Professional Documents
Culture Documents
العامية والفصحى في مصر
العامية والفصحى في مصر
النقاش ال
يزال محتدما
مارس Qira2atProject / 2018 ,26
المال والسلطة لهما تأثير على اللغة وفرضها على الناس
الفصحى تتمتع بهيبة وتميز الخطابات الرسمية ..والعامية ال قواعد لها
د .مديحة دوس“ :مع احترامي للقومية ..مفيش حاجة اسمها نحل
مشاكل الوطن العربي كله في وقت واحد”
عرض ـ هيثم خيري:
لماذا اللغة بالذات تحتل كل هذا الشغف لدى الدارسين والمتخصصين وغير
المتخصصين؟ ثم لماذا يشغلنا تحديد الفواصل القاطعة بين مستويي اللغة:
العامية والفصحى؟ لماذا تعتبر جماهير غفيرة من “الدولتية” والقطاعات الرسمية
وغير الرسمية والمدارس النظامية أن الفصحى هي اللغة “األعلى” بينما تحتل
العامية المكانة “الدنيا”؟ لماذا أكتب هذه السطور بلغة فصحى بينما مؤكد إذا دار
نقاش بين اثنين منكم حول هذا المقال سيكون بالعامية؟
بالطبع ال تنسحب هذه األسئلة على العربية فحسب ،وإنما تشغل بال دارسين
آخرين ناطقين بلغات أخرى يصعب حصرها.
مفاهيم أولية
استطاع سيمنار سكة المعارف تصفية الكثير من المفاهيم األولية التي كنا
نتعامل معها على أنها بديهيات ومسلمات ال يجب أن يشغل بالنا االقتراب منها
مجددا ،من الهوية إلى القومية العربية وما إلى ذلك من مفاهيم كنا نظنها أبدية
وأزلية ،وتبين أن لها تاريخ محدد المعالم وحاضر ..تشعب هذا الحديث بشكل
عفوي إلى مجال آخر ال يعتبر فرعا أصيال في العلوم االجتماعية بمعناها
التقليدي ،ألننا اآلن نتحدث عن اللغة .ماهية اللغة ،ومستويات اللغة الفصحى
والعامية وقداسة اللغات وتاريخها ،ومن ثم فإننا سنناقش تاريخ اللغة ليس بمعزل
عن المجتمعات التي تتحدث به ،وإنما في القلب منه حركة المجتمع وتفاعلها
مع اللغة.
الثنائية اللغوية
تبدأ الدكتورة مديحة دوس السيمنار فتقول“ :هاتكلم النهاردة عن النصوص اللي
اتحددت لمناقشتها ،وستكون الخطة إني أعمل تقديم لمقالة “الثنائية اللغوية”
ومقاالت أخرى مرتبطة بها سواء لنفس المؤلف أو مرتبطة بنفس الموضوع
بشكل موجز ،ألنقل بشكل منطقي لكتاب “لغة مقدسة وناس عاديون”.
فرجسون ال يزال يثير جدال حتى هذه اللحظة ويتم االشارة إليه لما الباحثين
يبدأوا الحديث عن ثنائية اللغة ،هو مقال مهم ومؤسس واخترته لسبب آخر هو
أنني لم أحب أن نظل في منطقة بين العلوم االجتماعية واللغويات ،حبيت أن
ننقل إلى منطقة لغوية جدا ،بحيث ال تأخذنا إلى مناقشات دائما ما تثيرها اللغة
العربية بصفة خاصة.
وتقول مديحة دوس :إذن هناك تجاور لنمطين لغويين في الجماعة الواحدة ..البلد
الواحد ممكن يبقى فيه كذا جماعة لغوية مثل المغرب أو بلجيكا أو غيرهما ،نمط
يشار إليه باعتباره مرتفع أو عالي ونمط آخر منخفض وهو اللغة المحلية العامية.
لكل نمط من النمطين وظائف يقوم بها.
كل نمط من النمطين مرتبط بصور أو تخيالت اجتماعية نفسية (تمثيالت) ،وده
بيتضح من التوصيف نفسه “عالي” و”منخفض” ،وبالتأكيد كل نمط من النمطين
يختلف عن اآلخر.
سنة 1991راجع نفس المؤلف (فيرجسون) نفسه ـ وده شيء عظيم الحقيقة ـ
وقال إنه كتب مقال من 30سنة لكن الجميع لم يشتبك معه فيما يقوله ،وإنما
عارضوه لمجرد المعارضة ،وافتقد أن الناس عارضته أكتر مما دخلت في حوار معاه
فيما يريد إثباته ،وإنه “يفتقد” في مقال 1991أن الناس لم تضف له أمثلة أخرى
ولم تناقش وتحلل وتطور آراءه ،بل ظلت تناقضه فقط ،محدش من هؤالء
المعارضين اتكلم مثال عن اللغات “المهجنة” ،التي يفرضها المستعمر في كثير
من األحيان على البالد التي تتعرض لالحتالل مثل جزر القمر.
كما إن فيه جماعات لغوية تانية مثل الناطقين بالفرنسية واإلنجليزية لديهما
اختالفات بين مستويات اللغة ،تتوقف على سياق النص :هل هو منطوق شفهي
أم مكتوب؟ هل هو عام أم خاص؟ هل نتكلم في المكتب أو العمل أم في
المنزل؟ وهذه الثنائية لها سمات خاصة.
فيرجسون كتب هذا الكالم سنة ،1995وكان يطمح منه للتنظير الواسع ،بعدها
بعدة سنوات تحدث نعوم تشومسكي في هذا السياق ،وكان يميل إلى التنظير
لغويا ومجتمعيا.
أخذ فيرجسون أربع لغات تعريفية بيالقي فيها نفس الخصائص لثنائية اللغة،
وهي العربي واليوناني والسويسري والهاييتي ،وبيشوف السمات المشتركة
بينهم ،ثم ينقل لتصوره لما يمكن أن يحدث لهذه اللغات ،هل سيتم تحليل
الثنائية في أي طريق كان ،أو بتبني اللغة العليا ،أو تبني اللغة الدارجة
(المحلية) ،أو لغة وسيطة بين هذا وذاك ،ثم تحدث عن مستقبل اللغة بعد 200
سنة من وقت كتابة مقاله.
على الهامش كده أحب أوضح حاجة :إحنا اليوم لدينا من األعمال الكالسيكية
المترجمة للعامية ،زي عمل نص “حلم ليلة صيف” ،و”المولودة” ،و”رسالة
الغفران” للمعري ،قصدي إن فيه حركة بطيئة لترجمة النصوص من الفصحى
للعامية ،وإن كانت تدل على شيء فهي تدل على رغبة إثراء التراث العامي
لكنها ضئيلة ومتواضعة.
نرجع لموضوعنا ،وهو أن هناك هيبة تتمتع بها الفصحى بخالف العامية ،والتراث
األدبي غالبا بيبقى تراث الفصحي فقط ،واكتساب اللغة الفصحى أو العليا دايما
بيتم في المدرسة ،أما اللغة الثانية الدنيا فيتم اكتسابها في البيت والشارع ،ثم
يأتي دور “التقعيد” بمعنى وضع قواعد معيارية ،سواء بالنحو أو إنشاء معاجم أو
غيره ..كل ده موجود في الفصحي بخالف العامية ،ثم يأتي دور الرسائل العلمية
في الجامعات التي ال تكتب إال بالفصحى ،ولو فكروا في خلق لغة وسيطة لن
يتم قبولها أصال ،بعد كده بيدخل فيرجسون ألشياء أخرى مثل المعاجم اللغوية.
مديحة دوس
لغة المال
المرحلة الثانية لفيرجسون لما أراد أن ينتقد نفسه ،إنه لم يتخيل أن اللغات
الخاصة بالجماعات اللغوية في هذه البالد اللي كانت مستعمرات باستثناء
السويسرية ،سترجع بهذه القوة وتسود المجتمع في استخداماته ،مكنش عامل
حسابه إن االنجليزية هاتبقى سائدة مثال في لغة المستعمر في مصر ،بمعنى
إن مصر خضعت لالحتالل اإلنجليزي عشرات السنين ،ولم يتحدث المصريون
باإلنجليزية إال بين أبناء الطبقات العليا ،أما اآلن فالجميع يطمح ألن يتحدث
اإلنجليزية بطالقة.
أصدرت مجلة “األنثربولوجيا اآلن” سنة 1997عددا يحتوي على مقالة مطولة
وضعت مصر كنموذج لوضع لغوي متميز ،فاللغة الرسمية هي العربية ،لكنها
ليست اللغة السائدة دايما ،وليست لغة السلطة أيضا في كل األحوال ،ألن فيه
مؤسسات بتفضل في ممارساتها ومواقفها العملية اإلنجليزي على العربي ،مثال
لذلك إن التقديم للخارجية فيه تفضيل للغة االنجليزية.
الصفوة المالية في مصر مثال ،من رجال األعمال وكبار المحاسبين والعاملين في
البنوك والشركات عابرة القوميات ميعرفوش عربي كويس ،قصدي هنا القواعد
اللي تأسست عليها اللغة العربية الفصحى ،إنما يعرفوا أنجليزي أكتر ،لذلك فلغة
“سلطة المال” تبقى اإلنجليزية في مصر ،ولغة السلطة في كثير من األحيان
تصبح عامية ،ومن أمثلة ذلك أحاديث الرئيس عبد الفتاح السيسي اللي معظمها
بتكون بالعامية وأحيانا تحمل إفيهات زي “جبنا فيهم جون”.
لغة مقدسة
ننتقل لكتاب “لغة مقدسة وناس عاديون” لنيلوفر حائري ،اللي بيثير فيه التساؤل
حول اللغة العربية والحداثة ،أول سؤال تطرحه المؤلفة في كتابها إن كانت اللغة
العربية حديثة أم ال ،ولماذا يكون التحول نحو لغة حديثة شرط لحدوث بعض
التحوالت الضرورية.
السؤال األول ،بتجاوب عليه بإن اللغة العربية بالطبع ليست حديثة ،وهي ليست
ملك الناس ،بمعنى إنهم ال يستطيعوا التصرف فيها ..وهنا يجب اإلشارة إلى أن
المعيار اللي بيسمح ألي حد يقول إن هذه اللغة حديثة أن يتحدثها الشخص
ويكتبها ويمارسها وتكون ملكه ،وليس حارسا أو واصيا عليها ،وفيه شواهد كتير
جدا إننا حراس اللغة العربية وعلينا أن نحتفظ بها كما ورثناها ،وبالتالي فهي
ليست حديثة وليست ملكنا أيضا.
نيلوفر بتفرق بين معايير اللغة التي تتميز بقداسة واللغات اللي مبنية على
معايير وقواعد ولكنها ليست مقدسة ،بالنسبة للغة العربية وغيرها من اللغات
األخرى التي تتمتع بقداسة ،ال يجب االقتراب منها ،وبالنسبة للغات غير
المقدسة فتحكمها معايير الصالح العام وليس القداسة.
في فرنسا مثال بينزل كتب باإلمالء الجديد والنحو الجديد والرسائل العلمية بيتم
طباعتها بموجب اإلمالءات الجديدة للغة والتحدث بها والمشاركة في صياغات
هذه القواعد الجديدة.
ما أراه ناقصا في عمل لنيلوفر أنها تتجاهل بدون قصد المستويات المتوسطة بين
الفصحى واللغة المحلية تاريخيا ،وال ترى إن كانت قد طرأت اختالفات كبيرة جدا
بين الممارسات الكتابية واالستخدام والكالم نفسه ..مشافتش حاجة مهمة أيضا
مثل النصوص الوسيطة ،زي ما هو موجود فصحى وعامية من أول نشأة اللغة
العربية ،وتتجاهل كل هذا التراث الكبير الذي قارب بين مستويي اللغة.
وفي النهاية ممكن نقول إن عندنا ثنائية لغوية ليس لها حل .ومشكلة العامية
وكتابتها رغم انتشارها إن ملهاش معايير واضحة ،ومشكلة اللغة العربية الفصحى
أنها ال تستجيب لطلب التطوير والتبسيط ،مش بس في المفردات وإنما في
القواعد النحوية والتركيبات المعقدة.
حوار مفتوح
انتهى حديث الدكتورة مديحة دوس ،وبدأت المداخالت..
يتحدث أحد المشاركين في السيمنار عن الهيمنة اللغوية :في جزئية الخطاب
والسلطة هاذكر خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون لما كان في البرلمان
التونسي ..الراجل جيه يتكلم إننا (فرنسا يعني) والتونسيين تجمعنا ثقافة
واحدة ،وإن فرنسا هاتساعد تونس عشان تطلع من كبوتها االقتصادية ،واللي
مش هايحصل إال بالتعليم ،والتعليم يجب أن يكون فرنسيا ،ولذلك هاننشئ 200
مدرسة في تونس لتوطيد هذا االتجاه .السلطة تملك تعميم اللغة ونشرها
بالطبع.
تبادرت أسئلة كثيرة حول “هل اللغة العامية هي لغة أم مجرد لهجة” ،وتجيب
عنها د .مديحة قائلة :اللغة هي لهجة ذات أسطول كبير من القواعد والنحو
واالعتراف الرسمي والمجتمعي ،يعني تبقى بتمثل كالم السلطة ،وطول ما فيه
اعتراف ،بمعنى إنك مش هاتالقي كتب نحو توصفها ،أو قاموس ..كلمة زي “مش
شفت” جاية من الشرقية ولم تمنعها الحدود لتصل إلى القاهرة ،لكن ليس لها
قاعدة بالطبع.
البيزنس له سلطة طبعا على اللغة ،الشركات الفرنسية العاملة في مصر تتطلب
شبابا يعرفون الفرنسية ويجيدونها ،وبالتالي يفرضون سلطة لغتهم على الغير،
كذلك الحال في الهيمنة األمريكية باللغة على العالم كله.
يقفز سؤال على لسان إحدى المشاركات في السيمنار ،حول إمكانية حل
إشكاالت اللغة على مستوى “الوطن العربي” ،فتقول “دوس” :إحنا منقدرش
نحل مشاكل الوطني العربي ال لغويا وال اقتصاديا وال سياسيا ،اللغة العربية
ميهمنة بتخدم وتخص عوالم من الشرق والغرب ،يوم ما تحب تعمل حاجة ف
لغتك يجب أن تتفاعل مع العامية المصرية ،طب انا اعمل ايه في التوانسة مثال
اللي بيتكلموا هجين بين العربية العامية والفرنسية؟ لذلك هناك أهمية
لالشتغال على الذات ،ألن الزم تهتم بشئونك ومش هاتعرف تهتم بغير شئونك،
لو خليناها على المستوى العربي كله يبقى صعب إن مكانش مستحيل .أـكيد
تونس لما بتعمل قواميس مش بتشوف مصر هاترضى عن القاموس ده أم ال.
كذلك الحال فيما يخص ما يسمى بالحقبة القومية ،مع احترامي لها إنما مفيش
حاجة اسمها نحل مشاكل الوطن العربي كله في وقت واحد ،وتنتطلق جميع
هذه الحلول من مصر ..ده كالم غير علمي وبالتالي غير مجدي.