزر غرب البحر المتوسط .وكانت محطاتها ومستعمراتها تتوزع بين افريقيا
وجنوب اسبانيا والجزر المتوسطية .وكان القرطاجيون هم الذين يديرون شؤون الشعوب الخاضعة.
وطبعا فإن الخبرة التجارية الواسعة التي امتاز بها الفنيقيون قد درت على مدينتهم بثروات ضخمة
من عبيد وذهب وعاج وفضة وقصدير مما جعل بوليب يعتبر قرطاج أغنى مدن العالم ،وكي
تدافع وتوسع امبراطوريتها قامت قرطاج بتنظيم وتجهيز جيش قوي مكون من االهالي والمرتزقة
بزاعمة قادة قرطاجيين إلى جانب قواتها البحرية.
اما السلطة السياسية في قرطاج فكانت بيد االقلية من كبار التجار ومالكي العبيد واالرض
الن الزراعة كانت هي االخرى تلعب كانت أساسية في الحياة االقتصادية للمدينة ،لذلك فإن تاريخ
قرطاج الداخلي كان مشحونا بالصراع بين افراد األرستقراطية الحاكمة من تجار ومزارعين الذين لن
يتراجعوا عن مراكزهم القيادية .وقد كان مجلس الخمسة يمارس سلطة ديكتاتورية ثم محكمة المائة
قاضي التي يخضع لها كل القضاة اآلخرين كل هؤالء يتم اختيارهم من بين ممثلي اغنى العائالت.
اما الجمعية الشعبية فكانت مق ار يعبر فيه الشعب عن غضبه .ذلك ان الضغوط القرطاجية على
القبائل والشعوب الخاضعة قد اتخذت ابعادا خطيرة ،فالضرائب المفروضة على الليبيين (سكان
شمال افريقيا األصليين) كانت تصل الى نصف عائدات الفالحين ،كما ان العبيد كانوا يشكلون
سلعة مهمة في تجارة قرطاج ،كما ان اليد العاملة الرقيقة كانت مستغلة ايضا حتى في ضيعات
االغنياء القرطاجيين بإفريقيا او صقلية .مما كان يؤدي إلى تأزم العالقات االجتماعية في قرطاج،
فباإلضافة إلى الصراع بين االتجاهات األرستقراطية فقد كانت هناك ثورات وانتفاضات قام بها
العمال االحرار والعبيد وكذا الجنود .هذه التفاوتات اإلجتماعية الداخلية شكلت نقطة ضعف لدى
الدولة القرطاجية المبنية على االستعباد .لكن هذه التفاوتات لم تعرف نفس درجة الحدة بروما ألن
بنيتها اإلجتماعية ال تزال عتيقة وأكثر تجانسا.
- IIIالحرب البونية 241-264 ( Iق.م ) ونتائجها :لقد ظلت العالقات التي تجمع روما
وقرطاج جيدة حين كانت الفئة الزراعية هي المسيطرة في روما وكذا حين كانت الدولتان تواجهان
نفس العدو المتمثل في اإلغريق واألتروسكيين ،لكن بدأت هذه العالقات تفسد مع تطور وازدهار
التجارة الخارجية الرومانية ،حيث بدأ القلق يدب في نفوس الصناع والتجار والوسطاء بسبب القوة
المتزايدة للقرطاجيين الذين أصبحوا على وشك السيطرة على كل جزيرة صقلية ،فكانت سيطرتهم
على مدينة Messanaالصقلية سنة 265ق.م سببا في جعل الجمعية الشعبية الرومانية تقرر
31
إرسال القنصل Appius Claudiusلتحرير ، Messanaوقد نجح فعال في إجبار القيادة
القرطاجية على سحب قواتها من المدينة ودون ان يعلن الحرب قام بعمليات عسكرية ضد سيراكوزة
الموالية لقرطاج وكذلك ضد القرطاجيين فدخلت بذلك قرطاج في عداوة علنية ضد روما منذ سنة
264ق.م.
و ما بين 249و241ق.م كانت الكفة تميل لصالح قرطاج حيث أن القوات الرومانية
تكبدت الهزائم المتتالية بصقلية خاصة وان القوات القرطاجية بقيادة أميلكار باركا Amilicar
Barcaتمكنت من قطع خطوط تموين الجيوش الرومانية ،هذا إضافة الى أن مجلس الشيوخ
الروماني لم يعد بإمكانه إرسال اية مساعدات وقوات إضافية إلى صقلية ألن الخزينة انهكت
وأصبحت بدون رصيد إضافة إلى أن المزارعين الرومان قد أرهقتهم الحرب التي بدت لهم أنهم
خسروها وخسروا معها كل ما يملكون .لدلك قام التجار والصناع الذين تسببوا في نشوب الحرب
بتمويل إنشاء أسطول بحري جديد وتجهيزه وتسليحه بأحدث األسلحة ،وهكذا في سنة 241انتقل
القنصل الروماني لوتاتيوس كاتولوس Lutatius Catulusعلى رأس هذا االسطول والحق هزيمة
ساحقة بالقوات القرطاجية بسواحل صقلية ،فخضعت كل مدن صقلية وأرغمت قرطاج على إرسال
وفد للتفاوض مع المنتصرين .وقد نصت اتفاقية السلم التي وقعها المتحاربون على أن تترك قرطاج
كل اراضي صقلية وان تدفع تعويضا ضخما لروما ،وان تعيد األسرى الرومان بدون مقابل،
فأصبحت بذلك صقلية إقليما رومانيا ،والبحار الغربية مفتوحة أمام بحريتها الحربية والتجارية .فلقد
خرجت قرطاج منهوكة القوة من هذه الحرب المؤلمة بحيث لم تجد ما تدفعه من األجور المتأخرة ل
20ألفا من المحاربين في جيشها الذين ثم نقلهم من صقلية إلى إفرقيا .فكانت النتيجة أن تمرد
هؤالء المرتزقة سنة 241ق.م ضد قرطاج ،كما ان األهالي الليبيين المستغلين بوحشية والعبيد
العاملين في المزارع القرطاجية انتفضوا ضد السلطات القرطاجية ،ودام هذا التمرد زهاء 3سنوات
32
إال انه تم قمعه بالقوة سنة 238ق.م وذلك بقتل وأسر زعمائه .والقائد القرطاجي Amilcar
Barcaهو من نجح في دلك .وبعد هذا االنتصارُ ،كلف Amilcarبأن يعيد األمن لألقاليم
الغربية التابعة لقرطاج ،وأن يؤسس قاعدة عسكرية قوية في إسبانيا للقيام بحرب جديدة ضد
الرومان ،وتمكن من إنهاء المهمة بنجاح وسيطر على مناجم جنوب إسبانيا واخضع السكان
الغربيين وأدخل أعدادا مهمة منهم في الجيش وبعد مقتله في إحدى حمالته ،واصل صهره
أسدروبال Asdrubalاالستعدادات الحربية وبنى قرطاج الجديدة Carthagèneالتي اصبحت
اهم المواقع القرطاجية المحصنة والقوية في إسبانيا.
لكن في روما فإن النصر على قرطاج وجه السياسة الرومانية نحو غزو اراضي جديدة وراء
البحار .وهكذا حولت القوات الرومانية جزيرتي سردينيا وكورسيكا إلى أقاليم تابعة لروما ،ونفس
السياسة قد طبقت على جزر أخرى ،إال ان هذه السياسة الخارجية لألوساط التجارية والصناعية قد
أثارت معارضة الكثلة الزراعية وبالتالي تزايد تأثير الحزب الشعبي الجديد في الجمعيات السنتورية
والجمعية الشعبية فأصبح بذلك توجه السياسة الخارجية (إعالن الحرب والسلم) وكذا انتخاب
القضاة السامون ،كل هذه القضايا ال يمكنها ان تمر إال بموافقة الفئة الوسطى ،أما المالكين
الصغار والمتوسطين لألراضي فقد بدأ ممثلوهم يصلون إلى مراكز النفوذ ،وبذلك ضمنت هذه الفئة
نصيبها من األراضي المستعمرة .وفي سنة 218ق.م اقترح الزعيم الشعبي الروماني Claudius
قانونا قوبل باإليجاب من طرف الجمعية الشعبية ،يمنع على أعضاء مجلس الشيوخ االهتمام
بالتجارة او امتالك سفن تجارية ،وهكذا أحدثت تحوالت عميقة في البناء السياسي واالجتماعي
بروما نحو االتجاه الديمقراطي ،ولهذا السبب ظهر لمجلس الشيوخ انه من المناسب تحويل انظار
الرأي العام الشعبي عن المشاكل الداخلية نحو القضايا الخارجية لذلك فإن آلية الديبلوماسية
الرومانية عملت جهدها لإلسراع ببدء الحرب البونية 2ضد قرطاج التي اندلعت سنة 218ق.م
وهي نفس السنة التي صوتت فيها الجمعية الشعبية باإليجاب على قانون كلوديوس .Claudius
- IVالحرب البونية 201-218( IIق.م) :ففي سنة 221ق.م انتهز مجلس الشيوخ
الروماني فرصة مقتل Asdrubalاسدروبال فهاجموا اسبانيا ،وقد عينت قرطاج Hannibalابن
املكار قائدا للجيش القرطاجي في إسبانيا .وقد اتسمت شخصيته بالقساوة وهو عدو لروما .أُعلن
عن اندالع الحرب البونية 2رسميا من طرف روما سنة 218ق.م ،ومع بداية الحرب انتقل
هانيبال على رأس جيش إلى إيطاليا فاقتحم سهل البو Pôمستوليا على غاليا واقاليم اخرى مما
اجج صراع االحزاب في روما من جديد ،حيث اتهم الشعب مجلس الشيوخ والنبالء بعجزهم عن
33
الدفاع عن مصالح الشعب ،لذا في سنة 217ق.م تم تعيين زعيم شعبي هو Flaminiusعلى
رأس الجيش الروماني .فالمينيوس هذا سيذهب ضحية كمين وضعه القرطاجيون له ولجيشه سنة
217ق.م ،فلم تكن فقط هزيمة عسكرية لحقت الرومان ولكنها ايضا هزيمة للحزب الشعبي .إال
ان هانبال عوض ان يتجه مباشرة الى روما قرر تكسير الكونفدرالية الرومانية معلنا نفسه كمحرر
للشعوب اإليطالية من الهيمنة الرومانية ،فأزال من طريقه كل المستعمرات والقواعد الرومانية او
الالتينية وكذا الجيوش الرومانية .فحلت الكارثة بروما حينما بدأت تنفصل عنها الشعوب الخاضعة
لها وتقف إلى جانب القرطاجيين .وكادت ان تسقط روما بيد هانيبال لوال إخالص وقوة الشعب
الروماني الذي خفف من معارضته لألرستقراطية ،وكانت خطة الحكومة الرومانية تهدف إلى
إفشال مخطط ها نيبال الرامي إلى تفكيك الكونفدرالية اإليطالية وتوحيد كل األعداء ضد روما وبعد
ذلك قطع خطوط تموين هانيبال وجيوشه حتى ال تصله قوات جديدة وقد تطلب تحقيق هذا
المخطط مرور 10سنوات تقريبا من 215حتى 205ق.م تمكنت روما خاللها من استرجاع
نفوذها على األقاليم اإليطال ية وتم فعال عزل هانيبال وقواته بإيطاليا الجنوبية كما استرجعت روما
سيادتها على صقلية بعد سحق القوات القرطاجية،ـ لكن الضربة القاضية الموجهة ضد هانيبال
كانت هي الحملة العسكرية الرومانية التي قادها سيبيون Scipionضد الوجود القرطاجي في
إسبانيا التي أصبحت أجزاءها الشرقية والجنوبية فيما بعد إقليما رومانيا .وهكذا ابتداء من 205
ق.م فكرت الحكومة الرومانية في الهجوم المباشر ضد قرطاج بقيادة سيبيون Scipionالذي نزل
بقواته في إفريقيا واستمال إليه الملك ماسنيسا ملك نوميديا الشرقية .وقد اقترح على سيبيون كل من
مجلس الشيوخ القرطاجي والقائد هانيبال السلم ،إال ان سيبيون رفض هذا االقتراح فأصبح
االصطدام العسكري شيئا حتميا لينتهي بانتصار حاسم سنة 202ق.م لصالح الرومان بقيادة
سيبيون الذي فرض شروطا قاسية للسلم مع قرطاج سنة 201ق.م وهي كاآلتي:
*لم يعد بإمكانها إعالن الحرب على جيرانها بدون موافقة روما.
*عليها تسريح جيوشها واحراق اسطولها الحربي ماعدا عشر قطع حربية فقط.
*عليها إعادة كل الغنائم التي حصلت عليها أثناء الحرب لروما وكذلك ان تعيد كل األسرى.
34
* إضافة إلى تعويض مالي باهض ،ففقدت قرطاج بذلك كل قوتها بل حتى حريتها ألن
الرومان أخذوا يتدخلون في شؤونها الداخلية مما دفع بهانيبال إلى الفرار إلى الشرق عند ملك سوريا
انتيوخوس Antiochosلتحريضه على محاربة الرومان.
ولكن فعلى الرغم من أن روما انتصرت في حربها على أخطر عدو لها فإن خمسة عشر
سنة من الحرب فوق أراضي إيطاليا خلفت أض ار ار كبيرة في كل مستويات الحياة اإلقتصادية بها.
كما أن أزيد من نصف المواطنين الرومان لقوا حتفهم خالل الحرب ومنهم من اضطر إلى هجرة
أراضيه ،كما أثقلت الدولة الرومانية كاهل الشعب بضرائب الحرب ،وانخفضت قيمة العملة
الرومانية بارتفاع األسعار ،إال أنه حتى بعد الحرب البونية االولى فإن الفئات العليا للمجتمع
الروماني أصبحت ثرواتها اكثر اتساعا ،خاصة منها الشرائح الصناعية والتجارية ،ألن التجار ورثوا
العالقات التجارية ألغنى المدن االغريقية مثل Tarenteو ، Syracuseكما انه بفضل
المصادرات التي قامت بها روما ضد المدن التي نكثت عهدها فإن اراضي الدولة قد اتسعت كثي ار
فكانت من نصيب رجال األعمال الذين كانوا يستثمرون اموالهم في الفالحة .اما الحزب الشعبي
فقد انهار وضعفت سمعته ونشاطه في المسرح السياسي وأوقف معارضته لحكومة االغنياء
الرومان .لهذه االسباب فإن السياسة الرومانية خالل السنوات الالحقة لالنتصار على قرطاج
امتازت بنهجها لتوجه الفئة النبيلة التي لم تزد ثرواتها إال تضخما .وهكذا بعد انتهاء غزو الغرب
المتوسطي فإن الفئات الحاكمة في روما لم تضع حدودا لرغبتها في التوسع ،إذ سرعان ما وضعت
نصب أعينها ضرورة غزو الشرق.
وقد نجحت روما في فرض تفوقها وهيمنتها على الحوض الشرقي من البحر المتوسط في
ظرف وجيز ال يتعدى عشر سنوات ( من 200ق.م إلى 190ق.م ) بينما مرت 118سنة كي
تتمكن روما من هزم قرطاج نهائيا .فهذا النجاح السريع مرتبط بالعالقات الدولية آنذاك ،ذلك ان
قرطاج كانت في القرن 3ق.م هي المهيمن الوحيد في الغرب بينما في الشرق كانت الحروب
المستمرة بين المدن المستقلة او الفدراليات الصغرى ،او الدويالت الصغرى المتعددة من جهة وبين
القوى العظمى الهلينستية من جهة أخرى (مقدونيا وسوريا ومصر) .كما ان الصراعات االجتماعية
داخل هذه الدول قد أضعفت من عنف مقاومتها على المستوى الخارجي ،فسهلت هذه الظروف
مهمة روما التي تمكنت من هزم مقدونيا في ظرف وجيز ال يتعدى أربع سنوات مباشرة بعد انتهاء
الحرب البونية الثانية .ومنذ ذلك الحين أصبحت روما تتدخل في الشؤون الداخلية لدويالت المدن
اإلغريقية ومساندة األرستقراطيات أينما وجدت مما جعل األوساط الديمقراطية تكن لها العداء.
35
وموقع القوة الذي احتلته روما في بالد اليونان وضعها أمام أكبر قوة هلينستية هي سوريا بقيادة
Antiochosاألكبر 3الذي كان يطمح إلى إعادة تكوين امبراطورية اإلسكندر ،وبذلك بدأ يستعد
لمحاربة روما تسانده كل البالد اليونانية ،غير ان انتيوخوس فوجئ بالهزائم من قبل القوات
الرومانية فاضطر إلى االستسالم لشروط السلم القاسية المفروضة من طرف روما مما أعطى لهذه
األخيرة السيطرة التامة والهيمنة المطلقة على مجموع البحر المتوسط في قسمه الشرقي ،وبدأ سفراء
المماليك الشرقية يلقبون الرومان "بأسياد الكون" ،ولكن حتى تضمن استمرار هيمنتها في الشرق
نهجت روما سياسة مخالفة لسياستها في الغرب ،حيث سمحت روما للماليك الخاضعة الحفاظ على
أشكال حكوماتها القديمة ،وكانت روما هي التي تتحكم وتوجه سياسة هذه المماليك الشرقية لخدمة
مصالحها الخاصة.
36