Professional Documents
Culture Documents
النظام الاقتصادي الدولي الجديد
النظام الاقتصادي الدولي الجديد
النظام الاقتصادي الدولي الجديد
يقصد بالنظام الدولي مجموعة الوحدات السياسية -سواء على مستوى الدولة أو ما هو أصغر أو أكبر -التي تتفاعل فيما بينها بصورة منتظمة
ومتكررة لتصل إلى مرحلة العتماد المتبادل مما يجعل هذه الوحدات تعمل كأجزاء متكاملة في نسق معين.
وبالتالي فإن النظام الدولي يمثل حجم التفاعلت التي تقوم بها الدول والمنظمات الدولية والعوامل دون القومية مثل حركات التحرير والعوامل
عبر القومية مثل الشركات المتعددة الجنسية وغيرها.
كانت الدولة القومية هي العامل الوحيد في السياسة الدولية ،ولم تعرف هذه المرحلة المنظمات الدولية ول المؤسسات غير القومية مثل
الشركات العالمية ،وكانت قوة الدولة مرادفة لقوتها العسكرية ،وكانت أوروبا تمثل مركز الثقل في هذا النظام .أما الوليات المتحدة الميركية
فكانت على أطراف هذا النظام ولم يكن لها دور فعال نتيجة سياسة العزلة التي اتبعتها.
كانت الفكرة القومية هي الظاهرة الساسية في النظام الدولي فهي أساس قيام الدول وأساس الصراع بين المصالح القومية للدول ،ولم تكن
الظواهر اليدولوجية الخرى قد ظهرت بعد مثل الصراع بين الرأسمالية والشتراكية وغيرها.
وخلل هذه المرحلة ظهرت اليدولوجية كإحدى أهم الظواهر في المجتمع الدولي وأخذ النقسام داخل النظام الدولي يأخذ طابع الصراع
اليدولوجي بين المعسكر الشرقي الشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي ،وتبع ذلك ظهور عدد من الظواهر مثل الحرب الباردة والتعايش
السلمي والوفاق الدولي وغيرها.
ارتبطت هذه المرحلة بمجموعة من القيم والمبادئ الخلقية والنسانية مثل الحرية والديمقراطية وحقوق النسان واحترام قواعد القانون
الدولي وإعلء الشرعية الدولية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية.
وشهدت السنوات الخيرة من عقد التسعينيات شيوع مفهوم العولمة الذي ارتبط بأحداث الثورة الصناعية الثالثة والطفرة الهائلة في وسائل
وتكنولوجيا التصال .ويشير مفهوم العولمة إلى جملة التغيرات القتصادية والجتماعية والثقافية التي تمتد تفاعلتها لتشمل معظم دول العالم،
وهي تعبر عن مرحلة تاريخية جوهرها زيادة التداخل والترابط بين مناطق العالم مما أدى إلى تراجع أهمية الحدود وسيادة الدولة في ظل تعدد
الظواهر التي تتخطى هذه الحدود.
وقد عكست هذه المرحلة تعدد وتنوع المشكلت والتحديات التي تواجه الدول خاصة في نصف الكرة الجنوبي وما رافقها من تنامي اتجاهات
التطرف والصراعات الداخلية وظهور أنماط من التصادمات والحتكاكات في النظام القيمي والفكري .ويرتبط مفهوم العولمة بهيمنة النشاط
القتصادي الرأسمالي وتحول العالم إلى سوق استهلكية كبرى لمنتجات الشركات الصناعية الكبرى .أما في المجال الثقافي فالمر يظهر
وكأنه انتصار لثقافة الشمال المتقدم على الجنوب المتخلف وفرض الذوق والثقافة الميركية والغربية على العالم.
ولمواكبة التطورات التي أصابت النظام الدولي بعد أحداث 11سبتمبر/أيلول وانعكاس هذه الحداث على طبيعة النظام الدولي فإن هذه
التطورات ستشمل الجوانب الفكرية والنظرية وكذلك الجوانب التنظيمية والقانونية وأخيرا الجوانب الحركية التي تتعلق بطبيعة الممارسات
وتوازنات القوى داخل هذا النظام.
لقد أدت الحداث والتطورات السابقة لحداث 11سبتمبر/أيلول في الجانب الفكري إلى انفراد النظام الرأسمالي بقيادة العالم ،وبدأ هذا النظام
يقدم أيدولوجيته وفكره باعتباره المؤهل لقيادة العالم ،وأنه سيسعى إلى تعميم ثقافته وقيمه على الخرين ،وأن حضارته قد انتصرت ويجب
الخذ بها كما روج لذلك فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ".
لكن أحداث 11سبتمبر/أيلول أعادت الحديث من جديد عن صراع الحضارات كما أشار لذلك صمويل هنتنغتون من قبل ،وتقترب محاور هذا
الصراع الحضاري من المفهوم نفسه الذي طرحه ،حيث صار الحديث عن انقسام العالم إلى عالم الخير الذي تمثله حضارة الغرب وعالم الشر
الذي تمثله بعض الدول العربية والسلمية المارقة وغيرها من الدول المعارضة للتوجهات الرأسمالية الميركية ،وحاولت أميركا بعد أحداث
سبتمبر/أيلول صياغة خطاب أخلقي تملي بواسطته على شعوب العالم تعريفها لمفهوم الشر والخير وتحدد من هي الدول والقوى الصالحة
والخرى الطالحة ،واتجه الفكر الميركي نحو إطلق أحكام أخلقية ذات طابع ديني منها على سبيل المثال استخدام جورج بوش البن مفهوم
الحرب الصليبية لكنه تراجع عنه ،وذلك في محاولة لتبرير شن الحرب واستخدام القوة العسكرية ،والصرار على تبرير الحرب على
أفغانستان وطالبان باعتبارها ضرورة أخلقية تصل إلى مرحلة القداسة الدينية للرد على العنف والكراهية الذي تمثله القوى الشريرة مثل بن
لدن وصدام حسين ،وذلك نقيض للفكر الميركي الذي كان سائدا قبل أحداث 11سبتمبر/أيلول والذي كان يحاول تبرير الحروب على أساس
مبادئ الحرية والديمقراطية والمصالح التي تمثل أساس الحضارة الغربية.
وقد توسعت النظرة الميركية لهمية اليدولوجيا في حربها على الرهاب ،وبدأ التركيز على ضرورة التدخل في الجوانب الثقافية والتعليمية
للشعوب الخرى خاصة العربية والسلمية لمنع ظهور التيارات الدينية التي تقف موقف النقيض من ثقافة العولمة وتعمل على التصدي لفكر
الغرب وحضارته.
لقد تميزت الفترة السابقة لحداث 11سبتمبر/أيلول بتعدد وتوزع مصادر السلطة على مستوى العالم نتيجة تصاعد قوة الشركات المتعددة
الجنسية والمنظمات عبر القومية والمنظمات غير الحكومية التي أصبحت تشكل تحديا لسيادة الدولة وسلطتها ،وطرحت معادلت جديدة
للسلطة والشرعية تختلف عن تلك التي تحتكرها الدولة.
وفي الوقت نفسه ظهرت الوليات المتحدة كممثلة لنظام القطبية الحادية وانفرادها بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء
بد ل
ل من القطبية الثنائية السابقة ،وتنطحت للقيام بدور المنظم للمجتمع الدولي ،وراود الكثيرين في العالم المل بانتهاء الحرب والتجاه
بخطوات ثابتة نحو السلم العالمي ،لكن أحداث 11سبتمبر/أيلول كشفت عن ظهور نوعية جديدة من الستقطاب وحلت ثنائية جديدة تتمثل في
مواجهة بين الوليات المتحدة وقوى الرهاب ودول وصفتها أميركا بالدول المارقة والتي تشكل ملذا للرهاب.
وبالتالي يمكن القول إن النظام الدولي قد عرف فاعل جديدا كعنصر من عناصر المجتمع الدولي يتمثل في عولمة الرهاب ،فقد خرج الرهاب
من رحم العولمة الميركية ليمثل نوعا من العولمة المضادة ،وهو فاعل ليس قطريا ول إقليميا ول يمر عبر مؤسسات الدول وله مقوماته
الذاتية واستقلليته وكثير من الجماهير المتعاطفة معه.
وأصبحت أميركا تنظر إلى انقسام العالم بين دول الخير وقوى الشر ،وبد ل
ل من تقسيم العالم على أساس أعداء وأصدقاء أصبح تقسيم العالم على
أساس الخير والشر وصار الحديث عن مجرمين وإرهابيين بدل أعداء.
وقد تم التعبير عن هذا التوجه من جانب المم المتحدة بإصدار القرار 1368والذي فوض بموجبه مجلس المن الوليات المتحدة لتخاذ
الجراءات للرد على المعتدين والمسؤولين عن العتداء على الوليات المتحدة.
وقد نجحت الوليات المتحدة في تخطي دور المم المتحدة وأقامت تحالفا داعما لهجومها على أفغانستان وتنظيم القاعدة ،وشملت هذه التحالفات
معظم دول العالم تحت ضغط القوة الميركية ،وذلك حفاظا على مصالحها وإن كان هناك عدم تحمس في كثير من الدول -وخاصة على
مستوى الرأي العام في الدول العربية والسلمية -للمشاركة في العمال العسكرية.
فيما سبق تمت مناقشة انعكاسات 11سبتمبر/أيلول على النظام العالمي من ناحية الفكار والجوانب النظرية تبعها الجوانب التنظيمية
والمؤسسية ،وفيما يلي سنحاول رصد أهم الممارسات والجوانب الحركية الفعلية التي حدثت على أرض الواقع .وسوف تشمل هذه التغيرات
الجوانب السياسية والقتصادية والعسكرية سواء داخل الوليات المتحدة أو خارجها.
وتظهر هذه السياسة على المستوى الميركي عبر عدة ممارسات منها تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين بأعمال الرهاب ،وصدور
قانون حرية التفتيش والحتجاز ،وفرض رقابة ذاتية على وسائل العلم .ولقد كشفت أحداث 11سبتمبر/أيلول عن هشاشة النظام الميركي
والديمقراطية الميركية عن طريق اختلل التوازن بين السلطات لصالح السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية وقوى المجتمع
المدني ،وتحول النظرة الشعبية للرئيس الميركي باعتباره قيادة حاسمة ومؤتمنة ،كما أظهرت تلك الحداث تراجع دور القضاء نظرا للبنود
الواردة في قانون مكافحة الرهاب ،هذا بالضافة إلى التعاون مع أنظمة عسكرية مثل مشرف في باكستان وتشجيع قيام نظام قبلي في
أفغانستان ،وقد قامت أميركا بتنصيب نفسها للقيام بدور المنظم للعالم بالضافة لدورها في قيادة العالم ،وقد أدى هذا الدور لوجود مقاومة
ومعارضة في كثير من مناطق العالم ،فقد كانت أحداث 11سبتمبر/أيلول نقطة فاصلة في تحدي نفوذ وهيمنة الوليات المتحدة وتعرضها
لهجوم واسع في عقر دارها مما شكل اهتزازا لمكانة الوليات المتحدة كدولة عظمى ،مما أدى إلى زيادة انغماس أميركا في القضايا الدولية ولم
يعد بإمكانها النعزال عن العالم ،وصار مطلوبا منها مراقبة التحديات التي تواجه قيادتها للعالم سواء من الداخل أو الخارج.
الموقف الروسي
من ناحية الجغرافيا السياسية أعادت أحداث 11سبتمبر/أيلول التنبيه إلى أهمية آسيا الوسطى وموقعها الستراتيجي باعتبارها تشكل قلب
العالم ،وقدمت روسيا تنازلت سياسية وأمنية في هذه المنطقة التي كانت من المحرمات في السياسة الروسية ،وقدمت روسيا نفسها كشريك
للغرب في محاربته للرهاب بد ل
ل من كونها مهددا لهذا الغرب ،وأدى تأييد معظم الدول الكبرى في شمال العالم للعمليات العسكرية الميركية
إلى الحديث عن تعاون نصف الكرة الشمالي ضد المخاطر القادمة من النصف الجنوبي.
المجموعة الوروبية
أما المجموعة الوروبية فقد افتقدت إلى التحرك الموحد تجاه أحداث 11سبتمبر/أيلول ،فرغم الوحدة القتصادية والمالية التكاملية التي حققتها
أوروبا فإن ردود فعلها تجاه الحداث عكست غياب وجود سياسة خارجية موحدة ،حيث اتسمت مواقف دولها بالفردية وبادرت كل دولة
للتصال بالوليات المتحدة من منطلق ظروفها الخاصة ،وبالتالي فإن هذه الحداث كشفت عجز أوروبا عن أن تشكل قوى سياسة وتتبوأ مكانا
يليق بقوتها إلى درجة وصفها بأنها عملق اقتصادي لكنها ليست سوى قزم سياسي.
العالم العربي
أما في المجال العربي فيمكن تلخيص انعكاسات أحداث سبتمبر/أيلول على الوطن العربي بالقول إن الوطن العربي كان معنيا بهذه الحداث
أكثر من غيره وذلك لتهام عناصر عربية بالوقوف وراء هذه الحداث ،هذا بالضافة إلى اتهام بعض الدول العربية بأنها على علقة
بالمتهمين ،وبالتالي فإن المنطقة العربية كانت الطرف الول في هذه الحداث وأميركا هي الطرف الثاني .لكن الملحظ أن أميركا حاولت
المحافظة على استقرار المنطقة العربية ولم تحاول إدخالها في نظام العولمة بما فيها من ديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها من أطر سياسية
واجتماعية حديثة مما انعكس سلبا على المنطقة ،وجعلها مكانا للقوى المتطرفة.
وبالتالي فقد اختارت أميركا إعلن الحرب على الرهاب في منطقة الشرق الوسط الذي كان المجال الطبيعي للحرب الميركية ،وقد شملت
هذه الحرب التهديد بالعمل المسلح ضد بعض الدول واستخدام وسائل استخبارية وأمنية ضد أنظمة وتنظيمات وجمعيات وأفراد وامتدت لتشمل
مجالت الثقافة والنشطة الخيرية.
ولكن المشكلة الكثر إثارة في المنطقة العربية ذلك التوافق بين الهجوم الميركي على الرهاب وحرب شارون على النتفاضة ،وانشغال
الدول العربية بتأكيد خيارها الستراتيجي نحو السلم ومحاربة الرهاب ،مع الصرار على تأييد النتفاضة كحق شرعي ورفض ربطها
بالرهاب ،لكن السياسة السرائيلية حاولت الربط بين النتفاضة والحرب على الرهاب وحاول شارون تقديم مجازره ضد الشعب الفلسطيني
والنتفاضة بأنه يقوم بدور الوكيل على السياسة الميركية في محاربة الرهاب في الشرق الوسط وهناك تيارات واضحة في أميركا لتأييد
هذه السياسة.
إن خضوع المنطقة لحربين في وقت واحد من جانب إسرائيل والوليات المتحدة قد عزز انحياز أميركا لسرائيل وبالتالي قلل من إمكانية قيام
أميركا بدور نزيه في تحقيق السلم في المنطقة .وحال في الوقت نفسه دون وجود دور فعال للمم المتحدة والشرعية الدولية ،مما عزز موقف
الرأي العام العربي الرافض للهيمنة الميركية.
لكن بعد أحداث 11سبتمبر/أيلول تحولت هذه الستراتيجية نحو إعطاء أولوية للحرب على الرهاب وتبني سياسة الضربات الوقائية لظهور
تهديدات من جانب مجموعات مسلحة ،والعمل على توسيع دائرة الحرب لتشمل دو ل
ل أخرى غير أفغانستان مع السعي لتشكيل تحالفات
عسكرية متعددة الطراف والتخلي عن سياسة العزلة.
وفي الوقت نفسه احتفظت السياسة الميركية لنفسها بحق استخدام السلحة النووية بشكل محدود ضد الدول التي تعتبرها الوليات المتحدة دول
مارقة ترعى الرهاب وتهدد السلم العالمي بامتلكها لسلحة الدمار الشامل مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية ،وقد قادت هذه السياسة إلى
وجود مفهوم جديد للمن وصار الحديث :هل المن مرتبط بأمن الحدود أم أمن المواطنين أم أمن المصالح الميركية ،وهل المن يكون لكل
دولة على حده بمعزل عن الدول الخرى أم أنه أمن جماعي يفترض نوعا من العتماد المتبادل ،وهل التهديدات للمن تأتي من الخارج أم من
الداخل؟ لقد اكتشفت أميركا أنها تواجه تهديدا من نوع جديد يستهدف الكيان والوجود الميركي عبر استخدام أسلحة وهجمات غير متوقعة
بهدف تحقيق خسائر مادية وبشرية جسيمة ويصل بالخطر إلى قلب أميركا والمواطن الميركي لول مرة مما استدعى مواجهته بهجوم ساحق
وحرب شاملة من طرف أميركا تعبئ فيه كل إمكاناتها العسكرية والسياسية والقتصادية ،فالحرب التي تشنها أميركا على الرهاب ل يوجد
فيها عدو واضح ينبغي هزيمته ول توجد فيها معايير محددة للنصر مما يجعل هذه الحرب ممتدة ومتنوعة الوسائل وهي تطلب إعادة تقييم
القوى النسبية التي تهدد الوليات المتحدة.
وأدت هذه التغيرات في مفهوم المن الميركية إلى إعادة تحديد مهمة جهاز المخابرات ) (CIAوإمكانية استخدام مصادر معلومات جديدة،
وفتحت المجال لسهام القطاع الخاص للمشاركة في هذا المجال عن طريق تطوير التكنولوجيا المنية مثل أجهزة كشف السلحة والمتفجرات
وأجهزة مكافحة التلوث والسلحة الكيماوية وغيرها.
كشفت الممارسات الفعلية التي أعقبت أحداث 11سبتمبر/أيلول عن استخدام مفرط للقوة العسكرية الميركية وتهديد للمن القومي لعدة دول
بحجة مقاومة الرهاب لن أميركا اكتشفت أنها أمام عدو من نوع جديد يتمثل في شبكة واسعة من التنظيمات الفرعية التي ل تحكمها هياكل
تنظيمية محددة ول تعمل في إطار خطة عسكرية ول يمكن توقع أفعالها ،لذلك عمدت أميركا إلى سياسة النتشار العسكري والتي بدأت باليمن
والفلبين وتحقيق النفتاح العسكري في كل من ماليزيا وإندونيسيا والسودان والصومال وغيرها لضمان امتداد المظلة العسكرية الميركية إلى
معظم المناطق التي يتوقع انتشار تنظيم القاعدة فيها ،مع إعطاء الضوء الخضر لشارون لستخدام كل طاقات إسرائيل العسكرية ضد
النتفاضة وتهديد المؤيدين لهذه النتفاضة في المنطقة العربية سواء على الصعيد الشعبي أو الحكومي.
وكان ينظر للوليات المتحدة باعتبارها القائدة لهذا النظام القتصادي العالمي القائم أساسا على العولمة والخصخصة في الوقت نفسه وأن هذا
النظام يعطي أهمية للشركات العملقة ومؤسسات التمويل الدولية لدارة النظام القتصادي العالمي.
وجاءت أحداث 11سبتمبر/أيلول لتشكل نقطة فاصلة في تحدي نفوذ الوليات المتحدة بوصفها القوة العظمى والعملق القتصادي المهيمن
على النظام القتصادي العالمي وتعرضها لهجوم واسع استهدف رموز عظمتها القتصادية.
وقد أدت تلك الحداث إلى زعزعة الثقة في القتصاد الميركي ،وأدت إلى انهيارات في سوق السهم والسندات الميركية وتراجع قيمة
الدولر مقارنة بالعملت العالمية الخرى ،وتزايد نسبة البطالة وإعلن بعض الشركات عن إفلسها وما تبع ذلك من ظهور فضائح في
ميزانيات الشركات الكبرى .وقد قدرت قيمة الخسائر المادية نتيجة تلك الهجمات على أميركا بأكثر من 60مليار دولر هذا بالضافة إلى
الخسائر الناتجة عن النفقات الخرى المتعلقة بالعمليات العسكرية اللحقة.
وتركزت جهود الوليات المتحدة في المجال القتصادي بعد تلك الحداث على تأمين النفقات العسكرية للمجهودات الحربية الميركية وتقديم
الدعم للدولة المؤيدة للجهود الميركية والتي تشمل باكستان ودول آسيا الوسطى وحتى روسيا التي تحاول الحصول على مساعدات اقتصادية
غربية كعائد لمساندة أميركا في حربها على الرهاب ،هذا بالضافة إلى بعض دول العالم العربي مثل الردن ومصر.
وفي الوقت نفسه تعاظمت الجهود الميركية لتقييد الدعم القتصادي للمنظمات "الرهابية" عبر تجميد حسابات عدد من المنظمات والجمعيات
والشخاص المتهمين بأن لهم علقات مالية بتنظيم القاعدة وغيرها ،وفرض نوع من القيود والرقابة على حركات الموال عبر العالم.
ونتيجة لذلك كله عانى القتصاد الميركي من التباطؤ في النمو وظهور المشاكل القتصادية على السطح بعد تراجع حجم الستثمارات مما
دفع الدولة الميركية للتوسع في مجال النفاق العام ،خاصة المجال العسكري وتصاعد التجاه نحو عسكرة القتصاد ،وفتح المجال لسهام
القطاع الخاص في الجهود الميركية لمكافحة الرهاب لتنشيط العملية القتصادية.
الخاتمة
لقد أثبتت أحداث 11سبتمبر/أيلول 2001في الوليات المتحدة هشاشة النظام الدولي المعاصر ،فبعد تحول النظام إلى الحادية القطبية اعتقد
الكثيرون بأن هذا النظام سيشهد فترة من السلم العالمي والتجاه نحو تفعيل الشرعية الدولية وتسوية المنازعات بالطرق السلمية ،لكن أحداث
11سبتمبر/أيلول كشفت عن تحول الصراع في العلقات الدولية إلى صراع بين الدول العظمى وهي الوليات المتحدة وبين ظاهرة الرهاب
وهي ظاهرة غير محددة المعالم وليس لها وطن محدد ،ولقد أظهرت الحداث بصورة جلية ضعف النظام الدولي عن طريق تجاوز أميركا
لطر هذا النظام وعدم العتماد على الشرعية الدولية في إدارتها للصراع أو ترتيبها للنظام الدولي ولجوئها للقوة الساحقة في محاربة أعدائها
أو تهديد مصالحهم.
وتشير التجاهات المستقبلية في النظام الدولي الجديد إلى عودة التركيز على سيادة الدولة ،فبعد أن اقتحمت سيادة الدولة وهددت من قبل
المصالح والمنظمات العابرة للقارات والتكنولوجيا الحديثة ،عادت أميركا لتتراجع عن هذا التوجه وتسعى لعطاء الدولة على مستوى العالم
دورا جديدا يتمثل أساسا في مكافحة الرهاب وتأييد جهود الوليات المتحدة العسكرية والسياسية والثقافية في وقف التهديد للمصالح الميركية
على مستوى العالم حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز حقوق النسان والحريات الممنوحة للمواطنين سواء داخل الوليات المتحدة أو خارجها،
وظهر اتجاه نحو التراجع عن مبدأ العولمة المبشر بالنفتاح على الخرين وحصل انكفاء في الموقف الميركي يقوم على عدم الستعداد لقبول
أي موقف أو فكر يرفض الهيمنة الميركية مما سبب لها خلفات مع أصدقائها وحلفائها في العالم وهو ما يهدد استقرار النظام الدولي الجديد.